الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية

ابن علان

[مقدمة الشارح]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذاكر من ذكره، المغدق سحائب النوال على من شكره، المانع شآبيب رحمته عمن كفره، المخصص بتقريبه من أقر بوحدانيته وألقى لأدلتها فكره، وأشكره على ما من به من النعم، وكفه من أكف النقم، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وذخرنا وملاذنا محمداً عبده ورسوله، خير من نبأه، وأشرف من أرسله - صلى الله عليه وسلم - وزاده فضلاً وشرفاً لديه، وعلى آله وصحبه، وتابعيه وحزبه، صلاةً وسلاماً دائمين دوام فيض المتواتر، متكاثرين تكاثر النعم التي عمت البادي والحاضر. "وبعد" فيقول فقير رحمة ربه، الهارب من سوء فعله وقبيح ذنبه، المتوسل بأشرف الأنبياء إليه أن يجعله من حزبه، ويمن عليه برضاه وقربه، محمد علي بن محمد علان، البكري الصديقي الشافعي، خادم الأحاديث النبوية، والآثار السنية، بمكة المشرفة البهية، غفر الله لهما ولسائر المسلمين، وكان لهما ولهم في كل وقت وحين، وتوفاه على الإسلام، وأدخلهم الجنة يوم القيامة آمين: أن الكتاب المسمى "بحلية الأبرار، وشعار الأخيار، في تلخيص الدعوات والأذكار" تأليف حبر الأمة وعالمها، وشيخ الشريعة وحاكمها، وناصر السنة النبوية، وقامع البدعة غير المرضية، محرر مذهب الشافعي الإمام ومذهب إشكال ما أشكل من الأحكام، المتفق على جلالته، وعلو رتبته وولايته، وارتقاء مكانته، "الشيخ محيي الدين أبي زكريا يحيى النواوي الشافعي" تغمده الله برحمته، وأنزله دار كرامته، وأعلى نزله

ببحبوح جنته، وأعاد عليّ وعلى أحبائي وعلى المسلمين من بركته، كتاب عظيم المقدار، سامي الفخار، ذكر مؤلفه بذلاً للنصيحة لا من باب الافتخار أنه لا يستغني عنه طالبو الآخرة الأخيار، وقال غيره من العلماء الذين عليهم المدار "بع الدار واشتر الأذكار" وقال غيره من السادة الخيار "ليس يذكر من لم يقرأ الأذكار" وهو كاف للمريد في حاله، وصل له إلى نهاية مطلوبه وغاية آماله، لاشتماله مع الأذكار، على حلية الأولياء وكثير من شعار الأخيار، ولذا علق عليه أهالي الصلاح، وشرب من سلسبيل زلاله أرباب الفلاح، ولم أر من كتب عليه ما يحتاجه الطالب، من كثير المطالب، من تفسير غريب زائد على ما أودعه المصنف فيه، وتبيين الراجح في مسائل يحتاج لتحرير حكمها الفقيه، وذكر أسرار بعض الأذكار، وتبيين ما انكمن من الجواهر في تلك البحار، فأحببت أن أجمع جانباً من ذلك في هذا الكتاب، يكون على سبيل التقريب لذوي الألباب، سالماً عن الإيجاز المخل، والإطناب الممل، رجاء عموم النفع به إن شاء الله تعالى لكل طالب، وإسعافه بأنواع المطالب، وقد اختصره غير واحد من العلماء الأعلام، فاختصره ابن رسلان والحجازي، وحافظ عصره الجلال السيوطي، وشيخ قطره بحرق الحضرمي، وغيرهم وأملى عليه الحافظ النحرير، والإمام النافذ الحجة الحاكم الخبير، أمير المؤمنين في الحديث، المتفق على تقدمه في القديم والحديث "شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني" أمالي استخرج فيها أحاديثه، وبين مرتبة أحاديث الكتاب من صحة أو حسن أو ضعف أو اضطراب، ومات قبل إكمالها وأملى متمماً لذلك تلميذه الحافظ السخاوي، وتوفي قبل الإكمال أيضاً، ومجموع الأمالي في نحو ثلاث مجلدات، وهذا المعنى إنما ينتفع به ذو الشأن من المحدثين أصحاب المعرفة والإتقان لما فيه من بيان ما يتعلق بالمتن من بيان مبهم وزيادة جملة وإيضاح مشكل وتفضيل مجمل،

وما يتعلق بالسند من انقطاع واتصال وإرسال ولذا اعتنى به المتقنون من المحدثين أتم الاعتناء وجعلوه أعلى أنواع التحمل، كما قال بعضهم بذلك معلناً: بادر على كتاب الأمالي جاهداً ... من ألسن الحفاظ والفضلاء فأجل أنواع الحديث بأسرها ... ما يكتب الإنسان في إملاء وبيّن سببه الحافظ ابن حجر بقوله: إن في الأمالي من مزيد الضبط ما ... لم يخف إلا عن أخي عمياء فالشيخ قد يسهو متى يسرد كذا الـ ... ـقارئ وإن كانا من النبهاء وقد تقاصرت الهمم عن هذا المقام، وتقاعدت طلبة الطلبة عن طلب هذا المرام، مع أني لا أغفل شيئاً مما فيه مما يحتاج إليه من ذكر المخرجين للحديث وبيان مرتبته، وأعرضت عن التطويل بذكر الأسانيد، وإن كانت لأرباب الحديث ألذ مشتهى وأحلى من الفانيذ، على أن الكتاب موضوع للعموم، مقصود لاشتراك الخواص وغيرهم في فهم ما له من منطوق ومفهوم، فاستخرت الله الذي ما خاب من استخاره، واستجرت بحبله المتين وهو لا يضيم جاره، في وضع هذا التعليق، ليكون كالمعين لمطالعيه من أرباب التوفيق، سالكاً فيه طريقاً سالمة من الإيجاز والإطناب، تاركاً للكثير مما يحصل به الملل والإسهاب متكلماً على ما يحتاج للكلام، ساكناً عن الواضح البين للإفهام. ناقلاً لجواهر درره من معادنها، مبرزاً لخبايا عرائسه من مكامنها، ليس فيه سوى التقريب، والله المرجو في النفع به وقبوله أنه المجيب القريب، وسميته الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية" جعله الله بمنه مقبولاً، وبالقبول والنفع مشمولاً، سبباً للنجاة من هول يوم القيامة، وذخيرة معدة عند سيدنا محمد المظلل بالغمامة، عليه أفضل الصلاة والسلام والتحية والسلامة، وأحبولة لنيل فضله والكرامة والله الكرام يعطي إن شاء لكل عبد من فضله مرامه. وهو حسبي ونعم الوكيل.

[مقدمة النووي]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لِلهِ الواحدِ القَهَّارِ، العزيزِ الغفار، مقدرِ الأقدار، مصرفِ الأمور، مكوِّرِ الليل على النهار، تبصِرةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (الحمد لله) سيأتي الكلام على الحمد في بابه إن شاء الله تعالى. قول: (القهار) ذكره عقب الواحد المستلزم له لأن مقام الخطبة مقام إطناب، وتنبيهاً على علو مقام الرهبة المنبئ عن أوصاف الجلال، المبني عليه كل شرف وكمال. قوله: (مقدر الأقدار) يصح فيه النصب على الحالية ولا يمنع منها إضافته بناء على جعلها لفظية، واسم الفاعل فيها للتجدد والحدوث، والجر على الوصفية، ويقدر الوصف فيه للثبوت والاستمرار فتكون الإضافة معنوية، أو على البدلية سواء كانت الإضافة لفظية أو معنوية، والأقدار جمع واحده قدر، وهو بفتح الدال مصدر قدر يقدر قدرًا، وقد يسكن، عبارة عما قضاه الله وحكم به من الأمور، كذا في النهاية لابن الأثير. قول: (مكور الليل إلخ) في مفردات الراغب كور الشيء إدارته وضم بعضه إلى بعض ككور العمامة. وقوله: " {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ} [الزمر: 5] الآية" إشارة إلى جريان الشمس في مطالعها وانتقاص الليل والنهار وازديادهما. اهـ. وفي تفسير الواحدي {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ} يدخل هذا على هذا، والتكوير هو طرح الشيء بعضه على بعض اهـ، وفي عبارة المصنف اقتباس كما لا يخفى على الأكياس، اكتفى بذكر تكوير الليل على النهار عن مقابله وإنما اقتصر عليه لأن الليل لخلوته وخلوه عن الاشتغال محل الاشتغال بالذكر والطاعة في الأقوال والأفعال فلذا عمم طلب الذكر في جميع أوقاته ولا كذلك النهار في قوله: {وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ} [طه: - 130]. ولذا فضل النفل المطلق فيه على نفل النهار وسيأتي لهذا مزيد. قوله: (تبصرة) أي تبصيراً وتبييناً وهما مصدرا بصر، المضعف

لذوي القلوب والأبصار، الذي أيقظ مِنْ خلقه مَن اصطفاه فأدخله في جملة ـــــــــــــــــــــــــــــ يقال: في مصدره تبصيراً وتبصرة كقدم تقدمة وتقديماً ثم هو مفعول أو حال. قول: (لأولي) أي أصحاب وهو اسم جمع واحد ذو بمعنى صاحب وكتبت الواو بعد الهمزة فيه حال النصب والجر لئلا تشتبه بألى الجارة وحال الرفع طرداً للباب. قول: (والأبصار) جمع بصر في مفردات الراغب البصر يقال للجارحة الناظرة وللقوة التي فيها ولقوة القلب المدركة ويقال لها بالمعنى الأخير بصيرة أيضاً اهـ، وعلى الأولين فالعطف على القلوب من عطف المغاير وكذا على الأخير وليس من عطف الرديف لأن البصر اسم لقوة القلب المدركة لا للقلب وأتى به دون البصائر للإيهام المذكور وللسجع المستلذ في السمع. قوله: (الذي أيقظ) إن أعرب "مقدر" بدلاً فيجوز أن يكون الموصول بدلاً أيضاً فيكون مجرور المحل، وأن يكون خبراً لمبتدأ محذوف فيكون مرفوعه ولا يجوز اعرابه حينئذٍ نعتاً لأن البدل إذا اجتمع مع النعت تعين تأخيره عنه، وإن أعرب مقدر نعتاً وجعلت إضافته معنوية أو حالاً وإضافته لفظية لما تقدم جاز إعراب الموصول وصفاً أو بدلاً أو خبر مبتدأ محذوف، وفي النهاية اليقظة أي بفتح القاف والاستيقاظ الانتباه من النوم، ورجل يقظ ويقظ ويقظان إذا كان فيه معرفة وفطنة اهـ، والمراد هنا أيقظهم من سنة الغفلات ففي الفقرة استعارة مكنية، يتبعها استعارة تخييلية، شبه الغفلة بالنوم بجامع انتفاء كل منهما كما ورد في الحديث "مثل الذي يذكر الله والذي لا يذكر الله مثل الحي والميت" فالتشبيه المضمر في النفس استعارة مكنية وإثبات الإيقاظ الذي هو من لوازم المشبه به استعارة تخييلية. قوله: (اصطفاه) أي اجتباه وإفراد الضمير فيه وفيما بعده اعتباراً بلفظ من.

الأخيار، ووفَّق من اجتباه من عبيده فجعله من الأبرار، وبصَّر من أحبه ـــــــــــــــــــــــــــــ والاصطفاء أخذ الصفوة والصفوة بتثليث الصاد، والأصل اصتفاه فقلبت التاء طاء لوقوعها بعد حرف الصفير. قوله: (الأخيار) جمع خير، وخير مخفف خير كميت وميت، وجوز الهمداني كونه جمع خير وفي إعراب السمين أمواتاً جمع ميت وقياسه على فعائل كسيد وسيائد والأولى أن يكون أموات جمع ميت مخففاً كالأقوال في جمع قيل اهـ، وتعقبه شيخي العلامة عبد الله العصامي في منهوات شرح الشذور له بأن حكمه بأن الأولى كونه جمع ميت، فيه نظر لأن أفعالاً إنما تنقاس جمعيته لما كان ثلاثياً وإذا كان ميت مخفف ميت فهو رباعي لا محالة فيكون جمع ميت على خلاف القياس اهـ، وظاهر أن جميع ما ذكره يأتي في كونه جمع خير مخفف خير. قوله: (من عبيده) جمع عبد وسيأتي معناه وله عشرون جمعاً جمع منها ابن مالك أحد عشر في بيتين وكملها الجلال السيوطي في بيتين آخرين فقال ابن مالك: عباد عبيد جمع عبد وعبد ... أعابد معبوداء معبدة عبد كذلك عبدان وعبدان أثبتا ... كذاك العبدي وامدد إن شئت أن تمد وقال السيوطي: وقد زيد أعباد عبود وعبدة ... وخفف بفتح والعبدان أن تشد وأعبد عبدون وتمت بعدها ... عبيدون معبودا بقصر فخذ تسد قوله: (الأبرار) جمع بار يقال برّ في يمينه فهو بار وبرّ أبلغ من بار كعدل وعادل وفي النهاية البر في حق الوالدين والأقربين من الأهل ضد العقوق وهو الإساءة إليهم وتضييع حقوقهم يقال بر يبر فهو بار وجمعه بررة وجمع البر أبرار وهو كثيراً ما يخص بالأولياء والزهاد والعباد اهـ. قوله: (أحبه) لمحبة

فزهَّدهم في هذه الدار، فاجتهدوا في ـــــــــــــــــــــــــــــ لاستحالة قيام حقيقتها من الميل النفساني بالباري سبحانه وتعالى المراد بها هنا غايتها من إرادة الثواب فتكون صفة ذات، أو الإثابة فتكون صفة فعل وقال القشيري في الرسالة محبة الله للعبد إرادته لإنعام مخصوص على العبد كما أن رحمته لو إرادة الإنعام عليه فالرحمة أخص من الإرادة والمحبة أخص من الرحمة، فإرادة الله تعالى أن يوصل العبد الثواب والإنعام تسمى رحمة وإرادته لأن يخصه بالقربة والأحوال العلية تسمى محبة وإرادته تعالى صفة واحدة، بحسب تفاوت متعلقاتها تختلف أسماؤها فإذا تعلقت بالعقوبة تسمى سخطاً وإذا تعلقت بعموم النعم تسمى رحمة وإذا تعلقت بخصوصها تسمى محبة وقوم قالوا محبة الله تعالى للعبد مدحه له وثناؤه عليه بجميل فيعود معنى محبته له على هذا القول إلى كلامه، وكلامه قديم. وقال قوم محبته للعبد من صفات فعله فهو إحسان مخصوص يلقى الله العبد به ويرقيه، وقوم من السلف قالوا محبة الله من صفات الخيرية، فأطلقوا هذا اللفظ فوقفوا عن التفسير، قال الشيخ زكريا في شرحه فهذه أربعة أقوال ترجع إلى قولين لرجوع الفعل إلى الإرادة والخيرية إلى الكلام اهـ، وإفراد الضمير في أكثر النسخ باعتبار لفظ من وجمعها في نسخة باعتبار معنى من. قوله: (فزهدهم إلخ) الزهد شرعاً أخذ قدر الضرورة من الحلال المتيقن الحل وهو أخص من الورع اذ هو ترك المشتبه وهذا زهد العارفين وإليه أشار بقوله فزهدهم في هذه الدار وإلى هذا المعنى أشار من قال: إن لله عبادًا فطنًا ... طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا نظروا فيها فلما علموا ... أنها ليست لحي وطنا جعلوها لجة واتخذوا ... صالح الأعمال فيها سفنا وأعلى منه زهد المقربين وهو الزهد فيما سوى الله تعالى من جنة وحال

مرضاته والتأهُّب لدار القرار، واجتنابِ ما يسخطه والحذر من عذاب النار، وأخذوا أنفسهم بالجد في طاعاته وملازمةِ ذِكْره بالعشيِّ والإبكار، وعند تغاير الأحوال وجميع آناء الليل ـــــــــــــــــــــــــــــ ومقام. وليس لصاحب هذا المقال مرام إلا الوصول إليه والقرب منه تعالى والزهد في الدنيا باحتقار جميع شأنها لتصفير الله إياها وتحقيره لها. قوله: (مرضاته) مصدر ميمي أي رضاه، ورضا الله عن العبد قال الراغب هو أن يراه مؤتمراً بأمره منتهياً عن نهيه. قوله: (ما يسخطه إلخ) السخط من الله تعالى إنزال العقوبة كما في مفردات الراغب وفي أمالي ابن عبد السلام غضب الله فيه ثلاث مذاهب قال الشيخ أبو الحسن الأشعري هو صفة ذات وعبّر به عن الإرادة وقال القاضي هو صفة فعل وعبر به عن معاداة الغاضب لمن غضب عليه وقال غيرهما هو صفة ذات وعبر به عن سب الله لأعدائه في كتابه فيكون عائداً إلى صفة الكلام ويجوز فيه كنظائره فتح أوليه وضم أوله وسكون ثانيه. قوله: (والحذر) معطوف إما على مرضاته وهو أولى لسبقه أو على اجتناب لقربه والاجتهاد في الحذر من عذابه بمجانبة الأفعال المؤدية إليه. قوله: (بالجد) بكسر الجيم أي الاجتهاد. قوله: (طاعاته) جمع طاعة وهي امتثال الأوامر واجتناب النواهي وسيأتي الفرق بينها وبين القربة والعبادة. قوله: (بالعشي) هو من زوال الشمس إلى الصباح والبكرة أول النهار كذا في مفردات الراغب وفي النهاية لابن الأثير العشي من الزوال إلى المغرب وقيل إلى الصباح اهـ، ثم في هذه الفقرة إن أجريت على ظاهرها اقتباس من حديث "يقول الله تعالى اذكرني من أول النهار ساعة ومن آخره ساعة أكفك ما بينهما" ويجوز أن يكون كناية عن الاستيعاب وشمول سائر الأزمنة. قوله: (تغاير الأحوال) أي اختلافها. قوله: (وجميع آناء الليل) أي وجميع ساعاته ومفرده إني كمعي كما في النهر لأبي حيان وأناء بفتح الهمزة والمد كما في البيضاوي وإني وإنو ففي واحدة أربعة

وأطراف والنهار، فاستنارت قلوبهم بلوامع الأنوار. أحمده أبلغ الحمد على جميع نِعَمه، وأسأله المزيد من فضله وكرمه، وأشهد أن لا إله إلا الله العظيم، الواحد الصمد العزيز الحكيم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ـــــــــــــــــــــــــــــ أقوال وقد حكاها الواحدي. قوله: (وأطراف النهار) أي جوانبه قال الواحدي في قوله تعالى: (وَسَبح بِحَمدِ رَبِّكَ) أي صل لله بالحمد له والثناء عليه ({قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) يريد الفجر (وَقَبلَ غُرُوبِهَا) يعني العصر (وَمنءَانَآيِ الليلِ) ساعاته قال ابن عباس يريد أول الليل المغرب والعشاء {وَأَطرَافَ النَّهارِ} قال بريد الظهر وسمي وقت صلاة الظهر أطراف النهار لأن وقته عند الزوال وهو طرف النصف الأول وطرف النصف الثاني اهـ، ثم تعبير المصنف بما عبر به إيماء إلى أنه ينبغي استغراقه جميع الليل وطرفي النهار بالذكر وذلك لأن في النهار زمن الاشتغال بأحوال المعاش، واستغراقه بالأعمال ربما يكون سبباً لفوات ذلك وقد يترتب عليه ضياع الأهل والعيال المنهي عنه في قوله - صلى الله عليه وسلم - "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول" ويصح أن يراد بأطراف النهار جميع أزمنته فكثيراً ما يعبر بالبعض عن الكل وكثيراً ما يأتون بعبارة ليست صريحة في التعميم وهو مرادهم بها لكثرة الاستعمال كأعطيت القوم عن آخرهم أي عممتهم بالعطاء وعليه فالمراد جميع ذلك على قدر الاستعداد وحسب الطاقة وفي الفقرة اقتباس. قوله: (بلوامع الأنوار) يقال لمع البرق كسطع أضاء وهذا من إضافة الوصف للموصوف أي الأنوار اللوامع وهو جائز عند الكوفيين ولا بد من تأويله عند البصريين. قوله: (عبده) العبد والعبدل لغة الإنسان وشرعاً المكلف ولو حراً وهو أسنى أوصاف الإنسان ولذا نعت - صلى الله عليه وسلم - في أشرف المقامات في القرآن قال بعض العلماء وقال بعضهم العبد يقال عليّ أضرب: عبد بحكم الشرع وهو الإنسان الذي يصح بيعه وابتياعه. وعبد بالإيجاد وذلك ليس إلَّا لله تعالى {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ

وصفيه وحبيبه وخليله، ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93)} [مريم: 93 - 93] وعبد بالعبادة وهو المقصود بقوله تعالى {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ} [ص: 41] ومنه: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1]، وعبد الدنيا وأعراضها وهو المعتكف على خدمتها ومراعاتها وإياه قصد النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله تعس عبد الدينار والعبودية إظهار التذلل والعبادة أبلغ منها لأنها غاية التذلل ولا يستحقها إلَّا من له غاية الإفضال وسيأتي لهذا المقام مزيد. قوله: (وصفيه) في النهاية صفى الرجل الذي يصافيه الود يخلصه له فعيل بمعنى فاعل أو مفعول. قوله: (وحبيبه) أي حبيبه الأكبر إذ محبة الله للعبد المستفادة من قوله تعالى: ({يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] على حسب معرفته به، وأعرف الناس بالله نبينا فهو أحبهم له وأحقهم باسم الحبيب. وتقدم معنى المحبة من الله وحبيب فعيل من أحب فهو محب أو من حب يحب فهو حبيب. قوله: (وخليله) الخليل الصديق فعيل بمعنى فاعل وقد يكون بمعنى مفعول من الخلة بضم أوله الصداقة والمحبة التي تخللت القلب فصارت في خلاله أي باطنه وقيل هي تخلل مودة في القلب لا تدع فيه خلاء إلاّ ملأته أو من الخلة بالفتح الحاجة والفقر كذا يستفاد من النهاية لابن الأثير. وفي شرح الأربعين لابن حجر الهيتمي وخليله الأعظم بمعنى مفعول وكان الاقتصار عليه لكونه أنسب بمقام الأدب وأشرف بكونه ذا الخلة التي هي نهاية الأرب وهل مقام المحبة أرجح من مقام الخلة كما يؤذن به الاهتمام بتقديمه وعليه العارف ابن أبي جمرة في حديث الإسراء في كتابه بهجة النفوس وتحليها أو بالعكس ورجحه ابن القيم فقال: وظن أن المحبة أرفع وأن ابراهيم خليل وأن محمداً حبيب غلط وجهل وما استدل به لتفضيل المحبة إنما يقتضي تفضيل ذات محمد على ذات إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - وهذا لا نزاع فيه إنما النزاع في الأفضلية المستندة إلى أحد الوصفين والذي قامت عليه الأدلة استنادها إلى وصف الخلة الموجودة في

أفضل المخلوقين، وأكرم السابقين واللاحقين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر النبيين والمرسلين ـــــــــــــــــــــــــــــ كل من الخليلين فخلة كل منهما أفضل من محبته واختصابها لتوفر معناها السابق فيهما أكثر من بقية الأنبياء ولكون هذا التوفر في نبينا أكثر كانت خلته أرفع من خلة إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - قوله: (أفضل المخلوقين) أي حتى من الملائكة على المختار والنهي عن تفضيله - صلى الله عليه وسلم - على الأنبياء محمول على التفضيل في نفس النبوة للتساوي فيها أو على تفضيل يؤدي إلى تنقيص لأحد منهم لحرمته بل لأنه يؤدي للكفر أو أنه قاله قبل علمه فلما أخبر به قال أنا سيد ولد آدم وعدل إليه عن أنا سيد آدم وولده إما تأدبًا معه أو لحصول المقصود من سيادته عليه مما قاله لأنه إذا ساد جميع أولاده ومنهم إبراهيم الأفضل من آدم فسيادته عليه بالأولى، والله أعلم. وضعف بأن راوي خبر النهي أبو هريرة متأخر الإسلام جدًا فيبعد عدم الاطلاع وعن تفضيله على يونس نفيًا للجهة لئلا يتوهم من ارتقائه - صلى الله عليه وسلم - إلى أعلى المنازل مقام قاب قوسين أو أدنى أنه أقرب إلى الله تعالى من يونس الذي التقمه الحوت ونزل به في قعر البحر بل هما متساويان في القرب من الله تعالى بعلمه إذ القرب أو البعد المكاني من أوصاف الأجسام تنزه سبحانه عن ذلك أشار إليه إمام الحرمين ولم يخبر بهذا المنزع اللطيف حاضري مجلسه حتى التزم واحد لضيفه بألف دينار، فانظر همة هؤلاء الطلبة الأخيار وقد نقل ذلك القرطبي في تذكرته. قوله: (وأكرم السابقين) أي من تقدم حتى الأنبياء والرسل المفضلين على خواص الملك المختار في الأصول واللاحقين وأتى به مع لزوم ما قبله له لأن المقام مقام إطناب. قوله: (والمرسلين) عطف على ما قبله من عطف الرديف إن كان الرسول والنبي بمعنى كما قيل به ومن عطف الخاص على العام إن كان الرسول أخص كما هو المشهور وفيه الصلاة على الأنبياء

وآل كل وسائر الصالحين. أما بعد: فقد قال الله العظيم العزيز الحكيم: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152]- ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد ورد "صلوا على أنبياء الله ورسله فإنهم بعثوا كما بعثت" أخرجه الطبراني وغيره. قوله: (وآل كل) عدل عن إضافته إلى الضمير المشهور إلى الإضافة إلى الاسم المظهر، لأنها الأحسن كما نبه عليه البهاء السبكي في عروس الأفراح وكونه جرى على مذهب الزبيدي من منع ذلك بعيد يأباه سعة اطلاع المصنف على شواهده ومنها قول عبد المطلب: وانصر على آل الصليـ ... ـب وعابديه اليوم آلك والآل الذين يحرم عليهم الصدقة ولهم خمس الخمس، مؤمنو بني هاشم والمطلب والأقرب إن المراد هنا ما اختاره جمع من المحققين ومنهم المصنف في شرح مسلم وقال الأزهري إنه أقرب إلى الصواب جميع الأمة وقيده القاضي حسين وغيره بالاتقياء منهم واستندوا إلى حديث ابن عباس مرفوعاً "آل محمد كل مؤمن تقي" أخرجه الطبراني بسند واهٍ جدًا وأخرج البيهقي نحوه عن جابر من قوله وسنده ضعيف وهذا المعنى الأخير أنسب بمقام الدعاء لأنه كلما كان الدعاء أعم كان أتم ويدخل فيه حينئذٍ الصحابة الكرام والتابعون بإحسان على الدوام ثم الصحيح أن أصل آل أول تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا وقيل غير ذلك. قوله: (وسائر الصالحين) أي باقيهم فعطفه على ما قبله من عطف المغاير أو جميعهم فيكون من عطف العام إن أريد بالآل من يحرم عليهم الصدقة الواجبة أو من عطف الخاص على العام أن أريد من الآل المعنى العام أي جميع الأمة وأريد بالصالحين القائمون بما عليهم من حق الله وحق العباد ومن عطف المرادف إن أريد بالصالحين مطلق المؤمنين المعبر عنهم فبما سبق بالأمة أي أمة الإجابة ويقربه عموم الدعاء عليه ويبعده سياق المقام وقرنه مع الآل الكرام. قوله: ({فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}) قال الواحدي قال ابن عباس وسعيد بن جبير

وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] ـــــــــــــــــــــــــــــ اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي روي أن عبد الملك كتب إلى سعيد بن جبير في مسائل فقال في جوابها: وتسأل عن الذكر فالذكر طاعة الله فمن أطاع الله فقد ذكر الله ومن لم يطعه فليس بذاكر وإن أكثر التسبيح وتلاوة القرآن وتسأل عن قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] فإن ذلك إن الله تعالى يقول "اذكروني بطاعتكم أذكركم بمغفرتي" ويشهد لصحة هذا حديث خالد بن عمران قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من أطاع الله فقد ذكر الله وإن قلت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن ومن عصى الله فقد نسي الله وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن" اهـ، وبمعناه حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "يقول الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه" وسئل الحافظ ابن حجر عن معنى هذا الخير فأجاب معنى الخير في الحديث تفضيل الجمع الذي يذكر الله سبحانه وتعالى عبده فيهم على الجمع الذي يذكر العبد ربه فيه أي جمع كان ولا حجة فيه لمن فضل الملائكة على الأنبياء لأنه ليس المراد والله أعلم تفضيل الملأ والمذكور على الملأ والذاكر وحينئذ فالأفضلية للمجموع على المجموع وبهذا يزول الإشكال ولا يلزم منه ما تخيله المستدل به على تفضيل غير الأنبياء. قوله: (وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات: 56] أي معدين ليعبدون وكأن الآية تعديد نعمه أي خلقت لهم حواس وعقولاً وأجساماً منقادة نحو العبادة كما يقال هذا مخلوق لكذا وإن لم يصدر منه الذي خلق له كذا في النهر لأبي حيان وفي الكشاف إن قلت لو كان الله تعالى مريداً للعبادة لكانوا كلهم عبيداً قلت إنما أراد منهم أن يعبدوا مختارين للعبادة لا مضطرين إليها اهـ. قال ابن بنت المياق وهذه عادته

فعلم بهذا أن من أفضل -أو أفضل- ـــــــــــــــــــــــــــــ يعني الزمخشري إذا رأى ظاهراً يوافق مذهبه أورد مذهب أهل السنة سؤالاً ومذهبه جواباً وما أجاب به غير صحيح بل الآية دليل أهل السنة لكونها سيقت في مساق تعظيمه تعالى وأن شأنه مع عبيده لا يقاس بغيره فإن العبيد في العرف قسمان منهم من يقنيه سيده للانتفاع به ومنهم من يكون للتبجيل والتعظيم كمماليك الملوك، والعباد بالنسبة إليه تعالى من القسم الثاني فلا تتركوا عبادته وتعظيمه لأن نفعها عائد إليهم. قيل والعبادة المرادة من الآية التعظيم لله والشفقة على خلقه لاتفاق سائر الشرائع على ذلك بخلاف خصوص العبادات فالشرائع مختلفة فيها ولما كان التعظيم اللائق بجلال الله تعالى لا يعلم عقلا لزم متابعة الشرع والأخذ بقول الرسول اهـ، وقيل معنى ليعبدون ليعرفون قال ابن عباس كل عبادة في القرآن فهي بمعنى العرفان وهل الخطاب للخصوص أو للعموم خلاف عند المفسرين وأيّد بعضهم هذا التفسير بحديث "كنت كنزاً مخفياً لم أعرف فأحببت أن أعرف" أي ما خلقت الثقلين إلَّا لأظهر عليهم صفاتي وكمالاتي فيعرفوني فيعبدوني لأن العبادة لله المعرفة ومن لم يعرفه لم يعبده وروي عن علي لم أعبد رباً لم أعرفه اهـ، والخبر المرفوع موضوع. والمراد المعرفة التي تليق بحال الإنسان لا معرفة حقيقته تعالى على ما هو عليه فإن ذلك في الدنيا محال اتفاقاً وفي إمكانه في الآخرة خلاف، الراجح عدمه ولا يلزم ذلك من كونه تعالى يرى في الآخرة إذ الرؤية لا تستلزم الإحاطة قال تعالى {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] أي لا تحيط به إذ الإحاطة من أوصاف الحوادث تعالى عن ذلك. قوله: (أو أفضل) الظاهر أن أو فيه بمعنى بل إذ لا شبهة أن الذكر سيما إن فسر بالمعنى الشامل لسائر العبادات أفضل أحوال الإنسان، ثم هذه الأفضلية للذكر المأثور كما قال "في الأذكار الواردة عن سيد

حال العبد، ذِكْرُه لرب العالمين، واشتغاله بالأذكار الواردة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـــــــــــــــــــــــــــــ المرسلين، قال القاضي عياض أذن الله في دعائه وعلم الدعاء في كتابه لخليقته وعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - الدعاء لأمته واجتمعت فيه ثلاثة أشياء العلم بالتوحيد والعلم باللغة والنصيحة للأمة فلا ينبغي لأحد أن يعدل عن دعائه صلى الله عليه وسلم وقد احتال الشيطان للناس من هذا المقام فقيض لهم قوم سوء يخترعون لهم أدعية يشتغلون بها عن الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأشد ما في الحال أنهم ينسبونها إلى الأنبياء والصالحين فيقولون دعاء نوح دعاء يونس دعاء أبي بكر الصديق فاتقوا الله في أنفسكم لا تشتغلوا من الحديث إلَّا بالصحيح اهـ، وقال الإمام أبو بكر محمد بن الوليد الطرسوسي في كتاب الأدعية، ومن العجب العجاب أن تعرض عن الدعوات التي ذكرها الله في كتابه عن الأنبياء والأولياء والأصفياء مقرونة بالإجابة ثم تنتقي ألفاظ الشعراء والكتّاب كأنك قد دعوت في زعمك بجميع دعواتهم ثم استعنت بدعوات من سواهم وعن المصنف أن أوارد المشايخ وأحزابهم لا بأس بالاشتغال بها غير أن الخير والفضل إنما هو في اتباع المأثور في الكتاب والسنة وهذا ليس كذلك وفيهما ما يكفي السالك في سائر أوقاته وقد جرى أصحابنا على ذلك فقالوا في بابي الصلاة والحج يشتغل بالدعاء والذكر وأفضله الوارد وخالف الحنفية فقالوا إن الاشتغال بالوارد لكون المدار فيه على إيراد تلك الألفاظ ربما تكون محلاً للخشوع المطلوب من الداعي فالأولى أن يأتي بذكر من عنده ليتم توجهه أو يأتي بكل من النوعين ليكسب كلا من الفضلين وما أشرنا إليه أولًا أولى، والزعم بأن إيراده يفوت الخشوع ممنوع وبفرضه فبركة الأتباع تقوم بما فات من الخشوع والله أعلم وسيأتي إن شاء الله أواخر الكتاب في باب أدب الدعاء تفصيل في أذكار المشايخ فراجعه. قوله: (واشتغاله إلخ) يجوز

سيدِ المرسلين. وقد صنف العلماء رضي الله عنهم في عمل اليوم والليلة والدعوات والأذكار كتباً كثيرة معلومة عند العارفين، ولكنها مطولة بالأسانيد ـــــــــــــــــــــــــــــ في قوله اشتغاله الرفع والنصب عطفاً على قوله قبله ذكره رب العالمين المنصوب أو المرفوع بنا على إثبات من في أفضل أو حذفها منه وفي بعض النسخ حال ذكره رب العالمين بزيادة حال منصوباً ومرفوعًا بناء على ما ذكر وحينئذٍ فيجوز في اشتغاله الرفع والنصب عطفاً على حال والجر عطفاً على ذكره المضاف إليه. قوله: (سيد المرسلين) أي مجموع الرسل وكذا كل فرد منهم كما يدل عليه حديث أنا سيد ولد آدم ولا فخر وفي كلام المصنف إطلاق السيد على غير الله وهو جائز كما يأتي في الأصل وسيأتي الكلام على إعلاله. قوله: (والأذكار) هو جمع واحده ذكر وهو كما في فتح الأله في أصل وضعه ما تعبد الشارع بلفظ مما يتعلق بتعظيم الحق والثناء عليه ويطلق على كل مطلوب قولي اهـ، وقريب منه ما قيل الذكر شرعاً قول سيق لثناء أو دعاء وقد يستعمل أيضاً لكل قول يثاب قائله وحينئذٍ فإن أريد بالأذكار في قول المصنف مقابل الدعاء كان عطفه من عطف المغاير وإن أريد به ما يشمله كان من عطف الخاص على العام والكلام في الذكر اللساني أما الذكر القلبي فسيأتي معناه عند ذكر المصنف له. قوله: (كتباً كثيرة) أي بعضها في عمل اليوم والليلة ككتابي، ابن السني والنسائي وبعضها في الدعوات ككتابي المستغفري والبيهقي. وقوله: (مطولة) بوزن اسم المفعول من التطويل وهو تكثير اللفظ والمعنى ويقابله الإيجاز والاختصار ولذا قال فيما سيأتي مختصراً إلى آخره والإطالة أن يكون اللفظ زائداً على ما يؤدى به أصل المراد لا لفائدة مع كون الزائد غير متعين فإن كان لفائدة فهو الإطناب وإن تعين الزائد

والتكرير، فضعفتْ عنها همم الطالبين، فقصدتُ تسهيل ذلك على الراغبين، فشرعت في جمع هذا الكتاب مختصِراً مقاصد ما ذكرته تقريباً للمعتنين، ـــــــــــــــــــــــــــــ لا لفائدة فهو الحشو والأسانيد جمع إسناد وهو الإخبار عن طريق المتن، والسند رجاله وقيل هما بمعنى وعليه جرى الجلال السيوطي في ألفيته فقال: والسند الإخبار عن طريق ... متن والإسناد لدى فريق وكون الإسناد سبباً للتطويل بالنظر لمريد التعبد بألفاظ الأذكار وإلَّا فهو اسم مطلوب للمحدث إذ به يعرف حال الحديث في القوة والضعف قال ابن المبارك الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء ونقل مثله عن غيره. قوله: (والتكرير) مصدر كرر المضاعف أي ذكر الشيء مرة بعد أخرى والتكرار بفتح المثناة وكسرها اسم مصدر وهذا يفعله الجامعون على الأبواب والمعاجم كثيراً لحاجتهم إليه وقد أكثر منه الحافظ البخاري في صحيحه حتى قال فيه بعضهم: قالوا لمسلم فضل ... قلت البخاري أعلى قالوا المكرر فيه ... قلت المكرر أحلى قوله: (الراغبين) من الرغبة شدة الطلب والمراد الراغبين في طلب المتعبد بلفظه دعاء أو ذكراً. المعرضين عما يتعلق به من الأسانيد فلا يخالف ما تقدم من قوله فضعفت عنها همم الطالبين. قوله: (مختصراً) بوزن اسم الفاعل حال من فاعل شرع مقدرة أو من المجرور بفي كذلك أو من اسم الإشارة المضاف إليه أي حال كون هذا الكتاب مختصراً ما تقدم وإسناد الاختصار إليه مجاز عقلي من إسناد ما للشيء لآلته وصح مجيء الحال من المضاف إليه لكون المضاف عاملاً قبل الإضافة في المضاف إليه فهو كقوله تعالى: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} [يونس: 4] ثم هو بالتنوين فيما وقفت عليه من الأصول المصححة ولو روي بترك التنوين والإضافة لجازت فيه الأوجه المذكورة لكون إضافته لفظية غير معرفة

وأحذف الأسانيد في معظمه لما ذكرته من إيثار الاختصار، ولكونه موضوعاً للمتعبِّدين، وليسوا إلى معرفة الأسانيد متطلعين، بل يكرهونه -وإن قصر- إلا الأقلِّين، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي نسخة مختصراً قاصداً وعليه فيجوز أن يقرأ مختصراً بوزن اسم لمفعول حالا من المضاف إليه ويبعده قوله بعده قاصداً إلخ، والمختصر كالموجز ما قل لفظه وكثر معناه. "وفي شرح مسلم" للمصنف الاختصار إيجاز اللفظ مع استيفاء الفعنى وقيل رد الكلام الكثير إلى قليل فيه معنى الكثير وسمي اختصاراً لاجتماعه ومنه المخصر وخصرة الإنسان اهـ قوله: (وأحذف الأسانيد إلخ) عبر بالحذف الذي يكون عادة الذكر إشعاراً بأن السند مما يعتني به أرباب الإتقان فكأنه ذكره ثم حذف ولو عبر بالترك ونحوه لما فهم ذلك. قوله: (إيثاراً) بالتحتية الساكنة ثم المثلثة من الأثرة، الاختصاص أي تخصيص الاختصار بالاختيار على مقابله. قوله: (ولكونه) عطف على ما من قوله لما ذكرته وأعاد الجار حذراً من إيهام كونه لو حذف الجار معطوفًا على إيثار. قوله: (يكرهونه) وذلك لكونهم يرونه من الأمور المكسبة للنفس شرفاً وفخراً وهم يكرهون كلما كان كذلك قال بعضهم في حق سفيان الثوري أنه نعم الرجل لولا أنه من أهل الحديث وفي تنبيه الغافل للقسطلاني قال أبو بكر الزقاق آفة المريد ثلاثة أشياء الترويج وكتابة الحديث والأسفار لكن حمل هذا الأثر على أن المراد بالحديث فيه الأخبار مثل التواريخ ونحوها وإلَّا فكثير من الأولياء الكرام الذين هم رؤوس زهاد الأنام وأكبر العارفين الفخام كمالك وأحمد وأمثالهما نظروا إلى النفع المرتب عليه وأنه من جملة العلم الذي الاشتغال به أفضل من الطاعات وأجل العبادات الموصلات قال أحمد وقد سئل ما تشتهي من الدنيا فقال بيت خال أي ليتعبد فيه وإسناد عال وهو من أسنى علوم الآخرة وعبارة التقريب للمصنف فإن علم الحديث من أفضل القرب

ولأن المقصودَ به معرفةُ الأذكار والعمل بها، ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى رب العالمين وكيف لا وهو بيان طريق سنة خير الخلق وأكرم الأولين والآخرين وقال في الإرشاد في نوع معرفة آداب المحدث، علم الحديث علم شريف يناسب مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم وهو من علوم الآخرة لا من علوم الدنيا ومن حرمه فقد حرم أجراً عظيمًا ومن رزقه فقد رزق فضلاً جسيمًا اهـ، وقال أبو الحسن شنبويه من أراد علم القبر فعليه بالأثر وفي الحديث اللهم ارحم خلفائي قيل ومن خلفاؤك قال الذين يأتون من بعدي يردون أحاديثي وسنتي رواه الطبراني وغيره. قال: (السيوطي) وكأن تلقيب المحدث بأمير المؤمنين مأخوذ من هذا الحديث وقد لقب به جماعة منهم سفيان والبخاري وآخرون وكونه قل أن يخلص فيه النية وتسلم فيه الطوية لا ينافي شرفه الذاتي وكونه من أعظم الطرق الموصلة عند صحة النية وهي معتبرة في الاعتداد بسائر الأعمال وقد كانت الصحابة وناهيك بعرفانهم توجهوا لنقل الشريعة الشريفة ولم يروا الاشتغال به مانعاً من الرتبة المنيفة ويكفيك في كون العلم طريق الولاية ما ثبت عن الشافعي إن لم يكن العلماء العاملون أولياء لله فليس لله ولي بل قد روي بهذا اللفظ مرفوعاً كما في جواهر العقدين للسمهودي فإن قلت إن القشيري حشى رسالته، التي ألفها في التصوف بالأسانيد قلت هو من الأقلين الذين هم الأجلون الجامعون بين مقام الجمع والفرق وقال القسطلاني في تنبيه الغافل إنما فعل ذلك للرد على من يرى أن لا أصل لطريق القوم فذكر ما لها من إسناد تنبيهاً على ثبوت هذا الطريق. قوله: (المقصود به) أي بالكتاب الذي ألفه. قوله: (العمل بها) بأن يأتي بالذكر في محله، أو وقته إن كان مقيدًا أو مطلقاً إن كان مطلقاً ويقصد أصل معناه (وقيل) يعتبر أن لا يقصد سواه ثم منها ما كان معلقاً على لفظه فلا يحصل بالإتيان بغيره وإن كان في معناه ألا ترى ما ورد في الخبر المتفق عليه عن البراء فيما يقال عند

وإيضاح مظانها للمسترشدين، وأذكر إن شاء الله تعالى بدلاً من الأسانيد ما هو أهمُّ منها مما يُخَل به غالباً، ـــــــــــــــــــــــــــــ المقام قال قلت ورسولك الذي أرسلت فقال ونبيك الذي أرسلت فقال ونبيك الذي أرسلت وفي قواعد زروق ما جاء عن الشارع في ألفاظ الأذكار يتبع اهـ، ومنها ما يكون المقصود حصول معناه كالحمد أول الكتب المؤلفة فلذا أقام مقامه، في هذا المعنى البسملة كثير من أصحاب الكتب المصنفة وهذا النوع يحصل ثوابه بأبراد، ما يؤذن ذلك المعنى من أي لفظ كان. قوله: (وإيضاح مظانها) بالرفع عطف على معرفة وفي الجر بعد، ومظان جمع مظنة بفتح الميم وكسر الظاء المشالة آخره نون مشددة بعدها هاء كذا ضبطه الحافظ الديمي في هامش نسخة من كتاب تلاوة القرآن من كتاب الأذكار قال وكان حقه فتح الظاء إلا أنها كسرت لمكان الهاء في آخره اهـ، أي بذكرها في الباب الذي يليق بها وفي ذلك تسهيل للمراجع وفي نسخة معانيها وإنما كان هذا من مقصود الذاكر لأن شرط ترتب الثواب على الذكر معرفة معناه ولو بوجه كما أفتى به السبكي بخلاف ترتيب الثواب على قراءة القرآن فإنه حاصل للقارئ وإن لم يعرف معناه لكن قضية قول المنهاج، ويسن تدبر القراءة والذكر حصول ثواب الذكر مع جهل معناه كما في القرآن ومن ثم نظر فيه الأسنوي وقال ابن العز الحجازي في مختصره فتح الباري والعبارة للفتح ولا يشترط استحضاره لمعناه ولكن يشترط أن لا يقصد به غير معناه وإن انضاف إلى الذكر استحضار معناه وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى ونفي النقص عنه زاد كمالاً فإن وقع ذلك في عمل صالح مهما فرض من صلاة أو صيام أو جهاد أو غيرها ازداد فإن صح التوجه وأخلص لله تعالى فهو أبلغ الكمال. فائدة سئل الحافظ ابن حجر عن ثواب من قرأ القرآن ولم يفهم معناه هل يثاب كما نقل عن الشيخ أبي إسحاق صاحب التنبيه في اللمع مستدلاً له بأن القرآن

وهو بيان صحيح الأحاديث وحسنِها وضعيفها ومنكرها، فإنه مما يفتقر ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يجوز روايته بالمعنى أي لتعلق التعبد بلفظه بخلاف الحديث (فأجاب) ما قاله الشيخ صحيح لكن مراده أن يكون القارئ لا يفهم شيئاً باللسان العربي وإلَّا فإنه يؤجر على قراءة ما يفهمه منه ولو قل لأنه ورد في الحديث الجيد أن كل حرف منه فيه ثواب لقارئه ثم أنه لا يجوز للذي لا يفهم معنى ما يقرأه أن يقرأ شيئاً لأنه لا يأمن أن يغير منه شيئاً أو يبدل فإن فرض أنه يقرأ في شيء مضبوط ضبطاً بيناً لا يخفى عليه منه شيء بحيث يقرأه مستوياً فإنه يؤجر على قراءته إن سمعه من يعلمه لكونه سبباً لتحصيل الأجر للسامع اهـ. ثم النسخة الأولى أنسب بما فعله المصنف في هذا الكتاب إذ لم يتعرض فيه لإيضاح المعاني نعم ربما بين بعض غريب المباني. قوله: (من بيان صحيح الأحاديث إلخ) وفي أكثر النسخ وهو بيان إلى آخره والظرف بيان لما في ما هو أهم والصحة ومقابلها بيانها إما بالنقل عن الغير أو بما يقوم من مقتضى الحكم بشيء منها بناءً على ما رجحه في الإرشاد والتقريب من اختيار إمكان التصحيح أي ومقابله في هذه الأزمنة الأخيرة وعليه الجمهور وهو القول المنصور وخالف ابن الصلاح وتبعه آخرون فمنعوا ذلك قال بعض المحققين وإنما منعه سداً للباب وخشية أن يعاني ذلك من ليس أهلاً لذلك وإلَّا فقد فعل هو نفسه ذلك فحسن حديث كل أمر ذي بال وغيره ثم تبين حال الحديث من الصحة، وغيرها هو الغالب كما نبه عليه المصنف في ثالث الفصول الآتية إن شاء الله تعالى والحكم بالصحة وما بعدها باعتبار الظاهر الذي اقتضته القواعد لا أنه مقطوع به إذ قد يكون ما حكم بوضعه ظاهرًا ثابتاً في نفس الأمر وبضده ما حكم بصحته نعم في أحاديث الصحيحين كلام والصحيح في الأصل من أوصاف الأجسام ثم جعل وصفاً للحديث قال السيوطي في شرح التقريب مجازاً أو استعارة تبعية أقول وحقيقة عرفية وهو الأولى لتبادر هذا اللفظ عندهم حالة

إلى معرفته جميع الناس إلا النادر من المحدثين، وهذا أهم ما يجب الاعتناء به، وما يُحققه الطالب ـــــــــــــــــــــــــــــ الإطلاق إلى المعنى الآتي والتبادر آية الحقيقة ثم هو قسمان صحيح لذاته وهو ما اتصل سنده برواية العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة قادحة وصحيح لغيره وهو ما كان راويه دون ذلك في الضبط والإتقان فيكون حديثه في مرتبة الحسن فيرتقي بتعدد طرقه إلى الصحة ويقال له صحيح لغيره والحسن قسمان كذلك حسن لذاته وهو الذي عرفه الخطابي بقوله أن يكون راويه مشهوراً بالصدق والأمانة لكن لم يبلغ درجة الصحيح لقصور راويه عن رواة الصحيح في الحفظ والإتقان وهو مرتفع عن حال من يعد تفرده منكراً، وحسن لغيره وهو الذي عرفه الترمذي بقوله أن لا يخلو الإسناد من مستور لم تتحقق أهليته وليس مغفلاً كثير الخطأ فيما يرويه ولا هو متهم بالكذب في الحديث ولا ظهر منه سبب آخر مفسق ويكون الحديث معروفاً برواية مثله أو نحوه من وجه آخر ولا بد في الحكم الحديث مطلقاً من سلامته من العلة القادحة والشذوذ، والضعيف ما فقد فيه شرط من شروط القبول الشاملة للصحيح والحسن من الاتصال والعدالة والضبط وعدم الشذوذ والعلة القادحة، والمنكر قيل أنه مرادف للشاذ وعليه جرى ابن الصلاح ومختصرو كلامه والذي عليه الحافظ ابن حجر إن بينهما فرقًا فالشاذ مخالفة الثقة من هو أوثق منه بحفظه أو زيادة عدد أو نحوه والمنكر مخالفة الضعيف الثقات. قال: "الحافظ" وقد غفل من سوى بينهما وزيادة تحقيق هذا المقام في كتب الأثر وفيما ذكر كفاية لمن اقتصر. قوله: (إلى معرفته) أي معرفة حكمه بالنقل عن قائليه الحفاظ كما يدل عليه قوله الآتي إلاّ النادر من المحدثين فهؤلاء لا يفتقرون إلى معرفة ذلك بالنقل عن الغير لتمكنهم من استفادة حكمه بالملكة التي نالوها وقوله وما تحققه الطالب من جهة الحفاظ

من جهة الحفاظ المتقنين، والأئمة الحذَّاق المعتمدين، وأضم إليه إن شاء الله جملاً من النفائس من علم الحديث، ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى آخره والنادر القليل. قوله: (من جهة الحفاظ) أي لا طريق لمعرفة حال الحديث إلَّا من حفاظه الجهابذة المتقنين كما يدل عليه الكلام أي الكاملين في الحفظ والإتقان والحفاظ جمع حافظ وهو من أحاط علمه بمائة ألف حديث متناً وإسنادا وفوقه الحجة وهو من أحاط بمائتي ألف حديث كذلك وفوقهما الحاكم وهو من أحاط بمحظم السنة. قوله: (إن شاء الله تعالى) أتى به اقتداء به - صلى الله عليه وسلم - فقد كان يأبى بذلك امتثالاً لقوله تعالى {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 23 و 24] نعم لا يقال في محقق نحو صمت أمس أو أموت أو نحو ذلك إلَّا على سبيل التبرك ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - الآتي في زيارة القبور وإنا إن شاء الله بكم لاحقون على أحد وجوه فيه يأتي بيانها إن شاء الله تعالى. قوله: (الكريم) وصف الجلالة به بعد الوصف بقوله تعالى من باب الوصف بالمفرد بعد الجملة ومنه قوله تعالى {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} [الأنعام: 92]، وسقط في الأصل المقروء على ابن العماد الأقفهسي وبعض الأصول، الوصف بجملة تعالى وحينئذٍ فالكريم نعت مفرد وقوله النفائس جمع نفيسة لا نفيس إذ فعائل إنما يكون جمعاً لفعيلة وسكت عن وصف النفائس بالمستجادات اكتفاء باستلزامها لها وأتي بها في المنهاج تصريحاً باللازم تحريضاً للطالب على أن ما بيّن به النفائس هنا بقوله من علم الحديث إلى آخره وصف لها بأعظم أنواع الاستجادة كما لا يخفى. قوله: (علم الحديث) قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري إذا اطلق علم الحديث فالمراد به علم الحديث دراية وهو علم يعرف به حال الراوي والمروي من حيث القبول والرد وموضوعه الراوي والمروي من حيث ذلك، وغايته معرفة ما يقبل وما يرد من ذلك ومسائله ما يذكر في كتب من المقاصد اهـ، ويطلق علم الحديث

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويراد به علم الحديث رواية ويصح كونه المراد هنا وكونه إذا أطلق ينصرف إلى الأول أغلبي ومع انتفاء القرينة ولصح إرادة الأول لما بيّنه فيه المصنف من أحوال الحديث من الصحة ومقابلها والتنبيه بعض الأوقات على تفرد بعض الرواة عن غيره ونحوه من مباحث علم الأثر وحد علم الحديث رواية قال الكرماني في شرح البخاري علم يعرف به أقوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله وأحواله قلت وكذا تقريراته وما أضيف إليه من وصف ككونه ليس بالطويل ولا بالقصير أو أيام كاستشهاد عمه حمزة رضي الله عنه بأحد ويعرف به أقوال وأفعال من دونه من صحابي وتابعي وكان عليه ذكره لأن علم الحديث يطلق على ذلك كله وموضوعه ذات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حيث إنه رسول وغايته الفوز بسعادة الدارين وتعقبه السيوطي في تعريفه بأنه مع كونه غير مانع لشموله علم الاستنباط غير محرر اهـ، ويتعقب أيضًا بأنه يقتضي اختصاص الحديث بالمرفوع والذي عليه الجمهور أنه يعمه والموقوف والمقطوع وغيرها ومن ثم عرفه غير واحد بأنه ما أضيف إليه - صلى الله عليه وسلم - أو إلى من دونه من قول أو فعل أو صفة أو تقرير وقال شيخ الإسلام زكريا بعد سوق هذا التعريف قاله الكرماني وموضوعه ذات النبي - صلى الله عليه وسلم - من حيث أنه نبي قال وفيه أن التعريف يعم ما يتعلق بذات النبي وغيره فينبغي أن يكون الموضوع على هذا التعريف أعم ويكون ما قاله الكرماني في الموضوع مبنياً على تعريفه المقتضي لقصر الحديث على المرفوع ويكن أن يقال لما كان البحث، بالأصالة فيما يتعلق بذات الرسول وفي غيره بطريق التبع جعل موضوعه ذاته لكون البحث عن عوارض ذاته فيكون ما ذكره الكرماني موضوع علم الحديث والله أعلم. وتعقب الكافيجي أيضًا قوله إن موضوعه ذات الرسول من حيث إنه رسول بأن ذلك موضوع علم الطب من حيث إنه ذات إنسان وموضوع علم الحديث ذاته الشريفة من حيث إنه ذات رسول إذا المبحوث في علم الحديث عن عوارض الذات

ودقائق الفقه، ومهمات القواعد، ورياضاتِ النفوس، والآداب التي تتأكد معرفتها على السالكين، وأذكر جميع ما أذكره ـــــــــــــــــــــــــــــ المذكورة من الأقوال والأفعال من حيث إنه ذات رسول بخلاف الطب فإنه مبحوث فيه عن عوارض ذاته من حيث إنه نسيان وبخلاف الفقه فإن المبحوث فيه عن عوارض ذاته من حيث إنه مكلف وبما ذكر علم الفرق بين موضوع كل من العلوم الثلاثة وإن كان متحدًا بالذات ثم ما نقلته عن الكرماني من كون ذات الرسول إلى آخره موضوع علم الحديث رواية هو ما في شرح التقريب للسيوطي لكن في شرحه للبخاري نقلاً عن الكرماني أنه موضوع علم الحديث دراية وعبارته قال ابن جماعة وموضوعه السند والمتن وقال الكرماني موضوعه ذات الرسول من حيث إنه رسول اهـ. وما نقله السيوطي أقرب لكلام القوم نعم عوارض الذات من جملة موضوعه رواية إذ هو كما سبق السند والمتن والمراد بالمتن ما أضيف إليه من قول أو فعل إلخ. قوله: (دقائق) الفقه جمع دقيقة أي خفايا الفقه التي يحتاج في فهمها إلى ذهن سليم وفكر قويم والفقه لغة الفهم واصطلاحا العلم بالحكم الشرعي العملي المكتسب من الأدلة التفصيلية وإضافة دقائق إلى فقه تصح كونها بمعنى من وهو الأظهر ويصح كونها بيانية وكونها من إضافة العام إلى الخاص كشجر الأراك. قوله: (ومهمات القواعد) أي ما يهتم به الطالب من القواعد العلمية التي يبتني عليها كثير من الأحكام والقواعد جمع قاعدة وهي قانون كلي منطبق على جزئياته وإن شئت قلت قضية كلية يتعرف بها أحكام جزئيات موضوعها وقد أوضحت تعريف القاعدة في شرح نظمي قواعد ابن هشام النحوية أعان الله إكماله. قوله: (ورياضات النفوس) أي ما ترتاض به وتنخلع بمزاولته عن طبعها الذميم من المجاهدات والقيام على السنن المحمدي مأخوذ من رياضة الدابة. قوله: (والآداب) جمع أدب قال القسطلاني ما يحمد قولاً وفعلاً وعبر عنه بعضهم بأنه الأخذ بمكارم

موضحاً بحيث يسهل فهمه ـــــــــــــــــــــــــــــ الأخلاق اهـ، وقيل الوقوف مع الحسنات والإعراض عن السيئات وقيل التعظيم لمن فوقك والرفق بمن دونك ويقال أنه مأخوذ من المأدبة وهي الدعوة إلى الطعام سمي بذلك لأنه يدعى إليه وفي الروضة للمصنف الأدب والسنة يشتركان في طلب الفعل ويفترقان بالتأكد في السنة دون الأدب اهـ، وإنما كانت هذه المذكورات أهم من الأسانيد لأن القصد الأصلي منها معرفة حال الحديث وقد التزم بيانها فحصل القصد بطريق أخص منها وأما النفائس من علم الحديث وما بعدها فالحاجة إليها تامة إذ المحدث إذا لم يعرف الاصطلاح لا يفهم مراد القوم من ألفاظهم ودقائق الفقه بها يكمل المحدث ويقوى شأنه وبالقواعد العلمية تتأيد حجته وبرهانه وبالرياضات وملازمة الآداب يكمل إيمانه وعرفانه إذ من لازم الآداب وأدمن قرع الأبواب ظفر بمنازل الأحباب ومن لم يؤمن على الأدب الشرعي كيف يؤمن على سر الولاية المدعي فلذا قال رئيس الطائفة الجنيد طريقنا مضبوطة بالكتاب والسنة وقال إذا رأيتم الرجل تتخرق له العادات وتتواتر له الكرامات فانظروا حاله عند الأمر والنهي فإن قام بهما فولي كامل وإلَّا فلا عبرة بحاله عند الأولياء الأفاضل. قوله: (موضحاً) بوزن اسم المفعول حال مما أضيف إليه المفعول وهو ما في قوله ما أذكره وجاز لكون المضاف في المعنى هو نفس المضاف إليه أو بوزن اسم الفاعل حال من فاعل اذكر. قوله: (فهمه) أي وذلك إما ببسط العبارة فقد قال الخليل بن أحمد الكلام يختصر ليحفظ ويبسط ليفهم وإما بحسن الأداء فيها مع اختصاصها فربما يكون الاختصار سبباً لتقريب المعنى وتقريب أخذه من المبنى كما قال ابن مالك في الخلاصة: تقرب الأقصى بلفظ موجز. بناء على كون الباء فيها للسببية قال ابن جماعة ولا بعد في كون الاختصار سبباً لتقريب المعنى فإن قولك رأيت زيداً وأكرمته أخصر من قولك رأيت زيداً وأكرمت زيداً

على العوام والمتفقهين. وقد روينا في "صحيح ـــــــــــــــــــــــــــــ مع أنه أوضح منه وقد مدح - صلى الله عليه وسلم - بإتيانه جوامع الكلم أي المعاني الكثيرة مع الألفاظ الوجيزة اليسيرة مع عذوبة الألفاظ وسلاستها ورعايتها لمقتضى الحال مع فصاحتها وقد جمع العلماء منه الدواوين والأسفار وللسيوطي درر البحار في الأحاديث القصار وأما تعريف الفهم فقال السيد الجرجاني في تعريفاته أنه تصور المعنى من لفظ المخاطب بوزن اسم الفاعل والذكاء شدة قوة للنفس معدة لاكتساب الآراء. قوله: (على العوام) جمع عامي والمراد به ما يقابل المتفقه فهو من لم يحصل من الفقه شيئاً يهتدي به إلى الباقي والمتفقه الآخذ للفقه تدريجاً والمراد به هنا من ارتقى عن مقام العوام كما يؤذن به المقابلة في الكلام ويمكن أن يراد بالمتفقهين هنا العلماء الأعلام وعبر فيهم بذلك مع ما لهم من علو المقام إعلاماً بأن العلوم لا يمكن الوصول إلى الإحاطة بجميعها بل الإنسان وإن كمل في مقام أخذ العلم على التدريج إلى أن يدرج في الأكفان قال بعض العلماء لا يزال المرء عالماً حتى يرى أنه استغنى عن التعلم فهو آية جهله إذ ما أوتيه من العلوم وإن كثر فهو بالنسبة إلى ما غاب عنه منها يسير وقال الله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا 85)} [الإسراء: 85] وقال مخاطباً لسيد الأنبياء - صلى الله عليه وسلم - {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)} [طه: 114] وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه. ما حوى العلم جميعاً أحد ... لا ولو مارسه ألف سنه إنما العلم بعيد غوره ... فخذوا من كل شيء أحسنه قول: (وقد روينا) ضبطه الكازروني في شرح الأربعين النووية بالبناء للمفعول مخففاً أي روى لنا إسماعاً أو إقراءً أو إجازةً أو غيرها من باقي أنواع التحمل وبالبناء للفاعل اهـ، قال ابن المعز الحجازي في شرح الأربعين أيضاً المشهور روينا بفتح الواو مخففة من الرواية، أن النقل عن الغير ومقابل المشهور بضم الراء وتشديد الواو المكسورة يعني روانا مشايخنا أي صيرونا

مسلم" ـــــــــــــــــــــــــــــ رواة عنهم لما نقلوا لنا عمن أخذوا منهم فسمعنا وروينا عنهم وأتى بضمير نا الموضوع للمتكلم ومعه غيره إما لأنه أراد حكاية حال روايته أي أنه رواه مع غيره أو أخبر عن نفسه فقط وعثر بها إعلاماً بعظم مقامه تحدثا بالنعمة فيتلقى ما يخبر به بالقبول والرواية نقل الخبر من غير زيادة فيه ولا نقص ولا تغيير إعراب اهـ. قوله: (مسلم) ومسلم بن الحجاج القشيري نسبة لبني قشير قبيلة من العرب النيسابوري أحد أئمة أعلام الحديث وكبار المبرزين فيه، والرحالين في طلبه إلى أئمة الاقطار والمتفق على تمييزه وتقدمه فيه على أهل عصره كما شهد بذلك إماما وقتهما أبو زرعة وأبو حاتم فإنهما كانا يقدمانه في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما وغيرهما كأحمد وإسحاق وقتيبة بن سعيد والقعنبي روى عنه جماعات من كبار أئمة عصره وحفاظه ومنهم من هو في درجته كأبي حاتم الرازي والترمذي وابن خزيمة وله المصنفات الجليلة الكثيرة غير الصحيح الذي امتن الله به على المسلمين وأبقى له به الثناء الحسن الجميل إلى يوم الدين فإن من اطلع على ما أودعه في أسانيده وترتيبه وحسن سياقه وبديع طريقته من نفائس التحقيق وأنواع الورع التام والاحتياط والتحري في الرواية وتلخيص الطرق واختصارها وضبط متفرقها وكثرة اطلاعه واتساع روايته، علم أنه إمام لا يلحق وفارس لا يسبق قال صنفت المسند من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة ولما قدم البخاري آخر مرة لازمه مسلم وأدام الاختلاف إليه ومن ثم حذا حذوه في صحيحه وكان هذا هو مراد الدارقطني بقوله لولا البخاري لما ذهب مسلم ولا جاء، ولد عام وفاة الإمام الشافعي عام أربعة ومائتي وتوفي رحمه الله يوم الأحد لست بقين من شهر رجب سنة إحدى وستين ومائتين ودفن يوم الاثنين لخمس بقين منه بنيسابور وقبره بها مشهور يزار ويتبرك به، قيل سبب موته أنه عقد له مجلس للمذاكرة فذكر له

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث فلم يعرفه فانصرف إلى منزله وقدمت له سلة فيها تمر وكان يطلب الحديث ويأخذ تمرة فأصبح وقد فني التمر ووجد الحديث ولذا قال ابن الصلاح كان موته بسبب غريب نشأ من غمرة فكرية علمية، وسنه قيل خمس وخمسون وبه جزم ابن الصلاح وتوقف فيه الذهبي وقال إنه قارب الستين وهو أشبه من الجزم ببلوغه الستين لما عرفت من عامي ولادته ووفاته قال المصنف وجملته أحاديث صحيحة نحو أربعة آلاف بإسقاط المكرر وبالمكرر كما جاء عن أبي الفضل أحمد بن سلمة اثنا عشر ألفا قال الزركشي بعد نقله كلام ابن سلمة وقال أبو حفص الميانجي أنها ثمانية آلاف ولعل هذا أقرب، لكن نظر فيه الحافظ ابن حجر ثم الحديث المذكور أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة كما في الجامع الصغير وأخرجه ابن حبان. قوله: (عن أبي هريرة) بمنع صرفه على الأشهر أجاز بعضهم صرفه وسيأتي وجههما وبيان الخلاف في اسمه واسم أبيه وأصح ما قيل في ذلك عبد الرحمن بن صخر الدوسي من الأزد بن أوس أسلم عام خيبر ولزم النبي - صلى الله عليه وسلم - وواظب عليه راضياً بشبع بطنه وكانت يده مع يد النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث دار وكان من أحفظ أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يحضر ما يغيب عنه الأنصار لاشتغالهم بحوائطهم والمهاجرون لاشتغالهم بالتجارات ليكتفوا به عن الغير روى البيهقي عن الشافعي "أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره" وقد شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه حريص على العلم والحديث وشكا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - النسيان فأمره ببسط ردائه ففعل فغرف - صلى الله عليه وسلم - بيده فيه ثم قال ضمه قال فضممته فما نسيت شيئاً بعد وفي المستدرك عن زيد بن ثابت "كنت أنا وأبو هريرة وآخر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال ادعوا فدعوت أنا وصاحبي وأمن النبي - صلى الله

قال: "مَنْ دَعا إلى هُدًى كانَ لهُ مِنَ الأَجْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم - ثم دعا أبو هريرة فقال اللهم اني أسألك مثل ما سأل صاحباي وأسألك علماً لا ينسى فأمن النبي - صلى الله عليه وسلم - له فقلنا ونحن يا رسول الله كذلك فقال "سبقكما الغلام الدوسي" وجملة أحاديثه خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعون حديثاً اتفقا منها على ثلاثمائة وخمسة وعشرين وانفرد البخاري بثلاثة وعشرين ومسلم بمائة وتسعة وثمانين روى عنه من الصحابة والتابعين أكثر من ثمانمائة رجل منهم ابن عباس وابن عمر وجابر بن عبد الله وسعيد بن المسيب وآخرون توفي سنة ثمان وقيل سنة تسع وخمسين، وسنة ثمان وسبعون وصلى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وكان أميراً يومئذٍ على المدينة ومن كراماته ما في "حياة الحيوان للدميري" في الكلام على الحية في رحلة ابن الصلاح وتاريخ ابن البخاري عن أبي القاسم الزنجاني عن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي يقول سمعت القاضي أبا الطيب يقول كنا في حلقة النظر بجامع المنصور فجاء شاب خراساني فسأل عن مسألة المصراة، ولطالب بالدليل فاحتج المستدل بحديث أبي هريرة الثابت في الصحيحين وغيرهما فقال الشاب وكان حنفياً أبو هريرة غير مقبول الحديث قال القاضي فما استتم كلامه حتى سقطت عليه حية عظيمة من سقف الجامع فهرب الناس وتبعت الشاب فقيل له تب تب فقال تبت فعادت الحية وليس لها أثر قال ابن الصلاح هذا إسناد ثابت فيه ثلاثة من أئمة المسلمين القاضي أبو الطيب وتلميذه الشيخ أبو إسحاق وتلميذ أبي إسحاق الشيخ أبو القاسم الزنجاني. هـ. قوله: (من دعا إلى هدى إلخ) قال البيضاوي أفعال العباد وإن كانت غير موجبة ولا مقتضية للثواب وللعقاب بذواتها إلاَّ أن الله تعالى أجرى عادته بربط الثواب والعقاب بها ارتباط المسببات بالأسباب وفعل ما له تأثير في صدوره بوجه فكما يترتب الثواب والعقاب على ما يباشره يترتب كل منهما على ما هو سبب في فعله

مِثْلُ أجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذلكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيئاً". فأردت مساعدة أهل الخير بتسهيلِ طريقه، ـــــــــــــــــــــــــــــ كالإرشاد والحث عليه ولما كانت الجهة التي بها استوجب المسبب الأجر والجزاء غير الجهة التي بها استوجب المباشر لم ينقص أجره من أجره شيئاً قال الطيبي والهدي في الحديث ما يهتدي به من الأعمال وهو بحسب التنكير مطلق شائع في جنس ما يقال له هدي يطلق على القليل والكثير والعظيم والحقير، فأعظمه هدي من دعا إلى الله وأدناه هدي من دعا إلى إماطة الأذى عن طريق المسلمين ومن ثم عظم شأن الفقيه الداعي المنذر حتى فضل واحد منهم على ألف عابد لأن نفعه يعم الأشخاص والأعصار إلى يوم الدين اهـ .. قوله: (مثل أجور من تبعه) أي عمل بدلالته وامتثال إشارته. قوله: (لا ينقص ذلك) أي الأجر الواصل للدال من الأجور الواصلة للعمال شيئاً لما تقدم في كلام القاضي ومن اختلاف جهة إثابة كل منهما وعلم من هذا الحديث إن له - صلى الله عليه وسلم - من مضاعفة الثواب بحسب تضاعف أعمال أمته ما لا يحيط به عقل ولا يحده وذلك أن له مثل ثواب أصحابه لما علموه وما دل عليه من بعدهم المضاعف لهم ثوابه إلى يوم القيامة فيحصل له - صلى الله عليه وسلم - مثل ثواب ذلك جميعه هذا بالنسبة لأول الآخذين عنه وكذلك بالنسبة للآخذين عنهم فيحصل له مثل ثواب أعمالهم ودلالتهم لمن بعدهم المتضاعف ثوابه إلى يوم القيامة وهكذا في كل مرتبة من مراتب المبلغين عنه إلى انقضاء الأمة ومنه يعلم أيضاً ما لكل مرتبة من الهداية من المتضاعف المتعدد بتعدد من بعدهم فتأمله ليعلم فضل السلف على الخلف والمتقدمين على المتأخرين ومرتبة الفقيه الدال على الهدي على مرتبة العابد القاصر نفعه على نفسه وسكت المصنف نفعنا الله به عن إيراد باقي الخبر وهو قوله ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه من غير إن ينقص ذلك من آثامهم شيئاً كما سيذكره بجملته كذلك في باب فضل

والإشارة إليه، وإيضاح سلوكه والدلالة عليه، وأذكر في أوّل الكتاب فصولاً مهمة يحتاج إليها صاحب هذا الكتاب وغيره من المعتنين؛ وإذا كان في الصحابة من ليس مشهوراً عند من لا يعتني بالعلم نبَّهتُ عليه فقلتُ: روينا عن فلان الصحابيّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الدلالة على الخير والحث عليها لتعلق غرضه بمضمون الأول فقط والمختار في الأصول جواز تقطيع الحديث والاقتصار على بعضه إذا لم يكن له تعلق بما حذف منه من استثناء أو غاية أو عطف أو نحو ذلك قال الشيخ زكريا في تحفة القارئ على صحيح البخاري حذف الزائد على محل الشاهد من الحديث يسمى خرماً واختلف فيه فقيل بالمنع مطلقاً وقيل بالجواز مطلقاً والصحيح جوازه من العالم إن كان ما تركه غير متعلق بما رواه بحيث لا يختل البيان ولا تختلف الدلالة اهـ. قوله: (والإشارة إليه) أي إلى الخير فلذا ذكر الضمير، أو إلى الطريق وجاز وإن كانت مؤنثه معنوية كما صرح به غير واحد باعتبار المعنى أي المذهب أي محل الذهاب إلى الخير ويومئ إلى الثاني قوله بعد وإيضاح سلوكه. قوله: (والدلالة) بتثليث الدال. قوله: (فصولا) بالصاد المهملة جمع فصل لغة الحاجز وعرفا اسم لجملة من الباب مشتملة على مسائل غالباً وسيأتي له مزيد بيان. قوله: (وغيره) بالرفع بدليل تبيينه بقوله من المعتنين أو بالجر ويكون قوله من المعتنين بياناً لصاحب المضاف لهذا الكتاب وغيره. قوله: (المعتنين) اسم فاعل من الاعتناء. قوله: (الصحابة) بفتح الصاد في الأصل مصدر قال الجوهري ويقال صحبة وصحب وصحابة والصحابة بمعنى الأصحاب واحده صاحب بمعنى الصحابي من اجتمع مؤمناً بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ولو لحظة ومات على الإيمان وإن لم يره كابن أم مكتوم ولم يرو عنه وسواء كان مميزاً أو غير مميز كمحمد ابن الصديق رضي الله عنهما وأمثاله. قوله: (فلان) قال

لئلا يشك في صحبته. واقتصر في هذا الكتاب على الأحاديث التي في الكتب المشهورة التي هي أصول الإسلام ـــــــــــــــــــــــــــــ المصنف في تهذيب الأسماء واللغات قال الجوهري قال ابن السراج فلان كناية عن اسم يسمى به المحدث عنه خاص غالباً ويقال في النداء يا فل بحذف الألف والنون لغير ترخيم ولو كان ترخيماً لقالوا يا فلا وربما جاء الحذف في غير النداء ضرورة ويقال في غير الناس الفلان والفلانة هذا ما ذكره الجوهري وقد روينا في مسند أبي يعلى بإسناد صحيح على شرط مسلم عن ابن عباس قال "ماتت شاة لسودة بنت زمعة فقالت يا رسول الله ماتت فلانة تعني الشاة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - فهلا أخذتم مسكها" الحديث. هكذا في كل النسخ فلان بغير ألف ولام وهذا تصريح بجوازه فهما لغتان اهـ، باختصار قلت ومثل هذا حديث الطبراني عن ابن مسعود كما في الحصين "أن الجبل ينادي الجبل باسمه أي فلان هل مر بك أحد ذكر الله الحديث". قوله: (لئلا يشك في صحبته) أي وليكون سبباً في الترضي عنه باتفاق عند ذكره فيحصل له كثواب فاعله لكونه كالسبب في ذلك. قوله: (التي هي أصول الإسلام) أي يبتني معظمه عليها وفي فتاوى المصنف التي جمعها تلميذه الحافظ علاء الدين بن العطار ما لفظه هل في الأصول الخمسة والمسانيد المشهورة حديث غير صحيح أو أحاديث باطلة في بعضها دون بعض فأجاب أما البخاري ومسلم فأحاديثهما صحيحة وأما باقي السنن المشهورة والمسانيد ففيها الصحيح والحسن والضعيف والمنكر والباطل اهـ، وفي الإرشاد للمصنف ذكر الحافظ السلفي الأصول الخمسة وقال اتفق على صحتها علماء الشرق والغرب وهذا تساهل لأن فيها ما صرحوا بأنه ضعيف أو منكر أو شبهه والترمذي يصرح في كتابه بانقسامه إلى صحيح وحسن وضعيف وكذا أبو داود "قلت" ومراد السلفي أن معظم الكتب الثلاثة سوى الصحيحين يحتج به اهـ. قال فيه بعد وكما تساهل

وهي خمسة: "صحيح البخاري"، و"صحيح مسلم" ـــــــــــــــــــــــــــــ السلفي فيما ذكر تساهل الحاكم فأطلق على الترمذي الجامع الصحيح والخطيب فأطلق عليه وعلى سنن النسائي الصحيح قال المصنف في الإرشاد أيضاً قسم أبو محمد البغوي أحاديث كتابه المصابيح إلى صحاح وحسان مريداً بالصحاح ما في الصحيحين أو أحدهما وبالحسان إما سنن أبي داود والترمذي أو شبههما وهذا اصطلاح لا يعرف ولا هو صحيح فقد تقدم إن هذه الكتب فيها الصحيح والحسن والضعيف والمنكر فكيف تجعل كلها حساناً اهـ. قوله: (وهي خمسة) بإسقاط الموطأ وسنن ابن ماجة ومنهم من يعدها ستة بإدخال الموطأ وعليه عرف المتقدمين ومنهم من أدخل سنن ابن ماجة في العد وأخرج الموطأ وهو المشهور في عرف المتأخرين. قوله: (البخاري) هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن المغيرة بن بردزبه وقيل ابن المغيرة بن الأحنف البخاري الجعفي مولاهم أمير المؤمنين في الحديث مؤلف الصحيح والتاريخ وغير ذلك كتب بخراسان والجبال والعراق والشام ومصر روى عن مكي بن إبراهيم وأبي نعيم الفضل ابن دكين وخلائق من هذه الطبقة ومن بعدهم حتى كتب عن أقرانه وعن أصغر منه حتى زاد أعداد شيوخه عن الألف روى عنه مسلم خارج الصحيح والترمذي وأبو زرعة وابن خزيمة وابن حبان ومحمد بن يوسف الفربري ومنصور بن محمد البزدوي وهو آخر من روى الصحيح وآخرون كثيرون وآخر من زعم أنه سمع منه عبد الله بن فارس البلخي ولد البخاري في ثالث شوال سنة أربع وتسعين ومائة وألهم حفظ الحديث في الكتاب وهو ابن عشر سنين وحضر عند الداخلي وهو ابن إحدى عشرة سنة فروى عن أبي الزبير سفيان عن إبراهيم فقال له البخاري إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم فقال كيف هو يا غلام فقال هو الزبير بن عدي فأخذ القلم وأصلح كتابه، وحفظ كتب ابن المبارك ووكيع وهو ابن ست عشرة سنة وخرج

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مع أمه وأخيه أحمد إلى مكة وتخلف بها يطلب وهو ابن ثماني عشرة سنة التاريخ عند قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ابن عقدة لو كتب الرجل ثلاثين ألفاً ما استغنى عن تاريخ البخاري وشرع في جمع الصحيح في أيام إسحاق بن راهويه وقال أخرجته من زهاء ستمائة ألف حديث وما أدخلت فيه إلاّ ما صح وتركت من الصحاح لحال الطول وروى الفربري عنه ما وضعت في الصحيح حديثاً إلاَّ اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين وروى ابن عدي أنه كان يصلي لكل ترجمة من تراجم التاريخ ركعتين قال أحمد ما أخرجت خراسان مثله وقال ابن المديني ما رأى مثل نفسه وقال أبو يعقوب الدورقي ونعيم بن حماد هو فقيه هذه الأمة ولما دخل البخاري البصرة قال بندار دخل اليوم سيد الفقهاء وقال أبو مصعب لو أدركت مالكاً فنظرت إليه إلى محمد بن إسماعيل لقلت كلاهما واحد في الفقه والحديث وقال أبو حاتم هو أعلم من دخل العراق وقصته مع أهل بغداد في أنهم قلبوا عليه مائة حديث فرد كل حديث إلى إسناده مشهورة خرجها ابن عدي عن عدة من المشايخ وكان له ببغداد ثلاثة مستملين واجتمع في مجلسه أكثر من عشرين ألفا وجرت له محنة مع خالد بن أحمد الذهلي والي بخارى فنفاه من البلد فجاء إلى خرتنك قرية من قرى سمرقند فنزل على أقارب له بها فقال عبد القدوس بن عبد الجبار السمرقندي سمعته ليلة وقد فرغ من صلاة الليل يدعو ويقول اللهم إنه قد ضاقت علي الأرض بما رحبت فاقبضني إليك فما تمّ الشهر حتى قبضه الله فتوفي ليلة عيد الفطر سنة مائتين وستة وخمسين قال المصنف وجملة أحاديث صحيحة سبعة آلاف حديث ومائتان وخمسة وسبعون حديثاً بالأحاديث المكررة وبإسقاط المكرر أربعة آلاف وقال الحافظ ابن حجر وقد حررتها فبلغت بالمكرر سوى المعلقات والمتابعات والموقوفات على الصحابة والمقطوعات عن التابعين فمن بعدهم سبعة آلاف وثلاثمائة وسبعة وسبعين حديثًا وبدون المكرر ألفين وستمائة وحديثين وفيه من التعاليق ألف وثلاثمائة وأحد وأربعون قال وأكثرها يخرج في أصولنا

و"سنن أبي داود" ـــــــــــــــــــــــــــــ متونه والذي لم يخرج مائة وتسعة وخمسون وفيه من المتابعات والتنبيه على اختلاف الروايات ثلثمائة وأربعة وثمانون. قوله: (وسنن أبي داود) هو الحافظ صاحب السنن سليمان بن الأشعث بن إسحاق ابن بشير بن سداد بن عمران السجستاني وقيل في نسبه غير ذلك روى عن القعنبي وأحمد بن حنبل وإسحاق وعلي بن المديني ويحيى بن معين وخلائق بالحجاز والشام ومصر والعراق وخراسان والجزيرة روى عنه ابنه أبو بكر عبد الله والترمذي وأبو عوانة وأبو بكر النجار وغيرهم قال ابن حبان أبو داود أحد أئمة الدنيا فقهاً وعلماً وحفظاً ونسكاً وورعاً وإتقاناً جمع وصنف وذب عن السنن. وقال أبو بكر الخلال هو الإمام المقدام في زمانه لم يسبقه أحد إلى معرفته بتخريج العلوم وبصره بمواضعه في زمانه رجل ورع مقدم سمع منه أحمد بن حنبل حديثاً وقال محمد بن مخلد كان أبو داود يعني بمذاكرة مائة ألف حديث وقال ابن داسة سمعت أبا داود يقول كتبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسمائة ألف حديث انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب يعني السنن جمعت فيه أربعة آلاف وثمانمائة حديث وذكرت الصحيح وما يشبهه وما يقاربه ويكفي الإنسان من ذلك لدينه أربعة أحاديث: الأعمال بالنيات ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ولا يكون المؤمن مؤمناً حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه والحلال بين والحرام بين، وأبدل بعضهم حديث لا يكون المؤمن إلخ بحديث أزهد في الدنيا يحبك الله وأزهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس ونظمها كذلك ابن معوز فقال: عمدة الناس عندنا كلمات ... أربع قالهن خير البريه اتق الشبهات وازهد ودع ما ... ليس يعنيك واعملن بنيه قال أبو عبيدة الآجري سمعت أبا داود يقول ولدت سنة اثنتين ومائتين قال الآجري ومات لأربع عشرة بقين من شوال سنة خمس وسبعين ومائتين

و"الترمذي " ـــــــــــــــــــــــــــــ بالبصرة قال بعض المتقنين اختلف مقاصد أصحاب الكتب فيها فللصحيحين منها صنوف وللبخاري لمن أراد التفقه مقاصد جليلة ولأبي داود في حصر أحاديث الكلام من استيعابها ما ليس لغيره وللترمذي في فنون الصناعة الحديثية ما لم يشاركه فيه غيره وقد سلك النسائي اغمض تلك المسائل وأدقها اهـ. قوله: (ترمذي) قال الأصفهاني في كتابه لب اللباب في الأنساب الترمذي بضم التاء وفتحها وكسرها نسبة إلى مدينة قديمة على طرف نهر بلخ الذي يقال له جيحون منها جماعة منهم الترمذي صاحب الجامع والعلل وسكت عن بيان حركة ميمه وبينها أصل أصله السمعاني وعبارته الترمذي بكسر المثناة من فوق والميم وبضمها وبفتح المثناة وكسر الميم اهـ. وفي الراجح من هذه اللغات خلاف فقال ابن سيد الناس المتداول بين أهل تلك المدينة فتح التاء وكسر الميم والذي نعرفه قديماً كسرهما معاً والذي يقوله المتقنون أهل المعرفة بضمهما وكل واحد يقول لها معنى يدعيه اهـ، في طبقات الحفاظ للذهبي قال شيخنا ابن دقيق العيد ترمذ بالكسر هو المستفيض على الألسنة حتى يكاد يكون كالمتواتر وقال الباجي سمعت عبد الله بن محمد الأنصاري يقول هو بضم التاء اهـ، والترمذي أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك وقيل في نسبه غير ذلك السلمي الحافظ الضرير أحد الأئمة الستة قيل إنه ولد أكمه طاف البلاد فسمع من قتيبة وعلي بن حجر وأبي كريب وخلائق وأخذ علم العلل والرجال عن البخاري وروى عنه حماد بن شاكر وأحمد بن حسنويه ومحمد بن أحمد بن محبوب وآخرون وقد سمع منه البخاري أيضاً قال ابن حبان في الثقات كان ممن جمع وصنف وحافظ وذاكر ولد سنة مائتين وتسعة قال المستغفري مات في شهر رجب سنة تسع وسبعين ومائتين وكذا قال ابن عنجار وابن ماكولا وبه رد الزين العراقي وغيره قول الخليلي في الإرشاد

و"النسائي" وقد أروي يسيراً من الكتب المشهورة وغيرها. ـــــــــــــــــــــــــــــ ومات بعد الثمانين بل قال بعضهم هذا باطل وفي بعض شروح الشمائل كان الترمذي مكفوفاً قيل ونوزع بقول الكشاف ولم يكن في هذه الأمة أكمه غير قتادة بن دعامة وقد يقال هذا نفي ومن حفظ حجة على من لم يحفظ وكان يضرب به المثل في الحفظ قال المروزي قال لي الترمذي كنت في طريق مكة وكنت كتبت جزأين من أحاديث شيخ فمر بنا ذلك الشيخ فذهبت إليه وأنا أظن إن الجزأين معي وحملت معي جزأين كنت أظنهما إياهما فسألته في القراءة فأجابني فأخذت الجزأين وإذا هما بياض فتحيرت فجعل الشيخ يقرأ علي من حفظه ثم نظر فرأى البياض في يدي فقال أما تستحي فقصصت عليه القصة وقلت احفظه كله فقال اقرأ فقرأت جميع ما قرأه علي على الولاء فما أخطأت في حرف منه فقال لي ما مر بي مثلك قط. قوله: (والنسائي) بفتح النون والسين المهملة المخففة بعدها ألف ممدودة منسوب إلى نساء مدينة بخراسان كذا في المغني للعتبي وفي لب اللباب ويقال في النسب إليها نسوي أيضاً اهـ. والنسائي هو أحمد بن شعيب ابن علي بن سنان بن بحر بن دينار أبو عبد الرحمن الحافظ مصنف السنن وأحد الأئمة المبرزين روى عن قتيبة بن سعيد وإسحاق بن راهويه وهشام بن عمار وعيسى بن حماد زغبة في خلق كثيرين آخرين روى عنه ابن عبد الكريم وأبو سعيد بن يونس وأبو جعفر الطحاوي وأبو جعفر العقيلي وأبو القاسم الطبراني والدولابي وابن السني وخلائق آخرهم أبيض بن محمد الفهري قال الحافظ أبو يعلى النيسابوري النسائي إمام الحديث بلا مدافعة وقال الطحاوي إمام من أئمة المسلمين وقال الدارقطني يقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره وسئل الدارقطني أيضاً إذا حدث النسائي وابن خزيمة أيهما يقدم فقال النسائي لم يكن مثله ولا أقدم عليه أحداً ولم يكن في الورع مثله قال الحاكم سمعت الدارقطني يقول كان النسائي أفقه مشايخ

وأما الأجزاء والمسانيد، فلست أنقل منها شيئاً إلا في نادر من المواطن، ولا أذكر من الأصول المشهورة أيضاً من الضعيف إلا النادر مع بيان ضعفه، وإنما أذكر فيه الصحيح غالباً، فلهذا أرجو أن يكون هذا الكتاب أصلاً معتَمداً، ثم لا أذكر في الباب من الأحاديث إلا ما كانت ـــــــــــــــــــــــــــــ مصر في عصره وأعرفهم بالصحيح والسقيم وأعلمهم بالرجال وقال ابن يونس كان إماماً في الحديث ثقة ثبتاً حافظاً كان خروجه من مصر في ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثمائة وتوفي بفلسطين قال الطحاوي مات في صفر سنة 111 بفلسطين وقال الحاكم أبو عامر العبدري إنه توفي بالدجلة مدينة فلسطين وحمل إلى بيت المقدس حكى ابن منده عن مشايخه بمصر إنه خرج من مصر إلى دمشق فوقعت له بها كائنة ثم حمل إلى مكة ومات سنة ثلاث وثلاثمائة وهو مدفون بها وكذا قال الدارقطني إنه حمل إلى مكة فتوفي بها في شعبان سنة ثلاث وثلاثمائة وكان مولده سنة أربع عشرة ومائتين. قوله: (وأما الأجزاء والمسانيد فلست أنقل منها إلخ) وذلك لأن مخرجيها جل نظرهم رواية مروي ذلك المخرج عنه مقبلاً كان أو لا فلذا لم يلحق المسانيد بالكتب الأربعة والموطأ ونحوها في الاعتماد. قوله: (الضعيف) هو عند أهل الحديث ما فقد شرطاً من شروط لقبول وهي الاتصال وعدالة الراوي وضبطه وفقد العلة القادحة والشذوذ ويزداد الضعف بتزايد الفقد أو نحوه. قوله: (مع بيان ضعفه) بفتح أو ضم الضاد المعجمة وإنما بين ذلك إعلاماً برتبته فيقدم عليه معارضه من خبر مقبول وإلَّا فالسكوت عن بيان حال الحديث الضعيف غير الموضوع لا محذور فيه بوجه خصوصاً والمقام للفضائل المعمول فيها بذلك أما الحديث الموضوع فلا يجوز ذكره للعالم بحاله إلاّ مقروناً بالبيان وسيأتي إن المصنف ربما أغفل التنبيه على حال الحديث لغفلة أو نحوها. قوله: (الصحيح) المراد منه ما يشمل الصحيح لغيره

دلالته ظاهرة في المسألة. واللهَ الكريمَ أسألُ التوفيقَ والصيانةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بل والحسن فيراد من الصحيح المقبول وقد أطلق كثير عليه الصحيح. قوله: (دلالته) مثلث الدال والفتح أفصح وإنما اعتبر ظهور دلالة الحديث في المطلوب ليعم الفهم العالم والمتعلم وإن لم يكن لغير العالم أي المجتهد أخذ الأحكام من الأحاديث. قوله: (المسألة) مطلوب يبرهن على إثبات محموله لموضوعه. قوله: (والله الكريم) يجوز فيهما النصب بجعل الاسم الكريم مفعولاً مقدماً لأسأل إذ هو متعد لاثنين والرفع بجعله مبتدأ ومفعول أسأل ضمير محذوف والجملة خبر أي اسأله والأول لسلامته من الحذف المرتب على الثاني أولى. قوله: (التوفيق) هو لغة جعل الأسباب موافقة للمسببات وعرفًا قال في التهذيب قال إمام الحرمين وغيره من أصحابنا المتكلمين هو خلق قدرة الطاعة في العبد وقيل خلق الطاعة فيه ويساويه اللطف وهو ما يقع به صلاح العبد آخرة ما صدقًا لا مفهوماً وقد يطلق التوفيق على أخص من ذلك ومن ثم قال المتكلمون اللطف ما يحمل المتكلم على الطاعة ثم إن حمل على فعل المطلوب سمي توفيقاً أو ترك القبيح سمي عصمة وصرح أهل السنة في مبحث خلق الأفعال بأن لله تعالى لطفًا لو فعله بالكفار لآمنوا به اختيارًا غير أنه لا يفعله وهو في فعله متفضل وفي تركه عادل وضد التوفيق الخذلان كذا قالوا لكن في التهذيب التوفيق خلاف الخذلان ولعزة التوفيق لم يذكر في القرآن إلاَّ في قوله تعالى: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ} [هود: 88] وأما قوله تعالى: {يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35] وقوله: {إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62)} [النساء: 62] فمن الوفاق ضد المخالفة. قوله: (والصيانة) بكسر الصاد قال المصنف في التهذيب قال الجوهري يقال صنت الشيء أصونه صوناً وصيانة وصيانا بالكسر فهو مصون ولا يقال مصان ويقال ثوب مصون ومصوون الأول على النقص والثاني على الإتمام اهـ، وأصل صيانة وصيان الواو كما في قيام ولئلا يلتبس الأخير بصوان الشيء أي قشره وطرد فيما قبله.

والإنابةَ والإعانةَ، والهدايةَ وتيسيرَ ما أقصده من الخيرات، والدوام على أنواع المكرمات، والجمع بيني وبين أحبائي ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (والإنابة) بكسر الهمزة مصدر أناب وكذا الإعانة مصدر أعان وأصلهما إنواب وإعوان على وزن إفعال فنقلت حركة حرف العلة إلى الساكن ثم قيل تحرك حرف العلة باعتبار الأصل وانفتح ما قبله أي حالاً فقلب حرف العلة ألفاً فحصل التقاء الساكنين الألف المنقلبة وألف الأفعال فحذفت إحداهما وهل هي الأولى أو الثانية خلاف عند الصرفيين ثم عوض عن المحذوف الهاء في آخر الكلمة. قوله: (والهداية) في تهذيب اللغات الهداية والهدى يطلق بمعنيين أحدهما خلق الأيمان واللطف والآخر بمعنى البيان فمن الأول الحمد لله الذي هدانا لهذا ونظائره ومن الثاني {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} [الإنسان: 3] {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)} [البلد: 10] أي بيّنا له طريق الخير والشر {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ] [فصلت: 17] أي بينا لهم الطريق اهـ، والهداية بالمعنى الأول لا تكون إلاَّ لله تعالى وبالمعنى الثاني تكون له وللرسل وورثتهم وحمل الهداية على خلق اللطف أي يلطف بنا فيؤهلنا لما يوجهنا له من الخيرات يؤيده ما في بعض النسخ "والهداية إلى تيسير ما أقصده من الخيرات" أي يلطف بي فيهون على ذلك ويوصلني إلى هذه المسالك وعلى البيان يؤيده عطف تيسير عليه في نسخ أخرى أي أسأله أن يمن علينا ببيان طريق الخير وييسر لنا سلوكه. قوله: (والدوام) يجوز فيه النصب عطفاً على المنصوب قبله والخفض عطفاً على الخير أي وتيسير ما أقصده من الدوام على أنواع المكرمات وهي جمع مكرمة بفتح أوله وضم الراء المهملة وعلى الثاني فالعطف من قبيل عطف الخاص على العام للاهتمام والفتح أليق بالمقام. قوله: (أحبائي) بالتشديد والهمز أي من يحبوني وأحبهم وإن لم يأت زمنهم لأنه ينبغي أن يحب في الله كل من اتصف بكمال سابقاً أو لاحقاً وما أحسن قول إمامنا الشافعي رضي الله عنه. أحب الصالحين ولست منهم ... لعلي أن أنال بهم شفاعه

في دار كرامته وسائر وجوه المسرَّات. وحسبي الله ونعم الوكيل، ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (دار كرامته) هي الجنة التي أكرم الله بها أهل طاعته. قوله: (وسائر) أي باقي (وجوه المسرات) الذي لم تشمله هذه الدعوات والعطف حينئذٍ من عطف المغاير أو جميع المسرات من باب عطف العام على الخاص بناء على كون سائر يأتي بمعنى جميع فقد قال الجوهري سائر الناس جميعهم قال المصنف في التهذيب وهي لغة صحيحة ذكرها غير الجوهري ووافقه عليها أبو منصور الجواليقي في أول كتابه شرح أدب الكاتب واستشهد على ذلك وإذا اتفق هذان الإمامان على نقل لغة فهي لغة وبهذا يندفع قول الشيخ ابن الصلاح استعمال سائر بمعنى الجميع مردود عند أهل اللغة معدود في غلط العامة وأشباههم من الخاصة قال الأزهري في تهذيب اللغة أهل اللغة اتفقوا على أن معنى سائر الباقي قال الشيخ ابن الصلاح ولا التفات إلى قول الجوهري صاحب اللغة سائر الناس جميعهم فإنه لا يقبل ما انفرد به وقد حكم عليه بالغلط في هذا. قوله: (وحسبي الله ونعم الوكيل) حسبي أي محسبي وكافي خبر قدم على مبتدأ وهو الاسم الكريم "وقوله ونعم الوكيل" معطوف إما على حسبي الخبر من باب عطف الجملة على المفرد ثم قيل جاز ذلك لتضمن حسبي معنى الفعل أي يحسبني وقال ابن رمضان في شرح العقائد لا حاجة إلى تضمن حسبي معنى يحسبني ويكفيني لأن الجمل التي لها محل من الإعراب واقعة موقع المفرد ويجوز عطفها على المفرد وعكسه والمخصوص على هذا هو الاسم الكريم أو على جملة حسبي الله من غير تقدير شيء في الجملة المعطوفة بناء على كونها إنشائية معنى هي لإنشاء التوكل فتكون من عطف إنشائية على مثلها أو مع تقدير مبتدأ هو هو بقرينة ذكره في المعطوف عليه ثم قيل يقدر القول قبل الجملة الإنشائية لوقوعها خبراً وجرى عليه ابن رمضان في شرح الشرح وابن حجر الهيتمي فقال التقدير وهو مقول فيه نعم الوكيل أو من غير تقدير بناء على المختار كما قال ابن مالك

ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم، ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، توكلت على الله، ـــــــــــــــــــــــــــــ من جواز وقوع الطلبية خبراً من غير إضمار قول والتقدير بناء على إبقاء جملة حسبي على وضعها أي الخبرية لفظاً ومعنى فيكون من عطف خبرية على مثلها والمخصوص على هذين محذوف وبه يندفع ما قيل في هذا الكلام عطف إنشاء على خبر وهو ممنوع عند أهل النظر. قوله: (ولا حول) يقال الحول ويقال الحيلة والأول كما في النهاية أشبه يقال حال الشخص يحول إذا تحرك ويجوز في لام حول الفتح على إعمال لا والرفع على إهمالها لتكررها أو على إعمالها عمل ليس. قوله: (ولا قوة) يجوز فيه مع إعمال الأولى الفتح على إعمال الثانية إذ التكرار يمنع وجوب العمل لا جوازه والنصب بالعطف على محل اسم لا الأولى والرفع على إهمال الثانية لتكرارها أو بالعطف على محل لا مع اسمها فإنها في موضع رفع بالابتداء عند سيبويه ولا زائدة والكلام جملة واحدة أو على محل اسم لا قبل دخولها ويمنع مع إهمال الأول النصب لانتفاء سببه ويجوز ما عداه. قوله: (العزيز الحكيم) هذا الوارد في ختم هذه الكلمة دون ما اشتهر من ختمها بالعلي العظيم لكن في بعض نسخ الحصين الحصين رواية ختمها بالعلي العظيم ولعلها رواية وفي شرح المشكاة لابن حجر الهيتمي وختم الحوقلة بهما لوروده في هذه الرواية الصحيحة لا سيما رواية مسلم أولى من ختمها بالعلي العظيم وإن كان قد اشتهر اهـ، وسيأتي لهذه الجملة زيادة في باب الذكر المطلق إن شاء الله تعالى. قوله: (ما شاء الله) ما فيه شرط مبتدأ حذف جوابه لظهوره أي كان وما أحسن قوله إمامنا الشافعي: وما شئت كان وإن لم أشأ ... وما لم تشأ إن أشأ لم يكن قوله: (لا قوة) بالفتح لاجتماع شروط الأعمال وتكراره إعلاماً بأن الاعتماد إنما هو على أقدار ذي العظمة والجلال. قوله: (توكلت على الله) جعل الرضى

اعتصمت بالله، استعنت بالله، فوَّضت أمري إلى الله، وأستودعه ديني ونفسي ووالدلي وإخواني وأحبائي وسائر من أَحسن إليَّ وجميع المسلمين، وجميع ما أنعم به علي وعليهم من أمور الآخرة والدنيا، فإنه سبحانه إذا استُودع شيئاً حفظه، ونعم الحفيظ. ـــــــــــــــــــــــــــــ عليّ في هذا المقام من العلو المجازي واللائق بالأدب عدم التعبير بالاستعلاء مطلقاً وأن يقال معنى علي في ذلك ونحو لزوم التفويض إلى الله تعالى فمعنى توكلت على الله لزمت تفويض أمري إلى الله تعالى واللفظ قد يخرج بشهرته في الاستعمال في الشيء عن مراعاة أصل المعنى أشار إليه المحقق ابن أبي شريف والتوكل كثر فيه التعاريف للقوم ومن أحسنها قول بعضهم التوكل اعتمادك على مولاك ورجوعك إليه وخروجك عن حولك وقوتك وانطراحك بين يديه وقول آخر التوكل اكتفاؤك بعلم الله فيك عن تعلق القلب بسواه ورجوعك في جميع أمورك إلى الله وقال الأستاذ الأكبر أبو مدين التوكل وثوقك بالمضمون واستبدال الحركة بالسكون والمال إلى واحد. عباراتنا شتى وحسنك واحد ... وكل إلى ذاك الجمال يشير قوله: (اعتصمت بالله إلخ) الاعتصام الإمساك بالشيء افتعال من العصمة بمعنى المنعة. قوله: (فوضت أمري إلخ) قال في النهاية أي رددته إليه يقال فوّض إليه الأمر تفويضاً إذا رده إليه وجعله الحاكم فيه اهـ. قوله: (وأستودعه ديني) أي اجعله وديعة عنده وهو الأمين على ما استودع عليه الحافظ له وفي التعبير بهذا الذكر المطلوب للمسافر المؤمن إشارة إلى السفر الذي لا بد منه والاستعداد لذلك رزقنا الله إياه وسلك بنا والمسلمين أحسن المسالك. فصل هو وما أشبه من التراجم خبر مبتدأ محذوف الخبر أي هذا فصل أو مبتدأ محذوف

فصل: في الأمر بالإخلاص وحسن النيات في جميع الأعمال

فصل: في الأمر بالإخلاص وحسن النيات في جميع الأعمال ـــــــــــــــــــــــــــــ الخبر أو خبره الظرف بعده وتجويز النصب فيه مبني على لغة من يقف على المنصوب المنون بالسكون والجر على حذف الجار وإبقاء عمله والأولى لغة ضعيفة والثاني ممتنع قياساً إلاَّ في مواضع ليس هذا منها والفصل بالصاد المهملة في الأصل مصدر وهو هنا إما بمعنى اسم الفاعل أي الفاصل أو بمعنى اسم المفعول إذ مسائله مفصولة عما قبله وما بعده والفصل في عرف المصنفين اسم لجملة من العلم مشتملة على مسائل غالباً وكذا يعرف ما أفرد من كتاب أو باب فإن جمعت الثلاثة فقل الكتاب اسم لجملة من العلم مشتملة على أبواب وفصول ومسائل غالباً والفصل اسم لجملة من الباب مشتملة على مسائل غالباً ووضع العلماء التراجم تسهيلًا للوقوف على مظان المسائل وتنشيطاً للنفوس قال الزمخشري وذلك لأن القارئ إذا ختم باباً من كتاب ثم أخذ في آخر كان ذلك أنشط له وأبعث على الدرس والتحصيل بخلاف ما لو استمر على الكتاب بطوله ومثله المسافر إذا علم أنه قطع ميلاً وطوى فرسخاً نفس ذلك عنه ونشط للمسير ومن ثم كان القرآن الكريم سوراً وأجزاءً وأعشاراً اهـ. وقال غيره وضع الكتاب لما كانت أبحاث العلم فيه متباينة الجنسية والباب لما كانت أبحاث العلم فيه متشاركة الجنسية والفصل لما كانت أبحاث ذلك فيه متشاركة النوعية والمسألة لما كانت أبحاث ذلك متشاركة الصنفية ثم إن كانت دلالته من جهة الاندراج فالفرع أو من جهة الإطراد فالقاعدة أو من جهة الإعلام بتفصيل مجمل سابق فالتنبيه أو من جهة كثرة تحصرها جهة واحدة فالضابط اهـ. قوله: (في الأمر بالإخلاص) الظرف الأول خبر لقوله فصل إن جعل مبتدأ وإن جعل خبراً لمحذوف فيجوز في الظرف كونه ثابتاً أو حالاً حذف صاحبها وعاملها أي هذا فصل أعنيه كائناً في الأمر بالإخلاص والظرف الثاني لغو متعلق بالأمر والإخلاص بكسر الهمزة مصدر أخلص قال الراغب في مفرداته الإخلاص

الظاهرات والخفيات: قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5] وقال تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج: 37] قال ابن عباس رضي الله عنهما: معناه: ولكن ينالُه النياتُ. أخبرنا شيخنا الإمام الحافظ أبو البقاء خالد بن يوسف بن سعد بن الحسن بن المفرِّج بن بكار ـــــــــــــــــــــــــــــ التعري عن كل ما دون الله اهـ. وفي الرسالة القشيرية بسنده إلى سيد البرية - صلى الله عليه وسلم - مسلسلاً بالسؤال عن الإخلاص قال - صلى الله عليه وسلم - سألت رب العزة عن الإخلاص أي ما هو قال سر من أسراري استودعته قلب من أحببت من عبادي اهـ. قوله: (الظاهرات) المفعولة بالجوارح الظاهرة كالصلاة والصدقة، والصوم من الأعمال الخفية إذ لا يعلم حال صاحبه إلاّ بأخبار سره عنه وقد خفي صيام كثير من العارفين على أهله مدة من السنين قيل ولذا ورد في الخبر القدسي الصوم لي وأنا أجزي به. قوله: (والخفيات) من أعمال القلب. قوله: (إلا ليعبدوا الله إلخ) أخذ منه أهل السنة ما ذهبوا إليه من أن العبادة ليس وجوبها لإفادة الطائع الثواب وبعده عن النار والعقاب بل لأداء حق الربوبية والقيام بمقام العبودية وفي الإكليل في استنباط أحكام التنزيل للسيوطي استدل بالآية على وجوب النية في العبادات لأن الإخلاص لا يكون بدونها اهـ، ثم العبادة اسم للطاعة المؤداة على وجه التذلل ونهاية التعظيم وقضية هذا الكلام أن العبادة أسنى أوصاف الأولياء الكرام لكن قال العارفون التعبد إما لنيل الثواب أو التخلص من العقاب وهي أنزل الدرجات ويسمى عبادة لأن معبوده في الحقيقة ذلك المطلوب بل نقل الفخر الرازي إجماع المتكلمين على عدم صحة عبادته ورد عليه ذلك بأن صواب النقل عن المتأخرين، أو للشرف بخدمته تعالى والانتساب إليه ويسمى عبودية وهي

المقدسي النابلسي ثم الدمشقي رضي الله عنه، أخبرنا أبو اليمن الكندي، أخبرنا محمد بن عبد الباقي الأنصاري، أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي ـــــــــــــــــــــــــــــ أشرف من الأولى ولكنها ليست خالصة له تعالى، أو لوجهه وحده من غير ملاحظة شيء آخر ويسمى عبادة وهي أعلى المقامات وأرفع الدرجات وسيأتي في بيان العبادة لطلب الثواب زيادة تحقيق وقيل العبادة ما تعبد فيه بشرط معرفة المتقرب إليه فيوجد بدون العبادة فيما لا يحتاج من القرب لنية كعتق ووقف والطاعة غيرهما إذ هي كما تقدم امتثال الأمر والنهي فتوجد بدونهما في النظر المؤدي إلى معرفته تعالى إذ معرفته إنما تحصل بتمام النظر قاله بعض المحققين. قوله: (المقدسي) بفتح الميم وسكون القاف وكسر الدال والسين المهملتين نسبة إلى بيت المقدس وهي مدينة إيلياء كذا في مغني الشيخ محمد طاهر الفتني. قوله: (النابلسي) بنون فموحدة بعد الألف مضمومة فمهملة بعد اللام نسبة إلى نابلس قال الصغاني هي من بلاد فلسطين. قوله (ثم الدمشقي) قال الفتني في المغني نقلاً عن الكرماني بكسر مهملة وفتح ميمه وعن الزركشي بكسر الميم اهـ، وفي لب اللباب الدمشقي نسبة إلى دمشق وهي أحسن مدينة بالشام اهـ، وفي إتيانه بثم الإشارة إلى أن توطنه بدمشق متأخر عن توطنه بنابلس ويؤتى بثم لذلك كما قاله علماء الأثر وخالد المذكور ترجمه الذهبي في طبقات الحفاظ فقال الإمام المفيد المحدث مولده سنة خمس وثمانين وخمسمائة بنابلس ونشأ بدمشق فسمع من أبي محمد القاسم ابن عساكر وابن طبرزد وآخرين وكتب ورحل وحصل أصولاً نفيسة ونظر في اللغة وكان ذا إتقان وفهم ومعرفة وعلم وكان ثقة متثبتاً ذا نوادر ومزاح وكان يحفظ جملة كثيرة من الغريب وأسماء الرجال وكناهم وينطوي على صدق وزهد وأمانة توفي في سلخ جمادى الأولى سنة 663 اهـ. قال المصنف في حقه في جزء الصيام بعد أن وصفه بالحفظ وغيره المنفرد في وقته بمعرفة الرجال. قوله: (الكندي) هو بضم الكاف

الجوهري، أخبرنا أبو الحسين محمد بن المظفر الحافظ، أخبرنا أبو بكر محمد بن محمد بن سليمان الواسطي، حدثنا أبو نعيم عبيد بن هشام الحلبي، حدثنا ابن المبارك، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ـــــــــــــــــــــــــــــ نسبة إلى كندة من قرى سمرقند وبكسرها نسبة إلى كندة قبيلة كبيرة مشهورة من اليمن ينسب إليها خلق كثير ولم أقف على ضبط الكندي هو بضم الكاف أو بكسرها لكن رأيت ضبطه بالقلم في أصل صحيح بالكسر. قوله: (الجوهري) قال في لب اللباب نسبة إلى بيع الجوهر. قوله: (الأنصاري) هذا يعرف بنسب يحيى بن سعيد وإنما قال هو إلخ. لأن من زاده لم يسمعه كذلك من شيخه واحتاج إليه لدفع الإلباس فأتى به لدفع ما ذكر ونبه بقوله هو الأنصاري أنه لم يسمعه كذلك ممن سمعه منه ومثل هذا كثير في كتب الحديث. قوله: (التيمي) بفتح المثناة الفوقية وإسكان التحتية نسبة إلى تيم. قوله: (علقمة بن وقاص) قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في التقريب وقاص بتشديد القاف وهو الليثي المدني ثقة ثبت من الثانية أخطأ من زعم أن له صحبة وقيل أنه ولد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - مات في خلافة عبد الملك اهـ، ونقل ابن حجر الهيتمي في شرح المشكاة أن علقمة صحابي في قول بعضهم وسكت عليه وهو خطأ كما تقدمت الإشارة إليه. قوله: (عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه) هو ثاني الخلفاء أمير المؤمنين القرشي العدوي كناه صلى الله عليه وسلم بأبي حفص وهو لغة الأسد ولقبه بالفاروق لفرقانه بين الحق والباطل إذ كان أمر المسلمين قبله على غاية الخفاء وبعده على غاية الظهور أسلم بعد أربعين رجلاً وإحدى عشرة امرأة سنة ست من النبوة وبويع له بالخلافة يوم موت الصديق رضي الله عنه سنة ثلاث عشرة من الهجرة بعهد

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ منه ففتح الفتوح الكثيرة كما أشار إليه - صلى الله عليه وسلم - في حديث رؤياه البئر ونزح الصديق ضعيف ثم قوة عمر والحديث في مسلم وغيره ومناقبه كثيرة وفضائله أشهر من شمس الظهيرة ذكرت منها جملة مستكثرة في شرح نظم الحافظ السيوطي في موافقات عمر رضي الله عنه القرآن توفي شهيداً على يد نصراني اسمه أبو لؤلؤة يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة وهو ابن ثلاث وستين سنة على الصحيح ودفن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومع أبي بكر في بيت عائشة رضي الله عنها وصلى عليه صهيب الرومي وجملة ما روي له خمسمائة وسبعة وثلاثون حديثاً اتفقا على ستة وعشرين منها وانفرد البخاري بأربعة وثلاثين ومسلم بأحد وعشرين. قوله: (قال) أي عمر دون غيره والحصر المذكور يعلم من استقراء حال الحديث المذكور قال الحافظ لم يرو من طريق صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلاّ عن عمر ولم يروه عن عمر إلاّ علقمة ولم يروه عن علقمة كذلك إلا التيمي ولم يروه عن التيمي كذلك إلاَّ يحيى بن سعيد الأنصاري وعنه اشتهر وتواتر بحيث رواه عنه أكثر من مائتي إنسان أكثرهم أئمة وقال جماعة من الحفاظ إنه رواه عنه سبعمائة إنسان من أعيانهم مالك والثوري والأوزاعي وابن المبارك وغيرهم وقد ثبت عن الحافظ أبي إسماعيل الهروي الملقب بشيخ الإسلام أنه كتب عن سبعمائة رجل من أصحاب يحيى بن سعيد فهو مشهور بالنسبة إلى آخره غريب بالنسبة إلى أوله وما ورد من رواية نحو عشرين صحابياً له غير عمر لم يصح منها شيء. قوله: (إنما) هي لتقوية الحكم المذكور بعدها اتفاقاً ومن ثم وجب كونه معلوماً أوفى منزلته ولإفادة الحصر وضعا حقيقة على الأصح عند جمهور الأصوليين خلافاً لجمهور النحاة والحصر وبمعناه القصر إثبات الحكم لما بعدها ونفيه عما عداه وذلك لورودها كذلك في كلامهم

الأعْمالُ ـــــــــــــــــــــــــــــ غالباً والأصل الحقيقة وجواز غلبة الاستعمال في غير ما وضعت له خلاف الأصل فلا بد له من دليل ثم القصر كما تقرر في علم البيان حقيقي وإضافي وكل منهما قصر موصوف على صفظ ويقال قصر المسند على المسند إليه وعكسه ويقال قصر المسند إليه في المسند وكل منهما قصر قلب لما في ذهن السامع من غير المذكور إليه وقصر إفراد المذكور بالحكم الذي اعتقد وقوع الشركة فيه وقصر تعيين إذا تردد فيه وما في هذا الخبر من قصر المبتدأ في الخبر المعبر عنه بقصر الموصوف في صفته وهو إضافي لخروج بعض الأعمال عن اعتبار النية فيه كما سيأتي وفي الخبر حصر آخر هو عموم المبتدأ إذ هو جمع على بأل التي للاستغراق لا للماهية إذ المفتقر للنية إفراد العمل لا ماهيته من حيث هي ماهية إذ لا وجود لهذه في الخارج ورواية إنما العمل كما سيأتي المبتدأ فيه مفرد على بأل أيضاً فيفيد العموم وخصوص الخبر على حد صديقي زيد لعموم المضاف لمعرفة ولهذا سقطت إنما في رواية صحيحة اكتفاء عنها به وجمع بينهما في هذه تأكيداً. قوله: (الأعمال) هي حركات البدن فيدخل فيها الأقوال ويتجوز بها عن حركات النفس وأوثرت على الأفعال لئلا تتناول فعل القلب الغير المحتاج لنية كالتوحيد والإجلال والخوف لصراحة القصد والنية لئلا يلزم التسلسل والدور المحال ومعرفة الله تعالى وما قيل إنما يصح هذا إن أريد بالمعرفة مطلق الشعور لا النظر في الأول نظر فيه بأن تسمية الثاني معرفة مجاز وأل في الأعمال للعهد الذهني أي غير الأعمال العادية لعدم توقف صحتها على نية أو للاستغراق والعموم فيها مخصوص لخروج جزئيات من الأعمال عن الاحتياج إلى النية بأدلة

بالنياتِ، وإنما ـــــــــــــــــــــــــــــ مقررة كالواجب الغير المتوقف على نية من نحو قضاء دين وكف عن محرم، وكون المتروك لا بد فيه من قصد الترك إذا أريد به تحصيل الثواب بامتثال أمر الشارع ليس مما نحن فيه لأن المبحوث فيه هل تلزم النية في التروك بحيث يعصى بتركها والتحقيق أن الترك المجرد لا ثواب فيه وإنما يحصل الثواب بالكف الذي هو فعل النفس فمن لم تخطر المعصية بباله أصلاً ليس كمن خطرت فكف نفسه منها خوفاً من ربه فعلم أن المحتاج إليها هو العمل لا الترك المجرد وأن الترك متى اقترن به قصد بعينه كغسل النجاسة وترك المحرم احتاج إليها لا لصحته لحصول المقصود من الطهارة واجتناب المنهي بوجود صورته من غير نية بل لنيل ثوابه بقصده امتثال أمر الشارع فيه ولا تجب النية في عمل اللسان من نحو قراءة وذكر وأذان إذ ليس بعادي حتى يميز بالنية عنه وصرح الغزالي بحصول ثواب الذكر ولو مع الغفلة نعم تجب في قراءة ومثلها كل ذكر نذره ليتميز الفرض من غيره. قوله: (بالنيات) وفي نسخة بالنية وهي رواية ثابتة والنية بالتشديد مصدر من نوى قصد فهي قصد الشيء مقترناً بفعله إلاَّ في الصوم والزكاة للعسر فإن تقدم على الفعل سمي عزماً وقيل من نأى إذا بعد لأن النية وسيلة لحصول المنوي مع بعده لعدم الوصول إليه بالجوارح وحركاتها الظاهرة وأصلها نوية فأعل كإعلال سيد، وقد تخفف قيل من ونى إذا فتر لاحتياج تصحيحها إلى بطء واستبعد بأن مصدره وني لا نية والباء للسببية أي وجود الأعمال شرعاً مستقر أو ثابت على المعنى اللغوي وقد بين بطلانه بل قال البلقيني الأحسن تقدير المتعلق الكون المطلق ويصح كون الباء للملابسة قال ابن حجر الهيتمي في شرح الأربعين فعلى الأول هي جزء من العبادة وهو الأصح وعلى الثاني هي شرط وعكس في شرح المشكاة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فقال بعد أن قدم في الباء احتمال كونها للسببية والمصاحبة: فعلى الأول هي شرط وعلى الثاني هي ركن. قال: كذا قيل وفيه نظر بل كل منهما محتمل للشرطية والركنية إذ كل منهما يقارن المشروط والماهية ويكون سبباً في وجوده ووضحه أن ركن الماهية مغاير لها مغايرة الجزء للكل فيصدق عليه المصاحبة كما تصدق عليه السببية وأما السببية فصادقة مع الشرطية وهو واضح لتوقف المشروط على الشرط ومع الركنية لأن ترك جزء من الماهية ينفي الماهية وجمعت في هذه الرواية باعتبار أنواعها من الوجوب تارة وغيره أخرى ومن قصد رضا الله فحسب ومع دخول الجنة أو بمقابلتها بالأعمال ولو في رواية العمل إذ هو عام لأنه مفرد محكي بأل وكل عمل له نية على حدته قال العاقولي في شرح المصابيح والتوزيع في هذه الصورة كما في قولهم ركب القوم دوابهم المقتضي للتوزيع على القوم دون ساروا فراسخ المقتضي أن الكل ساروها لا أنهم توازعوها اهـ، والفرق بين جمعي القلة والكثرة في النكرات لا في المعارف كما هنا وأفرد في رواية أخرى على الأصل في المصدر وفي التوشيح للسيوطي وفي معظم الروايات بالنية مفردًا قيل ووجهه أن محلها القلب وهو متحد فيناسب إفرادها بخلاف الأعمال فإنها متعلقة بالظواهر فيناسب جمعها اهـ، ومحلها القلب كما دل عليه الدليل السمعي كخبر التقوى ها هنا ولأن الإخلاص اللازم لها محله القلب اتفاقاً فلا يكفي النطق مع الغفلة عن استحضار المنوي بها نعم يسن النطق بها ليساعد اللسان القلب ولأنه - صلى الله عليه وسلم - نطق بها في الحج فقسنا عليه سائر العبادات وعدم وروده لا يدل على عدم وقوعه وأيضاً فهو - صلى الله عليه وسلم - لا يأتي إلاَّ بالأكمل وهو أفضل من تركه والنقل الضروري حاصل بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يواظب على ترك الأفضل طول عمره فثبت أنه أتى في نحو الوضوء والصلاة بالنية مع النطق ولم يثبت أنه تركه والشك لا يعارض اليقين ومن ثم أجمع عليه الأمة في سائر الأزمنة وبما ذكر اندفع ما شنع به ابن القيم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في الهدي على استحباب التلفظ بالنية قبل تكبيرة الإحرام قيل لا بد من تقدير محذوف وهو المحصور وما قيل تقديره كوناً مطلقاً لا يفيد سبق رده فقال الأكثرون تقدر الصحة أي إنما صحة الأعمال وسائلها كالوضوء ومقاصدها كالصلاة ونحو البيع والطلاق بالنية لأن ظاهر اللفظ اقتضى انتفاء الحقيقة بانتفاء النية وهو غير واقع فقدر أقرب الأشياء إليه وهو نفي الصحة إذ هي أكثر لزوماً للحقيقة من الكمال فكان الحمل عليها أولى لأن ما كان ألزم للشيء كان أقرب حضوراً بالبال عند إطلاق اللفظ ومما يعين تقديرها أن الحصر فيها عام إلاَّ لدليل خبر لا عمل إلا بنية والخبر الصحيح إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلاَّ أجرت عليها وخبر ابن ماجة إنما يبعث الناس على نياتهم ورواه مسلم بمعناه قال الطيبي ويؤيد تقدير الصحة أنه لو كان المقدر مستقرة أو حاصلة لكان بياناً للغة والنبي - صلى الله عليه وسلم - بعث لبيان الشرع ورجح جانب الحمل على تقدير الصحة اهـ، وقد علمت مما مر أنه لا يلزم على تقدير مستقرة أو حاصلة كونه بياناً للغة فقط ففي قوله أنه لو كان المقدر إلخ ما فيه وزعم أن تقدير الصحة يؤدي إلى نسخ الكتاب بخبر الواحد غير صحيح لأن آية الوضوء إنما فيها ذكر الفروض الأربعة من غير تعرض لنفي غيرها ولا إثباته فتقدير ما يوجب إثبات خامس لا نسخ فيه على أن نسخ الكتاب بخبر الواحد جائز كما قرر في الأصول وأيضاً فالكتاب دل على النية قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] إذ الإخلاص المأمور به لا يتحقق إلاَّ بالنية وقصر العبادة على التوحيد يحتاج لدليل وقال آخرون تقديره إنما كمال الأعمال لأنه تقليل للمجاز بخلاف الأول فإن نفي الصحة يستدعي نفي الكمال وغيره فيكثر المجاز ورد بأن نفي الكمال إنما هو بعد وجود الصحة فليس في تقديرها إلاَّ مجاز واحد فلا يكثر في إيثار الحقيقة وقال آخرون تقديره إنما اعتبار أو قبول مثلاً وهو أحسن لولا ما فيه من الإيهام لأنه يحتمل الاعتبار والقبول من حيث الصحة ومن حيث الكمال فيحتاج للترجيح من خارج

لِكُلِّ امرْئٍ ما نَوى، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإطلاق القبول عليها صحيح كخبر لا يقبل الله صلاة أحدك حتى يتوضأ أي لا تصح وخبر من أتى عرافا لم تقبل صلاته أربعين يوماً أي لم يثب عليها وقال بعض المحققين إنه لا حاجة لتقدير فليس فيه دلالة اقتضاء بل اللفظ باقٍ على مدلوله من انتفائها حقيقة بانتفائها لكن شرعاً إذا الكلام فيه والتقدير إنما وجودها كائن بالنية فإذا انتفت النية انتفى العمل وهذه الحقيقة إنما تنتفي بانتفاء شرطها أو ركنها فيفيد مذهبنا من وجوبها في كل عمل إلاَّ أن يقوم دليل على خروج بعض الأعمال ويجري ذلك في خبر لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب ونظائره. قوله: (لكل امرئ) بكسر الراء أي رجل وألحق به المرأة أو هنا بمعنى المرء والمرء بتثليث الميم وعينه تابعة للأمة وهو من الغرائب الإنسان أو الرجل كما في القاموس فعلى الأول لا قياس فدخل النساء فيه بالنص كذا في شرح المشكاة لابن حجر وما نقله عن القاموس من أن عين مرء المثلث الميم تابعة للأمة يقتضي تحريكها وهي ساكنة قال تعالى {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24] نعم إتباع العين اللام إنما ذكره الكوفيون في امرئ بالألف أوله ومثله ابنم وخالفهم البصريون. قوله: (ما نوى) يحتمل أن يكون موصولاً اسميًّا فيكون العائد محذوفاً أي نواه وإن يكون موصولاً حرفياً فلا عائد إذ ما المصدرية حرف عند سيبويه وهو المختار والحرف لا يعود عليه ضمير والمراد ليس للإنسان إلا جزاء منويه دون غيره ووصول نحو الصدقة للميت والدعاء إجماعاً مستثنى لأدلة أعلاها الإجماع وحكمته توسعة طرق الخير في نفع الميت وهذا من حصر الخبر في المبتدأ عكس ما تقدم إذ المحصور في إنما المؤخر دائمًا وهنا

فمَنْ كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ سبب آخر للحصر وهو تقدم الخبر فتفيد هذه الجملة دون ما قبلها وجوب التعيين في نية ما يلتبس من طهارة وصلاة وزكاة دون ما لا التباس فيه وقيل إن مفاد الجملة الأولى إن صلاح العمل وفساده بحسب النية الموجدة له ومفاد الثانية إن جزاء العامل بحسب نيته من خير أو شر وقيل إن مفاد الثانية امتناع النيابة في النية الشامل له الجملة الأولى وصحة نية الولي عن الصبي والأجير عن المؤجر في الحج والوكيل عن موكله في نحو الزكاة لمعنى يخصه هو عدم تأهل المنوي عنهم لها في الأولين وتعينها في الأخير ومن ثم لو وكله في النية وحدها لم يصح وبما ذكر يعلم رد ما قيل الجملة الثانية مؤكدة للأولى تنبيهاً على سر الإخلاص اهـ، وهاتان الكلمتان جامعتان وقاعدتان كليتان لا يشذ عنهما شيء. قوله: (فمن كانت إلخ) الأشبه أن ما بعد الفاء تفصيل لبعض مفاد الجملة الثانية أي إذا تقرر أن لكل إنسان منويه من خير أو شر فلا بد من مثال يجمع الأعمال كلها أمرها ونهيها وهو الهجرة إذ هي متضمنة لذلك أما الكف عن المنهي فظاهر وقد ورد في الحديث والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه وأما الأمر فلأنه لا يتم بل لا يمكن الإتيان به إلاَّ بهجرة دواعي النفس والهوى ولتضمن الهجرة لهذا المعنى العام آثر - صلى الله عليه وسلم - ذكرها مفردًا له بالفاء الداخلة على الجزاء إن جعلت من شرطية أو على الخبر إن جعلت موصولة لمشابهة الموصول للشرط في العموم وتضمنه إياه فقال فمن كانت هجرته إلخ. فائدة قال العاقولي في شرح المصابيح فائدة هذا التفصيل أن الأعمال الشرعية توجب لصاحبها الصحة والثواب إذا اقترنت بالإخلاص فعلم من الأول أن صحة الأعمال لسقوط الفرضية عن المكلف تحصل بالنية وعلم من هذا التفصيل أن حصول الثواب مع الصحة يتوقف على الإخلاص في النية. قوله: (هجرته) هي لغة الترك

فَهجرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وشرعاً مفارقة دار الكفر إلى دار الإسلام ووجوبها باق وخبر لا هجرة بعد الفتح المراد لا هجرة من مكة بعد فتحها لصيرورتها دار إسلام وقول الخطابي الهجرة مفروضة قبل الفتح مندوبة بعده فالمنقطع فرضها والباقي ندبها نظر فيه بأن الهجرة من أرض الكفار وجوبها باق عندنا حيث لم يتمكن من إظهار دينه ثم، وتطلق الهجرة كما في أحاديث على ما نهى الله عنه وهجر المسلم أخاه والمرأة فراش زوجها وغير ذلك ويمكن إرادة ذلك كله هنا استعمالا للفظ في حقيقته ومجازه وليس هجر المسلم المراد محرماً دائماً بل قد يجب، ولا يضر في التعميم كون السبب خاصاً على ما نقل أن رجلاً هاجر من مكة إلى المدينة لا يريد فضيلة الهجرة إنما يريد التزوج بأم قيس فلذا قيل له مهاجر أم قيس ولذا عطف - صلى الله عليه وسلم - المرأة على الدنيا في قوله وامرأة ينكحها إلاَّ أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. قوله: (فهجرته إلى الله ورسوله) أي من كانت هجرته إلى الله ورسوله نية وقصداً فهجرته إليهما ثواباً وأجراً أو فهجرته إليهما حكماً وشرعاً فهي تمييز للنسبة وهو يجوز حذفه لقرينة أو حال مبينة وظاهر كلام النحاة جواز حذفها لذلك أو مقبولة أو صحيحة فحصل التغاير بين الشرط والجزاء تقديراً أو فله ثواب من هاجر إليهما فأقيم السبب مقام المسبب وقيل لا يحتاج لتقدير محذوف إذا التغاير بين نحو المبتدأ والخبر وإن كان هو الأكثر لفظاً لكنه قد يكون معنى بدليل قرائن السياق بأن يراد بالثاني ما عهد ذهنا وبالأول ما وجد خارجاً على حد أنت أنت أي أنت الصديق الخالص ومنه "أنا أبو النجم وشعري شعري" أي شعري الآن هو شعري السابق المعهود لم يغيره الكبر ورجح بأن فيه تعظيماً كما أن في ضده الآتي تقبيحاً إذ اتحاد اللفظ فيما اعتبر تغايره يقصد لأحد ذينك ولم يقل إليهما استلذاذا بذكرهما وتبركاً وتعظيماً لهما وإشارة إلى أنه ينبغي في مقام الخطاب لا مطلقاً ألا يجمع

وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيَا ـــــــــــــــــــــــــــــ بينهما في ضمير ومن ثم قال - صلى الله عليه وسلم - لخطيب قال من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوي "بئس خطيب القوم أنت قل ومن يعص الله ورسوله" ولا ينافيه جمعه - صلى الله عليه وسلم - في خطبة النكاح في حديث أبي داود الآتي في أذكار النكاح لأن الخطيب لم يكن عنده من العلم بعظم الله تعالى وجلال كبريائه والوقوف على دلائل الكلام ما كان عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمن ثم منعه لئلا يسري فهمه إلا ما لا يليق وإلى تفخيم هذه الهجرة وتعظيم شأنها، وترك ذكر الدنيا فيما يأتي أعراضاً عنها بالمرة ولخسة الهجرة إليها بالنظر إلى الهجرة إليهما إذ عطاء من يسعى لخدمة ملك تعظيماً له أجزل من عطاء من يسعى لأخذ كسرة من مأدبته و"إلى" هنا وفيما بعد متعلقة بهجرة إن جعلت كان تامة وبمحذوف هو خبرها إن قدرت ناقصة. قوله: (دنيا) فعلى بضم أوله وحكي كسره وجمعه دنى ككبرى وكبر من الدنو أي القرب لسبقها على الآخرة أو لدنوها إلى الزوال فهي اسم لهذا العالم المتناهي وفي القاموس الدنيا نقيض الآخرة وقال غيره هي ما على الأرض من الهواء والجو وقيل هيكل المخلوقات من الجواهر والأعراض الموجودة قبل الدار الآخرة قال المصنف وهذا هو الأظهر وقد تطلق على كل جزء منها مجازًا وأريد بها هنا شيء من الحظوظ النفسانية من مال أو جاه ولا تنون لأن ألفها المقصورة للتأنيث وهي تأنيث أدنى وهي كافية في منع الصرف قال ابن مالك واستعمال دنيا منكراً فيه إشكال لأنها مؤنث أدنى أفعل تفضيل وحقه أن يستعمل باللام قال لأنها خلعت عنها الوصفية وأجريت مجرى ما لم يكن وصفاً قط كرجعى وتنوينها في لغة شاذ وزعم أنه غير لغة مردود ثم المراد بكان في الخبر في الموضعين أصل الكون لا بالنظر لزمن مخصوص أو

يُصِيبُها أو امْرَأَةِ يَنْكِحُها ـــــــــــــــــــــــــــــ وضعها الأصلي من المضي أو هنا من الاستقبال لوقوعها في حيز الشرط وهو يخلص الماضي للاستقبال ويقاس به الآخر للإجماع على استواء الأزمنة في الحكم التكليفي إلا لمانع. قوله: (يصيبها) أي يحصلها، شبه تحصيلها عند امتداد الأطماع إليها بإصابة الغرض بالسهام بجامع سرعة الوصول وحصول المقصود ففيه استعارة تبعية أو استعارة مكنية تتبعها استعارة تخييلية فالتشبيه المضمر في النفس استعارة مكنية وإثبات الإصابة التي هي من لوازم المشبه به استعارة تخييلية. قوله: (أو امرأة ينكحها) خصت بالذكر مع شمول دنيا لها لأنها نكرة في حيز الشرط وهي تعم وإن كانت مثبتة تنبيهاً على سبب الحديث وإن كان العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وهو كما في التوشيح للسيوطي ما رواه سعيد بن منصور في سننه بسند على شرط الشيخين عن ابن مسعود قال من هاجر يبتغي شيئاً فإن ما له ذلك مثل أجر رجل هاجر ليتزوج امرأة يقال لها أم قيس فقيل له مهاجر أم قيس اهـ، وفي شرح المشكاة لابن حجر والسبب ما رواه الطبراني بسند رجاله ثقات خلافاً لمن زعم أنه لا أصل لما يذكرونه من السبب ولفظه عن ابن مسعود كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها أم قيس فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر فهاجر فتزوجها فكنا نسميه مهاجر أم قيس قيل واسمها قتيلة بوزن قبيلة ولم يعين اسمه ستراً عليه وإن كان ما فعله مباحاً لما يأتي أو على أعظم فتن الدنيا قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} [آل عمران: 14] ولأنهن من أعظم الشهوات وقال - صلى الله عليه وسلم - ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء، وذم طالب ما ذكر كما أشعر به السياق مع كون مطلوبه مباحاً لأنه أظهر قصد الهجرة إلى الله تعالى وأبطن خلافه وهذا ذميم قال تعالى {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)} [الصف: 3] ولا ينافي هذا

فَهِجْرَتُهُ إلى ما هاجَرَ إلَيْهِ" هذا حديث صحيح ـــــــــــــــــــــــــــــ الذم مدح أبي طلحة الأنصاري مع أنه لما خطب أم سليم قالت إني مسلمة وأنت كافر فلا تحل لي فأسلم وتزوجها وكان صداقها الإسلام لأن هذا الحديث وإن صح إلا أنه معلل إذ المعروف أن تحريم المسلمة على الكافر بين الحديبية والفتح لما نزل {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ} [الممتحنة: 10] كما في صحيح البخاري على أنه ليس فيه أنه أسلم ليتزوجها وإنما امتنعت حتى هداه الله للإسلام رغبة فيه لا فيها وكون الداعي إلى الإسلام الرغبة فيه لا يضره كونه يعلم حل نكاحها بذلك. قوله: (فهجرته إلى ما هاجر إليه) إلى الأولى ومجرورها متعلقان بالمحذوف خبر المبتدأ ويصح أن يكون المتعلق نفس المبتدأ والخبر محذوف والتقدير هجرته إلى ما ذكر قبيحة وأعاد ذكر الجلالة واسم الرسول في الجواب ثمة لما تقدم وترك ذلك في هذا المقام إظهاراً لعدم الاحتفال لأمر الدنيا والزوجة وتنبيهاً على أن العدول عن ذكرهما أبلغ في الزجر عن قصده فكأنه قال إلى ما هاجر إليه وهو حقير مهين لا يجدي ولأن ذكرهما يستحلي عند العامة فلو كرر ربما علق بقلب بعضهم فيهش له ويظن أنه العيش الكامل فأضرب عنه صفحاً لإزالة هذا المحذور ومن ثم قال - صلى الله عليه وسلم - تنبيهاً على ذلك في أسر المواطن وأشدها إن العيش عيش الآخرة أي لا تغتر بحسن العيش ولا تتعب لضيقه فإن الحياة الأبدية والنعم السرمدية نعم الآخرة. تنبيه قوله - صلى الله عليه وسلم - فمن كانت هجرته لدنيا يصيبها ظاهره أن الغرض الباعث هو الدنيا فحسب كما أن المهاجر إليه فيما قيل هو المقصود وحينئذٍ فلا يؤخذ من الحديث حكم الهجرة عند اجتماعهما خلافاً لمن زعم أنه يفيد حكمها وإن لها ثواباً وانه دون ثواب المهاجر لله وحده والمسألة طويلة الذيل وحاصل المسألة كما حرره بعض المحققين أن العمل إن صاحبه قصد محرم من رياء بأن أريد به غرض دنيوي فقط ولو مباحاً فهو حرام خالٍ عن الثواب وإن كان مشوباً به فكذلك وهذا محل قوله

فائدة

متفق على صحته، ـــــــــــــــــــــــــــــ - صلى الله عليه وسلم - يقول الله تعالى: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه غيري فأنا منه بريء" هو للذي أشرك، وحمل الغزالي الإشراك فيه على المساواة محله في إشراك دنيوي لا رياء فيه على أن هذا لا يمنع مطلقاً كما يأتي ومحل قول العز بن عبد السلام متى اجتمع باعث الدنيا والآخرة فلا ثواب مطلقاً وإن طرأ الرياء في عمل عقده لله خالصاً فإن دفعه حالاً لم يضر اجماعاً وإلا فرجح أحمد وجماعة من السلف إثابته عملاً بنيته الأولى ومحله إن كان العمل مرتبطاً آخره بأوله كالصلاة وإلا كالقراءة فلا ثواب بعد الرياء أما إذا صاحبه غير محرم كأن حج بقصد الحج والتجارة فنقل عن ابن عبد السلام منع الثواب مطلقاً وعن الغزالي اعتبار الباعث فإن غلب باعث الدنيا أو تساويا فلا ثواب وقول الشافعي وأصحابه من حج بنية التجارة كان ثوابه دون ثواب المتخلى عنها يقتضي ثوابه على القصد المديني وإن قل ويؤيده عموم قوله {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] وكلام الإحياء في مواضع وكذا كلام غيره يتبين منه صحة ذلك اهـ. قوله: (متفق على صحته) قال القلقشندي في شرح عمدة الأحكام أخرج هذا الحديث أحمد في مسنده والبخاري في سبعة مواضع من صحيحه ومسلم في كتاب الجهاد من سبعة أحرف وأبو داود في الطلاق والترمذي وأبو عوانة في الجهاد والنسائي وابن خزيمة وابن الجارود في الطهارة وابن ماجة في الزهد وابن حبان في صحيحه والطحاوي في الصيام من شرح معاني الآثار والبيهقي في سننه كلهم من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص عن عمر بن الخطاب ووهم ابن دحية في زعمه أن مالكاً أخرجه في الموطأ اهـ. فائدة قال المصنف في الإرشاد إذا قالوا في حديث متفق عليه أو على صحته فمرادهم اتفق البخاري ومسلم على روايته لا يعنون اتفاق الأمة قال الشيخ يعني ابن الصلاح لكن اتفاق الأمة

مجمع على عِظَم موقعه وجلالته، وهو أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ حاصل من ذلك لأنها اتفقت على ما روياه أو أحدهما بالقبول سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض الحفاظ اهـ، "قلت" وقد أجاب عنها آخرون وفي شرح المشكاة لابن حجر الهيتمي وهذا الحديث مجمع على صحته وما أشار إليه ابنا ماكولا وجرير مما يقتضي القدح فيه لا يلتفت إليه بل قيل أنه متواتر لكن ليس على إطلاقه كما علم مما تقدم أنه غريب باعتبار أوله متواتر باعتبار آخره وشرط التواتر وجود من يستحيل تواطؤهم على الكذب في كل طبقة إلى أن ينتهي إلى محسوس وذلك مفقود هنا كما سبق. فائدة روي الحديث عن عمر تسعة غير علقمة وعن علقمة اثنان غير التيمي وعن التيمي أربعة غير يحيى ولم يصح من طرقه غير ما سبق وقد أطال الكلام البلقيني فيما يتعلق بتفرد علقمة به عن عمر وتفرد محمد بن إبراهيم به عن علقمة ويحيى بن سعيد عن محمد فراجعه فهو نفيس. قوله: (مجمع على عظم موقعه وجلالته) قال ابن حجر الهيتمي في شرح الأربعين وعلى أنه أصل عظيم من أصول الدين ومن ثم خطب به - صلى الله عليه وسلم - كما في رواية البخاري ثم عمر قال أبو عبيد ليس في الأحاديث أجمع وأغنى وأكثر فائدة منه قال أبو داود أنه نصف العلم وقال إمامنا الشافعي إن هذا الحديث يدخل فيه نصف العلم أي لأنه متعلق بعمل القلب المقابل بعمل الجوارح بل ذاك أجل وأفضل بل هي الأصل فكانت نصفاً بل أعظم النصفين قال في شرح المشكاة فهو على حد حديث إن الفرائض نصف العلم لتعلقها بالموت المقابل للحياة وقال كثير منهم الشافعي أنه ثلث الإسلام أو العلم ووجهه البيهقي بأن كسب العبد إما بقلبه كالنية أو بلسانه أو بقية جوارحه والأول أحد الثلاثة بل أرجحها لتبعيتها له صحة وفساداً ولأنه عبادة بانفرادها ومن ثم ورد في خبر ضعيف لا موضوع خلافاً لزاعمه وفي شرح المشكاة طرقه مضعفة لكن يتقوى بمجموعها "نية المؤمن خير من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عمله" وفي رواية أبلغ وفي أخرى زيادة وأن الله عز وجل ليعطي العبد على نيته ما لا يعطيه على عمله أي لأن النية لا يطرقها الرياء بخلاف العمل ويدل لخيريتها أيضاً خبر آخر عند أبي يعلى "يقول الله تعالى للحفظة يوم القيامة اكتبوا لعبدي كذا وكذا من الأجر فيقولون ربنا لم نحفظ ذلك عنه ولا هو في صحفنا - الحديث" ولا يعارضه خبر من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له واحدة ومن عملها كتبت له عشراً الموهم إن العمل خير منها لأن كتابة العشر ليست على العمل وحده بل عليه معها، ومن خيرية النية على العمل اقتضاؤها تخليد المؤمن في الجنة إذ المؤمن ناوِ الإيمان دائماً فقوبل التأبيد بالتأبيد ولو نظر إلى العمل لكان الثواب بقدره ومثله الكافر في العقاب وقيل النية خير من العمل بلا نية لا معها لئلا يلزم خيرية الشيء مع غيره على نفسه وسبب خيريتها أنها عمل قلبي سالم من تطرق نحو الرياء مع إن تنوير القلب المقصود بالطاعات بالنية أكثر لأنها صفته وقيل الضمير في عمله لكافر معهود وهو السابق لبناء قنطرة عزم مسلم على بنائها وقيل ليس خير في ذلك الخبر أفعل تفضيل. والصحيح أن نية السيئة لا عقاب عليها إلاَّ إذا انضم إليها عزم أو تصميم ونية الحسنة وإن كانت كذلك إلا أن ناوي الحسنة كذلك يثاب عليها وعلى نيتها بخلاف نية السيئة مع ذلك فإنه معاقب على نيتها لا عليها ومعنى ثوابه على الأولين أنه يكتب له حسنة عظيمة لكن باعتبارين لا التضعيف إلى عشر فأكثر فإنه خاص بمن فعل كما صرح به خبر ومن عملها كتبت له عشراً المخصوص بقوله تعالى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]، والحديث أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام واختلف فيها فجعلها أبو داود أربعة هذا، ومن حسن أسلام المرء تركه ما لا يعنيه، والحلال بين والحرام بين، وازهد في الدنيا يحبك الله وقد نظمها كذلك أبو الحسن طاهر بن المفوز فقال: عمدة الناس عندنا كلمات ... أربع قالهن خير البريه اتق الشبهات وازهد ودع ما ... ليس يعنيك واعملن بنيه

وكان السلف وتابعوهم من الخلف رحمهم الله يستحبُّون استفتاح المصنفاتِ بهذا الحديث، تنبيهاً للمطالع على حسن النية، واهتمامه ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أحمد أصول الإسلام ثلاثة أحاديث هذا والحلال بين إلخ ومن أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد قال الشافعي أنه أي حديث الباب يدخل في سبعين باباً من الفقه ولم ير المبالغة خلافاً لمن توهمه لأن من تدبر مسائل الفقه في متفرق الكتب الفقهية وجدها كذلك بل تزيد. قوله: (وكان السلف إلخ) في النهاية السلف في اللغة من تقدم بالموت من آباء الإنسان وأقاربه ولذا سمي الصدر الأول من التابعين السلف الصالح اهـ. وفيها: الخلف بالتحريك والسكون كل من يجيء بعد من مضى إلاَّ أنه بالتحريك في الخير والتسكين في الشر يقال خلف صدق وخلف سوء ومعناهما جميعاً القرن من الناس. قوله: (حسن النية) في نسخة صدق النية وفي أخرى صحة النية والمراد التنبيه على تصحيح النية وتصفية الطوية بالإخلاص في الأعمال لرب البرية قال القاضي البيضاوي في شرح المصابيح والأعمال لا تصح بلا نية لأن النية بلا عمل يثاب عليها والعمل بلا نية هباء ومثال النية في العمل كالروح في الجسد فلا بقاء للجسد بلا روح ولا ظهور للروح في هذا العالم من غير تعلق بجسد وفي ذلك أنشدنا الصدر السعيد كمال الإسلام عبد الله الخجندي رحمه الله لنفسه: اغرس نوى البر بأرض التقى ... به ثمار الخلد مجنيه واخلص النية في سقيها ... فإنما الأعمال بالنيه اهـ. وما أحسن قول التاج السبكي يمدح المصنف وفيه جناس تام لفظاً وخطاً. لله درك يا نوى ... ووقيت من شر النوى فلقد نشا بك عالم ... لله أخلص ما نوى وعلى سواه فضله ... فضل الحبوب على النوى

بذلك والاعتناء به. روينا عن الإمام أبي سعيد عبد الرحمن بن مَهْدي رحمه الله تعالى: من أراد أن يصنِّف كتاباً فليبدأ بهذا الحديث. وقال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله: كان المتقدِّمون من شيوخنا يستحبون تقديم حديث "الأعمال بالنية" أمام كل شيء ينشأ ويبتدأ من أمور الدين لعموم الحاجة ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (بذلك) أي بحسن النية وعلى نسخة بصحة النية فالمشار إليه مؤنث وتذكير اسم الإشارة باعتبار ما ذكر. قوله: (الإمام) بكسر الهمزة في الأصل كل مقتدى به في خير أو شر ثم غلب في المقتدى به في الخير ويجمع على أئمة كسنان واسنة. قوله: (ابن مهدي) بفتح الميم وإسكان الهاء وكسر الدال. قوله: (الخطابي) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الطاء المهملة وبالموحدة بعد الألف واسمه حمد بصيغة المصدر. قوله: (يستحبون إلخ) قال الفاكهاني في شرح عمدة الأحكام ومثل هذا الحديث في اعتبار النية قوله - صلى الله عليه وسلم - إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم قلت وفي رواية ولكن ينظر إلى نياتكم قال وكلاهما يشير إلى قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} [الكهف: 110] والمراد من ذلك أن تكون أفعال العبد وأقواله متمحضة لإرادة التقرب إلى الله تعالى أعاننا الله على ذلك. قوله: (من أمور الدين) الدين وضع إلهي سائق لذوي العقول باختيارهم المحمود إلى ما هو خير لهم بالذات دنيا وأخرى وترادفه الملة وقيل بل هي غيره فهي المنزلة من عند الله إلى أنبيائه والدين العمل بذلك والمعروف المشهور ترادفهما وكذا ترادف الإسلام والشريعة والشرع والناموس إذ هي متحدة بالحقيقة وإن اختلفت بالاعتبار إذ هو من حيث إنه يدان أي يخضع له يسمى ديناً ومن حيث إنه

إليه في جميع أنواعها. وبلغنا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إنما يُحفَظُ الرجلُ على قدر نيته. وقال غيره ـــــــــــــــــــــــــــــ يجتمع عليه وعلى أحكامه على من يكتبها يسمى ملة فهي من الإملاء وقيل من أمل بمعنى اجتمع ومن حيث إنه يرده الواردون المتعطشون إلى زلال نيل الكمال يسمى شريعة ومن حيث إنه أظهره الشارع شرع ومعنى شرع ظهر والشريعة الطريق الظاهر ومورد الماء قال ابن رمضان في شرح العقائد وغيره ومن حيث إنه يأتي به ملك يسمى ناموساً قال غيره ومن حيث إنه يرجع إليه يسمى مذهباً ومن حيث إنه يستسلم له يسمى إسلاماً فالألفاظ المذكورة متحدة ذاتاً مختلفة اعتباراً ثم كما يطلب البدء بالحديث في كل أمر ينشأ من أمور الدين لما ذكره المصنف فكذلك ينبغي البدء به في أمر الدنيا ليصير بالنية الحسنة طاعة أو يسلم عن صيرورته معصية وشناعة وكأن الاقتصار على الدين لكونه الأصل المتين. قوله: (إليه) أي الحديث. قوله: (جميع أنواعها) أي أنواع الأمور الدينية وفي نسخة أنواعه أي أنواع الدين. قوله: (وبلغنا عن ابن عباس) هو حبر الأمة وبحر القرآن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما وهو المراد عند إطلاق لفظ ابن عباس وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابي ابن الصحابي الهاشمي كنيته أبو العباس كني بابنه العباس وهو أكبر أولاده أمه لبابة بنت الحارث الهلالية دعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحكمة والتأويل والفقه في الدين وحنكه حين ولد وبنو هاشم في الشعب محصورون وذلك عام الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين وتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثلاث عشرة سنة وقيل ابن عشر وتوفي بالطائف سنة ثمان وستين قاله الواقدي وابن حنبل وغيرهما وقيل تسع وستين وقيل عام سبعين وقيل ثلاث وسبعين وضعفه حاكيه ابن الأثير بل قال إنه غريب ضعيف أو باطل وصلى عليه ابن الحنفية وقال اليوم مات رباني هذه الأمة قال

إنما يُعطى الناس على قدر نياتِهم. وروينا عن السيد الجليل أبي علي ـــــــــــــــــــــــــــــ ميمون بن مهران لما وضع ليصلى عليه جاء طائر أبيض فوقع على أكفانه فدخل فيها فالتمس فلم يوجد فعرفوا أنه عمله، ولما سوى عليه التراب سمعنا من نسمع صوته ولا نرى شخصه يقول {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27)} [الفجر: 27] الآية. روي لابن عباس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألف وستمائة وستون حديثاً اتفقا منها على خمسة وتسعين وانفرد البخاري بمائة ومسلم بتسعة وأربعين وهو أحد السبعة الذين روي لهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فوق ألف. وقد نظمهم من قال: سبع من الصحب فوق الألف قد نقلوا ... من الحديث عن المختار خير مضر أبو هريرة سعد جابر أنس ... صديقه وابن عباس كذا ابن عمر وكان من أكثر الناس فتوى وكان جسر القرآن كما سبق وقد ذكرت جملة من فضائله في كتابي ورد القلائد فيما يتعلق بزمزم وسقاية العباس من الفوائد. قوله: (إنما يعطى الناس إلخ) أي من نوى للمسلمين خيراً أعطيه وضده بضده الجزاء من جنس العمل وفي الخبر المرفوع كما تدين تدان وقال تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60] وقال تعالى: {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور: 16] وفي الخبر المرفوع ليس للمؤمن من عمله إلاَّ ما نواه ولا عمل إلاَّ بنية وقال تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)} [الحج: 25]، ففي الحديث لو إن رجلاً بعدن أبين هم بمعصية بمكة لأصاب من ذلك العذاب أو كما قال وقريب من حديث الباب حديث إن من عبادي من لا يصلحه إلاَّ الغنى ولو أفقرته لفسد حاله وإن من عبادي من لا يصلحه إلاَّ الفقر ولو أغنيته لفسد حاله. قوله: (عن السيد إلخ) فيه إطلاق السيد على غير الله تعالى وسيأتي جواز ذلك مطلقاً وعن النحاس كراهته إذا كان بأل وأصله سيود على وزن فيعل وقيل سويد على وزن فعيل الأول قول البصريين والثاني قول غيرهم كما ذكره الجوهري وأعل عليهما بالقاعدة الصرفية هي إن الواو

الفضيل بن عياض رحمه الله قال: ترك العمل لأجل الناس رياء، ـــــــــــــــــــــــــــــ والياء إذا اجتمعا وسبقت إحداهما بالسكون وجب قلب الواو ياء وإدغام الياء في الياء وسيأتي بيان معناه وفي النهاية شيخ جليل أي مسن اهـ، والمراد هنا جلالة العلم والتقى وفي إتيانه بالوصفين المذكورين التنبيه على ما أشار إليه علماء الأثر من إن المحدث إذا ذكر من يروي عنه فينبغي إن يصفه بما يليق مما هو اهله من الأوصاف الجميلة كالصدق والأمانة والتنبيه أيضًا على سلوك الأدب مع العلماء الأعلام والتعظيم لهم إلى يوم القيامة فعاقبة ذلك الخير على الدوام والحذر من الإخلال بالأدب مع أحد من علماء الإسلام فإن ذلك سبب لحلول البلاء والانتقام. قال المصنف في شرح المهذب لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة وإن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب فليحذر الذين يخالفون عن أمره إن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم اهـ. قوله: (الفُضيل بن عياض) بضم فاء وفتح ضاد معجمة مصغر فضل والألف واللام كما في الفضل والحارث للمح الصفة وعياض بكسر العين المهملة بعدها ياء خفيفة وضاد معجمة بعد الألف قال الذهبي في الكاشف فضيل بن عياض التميمي الخراساني الزاهد ثقة رفيع الذكر جاوز الثمانين مات في المحرم سنة سبع وثمانين ومائة روى عنه ما عدا ابن ماجة من أصحاب السنين اهـ. قوله: (ترك العمل لأجل الناس رياء) قال الشعراني في كتاب الأخلاق معناه إن لا يحب العمل إلاَّ في محل يجده فيه الناس فإن لم يجده ترك العمل أو كسل عنه اهـ. لكن قضية ما سيأتي للمصنف في النهي عن ترك العمل مخافة تطرق الرياء إن معنى قوله ترك العمل لأجل الناس رياء هو أن يترك الإنسان العمل مخافة أن يرى ويقال هواية عمل للرياء فترك

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العمل لذلك رياء بل ينبغي العمل والمجاهدة في الإخلاص والإعراض عن النظر إلى الناس وسئل السهروردي عمن يخشى العجب إن عمل والتعطيل إن لم يعمل هل الأولى ترك العمل لذلك أو يعمل وإن خاف ذلك فأجاب اعمل وإن خفت العجب مستغفراً منه إذا وقع فإن ترك العمل من مكايد الشيطان اهـ. وقرره الشيخ زكريا على وجه لطيف فقال ترك العمل لأجل الناس رياء من حيث يتوهم منهم أنهم ينسبونه إلى الرياء فيكره هذه النسبة ويحب دوام نظرهم له بالإخلاص فيكون حراماً بتركه محبة لدوام نسبته للإخلاص لا للرياء اهـ، قال ابن حجر الهيتمي في الزواجر واعلم أن كثيرين ربما تركوا الطاعات خوفًا من الرياء وليس ذلك بمحمود مطلقاً، فإن الأعمال إما لازمة للبدن لا تتعلق بالغير ولا لذة في عينها كالصلاة ونحوها فإن كان باعثه نيته التقرب لكن عرض الرياء عند عقدها شرع فيها وجاهد نفسه في دفع ذلك العارض وكذا لو عرض في أثنائها فيرد نفسه قهراً للإخلاص حتى يتمها لأن الشيطان يدعوك للترك فإن لم تجبه وشرعت دعاك للرياء فإن لم تنظر إليه ندمك بعد تمام الفعل بكونك مرائياً ونحو ذلك لنترك ذلك الفعل فيحصل غرضه فاحذره، وإما متعلقة بالخلق وهذه تعظم آفاتها وأعظمها الخلافة ثم القضاء ثم التذكير ثم التدريس والإفتاء ثم إنفاق المال فمن لم تستمله الدنيا ولا يستفزه الطمع ولا يأخذه في الله لومة لائم وأعرض عن الدنيا جملة ولا يتحرك ولا يسكن إلاَّ إليه هو المستحق للولايات الدنيوية والأخروية ومن لا فهي عليه بأقسامها ضرر ولا يغتر الإنسان بما ورد في فضل ذلك فإن خطره عظيم ولسنا نأمر أحداً بترك الخير من ذلك إذ لا آفة فيه إنما الآفة في إظهاره بالتصدي له وعظاً وتدريساً بل نأمره معه بمجاهدة نفسه والتنزه عن خطرات الرياء فضلاً عن شوائبه وينبغي للضعفاء ترك الولايات رأسًا لخطرها ولا يترك الصلاة ونحوها أحد بل يجاهد نفسه في دفع شوائب الرياء عنها، وأما التصدي للعلوم فرتبة وسط لكنها بالولايات أشبه وللآفات أقرب فالحذر منها في حق الضعيف أسلم، وفضل قوم جمع المال على

والعمل لأجل الناس شرك، ـــــــــــــــــــــــــــــ الشغل بالذكر ومنهم من عكس والصواب إن آفاته كثيرة فمن خلص منها بأن جمعه من الحل وأنفقه في المحل بقصد وجه الله فالجمع والإنفاق له أفضل ومن لا فالأولى له ملازمة العبادات اهـ، ملخصاً ثم الرياء المذموم إرادة العامل بعمله غير وجه الله كأن يقصد إطلاع الناس على عبادته وكماله ليحصل له منهم مال أو جاه أو ثناء أو نحو ذلك من المقاصد الخسيسة ويطلق الرياء على أمر مباح وهو طلب نحو الجاه بغير عبادة كأن يقصد بزينة لباسه الثناء عليه بالنظافة وإنما لم يحرم هذا لأنه ليس فيه ما في النوع قبله من التلبيس بالدين والاستهزاء برب العالمين. وقد كان - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد الخروج يسوي عمامته وشعره وينظر وجهه في المرآة. قالت عائشة رضي الله عنها أوتفعل ذلك يا رسول الله قال نعم إن الله يحب من العبد أن يتزين لإخوانه إذا خرج إليهم رواه ابن السني وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - عبادة متأكدة لأنه مأمور بدعوة الخلق واستمالة قلوبهم ما أمكنه فيلزمه أن يظهر لهم محاسن أحواله لئلا يزدروه فيعرضوا عنه لامتداد أعين عامة الخلق إلى الظواهر دون السرائر فهذا قصده وفيه قربة أي قربة ويجري ذلك في العلماء ونحوهم إذا قصدوا بتحسين هيئاتهم نحو ذلك وقد وقع للعز بن عبد السلام أنه لما كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وهو محرم لا يمتثل منه فلما أحل ولبس لباس العلماء امتثل منه فمن تزين من أهل العلم بزينتهم لذلك أثيب فالأعمال بمقاصدها. قوله: (والعمل لأجل الناس شرك) قال ابن حجر الهيتمي في الزواجر وجه كون الرياء الشرك الأصغر أن فيه استهزاء بالمعبود حيث أظهر أن العمل له وقصد قصده المنبئ عن اعتقادك في ذلك المقصودات أقدر على تحصيل غرضك من الله سبحانه فرفعت العبد العاجز على المولى القادر فمن ثم كان من الكبائر المهلكات وسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشرك الأصغر والفرق بين

والإخلاص أن يعافيَك الله منهما. وقال الإمام الحارث المحاسبي رحمه الله: الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كلُّ قَدْر له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه، ولا يحب اطِّلاع الناس على مثاقيل الذرِّ من حسن عمله، ولا يكره أن يطّلع الناس على السيء من عمله. وعن حذيفة ـــــــــــــــــــــــــــــ الشرك الأصغر الذي هو الرياء والشرك الأكبر الذي هو الكفر والعياذ بالله متجه يتضح بالمثال هو أن المصلي حتى يقال إنه صالح مثلاً يكون رياؤه باعثاً له على العمل لكنه في خلال ذلك العلم يقصد به تعظيم الله تعالى تارة ويغفل أخرى وفي كل منهما لم يصدر منه مكفر بخلاف الشرك الأكبر فإنه لا يحصل إلاَّ إذا قصد بالسجود مثلاً تعظيم غير الله تعالى فالمرائي نشأ له الشرك الخفي بواسطة أنه عظم قدر المخلوق عنده حتى حمله ذلك العظم على أن يركع ويسجد لله ليراه الناس فيصل إلى قصده فكان ذلك المخلوق معظماً بالسجود من وجه وهذا عين الشرك الخفي لا الجلي إذ لا يقدم عليه إلاَّ مخدوع الشيطان لما أوهمه قدرة ذلك العبد الضعيف الذي لا يملك نفع نفسه على نفعه وضره أكثر مما يقدر تعالى عليه فعدل بوجهه وقصده إليه عن الله تعالى فأقبل يستميل قلبه فوكله الله إليه في الدنيا والآخرة ففي الحديث يقال لهم اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون فاطلبوا ذلك عندهم اهـ. باختصار. قوله: (والإخلاص إلخ) فتفرد الحق بالقصد وتقطع النظر عن الخلق قال السري لا تعمل للناس شيئاً ولا تعط لهم شيئاً ولا تكشف لهم شيئاً اهـ. قوله: (المحاسبي) قال المصنف في المجموع والتبيان هو بضم الميم قال السمعاني قيل له ذلك لأنه كان يحاسب نفسه وهو ممن جمع له علم الظاهر والباطن اهـ، لكن نقل المغني عن النووي أنه بفتح الميم أهو كذا رأيته مضبوطاً في هامش أصل صحيح من هذا الكتاب غير معزو لكتاب قال القشيري مات ببغداد سنة ثلاث وأربعين ومائتين اهـ. قوله: (الصادق هو الذي لا يبالي إلخ) زاد المصنف نقلاً عنه في التبيان فإن كراهته لذلك دليل

المرعشي رحمه الله قال: الإخلاص أن تستوي أفعال العبد في الظاهر والباطن. وروينا عن الإمام الأستاذ أبي القاسم ـــــــــــــــــــــــــــــ على أنه يحب الزيادة عندهم وليس هذا من إخلاص الصديقين اهـ، ثم إن المصنف رحمه الله عقد الترجمة في الإخلاص وأورد مقالة المحاسبي في الصدق لتقاربهما وترجم في المجموع لهما لذلك فقال فصل في الإخلاص والصدق قال بعض العلماء الإخلاص والصدق متقاربان إلاَّ إن الإخلاص في ابتداء العمل وآخره والصدق في العمل وبعده ولذا قال الدقاق المخلص لا رياء له والصادق لا عجب له والعجب يخشى منه في العمل وبعده وفي شرح الرسالة القشيرية للشيخ زكريا قال ذو النون المصري الإخلاص لا يتم إلاَّ بالصدق فيه والصبر عليه والصدق يتم بالإخلاص فيه والمداومة عليه فبين الإخلاص والصدق تلازم فمن أخلص في مقام وصدق في سلوكه وصبر عليه حتى أحكمه نقله الله إلى ما فوقه وسئل عنهما الجنيد أهما واحد أم بينهما فرق فقال بينهما فرق الصدق أصل والإخلاص فرع والصدق أصل كل شيء والإخلاص لا يكون إلا بعد الدخول في الأعمال والأعمال لا تكون مقبولة إلا بهما اهـ، وفي حواشي شرح العقائد لابن أبي شريف الصدق استعمله السادة الصوفية بمعنى استواء السر والعلانية والظاهر والباطن بأن لا تكذب أحوال العبد أعماله ولا أعماله أحواله وجعلوا الإخلاص لازما له اعم، فقالوا كل صادق مخلص ولي كل مخلص صادقاً. قوله: (المرعشي) قال في التبيان بفتح الميم وسكون الراء وفتح العين المهملة وبالشين المعجمة اهـ. قوله: (الأستاذ) بضم الهمزة وبالذال المعجمة في الصناعة العلمية وبالمهملة في باقي الصنائع الدنيوية. قوله: (أبي القاسم) لا يخالف إتيانه بها ما صححه فيما يأتي من حرمة التكني بذلك مطلقاً أخذاً بعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي وإن كان سبب النهي عن الإيذاء الحاصل بذلك خاصاً بحياته - صلى الله عليه وسلم - جرياً على القاعدة الأصولية إن العبرة بعموم اللفظ

القشيري رحمه الله قال: الإخلاص: إفراد الحقِّ سبحانه وتعالى في الطاعة بالقصد، وهو أن يريد بطاعته التقرب إلى الله تعالى دون شيء آخر: من تَصَنُّعٍ لمخلوق، أو اكتساب محمَدةٍ عند الناس، أو محبةِ مدحٍ من الخلق، أو معنى من المعاني سوى التقربِ إلى الله تعَالى. وقال السيد الجليل أبو محمد سهل بن عبد الله ـــــــــــــــــــــــــــــ لا بخصوص السبب لما هو ظاهر من كون الحرمة إنما هو وضعها أولاً أما إذا وضعت لإنسان واشتهر بها فلا يحرم ذلك لأن النهي لا يشمله وللحاجة كما اغتفروا التلقيب بنحو الأعمش لذلك على إن مقتضى ظاهر ما سيأتي للمصنف من تأييد قول مالك بجواز ذلك بعمل الناس كذلك اختيار الجواز بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - وسيأتي تحرير ما فيه. قوله: (القُشيري) بضم القاف وفتح الشين المعجمة وسكون التحتية قال السمعاني نسبة إلى قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة قبيلة كبيرة ينتسب إليها كثير من العلماء منهم مسلم صاحب الصحيح والأستاذ أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري أحد مشاهير الدنيا بالفضل والعلم والزهد وأولاده وأهله كلهم فضلاء اهـ. قوله: (أو معنى من المعاني) ظاهره ولو طلب ثواب أو نجاة من عقاب أو عتاب قال الأهدل في شرح دعاء أبي حربة اقتضاء ثواب الأعمال في الآخرة من الله لا يقدح في الإخلاص وهذا يخالف ما نقله الإمام الرازي في تفسيره في سورة الأعراف عن المتكلمين وصوابه عن بعض المتكلمين أن من عبد الله ودعاه خوفاً أو طمعاً لم تصح عبادته وفي سورة الفاتحة لو قال أصلي للثواب وللهرب من العقاب فسدت صلاته اهـ، فإن كان المراد أنه عبد للثواب أو العقاب فلا شك في فساد صلاته بل في كفره لأنه عبد غير الله تعالى وإن كان المراد أنه عبد الله طمعاً في الثواب أو خوفاً من العقاب فهو غلو وقد علم من نصوص الشريعة في الكتاب والسنة الترغيب في العمل بذكر ثوابه والتخويف من تركه بذكر عقابه وهو دليل على قبول العمل طمعاً في الثواب وخوفاً من

التُّسْتَري رحمه الله: نظر الأكياس في تفسير الإخلاص فلم يجدوا غير هذا: أن تكون حركته وسكونه في سره ـــــــــــــــــــــــــــــ العقاب فتأمل ذلك تجده كثيراً وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في مختصر الرعاية إرادة الله بالأعمال الصالحة ستة أقسام أحدها أن يعمل له طمعاً في ثوابه الثاني أن يعمل خوفاً من عقابه الثالث أن يعمل له حياء منه الرابع أن يعمل له حباً وودًا الخامس أن يعمل له إجلالاً وتعظيماً عن المخالفة السادس أن يضيف بعض هذه الأغراض إلى بعض اهـ. فصحح الشيخ العمل في هذه الأقسام كلها ومعنى الخامس من الأقسام أن يعمل لله أمثالا لأمره تعظيماً له وإجلالاً له ولا يخطر بباله طمع في الثواب ولا خوف من العقاب وهذا أولى بالصحة من سائر الأقسام وهو أفضلها والله أعلم. قوله: (التُّستَري) بضم المثناة الفوقية الأولى وفتح الثانية بينهما مهملة ساكنة منسوب إلى تستر المدينة المعروفة كذا في التبيان للمصنف وفي لب اللباب في الأنساب كذلك وزاد تستر من كور الأهوار من خوارستان يقول لها الناس ششتر بشينين معجمتين أوله والمشهور بهذه النسبة سهل بن عبد الله بن يونس بن عبد الله سكن البصرة صاحب كرامات صحب ذا النون المصري توفي سنة ثلاث وثمانين اهـ، وفي الرسالة القشيرية توفي سنة ثلاث وثمانين وقيل ثلاث وسبعين ومائتين اهـ، ونقل الفتني في المغني عن القاضي عياض جواز ضم التاء الثانية. قوله: (نظرَ الأكياس إلخ) الأكياس جمع كيس أي أصحاب العقل وفي النهاية الكيس العاقل وقد كاس يكيس كيساً فهو كيس وكيس والكيس العقل اهـ، وفي التهذيب للمصنف نقلا عن صاحب المحكم كاس كيساً فهو كيس وكيس والجمع أكياس قال سيبويه كسروا كيساً على أفعال لشبهها بفاعل ويدلك على أنه فعيل أنهم قد سلموه ولو كان فعلا لم يسلموه والأنثى كيسة وكيسة اهـ، ويطلق الكيس على معاني أخر لا حاجة بنا لبيانها والنظر هنا بمعنى

وعلانيته لله تعالى، لا يمازجه نفس ولا هوى ولا دنيا. وروينا عن الأستاذ أبي علي الدقاق رحمه الله قال: الإخلاص: التوقِّي عن ملاحظة الخلق، والصدق: التنقي عن مطاوعة النفس، فالمخلص لا رياء له، ـــــــــــــــــــــــــــــ التفكر والتدبر في الشيء قال الكرماني في شرح البخاري النظر إذا استعمل بفي فهو بمعنى التفكر وباللام بمعنى الرأفة وبإلى بمعنى الرؤية وبدون الصلة بمعنى الانتظار نحو {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد: 13] اهـ، وقال ابن رمضان في شرح الشرح يقال نظر إليه ونظر فيه إذا تفكر بقلب اهـ، وفي مفردات الراغب نظرت في كذا تأملته قال تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 185]. قوله: (وعلانيته) في مفردات الراغب العلانية ضد السر وأكثر ما يقال ذلك في المعاني دون الأعيان يقال أعلنته فعلن قال تعالى: {ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} [نوح: 9] اهـ، وقال الجوهري يقال علن الأمر يعلن علوناً وعلن الأمر أيضًا بالكسر يعلن علنا حكاه ابن السيد وأعلنته أنا إذا أظهرته اهـ، والعلانية بتخفيف التحتية مصدر كطواغية. قوله: (ولا هوى) الهوى مقصور ميلان النفس لما يستلذ من غير داعية الشرع وقال البيضاوي الهوى رأي يتبع الشهوة قال في النهاية يقال هوى يهوى هوى اهـ، أي من باب فرح والهواء ممدود ما بين السماء والأرض والجمع أهوية. قوله: (التوقي) تفعل من الوقاية أي التحفظ والتكلف فيه كما يؤذن به الصيغة. قوله: (عن ملاحظة الخلق) بألا يفرح برؤيتهم لما هو فيه من العمل ليمدحوه أو يصلوه أو لئلا يستعصوه ولا يخفى ما بين قوله هنا التوقي وفيما يأتي التنقي بالنون من المحسن البديعي. وقوله: (من مطاوعة النفس) بأن يتخلص من الإعجاب بألا يستحسن عمله ولا يضيفه لنفسه قال القشيري مختصراً للعبارة المذكورة يصح أو يصلح أن يقال الإخلاص تصفية الأعمال عن ملاحظة المخلوقين. قوله: (لا رداء له) أي وذلك لعدم نظره إلى

والصادق لا إعجاب له. وعن ذي النون المصري رحمه الله قال: ثلاث من علامات الإخلاص: استواء المدح والذمّ من العامَّة، ـــــــــــــــــــــــــــــ الخلق وقصره نظره على الحق. قوله: (لا إعجاب له) أي وذلك لعدم رؤياه نفسه فلا يرى لها حالاً ولا مقاماً حتى يعجب به زاد الأهدل نقلا عنه قوله والعجب يخشى منه في العمل وبعده ثم قال وهذا بناء على الفرق بين الإخلاص والصدق ويحتمل عنده أن يقال الفرق بين الصدق والإخلاص أن الإخلاص تصفية العمل من الشوائب والصدق عدم الالتفات إلى العوارض والعوائق ثم قال بعد ذكر الفرق بين الإخلاص والصدق وقد يتداخلان لقرب المعاني اهـ. قوله: (استواء المدح والذم من العامة) أي من جميع الناس لا من بعضهم فقط لمعنى يخصه وهذا أول درجات الإخلاص وهو السلامة من الرياء قال العارفون من فرح بالمدح أو رضي به فهو محجوب قالوا ومن خفي الرياء أن يخفى بحيث لا يريد الاطلاع على عمله ولا يسره ذلك ولكنه يحب أن يبدأ بالسلام ويقابل بالإعظام ومتى قصر أحد معه في ذلك ثقل عليه لثقل طاعاته التي أخفاها عند نفسه فكأن نفسه تطلب أن تحترم في مقابلة ذلك حتى لو فرض أنها لم تفعل تلك الطاعات لما كانت تطلب تلك المقامات وقالوا كل من وجد في نفسه فرقاً بين اطلاع الصغار والمجانين واطلاع غيرهم على عباداته فعنده شوب من الرياء إذ لو علم إن الله هو الضار النافع القادر على كل شيء وغيره العاجز عن كل شيء لاستوى عنده الصغار والكبار ولم يتأثر بحضور كبيرهم ولا صغيرهم والحاصل أنه مهما لم يكن وجود الطاعة كعدمها في كل ما يتعلق بالخلق لم يكن قد قنع بعلم الله تعالى ولم يخل من شوب خفي الرياء قال الغزالي ويوشك أن يحبط الأجر اهـ، فعلامة الإخلاص استواء مدح القوم عنده وذمهم لأنه صفي ذمته عن ملاحظة الأغيار واكتفى بعلم عالم الأسرار ومن كان كذلك استوى عنده المدح الصادر من الخلق والقدح فأقبل على

ونسيان رؤية الأعمال في الأعمال، واقتضاء ثواب العمل في الآخرة. وروينا عن القشيري رحمه الله قال: أقل الصدق استواء السرِّ والعلانية. وعن سهل التستري: لا يشم رائحة الصدق عبد داهن نفسه أو غيره. وأقوالهم في ـــــــــــــــــــــــــــــ ما ينفعه من التقوى وصلاح العمل مخلصاً في ذلك وما أحسن قول الشاعر: بالله يا نفس اسمعي واعقلي ... مقالة قد قالها ناصح لا ينفع الإنسان في قبره ... إلا التقي والعمل الصالح وأوردهما الثعالبي في تفسيره لكن قال "مقالة من معزم ناصح" وأبدل إلاَّ بغير في البيت الأخير. قوله: (ونسيان رؤية الأعمال) هو بالرفع عطف على ما قبله وفي القواعد لابن عبد السلام فيما رأيت منقولاً عنها معناه ترك الأعمال والاستناد إلى شيء من المعارف والأحوال والأقوال والأعمال إذ لا ينجي شيء من ذلك صاحبه ولا اعتماد في ذلك كله إلَّا على الله سبحانه وتعالى اهـ، قال في الحرز المنير فسر بعض العارفين تقوى الله حق التقوى في قوله تعالى {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102] إن تزد طاعته عن الالتفات إليها وعن توقع المجازاة عليها اهـ. ويروى عن بعض العارفين من ظن أن يصل إلى الله تعالى بغير عمل فهو متمني، ومن ظن أن يصل إليه بعمل فهو متغني أي فالمريد يأتي بالأعمال بقصد الامتثال غير ملتفت إليها بالخاطر ولا مقبل عليها بالبال عسى إن يكون من أرباب الوصال فيوصله إليه بفضله لا بتلك الأعمال شغلا عنها بالإخلاص ففي الخبر لن يدخل أحدكم الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلاَّ إن يتغمدني الله برحمته، فإذا كان دخول الجنة بمحض الفضل والإحسان فكيف بالقرب المعنوي والرضوان حق الله لنا ذلك بمنِّه وما ذلك على الله بعزيز. قوله: (واقتضاء ثواب العمل إلخ) هو بالرفع عطف على نسيان لقربه أو على استواء

هذا غير منحصرة، وفيما أشرت إليه كفاية ـــــــــــــــــــــــــــــ لأصالته وهذان الوجهان جائزان في أمثال ذلك وفي الراجح منهما عند عدم القرينة وجهان ذكرهما أبو حيان من غير ترجيح ورجح الملا عصام الدين كونه معطوفاً على الأول قال حفيده شيخنا العلامة عبد الملك العصامي وكأن سببه إن الأول متمحض للمتبوعية بخلاف ما بعده فإن فيه كونه تابعًا وكونه متبوعاً اهـ. قال السيد الأهدل معنى هذا الكلام إن المخلص يطلب ثواب عمله في الآخرة من دخول الجنة ونحوه ولا يطلب بعمله نفعاً في الدنيا ومنه يعلم أن اقتضاء ثواب العمل في الآخرة لا يقدح في الإخلاص اهـ، وهذا على إعرابه بالرفع كما ذكره هو أيضاً ولو جعل بالجر عطفاً على رؤية الأعمال ويكون علامة الإخلاص نسيان رؤية الأعمال ونسيان اقتضاء ثواب العمل في الآخرة كما صنع الشيخ زكريا في شرح الرسالة لكان الكلام منبهاً على أقصى درجات الكمال في الإخلاص من أداء العبودية له تعالى لذاته لا طمعاً في الثواب ولا خوفاً من العقاب إلاَّ أنه قد يقال إنه لا يطابق قوله ثلاث من علامات الإخلاص لأنه حينئذٍ يكون المذكور منها اثنين إلاَّ أن يقال لما كان النسيان المذكور تحته شيئان عد علامتين والحاصل أن كلام ذي النون مقتضى لما قاله الأهدل وظاهر عموم كلام القشيري السابق يقتضي إعراض ذي الإخلاص عن كل شيء سوى القيام بوظيفة الخدمة الواجبة على العبد وفي المجموع للمصنف عن رويم رحمه الله ذو الإخلاص لا يريد على عمله عوضًا من الدارين ولا حظاً من الملكين وعن أبي عثمان قال الإخلاص للعوام ما لا يكون للنفس فيه حظ وإخلاص الخواص ما يجري عليهم لا بهم فتبدو منهم الطاعات وهم عنها بمعزل ولا يقع لهم عليها رؤية ولا بها اعتقاد اهـ. ولعل الخلاف في قدح ذلك في الإخلاص مبني على رتب الإخلاص فمنها ما يقدح فيه ذلك وهو إخلاص الخواص أي الإخلاص عن السوي وهو المقام العلي ومنها ما لا يقدح فيه ذلك وهو إخلاص العوام أي الإخلاص عن النظر للخلائق وهو دون ذلك إذ ليس من أتى الملك

فصل

لمن وفق. فصل: اعلم أنه ينبغي لمن بلغه شيء من فضائل الأعمال أن يعمل به ولو مرة واحدة ليكون من أهله، ولا ينبغي أن يتركه مطلقاً بل يأتي بما تيسَّر منه. لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق على صحته: "إذَا أمَرتُكُم بِشَيء فأتوا مِنْهُ ما اسْتَطَعْتُمْ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أداء لحقه كمن جاء لطلب شيء من مأدبته والله أعلم ثم رأيت الشيخ زكريا ذكر ذلك فقال في شرح رسالة القشيري درجات الإخلاص ثلاثة عليا ووسطى ودنيا فالعليا أن يعمل لله وحده امتثالا لأمره وقياماً بحق عبوديته والوسطى أن يعمل لثواب الآخرة والدنيا أن يعمل للإكرام في الدنيا والسلامة من آفاتها وما عدا الثلاثة من الرياء إن تفاوتت أفراده اهـ. قوله: (لمن وقف) أي سلك به طريق الخير والهداية فيؤثر معه القليل ما لا يؤثر مع غيره. فصل قوله: (ينبغي) أي يطلب ومن ثم كان الأغلب استعمالها في الندب تارة والوجوب أخرى وقد تستعمل للجواز والترجيح و"لا ينبغي" قد تكون للتحريم والكراهة قاله بعض المحققين. قوله: (لمن بلغه شيء إلخ) ولو كان الخبر ضعيفاً لما يأتي في الفصل بعده من العمل بالضعيف بشرطه في أمثال ذلك وفي خبر ضعيف من بلغه عني ثواب فعمل به حصل له أجره وإن لم أكن قلته. قوله: (ولا ينبغي) أي على سبيل التنزيه إذ هو خلاف الأولى تارة ومكروه أخرى. قوله: (في الحديث المتفق على صحته) أخرجاه عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وأخرجه ابن حبان كما ذكره الحافظ. قوله: (فافعلوا منه ما استطعتم) وفي بعض النسخ فأتوا منه وبهذا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللفظ أورده المصنف في الأربعين وعزاه للصحيحين وعليه فحرف الجر مقدر أي ائتوا بما استطعتم أو ضمن ائتوا معنى افعلوا والإتيان بذلك على سبيل الوجوب في الواجب والندب في المندوب مقيداً بالاستطاعة أي الطاقة لأن المأمور به إخراجه من العدم إلى الوجود وذلك يتوقف على أسباب كالقدرة على الفعل ونحوه وبعض ذلك يستطاع وبعضه لا يستطاع فلا جرم سقط التكليف بما لا يستطاع منه لأن الله تعالى أخبر أنه لا يكلف نفسا إلاَّ وسعها وأيضاً يصدق عليه حينئذٍ أنه امتثل الأمر المطلق مع الإتيان بالمستطاع الصادق عليه الاسم كيوم وركعتين في صم وصل فإن قيد أو وصف لم يصدق الامتثال إلاَّ بالإتيان به بجميع قيوده وأوصافه وإن كان من أشد التكاليف وهذا من قواعد الإسلام ومن جوامع كلمه - صلى الله عليه وسلم - ويدخل فيه ما لا يحصى من الأحكام والخطاب في قوله "وإذا أمرتكم الخ" ونحوه لا يختص بالموجودين عند وروده بل فيه شمول لمن بعدهم لما هو معلوم من الدين بالضرورة إن هذه الشريعة عامة إلى يوم القيامة ثم الحديث موافق لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] وأما قوله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} فقيل منسوخ والأصح بل الصواب وبه جزم المحققون أنه مبين بالآية السابقة كما قاله المصنف وإنما يتم هذا على تصير حق تقاته باستفراغ الوسع في القيام بامتثال الأوامر واجتناب المحارم وأما على المشهور من تفسيره بأن يذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر ويطاع فلا يعصى فلا وجه للنسخ فإن هذه لما نزلت تحرجت الصحابة رضي الله عنهم منها وقال أينا يطيق ذلك فنزلت تلك كذا في شرح الأربعين لابن حجر لكن في تفسير الجلالين {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}، بأن يطاع فلا يعصى ويشكر فلا يكفر ويذكر فلا ينسى فقالوا يا رسول الله فمن يقدر على هذا فنسخ بقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} اهـ، وفي تفسير ابن عطية قيل أنها منسوخة بقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وقوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، وقال آخرون لا نسخ بل الآيات متفقة فمعنى هذه {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} فيما استطعتم وذلك إن حق تقاته بحسب الأوامر

فصل

فصل: قال العلماء من المحدِّثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويستحبّ العمل ـــــــــــــــــــــــــــــ والنواهي وقد جعل الله الدين يسرا. وأما بكون ابن آدم لا يعصي أصلاً لا يفتر فأمر متعذر في جبلة البشر ولو كلف الله به لكان من التكليف بما لا يطاق ولم يلتزم ذلك أحد في تأويل هذه الآية اهـ، وهو مخالف لحمل ابن حجر النسخ على تفسير الآية بالقيام بالأوامر واجتناب النواهي لا على تفسيرها بأن يطاع إلخ خلافاً لما في الجلالين وفي زاد المسير لابن الجوزي قال شيخنا علي ابن عبيد الله والاختلاف في نسخها وإحكامها يرجع إلى اختلاف المعنى المراد بها فالمعتقد نسخها يرى إن حق تقاته الوقوف على جميع ما يجب له ويستحقه وهذا يعجز الكل عن الوفاء به فتحصيله من الواحد ممتنع والمعتقد إحكامها يرى إن حق تقاته أداء ما يلزم العبد على قدر طاقته فكان قوله تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} مفسراً لا ناسخاً ولا مخصصاً اهـ. وسكت عن باقي الحديث وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - وما نهيتكم عنه فاجتنبوه لأن الاستدلال حصل بما ذكر. فصل قوله: (قال العلماء إلخ) قال الزركشي نقل المصنف في الجزء الذي جمعه في إباحة القيام الاتفاق فقال أجمع أهل الحديث وغيرهم على العمل في الفضائل ونحوها مما ليس فيه حكم ولا شيء من العقائد وصفات الله تعالى بالحديث الضعيف اهـ، وقال في الأربعين اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال اهـ، وقال ابن حجر من شرحه أشار بحكاية الإجماع على ما ذكره إلى الرد على من نازع فيه اهـ، وبه يعلم إن المراد بالإجماع والاتفاق في العبارتين واحد وممن قال بذلك أحمد بن حنبل وابن المبارك والسفيانان والعنبري وغيرهم وفي حواشي ابن الصلاح للزركشي نقل

في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعاً. ـــــــــــــــــــــــــــــ بعض الأثبات عن بعض تصانيف الحافظ ابن العربي المالكي أنه قال لا يعمل بالحديث الضعيف مطلقاً اهـ، وفي شرح الأربعين لابن حجر أشار المصنف بحكاية الإجماع على ما ذكر إلى الرد على من نازع فيه بأن الفضائل إنما تتلقى من الشرع فإثباتها بما ذكر اختراع عبادة وشرع في الدين ما لم يأذن به الله ووجه رده إن الإجماع لكونه قطعياً تارة وظنياً قوياً تارة أخرى لا يرد بمثل ذلك لو لم يكن عنه جواب فكيف وجوابه واضح إذ ليس من باب الاختراع والشرع المذكورين إنما هو انتقاء فضيلة ورجاؤها بأمارة ضعيفة من غير ترتب مفسدة عليه اهـ، ونازع بعض المتأخرين بأن جواز العمل مشكل إذ لم يثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - وإسناد العمل إليه يوهم ثبوته ويؤدي إلى ظن من لا معرفة له بالحديث الصحة فينقله ويحتج به وفي ذلك تلبيس اهـ، ولك أن تقول العمل في الحقيقة إنما هو بما اندرج هذا الخبر الضعيف تحت عمومه وإنما عمل لرجاء الفضل في هذا الخبر الضعيف فلا يلزم ما ذكر كيف ومن شرط العمل بالضعيف ألا يعتقد عند العمل به ثبوته وأما كلام الحافظ ابن العربي فيحمل على شديد الضعف المتفق على عدم العمل به كما أشار إليه السخاوي. قوله: (في الفضائل) قال في المجموع وغيره فضائل الأعمال وحذف هنا اما اكتفاء بالعلم من كون المقام لفضل العمل أو تنبيهاً على تعميم الفضائل الشاملة للعمل وغيره كما يدل له قولهم يجوز العمل بالضعيف فيما عدا الأحكام والعقائد. قوله: (والترغيب والترهيب) أي بسائر فنونه وكذا كل ما لا تعلق له بالأحكام والعقائد كما قاله في الإرشاد. قوله: (ما لم يكن موضوعاً) وفي معناه شديد الضعف فلا يجوز العمل بخبر من انفرد من كذاب ومتهم بكذب ومن فحش غلطه فقد نقل العلائي الاتفاق عليه وفي صلاة النفل من المجموع ما يقتضي ذلك وبه صرح السبكي وبقي للعمل بالضعيف شرطان ذكرهما ابن عبد السلام

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وابن دقيق العيد أن يكون له أصل شاهد لذلك كاندراجه في عموم أو قاعدة كلية فلا يعمل به في غير ذلك وألا يعتقد عند العمل به ثبوته بل يعتقد الاحتياط وهذان الشرطان وانتفاء شدة الضعف ذكرها الحافظ ابن حجر مجموعة زيادة على ما ذكره المصنف من كونها في الفضائل ونحوها قال ابن قاسم في حاشية التحفة وشرط بعضهم ألا يعتقد السنية وفيه نظر بل لا وجه له لأنه لا معنى للعمل بالضعيف في مثل ما نحن فيه إلَّا كونه مطلوبًا طلباً غير جازم وكل مطلوب طلبًا غير جازم فهو سنة وإذا كان سنة تعين اعتقاد سنيته اهـ، ولا يقدح في اعتبار عدم اعتقاد ثبوته خبرًا ما ورد من الخبر الآخر من بلغه عن الله عزّ وجل شيء فيه فضيلة فأخذ به إيماناً به ورجاء ثوابه أعطاه الله ذلك وإن لم يكن كذلك لضعفه أو لحمله على الظنيات التي لا تكون في نفس الأمر كذلك قاله السخاوي قال بعض المتأخرين من شراح الأربعين للمصنف هنا تحقيق مهم هو إن معنى قولهم يجوز العمل بالحديث الضعيف إلخ أن الراغب في الخير إذا سمع خبرًا مضمونه من عمل كذا كان له من الثواب كذا جاز أن يعمل ذلك العمل قصدًا لتحصيل ذلك الثواب وإن كان ذلك الحديث ضعيفاً وليس معناه أن يكون ذلك العمل مشروعاً استحباباً إذ الاستحباب أحد الأحكام ولا يثبت حكم شرعي بحديث ضعيف اهـ، قال الجلال الدواني في كتابه المسمى أنموذج العلوم اتفقوا على أن الحديث الضعيف لا تثبت به الأحكام الشرعية ثم ذكروا أنه يجوز بل يستحب العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال وممن صرح به النووي سيما في كتاب الأذكار وفيه إشكال لأن جواز العمل واستحبابه كلاهما من الأحكام الخمسة الشرعية فإذا استحب العمل بمقتضى الحديث كان فيه ثبوت الحكم بالحديث الضعيف، وأجيب عنه بما أحسنه أنه إذا وجد حديث ضعيف في عمل من الأعمال ولم يكن العمل محتمل الحرمة والكراهة فإنه يجوز العمل به ويستحب النفع إذ هو دائر بين الإباحة والاستحباب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فلا وجه للعمل به وأما إذا دار بين الكراهة والاستحباب فمجال النظر فيه واسع إذ العمل دغرغة الوقوع في المكروه وفي الترك مظنة ترك المستحب فينظر إن كان خطر الكراهة أشد بأن تكون الكراهة شديدة والاستحباب المحتمل ضعيفاً فحينئذ يترجح الترك على الفعل فلا يستحب العمل وإن كان خطر الكراهة أضعف بأن تكون الكراهة على تقدير وقوعها كراهة ضعيفة دون مرتبة ترك العمل على تقدير استحبابه فالاحتياط العمل به وفي صورة الماداة يحتاج إلى نظر تام والظن أنه يستحب العمل أيضًا لأن المباحات تصير بالنية عبادة فكيف ما فيه شبهة استحباب لأجل الحديث الضعيف فجواز العمل مشروط بعدم احتمال الحرمة والاستحباب بما ذكر مفصلاً لكن هنا شيء وهو أنه إذا عدم احتمال الحرمة فجواز العمل ليس للحديث الضعيف إذ لو لم يوجد جاز العمل إذ المفروض عدم احتمال الحرمة لا يقال الضعيف ينفي احتمال الحرمة لأنا نقول الضعيف لا يثبت به شيء من الأحكام وانتفاء احتمال الحرمة يستلزم ثبوت الإباحة وهي حكم شرعي فلا يثبت بالخبر الضعيف ولعل مراد النووي ما ذكرناه وإنما ذكر جواز العمل توطئة لاستحبابه وحاصل الجواب أن الجواز معلوم من خارج والاستحباب معلوم أيضاً من القواعد الشرعية الدالة على استحباب الاحتياط في الدين فلم يثبت بالحديث الضعيف شيء من الأحكام بل أوقع الضعيف شبهة الاستحباب فصار الاحتياط أن يعمل به واستحباب الاحتياط معلوم من القواعد الشرعية كذا في بعض شروح الأربعين النووية وهو تحقيق نفيس جدًا ونقله الشنواني في حاشيته على شرح خطبة مختصر خليل للقاني وزاد بعضهم في شروط العمل بالضعيف ألا يعارضه حديث ضعيف ولا حاجة إليه لظهور أنه إذا تعارض

وأما الأحكام كالحلال والحرام والبيع والنكاح والطلاق وغير ذلك فلا يعمل فيها إلا بالحديث الصحيح أو الحسن إلا أن يكون في احتياط في شيء من ذلك، كما إذا ورد حديث ضعيف بكراهة بعض البيوع أو الأنكحة، فإن المستحب أن يتنزه عنه، ـــــــــــــــــــــــــــــ حديثان ينظر إلى الترجيح ومعلوم أن الصحيح مقدم على الضعيف. قوله: (وأما الأحكام) ومثلها صفات الله تعالى وما يجوز وما يستحيل عليه وتفسير كلامه وتردد الزركشي في تعيين المبهم إذا صح أصله في خبر آخر هل يتسامح في إسناده ويعمل بالضعيف فيه لأنه لا يتعلق بتعينه حكم شرعي أولاً ثم قال والأقرب التسامح ثم ما نقل عن الإمام أحمد بن حنبل من العمل بالحديث الضعيف مطلقاً حيث لم يوجد غيره وأنه خير من الرأي حمل الضعيف فيه على مقابل الصحيح على عرفه وعرف المتقدمين إذ الخبر عندهم صحيح وضعيف لأنه ضعف عن درجة الصحيح فشمل الحسن وأما الضعيف بالاصطلاح المشهور أي ما لم يجمع شروط القبول فليس مراداً نقله ابن العربي عن شيخه وهو حسن به يندفع ما ذكر من الكلام في هذا الإمام قال الزركشي وقريب من هذا قول ابن حزم: الحنفية متفقون على أن مذهب أبي حنيفة إن ضعيف الحديث عنده أولى من الرأي والظاهر أن مرادهم بالضعيف ما سبق اهـ. قوله: (إلا بالحديث الصحيح أو الحسن) أي سواء كان ذلك لذاته في كل منهما أو لغيره بأن انجبر ضعف ضعيف الحفظ الصدوق الأمين بمجيئه من طرق متعددة فصار حسناً لغيره فيحتج به فيما ذكر. قوله: (إلا أن يكون في احتياط في شيء من ذلك) أي من الأحكام كما إذا ورد حديث ضعيف بكراهة بعض البيوع أو الأنكحة فالمستحب أن يتنزه عنه وكذا ما ذكره الفقهاء من كراهة استعمال الماء المشمس عملاً بخبر عائشة مع ضعفه لما فيه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من الاحتياط وترك ما يريب قال الزركشي ومما يجوز العمل فيه بالخبر الضعيف من الأحكام ما يكون الموضع موضع احتياط فيجوز الاحتجاج به ظاهرًا قال في كتاب القضاء من الروضة قال الصيمري لو سأل سائل فقال إن قتلت عبدي فهل علي قصاص فواسع إن قتلته قتلناك فعن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قتل عبده قتلناه ولأن القتل له معان قال وينبغي أن يستثني من منع العمل بالخبر الضعيف في الأحكام ما إذا لم يوجد سواه فقد ذكر الماوردي إن الشافعي احتج بالمرسل إذا لم يوجد دلالة سواه وقياسه في غيره من الضعيف خلافه وأما إذا وجد له شاهد مقو من كتاب أو سنة سواء كان باللفظ أو بالمعنى وذكر في شرح المهذب أنه يعمل بالضعيف إذا روى من طرق مفرداتها ضعيفة فإنها يقوى بعضها بعضاً ويصير حسناً ويحتج به وجواز العمل بالضعيف مع الشاهد المقوى دون الموضوع لأن للضعيف أصلاً في السنة وهو غير مقطوع بكذبه ولا أصل للموضوع فشاهده كالبناء على الماء اهـ، وفيما ذكره فيه ما فيه أما ما مثل به فليس فيه عمل بخبر ضعيف إنما فيه ذكره موهماً للسامع ليرتدع عن فعل ما أراد وأما ما استثناه فظاهر صنيع الأصحاب عدم الالتفات إلى الخبر الضعيف في الأحكام وإن لم يوجد غيره وأما ما عند تعدد طرقها فقد قال المحدثون الضعيف قسمان قسم ينجبر بتعدد الطرق وهو ما كان ضعفه لضعف حفظ راويه الصدوق الأمين فيزول بمجيئه من وجه آخر لدلالة ذلك على اختلال ضبطه وكذا إذا كان الضعف لكونه مرسلاً زال بمجيئه من وجه آخر مسنداً أو مرسلاً وعلى هذا القسم يحمل كلام المجموع فإنه عند التعدد يرتقي عن الضعف إلى الحسن لغيره ويصير مقبولاً معمولاً به حينئذٍ قال السخاوي ولا يقتضي ذلك الاحتجاج بالضعيف فالاحتجاج إنما هو بالهيئة المجموعة كالمرسل حيث اعتضد بمرسل آخر أو بمسند ولو ضعيفاً كما قاله الشافعي والجمهور وقسم لا ينجبر وإن كثرت طرقه وهو ما كان ضعفه

ولكن لا يجب، وإنما ذكرت هذا الفصل لأنه يجيء في هذا الكتاب أحاديث منه أنص على صحتها أو حسنها أو ضعفها، أو أسكت عنها لذهول عن ذلك أو غيره، فأردت أن تتقرر هذه القاعدة عند ـــــــــــــــــــــــــــــ لكون راويه متهماً بالكذب أو فاسقاً أو نحو ذلك فلا يرتقي بتعدد الطرق عن رتبة الضعف إلى الحسن نعم يرتقي بذلك عن درجة المنكر أو ما لا أصل له قال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر بل ربما تكثر الطرق حتى توصله إلى درجة المستور أو السيئ الحفظ بحيث إذا وجد له طريق آخر ضعيف ضعفه محتمل ارتقى بمجموع ذلك إلى درجة الحسن اهـ، فإذا عرفت ذلك فالقسم الأول لا يستثني من الضعيف لأنه إنما عمل به في الأحكام بعد ارتفاعه لمرتبة الحسن والقسم الثاني الباقي في التعدد على ضعفه لا يعمل به والشاهد من الكتاب والسنة الصحيحة بصحة معناه هو الدليل في تلك الأحكام لا هذا الخبر الضعيف لضعفه في هذا المقام والله أعلم. قوله: (ولكن لا يجب) لكون الإيجاب من الأحكام التي لا تثبت إلا بالخبر المقبول وحينئذٍ فيكون فعل ما نهى عنه خلاف الأولى لا مكروهاً لأنه لا بد فيه من النهي المخصوص نعم إن ثبت فيه حديث مقبول بالنهي عنه ووجد ما يصرفه عن الحرمة كان مكروهاً قال الأصوليون الخلاف في شيء أمكروه هو أم خلاف الأولى اختلاف في وجود النهي المخصوص فيه كصوم يوم عرفة للحاج خلاف الأولى وقيل مكروه لحديث أبي داود وغيره أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة وأجيب بضعفه عند أهل الحديث اهـ. قوله: (منه) أي الكتاب. قوله: (أو اسكت عنها لذهول إلخ) هذا يقيد به قوله السابق ولا أذكر من الأصول المشهورة أيضاً من الضعيف إلاّ النادر مع بيان ضعفه أي إن ذلك هو الغالب وإلاّ فربما سكت عنه لأمر مما ذكر من ذهول وهو فترة العالم عن معلوم ما في وقت ما لا بسبب معلوم آخر أو غيره من عدم تبين حاله حينئذ. قوله: (عن ذلك المشار إليه النص

فصل

مطالِع هذا الكتاب. فصل: اعلم أنه كما يستحب الذكر يستحب الجلوس في حلق أهله، وقد ـــــــــــــــــــــــــــــ المدلول عليه بقوله النص إلخ، وأتى باسم الإشارة الموضوع للبعيد مع قرب المشار إليه لأنه غير مرئي فأشبه البعيد إذ هو كذلك فاستعمل فيه ما يشار به للبعيد وفي نسخة لذهول عنها أو غيره والتأنيث باعتار تضمن النص المذكور مرتبة الخير. قوله: (مطالع هذا الكتاب) مطالع بوزن اسم الفاعل ولو قرئ بفتح الميم جمع مطلع لاستقام بل كان فيه استعارة مكنية يتبعها استعارة تخييلية شبه الكتاب بالقمر بجامع الاهتداء بكل فالتشبيه المضمر في النفس استعارة مكنية وإثبات لازمه من المطالع استعارة تخييلية. فصل قوله: (حِلَق أهله إلخ) بكسر الخاء وفتح اللام جمع حلقة بإسكان اللام مثل قصعة وقصع وبدرة وبدر وهي الجماعة من الناس مستديرون كحلقة الباب وغيره والتحلق تفعل منها وهو أن يتعمدوا ذلك وقال الجوهري جمع الحلقة حلق بفتح الحاء على غير قياس وحكي عن أبي عمر وأن الواحد حلقة بالتحريك والجمع حلق بفتح الحاء وقال ثعلب كلهم يجيزه على ضعفه كذا في النهاية وفي المشارق للقاضي عياض قال الحريري فيه الحلق والحلقة بالسكون مثل تمر وتمرة اهـ. وفي الحرز الثمين نقلا عن الكشاف والحلق بفتح الحاء في الدرع ونحوها وبكسرها في الناس قال صاحب الكشاف ذكر الجوهري وابن الحاجب جواز الوجهين في كل من المعنيين ويمكن أن يكون تخصيص كل بما ذكر فيه لكونه فيه أشهر وأكثر منه في المعنى الآخر فتدبر، قيل ويجوز تنوين حلق ومد ألف آهلة وتنوينه بمعنى عامرة والمعنى في حلق عامرة يقال للقرية الكبيرة الآهل كما في

تظاهرت الأدلة على ذلك، وسترد في مواضعها إن شاء الله تعالى، ويكفي في ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما ـــــــــــــــــــــــــــــ غريب أعيبد ويجوز قراءته بإضافة حلق إلى أهله بإسكان الهاء اهـ. وظاهر أن صحة الوجه الأول على تقدير الظرف المتعلق به وهو به والمعنى حضور حلق آهلة به أي عامرة بالذكر وحذف المتعلق لدلالة السباق والسياق عليه. قوله: (تظاهرت) بالهاء من الظهور أي كسى بعضها بعضاً قوة في الظهور وفي نسخة بالفاء. قوله: (ابن عمر) هو علم بالغلبة على عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وكان من فقهاء الصحابة ومفتيهم وزهادهم ولد قبل البعثة بسنة أسلم مع أبيه بمكة وهو صغير وقيل قبله ولم يشهد بدراً وكان عمره عام أحد أربع عشرة سنة فاستصغره النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يجزه ثم في عام الخندق بلغ خمس عشرة سنة فأجازه ولم يتخلف بعده عن سرية من سرايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال - صلى الله عليه وسلم - لشقيقته حفصة لما أخبرته بما رآه عبد الله في المنام وهو مشهور في البخاري وغيره إن أخاك رجل صالح لو أنه يقوم الليل فما ترك قيام الليل بعد. وقال ابن مسعود إن من أملك قريش لنفسه ابن عمر، وقال جابر رضي الله عنه ما منا أحد إلا مالت به الدنيا ومال بها إلا ابن عمر وقال ابن المسيب مات يعني ابن عمر وما مات من الأرض أحد أحب إليّ أن ألقى الله بعمله منه، واعتزل الفتنة فلم يقاتل مع علي ولا معاوية بل ولع بالحج يومئذٍ وبعده وكان من أعلم الناس بالمناسك كثير الصدقة لا سيما بما استحسنه من ماله ولما عرفت إرقاؤه منه ذلك كانوا يقبلون على الطاعة ويلازمون المسجد فيعتقهم فقيل له إنهم يخدعونك فقال من يخدعنا بالله انخدعنا له وفي الإصابة للحافظ ابن حجر خرج يعني ابن عمر يوماً إلى بعضه متنزهات المدينة فحضر الغداء فمر عبد أسود راع فدعاه للطعام فقال إني صائم فقال أفي هذا اليوم الشديد الحر صيام وذلك منه على سبيل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الاعتبار فقال يوم القيامة أشد حراً. فقال هل لك إن تبيعنا من هذه الشياه ما نجعله عشاء نحضره معنا فقال إنها ليست لي وإنما أنا راع لها فقال ابن عمر وما يمنعك أن تبيعنا وتقول لسيدها أنها ماتت فذهب العبد وهو يقول فأين الله فأينَ الله فرجع ابن عمر إلى المدينة وسأل عن سيد العبد فشراه منه وشرى الغنم وأعتقه ووهبه إياه اهـ. قال نافع أعتق ألف رقبة أو أزيد، وحج ستين حجة واعتمر ألف عمرة وحمل على ألف فرس في سبيل الله وأفتى في الإسلام ستين سنة وتوفي بمكة عن ست وثمانين سنة شهيداً بتسليط من الحجاج عليه سنة ثلاث وسبعين وأوصى أن يدفن في الحل فلم تنفذ وصيته ودفن بذي طوى مقبرة المهاجرين وقيل بفخ وقيل بسرف وقيل بالمحصب وما اشتهر عند العوام بل وبعض الخواص من كونه مدفوناً بالمعلى بالجبل المقابل للحجون الثاني لا أصل له، روي له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ألف وستمائة وثمانون حديثاً اتفقا منها على مائة وسبعين وانفرد البخاري بثمانين ومسلم بأحد وثلاثين وأشار المصنف بتثنية الضمير في قوله رضي الله عنهما إلى ما سيذكره في كتاب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - من أنه إذا ذكر صحابي ابن صحابي يثنى الضمير في الترضي ليعمهما هذا وقد عزا الخطيب التبريزي في المشكاة وابن همام في سلاح المؤمن وابن الجوزي في الحصين والسيوطي في الجامع الصغير والكبير تخريج هذا الحديث باللفظ الذي أورده المصنف إلى قوله فإن لله سيارات من الملائكة إلخ إلى ما أخرجه الترمذي من حديث أنس زاد صاحب السلاح وقال يعني الترمذي غريب من هذا الوجه من حديث ثابت عن أنس اهـ، قال في الحرز الثمين ورواه عنه أحمد والبيهقي وأخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قلت وما رياض الجنة قال المساجد قلت وما الرتع يا رسول الله. قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاَّ الله والله أكبر قال الترمذي حديث غريب قال المنذري في الترغيب وهو مع غرابته حسن الإسناد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأخرجه الطبراني عن ابن عباس بلفظ وما رياض الجنة قال مجالس العلم اهـ، ومثله في الجامع الصغير وأخرجه في الكشاف والبيضاوي عنه - صلى الله عليه وسلم - ولفظهما من أحب أن يرتع في رياض من الجنة فليكثر من ذكر الله. قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف رواه ابن أبي شيبة وإسحاق والطبراني من حديث معاذ وفي إسناده موسى بن عبيدة وهو ضعيف وأخرجه الثعلبي في تفسير العنكبوت وابن مردويه في تفسير الواقعة اهـ، وأخرجه القشيري في الرسالة من حديث جابر بسنده إليه ولفظه عن جابر قال خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا أيها الناس ارتعوا في رياض الجنة قلنا وما رياض الجنة قال مجالس الذكر الحديث وسيأتي تخريجه عنه من حديث الحاكم لكن بلفظ يا أيها الناس إلخ وتتفق الروايتان على قوله اغدوا وروحوا إلى آخر الخبر. أما قوله إن لله سيارات إلخ فعزا صاحب السلاح وصاحب الحصين تخريجه إلى البخاري ومسلم والترمذي من حديث أبي هريرة قال في الحرز الثمين ولفظ البخاري إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله عر وجل تنادوا هلموا إلى حاجتكم قال فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا. الحديث بطوله ولفظ مسلم إن لله سيارة فضلا يبتغون مجالس الذكر فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكر قعدوا معهم وحف بعضهم بعضاً بأجنحتهم حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء الدنيا ولفظ الترمذي إن لله ملائكة سياحين في الأرض فضلاً عن الناس اهـ، وبه يعلم إن عزوهما الحديث للثلاثة المراد به الاتحاد في المعنى لا في اللفظ وهذه عادتهم كثيراً وفي سلاح المؤمن: وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يأيها الناس إن لله سرايا من الملائكة تحل وتقف على مجالس الذكر في الأرض فارتعوا في رياض الجنة قالوا وأين رياض الجنة يا رسول الله قال مجالس الذكر فاغدوا وروحوا في ذكر الله وذكروه أنفسكم من كان يحب أن يعلم منزلته من الله فلينظر كيف منزلة الله

قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إذا مَرَرْتُمْ بِرياضِ الجَنةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى عنده فإن الله ينزل العبد من حيث أنزله من نفسه رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد اهـ، ولم يعز أحد من هؤلاء الحديث إلى ابن عمر في شيء من الطرق كما رأيت ولم يذكر المصنف من خرجه عن ابن عمر لكنه إمام حافظ ثبت عدل عمدة في الفهم والنقل والله أعلم. ثم رأيت في بهجة المحافل للعامري ما لفظه وروينا في جامع الترمذي عن ابن عمر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا يا رسول الله وما رياض الجنة قال حلق الذكر وأقره عليه شارحها الأشجر وهو عجيب فقد قال الحافظ ابن حجر في تخريجه لم أجده يعني الحديث من حديث ابن عمر ولا بعضه لا في الكتب المشهورة ولا في الأجزاء المنثورة ولكن وجدته من حديث أنس بلفظه مفرداً ومجموعاً ثم ساق ذلك بنحو ما أوردته وبه يعلم ما في عزو العامري الحديث إلى كتاب الترمذي فإن الحافظ إذا قال في حديث لا أعرفه أو نحو ذلك كان ذلك آية عدم وروده كما ذكره السيوطي في شرح التقريب وغيره وحينئذٍ فيبقى ما أوردته وأشرف إليه من أنه لم يخرجه عن ابن عمر أحد ممن ذكر ولله الحمد على موافقتي للحافظ في ذلك والله المعين. قوله: (برياض الجنة) قال الجوهري الروضة من البقل والعشب والجمع روض ورياض صارت الواو ياء لكسر ما قبلها اهـ، وسميت حلق الذكر رياض الجنة إطلاقاً للمسبب على السبب كما في شرح المشكاة لابن حجر فيكون مجازاً مرسلاً ويجوز كونه استعارة علاقته التشبيه والجامع حول الكمال في كل ويؤيده ما في "مسالك الحنفا في مشارع الصلاة على المصطفى للقسطلاني" وفي تشبيه حلق الذكر برياض الجن خمسة معانٍ وصف الله أهل الجنة بأنهم يؤتون ما اشتهوا وكذلك حلق الذكر ففي الخبر من شغله ذكري عن مسألتي، الحديث، وتسميته الجنة بالرحمة قال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي

فارتَعُوا، قالوا: وَما رِياضُ الجَنةِ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: حِلَقُ الذكْرِ، فإنَّ لِلهِ تَعالى ـــــــــــــــــــــــــــــ رَحْمَةِ اللَّهِ} [آل عمران: 107] أي جنته وزيارة الملائكة أهل الجنة قال تعالى {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} [الرعد: 23، 24] وكذلك حلق الذكر لما في الخبر: وتنزلت عليهم الملائكة وسعادة أهل الجنة قال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ} [هود: 108] فَى كذلك حلق الذكر ففي الخبر هم السعداء لا يشقى بهم جليسهم وإذا سعد بهم غيرهم فهم أولى بذلك وطيب قلوب أهل الجنة وحياتهم يقرب إلى الله تعالى قال تعالى: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الحاقة: 21]، في جنة عالية وأهل حلق الذكر كذلك قال تعالى: {وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ} [الرعد: 28] ومن طاب قلبه طاب عيشه اهـ. مع اختصار وهو من الحسن بمقدار وأجراه في الحرز الثمين على حقيقته فقال والمعنى إذا مررتم بجماعة يذكرون فاذكروا موافقة لهم أو اسمعوا أذكارهم فإنهم في رياض الجنة حالاً أو مآلاً قال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)} [الرحمن: 46] قيل جنة في الدنيا وجنة في العقبى. قوله: (فارتعوا) الرتع الاتساع في الخصب فشبه الخوض في ذكر الله بالرتع في الخصب كذا في النهاية وعليه فهو استعارة تبعية لأنه مجاز علاقته المشابهة وقيل إن قوله فارتعوا كناية عن الأخذ بالحظ الأوفر من الذكر والمراد إذا فعلوا ما يكون سبباً لحصول الجنة من التسبيح والتحميد ونحوهما وقد جاء إن الجنة قيعان وغراسها اذكاره تعالى وعليه فوضع الرتع موضع القول لأن هذا القول سبب لنيل هذا المرام. قوله: (حلق الذكر) تقدم في أول الفصل ضبطه قال بعض العلماء حديث الباب مطلق في المكان والذكر فيحمل المطلق على المقيد في الحديث أي كما ورد في رواية أبي هريرة السابقة قلت يا رسول الله وما رياض الجنة قال المساجد قلت وما الرتع قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر

سَيَّارَاتِ مِنَ المَلَائكَةِ يَطْلُبُونَ حِلَقَ الذكْرِ، فإذا أَتَوْا عَليهمْ حَفُّوا بِهِمْ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وكما في رواية ابن عباس السابقة في مجالس العلم وقال في الحرز: الأظهر أن المطلق محمول على عمومه والمقيد محمول على الفرد الأكمل أو أريد به المثال فتأمل اهـ، وعليهما فيكون من باب قولهم ذكر بعض أفراد العام لا يخصصه: . قوله: (سيارات) بالسين المهملة والتحتية المشددة وبعد الألف تاء قال في شرح مسلم أو سياحين وأخذ من وصفهم بما ذكر أنهم غير الحفظة لأنهم لا يفارقون الإنسان وهؤلاء السيارون ليس لهم وظيفة وإنما قصدهم حلق الذكر قال ابن الجزري في مفتاح الحصين وغيره وفي كتاب السلوة لابن الجوزي أما أعمال الملائكة فأكثرهم مشغول بالتعبد كما قال سبحانه: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 20] ومنهم موكل بعمل كحملة العرش وجبريل للوحي وإسرافيل صاحب اللوح والصور وعزرائيل قابض الأرواح ومنهم موكل بالشمس ومنهم موكل بالقطر ومنهم موكل بالرياح والأشجار ومنهم كتاب على بني آدم ومنهم سياحون في الأرض يتبعون أهل الذكر ومنهم من يغرس الجنة ومنهم من يصيغ حليها اهـ، وما ذكره من أن اسم قابض الأرواح عزرائيل توقف فيه غير واحد من الحفاظ منهم الجلال في الحبائك وقال لم يرد به خبر مقبول اهـ. قوله: (حفوا بهم) بتشديد الفاء أي أحاطوا بهم وفي مفردات الراغب {حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر: 75] أي مطيفين بحفافيه أي جانبيه ومنه تحفه الملائكة بأجنحتها اهـ، وفي الخبر على هذه الرواية إدخال الباء على المفعول الأول لحف ومثله حديث الترمذي وابن ماجة ما من قوم يذكرون الله إلَّا حفت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده أورده في الجامع الصغير ورمز لمخرجيه برمز الترمذي وابن ماجة وبجانبه علامة الصحة وفي معظم الروايات والأحاديث يصل الفعل إلى مفعوله الأول بنفسه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فمنه الخبر الآتي وحفتهم الملائكة ولفظ أبي هريرة في روايته هذا الخبر في صحيح البخاري: إن لله تعالى ملائكة يطوفون بالأرض يلتمسون أهل الذكر إلى أن قال فيحفونهم بأجنحتهم وحديثه أيضاً وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلاَّ نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وفي حاشية الحصن الحصين للحنفي هو من الحف من باب طلب وتعدى إلى المفعول الثاني بالباء اهـ، وقضيته بل صريحه أنه تعدى إلى الأول بنفسه وهو كذلك وفي البيضاوي كما سيأتي وتزيده الباء مفعولاً ثانياً قال تعالى: {وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ (32)} [الكهف: 32] وتقدمت الروايات بمثل ذلك وحينئذٍ فحديث الباب ونحوه إما يكون فيه حذف المفعول الأول والتقدير حفوا أنفسهم بهم أو حفوهم بهم كما جاء كذلك عند البخاري فيحفونهم بأجنحتهم. قال الحافظ في الفتح والباء للتعدية وقيل للاستعانة أو الباء فيه زائدة أو ضمن فعلاً قاصراً أي حفوا محتافين بهم أو أن هذا العمل جاء قاصراً ومنه قوله تعالى: {حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر: 75] وما ذكر من الحديث ومتعدياً ومنه ما في باقي الآيات والأحاديث ولعل هذا أقرب الوجوه وجعلها للتعدية وأن معنى حف طاف وهو فعل قاصر يتعدى بالباء يأباه ما يأتي من تفسير حفه المتعدي لنصبه هاء المفعول به بطاف به ولا يلزم من كون الفعلين بمعنى اتحادهما تعدياً وقصوراً بل كثيراً ما يخص أحد الرديفين عن رديفه في الاستعمال بشيء كالدعاء المرادف للصلاة إذا استعمل بعلى كان للشر وهي كذلك للخير وفي النهر لأبي حيان في الكلام على قوله تعالى: {وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ (32)} لفظه حفه طاف به من جوانبه وحففته به جعلته مطيفاً به اهـ. ومثله في تفسير البيضاوي وزاد فتزيده الباء مفعولاً ثانياً كقولك غشيته وغشيته به اهـ، وفي الكشاف هو متعد إلى واحد فتزيده الباء مفعولاً ثانياً. وقال البيضاوي في قوله تعالى: {حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر: 75] ومن مزيدة أو لابتداء الحفوف اهـ، وفي النهر أي حافين حول العرش اهـ، فاقتصر على كونها زائدة وهو مبني على جواز زيادتها في الإيجاب والمعارف وهو

وروينا في "صحيح مسلم" عن معاوية رضي الله عنه أنه قال: "خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ـــــــــــــــــــــــــــــ مذهب الأخفش. قوله: (وروينا في صحيح مسلم إلخ) هو من رواية أبي سعيد الخدري عن معاوية وكذا رواه الترمذي والنسائي كما في سلاح المؤمن قال وزاد الترمذي فيه بعد قوله ما أجلسكم إلاَّ ذلك "قالوا والله ما أجلسنا إلاَّ ذاك" وبه يعلم أن ما يوجد في بعض النسخ من إثبات الزيادة المذكورة غير جيد لأن المصنف إنما عزا الحديث لتخريج مسلم وليست فيه هذه الزيادة ولذا كانت محذوفة من الأصول المعتمدة وقد وقع لصاحب المشكاة أنه عزا الحديث لتخريج مسلم وأورد هذه الزيادة وليست في صحيح مسلم كما قاله ابن همام وهو كما قال فيما رأيت. قوله: (عن معاوية رضي الله عنه) هو معاوية بن أبي سفيان بن صخر بن حرب القرشي العبشمي الأموي أسلم هو وأبوه وأخوه يزيد وأمه هند في فتح مكة وكان يقول أنه أسلم يوم الحديبية وكتم إسلامه من أبيه وأمه شهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حنيناً فأعطاه من غنائم هوازن مائة بعير وأربعين أوقية وكان هو وأبوه من المؤلفة ثم حسن إسلامهما وكان أحد الكتاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستخلفه الصديق على عمل دمشق الشأم بعد موت أخيه يزيد فأقره عمر ثم عثمان وأسلم إليه الحسن بن علي الخلافة سنة إحدى وأربعين قال ابن سعد بقي معاوية أميراً عشرين سنة وخليفة كذلك تقريبًا روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة وثلاثة وستون حديثاً اتفقا منها على أربعة وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بخمسة اتفقوا على أنه توفي بدمشق والمشهور إنه يوم خميس لثمان بقين من رجب وقيل لنصفه سنة ستين من الهجرة وهو ابن اثنتين وثمانين وقيل ست وثمانين وقيل ثمان وسبعين واقتصر عليه الذهبي في الكاشف وأوصى أن يكفن في قميص كان رسول الله كساه أياه وأن يجعل مما

حَلْقة من أصحابه فقال: ما أجْلَسَكُمْ؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمَده على ما هدانا للإسلام ومن به علينا، ـــــــــــــــــــــــــــــ يلي جسده وكان عنده قلامة أظفار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأوصى أن تجعل في عينيه وفمه وقال افعلوا ذلك وخلوا بيني وبين أرحم الراحمين. ولما نزل به الموت قال يا ليتني كنت رجلاً من قريش بذي طوى ولم آل من هذا الأمر شيئاً. قوله: (حلقة) هو بإسكان اللام وفي التهذيب للمصنف حلقة العلم ونحو ما بإسكان اللام هذه هي اللغة الفصيحة المشهورة ويقال بفتحهما في لغة قليلة حكاها ثعلب والجوهري، وجمعها على هذه اللغة حلق وحلقات وأما على لغة الإسكان فجمعها حلق بفتح الحاء وكسرها مع فتح اللام كما في شرح مسلم للمصنف. قوله: (نذكر الله تعالى) قال الراغب في مفرداته العلي هو الرفيع القدر وإذا وصف به تعالى نحو أنه هو العلي الكبير فالمراد أنه يعلو أن يحيط به وصف الواصفين بل علم العارفين وعلى ذلك يقال تعالى نحو: {وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)} [يونس: 18]. وتخصيص لفظ التعالي لمبالغة ذلك منه لا على سبيل التكلف كما يكون من البشر اهـ. قوله: (ونحمده) معطوف على نذكر من عطف الخاص على العام للاهتمام. قوله: (على ما هدانا) أي لأجل هدايته إيانا ومنه علينا فعلى فيه للتعليل بمعنى اللام قال في المغني "الرابع" أي من معاني على التعليل نحو {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] أي لهدايته إياكم اهـ، وتعقبه الدماميني بأنه يحتمل التضمين كما صرح به الزمخشري أي ولتكبروا الله حامدين على ما هداكم واعترضه المصنف يعني ابن هشام في حواشي التسهيل بأن هذا التقدير يبعده قول الداعي على الصفا والمروة الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا فيأتي بالحمد بعد تعديته التكبير بعلى اهـ، وإيضاحه أنه لو كان وقوع على في الآية لتضمين التكبير معنى الحمد لكان في الدعاء المذكور كذلك ولو كان كذلك لعطف الجار والمجرور على مثله ولم يذكر الحمد لله في البين قال الدماميني

قال: آللهِ ما أجْلَسَكُمْ إلا ذَاكَ؟ أما إني لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه أي الاعتراض نظر لأن المستفاد من الأول غير المستفاد من الثاني، قيل كأن مراده أن ذكر الحمد ليس لتعلق الظرف به بل لتحصيل الثواب لأنه باللفظ قال في حواشي التسهيل وأيضاً فعلى الثانية ظاهرة في التعليل فكذا نظيرتها الأولى ونازعه الدماميني بمنع ظهور شيء منها في التعليل اهـ. قال أبو حيان ثم ما قدره الزمخشري تفسير معنى لا إعراب إذ لو كان إعراباّ لم تكن متعلقة بتكبروا بل بحامدين التي قدرها قال والتقدير الإعرابي أن تقول ولتحمدوا الله بالتكبير على ما هداكم اهـ، وما أشار إليه هو الأشيع في تقدير التضمين وما فعله الكشاف شائع. قال السعد التفتازاني في حواشي الكشاف في تقدير التضمين طرق أشيعها جعل الفعل المذكور حالاً مثل لتحمدوا الله مكبرين ليكون متعلق الجار والمجرور مذكوراً قصداً وعكسه مثل ولتكبروا الله حامدين وآثره يعني صاحب الكشاف لأن التعليل بالتعظيم حال الحمد وجعله مقصودًا من التعظيم أنسب من العكس لأن الحمد إنما يستحسن ويطلب لما فيه من التعظيم اهـ، قال البيضاوي وما تحتمل المصدر أو الخبر قال القاضي زكريا أي والخبر بمعنى الموصول وهو تعبير غريب والمعنى عليه ولتكبروا الله على إيتاء الذي هداكم إليه اهـ. قال السفاقسي وتجويز كونها بمعنى الذي فيه بعد للزوم حذف عائد ما أي على ما هداكموه وقدر منصوباً لا مجرورًا لأن حذفه أسهل وحذف مضاف يصح به الكلام قلت كما أشار إليه شيخ الإسلام زكريا والهداية هنا بمعنى الدلالة على طريق الإيمان والإيصال إليه بالفضل والإحسان. قوله: (آلله ما أجلسكم إلخ) آلله الأول بهمزة ممدودة للاستفهام والثاني أي قولهم كما في رواية الترمذي الله ما أجلسنا إلخ بلا مد ذكره المصنف في مثله من رياض الصالحين وغيره ورأيت معزواً إلى الكاشف

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الله بالنصب فيهما أي أتقسمون بالله فحذف الجار ثم الفعل وقولهم الله إلخ تقديره نعم نقسم بالله فوقعت الهمزة موقعها مشاكلة وتقريراً لذلك اهـ، وأعربه كذلك الطيبي وابن حجر في المشكاة وقال ابن حجر إنهم زادوا همزة الاستفهام في قولهم جواباً له ألله ما أقعدنا إلاَّ ذلك مشاكلة لذكره لها لا غير إذ حملها في كلامهم على الاستفهام لا يتأتى اهـ، فجعل الهمزة استفهامية في الموضعين في الأول حقيقة وفي الثاني مشاكلة وقضية كلام المصنف أنها في الثانية همزة الجلالة لكنها قطعت أي لما سيأتي فليس في الجواب همزة استفهام وفيما ذكروه من الإعراب نظر فإنه إذا حذف حرف القسم وعوض عنه همزة الاستفهام أو نحوها مما يأتي تعين الجر قال الرضي إذا حذف حرف القسم الأصلي أي الباء قلب قال الدماميني في المنهل الصافي وظاهر كلامهم أي النحاة أن الواو كالباء في جواز الحذف اهـ، فإن لم يبدل منها فالمختار النصب بفعل القسم وتختص لفظة الله بجواز الجر مع حذف الجار بلا عوض والكوفيون يجوزون الجر في جميع ما يحذف فيه الجار من المقسم به وإن كان بلا عوض ويختص لفظة الله بتعويض ها التنبيه وهمزة الاستفهام وكذا يعوض منه قطعِ الهمزة منه في الدرج فكأنها حذفت ثم ردت عوضاً من الحذف، وجار الله على هذه الأحرف عوضا من الواو ولعل ذلك لاختصاصها بلفظ الله كالباء ودليل كون هذه الثلاثة إبدالا معاقبتها حرف القسم ولزوم الجر معها دون النصب مع أن النصب بلا عوض أكثر كما تقدم ثم قال بعدما يتعلق بها التنبيه أما همزة الاستفهام فإما أن تكون للإنكار كقول الحجاج في الحسن البصري آلله ليقومن عبيد من عبيدي فيقولون كذا وكذا أو للاستفهام كما قال - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن مسعود لما قال هذا رأس أبي جهل آلله الذي لا إله غيره فإذا دخلت همزة الاستفهام على الله فإما أن تبدل همزة الله ألفا صريحة وهو الأكثر وتسهل وهو القياس في آلرجل ونحوه ولا تحذف للبس ولا تبقى للاستثقال وأمّا قطع همزة الله إذا كان قبله فاء قبلها همزة استفهام

تُهْمَةَ لَكُمْ، ولكنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ نحو أفالله لقد كان كذا وكذا وهمزة الاستفهام ليست عوضًا من حرف القسم للفصل بينها وبينه بفاء العطف اهـ، وبوجوب الجر بعد التعويض صرح غير واحد قال أبو حيان في الارتشاف ولا تستعمل هذه الأعواض إلاَّ في اسم الله تعالى ولا يجوز معها إلاّ الجر فلو جئت بشيء من هذه الأعواض الثلاثة فيما يقسم به من غير لفظ الله وحذف حرف الجر الموضوع للقسم لم يكن إلاّ النصب تقول آلتعزيز لأفعلن اهـ، فعلم بما نقل ما في تجويز الكاشف وابن حجر النصب فضلاً عن الاقتصار عليه من النظر لتعين الجر في مثله إلاَّ إن صحت به الرواية فيخرج على خروجه عنها سماعاً والقاعدة فيما يقاس عليه وكأن ما خرجوه عليه وجهه ما قاله النحاة والعبارة للخلاصة "وإن حذف فالنصب للمنجر حتماً" أي إذا حذف الجار وجب نصب المجرور لكن محل ذلك في غير ما ذكر لما ذكرنا ثم رأيت المصنف نقل في الكلام على حديث أبي البشر الذي قبيل كتاب التفسير من شرح مسلم قوله قلت آلله قال ألله الأول بهمزة ممدودة على الاستفهام والثاني بلا مد والهاء فيهما مكسورة هذا هو المشهور قال القاضي روينا بكسرها وفتحها معاً وأكمل أهل العربية لا يجيزون غير كسره اهـ. وعليه فإن صحت الرواية بالفتح فيخرج على أنه شاذ أي خارج عن قانون هذه القاعدة ويوجه بما أشار إليه في الكاشف والله أعلم. قوله: (تهمة لكم) قال الجلال السيوطي في الديباج بفتح الهاء وسكونها اهـ، وكلاهما من الوهم فالتاء بدل الواو كما في النهاية وفيها تهمة كفعلة وقد تفتح الهاء ولما كان التحليف في الغالب إنما يكون عند التهمة إذ من لا يتهم لا يحلف وقد يحلف من لا يتهم للتقرير والتأكيد فأرشد - صلى الله عليه وسلم - بنفيه الاتهام عنهم بقوله ولكن أتاني جبريل إلخ أي أن تحليفهم تتأكد عندهم ما دل عليه حالهم ومباهاة الملائكة بهم من مزيد إخلاصهم وقوة يقينهم وشدة حرصهم على العبادة فهم

أتانِي جِبريلُ فأخْبَرني أنّ اللهَ تَعالى يُباهي بكُمُ المَلائكَةَ". وروينا ـــــــــــــــــــــــــــــ مبرؤون من كون تحليفهم على سبيل الاتهام لهم فيما ذكره. قوله: (أتاني جبريل) في جبريل ثلاثة عشر لغة نظم منها ابن مالك سبع لغات فقال: جبريل جبريل جبراءيل جبريل ... وجبرئيل وجبرال وجبرين وذيل عليه السيوطي بالستة الباقية فقال: وجبرئل وجبراءيل مع بدل ... جبرائل وبياء ثم جبرين وأشار بقوله مع إبدال إلى جبرايين بإبدال الهمزة ياء واللام نونا وذكر ابن الجوزي في زاد المسير في التفسير من لغاته جبرئل بوزن جبرعل بفتح أوله وسكون ثانيه وبالهمزة بعدها لام وبها تتم اللغات أربعة عشر وقد نظمتها كذلك فقلت: في جبرئيل أتي عشر وأربعة ... من اللغات بها شرح وتبين جبريل جبريل جبرال وجبرئل ... وجبرئل وجبراءيل جبرين جبرايل ثم جبرايين جبريل ... جبرائل ثم جبراءيل جبرين قال الكسائي جبريل وميكائيل اسمان لم تكن العرب تعرفهما فلما جاءا عربتهما قال ابن عباس جبريل وميكائيل كقولك عبد الله وعبد الرحمن ذهب إلى إن إيل اسم الله واسم الملك جبر وميكا وفي تفسير الشيخ أبي الحسن البكري أخرج الديلمي عن أبي أمامة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اسم جبريل عبد الله واسم ميكائيل عبد الرحمن. قوله: (يباهي بكم الملائكة) أي يظهر لهم فضلكم ويريهم حسن عملكم ويثني عليكم عندهم وأصل البهاء الحسن والكمال وفلان يباهي بكذا يفخر به ويتجمل على غيره ووجه المفاخرة أنهم لم يمنعهم من ذكر الله تعالى وطاعته ما قام بهم من العلائق والعوائق والدواعي

في "صحيح مسلم" أيضاً عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما: أنهما شهدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يَقْعُدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ القوية إلى البطالة والفتور بل أقبلوا معها إلى الطاعة وإن شقت فاستحقوا المدح لذلك إذ الطاعة وإن وقعت من الملك إلاَّ أنها لكونها له كالنفس للإنسان يرتاح بها إذ لا تعب عليه ولا مشقة فيها أصلاً بخلاف النوع الإنساني فإنه لما سلط عليه من العلائق والعوائق المذكورة يشق عليه مشقة شديدة فلذا باهى بعمل الإنسان الملائكة وقال ابن الجوزي في كشف المشكل المباهاة المفاخرة ومعناها من الله عز وجل التفضيل لهؤلاء على الملائكة اهـ، والمشار إليه بهؤلاء عوام البشر أي الصلحاء المطيعون أرباب الفلاح فهم أفضل من عوام الملك كما تقرر في علم الكلام. قوله: (في صحيح مسلم) وكذا رواه الترمذي وابن ماجة كما في السلاح والحصن وغيرهما وأخرجه النسائي وأبو عوانة وابن حبان كما أشار إليه الحافظ قال وله طرف أخرى عن أبي هريرة أخرجها مسلم أثناء حديث مرفوع هو من نفَّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب الآخرة يوم القيامة فذكر الحديث وفيه ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلاَّ نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده. قوله: (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه هو سعد بن مالك بن سنان جده الأبجر بالموحدة فالجيم هو خدرة المنسوب إليه أبو سعيد هذا من الخزرج وأبو سعيد خدري بضم الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة وقيل إن خدرة أم الأبجر والصحيح أنه هو الأبجر استصغر يوم أحد فرد وغزا بعده مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثنتي عشرة غزوة وهو وأبوه صحابيان استشهد أبوه يوم أحد، روى لأبي سعيد عن - صلى الله عليه وسلم - ألف ومائة وسبعون حديثاً اتفقا منها على ستة وأربعين وانفرد البخاري بستة عشر ومسلم باثنين وخمسين وعن

قَوم يَذكُرُونَ اللهَ تعالى إلا حفتْهُمُ المَلائكَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن أشياخه قالوا لم يكن أحد من أحداث الصحابة أفقه من أبي سعيد وفي رواية أعلم ومناقبه كثيرة توفي بالمدينة يوم الجمعة سنة أربع وستين وقيل أربع وسبعين ودفن بالبقيع. قوله: (قوم) في مفردات الراغبين قوم جماعة الرجال في الأصل دون النساء قال تعالى: {لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} [الحجرات: 11] الآية وقال الشاعر: * أقوم آل حصن أم نساء * وفي عامة القرآن أريدوا به والنساء جميعاً وحقيقته للرجال اهـ. وتعميمه للنساء إما من باب التغليب أو عموم المجاز أو استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه لكن قضية قول ابن حجر الهيتمي في شرح الأربعين والقوم هم الرجال فقط أو مع النساء على ما فيه من الخلاف إن إطلاقه على النساء عند من يقول بأنه لا يعمها حقيقة ويومئ إلى ذلك قوله في شرح المشكاة قوم اسم جمع يصدق بثلاثة فأكثر يستوي فيه الذكور والإناث اهـ، وبالجملة فالمراد هنا ما يعم الفريقين لاشتراكهما في التكليف فيحصل لهن الجزاء باجتماعهن لذكر مشروع لهن من قراءة وتسبيح ونحوه لا كأذان بل يحرم رفع صوتها به بحضرة أجنبي وجاء في رواية أخرى عند مسلم "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلاّ نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده" ولا يقيد إطلاق الخبر السابق في المكان والذكر بما في هذا الخبر بناء على إن المراد ببيت من بيوت الله فيه المسجد لما تقدم أن ذكر بعض أفراد العام لا يخصصه بل ما في هذا الخبر لبيان الأكمل وما في خبر الباب لبيان الأعم الأشمل على أن التقييد بالمسجد بناء على ما ذكر لكونه جرياً على الغالب أنه محل الذكر لا مفهوم له. قوله: (حفتهم الملائكة) أل فيه للعهد أي الملائكة الملتمسون لذلك قاله صاحب الحرز. قوله: (وغشيتهم الرحمة) بكسر الشين المعجمة أي غطتهم من كل جهة إذ الغشيان لغة إنما يستعمل فيما يشمل المغشي من جميع

ونَزلَتْ عَليهِمُ السكِينَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أجزائه وجوانبه فتجوز به عما ذكر مبالغة فيه والرحمة صفة نفسانية يستحيل قيامها بالباري والمراد بها بالنسبة إليه تعالى غايتها من إرادة الإنعام فتكون صفة ذات أو نفس الإنعام فتكون صفة فعل والمراد هنا الأثر المرتب عليه إذ هو الموصوف بالغشيان فهي إحسان نشأ عن إحسان الذاكر بذكره: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60] ويتسبب عن هذا الغشيان تنزل السكينة على الذاكرين. قوله: (ونزلت عليهم السكينة) قال في شرح المشكاة أي المذكورة في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا} [الفتح: 4] وهي فعيلة من السكون "قلت" وقيل إنه بتشديد الكاف للمبالغة والمراد بها هنا الحالة التي يطمئن بها القلب فلا يزعج لطارق من طوارق الدنيا لعلمه بإحاطة قدرة المذكور فيسكن ويطمئن القلب بموعود الأجر لقوة رجائه بحصوله لما وفقه للاشتغال به عن كل ما سواه ويصح أن يراد بها ما جاء في خبر مرسل أنه - صلى الله عليه وسلم - كان في مجلس فرفع بصره إلى السماء ثم طأطأ بصره ثم رفعه فسئل فقال إن هؤلاء القوم كانوا يذكرون الله يعني عند مجلس إمامه فنزلت عليهم السكينة تحملها الملائكة كالقبة فلما دنت منهم تكلم رجل بباطل فرفعت عنهم وقيل السكينة اسم ملك ينزل في قلب المؤمن يأمره بالخير وقال ابن الجوزي في مفتاح الحصين السكينة أي الرحمة والوقار والسكون والخشية وقيل غير ذلك والمراد السكون تحت جري المقادير لا ضد الحركة وتفسيره لها بالرحمة تبع فيه اختيار القاضي عياض وضعف بعطفها عليه المقتضي للمغايرة بل قال ابن حجر في شرح الأربعين إنه مردود والرد منقود لأنه يحتمل أن يكون جعله من باب الإطناب تعديداً لذكر الجزاء المستطاب نعم هو ضعيف لكون التأسيس خيرًا منه واختار المصنف كونها بمعنى الطمأنينة قال في الحرز ثم

فصل

وذكَرَهمُ الله تَعالى فِيمَن عِنْدَهُ". فصل: الذِّكْر يكون بالقلب، ويكون باللسان، والأفضل منه ما كان بالقلب واللسان جميعاً، فإن اقتصر على أحدهما فالقلب أفضل، ثم لا ينبغي أن يترك الذِّكْر باللسان مع القلب ـــــــــــــــــــــــــــــ يجوز أن يقرأ عليهم السكينة بضم الهاء والميم وبكسرهما وبكسر فضم وهو الأشهر اهـ، وقوله وهو الأشهر يحتمل من حيث كونه رواية ومن حيث كونه أشهر لغة والثاني أظهر. قوله: (وذكرهم الله فيمن عنده) أي من الأنبياء وكرام الملائكة لقوله في الحديث القدسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه والعندية هنا عندية شرف ومكانة لا عندية مكان تعالى وتنزه عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً وذكره تعالى لهم على سبيل المباهاة بهم كما تقدم والرضا بأفعالهم والله أعلم. فائدة نظير هذا الخبر في حصول الأربعة المذكورة خبر مسلم إن لأول ذكر الله أربعاً تنزل عليهم السكينة وتغشاهم الرحمة وتحف بهم الملائكة ويذكرهم الرب فيمن عنده. فصل قوله: (الذكر يكون بالقلب) قال القاضي عياض ذكره تعالى بالقلب وهو الذكر الخفي وهو أرفع الأذكار الفكرة في عظمة الله تعالى وجلاله وجبروته وآياته في أرضيته وسماواته وفي الحديث خير الذكر الخفي وبعده ذكره بالقلب عند أوامره ونواهيه فيأتمر بما أمر وينتهي عما نهى عنه ويقف عما أشكل اهـ. قوله: (ما كان بالقلب واللسان) أي لأنه عمل جارحة اللسان مع حضور الجنان في ذكره الرحمن فالعمل فيه أكثر فحصل له أشرف أنواع الأجر. قوله: (فإن اقتصر على أحدهما فالقلب أفضل) قال المصنف في شرح مسلم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نقلاً عن القاضي عياض ذكر ابن جرير الطبري وغيره أنه اختلف السلف في ذكر اللسان والقلب أيهما أفضل قال القاضي عياض وإنما يتصور عندي الخلاف في مجرد الذكر بالقلب تسبيحاً وتهليلاً وشبههما ويدل عليه كلامهم لا أنهم اختلفوا في الذكر الخفي الذي ذكرناه أولاً فذلك لا يقاربه ذكر اللسان فكيف يفاضله والمراد بذكر اللسان مع حضور القلب، وإن كان لاهياً فلا واحتج من رجح ذكر القلب بأن عمل اليسير أفضل ومن رجح عمل اللسان قال لأن العمل فيه أكثر لأنه زاد باستعمال اللسان فاقتضى زيادة أجر قال القاضي واختلفوا هل تكتب الملائكة ذكر القلب فقيل تكتبه ويجعل الله لهم علامة يعرفونه بها وقيل لا يكتبونه لأنه لا يطلع عليه غير الله تعالى قال المصنف في شرح مسلم قلت الأصح أنهم يكتبونه وإن ذكر اللسان مع حضور القلب أفضل والله أعلم وقول القاضي وإن كان لاهياً فلا: مراده فلا خلاف في فضل الذكر بالقلب حينئذٍ وليس مراده فلا فضل فيه لأنه قال قبله وأما ذكر اللسان مجرداً فهو أضعف الأذكار وفيه فضل عظيم كما جاءت به الأحاديث اهـ، ونقله عنه المصنف في شرح مسلم وفي أمالي الشيخ عز الدين بن عبد السلام ذكر القلب أفضل من ذكر اللسان لأن ذكر القلب يثمر الأحوال بخلاف ذكر اللسان اهـ. وقال ابن حجر الهيتمي في شرح المشكاة بعد نقله أفضلية الذكر القلبي على اللسان: وخالف عياض فقال لا ثواب بالذكر بالقلب قال البلقيني وهو حق لا شك فيه اهـ، وقد يقال إن أريد الثواب من حيث اللفظ فالأصح عدمه أو من حيث المعنى واشتغال النفس به فالحق الثواب وانه أفضل من الأول نعم لا يفيد اتفاقاً بشيء مرتبة الشارع على القول حتى يتلفظ به ويسمع نفسه عند صحة السمع وانتفاء نحو اللغط اهـ، كلام شرح المشكاة ذكره في باب الذكر، وكأن ما نقله عن القاضي عياض مذكور في غير باب الدعاء والأذكار من شرحه لمسلم وإلَّا فعبارته فيه ما نقلناها وهي بمعنى عبارة

خوفاً من أن يُظَن به الرياء، بل يذكر بهما جميعاً ويقصد به وجه الله تعالى، وقد قدمنا عن الفضيل رحمه الله: ـــــــــــــــــــــــــــــ الأذكار مصرحة بفضل الذكر القلبي بل بأفضليته ثم كلام المصنف مصرح بفضل الذكر باللسان وإن كان مع الغفلة وبه صرح القاضي عياض وغيره قال الغزالي حركة اللسان بالذكر مع الغفلة عنه تحصل الثواب ونفيه إنما هو بالنسبة لعمل القلب اهـ. وفي باب الذكر بعد الصلاة من شرح المشكاة لابن حجر اختلفوا في الذكر باللسان مع غفلة القلب فقال جمع لا ثواب فيه قال الجلال البلقيني وهو حق بلا شك اهـ. وفي باب مخالطة الجنب من الشرح المذكور التصريح بأفضلية الذكر اللساني على القلبي والرد على من قال الأفضل القلبي ثم اللساني بأن الأصحاب مصرحون بأن لا ثواب في الذكر القلبي المحض وكيف يفضل اللساني وفيه الثواب قطعاً والحق إن الأعلى ما جمع القلب واللسان ثم اللساني ثم القلبي ونفي الثواب فيه من حيث الذكر لا ينافي حصوله من حيث حضور القلب مع الله والمراقبة أو المشاهدة له تعالى ففيه ثواب في ثواب وإنما فضل عليه اللساني لأن في الإتيان به امتثالاً لأمر الشارع من حيث الذكر بخلاف ذاك ألا ترى أن ما تعبدنا به من الذكر لا يحصل إلاَّ بالتلفظ به بحيث يسمع به نفسه بخلاف ما إذا لم يسمع بأن أتى به همساً أو بقلبه فقط فإنه لا يحصل له الامتثال ويقع في لوم الترك وثواب الحضور إنما هو على جهة أخرى أجنبية عن المأمور به فتأمل ذلك اهـ. قوله: (خوفاً من أن يظن به الرياء إلخ) قال الإمام في المطالب من مكائد الشيطان ترك العمل خوفاً من أن يقول الناس أنه مراء وهذا باطل فإن تطهر العمل من نزغات الشيطان بالكلية متعذر فلو وقفنا العمل على ذلك لتعذر الاشتغال بشيء من العبادة وذلك يوجب البطالة وهي أقصى غرض الشيطان ولقد أحسن من قال سيروا إلى الله عزّ وجل عرجاء ومكاسير ولا تنتظروا الصحة فإن انتظار الصحة بطالة اهـ، وكذا

أن ترك العمل لأجل الناس رياء، ولو فتح الإنسان عليه باب ملاحظة الناس، والاحتراز من تطرق ظنونهم الباطلة لانسدَّ عليه أكثر أبواب الخير، وضيع على نفسه شيئاً عظيماً من مهمات الدين، وليس هذا طريقة العارفين. ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يتركه باللسان لغفلة الجنان ففي الرسالة القشيرية سئل أبو عثمان المغربي نذكر الله ولا نجد في قلوبنا حلاوة فقال احمدوا الله عز وجل أن زين جارحة من جوارحكم بطاعته اهـ. وقال ابن عطاء الله في الحكم. لا تترك الذكر لعدم حضورك فيه مع الله لأن غفلتك عن ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة ومن ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر مع وجود حضور ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع غيبة عما سوى المذكور وما ذلك على الله بعزيز اهـ، ولا يتركه خشية العجب به بل يعمل ويستغفر الله إذا خاف نحو العجب ولا يترك العمل لذلك لما قال السهروردي إن ترك العمل لذلك من مكائد الشيطان وقد قدمنا في مبحث الإخلاص ما ينفع استحضاره هنا. قوله: (ترك العمل لأجل الناس رياء) تقدم تفسيره نقلاً عن الشعراني بأن معنى ترك العمل للناس تركه لعدم اطلاعهم عليه أي لا يحب العمل إلاَّ في محل يجده فيه الناس فإن لي يجده كسل عن العمل وحينئذٍ ففي العبارة مضافان محذوفان أي لأجل عدم اطلاعهم وقضية سياق المصنف له أنه على ظاهره من ترك العمل للناس أي خشية أن يظن به نحو رياء وذلك لأن ملاحظته لهم تشعر بأنه يرجو مدحهم ويخشى قدحهم وشأن الإخلاص التنزه عن كل ذلك. قوله: (ملاحظة الناس) الملاحظة مفاعلة من اللحظ وهو النظر باللحاظ بفتح اللام فيهما يقال لحظه ولحظ إليه أي نظر إليه بمؤخر العين واللحاظ بالفتح شق العين مما يلي الصدغ أما الذي يلي الأنف فالمؤق والمأق واللحاظ بالكسر مصدر لاحظته إذا راعيته والمراد هنا أنه

وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن عائشة رضي عنها عنها قالت: نزلت هذه الآية: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] في الدعاء. ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يلتفت ببصره ولا بصيرته إلى شيء من الأكوان فيعتبر مدحه أو يخشى قدحه فإن ذلك سبب لفوات كثير من الخيور وجالب لأنواع الشرور مبعد للسالك عن طرق السرور. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم إلخ) أخرجه البخاري في كتاب التفسير والتوحيد وأخرجه مسلم أيضًا قال السيوطي في لباب العقول في أسباب النزول بعد تخريجه خبر عائشة من حديث البخاري وأخرج ابن جرير من طرق عن ابن عباس مثله ثم رجح رواية البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس أنها نزلت في الصلاة بكونها أصح إسناداً قال وكذا رجحها النووي وغيره وقال الحافظ ابن حجر لكن يحتمل الجمع بينهما بأنها نزلت في الدعاء داخل الصلاة وقد أخرج ابن مردويه من حديث أبي هريرة قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى عند البيت رفع صوته بالدعاء اللهم ارحمني فنزلت فأمروا ألا يخافتوا ولا يجهروا أهو في زاد المسير لابن الجوزي في سبب الآية ثلاثة أقوال أحدها أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر صوته بالقرآن بمكة فيسب المشركون القرآن ومن أتى به فخفض - صلى الله عليه وسلم - صوته بعد ذلك حتى لم يسمع أصحابه فأنزل الله {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} [الإسراء: 110] أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن {وَلَا تخَافِتْ بِهَا} عن أصحابك فلا يسمعون قاله ابن عباس، والثاني أن الأعرابي كان يجهر في التشهد ويرفع صوته فنزلت هذا قول عائشة، والثالث أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي عند الصفا فجهر بالقرآن في صلاة الغداة فقال أبو جهل لا تفتر على الله فخفض النبي - صلى الله عليه وسلم - صوته فقال أبو جهل ألا ترون ما فعلته بابن أبي كبشة رددته عن قراءته فنزلت قاله مقاتل اهـ، ويمكن الجمع بحمل حديث ابن عباس على أنه كانت القراءة في الصلاة فيوافق حديثه في البخاري وعند الصفا إما يراد به عند البيت من جانب الصفا فيكون

فصل

فصل: اعلم أن فضيلة الذِّكْر غير منحصرة في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ونحوها، بل كل عامل لله تعالى بطاعة فهو ذاكر لله تعالى، كما ـــــــــــــــــــــــــــــ عند الصفا مجازاً ليطابق حديث البخاري أو تعدد جهره بذلك قال في زاد المسير وأما تفسيرها ففي المراد بالصلاة قولان "أحدهما" الصلاة الشرعية وعليه ففي المراد ستة أقوال: لا تجهر بقراءتك ولا تخافت بها فكأنه نهى عن شدة الجهر والمخافتة قاله ابن عباس وعليه فالتعبير عن القراءة بالصلاة إما من باب المجاز المرسل من إطلاق اسم الكل أي الصلاة وإرادة الجزء أي القراءة أو من حذف المضاف أي قراءة صلاتك أو لا تصل مراءاة الناس ولا تدعها مخافة الناس قاله ابن عباس أيضاً قلت وعلى هذا فيكون من خطابه - صلى الله عليه وسلم - بخطاب غيره كقوله: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ} [يونس: 94] الآية إذ لا يتصور منه الرياء حتى ينتهي عنه، أو لا تجهر بالتشهد في صلاتك روي عن عائشة في رواية وبه قال ابن سيرين، أو لا تجهر بفعل صلاتك ظاهراً ولا تخافت بها شديد الاستتار قاله عكرمة، أو لا تحسن علانيتها وتسيء سريرتها قاله الحسن وغيره خاف أن ما سبق على القول الثاني من قولي ابن عباس يجري في هذا المكان، أو لا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بجميعها فاجهر في صلاة الليل وخافت في صلاة النهار على ما أمرناك به ذكره أبو يعلى "والقول الثاني" إن المراد بالصلاة الدعاء وهو قول عائشة وأبي هريرة ومجاهد اهـ، باختصار وتغيير يسير والصلاة حقيقتها لغة الدعاء والخلاف المذكور مبني على الخلاف عند أهل الأصول في أن اللفظ إذا ورد من الشارع هل يحمل على معناه اللغوي أو الشرعي والأصح الثاني ولا يلزم من البناء الاتفاق في الترجيح. ويطول المقال في هذا المقام أخرنا ما يتعلق بفضل السيدة عائشة من الكلام. فصل قوله: (بل كل عامل لله بطاعته فهو ذاكر) أخرج الواحدي في التفسير

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الوسيط بسنده إلى خالد بن عمران رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أطاع الله فقد ذكر الله وإن قلت صلاته وصيامه وصنعه للخير ومن عصى الله فقد نسيه وإن كثرت صلاته وصومه وتلاوته القرآن وصنعه للخير" وأخرج الحديث الخزرجي في كتابه التذكرة فقال حقيقة الذكر طاعة الله تعالى ودليله قوله - صلى الله عليه وسلم - من أطاع الله إلخ وذكر نحوه العامري في شرح الشهاب كما رأيته معزواً إليه. ويؤخذ من كلام الخزرجي أنه مقبول لاستدلاله به إلاَّ أن يقال لا يلزم ذلك بل يكتفي بالضعيف في مثله كما تقدم عن الزركشي وفي شرح الأنوار السنية قال أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب واقد مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - روى عنه زاذان من قوله من أطاع الله فقد ذكره وإن قلت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن ومن عصى الله فلم يذكره وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أطاع الله فقد ذكره إلخ لكن روي بدل قوله وتلاوته للقرآن قوله وصنعه للخير ذكره ابن خويز منذاد في أحكام القرآن وقال البخاري الإسكاف في فوائد الأخبار الغفلة نوم القلب والنائم لا يذكر وذكر الله تعالى إن تشهده حافظاً لك رقيباً عليك قائماً بمصالحك فمن غفل عن هذه الأحوال فليس يذكر الله وإن سبح بلسانه وهلل وكبر ومن كان متيقظاً في هذه الأوصاف فهو ذاكر وإن سكت ثم ما أشعر به كلامه من كون الطاعة حقيقة الذكر يوافقه ما فهمه الحنفي في شرح الحصين الحصين حيث قال في مثل عبارة المصنف الظاهر أن يقول وليس الذكر منحصراً في التهليل إلخ وفي شرح المشكاة لابن حجر أصل وضع الذكر ما تعبدنا الشارع بلفظه مما يتعلق بتعظيم الحق أو الثناء عليه ويطلق على كل مطلوب قولي مجازاً شرعياً سببه المشابهة اهـ، مع يسير تغيير وسبق كلامه في انتفاء حصول ثواب الذكر عن القلبي لانتفاء كونه ذكراً وهو يؤذن بأن إطلاق الذكر على ما ذكر من العبادة ليس إطلاقاً حقيقة وإنما

قاله سعيد بن جبير رضي الله عنه وغيره من العلماء. ـــــــــــــــــــــــــــــ هو مجاز سببه المشابهة لترتب الثواب على كل وفي الحرز الثمين فهو ذاكر أي حكماً فإنه حيث راعى حكمه تعالى في فعله فقد ذكره ولم يغفل أمره والحاصل أن المطيع المذكور له فضيلة الذكر وثوابه لا أنه ذاكر لغة أو اصطلاحاً وبه يندفع قول الحنفي: الظاهر أن يقول وليس الذكر منحصراً في التهليل اهـ، ثم رأيت الحافظ قال في فتح الباري ويطلق ذكر الله ويراد به المواظبة على العمل بما أوجبه أو ندب إليه كتلاوة القرآن وكقراءة الحديث ومدارسة العلم والتنفل بالصلاة وقال في آخر الكلام على حديث إن لله ملائكة يطوفون في الطرق الحديث يؤخذ من مجموع الطرق إن المراد بمجالس الذكر الواردة من تسبيح وتكبير وغيرهما وتلاوة كتاب الله والدعاء بخيري الدارين وفي دخول قراءة الحديث النبوي ومدارسة العلم الشرعي ومذاكرته والاجتماع على صلاة النافلة في هذه المجالس نظر، والأشبه اختصاص ذلك بمجالس نحو التسبيح والتلاوة حسب وإن كان قراءة الحديث ومدارسة العلم ومناظرته في جملة ما يدخل تحت ذكر الله تعالى اهـ، فأفاد أن ما ذكر يطلق عليه ذكر الله لا لفظ الذكر من غير إضافة والله أعلم. قوله: (قال سعيد بن جبير) سعيد كرشيد وجبير بالجيم المضمومة فالموحدة المفتوحة بعدها تحتية ساكنة وهذه المقالة نقلها عن الواحدي أيضاً فقال روي إن عبد الملك كتب إليه يسائله عن مسائل منها الذكر فقال وتسأل عن الذكر فالذكر طاعة الله فمن أطاع الله فقد ذكر الله ومن لم يطعه فليس بذاكر وإن أكثر التسبيح وتلاوة القرآن. قوله: (وغيره) ولعل مراده ابن عباس فإن الواحدي وابن الجوزي نقلاه عنه أيضاً فقالا قال ابن عباس وسعيد ابن جبير في قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي ثم أورد السؤال السابق لكن يبعده أن الأنسب بالتفسير حينئذٍ قال ابن عباس وابن جبير فالظاهر إن المراد غير ابن

فصل

وقال عطاء رحمه الله: مجالس الذكْر هي مجالس الحلال والحرام، كيف تشتري وتبيع وتصلي وتصوم وتنكح وتطلق وتحج وأشباه هذا. فصل: قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} إلي قوله تعالى {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35]. وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "سَبَقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ جبير من بعض علماء التابعين ومن بعدهم. قوله: (وقال عطاء إلخ) قال الشيخ زكريا في شرح الرسالة القشيرية فإن جميع ذلك ينقل العبد من الغفلة إلى ذكر الله وطاعته اهـ. قال ابن حجر في شرح المشكاة مجالس الذكر مجالس سائر الطاعات ومن قال هي مجالس الحلال والحرام أراد التنصيص على أخص أنواعه اهـ، ونظيره تخصيص المساجد وكلامه تعالى في روايات فهي لكونها أخص وأفضل كما تقدم وقريب من كلام عطاء ما في المفهم للقرطبي مجلس ذكر يعني مجلس علم وتذكير وهي المجالس التي يذكر فيها كلام الله وسنة رسوله وأخبار السلف الصالحين وكلام الأئمة الزهاد المتقدمين المبرأة عن التصنع والبدع والمنزهة عن المقاصد الرديئة والطمع قلت ومثل ما ذكر مجالس سائر الأذكار والطاعات ومجالس الزهاد والأخيار قال القرطبي وهذه المجالس قد انعدمت في هذا الزمان وعوض منها الكذب والبدع ومزامير الشيطان نعوذ بالله من حضورها ونسأله العافية من شرورها اهـ. فصل قوله: (وروينا في صحيح مسلم إلخ) قال الحافظ وأخرجه ابن حبان اهـ، ورواه الترمذي بلفظ قالوا يا رسول الله وما المفردون قال المستهترون في ذكر

المُفَرِّدون، قالوا: ـــــــــــــــــــــــــــــ الله يضع الذكر عنهم أثقالهم فيأتون القيامة خفافاً رواه الترمذي والحاكم عن أبي هريرة والطبراني عن أبي الدرداء فهو حديث مستقل وفي مسلم والترمذي أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له جمدان فقال سيروا هذا جمدان سبق المفردون الحديث وخرجه الحافظ من حديث معاذ بن جبل ولفظه قال كنا نسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالدف من جمدان فقال يا معاذ أين السابقون قلت مضوا وتخلف ناس قال إن السابقين الذين يهترون بذكر الله عز وجل من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر من ذكر الله قال الحافظ أخرجه إسحاق في مسنده وفيه راوٍ ضعيف لكنه ينجبر بحديث أبي هريرة والدف السير الخفيف أو مكان عند الجبل المذكور وقوله يهترون بكسر الفوقية معناه يديمون اهـ، وجمدان بضم الجيم وسكون الميم وبالدال المهملة جبل بين قديد وعسفان من منازل أسلم كما في المشارق للقاضي عياض والمفهم القرطبي لكن في سلاح المؤمن وشرح المشكاة لابن حجر جمدان جبل على ليلة من المدينة اهـ. قال القرطبي في المفهم ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا القول عقب قوله هذا جمدان لأن جمدان جبل منفرد بنفسه هناك ليس يحاذيه جبل مثله فذكره بهؤلاء المفردين وذكر ابن حجر الهيتمي في شرح المشكاة أوجهاً أخر. قوله: (المفردون) يروى بتشديد الراء المكسورة قال القاضي عياض ضبطناه على مشايخنا كذلك ونقله أيضاً عن متقني مشايخه قال المصنف والمشهور الذي قاله الجمهور التشديد قال ابن الجزري وكذا رويناه وضبطناه عن شيوخنا قال ابن الأعرابي يقال فرد الرجل إذا تفقه واعتزل الناس وخلا بمراعاة الأمر والنهي وقال الأزهري هم المتحلون

وَما المُفَردونَ يا رَسُولَ اللهِ؟ قال: "الذاكِرُونَ اللهَ كَثِيراً ـــــــــــــــــــــــــــــ من الناس بذكر الله وقيل هم الهرمى الذين هلك أقرانهم من الناس ويذكرون الله، في كشف المشكل لابن الجوزي وقال بعضهم استولى عليهم الذكر فأفردوهم عن كل شيء إلاَّ عن الله عز وجل فهم يفردونه بالذكر ولا يضمون إليه سواه والفارد والمفرد الثور الوحشي اهـ. قال المصنف في شرح مسلم وذكر غير القاضي أنه روي بتخفيف الراء وإسكان الفاء يقال فرد الرجل وفرد بالتخفيف والتشديد وأفرد، وهل هو مع كسر الراء أو فتحها كل محتمل والأقرب أنه مع الكسر وذلك لأنه ذكره أولاً بالتشديد والكسر ثم قال وحكي بالتخفيف وسكت عن الكسر فالظاهر انسحابه مع التخفيف. وقال الحافظ والراء مفتوحة وقيل مكسورة يقال فرد الرجل مشدداً ومخففاً وانفرد الكل بمعنى اهـ. قال الحنفي رجح المصنف يعني ابن الجزري رواية التشديد على التخفيف ويؤيده ما ذكره النووي في الأذكار حيث قال روي المفردون بتشديد الراء وتخفيفها والمشهور الذي قاله الجمهور التشديد اهـ، وجزم بأنه اسم فاعل سواء كان من التفريد أو الإفراد ويؤيده ما في النهاية وغيرها فرد برأيه وفرد واستفرد بمعنى انفرد به اهـ، ويؤيده كلام الحنفي، وجزمه بجزم المصنف بكونه اسم فاعل على التخفيف لعله أخذ من الاستصحاب المذكور في شرح مسلم بما ذكرناه من كسر الراء مع التشديد وسكوته عنه مع التخفيف فالظاهر انسحابه وقال التوربشتي في شرح المصابيح يروى المفردون بتشديد الراد وكسرها وبالفتح والتخفيف اهـ. قال الحنفي في شرح الحصين الحصين وهذا يدل على أنه بالتشديد اسم فاعل وبالتخفيف اسم مفعول وإنما يظهر إذا كان التفريد لازماً والإفراد متعدياً ويؤيده ما وقع في التاج للبيهقي حيث قال في باب التفعيل يقال فرد الرجل إذا تفقه واعتزل الناس وخلا بمراعاة الأمر والنهي وفسر الإفراد بالمتعدي اهـ، ويجمع بأن أفرد جاء متعدياً وهو ما حكاه الحنفي عن صاحب التاج ولازماً وهو ما ذكره الباقون. قوله: (وما المفردون)

والذاكرَاتُ" قلت: روي "المفرِّدونَ" بتشديد الراء وتخفيفها، والمشهور الذي قاله الجمهور: التشديد. واعلم أن هذه الآية الكريمة مما ينبغي أن يهتم بمعرفتها صاحب هذا الكتاب. وقد اختلف في ذلك فقال الإمام أبو الحسن ـــــــــــــــــــــــــــــ أعلم أن "ما" يسأل بها عن حقيقة الشيء وعن وصفه وهو هنا من الثاني أي ما صفة المفردين حتى نتأسى بهم وقيل إنها من الأول وعبر بها دون من هم لإرادتهم تفسير اللفظ وبيان المراد منه لا تعيين المتصفين به وأشخاصهم فعدل - صلى الله عليه وسلم - في الجواب عن بيان اللفظ إلى حقيقة ما يقتضيه توقيفاً للسائل بالبيان المعنوي على المعنى إيجازاً فاكتفى فيه بالإشارة المعنوية إلى ما استبهم عليه من الكناية اللفظية قال ابن حجر في شرح المشكاة والأول وإن كان قليلاً أولى من الثاني وإن سلكه كثير لأنه أورد عليه ما أجاب عنه ذلك القائل بقوله وعبر بها دون عن إلخ وفيه تكلف اهـ، بالمعنى. قوله: (والذاكرات) قال المصنف في شرح مسلم تقديره والذاكراته فحذفت الهاء هنا كما حذفت في القرآن لمناسبة رؤوس الآي ولأنه مفعول يجوز حذفه اهـ، وحذف معمول الذاكرات مع وصفه أي والذاكرات ذكراً كثيراً اكتفاء بدلالة السياق عليه ثم في هذا الحديث إيماء إلى قوله: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35] حيث عطفهم عطف خاص أو عام على ما سبقه من قوله سبحانه: {إِنَّ المُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35] الآية وقال القرطبي في المفهم الكثرة المذكورة هنا هي المأمور بها في قوله سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)} [الأحزاب: 41] وهذا السياق يدل على أن الذكر الكثير واجب وذلك أنه لم يكتف بالأمر حتى أكده بالمصدر ولم يكتف به حتى أكده بصفته وهذا لا يكون في المندوب فظهر أنه ذكر كثير واجب ولا يقول أحد بوجوب الذكر باللسان دائماً وعلى كل حال كما هو ظاهر هذا الأمر فتعين أن يكون ذكر

الواحدي: قال ابن عباس رضي الله عنه: ـــــــــــــــــــــــــــــ القلب كما قاله مجاهد ولم يقل هو ولا غيره فيما علمنا بوجوب الذكر باللسان على الدوام فلزم أنه ذكر القلب وإذا ثبت فذكر القلب لله تعالى إما على جهة الإيمان به والتصديق بوجوده وصفاته وصفات كماله وأسمائه فهذا يجب استدامته ذكراً وحكماً في حال الغفلة لأنه لا ينفك عنه إلاَّ بنقيضه وهو كفر، وأما ما ليس راجعاً إلى الإيمان وهو ذكر الله عند الأخذ في الأفعال فيجب على كل مكلف ألا يقدم على فعل حتى يعرف حكم الله فيه لإمكان أن يكون الشرع منع منه ولا ينفك المكلف عن فعل أو قول على سبيل الدوام فذكر الله واجب كذلك ولذا قال بعض السلف اذكر الله عند همك إذا هممت وحكمك إذا حكمت وقسمك إذا قسمت وما عدا هذين الذكرين لا يجب استدامته ولا كثرته والله أعلم اهـ. وما ذكر من كون الذكر اللساني لا يجب على الدوام مسلم لكن كون الحديث مثل الآية في كونه مأمورًا به فيقتضي الوجوب فيه نظر ظاهر والأقرب ما سلكناه من أنه نظير قوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35] الآية في الثناء على أرباب الكمال بالقيام بمحاسن الصفات والأفعال ولا شبهة في شرف من حاز ذلك المقام والذكر شامل للسان والجنان بسائر الأقسام وقد جعله كذلك في الحرز الثمين على أن في اقتضاء الآية وجوب الذكر ما لا يخفى فمن ثم لم يذكره مشاهير المفسرين حتى تلميذه القرطبي في تفسيره الكبير بل قال في تفسير الآية أمر الله عباده بأن يذكروه ويشكروه ويكثروا من ذلك على ما أنعم به وجعل ذلك عند جد ليسهل على العبد ويعظم الأجر فيه اهـ. والذكر بالمعنى المذكور مندوب فالظاهر أن التأكيد بالاهتمام بشأن المأمور به والحض على فعله والإكثار منه والله أعلم على أن ابن حجر اعترض في شرح المشكاة حمل الذكر الكثير في الآية على القلبي بأنه لا ثواب فيه من حيث الذكر وإن ثبت من جهة أخرى كما سبق

المراد: يذكرون الله في أدبار الصلوات، وغدواً وعشياً، وفي المضاجع، ـــــــــــــــــــــــــــــ نقله. قوله: (المراد يذكرون الله إلخ) لعله أشار إلى مواظبة ما ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - في جميع أحواله من مقاله كذا في الحرز فظاهر سياق المصنف يخالفه إذ لو كان مراد ابن عباس ذلك لاكتفى به عن افتاء ابن الصلاح الذي نقله أو أيده بكلام ابن عباس فإنه هو إذ المراد بالمأثورة فيه المأثورة عنه - صلى الله عليه وسلم - كما قيده به ابن الجزري في الحصين الحصين لكنه نقله عن العلماء وكأنه لارتضائهم له، نعم إن أريد بها أعم من ذلك ومما أثر عن صحابي وتابعي ظهر الفرق وقد قال الشيخ الإمام أبو الحسن البكري في شرح مختصر الإيضاح ويتلخص من كلام النووي أن الوارثين من الأولياء إذا خصوا ذكراً بوقت أو حال كان سنة فيه وفي مسامحة الفقهاء بذلك نظر أي فيقال في ذلك لا بأس بكذا لأن في ثبوت السنة بذلك نظراً غير أن موافقة النووي في ذلك عندي أحسن، ولم لا وهم القوم الذين ما منهم إلا من أحسن، لا سيما وللذكر من الأصول العامة، ما يقتضي عدم الحجر فيه عند من زكى الله فهامه اهـ، وسيأتي في أذكار المسافر مزيد لهذا المعنى إن شاء الله تعالى ثم رأيت ما يؤيد ما ذكرته وهو ما في فتح الإله تفسير الذكر لله كثيراً بالإتيان بالذكر الوارد في السنة في جميع الأحوال والأوقات مرادف في الحقيقة لضبطه بشغل أوقاته بالذكر لكن فيه قيد الوارد ولا بد منه اهـ، أي فهو أخص من الثاني لعموم الثاني الوارد وغيره ولو عمم أو خصص في الجانبين لكانا مترادفين وارتفع التخصيص من البين أي ولا يخالفه سياق المصنف لأن النقل عن ابن عباس إنما هو في كلام الواحدي الذي نقله المصنف بجملته غير متصرف فيه والنقل عن إفتاء ابن الصلاح من المصنف وسكت عن تأييده بكلام ابن عباس إما لما ذكر من ترادفهما بناء على التعميم أو التخصيص أو اكتفاء بفهم المخاطب. قوله: (في أدبار الصلوات) أي التي يطلب فيها ذلك

وكلما استيقظ من نومه، وكلما غدا أو راح من منزله ذكر الله تعالى. وقال مجاهد: لا يكون من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، حتى يذكر الله قائماً وقاعدًا ومضطجعاً. ـــــــــــــــــــــــــــــ من المفروضات قال الحافظ زين الدين العراقي وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - إذا صليتم فقولوا. الحديث، ما يدل على أن الشروع في الذكر يكون عقب التسليم فإن فصل يسيراً بحيث لا يعد معرضاً عن الإتيان به أو كثيراً ناسياً فالظاهر أنه لا يضر بخلاف ما إذا تعمد فإنه لا تحصل له السنة المشروعة وإن أثيب عليه من حيث الذكر ثم قال ولا يضر طول الفصل بين التسبيح ونحوه بغيره من الواردات اهـ، وسيأتي لهذا مزيد في الذكر عقيب الصلاة. قوله: (وكلما غدا) كل بالنصب فيه ظرف لقوله بعد ذكر الله، وما فيه مصدرية أي ذكر الله في كل غدو ورواح وفي مثله يكتب ما موصولة بكل وينصب ظرفاً بخلافها إذا كانت موصوفة فتفصل ويعرب كل بحسب العوامل والغدو السير أول النهار ونقيض الرواح وقد غدا يغدو غدواً كذا في النهاية. قوله: (وقال مجاهد لا يكون من الذاكرين الله كثيراً حتى يذكر الله قائماً الخ) أي لا ينساه أبدًا كما عبر به في تفسير الذكر الكثير فيما نقله عن ابن الجوزي في زاد المسير والمراد على حسب الطاقة البشرية قال في الحرز وكأنه أشار بقوله حتى يذكر الله إلخ إلى قوله تعالى في تفسير أولي الألباب ({الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 191] اهـ، واختلف في الذكر في الآية فقال علي وابن مسعود وابن عباس وقتادة أنه الذكر في الصلاة لقوله - صلى الله عليه وسلم - قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب وقال طائفة من المفسرين الذكر في الصلاة وغيرها وقيل المراد به الخوف والمعنى يخافون الله قياماً في تصرفهم وقعوداً في دعتهم وعلى جنوبهم في منامهم اهـ. كذا في زاد المسير وحكى القرطبي عن الحسن وغيره قولاً إن المراد بالذكر الصلاة نفسها ومنه يعلم إن

وقال عطاء: من صلى الصلوات الخمس بحقوقها فهو داخل في قول الله تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} هذا نقل الواحدي. وقد جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: أيْقَظَ الرَّجُلُ أهلَهُ مِنَ الليْلِ فَصَلَيَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الذكر الكثير بالتفسير المذكور إنما يكون مما في الآية على الوجه الثاني والرابع وعليه فيفارق قول عطاء بأنه خص الذكر بالصلاة الخمس فهو مناسب لقول علي وغيره وعمم مجاهد ومجاهد هو ابن جبير ويقال ابن جبير بالتصغير أبو الحجاج المكي المخزومي مولاهم مولى عبد الله بن السائب ويقال مولى السائب ابن السائب المخزومي تابعي متفق على جلالته وإمامته توفي سنة إحدى ومائة. قوله: (وقال عطاء من صلى الخمس إلخ) نقله ابن الجوزي في زاد المسير عن ابن السائب ولم يسمه قال في الحرز فكأنه نبه بالقدر الواجب على ما عداه من القرب. قوله: (وقد جاء في حديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلخ) أورد القرطبي هذا الخبر في تفسير سورة الأحزاب موقوفاً على أبي سعيد من قوله بلفظ من أيقظ أهله بالليل وصليا أربع ركعات كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات. وهو في حكم المرفوع إذ مثله لا يقال رأياً فالمسكوت عنه في كلام القرطبي رفع لفظه وقال الحافظ بعد إخراجه من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري قالا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استيقظ الرجل إلخ حديث صحيح أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان واختلف في رفعه، وقفه علي بن الأقمر الراوي له عن الأغر عن أبي سعيد وأبي هريرة فرفعه عنه الأعمش وتابعه عليه اليماني أخرجه أبو يعلى من طريقه وخالفهما سفيان الثوري فوقفه ثم أخرجه من حديث سفيان الثوري عن علي بن الأقمر عن الأغر عن أبي سعيد قال إذا أيقظ امرأته فصليا ركعتين كنبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات

-أو صَلَّى- رَكعَتينِ جَمِيعاً كُتِبَا في الذاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً والذّاكِرَاتِ" هذا حديث مشهور ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أخرجه أبو داود والحاكم قال أبو داود رواه عبد الرحمن ابن مهدي عن سفيان وأراه ذكر فيه أبا هريرة وحديث سفيان موقوف وقال الحاكم رفعه عيسى الرازي عن سفيان اهـ. قوله: (أو صلى) شك من الراوي قال ابن حجر في شرح المشكاة وعليه فيحمل على أن المراد صلى منهما فساوى الرواية الأولى لكن يأباه قوله في حديث النسائي فصليا جميعاً وفي رواية ابن ماجة فصليا ركعتين إلخ من غير شك ولعل هذا الشك عند من عداه ممن ذكر من الرواة. قوله: (كتب) بالإفراد كذا في أصل مصحح وفي المشكاة كتبا بألف التثنية وهو كذلك في أصل صحيح معتمد من سنن ابن ماجة. قوله: (في الذاكرين الله إلخ) أي في جملتهم إذ الصلاة تسمى ذكراً لاشتمالها عليه وفيه بشرى عظيمة إذ هذا الوصف الممدوح فاعله بقوله تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب: 35] ويحصل أدناه مع اقتضائه الدوام والاستمرار بصلاة ركعتين بعد النوم من الليل. قوله: (مشهور) المشهور قال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر وغيره ما له طرقا محصورة بأكثر من اثنين ولم يبلغ حد التواتر سمي بذلك لوضوحه وسماه جماعة من الفقهاء المستفيض لانتشاره من فاض الماء يفيض فيضًا ومنهم من غاير بينهما بأن المستفيض يكون في ابتدائه وانتهائه سواء والمشهور أعم ومنهم من عكس اهـ، ثم هو صحيح وغيره، ومشهور بين أهل الحديث خاصة وبينهم وبين غيرهم من العلماء والعامة وقد يطلق المشهور ويراد به ما اشتهر على الألسنة وإن كان ليس له إلا إسناد واحد بل يطلق على ما لا يوجد له إسناد أصلاً وقد صنف في هذا القسم الزركشي الدرر المنثورة ولخصه الحافظ السيوطي في الدرر المنثرة والسخاوي في المقاصد الحسنة وقال الحافظ مراد الشيخ بقوله حديث مشهور شهرته على الألسنة، لا أنه مشهور

رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة في سننهم. ـــــــــــــــــــــــــــــ بالمعنى الاصطلاحي إذ هو من إفراد علي بن الأقمر عن الأغر. قوله: (رواه أبو داود إلخ) ورواه ابن ماجة من حديثه وحديث أبي هريرة وكذا أخرجه من حديثهما أبو داود والنسائي كما في المشكاة قال الحافظ رواه أبو داود ومن ذكر كما قال لكنهم ذكروا أبا هريرة مع أبي سعيد فما أدري لم حذفه فإنهما عند جميع من أخرجه مرفوعاً، وأما من أفرد أبا سعيد فإنه أخرجه موقوفاً كما تقدم بيانه مبسوطاً قال المنذري في الترغيب بعد إيراده باللفظ الذي أورده المصنف لكن رواه عن أبي سعيد وأبي هريرة معاً أبو داود وقال رواه ابن كثير موقوفاً على أبي سعيد ولم يذكر أبا هريرة ورواه النسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم وألفاظهم متقاربة من استيقظ من الليل وأيقظ أهله فصليا ركعتين زاد النسائي جميعاً كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين اهـ. "وابن ماجة" هو أبو عبد الله محمد بن يزيد الحافظ القزويني بفتح القاف وسكون الزاي المعجمة وكسر الواو وسكون التحتية ثم نون نسبة لقزوين أشهر مدن عراق العجم قال العراقي الربعي مولاهم وماجة بتخفيف الميم لقب يزيد بن يزيد والدابي عبد الله قال السيوطي في مصباح الزجاجة كذا. رأيته بخط أبي الحسن بن القطان وهبة الله بن زاحان وقد يقال محمد بن يزيد بن ماجة والأول أثبت ولذا قال المصنف في باب تحريم قتل الكافر بعد قول لا إله إلاَّ الله من باب الإيمان من شرحه لمسلم محمد بن يزيد بن ماجة ومحمد بن علي ابن الحنفية وإسماعيل بن إبراهيم ابن علية والمقداد بن عمرو بن الأسود كل هؤلاء ليس الأب فيهم ابناً لمن بعده فيتعين أن يكتب يعني من هو في محل الجد صورة ابن بالألف وأن يعرب إعراب الابن المذكور أولاً فالحنفية زوجة علي أي وماجة لقب يزيد وهذا من المواضع التي تتوقف صحة الإعراب فيها على معرفة التاريخ اهـ، وهو إمام من أئمة المسلمين كبير متقن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مقبول بالاتفاق صنف التفسير والتاريخ والسنن وتقرن سننه بالكتب الخمسة وأول من قرنه بها الحافظ أبو الفضل بن طاهر وتبعه عليه من بعده فصار أحد الكتب الستة وكان أحدها قبل الموطأ ضمه إليها ابن الأثير في جامع الأصول ورزين فأبدل ابن طاهر من الموطأ سنن ابن ماجة وجعله أحد الكتب الستة وجرى عليه أصحاب الأطراف وأسماء الرجال وعبارة الذهبي وابن خلكان وكتابه أي ابن ماجة أحد الكتب زاد أولهما التي هي أصول الحديث وأمهاته ولا ينافيه قول المصنف إنه لا يلتحق بالأصول الخمسة في الاحتجاج فإنا لا نخالف في كون رتبتها أعلى من رتبته وقدموه على غيره ممن سبقه لكثرة زوائده المرفوعة على الخمسة وجرى على إبقاء الأصول خمسة غير ضام إليها غيرها جمع منهم المصنف فقال كما تقدم عنه وهي خمسة وكذا الشافعي في آخرين واختلف في عدد أحاديثه التي تكلم فيها فعن أبي زرعة لما وقف عليه عند عرضه له عليه ليس فيه إلا نحو سبعة أحاديث وعن ابن ماجة نفسه عن أبي زرعة قال لعله لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثاً وحمل الذهبي ذلك على الساقط مرة وإلا فضعيفه أكثر من ذلك قال وفيه أحاديث ضعيفة جداً حتى بلغني أن الحافظ المزي كان يقول مهما انفرد تخريجه فهو ضعيف غالباً وليس الأمر في ذلك على إطلاقه باستقرائي وفي الجملة ففيه أحاديث كثيرة منكرة وحمل الشمس محمد بن الحسين كلام المزي على ما انفرد به عن الخمسة اهـ. وقال الحافظ وهو ظاهر كلام شيخه لكن حمله على الرجال أولى وحمله على الأحاديث لا يصح لوجود الصحاح والحسان فيما انفرد به عن الخمسة اهـ. ولعمري إن من نظر في هذا الكتاب علم منزلة الرجل من حسن الترتيب وغزارة الأبواب وقلة الأحاديث يعني الزائدة على القصد بالتبويب وترك التكرار إلاَّ نادراً جداً والمقاطيع والمراسيل والموقوف ونحوه والله أعلم، ولد ابن ماجة سنة تسع ومائتين ورحل إلى البلدان وسمع بمكة والمدينة ومصر والشام والعراق والري ونيسابور والبصرة ومن حفاظ شيوخه أبو زرعة الرازي الذي كان إليه المنتهى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في الحفظ حتى قال فيه أحمد أنه يحفظ ستمائة ألف حديث وقال الحافظ أنه أحفظ أهل زمانه والذهلي وسلمة بن شبيب وآخرون وشارك الشيخين في جماعة من الحفاظ منهم بندار وأبو كريب ومحمد بن المثنى وآخرون روى عنه ابن سمويه محمد بن عيسى الصفار وآخرون قال الرافعي في تاريخه والمشهور برواية السنن عنه علي بن إبراهيم القطان وسليمان ابن يزيد القزوينيان وأبو جعفر محمد بن عيسى المطوفي وأبو بكر حامد بن لينويه الابهريان وزاد الحافظ ابن حجر وسعدون وإبراهيم بن دينار وأثنى عليه الأئمة بالحفظ والإتقان وكمال المعرفة بهذا الشأن فقال الخليلي أنه ثقة كبير متفق عليه محتج به له معرفة بالحديث والحفظ وقال الرافعي في أماليه كان من أئمة الحديث المعتبرين الموثوق بقولهم وكتابهم وقال الذهبي في تاريخ الإسلام وتبعه ابن الصلاح كان محدث قزوين غير مدافع وقال الذهبي كان حافظاً صدوقاً ثقة في نفسه وقال ابن خلكان مما تبعه فيه اليافعي في تاريخه كان إمامًا في الحديث عارفاً بعلومه وجميع ما يتعلق به وقال الكمال الدميري في مقدمة الديباجة الشيخ الإمام الحافظ العلامة المفسر المتقين الحجة ذو الرحلة الواسعة والعلوم النافعة في آخرين قال السخاوي ولم أو أحداً ذكره في طبقات الشافعية وفي قصيد أبي الحسن الهمداني ما لعله يشعر بذلك وما أظن الإمام الرافعي يغفل من تدوينه الذي لم يتيسر لي بمكة الوقوف عليه ما يستفاد الغرض منه وإن كان الميل في غالب أئمة الحديث لعدم التقليد والله المستعان قال ابن طاهر وجدت بخط صاحبه جعفر بن إدريس أنه مات يعني بقزوين يوم الاثنين ودفن يوم الثلاثاء لثمان بقين من شهر رمضان سنة ثلاث وسبعين وتولى دفنه أبو بكر وأبو عبد الله أخواه وعبد الله ولده قال السخاوي وما وقع في بعض النسخ التي رأيتها من مرآة الزمان من كون عام وفاته سنة أربع وسبعين فغلط وكذا ما وقع لغيره أنه سنة خمس فكونه سنة ثلاث لم يحك الجمهور غيره

وسئل الشيخ الإمام أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله عن القدر الذي يصير به من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، فقال: إذا واظب على الأذكار المأثورة المثبتة صباحاً ومساءً في الأوقات والأحوال المختلفة ليلًا نهاراً -وهي ـــــــــــــــــــــــــــــ ولكن قول الحافظ الذهبي في تاريخه أنه أصح يقتضي وجود المخالفة والله أعلم. قوله: (وسئل الشيخ) في القاموس الشيخ والشيخون من استبانت فيه السن أو من خمسين أو إحدى وخمسين إلى آخر عمره أو إلى الثمانين اهـ، وفيه أقوال أخر ذكرتها مع بيان جموعه في حاشيتي على شرح الشيخ خالد الأزهري على الآجرومية ويطلق الشيخ كما في الصحاح على من لم يبلغ هذا السن للتبجيل يقال شيخت الرجل أي وصفته به تبجيلا. قوله: (أبو عمرو) بالواو بعد الراء فرقا بينه وبين عمر ولذا حذفت منه في النصب لحصول التمييز بالألف وقضية العلة أن من يقف بالسكون ولا يثبت الألف يثبتها في النص لحصول الالتباس. قوله: (ابن الصلاح) بصاد مهملة مشددة ولام مخففة مفتوحتين ثم حاء مهملة اختصار من لقب أبيه إذ هو حافظ العصر تقي الدين أبو عمرو عثمان ابن الإمام الزاهد العابد صلاح الدين عبد الرحمن الشهرزوري ثم الدمشقي الشافعي ولد سنة سجع وسبعين وخمسمائة وتوفي بدمشق في ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وستمائة قال ابن خلكان بلغني أنه درس جميع المذهب قبل أن يطلع شاربه اهـ، وكان أحد فضلاء عصره تفسيراً وحديثاً وفقهاً وأسماء رجال ومتعلق علم الحديث. له مشاركة في فنون كثيرة مع عبادة وورع وتعبد وملازمة للخير على طريق السلف له التآليف العديدة المفيدة. قوله: (المأثورة) بالمثلثة أي مما أثر من الذكر عن الشارع - صلى الله عليه وسلم - وتقدم عند التعارض الأصح إسناداً أي أو نزل منزلته كالآتي عن الصحابة فإنه نزل منزلة ما جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - في أذكار الطواف ففضل الاشتغال به فيه على الاشتغال بالقرآن فيه وكما تقدم إن صنيع المصنف يقتضي أن ما جاء

فصل

مبينة في كتاب عمل اليوم والليلة- كان من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، والله أعلم. فصل: أجمع العلماء على جواز الذكْر بالقلب واللسان للمحْدِث والجنب والحائض والنفساء، وذلك في التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والدعاء وغير ذلك، ـــــــــــــــــــــــــــــ من الوارد من الذكر في مكان يسن الإتيان به وسبق ما فيه. قوله: (مثبتة في كتاب عمل اليوم والليلة) الظاهر أن المراد من الإضافة العموم أي مثبتة في عمل اليوم والليلة أي في الكتب المصنفة في ذلك ويحتمل إن يراد به كتاب معهود وهو بعيد والمراد ما يعمل فيهما من الأعمال الشامل للأقوال والأفعال وما أحسن ما أنشده الشيخ العلامة أبو البركات السبكي من. قوله: الليل يعمل والنهار كلاهما ... يا ذا البصيرة فيك فاعمل فيهما وهما جميعاً يغنيانك فاجتهد ... بصنائع المعروف أن تغنيهما وهو عقد لقول إمامنا الأعظم الشافعي رضي الله عنه الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك، ومثبتة يصح قراءته بالمثلثة فالموحدة مخففة أو مشددة فالمثناة الفوقية اسم مفعول من أثبت أو ثبت ويصح قراءته بالموحدة فالتحتية المشددة فالنون إلا أن يصح فيه ضبط عن المصنف فيرجع إليه. فصل قوله: (على جواز الذكر إلخ) المراد من جوازه باللسان والقلب بالنسبة للمحدث حال الحدث عدم الامتناع والحرمة لكراهته حينئذٍ بل يكره سائر الكلام بلا عذر وبالنسبة إليه بعد انقضائه الإباحة خارج محل قضاء الحاجة ويكره فيه ولو بعد انقضائه ويكره الأذان والإقامة للمحدث وكراهتها أشد من كراهته لقربها من الصلاة، وكراهتها من ذي الحدث الأكبر كالحيض والمتوسط أشد

ولكن قراءة القرآن حرام على الجنب والحائض والنفساء، سواء قرأ قليلًا أو كثيراً، حتى بعض آية، ـــــــــــــــــــــــــــــ منها من ذي الحدث الأصغر لغلظ الحدث. قوله: (ولكن قراءة القرآن حرام على الجنب والحائض والنفساء) وكذا على ذات الولادة وكأنه سكت عنه لملازمة النفاس له غالباً فاكتفى بذكره عنه أي يحرم على من ذكر قراءته باللفظ بحيث يسمع نفسه إن اعتدل سمعه ولا عارض يمنعه من لغط ونحوه وإشارة أخرس وتحريك لسانه كقراءة الناطق باللفظ وهل تحرم قراءة على الصبي الجنب بناه في التحفة على الخلاف في إباحة مسه وحمله المصحف لحاجة التعلم أي والأصح جواز ذلك فكذا هو ومن بحث حرمته عليه نبني على حرمة المس على الصبي الجنب وقد علمت ضعفه وقد كنت بحثت عن ذلك قبل الوقوف عليه وظهر لي الجواز واستدللت له بأنه لو حرمت عليه القراءة حينئذٍ لم يكن في جواز حمله ومسه القرآن فائدة وكأنهم سكتوا عنه لفهمه مما ذكروه لأنه إذا أبيح له المس الذي هو آكد منها لحرمته على ذي الحدث الأصغر بخلافها فإباحتها إن لم تكن بالأولى فبالمساوى ثم رأيته كذلك في التحفة فلله الحمد والمنة وإنما حرم للحديث الحسن لا يقرأ الجنب والحائض شيئاً من القرآن، ويقرأ بكسر الهمزة نهى وبضمها خبر بمعناه ثم حسن الخبر المذكور لغيره وإلا فهو ضعيف في ذاته لكن له متابعات جبرت ضعفه، وممن حسنه المنذري وسيأتي أن الجنب وما في معناه إذا كان فاقد الطهورين تجوز بل تجب عليه قراءة الفاتحة في الصلاة لتوقف صحتها عليه ثم في شرح العمدة للفاكهاني أن مشهور مذهب مالك جوازها للحائض اهـ، ثم تحريم ما ذكر على المسلم أما الكافر كذلك فلا يمنع من القراءة إن رجى إسلامه ولم يكن معانداً وإنما منع من المصحف لأن حرمته آكد كما سبق من تحريم مسه وحمله على ذي الحدث الأصغر وجواز القراءة له. قوله: (حتى بعض آية) أي أو حرفاً منه كما في التحفة قال ابن قاسم

ويجوز لهم إجراء القرآن على القلب من غير لفظ، وكذلك النظر في المصحف، وإمراره على القلب. قال أصحابنا: ويجوز للجنب والحائض أن يقولا عند المصيبة: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} ـــــــــــــــــــــــــــــ وظاهره ولو بقصد ألا يزيد عليه وهو الظاهر اهـ. قال في الإمداد ولا ينافيه قول ابن عبد السلام لا ثواب في قراءة جزء حمله لأن نطقه بحرف بقصد القراءة شروع في المعصية فالتحريم لذلك لا لكونه يسمى قارئاً اهـ، وبه يعلم أنه لا بد من تقييد حرمة نحو الحرف عليه بقصد القراءة وكان السكوت عنه للعلم به من محله. قوله: (ويجوز لهم إجراء القرآن على القلب إلخ) وكذا يجوز الهمس به من غير إسماع نفسه مع اعتدال السمع والسلامة من مانعه لأنها ليست بقراءة فلا يشملها النهي وقياس الزركشي له على ما لو حلف لا يكلم زيداً فكلمه بحيث لا يسمع نفسه مدخول. قوله: (وكذا النظر في المصحف وإمراره) أي يجوز إجراء القرآن على القلب بانفراده وبانضمام النظر في المصحف إليه حيث خلا عن القراءة فالواو للمعية لبيان جواز الهيئة الاجتماعية. قوله: (ويجوز للجنب والحائض) وفي معناهما النفساء وذات الولادة واكتفى عن الأولى بالحيض إذا النفاس دم حيض مجتمع وعن الثانية بالجنابة إذ الولد مني منعقد ومن ثم أوجب الغسل وإن خلا عن البلل بالمرة. قوله: (إنا لله وإنا إليه راجعون) أي فلا يجزع لأن المتصرف وهو الله تصرف في ملكه والكل راجع إليه {أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)} [الشورى: 53] ومن شهد ذلك سلم من الجزع بل فاز بالرضا وصار من جمله أرباب الارتضا وما أحسن قول من قال: يا أيها الراضي بأحكامنا ... لا بد أن تحمد عقبى الرضا فوض إلينا وابق مستسلما ... فالراحة العظمى لمن فوضا لا ينعم المرء بمحبوبه ... حتى يرى الراحة فيما قضى

وعند ركوب الدابة: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} وعند الدعاء: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، إذا لم يقصدا به القرآن، ولهما أن يقولا: بسم الله والحمد لله، إذا لم يقصدا القرآن، سواء قصدا الذكر ـــــــــــــــــــــــــــــ وسيأتي في باب التعزية مزيد كلام في هذا المقام. قوله: (وعند) ركوب الدابة أي عند أخذه في الركوب وينبغي إذا فاته الذكر أوله يأتي به أثناءه نظير ما في الوضوء ثم ظاهر التقييد بالدابة أنه لا يقوله عند ركوبه لآدمي ولعل وجهه أن من شأن الدواب الإباء لولا التسخير بخلاف الآدمي ويحتمل أنه يقوله والقيد لكونه جرياً على الغالب من كون الدابة محل الركوب لا مفهوم له وهذا الثاني كما قال بعض المتأخرين غير بعيد ولا نسلم ما ذكر فإن من شأن الآدمي الإباء عن مثل هذا أيضاً فكان في تسخيره نعمة أي نعمة وتعميمه الدابة يقتضي استحباب الذكر عند ركوب الدابة ولو مغصوبة قال ابن حجر وهو الأظهر وهل يقول الذكر عند حمله عليها المتاع أولا ظاهر كلامه الثاني وسيأتي لهذا مزيد في باب أذكار المسافر. قوله: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 13] إلخ، مقرنين أي مطيقين ويضم إليها الآية الأخرى {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف: 14] أي مبعوثون وناسب ما قبله لأن الركوب قد يتولد منه الموت بنحو تعثر الدابة فكان من حقه وقد اتصل بسبب من أسباب التلف أن لا ينسى موته وأنه هالك لا محالة منقلب إلى الله ليحمله ذلك على الاستعداد للقاء بإصلاح حاله قبل أن تنفلت نفسه بغتة. قوله: (أقصدا الذكر) الهمزة فيه للاستفهام أي سواء أقصد الذكر أي وحده أما إذا قصده والقرآن فيحرم، وتسوية المصنف بين الإذكار والدعوات والمواعظ وغيرها كما في المجموع وأشار هنا إلى بعضه صريحة أنه لا فرق في حل ذلك لمن ذكر عند عدم قصد القرآن بين ما يختص نظمه بالقرآن

أو لم يكن لهما قصد، ولا يأثمان إلا إذا قصدا القرآن، ويجوز لهما قراءة ما نسخت تلاوته كـ "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما". وأما إذا قالا لإنسان: خذ الكتاب بقوة، أو قالا: ادخلوها بسلام آمنين، ونحو ذلك، فإن قصدا غير القرآن لم يحرم، وإذا لم يجدا الماء تيمماً وجاز لهما القراءة، فإن أحدث بعد ذلك لم تحرم عليه القراءة كما لو اغتسل ثم أحدث، ثم ـــــــــــــــــــــــــــــ كالإخلاص وغيره وذهب جمع إلى تحريم ما لا يوجد نظمه في غير القرآن، قال ابن حجر وهو متجه مدركاً لكن تسوية المصنف بين الذكر وغيره صريحة في جواز كله بلا قصد قراءة واعتمده غير واحد اهـ. قوله: (أو لم يكن لهما قصد) قال في التحفة لأن القرآن أي عند وجود قرينة تقتضي صرفه عن موضوعه كالجباية لا يكون قرآناً إلاَّ بالقصد اهـ، أي فلا ينافي ما سبق من أن هذا اللفظ لا يكون إلاَّ عبادة فيحصل ثوابه وإن لم ينو القراءة لأن ذلك عند عدم الصارف وما هنا مع وجوده. قوله: (إلاّ إذا قصدا القرآن) أي ولو مع قصد الذكر كما تقدم. قوله: (ويجوز لهما قراءة ما نسخت تلاوته) أي سواء نسخ حكمه أيضاً كحديث عائشة كانت الرضعات المحرمات في كتاب الله عشراً فنسخت بخمس فنسخ حكمها ولفظها، أم بقي الحكم كقوله تعالى: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) إذ هي في المحصن وحكم المدلول عليه بها وهو الرجم باقٍ لم ينسخ وإن نسخ لفظها، أما ما لم ينسخ لفظه فيحرم مسه على ذي الحدث الأصغر وقراءته على الجنب سواء نسخ حكمه كقوله تعالى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: 240] فإنه منسوخ بتربص أربعة أشهر وعشر، أم لا، ومثل منسوخ التلاوة في إباحته للجنب الحديث القدسي ونحو التوراة. قوله: (فإن أحدث بعد ذلك لم تحرم عليه القراءة إلخ) وكذا الجلوس في المسجد فيحل له ذلك كما يحل لذي الحدث

لا فرق بين أن يكون تيممه لعدم الماء في الحضر أو في السفر، فله أن يقرأ القرآن بعده وإن أحدث. وقال بعض أصحابنا: إن كان في الحضر صلى به وقرأ به في الصلاة، ولا يجوز أن يقرأ خارج الصلاة، والصحيح جوازه كما قدمناه، لأن تيممه قام مقام الغسل. ولو تيمم الجنب ثم رأى ماءً يلزمه استعماله فإنه يحرم عليه القراءة وجميع ما يحرم على الجنب حتى يغتسل، ولو تيمم وصلى وقرأ ثم أراد التيمم لحدث أو لفريضة أخرى أو لغير ذلك، لم تحرم عليه القراءة. هذا هو المذهب الصحيح المختار، وفيه وجه لبعض أصحابنا أنه يحرم، وهو ضعيف. أما إذا لم يجد الجنب ماءً ولا تراباً فإنه يصلي لحرمة الوقت على حسب حاله، وتحرم عليه القراءة خارج الصلاة، ويحرم ـــــــــــــــــــــــــــــ الأصغر قال المصنف ولا يعرف جنب تباح له القراءة والمكث في المسجد دون نحو الصلاة ومس المصحف غيره وفي التبيان له وهذا مما يسأل عنه فيقال حدث بمنع الصلاة ولا يمنع قراءة القرآن والجلوس في المسجد من غير ضرورة وهذا صورته اهـ. قوله: (ثم رأى ماء يلزمه استعماله) أي لفقد المانع الحسين والشرعي من استعماله. قوله: (فإنه يحرم عليه القراءة) أي وما في معناها من الجلوس في المسجد لبطلان تيممه الذي استباح به مما ذكر. قوله: (وصلى) أي فرضاً وإنما لم تحرم القراءة حينئذٍ لبقاء طهره ولذا يتنفل به وإذا جازت مع صلاة الفرض فمع النفل أولى نعم إن كانت القراءة منذورة وقد صلى بتيممه فرضاً امتنعت بناء على أنه يسلك بالنذر مسلك واجب الشرع لئلا يؤدي فرضان بتيمم واحد وقد صرح جمع بتحريم الجمع بين خطبة الجمعة وصلاتها بتيمم واحد مع أن خطبتها فرض كفاية والممنوع الجمع به بين فرضي عين لكن لما جرى قول إنها بمثابة ركعتين ألحقت بالفرض العيني وإن لم يستبح

فصل

عليه أن يقرأ في الصلاة ما زاد على الفاتحة. وهل تحرم الفاتحة؟ فيه وجهان. أصحهما: لا تحرم بل تجب، فإن الصلاة لا تصح إلا بها، وكما جازت الصلاة للضرورة تجوز القراءة، والثاني: تحرم بل يأتي بالأذكار التي يأتي بها من لا يحسن شيئاً من القرآن. وهذه فروع رأيت إثباتها هنا لتعلقها بما ذكرته فذكرتها مختصرة، وإلا فلها تتمات وأدلة مستوفاة في كتب الفقه، والله أعلم. فصل: ينبغي أن يكون الذاكر على أكمل الصفات، فإن كان جالساً في موضع ـــــــــــــــــــــــــــــ صلاة الجمعة بنية استباحتها نظراً لكونها فرض كفاية والحاصل أن لها شبهاً متأصلاً بالعيني فروعي فيه منع جمعها مع عيني آخر بتيمم واحد كما روعي كونها فرض كفاية فيما ذكر احتياطاً فيهما. قوله: (لآن الصلاة لا تصح إلاّ بها) فوجبت قراءتها للضرورة لتوقف الصحة عليها قال في الإمداد ومنه يؤخذ أن مثلها في ذلك قراءة آية الخطبة وقراءة سورة منذورة إن نذرها في وقت يفقد الطهورين فيه وهو قريب ويحتمل خلافه في الثانية لأن النذر قد يسلك به مسلك جائز الشرع اهـ. فصل قوله: (فإن كان جالساً إلخ) في فروع الفقيه محمد بن أبي بكر الأشجعي اليمني أفضل الجلسات التورك وهو جلوس التشهد الأخير لأنه جلوس فرض ثم الافتراش لأنه مطلوب في الصلاة اهـ. وقال في الحرز أفضل أحواله إما على ركبتيه أم بصفة التربيع بحسب اختلاف المشايخ اهـ، ومختار أشياخنا الأول لأنه أكمل في الأدب وأقرب إلى حضور القلب ولا ينافيه ما تقل القاضي عياض في شرح صحيح مسلم إن أكثر جلوسه - صلى الله عليه وسلم - الاحتباء أي فيقتضي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إكثاره من ذلك أفضليته على سواه لما قال عمي وشيخي الشيخ الأوحد "أحمد بن إبراهيم بن علان" الصديقي سلمه الله تعالى إن القوم إنما فضلوا ما سبق لأنه أقرب إلى الحضور ففضلوه لذلك والنبي - صلى الله عليه وسلم - لا تطرقه الغفلة في آن حتى يتوصل بالجلسة أو نحوها إلى ذلك الشأن وهو جواب حسن في غاية الإحسان، وفي بهجة المحافل للعامري وأقرب الجلسات إلى التواضع جلسة الجاثي على ركبتيه كهيئة المتشهد وفي حديث جبريل حين سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أسند ركبتيه إلى ركبتيه أي كالمتشهد، وفيها أي البهجة: الإنصاف جواز استعمال الجلسات الواردة عنه - صلى الله عليه وسلم - لا يكره جلسة من الجلسات في حال من الأحوال فقد ورد أنه جلس غالبها إلاّ ما دل عليه الدليل ويغلب ما كان غالب أحواله، وكره قوم الاحتباء في مجالس الحديث والعلم وحال الأذان ومنهم الصوفية في حال السماع ولا أعلم له دليلاً من النقل ولا مقبحاً من العقل وكره جمع منهم الاحتباء يوم الجمعة والإمام يخطب للنهي عنه في حديث الترمذي وأبي داود، وقال الخطابي وإنما نهى عنه في ذلك الوقت لأنه يجلب النوم ويعرض الطهارة للانتقاض فيفوت استماع الخطبة ويخاف انتقاض الوضوء ففسر النهي بذلك، وقد تتبعت الكلام عليه فلم أجد للنهي فائدة سوى ذلك وهو اللائق الموافق فلم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يلازم ما يكره أو يقبح أو ما هو خلاف الأولى أو الأدب وكأن مدار من كرهها على الاستحسان العرفي الذي يختلف الأمر فيه باختلاف البلدان والأزمان ولا يعول عليه، وعن أبي سعيد الخدري كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس في المجلس احتبى بيديه وكذلك كان أكثر جلوسه فربما احتبى بيديه وربما احتبى بثوبه وبه يندفع ما قيل إن فعله - صلى الله عليه وسلم - لبيان الجواز اهـ، وأما عدول الصوفية عنه فتقدم أن مرادهم ومراميهم ما يعين على حضور القلب والإقبال على الرب وملازمة الأدب وتلك الجلسة لذلك أقرب فقدموها مع جواز غيرها، وفي البهجة للعامري في صفة جلوسه - صلى الله

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم - فذكر حديث سعد السابق ثم حديث قيلة بنت مخرمة رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قاعد القرفصاء الحديث وحديث جابر بن سمرة أنه - صلى الله عليه وسلم - تربع قال أهل اللغة الحبوة بضم الحاء وكسرها وقد تبدل الواو ياء هو أن يعقد على مجموع ظهره وركبتيه ثوبًا وربما احتبى - صلى الله عليه وسلم - بيديه والقرفصاء بضم القاف والفاء مع المد وبكسرهما مع القصر وفسرها البخاري بالاحتباء باليد والتربع إن يخالف قدميه بين يديه ويجلس على وركه متوطئاً "قلت" وقال التلمساني في شرح الشفاء القرفصاء أن يجلس ملصقاً فخذيه ببطنه ويجمع يديه على ركبتيه والتربع أن يجمع قدميه ويضع إحداهما تحت الأخرى اهـ. وقال ابن الجوزي في كتاب مناقب الإمام أحمد بن حنبل -وقد نقل عن محمد بن إبراهيم البوسنجي أنه ما رأى أحمد جالساً إلاَّ القرفصاء إلاّ أن يكون في صلاة- ما لفظه: هي الجلسة التي تحكيها قيلة في حديثها أني رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - جالساً جلسة المتخشع في صلاته القرفصاء وهي أولى الجلسات بالخشوع والقرفصاء جلوس الرجل على أليتيه رافعاً ركبتيه إلى صدره مفضياً بأخمص قدميه إلى الأرض وربما احتبس بيده ولا جلسه أخشع منها اهـ. قال العامري فكان - صلى الله عليه وسلم - ربما استند إلى جدار أو سارية وربما اتكأ على إحدى جانبيه ودل مجموع هذه الأحاديث على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يجلس كيفما اتفق وإن أكثر جلوسه الاحتباء فدل على أنه من أمثل الجلسات المختارة في الوحدة والجماعات وكذا اختارها أصحابه عند حديثهم عنه اهـ، ومن الجلسات الإقعاء وهو قسمان مكروه في الصلاة وهو الجلوس على وركيه ناصباً ركبتيه زاد أبو عبيدة مع وضع يديه بالأرض قيل ولعله شرط تسميته إقعاء لغة لا شرعاً ومستحب في الجلوس للأكل وكره فيها لما فيه من التشبه بالكلاب والقردة كما في رواية

استقبل القبلة وجلس متذللاً متخشعاً بسكينة ووقار ـــــــــــــــــــــــــــــ لا في الأكل لما فيه من التشبه بالإرقاء ففيه غاية التواضع وقضية الفرق عدم كراهته خارج الصلاة لأنه أقرب للتواضع ومسنون في الجلوس بين السجدتين لأنه صح عنه - صلى الله عليه وسلم - فعله فيه وإن كان الافتراش فيه أفضل منه وهو أن ينصب ساقيه ويجلس على عقبيه أي بأن يضع أطراف أصابع قدميه وركبتيه على الأرض ويضع أليتيه على عقبيه وقيل أن يجعل ظهر قدميه على الأرض ويجلس على كعبيه والاستيفاز الجلوس على هيئته مريدًا للقيام قال التلمساني يقال اقعنفز وقعفز يكون جالساً كأنه يريد أن يتورى للقيام وهو الاستيفاز وهو جلوس المشتمل اهـ. قوله: (استقبل القبلة) لأنها أفضل الجهات وفي الخبر خير المجالس ما استقبل به القبلة قال في الحرز ولا شبهة أن المراد بالمجالس الأمكنة اهـ، وكما يندب الاستقبال في حال الذكر للجالس فكذا يندب لغيره من قائم ومضطجع ومستلق وكأن التقييد بالجلوس جرى على الغالب من أحوال الذاكر وأما قوله "في موضع" فلمجرد التأكيد. قوله: (متخشعاً) أي ذا خشوع في الباطن ولو بتكلفه كما يومئ إليه صيغة التفعل فمن جاهد شاهد والخشوع والتخشع والاختشاع التذلل كذا في المطلع للبعلي وعليه فيكون قوله متذللاً حال مؤكدة ويمكن جعلها مؤسسة بأن يراد بقوله متخشعاً في الباطن وبقوله متذللاً أي ذا خضوع في الظاهر وعليه جرى في الحرز في شرح عبارة الحصين وهي عبارة هذا الكتاب وقيل الخشوع في الجوارح والخضوع في القلب وسيأتي لهذا مزيد في صلاة الاستسقاء. قوله: (بسكينة ووقار) قيل هو من عطف الرديف عطف على رديفه تأكيداً وقيل

مطرقاً رأسه، ولو ذكر على غير هذه الأحوال جاز ولا كراهة في حقه، لكن إن كان بغير عذر كان تاركاً للأفضل، ـــــــــــــــــــــــــــــ بل من عطف المغاير فالسكينة في الحركات واجتناب العبث ونحوه والوقار في الهيبة وغض البصر وخفض الصوت والإقبال على طريقه بغير التفات ونحوه. قوله: (مطرقاً رأسه) أي إظهاراً لعظيم الذلة ومزيد الافتقار ولخجل ما اقتحمه من الذنوب والأوزار على أنه أجمع للقلب وأمنع من الاشتغال بالأغيار ولذا فضل نظر المصلي إلى محل سجوده صوناً لنظره عما يلهي القلب أو يحصل به نوع حجب. قوله: (ولا كراهة في حقه) لكن هو لغير عذر خلاف الأفضل وإن كان من الفضل بمحل قال في المجموع إجماع المسلمين على جواز قراءة القرآن للمحدث والأفضل أن يتطهر لها قال إمام الحرمين والغزالي في البسيط ولا نقول قراءة المحدث مكروهة وقد صح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ مع الحدث اهـ، ومن ثم سن الذكر للإنسان وإن كان محدثاً ففي صحيح مسلم كان - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله على كل أحيانه ولا يعارضه خبر كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله على كل أحيانه إلاَّ الجنابة وخبر كرهت أن أذكر الله إلاَّ على طهر أو قال طهارة لإمكان حملهما وحمل ما في معناهما على بيان الحال الأفضل وحمل الأول على التشريع وجواز ذلك بل طلبه "والحاصل" إن الذكر في ذاته مطلوب ويطلب له الآداب السابقة ولا يلزم من فقدها زوال طلبه وبيان إن الجنب كغيره في الإذكار قول الفقهاء يستحب للآكل ونحوه أن يسمي الله تعالى ولم يفصلوا بين الجنب وغيره واستحبوا إجابة المؤذن لمن سمعه قالوا ولو حائضاً ونفساءً خلافاً للسبكي أو يحمل على ما إذا لم تتيسر الطهارة والأخيران على ما إذا تيسرت كذا قيل وفيه بعد لاقتضائه عدم استحباب الذكر للمحدث عند تيسر الطهر والظاهر خلافه، وفي شعب الإيمان للبيهقي عن عبد الله بن سلام قال قال موسى يا رب ما الشكر الذي ينبغي لك فأوحى

والدليل على عدم الكراهة قول الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عز وجل إليه ألا يزال لسانك رطباً من ذكري قال: يا رب أكون على حال أجلك إن أذكرك فيها قال: وما هي؟ قال: أكون جنباً أو على الغائط أو إذا بلت فقال: وإن كان فقال: يا رب وما أقول؟ قال: تقول سبحانك وبحمدك جنبني الأذى سبحانك وبحمدك نقني الأذى، وفي شرح السنة للبغوي عن محمد بن سيرين أن عمر بن الخطاب كان في قوم وهو يقرأ فقام لحاجته ثم رجع وهو يقرأ فقال له رجل لم تتوضأ فقال عمر من أفتاك بهذا مسيلمة وسيأتي في أذكار الخلاء مزيد تحقيق. قوله: (والدليل على عدم الكراهة قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} قال الجلال السيوطي في الإكليل فيه استحباب الذكر على كل حال كما قال مجاهد وقال ابن مسعود هذا في الصلاة إن لم تستطع قاعداً فعلى جنب أخرجه الطبراني وغيره اهـ، وكأن الدليل مجموع الآية والحديث وإلا فالآية غير نص في الذكر اللساني لاختلاف المفسرين في المراد بالذكر فيها فقيل الصلاة وقيل الخوف وقيل الذكر والأول قال به علي وابن مسعود وابن عباس وقتادة وأوردوا بمعناه حديث عمران بن الحصين ومن ثم قال البيضاوي فهو حجة للشافعي أن المريض يصلي مضطجعاً على جنبه الأيمن مستقبلاً بمقاديم بدنه إلاَّ أن يقال لما كان مطلق الذكر هو ظاهر الآية ولذا يبدأ بنقله في تفسيرها أكثر المفسرين ثم يذكرون ما عداه بصيغة قيل الموضوعة للتضعيف كان احتمالها لغيره لبعده عن ظاهر اللفظ غير قادح في الاستدلال على أنه لا منافاة بين حمله على الصلاة وحمله على الذكر لما سبق أن الذكر يطلق ويراد ما يعمها من سائر الأعمال الصالحة وحينئذٍ فالصلاة من إفراده والاحتجاج في جواز الاضطجاع في الصلاة بخبر عمران ابن الحصين وهو "صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً" وإن احتملت عبارة القاضي البيضاوي أنه بالآية فهي ظاهرة فيما قلناه

الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (191)} [آل عمران: 190 - 191]. وثبت في "الصحيحين" ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد أحسن المصنف في شرح المهذب حيث قال ولا يقال قراءة المحدث مكروهة لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ مع الحدث اهـ، فإذا أتى بالقرآن وهو أشرف الإذكار مع الحدث دل على جواز غيره منها بالأولى وحمله على أنه كان يأتي به لبيان الجواز يمنعه الإتيان بكان الدالة على الدوام على قول وهل هي عرفاً أو لغة فيه خلاف يأتي تحقيقه وقال فيه أيضًا وأجمع المسلمون على جواز التسبيح وغيره من الإذكار وما سوى القرآن للجنب والحائض ودلائله مع الإجماع في الأحاديث الصحيحة مشهورة فسكت فيه عن الاستدلال لذلك بالآي القرآنية لصراحة الأحاديث الصحيحة كما سبق في جواز الذكر على كل حال بخلافها لاحتمالها على ما سبق فيه. قوله: ({الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ} إلخ) "الذين" نعت لما قبله أو بدل منه "يذكرون الله" العظيم ذكراً يستغرقون به عن غيره ولذا قال {قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} أي مضطجعين والمراد في سائر أحوالهم وفي الكشاف لا يخلون بالذكر في أغلب أحوالهم وعن ابن عمر وعروة بن الزبير وجماعة أنهم خرجوا يوم العيد إلى المصلى فجعلوا يذكرون الله فقال بعضهم ما قال لعلي أتذكرون الله قياماً وقعوداً فقاموا يذكرون الله تعالى على أقدامهم وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله وقيل معناه يصلون في هذه الأحوال على استطاعتهم اهـ. والحديث الذي أورده في الكشاف. قال الحافظ ابن حجر في تخريجه رواه ابن أبي شيبة وإسحاق والطبراني من حديث معاذ وفي إسناده موسى بن عبيدة وهو ضعيف وأخرجه الثعلبي في تفسير العنكبوت وابن مردويه في تفسير الواقعة اهـ. قوله: (في الصحيح) أي في الحديث الصحيح وحذف الموصوف

عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتكئ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإبقاء الصفة جائز إذا علم جنس المنعوت إما لاختصاصه به نحو مررت بكاتب أو بمصاحبة ما يعينه نحو أن عمل سابغات وصلح النعت لمباشرة العامل إلاَّ إن كان المنعوت بعض ما قبله مجروراً بمن نحو وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به أي وإن أحد من أهل الكتاب فإن لم يكن كذلك لم يقم مقامه إلاَّ في الضرورة كقوله: *لكم قبضة من بين أثرى وأقترا* قال الحافظ بعد تخريج اللفظين الحديث صحيح أخرجه البخاري من وجهين باللفظين المذكورين أحدهما في كتاب الطهارة والآخر في كتاب التوحيد وأخرجه مسلم ورواه النسائي بنحو الأول وقد رواه بذكر الرأس في الحديث عنها القاسم بن محمد قال قالت كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضع رأسه في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن أخرجه أحمد وابن حبان اهـ. قوله: (عن عائشة رضي الله عنها) هي عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه التميمية تكنى أم عبد الله بابن أختها عبد الله بن الزبير تكنت به بإذنه - صلى الله عليه وسلم - وقيل بسقط لها من النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يصح وسيأتي فيه مزيد في كتاب الأسماء وتزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي بنت ست وقيل سبع وبنى بها بالمدينة وهي بنت تسع وتوفي عنها وهي ابنة ثمان عشرة وماتت بالمدينة سنة ست وقيل ثمان وخمسين عن خمس وستين سنة ودفنت بالبقيع ليلاً صلى عليها أبو هريرة وكانت أفقه النساء مطلقاً وأحب أزواجه إليه - صلى الله عليه وسلم - وأفضلهن ما عدا خديجة على الصحيح وسيأتي تفصيل في التفضيل بينها وبين خديجة ونساء أخر في باب استحباب التبشير والتهنئة أوائل الربع الثالث في حديث تبشير خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب، ولم يتزوج - صلى الله عليه وسلم - بكراً غيرها ونزل عذرها وبراءتها من الله فهي براءة قطعية لو يشك فيها المسلم كفر بالإجماع وتوفي النبي - صلى الله عليه وسلم - في نوبتها ويومها وفاضت

فصل

في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن" رواه البخاري ومسلم، وفي رواية: "ورأسه في حجري وأنا حائض"، وجاء عن عائشة رضي الله عنها أيضاً قالت: "إني لأقرأ حزبي وأنا مضطجعة على السرير". فصل: وينبغي أن يكون الموضع الذي يذكر فيه خالياً ـــــــــــــــــــــــــــــ روحه الكريمة وهو في حجرها وبين حاقنتها وذاقنتها ودفن في بيتها وجمع الله بين ريقها وريقه في آخر جزء من حياته، وغير مدافع أنه كان لها عليه من البسط والإدلال ما ليس لأحد من نسائه ولما كبرت سودة وفهمت رغبة النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها وهبت نوبتها من القسم لعائشة تبتغي بذلك مرضاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقسم لعائشة نوبتين ومناقبها عديدة روي لها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ألفا حديث ومائتان وعشرة اتفقا على مائة وأربعة وتسعين وانفرد البخاري بأربعة وخمسين ومسلم بثمانية وستين روى عنها الجم الغفير والعدد الكثير منهم عروة بن الزبير وابن أبي مليكة وعطاء في آخرين. قوله: (في حجري) بفتح الحاء وكسرها ما دون الإبط إلى الكشح كذا في المعرب والكشح الخصر كما في النهاية وفي المشارق للقاضي عياض أجلسته في حجري هو بكسر الحاء وفتحها وسكون الجيم وهو الحضن والثوب اهـ. قوله: (فيقرأ القرآن) رواه في المشكاة بثم بدل الفاء وفي شرحها لابن حجر فيه التصريح بأن حجر الحائض لا يشبه موضع النجاسة وإلا لكرهت القراءة فيه واحتمال أنه يشبهه وإن فعله لبيان الجواز خلاف الأظهر لأن النجاسة في الباطن دون الظاهر وحينئذٍ فلا يتضح إلحاقه بمحل النجاسة اهـ. قوله: (حزبي) هو بالمهملة المكسورة ثم الزاي الساكنة ثم الموحدة وهو شيء يفرضه الإنسان على نفسه من الأوراد يأتي به كل يوم قرآنًا كان أو غيره. فصل قوله: (خالياً) أي عن كل ما يشغل البال ويحصل من وجوه الاشتغال

نظيفاً، فإنه أعظم في احترام الذكر والمذكور، ولهذا مدح الذكر في المساجد والمواضع الشريفة، وجاء عن الإمام الجليل أبي ميسرة رضي الله عنه قال: "لا يذكر الله تعالى إلا في مكان طيب"، وينبغي أيضاً أن يكون فمه نظيفاً، فإن كان فيه تغيُّرٌ أزاله بالسواك، وإن كان فيه نجاسة أزالها بالغسل بالماء، فلو ذكر ـــــــــــــــــــــــــــــ والوسواس. قوله: (نظيفاً) أي طاهراً من سائر الأدناس فضلاً عن الأنجاس وفيه تنبيه على أن القلب الذي هو محل نظر الرب ينبغي أن يكون خالياً عن سكون الأغيار المسماة بالسوى نظيفاً طاهراً من حب نجاسة الدنيا ليكون قلبه سليماً فلا يزال في الفيض مقيمًا. قوله: (ولهذا مدح الذكر في المساجد) قال في التبيان لكونه جامعاً للنظافة وشرف البقعة ومحصلًا لفضيلة أخرى وهي الاعتكاف. قوله: (والمواضع الشريفة) أي وإن لم تكن مساجد وشرفها إما بكونها من مآثره - صلى الله عليه وسلم - كغار حراء ونحوه وإما بكونها من محال الإجابة وإما بسلامتها عما يشغل البال ويمنع الكمال. قوله: (أبي ميسرة) بفتح الميم وسكون التحتية وكسر المهملة وبالراء آخره هاء. قوله: (لا يذكر الله إلاّ في مكان طيب) أي خالٍ عن الشبهة فضلاً عن الحرام نظيفاً عن الأدناس المشوشة قلب الذاكر فضلاً عن الآثام ثم "يذكر" بالبناء للمفعول مرفوعاً. في أكثر النسخ على أنه نفي بمعنى النهي ومجزوماً في نسخة على النهي. قوله: (فمه نظيفاً) قال في الحرز أي طاهراً من النجاسات الحقيقية وكذا من الحكمية كالغيبة وسائر الأقوال الدنية اهـ، وكذا من الأوساخ الظاهرة كالقلح وتغير الفم فيزيل ذلك بالسواك فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ومن ثم تأكد السواك عند الصلاة لحضور الملك فيها مع المصلي على قربه منه حتى يضع فاه على في القارئ ورد ذلك في حديث في مسند البزار. قوله: (أزالها بالغسل بالماء) أي فإن توقف إزالتها على غير الماء كالسواك فيما إذا أكل ميتة فعلقت دسومتها بفيه وجب السواك عند إرادة القيام إلى نحو الصلاة

فصل

ولم يغسلها فهو مكروه ولا يحرم، ولو قرأ القرآن وفمه نجس كره، وفي تحريمه وجهان لأصحابنا. أصحهما: لا يحرم. فصل: اعلم أن الذكر محبوب في جميع الأحوال إلا في أحوال ورد الشرع باستثنائها نذكر منها هنا طرفاً إشارة إلى ما سواه مما سيأتي في أبوابه إن شاء الله تعالى، فمن ذلك: أنه يكره الذكر حالة الجلوس على قضاء الحاجة، وفي حالة الجماع؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا تعدى بأكلها فإن النجاسة إنما تجب إزالتها فوراً عند ذلك فيحمل على ذلك إطلاق وجوب السواك عند توقف الإزالة عليه. قوله: (وفي تحريمه وجهان لأصحابنا) في التبيان وهل يحرم قال الروياني من أصحاب الشافعي عن والده يحتمل وجهين زاد في المجموع أحدهما يحرم كمس المصحف بيده النجسة والثاني لا يحرم كقراءة المحدث كذا أطلق الوجهين والصحيح أنه لا يحرم وهو مقتضى كلام الجمهور وإطلاقهم إن غير الجنب والحائض والنفساء لا يحرم عليه القراءة اهـ. فصل قوله: (إن الذكر إلخ) المراد الذكر باللسان إذ هو الذي يطلب تركه في المواضع الآتية إما بالقلب فيطلب حتى فيما يأتي قال أصحابنا إذا عطس قاضي الحاجة أو المجامع حمد الله بقلبه وفي الحرز الثمين 62 الذكر عند نفس قضاء الحاجة أو الجماع لا يكره بالقلب بالإجماع وأما الذكر باللسان حالتئذٍ فليس مما شرع لنا ولا ندبنا إليه - صلى الله عليه وسلم - ولا نقل عن أحد من الصحابة بل يكفي في هذه الحالة الحياء والمراقبة وذكر نعمة الله تعالى بتسهيل إخراج هذا المؤذي الذي لو لم يخرج لقتل صاحبه وهذا من أعظم الذكر ولو لم يقل باللسان اهـ .. قوله: (حالة الجلوس على قضاء الحاجة) صرح بمثله في المجموع

وفي حالة الخطبة لمن يسمع صوت الخطيب، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو شامل للقراءة لكن قال ابن كج بحرمتها حال خروجه واختاره الأذرعي بل عبارة شرح المنهاج لابن حجر توهم اختيار تحريمها في محل قضاء الحاجة وإن لم يكن وقت خروجها وهو غير مراد والصحيح ما ذكره المصنف من كراهتها حال خروجه لا حرمتها ومثل القراءة في الكراهة حال خروج الحدث سائر الكلام المباح لما صح من قوله - صلى الله عليه وسلم - لا يأتي الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان فإن الله يمقت على ذلك كذا في الإمداد، وفي المجموع للمصنف هذا حديث حسن رواه أحمد وأبو داود وغيرهما بإسناد حسن ورواه الحاكم في المستدرك وقال هو حديث صحيح ومعنى يضربان الغائط يأتيانه قال أهل اللغة يقال ضربت الأرض إذا أتيت الخلاء وضربت في الأرض إذا سافرت والمقت البغض وقيل أشده وقيل يعيب فاعل ذلك وترتب المقت على المجموع لا ينافي كراهة بعض أفراده قال في المجموع إذ لا شك في كراهة ما كان بعض موجب المقت اهـ. أما الكلام الواجب كإنذار أعمى عن بئر خشي وقوعه فيها ونحوه فلا يكره. قوله: (وفي حالة الخطبة) لقوله تعالى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] قالوا نزلت في الخطبة وسميت قرآناً من تسمية الكل باسم جزئه وعموم كلامه متناول لمن لم يسمع الخطبة لكن في المجموع والتبيان وكذا في حالة الخطبة لمن لم يسمعها فيحمل إطلاقه هنا على ذلك والحاصل أن الإنصات عن الكلام سنة وإن لم يسمع الخطبة خروجاً من الخلاف والأولى لمن لم يسمع الاشتغال بالتلاوة والذكر سراً لئلا يشوش على غيره ويسن تشميت العاطس والرد عليه فيأتي به حال الخطبة فإن سببه قهري قال ابن حجر في التحفة وظاهر كلامهم أن الخبر والنهي الغير الواجبين لا يسنان ولو قيل بسنيتهما إن حصلا بكلام يسير لم يبعد

وفي القيام في الصلاة، بل يشتغل بالقراءة، وفي حالة النعاس، ـــــــــــــــــــــــــــــ كتشميت العاطس بالأولى اهـ، ويسن رفع الصوت من غير مبالغة بالصلاة والسلام عليه - صلى الله عليه وسلم - عند ذكر الخطيب له وصلاة ركعتين لا أكثر بنية التحية أو وسنة الجمعة القبلية إن لم يكن صلاها فإن أراد الاقتصار في النية فعلى نية التحية ويلزمه الاقتصار فيهما على أقل مجزئ ولا ينعقد ما زاد على ركعتين حينئذٍ لا طواف وسجدة شكر وتلاوة فينعقد أخذاً من تعليل عدم انعقاد الصلاة حينئذٍ بان فيها إعراضاً عن الخطيب. قوله: (وفي القيام في الصلاة) أي فلا يأتي فيه بغير القراءة وما يشرع قبلها من دعاء الافتتاح والتعوذ نعم يستثني صلاة التسبيح فيأتي فيها بالإذكار في القيام بعد التوجه قبل القراءة وبعدها أو بعدها فقط على اختلاف الروايات في ذلك وظاهر أن المراد الصلاة الشرعية ذات الركوع والسجود فلا ترد صلاة الجنازة المطلوب في قيامها إذكار غير القراءة إذ ليست صلاة شرعية لعدم صدق تعريفها عليها وإن ألحقت بالصلاة في الأحكام. قوله: (وفي حالة النعاس) قال في شرح المهذب قال الشافعي والأصحاب الفرق بين النوم والنعاس أن النوم فيه غلبة على العقل وسقوط حاسة البصر وغيبتها والنعاس لا يغلب على العقل وإنما يفتر فيه الحواس بغير سقوط قال القاضي حسين والمتولي حد النوم ما يزول به الاستشعار من القلب مع استرخاء المفاصل قال إمام الحرمين النعاس يغشى الرأس فيسكن به القوى الدماغية وهي مجمع الحواس ومنبت الأعضاء فإذا فترت فترت الحركات الإرادية وابتداؤه من أبخرة تتصعد فتوافي إعياء في قوى الدماغ فيبدو فتور في الحواس فهذا نعاس وسنة فإذا تمّ انغمار القوة الباصرة فهذا أول النوم ثم يترتب عليه فتور الأعضاء واسترخاؤها وذلك غمرة النوم هذا كلام إمام الحرمين قال أصحابنا ومن علامات النعاس سماع كلام من عنده وإن لم يفهم معناه اهـ. وفي شرح البردة لابن الصائغ والنوم

ولا يكره في الطريق ولا في الحمام، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ والنعاس والسنة ألفاظ متقاربة سمعت من الشيخ زين الدين الكناني أنها تفترق باعتبار محالها فمحل السنة العين ومحل النعاس الرأس ومحل النوم القلب فاعترضت بقوله - صلى الله عليه وسلم - تنام عيني ولا ينام قلبي فأجابني بأن ذلك قيل على سبيل المشاكلة والازدواج اهـ، وإنما كان الذكر حال النعاس مكروهاً لحديث الشيخين عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه. قوله: (ولا يكره في الطريق) ظاهره انتفاء الكراهة مطلقاً وفي المجموع والتبيان لا تكره القراءة في الطريق ماراً إذا لم يلته وروي نحو هذا عن أبي الدرداء وعمر بن عبد العزيز وعن مالك كراهتها قال في التبيان فإن التهى عنها كرهته كما كره - صلى الله عليه وسلم - القراءة للنعاس مخافة الغلط اهـ، وهل يقيد الذكر بذلك لمشاركته القرآن في معظم الآداب أو يفرق بالاحتياط لها كل محتمل ولعل الأول أقرب ثم التقييد بالمرور الظاهر أنه جرى على الغالب إذ لا يكره الذكر لمن جلس بها بل عموم عبارته هنا تقتضي استحبابه له وهو ظاهر. قوله: (ولا في الحمام) قال في المجموع لا تكره قراءة القرآن في الحمام نقله صاحب العدة والبيان وغيرهما من أصحابنا وبه قال محمد بن الحسن ونقله ابن المنذر عن إبراهيم النخعي قلت ونقله عن البغوي في شرح السنة فقال وقال إبراهيم لا بأس بالقراءة في الحمام اهـ. ونقله ابن المنذر عن مالك أيضاً ونقل عن أبي وائل شفيق بن سلمة التابعي الجليل وشعبة ومكحول والحسن وقبيصة بن ذؤيب كراهته وحكاه أصحابنا عن أبي حنيفة ورويناه في مسند الدارمي عن

فصل

فصل: المراد من الذكر حضور القلب، فينبغي أن يكون هو مقصود الذاكر فيحرص على تحصيله، ويتدبر ما يذكر، ويتعقل معناه. فالتدبر في الذكر مطلوب كما هو مطلوب في القراءة لاشتراكهما في المعنى المقصود، ـــــــــــــــــــــــــــــ إبراهيم النخعي فيكون عنه خلاف، دليلنا أنه لم يرد الشرع بكراهته فلم يكره كسائر المواضع اهـ، وفي التهذيب للمصنف الحمام بالتشديد معروف قال الأزهري قال الليث الحميم الماء الحار والحمام مشتق من الحميم تذكره الحرب قال ويقال طاب حميمك وحمتك للذي يخرج من الحمام أي طاب عرقك اهـ. وفي كتاب أدب دخول الحمام لابن العماد الحمام عربي مذكر لا مؤنث كما نقله الأزهري في تهذيب اللغة عن العرب وجمعه حمامات ويسمى بالديماس أيضاً وأول من اتخذه نبي الله سليمان صلى الله على نبينا وعليه وعلى سائر النبيين وروى الحافظ أبو نعيم في تاريخ أصبهان عن أبي موسى الأشعرى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أول من صنعت له النورة ودخل الحمام سليمان بن داود فلما دخله وجد حره وغمه فقال أوه من عذاب الله أوه أوه قبل ألا يكون أوه اهـ. فصل قوله: (فيحرص) بالنصب عطفاً على يكون وبكسر الراء ويجوز فتحها ففي القاموس أنه من باب ضرب وسمع وإنما طلب منه ليفوز بأعظم أنواع الذكر وهو الجامع للقلب واللسان. قوله: (ويتدبر ما يذكر) بصيغة الفاعل أي يتأمل ألفاظ ذكره ومعناه. قوله: (ويتعقل معناه) أي في ذلك لتكمل فائدة الذكر وجدواه فقد سبق أن ثواب الذكر موقوف على معرفته ولو بوجه

ولهذا كان المذهب الصحيح المختار استحباب مدِّ الذاكر قول: لا إله إلا الله، لما فيه من التدبر، وأقوال السلف وأئمة الخلف في هذا مشهورة، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ بخلاف القرآن قال السنوسي في شرح عقيدته أم البراهين وقد نص العلماء على أنه لا بد من فهم معناها أي التهليلة وإلاّ لم ينتفع بها صاحبها في الإنقاذ من الخلود في النار اهـ، ومثله باقي الإذكار لا بد في حصول ثوابه من معرفته ولو بوجه قال ابن الجزري في الحصين الحصين فإن جهل شيئاً أي مما يتعلق بلغته أو إعرابه تبين معناه ولا يحرص على تحصيل الكثرة بالعجلة، أي فإنه يؤدي إلى أداء الذكر مع الغفلة وهو خلاف المطلوب لأن القصد من الذكر هو الحضور مع المحبوب وفيه تنبيه على أن قليل الذكر مع الحضور خير من الكثير منه مع الجهل والفتور. قوله: (ولهذا) أي ما ذكر من الحرص على الحضور وتدبر المبنى وتعقل المعنى. قوله: (كان المذهب الصحيح المختار) أي عند المشايخ والماء الأخيار وفي شرح العقيدة السنوسية عن بعض الصحابة رضي الله عنهم من قال لا إله إلاّ الله خالصاً من قلبه ومدها بالتعظيم غفر له أربعة آلاف ذنب من الكبائر قيل فإن لم تكن هذه الذنوب قال غفر له من ذنوب أبويه وأهله وجيرانه اهـ، ومثله لا يقال من قبل الرأي فله حكم المرفوع. قوله: (مد قول لا إلى إلاّ الله) قال في الحرز الثمين المراد أن يمد في موضع يجوز مده كألف لا ولا يزيد على قدر خمس ألفات فإنه أكثر ما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - عند القراءة مع تجويز القصر في الأداء وأما مد "إله" فلحن لا يجوز زيادة على قدر ألف يسمى مداً طبيعياً وكذلك في لفظ الجلالة وصلاً وأما وقفاً فيجوز طوله وتوسطه وقصره والأول أولى لكنه قدر ثلاث ألفات ويجب أن تقطع همزة إله وكثيراً ما يلحن فيه بعض العامة فيبدلونها ياء ولا يجوز الوقف على إله لأنه يوهم الكفر قال بعض: بعض الكلمة الطيبة كفر وبعضها إيمان وليلاحظ في النفي نفي ما سواه من سائر الأكوان والأحوال

فصل

فصل: ينبغي لمن كان له وظيفة من الذكر في وقت من ليل أو نهار، أو عقيب صلاة أو حالة من الأحوال ففاتته، أن يتداركها ويأتي بها إذا تمكن منها ولا يهملها، فإنه إذا اعتاد ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي الاستثناء شهود الإله فالكلمة الشريفة جامعة بين التخلية والتحلية بالمعجمة ثم بالمهملة والتقدير لا إله موجود أو معبود أو مطلوب أو مشهود إلاّ الله بحسب مقامات أهل الذكر وحالات ذوي الفكر ثم لا يلزم من مد الذكر الرفع فإنه قد ينهى عنه بأن شوش على مصل أو نائم. فصل قوله: (عقب صلاة) بحذف الياء من عقب على الأفصح وإثباتها لغة ضعيفة حسماها المصنف في تحرير التنبيه وهو مجرور عطفاً على المجرور بمن قبله وهو كذلك في أصل صحيح مضبوط عندي ويصح نصبه على الظرفية وقد عبر بهذه العبارة صاحب الحصين الحصين فقال شارحه هو مجرور في النسخ المعتمدة وفي نسخة بالنصب على الظرفية وظاهر جريان الوجهين في قول المصنف "أو حالة من الأحوال" وتأنيث لفظ الحال خلاف الأفصح إذ الأفصح تذكير لفظه وتأنيث معناه فيقال حال حسنة ويضعف حالة حسنة أو حال حسن والمراد بالأحوال الأحوال المتعلقة بالأوقات لا المتعلقة بالأسباب كالذكر عند رؤية الهلال وسماع الوعد ونحو ذلك فلا يندب تداركه عند فوات سببه وهذا وإن لم أر من ذكره فقد صرح الفقهاء بما يؤخذ منه ذلك وهو قولهم الصلاة ذات السبب كالتحية لا يندب قضاؤها عند ذوات سببها بخلاف ذات الوقت. قوله: (ففاتته) معطوف على كان ولا فرق في استحباب التدارك بين ما فات من الورد لعذر وغيره. قوله: (أن يتداركها) أن مدخولها فاعل ينبغي أي معموله على سبيل الفاعلية. قوله: (ويأتي بها) معطوف على يتداركها عطفاً تفسيرياً إذ تدارك الوظيفة الإتيان بها. قوله: (ولا يهملها) بالنصب عطفاً على مدخول أن أي

الملازمة عليها لم يعرضها للتفويت، وإذا تساهل في قضائها سهل عليه تضييعها في وقتها. وقد ثبت في "صحيح مسلم" عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من نامَ عَنْ حِزبِهِ أو عَن شيءٍ مِنْهُ فَقَرَأهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ينبغي التدارك وعدم الإهمال فإن الإهمال سبب لترك الأعمال وفي نسخة ولا يملأها بالجزم على الاستئناف ولا فيه ناهية وينبغي له ألا يتساهل في القضاء كما في الحصين. قوله: (الملازمة عليها) أي المداومة والمحافظة على الوظيفة. قوله: (وقد ثبت في صحيح مسلم) وكذا رواه أصحاب السنن الأربعة وابن خزيمة في صحيحه كما في الترغيب المنذري زاد الحافظ وأخرجه أحمد وفي سند الحديث من اللطائف رواية الأقران فإن الزهري رواه عن السائب بن يزيد وعبيد الله بن عبد الله والجميع تابعيون وأنهما يرويانه عن عبد الرحمن بن عبد الله وهو معدود في صغار الصحابة وهو يرويه عن عمر رضي الله تعالى عنه. قوله: (حزبه إلخ) في كشف المشكل لابن الجوزي الحزب بكسر الحاء المهملة والزاي الساكنة قال ابن قتيبة الحزب من القرآن الورد وهو شيء يفرضه الإنسان على نفسه يقرؤه كل يوم وقال ابن جرير الطبري يعني بحزبه جماعة السور التي كان يقرؤها في صلاته بالليل اهـ، والمراد هنا ما يرتبه الإنسان على نفسه من ذكر أو قراءة أو صلاة، قال القاضي عياض وأصل الحزب النوبة من ورد الماء ثم نقل إلى ما يجعله الإنسان على نفسه من صلاة وقراءة وغيرهما وقال البيضاوي في شرح المصابيح وأصل الحزب الجماعة ثم هو هكذا في رواية الترمذي قال السيوطي هو عند ابن ماجة بجيم مضمومة وهمزة مكان الموحدة وعند النسائي جزئه أو حزبه بالشك من بعض رواته قال العراقي وهل المراد به صلاة الليل أو قراءة القرآن في صلاة أو غيرها كل محتمل اهـ. قال البيضاوي قوله في الخبر "فقرأه إلخ" يحتمل أن يكون أي الاقتصار عليها لكون القراءة أفضل الذكر

ما بَينَ صَلاةِ الفَجْرِ وصَلاةِ الظُّهْرِ كُتِبَ لَهُ كأنمَا قَرأهُ مِنَ الليلِ". ـــــــــــــــــــــــــــــ فمثلها سائر الإذكار وأن يكون لاختصاصه بالثواب المذكور في. قوله: (كتب له كأنما قرأه من الليل) وأن يكون على سبيل المثال فمثله كل ورد من قول أو فعل وعليه جرى العاقولي في شرح المصابيح فقال أي من فاته ورده من الليل فتداركه في هذا الوقت الذي من شأن الناس فيه الغفلة عن العبادة أثبت أجره إثباتًا مثل إثباته عند قراءته له من الليل اهـ. قال المصنف في الخبر دلالة على استحباب المحافظة على الإوراد إذا فاتت. قوله: (فيما بين صلاة الفجر والظهر) قيل وجه التخصيص بهذا الوقت أنه ملحق بالليل دون ما بعده، قال ابن الجوزي في كشف المشكل العرب يقولون كيف كنت الليلة إلى وقت الزوال وكان عليه الصلاة والسلام إذا صلى الغداة يقول في بعض الأيام هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا وقد بني أبو حنيفة على هذا فقال لو نوى صوم الفرض قبل الزوال فكأنه نوى في آخر الليل اهـ، وتقدم في كلام العاقولي وجه آخر وهو كونه يغفل فيه الناس عادة، وعلى كل فليس التخصيص بالوقت المذكور لعدم طلب القضاء في غير هذا الوقت بل لكونه فيه أفضل كما يعلم من كلام أئمتنا والمعنى الذي شرع له القضاء يدل على ذلك وقال القرطبي هذا تفضل من الله تعالى، وهذه الفضيلة إنما تحصل لمن غلبه نوم أو عذر منعه من القيام مع إن نيته القيام قال وظاهره أن له أجره مكملًا مضاعفًا وذلك لحسن نيته وصدق تلهفه وتأسفه وهو قول بعض شيوخنا وقال بعضهم يحتمل أن يكون غير مضاعف إذ التي يصليها ليلاً أكمل وأفضل والظاهر الأول اهـ، وقوله "وهذه الفضيلة الخ" يبعده أن فيه قصر العام على بعض أفراده فلا بد له من دليل فليبين والله أعلم، وفي المشكاة عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة رواه مسلم من جملة حديث، وروى هذه الجملة الترمذي في الشمائل من حديث عائشة ولفظه عنها كان إذا لم يصل بالليل

فصل: في أحوال تعرض للذاكر يستحب له قطع الذكر يسببها ثم يعود إليه بعد زوالها

فصل: في أحوال تعرض للذاكر يستحب له قطع الذكر يسببها ثم يعود إليه بعد زوالها: منها: إذا سُلِّمَ عليه ردَّ السلام ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا عطس عنده عاطس شمَّته ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا ـــــــــــــــــــــــــــــ منعه من ذلك النوم أو غلبته عيناه صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة لكن حمله ابن حجر في شرح المشكاة على أنه جبر عن فضيلة قيام الليل لا قضاء له إذ ليست صلاة الليل منه - صلى الله عليه وسلم - في العدد كذلك والقضاء لا يزيد على عدد الأداء ثم أورد في مشروعية القضاء مطلقاً حديث أبي داود -قال وسنده حسن خلافاً لتضعيف الترمذي- من نام عن وتره أو نسيه فليصل إذا ذكره اهـ. وحمله العاقولي على قضاء الإوراد فقال في شرحه وفيه دليل على استحباب الإوراد وأنها إذا فاتت قضيت اهـ. وما اشتهر على ألسنة العوام من أن صاحب الورد ملعون وتارك الورد ملعون فلا أصل له فيما قال العارفون وبفرض ثبوته فقيل وارد في حق كافر أخبر - صلى الله عليه وسلم - إنه ذو ورد فقال صاحب الورد ملعون ثم لما بلغ ذلك الكافر ما قاله - صلى الله عليه وسلم - ترك الورد فقال - صلى الله عليه وسلم - فيه تارك الورد ملعون وبفرض تعميمه في المؤمن فالمراد من الأول من أقيم في أمر المؤمنين وتنفيذ قضاياهم واشتغل عنهم بالورد ملعون أي مبعد عن الخير الكثير العظيم ومن الثاني من ترك الإوراد بعد اعتيادها لحديث يا عبد الله لا تكن مثل ثلاث كان يقوم الليل ثم تركه متفق عليه. فصل قوله: (إذا سلم عليه رد السلام إلخ) محله في غير المؤذن أما هو إذا سلم عليه فالسنة له تأخير الرد إلى تمام الأذان وكذا يسن له تأخير تشميت العاطس إلى تمامه وإن طال كما اقتضاه إطلاقهم ويوجه بأنه لعذره سومح له في التدارك مع طوله لعدم تقصيره بوجه فإن لم يؤخره للفراغ فخلاف السنة كالتكلم ولو لمصلحة كذا في الإمداد، وفي حاشيته على الإيضاح وإذا سلم عليه يعني الملبي رد السلام

سمع الخطيب وكذا إذا سمع المؤذن أجابه في كلمات الأذان والإقامة ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا رأى منكراً أزاله، أو معروفاً أرشد إليه، أو مسترشداً أجابه ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا غلبه النعاس ـــــــــــــــــــــــــــــ باللفظ أي يسن له ذلك وإن كره السلام عليه كما قالوه في السير وتأخيره إلى فراغها أحب كما في المؤذن، ويفرق بين عدم وجوب الرد عليهما ووجوبه على القارئ بتفويته لشعارهما بخلافه، وبين الندب للملبي وعدمه للمؤذن بأنه قد يخل بالإعلام المؤدي إلى لبس بخلافه هنا. قوله: (عطس) بفتح الطاء في الماضي وكسرها وضمها في المضارع كما في شرح الجامع الصغير للعلقمي وشرح عدة الحصين لابن جمعان وما في بعض نسخ مرقاة الصعود وبعض أصول الحصين الحصين أنه بكسر الطاء من تغيير الكتاب. قوله: (وكذا إذا سمع الخطيب) أي فيترك الذكر ويتوجه إلى استماع الخطبة نعم بسن تشميته العاطس والرد عليه لأن سببه قهري وسبق ما يلحق به ومحل كون ترك الذكر حينئذٍ مندوباً إن لم يكن أحد من تنعقد بهم الجمعة من الأربعين وإلا فإن كان الاشتغال بالذكر يمنعه من سماع بعض أركان الخطبة وجب الإنصات وحرم الاشتغال بما يمنع من السماع. قوله: (وكذا إذا سمع المؤذن إلخ) عبارة الإمداد وتسن أي الإجابة للقارئ والذاكر والطائف والمشتغل بالعلم فيقطع ما هو فيه لها اهـ .. قوله: (أرشد إليه) أي وإن لم يسترشد بذلا للنصيحة. قوله: (أجابه ثم عاد إلى الذكر الخ) لإخفاء أنه لا يضر القطع لما ذكر لوجود المقتضي لكن هل يحصل له ثواب الذكر لكونه تركه لعذر أو المندفع عنه إنما هو محذور القطع، قضية ما قرروه في صلاة الجماعة من زوال الحرج بتلك الأسباب لا حضور فضيلة الجماعة إن الحاصل هنا دفع المحذور والكلام في ثواب الذكر المتروك تلك المدة أما

أو نحوه، وأما أشبه هذا كله. ـــــــــــــــــــــــــــــ ثواب ما اشتغل به من الأعمال فلا يخطر عدم حصوله ببال. قوله: (أو نحوه) مما يشغل القلب أو يمنع من كمال التوجه إلى الحضور مع الرب ثم لا تكرار في ذكر كراهة الحالات المذكورة في الفصلين لأنها ذكرت أولاً لبيان أنها من الحالات المكروه فيها الذكر أي الشروع فيه حينئذٍ وثانياً لبيان أنها إذا عرضت للذاكر ترك الذكر مدتها حتى يزول عنه. قوله: (وما أشبه ذلك) أي من كل أمر مهم عرض والاشتغال به يمنع من الذكر والأهمية فيه إما لكونه يفوت أو لعظيم فائدته وكثرة مصلحته كالأمر بالمعروف ونحوه على أن القصد من الذكر إنما هو عمارة الجنان بذكر الرحمن والقائم بأوامره من أرباب هذا المقام قال الجنيد الصادق يتقلب في اليوم أربعين مرة والمرائي يثبت على حالة واحدة أربعين سنة قال المصنف في شرح المهذب معناه إن الصادق يدور مع الحق حيثما دار فإن كان الفضل الشرعي في الصلاة مثلاً صلى وإن كان في مجالسة العلماء والصالحين والضيفان والعيال وقضاء حاجة مسلم وجبر قلب مكسور ونحو ذلك فعل الأفضل وترك عادته وكذلك الصوم والقراءة والذكر وأكل والشرب والخلطة والعزلة والتنعم والابتذال والمرائي بضد ذلك ولا يترك عادته فهو مع نفسه لا مع الحق اهـ. وقال في كتابه بستان العارفين الذي جمعه قال في الرقائق وتوفي قبل إكمال معناه إن الصادق يدور مع الحق كيف كان فإذا كان الفضل في أمر عمل به وإن خالف ما كان عليه وخالف عادته وإذا عارض أهم منه في الشرع ولا يمكن الجمع بينها انتقل إلى الأفضل ولا يزال هكذا وربما كان في اليوم الواحد عمل مائة حال أو ألف أو أكثر على حسب تمكنه من المعارف وظهور الدقائق واللطائف قال وأما المرائي فيلزم حالة واحدة بحيث لو عرض له مهم يرجحه الشرع عليها في بعض الأحوال

فصل

فصل: اعلم أن الأذكار المشروعة في الصلاة وغيرها، واجبةً كانت أو مستحبة، لا يحسب شيء منها ولا يعتد به حتى يتلفظ به ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يأت بهذا المهم بل يحافظ على حالته لأنه يراعي بعبادته وحالته المخلوقين فيخاف من التغيير ذهاب محبتهم إياه فيحافظ على بقائها والصادق يريد بعبادته وجه الله تعالى فحيث رجح الشرع حالاً صار إليه ولا يعرج على المخلوقين اهـ، وقريب من عبارة الجنيد هذه في وصف العارف ما جاء عنه أنه سئل عن العارف فقال لون الماء لون الإناء أي إن يكون في كل حال بما هو أولى به فيختلف حاله باختلاف الأحوال كاختلاف لون الماء لاختلاف لون الإناء وقد بسط ذلك القونوي في شرح التعرف. (الأذكار المشروعة) أي الأذكار التي طلب الشارع من الإنسان الإتيان بها باللسان من التكبير والتحميد وقراءة القرآن. قوله: (واجبة كانت) كقراءة الفاتحة في الصلاة ومنها البسملة عندنا والتشهد. قوله: (أو مستحبة) وسواء كانت مؤكدة أي واظب عليها - صلى الله عليه وسلم - في معظم الأوقات حضراً وسفراً كقراءة السورة في الركعتين الأولتين أو غير مؤكدة. قوله: (ولا يعتد به) عطف على لا يحسب عطف تفسير وهما مبنيان للمفعول أي لا يعتبر شيء من ذلك إلاّ بالتلفظ به مع السماع والمراد لا يعتد به ذكراً أي لا يخرج به عن عهدة المأمور به من الذكر باللسان فلا ينافي إثباته على الذكر القلبي لأنه من جهة أخرى كما سبق وليس المراد أن من ذكر بقلبه من غير تلفظ بلسانه لا يكون معتداً به شرعاً لأن مداومة الذكر لا تتصور بدون اعتباره بل هو أفضل أنواعه، أخرج

بحيث يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع لا عارض له. ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو يعلى الموصلي في مسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لفضل الذكر الخفي الذي لا يسمعه الحفظة سبعون ضعفاً إذا كان يوم القيامة جمع الله الخلائق لحسابهم وجاءت الحفظة بما حفظوا وكتبوا قال لهم انظروا هل بقي له من شيء فيقولون ما تركنا شيئاً مما علمناه وحفظناه إلَّا وقد أحصيناه وكتبناه فيقول الله إن لك عندي حسناً لا تعلمه وأنا أجزيك به وهو الذكر الخفي أورده السيوطي في "البدور السافرة في أحوال الآخرة" وفي الجامع الصغير له خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفي رواه أحمد وابن حبان والبيهقي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. قوله: (بحيث يُسمع نفسه) الظرف في محل المفعول المطلق صفة للمصدر المحذوف أي حتى يتلفظ به تلفظاً بحيث إلخ ثم هذا الإسماع أقل الإخفاء عند الجمهور قال في الحرز وفي مذهبنا هو القول المشهور وهو عندنا حد السر وأقل الجهر أن يسمع من بجانبه ومن هنا استشكل التوسط بينهما في قولهم يتوسط بين الجهر والإسرار في نفل الليل المطلق ثم حملوه على إن المراد الجهر تارة والإسرار أخرى وحمله ابن الملقن على أدنى درجات الجهر قال وبه يرتفع الخلاف نقله عنه ابن المزجد في التجريد وقيل أقل الإخفاء تصحيح الحروف وهو مجرد التلفظ من غير أن يكون هناك صوت يسمع ويسمى بالهمس قال أصحابنا ولا يحرم على الجنب تحريك لسانه بالقرآن وهمسه بحيث لا يسمع نفسه لأنها ليست بقراءة قرآن، لكن قال الراغب في مفرداته الخمس الصوت الخفي وهمس الأقدام أخفى ما يكون من صوتها قال تعالى: {فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} [طه: 108] اهـ، وهو يقتضي إن الهمس فيه صوت مسموع إلاّ أنه في غاية الخفاء ويجمع بين الكلامين بأن مراد الفقهاء لا يسمع نفسه أي السماع المعتد به بأن يسمع مع الصوت الحروف أما لو سمع الصوت من غير سماعه للحرف فلا اعتبار به.

فصل

فصل: اعلم أنه قد صنَّف في عمل اليوم والليلة جماعة من الأئمة كتباً نفيسة، رووا فيها ما ذكروه بأسانيدهم المتصلة وطرقوها من طرق كثيرة، ومن أحسنها: "عمل اليوم والليلة" للإمام أبي عبد الرحمن النسائي، وأحسن منه وأنفس وأكثر فوائد كتاب: "عمل اليوم والليلة" لصاحبه الإمام أبي بكر أحمد بن محمد بن إسحاق السنّي رضي الله عنهم. وقد سمعت أنا جميع كتاب ابن السني على شيخنا الإمام الحافظ أبي البقاء خالد بن يوسف بن سعد بن الحسن رضي الله عنه، قال: أخبرنا الإمام العلامة أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن الكندي سنة اثنتين وستمائة، قال: أخبرنا الشيخ الإمام أبو الحسن سعد الخير بن محمد بن سهل الأنصاري، قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل قوله: (في عمل اليوم والليلة) أي فيما يعمل فيها من أقوال وأفعال. قوله: (وطرقوها) بتشديد الراء أي جعلوا لها طرقاً متعددة لتعدد طرقهم في تلك الأحاديث. قوله: (كثيرة) وصف الكثرة باعتبار المجموع وإلا فبعضها ليس له إلا طريقان أو طريق وأحد. قوله: (وأنفس) من النفاسة والنفيس الخيار المرغوب فيه وحذف قوله منه اكتفاء بدلالة ذكره فيما قبله اختصاراً. قوله: (لصاحبه الإمام أبي بكر بن محمد بن إسحاق السني) بضم السين المهملة وتشديد النون بعدها ياء النسبة وهو الإمام الجليل أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن أسباط بن بديح بصيغة التصغير البديحي بالموحدة فالدال المهملة فالمثناة التحتية فالحاء المهملة منسوب إلى جده بديح القرشي الهاشمي مولاهم الدينوري المعروف بابن السني الحافظ، وبديح جده مولى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، يكنى أبا بكر أحد الحفاظ المشهورين الثقات المأمونين ولي قضاء القضاة بالري ثم انفصل وتركه ونفذ حكمه إلى العراف والحجاز ومصر وفي

أخبرنا الشيخ الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن الدوني، قال: أخبرنا القاضي أبو نصر أحمد بن الحسين بن محمد بن الكسار الدينوري، قال: أخبرنا الشيخ أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق السني رضي الله عنه. وإنما ذكرت هذا الإسناد هنا لأني سأنقل من كتاب ابن السني إن شاء الله تعالى جُملاً، فأحببت تقديم إسناد الكتاب، وهذا مستحسن عند أئمة الحديث وغيرهم، وإنما خصصت ذكر إسناد هذا الكتاب لكونه أجمع ـــــــــــــــــــــــــــــ شيوخه كثرة منهم أبو يعلى الموصلي البغوي وأبو الحسين بن جوصا وأبو عبد الرحمن وأبو عرفة الكراني وجماعة روى عنه القاضي أحمد بن عبيد الله ابن علي بن شاذان وأبو نصر أحمد بن الحسين بن الكسار الدينوريان وجماعة غيرهما توفي سنة أربع وستين ثلاثمائة وستين وذكر الخليلي أنه توفي سنة أربع وخمسين وثلاثمائة والقول والأصح والله أعلم مات عن بضع وثمانين سنة قال القاضي أبو زرعة روح بن محمد سبط ابن السني سمعت عمي علي بن أحمد يقول كان أبي يكتب الحديث فوضع القلم في أنبوبة المحبرة ورفع يديه يدعو الله فمات كذا في تاريخ اليافعي وغيره. قوله: (أبو محمد عبد الرحمن بن حمد) أي بفتح الحاء وسكون الميم: (ابن الحسن الرومي) كذا في نسخة وفي نسخة صحيحة "الدوني" قال الصديق الأهدل نسبة إلى دون بلدة بعراق العجم اهـ، وفي لب اللباب مختصر مختصر كتاب السمعاني الدوني أي بضم الدال المشددة وسكون الواو وكسر النون بعدها ياء النسب نسبة إلى دون من قرى دينور اهـ، وكذا رأيته في أصل صحيح مضبوط عندي من كتاب ابن السني وفي ظهره رواية أبي محمد عبد الرحمن بن حمد بن الحسن الدوني رواية أبي نصر أحمد بن الحسين الدينوري وكذلك هو في طبقات السماع المكتوبة بآخره من الأشياخ. قوله: (الكسار) بفتح الكاف وتشديد السين وبالراء المهملتين. قوله: (الدينوري) هو في الأصول

الكتب في هذا الفن، وإلا فجميع ما أذكره فيه لي به روايات صحيحة بسماعات متصلة بحمد الله تعالى إلا الشاذّ النادر، فمن ذلك ما أنقله من الكتب الخمسة التي هي أصول الإسلام، وهي: "الصحيحان" للبخاري ومسلم، و"سنن أبي داود" و"الترمذي" و"النسائي". ومن ذلك ما هو من كتب "المسانيد" و"السنن" "كموطأ الإمام مالك"، ـــــــــــــــــــــــــــــ المصححة مضبوط بكسر المهملة وإسكان التحتية وفتح النون والواو وكسر الراء المهملة بعدها ياء النسب. قوله: (إلا الشاذ النادر) يحتمل أن يكون مستثنى من قوله سماعات فيكون اتصاله فيها بغير السماع من طرق التحمل من إجازة أو نحوها ويحتمل أن يكون مستثنى من قوله "لي به روايات صحيحة" فيكون الشاذ النادر خارجاً من ذلك فيكون دليلاً على جواز رواية ما لم يكن للراوي فيه تحمل وقال الحافظ ابن جبير يمتنع ذلك ونقل فيه الإجماع سواء أكان النقل للرواية أم للعمل للاحتجاج وضعف، والعمل على خلافه من جواز النقل من الكتب المعتمدة التي صحت واشتهرت نسبتها لمصنفها إذا نقل من أصل صحيح مأمون من تغييره وتبديله. قوله: (كموطأ الإمام مالك إلخ) في العبارة لف ونشر مشوش إذا الموطأ من كتب السنن كسنن ابن ماجه والدارقطني فلو روعي اللف والنشر المرتب لقيل كمسند أحمد وأبي عوانة وموطأ مالك لكن ترك ذلك نظراً لتقدم الإمام مالك في السن والرتبة وشرف الدرجة وعادة المحدثين تقديم ما كان كذلك، وفي تنوير الحوالك للسيوطي عن أبي عبد الله محمد بن إبراهيم الأصبهاني "قلت" لأبي حاتم الرازي موطأ مالك بن أنس لم سمي موطأ، فقال شيء صنفه ووطأه للناس حتى قيل موطأ مالك كما قيل جامع سفيان، وفيه عن مالك عرضت كتابي هذا على ستين فقيهاً من فقهاء الأمصار فكلهم واطأني عليه فسميته الموطأ قال ابن فهر لم يسبق مالكاً أحد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى هذه التسمية فإن من ألف في زمانه بعضهم سمي الجامع وبعضهم بالمصنف وبعضهم بألمؤلف ولفظة الموطأ بمعنى المنقح "قلت" وفي القاموس وطأه هيأه ودمثه وسهله ورجل موطأ الأكناف سهل دمث كريم مضياف أو يتمكن في ناحيته صاحبه غير مؤذي ولا ناب به موضعه وموطأ العقب سلطان يتبع وهذه المعاني كلها تصلح لهذا الاسم على طريق الاستعارة، وجملة ما في الموطأ من الآثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن الصحابة والتابعين ألف وسبعمائة وعشرون حديثاً المسند منها ستمائة والمرسل مائتان واثنان وعشرون حديثاً والموقوف ستمائة وثلاثة عشر والمقطوع أي الوارد عن التابعين مائتان وخمسة وثمانون وقيل غير ذلك، وعن الشافعي أصح الكتب بعد كتاب الله موطأ مالك وروي بغير هذا اللفظ وحمل على أنه قبل ظهور الصحيحين فلما ظهرا تقدما عليه وأول من ضم الموطأ إلى الكتب الخمسة فجعل أصول الإسلام ستة الإمام الشهير المجد أبو السعادات ابن الأثير في كتابه جامع الأصول وتبعه عليه رزين السرقسطي وغيرهما واستمر كذلك حتى أخرجه منها وأبدله بسنن ابن ماجه الحافظ أبو الفضل بن طاهر وعليه طريق معظم المتأخرين كما سبق بيان ذلك "والإمام مالك" هو الإمام الكبير نجم السنة الشهير مالك ابن أنس بن أبي عامر بن عمرو أبو الحارث ينتهي نسبه إلى يعرب بن يشجب بن قحطان الأصبحي، جده أبو عامر صحابي جليل شهد المغازي كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلا بدراً وابنه أنس من كبار التابعين وعلمائهم وهو أحد الأربعة الذين حملوا عثمان ليلاً إلى قبره وأما مالك الإمام فذكره ابن سعد في طبقاته في الطبقة السادسة من تابعي أهل المدينة أي من تابعي التابعين كما صرح به الأئمة وذكر بعضهم أنه من التابعين وأنه لقي من الصحابة أبا الطفيل وعائشة بنت سعد بن أبي وقاص وصحبتها ثابتة، نقله العامري في شرح الموطأ من رواية محمد بن الحسن ولد سنة ثلاث وسبعين وقيل سنة سبعين وقيل غير

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك. وفي شرح المشكاة لابن حجر ولد سنة ثلاث ومائة على الأشهر أو إحدى أو اثنتين أو أربع أو خمس أو ست أو سبع أو سنة تسع وثمانين وهو أغربها أو سنة تسعين مكث حملا في بطن أمه ثلاث سنين وقيل أكثر وقيل سنتين اهـ، أخذ عن ثلاثمائة تابعي وأربعمائة من تابعيهم كذا في شرح المشكاة لابن حجر وفي التهذيب للمصنف أخذ عن تسعمائة شيخ -بتقديم التاء- منهم ثلاثمائة من التابعين وستمائة من تابعيهم ممن رضيه ووثق بدينه نقله عن الدولعي وأخذ عنه أئمة لا يحصون ولا يعرف عن أحد من الأئمة رواة في الكثرة كرواته وأجلهم الشافعي على الإطلاق بإجماع أهل الحديث وإنما لم يخرج أصحاب الأصول حديث مالك من جهة الشافعي لطلبهم العلو المقدم عند المحدثين على ما عداه من الإعراض وإكثار أحمد من إخراج حديث مالك من غير طريق الشافعي حمل على احتمال أنه جمع المسند قبل اجتماعه به وقد اجتمع طوائف الأئمة العلماء على جلالة الإمام مالك وعظم سيادته والإذعان له في الحفظ والتثبت وتعظيم حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال البخاري إمام الصنعة أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر وفي هذه المسألة خلاف منتشر جمع منه الحافظ ستة عشر قولاً ورتب الأحاديث المروية بها وسماه تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد وعلى مذهب البخاري المذكور فأصحها عن مالك الشافعي لما سبق قال أحمد سمعت الموطأ على سبعة عشر رجلاً من حفاظ أصحاب مالك ثم على الشافعي لأني وجدته أقومهم به وأصحها عن الشافعي أحمد قال الشافعي خرجت من بغداد وما خلفت بها أفقه ولا أزهد ولا أورع ولا أعلم منه ولاجتماع الأئمة الثلاثة في هذه السلسلة قيل لها سلسلة الذهب وقال الشافعي إذا جاء الحديث فمالك النجم وما أحد آمن علي من مالك وقال: مالك وابن عيينة القرينان لولاهما لذهب علم الحجاز ومالك معلمي وعنه أخذت العلم وقال وهب بن خالد ما بين المشرق والمغرب رجل آمن على حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مالك وفي الحديث الصحيح

و"مسند الإمام أحمد بن حنبل"، ـــــــــــــــــــــــــــــ يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل وفي رواية آباط المطي يطلبون العلم فلا يجدون أحداً أعلم من عالم المدينة خرجه أحمد والترمذي وحسنه والنسائي والحاكم في المستدرك وصححه من حديث أبي هريرة مرفوعاً قال سفيان بن عيينة هو مالك بن أنس وكذا قال عبد الرزاق وكان مبالغاً في تعظيم الحديث النبوي ولذا قال ما قال وكان يرى النبي - صلى الله عليه وسلم - كل ليلة ذكره أبو نعيم في الحلية ورؤيت له مراء تدل على شرف مقداره ذكر المصنف منها جملة في التهذيب ومرض يوم الأحد فأقام مريضاً اثنين وعشرين يوماً وتوفي بالمدينة يوم الأحد لعشر خلون وقيل لأربع عشرة خلت من شهر ربيع الأول سنة سبع وسبعين ومائة وصلى عليه عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي ابن عبد الله بن عباس وهو يومئذٍ والٍ على المدينة ودفن بالبقيع ومدفنه بهامشور، بجانبه في بيت آخر نافع شيخ القراء وعن عبد الله بن نافع قال توفي مالك وهو ابن سبع وثمانين سنة وأقام مفتياً بالمدينة بين أظهرهم ستين سنة وترك من الأولاد يحيى ومحمداً وحماداً وأم أبيها قال القاضي عياض في المدارك رأى عمر بن سعد الأنصاري ليلة مات مالك قائلاً يقول: لقد أصبح الإسلام زعزع ركنه ... عداة ثوى الهادي لدي ملحد القبر إمام الهدى ما زال للعلم صائناً ... عليه سلام الله في آخر الدهر قوله: (ومسند الإمام أحمد بن حنبل) قال المصنف في الإرشاد كتب المسانيد كمسند أبي داود الطيالسي وعبيد الله بن موسى وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأشباهها لا تلتحق بالكتب الخمسة وهي الصحيحان وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وما جرى مجراها في الاحتجاج بها والركون إلى ما فيها لأن عادتهم في هذه المسانيد أن يخرجوا في مسند كل صحابي ما رووه من حديثه صحيحاً كان

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو ضعيفاً ولا يعتنون فيها بالصحيح بخلاف أصحاب الكتب المصنفة على الأبواب اهـ، وهو تابع ذلك لابن الصلاح وقد انتقد تفضيله السنن على مسند أحمد بأنه ليس كما ذكر فإنه أكبر المسانيد وأحسنها ولم يدخل إلاَّ ما يحتج به مع كونه انتقاه من أكثر من سبعمائة ألف حديث وقال ما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارجعوا فيه إلى المسند فإن وجدتموه وإلَّا فليس بحجة ومن ثم بالغ بعضهم فأطلق الصحة على كل ما فيه والحق إن فيه أحاديث كثيرة ضعيفة وبعضها أشد في الضعف من بعض حتى إن ابن الجوزي أدخل كثيراً منها في الموضوعات لكن تعقبه في بعضها بعضهم وفي سائرها شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر وحقق في الوضع عن جميع أحاديثه وأنه أحسن انتقاءً وتحريراً من الكتب التي لم يلتزم مؤلفوها الصحة في جميعها كالسنن الأربعة قال وليست الأحاديث الزائدة فيها على الصحيحين بأكثر ضعفاً من الأحاديث الزائدة في سنن أبي داود والترمذي عليهما وبالجملة فالسبيل واحد لمن أراد الاحتجاج بحديث من السنن لا سيما سنن ابن ماجة ومصنف ابن أبي شيبة مما الأمر فيه أشد أو حديث من المسانيد لأن الجميع لم يشترط مؤلفوها الصحة ولا الحسن وتلك السبيل إن كان المحتج أهلاً للتصحيح والنقد فليس له أن يحتج بشيء من القسمين حتى يحيط به وإن لم يكن أهلا لذلك فإن وجد أهلا لتصحيح أو تحسين قلده وإلاَّ فلا يقدم على الاحتجاج به فيكون كحاطب ليل فلعله يحتج بالباطل وهو لا يشعر قال الزركشي قال الحافظ عبد القادر الرهاوي فيه أربعون ألف حديث إلاَّ أربعين أو ثلاثين وعن ابن المنادي فيه ثلاثون ألف حديث ولعله أراد بإسقاط المكرر أو خالياً عن زيادة ابنه وقد ذكر ابن دحية فيه أربعين ألفاً بزيادة ابنه وهو يجمعّ الأقوال اهـ. والإمام أحمد هو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني المروزي ثم البغدادي الإمام البارع المجمع على إمامته وجلالته وورعه وزهادته وحفظه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ووفور علمه وسيادته أخذ عن ابن عيينة وأقرانه وروى عنه جماعة من شيوخه وخلائق آخرون لا يحصون منهم البخاري فروى عنه حديثاً واحداً في آخر كتاب الصدقات تعليقاً وروى عن أحمد بن الحسين الترمذي عنه حديثًا آخر وروى عنه مسلم وأبو داود وأبو زرعة الرازي وقال كان أحمد يحفظ ألف ألف حديث فقيل له وما يدريك به فقال ذاكرته فأخذت عليه الأبواب وإبراهيم الحربي وقال رأيت ثلاثة لم ير مثلهم أبداً وذكره منهم ثم قال كان الله جمع له علم الأولين والآخرين من كل صنف يقول ما شاء ويمسك ما شاء وقال إسحاق بن راهويه هو حجة بين الله وبين عبيده قال قتيبة وأبو حاتم إذا رأيت الرجل يحب أحمد فاعلم أنه صاحب سنة وقال إمامنا الشافعي رضي الله عنه خرجت من بغداد وما خلفت بها أتقى ولا أفقه ولا أزهد ولا أورع ولا أعلم منه وقال ميمون بن الأصبع كنت ببغداد فسمعت ضجة امتحان أحمد فدخلت فلما ضرب سوطًا قال بسم الله فلما ضرب الثاني قال لا حول ولا قوة إلاَّ بالله فضرب الثالث فقال القرآن كلام الله غير مخلوق فضرب الرابع فقال قل لن يصيبنا إلاَّ ما كتب الله لنا فضرب عشرين سوطاً وكانت تكة لباسه حاشية ثوب فانقطعت فنزل السروال إلى عانته فدعا فعاد ولم ينزل ودخلت عليه بعد سبعة أيام فقلت يا أبا عبد الله رأيتك تحرك شفتيك فأي شيء قلت قال قلت اللهم إني أسألك باسمك الذي ملأت به العرش إن كنت تعلم أني على الصواب فلا تهتك لي ستراً وروي أنه كان كلما ضرب سوطاً أبرأ ذمة المعتصم فسئل فقال كرهت إن آتي يوم القيامة فيقال هذا غريم ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - أو رجل من أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وقيل لبشر الحافي لما ضرب أحمد في محنة القول بخلق القرآن لو قمت وتكلمت بمثل ما تكلم فقال لا أقوى عليه إن أحمد قام مقام الأنبياء قال ابن حجر في شرح المشكاة ومن ثمة أرسل إليه الشافعي إلى بغداد يطلب قميصه الذي ضرب فيه فأرسله إليه فغسله وشرب ماءه وهذه من أجل مناقبه اهـ. وتبعه عليه القاري في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المرقاة على المشكاة لكن في شرح حاشية العقائد للشيخ ابن أبي شريف امتحن المأمون الناس بالقول بخلق القرآن سنة مائتين واثني عشر بعد وفاة الشافعي بنحو سبع سنين فأجاب أكثر من دعي إلى ذلك كرهاً وأبى بعضهم ثم لما ولي أخوه المعتصم وهو أبو إسحاق محمد بن هارون الرشيد اشتدت المحنة وقرب الإمام أحمد ثم ولي بعده ابنه الواثق هارون فبالغ في المحنة بإشارة القاضي أحمد بن دؤاد بهمزة مفتوحة ممدودة بعد الدال المهملة المضمومة ويقال إن الواثق تاب في آخر عمره عن ذلك ثم لما ولي المتوكل جعفر بن المعتصم أواخر سنة اثنين وثلاثين ومائتين رفع المحنة وقمع البدعة وأكرم الإمام أحمد رضي الله عنه، وهو لا يلائم ما نقله الشيخ ابن حجر من طلب الشافعي قميص أحمد الذي ضرب فيه لأنه وقع بعده وفي طبقات السبكي إن ابتداء دعاء المأمون إلى القول بخلق القرآن سنة ثنتي عشرة وقوة ذلك في سنة ثمان عشرة وضرب أحمد إنما كان بعد موت المأمون في خلافة المعتصم وفي تاريخ اليافعي ودعي يعني ابن حنبل بعد وفاة الشافعي بست عشرة سنة إلى القول بخلق القرآن فلم يجب وضرب فصبر مصراً على الامتناع وكان ضربه في العشر الأخير من شهر رمضان سنة عشرين ومائتين اهـ، ثم رأيت الشيخ ابن حجر تنبه لذلك فضرب على هذه المقالة في نسخته المسودة التي بخطه والله أعلم ومناقب أحمد كثيرة ولد في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة ومرض تسعة أيام وتوفي سنة إحدى وأربعين ومائتين على الصحيح ليلة الجمعة وصلى عليه بعد العصر ثاني عشر ربيع الآخر أو لثلاث عشرة بقين منه وقيل غير ذلك وقبره ظاهر ببغداد يزار ويتبرك به قال أبو زرعة بلغني أن المتوكل أمر أن يمسح الموضع الذي وقف الناس فيه للصلاة على الإمام أحمد فبلغ مقام ألفي ألف وخمسمائة ألف وأسلم يوم وفاته عشرون ألفاً وكشف قبره بعد موته بمائتين وثلاثين سنة لموت بعض الأشراف ودفنه بجانبه فوجد كفنه صحيحاً لم يبل

و"أبي عوانة"، و"سنن ابن ماجه"، و"الدارقطني"، ـــــــــــــــــــــــــــــ وجثته لم تتغير. قوله: (وأبي عوانة) هو بفتح العين المهملة وتخفيف الواو والنون بعد الألف وآخره هاء غير منصرف لما تقرر في وجه منع أبي هريرة، وأبو عوانة هو الاسفراييني وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد النيسابوري الحافظ الكبير الجليل صاحب المسند الصحيح المخرج على كتاب مسلم سمع بخراسان والعراق والحجاز واليمن والشام والثغور وبجزيرة فارس وأصبهان ومصر وهو أول من أدخل مذهب الشافعي إلى اسفراين أخذه عن المزني والربيع سمع محمد بن يحيى ومسلم بن الحجاج ويونس بن عبد الأعلى وخلفا سواهم روى عنه أحمد بن علي الرازي الحافظ وأبو يعلى النيسابوري والطبراني وخلق آخرهم ابن ابن أخيه أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الاسفراييني قال الحاكم أبو عوانة من علماء الحديث وأنباتهم ومن الرجال في أقطار الأرض لطلب الحديث سمعت محمد ابنه يقول أنه توفي سنة ست عشرة قال السبكي في طبقاته وذكر عبد الغافر بن إسماعيل أنه توفي سنة ثلاث عشرة والصحيح الأول وعلى قبر أبي عوانة مشهد بإسفراين يزار قيل وهو بداخل البلد اهـ، وفي تاريخ اليافعي وحج خمس حجج وقال كتب إلى أخي محمد بن إسحاق. فإن نحن التقينا قبل موت ... شفينا النفس من مضض العتاب وإن سبقت بنا أيدي المنايا ... فكم من عاتب تحت التراب قوله: (والدارقطني) بفتح الراء وإسكانها وضم القاف وإسكان الطاء المهملة لعدها نون نسبة لدار القطن محلة كانت كبيرة ببغداد وهو الإمام أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي الدارقطني البغدادي الشافعي الإمام الجليل الحافظ إمام عصره وحافظ دهره صاحب السنن والعلل وغيرهما إليه انتهى علم الأثر والمعرفة بعلل الحديث وأسماء الرجال وأحوال الرواة مع الصدق والأمانة والثقة والعدالة وصحة

و"البيهقي" ـــــــــــــــــــــــــــــ الاعتقاد والتضلع بعلوم شتى سمع أبا القاسم البغوي وآخرين وروى عنه أئمة كأبي نعيم والحاكم أبي عبد الله والشيخ أبي حامد الاسفراييني والقاضي أبي الطيب الطبري وخلق كثير قال رجاء بن محمد العدل قلت للدارقطني رأيت مثل نفسك فقال قال الله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32] فألححت عليه فقال لم أو من جمع ما جمعت وقال أبو ذر عبد بن أحمد قلت للحاكم بن البيع هل رأيت مثل الدارقطني فقال هو لم ير مثل نفسه فكيف أنا وقال القاضي أبو الطيب الدارقطني أمير المؤمنين في الحديث ومن عجيب حفظه ما ذكره ابن السبكي وغيره أنه حضر في حداثته مجلس إسماعيل الصفار فجلس ينسخ جزءًا والصفار يملي فقال رجل لا يصح سماعك وأنت تكتب فقال الدارقطني فهمي للإملاء خلاف فهمك تحفظ كم أملى الشيخ قال لا قال أملى ثمانية عشر حديثاً الحديث الأول عن فلان ومتنه كذا ثم مر في ذلك حتى أتى على الأحاديث كلها فعجب الناس منه وقال الحافظ عبد الغني أحسن الناس كلاماً على حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة علي ابن المديني في وقته وموسى بن هارون في وقته وعلي بن عمر الدارقطني في وقته ولد في ذي القعدة سنة ست وثلاثمائة وتوفي في ثامن ذي القعدة سنة خمس وثمانين وثلاثمائة قال أبو نصر بن ماكولا رأيت في المنام كأني أسأل عن حال الدارقطني في الآخرة فقيل لي ذاك يدعى في الجنة الإمام ذكره السبكي في طبقاته. قوله: (وَالبيهقيّ) هو بفتح الموحدة وسكون التحتية وفتح الهاء بعدها قاف ثم ياء نسبة لبيهق وهي قرى مجتمعة بنواحي نيسابور على عشرين فرسخاً منها وكان قصبتها خسروجرد بضم الخاء المعجمة وسكون السين وفَتح الراء المهملتين في آخرها الدال المهملة وهو الإمام الكبير أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن عبد الله بن موسى البيهقي النيسابوري الحافظ أحد أئمة المسلمين وهداة المؤمنين والداعي إلى حبل

فصل

وغيرها من الكتب، ومن الأجزاء مما ستراه إن شاء الله تعالى. وكل هذه المذكورات أرويها -بحمد الله- بالأسانيد المتصلة الصحيحة إلى مؤلفيها، والله أعلم. فصل: اعلم أن ما أذكره في هذا الكتاب من الأحاديث أضيفه ـــــــــــــــــــــــــــــ الله المتين ناصر السنة الفقيه الأصولي الزاهد الورع القائم بنصرة مذهب الشافعي وإن لم يحتج مع الله إلى نصير لا ينثني عنه أبدًا وما ذب إلاّ عن بيضة الدين ولد في شعبان سنة أربع وثمانين وثلاثمائة وسمع من الكبير أبي الحسن العلوي وهو أكبر شيخ له ومن الحاكم وهو أجل أصحاب الحاكم ومن آخرين وبلغ شيوخه أكثر من مائة ولم يقع له الترمذي ولا النسائي ولا ابن ماجة ثم اشتغل بالتصنيف بعد أن صار أوحد زمانه وفارس ميدانه فألف ما لم يسبق إلى مثله ولا رقي غيره إلى رفعة محله الكتاب السنن الكبير قال السبكي وما صنف مثله في علم الحديث تهذيباً وترتيباً وجودة وكتاب المبسوط في نصوص الشافعي وغير ذلك وكان على سيرة العلماء قانعاً من الدنيا باليسير متحملاً في زهده وورعه صائماً الدهر قبل موته بثلاثين سنة ومن أجل أن له اليد الطولى في المذهب والذب قال إمام الحرمين وناهيك بها شهادة من هذا الإمام ما من شافعي إلاَّ وللشافعي في عنقه منة إلاَّ البيهقي فإن له على الشافعي منة لتصانيفه في نصرة مذهبه وأقاويله ورؤيت له مراء عن الشافعي تدل على مزيد عنايته به توفي بنيسابور في عاشر جمادى الأولى سنة ثمان وخمسين وأربعمائة وحمل تابوته إلى خسروجر قرية من ناحية بيهق. قوله: (وغيرهما) أي المسانيد والسنن وثني الضمير لكونهما نوعين ولو جاء بضمير الغائبة لصح باعتبار جماعة الكتب المؤلفة. فصل

إلى الكتب المشهورة وغيرها مما قدمته، ثم ما كان في صحيحي البخاري ومسلم أو في أحدهما، أقتصر على إضافته إليهما لحصول الغرض وهو صحته، فإن جميع ما فيهما صحيح، وأما ما كان في غيرهما فأضيفه إلى كتب السنن وشبهها ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (أقْتصرُ على إضَافَتِهِ إليهما) أي وسكت عن إضافته إلى باقي مخرجيه إن كان له طريق آخر. قوله: (فإنَّ جَميع ما فيهما صحيحٌ) المراد جميع ما فيهما من الأحاديث المسندة المتصلة الأسانيد دون التَّعاليق والتراجم ونحو ذلك وهذا مراد البخاري بقوله ما أدخلت في كتابي إلاّ ما صح ومراد العلماء بقولهم جميع ما فيهما صحيح وعدم الحنث لمن حلف بالطلاق على صحته وأنه قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مراد المصنف هنا وفيما سبق عنه من قوله في الجواب عن حال الأصول الخمسة أما الصحيحان فأحاديثهما صحيحة اهـ، فجميع أحاديثهما صحيحة بل أصح الصحيح إذ أصحه ما اتفقا على تخريجه ثم ما رواه البخاري ثم ما خرجه مسلم ثم ما كان على شرطهما ثم ما على شرط البخاري ثم ما على شرط مسلم بل يفيد العلم النظري ثم قال المصنف في الإرشاد قال الشيخ يعني ابن الصلاح ما اتفقا عليه أو انفرد به أحدهما مقطوع بصحته والعلم اليقيني حاصل به لأن الأمة أجمعت عليه وهي معصومة في إجماعها من الخطأ خلافاً لمن قال لا يفيد إلاّ الظن وإنما تلقته الأمة بالقبول لأنه يجب عليها العمل بالظن وهذا الذي اختاره الشيخ خلاف الذي اختاره المحققون والأكثرون وبمعناها عبر في التقريب وناقش الحافظ ابن حجر المصنف بأن ما قاله من جهة الأكثرين مسلم وأما المحققون فلا قال والتحقيق إن الخلاف لفظي لأن من جوز إطلاق لفظ العلم قيده بكونه نظرياً وهو الحاصل عن الاستدلال ومن أبى الإطلاق خص لفظ العلم يعني الضروري

مبيناً صحته وحسنه، أو ضعفه إن كان فيه ضعف في غالب المواضع، وقد أغفل عن صحته وحسنه وضعفه. واعلم أن "سنن أبي داود" من أكثر ما أنقل منه، وقد روينا عنه أنه قال: "ذكرت في كتابي الصحيح ـــــــــــــــــــــــــــــ عنده بالتواتر وما عداه ظني لكنه لا ينفي إن ما احتف بالقرائن أرجح مما خلا منها ثم ذكر من المحتف بها ما أخرجاه أي اجتماعاً أو انفراداً وذكره في شرح النخبة قال فيفيد العلم فإنه احتف به قرائن منها جلالتهما في هذا الشأن وتقدمهما في تمييز الصحيح على غيره وتلقي كتابيهما بالقبول إلاَّ أنه مختص بما لم ينقده أحد من الحفاظ ولم يقع التجاذب بين مدلوليه بلا مرجح لأحدهما على الآخر أي وبعد تجويز إمكان الائتلاف بينهما وما عداه فالإجماع حاصل على تسليم صحته اهـ. ونقل السراج البلقيني مثل مقالة ابن الصلاح من أئمة المذاهب الأربعة وكثير عن جمع كثير من المتكلمين الأشعرية وأهل الحديث قاطبة ومذهب السلف عامة قال ابن كثير وأنا مع ابن الصلاح فيما عول عليه وأرشد إليه قال الجلال السيوطي في شرح التقريب وهو الذي اختاره ولا أعتقد سواء اهـ، وعلى هذا فيفرق بين المتواتر وآحادها بأن العلم في ذاك ضروري يشترك فيه العالم وغيره وفي هذا نظري لا يحصل إلاَّ للعالم بالحديث المتبحر فيه العارف بأحوال الرواة المطلع على العلل وكون غيره لا يحصل له العلم بصدق ذلك لقصوره لا يبقى حصوله له. قوله: (مبيناً صحته) مبين بوزن اسم الفاعل حال من فاعل أضيف وصحته مفعولة وبوزن اسم المفعول حال من المفعول في أضيفه وصحته نائب الفاعل له لكن يقوي الأول تذكير مبيناً إذ الأفصح على الثاني تأنيثه لكون فاعله مؤنثاً وإن جاز تذكيره لكون تأنيثه مجازياً. قوله: (وقدْ أَغفُلُ عَنْ صحَّته إلخ) أي عن

وما يشبهه ويقاربه، وما كان فيه ضعف شديد بَينْتُهُ، وما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح، وبعضها أصحُّ من بعض"، هذا كلام أبي داود، وفيه فائدة حسنة يحتاج إليها صاحب هذا الكتاب وغيره، وهي أن ـــــــــــــــــــــــــــــ بيان صحته فهو على تقدير المضاف كما يدل عليه سياق كلامه أو عن تصحيحه إلخ، من استعمال اسم المصدر محل المصدر والأول أظهر. قولة: (ومَا يشبههُ ويقارِبهُ) قال المصنف في الإرشاد وفي رواية عنه ما معناه أنه يذكر في كل باب أصح ما عرفه فيه بحيث يخرج الضعيف ثم ظاهر كلامه إن الأقسام ثلاثة الصحيح قسم وما يشبهه ويقاربه قسم وما فيه ضعف شديد قسم وعليه جرى غير واحد منهم ابن الصلاح ولكن قال ابن الجزري في الهداية إن عبارة أبي داود تفهم إن الحديث أربعة أقسام صحيح وما يشبهه وهو الحسن وما يقاربه وهو الصالح وما فيه ضعف شديد فيصير الصالح علي هذا قسمًا مستقلاً وعلى الأول مندرج في شبه الصحيح محتمل للصحة والحسن. قوله: (ضعف شَدِيدٌ) عبر في الإرشاد والتقريب بقوله وهن شديد. قوله: (بينته) قال الحافظ ابن حجر هل البيان عقب كل حديث على حدته حتى لو تكرر ذلك الإسناد ببينه مثلاً أعاد البيان أو يكتفي به في موضع ويكون فيما عداه كأنه أبينه الظاهر الثاني ونظر فيه تلميذه السخاوي في شرح التقريب بأنه لا يلزم من تعليل الحديث براو اطراده في سائر أحاديثه لوجود شاهد أو متابع في بعضها دون بعض أو لكونه في أحد الموضعين من صحيح حديث المختلط والمدلس دون الآخر أو لكون أحدهما في الفضائل ونحوها والآخر في الأحكام ونحوها. قوله: (ومَا لَمْ أذكرْ فيِهِ شَيْئاً إلخ) أي ما سكت عن بيان حاله فهو صالح قال السخاوي ومما ينبه عليه إن سنن أبي داود تعددت رواتها عن مصنفها ولكل أصل وبينها تفاوت حتى في وقوع البيان

ما رواه أبو داود في "سننه" ولم يذكر ضعفه فهو عنده صحيح أو حسن، ـــــــــــــــــــــــــــــ في بعضها دون بعض سيما رواية أبي الحسن بن العبد ففيها من كلامه أشياء زائدة على رواية غيره وحينئذٍ فلا يسوغ إطلاق السكوت إلاَّ بعد النظر فيها كما قيل به فيما ينقل من حكم الترمذي على الأحاديث. قوله: (مَا رَواه أبو داود في سننه ولم يذكر ضعفه إلخ) ظاهر كلام المصنف إن الاعتبار ببيان حال الحديث أو السكوت عنه بما في السنن فقط وقد تردد في ذلك بعضهم فقال هل المعتبر البيان في السنن فقط بحيث لو كان له في غيره من تصانيفه أو فيما دون عنه كلام فيها لعله سكت عنه فيها لا يلاحظ، الظاهر نعم مع تعين ملاحظته فيما يحتمل الرجوع أو نحوه. قوله: (فَهوَ عِنْدَهُ صحيح أو حسنٌ) قال في الإرشاد ففي هذا ما وجدناه في كتابه مطلقاً ولم ينص على صحته أحد ممن يميز بين الحسن والصحيح زاد في التقريب ولا ضعفه حكمنا بأنه من الحسن عند أبي داود وقد يكون في بعضه ما ليس حسناً عند غيره ولا داخلاً في حد غير الحسن وما عبر به هنا من قوله فهو حسن أو صحيح أحسن من قوله فيهما تبعاً لابن الصلاح "حكمنا بأنه من الحسن الخ" لأن ابن رشيد اعترض عليه بأنه يجوز أن يكون صحيحاً عند أبي داود فلا يظهر وجه الجزم بالحكم وإن أجيب عنه بأن الصالح الذي عبر به أبو داود أي الصالح للاحتجاج لا يخرج عن الصحة والحسن لكن لا نرقيه إلى الصحة إلاَّ بنص فالتحسين أحوط فقد اعترض بأن في كلام ابن الصلاح ما يشعر بتحتم كونه حسناً عند أبي داود وليس بجيد فلذا قيل لو قال إن لم يكن من قبيل الصحيح فهو من قبيل الحسن كما سلكه في مستدرك الحاكم كان أنسب قيل وقد لا يتأتى ذلك هنا لاقتضاء كلام أبي داود السكوت عن الضعيف اليسير اهـ، وفيه نظر لأن الضعف اليسير لا ينافي الحسن كما

وكلاهما يحتج به في الأحكام، فكيف بالفضائل. فإذا تقرَّر هذا، فمتى رأيت هنا حديثاً من رواية أبي داود وليس فيه تضعيف، فاعلم أنه لم يضعفه، والله أعلم. وقد رأيت أن أقدِّم في أوَل الكتاب باباً في فضيلة الذكر مطلقاً أذكر فيه أطرافاً يسيرة توطئة لما بعدها، ثم أذكر مقصود الكتاب في أبوابه، وأختم الكتاب إن شاء الله تعالى بباب الاستغفار ـــــــــــــــــــــــــــــ تقدم أنه ضعيف بالنسبة لمرتبة الصحيح وقول المصنف فيما يأتي فمتى رأيت حديثاً من رواية أبي داود وليس فيه تضعيف فاعلم أنه لم يضعفه اهـ، وحذف قوله فيهما "ولم ينص على صحته أحد الخ" لأن الحكم بالصحة حينئذٍ مستفاد من ذلك النص لا من صنيع أبي داود والكلام فيهما يقتضيه صنيعه المذكور بالنسبة لغير المتأهل للتصحيح وغيره وأما هو فيحكم بما يليق والأحوط لغير المتأهل إن يعبر في السكوت عنه بما عبر به هو من قوله صالح والصلاحية إما للاحتجاج أو الاعتبار فما ارتقى من أحاديثه إلى الصحة أو الحسن فهو بالمعنى الأول وما عداهما فبالمعنى الثاني وما قصر عن ذلك فهو للشديد الوهن الملتزم بيانه كذا قيل وفي جعل ذي الضعف اليسير المسكوت عنه خارجاً من وصف القبول مخالفة لكلام المصنف الآتي كما قدمته أيضًا. قوله: (وكلاَهُما يَحْتَجُ بِهِ) وفي نسخة بها وفي أخرى بحذف الواو من كلاهما الواو استئنافية يجوز إثباتها وحذفها وكلا مفرد اللفظ مثنى المعنى فيجوز في الضمير العائد إليه الإفراد نظراً للفظ والتثنية نظراً للمعنى والأفصح الأول قال تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا} [الكهف: 33]. قوله: (فاعلم أنه لَمْ يضعفهُ) أي تضعيفاً شديداً بحيث يخرج به عن القبول وإلا فقضية كلامه السكوت عن الضعف اليسير وقدمنا أنه لا يقدح في كون الخبر مقبولا. قوله: (تَوطِئةَ) في النهاية التوطئة التمهيد والتذليل اهـ. قوله:

باب مختصر في أحرف مما جاء في فضل الذكر غير مقيد بوقت

تفاؤلاً بأن يختم الله لنا به، والله الموفق، وبه الثقة، وعليه التوكل والاعتماد، وإليه التفويض والاستناد. باب مختصر في أحرف مما جاء في فضل الذكر غير مقيد بوقت قال الله تعالى: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ} [العنكبوت: 45] وقال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] وقال تعالى: ـــــــــــــــــــــــــــــ (تفَاؤلاً) هو مهموز ممدود أو مقصور مصدر تفاعل أو تفعل. قوله: (الثِّقة) بكسر المثلثة بعدها قاف مصدر وثق بحذف فإنه كما هو القياس فيه. باب مختصر في أحرف مما جاء في فضل الذكر غير مقيد بوقت قوله: (في أَحْرُف) يصح أن يكون حالاً من باب بناء على كونه خبر المبتدأ محذوف وجاز مجيء الحال منه مع كونه نكرة محضة لتخصيصه بالوصف ويصح أن يكون خبراً بعد خبر للمحذوف ويصح جعل باب مبتدأ وصح الابتداء به لما ذكر من تخصيصه بالوصف وقوله في أحرف هذا متعلق بمحذوف خبر عنه و. قوله: (غير مقيد) بالنصب حال إما من فضل وإما من الذكر وجاز لكون المضاف بمنزلة بعض المضاف إليه ثم لو حذف قوله بوقت لكان أعم لشموله الأحوال والأمكنة والأفعال قوله: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45] المصدر إما مضاف إلى المفعول والفاعل محذوف والمعنى ذكر العبد الله أكبر من كل ما سواه وأفضل منه قال قتادة ليس شيء أفضل من ذكر الله تعالى وقال الفراء وابن قتيبة ولذكر الله وهو التسبيح والتهليل أكبر وأحرى بأن ينهى عن الفحشاء والمنكر أو مضاف إلى للفاعل والمعنى ذكر الله إياك أكبر من ذكرك إياه وعلى هذا الأخير حمله ابن عباس كما نقله الواحدي وفي الآية فضل الذكر، أما على الأول فباعتبار ذاته وعلى الثاني باعتبار ثمراته إذ ذكر الله العبد جزاء الذكر له ففي الحديث القدسي إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإذا ذكرني في ملأ ذكرته

{فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)} [الصافات: 143 - 144] وقال تعالى: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)} [الأنبياء: 20]. ـــــــــــــــــــــــــــــ في ملأ خير منه. قوله: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143)} [الصافات: 143] قال الواحدي "فلولا أنه كان" قبل التقام الحوت إياه {الْمُسَبِّحِينَ} أي المصلين وكان كثير الصلاة {لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)} [الصافات: 144] لصار بطن الحوت قبراً له إلى يوم القيامة قال سعيد بن جبير شكر الله قدسه وقال الضحاك بن قيس اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة فإن يونس كان عبداً صالحاً ذكر الله تعالى، فلما وقع في بطن الحوت قال الله تعالى: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143)} الآية وإن فرعون كان عبداً طاغياً ناسياً ذكر الله تعالى، {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} [يونس: 90] قال الله تعالى له: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ} [يونس: 91] اهـ، قلت وفي حديث ابن عباس تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة وفي الحصين الحصين من حديث أبي هريرة من أحب أن يستجاب له في الشدائد والكرب فليكثر من الدعاء في الرخاء رواه الترمذي ما يؤيد ذلك. ثم وجه إيراد الآية في فضل الذكر جعل التسبيح على أحد أنواع الذكر أي على قول سبحان الله ونحوه فقد حكى الله تعالى أن نجاة يونس بكلمة التوحيد قال تعالى حكاية عنه {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)} [الأنبياء: 87، 88] المؤمنين أما إذا جعل على بيان ما كان قد أتى به قبل التقام الحوت من الصلاة فتقدم أن فضل الذكر غير منحصر في نحو التهليل بل هو شامل لسائر الطاعات ويكون في الآية فضل الذكر بهذا المعنى أي طاعة الله تعالى، الشامل للذكر الحقيقي شرعاً أي قول سيق لثناء على الله تعالى إلخ. قوله: {مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [آل عمران: 24] أي لا يضعفون ولا يملون قال

وروينا في صحيحي إمامي المحدثين: أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري الجعفي مولاهم، وأبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري رضي الله عنهما بأسانيدهما ـــــــــــــــــــــــــــــ الزجاج يجري مجرى التسبيح منهم وغيره من سائر الطاعات مجرى النفس مناولاً بشغلنا عن النفس شيء وكذا تسبيحهم لا يشغلهم عنه شيء وكذا فضل عمل الإنسان لكونه مشقاً على النفس على عمل الملك. قوله: (وَرَوَينَا فِي صَحِيحَي إمامي المحدثين إلخ) وأخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان وقال الترمذي حديث صحيح غريب ووجه الغرابة أنه لم يروه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلاَّ أبو هريرة ولا عن أبي هريرة إلاَّ أبو زرعة أي هرم البجلي ولا عن أبي زرعة إلاَّ عمارة بن القعقاع الضبي ولا عن عمارة بن القعقاع إلاَّ محمد بن فضيل بن غزوان الضبي وعنه انتشر الحديث فأخرجه البخاري عن أحمد بن اشكاب عنه في آخر صحيحه وأخرجه عن أبي خيثمة زهير بن حرب وعنه في الدعوات وكذا أخرجه مسلم وأخرجه البخاري أيضاً عن قتيبة بن سعيد عنه في الإيمان والنذور أخرجه مسلم في الدعوات عن أبي كريب محمد بن العلا المروزي ومحمد بن ظريف ومحمد بن عبد الله بن نمير ثلاثتهم عنه وأخرجه ابن ماجة في سننه في باب التسبيح عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد الطنافسي عنه وأخرجه غيرهم عنه ممن يعسر حصرهم كذا أشار إليه الحافظ في التسبيح وأوضحه الأنصاري في ختم البخاري المسمى بالدر اللامع في ختم الجامع. قوله: (مولاهم) أي مولى حلف وفي شرح المشكاة لابن حجر ولاء الإسلام على مذهب من يرى أن من أسلم على يد شخص كان ولاؤه له وذلك لأن جده المغيرة كان مجوسياً فأسلم على يد اليمان

عن أبي هريرة رضي الله عنه، واسمه عبد الرحمن بن صخر على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولاً، وهو أكثر الصحابة حديثاً، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كَلِمَتَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجعفري والي بخارى نسبة لجعفي بن سعد العشيرة أبي قبيلة من اليمن ووهم من قال أنه اسم بلد فكأنه توهمه من قول ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان أنه مخلاف باليمن ينسب إلى قبيلة من مذحج بينه وبين صنعاء أربعون فرسخاً اهـ، وأصله للعاقولي في شرح المصابيح وعلى قول ياقوت فيحتمل أن يكون جعفي مشتركاً لفظياً بين أبي القبيلة والمكان ويحتمل أنه حقيقة في الأول وسمي المكان به من تسمية المحل باسم الحال وكلامه إلى الثاني أقرب. قوله: (عَنْ أَبي هُرَيْرَة) اختلف في صرفه ومنعه فمنهم من قال بصرفه لأنه جزء علم وقال آخرون بمنع صرفه كما هو الشائع على ألسنة المحدثين وغيرهم لأن الكل صار كالكلمة الواحدة واعترض بأنه يلزم عليه رعاية الأصل والحال معاً في كلمة بل لفظة هريرة إذا وقعت فاعلًا مثلاً فإنه تعرب إعراب المضاف إليه نظرًا إلى الأصل وتمنع الصرف نظراً للحال ونظره خفى وأجيب بأن الممتنع رعايتهما من جهة واحدة لا من جهتين كما هنا وكأن الحامل عليه الخفة واشتهار هذه الكنية حتى نسي الاسم الأصلي بحيث اختلفوا فيه اختلافاً كثيرًا كما نقله المصنف. قوله: (نحو ثلاثين قوْلاً) قال في شرح مسلم اختلف في اسمه واسم أبيه على خمسة وثلاثين قولاً اهـ، وبه يعلم إن قوله هنا نحو ثلاثين قولاً بالنسبة إلى اسمه واسم أبيه ثم كان حق هذا التقرير أن يذكر عند أول ذكر أبي هريرة وهو في مقدمة الكتاب وكأن التأخير إلى هذا المحل لأنه أول محل ذكر فيه من مقصود الكتاب بالأصالة. قوله: (كَلِمَتَانِ) أبهمهما ثم بينهما ليزداد تطلع النفس إليهما فيكون أوقع في النفس وسببا لرسوخهما فيها والمراد

خَفِيفَتَانِ على اللسانِ ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتانِ إلى الرَحْمنِ: سُبْحانَ اللهِ وبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ" وهذا الحديث ـــــــــــــــــــــــــــــ بالكلمة هنا العرفية أو اللغوية لا النحوية. قوله: (خفِيفَتَانِ) أي لقلة ألفاظهما ورشاقتهما شبه حصولهما بمتاع يسهل حمله فاستعار له لفظ خفيفتان استعارة تبعية وفي التعبير بذلك إيماء إلى إن في معظم التأليف ثقلا على النفس لمزاولة الأعمال ومن ثم سمي تكليفاً إذ هو إلزام ما فيه كلفة كذا هو عند البخاري في الدعوات وفي الإيمان والنذور ورواه البخاري في آخر صحيحه وختم به بتقديم حبيبتان إلى الرحمن على ما قبله. قوله: (ثقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ) به مع سابقه حصل الطباق والسجع المستعذب وسئل بعض السلف عن سبب ثقل الحسنة وخفة السيئة فقال إن الحسنة حضرت مرارتها وغابت حلاوتها فثقلت فلا يحملنك ثقلها على تركها فإنها ثقيلة في الميزان والسيئة العكس فلا يحملنك خفتها على ارتكابها وفي الحديث إثبات الميزان وهو مما يجب الإيمان به. قوله: (حَبِيبَتَانِ إلَى الرَّحْمنِ) لما لهما من المزية فباعتبارهما وصفتا بذلك وإلَّا فجميع الذكر محبوب إلى الرحمن تعالى وفي التعبير بالرحمن إيماء إلى إن الثواب من رحمة الرحمن وأنه لا يجب عليه إثابة مطيع ولا تعذيب عاص. قوله: (سبْحانَ الله وَبِحمْدِهِ) معنى سبحان الله تنزيهه عما لا يليق به من كل نقص وسبحان منصوب على أنه واقع موقع المصدر لفعل محذوف تقديره سبحت الله ولا يستعمل غالباً إلاَّ مضافاً وهو مضاف إلى المفعول أي سبحت الله ويجوز أن يكون مضافاً إلى الفاعل أي نزه الله نفسه والمشهور الأول وقد جاء غير مضاف في الشعر كقوله: *سبحانه ثم سبحانا انزهه* وقوله الآخر: *سبحان من علقمة الفاخر* ثم لا منافاة بين إضافته وكونه علماً للتسبيح لأنه ينكر ثم يضاف كما في قول الشاعر: *علا زيدنا يوم اللقا رأس زيدكم* أشار إليه الكرماني والواو في وبحمده للحال ومتعلق الظرف محذوف أي أسبحه

آخر شيء في صحيح البخاري. ـــــــــــــــــــــــــــــ متلبساً بحمدي له من أجل توفيقه لي وقيل عاطفة لجملة على جملة أي أنزهه وألتبس بحمده وقيل زائدة أي أسبحه مع ملابسة حمدي له وسيأتي زيادة إيضاح في إعرابه وقدم التسبيح على التحميد لأنه تنزيه عن صفات النقص والحمد ثناء بصفات الكمال والتخلية مقدمة على التحلية قال الكرماني التسبيح إشارة إلى الصفات السلبية والحمد إشارة إلى الصفات الوجودية، ثم قيل سبحان الله إلخ مبتدأ خبره مقدم عليه هو كلمتان إلخ وما بينهما صفة الخبر وقدم الخبر لما تقدمت الإشارة إليه من تشويق السامع إلى المبتدأ كقول الشاعر: ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها ... شمس الضحا وأبو إسحاق والقمر وبعضهم جعل كلمتان مبتدأ وسبحان الله إلخ خبره قال لأن سبحان يلزم الإضافة إلى مفرد فيجري مجرى الظروف وهي لا تقع إلاَّ خبراً ورجحه المحقق ابن الهمام قال لأنه مؤخر لفظاً والأصل عدم مخالفة وضع الشيء محله بلا موجب ولأن سبحان الله إلخ محط الفائدة بنفسه بخلاف كلمتان فإنهما إنما يكونان محطا لها بواسطة صفاتها. قال الشيخ زكريا في شرح البخاري وللنظر في بعضه مجال والله أعلم. قوله: (آخر شيءٍ في صَحِيح البخَارِي) قال الحافظ وكذا ذكره البخاري أيضاً في الدعوات وفي الإيمان والنذور. وختم البخاري بهذا الحديث لأن التسبيح مشروع في الختام وقال تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} [النصر: 3] وأخرج الترمذي والحاكم عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جلس في مجلس فأكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلاَّ أنت أستغفرك وأتوب إليك غفر له ما كان في مجلسه ذلك وأيضاً ففي الحديث المذكور ما تقدم من أن الثواب من محض الإحسان ففيه

وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلا أخْبِرُكَ بِأَحب الكَلامِ إلى اللهِ تَعالى؟ إن أَحَب الكَلَامِ إلى اللهِ: سُبْحَانَ اللهِ وبِحَمْدِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ إيماء إلى أن المدار على رحمة الرحمن فينبغي للعبد الاعتماد عليها في كل شأن، مع أداء التكليف الشرعية قدر الإمكان. قوله: (وَرَوَينَا فِي صَحيح مسلم إلخ) ورواه كذلك الترمذي والنسائي والحاكم قال الحافظ ووهم في استدراكه فإن مسلماً أخرجه ولعله قصد الزيادة التي في طريقه ولفظه فيها عن أبي ذر قلت يا رسول الله أخبرني أي الكلام أحب عند الله بأبي أنت وأمي قال ما اصطفى الله لعباده سبحان ربي وبحمده سبحان ربي وبحمده هكذا ورد في طريق عبد الوهاب الحجبي الذي رواه الحاكم من طريقه بمعناه. قوله: (عَنْ أبي ذر) هو الغفاري واسمه جندب بضم الجيم والدال وبفتح ابن جنادة بضم الجيم على المشهور وقيل جندب بن عبد الله وقيل ابن السكن وقيل اسمه بربر بموحدتين وراءين مهملتين بوزن هدهد الغفاري وسيأتي في كتاب السلام من هذا الكتاب أنه برير مصغر البر الغفاري الحجازي من السابقين إلى الإسلام وأقام بمكة ثلاثين بين يوم وليلة وأسلم وهو رابع أربعة وقيل خامس أربعة ثم رجع إلى بلاد قومه بإذن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم هاجر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحبه حتى توفي - صلى الله عليه وسلم - روي له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مائتا حديث وأحد وثمانون حديثاً اتفقا منها على اثني عشر وانفرد البخاري بحديثين ومسلم بسبعة عشر روى عنه ابن عباس وآخرون توفي بالربذة بالراء ثم الموحدة ثم الذال المعجمة سنة اثنتين وثلاثين قال المدائني وصلى عليه ابن مسعود ثم قدم ابن مسعود المدينة فأقام عشرة أيام ثم توفي رضي الله تعالى عنهما. قوله: (ألَا أُخْبِرُكَ بأحَبِّ الكَلاَم إِلَى الله إلخ) في الرواية الثانية سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الكلام أفضل إلخ قال المصنف في شرح مسلم هذا محمول على كلام الآدمي وإلا فالقرآن أفضل وقراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل المطلق أما المأثور في وقت أو نحو ذلك فالاشتغال به أفضل اهـ. قال الطيبي ثم هذا الحديث معارض بحديث "أفضل الذكر لا إله إلاَّ الله الخ" ويمكن أن يقال قول سبحان الله وبحمده مختصراً من الكلمات الأربع سبحان الله والحمد لله إلخ لأن معنى سبحان الله تنزيهه عما لا يليق بجلاله فيندرج فيه معنى لا إله إلاَّ الله وقوله وبحمده صريح في معنى الحمد لله لأن إضافته بمعنى اللام ويستلزم ذلك معنى الله أكبر لأنه إذا كان كل فضل وإفضال منه فلا أكبر منه ومع ذلك فليس التسبيح المدلول عليه بسبحان الله مثلاً أفضل من التهليل لأن التهليل صريح في التوحيد والتسبيح متضمن له ولأن منطوق لا إله إلاَّ الله توحيد ومفهومه تنزيه وسبحان الله بالعكس فيكون لا إله إلاَّ الله أفضل لأنه يفيد التوحيد الذي عليه المدار بالتصريح والتوحيد أصل التنزيه ينشأ عنه اهـ، وجمع القرطبي بأن هذه الأحاديث إذا أطلق في بعضها أنه أفضل الكلام أو أحب الكلام فالمراد إذا انضمت إلى أخواتها الأربع بدليل حديث سمرة أحب الكلام أربع لا يضرك بأيهن بدأت الحديث ويحتمل أنه يجمع بأن من مضمرة في قوله أفضل الكلام لا إله إلاَّ الله وفي قوله أحب الكلام سبحان الله بناء على تساوي لفظي أحب وأفضل ومع ذلك فالظاهر تفضيل لا إله إلاّ الله لأنها ذكرت بانفرادها بالأفضلية الصريحة ومع إخوانها بالأحببة فحصل لها الأفضلية صريحاً والأحببة انضماماً كذا في لفظ اللآلي والدرر من شرح البخاري لابن حجر للشيخ ابن العز الحجازي وفيما نقله عن القرطبي ما لا يخفى إذ لا يلزم من الحكم بالأفضلية للمجموع تساوي الأفراد فيها بل يكون مع التفاوت وهذا كما يقال أفضل العلماء فلان وفلان ويكون احدهما أفضل من المذكور معه فيكون ما في الخبرين من ذلك ولعل الجمع إن اختلاف الوصف بالأفضلية باعتبار الملاحظة فأفضلية لا إله إلاَّ الله لدلالتها على إثبات

وفي رواية: "سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيّ الكلام أفضلُ؟ قالَ: ما اصْطَفَى اللهُ لِمَلاَئِكَتِهِ أوْ لعبادِهِ: سبْحَانَ اللهِ وبِحَمْدِهِ". وروينا في "صحيح مسلم" أيضاً ـــــــــــــــــــــــــــــ الوحدانية صريحاً وعلى ذلك المدار ولذا وصفت به صريحاً وأفضلية سبحان الله وبحمده لدخول معاني الكلمات الأربع تحته إما بالتصريح أو بالاستلزام على ما تقدم وبه يعلم أنه لا يحتاج إلى تقدير من لما تقرر والله أعلم وألا بفتح الهمزة وتخفيف اللام أداة استفتاح وسيأتي الكلام عليها في حديث إلا أخبركم بخير أعمالكم. قوله: (وفِي رِواية لمسلم) ورواه الترمذي ولفظه كما سيأتي سبحان ربي وبحمده سبحان ربي وبحمده وسبق أنه كذلك عند الحجبي الذي روى الحاكم الحديث من طريقه ثم الحديث على هذه الرواية من حديث أبي ذر أيضاً. قوله: (مَا اصْطَفَى) أي ما اصطفاه الله فالعائد محذوف وفي نسخة اصطفاه بإثباتها ويجوز كون ما مصدرية أي مصطفى الله أي مختاره من الذكر لمن ذكر. قوله: (لِمَلاَئِكَتِهِ أوْ لِعبَادِهِ) ووقع في المشكاة إسقاط أو لعباده والاقتصار على "لملائكته" وعزاه لمسلم والذي فيه كما عزاه المصنف لملائكته أو لعباده قال ابن حجر في شرح المشكاة ومن ثم افتخروا به على آدم فقالوا {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة: 30] اهـ. قال العاقولي في شرح المصابيح وإنما كان أفضل الكلام لأنه متضمن للتنزيه ومنه نفى الشريك فيكون متضمناً لكلمة التوحيد اهـ. قوله: (وَرَوَيْنا فِي صَحيح مسلم) قال في شرح سلاح المؤمن بعد إيراده ما لفظه مختصراً خرجه مسلم والنسائي وابن ماجة زاد النسائي وهو من القرآن اهـ. قال ابن حجر في شرح المشكاة أفراد الكلمات الثلاث الأول في القرآن اهـ، وحينئذٍ فمعنى قوله وهو من القرآن البعض باللفظ والمعنى والبعض بالمعنى ثم الذي في الإذكار والسلاح وغيرهما من رواية مسلم أحب الكلام إلخ

عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أحَب الكلامِ إلى اللهِ تَعالى أرْبَع: ـــــــــــــــــــــــــــــ فقط ثم قال بعد سوق الروايتين كما ذكر رواه مسلم ثم أشار الحافظ إلى أن في سند الحديث عند مسلم لطيفة توالى ثلاثة من التابعين منصور أي ابن المعتمر عن هلال بن يسار عن الربيع بن عميلة وأشار أيضاً إلى أن الحديث أخرجه الإمام أحمد وأخرجه الطبراني في كتاب الدعاء من طريق أخرى بمثله لكن قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاَّ الله والله أكبر قال الحافظ وقد صحح ابن حبان الروايتين أي التي في الأصل وهذه والله أعلم. قوله: (عَنْ سَمُرةَ بن جُنْدَب) بضم الجيم وفي دال جندب الفتح والكسر وهو الصحابي الفزاري توفي أبوه وهو صغير فقدمت به أمه المدينة فتزوجها أنصاري وكان في حجره حتى كبر قيل أجازه النبي - صلى الله عليه وسلم - في المقاتلة يوم أحد وغزا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وسلم غزوات ثم سكن البصرة وكان زياد يستخلفه عليها إذا سار إلى الكوفة وعلى الكوفة إذا سار إلى البصرة وكان شديداً على الخوارج ولذا تبغضه الحرورية روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة وثلاثة وعشرون حديثاً اتفقا منها على حديثين وانفرد البخاري بحديثين ومسلم بأربعة توفي بالبصرة سنة تسع وقيل ثمان وخمسين وقيل غير ذلك وفي الصحيحين عن سمرة قال لقد كنت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غلامًا فكنت أحفظ عنه فما يمنعني من القول إلا إن ها هنا رجالاً هم أسن مني. ثم اعلم إن الحديث كما خرجه عن سمرة من ذكر أولاً خرج من حديث أبي هريرة أيضاً رواه النسائي وابن حبان كما في الترغيب للمنذري. قوله: (أحَب الكلَام إلَى الله أَرْبَع) لا معارضة بين هذا الخبر وبين ما قبله لأن ما في هذا الحديث بين الكلمات مندرج في تلك الكلمة سبحان الله والحمد لله بالتصريح ولا إله إلاَّ الله والله أكبر بطريق الالتزام ولا يلزم منه

سبْحَانَ اللهِ، والحَمْدُ لِلهِ، ولا إلهَ إلا اللهُ، وَاللهُ أكْبَرُ، لا يَضُركَ بأيهِنَّ بَدأتَ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أفضلية سبحان الله وبحمده على لا إله إلاَّ الله لما سبق إن مفاد لا إله إلاَّ الله صريح التوحيد الذي عليه المدار وسبحان الله مستلزمة وما أفاد بالمقصود الصريح أبلغ مما أفاد بالمفهوم، نعم سبحان الله أبلغ في الدلالة عن التنزيه من لا إله إلاَّ الله لأنها وإن دلت عليه إذ يلزم من إثبات الألوهية انتفاء سائر النقائص وهو معنى التسبيح إلاَّ أنه بطريق الالتزام وسبحان الله يدل عليه بالتصريح التام وسيأتي في شرح حديث أبي مالك بيان أفضل هذه الكلمات. قوله: (والحمدُ لله) أي كل حمد أو حقيقة الحمد أو الحمد المعهود أي الذي حمد به نفسه وحمده به أنبياؤه وأولياؤه مملوك أو مستحق له وقرن باسم الذات إعلاماً بأنه مستحقه للذات قال بعضهم وهو أفضل من التسبيح لأن فيه إثبات سائر صفات الكمال وفي التسبيح تنزيهه عن سائر النقائص ولإثبات أكمل اهـ. وعلى هذا فقدم التسبيح على الحمد لأنه من باب التخلية والحمد من باب التحلية ولأول مقدم كما تقدم والله أعلم. قوله: (ولا إله إلاَّ الله) وتقدم معناها وهي أفضل الذكر ففي الحديث لا إله إلاَّ الله أفضل الذكر وفي حديث البطاقة المشهور عند أحمد والنسائي والترمذي إن لا إله إلاَّ الله لا يقوم لها شيء في الميزان وعند أحمد لو إن السموات السبع وعامرهن والأرضين السبع في كفة ولا إله إلاَّ الله في كفة مالت بهن ولا يحصل الإيمان للقادر على النطق إلاَّ بالتلفظ مع التصديق الجناني وقيل يحصل بالتصديق فقط وهو عاص بترك اللفظ وضعف وقد نقل المصنف الإجماع على عدم نفع التصديق الجناني لمن تمكن من النطق بالشهادتين ولم يأتِ بهما ومات كذلك. قوله: (والله أكبر) أي أجل وأعظم من كل ما عداه وحذف العمول للتعميم ولتلاشي الأكوان في مقام ذكره. قوله: (لا يضرك بأَيهن بدأتَ) لحصول أصل المعنى المقصود مع البداءة بهن لاستقلال كل منها وأما كماله فإنما يحصل بترتيبها

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كما ذكرت في الخبر، كان اللائق بالذكر أولاً نفي النقائص عن ذاته المدلول عليه بسبحان الله ثم إثبات الكمالات مع التنبيه على معنى الفضل والإفضال من الصفات الذاتية والإضافية المدلول عليه بالحمد ثم إثبات الألوهية له تعالى ونفيها عما سواه ففيه توحيد الذات ونفي الضد والند والتبرئ من الحول والقوة والإثبات المذكور مدلول عليه بكلمة التوحيد ثم إثبات الكبرياء له تعالى والاعتراف بالعجز عن القيام بما يليق به من الثناء لعجز سائر الخلق عن ذلك قال سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك وكل من هذه المدلولات لازم رعايته يما قبله، وقال ابن مالك المعنى إن بدأ بأي شيء منها جاز وهذا يدل على إن كلا منها جملة مستقلة ولا يجب ذكرها على نمطها المذكور لكن مراعاته أولى لأن المتدرج في المعارف يعرفه أولاً بنعوت جلاله وتنزيهاته عما يوجب نقصاً ثم بصفات كماله وهي الصفات الثبوتية التي بها يستحق الحمد ثم يعلم إن من هذا صفته لا مماثل له ولا يستحق الألوهية غيره فيكشف له من ذلك أنه أكبر إذ كل شيء هالك إلا وجهه وهو كلام حسن المبدأ والمنتهى اهـ، وهذه الكلمات الأربع هي الباقيات الصالحات المذكورة في الآية كما رواه النسائي من جملة حديث والحاكم عن أبي هريرة وفي السلاح عن أبي سعيد الخدري إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال استكثروا من الباقيات الصالحات قيل وما هن قال التكبير والتهليل والتسبيح والحمد لله ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله اهـ. أي لما تقرر من جمعها للمعارف الإلهية والمقامات السلوكية من سلب النقائص المستلزم إثبات الكمالات المستلزم إثبات التوحيد المستلزم إثبات الكبرياء المستلزم الاعتراف بالعجز وزاد بعضهم عليها لا حول ولا قوة إلاَّ بالله لدال على الاعتراف بالعجز والتبري من الحول والقوة. وقد وردت في حديث أبي سعيد وحكمة تسميتها الباقيات مع بقاء

وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـــــــــــــــــــــــــــــ جميع أعمال الآخرة مقابلتها للفانيات الفاسدات في قوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 45] من المال والبنين ولذا قال تعالى {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف: 46]. قوله: (وروينا في صحيح مسلم) واللفظ له ورواه الترمذي أيضاً وفي رواية له والتسبيح نصف الميزان والحمد لله تملؤه والتكبير يملأ ما بين السماء والأرض والصوم نصف الصبر وزاد في رواية أخري ولا إله إلاَّ الله ليس لها دون الله حجاب حتى تخلص إليه كذا في السلاح ثم ما أورده المصنف بعض حديث مسلم، وباقيه والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها، وأخرج الحديث أحمد والنسائي ووقع عند ابن ماجة وابن حبان إلى قوله والصبر ضياء دون ما بعده وقالا سبحان الله بدل لا إله إلاَّ الله قال الحافظ وقع في رواية جميع من تقدم عن أبي مالك الأشعري إلا الترمذي فوقع في روايته عن الحارث بن الحارث الأشعري فإن كان محفوظاً فالحديث من سند الحارث وهو يكنى أبا مالك وفي الصحابة من الأشعريين ممن يكنى أبا مالك كعب بن عاصم وآخر اسمه عبيد وآخر مشهور بكنيته وقد جعل صاحب الأطراف هذا الحديث من روايته وما وقع عند الترمذي يأبى ذلك اهـ، وسيأتي لهذا مزيد في باب ما يقول الرجل إذا دخل بيته إن شاء الله تعالى. قوله: (عن أبي مالك الأشعري) اختلف في اسمه على عشرة أقوال فقيل كعب بن مالك وقيل كعب وقيل عاصم وقيل عبيد وقيل عمر وقيل الحارث قدم في السفينة مع الأشعريين على النبي - صلى الله عليه وسلم - يعد في الشاميين

"الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمَانِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ توفي في خلافة عمر رضي الله عنه بطعن هو ومعاذ وأبو عبيدة وشرحبيل في يوم واحد روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعة وعشرون حديثاً روي عنه مسلم حديثين هذا أحدهما والثاني أربع من أمر الجاهلية وروي البخاري عنه على الشك فقال عن أبي مالك أو أبي عامر وروي عنه أصحاب الأربعة. قوله: (الطّهور شطر الإيمان) الطهور بالضم على المختار وهو قول الأكثر كما قاله المصنف وبه يندفع قول القرطبي لم يرو إلاّ بالفتح، وبالفتح للمبالغة أو اسم الآلة التي يتطهر بها ويمكن حمله على ما يوافق رواية الضم إما إنهما مصدران بمعنى واحد وعليه الخليل أو أنه مراد به غير معناه المذكور من المبالغة واسم الآلة بل المراد به ما يوافق معنى المضموم من الاستعمال فيتحد معنى الروايتين أو إن فيه على رواية الفتح مضافاً أي استعمال الطهور والمراد به الفعل وهو كالطهارة مصدران من طهر بفتح هائه وضمها يطهر بالضم لا غير لغة النزاهة وشرعاً فعل ما يترتب عليه إباحة أو ثواب مجرد فالأول كالوضوء عن الحدث والثاني كالوضوء المجدد والمراد بالإيمان هنا حقيقته المركب من التصديق الجناني والإقرار اللساني والعمل الأركاني وهو كذلك وإن كثرت خصاله إلاّ أنها منحصرة فيما ينبغي التنزه عنه وهو كل منهي عنه ويطلب التلبس به وهو كل مأمور به فهو شطران والطهارة بالمعنى اللغوي شاملة لجميع الشطر الأول فالخبر نظير خبر الإيمان نصفان نصف شكر ونصف صبر أو الصلاة كما في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143 - 143] أي صلاتكم لبيت المقدس والمراد بالطهور فيه الوضوء وهو لافتقار الصلاة إليه لكونه شرطها فكان لها كالشطر قال المصنف وهذا أقرب الأقوال واعترض بأن الشرط ليس بشطر لغة ولا اصطلاحاً ورد

والحمْدُ لِلهِ تَمْلأُ المِيزَانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بأنه لم يدع أن الشرط شطر إنما قال أنه كالشطر وهو وإن لزم عليه إن فيه تجوزاً في قصر الإيمان على الصلاة وإخراج الشطر عن حقيقته إلى معنى المماثل للشطر لا يبعد اختياره لتعذر الحقيقة باعتبار القواعد والاستقراء وبه يجاب عما قيل أنه من قصر العام على بعض أفراده وهو لا يجوز إلاَّ بدليل واستعمال الشطر في غير النصف الحقيقي شائع وحكمة التعبير به الإشارة إلى الفخامة والشرف والطهر حقيق بذلك إذ طهر الظاهر، برفع الحدث والخبث حتى يتأهل العبد للوقوف بين يدي الله تعالى والشروع في مناجاته، مؤذن غالباً يطهر الباطن من خبائث ذنوبه بالتوبة المؤذنة بفتح باب السلوك إلى الله تعالى ومن ثم مدح الله تعالى كلا منهما وأثبت له محبة مخصوصة بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين} [البقرة: 222] ولا يشكل على ما ذكر من إخراج الشطر عن معنى النصف حديث أحمد والطهور نصف الإيمان لأن النصف يأتي أيضاً بمعنى الصنف ومنه عند جماعة حديث تعلموا الفرائض فإنها نصف العلم كقول الشاعر: {} إذا مت كان الناس نصفان شامت ... وآخر مثن بالذي كنت أفعل وأما حمل بعضهم الخبر على أن المراد الطهور كالإيمان في تكفير ما فعل من العصيان فمردود بأنه حينئذٍ مثله لا شطره على أن الصلاة ونحوها مثله في ذلك فلا خصوصية له. قوله: (والحمد لله تملأ الميزان) بالتحتية والفوقية أي يملأ ثوابها لو قدر جسماً أو هي لو جسمت باعتبار ثوابها أي ثواب التلفظ بها مع استحضار معناها أي من الثناء بالجميل الاختياري إلخ والإذعان له والميزان الذي يقع به وزن الأعمال إما بأن يجسم أو توزن صحف الأعمال فتطيش بالسيئة وتثقل بالحسنة حقيقة يوم القيامة دل عليه الكتاب والسنة قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47] والآيات والسنة كثيرة فيما ذكره ومخالفة المعتزلة في إثبات حقيقة الميزان

وَسُبْحَانَ اللهِ والحَمْدُ للهِ تَمْلآنِ -أَو تَمْلأُ- ما بَيْنَ السمواتِ والأرضِ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وحمله على أنه مجاز عن إقامة العدل في الحساب كنظائره نشأ عن تحكيم عقولهم الفاسدة ونظرهم لأنظارهم الكاسدة وإنما ملأ ثواب هذه الجملة كفة الميزان مع سعتها المفرطة لأن حمده تعالى فيه إثبات لسائر صفات كماله فبسبب ذلك عظم ثوابه حتى ملأ الميزان ثم هل الثواب المذكور على خصوص هذه الجملة لأنها أفضل صيغ الحمد ولذا وردت في الكتاب والسنة أو المراد هي وما ماثلها مما أفاد الحمد تردد فيه بعض المحققين وظاهر كلامه الميل إلى الثاني وزعم إن المراد بالحمد لله هو سورة الفاتحة مردود بدليل السياق. قوله: (وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ) شك من الراوي هل هو بضمير التثنية لتعدد الجملتين أو بالإفراد باعتبار الجملة أو المذكور ثم كل منهما بالفوقية باعتبار الجملة وبالتحتية فالأولى باعتبار أنهما جملتان والثانية باعتبار اللفظ أي هذا اللفظ المشتمل على الجملتين واقتصر العاقولي على قوله تروى بالمثناة الفوقية. قوله: (ما بين السماوات والأرض) كذا هو في الكتب الحديثية السموات بالجمع ورأيته في سلاح المؤمن السماء بالإفراد وعزاه إلى رواية مسلم والترمذي والذي في أصلي من مسلم كما في كثير من الكتب الحديثية بالجمع والأرض في هذا الخبر مروي به بالإفراد والمراد به الجمع أي الأرضين جرياً على وزان الآيات القرآنية وحكمته الإشارة إلى شرف السماء على الأرض كما هو الأصح عند الجمهور لعدم العصيان فيها أبدًا بناء على إباء إبليس من السجود كان في الأرض أو غالباً بناء على مقابله، وملأ ثواب ما ذكر ما بين السموات والأرض التي لا يحيط بسعتها إلَّا خالقها سبحانه لأن العبد إذا حمد الله مستحضراً معنى الحمد امتلأت ميزانه فإذا أضاف إليه سبحان الله الذي هو تنزيه الله أي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اعتقاد تنزهه عما لا يليق به من الأوصاف ملأت حسناته ثوابه وزيادة على ذلك ما بين السماء والأرض إذ الميزان مملوء بثواب التحميد فهذه الزيادة ثواب التسبيح وثواب الحمد من ملئه للميزان باقٍ بحاله على كل من اللفظين المشكوك فيهما وهل المراد أنهما معاً يملآن ما بينهما أو كل منهما يملؤه هذا محتمل كذا في شرح الأربعين لابن حجر وفي شرحه على المشكاة وفي ملئهما لهذه الاجرام أظهر دلالة على عظم فضلهما وعلى إن الحمد لله أفضل من سبحان الله لأنها خصت بملء الميزان ثم شوركت مع سبحان الله في ملء ما ذكر أيضاً اهـ، وبه يعلم إن قوله فهذه الزيادة ثواب التسبيح أي مع الحمد لا على الانفراد كما يوهمه كلامه الأول ثم قد تضمنت الأحاديث فضل الكلمات الأربع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاَّ الله والله أكبر قال ابن حجر في شرح الأربعين فأما الحمد فقد اتفقت الروايات على أنها تملأ الميزان فهو أفضل من التسبيح وسره إن في الحمد إثبات سائر صفات الكمال وفي التسبيح تنزيهه عن صفات النقص والإثبات أكمل من السلب واعلم أن الميزان أوسع مما بين السماء والأرض فما يملؤه أكثر مما يملؤهما وبه يعلم إن الحمد لله أكثر ثوابًا من لا إله إلاَّ الله لما تقرر إن الحمد يملأ الميزان وانه أكثر مما يملأ السماء والأرض ومع ذلك لا إله إلاَّ الله لا تملؤه إلاَّ مع ضم الله أكبر إليها وقد حكى ابن عبد البر وغيره خلافاً في ذلك قال ابن عبد البر قال النخعي إن الحمد لله أكثر الكلام تضعيفاً وقال الثوري ليس يضاعف من الكلام مثل الحمد لله وروى أحمد إن الله اصطفى من الكلام أربعاً سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاَّ الله والله أكبر وإن في كل من الثلاثة عشرين حسنة وحط عشرين سيئة وفي الحمد لله ثلاثين حسنة اهـ، وأشار بقوله ولا إله إلاّ الله لا تملؤه إلاَّ بضم والله أكبر إليها إلى حديث ولا إله إلاَّ الله والله أكبر ملء السموات

وروينا فيه أيضاً ـــــــــــــــــــــــــــــ والأرض وما بينهن وإلى حديث آخر كلمتان إحداهما من قالها لم يكن لها نهاية دون العرش والأخرى تملأ ما بين السماء والأرض لا إله إلاَّ الله والله أكبر وفي شرح المشكاة في حديث الترمذي وابن ماجة أفضل الذكر لا إله إلاَّ الله وأفضل الدعاء الحمد لله قيل الحمد لله أفضل لأنه جعلها أفضل العبادة وتلك إنما جعلت أفضل الذكر الذي هو نوع منها وأيضاً في حديث إن الحمد لله بثلاثين حسنة ولا إله إلاَّ الله بعشر حسنات وهو صريح في أفضلية الحمد لله وقيل الأفضل كلمة لا إله إلاّ الله لأنها كلمة النجاة المتكفلة بكل خير ديني ودنيوي وأيضاً هي أصل العبادات القولية والفعلية والأمر المبني عليها غيرها وهذا هو الصحيح الذي لا محيد عنه فيتعين أن يكون المراد من حديث وأفضل الدعاء ما ندب الشارع إلى بدئه وختمه به وهو الحمد لله وأفضل الدعاء أي العبادة لا إله إلاَّ الله الحمد لله وكونها بثلاثين حسنة لا يدل على أفضليتها لأن لا إله إلاَّ الله فيها من الفضائل والخصائص غير الحسنات ما ليس في الحمد لله اهـ. وقال الطيبي لا إله إلاَّ الله وهي الكلمة العليا وهي القطب الذي يدور عليها رحى الإسلام والقاعدة التي بني عليها أركان الدين وهو أعلى شعب الإيمان ثم قال ولا مر ما نجد العارفين وأرباب القلوب يستأثرونها على سائر الأذكار لما رأوا فيها من خواص ليس الطريق إلى معرفتها إلاّ الذوق والوجدان اهـ. وزعم الزمخشري إن التسبيح أفضل ورد بأن التفضيل أمر شرعي ولم يثبت في ذلك شيء وبأن التسبيح أمر سلبي والذكر أمر ثبوتي والوجود أشرف من العدم ولا يشكل على قوله ولم يثبت إلخ حديث لا إله إلاَّ الله بعشر حسنات وسبحان الله بثلاثين حسنة لما

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقدم والله أعلم. قوله: (وروينا فيه أيضاً) اعلم أن حديث جويرية رواه ما عدا البخاري من أصحاب الكتب الستة كما قاله في السلاح وأخرجه الطبراني في كتاب الدعاء بنحوه كما أشار إليه الحافظ، وكلما أيضاً لا تستعمل إلاَّ مع شيئين بينهما توافق ويمكن استغناء كل منهما عن الآخر وهو مفعول مطلق حذف عامله وجوباً سماعاً أو حال حذف عاملها وصاحبها والتقدير على الأول أرجع إلى الرواية عنه رجوعاً وعلى الثاني أروى بما تقدم راجعاً إلى الرواية عنه ثانياً قال الجلال السيوطي توقف ابن هشام في عربيتها وظن أنها مولدة من استعمال الفقهاء وليس كما ظن فقد ثبت في الكلام الفصيح روى أحمد في مسنده عن أبي هريرة إن عمر وهو يخطب يوم الجمعة جاء رجل فقال عمر له تحبسون عن الصلاة فقال الرجل ما هو إلاّ إن سمعت النداء فتوضأت فقال أيضاً وفي لفظ الوضوء أيضاً وهو في الصحيح من حديث ابن عمر عن عمر اهـ. قلت في صحيح البخاري عن عمر والوضوء أيضاً أخرجه في باب غسل الجمعة وقد ظفرت بأنه - صلى الله عليه وسلم - تكلم بذلك في الصحيحين وأخرج البخاري في كتاب الجهاد في باب بيعة الرضوان حديث سلمة بن الأكوع قال بايعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم عدلت إلى ظل الشجرة فلما خف الناس قال يا ابن الأكوع ألا تبايع قلت قد بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وأيضاً الحديث وأخرج البخاري في كتاب الفضائل في فضل هند بنت عتبة بن ربيعة زوج أبي سفيان وأخرجه في غير كتاب الفضائل أيضاً ومسلم في صحيحه عن عائشة قالت جاءت هند بنت عتبة فقالت يا رسول الله ما كان على ظهر الأرض من خباء أحب إليَّ أن يذلوا من أهل خبائك ثم ما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي أن يعزوا من أهل خبائك فقال لها - صلى الله عليه وسلم - وأيضاً والذي نفسي بيده أي ليزيد الإيمان في قلبك وترسخ المحبة عندك أيضاً اهـ.

عن جُوَيريةَ أم المؤمنين رضي الله عنها: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح، وهي ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (عن جويرية) بالجيم المضمومة فالواو المفتوحة ثم التحتية الساكنة ثم الراء المهملة ثم ياء تحتية مشددة ثم هاء. قوله: (أُم المؤْمنين) وهي بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعية المصطلقية سباها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم المريسيع وهي غزوة بني المصطلق في السنة الخامسة وقيل السادسة من الهجرة وكانت جويرية تحت صفوان ذي الشعرين فقتل يوم المريسيع وفي صحيح مسلم كان اسمها برة فحوله النبي - صلى الله عليه وسلم - جويرية وكان يكره إن يقال خرج من عند برة كما سيأتي في كتاب الأسماء ذكر ابن سعد إنها توفيت في شهر ربيع الأول سنة ست وخمسين في خلافة معاوية وصلى عليها مروان بن الحكم وهو يومئذٍ والي المدينة وكان سنها لما تزوجها - صلى الله عليه وسلم - عشرين سنة وتوفيت عن خمس وستين سنة كذا أخرجه ابن سعد عن مولاة جويرية عنها وخبر تزوجه بها مذكور في التهذيب للمصنف وغيره حاصله عن عائشة أنها استعانته في كتابتها مع من وقعت في سهمه وهو ثابت بن قيس وكانت امرأة ملاحة فقال أو خير من ذلك أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك قالت نعم ففعل فبلغ الناس ذلك فقالوا أصهار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسلوا ما كان في أيديهم من بني المصطلق فلقد أعتق بها مائة بيت من بني المصطلق قالت عائشة فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها وروى عنها ابن عباس ومولاه كريب وآخرون روي لها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعة أحاديث انفرد البخاري منها بحديث واحد ومسلم بحديثين. قوله: (بُكرةً) بالتنوين لأن المراد منه بكرة يوم من الأيام والبكرة أول النهار من الفجر على الصحيح من قبل طلوع الشمس. قوله: (حين صلى الصبح) أي حين أراد صلاة

في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى، وهي جالسة فيه، فقالَ: ما زِلْتِ اليَوْمَ على الحالَةِ التي فارَقْتُكِ علَيها؟ قالت: نعم، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أربَعَ كَلماتٍ ثلاثَ مرَّاتٍ لو وُزِنَت بِما قُلْتِ مُنْذُ اليَوْم لَوَرنَتْهُن: ـــــــــــــــــــــــــــــ الصبح. قوله: (في مَسجدِها) قال العاقولي أي موضعها المعد للصلاة من بيتها اهـ. قال ابن حجر وهو بفتح الجيم مصلاها وغلب السجود لأنه أشرف الأركان مطلقاً وبعد القيام. قوله: (أَضْحَى) أي دخل في الضحا فالفعل تام والضحا ما بين طلوع الشمس وارتفاعها قدر رمح ووقع عند الطبراني ثم رجع بعد ما ارتفع وانتصف النهار وهي كذلك. قوله: (بعدكِ) أي بعد مفارقتك. قوله: (أَربَعَ كلمَاتِ) قال العاقولي نصب على المصدر أي تكلمت يعني إن معنى قلت تكلمت فهو معنوي أي عامله من معناه لا من لفظه كقمت وقوفاً ويحتمل أنه جعله لفظياً بناءً على القول بأن العامل في المذكور محذوف ويكون قلت وتكلمت أربع كلمات. قوله: (منذُ اليومِ) بضم الميم وتكسر وهي هنا من حروف الجر أي في الوقت الحاضر هذا هو المختار ويجوز رفعه. قوله: (لَوَزَنَتْهُنَّ) أي عادلنهن كما هو المتبادر أو غلبتهن وزادت عليهن في الوزن كما يقال حاججته أي غلبته في الحجة ويؤيده أنه ورد عن الطبراني أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لقد قلت بعدك كلمات ثلاث مرات هن أكثر وأرجح مما قلت وأعاد الضمير مجموعاً عليهن باعتبار معنى ما في قلت إذ هي واقعة على أذكار كثيرة جداً كما يدل عليه تحديدها الوقت المشغول جميعه بالذكر وفي حواشي سنن أبي داود للسيوطي "سئل" الشيخ عز الدين ابن عبد السلام عمن يأتي في التسبيح بلفظ يفيد عدداً كثيراً كقوله سبحان الله عدد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خلقه أو عدد هذا الحصى وهو ألف هل يستوي أجره في ذلك وأجر من كرر التسبيح قدر ذلك العدد "فأجاب" قد يكون بعض الأذكار أفضل من بعض لعمومها وشمولها واشتمالها على جميع الأوصاف السلبية والذاتية والفعلية فتكون السلبية من هذا النوع أفضل من الكثير من غيره كما جاء في قوله - صلى الله عليه وسلم - سبحان الله عدد خلقه اهـ، وصريحه أن أجر التكرار إذا اتحد النوع أفضل ولا إشكال فيه بل غيره لا يظهر لئلا يلزم مساواة العمل القليل للعمل الأكثر مع التساوي في سائر الأوصاف وذلك مما يأباه قواعد الشرع الشريف وفي فتاوى الحافظ ابن حجر العسقلاني "سأل" المحقق الجلال المحلي عما ورد من نحو هذا الخبر من حديث صفية، فقال ما المراد منه حتى يرتفع فضل التسبيح الأقل زمناً على الأكثر زمناً "فأجاب " قد قيل في الجواب إن لألفاظ الخبر سرًّا يفضل به على لفظ غيره فمن ثم أطلق على اللفظ القليل أنه يشتمل على عدد لا يمكن حصره فما كان منها من الذكر بالنسبة إلى عدد ما ذكر في الخبر قليل جداً فكان أفضل من هذه الحيثية والله أعلم وفي شرح الحصين الحصين للحنفي واعلم إن قول سبحان الله وبحمده إذا كان مطلقاً محمول على أول مرتبة وهي الوحدة وإذا قيد بقولنا عدد خلقه كان هذا المجمل قائماً مقام المفصل فيقاربه ويساويه وكذا الحال في باقي الأحاديث "وسئل" الشيخ الإمام أحمد بن عبد العزيز النويري بما صورته هل الأفضل الإتيان بسبحان الله عشر مرات أو بقوله سبحان الله عدد خلقه مرة فأجاب الظاهر إن قوله سبحان الله عدد خلقه مرة أفضل ثم ساق أحاديث تشهد بذلك منها حديث الباب وما في معناه ثم قال وقد يكون العمل القليل أفضل من العمل الكثير كقصر الصلاة في السفر أي إذا زاد على ثلاث مراحل أفضل من الإتمام مع كون الإتمام أكثر عملاً لكن لو نذر إنسان أن يقول سبحان الله عشر مرات فقال سبحان الله عدد خلقه مرة فإنه لا يخرج عن عهدة نذره لأن العدد هنا مقصود وقد صرح إمام الحرمين أنه لو نذر أن يصلي ألف صلاة لا

سُبْحَانَ اللهِ وبِحَمْدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يخرج عن عهدة نذره بصلاة واحدة في الحرم المكي وإن كانت تعدلها من حيث الثواب ومثله ما في معناه من الأخبار كخبر سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن فلا يخرج عن عهدة نذره قراءته وفي الدر المنضود في الصلاة على صاحب المقام المحمود - صلى الله عليه وسلم - لابن حجر الهيتمي إن أبا المتطرف "سئل" عن كيفية قوله - صلى الله عليه وسلم - من صلى علي في يوم خمسين مرة صافحته يوم القيامة "فقال" إن صلى على سيدنا محمد خمسين مرة أجزأه ذلك إن شاء الله تعالى وإن كرر ذلك بقدر العدد فهو أحسن اهـ، لكن توقف ابن عرفة المالكي في حصول الثواب بعدة ما ذكر وقال أنه يحصل له ثواب أكثر ممن صلى مرة لا ثواب ذلك العدد قال ويشهد لما ذكر حديث من قال سبحان الله عدد خلقه من حيث إن للتسبيح بهذا اللفظ مزية مالاً لم تكن له فائدة وقد شهد لإثابته بقدر ذلك العدد من طلق ثلاثاً فإنه يلزمه الأعداد الثلاثة نقله عنه تلميذه المحقق الآبي المالكي شارح صحيح مسلم وأنت خبير بأن خبر الباب شاهد بإثابته بقدر ذلك. قوله: (سُبْحانَ الله وبحمده) قال ابن هشام في المغني اختلف فيه فقيل جملة واحدة على أن الواو زائدة وقيل جملتان على أنها عاطفة ومتعلق الباء محذوف أي وبحمده سبحته وعلى كل من القولين يأتي الخلاف المتقدم في (وَسَبحْ بِحَمدِ رَبِّكَ) [طه: 130] من إن الباء للمصاحبة والحمد مضاف إلى المفعول أو للاستعانة والحمد مضاف إلى الفاعل اهـ، والمراد من الحمد لازمه مجازاً أي ما يوجب الحمد من التوفيق والهداية ويكون هذا من التعبير بالمسبب وهو الحمد عن السبب وهو التوفيق والهداية والإعانة ويجوز أن يكون الحمد مضافاً للمفعول ويكون معناه وسبحت بحمدي إياه قاله الكرماني. قوله:

عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَى نَفْسِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (عَدَدَ خَلقِهِ) أي قدره فهو وما بعده منصوب على الظرفية قال الجلال السيوطي في حاشية سنن أبي داود ما لفظه "سئلت" قديماً عن إعراب هذه الألفاظ ووجه النصب فيها فأجبت بأنها منصوبة على الظرف بتقدير قدر وقد نص سيبويه على إن من المصادر التي تنصب على الظرف قولهم زنة الجبل ووزن الجبل اهـ، وألف فيه الجلال جزءاً لطيفاً سماه "رفع السنة عن نصب الزنة" وقيل بل على المصدرية وعليها فقدره بعضهم أعد تسبيحه وبحمده بعدد خلفه وبمقدار ما يرضاه إلخ، وقدره آخرون سبحته تسبيحاً يساوي خلقه عند التعداد وزنه عرشه ومداد كلماته في المقدار وموجب رضا نفسه قال ابن حجر في شرح المشكاة والأول أوضح اهـ، وفيه أن ما يناسب القول بأن النصب على نزع الخافض الذي بدأ به في المرقاة وقدره الشيخ أكمل الدين في شرح المشارق عدداً كعدد خلقه اهـ. قال العاقولي وذكر العدد مجاز للمبالغة لأنها لا تحصر بعد اهـ، وسيأتي له مزيد. قوله: (ورِضَا نفسِهِ) أي ذاته المقدس لتعاليه تعالى عن النفس وقوله تعالى: {وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] من باب المقابلة والمشاكلة لاستحالة النفس عليه تعالى كذا في شرح المشكاة لابن حجر وصريحه منع إطلاقها عليه تعالى في غير المشاكلة وأجازه آخرون لوجوده مع فقد المشاكلة كما في خبر الباب وخبر سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك وفي الحرز لعل وجه المنع أنه مأخوذ من النفس وهو تعالى منزه عنه والأظهر أنه مأخوذ من النفس فيجوز إطلاقه عليه بهذا المعنى اهـ، وهذا بناء على مذهب الباقلاني من جواز ما صح وصفه به مما لا يوهم نقصاً وإن لم يأت به توقيف والصحيح امتناعه قبله ولو استدل لجواز الإطلاق بوروده لا على سبيل المشاكلة فيما ذكر من الخبر الصحيح وأمثاله لكان أولى والله أعلم، وما ورد من إطلاق لفظ النفس عليه تعالى

وَزِنَةَ عَرشِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فالمراد بها فيه الذات قال الراغب في مفرداته في قوله: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ} [آل عمران: 30] أي ذاته وقال ابن الجوزي والنفس تطلق بمعنى الذات وهو المراد في الحديث أي حديث من ذكرني في نفسه الحديث وفي تفسير القاضي وقوله في نفسك للمشاكلة وقيل المراد به الذات وفي "فتح الرحمن في كشف ما يلبس من القرآن" للشيخ زكريا الأنصاري "إن قيل" كيف قال عيسى ذلك مع إن كل ذي نفس جسم فهو ذو جسم لأن النفس جوهر قائم بذاته متعلق بالجسم تعلق التدبير والله منزه عن ذلك "قلت" النفس كما تطلق على ذلك تطلق على ذات الشيء وحقيقته كما يقال نفس الذهب والفضة محبوبة أي ذاتهما والمراد هنا الثاني اهـ، فتحصل من ذلك حمل ما ورد من النفس في حقه تعالى على معنى الذات لكن قال ابن اللبان الشاذلي في كتابه "إزالة الشبهات" في الآية المذكورة قد أولها العلماء بتأويلات منها إن النفس عبّر بها عن الذات والهوية وهذا وإن كان سائغاً في اللغة ولكن تعدى الفعل إليها بواسطة في المفيدة للظرفية محال لأن الظرفية يلزمها التركيب في ذاته وأولها بعضهم بالغيب أي ولا أعلم ما في غيبك وسرك وهذا أحسن لقوله آخر الآية: {إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109)} [المائدة: 109] اهـ، وأنت خبير إن صرفها عن معنى الذات لما ذكر في الآية إنما يجري فيما أشبهه قال ابن حجر في شرح المشكاة وكان القياس ورضاه فذكر النفس المراد بها الذات تأكيداً أي يقتضي التسبيح والحمد، أي كل منهما لكماله والإخلاص فيه، رضا ذاته أو يكون بما يرتضيه لنفسه أو بمقدار ما يرضاه ولا يرضى إلاَّ بما هو خالص لوجهه وعليه ففي ذكر النفس الإشارة إلى الإخلاص وأنه لا يحصل ثواب الذكر بل سائر الأعمال إلاّ ما ابتغى بها وجه الله سبحانه وتعالى اهـ. قوله: (وَزنَة عَرْشه) في كشف المشكل لابن الجوزي هو من الوزن والمقابلة بالثقل وكون كل من التسبيح والحمد ليس له وزانة والعرش جسم له ثقل يجاب بأن الخبر يحتمل

ومِدَادَ كَلِماتِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أمرين أحدهما إن تكون الإشارة إلى إن الصحف التي يكتب فيها التسبيح والتحميد تجمع حتى توازن العرش والثاني إن يراد بذلك الكثرة والعظمة فشبهت بأعظم المخلوقات اهـ. قوله: (ومِدَادَ كَلِمَاته) المداد بكسر الميم كالمد مصدر بمعنى المدد وهو ما كثرت به الشيء يقال مددت الشيء أمده ويحتمل أن يكون جمع مد بالضم مكيال معروف فإنه يجمع على مداد، وكلمات الله تعالى قيل كلامه القديم المنزه عن أوصاف الكلام الحادث قال تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} [الكهف: 109] الآية وقيل علمه وقيل القرآن، ومعناه قيل مثلها في العدد وقيل مثلها في عدم التقدير وقيل في الكثرة أي يكون كل من التسبيح والتحميد مثلها بمقدار هذه وقيل عددها لو فرض حصرها فذكر القدر أو العدد فيها مجاز مبالغة في الكثرة وإلاّ فهي لا تعد ولا تحصى ولذا ختم بها إشارة إلى أن تسبيحه وحمده لا يحدان بعدد ولا مقدار قال ابن حجر في شرح المشكاة ولعل هذا مراد النووي بقوله فيه ترق لكن لا يتم ذلك في الكل لأن رضا نفسه أبلغ من زنة عرشه كما هو ظاهر اهـ، والمراد المبالغة في الكثرة لأنه ذكر ما لا يحصره العد الكثير من عد الخلق ثم زنة العرش ثم ارتقى إلى ما هو أعظم من ذلك وعبّر بقوله ومداد كلماته أي مما لا يحصيه عدد كما لا تحصى كلمات الله وصرح في الأولى بالعدد وفي الثانية بالزنة ولم يصرح بواحد منهما في الثانية والرابعة إيذاناً بأنهما لا يدخلان في جنس المعدود والموزون ولا يحصر بهما المقدار لا حقيقة ولا مجازاً فيحصل الترقي من عدد الخلق إلى رضا النفس ومن زنة العرش إلى مداد الكلمات وقال القرطبي في المفهم إنما ذكر - صلى الله عليه وسلم - هذه الأمور على جهة الإعياء والكثرة التي لا تنحصر منبهاً على إن الذاكر لله تعالى بهذه الكلمات ينبغي له أن يكون بحيث لو تمكن من تسبيح الله

وفي رواية: "سُبْحانَ اللهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ اللهِ رِضَى نَفْسِهِ، سُبْحَانَ اللهِ زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحَانَ اللهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ". وروينا في "كتاب الترمذي" ولفظه: "أَلا أعَلمُكِ كلماتِ تَقُولينها: سُبْحانَ اللهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ اللهِ عدَدَ خَلْقِهِ، سبْحانَ اللهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ اللهِ رِضَى نَفْسِهِ، سُبْحَانَ اللهِ رِضَى نَفْسِهِ، سبْحَانَ اللهِ رِضَى نَفْسِهِ، سُبْحَانَ اللهِ زِنَةَ عَرْشهِ، سُبْحَانَ اللهِ زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحَانَ اللهِ زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحَانَ اللهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ، سُبْحَانَ اللهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ، سُبْحَانَ اللهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ". وروينا في "صحيح مسلم" أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى ـــــــــــــــــــــــــــــ وتحميده وتعظيمه عدداً لا يتناهى ولا ينحصر لفعل ذلك فيحصل له من الثواب ما لا يدخل في حساب. قوله: (وفي روايةٍ) هي لمسلم أيضاً كما في السلاح واستغنى المصنف عن التعيين لأنه لم يخرج الحديث إلاَّ من طريقه وسبق منه أول الكتاب في الفصول أنه إذا كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفى بالعزو إليهما عن باقي المخرجين ورواه بلفظ هذه رواية النسائي وزاد في آخره والحمد لله كذلك وفي رواية النسائي سبحان الله وبحمده ولا إله إلاَّ الله والله أكبر عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته. قوله: (ورويْناه في كتاب الترمذي إلخ) ولفظه إن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر عليها وهي في مسجدها ثم مر بها في المسجد قريب نصف النهار وقال لها ما زلت على حالك فقالت نعم فقال - صلى الله عليه وسلم - ألا أعلمك إلخ، يؤخذ تثليث الذكر المذكور من خبر جويرية برواياته لأن زيادة الثقة مقبولة قال الحافظ وللحديث شاهد من حديثي سعد بن أبي وقاص ذكره الشيخ فيما يأتي. قوله: (وروينا في صحيح مسلم أيضاً)

الله عليه وسلم - "لأنْ أقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ والحمْدُ لِلَهِ، وَلا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ أَحَب إليَّ مِما طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ". وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" ـــــــــــــــــــــــــــــ ورواه النسائي أيضاً في السنن الكبرى قال في المرقاة ورواه الترمذي وابن أبي شيجة وأبو عوانة اهـ. قوله: (أَحَبّ إلي مِمَّا طلعت عليه الشمس) أي هذه الكلمات باعتبار ثوابها أحب إلي من الدنيا بأسرها لزوالها وفنائها قال القرطبي يحتمل أن يكون هذا على جهة الإعياء على طريقة العرب في ذلك ويحتمل أن يكون معناه أن تلك الأذكار أحب إليه من أن يكون له الدنيا فينفقها في وجوه البر والخير وإلَّا فالدنيا من حيث هي دنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة وكذا عند أنبيائه وأصفيائه فكيف يتوهم كونها أحب من الذكر حتى ينص على خلافه اهـ، بالمعنى وقال في باب الجهاد في قوله - صلى الله عليه وسلم - لغدوة أو روحة في سبيل الله تعالى خير من الدنيا وما فيها أي الثواب الحاصل على ذلك خير لصاحبه من الدنيا كلها لو جمعت له وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - كقوله في الحديث الآخر وموضع قوس أحدكم أو سوطه في الجنة خير من الدنيا وما فيها باعتبار ما استقر في النفوس من تعظيم ملك الدنيا وأما على التحقيق فلا تدخل الجنة مع الدنيا باعتبار ذلك تحت افعل إلا كما يقال العسل أحلى من الخل اهـ. وفي شرح المشكاة وهذا نحو حديث ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها فخير وأحب ليس المراد بهما حقيقتهما اهـ. قوله: (وروينا في صحيحي البُخارِي ومسلم) ورواه الترمذي والنسائي أيضاً كما في السلاح وأخرجه ابن ماجة أيضاً كما قال الحافظ وقال المنذري في الترغيب وقالا يعني النسائي والطبراني كن له عدل عشر رقاب أو ورقبة على الشك وقال الطبراني في بعض ألفاظه كن له كعدل عشر رقاب من ولد إسماعيل من غير

عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ قالَ لا إلهَ إِلا الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ شك اهـ .. قوله: (عن أبي أيوب الأنصاري) الخزرجي البخاري المدني الصحابي شهد العقبة وبدراً وأحداً والخندق وبيعة الرضوان وشهد المشاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونزل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قدم المدينة مهاجراً وأقام عنده شهراً حتى بنيت مساكنه ومسجده روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة وخمسون حديثاً اتفقا منها على سبعة وانفرد البخاري بحديث ومسلم بخمسة روى عنه البراء بن عازب وجابر بن سمرة وآخرون توفي بأرض الروم غازياً في سنة خمسين وقيل إحدى وقيل اثنتين وخمسين وقبره بالقسطنطينية. قوله: (من قال لا إله إلا الله إلخ) من فيه من ألفاظ العموم تقع في اللغة على الذكر والأنثى ويحتمل أن تكون من شرطية فيكون مبتدأ وخبر قال وجواب الشرط قوله كان كمن أعتق إلخ، وقال فعل ماض لفظاً مستقبل معنى ويحتمل أن تكون من موصولة وصلتها قال وما بعده وقوله كان كمن أعتق إلخ، خبر المبتدأ وقال معناه الاستقبال أيضاً والمعنى الذي يقول ذلك إلخ، وعلى الشرطية من يقل إلخ، كذا في شرح الأنوار السنية ثم ظاهر إطلاق الحديث كما قال المصنف في شرح مسلم أنه يحصل هذا الأجر المذكور في الحديث لمن قال هذا التهليل مائة مرة في يومه سواء قالها متوالية أم متفرقة في مجالس أم بعضها في أول النهار وبعضها في آخره لكن الأفضل أنه يأتي بها متوالية في أول النهار ليكون حرزاً له في جميع نهاره اهـ، وظاهر إن ما ذكره في المائة جار في العشرة التي في هذا الحديث. قوله: (وحده) حال مؤكدة وكذا قوله لا شريك له أي هو في ذاته منفرد في صفاته وأفعاله فوحده لتوحيد الذات وما بعده تأكيد لتوحيد الأفعال أي ليس له معين ولا ظهير ففيه الرد على نحو المعتزلة وقال في الحرز هو من باب التأسيس والمراد من قوله وحده أي منفرداً

لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُل شَيءٍ قَديرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالذات ومن قوله لا شريك له أي في كمال الصفات وما اختاره الحنفي من كون كل منهما تأكيداً خلاف الأولى مع إمكان التأسيس على ما لا يخفى اهـ. وقال ابن العربي أتى به للإشارة إلى نفي الإعانة فإن العرب كانت تقول لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك اهـ، ثم وحده وإن كان معرفة لفظاً هو نكرة معنى إذ هو بمعنى منفرداً فلذا وقع حالاً وفي تحفة القاري على صحيح البخاري للشيخ زكريا الأنصاري في باب الدين النصيحة من كتاب الإيمان وحده حال بتأويله بنكرة أي واحداً أو مصدر وحد يحد كوجد يجد اهـ. قوله: (له الملك) أي الملك المطلق الحقيقي الدائم الذي لا انتهاء لوجوده له لا لغيره كما يؤذن به تقديم الظرف المؤخر رتبة لكونه معمول الخبر والميم في الملك مثلثة بمعنى واحد على ما رواه بعض البغداديين كذا في شرح العمدة للقلقشندي. قوله: (وله الحمد) أي الثناء باللسان على الجميل الاختياري على جهة التعظيم له لا لغيره وما وجد منه لغيره فبطريق المجاز إذ لا نعمة بالحقيقة لغيره أصلاً كذا في فتح الإله وفيه إن الحمد لا يختص بالنعمة بل قد يكون لا فى مقابلتها إلا إن يقال وحمل ذلك على ما في مقابل النعمة ولا يخفى ما فيه. قوله: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التغابن: 1] قال في شرح المشكاة على كل شيء شاءه قدير فخرج المحال لذاته فإنه لا يتعلق به الإرادة فلا تتعلق به القدر وحاصله أن شيئاً هنا بمعنى مشيء اسم مفعول من شاء أي مراد وجوده فلا استثناء لأن الممتنع والواجب لا يحتملهما الشيء بهذا المعنى فلا حاجة إلى استثنائهما منه وقد أوضح هذا المقام القاضي البيضاوي فقال في سورة البقرة من تفسيره الشيء يختص بالموجود لأنه في الأصل مصدر شاء أطلق بمعنى شاء تاره أي مريد اسم فاعل وحينئذٍ فيتناول الباري تعالى كما قال تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ} [الأنعام: 19] وبمعنى مشيء أي اسم مفعول أي مشيء وجوده وما شاء الله وجوده فهو موجود في

عشر مرات، كان كمن أَعتقَ أربعة أنفسِ من ولد إسماعيل". ـــــــــــــــــــــــــــــ الجملة وعليه قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 109] فهما على عمومهما بلا مثنوية أي استثناء والمعتزلة لما قالوا الشيء ما يصح إن يوجد وهو يعم الواجب والممكن أو ما يصح إن يعلم ويخبر عنه فيعم الممتنع أيضاً لزمهم التخصيص بالممكن في الموضعين بدليل العقل اهـ، أي لأن الواجب والمستحيل لا تتعلق بهما القدرة إذ لو تعلقت بهما لانقلبا من الممكنات وقد فرض خلافه هذا خلف والقدرة التمكن من إيجاد الشيء وقيل صفة تقتضي التمكن وقيل قدرة العبد هيئة بها يتمكن من الفعل وقدرة الله تعالى عبارة عن نفي العجز عنه والقادر هو الذي إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل والقدير الفعال لما يشاء ولذا قل ما يوصف به غير البارئ تعالى قاله البيضاوي وقال الكواشي قدير أي فاعل لما يشاء على قدر ما تقتضيه الحكمة لا زائد ولا ناقص ولذا يمتنع وصف غير الله بالقدير ومقتدر قريب منه لكونه لا يوصف بالشيء واشتقاق القدرة من القدر لأن القادر يوقع الفعل على مقدار قوته أو على ما تقتضيه مشيئته وفي قوله وهو على كل شيء قدير دليل على أن الممكن حال حدوثه وحال بقائه مقدوران وإن مقدور العبد مقدور لله تعالى لأنه شيء وكل شيء مقدور على كل شيء متعلق بقدير وموضعه نصب وجاز تقديمه مع أن معمول الصفة المشبهة لا يقدم عليها لكونه ظرفاً ومحل منع تقدمه إذا كان فاعلاً في المعنى قاله البدر بن مالك وغيره وعلى هذا التفصيل يحمل إطلاق قول والده وسبق ما تعمل فيه مجتنب. قوله: (عشر مرات) قال في الحرز هو أقل العدد الذي يجاوز عن حد الآحاد اهـ. قوله: (كان كمن أعتق أربعة من ولد إسماعيل) أي كان من قال الذكر المذكور كمن أعتق العدد المحصور من المذكور وولد يحتمل إن يكون بفتحتين أو بضمة فسكون وإسماعيل ويقال إسماعين بالنون محل اللام اسم أعجمي غير منصرف وجميع أسماء الأنبياء غير

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منصرفة إلا سبعة نظمتها في قولي: منعوا أسامي الأنبياء جميعها ... صرفاً سوى أسما أتاك نظامها فمحمد وشعيب هود صالح ... وعزيز نوح ثم لوط تمامها وجميعها أعجمية قال أبو منصور الجواليقي إلاَّ أربعة آدم وصالح وشعيب ومحمد - صلى الله عليه وسلم - وقد نظمتها أيضاً في قولي: جميع أسامي الأنبيا أعجمية ... عليهم صلاة الله ثم سلامه سوى صالح مع آدم ومحمد ... كذاك شعيب فاحفظا ذا تمامه وفي شرح كشف المشكل لابن الجوزي وجه التخصيص بولد إسماعيل كونه أشرف العرب وهم أشرف من غيرهم وكذا قال ابن الجوزي في مفتاح الحصين قال في الحرز ولأنهم مشتركون معه في النسب والحسب اهـ، والمشاركة في النسب مسلمة وفي الحسب ممنوعة للأحاديث الصريحة وأين حسب بني هاشم في باقي قريش فضلاً عن باقي العرب ومن ثم صرحوا إن بني هاشم لا يكافئهم غيرهم من قريش سوى بني المطلب قال الحنفي ووجه التخصيص بالأربع لا يعلم إلا منه - صلى الله عليه وسلم - قيل ولعله أن فيه في الذكر المذكور إثبات أربع صفات ثبوت الإلهية في لا إله إلاّ الله والملك في. قوله: (له الملك) وسائر الثناء في قوله: (وله الحمد والقدرة) في قوله: (وهو على كل شيء قدير) وهذه وإن كان بعضها يلزم بعضاً إلاَّ أن المقام للإطناب والمراد أن لمن أتى بها الذكر من الثواب كثواب من أعتق أربعاً من الرقاب لكن في أصل الثواب لا في كماله المتضاعف لما علم من تشوف الشارع إلى العتق أكثر منه إلى غيره ويؤيده قاعدة النفع المتعدي والعمل الأشق على النفس الأصل والغالب بهما أن يكونا أفضل من غيرهما والعتق متعد وأشق بكثير فليكن له من مزية الزيادة في الثواب ما ليس لغيره وعلى هذا كما قال غير واحد يحمل ما ورد من أشباهه وهو كثير كحديث سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن بناء على أن المراد به أن يحصل لقارئها من الثواب ثواب قارئ الثلث غير مضاعف

وروينا في "صحيحيهما" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءِ قدير ـــــــــــــــــــــــــــــ بخلاف قارئ الثلث فتضاعف له الحسنة بعشر أمثالها إلى ما لا يعلمه إلاَّ الله وسيأتي لهذا المقام مزيد في كتاب تلاوة القرآن ثم في خبر الصحيحين كمن أعتق أربعة من ولد إسماعيل وفي رواية للطبراني وقد سبقت كن له كعدل عشر رقاب من ولد إسماعيل وفي أخرى للطبراني ورواتها محتج بهم من حديث أبي أيوب من قال ذلك كان له كعدل محرر أو محررين وروى أحمد وابن حبان ومن قال لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير فهو كعتق نسمة كذا في الترغيب وزاد في عدة الحصين فعزى الحديث الأخير أيضاً إلى تخريج الحاكم في المستدرك ولا منافاة لاحتمال أن التفاوت في الثواب على حسب تفاوت حال الذاكر حضورًا وغيبة فمنهم من يثاب على ذلك كعتق عشرين من الرقاب ومنهم كثواب عتق أربع ومنهم كثواب أقل أو إن ذلك للجميع لكنه - صلى الله عليه وسلم - أخبر أولاً بأن فيه كعتق واحد أو اثنين أو أربع فأخبر به ثم أخبر بأنه كعدل عشر رقاب فأخبر به هذا كله بناء على اعتقاد مفهوم العدد والأصح عند الأصوليين عدمه وإن ذكر الأقل لا ينافي الأكثر ثم في هذا الخبر وما أشبهه جواز استرقاق كفار العرب قال المصنف في شرح مسلم في أول كتاب الجهاد في غزوة بني المصطلق وفيه جواز استرقاق العرب لأن بني المصطلق عرب من خزاعة وهذا قول الشافعي في الجديد وهو الصحيح وبه قال مالك وجمهور أصحابه وأبو حنيفة والأوزاعي وجمهور العلماء وقال جماعة من العلماء لا يسترقون وهو قول الشافعي في القديم اهـ. قوله: (وروينا في صحيحيهما عن أبي هريرة) قال الحافظ

في يَومٍ مائَةَ مَرةٍ كانَتْ لَهُ عِدْلَ عَشْرِ رِقابٍ، وكُتِبَتْ لَهُ مِائةُ حَسَنَةٍ، ومُحِيَتْ عَنْهُ مائَةُ سَيِّئةٍ، وكانَتْ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد تخريجه جملة الحديث كما أورده المصنف أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة وأفرد البخاري الحديث الثاني أي ومن قال سبحان الله إلخ، من رواية مالك مصرحاً برفعه قال وقد وقع عن شيخ مالك أي سمي مولى أبي بكر فذكره بلفظ من قال حين يصبح سبحان الله وبحمده مائة مرة فإذا أمسى قال مثل ذلك لم يأت أحد بمثل ما أتى به أخرجه أبو داود والنسائي في الكبيري اهـ. قوله: (في يوم) قال الأبي اليوم اسم لكمال الدورة لا للنهار فسواء قال ذلك في ليل أو نهار اهـ، وفيه أن ما ذكر في اليوم قول بعض علماء الهيئة إن النهار هو الدورة من نصف نهار إلى نهار يليه وقال بعضهم من نصف ليلة إلى نصف ليلة تليها والأقرب إن المراد باليوم فيه الشرعي من طلوع الفجر إلى غروب الشمس حملا للفظ الشرعي على المتعارف عنده والله أعلم. قوله: (مائةُ مرة) قال الشيخ خالد الأزهري في شرح جمع الجوامع كان القياس في همزة مائة إن ترسم ياء لكسر ما قبلها ولكنها رسمت ألفاً لئلا يلتبس بصورة منه إذا لم ينقط وأصلها مئي حذفت لامها وعوض منها هاء التأنيث اهـ. قوله: (كَانت) أي تلك الكلمات وفي بعض نسخ المشكاة كان بالتذكير وهي باعتبار ما ذكر. قوله: (عدل عشرِ رقابٍ) في النهاية العدل بالكسر والفتح وهما بمعنى المثل قال في السلاح هذا قول البصريين وقيل هو بالفَتح ما عاد له من جنسه وبالكسر ما ليس من جنسه وقيل بالعكس اهـ. قال القرطبي يعني إن ثواب هذه الكلمة بمنزلة ثواب من أعتق عشر رقاب وتقدم في العتق أن من أعتق رقبة واحدة أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار ثم يزاد ثواب ما زاد على ذلك مما اشتمل الحديث على ذكره اهـ. قوله: (وَمحيت عنْهُ مائَةُ سَيئة) قال

حِرزاً مِنَ الشَّيطَانِ يَومَهُ ذلكَ حَتَّى يُمْسِيَ، ولَمْ يأتِ أحَدٌ بأَفْضَلَ مِمَا جاءَ بِهِ إلا رَجُلٌ عَمِلَ أكْثَرَ مِنْهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الأبي هذه صغائر لأن شرط محو الكبائر التوبة منها مع جواز العفو عنها هذا مذهب أهل السنة ومثله في شرح المشكاة وغيره وأصل سيئة كما في النهاية سيوئة فأعل كإعلال سيد. قوله: (حِرْزاً من الشيطان) الحرز بكسر الحاء وسكون الراء المهملتين في آخره زاي الموضع الحصين يقال حرز حريز ويسمى التعويذ حرزاً ذكره الجوهري وفي النهاية اللهم اجعلنا في حرز حارز أي كهف منيع وهذا كما يقال شعر شاعر فأجري اسم الفاعل صفة لشعر وإنما هو لقائله والقياس محرز أو حريز لأن الفعل منه أحرز ولكن كذا روي ولعله لغة اهـ، والشيطان هو المارد من الجن الكثير الشر وفي مفردات الراغب الشيطان النون فيه أصلية وهو من شطن أي تباعد وقيل بل النون فيه زائدة من شاط يشيط احترق غضباً والشيطان مخلوق من قوة النار كما دل عليه قوله تعالى: {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن: 15] ولكونه من ذلك اختص بفرط القوة الغضبية والحمية الذميمة قال أبو عبيدة الشيطان اسم نكل عاد من الجن والإنس والحيوانات اهـ، ثم ذكره في مادة شيط وكذا فعل في القاموس ذكره في المادتين للاختلاف في أصله ومادته قال القرطبي والمراد إن الله تعالى يحفظ قائل هذا الذكر يومه ذلك فلا تقع منه زلة ولا وسوسة ببركة هذا الذكر قوله حتى يمسي ظاهر التقابل أنه إذا قال في الليل كانت له حرزاً من الشيطان حتى يصبح فيحتمل أن يكون اختصاراً من الراوي أو ترك لوضوح المقابلة وتخصيص النهار لأنه أحوج فيه إلى الحفظ والله أعلم قوله ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلخ، قال القاضي عياض ذكر هذا العدد من المائة وهذا الحصر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لهذه الأذكار أولاً دليل على أنها غاية وحد لهذه الأجور ثم نبه - صلى الله عليه وسلم - بقوله ولم يأت أحد إلخ، على أنه يجوز أن يزاد على هذا العدد فيكون لقائله من الفضل بحسب ذلك لئلا يظن أنها من الحدود التي نهي عن اعتدائها وأنه لا فضل للزيادة عليها كالزيادة على ركعات السنن المحدودة وإعداد الطهارة وقد قيل يحتمل أن هذه الزيادة من غير هذا الباب أي إن لا يزيد أعمالاً آخر من البر غيرها فيزيد له أجره عليها اهـ، وفي المحكي بقيل بعد لا يخفى وبالغ آخرون فقالوا الثواب الموعود به موقوف على العدد المذكور فلو زاد عليه لم يحصل له ما وعد عليه فإن للعدد المعين سراً وخاصية يترتب عليه ما ذكر ولو زاد تبطل الخاصية قال ابن الجوزي وهذا غلط ظاهر وقوله لا يلتفت بل الصواب أنه كما قال الشاعر ومن زاد زاد الله في حسناته. ثم لا ينافي هذه الفضيلة أن المحو هنا من السيئات مائة وفي حديث التسبيح مثل زبد البحر لأن هذا لم يجعل ذلك الممحو جزاءه فقط بل ضم إليه عتق عشر رقاب وكتابة مائة حسنة والحرز من الشيطان ذلك اليوم وهذه الثلاث أعظم من محو مثل زبد البحر نعم ينافيها حديث سبحان الله وبحمده مائة مرة فإنه قال في آخره أيضاً ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلاَّ من قاله إلخ، ويقال بأن المراد ثم ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به من التسبيح والتكبير وهنا بأفضل مما جاء به من التهليل والتفضيل بين التهليل المخصوص والتسبيح كذلك مسكوت عنه في الأخبار إذ ليس في واحد منها ما يدل على إن أحدها أفضل من الآخر فيجوز تساويهما وأفضلية أحدهما على الآخر وظاهر سياقهما أن هذا أفضل لأنه ذكر له من أفضليته على غيره ثواباً جزيلاً متنوعاً به ظهرت أفضليته وأما ذاك فلم يذكر فيه إلاَّ أفضليته من غير بيان لسببها ثم رأيت القاضي عياضاً صرح بذلك فقال التهليل أفضل لأن ما فيه من زيادة الحسنات ومحو السيئات وفضل عتق الرقاب وكونه حرزاً من الشيطان زائد على

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما في ذلك من تكفير الخطايا ثم قال وقد جاء في الحديث هنا نصاً أفضل الذكر التهليل وانه أفضل ما قاله والنبيون من قبله وأنه اسم الله الأعظم وهي كلمة الإخلاص وتقدم إن معنى التسبيح تنزيه الله عما لا يليق به جَلَّ جلاله وذلك في ضمن لا إله إلاَّ الله اهـ. قال في المختار قوله - صلى الله عليه وسلم - من قال لا إله إلاَّ الله وحده إلخ، أفضل كلام قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - والنبيون قبله وإنما كان كذلك لما جمع من المعاني فإن لا إله إلاَّ الله نفي لكل إله سواه وقوله وحده تأكيد للنفي وقوله لا شريك له إشارة إلى نفي أن يكون معه معين أو ظهير وقوله له الملك بيان إن له الخلق والأمر والتصريف والتكليف والهداية وقوله وله الحمد بيان إن النعم كلها منه والحمد كله راجع إليه وقوله وهو على كل شيء قدير أي ليست قدرته فيما ظهر خاصة بل هو قادر على ما ظهر وما بطن وما وجد وما لم يوجد اهـ. نقله شارح الأنوار السنية. فائدة نقل القاضي عياض في أواخر شرح مسلم وابن الملقن في شرح البخاري عن بعضهم أنه قال هذه الفضائل التي جاءت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما هي لأهل الشرف في الدين والكمال والطهارة من الكبائر والجرائم ولا يظن إن من فعل هذا وأصر على ما شاء من شهواته يلحق السابقين المتطهرين وينال منزلتهم في ذلك بحكاية أحرف ليس معها تقي ولا إخلاص ولا عمل، ما أظلم من تناول دين الله على هواه اهـ. وسكت عليه ابن الملقن ونظر فيه القاضي عياض بأن الأخبار عامة فلو قال لمن قالها معظماً لربه مخلصاً من قلبه بنية صادقة مطابقة لقوله لكان أولى وفي شرح الأنوار السنية قال الإمام أبو إسحاق الشاطبي كل مندرب اليد فمرتب الحكم بعد الواجب فلا نظر فيه شرعاً إلاَّ بعد تقرر الواجب كالنوافل إنما جاءت مرتبة بعد الفرائض، والحاجيات إنما جاءت مرتبة على ما هو ضروري والتحسينات إنما جاءت مرتبة على ما فوقها مما تقتضيه مكارم الأخلاق ومحاسن العادات أن يكون محسناً فإذا ثبت هذا الدليل الشرعي منتهض بأن المندوبات إنما تعتبر

وقال: "مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللهِ وبحمْدِهِ في يوم مائة مَرَّةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد أداء المفروضات وبالنسبة إلى ذلك جاء فيها من الترغيب ما جاء وبحسبه يرد مورد الرضا والقبول وفي كتاب الغرور للغزالي من هذا الباب ما يحصل الثقة بالنسبة لما نحن فيه وقال ابن أبي جمرة في شرح البخاري والإجماع منعقد على أن لا شيء أفضل من أفعال البر أفضل من الفرائض فيخصص عموم اللفظ ويبقى هذا خاصاً بأنه أفضل المندوبات ولم يأخذ القوم في هذه المندوبات حتى أكملوا فروضهم اهـ، كلام شارح الأنوار السنية وهو مبين إن الاشتغال بفضائل الأعمال إنما يطلب لمن قام بما عليه من الفروض وإلا فالأهم المقدم هو الفرض والله أعلم ثم تارة يكون الاشتغال بغيره حراماً لتعين الوقت للفرض وتارة خلاف الأولى كما إذا كان الوقت متسعاً والظاهر حصول الثواب على الذكر في الحالة الأخيرة بخلافه في الأولى لأنه إثم به لتعين الوقت للاشتغال بالفرض لضيقه ويحتمل إثابته على الذكر لأن سبب الإثم من ضيق الوقت المقتضي لتعين صرفه للجواب خارج عن نفس الذكر فيكون كالوضوء بماء مغصوب والله أعلم. قوله: (وقالَ) أي أبو هريرة عنه - صلى الله عليه وسلم - أو قال أي هو أي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذه القطعة قال المنذري بعد إيرادها حديثاً مستقلاً رواها مسلم ورواها أيضاً الترمذي والنسائي في آخر حديث وفي رواية للنسائي ومن قال سبحان الله وبحمده حط الله عنه ذنوبه وإن كانت أكثر من زبد البحر ثم لم يقل في هذه في يوم ولم يقل مائة مرة وإسنادهما متصل ورواتهما ثقات اهـ، وسبق في كلام الحافظ أن البخاري أفرد هذا الحديث من رواية مالك وصرح برفعه. قوله: (في يوم) تقدم المراد باليوم قال السفاقسي في إعراب القرآن لم يجئ ما فاؤه ياء وعينه واو إلا يوم قيل ويوح اسم للشمس وقيل بوح بالموحدة من

حُطَّتْ خَطايَاهُ وإنْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ". وروينا في "كتاب الترمذي وابن ماجه" عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ـــــــــــــــــــــــــــــ أسفل. قوله: (حطتْ عنه خطاياهُ) أي الصغائر المتعلقة بحقوق الله تعالى فإن لم يكن ذنب رفعت منزلته وإن لم يكن له صغائر وله كبائر رجي أن يخفف منها قدر ما كان كفر من الصغائر قاله المصنف وله بسط يأتي. قوله: (زبدِ البَحْر) في الصحاح الزبد زبد الماء وبحر زبد أي مالح يقذف بالزبد اهـ. وقيل زبد البحر رغوة مائة عند تموجه واضطرابه قال المحقق الطيبي هذا وأمثاله نحو ما طلعت عليه الشمس كنايات عن الكثرة عرفا اهـ، ومثله في شرح العاقولي. قوله: (روينا في كتابي الترمذي وابن ماجة) كتاب بالإفراد في نسخة اكتفاء بالعموم الحاصل بالإضافة وفي نسخة "كتابي" بالتثنية ثم الحديث المذكور هنا بعض حديث تتمته "وأفضل الدعاء الحمد لله" وقد رواه أيضاً النسائي أي في الكبرى كما قال الحافظ وابن حبان والحاكم كما عزاه إلى تخريجهم السيوطي في الجامع الصغير واعترض الحافظ تحسين الحديث الذي قاله الترمذي وتصحيح غيره بما سيأتي عند قول المصنف قال الترمذي حديث حسن. قوله: (عن جابر بن عبد الله رَصْي الله عنهما) عبد الله والده هو ابن حرام بالمهملتين المفتوحتين أوله وكذا ضبطه حيثما جاء في أسماء الأنصار بخلافه في أسماء قريش فإنه بالمهملة المكسورة وبالزاي أشار إليه المصنف وغيره وجابر هذا أنصاري خزرجي سلمى بفتح اللام نسبة إلى سلمة بن سعد روي عن جابر "غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسع عشرة غزوة ولم أشهد بدراً ولا أحداً منعني أبي فلما قتل أبي لم أتخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة قط" وعنه قال أنا وأبي وخالي من أصحاب العقبة

"أفضَلُ الذكْرِ لا إلهَ إلا اللهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وكان أبوه يومئذٍ أحد النقباء وكان جابر من أصغر الصحابة سناً وآخرهم موتًا وكان من ساداتهم وفضلائهم المتحفين بحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استشهد أبوه يوم أحد وأخبر عنه - صلى الله عليه وسلم - إن الله أحياه وكلمه كفاحاً وسأله أن يتمنى عليه فتمنى الرجعة إلى الدنيا ليستشهد مرة أخرى على يد جابر وبسببه معجزات طاهرة باهرة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كقصة أبيه وخبر بعيره وقصة الداجن يوم الخندق حيث كفتهن والشطر الشعير جميع أهل الخندق ببركته - صلى الله عليه وسلم - وبقيت بقية روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألف حديث وخمسمائة وأربعون حديثاً اتفقا منها على ستين وانفرد البخاري بستة عشر ومسلم بمائة وستة وعشرين روى عنه بنوه وغيرهم توفي بالمدينة بعد أن كف بصره سنة ثلاث وسبعين وهو ابن أربع وتسعين سنة وصلى عليه أبان بن عثمان وكان والي المدينة وجابر آخر الصحابة موتاً بالمدينة رضي الله عنهم أجمعين. قوله: (أَفْضَلُ الذكر لا إله إلاَّ الله) إن أريد بالذكر المصدر كان التقدير قول لا إله إلاَّ الله وإن أريد به الألفاظ التي وضعت للذكر لم يحتج لتقدير قال المظهري وإنما كانت أفضل الذكر لأن الإيمان لا يصح إلاّ بها وقال زين العرب أو بما في معناها والجمهور على الأول ولأنها كلمة التوحيد وكلمة الحق وكلمة الإخلاص كما سيأتي قال تعالى {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19] أي دم على علم ذلك قال الرازي في أسرار التنزيل وقد ذكر الله تعالى كلمة التوحيد في سبعة وثلاثين موضعاً في التنزيل اهـ، ولأنها تؤثر تأثيراً بيناً في تطهير القلب عن كل وصف ذميم راسخ في باطن الذاكر وسببه أن لا إله نفي لجميع أفراد الآلهة وإلا الله إثبات للواحد الحق الواجب الوجود لذاته المنزه عن كل ما لا يليق بجلاله فبإدمان الذاكر لهذه ينعكس الذكر من لسان الذاكر إلى باطنه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حتى يتمكن فيه فيصيبه ويصلحه ثم يضيء ويصلح سائر الجوارح ولذا أمر المريد وغيره بإكثارها والدوام عليها قال القرطبي في تفسير سورة الإسراء قال أبو الجوزي ليس شيء أطرد للشيطان من القلب من قول لا إله إلاَّ الله ثم تلا: {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا} [الإسراء: 46] اهـ، ثم الاسم الكريم بالرفع إما بدلاً مما قبل إلا أي لا إله لنا أو في الوجود إلاّ الله قال الفاكهاني في باب التيمم من شرح عمدة الأحكام أنكر بعض المتكلمين على النحاة في تقديرهم في الوجود وقال إن نفي الحقيقة مطلقة أعم من نفيها مقيدة وأنها إذا نفيت مقيدة كان ذلك على سلب الماهية مع القيد وإذا نفيت غير مقيدة كان نفياً للحقيقة وإذا انتقت الحقيقة انتفت مع كل قيد وإذا نفيت مع قيد مخصوص لم يلزم نفيها مع قيد آخر وفي هذا الإنكار عندي نظر فإن قولنا لا إله في الوجود إلاَّ الله يستلزم نفي كل إله غير الله قطعاً فهو في الحقيقة نفي للحقيقة مطلقة لا مقيدة وقد قدره ابن عطية لا إله معبود أو موجود إلاَّ الله وهو قريب مما تقدم أو هو من حيث المعنى فلا معنى لهذا الإنكار وليت شعري ما معنى الإنكار وتقدير الخبر لا بد منه وإلا لأدى إلى خرم قاعدة عربية مجمع عليها اهـ، والمبدل منه قيل هو اسم لا باعتبار المحل إذ هو مبتدأ واعتبار لفظه متعذر لأن عمل لا إنما هو بسبب معنى النفي وقد أبطله كلمة إلا قال المحقق ابن كمال باشا في حاشيته على التلويع الاستثناء الواقع في كلمة التوحيد لا يجوز أن يكون مرفوعاً بأن يكون الخبر المحذوف عاماً كموجود أو في الوجود ويكون إلاَّ الله واقعاً موقعه كما وقع إلا زيد موقع الفاعل في نحو ما جاءني إلا زيد لأن المعنى على نفي الوجود عن إله سوى الله تعالى وهو إنما يحصل إذا جعل الاستثناء بدلاً من اسم لا على المحل إذ حينئذٍ يقع الاستثناء موقع اسم لا فيكون خبراً له فينتفي الوجود عن إله سوى الله سبحانه كما

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هو المطلوب لا على نفي مغايرة الله تعالى عن كل إله وهو الذي يفيده الاستثناء المفرغ لأنه لما قام مقام الخبر كان القصد إلى نفيه كالخبر فيفيد نفي مغايرته تعالى عن كل إله ويحصل به التوحيد كما لا يخفى اهـ. وقيل هو الضمير المستكن في الخبر المقدر وقرب بأن فيه الإبدال من الأقرب وهو أولى من الأبعد وبأنه لا داعية إلى الاتباع باعتبار المحل مع إمكانه باعتبار اللفظ وأما خبراً مبتدؤه اسم لا واستظهره ناظر الجيش ونقله عن جماعة لكن ضعف بأنه يلزم عمل لا في المعارف لكون الاسم الكريم أعرف المعارف خبرها واتحاد المستثنى والمستثنى منه وذلك ممنوع لفقد المقصود بالاستثناء معه وبالإخبار بالاسم الخاص وهو الاسم الكريم عن العام والخاص لا يكون خبراً عن العام لا يقال الحيوان إنسان وأجيب بأن جعله خبراً عن المبتدأ مبني على مذهب سيبويه أنه لا عمل للا في الخبر حال تركب لا مع اسمها بل الخبر مرفوع بما كان مرفوعاً به قبل دخولها وعلله بأنها ضعفت حين ركبت وصارت كجزء كلمة وجزء الكلمة لا عمل له ومقتضى هذا بطلان عملها في الاسم أيضاً لكن أبقي في أقرب المعمولين لقربه وجعلت مع معمولها بمنزلة المبتدأ والخبر بعدها على ما كان عليه قبل دخول لا فلا يلزم عملها في المعارف ودعوى اتحاد المستثنى والمستثنى منه مبنية على كون المستثنى منه اسم لا ونحن نمنع ذلك بل نقول الاسم الكريم خبر والمستثنى منه محذوف لأنه استثناء مفرغ والاستثناء المفرغ يكون المستثنى منه محذوفاً نعم الاستثناء من شيء مقدر لصحة المعنى ولا اعتبار بذلك المقدر لفظاً ولا خلاف يعلم في نحو ما جاءني إلا زيد إن زيداً فاعل مع أنه مستثنى من مقدر في المعنى والتقدير ما جاءني أحد إلا زيد فلا منافاة بين كونه خبراً ومستثنى من مقدر إذ جعله خبراً منظور فيه للفظ ومستثنى منظور فيه للمعنى قال بعض المحققين في قوله لا خلاف يعلم إلخ، نظر ظاهر فقد صرح غير واحد منهم ابن هشام بأن إطلاق الفاعل على ما بعد إلا في نحو ما ذكر مجاز

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والصواب إن الفاعل هو المحذوف وإن ما بعد إلا بدل منه فلذا كان الأرجح تذكير الفعل إذا كان الفاعل مؤنثًا حقيقياً واقعاً بعد إلا قال لأن الفاعل مذكر محذوف وما بعد إلا بدل منه اهـ، وكون الإخبار بخاص عن عام لا يجوز مسلم لكن ما نحن فيه لم يخبر بخاص عن عام لأن العام منفي والكلام إنما سيق لنفي العموم وتخصيص الخبر المذكور بواحد من إفراد ما دل عليه اللفظ العام وأما جعل الجرجاني لا فيه بمعنى ليس أي وإله مرفوع وإلا صفة بمعنى غير هي مع الاسم بعدها صفة لاسم لا باعتبار لفظه فيمنعه من جهة الصناعة إن لا بمعنى ليس لا تعمل في المعارف على الصحيح وأما قول الشاعر: وحلت سواد القلب لا أنا باغيا ... سواها ولا في حبها متراخيا فمؤول بأن الأصل لا أراني فحذف العامل فانفصل الضمير وقول المتنبي: إذا المال لم يكسب جميلا من الثنا ... فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا لحن وبما ذكر يعلم ما في قول ناظر الجيش في شرح التسهيل أنه ليس مانع يمنعه من جهة العربية وإنما يمتنع من جهة المعني وذلك لأن المقصود من هذا الكلام نفي الإلهية عن غير الله تعالى أو إثباتها له ولا يفيده التركيب حينئذٍ نعم يفيده بالمفهوم وأين هو من المنطوق على إن هذا المفهوم إن كان لقباً فهو غير حجة خلافاً للدقاق وبعض الحنابلة أو صفة ففي حجيته خلاف وأعرب لا إله في موضع الخبر وإلاَّ الله في موضع المبتدأ وعزى للزمخشري وضعف بأنه يلزمه إن خبر لا النافية للجنس يبني معها وهي لا يبني معها إلا اسمها ولو كان كذلك لما جاز نصبه وأعربه بعضهم فجعل إلاّ الله فاعلا لا له مغن عن الخبر كما يرفع بالصفة نحو أقائم زيد وضعف بأنه لو كان كذلك لوجب نصب اسم لا وتنوينه لكونه شبيهاً بالمضاف والجواب عنه بأن بعض النحاة يجيز حذف التنوين في مثله وجعل منه نحو قوله تعالى: {لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ} [الأنفال: 48] نظر فيه بأن الذي يجيز حذف التنوين في مثل ذلك يجيز إثباته ولا يعلم أحد أجاز التنوين في لا إله إلاَّ الله

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجوز بعضهم في الاسم الكريم النصب وخرجه على وجوه معترضة وسيأتي باب التشهد تلخيص ما هنا مع زيادة عليه. فائدة قال بعض العلماء لهذه الكلمة أسماء الأول كلمة التوحيد فإنها تدل على نفي الشريك على الإطلاق لأن لا لنفي الجنس نصاً ومعها يذهب احتمال وجود إله آخر بخلاف الإله واحد فإنه ليس في العبارة ما ينفي احتمال خطور إله آخر بالبال والثاني كلمة الإخلاص كان معروف الكرخي يقول يا نفس أخلصي لتخلصي ثم التحقيق فيه أن كل شيء متصور أن يشوبه غيره إذا صفا يسمى خالصاً وفي الحرز كلمة الإخلاص مجموع الشهادتين وسميت بذلك لكونها لا يكوِن سبباً للخلاص إلاَّ مع الإخلاص اهـ، والثالث كلمة الإحسان قال تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60] قال المفسرون هل جزاء الإيمان أي وذلك إنما يكون بالكلمة المذكورة لمن تمكن من النطق الرابع دعوة الحق وقال ابن عباس هو قول لا إله إلاَّ الله الخامس كلمة العدل قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} [النحل: 90] قال ابن عباس العدل شهادة أن لا إله إلاَّ الله السادس الطيب من القول قال تعالى: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ} [الحج: 24] السابع الكلمة الطيبة قال تعالى: {مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً} [إبراهيم: 24] الآية الثامن الكلمة الثابتة قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم: 27] التاسع كلمة التقوى قال تعالى: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} [الفتح: 26] العاشر الكلمة الباقية قال تعالى: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} [الزخرف: 28] أي قول لا إله إلاَّ الله الحادي عشر كلمة الله العليا الثاني عشر المثل الأعلى الثالث عشر كلمة السواء قال تعالى: {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64] الآية الرابع عشر كلمة النجاة الخامس عشر العهد قال تعالى: {لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [مريم: 87] السادس عشر كلمة الاستقامة السابع عشر مقاليد السماوات والأرض الثامن عشر القول السديد التاسع عشر البر العشرون الدين قال تعالى: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر: 3] الحادي والعشرون الصراط المستقيم الثاني والعشرون كلمة الحق قال تعالى: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ} [الزخرف: 86] يعني قول لا إله إلاَّ الله الثالث والعشرون العروة

قال الترمذي: حديث حسن. وروينا في "صحيح البخاري" عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ـــــــــــــــــــــــــــــ الوثقى {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة: 256] أي بلا إله إلاَّ الله التي هي حصن الحق الرابع والعشرون كلمة الصدق قال تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ} [الزمر: 33] أي قول لا إله إلاَّ الله (وصدق به) اهـ. قوله: (قَالَ الترمذي حديث حسن إلخ) عبارته حديث حسن غريب لا نعرفه إلاَّ من حديث موسى يعني ابن إبراهيم المدني وقد روى علي بن المديني هذا الحديث عن موسى قال الحافظ وذكرت جماعة من رواه عنه ولم أقف في موسى على تجريح ولا تعديل إلاَّ إن ابن حبان ذكره في الثقات وقال يخطئ وهذا عجب منه لأن موسى مقل فإذا كان يخطئ مع قلة روايته كيف يوثق ويصحح حديثه ولعل من صححه أو حسنه تسمح لكونه في فضائل الأعمال اهـ. قوله: (في صَحيح البخاري) كذا اقتصر المصنف على عزو تخريجه إلى البخاري فقط وقد عزاه إلى تخريج الصحيحين غير واحد منهم صاحب المشكاة والحسن وغيرهما والأحسن ما فعله المصنف لأن الحديث بهذا اللفظ لم يخرجه إلا البخاري وأما مسلم فلفظ روايته البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت وقد أحسن صاحب السلاح حيث نبه على ذلك بقوله بعد إيراده متفق عليه ولفظ مسلم البيت الخ اهـ، فنبه على إن الاتفاق على رواية هذا المعنى لا بخصوص هذا المبنى وقال الحافظ بعد إيراده باللفظ الذي عند مسلم من طرق ما لفظه اتفق من ذكرنا على أن التمثيل وقع بالبيت إلاَّ البخاري فإن لفظه مثل الذي يذكر الله ربه إلخ، وكأن لهذا اقتصر المصنف على عزو الحديث للبخاري والذي أظن أنه حديث واحد وإن البخاري كتبه من حفظه فأقام الحال مقام المحل والعلم عند الله والله أعلم. قوله: (عن أبي موسى الأشعري) هو عبد الله بن قيس بن سليم الأشعري قدم أبو موسى على النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة قبل الهجرة فأسلم ثم هاجر وقدم مع النبي جعفر وأصحاب السفينة بعد خيبر وأسهم

عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "مَثَلُ الذِي يَذْكُرُ ربهُ والذي لا يَذْكُرُهُ، مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ". وروينا في "صحيح مسلم" ـــــــــــــــــــــــــــــ لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - منها كمن حضرها وقال لهم لكم أصحاب السفينة هجرتان وكان لأبي موسى ثلاث هجر إلى مكة ثم إلى الحبشة ثم إلى المدينة واستعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - على زبيد وعدن وساحل اليمن كما استعمل معاذ بن جبل على الجند وجبالها وخالد بن سعيد على صنعاء والمهاجر بن أمية على كندة وزياد بن أمية على حضرموت وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكرمه ويبجله وقال له أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود ولاه الولايات وله الأثر العظيم في يوم أوطاس وافتتح الأهواز وأصبهان وعدة أمصار في خلافة عمر ومضت أحواله من أولها إلى آخرها على الاستقامة ولما قرب موته زاد اجتهاده فقيل له في ذلك فقال الخيل إذا قاربت رأس مجراها أخرجت جميع ما عندها والذي معي من أجلي أقل من ذلك روي لأبي موسى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثمائة وستون حديث اتفقا منها على تسعة وأربعين وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بخمسة عشر روى عنه جميع أهل المسانيد والسنن توفي بمكة وقيل بالكوفة سنة اثنتين أو أربع وثلاثين عن ستين سنة. قوله: (مثلُ الذِي يذْكر رَبَه إلخ) مثل الشيء صفته ذكره الجوهري وهو المراد هنا والقصد من ضرب الأمثال التقريب إلى ذهن السامع وقد شبه - صلى الله عليه وسلم - الذاكر بالحي الذي ظاهره مزين بنور الحياة الحسية والتصرف التام في مراده وباطنه منور بنور المعرفة وغير الذاكر بالميت في فساد ظاهره وكونه عرضة للهوام وباطنه بتعطله عن الإدراك والإفهام فالذاكر ظاهره مزين بحلية الشريعة وباطنه على بعقود الحقيقة وغير الذاكر عاطل الجيد خال عن كل حسن مجيد وقيل شبه بالحي في نفع من يواليه وإضرار من يعاديه والميت في خلوه من ذلك. قوله: (في صحيح مسلم) أورده كذلك المنذري في الترغيب ثم قال وزاد من حديث أبي مالك الأشجعي وعافني وفي رواية قال فإن هؤلاء تجمع

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لك خير دنياك وآخرتك وسيأتي الحديث بهذين اللفظين في باب جامع الدعوات وعلى هاتين الروايتين يحيل كلام المنذري ويعلم إن راوي فإن هؤلاء إلخ، هو أبو مالك وأورده من حديث سعد بن أبي وقاص كما أورده المصنف هنا ثم قال قال موسى يعني الجهني أما عافني فأنا أتوهم وما أدري وعلى هذا يحيل كلام المشكاة والسلاح والله أعلم وسيأتي حديث سعد هذا وحديث طارق المذكور قبله في باب جامع الدعوات قال الحافظ ووقع لي من وجه آخر عن موسى الجهني إثباتها فساقه وفيه وعافني ثم قال الطبراني هذا لفظ يحيى القطان يعني أحد الرواة عن موسى والآخرون نحوه قال الحافظ والقطان من جبال الحفظ فكأن موسى جزم بها لما حدثه وتردد فيها لما حدث ابن نمير وحذفها لما حدث غيرهما والله أعلم وقال السخاوي رواه عن موسى بدون قوله وعافني أبو نعيم في المستخرج من حديث جعفر ابن عون عنه وأخرجه البيهقي في الدعوات من طريق جعفر بن عون ويعلى كلاهما عن موسى بإثباتها وقد روى حديث سعد أبو عوانة وأبو نعيم في المستخرج اهـ، وهذا الاختلاف على موسى بأنها في حديث سعد رضي الله عنه لأنه رواه عن مصعب بن سعد عن أبيه قال الحافظ ووقع عند مسلم اختلاف في ثبوتها وحذفها في حديث أبي مالك الأشجعي عن أبيه ثم أخرجه الحافظ بسنده إلى أبي مالك واسمه سعد بن طارق عن أبيه واسمه طارق بن أشيم قال سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول إذ أتاه إنسان فقال علمني ما أقول قال قل اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني ويقول بأصابعه الأربع وقبض كفه غير الإبهام ويقول هؤلاء يجمعن لك دنياك وآخرتك قال الحافظ حديث صحيح أخرجه مسلم هكذا في رواية وقال في أخرى عافني بدل ارزقني وأثبت الخمسة في رواية قلت وكأن نسخ مسلم مختلفة قال الحافظ ولأصل الحديث شاهد من حديث عبد الله بن أبي أوفى وفيه ذكر وعافني وهو حديث حسن أخرجه أبو داود وأخرجه عنه من طرق أخرى النسائي وابن خزيمة والدارقطني والحاكم بأسانيد متعددة مدارها على إبراهيم السكسكي يعني الراوي عن ابن أبي أوفى قال النسائي وليس بالقوي قال الحافظ فكأنهم صححوه لشواهد اهـ. قوله: (عَنْ سَعْدِ بنِ أَبي وقاصِ رَضي الله عنهُ) اسم أبي وقاص مالك وسعد هذا هو سعد بن مالك بن أبي وقاص بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري المكي كان رابعاً أو ثالثاً في الإسلام وسبب إسلامه ما رآه من القمر وسبقه إليه أبو بكر وعلي وزيد بن حارثة فلما استيقظ أسلم وأسلم أخواه لأبويه عامر وعمير وكان من المهاجرين الأولين وشهد بدرا وما

عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "جاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لك دنياك وآخرتك رواه مسلم وفاعل زاد مسلم وجاز عود الضمير عليه وإن تأخر لفظه لتقدم مرتبته وأوضح ذلك في المشكاة فأورده من تخريج مسلم بقوله اللهم اغفر لي وارحمني وارزقني وعافني شك الراوي في عافني قال شارحها ابن حجر أي شك هل هو كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - أو لا فيؤتى به احتياطًا رعاية احتمال أنه - صلى الله عليه وسلم - قاله اهـ، وفي السلاح بعد ذكره وعافني قال ابن نمير قال موسى أما عافني فأنا أتوهم وما أدري اهـ، لكن ظاهر صنيع المنذري أنه زاد هذا اللفظ من حديث مالك من غير شك فيه إلاَّ أنه انفرد بإلحاقه بالخبر أبو مالك وظاهر كلام المشكاة خلافه ثم راجعت صحيح مسلم فرأيته موافقاً لما فيها فإنه أورد لفظ وعافني في الخبر مجزوماً به من طريقين منتهيين إلى أبي مالك الأشجعي الأولى لفظها عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه كان الرجل إذا اسم علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة ثم أمره أن يدعو بهؤلاء الكلمات اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني والثانية لفظها أنه أي إياه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأتاه رجل فقال يا رسول الله كيف أقول حين أسأل ربي قال قل اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني ويجمع أصابعه إلاَّ الإبهام قال فإن هؤلاء تجمع

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بعدها وكان يقال له فارس الإسلام وهو أحد العشرة المبشرة بالجنة وأحد السبعة السابقين وأحد الستة أصحاب الشورى وكان يحرس النبي - صلى الله عليه وسلم - في مغازيه وجمع له النبي - صلى الله عليه وسلم - أبويه فقال فداك أبي وأمي أيها الغلام الحزور اللهم سدد رميته وأجب دعوته ثم قال هذا خالي فليأت كل رجل بخاله وفي الصحيحين عن علي رضي الله تعالى عنه ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع أبويه لأحد إلاّ لسعد بن مالك سمعته يقول له يوم أحد ارم فداك أبي وأمي وفي صحيح مسلم عن الزبير قال أما والله لقد جمع لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذٍ أي يوم الخندق أبويه فقال فداك أبي وأمي قال القرطبي في المفهم وهذا يدل على إن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع أبويه لغير سعد بن أبي وقاص وحينئذٍ يشكل بما رواه الترمذي من قول علي إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما جمع أبويه لأحد إلاَّ لسعد قال له يوم أحد ارم فداك أبي وأمي ويرتفع الإشكال بأن يقال إن علياً أخبر بما في علمه ويحتمل إن يريد أنه لم يقل ذلك في يوم أحد لأحد غيره اهـ، وفيه أمور "الأول" تخريجه الحديث عن الترمذي مع أنه من أحاديث الصحيح كما تقدم "الثاني" قوله في الاحتمال أنه لم يقله في أحد لأحد غيره يعارضه ما رواه ابن ماجة عن عبد الله بن الزبير عن الزبير رضي الله عنه قال لقد جمع لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبويه يوم أحد "لا يقال" حديث الصحيح إن الجمع للزبير إنما كان يوم الخندق فيقدم على حديث ابن ماجة فيتم الاحتمال "لأنا نقول" إنما يعدل إلى التقديم عند التعارض عند عدم إمكان الجمع وإلَّا كما هنا فيعمل به ووجه الجمع إمكان تعدد الجمع له أي جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - أبويه للزبير رضي الله عنه فمرة بأحد وهو ما في ابن ماجة ومرة بالخندق وهو ما في مسلم ومنه يعلم أن على جوابه الأول المعول والله أعلم، وفي فتح الباري أخرج

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن أبي عاصم من حديث ابن عمران النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة فداك أبوك وأخرج من حديث ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه فداكم أبي وأمي ومن حديث أنس أنه قال مثل ذلك للأنصار اهـ، ومنه يعلم أن ما تقدم عن علي رضي الله عنه بحسب علمه كما يدل عليه قوله ما سمعت إلخ، ودعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالشفاء من جرح به فشفي وشهد له بالجنة وبالشهادة وهو أول من أراق دماً في الإسلام وأول من رمى بسهم في سبيل الله شهد فتح مدائن كسرى بالعراق في خلافة عمر وبنى الكوفة ووليها فشكاه أهلها فعزله عنهم وبعث رجالاً يسألونهم فانتدب لشكواه أبو سعد وقال أنه لا يسير بالسرية ولا يعدل في القضية ولا يقسم بالسوية والقصة ذكرها المصنف في باب جواز دعاء المظلوم على ظالمه وقال عمر رضي الله عنه إن أصابت الإمارة سعداً فذاك وإلا فليستعن به أيكم ما أمر فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة واعتزل الفتن بعد موت عثمان ونزل فيه وبسببه آيات من القرآن منها قوله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا} [لقمان: 15] وهو من الجماعة الذين نزل في شأنهم: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52] وأخباره في الشجاعة والشدة في دين الله واتباع السنة والزهد والورع وإجابة الدعوة والصدق والتواضع كثيرة روي له مائتان وسبعون حديثاً انفقا منها على خمسة عشر وانفرد البخاري بخمسة عشر ومسلم بثمانية عشر روى عنه ابنا عمر وعباس وجابر بن سمرة وآخرون توفي في قصره بالعقيق على تسعة أميال من المدينة وحمل على أعناق الرجال إلى المدينة وصلى عليه والي المدينة مروان بن الحكم وأزواجه - صلى الله عليه وسلم - قيل وكان آخر المهاجرين موتاً بالمدينة وقيل آخرهم موتاً بها جابر بن عبد الله ولما حضرته الوفاة دعا بخلق جبة له من صوف فقال كفنوني فيها فإني كنت لقيت المشركين فيها يوم بدر وكنت أخبؤها لهذا اليوم وكانت وفاته سنة ثمان أو خمس وخمسين وله بضع وستون أو وسبعون أو وثمانون أو

أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: علمني كلاماً أقوله، قالَ: قُلْ: لا إلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شرِيكَ لَهُ، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيراً، والحَمْدُ لِلَهِ كَثِيراً، وَسُبْحَانَ اللهِ رَب العالمِينَ، لا حَوْلَ وَلا قُوَةَ إلاَّ بِاللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وتسعون سنة. قوله: (أعرابي) منسوب إلى الأعراب سكان البادية وسيأتي في باب المساجد مزيد كلام في الأعرابي وتحقيق الفرق بينه وبين العربي. قوله: (عَلّمْني كلاماً) فيه إطلاق الكلام على الذكر وعدم حنث من حلف لا يتكلم فذكر لأن مبني الإيمان على العرف وهم لا يعدون منه الذكر. قوله: (كَبيراً) قال القاضي عياض ينصب عند النحاة بفعل مضمر دل عليه ما قبله كأنه قيل كبرت أو ذكرت كبيراً أو نحو ذلك وقيل على التمييز وقيل على القطع اهـ، واقتصر القرطبي على نقل كونه مفعولاً مطلقًا وزاد ابن حجر في شرح المشكاة كونه حالاً مؤكدة نحو زيد أبوك عطوفاً وعلى كونه حالاً أو تمييزاً فالعامل افعل التفضيل وعلى كونه مفعولاً فالعامل فعل مدلول عليه بأفعل. قوله: (رَب العالمين) في النهاية الرب يطلق في اللغة على المالك والسيد والمدبر والمربي والمتمم والمنعم ولا يطلق غير مضاف إلاّ على الله تعالى وإذا أطلق على غيره أضيف فيقال رب كذا وقد جاء في الشعر مطلقاً على غير الله تعالى وليس بالكثير اهـ، وفي الفتح المبين وقول الجاهلية للملك من الناس الرب من كفرهم ويطلق أيضاً على الصاحب والثابت ثم قيل هو صفة فعلية وزنه فعل وقيل فاعل أي رأيت وحذفت ألفه لكثرة الاستعمال ورد بأنه خلاف الأصل وقيل هو مصدر بمعنى فاعل كعدل وظاهر أن المعاني المذكورة تتأتى في هذا المقام والعالمين بفتح اللام اسم جمع لعالم على الصحيح لا جمع له لعموم المفرد إذ هو اسم لما سوى الله تعالى من سائر الأجناس فيخرج صفات ذاته إذ هي ليست غيره نظراً لاستحالة الانفكاك ولا عينه نظراً للمفهوم

العَزِيزِ الحكيمِ، قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ وخصوص العالمين إذ هو مخصوص بذي العقل من أنس وملك وجن والمفرد منه مع الجمع لا يكون كذلك ولذا منع سيبويه كون الإعراب الخاص بسكان البادية جمعا لعرب الشامل له ولسكان الحاضرة لئلا يكون المفرد أوسع دلالة من الجمع وهو ممنوع وقد اختلف في عدة العوالم على أقوال عديدة: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر: 31] وأل في العالمين للاستغراق ثم قيل العالم مشتق من العلم فيختص بذويه ما سبق وقيل من العلامة لأنه علامة على موجده وأنه متصف بصفات الكمال. قوله: (العزيز الحكيم) هذان الاسمان هما الواردان في ختم الحوقلة دون ما اشتهر في ألسنة كثير من ختمها بالعلي العظيم لكن في بعض نسخ الحصن الحصين رواية ختمها بالعلي العظيم فلعله رواية أخرى قاله ابن حجر في شرح خطبة كتابه المشكاة وكلامه في الحوقلة من حيث هي وأما حديث سعد المذكور فإنه من أفراد مسلم كما صرح به صاحب السلاح ويؤخذ من اقتصار المنذري على عزو تخريجه إليه وليس فيه إلاَّ ختمها بالعزيز الحكيم، والختم بها أنسب لأن العزيز من لا يغالب أمره ولا حول ولا قوة معه ومع ذلك فهو حكيم يضع الشيء موضعه على مقتضى الحكمة بمحض الفضل والإحسان وفي شرح هذا الحديث من المشكاة ما لفظه وختم الحوقلة بهما لوروده في هذه الرواية الصحيحة سيما رواية مسلم أولى من ختمها بالعلي العظيم وإن كان قد اشتهر لكن قوله لا سيما فيه إيهام إن الحديث روي عند غير مسلم وليس بمسلم لما تقدم نعم في المرقاة في الكلام على هذا الحديث ما لفظه وجاء في رواية البزار بلفظ العلي العظيم قال الحافظ ورواه البزار من حديث موسى الجهني يعني الراوي لحديث مسلم عن مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه اهـ. قال في المرقاة

فهؤلاء لربي فما لي؟ قال: قُل اللهُم ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن لم يرد في الصحيح قال الطيبي لم يرد ذلك في أكثر الروايات إلاَّ عن الإمام أحمد فإنه أردفها بقوله العلي العظيم اهـ، ومراد السلاح بكونه من إفراد مسلم بالنسبة لباقي الستة وقول ابن حجر فلعله رواية أخرى هو كذلك فقد روى الترمذي والنسائي وقال الترمذي واللفظ له حديث حسن عن ابن عمر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما على وجه الأرض أحد يقول لا إله إلاّ الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله العلي العظيم إلَّا كفرت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر، كذا في السلاح وفي الترغيب للمنذري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول من قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلَّا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله العلي العظيم قال الله تعالى أسلم عبدي واستسلم، رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد. قوله: (فَهَؤُلاء لربي) أي حق له تعالى إذ هي موضوعة للدلالة على أوصافه الأزلية الأبدية من صفات الجلال ونعوت الكمال والتنزه عن النقص بحال. قوله: (فَمَا لي) أي ما الذي أذكره مما أرجو حصول مدلوله لي. قوله: (اللهمَّ) قال ابن السيد لا خلاف إن المراد باللهم يا الله وإن الميم زائدة ليست بأصل الكلمة ثم اختلفوا بعد ذلك في هذه الميم على ثلاثة مذاهب فذهب سيبويه والبصريون إلى أنها زيدت في الآخر عوضًا عن حرف النداء ولهذا لا يجمع بينهما لما فيه من الجمع بين العوض والمعوض وشذ قول الشاعر: * إني إذا ما حدث ألما ... أقول يا للهم يا للهما* والمنع من الجمع بين حرف النداء والميم إنما هو على مذهب من ذكر كما صرح به أبو حيان في النهر، وذهب الكوفيون إلى إن الميم عوض عن جملة محذوفة والتقدير يا الله أمنا بخير أي أقصدنا ثم حذف للاختصار ولكثرة الاستعمال قال القاضي البيضاوي فخفف بحذف حرف النداء ومتعلقات الفعل وهمزته اهـ، ورد بعدم اطراد هذا القدر في أكثر المواضع في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} [الأنفال: 32]، الآية ولو

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كان الميم من أمنا لما احتاج الشرط إلى جواب لأن الفعل حينئذٍ وهو أمنا يكون الجواب تاليا إن وذهب آخرون إلى إن الميم زائدة للتعظيم والتفخيم لدلالتها على معنى الجمع كما زيدت في زرقم لشدة الزرقة وابنم في الابن قال ابن السيد وهذا غير خارج عن مذهب سيبويه لأنه لا يمنع أن يكون للتعظيم وإن كانت عوضاً من حرف النداء كما إن التاء في قولنا تالله بدل من الباء وفيها زيادة معنى التعجب قال وهذا القول أحسن الأقوال، وذكر ابن ظفر في شرح المقامات إن الله اسم للذات والميم للصفات التسعة والتسعين فجمع بينهما إيذاناً بالسؤال بجميع أسمائه وصفاته وقواه بعضهم واحتج بقول الحسن البصري: اللهم مجمع الدعاء، وقول النضر بن شميل من قال اللهم فقد دعا الله بجميع أسمائه وصفاته وكأنه قال يا الله الذي له الأسماء الحسنى ولذا قيل له أنه الاسم الأعظم كذا في شرح الزركشي على جمع الجوامع ووجه بعضهم كلام ابن ظفر أيضاً بأن الميم هنا بمنزلة الواو الدالة على الجمع فإنها من مخرجها فكأن الداعي يقول يا الله الذي اجتمعت له الأسماء الحسنى والصفات العلا قال ولذا شددت لتكون عوضاً عن علامتي الجمع الواو والنون في مسلمون ونحوه واختير الإتيان به في الأدعية كثيراً بل لم يأت التنزيل إلي به عن الإتيان بالجلالة مقروناً بيا لأن يا موضوعة للبعيد وهو سبحانه أقرب للإنسان من حبل الوريد قرب علم لا قرب مسافة وتحديد قال ابن عطية أجمعوا على أنها يعني اللهم مضمومة الهاء مشددة الميم مفتوحة وأنها منادى قال أبو حيان في النهر وما نقله من الإجماع على تشديد الميم قد نقل الفراء تخفيفها في بعض اللغات قال وأنشدني عليه بعضهم: *كحلقة من أبي رياح ... يسمعها اللهم الكبار* قال الراد عليه وتخفيف الميم خطأ فاحش عند الفراء لأنها عنده هي التي في أمنا وهي التي لا تحتمل التخفيف قال والرواية الصحيحة لاهة كبار اهـ، وإن صح هذا

اغْفِرْ لي وَارحَمني وَاهْدِني وَارْزُقني". وروينا في "صحيح مسلم" عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـــــــــــــــــــــــــــــ البيت كان فيه شذوذ آخر من حيث استعماله في غير النداء إذ هو فيه فاعل بالفعل قبله اهـ، كلام النهر، وفي شرح الخلاصة للمرادي شذ حذف أل منه كقوله: لا هم إن كنت قبلت حجج وهو في الشعر كثير ولا يستعمل إلا في النداء وشذ استعماله في غير النداء كما في الارتشاف وفي جواز وصفه خلاف منعه سيبويه والخليل وأجازه المبرد والزجاج وفي النهاية تستعمل اللهم على ثلاثة أنحاء إن يراد بها النداء المحض نحو اللهم توفنا مسلمين وإن يذكره المجيب تمكيناً للجواب في نفس السامع يقول لك القائل أزيد قائم فتقول اللهم نعم وإن يؤتى به للدلالة على الندرة وقلة وقوع المذكور نحو أنا لا أزورك اللهم إذا لم تدعني إذ وقوع الزيارة مقروناً بعدم الدعاء قليل اهـ. قوله: (اغفرْ لي) أي جميع الذنوب فالكريم وهاب وليس هذا من باب التكفير بصالح الأعمال فيقيد بالصغائر بل من السؤال فالمسؤول تكفير كل ذنوبه صغيرة وكبيرة ويشهد للتعميم حذف المعمول. قوله: (وارْحَمني) أي بتوالي نعمك. قوله: (وَاهدني) بالدلالة والإيصال لما فيه الصلاح والنجاح في الحال والمآل. قوله: (وارْزقني) أي ارزقني ما أستعين به على القيام بالتكاليف المطلوبة مني وأستغني به عن سواك وأنفق منه في طرق رضاك وما أحسن قول إمامنا الشافعي رضي الله عنه: يا لهف قلبي على مال أفرقه ... على المقلين من أهل المروءآت ان اعتذاري إلى من جاء يسألني ... ما ليس عندي من أجلى المصيبات وفي الحديث إن سؤال ما يقيم الحال ويغني عن الغير من الرزق الحلال لا ذم فيه بحال. قوله: (وروينا في صحيح مُسْلم) ورواه الترمذي والنسائي وابن حبان أيضاً وقال الترمذي حسن صحيح وروايتهم وتحط بالواو من غير ألف قبلها كما

فقال: "أيَعْجِزُ أحَدُكُمْ أنْ يَكْسِبَ في كُل يَوْم ألفَ حَسَنَةٍ؟ فسأله سائل من جلسائه: كيفَ يكسب ألف حسنة؟ قال: يُسَبِّحُ مائَةَ تَسْبِيحَة فَتُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ، أوْ تُحَطَّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَة". قال الإمام الحافظ أبو عبد الله ـــــــــــــــــــــــــــــ في الترغيب للمنذري والسلاح وقال الحافظ رواية شعبة عن أحمد والنسائي بالواو كما قال البرقاني إن شعبة وغيره رووه عن موسى الجهني بالواو وهو عند أحمد عن عبد الله بن نمير ويعلى بن عبيد ويحيى القطان في موضعين أحدهما بلفظ ويمحى عنه ألف سيئة والثاني باللفظ الذي ذكره مسلم اهـ. قوله: (أيَعجِزُ أحدكم) بكسر الجيم وتفتح من العجز وهو الضعف والفعل كضرب وسمع على ما في القاموس قيل اقتصار ابن الجوزي في مفتاح الحصين في حديث "لا يعجزوا في الدعاء" على قوله بكسر الجيم في المستقبل وفتحها في الماضي مبني على الرواية وهي لا تنافي جواز الفتح لغة أو على كونه أفصح لوروده في قوله تعالى: {يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} [المائدة: 31] قال القاضي عياض في المشارق وقد قيل في الماضي بكسر الجيم والفتح أعرف اهـ، وفي أوائل شرح مسلم للمصنف يقال عجز بفتح الجيم يعجز بكسرها هذه هي اللغة الفصحى المشهورة وبها جاء القرآن العزيز في قوله تعالى: {يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ} ويقال عجز يعجز بكسرها في الماضي وفتحها في المضارع حكاه الأصمعي وغيره والعجز في كلام العرب ألا يقدر على ما يريد وأنا عاجز وعجز اهـ، وأحد هنا بمعنى واحد لا بمعنى أحد التي للعموم لأن ذلك إنما يستعمل في النفي نحو لا أحد في الدار أصله وحد قلبت واوه المفتوحة همزة على غير قياس بخلاف المضمومة كوجوه وأوجه فإنه قياسي والمكسورة كوسادة وإسادة قيل سماعي وقيل قيامي. قوله: (فَيكتب لَهُ ألفُ حَسنةَ) هذا أقل مراتب

الحميدي: كذا هو في كتاب مسلم في جميع الروايات: "أو تُحَطُّ" قال البرقاني: ورواه شعبة وأبو عوانة ويحيى القطان عن موسى الذي رواه مسلم من جهته، فقالوا: "وتحَط" بغير ألف. ـــــــــــــــــــــــــــــ المضاعفة قال تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] وأما نهاية المضاعفة فلا يعلمها إلاَّ واهبها قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] وقال تعالى: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 261]. قوله: (الحميدي) بحاء مضمومة فميم مفتوحة فتحتية ساكنة فدال مهملة بعدها ياء النسب منسوب لجده حميد الأعلى والحميدي صاحب الجمع بين الصحيحين وغيره ومن شعره: لقاء الناس ليس يفيد شيئاً ... سوى الإكثار من قيل وقال فأقلل من لقاء الناس إلا ... لأخذ العلم أو إصلاح حال قوله: (من جَميع الروايات) أي من جميع رواة كتاب مسلم أي إن رواة صحيح مسلم عنه لم يختلفوا في هذا الحرف وجميع نسخ مسلم متفقة. قوله: (قالَ البِرْقاني) بكسر الموحدة وفتحها وسكون الراء وبالقاف ثم نون بعد الألف كذا ضبطه بالوجهين السبكي في الطبقات وغيره قال صاحب لب اللباب نسبة إلى قرية من قرى كانت بنواحي خوارزم خربت والمشهور منها الإمام أبو بكر أحمد ابن محمد بن أحمد بن غالب البرقاني الخوارزمي الفقيه المحدث الأديب الصالح وقال السبكي في طبقاته هو الحافظ الكبير تفقه في حداثته وصنف في الفقه ثم اشتغل بالحديث فصار فيه إمامًا قال الخطيب واستوطن بغداد وحدث فكتبنا عنه وكان ثقة ورعاً متقناً فهما لم ير في شيوخنا أحفظ منه حافظاً للقرآن عارفاً بالفقه له حظ من علم العربية كثير الحديث حسن الفهم والبصيرة صنف مسنداً ضمنه ما اشتمل عليه الصحيحان ولد آخر سنة ست وثلاثين وثلاثمائة ومات أول يوم من آخر سنة خمس وعشرين وأربعمائة ببغداد اهـ. قوله: (ويحط بغير ألف) وتقدم إن الترمذي والنسائي وابن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حبان رووه كذلك وفي فتاوى الحافظ ابن حجر العسقلاني هو كما قال الحميدي والبرقاني لكن وجدته في مسند أحمد من طريق شعبة وغيره بالواو تارة وتارة بأو وكان أحمد شديد الحرص على تحرير ألفاظ الرواة وبيان اختلافهم ومن تأمل مسنده وجد من ذلك ما يتعجب منه اهـ، وحاصل الكلام أن موسى الراوي اضطرب في الحديث فرواه تارة بأو وهي التي صحت عند مسلم وجاءت عن شعبة عند أحمد وتارة بالواو وهي التي جاءت عن شعبة عند أحمد وغيره وعن القطان وغيرهما والمتبادر من أو أحد الأمرين لا هما ومن الواو معاً فالروايتان متعارضتان فيطلب الترجيح من خارج ومقتضى ما قرره في الثواب من العمل بالأكثر ثوابًا وفضلًا عند التعارض لعمل برواية الواو فيكون - صلى الله عليه وسلم - أخبر بالألف وحدها أولاً لأنها واقعة مطلقاً بخلاف حط السيئات فإنه قد لا يوجد لكون القائل لا سيئات له وإن وجد بدله من زيادة الدرجات أخذاً مما قالوه في نحو صوم يوم عرفة يكفر ذنوب سنتين ومما يؤيد الأخذ برواية الواو أن رواية أو فيها إشكال إذ الجزم بحصول الألف أول الحديث ينافي ما في آخره إذ الحاصل هي أو الحط عن الإبهام هذا بناء على ما استظهره ابن حجر في شرح المشكاة من الاضطراب المبني على التعارض بالتقرير المذكور في معنى الحرفين وقال الطيبي يختلف معنى الواو وأو إذا أريد به أحد الأمرين وأما إذا أريد به التنويع فهما سيان في القصد اهـ، ونظر فيه ابن حجر بما تقدم من تبادر معنى الحرفين إلى ما ذكره ثم قال "فإن قلت" ضرورة الجمع توجب حمل الواو على التنويع لتوافق أو فيتحد الروايتان "قلت" الأمر كذلك لولا بعد هذا الحمل وخروجه عن السياق كما يعلم مما تقرر اهـ، وقد سبق الطيبي إلى ما جنح إليه من الجمع الإمام القرطبي فقال في المفهم إن صحت رواية أو فتحمل على المذهب الكوفي من كون أو فيه بمعنى الواو اهـ، وقال في المرقاة وقد تأتي الواو بمعنى أو فلا منافاة بين الروايتين وكان المعنى إن من قالها يكتب له ألف حسنة إن لم تكن عليه خطيئة وقدم بمقتضى حسن الظن أو يحط عنه ألف خطيئة

وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يُصْبِحُ على كُل سُلامَى مِنْ أحَدِكمْ صَدَقَة، ـــــــــــــــــــــــــــــ إن كانت عليه وإلاّ فيحط بعض ويكتب بعض ويمكن أن تكون أو بمعنى الواو أو بمعنى بل فحينئذٍ يجمع له بينهما وفضل الله أوسع من ذلك اهـ، وما ذكروه من الجمع هو الظاهر وإن قيل أنه خلاف المتبادر لما فيه من إعمال سائر الروايات وهو خير من إهمال بعضها سيما والمعنى المحمول عليه هو من جملة معاني ذلك الحرف وورد له الشاهد من كلام العرب مع ما فيه من الجري على القول بالاضطراب على الوجه المذكور من تقديم رواية غير الصحيح المقدم على غيره ولا ضرورة إليه وبه يعلم إن الاضطراب في الحديث غايته حصل الشك في اللفظ الوارد مع توافق المعنى فلا يضر التخالف اليسير في المبنى والله أعلم. قوله: (روينا في صحيح مسلم) قال الحافظ بعد تخريجه أخرجه مسلم وابن حبان وأخرجه أبو داود والنسائي وابن خزيمة وأبو عوانة من طرق وله شاهد أخضر منه من حديث بريدة وفيه تفسير السلامى أي بذكر المفصل في محلها قال الحافظ أخرجه أبو داود وابن حبان وشاهد آخر أتم منه إلاَّ أنه ليس فيه ذكر الضحى من حديث عائشة أخرجه مسلم اهـ. قوله: (صدقه) هو بالرفع اسم يصبح أي يصبح على كل عظم ومفصل لابن آدم أصبح سليماً من الآفات باقياً على الهيئة التي يتم بها منافعه وأفعاله صدقة عظيمة شكراً لمن صوره ووقاه عما يضره ويؤذيه مع قدرته على ذلك وعدله لو فعله لكنه عامله بالإحسان فعفا عنه فأدام له تلك النعم الحسان على إن الصدقة تدفع البلاء فبوجودها عند أعضائه يرجى اندفاع البلاء عنها و"على" في الخبر لتأكد الندب وهو مراد من عبر بالوجوب في قوله التقدير تصبح الصدقة واجبة على كل سلامى إذ كل من الصدقات وما ناب عنها من صلاة الضحى ليس واجباً حقيقة حتى يأثم بتركه ثم ظاهر الحديث تكرر ذلك سائر الأيام وقد جاء كذلك في حديث

فَكُلُّ تَسْبِيحَةِ صَدَقَةٌ، وكُلُّ تحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وكُل تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي هريرة كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس ظاهر هذا الخبر وجوب الشكر بهذه الصدقة وهو يدل على أنه يكفيه إن لا يفعل شيئاً من الشر ويلزمه القيام بجميع الواجب ومنه ترك المحرمات وهذا الشكر الواجب وهو كافٍ في شكر هذه النعمة وغيرها أما الشكر المندوب فهو الزيادة على ذلك بنوافل الطاعات القاصرة كالصلاة والمتعدية كالعدل والإعانة وهذا هو المراد من هذا الحديث وأمثاله وإن ذكر فيه بعض الواجبات ما مر أيضاً. قوله: (فكل تسبيحة صدقة) الفاء فيه تفصيلية لإجمال الصدقة قبله وبه استغني عن تعداد المفاصل بناء على أنها المراد من السلامى كما قال بعضهم وأيده بأنه روى أحمد وأبو داود عن بريدة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في الإنسان ثلاثمائة وستون مفصلاً فعليه أن يتصدق على كل مفصل منه صدقة قالوا ومن يطيق ذلك يا نبي الله قال النخاعة في المسجد يدفنها والشيء ينحيه عن الطريق فإن لم يجد فركعتا الضحى تجزيك "قلت" وروى مسلم من حديث عائشة خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل فمن كبر الله وحمد الله وهلل وسبح واستغفر وعزل حجراً عن طريق المسلمين أو عزل شوكة أو عزل عظما أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر عدل تلك الستين والثلاثمائة السلامى فإنه يمشي يومئذٍ وقد زحزح عن النار قال ابن الجوزي وهذا من أفراد مسلم وفي شرح الأربعين للفاكهاني قال سهل بن عبد الله التستري في الإنسان ثلاثمائة وستون عرق مائة وثمانون ساكنة ومثلها متحرك فلو تحرك ساكن أو سكن متحرك لم ينم الإنسان فالله المسؤول يلهمنا شكر هذه النعم الجسام وذكر علماء الطب أن جميع أعضاء البدن مائتان وثمانية وأربعون عظم سوى السمسمات وبعضهم

وَأمْرٌ بِالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يقول ثلاثمائة وستون عظم يظهر منها للحس مائتان وخمسة وستون عظم والبقية صغار لا تظهر تسمى السمسمانية ويؤيد هذا القول أحاديث كثيرة منها حديث البزار أنه - صلى الله عليه وسلم - قال للإنسان ثلاثمائة وستون عظم وستة وثلاثون سلامى عليه في كل يوم صدقة قالوا فمن لم يجد قال يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر قالوا فمن لم يستطع قال يرفع عظماً عن الطريق قالوا فمن لم يستطع قال فيكفي الناس شره وتقدم حديث مسلم وما في معناه وقوله وستة وثلاثون سلامى لعله عبر بها عن تلك العظام الصغار إذ السلامى في الأصل اسم لأصغر ما في البعير من العظام ثم عبر بها عن مطلق العظم من الآدمي وغيره. قوله: (وأمر بمعروف إلخ) أمر ونهي مجروران عطفاً على مدخول كل قال الكازروني في شرح الأربعين وأسقط المضاف هنا اعتماداً على ما سبق اهـ. وفي شرح المشكاة لابن حجر كأن حكمة ترك ذكر كل للإشارة إلى ندرة وقوعها بالنسبة إلى ما قبلهما لا سيما من المعتزلة عن الناس أو مرفوعان عطفاً عليها وخبرها معطوف على خبرها وعليه فيكون من عطف معمولين على معمولي عاملين مختلفين أو كل منهما مبتدأ خبره ما بعده والواو لعطف الجمل أو استئنافية لأن هذا نوع غير ما قبله إذ هو فيما تعدى نفعه وما قبله نفعه قاصر وسوغ الابتداء بما ذكر مع كونه نكرة تخصيصه بالعمل في الظرف بعده ونكراً إيذاناً بأن كل فرد من أفرادهما صدقة ولو عرفا لاحتمل إن المراد الجنس أو فرد معهود منهما فلا يفيد النص في ذلك ثم سكت في الحديث عن ذكر الصدقة الحقيقية وهي إخراج بعض المال لوضوحها بخلاف ما ذكره في الخبر فإن في تسميته بالصدقة وأجزائه عن الصدقة الحقيقية المتبادر إرادتها من ظاهر الخبر خفاء فيؤخذ منه إن للصدقة إطلاقين ثم ليس المراد من الحديث حصر أنواع الصدقة بالمعنى الأعم فيما ذكر فيه بل التنبيه به على ما بقي منها ويجمعها كل ما فيه نوع نفع للنفس

وَيَجْزِئُ مِنْ ذلكَ رَكعَتَانِ تَرْكعُهُمَا منَ الضُّحَى" ـــــــــــــــــــــــــــــ أو للغير. قوله: (وَيْجزِي إلخ) هو بضم أوله وفتحه من أجزأ وجزى أي يكفي كذا في شرح المشكاة لابن حجر وفيه إطلاق في محل التقييد يبينه قول الحافظ العراقي في شرح التقريب قوله يجزي يجوز فتح أوله بغير همز في آخره وضم أوله بهمز في آخره فالفتح من جزى يجزي أي يكفي ومنه قوله تعالى: {لَا تَجْزِي نَفْسٌ} [البقرة: 48] والضم من الإجزاء وقد ضبط بالوجهين في حديث أبي ذر "ويجزي من ذلك ركعتان يركعهما من الصبح" اهـ. ثم ظاهر الخبر إجزاء ذلك ولو مع التمكن مما قبله وفي خبر أبي داود تقييد إجزاء ذلك بعدم الوجدان وجمع بأن ما في خبر أبي داود محمول على الحال الأكمل والعمل الأفضل إذ لا يبعد أن يكون الإتيان بثلاثمائة وستين صدقة أفضل من ركعتي الضحى وإن كانت الصلاة أفضل العبادات البدنية لأنه بالنسبة للمجموع لا بالنسبة للإفراد قال الأصحاب لا يقال صلاة ركعتين أفضل من صوم يوم أي لكثرة العمل في الأخير إنما التفاضل مع استواء الزمان المصروف للعملين وما في خبر مسلم المذكور في الكتاب فبالنسبة لمطلق الاكتفاء قال العراقي "فإن قلت" قد عد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهما فرضا كفاية فكيف أجزأ عنهما ركعتا الضحى وهما تطوع والتطوع لا يسقط الفرض "قلت" المراد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث قام بالفرض غيره وحصل المقصود وكان كلامه زيادة وتأكيداً أو المراد تعليم المعروف ليفعل والمنكر ليجتنب وإن لم يكن هناك من واقعه فإذا فعله كان من جملة الحسنات المعدودة من الثلاثمائة والستين وإذا تركه لم يكن عليه فيه حرج ويقوم عنه وعن غيره من الحسنات ركعتا الضحى أما إذا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند فعله حيث لم يقم به غيره فقد إثم ولا يرفع عنه الإثم ركعتا الضحى ولا غيرهما من التطوعات ولا من الواجبات اهـ. قوله: (من ذَلك) أي من ما ذكر من التسبيح فما بعده. قوله: (تركَعُهما مِنَ الضُّحى)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه عظيم فضل صلاة الضحى لتحصيلها هذا الثواب الجزيل والشكر العظيم وأنه ينبغي المداومة عليها وكره جماعة من أصحابنا تركها قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي اشتهر بين كثير من العلماء أنه من صلى الضحى ثم قطعها حصل له عمى فصار كثير من الناس لا يصلونها خوفاً من ذلك وليس لهذا أصل ألبتة من السنة ولا من قول أحد من الصحابة ولا من التابعين ومن بعدهم والظاهر أن هذا مما ألقاه الشيطان على ألسنة العوام لكي يتركوا صلاة الضحى دائماً فيفوتهم بذلك خير كثير من قيامها مقام سائر أنواع التسبيح الخ. اهـ. وكأن سبب قيامها مقام ذلك اشتمال الركعتين على جميع ما ذكر حق الأخيرين {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45] وتردد الولي العراقي في حصول ما ذكر بركعتين غير ركعتي الضحى وإن كان أفضل كركعتي الفجر أو اختصاص ذلك بركعتي الضحى واستظهر الأخير ولم يبين وجهه ولعله أنها متمحضة للشكر بخلاف نحو الرواتب فإنها شرعت لجبر نقص الفرائض لم يتمحض فيها القيام بشكر تلك النعم الباهرة والضحى لما لم يكن فيه ذلك تمحض للقيام لذلك مع أنها مناسبة لما أشير إليه بقوله تطلع فيه الشمس من إن اليوم قد يعبر به عن المدة الطويلة المشتملة على أيام كثيرة كيوم صفين وعن مطلق الوقت كما في قوله تعالى {أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} [هود: 8] فلو لم يقيد بتطلع فيه الشمس لتوهم إن المراد به أحد هذين وأنه لا يطلب منه شكر تلك النعم كل يوم فقيد بذلك إعلاماً بتكرر الطلب بتكرر طلوع الشمس ودوامها فإذا تأمل الإنسان ذلك أوجد له عند شهود طلوعها تيقظاً للشكر وأفضل العبادات حينئذٍ صلاة الضحى فناسب تخصيصها بذلك دون غيرها، وفي شرح المشكاة لابن حجر وكأن سر ذلك إن النهار الحقيقي إنما يدخل بطلوع الشمس كما يصرح به خبر اركع لي أربع ركعات أول النهار الحديث وما بعد الفجر إليها إنما يعطي حكم النهار تبعًا وفي بعض الأحكام لا كلها ومن ثم قال جمع إن صلاة الصبح ليلية وأول صلاة تطلب بعد طلوع الشمس المشار إليه بالإصباح صلاة الضحى وصلاة

قلت: السلامى بضم السين وتخفيف اللام: وهو العضو، وجمعه سلاميات بفتح الميم وتخفيف الياء. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أدُلُّكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الإشراق قال جمع أنها من صلاة الضحى نظير ما مر من مقدمة صلاة الليل فكانت صلاة الضحى هي المقصود بالذات فلم يحصل ذلك بغيرها فتأمله اهـ .. قوله: (السلامى إلخ) في النهاية جمع سلامية وهي الأنملة من أنامل الأصابع وقيل جمعه ومفرده واحد ويجمع على سلاميات اهـ. وقول المصنف هنا جمعه سلاميات يميل إلى الأخير. قوله: (وهو العضو) وهو بضم العين وكسرها مع إسكان الضاد قال في القاموس هو كل لحم وافر يعظمه وفي مختصر العين للزبيدي السلامى من عظام الأصابع والأكارع اهـ، ومثله في المشارق لعياض إلاّ أنه قال وأصله عظام الأصابع إلخ. وفي النهاية هي التي بين كل مفصلين من أصابع الإنسان وقيل كل عظم مجوف من صغار العظام، المعنى على كل عظم من عظام ابن آدم صدقة وقيل إن آخر ما يبقى فيه المخ من البعير إذا عجف السلامى والعين قال أبو عبيد هو عظم يكون في فرسن البعير اهـ، وظاهر إن المراد من السلامى في الخبر ما يعم العضو وغيره فتجوز بقوله العضو عن مطلق الجزء والعظم على طريق التجريد وفي شرح مسلم للمصنف أصله عظام الأصابع وسائر الكف ثم استعمل في سائر عظام البدن ومفاصله قال العراقي في شرح التقريب وهو المراد في الحديث اهـ، وأيده المصنف بخبر مسلم السابق خلق الإنسان على ستين وثلاثمائة مفصل. قوله: (في صحيح البخاري ومسلم) وكذا رواه باقي الستة ورواه النسائي أيضاً من حديث أبي هريرة وزاد فيه ولا منجا من الله إلاّ إليه كذا في السلاح وقال الحافظ بعد تخريجه حديث متفق عليه أخرجه أحمد والأئمة الستة وأبو عوانة من طرق متعددة إلى أبي عثمان النهدي واسمه عبد الرحمن بن مل بتثليث الميم وتشديد

عَلى كَنزٍ مِنْ كُنُوزِ الجَنةِ؟ فَقلت: ـــــــــــــــــــــــــــــ اللام يعني الراوي عن أبي موسى الأشعري اهـ، وفي الترغيب للمنذري بعد إيراده من حديث أبي هريرة ولفظه "قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر من قول لا حول ولا قوة إلاَّ بالله فإنها كنز من كنوز الجنة قال مكحول فمن قال لا حول ولا قوة إلاَّ بالله ولا منجى من الله إلاّ إليه كشف الله عنه سبعين باباً من الضر أدناهن الفقر" ما لفظه رواه الترمذي وقال هذا حديث إسناده ليس بمتصل، مكحول لم يسمع من أبي هريرة ورواه النسائي والبزار مطولاً ورفعا ولا منجى من الله إلاَّ إليه ورواتهما ثقات محتج بهم ورواه الحاكم وقال صحيح ولا علة له ولفظه، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ألا أعلمك ألا أدلك على كلمة من تحت العرش من كنز الجنة تقول لا حول ولا قوة إلاَّ بالله فيقول الله أسلم عبدي واستسلم، وفي رواية له وصححها أيضاً قال - صلى الله عليه وسلم -، ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة قلت بلى يا رسول الله قال تقول لا حول ولا قوة إلاّ بالله ولا ملجأ ولا منجى من الله إلاّ إليه، ذكره في حديث اهـ. قوله: (على كنز مِنْ كنُوزِ الجنةِ) قال المصنف في شرح مسلم معنى الكنز هنا ثواب يدخر في الجنة وهو ثواب نفيس كما إن الكنز أنفس أموالكم اهـ. وقال الكرماني أي أنها من نفائس ما في الجنة وما ادخر فيها للمؤمنين أو من محصلات نفائس الجنة وذخائرها اهـ. وفي شرح المشكاة لابن حجر كنز من كنوز الجنة من حيث أنه يدخر لصاحبها من الثواب ما يقع له في الجنة موقع الكنز في الدنيا لأن من شأن الكانز أن يعد كنزه لخلاصه مما ينوبه والتمتع به فيما يلائمه واعلم إن هذا ليس من باب الاستعارة لذكر المشبه وهو الحوقلة والمشبه به وهو الكنز ولا من باب التشبيه الصرف لبيان الكنز بقوله من كنوز الجنة بل هو إدخال الشيء في غير جنسه وجعله أحد أنواعه ادعاء فالكنز إذًا نوعان متعارف وهو المال الكثير المتراكم

بلى يا رسول الله، قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ بعضه على بعض الذي بالغ صاحبه في حفظه وكتمه وغير متعارف وهو هذه الكلمة الجامعة للتنزه بالمعاني الإلهية كما يعلم مما تقدم اهـ. وفي شرح مسلم للمصنف وسبب كونها من كنوز الجنة أنها كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى واعتراف بالإذعان وأن لا صانع إلاَّ الله ولا راد لأمره وإن العبد لا يملك شيئاً من الأمر أي فلا يستحق شيئاً بل إن نوقش في الحساب عذب قال الشيخ ابن حجر ولذا كانت هي الكنز العلي والعطاء الوفي ولم لا، وهي محتوية على التوحيد الخفي لأنه إذا نفيت الحيلة والاستطاعة مما من شأنه ذلك وأثبتت لله تعالى على وجه الحصر اتحاداً واستعانة وتوفيقاً لم يشذ شيء عن ملكه وملكوته اهـ، وفي أمالي الحافظ زين ألدين العراقي عن المستدرك ومن خطه نقلت ما لفظه أنشدكم لنفسي في هذا المعنى: يا صاح أكثر قول لا حول ولا ... قوة فهي للداء دوا وأنها كنز من الجنة يا ... فوز امرئ لجنة المأوى أوى له يقول ربنا أسلم لي ... عبدي واستسلم راضيا هوا قوله: (بلى) هي كلمة يؤتى بها في الجواب كنعم إلا أنها تختص بالنفي وتفيد إبطاله سواء كان مجرداً أم مقروناً بالاستفهام حقيقياً أو توبيخياً أو تقريرياً نحو {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي} [التغابن: 7] ونحوه أليس زيد قائماً ونحو {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى} [الزخرف: 80] {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172]، أجرى النفي مع التقرير مجرى النفي المجرد في رده ببلى ولذلك قال ابن عباس وغيره لو قالوا نعم كفروا ووجهه إن نعم تصديق للخبر بنفي أو إيجاب ولذلك قال جماعة من الفقهاء لو قال أليس لي عليك ألف فقال بلى لزمته ولو قال نعم لم تلزمه وقال آخرون يلزمه فيهما وجروا في ذلك على مقتضى العرف لا على اللغة ونازع السهيلي وجماعة في المحكي عن ابن عباس

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وغيره في الآية متمسكين بأن في الاستفهام التقريري خبراً موجباً ونعم بعد الإيجاب تصديق له واستشكله في المغني بأن بلى لا يجاب بها الإيجاب ولا يحتج بما جاء من الجواب بها عن الاستفهام المجرد كحديث البخاري أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه أما ترضون إن تكونوا ربع أهل الجنة قالوا بلى ونحو لأنه قليل لا يتخرج على مثله التنزيل قال وتسمية الاستفهام في الآية تقريراً المراد منها أنه تقرير بما بعد النفي وفي المغني بعد كلام: الحاصل إن بلى لا يأتي إلَّا بعد نفي وإن لا لا يأتي بعد إيجاب وإن نعم تأتي بعدهما وإنما جاز "بلى قد جاءتك آياتي" مع أنه لم يتقدم أداة نفي لأن {أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [الزمر: 57] يدل على نفي الهداية ومعنى الجواب بلى قد هديتك بمجيء الآيات أي أرشدتك نحو {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} [فصلت: 17] وقال جماعة من المتقدمين والمتأخرين إذا كان قبل النفي استفهام فإن كان على حقيقته فجوابه كجواب النفي المجرد وإن أريد به التقرير فالأكثر أن يجاب بما يجاب به النفي رعياً للفظه ويجوز عند أمن اللبس أن يجاب بما يجاب به الإيجاب رعياً لمعناه وعلى ذلك قول الأنصار للنبي - صلى الله عليه وسلم - وقد قال لهم ألستم ترون لهم ذلك: نعم. وقال ابن عصفور أجرت العرب التقرير في الجواب مجرى النفي المحض وإن كان إيجاباً في المعنى فإذا قيل ألم أعطك درهماً قيل في تصديقه نعم وفي تكذيبه بلى وذلك لأن المقرر قد يوافقك فيما تدعيه وقد يخالفك فإذا قيل نعم لم يعلم هل أراد لم تعطني باعتبار اللفظ أو أعطيتني مراعاة للمعنى فلذا أجابوه على اللفظ ولم يلتفتوا إلى المعنى قال وأما قول الأنصار فجاز لجواز أمن اللبس لأنه قد علم أنهم يريدون نعم نعرف لهم ذلك اهـ. قال في المغني ويتحرر على هذا أنه لو أجيب ألست بربكم بنعم لم يكف في الإقرار لأن الله سبحانه وتعالى أوجب في الإقرار بما يتعلق بالربوبية العبارة التي لا تحتمل غير المعنى المراد من المقر ولهذا لا يدخل في الإسلام بقوله لا إله إلاَّ الله برفع إله لنفي الوحدة ولعل ابن عباس إنما

قُل: لا حَوْلَ وَلَا قوَّةَ إلا باللهِ". وروينا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال أنهم لو قالوا نعم لم يكن إقراراً كافياً وجوز الشلوبين أنه يكون مراده أنهم لو قالوا نعم جواباً للملفوظ به على ما هو الأفصح لكان كفراً إذ الأصل تطابق السؤال والجواب لفظاً وفيه نظر لأن التكفير لا يكون بالاحتمال اهـ، ونازعه الدماميني في قوله ولعل ابن عباس إنما قال بأنه لا وجه له فإنه معارض للنقل الثابت المشهور بمجرد احتمال عدمه من غير تثبت اهـ. قوله: (قُلْ لاَ حَولَ وَلَا قوَّةَ إلا بالله) كذا رواه المصنف هنا وفي المشكاة لا حول ولا قوة إلاَّ بالله بإسقاط قل ورواه في السلاح عن أبي موسى إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له قل لا حول ولا قوة إلاّ بالله فإنها كنز من كنوز الجنة رواه الجماعة اهـ، ومثله في الترغيب للمنذري ثم راجعت صحيح مسلم فرأيته أورده فيه باللفظ الذي أورده المصنف من حديث أبي بكر بن أبي شيبة وباللفظ الذي في المشكاة من حديث أبي كامل فضل بن حسين ولم أجده فيه باللفظ المروي في السلاح والترغيب نعم هي لفظ رواية البخاري ولما كان معنى الروايات واحداً عزاها لجميع من ذكر على عادة المحدثين ومن ثم قالوا لا يجوز أن يعتمد على نحو قول البيهقي أخرجه الشيخان أو أحدهما في جواز عزو الحديث لذلك لأنهم كثيراً ما يقولون ذلك ومرادهم إن أصله فيهما أو في أحدهما نعم إن قال أخرجه بلفظه أو نحو ذلك اعتمد عليه وعزى إلى من نقله عنه وسبق ما يجوز فيها من الوجوه وإعراب كل ذلك وأما معناها فهو لا حول عن المعاصي إلاَّ بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلَّا بالله قال عليه الصلاة والسلام كذلك أخبرني جبريل عن الله تعالى وفي المرقاة في شرح المشكاة، وهي المراد إذا أطلقت المرقاة، ما لفظه والأحسن ما ورد فيه عن ابن مسعود قال كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلتها فقال تدري ما تفسيرها قلت الله ورسوله أعلم قال لا حول

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عن معصية الله ولا قوة على طاعة الله إلاَّ بعون الله أخرجه البزار ولعل تخصيصه بالطاعة والمعصية لأنهما أمران مهمان في الدين اهـ، وروي عن علي في معناها أي أنا لا نملك مع الله شيئاً ولا نملك من دونه ولا نملك إلاَّ ما ملكنا مما هو أملك به منا وحكى أهل اللغة إن معنى لا حول لا حيلة يقال ما للرجل حيلة ولا حول ولا محالة ولا محتال وقوله شديد المحال يعني القوة والشدة كذا في شرح العمدة لابن جمعان وفي شرح المشكاة لابن حجر وتفسير الحول بالتحول أوضح من تفسيره بالحيلة أو الحركة وإن كان المآل واحداً اهـ. وقال الهروي قال أبو الهيثم الحول الحركة يقال حال الشخص إذا تحرك وكأن القائل يقول لا حركة ولا استطاعة إلاَّ بمشيئة الله وكذا قاله أبو عمر في الشرح عن أبي العباس ثعلب وآخرين وقيل لا حول عن معصية الله إلاّ بعصمته ولا قوة على طاعته إلاَّ بمعونته ويحكى هذا عن عبد الله بن مسعود كذا يؤخذ من التهذيب وشرح مسلم للمصنف وقيل معناه لا تحول عن معصية الله ومخالفة أمره ولا على تدبير أمر من أمور الآخرة من طاعته وموافقته ولا قوة على طاعته إلاَّ بالله "تنبيه" الخبر محتمل كون هذه الكلمة كنزاً أي أجرها مدخر لمن قالها وإن لم يتحقق بمضمونها قال شارح الأنوار السنية وهو ظاهر اهـ، ويشهد له قوله في الحديث قل وكونها خاصة بمن قالها وتحقق بذلك وتبرأ من حوله وقوته وفوض أمره إلى الله تعالى قال يحيى بن ربيع الأشعري في كتاب الحكمة البالغة ورد الأمر والنهي بالأخص لا بالأعم وهذا أقرب الوجوه إلى الحق بل هو الحق فإنها توقف على كل جهة ما يليق بها وتجعل للعبد قدرة كسبية حالية وتجعل الإسناد للرب سبحانه وتعالى عن كل شريك في ذاته وصفاته وأفعاله وتثبت الاقتدار من العبد وتثبت أحوالاً بلا واسطة وقدرة في جير وهذا من الحكم العجيب جاءهم ليوافق قوله لا حول ولا قوة إلاَّ بالله على نصها من غير تأويل والحمد لله وقال ابن بطال هذا باب جليل في الرد على القدرية وذلك أن معنى لا حول ولا قوة إلاَّ بالله لا حول للعبد ولا قوة إلاَّ بالله أي بخلق الله له

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحول والقوة وهي القدرة على فعله للطاعة أو المعصية كما ورد عنه عليه الصلاة والسلام أن الباري تعالى خالق لحول العبد وقدرته على مقدوره وإذا كان خالقاً للقدرة فلا شك أنه خالق للشيء المقدور، وفي تفسير القرطبي قوله تعالى: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} [الكهف: 39] أي بالقلب وهو توبيخ ووصية من المؤمن للكافر تقديره الأمر ما شاء الله وقيل الخبر مضمر أي ما شاء الله كان لا قوة إلَّا بالله أي ما اجتمع لك من المال فهو بقدرة الله وقوته لا بقدرتك قال أشهب قال مالك ينبغي لكل من دخل منزله أن يقول هذا وروي إن من دخل منزله فقال بسم الله ما شاء الله لا قوة إلاَّ بالله تنافرت عنه الشياطين من بين يديه وأنزل الله عليه البركات وقال أنس من رأى شيئاً فأعجبه فقال ما شاء الله لا قوة إلاَّ بالله لم يضره عين وروي أن من قال أربعًا أمن أربعاً من قال هذه أمن من الآفات ومن قال حسبنا الله ونعم الوكيل أمن من كيد الناس ومن قال أفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد أمن من مكر الناس ومن قال لا إله إلاَّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين أمن من الغم، وعن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أنعم الله عليه نعمة فأراد بقاءها فليكثر من لا حول ولا قوة إلاَّ بالله قال المنذري أي في الترغيب رواه الطبراني "خاتمة" في خبر الباب أنها كنز من كنوز الجنة وأخرج أحمد والترمذي وصححه وابن حبان عن أبي أيوب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به مر على إبراهيم فقال يا محمد مر أمتك أن تكثر من غراس الجنة لا حول ولا قوة إلاّ بالله وجاء في بعض الروايات أنها باب من أبواب الجنة ولعل اختلاف نتائج الاختلاف مراتب قائلها. فائدة سئل محمد بن إسحاق بن خزيمة عن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - تحاجت الجنة والنار فقالت الجنة يدخلني الضعفاء الحديث، من الضعيف، فقال الذي تبرأ في نفسه من الحول والقوة في اليوم عشرين أو خمسين مرة اهـ، كذا في شرح الأنوار السنية وفي العلوم الفاخرة للثعالبي قال القرطبي ومثل هذا لا يقال

في "سنن أبي داود والترمذي" عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه دخل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به، فقال: "ألا أخْبِرُكِ بِمَا هُوَ أيْسَرُ عَلَيكِ مِنْ هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ رأيًا فيكون من قبيل المرفوع اهـ. قوله: (في سنن أبي داود) أي واللفظ له والترمذي وكذا رواه النسائي والحاكم في مستدركه وابن حبان في صحيحه كذا في السلاح وقال الحافظ بعد ذكر من ذكر ممن خرجه حديث صحيح ورجاله رجال الصحيح إلا خزيمة فلا يعرف نسبه ولا حاله ولا روى عنه إلاَّ سعيد يعني ابن أبي هلال وذكره ابن حبان في الثقات كعادته فيمن لم يجرح ولم يأت بمنكر وصححه الحاكم وللحديث شاهد من حديث أبي أمامة الباهلي إن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر به وهو يحرك شفتيه فقال ماذا تقول يا أبا أمامة فقال أذكر ربي فقال إلا أخبرك بأكثر أو بأفضل من ذكرك الليل مع النهار والنهار مع الليل تقول سبحان الله عدد ما خلق الله سبحان الله ملء ما خلق الله سبحان الله عدد ما في الأرض وما في السماء سبحان الله عدد ما أحصى كتابه وسبحان الله ملء ما أحصى كتابه وسبحان الله عدد كل شيء وسبحان الله ملء كل شيء وتقول الحمد لله مثل ذلك هذا حديث حسن أخرجه النسائي في الكبرى وابن حبان والطبراني في الدعاء من وجهين آخرين عن أبي أمامة اهـ. قوله: (على امرأة) هو كذا مبهم في جميع الطرق وروى الترمذي والحاكم في المستدرك وكذا الطبراني كما أشار إليه الحافظ عن صفية رضي الله عنها إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها وبين يديها أربعة آلاف نواة تسبح بهن فقال يا بنت حيي ما هذا قالت أسبح بهن قال قد سبحت منذ قمت على رأسك أكثر من هذا قالت علمني يا رسول الله قال قولي سبحان الله عدد ما خلق

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من شيء ورواية الترمذي عدد خلقه قال الترمذي حديث غريب لا نعرفه إلاَّ من حديث صفية إلاَّ من هذا الوجه من حديث هاشم بن سعيد الكوفي وليس إسناده بمعروف وقال الحافظ بعد تخريجه من طريق الطبراني حديث حسن قال وأخرجه الترمذي عن محمد بن بشار بن بندار عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن هاشم بن سعيد عن كنانة عن صفية رضي الله عنها وقال ليس إسناده بمعروف قال الحافظ كنانة مولى صفية روى عنها وهو مدني روي عنه خمس أنفس وذكره ابن حبان في الثقات وأبو الفتح الأزدي في الضعفاء وهاشم بن سعيد الراوي عنه كوفي قال فيه ابن معين ليس بشيء وقال أحمد لا أعرفه وقال أبو حاتم الرازي ضعيف وقال ابن عدي لا يتابع على حديثه قال الحافظ وقد توبع على هذا الحديث ثم خرجه من رواية خديج بن معاوية عن كنانة عن صفية بنحوه وقال فيه وكان لهما أربعة آلاف نواة إذا صلت الغداة أوتيت بهن فسبحت بعد ذلك قال وأخرجه الطبراني في الدعاء من وجه آخر عن صفية وبقية رجال الترمذي رجال الصحيح اهـ. قال صاحب السلاح فيحتمل أن تكون المرأة المبهمة في الحديث هي صفية أي وإن كان في حديثها المذكور اختصار عما في حديث الكتاب قال الحافظ ابن حجر ويحتمل أن تكون جويرية وقد مضى حديثها في هذا الباب قال ابن حجر في شرح المشكاة قوله دخل على امرأة أي محرم له أو كان ذلك قبل نزول الحجاب على أنه لا يلزم من الدخول الخلوة فلا يحتاج إلى ذلك اهـ، وهذه الوجوه إن كانت بالنظر إلى دخوله - صلى الله عليه وسلم - فلا يحتاج إليها لأن من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - كونهن معهن بمنزلة المحرم فلذا جازت له الخلوة والمنام عند من شاء منهن كما صرح به الجلال السيوطي في خصائصه وابن حجر الهيتمي في شرح الشمائل وأخذ بعض المحدثين ذلك من نومه وخلوته بأم سليم مع كونها ليست من محارمه كما حققه غير واحد خلافاً لما في شرح مسلم للمصنف من أنها كانت خالته - صلى الله عليه وسلم - وقد بينت

أو أفْضَلُ؟ فقالَ: سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ ما خَلَقَ فِي السمَاءِ، وسُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ ما خَلَقَ فِي الأَرْضِ، وَسبْحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا بَينَ ذلكَ، وسبْحَانَ اللهِ عَدَدَ ما هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك فيما كتبته على بهجة المحافل للعامري نعم قضية كلام المصنف في باب الأشربة وباب الفضائل من شرح مسلم أنه - صلى الله عليه وسلم - مع الأجانب كالغير في المنع مما ذكر وعليه فيحتاج إلى الجواب. قوله: (أو أفضل) هذا شك من سعد ويحتمل أن تكون أو فيه بمعنى الواو وقيل بمعنى بل وإنما كان أفضل لأن قوله عدد ما خلق مما ذكر يكتب له ثواب بعدد المذكورات كما علم مما في قوله سبحان الله وبحمده رضا نفسه إلخ، وما تعده بالنوى أو الحصى قليل تافه بالنسبة إلى ذلك الكثير الذي لا يعلم كنهه إلاّ اللطيف الخبير وقال ابن مالك تبعًا للطيبي لأنه اعتراف بالقصور وأنه لا يقدر أن يحيى ثناه وفي العد إقدام على أنه قادر على الإحصاء اهـ، وتعقباً بأنه لا يلزم من هذا العد هذا الإقدام ولا يقدم على هذا المعنى إلاَّ العوام الذين كالهوام بل المراد أنه - صلى الله عليه وسلم - أراد يرقيها من عالم كثرة الألفاظ والمباني إلى وحدة الحقائق والمعاني وهو خارج عن الأعداد بل متوقف على مداد الإمداد والعد في الأذكار يجعل لها شأنًا في الباب ويخطرها به في كل حال وهذا معيب عند أهل الكمال ولذا قال بعضهم لمن يذكر الله تعالى بالعدد تذكر الله بالحساب وتذنب بالجزاف وتعصيه بلا كتاب أو لأن الله تعالى لما أنعم على عبده النعمة بلا إحصاء كما قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34] فينبغي حسن المقابلة في المعاملة على وجه المماثلة أن يذكر الذاكر بغير استقصاء وفيه إيماء إلى مقام المكاشفة بتسبيح جميع الأشياء {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44]. قوله: (ما في السماء)

خَالِقٌ، واللهُ أَكْبَرُ مثلَ ذلكَ، والحمْدُ لِلهِ مِثْلَ ذلكَ، وَلا إلهَ إلا الله مثْلَ ذلكَ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا بِاللهِ مِثْلَ ذلكَ" قال الترمذي: حديث حسن. وروينا فيهما بإسناد حسن عن يسيرة، بضم ـــــــــــــــــــــــــــــ أي من ذوي العلم وغيرهم الأكثر فلذا غلب عليه ونظيره {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [التغابن: 1] قوله: (خَالق) قال ابن حجر في شرح المشكاة أي ما هو خالقه من بدء الخلق إلى الأبد لأن اسم الفاعل في نحو هذه الصيغة وفي نحو الله عالم قادر لا يقصد به زمن دون زمن بلا استغراق سائر الأزمنة إلاّ أن يقال مقابلته بخلق يدل على أن المراد عدد ما خلق قبل تكلمي وما هو خالق بعده إلى ما لا نهاية له وهذا أولى. قوله: (مثلَ ذلك) منصوب مفعول مطلق صفة للمصدر المحذوف أي والحمد لله حمدًا مثل ذلك. قوله: (قال الترمذي حديث حسن) وفي المشكاة وقال يعني الترمذي حديث غريب ولا تخالف فإن الترمذي ذكر في الحديث كلا الوصفين فإنه قال كما نقله المنذري وصاحب السلاح حديث حسن غريب وحينئذٍ فنقل كل واحد منهما واحداً من الوصفين وغفل عن الثاني سهوًا أو تركه لكونه ساقطاً من أصله فإن أصول الترمذي مختلفة النسخ في ذلك فلذا قالوا بالنسبة إلى مقابلته يتعين أن يكون على جملة من الأصول أي ليوثق بضبطه المنقول. قوله: (وروينا فيهما) أي في سنن أبي داود والترمذي وكذا قال السيوطي في الجامع الصغير وزاد الحاكم في مستدركه قال الحافظ وأخرجه أحمد وابن حبان بنحوه والحديث حسن اهـ، وفي موجبات الرحمة للرداد أخرج أبو عبد الله الترمذي في نوادر الأصول من حديث يسيرة قالت دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نسبح بالسبح فقال ألقين أو دعن وعليكن بالأنامل تسبحن بها فإنهن مسؤولات ومستنطقات. قوله: (يسيرة بضم

الياء المثناة تحت وفتح السين المهملة، الصحابية المهاجرة رضي الله عنها: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهن ـــــــــــــــــــــــــــــ الياء المثناة تحتُ وهي أم ياسر إلخ) أي بصيغة التصغير ويقال أسيرة كذلك وفي التقريب لابن حجر العسقلاني ويقال أسيرة بالألف صحابية ويقال أنها من المهاجرات اهـ. قال في الاستيعاب وقيل هي بنت ياسر، وكأنه مستند ابن مالك في شرح المشارق فما في المرقاة أنها بنت ياسر سبق قلم ليس في محله قال الحافظ يسيرة جدة حميظة أول اسمها مثناة تحتية ثم مهملة مصغرة ويقال أسيرة بالهمزة بدل الياء ذكروها في الصحابة وكنوها أم ياسر وقال بعضهم يسيرة بنت ياسر والأكثر لم يذكر اسم أبيها وذكر بعضهم أنها أنصارية والذي وقع في الرواية عن أحمد وابن سعد في طبقاته عن يسيرة وكانت من المهاجرات اهـ، بمعناه قال الدبيع في تيسير الوصول مولاة لأبي بكر الصديق، وليس لها في الكتب الستة إلاّ هذا الحديث قال في الاستيعاب تكنى أم حميظة كانت من المهاجرات المبايعات اهـ، وقيل إنها أنصارية وعلمت ما فيه قال الحافظ وحميظة بضم المهملة ثم تحتية ثم معجمة ثم فوقية مصغرة من ثقات التابعين ويسيرة جدتها اهـ. قوله: (أمرهن) أي النساء ومرجع الضمير إما معلوم من المقام أو تقدم في الكلام ولم يذكر لعدم الحاجة إليه، وصيغة الأمر، على ما في المشكاة وقال رواه الترمذي وفي الحصين وعزا تخريجه لمصنف ابن شيبة، عليكن بالتسبيح والتقديس والتهليل ولا تغفلن فتنسين الرحمة وليس فيها ذكر التكبير والرواية التي ذكرها المصنف هنا حذف منها لفظ التسبيح وأتى فيها بالتكبير ورواها كذلك في الحصين أيضاً من حديثها فلعل في الخبر روايتين أثبت في إحداهما التكبير وحذف التسبيح وفي الأخرى بالعكس وكأن وجه حذف التسبيح الاكتفاء عنه بالتقديس المفسر بما سيأتي مما يشمل معنى التسبيح ثم رأيت صاحب الحرز قال فلعل للترمذي فيه ألفاظاً إلخ،

أن يُراعين بالتكبير والتقديس والتهليل، وأن يعقدن بالأنامل فإنهن ـــــــــــــــــــــــــــــ ما سيأتي بما فيه. تنبيه اختلف علماء الأثر في قول الصحابي أمرنا بكذا ونهينا عنه أو نحو ذلك هل هو موقوف حكماً أو لفظاً فقط ومحل ذلك ما لم يصرح بالأمر كحديث يسيرة هذا وإلا فمرفوع حكماً اتفاقًا إلاّ من شذ فقال لا يكون مرفوعاً حتى ينقل لنا لفظه قال السخاوي ولعله ممن لا يجوز الرواية بالمعنى اهـ. قوله: (يُرَاعِينَ) أي أمر النسوة أن يراعين بالتكبير فالنون ضمير النسوة فاعل والفعل مبني للمعلوم ومراده صاحب الحصين بلفظ كان يأمر أن يراعي التكبير إلخ، والفعل فيه مبني للمجهول والتكبير نائب الفاعل ثم على رواية الكتاب يحتمل كون الباء في التكبير زائدة في المفعول مثل {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] ويقربه توافق الروايتين والسلامة من الحذف في البين ويحتمل كونها ليست كذلك والمفعول محذوف أي يراعين أنفسهن بالتكبير أي فإن لهن بالإتيان بذلك الأجر الكثير ونفع العمل الصالح يعود لفاعله {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ} [فصلت: 46] قوله: (والتَّقْديس) أي قول سبحان الملك القدوس أو سبوح قدوس أو سبحان الله أو سبحان الله وبحمده وفي قوت المغتذي على جامع الترمذي للسيوطي قال الحكيم الترمذي في نوادره التهليل هو التوحيد والتقديس التنزيه والتطهير والفرق بينه وبين التسبيح إن التسبيح للأسماء والتقديس للآلاء وكلاهما يؤديان إلى التطهير اهـ. قوله: (والتهليل) أي قول لا إله إلاَّ الله يقال هلل إذا قال ذلك وهذا على عادة العرب أن الكلمتين أي فما فوق إذا تكررت على ألسنتهم اختصروها ليسهل تكررها بضم بعض حروف أحدها إلى الأخرى كالحوقلة والحولقة والبسملة. قوله: (وان يَعقِدْنَ بالأَنامل) الباء إما زائدة في الإثبات على مذهب جماعة أو للاستعانة أي يعقدن عدد التسبيح مستعينات بالأنامل عند الحاجة إلى ذلك قاله ابن حجر الهيثمي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وتعقبه في المرقاة بأنه وهم وانتقال من الباء إلى من وإلا فزيادة الباء في المفعول كثيرة غير مقيدة بالإثبات والنفي اتفاقاً على ما في المغني كقوله تعالى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} [مريم: 25] فليمدد بسبب إلى السماء {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} [الحج: 25] {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} فكفى بنا فضلاً عن غيرنا حب النبي محمد إيانا اهـ، والأنامل رؤوس الأصابع كما في الصحاح وفي القاموس الأنملة بتثليث الميم والهمزة تسع لغات التي فيها الظفر وجمعها أنامل وأنملات اهـ. قال في المرقاة والظاهر إن يراد بها الأصابع من إطلاق البعض وإرادة الكل عكس قوله تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [البقرة: 19]، للمبالغة اهـ، ثم العقد المذكور يحتمل أن يراد به أنه يعد بنفس الأنامل أو بجملة الأصابع قال ابن حجر في شرح المشكاة والأول أقرب اهـ، وفي الحرز والعقد بالمفاصل مشهور أن يضع إبهامه في كل ذكر على مفصل والعقد بالأصابع أن يعقدها ثم يفتحها أما العقد برؤوس الأصابع فباتكائها على ما يحاذيها من البدن على ما قرره الفقهاء في صلاة التسبيح ونحوها وأما بوضعها على الكف فماله بالعقد على الأصابع وأما بوضع الإبهام على الرؤوس اهـ. وفي المرح المشكاة وظاهر كلام أئمتنا المتأخرين إن المراد بالعقد هنا ما يتعارفه الناس وقال غيره المراد عقد الحساب لا الذي يعلمه الناس الآن "قلت" وممن قال بذلك الحافظ وعبارته في التخريج معنى العقد المذكور في الحديث إحصاء العدد بوضع بعض الأنامل على بعض عقد أنملة أخرى فالآحاد والعشرات باليمين والمئون والألوف باليسار اهـ. قال ابن حجر في شرح المشكاة وعلى تسليمه فالظاهر أن الأول يحصل به أصل السنة بل كمالها إذا لم يعرف غيره اهـ. قال ابن الجزري في الخبر المروي بلفظ يراعي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التكبير إلخ، يريد المراعاة بالعدد كما ورد منصوصاً في الأحاديث نحو مائة مرة وثلاث وثلاثين وخمس وعشرين وغير ذلك بأن يعقد الأنامل وهي الأصابع كما هو معروف عند العرب قديماً وحديثاً لأن الأنامل مسؤولات ومستنقطات عما كان يستعملهن صاحبهن {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور: 24] الآية وبينه حديث ابن عمرو الآتي ولهذا اتخذ أهل العبادة وغيرهم السبح وقال أهل العلم ينبغي أن يكون عدد التسبيح باليمين اهـ، وفي شرح المشكاة لابن حجر ويستفاد من الأمر بالعقد المذكور في الحديث ندب اتخاذ السبحة وزعم أنها بدعة غير صحيح إلاَّ أن يحمل على تلك الكيفيات التي اخترعها بعض السفهاء مما يمحضها للزينة أو الرياء أو اللعب اهـ، ونوزع بأن أخذ السبح بظاهره مناف لهذا الحديث لأنه يفيد العدد بالأصابع على وجه تفصيله كما أشير إليه بتعليله وجرى في الحرز على كونها بدعة قال لكنها مستحبة لما سيأتي من حديث جويرية أنها كانت تسبح بنوى أو حصى وقد قررها - صلى الله عليه وسلم - على فعلها والسبحة في معناها إذ لا يختلف الغرض من كونها منظومة أو منثورة اهـ، وما ذكره من إقرار جويرية على التسبيح بالحصى أو النوى وهم إذ التي دخل عليها - صلى الله عليه وسلم - وكانت تسبح بذلك صفية في رواية وامرأة مبهمة في رواية أخرى وليس في حديث جويرية التسبيح بحصى أو نوى، ثم قوله أولاً أنها بدعة يخالف نقله إقرار المصطفى - صلى الله عليه وسلم - والبدعة كما في التهذيب وغيره إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا ليس منه لموافقته على إقراره - صلى الله عليه وسلم - وصرح غير واحد من المحدثين بأن محل الخلاف في وقت أو رفع قول الصحابي كنا نفعل أو نقول كذا في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لم يصرح في الخبر باطلاعه عليه - صلى الله عليه وسلم - وإلا فمرفوع جزماً كما ورد عن ابن عمر كنا نقول ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حي: أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر وعثمان فيسمع ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا ينكره رواه البخاري وما نحن فيه من هذا القبيل لما فيه من

مسؤولات مستنطقات". ـــــــــــــــــــــــــــــ الإقرار على التسبيح بتلك النوى وصغار الأحجار بل ورد من الأخبار ما فيها التصريح برؤيته - صلى الله عليه وسلم - ذلك مع الإقرار والله أعلم ثم رأيته خالف في المرقاة وسلك طريق الصواب فقال في حديث سعد السابق وهذا أصل صحيح بتجويز السبحة بتقريره - صلى الله عليه وسلم - فإنه في معناها إذ لا فرق بين المنظومة والمنثورة فيما يعد به ولا يعتد بقول من عدها بدعة وقد قال المشايخ أنها سوط الشيطان وروي أنه رؤي مع الجنيد سبحة في يده حال انتهائه فسئل عن ذلك فقال شيء وصلنا به إلى الله كيف نتركه ولعل هذا أحد معاني قولهم النهاية الرجوع إلى البداية اهـ، وقد أفردت السبحة بجزء لطيف سميته "إيقاد المصابيح لمشروعية اتخاذ المسابيح" وأوردت فيه ما يتعلق بها من الأخبار والآثار والاختلاف في تفاضل الاشتغال بها أو بعقد الأصابع في الأذكار وحاصل ذلك أن استعمالها في أعداد الأذكار الكثيرة التي يلهى الاشتغال بها عن التوجه للذكر أفضل من العقد بالأنامل ونحوه والعقد بالأنامل فيما لا يحصل فيه ذلك سيما الأذكار عقب الصلاة ونحوها أفضل والله أعلم. قوله: (مسؤولات مستَنطَقات) بصيغة المجهول أي مسؤولة عن أعمال صاحبها شاهدة عليه والحديث مشير إلى قوله تعالى {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور: 24] الآية. تنبيه أورد ابن الجزري في الحصين في الحديث كان يأمر أن يراعى التكبير والتقديس والتهليل وأن يعقد بالأنامل لأنهن مسؤولات ومستنطقات ورمز لمخرجيه بقوله دت أي أبو داود والترمذي ثم أورد بعده حديث عليكن بالتسبيح والتقديس والتهليل ولا تغفلن فتنسين الرحمة ورمز لمخرجه بقوله مص أي ابن شيبة في مصنفه وصحابي الحديثين يسيرة واعترضه ميرك بأن لفظ الترمذي عن يسيرة قالت قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليكن بالتسبيح إلخ وفي الأذكار سنده حسن

وروينا فيهما وفي "سنن النسائي" بإسناد حسن عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـــــــــــــــــــــــــــــ فالعجب من الشيخ أنه خرج لفظ الترمذي ونسبه إلى مص فقط اهـ. قال في الحرز ولعل في الترمذي ألفاظاً منها ما نقله المصنف عنه مطابقاً لرواية أبي داود ومنها ما نقله صاحب الأذكار وأما ما رواه ابن أبي شيبة فليس فيه إلاّ ما نسبه المصنف إليه ومدار الحديث عند الكل على يسيرة، فعلة الإشكال صارت يسيرة، ثم إن السيوطي في الجامع الصغير أورد لفظ الحديث كما في الأذكار ثم قال رواه الترمذي والحاكم في مستدركه ففيه استدراك على المصنف حيث لم يذكره ولم ينقله عنه اهـ. وهذا وهم من ميرك تابعه عليه في الحرز إذ حديث عليكن بالتسبيح إلخ، لا وجود له في الأذكار بهذا اللفظ أصلاً فضلاً عن كونه بسند حسن إنما فيه حديث أمرهن إن يراعين بالتكبير إلخ، وأما قول صاحب الحرز وأما ما رواه ابن أبي شيبة إلخ، فلا يندفع بالاعتراض عن صاحب الحصين لأن الذي ادعاه ميرك إن هذا الحديث بهذا اللفظ رواه الترمذي والمصنف اقتصر في عزوه على مصنف ابن أبي شيبة فإن ثبت أنه في الترمذي كذلك ثبت الاستدراك عليه به وبالمستدرك ولفظ حديث الجامع الصغير كما في الرواية المعزوة إلى مص. قوله: (وروينا فيهما وفي سُنن النسائي إلخ) قال الحافظ الحديث حسن أخرجه أبو داود وقال في آخره زاد محمد بن قدامة "بيمينه" وأخرجه الترمذي والنسائي في الكبرى وأخرجه الحاكم وقال الترمذي حسن غريب من حديث الأعمش عن عطاء بن السائب قال الحافظ رجال إسناده غالبهم كوفيون وكلهم ثقات إلاَّ عطاء بن السائب فاختلط ورواية الأعمش عنه قديمة فإنه من أقرانه اهـ. قوله: (عن عبد الله بن عمرو) وهو عبد الله بن عمرو بن العاص الصحابي ابن الصحابي رضي الله عنهما أحد العبادلة الفقهاء الأربعة وباقيهم ابن عمر وابن الزبير

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وابن عباس كان أصغر من أبيه باثنتي عشرة سنة أسلم قبل أبيه وكان فاضلاً عالماً قارئ القرآن والكتب المتقدمة قال في حقه النبي - صلى الله عليه وسلم - نعم أهل البيت عبد الله وأبو عبد الله وأم عبد الله أخرجه أحمد وأبو يعلى عن طلحة واستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أن يكتب عنه فأذن له فقال يا رسول الله أكتب ما أسمع في الرضا والغضب قال نعم فإني لا أقول إلاَّ حقاً قال أبو هريرة ما كان أحد أحفظ لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مني إلاَّ عبد الله بن عمرو بن العاص فإنه كان يكتب ولا أكتب وإنما قلت الأحاديث المروية عنه بحيث لم يزد بالنسبة إلى ما في مسند تقي بن مخلد على أربعمائة حديث اتفقا منها على سبعة عشر وانفرد البخاري بثمانية ومسلم بعشرين وكثرت الأحاديث المروية عن أبي هريرة لأنه توجه أبو هريرة لنشر الحديث حتى بلغ من أخذ عنه إلى نحو ثمانمائة إنسان ما بين صحابي وتابعي وتوجه عبد الله إلى التعبد أكثر من توجهه للتعليم واعتزل الناس وكان بمكة والطائف ولم يكن الرحلة إليهما من طلبة العلم كالرحلة إلى المدينة وكان أبو هريرة متصدياً فيها للفتيا والحديث حتى مات ولأن أبا هريرة اختص بدعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ينسى ما يحدثه به فانتشرت روايته وقال عبد الله بن عمرو حفظت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصيام والقيام وأمره - صلى الله عليه وسلم - بالتخفيف مشهور مخرج في الأصول. في أسد الغابة قال عبد الله بن عمر لخير اعمله اليوم أحب إلي من مثليه مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنا كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تهمنا الآخرة ولا تهمنا الدنيا وإنا اليوم مالت بنا الدنيا وشهد مع أبيه فتح الشام وكانت معه راية أبيه يوم اليرموك وشهد معه صفين وقاتل وندم عليه وكان يقول ما لي ولصفين ما لي ولقتال المسلمين لوددت أني من قبله بعشرين سنة وقيل شهدها ولم يقاتل روى عنه ابن أبي مليكة أما والله ما طعنت برمح ولا ضربت بسيف ولا رميت بسهم

- يعقد التسبيح" وفي رواية: "بيمينه". وروينا ـــــــــــــــــــــــــــــ وما كان رجل أجود مني لم يفعل شيئاً من ذلك توفي عبد الله سنة ثلاث وقيل خمس وستين بمصر وقيل سبع وستين بمكة وقيل خمس وخمسين بالطائف وقيل ثمان وستين وقيل ثلاث وسبعين وكان عمره اثنتين وسبعين سنة وقيل وتسعين شك ابن كبير في سبعين هل هو بتقديم المثناة أو السين المهملة أخرجه الثلاثة وقال الحافظ العراقي اختلف في وفاته فقال أحمد توفي ليالي في الحرة وكانت سنة ثلاث وستين وقيل ثلاث وسبعين وقيل خمس وستين وقيل سبع وقيل ثمان وستين وقيل خمس وخمسين وهو بعيد واختلف أيضاً في محل وفاته فقيل بمصر وقيل بفلسطين وقيل بمكة وقيل بالمدينة وقيل بالطائف والله أعلم اهـ. وقال ابن الجوزي في صفوة الصفوة أنه مات بالشام سنة خمس وستين عن اثنتين وسبعين سنة اهـ. قوله: (يعقِدُ التسبيح) فهم ابن الجزري في مفتاح الحصين إن المراد بالتسبيح فيه المسبحة فقال كما سبق ولهذا اتخذ أهل العبادة غيرهم السبح اهـ. وقال في الحرز ليس المراد بالتسبيح ما سبح به من الآلة بل المراد به قول سبحان الله ونحوه من ألفاظ التنزيه فالمعنى يعقد عدد ما قاله من التسبيح. قوله: (وفي رواية بيمينه) قال في الحرز ليس في النسائي والترمذي قول بيمينه كما ذكره ميرك وفي الجامع الصغير كان يعقد التسبيح رواه الترمذي والنسائي والحاكم والظاهر إن لفظ بيمينه مدرج من الراوي إذ ليس في الأصول مذكوراً اهـ، لكن قضية قول الرداد في موجبات الرحمة بعد إيراده كذلك أخرجه أبو داود ورواه الترمذي والنسائي ولم يقولا بيمينه أن هذا اللفظ ثابت في رواية أبي داود وكلام ميرك يومئ إليه لأنه لم ينفها إلاَّ في طريقي النسائي والترمذي ولم يتعرض لأبي داود لأن صاحب الحصن إنما عزا تخريج الحديث كذلك إلى رواية النسائي وبما ذكر يندفع دعوى إن لفظ بيمينه مدرج من الراوي كما لا يخفى على اليقظ.

في "سنن أبي داود" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ قالَ: رَضِيتُ بالله رَباً، وَبالإسْلام دِيناً، وَبمُحَمدِ صَلَّى اللهُ علَيهِ وَسَلَمَ رَسُولاً وَجَبَتْ لَهُ الجَنةُ". وروينا ـــــــــــــــــــــــــــــ الحاوي وقد سبق في كلام أبي داود إن محمد بن قدامة زاد ذلك وهو أحد أشياخ أبي داود في هذا الخبر فقد رواه عنه وعن عبيد الله بن محمد القواريري وآخرين كما أشار إليه الحافظ وفي شرح المشكاة لابن حجر وصح أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يعقد التسبيح بيمينه وفي التصحيح ما لا يخفى لوجود النزاع في ثبوت بيمينه من حيث الرواية، هذا وحديث يسيرة السابق عقد الأنامل فيه شامل لكلا اليدين وحينئذٍ فإما أن يحمل على اليمين ليوافق حديث ابن عمرو أو يبقى على عمومه بالنسبة لحصول أصل السنة ويحمل خبر ابن عمرو على بيان الأفضل أو يحمل حديثها على ما احتيج إلى اليدين وحديثه على ما إذا كفى أحدها. قوله: (في سنن أبي داود إلخ) في عدة الحصين رمز لمخرج هذا الخبر "س. م" أي النسائي -قلت خرجه في السنن الكبرى- ومسلم، وفي الحصن لمخرجيه "س م ت مص" أي النسائي ومسلم والترمذي وابن أبي شيبة قال في السلاح رواية أبي داود وإحدى روايات النسائي من قال رضيت بالله ربا إلخ، ورواه مسلم وأبو داود والنسائي في أخرى من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبياً وجبت له الجنة وحينئذٍ فكان حق المصنف أن يذكر في مخرجيه النسائي أيضاً ولا يرد عليه مسلم لأنه لم يروه بهذا اللفظ والله أعلم وقال الحافظ هذا حديث حسن وإنما لم أحكم له بالصحة مع إن رجاله رجال الصحة لاختلاف وقع على أبي هانئ يعني الراوي له عن عبدة بن سليمان عن أبي سعيد الخدري واسمه حميد بن هائئ في متنه وسنده فأخرجه مسلم والنسائي عن أبي هانئ عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يا أبا سعيد من رضي بالله رباً الحديث

في "كتاب الترمذي" عن عبد الله بن بُسر، بضم الباء الموحدة وإسكان السين المهملة الصحابي رضي الله عنه، "أن رجلاً قال: يا رسول الله إن ـــــــــــــــــــــــــــــ على هذا المنوال وفيه قصة وحديث آخر في الجهاد مضموم إليها ولذا أخرجه مسلم في كتاب الجهاد وصحح ابن حبان طريقيه معاً وأخرجه الحاكم والطبراني في كتاب الدعاء قال الحافظ وسيأتي شواهد لأصل الحديث في القول عند سماع المؤذن وفي القول عند الصباح والمساء لكنها مقيدة بذلك اهـ، وسيأتي الكلام على معنى الحديث في باب الأذان إن شاء الله تعالى. قوله: (في كتاب الترمذي إلخ) ورواه أيضاً ابن ماجة والحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد وابن حبان في صحيحه قاله في السلاح زاد في الحصين وابن أبي شيبة في مصنفه وكان سبب الاقتصار على الترمذي كون اللفظ له وقال الحافظ الحديث حسن رواه الترمذي والنسائي في الكبرى والطبراني في كتاب الدعاء ولأصل الحديث شاهد من حديث معاذ أخرجه الطبراني في الدعاء عن معاذ قال سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - أي الأعمال أحب إلى الله تعالى قال أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله قال الحافظ حديث حسن أخرجه الفريابي في الذكر له وشاهد آخر من حديث جبير بن نفير عن أبي الدرداء موقوفاً إن الذين لا تزال ألسنتهم رطبة من ذكر الله تعالى يدخلون الجنة وهم يضحكون، نفير بضم النون وفتح الفاء وسكون التحتية بعدها مهملة صحابي اهـ. قوله: (عَنْ عبد الله بن بُسْرٍ) قال في السلاح وغيره بضم الموحدة وسكون المهملة اهـ، وهو أنصاري مازني صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - هو وأبوه وأمه وأخوه عطية وأخته الصماء انفرد كل واحد من الشيخين عنه بحديث وخرج عنه الأربعة مات بحمص سنة ثمان وثمانين عن أربع وتسعين سنة وفي أسد الغابة توفي سنة ثمان وثمانين وهو ابن أربع وتسعين سنة وقيل مات بحمص

شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به، فقال: لا يَزَالُ لِسانُكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ سنة ست وتسعين أيام سليمان بن عبد الملك وعمره مائة سنة وهو آخر من مات بالشام من الصحابة أخرجه الثلاثة إلاَّ ابن منده قال عبد الله بن بسر السلمي المازني وهذا لا يستقم فإن سليمان أخو مازن وليس لعبد الله حلف في سليم حتى ينسب إليهم بالحلف. قوله: (شَرائِعَ الإسلام) بهمزة قبل العين أي شعائره وعلاماته كالفرائض والنوافل والذكر والحمد وكل طريق جميل دال على صدق أسلام فاعله. قوله: (كثَرَتْ بفتح المثلثة) أي غلبت علي لكثرتها وفي نسخة من الحصين بضمها أي تعددت وبلغت حد الكثرة التي عجزت عن عدة جميعها وتحيرت في اختيار بعضها لعدم معرفتي أفضلها. قوله: (فأخبرني) هذا لفظ الترمذي وفي الحصين فأنبئني والمعنى واحد. قوله: (بشيءِ) أي معتبر من الشرائع وقيل بشيء عمله قليل وأجره جزيل وفيه أنه لا يطابقه الجواب الجميل. قوله: (لاَ يَزالُ لِسانُكَ) أي بحسب القدرة والطاقة إن أريد باللسان الجارحة المعروفة وإن أريد به اللسان القلبي الملائم لقوله لا يزال فيه يتضح وإن جمع بين اللسانين فنور على نور كذا قيل وفيه أنه وإن حمل على اللسان القلبي فلا بد من أن يراد إن ذلك على حسب الطاقة والاستعداد لأن دوام الذكر والمراقبة والحضور إن قلنا به كما قاله به جمع من المحققين إنما هي للخصوص ومن كان كذلك فلا منع بالنسبة إليه من دوام الذكر لكل من اللسان والجنان أما إذا قلنا بأن ذلك تارة وتارة كما قال به آخرون أخذاً من حديث حنظلة فيتضح باعتبار هذا القيد بكل من اللسانين والله أعلم وفي طبقات الشعراني الكبرى في ترجمة أبي الدرداء كان يعني أبي الدرداء يقول إن الذين ألسنتهم رطبة من ذكر الله يدخل أحدهم الجنة وهو يضحك قلت المراد بالرطبة عدم الغفلة فإن

رَطْباً مِنْ ذكْرِ اللهِ تَعالى" قال الترمذي: حديث حسن، قلت: أتشبث بتاء مثناة فوق ثم شين معجمة ثم باء موحدة مفتوحات ثم ثاء مثلثة، ومعناه: أتعلق به وأستمسك. وروينا فيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُئل: ـــــــــــــــــــــــــــــ القلب إذا غفل يبس اللسان وخرج عن كونه رطباً اهـ، وهو من الحسن بمكان. قوله: (رطباً) أي ليناً ملازماً قريباً للعهد من ذكر الله وقال الطيبي رطوبة اللسان حينئذٍ كناية عن سهولة جريانه كما أن يبسه كناية عن ضده ثم إن جريان اللسان حينئذٍ عبارة عن مداومة الذكر قبل ذلك كأنه قيل دوام الذكر فهو أسلوب {فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132] اهـ، أي أدمن الذكر باللسان والجنان في سائر الأحوال حتى أنه لا يزال لسانك رطباً إلخ. قال في الحرز وهذا الحديث هو المعنى بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب: 41] وسيأتي في الحديث بعده كلام في هذا المقام. قوله: (قال الترمذي حديث حسن) وفي المشكاة وقال الترمذي حديث حسن غريب وقال الحاكم كما سبق صحيح الإسناد. قوله: (أَتشبثُ إلخ) سكت المصنف عن ضبط إعرابه وهو بالرفع صفة ووجد في بعض نسخ الحصين بالجزم على أنه جواب الأمر. قوله: (وروينا فيه) أي في سنن الترمذي وأورده في المشكاة على ما هنا إلاّ أنه رواه بإبدال قوله أي العباد بتشديد الموحدة وحذف الهاء من آخره قال جمع عابد رواه أحمد والترمذي وقال هذا حديث غريب وقد راجعت نسختي من جامع الترمذي فوجدتها كما رواه في المشكاة ولعله وقع فيه اختلاف ليحصل به الائتلاف قال الترمذي بعد تخريج الحديث هذا غريب إنما نعرفه من حديث دراج بالمهملة المفتوحة والراء المشددة المهملتين وبعد الألف جيم قيل أنه لقب واسمه عبد الرحمن وكنيته أبو السمح مصري مختلف فيه فضعفه أحمد وأبو حاتم

أيُّ العبادة أفضل درجة عند الله تعالى يوم القيامة؟ قالَ: الذاكِرُون اللهَ كَثِيراً، قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ ومِن الغازي في سبيل الله عز وجلّ؟ قال: لَوْ ضَرَبَ بِسَيْفِهِ فِي الكُفَّارِ والمُشْرِكِينَ حتَى ينكسرَ سيفه ويَخْتَضِبَ دَماً ـــــــــــــــــــــــــــــ والدارقطني وغيرهم مطلقاً وأبو داود في روايته عن أبي الهيثم ووثقه ابن معين واعتمد توثيقه ابن حبان والحاكم فصححا له وأورد ابن عدي هذا الحديث في الكامل من طريق سعيد بن عفير عن ابن لهيعة عنه في جملة ما أنكر عليه من الأحاديث ويزاد ضعفه بأنه لم يروه عنه إلاَّ ابن لهيعة، وأبو الهيثم أي شيخ أبي السمح وهو الراوي عن أبي سعيد اسمه سليمان بن عمرو مصري تابعي ثقة اهـ. قوله: (أيُّ العبادة أفضل) كذا في نسخ الأذكار وعليه فيحتاج لتقدير مضاف في الجواب أي عبادة الذاكرين ليحصل التطابق بين السؤال والجواب أو يجعل من أسلوب الحكيم أي سئل عن أفضل الأعمال فأجاب بذكر أفضل العمال إعلاماً بأنهم حريون بالسؤال عما لهم من الأحوال وذكر ما يعلم منه الجواب من الثناء عليهم بأفضل الأعمال من الذكر لله المتعال ورواية المشكاة واضحة مطابقة الجواب فيها للسؤال. قوله: (أفضل درجة عند الله) هذا لفظ الترمذي وفي المشكاة أي العبادة أفضل وأرفع درجة عند الله وكأن زيادة أربع وقعت عند الإمام أحمد وعلى هذا تحمل زيادة والذاكرات في رواية المشكاة على رواية المصنف هنا وهي التي في الترمذي. قوله: (الذاكرونَ الله كثيراً) إن أريد من الخبر المذكور قبله ما يشمل الذكر المأثور وغيره وأريد به هنا ما يخص المأثور كان الأول أعم وإن أريد به هنا الأعم كذلك فهما متساويان. قوله: (قُلت ومِنَ الغازي إلخ) هذا لفظ الترمذي ورواه في المشكاة قيل وكأنه من رواية الإمام أحمد والواو عاطفة والمعطوف عليه مقدر أي أفضل من غير الذاكر حتى من الغازي. قوله: (في الكفار) وهو مفعول

لَكان الذاكِرُونَ اللهَ أفْضلَ مِنْهُ". ـــــــــــــــــــــــــــــ به وجعله مفعولاً فيه مبالغة لأن جعلهم مكاناً وظرفاً للضرب بالسيف أبلغ من جعلهم مضروبين به فقط وعطف المشركين على الكفار عطف خاص على عام إن أريد بالمشركين أهل الأوثان من مشركي العرب ومن تابعهم وبالكفار ما يعم ذلك وأهل الكتاب أي الحربيين وغيرهم أو عطف رديف إن أريد بالمشركين ما أريد بالكفار من مقابل المسلم. قوله: (لكانَ الذاكرونَ لله) أي الذاكرون مخلصين له لا لغرض سواه ذكراً كثيراً كما دل عليه السباق والسياق لفضل ويوجد في بعض النسخ الذاكرون لله كثيراً ولا وجود له في الأصول المصححة. قوله: (أَفْضل منه كذا) هو بحذف "درجة" في نسخ الأذكار مع أنها ثابتة في جامع الترمذي وقد رواها في شرح السنة وفي المشكاة قال شارحها ابن حجر يحتمل إن المراد بدرجة الوحدة أي واحدة ويحتمل إن المراد بها الجنس أي درجات متعددة ثم قضية هذا الخبر وما في معناه كالخبر الآتي بعده وخبر من قال حين يصبح أو يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلاَّ قال مثل ما قال أو زاد عليه إن الذكر أفضل سائر الأعمال وكونه أفضل أعمال اللسان لا إشكال فيه إنما الإشكال في كونه خيراً من نحو الجهاد وإنفاق الذهب والورق وقضية كلام أصحابنا كما قال ابن حجر في شرح المشكاة العكس ويمكن الجمع باعتبار الحيثية وبه يندفع التنافي وذلك بأن أفضلية الذكر نظراً إلى امتلاء قلب الذاكر بشهود ربه وحضوره بين يديه والإنفاق والجهاد المستلزم لدفع الشيطان وتجرده عن ساحة القلب الذي بصلاحه وطهارته يصلح ويطهر باقي البدن فالذكر من جهة تأثيره في القلب ما لا يؤثر غيره من الإنفاق ونحوه أفضل والجهاد من جهة خروجه عن نفسه وماله وبذلهما لله تعالى وتعدي نفعه وكونه فرض كفاية أو عين أفضل والذكر سنة والفرض أفضل منها بالإجماع

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في غير ما استثني وقد جمعت منه صوراً في قولي: الفرض أفضل من نفل وإن كثرا ... فيما عدا صورا خذها حكت درراً بدء السلام أذان والطهارة من ... قبيل وقت مع الابرا لمن عسرا وكلام ابن عبد السلام الآتي في الخبر بعده مبني على ظاهر الخبر غافل عن هذا النظر إلى كلام الأصحاب المذكورة كما نبه عليه ابن حجر الهيتمي وحمل زين العرب الذكر المفضل على الجهاد والإنفاق على الذكر الجناني الفكري دون الذكر اللساني قال لأن ذاك له المنزلة الزائدة على بذل النفس والمال لأنه عمل نفسي وفعل قلبي أشق من عمل الجوارح بل هو الجهاد الأكبر اهـ، وظاهره كلام الشراح المذكور وما يأتي يخالفه وما في مفتاح الحصين حمل هذا وأمثاله على الذكر المضموم إلى الجهاد فالمجاهد الذاكر أفضل من الذاكر بلا جهاد ومن المجاهد الغافل والذاكر بلا جهاد أفضل من المجاهد الغافل فأفضل الذاكرين المجاهدون وأفضل المجاهدين الذاكرون وكذا الحال في سائر الأعمال اهـ، أي إن الذكر المجرد أفضل من جميع العبادات المجردة عنه والعمل المنضم إلى ذكر أفضل منه بلا ذكر ومن الذكر المجرد عن العمل ثم ينظر في نسبة الأعمال المتضمنة باعتبار تفاوت مراتبها وفي الحصين ما عمل آدمي عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله رواه الطبراني في الكبير وأحمد وابن أبي شيبة زاد الطبراني وابن أبي شيبة قالوا ولا الجهاد في سبيل الله إلا إن يضرب بسيفه حتى ينقطع قال الحنفي الاستثناء يدل على إن الجهاد الخاص وهو إن يضرب بسيفه حتى ينقطع أنجى من الذكر وهذا لا يلاءم خبر إلا أخبركم بخير أعمالكم قلت ومثله الحديث الذي نحن فيه، وقال ابن الجوزي قوله ولا الجهاد يعني والله أعلم الجهاد المجرد عن الذكر يبينه الحديث القدسي إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو ملاق قرنه أي بكسر القاف أي كفأه في الشجاعة حال القتال اهـ. قال في الحرز ليس مراده إن الجهاد المجرد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أنجى من الذكر إذ صرح بضده حيث قال والذاكر بلا جهاد أفضل من المجاهد الغافل وإنما أراد إن قوله ولا الجهاد محمول على الجهاد المجرد والمراد بالمستثنى المنضم إلى الذكر كما بينه بأنه الأفضل، والأظهر إن يراد بقولهم ولا الجهاد الأعم من المجرد والمنضم إلى الذكر ويراد بالمستثنى الأخير وبه يحصل الجمع بين الأحاديث اهـ، وصريح كلام ابن الجوزي إن الذكر المجرد أفضل من العمل المجرد عنه كما هو قضية ظاهر الأخبار لكن قضية ما ذكرناه إن فضله ليس على الإطلاق بل من حيثية ما فيه من امتلاء القلب بشهود الرب وإلا فالجهاد وبذل الأموال أفضل منه من كل حيثية غير الحيثية المذكورة وبذلك صرح ابن حجر في شرح المشكاة وقال أيضاً الحق أنهما خير منه في حق السالك بالنظر لتطهير النفس من رذيلة البخل بالإنفاق ومن رذيلة الجبن بالجهاد والذي لا يحصل ثمرات الذكر وفضله إلا بالتطهر عنهما إذ معهما ليس له كبير جدوى والذكر خير منهما بالنظر للعارف لأنه يخلو عنهما، وأمر السالك به أولاً والإدمان عليه حتى يصير كالطبع له ثم لغيره لا يدل على أفضليته لأنهم إنما يفعلون ذلك تدريباً للنفس وأخذًا بالأسهل فالأسهل إلى أن يتأهل للأشق ولا شك أنه أخف منهما بل لا أشق منهما في الحقيقة على النفس فأمروه بالأخذ بالأهون ابتداء وهو الذكر ثم بما هو أشق من الإنفاق ونحوه، قال وقول الشارح "لعل أفضلية الذكر وخيريته إن سائر العبادات من الإنفاق والجهاد وسائل والذكر هو المقصود الأسنى وناهيك من فضل الذكر قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] وغير ذلك" اهـ، لا يخالف ما ذكرناه من التفضل فهو المقصود الأسنى ممن يطهر من ذينك دون غيره كما قررته اهـ. وقال المحقق الشهاب الرملي من جملة جواب له ومحصل ما أجاب به العلماء عن الحديثين وغيرهما مما اختلفت فيه الأجوبة بأنه أفضل الأعمال إن الجواب اختلف باختلاف أحوال السائلين بأن أعلم كلا بما يحتاج إليه أو يليق به أو له فيه رغبة أو باختلاف الأوقات بأن يكون ذلك العمل ذلك الوقت أفضل من غيره ومنه في غيره كالجهاد

وروينا فيه وفي كتاب ابن ماجه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ـــــــــــــــــــــــــــــ فقد كان أفضل الأعمال أول الإسلام لأنه الوسيلة إلى التمكن منها والقيام بأدائها ثم تظافرت النصوص على فضل الصلاة عليه وتظافرت على فضلها على الصدقة مع إن الصدقة في وقت مواساة المضطر تكون أفضل منها أو إن أفعل التفضيل فيه ليس على بابه بل المراد به أصل الفعل أو أنه على حذف من التبعيضية لفظاً وإرادتها اهـ. قوله: (وروينا فيه) أي في كتاب الترمذي واللفظ له في كتاب ابن ماجة وكذا رواه مالك وأحمد كما في المشكاة قال إلا إن مالكاً وقفه على أبي الدرداء اهـ، والحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد كما سيأتي في كلامه رحمه الله ولا يضر وقف مالك له لأن الحكم لمن وصل على إن مثل هذا مما لا مجال للرأي فيه حكمه الرفع، وقال الحافظ هذا حديث مختلف في رفعه ووقفه وفي إرساله ووصله قال الترمذي رواه بعضهم عن عبد الله بن سعيد يعني ابن أبي هند الراوي عن زياد بن أبي زياد المخزومي عن أبي بحرية عن أبي الدرداء قال الحافظ ورواه مالك في الموطأ عن زياد بن أبي زياد قال قال أبو الدرداء فذكره موقوفاً ولم يذكر أبا بحرية في سنده قال وقد وقع لنا الحديث من وجه آخر عن أبي الدرداء موقوفاً عليه بسند رجاله ثقات فذكره وأفاد بعض تلامذة الحافظ نقلاً عنه في حال الإملاء إن الصحيح الوقف اهـ، وقد علمت إن الوقف للفظه فقط لأن مثله لا يدركه رأياً. قوله: (عن أبي الدرداء رضي الله عنه) واسمه عويمر بن عامر بن مالك بن زيد بن قيس من الخزرج وكان آخر أهل داره إسلاماً وحسن إسلامه وكان فقيهاً عالماً حكيماً آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين سلمان

"ألا أنْبئُكُمْ بِخَيْرِ أعمالِكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الفارسي وقال عليه الصلاة والسلام في حقه عويمر حكيم أمتي شهد ما بعد أحد من المشاهد وعن مسروق قال شاممت أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وجدت علمهم انتهى إلى عمر وعلي وعبد الله ومعاذ وأبي الدرداء وكان ابن عمر يقول حدثونا عن العاملين معاذ وأبي الدرداء ولاة عمر رضي الله عنه القضاء وكان القاضي خليفة الأمير إذا غاب، توفي في خلافة عثمان على الصحيح سنة إحدى وقيل ثنتين وثلاثين وقبره وقبر زوجته أم الدرداء الصعري بباب الصغير من دمشق وقيل له مالك لا تقول الشعر وكل لبيب من الأنصار قال الشعر قال وأنا قلت شعراً قيل وما هو فقال: يريد المرء أن يؤتى مناه ... ويأبى الله إلا ما أرادا يقول العبد فائدتي ومالي ... وتقوى الله أولى ما استفادا روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة وتسعة وسبعون حديثاً اتفقا منها على حديثين وانفرد البخاري بثلاثة ومسلم بثمانية. قوله: (ألَا أُنَبئُكم) وفي نسخة "أخبركم" قال ابن هشام في المغني إلا تكون للتنبيه فتدل على تحقق ما بعدها وتدخل على الجملتين الاسمية والفعلية ويقول المعربون فيها حرف استفتاح فيبينون مكانها ويهملون معناها وإفادتها التحقيق من جهة تركبها من الهمزة "لا" وهمزة الاستفهام إذا دخلت على النفي أفادت التحقيق نحو أليس ذلك بقادر، ولكونها بهذا المنصب من التحقيق لا تكاد تقع الجملة بعدها إلا مصدرة بنحو ما يتلقى به القسم نحو {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ} [يونس: 62] اهـ، ومن غير الغالب الخبر المذكور لانتفاء التصدر فيه والإتيان بما يدل على شدة الاعتناء بما بعدها ليتفرغ ذهن السامع لاستماعه وفي الحرز يحتمل إن إلا للتنبيه والأظهر أنه مركب من لا النافية واستفهام التقرير كما يدل عليه قوله الآتي بلى. قوله: (بخيرِ أعمالكم) قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام

وأزْكاها عنْدَ مَلِيكِكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ في القواعد هذا الحديث يدل على أن الثواب لَا يترتب على قدر النصب في جميع العبادات بل قد يأجر الله على قليل العمل أكثر مما يأجر على كثيره فإذاً يترتب الثواب على تفاوت الرتب في الشرف اهـ. قال في شرح المشكاة وهذا جرى على الأخذ بظاهر الحديث مع قطع النظر عن كلام الأئمة أي القائلين بأفضلية الجهاد والإنفاق على الذكر اهـ. وقال العاقولي في شرح المصابيح فيه دليل على أن الثواب ليس على قدر النصب ولكن على حسب إرادته تعالى وقد يعطى على العمل القليل الأجر الجزيل وقد يعكس اهـ، أي ولا يلزم منه فضل ذي الثواب الكبير على غيره قدرًا فلا يخالف كلام الأصحاب قال الحنفي ولا يناسبه يعني حديث الباب ما وقع من حديث ابن عباس سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي الأعمال أفضل فقال أحمزها أي أشدها وأقواها وهذا الحديث مذكور في الكتب الكلامية في بحث تفضيل الأنبياء على الملائكة اهـ، وهو في النهاية منسوب لابن عباس موقوفاً وضبطه بالمهملة والزاي وذكره الجلال السيوطي في الدرر المنتثرة بلفظ أفضل العبادات أشدها وقال لا يعرف أي مرفوعاً أو موقوفاً بسند معروف وعلى تقدير صحته يحمل على ما لم يكن فيه نص من الشارع وقال العاقولي أيضاً يمكن أن يكون المراد من ذكر الله المداومة عليه بالباطن والظاهر فيقتضي حينئذٍ صرف العمر كله فيه ولا شك أنه إذا كان الذكر بهذه المثابة فهو أكثر من إنفاق مال ينفق وجهاد يخلص منه في زمان معين لأن الصبر على مضاضة القتل ساعة واحدة والصبر على مداومة الحضور مع الذكر طويل اهـ. أي فلا يكون فيه ترتب الأجر الجزيل على العمل القليل بل على العمل الكثير والله أعلم. قوله: (وأزكاها عند مَليكِكُم) أزكاها أي أنماها من حيث الثواب الذي يقابلها أو أطهرها من حيث كمال ذاتها لا بالنظر للثواب ويؤيده عطف

وأرْفَعِها فِي دَرَجَاتِكُمْ، وخَيْرِ لَكُمْ مِنْ إنْفَاقِ الذهَبِ وَالوَرِقِ، وخَيرٍ لَكُمْ مِنْ أنْ تَلْقَوا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أعْنَاقَهُمْ ويضربوا أعناقكم! قالوا: بلى، قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ وأرفعها إذ هو على الأول تأكيد وعلى الثاني تأسيس وهو خير من التأكيد ومليك مبالغة ملك ومنه عند مليك مقتدر وهو ظرف لما قبله وما بعده معاً أو للأخير وعند في أمثال هذا السياق لشرف المرتبة وعلو المكان كما تقدم في الفصل الرابع. قوله (وأرفَعها إلخ) أي أكثرها رفعاً لدرجاتكم. قوله: (وخيرٍ لكم) عطف على خير عطف خاص على عام لأن الأول خير الأعمال مطلقاً وهو خير من إنفاق الذهب والورق أو عطف مغاير بأن يراد بالأعمال اللسانية فيكون ضد هذا لأن بذل الأموال والنفس من الأعمال البدنية. قوله: (إِنفاقِ الذهب والوَرِق إلخ) الإنفاق مصدر أنفق وهو يستعمل في الخير كما إن نفق وضع في الشر وللذهب أسماء منها النضير والنضر والنضار والزيرج والسيراء والزخرف والعسجد والعقيان والتبر غير مضروب وبعضهم يقوله للفضة، وللفضة أيضاً أسماء اللجين والسبيك والغرب ويطلقان على الذهب أيضاً كذا في المطلع للبعلي وفي شرح العمد للقلقشندي نظم ابن مالك أسماء الذهب في قوله: نضر نضير نضار زيرج سيرا ... زخرف عسجد عقيان الذهب والتبر ما لم يذب وأشركوا ذهبا ... وفضة في سبيك هكذا العرب وفي النهاية الرقة يريد الفضة والدراهم المضروب منها وأصل الفضة الورق وهي الدراهم المضروبة خاصة فحذف الواو وعوض عنها الهاء وتجمع الرقة على رقات ورقين وفي الورق ثلاث لغات الورق والورق والورق اهـ. وهذه اللغات جارية فيه وفيما ماثله من كل ثلاثي على وزن فعل بكسر العين فإن كانت عينه حرف حلق جاز فيه لغة رابعة هي إتباع فإنه عينه كفخذ. قوله: (عدوكم إلخ) أي تلقوا الكفار المحاربين فيقع بينكم حرب فيحصل منكم وفيهم القتل. قوله:

ذِكْرُ اللهِ تَعالى" قال الحاكم أبو عبد الله في كتابه ـــــــــــــــــــــــــــــ (ذكرُ الله) الشامل للقرآن وهو أفضل اللسان بلا خلاف وتقدم ما في فضله على عمل البدن وأفضل أنواعه القرآن ففي الخبر وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على سائر خلقه ففيه إيماء إلى إن ذكره بكلامه القديم خير منه بالذكر الحادث وأيضاً فالقرآن مشتمل على الذكر مع زيادة ما يقتضيه من الفكر والتأمل في لطف مبانيه وحسن معانيه والعمل بما فيه ولا شك أنه أفضل من مجرد الذكر، نعم محل ذلك ما لم يرد من الشارع تخصيص لحال أو مكان أو زمان بذكر مخصوص وإلَّا فالاشتغال به فيه أفضل منه بالقرآن اتباعًا للمأثور وفي الحرز جاء في كثير من الأحاديث ما يدل على أن تعلم العلم وتعليمه أفضل من الذكر المجرد بل من سائر الطاعات والعبادات اهـ، وكلام أصحابنا مقتض لذلك قال إمامنا الشافعي الاشتغال بالعلم أفضل من الاشتغال بصلاة النافلة وإذا فضل عليها وهي أفضل الأعمال البدنية فغيرها من نوافل الأذكار أولى والله أعلم. قوله: (قال الحاكم أبو عبد الله) هو محمد بن عبد الله النيسابوري المعروف بابن البيع ولد بنيسابور في شهر ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة وتوفي بها في يوم الأربعاء ثالث صفر سنة خمس وأربعمائة طلب العلم من الصغر باعتناء والده وخاله وأول سماعه سنة ثلاثين، وأكثر من الشيوخ أكثرهم من نيسابور وله فيها نحو ألف شيخ وفي غيرها نحو ألف شيخ أيضاً روى عنه خلق كثير من أجلهم البيهقي والدارقطني وهو من شيوخه ورحل إليه من البلاد لسعة علمه وروايته واتفاق العلماء على أنه من أعلام الأمة الذين حفظ الله بهم هذا الدين وحدث عنه في حياته وكان يرجع إلى قوله حفاظ عصره كأبي بكر بن إسحاق وأبي الوليد النيسابوري وكان أبو سهل الصعلوكي وابن فورك وأمثالهما يقدمونه على أنفسهم ويراعون حق فضله ويعرفون له الحرمة الأكيدة بسبب تفرده بحفظه ومعرفته

المستدرك على الصحيحين: هذا حديث صحيح الإسناد. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال محمد بن طاهر الحافظ سألت سعداً الزنجاني الحافظ بمكة فقلت له أربع من الحفاظ تعاصروا أيهم أحفظ الدارقطني ببغداد وعبد الغني بمصر وابن منده بأصبهان وأبو عبد الله الحاكم بنيسابور فسكت فألححت عليه فقال أما الدراقطني فأعلمهم بالعلل وأما عبد الغني فأعلمهم بالأنساب وأما ابن منده فأكثرهم حديثاً مع معرفة تامة وأما الحاكم فأحسنهم تصنيفاً وحكي إن أبا الفضل الهمداني الأديب لما ورد نيسابور وتعصبوا له ولقب بديع الزمان أعجب بنفسه إذ كان يحفظ المائة بيت إذا أنشدت بين يديه مرة واحدة وينشدها من آخرها إلى أولها مقلوبة وأنكر على الناس قولهم فلان الحافظ في الحديث ثم قال: وحفظ الحديث مما يذكر، فسمع به الحاكم ابن البيع فوجه إليه بجزء وأجله جمعة في حفظة فرد إليه الجزء بعد الجمعة وقال من يحفظ هذا محمد ابن فلان وجعفر ابن فلان أسام مختلفة وألفاظ متباينة فقال له الحاكم فاعرف نفسك واعلم أن حفظ هذا أصعب مما أنت فيه ذكرَه السبكي في طبقاته وروى أبو موسى المديني إن الحاكم دخل الحمام واغتسل وخرج وقال آه وقبضت روحه وهو متزر لم يلبس قميصه بعد. قوله: (المستدرك) بفتح الراء سمي به لأنه استدرك فيه الزائد على الصحيحين من الصحيح مما هو على شرطهما أو شرط أحدهما أو ما ليس على شرط واحد منهما معبراً عن الأول بقوله هذا حديث صحيح الإسناد وربما أورد فيه ما هو فيهما أو في أحدهما سهواً وربما أورد فيه ما لم يصح عنده منبهاً على ذلك وهو متساهل في التصحيح قال المصنف في شرح المهذب اتفق الحافظ على إن تلميذه البيهقي أشد نحرياً منه وقد لخص الذهبي المستدرك وتعقب كثيراً منه بالضعف والنكارة وجمع جزءاً فيه الأحاديث التي هي فيه وهي موضوعة فذكر نحو مائة حديث وقال أبو سعيد الماليني طالعت المستدرك الذي صنفه الحاكم فلم أر فيه حديثاً على شرطهما قال الذهبي وهذا إسراف وغلو من الماليني وإلَّا ففيه جملة وافرة

وروينا في "كتاب الترمذي" ـــــــــــــــــــــــــــــ على شرطهما وجملة كثيرة على شرط أحدهما لعل مجموع ذلك نحو نصف الكتاب وفيه نحو الربع مما صح بسنده وفيه بعض شيء أورد عليه وما بقي وهو نحو الربع فهو مناكير وواهيات لا تصح وفي بعض ذلك موضوعات قال شيخ الإسلام الحافظ وإنما وقع للحاكم التساهل لأنه سرد الكتاب لينقحه فأعجلته المنية قال وقد وجدت في قريب نصف الجزء الثاني من تجزئة ستة من المستدرك "إلى هنا انتهى إملاء الحاكم" قال وما عدا ذلك من الكتاب لا يؤخذ عنه إلاَّ بالإجازة قال والتساهل في القدر المملي قليل جداً بالنسبة إلى ما بعده وحكم أحاديث المستدرك إن ما صححه منها ولم يوجد فيه لغيره من المتقدمين تصحيحاً ولا تضعيفاً يحكم له بالحسن إذ لم يظهر فيه علة تقتضي ضعفه قاله ابن الصلاح وتبعه المصنف وهو مبني من ابن الصلاح على انقطاع التصحيح في هذه الأعصار والجمهور على خلافه ولذا قال البدر بن جماعة الصواب أنه يتتبع ويحكم عليه بما يليق بحاله من الصحة والحسن والضعف وتبعه العراقي فقال إن الحكم بالحسن فقط تحكم والمصنف كالجمهور لجواز التصحيح وكأنه سكت عن التنبيه على ذلك هنا مع خلافه في الأصل المبني عليه ذلك اكتفاء بما ذكر ثمة وبه يندفع قول بعض شراح التقريب له فالعجب من المصنف كيف وافقه هنا مع مخالفته في المسألة المبني عليها. قوله: (وروينا في كتاب الترمذي إلخ) قال المنذري في الترغيب رواه الترمذي والطبراني في الصغير والأوسط وزاد ولا حول ولا قوة إلاّ بالله روياه عن عبد الواحد بن زياد عن عبد الرحمن بن إسحاق عن القاسم عن أبيه عن عبد الله بن مسعود وقال الترمذي حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ابن مسعود قال المنذري أبو القاسم هو عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود وعبد الرحمن هذا لم يسمع

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لَقِيتُ إبْرَاهِيمَ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ من أبيه وعبد الرحمن بن إسحاق هو أبو شيبة الكوفي وآه قال الحافظ ابن حجر قال الطبراني لم يروه عن القاسم إلاَّ عبد الرحمن بن إسحاق ولا عنه إلاَّ عبد الواحد ولا رواه مرفوعاً عن عبد الواحد إلا سيار يعني ابن أبي حاتم اهـ، ونقل الحافظ مثله عن الدارقطني في الأفراد وحسنه الترمذي لشواهده ومن ثم قيد بالغرابة وإلَّا فعبد الرحمن بن إسحاق ضعفوه وهو أبو شيبة الواسطي ومن شواهد الحديث حديث أبي أيوب الأنصاري إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به مر على إبراهيم خليل الرحمن فقال إبراهيم يا جبريل من هذا معك قال هذا محمد فقال إبراهيم مر أمتك فليكثروا من غراس الجنة فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - وما غراس الجنة قال لا حول ولا قوة إلاَّ بالله هذا حديث حسن أخرجه أحمد وابن حبان اهـ. قال الحافظ المنذري ورواه الطبراني بإسناد وآه من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه ولفظه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إن في الجنة قيعاناً فأكثروا من غراسها قالوا يا رسول الله وما غراسها قال - صلى الله عليه وسلم - سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاَّ الله والله أكبر. قوله: (عن ابن مسعود) هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود بن غافل بمعجمة وفاء الهذلي وهذيل بن مدركة كان ابن مسعود حالف في الجاهلية عبد الحارث بن زهرة، وأمه أم عبد هذلية أيضاً أسلم قديماً بمكة سادس ستة لما مر به - صلى الله عليه وسلم - وهو يرعى غنماً لعقبة بن أبي معيط فقال يا غلام هل من لبن قال نعم ولكني مؤتمن قال فهل من شاة لم ينز عليها فحل فأتاه بها فمسح ضرعها فنزل لبن فحلبه في إناء فشرب منه وسقى أبا بكر ثم قال للضرع اقلص فقلص فعاد كما كان فقال يا رسول الله علمني من هذا الكلام أو من هذا القرآن فمسح رأسه وقال إنك

لَيلةَ أسْرِيَ بِي، فقالَ: يا مُحَمدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ غلام معلم قال فلقد أخذت منه سبعين سورة ما نازعني فيها بشر، قال عبد الله لقد رأيتني سادس ستة ما على ظهر الأرض مسلم غيرنا وهو أول من جهر بالقرآن بمكة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة وشهد بدرًا وبيعة الرضوان والمشاهد كلها وصلى للقبلتين وكان - صلى الله عليه وسلم - يكرمه ويدنيه ولا يحجبه فلذلك كان كثير الولوج عليه - صلى الله عليه وسلم - ويمشي معه وأمامه ويستره إذا اغتسل ويوقظه إذا نام ويلبسه نعليه إذا قام فإذا جلس أدخلهما في ذراعيه وكان مشهوراً بين الصحابة بأنه صاحب سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشراكه ونعليه وطهوره في السفر وبشره - صلى الله عليه وسلم - بالجنة وقال رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد وسخطت لها ما سخط لها ابن أم عبد وكان يشبه برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سمته وهديه ودله وكان خفيف اللحم شديد الأدمة نحيفاً قصيراً جداً نحو ذراع ولما ضحك الصحابة من دقة رجليه قال - صلى الله عليه وسلم - "الرجل عبد الله في الميزان أثقل من جبل أحد" ولي قضاء الكوفة وما لها في خلافة عمر وصدراً من خلافة عثمان ثم رجع إلى المدينة ومات بها وقيل بالكوفة سنة اثنتين وثلاثين عن بضع وستين سنة وصلى عليه الزبير ليلًا ودفنه بالبقيع بإيصائه له بذلك لكونه - صلى الله عليه وسلم - كان قد آخى بينهما روى له ثمانمائة حديث وثمانية وأربعون حديثاً اتفقا منها على أربعة وستين وانفرد البخاري بأحد وعشرين ومسلم بخمسة وثلاثين روى عنه الخلفاء الأربعة وكثير من الصحابة ومن بعدهم رضي الله عنه. قوله: (لَيلَةَ أُسْرِيَ بي) أي لما أسري بي إلى بيت المقدس ثم إلى السموات العلى ثم إلى قاب قوسين أو أدنى رأيت إبراهيم بمكانه من السماء السابعة مسنداً ظهره إلى البيت المعمور ولكونه أشرف

أقْرِئْ أمتَكَ السلاَمَ وأخْبِرْهُمْ أن ـــــــــــــــــــــــــــــ الأنبياء وأفضلهم بعد نبينا كان في أرفع السموات. قوله: (أقرئ أمتك السلاَم) قال في فتح الإله لا يبعد أنه ينبغي لمن سمع ذلك أن يقول عليه السلام ورحمة الله وبركاته جزاء لما تفضل به على هذه الأمة آخراً كما تفضل عليها أولاً بسؤاله من ربه أن يبعث فيهم رسولاً من أنفسهم وهو نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ففي الحديث أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة أخي عيسى إلخ وقد جوزي عن هذا بما منه إحياء ذكره والإعلان بشكره بالصلاة عليه وعلى آله في جميع الصلاة اهـ. قال المصنف في التهذيب لفظ الأمة يطلق على معاني منها من صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - وآمن بما جاء به وتبعه فيه وهي الممدوحة بنحو: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ} [آل عمران: 110] ومنها من بعث إليهم - صلى الله عليه وسلم - من مسلم وكافر ومنه حديث لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلاّ كان من أصحاب النار رواه مسلم في كتاب الإيمان اهـ، باختصار ونقل الفاكهاني في شرح الأربعين النووية عن العزيزي إن أمة على ثمانية أوجه أي بحسب مدلولها وضعا بمعنى الجماعة وإتباع الأنبياء والرجل الجامع للخير يقتدي به والدين والملة نحو: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّهٍ} [الزخرف: 22] والحين والزمان نحو واذكر بعد أمة ومن قرأ بعد أمة بفتح أوليه فالمراد به النسيان والقامة نحو هذا حسن الأمة أي القامة والرجل الأمة المنفرد بدينه لا يشركه فيه أحد قال - صلى الله عليه وسلم - يبعث زيد بن عمرو بن نفيل أمة وحده والأم كهذه أمة زيد أي أمه اهـ، وفي مفردات الراغب الأمة كل جماعة يجمعهم أمر ما إما دين أو زمان واحد أو مكان سواء كان الجامع تسخيراً أو اختياراً والجمع أمم وقوله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ} [النحل: 120] أي قائماً مقام جماعة في عبادة الله نحو قولهم فلان في نفسه قبيلة اهـ، وبه يعلم

الجَنةَ طَيبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ المَاءِ، وأنهَا قِيعان، وأنَّ غِرَاسَهَا: سُبْحَانَ اللهِ، والحَمْدُ للهِ، ولا إلهَ إلا اللهُ واللهُ أكْبَرُ" قال الترمذي: حديث حسن. ـــــــــــــــــــــــــــــ إن إطلاق الأمة على الجماعة لا بد أن يكون لهم جامع مما ذكر. قوله: (الجنة) هي كما في مفردات الراغب كل بستان ذي شجر يستر الأرض بأشجاره وسميت الجنة إما تشبيهاً بالجنة في الأرض وإن كان بينهما بون وإما لستره عنا نعيمها المشار إليه بقوله: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17] اهـ، باختصار وطيب تربها لأن تربها المسك والزعفران ولا أطيب منها. قوله: (عذبةُ الماء) قال تعالى: {أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} [محمد: 15] أي غير متغير بملوحة ولا غيرها. قوله: (قيعَانٌ) في المفردات القيع والقاع المستوي من الأرض جمعه قيعان وتصغيره قويع. قوله: (غرَاسَها) جمع غرس وهو ما يغرس وقيل ما يستر تراب الأرض من نحو البذر لينبت بعد ذلك وإذا كانت التربة طيبة وماؤها عذباً كان غراسها أطيب وأفضل لبلوغه النهاية في الصلاح والنمو وقد يطلق الغراس على وقت الغرس والمراد إن هذه الكلمات سبب لدخول قائلها الجنة لكثرة أشجار منزله داخل الجنة لأنه كلما ذكرها نبتت له أشجار بعددها ثم لا يشكل هذا الخبر المصرح يكون الجنة قيعاناً قابلة لغرس الأشجار بما يقتضيه نحو قوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [طه: 76] الآية من تكاثفها بالتفاف أغصان الأشجار إذ معنى الجنة مأخوذ من الستر على ما تقدم فيه وهي مخلوقة معدة للمتقين لأنه ليس المراد من الخبر خلوها الكلي عن القصور والأشجار بل معناها إن فيها ما هو ملتف بالأشجار وفيها ما هو واسع معد للغراس، والبذر الباقيات الصالحات ونحوها من الطاعات ويتميز الغرس الأصلي الذي بلا سبب والغرس المتسبب عن تلك الكلمات وحكمته تفاوت شكر المتمتع بذلك على ما غرسه بقوله تلك الكلمات وعلى ما لم يغرسه وإنما غرس له جزاء أعماله تفاوت التذاذه بذلك إذ ما تعب الإنسان في غرسه ليس كالذي يجيء له مغروساً بلا تعب قال العاقولي

وروينا فيه عن جابر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قال: "مَنْ قالَ: سَبْحانَ اللهِ وبِحَمْدِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تقرير الكلام إن الجنة ذات قيعان لأنه ثبت أنها ذات أشجار في قوله تعالى: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا} [الإنسان: 14] فهي على هذا ذات قيعان وذات أشجار فما كان قيعاناً فغراسه سبحان الله إلخ، اهـ. وقال الطيبي الحق أنها كانت قيعاناً ثم إن الله تعالى أوجد بفضله وسعة رحمته فيها أشجاراً وقصوراً على حسب عمل العاملين لكل عامل ما يختص به بحسب عمله ثم إن الله تعالى لما يسره لما خلق له من العمل لينال به ذلك الثواب جعله كالغارس لتلك الأشجار على سبيل المجاز إطلاقاً للسبب على المسبب ثم قال ولما كان سبب إيجاد الله الأشجار على العاملين أسند الغراس إليهم اهـ، ونظر فيه بأن فيه تكلماً وادعاءً تجوز غير محتاج إليه والأظهر ما ذكرناه من كون أكثرها مغروساً لكونه مقابلاً للعمل الصالح غير تلك الكلمات وباقيها معداً للغراس ببذر تلك الكلمات ليمتاز ثواب هذه الكلمات لعظم فضلها كما علم ما سبق من الأحاديث عن غيرها وفي المرقاة ويخطر بالبال والله أعلم بالحال أن أقل أصحاب الجنة من له جنتان كما قال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] فيقال جنة فيها أشجار وأنهار وحور وقصور خلقت بطريق الفضل وجنة يوجد فيها ما ذكر بسبب حدوث الأعمال والأذكار من باب العدل وهذا معنى قول بعض الصوفية في تفسير الآية جنة في الدنيا وجنة في العقبى اهـ. قوله: (وروينا فيه) أي في كتاب الترمذي وفي السلاح بعد إيراده بهذا اللفظ إلا أنه زاد العظيم فقال من قال سبحان الله العظيم وبحمده رواه الترمذي والنسائي والحاكم وابن حبان في صحيحيهما وقال الترمذي واللفظ له حسن غريب وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم وفي رواية النسائي وإحدى روايات ابن حبان

غُرِستْ لَهُ نَخْلَة فِي الجَنةِ" قال الترمذي: حديث حسن. وروينا فيه عن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: "قلت: يا رسول الله، أي الكلام أحب إلى الله تعالى؟ قال: ما اصْطَفَى اللهُ تَعالى لِمَلاَئِكَتِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي وبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ رَبي وَبِحَمْدِهِ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وهذا حين أشرع في مقصود الكتاب وأذكره على ترتيب الواقع غالباً، وأبدأ بأوَّل استيقاظ الإنسان من نومه، ثم ما بعده على الترتيب إلى نومه في الليل، ثم ما بعد استيقاظاته في الليل التي ينام بعدها، وبالله التوفيق. ـــــــــــــــــــــــــــــ شجرة بدل نخلة اهـ، وفي الترغيب بعد إيراده باللفظ الذي في الأذكار إلاَّ أنه من حديث ابن عمر رواه البزار بأسانيد جيدة قلت قال في المرقاة وزاد فإنها عبادة الخلق وبها تقطع أرزاقهم أي يقين اهـ، وأورده من حديث جابر كما في السلاح وزاد قوله ورواه الحاكم في موضعين بإسنادين قال في أحدهما على شرط مسلم وفي الآخر على شرط البخاري اهـ، ورواه ابن أبي شيبة كما في المرقاة. قوله: (غُرِسَتْ لَهُ نَخلَةٌ) قال العاقولي في شرح المصابيح يحتمل أن يكون على حقيقته ويحتمل أن يكون مجازاً عن تثبيت أجره وحلاوة جناه اهـ، وعلى الأول فالمراد نخلة عظيمة لعظم مقابلها فيما مر من كونه حبيبًا للرحمن ثقيلاً في الميزان. قوله: (سبحان ربي وبحمده إلخ) كتب الصديق الأهدل بهامش نسخته وقع هذا الحديث في جامع الترمذي سبحان ربي وبحمده مكرراً مرتين وفي بعض

[أبواب]

باب ما يقول إذا استيقظ من منامه روينا في صحيحي إمامي المحدثين: أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري وأبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري رضي الله عنهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ نسخ الأذكار مكرراً ثلاثاً ولا أدري من أين أتى به اهـ. أقول لعله مكرر ثلاثاً في أصل المصنف من الترمذي والله أعلم وقد خرج الحافظ الحديث من طريق أبي نعيم في المستخرج عن أبي ذر وكرره مرتين فقط كما قال الأهدل ولم ينبه الحافظ في هذا المقام على ذلك وسيأتي في باب كيفية لباس النعل والثوب الكلام على الجمع بين وصفي الصحة والحسن في حديث واحد. باب ما يقول إذا ستيقظ من منامه ما فيه إما موصول اسمي والعائد ضمير منصوب محذوف أي يقوله أو موصول حرفي وهي وصلتها في تأويل مصدر بمعنى اسم المفعول أي مقوله وقت استيقاظه والأول أقرب والمنام مصدر ميمي وتقدم في الفصول تعريف النوم وعلم مما سبق إن كل ذكر ورد عن الشارع في حال مخصوص فالاشتغال به أفضل من الاشتغال بقراءة القرآن. قوله: (وينافي صحيح البخاري ومسلم) وكذا أورده مالك وأبو داود والنسائي وابن ماجة وقال فيصبح نشيطاً طيب النفس قد أصاب خيراً وإن لم يفعل أصبح كسلاناً خبيث النفس لم يصب خيراً وروى ابن خزيمة في صحيحه نحره وزاد في آخره فحلوا عقدة ولو بركعتين، ورواه أيضاً من حديث جابر ما من ذكر ولا أنثى إلاَّ على رأسه جرير معقود حين يرقد بالليل فإن استيقظ وذكر الله انحلت عقدة وإذا قام فتوضأ

"يَعْقِدُ الشَّيطانُ على قافيةِ رأسِ أحَدِكمْ إذا هُوَ نامَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وصلى انحلت العقد فأصبح خفيفاً طيب النفس قد أصاب خيراً رواه ابن حبان في صحيحه والجرير الحبل كذا في الترغيب للمنذري. قوله: (يَعقِدُ الشيْطَانُ) أي إبليس أو بعض جنده. قوله: (على قافِيةِ رَأْسِ أحَدِكم) قال زين العرب في شرح المصابيح لعل تخصيص القافية بالعقد لأنها محل الواهمة وهي أطوع القوى للشيطان وأسرعها إجابة لدعوته بل لا يدخل الشيطان على الإنسان إلاّ بواسطة ما سولته له تلك القوة فلذا خصت بالذكر وقال العاقولي، في تخصيصها بالذكر إشعار بإذلال النائم عن قيام الليل وإهانته لأن الضرب عليه غاية الإهانة وفي شرح مسلم للمصنف اختلف العلماء في هذا العقد فقيل عقد حقيقي بمعنى السحر للإنسان ومنعه من القيام قال تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4] فعلى هذا هو قول يؤثر في تثبيط النائم كتأثير السحر وقيل يحتمل أن يكون فعلاً يفعله كفعل النفاثات في العقد وقيل هو من عقد القلب وتصممه فكأنه يوسوس في نفسه ويحدثه بأن عليه ليلاً طويلاً فيتأخر عن القيام وقيل هو مجاز كني به عن تثبيط الشيطان عن قيام الليل اهـ. قال العارف ابن أبي جمرة وهل العقد في القافية نفسها أو هو في شيء يجعله الشيطان على القافية الظاهر أنه في شيء آخر بدليل قوله على ولو كان فيها نفسها لقال في وزاد ذلك بياناً بقوله يضرب مكان كل عقدة عليك ليل طويل لأن هذه الصفة صفة ما يفعله السحرة إذا سحروا شخصاً بما يفعلون من السحر في شيء ويعقدون فيه العقد ويسمون ما يشاؤون من أنواع سحرهم ولاحتمال آخر لأن من النائمين من ليس لهم شعر فبم يربطون وهو الغالب من الناس اهـ، وفي سنن ابن ماجة من حديث أبي هريرة عنه - صلى الله عليه وسلم - يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم بالليل بحبل فيه ثلاث عقد الحديث وهو يؤيد ما قاله العارف، ثم هل هذا العقد عام لكل من نام

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو لا، قال المازري والحافظ ابن حجر يخص منه من صلى العشاء كما نقله السيوطي في التوشيح عنهما ويخالفه ما في شرح مسلم للمصنف. أعلم إن البخاري بوّب لهذا الحديث باب عقد الشيطان على رأس من لم يصل فأنكره عليه المازري وقال الذي في الحديث أنه يعقد على قافية رأسه وإن صلى وإنما تنحل عقده بالذكر والوضوء والصلاة وجعل من صلى وانحلت عقده كمن لم يعقد عليه لزوال أثره اهـ. وقال الحافظ يمكن أن يخص منه من قرأ آية الكرسي فقد ثبت أنه يحفظ من الشيطان وقال العارف ابن أبي جمرة وأما الجواب عن الثاني وهو هل ذاك في عمومه في أهل الخصوص وغيرهم فاللفظ يعطي العموم لكن يخصصه الآيات والأحاديث كقوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42] وكقوله - صلى الله عليه وسلم - من قرأ عند النوم سورة من القرآن كانت له حرزاً من الشيطان حتى يصبح، ومن قرأ آية الكرسي عند مسائه كانت له حرزاً من الشيطان أو كما قال ومن قال كلما أصبح أو أمسى لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي وليلته حين يصبح أو كما قال والأحاديث في ذلك كثيرة وقد نبه الشارع على مكائده كلها وجميع وجوه تسلطه علينا وبين المخرج منها والتحذر منه فجزاه الله خيرًا فهذا يخصص عموم الحديث ومما يوضح ما ذكرناه أن بعض العباد جاء يدخل مسجداً في البرية وكان ممن أعطى شيئاً من المكاشفات فرأى شيطانين على باب المسجد فقال أحدهما للآخر ادخل أعوذ لك المصلي فقال له لا أقدر ذلك النائم يحرقني بنفسه فتعجب العابد كيف يخاف الشيطان من النائم ولا يخاف من المصلى فلما دخل أبصر النائم إبراهيم بن أدهم فانظر هل يعقد الشيطان على قافية مثل هذا السيد شيئاً وهو لا يقدر إن يقرب إليه، وكما قال - صلى الله عليه وسلم - في حق عمر رضي الله عنه ما سلكت فجا إلا سلك الشيطان فجاً غير فجك فإذا كان لا يقدر إن يخطر في طريقه فكيف يعقد على ناصيته، هذا محال قال العارف ابن أبي جمرة والظاهر أنه إذا استيقظ وذكر وتوضأ وصلى ثم نام لا

ثَلاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ على كلّ عُقْدَ مكانها، عليك ليل طويل فارقد، فإنْ اسْتَيقَظَ وَذَكَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ يعود العقد إليه يؤخذ ذلك من قوله أصبح نشيطاً طيب النفس. قوله: (ثلاث عقَدٍ) وتكرار العقد ليثقل النوم فيطول أو ليكسل وبالعقد وتكرره يصير كالمربوط الذي لا حركة له وحكمة خصوص الثلاث إنه يثبطه على الذكر فالوضوء فالصلاة قال القرطبي حكمة ذلك إن أغلب ما يكون انتباه الإنسان في السحر فإن اتفق له إن يرجع إلى النوم ثلاثاً لم تنقض النومة الثالثة إلاَّ وقد ذهب الليل و"على كل عقدة" مفعول "يضرب" وضربه بيده على العقدة تأكيداً وأحكاماً لها. قوله: (عَلَيكَ لَيلٌ طَوِيلٌ) الجملة مفعول لقول محذوف أي يلقي على كل عقدة يعقدها قوله الذي يبثه في القلب بالوسوسة التي أقدره الله عليها أو بغير ذلك مما سبق ليظهر المتمثل من غيره عند وقوع هذه الفتنة "عليك ليل طويل" وهو بالرفع في جميع طرق البخاري ورفعه على الابتداء والظرف قبله متعلق الخبر، أو على إضمار فعل أي بقي عليك ليل، قال ابن حجر الهيتمي أو عليك خبر مقدم أو أغراه أي الزم النوم فإن أمامك ليل طويل فالكلام حينئذٍ في قوة جملتين والثالثة كالتعليل للأولى وأما رواية مسلم فقال القاضي عياض رواية الأكثر عنه بالنصب وهو على الإغراء قال القرطبي والزركشي والرفع أولى من جهة المعنى لأنه أمكن في الغرور من حيث إنه يخبره بطول الليل ثم يأمره بالرقاد بقوله فارقد وإذا نصب على الإغراء لم يكن فيه إلاَّ الأمر بملازمة طول الرقاد وحينئذٍ يكون قوله فارقد ضائعاً اهـ، وهو في النسخ التي وقفت عليها من الأذكار بالرفع لأن لفظ حديث الكتاب للبخاري كما ذكره المصنف قيل وذكر الليل ظاهره اختصاص ما ذكر بنومه ولا يبعد أن يجيء مثله في نوم النهار كالنوم حال الإبراد اهـ. قوله: (وَذكَرَ

اللهَ تَعالى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ تَوَضأ أنْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الله) أي بأي ذكر كان لكن المأثور أفضل قاله المصنف في شرح مسلم. قوله: (فإن توضأ) أي إن كان ذا حدث أصغر فتنحل بالوضوء أما ذو الجنابة فلا تنحل إلاّ بالغسل وذكر الوضوء في الخبر جرياً على الغالب في الحدث من كونه الأصغر ووقع في رواية لمسلم "وإن توضأ انحلت عقدتان" قال المصنف في شرحه معناه تمام عقدتين أي انحلت عقدة ثانية وتم بها عقدتان وهو بمعنى قوله عزّ وجل {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 9] إلى قوله {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} [فصلت: 10] أي في تمام أربعة أيام ومعناه في يومين آخرين تمت بهما الأيام أربعة ومثله في الحديث الصحيح من صلى على جنازة فله قيراط ومن اتبعها حتى توضع في القبر فقيراطان والمراد أنه قيراطان بالأول ومعناه أن بالصلاة يحصل له قيراط وبالإتباع قيراط آخر تتم به الجملة قيراطين ودليل إن الجملة قيراطان خبر مسلم في صحيحه من خرج مع جنازة من بيتها ومن صلى عليها ثم تبعها حتى تدفن كان له قيراطان من الأجر كل قيراط مثل أحد ومن صلى عليها ثم رجع كان له قيراط من الأجر مثل أحد وأورد بمعناه خبر البخاري اهـ. قوله: (فإِن صَلَّى انحَلَّت عُقَدُهُ) هو بلفظ الجمع في البخاري بلا خلاف ورواية المصنف هي رواية البخاري في بدء الخلق وفي التوشيح أقل ما يحصل به حل عقد الشيطان ركعتان لخبر ابن خزيمة فحلوا عقد الشيطان ولو بركعتين قال العراقي ولهذا استحب افتتاح صلاة الليل بركعتين خفيفتين للأمر به في مسلم مبادرة إلى حل عقده اهـ. قال العارف ابن أبي جمرة لفظ الحديث يعطي تناول ذلك لكل مصل على أي حال كان لكن يخصصه قوله - صلى الله عليه وسلم - من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلاَّ بعداً فمن هو بعيد عن الله والعياذ بالله كيف لا يعقد الشيطان عليه ويلعب به كيف شاء بل هو في ذاته

فَأصْبَحَ نَشِيطاً طَيبَ النَّفْسِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ شيطان كما قال جلّ جلاله شياطين الإنس والجن كيف حال من بات آكلا للحرا ظالماً للناس مدمناً للخمر كيف لا يعقد الشيطان على هذا ومتى تصبح نفس هذا طيبة بل هذا خبيث النفس في كل حال ولا يقع على مثل هذا مصل حقيقة لأنه في طبقة المبعودين الذين قال - صلى الله عليه وسلم - فيهم من لم تنهه صلاته عن الفحشاء إلخ، ومن أجل الجهل بحقيقة هذه الأحاديث أخذها بعض الناس على ظاهرها وعملوا عليها وهم قد ضيعوا الأصول وظنوا أنهم حصل لهم المقصود وهيهات هيهات والحاصل إن جميع الخيرات الواردة في الكتاب والسنة هي لأهل التوفيق، وكما إن صحة البدن البشرى بالحمية والدواء وأجمع الأطباء أن الحمية أنفع من الدواء كذلك الدين حمية ودواء فالحمية فيه أنفع من الدواء ولا ينفع الدواء إلاّ بالحمية أو بأكثرها والحمية في الدين الوقوف مع الأمر والنهي افعل لا تفعل، كما إن حمية الأبدان كل كذا لا تأكل كذا والدواء مثل هذا الحديث وأشباهه فإذا فعله بعد الحمية أي امتثال الأمر واجتناب النهي جاءه ما قيل له وزيادة وإذا فعله دون الحمية المذكورة طلب ذلك فلم يجده فقال له لسان الحال "قل هو من عند أنفسكم" لأنه ترك الأصل وأخذ الفرض وهو طريق غير ناجحة ولا تقول لمن ضيع الحمية لا تأخذ الدواء فلعل أخذ الدواء يجره إلى استعمال الحمية فيحصل المقصود كالذي يكون له مال غير طيب ويريد التصدق منه فتقول له صدقتك لا تقبل ولا تقول له لا تتصدق فلعله يتدرج بالخير الذي هو الصدقة إلى خير وهو التوبة والإقلاع اهـ. ولنفاسته نقلناه برمته لكن تقدم على غير واحد أن الأولى إجراء الأخبار على عمومها والتخصيص بأرباب الامتثال يحتاج إلى دليل والله أعلم. قوله: (فأَصبَحَ طَيِّب النفْسِ) هو من سر صلاة الليل وإتيانه بالفاء للتنبيه على تفريع هذا الأمر على مجموع الثلاث الخلال فلا يحصل بواحدة فقط منها لكن يختلف ذلك بالقلة فمن ذكر الله كان أحق ممن

وإلا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يذكره قال العارف ابن أبي جمرة وفيه دليل على إن بصحة الدين يصح البدن وينشرح الصدر إذ لا يكون نشيطاً طيب النفس إلاّ مع صحة البدن وقال - صلى الله عليه وسلم - في قيام الليل أنه ينفي الذنوب ويصح البدن اهـ. قوله: (وِإلَّا) أي وإلا يفعل ما ذكر أو شيئاً فلا يصبح كذلك بل أصبح خبيث النفس إلخ، وبه يعلم أن إن شرطية أدغمت نونها في اللام لتقاربهما في المخرج قال ابن هشام في المغني وقد تقترن يعني إن الشرطية بلا النافية فيظن من لا معرفة له أنها إلا الاستثنائية نحو، إلا تنصروه فقد نصره الله، إلا تنفروا يعذبكم، ولقد بلغني إن بعض من يدعي الفضل سأل في قوله تعالى: {إِلَّا تَفْعَلُوهُ} [الأنفال: 73] فقال ما هذا الاستثناء أمتصل أم منقطع اهـ، وبه يعلم أنه يجب أن يرسم إن ثم لا لأن الكلمة تكتب بصورة الابتداء بها والوقوف عليها ويوجد في كثير من الأصول رسمه بصورة إلا الاستثنائية وفيه ما عرفت. قوله: (أَصبَحَ إلخ) دليل الجواب إذ هو محذوف وإنما أصبح خبيث النفس لتمكن الشيطان منه وأسره له بشده عليه تلك العقد استيثاقاً وتثبيطاً عن الخير إلى أن لم يبق فيه قبول له وفيه كما قال العارف ابن أبي جمرة دليل على أن الذنوب تمرض البدن إذ الغالب من خباثة النفس أنها لا تكون إلا مع تألم البدن ونجد ذلك مشاهداً في أهل البطالة والمعاصي غير طيبين في أبدانهم حتى يطلع النهار ويعالجون ما بهم من الكسل اهـ، ولا مخالفة بين هذا الخبر وخبر لا يقل أحدكم خبثت نفسي لأن الممنوع منه إطلاق الشخص ذلك على نفسه فيذم نفسه وأما إذا أضافه إلى غيره مما يصدق عليه فليس بممنوع، وفي الخبر دليل على عظم تسليط الشيطان على بني آدم وما جعل الله له من القدرة على ذلك يؤخذ ذلك من كونه يعقد في شيء ويؤثر عقده في بني آدم وفيه دليل

هذا لفظ رواية البخاري، ورواية مسلم بمعناه، وقافية الرأس: آخره. وروينا في "صحيح البخاري" عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، وعن أبي ذرّ رضي الله عنه قالا: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ـــــــــــــــــــــــــــــ على حرمة الطاعة وحرمة من أهل للعمل بها فلا يضرهم إنس ولا غيره يؤخذ ذلك من حل العقد والنشاط لمن قام وغيره لمن نام. قوله: (هذا لفظ البخاري) أي في باب بدء الخلق. قوله: (وقافية الرأْسِ إلخ) قال المصنف في شرح مسلم قافية كل شيء آخره ومنه قافية الشجر اهـ. وفي شرح البخاري لابن العز الحجازي قافية الرأس مؤخر العنق اهـ. وقيل وسطه قيل وهو المراد هنا وقال العاقولي القافية القفا وقيل قافية الرأس مؤخره وقيل وسطه اهـ. قوله: (وروينا في صحيح البخاري) وكذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي في الكبرى وابن ماجة كما قال الحافظ كلهم من حديث حذيفة زاد في الحصين ابن أبي شيبة فيمن خرجه من حديث حذيفة قال في الحرز ويفهم من الأذكار أي فيما سيأتي فيما يقوله عند النوم أن البخاري ورواه من حديث أبي ذر أيضاً اهـ. قلت وكذا رواه من حديث أبي ذر النسائي في الكبير كما قاله الحافظ ورواه مسلم والنسائي من حديث البراء بن عازب وأبدل قوله إذا أوى إلى فراشه بقوله إذا دخل مضجعه من الليل قال الحافظ بعد أن أورده من حديث حذيفة وأبي ذر والبراء وذكر من خرجه عن كل ما لفظه وحاصل ما سقته إن هذا المتن متفق عليه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخرجه البخاري من حديث حذيفة وأبي ذر ولم يخرج حديث البراء إلا مسلم فقط ففات الشيخ التنبيه على تخريج مسلم له اهـ. قوله: (عن حذيفة بن اليمانِ إلخ) الأخصر في التعبير عن حذيفة بن اليمان وأبي ذر رضي الله عنهم وأما العبارة ففيها مع التطويل إيهام أن الحديث عن حذيفة وحده والترضي عن المذكورين وكون المقام ووضوح الكلام

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يدفع هذا الإيهام لا ينافي احتماله وحذيفة يكنى أبا عبد الله واسم أبيه حسيل بن جابر واليمان لقبه ولقب به لأنه أصاب في قومه دما فهرب إلى المدينة فحالف بني عبد الأشهل فسماه قومه اليمان لأنه حالف اليمانية وهو من بني عبس بمهملتين الأولى مفتوحة بينهما موحدة ساكنة حليف بني عبد الأشهل أسلم هو وأبوه وأمه الريان بنت كعب بن عدي وهاجروا وكان حذيفة صاحب سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنافقين وأحد المهاجرين الأولين وأحد الأربعة عشر النجباء شهد المشاهد كلها إلاّ غزوة بدر صده المشركون وحضر أحداً هو وأخوه صفوان وأبوه وقتل أبوه يومئذٍ شهيدًا قتله بعض المسلمين يحسبه مشركاً فوهب له ولده حذيفة ديته وفي تفسير عبد بن حميد إن الذي قتله عتبة بن مسعود أخو عبد الله بن مسعود وأرسله النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة الأحزاب سرية وحده ليأتيه بخبر القوم ودعا له يوم الخندق فقال اللهم احفظ حذيفة من بين يديه ومن خلفه وكان كثير السؤال عن الفتن ليجتنبها وفي صحيح مسلم عنه أخبرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يكون إلى أن تقوم الساعة واني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة واستعمله عمر على المدائن وقال عمر لأصحابه يوماً تمنوا فتمنوا ملء البيت الذي هم فيه جوهراً لينفقوه في سبيل الله فقال عمر لكني أتمنى رجالاً مثل أبي عبيدة ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان استعملهم في طاعة الله عز وجل وكان عمر إذا مات أحد فإن صلى عليه حذيفة صلى عليه وإلاّ فلا، روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة حديث ونيف اتفقا منها على اثني عشر وانفرد البخاري بثمانية ومسلم بسبعة عشر ومن كلام حذيفة لا تقوم الساعة حتى يسود كل قبيلة منافقها وشهد نهاوند مع النعمان بن مقرن فلما قتل النعمان أخذ الراية ففتح الله على يديه نهاوند والري والدينور وما شد عنوة وذلك سنة اثنتين وعشرين ومناقبه كثيرة مات بالمدائن في المحرم سنة ست وثلاثين بعد مقتل عثمان بأربعين ليلة وقيل عن خمس وثلاثين.

أوى إلى فراشه قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (أَوَى إلى فِراشِهِ) قال المصنف في آخر باب الحج من شرح مسلم نقلا عن القاضي عياض يقال آوى وأوى بالمد والقصر في الفعل اللازم والمتعدي جميعاً لكن القصر في اللازم أشهر وأفصح والمد في المتعدي أشهر وأفصح "قلت" وبالأفصح جاء القرآن العزيز في الموضعين قال تعالى {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ} [الكهف: 63] وقال تعالى في المتعدي {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ} [المؤمنون: 50]، والله أعلم. وفي النهاية يقال أوى وآوى بمعنى واحد والمقصور منه لازم متعد اهـ. قال في الحرز يعني والممدود لا يكون إلاَّ متعدياً ويحتاج إلى تقدير مفعول في الحديث بأن يقدر ما آوى أحد نفسه إلى فراشه لم يذكر الله فيه إلَّا كان عليه ترة ولهذا اقتصر العسقلاني على القصر في إذا أوى اهـ. "قلت" وكذا اقتصر عليه هنا الكرماني قبله والسيوطي بعده والمصنف في شرح مسلم وكأن العصر على القصر لكونه الرواية فنقتصر عليه أو لكونه فيه أرجح كما صرح المصنف به في التهذيب ولا يلزم من قول النهاية والمقصور إلخ. ما قاله في الحرز أما أولاً فإنه مفهوم مخالفة وهو خلاف مذهب صاحب الحرز قال ابن السبكي في جمع الجوامع وأنكر أبو حنيفة الكل مطلقاً قال الجلال المحلي في شرحه أي لم يقل بشيء من مفاهيم المخالفة وإن كان في المسكوت بخلاف حكم المنطوق فلأمر آخر اهـ. وأما ثانياً فإن صاحب النهاية صرح بعد قوله المذكور بنحو سطرين بأن الممدود قد يكون لازماً وعبارته ومن المقصور اللازم حديث أما أحدهم فأوى إلى الله أي رجع إليه ومن الممدود المتعدي حديث الدعاء الحمد لله الذي كفانا وآوانا أي ردنا إلى مأوى لنا ولم يجعلنا منتثرين كالبهائم والمأوى المنزل، ومن أسباب الدخل على المؤلفين الأخذ بأوائل الكلام والغفلة عن سوابقه ولواحقه بما يندفع به ذلك المأخوذ وحينئذٍ فتبين أن اقتصار من ذكر على القصر في أوى في هذا المقام إما

باسْمِكَ اللَّهُمَّ أحْيَا وأمُوتُ، وَإذَا اسْتَيْقَظَ قالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الّذِي أَحْيَانَا بَعْدَما أَمَاتَنَا وَإلَيهِ النُّشورُ". وروينا ـــــــــــــــــــــــــــــ لكونه رواية أو أفصح لا لمنع القصر في الممدود فلا يحتاج إلى قوله آوى أحدكم نفسه إلخ. والله أعلم. قوله: (باسمك اللهُم أحْيَا وأموتُ) هذه الجملة فيها فوائد "الأولى" قال العلماء حكمه الذي والدعاء عند النوم إن يكون خاتمة أعماله وعند الاستيقاظ منه أن يكون أول عمله ذكر التوحيد والكلم الطيب كما قيل: وآخر شيء أنت أول هجعة ... وأول شيء أنت عند هبوبي فكتبت الحفظة في أول صحيفته عملاً وتختمها بمثل ذلك فيرجى له مغفرة ما بينهما وقد روى الطبراني من حديث الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول الله عز وجل اذكرني أول النهار ساعة ومن آخره ساعة أكفك ما بينهما وكان الصالحون من السوقة يجعلون أول نهارهم وآخره إلى الليل لأمر الآخرة ووسطه لمعيشة الدنيا وفي الحديث يقول الله عز وجل ابن آدم لا تعجزن عن أربع ركعات أول النهار أكفك آخره "الثانية" قوله باسمك اللهم أحيا بفتح الهمزة قال المصنف في شرح مسلم قيل معناه بذكر اسمك أحيا ما حييت وعليه أموت "قلت" أي على ذكري اسمك مع اعتقادي لعظمة مدلوله وتفرده بالألوهية والملك وقيل معناه بك أحيا وبك أموت فالاسم هنا بمعنى المسمى اهـ، ويحتمل عليه إن يكون اسم مقحماً وأعرض عنه المصنف لأن مذهب البصريين وهو المختار منع زيادة الأسماء قال الكرماني بعد ذكره الوجه الأول "فإن قلت" فيه دلالة على إن الاسم غير المسمى "قلت" لا ولا سيما من حيث إن الاسم يحتمل أن يكون مقحماً كقوله: *إلى الحول ثم اسم السلام عليكما* اهـ فأشار إلى وجه ثالث وقال القرطبي بعد ذكر الوجه الثاني مما نقله المصنف وهذا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قول الشارحين، وقد استفدت من بعض مشايخنا معنى آخر هو أنه يحتمل أنه يعني باسمك المحيي المميت من أسمائه تعالى ومعنى ذلك إن الله تعالى إنما سمى نفسه بأسمائه الحسنى لأن معانيها ثابتة في حقه وواجبة إذ كل ما ظهر في الوجود من الآثار إنما هو صادر عن تلك المقضيات فكل إحياء في الدنيا والآخرة إنما هو صادر عن قدرته على الإحياء وكذا القول في الإماتة وكذا غيره في المعاني التي تدل عليها أسماؤه فكأنه قال باسمك المحيي أحيا وباسمك المميت أموت وكذا القول في سائر الأسماء الدالة على المعاني اهـ. وقيل معناه ما دلت عليه أسماؤك العلية من تنزهك عن كل صفة لم يبلغ غاية الكمال المطلق وتجليك بكل صفة من الصفات البالغة لذلك الكمال أموت وأحيا "الثالثة" حكمة عدم الإتيان بأن شاء الله في هذا الذكر ونحوه قال الشيخ تاج الدين السبكي في الطبقات وجدت بخط الشيخ يعني والده فكرت عند الاضطجاع في قول المضطجع باسمك اللهم وضعت جنبي وبك ارفعه فأردت أن أقول إن شاء الله في أرفعه لقوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ] [الكهف: 23، 24] ثم قلت في نفسي إن ذلك لم يرد في الحديث في هذا الذكر المقول عند النوم ولو كان مشروعاً لذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أوتي جوامع العلم، فتطالت فرقاً بينه وبين كل ما يخبر به الإنسان من الأمور المستقبلة المستحب فيها ذكر المشيئة ولا يقال إن أرفعه حال ليس بمستقبل لأمرين "أحدهما" إن لفظه وإن كان كذلك لكنا نعلم إن رفع جنب المضطجع ليس حال اضطجاعه "والثاني" إن استحباب المشيئة عام فيما ليس معلوم الحال أو المعنى وظهر لي أن الأولى الاقتصار على الوارد في الحديث في الذكر عند النوم بغير زيادة وإن ذلك مبني على قاعدة يفرق فيها بين تقدم الفعل على الجار والمجرور وتأخره عنه فإنك إذا قلت ارفع جنبي باسم الله كان المعنى الإخبار بالرفع وهو عمدة الكلام وجاء الجار والمجرور بعد ذلك تكملة وإذا قلت باسم الله ارفع جنبي كان المعنى الإخبار بأن الرفع كائن باسم الله فافهم هذا السر اللطيف وتأمله في جميع موارد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العرب تجد ما يظهر لك به شرف كلام المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وملازمة المحافظة على الأذكار المأثورة عنه عليه أفضل الصلاة والسلام وإياك أن تنظر إلى إطلاق أن الجار والمجرور فضلة في الكلام وتأخذه على الإطلاق بل تأمل موارد تقدمه وتأخره في الكتاب العزيز والسنة وكلام العرب الفصحاء وتفهم هذه القاعدة الجليلة التي يفهم بها اللفظ والمعنى واعلم أنه لا بد من المحافظة على قواعد العربية وعلى فهم كلام العرب ومقاصدها وقواعد العربية تقتضي إن الجار والمجرور فضلة في الكلام لا عمدة له وإن الفعل هو المخبر به والاسم هو المخبر عنه فهذا أصل الكلام ووضعه ثم قد يكون ذلك مقصود المتكلم وقد لا يكون على هذه الصورة فإنه قد يكون المخبر عنه والمخبر به معلومين أو كالمعلومين ويكون محط الفائدة في كونه على الصفة المستفادة من الجار والمجرور كما نحن فيه فإن المضطجع وضع جنبه معلوم ورفعه كالمعلوم ولم يقل معلوم لأنه قد يموت اهـ، ومثله ما نحن فيه فإن موته معلوم وحياته كالمعلوم لأنه قد يموت حالاً والله أعلم "الرابعة" قوله أحيا وأموت يحتمل الموت الحقيقي ويحتمل المجازي وهو النوم كما أطلقت عليه الوفاة في قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر: 42] الآية وأطلق عليه ذلك على سبيل التشبيه والتمثيل ففيه استعارة مصرحة تبعية ووجه الشبه زوال الشعور والحركة الاختيارية مع كل منهما قال الطيبي وأشير بالتشبيه والتمثيل إلى أن المقصود من الحياة اكتساب رضا الله تعالى والأمن من عقابه وبالنوم يزول ذلك ويفوت فائدة الحياة فكان كالميت وقال القرطبي النوم والموت يجمعهما انقطاع تعلق الروح بالبدن وذلك قد يكون ظاهراً وهو النوم ولذا قيل النوم أخو الموت وظاهراً وباطناً وهو الموت فإطلاق الموت على النوم مجاز لاشتراكهما في انقطاع تعلق الروح بالبدن وقيل الموت يطلق على السكون وعلى ما بإزاء القوة النامية في الحيوان والنابت والقوة العاقلة والجهالة ومنه {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا

في كتاب ـــــــــــــــــــــــــــــ فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122] وقد يستعار للحالة الشاقة كالفقر والذل، والحياة تحتمل الحقيقة التي بعد البرزخ والمجازية التي بعد النوم فإن الحقيقة لم تزل بالنوم وحياة البرزخ يصح إن يقال أنها مجازية لأنه لا يوجد فيه كمال الإحياء بل نوع منه بحيث يفهم الخطاب ويرد الجواب وإن يقال أنها حقيقية والمفقود كمال حركة البدن قال تعالى: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} [إبراهيم: 17] كذا يؤخذ من فتح الإله "الخامسة" قوله أحيانا بعد ما أماتنا أي أحياناً بالاستيقاظ من النوم لنكتسب ثمرة الحياة من الحمل النافع في الآخرة وذلك أفضل النوم فإذا حمد عليها لا سيما مع تصور ما في قوله بعدما أماتنا أي الموت المجازي وهو النوم يقال النوم الموت الخفيف، والموت الثقيل قال الكرماني "فإن قلت" ليس هنا إحياء ولا إماتة بل إيقاظ وإنامة "قلت" الموت عبارة عن انقطاع تعلق الروح من البدن وذلك قد يكون ظاهراً فقط وهو النوم ولهذا يقال أنه أخو الموت وظاهراً وباطناً وهو الموت المتعارف اهـ، والنشور الحياة بعد الموت يقال نشر الميت ينشر نشوراً وقوله تعالى: {وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)} [الملك: 15] أي الذهاب إلى دار جزائه ليجازي كل واحد بما يقتضيه ما سبقه علمه من خير أو شر ويقتضيه عمله من ذلك كما يشهد به "الناس مجزيون بأعمالهم" وقولنا في تفسير النشور أيضاً أنه الذهاب إلى دار جزائه لمناسبة المقام فلا ينافي إن معناه لغة ما سبق من البعث بعد الموت وحكمة ذكره ذلك إن من استحضر هذه الأمور حمله ذلك على أن يكون حاضر القلب في النوم واليقظة فلا يفضي به نومه إلى التكاسل ولا إلى تباطؤ عما طلب منه ولا تيقظه إلى غفلة عما طلب منه من دوام المراقبة والحضور قيل ونبه بإعادة الإحياء بعد الإماتة أي اليقظة بعد النوم على إثبات البعث بعد الموت في ذكره ما في ذكر {وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} من الحكمة السابقة. قوله: (فِي كِتَاب

ابن السني بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذَا اسْتَيقَظَ أحدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الحَمْدُ لِلهِ الّذِي رَدَّ عَليَّ رُوحِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ ابنِ السني) هو من جملة حديث أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة بلفظ إذا جاء أحدكم إلى فراشه فلينفضه بصنفة ثوبه ثلاث مرات الحديث وهذا ما رواه الستة وسيأتي إن شاء الله تعالى فيما يقال عند النوم معزواً روايته للصحيحين قال في السلاح زاد فيه الترمذي فإذا استيقظ فليقل الحمد لله الذي عافاني ورد على روحي وأذن لي بذكره وقال حديث حسن وأخرج هذه الزيادة وحدها النسائي وابن حبان من طريق أخرى قال الحافظ وما أدري لما أغفل الشيخ عزو هذا الترمذي والنسائي وأما قوله أنه صحيح الإسناد ففيه نظر فإن الشطر الثاني الذي اقتصر عليه من أفراد محمد بن عجلان وهو صدوق لكن في حفظه شيء خصوصاً عن المقبري فالذي ينفرد به من قبيل الحسن وإنما يصحح له من يدرج الحسن في الصحيح وليس ذلك من رأي الشيخ وشطره الأول مخرج في الصحيحين من طريق عبد الله العمري عن المقبري واختلف هل بينه وبين أبي هريرة فيه أبوه أو لا وقد بين البخاري ذلك وعلقه لابن عجلان وقد أورده المصنف بعد أبواب كثيرة مقتصراً على لفظ الترمذي وعزاه له ولابن ماجة ولم يذكر شطره الآخر ولا نبه على إن شطره الأول مخرج في الصحيحين بتغيير يسير اهـ. قوله: (الذي رَدَّ عَلَى رُوحي) المراد بالروح هنا روح اليقظة وهي الروح التي أجرى الله تعالى العادة

وَعافانِي في جَسَدِي، وأذِنَ لي بِذِكْرِهِ". وروينا فيه عن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما مِن عَبْدِ يَقُولُ عِنْدَ رَدّ اللهِ تَعالى رُوحَهُ: لا إلهَ إلا اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أنها إذا كانت في الجسد كان الإنسان مستيقظاً وإذا خرجت نام الجسد ورأت الروح المنامات. قوله: (وعَافاني فِي جَسَدِي إلخ) المراد من المفاعلة هنا أصل الفعل أي جعل جسدي ذا عافية فهو من باب المفاعلة على قصد المبالغة لعدم صحة إرادة المغالبة قال في القاموس والعافية دفاع الله عن العبد وعافاه عن المكروه معافاة وعافية وهب له العافية من العلل والبلاء كأعفاه من المكروه معافاة وعافية اهـ، ويصح حمل المفاعلة على بابها ففي النهاية المعافاة أن يعافيك الله من الناس ويعافيهم منك أي يغنيك عنهم ويغنيهم عنك ويصرف آذاهم عنك وأذاك عنهم وقيل هي مفاعلة من العفو وهو أن يعفو عن الناس ويعفوا هم عنه اهـ، غير أنه بهذا المعنى لا يستقيم عند ذكر العضو المعافى كقوله اللهم عافني في سمعي اللهم عافني في بصري الحديث وسيأتي قال المصنف في شرح مسلم والعافية من الألفاظ العامة المتناولة لدفع جميع المكروهات في البدن والباطن في الدنيا والآخرة وفي القاموس الجسد محركة جسم الإنسان وذكر له معاني أخر لا حاجة بنا إلى ذكرها. قوله: (وروينا فيه) أي في كتاب ابن السني قال الحافظ الحديث ضعيف جداً أخرجه الحسن بن سفيان في مسنده عن عبد الوهاب بن الضحاك وعبد الوهاب المذكور كذبه أبو حاتم الرازي وأبو داود وغيرهما وإسماعيل بن عياش شيخه مختلف فيه لكن اتفقوا على أن روايته عن الشاميين ضعيفة وهذا منها ومحمد بن إسحاق شيخ إسماعيل في هذا الحديث مدني تحول إلى العراق وقد وجدت هذا الحديث في مسند الحارث بن أبي أسامة من طريق الليث بن سعد

وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلى كلّ شَيءٍ قَدِيرٌ، إلاَّ غَفَرَ اللهُ تَعالى لهُ ذُنُوبَهُ وَلوْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ". وروينا فيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما منْ رَجُلٍ يَنْتَبهُ مِنْ نَوْمِهِ فَيَقُولُ: الحَمْدُ لِلَهِ الّذِي خَلَقَ النوْمَ واليَقَظَةَ، الحَمْدُ لِلهِ الَّذِي بَعَثَنِي سَالِماً ـــــــــــــــــــــــــــــ عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن موسى بن وردان عن نايل صاحب العباء عن عائشة وإسحاق ضعيف جداً ولعل إسماعيل سمع منه فظنه عن أبي إسحاق وموسى وشيخه نايل مختلف في كل منهما اهـ. قوله: (وحدَه) أي لا ضد ولا ند له بل هو منفرد بالذات والصفات والأفعال ونقل الحنفي أنه مخصوب عند الكوفيين على الظرف وعند البصريين على الحال ورده في الحرز بأن الفريقين اتفقا أنه على الحال لكن اختلفوا في التأويل وعدمه فقال بالأول البصريون أي منفرداً وقال بالثاني الكوفيون وسبق عن الشيخ زكريا جواز كونه مفعولاً مطلقاً. وقوله: (لا شريك له) في كمال الصفات (له الملك) أي السلطنة العظمى (وله الحمد) في الآخرة والأولى (وهو على كل شي قدير) أي على كل شيء من الممكنات لما تقدم تقريره ثم حديث عائشة لم يذكره صاحب الترغيب عن الكتب الستة وغيرها من المسانيد المشهورة وبقيد المشهورة علم الجواب عن أنه وجد في مسند الحسن بن سفيان ومسند الحارث بن أبي أسامة كما تقدم في كلام الحافظ والله أعلم. وكذا حديث أبي هريرة الذي بعده. قوله: (واليَقَظَةَ) في القاموس اليقظة محركة نقيض النوم وقد يقظ ككرم وفرح يقاظة يقظاً محركة وقد استيقظ اهـ. وفي النهاية قد تكرر في الحديث ذكر اليقظة والاستيقاظ وهو الانتباه من النوم ورجل يقظ ويقظ ويقظان إذا كان فيه معرفة وفطنة اهـ، والحمد عليهما لكونهما نعمتين عظيمتين إذ باليقظة يحصل المعاش ويحسن المعاد

سَوِياً، أشْهَدُ أَنَّ اللهَ يُحْيِي المَوْتَى وَهُوَ على كُل شَيء قَدِيرٌ، إلا قال اللهُ تَعالى: صَدَقَ عَبْدِي". وروينا في "سنن أبي داود" عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا هَبَّ منَ الليْلِ كَبَّرَ عَشْراً، وحَمِدَ عَشْراً، وَقالَ: سُبْحَانَ اللهِ وبحَمْدِهِ عَشْراً، وَقالَ: سُبْحَانَ القُدُّوسِ عَشْراً، وَاسْتَغْفَرَ عَشْراً، ـــــــــــــــــــــــــــــ وبالنوم تستريح مطيته من ألم الجد والاجتهاد. قوله: (سوياً) في المشارق للقاضي عياض السوي المعتدل الخلق المستوي التام وهو ضد المعوج والناقص اهـ. وفي مفردات الراغب رجل سوي استوى أخلاقه وخلقته على الإفراط والتفريط ومكان سوي وسواء وسط اهـ، في القاموس مكان سوي كغني وسي كزي مستو اهـ. قوله: (وروينا في سنن أبي داود) قال في السلاح عن عاصم بن حميد قال سألت عائشة رضي الله عنها بأي شيء كان يفتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قيام الليل فقالت لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك كان إذا قام كبر عشراً وحمد عشراً إلى قوله ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة وليس فيه قوله عشراً وما بعده ثم قال رواه أبو داود واللفظ له والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه وعنده قال اللهم اغفر لي واهدني وارزقني عشراً وتعوذ بالله من ضيق يوم القيامة عشرا اهـ. قوله: (سبحان الله الملِكِ القُدُّوسِ) الملك صاحب الملك والملكوت واختير على المالك لأنه أبلغ منه كما سيأتي إن شاء الله تعالى والقدوس فعول للمبالغة من القدس النزاهة عما يوجب نقصاناً وقرئ بالفتح وهو لغة فيه وإنما أطلقت في التكبير والحمد لأن الجملة التي تستعمل في ذلك شهيرة ولو أطلقت التسبيح لربما توهم إن القصد به قال سبحان الله فقط فأفادت بما ذكر من قوله سبحان الله إلخ، كيفية التسبيح الصادر منه - صلى الله عليه وسلم - ولمناسبة المقام للتسبيح لما فيه من تنزيه الباري عما لا يليق

وَهَلَّلَ عَشْراً، ثُمَّ قالَ: اللهُم إني أَعُوذُ بِكَ مِنْ ضِيقِ الدنْيا وضِيقِ يَومِ القِيَامَةِ عَشْراً ثُم يَفْتَتِحُ الصلاة" وقولها هبَّ: أي استيقظ. وروينا في "سنن أبي داود" عن عائشة أيضاً "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا استيقظ من الليل قال: لا إلهَ إلا أنْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ به من وصف الحادث من النوم ونحوه كرر - صلى الله عليه وسلم - التسبيح وأتى بجملتين يدل عليه واكتفى في التكبير بالمبالغة المفهومة من أفعل التفضيل وإنما قدم الحمد هنا على التسبيح نظرًا إلى إن المقام له على هذه النعمة أي الإيقاظ بعد النوم الذي به يتأهل الإنسان لاجتناء ثمرة الحياة من المعارف الإلهية والإتيان بالاستغفار طلباً لغفران التقصير في شكر هذه النعمة العظيمة التي من بها الباري تعالى بقوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ} [القصص: 72] فلعظم نعمة المنام وخوف التقصير في أداء حق هذا المقام أتى بالاستغفار نظير ما قالوه في حكمة الإتيان به عند الخروج من الخلاء ولعظيم نعمة النوم إذ يختل بفقدها العقل والبدن كما أشار إليه - صلى الله عليه وسلم - في حديث عبد الله بن عمر وكرر الاستغفار هنا عشراً. قوله: (وهلل) قال ابن حجر في شرح المشكاة أي رفع صوته بتوحيده وكأن استفادة الرفع من خارج الكلام. قوله: (ضِيق الدنيا إلخ) الإضافة فيها بمعنى في قاله العاقولي والمراد شدائدهما ومحنهما التي تجعل الفضاء ضيقاً والرحب الواسع ضيقاً. قوله: (هب أي استيقظ) هب بفتح الهاء وتشديد الموحدة في القاموس الهب والهبوب ثوران الريح كالهبيب والانتباه من النوم ونشاط كل سائر وسرعته اهـ، ثم قوله أي استيقظ مراده تفسير لفظ هب لا بقيد كونه في هذا الكلام أما فيه فيفسر بأنه استيقظ من منام الليل وفي الخبر مضاف أي هب من نوم الليل والله أعلم. قوله: (وروينا في سُنن أبي داود إلخ) الأخصر

سُبْحَانَكَ اللهُم أسْتَغْفِرُكَ لِذَنْبِي، وأسأَلُكَ رَحمَتَكَ، اللهُم زِدني عِلماً ـــــــــــــــــــــــــــــ وروينا فيه على ما يفعل في نظائره والحديث رواه أبو داود والنسائي والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين وابن حبان في صحيحه لكن اقتصر المصنف على عزوه لأبي داود لأن اللفظ له. قوله: (سبحانك اللهم) أي تنزهت عن كل ما لا يليق بجلالك وكبريائك وباهر عظمتك ولما تناسب مضمون معنى سبحانك وأستغفرك بالتضاد إذ الأولى تدل على تنزه الله من كل نقص والثانية تدل على ثبوته للعبد، عقب قوله سبحانك بقوله أستغفرك، وفيه التنبيه على إن وصف الإنسان طلب الاستغفار لما قام به من النقصان كل وقت وأوان وإن الكمال المطلق للحق وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - أستغفرك إلخ، التنبيه للأمة على طلب ذلك وإلا فهو وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من كل ذنب وأراد به التواضع وأداء حق مقام العبودية من السؤال والافتقاد إلى المولى العزيز أو سمي مخالفة الأفضل ذنبًا لأن اللائق بمرتبته الكاملة إلا يصد عنه إلاّ ما هو الأفضل أو أنه لما ترقى إلى ما رقي من المقام ولاحظ ما قبله عد ذلك السابق كأنه ذنب فاستغفر منه وعليه حمل قوله - صلى الله عليه وسلم - أنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم والليلة أكثر من سبعين مرة. قوله: (وأسألُك رحمَتك) أي زيادة تفضلك وإنعامك. قوله: (اللهم زِدْني علماً) أي اطلاعًا على الغيوب والمعارف وتخلقًا بآداب نصرتك وما أنزلته من الآيات إذ لا علم لي إلاَّ ما علمتني فأنا مفتقر دائماً إلى تعليمك قادم على ذلك في كل لحظة ونفس، في تفسير الواحدي كان ابن مسعود إذا قرأ الآية يقول اللهم زدني إيماناً ويقيناً وقد اختلف في المراد بالعلم في الآية فقيل القرآن وقيل الحفظ ولا مانع من إرادة الجمع خصوصاً وعلماً نكرة في سياق الدعاء وعموم الدعاء تمامه ثم فيه إيماء إلى ما ورد في الحديث على ما رواه في الحلية وغيره عن عائشة مرفوعاً كل يوم لا أزداد فيه علماً يقربني إلى الله تعالى فلا بورك لي في شمس

ولا تُزِغْ قلبي بَعْدَ إذْ هَدَيْتَني، وَهَبْ لي مِنْ لَدُنْكَ رَحمَةً إنكَ أَنْتَ الوَهابُ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك اليوم. قوله: (ولا تُزغ قلبي) بإظهار الغين عند القاف باتفاق عند جميع القراء أي لا تمله عن الحق وفي النهر في قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا} [آل عمران: 8] أي لا تجعلنا من الذين في قلوبهم زيغ أي ميل عن الحق بعد الهداية أي إلى الحق والمراد ثبت قلوبنا على دينك وأقدامنا على أداء حق عبوديتك ومن هذا قوله - صلى الله عليه وسلم - يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ثم رأيت الواحدي قال روت أم سلمة إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ثم يقول: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا} إلخ اهـ، وأصله في الترمذي وفيه فقلت يا رسول الله ما لأكثر دعائك يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك قال يا أم سلمة أنه ليس آدمي إلاّ وقلبه بين إصبعين من أصابع الله فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ فتلا معاذ أي أحد رواته: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8] اهـ، والمراد لا تزغ قلوبنا كما أزغت قلوب اليهود والنصارى ومن في قلوبهم الزيغ بعد إذ هديتنا للإيمان بحكم الكتاب ومتشابهه وفيه الإشارة على أنه لا يأمن مكر الله إلاَّ القوم الخاسرون ولدن بمعنى عند والمراد بالعندية كما تقدم عندية الشرف والمكانة والمطلوب رحمة تليق بذلك و. قوله: (إنك أنت الوهاب) كالتعليل لحصول المطلوب ويجوز فيه من حيث الإعراب الفتح على تقدير لام التعليل والكسر على الاستئناف وتقدر قبلها الفاء وقد قرئ بهما إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم وهذان الوجهان يجريان في إن الواقعة بعد كلام تام معلل بمضمون ما صدر بها والوهاب صيغة مبالغة إذ هو الواهب لجلائل النعم ودقائقها فما في الكون شيء جل أو قل إلا وهو من فضله ونعمته قال - صلى الله عليه وسلم - من قال في الصباح "اللهم ما أصبح بي أو بأحد من خلقك من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك فقد أدى شكر ذلك اليوم".

باب ما يقول إذا لبس ثوبه

باب ما يقول إذا لبس ثوبه يستحب أن يقول: بِسْمِ اللهِ، وكذلك تستحب التسمية في جميع الأعمال. وروينا في كتاب ابن السني عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ـــــــــــــــــــــــــــــ باب ما يقول إذا لبس ثوبه لبس الثوب بكسر الموحدة مضارعه يلبس بفتحها ومنه قوله تعالى: {وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [النحل: 14] ومصدره اللبس ولبست الأمر بفتح الموحدة البسه بكسرها كضرب يضرب ومنه قوله تعالى: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: 9]. قوله: (باسم الله) قال المصنف في كتاب الجهاد من شرح مسلم قال الكتاب من أهل العربية إذا قيل باسم الله تعين كتبه بالألف وإنما تحذف الألف إذا كتب بسم الله الرحمن الرحيم بكماله اهـ. وقال السمين الحلبي إنما حذفوها حيث يضاف الاسم للجلالة وإذا أضيف لغيرها لم يحذف هذا هو المشهور وحكي عن الكسائي والأخفش جواز حذفها إذا أضيفت إلى غير الجلالة وقال الفراء هذا باطل لا يجوز أن تحذف إلا مع الله ذكره الجلال السيوطي، ثم ظاهر كلامه أن السنة هنا ما ذكره فقط والمقرر في كثير مما سن في التسمية من الوضوء والأكل والشرب ونحوها أن أقلها بسم الله وأكملها بسم الله الرحمن الرحيم فينبغي حمل ما هنا على ذلك إما بأن يراد بقوله باسم الله جميع البسملة أو إن ما ذكر لبيان الأقل وإن تكميلها هو الأفضل ولم يكمل عند دخول الخلاء قبل التعوذ لعدم وروده وحكمته عدم مناسبة المقام والله أعلم، ولا فرق في استحباب التسمية فيما ذكره المصنف بين الطاهر والجنب ومن في معناه كما سبق بيانه في الفصول لكن نحو الجنب لا ينوي به القرآن. قوله: (وكذلك تُستحب التسميةُ في جميع الأعمالِ) قال في آداب الطعام من شرح مسلم قال أصحابنا ويستحب إن

واسمه سعد بن مالك بن سنان: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا لبس ثوباً أسماه باسمه، قميصاً أو رداءً أو عمامة يقول: اللهُمَّ إني أسألُكَ منْ خَيرِهِ وَخَيرِ مَا هُوَ لَهُ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ شّرِّهِ وَشَرِّ مَا هُوَ لَهُ". ـــــــــــــــــــــــــــــ يذكر الله تعالى على كل أمر ذي بال وكذلك يحمد الله في أول كل أمر ذي بال للحديث الحسن المشهور فيه اهـ. وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام أفعال العبد على ثلاثة أقسام ما سنت فيه التسمية كالوضوء والغسل والتيمم وذبح المناسك وقراءة القرآن ومنه أيضاً مباحات كالأكل والشرب والجماع وما لم تسن فيه كالصلاة والآذان والحج والعمرة والأذكار والدعوات وما تكره وهي المحرمات لأن الغرض من التسمية التبرك في الفعل المشتمل عليه والحرام لا يراد كثرته وبركته وكذلك المكروه قال والفرق بين ما سنت فيه البسملة من القربات وما لم نسن فيه عسر "فإن قيل" إنما لم تسن مع ذلك القسم لكونه بركة في نفسه فلا يحتاج إلى التبرك "قلنا" هذا مشكل بما سنت فيه من قراءة القرآن مع أنه بركة في نفسه ولو بسمل في ذلك القسم لجاز وإنما الكلام في كونه سنة ولو كان سنة لنقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والسلف الصالح كما نقل غيره من السنن والنوافل اهـ. قال ابن حجر في شرح العباب البسملة عبارة عن قولك بسم الله الرحمن الرحيم بخلاف التسمية فإنها عبارة عن ذكر اسم الله بأي لفظ كان اهـ، وينبغي إن يقال البسملة قولك بسم الله لما في التهذيب للمصنف بسمل إذا قال بسم الله اهـ. إلا إن يحمل كلام التهذيب على إن المراد إلى آخرها على ما فيه من بعد فيتفق الكلامان. قوله: (واسمه سعد بن مالك بن سنان) هو ووالده صحابيان توفي والده يوم أحد شهيداً والمراد من كلام المصنف التعريف باسمه أصالة واستطرد بذكر اسم أبيه وجده وكان حق هذا البيان إن يذكر في أول مكان ذكر فيه أبو سعيد وهي في الفصول وفيما

وروينا فيه ـــــــــــــــــــــــــــــ سبقت ترجمته وسيأتي الكلام في الباب الثاني على حديث أبي سعيد مما يؤخذ منه شرح حديث الباب لتقاربهما ثم الذي وقفت عليه في أصل مصحح من كتاب ابن السني كان إذا لبس ثوباً سماه قميصاً أو رداءً أو عمامة إلخ، والذي وقفت عليه من نسخ الأذكار ساقط فيه قوله "سماه" ولفظه إذا لبس ثوباً قميصاً إلخ، وقميصاً عطف بيان لقوله ثوباً فهو بحذف الواو كما هو في مصحح عندي لكن في أصل مقروء على الشيخ العلامة ابن العماد الأقفهسي إذا لبس ثوباً وقميصاً بإثبات الواو عطف خاص على عام وحذف الواو أنسب بالحديث الآتي في الباب الثاني والله أعلم. قوله: (ورويناه فيه إلخ) اقتصر على عزوه إلى ابن السني لكونه أورد هذه الجملة حديثاً مستقلاً وإلا فهو من جملة حديث رواه أبو داود ولفظه عن معاذ إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال من أكل طعاماً فقال الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه ومن لبس ثوباً فقال الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر رواه الترمذي وقال حسن غريب وابن ماجة والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط البخاري وكذا في السلاح وفي تفريح القلوب للحطاب بعد إيراده حديث أبي داود قال الحافظ ابن حجر هذا إسناد حسن ولم يذكر وما تأخر إلا في اللباس ورأيت نسخة مصححة من السنن ذكر صاحبها أنه يكتب علبها الروايات ويجعل لكل رواية علامة فذكر وما تأخر عقب الطعام أيضاً وذكر عليها علامة الأثيري وكذا رأيت السيوطي في حاشيته على الموطأ عقب الطعام أيضاً لكنه لما نظم الخصال لم ينظم فيها الحمد عقب الطعام ولم يذكر شيخ شيوخنا القليوبي وما تأخر إلا في اللباس وذكر إن بنت الميلق الحديث وقال عقبة هذا لفظ رواية أبي داود وليس فيها زيادة وما تأخر إلا فيمن لبس الثوب اهـ. وخرجه الحافظ

باب ما يقول إذا لبس ثوبا جديدا أو نعلا أو شبهه

عن معاذ بن أنس رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ لَبسَ ثَوْباً جَدِيداً فَقال: الحَمْدُ لله الذِي كَسانِي هَذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيرِ حَوْلِ مِنِّي ولا قُوَّةِ، غَفَرَ الَلَهُ له ما تَقَدمَ مِنْ ذَنْبِهِ". باب ما يقول إذا لبس ثوباً جديداً أو نعلاً أو شبهه يستحبُّ أن يقول عند لباسه ما قدَّمناه في الباب قبله. وروينا عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استجد ثوباً ـــــــــــــــــــــــــــــ من حديث معاذ باللفظ الذي أورده الشيخ هنا وزاد فيه وصف الثوب بقوله جديداً والباقي سواء ثم قال حديث حسن أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم وعليه درك في تصحيحه لما في سهل بن معاذ والراوي عنه أي عبد الله بن يزيد المقري من المقال وأخرجه ابن ماجة وإنما اقتصر الشيخ على عزو الحديث لابن السني لأنه لم يقع في روايته وصف الثوب بالجدة لكنه حديث واحد قصر فيه بعض الرواة والله أعلم اهـ. قوله: (عن معاذ بن أنس رضي الله عنه) وهو كما في الاستيعاب معاذ بن أنس الجهني الأنصاري صحابي نزل مصر وبقي إلى خلافة عبد الملك. قوله: (غَفَرَ الله لَهُ مَا تقدم من ذنبه لم سبق في رواية أبي داود وما تأخر، والمكفر بصالح العمل إنما هو الصغائر المتعلقة بحق الله سبحانه أما الكبائر وتبعات العباد فلا إذ الأولى لا يكفرها إلاَّ التوبة أو فضل الله والثانية لا يكفرها إلاّ رضا صاحبها وإرضاء الله إياه أو بفضله يصفح عنه ما جناه. باب ما يقول إذا لبس ثوباً جديداً أو نعلاً أو شبهه قوله: (أن يقول إلخ) أي يقول ما سبق وما تضمنه حديثاً الباب. قوله: (استجِدّ ثوباً) أصله

سماه باسمه عمامةً أو قيمصاً أو رداءً، ثم يقول: اللهُم لَكَ الحَمُدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ صيره جديداً والمراد هنا لبس ثوباً جديداً. قوله: (سمَّاه باسمه عمامةِ) قال ابن حجر في شرح الشمائل يؤخذ من هذا أن تسمية ذلك ونحوه باسم خاص سنة وهو ظاهر وإن لم أو لأصحابنا فيه كلاماً وعجيب قول بعضهم المراد بسماه أنه يقول هذا ثوب هذه عمامة مثلاً اهـ، وتعقب في أخذ الحكم بأنه مرتبة اجتهادية والمجتهد مفقود من المائة الرابعة ويكفي في رده إن الأصحاب لم يذكروه وفيما تعجب منه بأن ما ذكره ذلك القائل ظاهر الحديث يوافقه إذ المتبادر من سماه أنه الموضوع له لغة من عمامة وقميص ورداء مثلاً وكونه باسم خاص بعيد عن الظاهر ولك أن تدفعه أما الأول فإن المجتهد المفقود حينئذٍ المجتهد المستقل لا غيره إذ الاجتهاد فرض كفاية فلا بد من القيام به على أن بعض أشياخنا ينازع فيما ذكر بأنه لا يلزم من عدم الاطلاع على المجتهد المستقل فيما ذكر عدم وقوعه ويجاب بأن ذلك لما كان هو الأصل خصوصاً وعدم النقل فيما تتوفر الدواعي على نقله آية عدمه وقوله ولم أر لأصحابنا فيه كلاماً لا يقتضي رده لأنه لم يذكر أنهم نصوا على خلافه أو أنهم نفوه بل نفى اطلاعه على كلام الأصحاب في ذلك ولا يلزم من ذلك عدمه في نفس الأمر وإن اقتضى ذلك بالنظر إلى سعة إطلاعه ويؤيد ما أشار إليه من استحباب ذلك ما جاء أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يضع لكل ثوب من ثيابه اسماً خاصاً كخبر كانت له عمامة تسمى السحاب على أن ما جرى منه جرت به عادة شراح الحديث فيقولون يؤخذ من الحديث كذا وكذا ويذكرون من الأحكام ما بعضه مسطور وبعضه غير مذكور ومرادهم أن هذا الخبر يقتضي هذا ما لم يعارضه معارض فهم لا يجزمون بالحكم المأخوذ من الأخبار لاحتمال وجود ما يعارضه بخلاف أخذ المجتهد للحكم منه فإنه يجزم بما يظهر له بنظر الاجتهاد ولا ينظر إلى ذلك الاحتمال وأما ما تعجب منه ففي محله لأن ألفاظ الشارع تصان عن الخلو عن الفائدة وأي

أنْتَ كَسَوْتَنِيهِ، أسألكَ خَيرَهُ وخَيرَ ما صُنعَ لَهُ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ" حديث صحيح، رواه أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، وأبو عيسى محمد بن عيسى بن سَوْرة الترمذي، وأبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي في "سننهم" ـــــــــــــــــــــــــــــ فائدة في قوله هذا قميص أو عمامة مما لا يجهله المخاطب نعم يحتمل أن المراد أنه كان يسميه باسم جنسه كان يقول هذا الثوب القطن أو قطره كالثوب القطري أو صانعه كما قال الصحابة. وكان فصه يعني فص خاتمه حبشياً ويفعل ذلك لحصول التمييز عند استدعائه لشيء منها. قوله: (أَنْتَ كسَوْتَنَيه) هذه الجملة تعليل للجملة السابقة أعني لك الحمد وكذا للجملة اللاحقة أعني أسألك خيره وخير ما صنع له قال بعض شراح الشمائل اللام فيه للعاقبة أي أسألك ما يترتب على خلقه من العبادة وصرفه فيما فيه رضاك وأعوذ بك من شر ما يترتب عليه مما لا ترضى به الخيلاء والكبر وكوني أعاقب به لحرمته وقال ابن حجر اللام فيه نظير اللام في "وخير ما بنيت له" إذا أشرف على بلدة أي للتعليل والمراد ما صنع لأجله من خير كحله وصلاح نية فاعله أو شر كضد ذلك والخير في المقدمات يستدعي الخير والمقاصد وكذا الشر وشاهده "وإنما يلبس علينا صلاتنا قوم لا يحسنون الطهور" اهـ. وقال ميرك خير الثوب نقاؤه وكونه ملبوساً للضرورة والحاجة لا للفخر والخيلاء وخير ما صنع له هو الضرورات التي من أجلها يصنع اللباس من الحر والبرد وستر العورة والمراد من سؤال الخير في هذه الأمور أن يكون مبلغاً إلى المطلوب الذي لأجله صنع الثوب من العون على العبادة والطاعة لمولاه وفي الشر عكس المذكورات وهو كونه حراماً أو نجساً أو لم يبق زماناً طويلاً أو يكون سبباً للمعاصي والشرور اهـ. ومعنى أعوذ أعتصم وألتجئ وسيأتي زيادة فيه. قوله: (حديث صحيح) وفي بعض

قال الترمذي: هذا حديث حسن. ـــــــــــــــــــــــــــــ النسخ "حديث حسن" قال الحافظ بعد إن خرجه من طريقين الأولى عن ابن المبارك عن سعيد الجريري عن أبي نضرة هو المنذر بن مالك عن أبي سعيد الخدري والثانية من طريق الطبراني في كتاب الدعاء عن عيسى بن يونس عن الجريري فذكره لكنه قال كسوتني هذا الثوب ذلك الحمد ولم يقل قميصاً أو عمامة أو رداء والباقي سواء: هذا حديث حسن أخرجه من الطريق الأولى أحمد وعلي بن إسحاق وأبو داود والترمذي كلهم ينتهون إلى ابن المبارك قال الترمذي وفي الباب عن عمر وابن عمر وأخرجه من الثانية أبو داود والترمذي أيضاً والنسائي كلهم من طريق عيسى بن يونس ثم أخرجه النسائي من طريق حماد بن سلمة عن الجريري عن أبي العلاء عبد الله بن الشخير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال هذا أولى بالصواب من رواية عيسى بن يونس فإنه سمع من الجريري بعد الاختلاط وسماع حماد منه قديم ولذا أشار أبو داود إلى هذه العلة وأفاد علة أخرى وهي أن عبد الوهاب الثقفي رواه عن الجريري عن أبي نضرة مرسلاً لم يذكر أبا سعيد وغفل ابن حبان والحاكم عن علته فصححاه أخرجه ابن حبان من رواية عيسى عن يونس ومن رواية خالد الطحان وأخرجه الحاكم من رواية أبي أسامة كلهم عن الجريري وكل من ذكرناه سوى حماد والثقفي سمعوا من الجريري بعد اختلاطه فعجب من الشيخ كيف جزم بأنه حديث صحيح ويحتمل أنه صحح المتن لمجيئه من طريق آخر حسن أيضاً اهـ، وكأن هذا الذي أشار إليه الحافظ وجه ما يوجد في بعض نسخ الأذكار من قوله حديث حسن كما تقدمت الإشارة إليه. قوله: (قال الترمذي هذا حديث حسن) قال في السلاح واللفظ أي لفظ هذه الرواية للترمذي اهـ، والحكم بالحسن مصرح به في كلام الترمذي مأخوذ من سكوت أبي داود عن تضعيفه وتقدم إن مثل ذلك حسن عنده وقد زاد أبو داود قال أبو نضرة وكان أصحاب رسول الله

وروينا في كتاب الترمذي عن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ لَبِسَ ثَوْباً جَدِيداً فَقالَ: الحَمْدُ لِلهِ الَّذِي كَسانِي ما أوَارِي بهِ عَوْرَتِي، وأَتَجَمَّلُ بهِ في حَياتي، ثُمَّ عَمَدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ - صلى الله عليه وسلم - إذا لبس أحدكم ثوباً جديداً قيل تبلى ويخلف الله وقد أخرج حديث الباب الحاكم ...

باب ما يقول لصاحبه إذا رأى عليه ثوبا جديدا

إلى الثَّوْبِ الَّذِي أخْلَقَ فَتَصَدَّقَ بِهِ، كانَ في حِفْظِ اللهَ وفي كَنَفِ الله عَزَّ وَجَلَّ، وفي سَبيلِ الله حَياً وَميتاً". باب ما يقول لصاحبه إذا رأى عليه ثوباً جديداً وروينا في "صحيح البخاري" عن أمّ خالد بنت خالد رضي الله عنها قالت: أُتيَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثياب فيها خميصة سوداء، قال: "مَنْ تَرَوْنَ نَكْسُو هَذِهِ الخَمِيصَةَ"؟ فسكت القوم، فقال: "ائتوني بأم خالِدٍ" فأُتِيَ بي النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فألبسنيها بيده، وقال: ـــــــــــــــــــــــــــــ باب ما يقول لصاحبه إذا رأى عليه ثوباً جديداً قوله: (أم خالدٍ) .. ابن العوام فخالد الأول أموي والثاني أسدي اهـ، وكذا قال الحافظ في الأمالي أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص لكن في السلاح عن أم خالد بنت خالد بن أسيد وأسيد بفتح الهمزة. قوله: (فيها خَمِيصَة سَودَاء) زاد البخاري في بعض طرقه صغيرة وأخرجه كذلك في أسد الغابة والخميصة كما في كشف المشكل كساء من خز أو صوف وفي النهاية هي ثوب خز أو صوف معلم وقيل لا تسمى خميصة إلاَّ أن تكون سوداء معلمة وكانت من لباس الناس قديماً اهـ، وفي الصحاح قريب منه. قوله: (فَأسْكَتَ القومُ) قال القاضي عياض أي سكتوا يقال سكت وأسكت بمعنى اهـ ويؤيده أنه في رواية فسكت القوم بحذف الألف وفي نسخة بالبناء للمفعول. قوله: (فأُتِي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أي محمولة كما في رواية. قوله:

"أبْلِي، وأخْلِفِي"، مرَتين. ـــــــــــــــــــــــــــــ (أبلي وأخلقي) وتتمة الخبر كما في باب اللباس البخاري فجعل ينظر إلى علم الخميصة زاد في رواية وكان أخضر أو أصفر ويشير بيده إلي ويقول أم خالد هذا سنا والسنا بلسان الحبشة الحسن قال إسحاق حدثتني امرأة من أهلي أنها رأته على أم خالد وفي البخاري أيضاً في كتاب اللباس قال عبد الله بن المبارك وبقيت أي أم خالد حتى دكين وحذفه المصنف لعدم تعلقه بفرضه ويجوز الاقتصار على بعض الخبر إذا كان لا يتعلق المذكور بالمحذوف بأن لم يكن غاية أو استثناء أو نحو ذلك وإلَّا فيمتنع كما قاله الأصوليون وتقدم بيانه في أوائل الكتاب وأنه يسمى بالجزم ودكن من الدكنة بالمهملة والكاف والنون لون يضرب إلى السواد أي عاشت طويلاً حتى تغير لون قميصها إلى الاسوداد وفي بعض نسخ حتى ذكرت أي بقيت حتى ذكرت دهراً طويلاً وفي بعضها بصيغة المجهول أي صارت مذكورة عند الناس لخروجها عن العادة وفي بعضها ذكر بصيغة المذكر مجهولاً والضمير للقميص ومعروفاً والضمير له أيضاً أو للراوي أي حتى ذكر ما نسي من طول مدته ذكره الكرماني، وقوله أبلي واخلقي أمر من الإبلاء والإخلاق فتكون همزته همزة قطع قال الكرماني ويجوز أن يكونا من الثلاثي وهما بمعنى يقال بلي الثوب يبلى بلاء بالكسر وخلق كشرف يخلق خلوقة أي بلي وأبلى وبلى وأخلق وخلق بمعنى انقطع كما قال الكرماني وقال فإن قلت ما قولك في عطف ثم أبلي وأخلقي على مثله ولا تفاوت لا لفظاً ولا معنى قلت في المعطوف تأكيد وتقوية ليس في المعطوف عليه كقوله تعالى: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر: 3] اهـ. قال ابن الجوزي هذا أمر بمعنى الدعاء كناية عن طول العمر أي للمخاطب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ به بطول حياته حتى يبلى الثوب ويخلقه قال الجوزي وهو بالقاف وربما صحف بعض المحدثين وأخلفي بالفاء وفي شرح العمدة لابن جمعان خلافه نقلا عن ابن بطال قال من رواه بالقاف فهو تصحيف والمعروف وأخلفي بالفاء يقال خلفت الثوب إذا أخرجت باليه فمعنى ابل واخلف عش تخرق ثيابك وارقعها هذا كلام العرب اهـ. وفي النهاية حديث أم خالد قال لها أبلي وأخلفي يروى بالقاف والفاء فالقاف من أخلاق الثوب تقطيعه وأما الفاء فمعنى العوض والبدل وهو الأشبه اهـ، وذكر الوجهين في السلاح ولم يرجح واحداً مهما إلاَّ أنه قدم الفاء في الذكر على القاف وقضية كلام السيوطي في التوشيح أن القاف رواية الأكثرين والفاء رواية السروري من الإخلاف اهـ. (وسنه) بفتح المهملة وخفة النون بدون الألف معناه حسنة ولعلها بعينها صارت معربة بزيادة الحاء عليها وإنما كان غرض النبي - صلى الله عليه وسلم - من التكلم بهذه الكلمة الحبشية استمالة قلبها لأنها كانت قد ولدت بأرض الحبشة "فإن قلت" ورد أنها قالت أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى قميص أصفر فقال سنه ثم قال أبلي وأخلفي "قلت" لا تنافي لاحتمال أنه - صلى الله عليه وسلم - حسنها ودعا لها بالإبلاء لها قاله الكرماني وتقدم عنه في الباب نظير ذلك. فائدة قال الشيخ تقي الدين بن الصلاح من القرب لبس الخرقة وقد استخرج لها بعض المشايخ أصلاً من هذا الحديث قلت أشار به إلى السهروردي فإنه ذكره في عوارف المعارف فقال وأصل لبس الخرقة من السنة هذا الحديث قال ولبس الخرقة ارتباط بين الشيخ والمريد وتحكيم من المزيد للشيخ في نفسه والتحكيم سائغ في الشرع لمصالح دنيوية فكيف ينكر هذا فيلبسه الخرقة إظهاراً للتصرف فيه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيكون لبس الخرقة علامة للتفويض والتسليم ودخوله في حكم الشيخ ودخوله في حكم الله وحكم رسوله وإحياء سنة المبايعة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال ولا خفاء أن ليس الخرقة على الهيئة التي تعتمدها المشايخ في هذا الزمان لم يكن في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما هو من استحسان الشيوخ ويد الشيخ في لبس الخرقة تنوب مناب يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد رأينا من المشايخ من لا يلبس الخرقة ويسلك بأقوام من غير لبسها وكان طبقة من السلف الصالحين لا يعرفون لبس الخرقة ولا يلبسونها للمريدين فمن يلبسها فله مقصد صحيح وأصل في السنة وشاهد من الشرع ومن لم يلبسها فله رأيه وكل تصاريف المشايخ محمولة على السداد والصواب ولا تخلو عن نية صالحة اهـ، وفي المواهب اللدنية من قال إن علياً البس الخرقة للحسن البصري فمن الكذب المفترى فإن أئمة الحديث لم يثبتوا للحسن سماعاً من علي فضلاً عن إلباسه الخرقة قاله الدمياطي والذهبي والعلائي ومغلطاي والعراقي والابناسي والحلبي وآخرون مع كون جماعة منهم لبسوها تشبهاً بالقوم اهـ، لكن نقل الفاكهي فيما ألفه من مناقب الشيخ أحمد بن حجر الهيتمي عن الشيخ ابن حجر الهيتمي نفسه أنه صحح سند اتصالها من الحسن بعلي تبعاً للحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب ونقل التصحيح عن جمع من المتأخرين كالحافظ السيوطي وقال ممن أثبت سماع الحسن من علي الحافظ أيضاً في المختارة وتبعه عليه الحافظ في التهذيب ثم قال ابن حجر الهيتمي في معجمه بعد أن ذكر أشياء فإذا تأملت ما ذكرته علمت إن ما عليه الصوفية من أسانيدهم التي تنتهي إلى الحسن البصري لا مطعن ولا إنكار عليهم فيها وأطال في تأييد ذلك ورد على من خالفه اهـ، كلام الفاكهي وكأن الحافظ السيوطي اختلف كلامه في المسألة وإلا فالذي في رسالته التي ألفها في الخرقة مثل ما في المواهب وكذا وافق ابن حجر الهيتمي

وروينا في كتابَي ابن ماجة، وابن السني، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى على عمر رضي الله عنه ثوباً فقال: "أجَدِيد ـــــــــــــــــــــــــــــ في شرح الشمائل القوم فيما قالوه من أن اتصالها من طريق الحسن باطل وفي رسالة الخرقة وحاشية سنن أبي داود كلاهما للحافظ السيوطي بعد ما قدمه عن السهروردي "قلت" وقد استنبطت للخرقة أصلاً أوضح من هذا الحديث وهو ما أخرجه البيهقي في شعب الإيمان من طريق عطاء الخراساني إن رجلاً أتى ابن عمر يسأله عن إرخاء طرف العمامة فقال له عبد الله بن عمر إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث سرية وأمر عليهم عبد الرحمن بن عوف وعقد له لواء وعلى عبد الرحمن بن عوف عمامة من كرابيس مصبوغة سوداء فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحل عمامته بيده وأفضل من عمامته موضع أربع أصابع أو نحو ذلك فقال هكذا فاعتم فإنه أحسن وأجمل زاد في حاشية السنن فهذا أوضح في كونه أصلاً للخرقة من حيث إن الصوفية إنما يلبسون من يلبسونه طاقاً لا ثوباً عاماً لجميع البدن وإن حديث أم خالد في إلباس عطاء كسوة وهذا في إلباس تشريف وهو السبب بلبس الخرقة وإن لبس الخرقة فيه نوع من المبايعة كما أشار إليه السهروردي وأم خالد كانت صغيرة لا تصلح للمبايعة بخلاف حديث عبد الرحمن بن عوف اهـ، مع يسير اختصار. قوله: (وروَينا في كِتاب ابن ماجة وابن السني) زاد أحمد وإسحاق في مسنديهما آخره ويرزقك الله قرة عين في الدنيا والآخرة لكن أبدلا قوله بل غسيل بقولهما فلا أدري ما رد عليه ورواه باللفظ المذكور في الأصل النسائي في الكبرى وابن ماجة وليس في روايتهما الزيادة التي في آخره ورجال إسنادهما رجال الصحيح لكن أعله النسائي فقال هذا حديث منكر

هَذا أمْ غَسِيلٌ"؟ فقال: بل غسيل، فقال: ـــــــــــــــــــــــــــــ أنكره يحيى القطان على عبد الرزاق قال النسائي وقد روي أيضاً عن معقل يعني عن الزهري وروي عنه مرسلاً قال وليس هذا من حديث الزهري قال الحافظ وجدت له شاهداً مرسلاً أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف عن عبد الله بن إدريس عن أبي الأشهب بنحو حديث أحمد وأبو الأشهب جعفر بن حبان العطاردي وهو من رجال الصحيح سمع من كبار التابعين وهذا يدل على إن للحديث أصلاً وأقل درجاته أنه يوصف بالحسن قال الحافظ وعجيب في اقتصار الشيخ في عزوه إلى ابن ماجة وابن السني وقد جرى ابن حبان على ظاهر السند أي عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عن أبيه رضي الله عنه فأخرج الحديث المذكور في صحيحه عن محمد بن الحسن بن قتيبة عن محمد بن أبي السري عن عبد الرزاق بالسند المذكور وأفاد إن الزيادة التي في آخره مدرجة في الإسناد المذكور، ولفظه بعد قوله ومت شهيداً: قال عبد الرزاق زاد فيه الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد ويعطيك الله قرة عين في الدنيا والآخرة قال الحافظ وقع في الطبراني في الدعاء من رواية المهرقاني والرازي والمروزي كلهم عن عبد الرزاق عن الثوري عن عاصم بن عبيد الله عن سالم عن ابن عمر قال فذكر نحوه قال الطبراني فوهم فيه عبد الرزاق وحدث به بعد إن عمي والصحيح عن معمر عن الزهري ولم يحدث به عن عبد الرزاق هكذا إلاَّ هؤلاء الثلاثة اهـ، ثم ظاهر إدراج هذا الحديث في هذا الباب أنه يستحب الإتيان بهذا الذكر لمن رأى على غيره ثوباً جديداً وكأن وجهه إن قوله البس جديداً وإن كان أمراً لفظاً فهو دعاء معنى بحصول الغنى المتسبب عنه لبس الجديد والإنفاق في سبيل الله الذي يعيش به حميداً ويموت شهيداً وبه يندفع ما يقال الموت شهيداً ليس في قدرته فكيف يؤمر به وقد حصل لسيدنا عمر رضي الله عنه كونه عاش حميداً ومات شهيداً قتله أبو لؤلؤة المجوسي غلام المغيرة كما سبق بيانه. قوله: (فقال النبي - صلى الله

باب كيفية لباس الثوب والنعل وخلعهما

"الْبَسْ جَدِيداً، وَعِشْ حَمِيداً، وَمُتْ شَهِيداً". باب كيفية لباس الثوب والنعل وخلعهما يستحبُّ أن يبتدأ في لبس الثوب والنعل والسراويل وشبهها باليمين من كُمَّيه ورجلي السراويل ويخلع الأيسر، ثم الأيمن، وكذلك الاكتحال، ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم - ألبسك الله جديداً إلخ) قال عبد الرزاق زاد فيه الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد ويعطيك الله قرة العين في الدنيا والآخرة قال وإياك يا رسول الله أخرجه أبو حاتم كذا في الرياض النضرة. باب كيفية لباس الثوب والنعل وخلعهما قوله: (في لبس الثوب إلخ) التيامن في لبسه ما ذكر بإدخال اليد اليمنى في كم الثوب والرجل اليمنى في كل من النعل والسراويل وما أشرف إليه من كون اللبس مصدراً مضافاً للمفعول أقرب مما يشير إليه قوله باليمين من كميه إلخ، من كونه مصدراً مبنياً للمفعول "فإن قلت" الخارج من المسجد يتعارض في حقه سنتان تقديم اليسرى نظراً لكونه خارجاً منه وتقديم اليمنى لكونه لابساً للنعل "قلت" لا تعارض وذلك بأن يقدم رجله اليسرى في الخروج ويجعلها على ظهر النعل ثم يخرج اليمنى ويدخلها النعل وعند الدخول للمسجد بالعكس وأفاد ابن الجوزي إن من واظب على الابتداء باليمين في لبس النعل وباليسار في الخلع أمن من وجع الطحال. قوله: (ويخلع اليسرى) أي بتقديم إخراج اليد اليسرى من الكم والرجل اليسرى من النعل والسراويل وإذا أراد الدخول إلى المسجد فيقدم نزع اليسرى ويجعلها على ظهر النعل وينزع اليمنى ويدخلها المسجد كما مر آنفاً وإنما يبدأ باليسرى في النزع لأن بقاء العضو في ملبوسه كرامة له والأحق بها الأيمن. قوله: (وكذلك الاكتحَالُ) المشار إليه بذلك لبس الثوب وما بعده والواو إما عاطفة

والسواك، ـــــــــــــــــــــــــــــ للجملة الاسمية على الفعلية وإما استئنافية ويقويه قوله آخراً فكله يفعله باليمين وفي الإمداد السنة في الاكتحال أن يكحل اليمنى ثلاثا ولاء ثم اليسرى كذلك اهـ، وكأن الفرق بينه وبين طلب الفضل في المضمضة والاستنشاق مع كونهما عضوين تقاربهما وتنافدهما والعينان وإن تقاربا إلا أنهما غير متنافذين فإن الأصح عند المتكلمين إن العصبتين المجوفتين المودع فيهما القوة التي يدرك بها البصر تتلاقيان ثم تفترقان فيهما كالدالين المتلاقى منهما منتهى الاعوجاج هكذا، والله أعلم. قوله: (والسواك) يطلق على الآلة التي يستاك بها ومنه قول بعضهم وقد أحسن: بالله إن جزت بوادي الأراك ... وقبلت أغصانه الخضر فاك فأبعث إلى المملوك من بعضها ... فإنني والله ما لي سواك وقول آخر: طلبت منك سواكا ... وما طلبت سواكا لكن طلبت أراكا ... وما طلبت أراكا وعلى الفعل أي استعمال عود أو نحوه من كل خشن في الأسنان لإزالة ما عليها وهو بكل من المعنيين يطلب فيه التيامن لكن مع الخلاف فيه بالإطلاق الأول فقال بعضهم يأخذ باليد اليسرى لأنه لإزالة القذر وفصل آخر بين إن يكون القصد به إزالة القذر فيكون باليسرى أو التكريم فاليمنى والمختار ما أشار إليه المصنف من التيامن فيه على كل حال اعتباراً بشرف محله والمقصود به والمستقذر إنما يكون باليسرى إذا كانت اليد تباشر القذر حساً كما في الاستنجاء أو حكماً كالامتخاط لأن المخاط ربما يصيب اليد فكان باليسرى والسنة في الفعل أن يبدأ بالجانب الأيمن من أسفل وأعلى ثم بالأيسر كذلك ووقع في حاشية شرح الروضة إن أبا مخرمة قال في الخادم: وغلط بعض الناس يعني الإسنوي فنقل عن المصنف أنه قال في الأذكار والروضة والمجموع يستحب الاستياك باليمنى قلت لم يتعرض

وتقليم الأظفار، وقصّ الشارب، ونتف الإبط، وحلق الرأس، والسلام من الصلاة، ودخول المسجد، ـــــــــــــــــــــــــــــ في الكتب الثلاثة إلَّا لكون الابتداء في السواك بجانب فمه الأيمن أما كونه باليد اليمنى أو اليسرى فلم يتمرض له اهـ، وفيه إن عبارة الأذكار كالمصرحة بما أشار إليه الإسنوي ألا ترى قوله بعد فكله يفعله باليمين. قوله: (وتقليمُ الأظافر) أي ويبدأ من اليمين بالمسبحة إلى الخنصر ثم يختم بإبهامها ومن اليسرى بالخنصر إلى الإبهام وفي الرجلين بخنصر اليمنى إلى خنصر اليسرى كما ذكره الغزالي إلاّ أنه قال يؤخر إبهام اليد اليمنى إلى تمام اليد والوجه كما قال غير واحد ما قلناه ثم التقليم مصدر قلم من القلم وهو القطع قال الجوهري قلمت ظفري بتخفيف اللام وقلت أظفاري أي بالتشديد للتكثير والمبالغة والقلامة ما يسقط منه والأظافر جمع ظفر بضم الظاء المعجمة والفاء وبسكونها وحكي كسرها وأنكره ابن سيده وحكي اظفور كعصفور والمراد قلم ما طال عن اللحم من الظفر. قوله: (وحَلقُ الرأس) وهل العبرة فيه بيمين الحالق أو يمين المحلوق الذي اختاره أصحابنا الأخير وعبارة المجموع للمصنف يستحب أن يبدأ بحلق شعر رأسه الأيمن من أوله إلى آخره ثم الأيسر اهـ. وقال صاحب الغاية من الحنفية تعتبر البداة بيمين الحالق لا المحلوق ويبدأ بشق المحلوق الأيسر اهـ. قوله: (والسلامُ من الصلاة) أي إذا أتى بهما كما هو السنة فيبدأ باليمين ويلتفت حتى يرى خده الأيمن ثم باليسار كذلك والسنة ابتداؤه في كل مستقبلا وانتهاؤه مع تمام الالتفات فإن اقتصر على الفرض فهل يجعلها لجانب اليمين أو تلقاء وجهه قضية كلام أصحابنا يجعلها لليمين حينئذٍ. قوله: (ودخولُ المسْجِدِ) أي ولو من مسجد آخر إن كان الثاني أفضل كالكعبة مع باقي المسجد الحرام وإلا فيتخير ومنه صعود الخطيب للمنبر كما في التحفة وفي شرح العباب ويتجه في دخول الإنسان لبيته ونحوه أنه يقدم اليمنى دخولاً واليسرى خروجاً ما لم يتصل بمسجد فيراعي

والخروج من الخلاء، والوضوء، والغسل، ـــــــــــــــــــــــــــــ المسجد اهـ. قوله: (والخروج من الخلاء) أي فيقدم اليمنى ولو إلى محل مستقذر كان يكون بلصق الخلاء سوق إذ السوق كالخلاء وإن كان محل عبادة كالمسعى كما في شرح العباب لأن الخلاء أقذر ولذا قدم اليسرى عند الخروج من السوق إلى الخلاء والخلاء بالفتح والمد أصله المكان الخالي ثم خص بما تقضى فيه الحاجة وقيل هو اسم شيطان لحديث يدل له. قوله: (والوضوء) فيقدم نحو أقطع اليمين في جميع أعماله والسليم اليمين من اليدين والرجلين لا الخدين والجبينين والأذنين وجانبي الرأس بل يطهران معاً قال المصنف وأجمع العلماء على إن تقديم اليمين على اليسار من اليدين والرجلين في الوضوء سنة لو تركه فاته الفضل وصح وضوءه وقالت الشيعة هو واجب ولا اعتداد بخلاف الشيعة، ونظر القلقشندي في دعوى الإجماع على الاستحباب بأن الدارمي حكى الإيجاب عن أبي هريرة الصحابي وفي كلام الرافعي ما يوهم إن أحمد قال به وغلط الشريف المرتضى فنسب القول بوجوبه للشافعي لأن اليدين والرجلين بمنزلة العضو الواحد وأنهما جمعا في القرآن حيث قال وأيديكم وأرجلكم ووقع في كلام البندنيجي والعمراني نسبة وجوب التيامن إلى الفقهاء السبعة وهو تصحيف من الشيعة اهـ، ولك إن تقول ما ذكر لا يقترح في الإجماع أما ما ذكر عن أبي هريرة فإن ثبت فعل الإجماع وقع بعد وفاته والأصح انعقاده بعد الخلاف وأما ما نقل عن أحمد فليس بالصريح وإنما هو احتمال فلا يدافع به النقل الصحيح والله أعلم. واعلم إن الابتداء باليسار وإن كان مجزئاً لكنه مكروه نص عليه الشافعي في الأم وقد ثبت إذا توضأتم فابدؤوا بأيامنكم. قوله: (والغَسلُ) بفتح الغين مصدر غسل أو اسم مصدر اغتسل وبضمها مشترك بينهما وبين الماء والذي يغسل به وبكسرها اسم لما يغتسل به من صدر ونحوه والفتح من المصدر واسمه أشهر من الضم وأفصح لغة لكن الضم أشهر في كلام الفقهاء

والأكل، والشرب والمصافحة، واستلام الحجر الأسود، وأخذ الحاجة إنسان، ودفعها إليه، ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن قلت ما الفرق بين كونه مصدراً أو اسم مصدر قلت الفرق أنه إذا جعل متصدراً كان عاماً في الآدمي وغيره وإذا جعل اسم مصدر كان خاصاً بالآدمي كذا رأيته منقولاً عن الشيخ نور الدين الزيادي وقال أنه سأل عنه شيخه عبد الحميد السمهودي فأفاده بما ذكر ونقله عن الشرف المناوي وقال أنه من الفوائد العزيزة النقل، والسنة في غسل الحي بعد تعهد الرأس وإفاضة الماء عليه وتخليله، غسل الشق الأيمن من البدن المقدم والمؤخر ثم الأيسر كذلك أما الميت فيغسل المقدم الأيمن ثم الأيسر ثم يجعله على جانبه الأيسر ويغسل المؤخر الأيمن ثم الأيسر وفارق الحي الميت بأن ما ذكر في الحي لو فعل في الميت لاستلزم تكرر قلبه وفيه مشقة. قوله: (والأكملِ) سيأتي حكاية خلاف في الأصل في أدب الأكل في وجوبه قال بعضهم يستثنى ما يجمع فيه بين اليمين واليسار من أكل حار وبارد كما جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه أكل قثاء برطب هذا بيد وهذا بيد مستثنى من كراهة الأكل بالشمال. قوله: (والشُّرب) بضم الشين إدخال المائع الجوف أي فيأخذ نحو الشربة باليد اليمنى. قوله: (واستلام الحجرِ الأسودِ) ومثله استلام الركن اليماني فيكون باليمين إن لم يكن بها مانع وإلا فيكون باليسرى وفارق عدم الإشارة بالمسبحة في التشهدين من اليسرى عند قيام مانع بمسبحة اليمنى لأن لها في الصلاة عملاً صالحاً يفوت بتحركها عند التشهد ولا كذلك هنا والاستلام افتعال قيل من السلام بالفتح بمعنى التحية وقيل من السلام بالكسر بمعنى الحجارة وسيأتي في الحج إن شاء الله تعالى مزيد بيان. قوله: (وأخذِ الحاجة من إنسان ودفعها إليه) أي ما لم تكن

وما أشبه هذا، فكله يفعله باليمين، وضده باليسار. روينا في صحيحي البخاري، وأبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري عن ـــــــــــــــــــــــــــــ الحاجة مستقذرة وإلا كأحجار الاستنجاء فتكون باليسار قال المصنف في باب الانتعال من شرح مسلم فيما يستحب باليمين فعله أشياء إلى أن قال ودفع الصدقة وغيرها من أنواع الأشياء المستحسنة وتناول الأشياء الحسنة وعد فيما يستحب باليسار أشياء منها تناول أحجار الاستنجاء ومس الذكر وتعاطي المستقذرات وأشباهها اهـ. قوله: (وما أشبه هذا) أي من كل ما هو من باب التكريم وعد منه ابن حجر في شرح الشمائل دخول المنزل والظاهر أنه مما لا شرف فيه ولا خسة. قوله: (فكله يفعل باليمين) تكريماً لها والقول بأن تقد يم اليمين لكونها أقوى يخرج الأمر عن كونه شرعياً إلى كونه إرشادياً ولهذا رده بعض المحققين. قوله: (وضده) أي ما لم يكن من باب التكريم كدخول الخلاء والسوق والمستحم ومحل المعصية ومنه الصاغة ويحرم دخولها على ما أطلقه غير واحد وقيده المصنف في فتاويه بما إذا علم أن فيها أي حال دخوله كما هو ظاهر معصية كالربا ولم يكن له حاجة في الدخول قال ابن حجر في التحفة ومنه يؤخذ إن محل حرمة دخول كل محل به معصية كالزينة ما لم يحتج إليه اهـ. ثم ما لا تكرمة فيه ولا إهانة هل يبدأ فيه باليمين أو باليسار عبارة الأذكار ساكتة عن ذلك وقضية قول المصنف في المجموع ما كان من باب التكريم يبدأ فيه باليمين وخلافه باليسار أن يكون باليسار ويمكن حمل عبارة الأذكار عليه بأن يراد بالضد فيه الخلاف مجازًا والداعي عليه كون الكلام مبيناً لحكم جميع الأقسام بخلافه لو أبقيت على ظاهرها فإنها تكون ساكتة عن حكم الثالث كما مر وخالف الزركشي فقال ما لا تكرمة فيه ولا إهانة يكون باليمين أخذاً من قول الفقهاء اليسرى للأذى واليمنى لغيره واستوجهه ابن حجر في التحفة. قوله: (في صحيحي البُخاري ومسلم) قال

عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعجبه التيمُّنُ في شأنه كلّهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ القلقشندي في شرح العمدة هذا الحديث رواه أحمد وأصحاب الكتب الستة والطبراني والإسماعيلي وأبو عوانة والبرقاني والبيهقي وغيرهم اهـ. وكذا أخرجه ابن خزيمة من طريقين وأبو عوانة كما قال الحافظ وجاء عن عائشة من طرق كثيرة بنحوه. قوله: (يُعجبه التيمّن) هذا اللفظ للبخاري ولفظ مسلم يحب التيمن ومحبته لذلك لأنه كان يحب الفأل الحسن إذ أهل اليمين هم أهل الجنة وفي بعض روايات البخاري بما استطاع وبه يعلم إن محافظته على التيمن ما لم يمنع منه مانع والأكمل في المبايعة باليسرى عن عثمان رضي الله عنه في بيعة الرضوان لقيام المانع باليمين وهو كونها المبايع بها والتيمن بتشديد الميم من باب التفعل أي الابتداء باليمين. قوله: (في شأْنه كلِّهِ) متعلق بيعجبه أي يعجبه التيمن في شأنه أي الذي من باب التكريم لما في الحديث الآتي عقبه وفي فتح الباري تأكيد الشأن بقولها كله يدل على أنه عام لأنه رفع المجاز فيمكن أن يقال حقيقة الشأن ما كان فعلاً مقصوداً اهـ. قال القلقشندي وكلامه يؤول إلى أنه عام أريد به الخصوص ثم ذكر ما يدل على أنه عام مخصوص كما أشرت إليه لكن في كون كلام الفتح يقتضي إن الشأن عام أريد به الخصوص نظر، إذ هو على ما أشار إليه من قوله حقيقة الشأن إلخ، مختص بغير الاستنجاء لأنه ليس مقصوداً والشأن لا يشمله والتأكيد بكل التعميم لفظ الشأن في إفراد الفعل المقصود والله أعلم وتقديم هذا على قوله في طهوره وقع في رواية مسلم فيكون في طهوره بدل بعض من كل وفي رواية أخرى في طهوره وترجله وتنعله وفي شأنه كله بالواو في رواية أبي الوقت السجزي وبحذفها في رواية مسلم ومعظم روايات البخاري وذكر البخاري في الأطعمة من صحيحه عن سعيد إن شيخه أشعث بن سليم كان يحدث بالحديث جميعه تارة وتارة يقتصر

في طهوره وترجله ـــــــــــــــــــــــــــــ على قوله في شأنه كله وتارة على قوله في تنعله وترجله وطهوره وزاد الإسماعيلي في مستخرجه بسنده عن شعبة إن عائشة كانت تجمله تارة وتبينه أخرى اهـ، وعلى رواية في طهوره وترجله وتنعله وفي شأنه قال الطيبي في شأنه بدل من قوله في تنعله بإعادة العامل على رواية ثبوت الواو وذكر التنعل لتعلقه بالرجل والترجل لتعلقه بالرأس والطهور لكونه مفتاح العبادة فنبه على جميع الأعضاء فيصير كبدل الكل من الكل اهـ، وكان مراده أنه بدل من حيث المعنى لا من حيث الصناعة إذ العاطف يمنعه وعلى رواية حذف الواو قال الكرماني لا يصح إن يكون بدل كل من كل لأن الشأن أعم من هذه الثلاث ولا بدل بعض لأنه ليس بعضاً من المتقدم ولا بدل اشتمال إذ شرطه إن يكون بينهما ملابسة بغير الجزئية والكلية وهو منتف هنا ولا بدل غلط لأنه لا يقع في فصيح الكلام ثم قال هو بدل اشتمال والمراد بانتفاء الجزئية والكلية بينهما هما المذكورتان في بدل الكل وبدل البعض وهو إن لا يكون الثاني عين الأول ولا بعض الأول وهذا بعكس ذاك إذ الأول بعض الثاني أو هو بدل غلط وقد يقع فصيح الكلام قليلاً ولا منافاة بين الغلط والثلاثة إذ هو بدل كل عن كل وذكر ما تقدم عن الطيبي. قوله: (في طُهوره) بدل مما قبله كما سبق والطهور بضم الطاء لأن المراد به التطهير وقيل أنه بفتح الطاء أي الماء الذي يتطهر به ففيه حذف مضاف أي في استعمال طهوره. قوله: (وترجله) في النهاية الترجل والترجيل تسريح الشعر وتنظيفه وتحسينه اهـ. وقيل تسريح الشعر ودهنه قال المطرزي رجل شعره أي أرسله بالمرجل وهو المشط وترجل إذا صار كذلك بنفسه وعليه فيشكل التعبير في الخبر بالترجل إذ مقتضى القياس الترجيل بزيادة الياء قبل اللام وأجاب البرماوي إن الترجل من مادة تسريح الشعر فيكون هو أثر الترجيل فاكتفى به عن ذكر الترجيل قال وقول ابن الأثير الترجل والترجيل إلخ فيه تساهل إلاّ إن

وتنعُّله". وروينا في "سنن أبي داود" وغيره بالإسناد الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون سمع في اللغة على غير قياس والتيمن في الترجل البداءة بالشق الأيمن من الرأس في التسريح وكذا يبدأ بالأيمن منه في الدهن. قوله: (وتنعله) أي لبس النعل ووقع عند مسلم انتعاله وفعله بالإفراد والمراد بها الجنس قال المصنف في شرح مسلم وقع في بعض الأصول أي من مسلم نعله بالإفراد وفي بعضها بالتثنية وهما صحيحان ولم نر في شيء من نسخ بلادنا غير هذين الوجهين وذكر الحميدي والحافظ عبد الحق في كتابيهما الجمع بين الصحيحين تنعله بتاء مثناة ثم نون ثم عين مهملة مشددة وكذا هو في روايات البخاري وغيره وكله صحيح اهـ. وبه يعلم إن تنعله من إفراد البخاري والتنعل مصدر تنعل لبس النعل وهي الحذاء مؤنثة وتصغيرها نعيل والمراد بها البداءة بالرجل اليمنى وقيل اللبس باليد اليمنى وغلط قائله. قوله: (بالإسناد الصحيح) قال المصنف في الخلاصة بعد إيراده: صحيح ورواه أبو داود اهـ، وتردد فيه في شرح المهذب فقال حسن أو صحيح وقال الحافظ رجال إسناده من عبد الوهاب فصاعداً أخرج لهم مسلم فالإسناد على شرط الصحة كما قال المصنف ثم قال بعد نقل كلامه في الخلاصة والمجموع التحرير أنه حسن فإن فيه علتين الاختلاف على سعيد يعني ابن أبي عروبة في وصله وإرساله وفي زيادة راوٍ على السند الموصول وأخرجه أبو داود أيضاً من رواية عيسى بن يونس عن سعيد بإسقاط الأسود يعني الراوي له عن عائشة وأخرجه البيهقي من رواية محمد بن أبي عدي عن سعيد عن رجل لم يسم عن أبي معشر أي عن الأسود عن عائشة ورجح الدارقطني في العلل هذه الرواية فصار الحديث بسبب ذلك ضعيفاً من أجل المبهم وسعيد مع كونه مدلساً وقد عنعنه ممن اختلط وإنما قلت إن الحديث حسن لاعتضاده بالذي بعده اهـ، لكن قال ابن حجر في شرح المشكاة بعد

"كانت يدُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت، اليسرى لخلائه وما كان من أذى". وروينا ـــــــــــــــــــــــــــــ إيراد الخبر أنه معلول لكن يعضده الحديث الآتي يعني حديث عائشة السابق وفي كلام الحافظ إن ما بعده يجبر علته فيحصل له عاضدان فتأمله. قوله: (كانتْ يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلخ) قال المصنف في شرح مسلم نقلا عن المحققين كان لا يفيد التكرار اهـ. وقال ابن الحاجب تفيده وكذا ابن دقيق العيد لكن قال عرفاً وهو واضح وليس المراد أنها تفيده مطلقاً بل في مقام يقبل ذلك كذا قال بعض المحققين والخلاف إنما هو إذا وقعت في مقام الأفعال نحو كان يفعل أو يقول لكن في مقام الأوصاف ونحوها مما لا يفيد التكرار وحينئذٍ فالخبر بدل بناء على كونها تفيد التكرار عرفاً إن جعله اليمنى لكل ما هو من باب التكريم واليسرى لكل ما هو من باب الخسة أمر دائم لا ينفك عنه لقوله - صلى الله عليه وسلم - أدبني ربي فأحسن تأديبي كذا في فتح الإله وظاهر مما سبق إن المراد عند انتفاء المانع. قوله: (لطُهورِهِ وطعامِهِ) أي وما في معناهما مما هو من باب التكريم كما يدل عليه خبر كان يحب التيمن في شأنه كله المخصص عمومه بمنطوق نحو هذا الخبر أي إلا الخلاء وما كان من أذى. قوله: (اليسرى لخلائه) أي كانت اليد اليسرى للاستنجاء ويمكن إن يؤخذ من الخبر تقديم الرجل اليسرى أو بدلها عند دخول أو وصول الخلاء أو محل قضاء الحاجة من القضاء بأن يراد باليسرى ما يشمل اليد والرجل من استعمال المشترك في معنييه أو من عموم المجاز من أذى أي من النوع الذي يعد بالنسبة لِسائر الناس أذى من المخاط والبصاق والدم ونحوه فلاستقذار جنسه من باقي الناس جعل له - صلى الله عليه وسلم - اليسرى وأما بالنسبة إلى الحاصل منه فلا أذى ولذا كانوا يد لكون به وجوههم ويسارعون إليه وقد شرب ابن الزبير دم حجامته ومص مالك بن سنان

في "سنن أبي داود"، و"سنن البيهقي" عن حفصة رضي الله عنها: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجعل يمينه لطعامه وشرابه وثيابه، ويجعل يساره ـــــــــــــــــــــــــــــ دمه - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد وشربت أم أيمن بوله وهذا دليل على فقد الأذى منه إذ يحرم على الإنسان تناول كل مؤذٍ للبدن ومنه الريق بعد انفصاله من معدنه لا فيه فلا منع منه من حليلة وعدلت عن قولها من مستقذر إلى ما عبرت به لما في لفظ الاستقذار من البعد عن أن ينسب إليه - صلى الله عليه وسلم - فليس من مستقذر أصلاً قال العلماء من استقذر شيئاً مما أضيف إليه - صلى الله عليه وسلم - من الأحوال والأفعال فهو كافر والله أعلم. قوله: (في سنن أبي داود إلخ) وكذا أخرجه أحمد في مسنده كما في الجامع الصغير وقال الحافظ الحديث حسن أخرجه النسائي في الكبرى وأخرجه أبو داود من طريق أخرى عن حفصة وصححه ابن حبان والحاكم من طريق أبي داود قال الحافظ وفي تصحيحه نظر لأن في أيوب الإفريقي واسمه عبد الله بن علي مقالاً مع الاضطراب من شيخه عاصم في سنده أي فإنه تارة رواه عن رافع بن المسيب عن حفصة وتارة أدخل بين المسيب بن رافع وحفصة سواء وتارة رواه عن معبد بن خالد عن سواء عن حفصة وتارة رواه عن المسيب بن رافع ومعبد بن خالد عن حارثة بن وهب الخزاعي عن حفصة وقد تكلموا في حفظ عاصم قال الحافظ وإنما قلت أنه حسن لاعتضاده بما قبله اهـ. قوله: (عن حفصة) هي أم المؤمنين بنت عمر رضي الله عنهما روى أبو سعيد بإسناده عن عمر أنها ولدت قبل المبعث بخمس سنين وقريش تبني البيت وأمها وأم أخيها عبد الله زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة تزوجها خنيس بمعجمة فنون فتحتية فمهملة مصغراً ابن حذافة

لما سوى ذلك". وروينا عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا لبَسْتُمْ، وَإِذَا تَوَضأْتُمْ، فَابْدَؤُوا بأيامِنِكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وكان ممن شهد بدراً وهاجرت معه وتوفي عنها بالمدينة مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - من بدر وذكرها أبوها على أبي بكر وعثمان فلم يجبه واحد منهما إلى التزوج بها وكان أبو بكر اطلع على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يريد إن يتزوج بها ثم خطبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتزوجها سنة ثلاث وقيل سنة ثنتين من الهجرة في شعبان وقال ابن سعد تزوجها في شعبان على رأس ثلاثين شهراً قبل أحد ثم طلقها طلقة واحدة ثم راجعها بأمر جبريل وقال أنها صوامة قوامة وأنها زوجتك في الجنة وفي رواية صؤوم قؤوم وإنها من نسائك في الجنة وأوصى عمر إلى حفصة وأوصت هي إلى أخيها عبد الله روي لها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما قيل ستون حديثاً اتفقا منها على ثلاثة وقيل أربعة وانفرد مسلم بستة واختلف في وقت وفاتها فقال الواقدي في شعبان سنة خمس وأربعين عن ستين سنة وهو الصحيح وقال أبو معشر سنة إحدى وأربعين وقال أبو خيثمة أول ما بويع معاوية وكانت بيعته في جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين وقيل ماتت سنة سبع وعشرين وقيل ثمان وعشرين وقيل في خلافة عثمان وقيل سنة سبع وأربعين وقيل سنة خمسين. روى ابن سعد أن مروان بن الحكم صلى عليها وحمل بين عمودي سريرها من عند دار آل المغيرة بن شعبة ثم حملها أبو هريرة من دار المغيرة إلى قبرها ونزل في قبرها أخوها عبد الله وعاصم وبنو أخيها عبد الله وهم عبيد الله وسالم وحمزة رضي الله عنهم. قوله: (لما سوى ذلك) أي لما لم يكن من باب التكريم المذكور بعض أفراده من الطعام والشراب في اللباس وكأن الاقتصار عليها فيه لكونها أكثر ما يزاوله الإنسان. قوله: (بأيامنكم) وفي رواية بميامنكم أي لأن اليمين لما شرف ومنه لبس الثوب والتطهر وحكمته كما تقدم إظهار شرف اليمين وخسة

حديث حسن، رواه أبو داود، والترمذي، وأبو عبد الله محمد بن يزيد ـــــــــــــــــــــــــــــ غيرها ثم لفظ أبي داود "ميامنكم" وأورده كذلك البغوي في المصابيح وشرف السنة وفي موضع من المشكاة وهي في نسخة من الأذكار بأيامنكم والأيمن والميمنة خلاف الأيسر والميسرة. قوله: (حَديث حسن صحيح) وفي شرح المشكاة لابن حجر بعد إيراده إسناد حسن اهـ، ولعله لم يقف على كلام المصنف هذا أو لم يوجد في أصله منه قوله صحيح أو إن صحته لغيره فذكر وصفه الذاتي من الحسن وإلا فكيف يقتصر على قوله حسن بعد ذكر المصنف له ثم رأيت الحافظ قال بعد إيراده الحديث وتخريجه له هذا حديث صحيح غريب أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة وأخرجه الترمذي بلفظ آخر وذكر فيه علة ثم قال وهذا لا يقدح في رواية زهير بن معاوية يعني الذي في طريق أحمد وأبي داود وقد صحح الحديث من طريقه ابن حبان فأخرجه عنه وعجب للشيخ كيف تبعه في تصحيح الذي قبله مع ما فيه من علة ولم يتبعه في تصحيح هذا اهـ، وكأن أصل الحافظ ليس فيه تصحيح الحديث والله أعلم وفي شرح مسلم للمصنف وقد ثبت في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما بأسانيد جيدة عن أبي هريرة إذا لبستم وإذا توضأتم فابدؤوا بأيامنكم. ثم إن علماء الأثر استشكل بعضهم الجمع بين وصفي الحسن والصحة لحديث واحد بأنه جمع بين الضدين إذ المعتبر في الصحة أعلى أوصاف القبول وفي الحسن أدناها. وأجيب بأن الحديث الذي يقال فيه ذلك قسمان الأول ما تعددت طرقه فيحمل أحد الوصفين على أحد طرقه والثاني على الثاني وعلى هذا فيكون على تقدير واو العطف أي حسن وصحيح وما وصف بهما أعلى مما وصف بالصحة فقط لحوز الأول معها الحسن أيضاً والثاني ما كان فرداً فيحمل تعدد وصفيه على اختلاف مرتبته عندهم فقال بعضهم أنه حاز من القبول أعلى مراتبه فهو صحيح وقال آخرون لم يصل لذلك فهو حسن وعلى هذا

باب ما يقول إذا خلع ثوبه لغسل أو نوم أو نحوهما

هو ابن ماجة، وأبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، وفي الباب أحاديث كثيرة، والله أعلم. باب ما يقول إذا خلع ثوبه لغسل أو نوم أو نحوهما روينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سَتْرُ ما بيْنَ أعْيُنِ الجِنّ ـــــــــــــــــــــــــــــ فيكون على تقدير "أو" أي حسن أو صحيح وما وصف بالصحة أعلى مما وصف بهما لأن الصحة مجزوم بها في الأول بخلافها فيما ذكرناه والله أعلم. قوله: (هو ابن ماجة) يعني محمد صاحب السنن ابن ماجة فماجة لقب والده يزيد وقد بسطنا ما يتعلق بذلك في ترجمة ابن ماجة عند أول ذكره في الفصول وكان حق هذا التقرير المذكور في الأصل هنا إن يذكر هذا ويترك بعد حوالة عليه والله أعلم وكما رواه من ذكر أخرجه أحمد كما في المشكاة وفي الجامع الصغير إذا توضأتم فابدؤوا بميامنكم وعزاه إلى تخريج ابن ماجة من حديث أبي هريرة. قوله: (وفي الباب أحاديث كثيرة) يأتي بعضها في أدب الأكل ومنها في الصحيح حديث أبي هريرة مرفوعاً إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين الحديث ومنها ما أخرجه بسند جيد عن عبد الله بن أبي طلحة قال قال - صلى الله عليه وسلم - إذا أكل أحدكم فلا يأكل بشماله وإذا شرب فلا يشرب بشماله وإذا أعطى فلا يعطي بشماله أورده الحافظ. باب ما يقول إذا خلع ثوبه لغسل أو نوم أو نحوهما الظاهر أن يقال أو نحوه لأن العطف فيه بأو التي هي لأحد الشيئين إلا أن يقال أو هنا للتنويع لا للشك ونحوه مما يكون الحكم فيه لأحد الأمرين وإذا كانت للتنويع بمنزلة

وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ أنْ يَقُول الرَجُلُ المُسْلِمُ إذا أرَادَ أنْ يَطْرَح ثِيَابَهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ الواو فالمطابقة بعدها هو الأصل والإفراد بخلافه وقد صرح في المغني نقلاً عن الآمدي وقال أنه الحق بوجوب المطابقة بعد أو التي للتنويح اهـ. "أعلم" إن أئمتنا قالوا يحرم على المكلف كشف العورة وإن كان خالياً لكنها في الخلوة للرجل سوءتاه فقط وللحرة ما بين سرتها وركبتها بخلافها في الصلاة ونحوها وحرمة كشفها ما لم يكن لحاجة من غسل وقضاء حاجة ونحوهما وقد يحرم كشفها مع ذلك بأن يكون ثم من ينظر ممن يحرم النظر عليه إليها قال في شرح العباب وإنما حرم في الخلوة تأدبًا مع الله تعالى وفي الخبر فالله أحق أن يستحيا منه وأورد أنه لا يخفى عليه شيء ولا يستر عن بصره ساتر فيستوي بالنسبة إليه تعالى وجود الساتر وعدمه وأجيب بأنه تعالى وإن كان علمه ... وما موصول صلته الفعل الذي يتعلق به الظرف بعدها وخبر المبتدأ قوله أن يقول إلخ أي قوله إلخ في شرح الترمذي للعراقي هل المراد ستر العورة عن أن ينظروا إليها أو عن أن يعبثوا بها اهـ، أي كل محتمل له. قوله: (وعَوْرَاتِ) بإسكان الواو وقرئ بفتحها وتقدم ما فيه والتقييد ببني آدم وبالرجل لكونهم أكمل هذا النوع وإلا فبنات آدم والمرأة كذلك. قوله: (إذا أرَادَ أن يطرحَ ثيابهُ) إذا ظرف ليقول أي يقول وقت إرادته طرح الثياب قال العراقي في قوله في حديث أبي سعيد "إذا رفع الرجل ثوبه" يحتمل أن يراد إذا أراد رفعه ولو بعد دخوله الخلاء ويحتمل أن يراد عند شروعه في رفع ثوبه ويحتمل أن يراد بحديث أبي سعيد إذا كان قضاء الحاجة في الفضاء في مكان لا بناء فيه للمكان الذي يتخلى فيه وإنما نهى عن الكلام عند قضاء الحاجة دون ما قبل الشروع فيه اهـ، كلامه وهو بعينه جار في رواية أنس التي في الكتاب قال وظاهر الحديث

باب ما يقول حال خروجه من بيته

بِسْمِ الله الذِي لا إلَهَ إلا هو". باب ما يقول حال خروجه من بيته روينا عن ـــــــــــــــــــــــــــــ يعني حديث علي رضي الله عنه الآتي المذكور عند الترمذي أن التسمية إنما تكون ستراً من أعين الجن عند قضاء الحاجة من دخول الخلاء وغيره دون ما إذا كشف عورته لغير ذلك وإن كان لحاجة ويحتمل أن جميع ما يجوز الكشف فيه للحاجة من الاغتسال والتداوي ونحوهما يحصل الستر عن رؤية الجن لعورته بالتسمية وإنما ذكر لفظ الخلاء لخروجه مخرج الغالب في كشف العورة لذلك ويدل عليه حديث المعمري في عمل يوم وليلة "ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا أراد أن يطرح ثيابه قال بسم الله الذي لا إله إلاَّ هو" فهو أعم من دخول الخلاء ومن الرفع لقضاء الحاجة وفي رواية إذا نزع أحدكم ثوبه ثم ظاهر الحديث أن العورة ما دامت مستورة فلا يتسلط الشيطان على رؤية عورته وأما {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ} [الأعراف: 27] 27] الآية فالظاهر رؤيتهم لا لما لا يمتنع رؤيته من العورة على غيرهم اهـ. قوله: (باسْمِ الله) أي أتحصن من الشيطان باسم الله فيسن أن يقول ذلك فيؤخذ منه إن الإنسان متى كشف عورته في الخلوة سن له أن يقول الذكر المذكور حتى يكون ذلك مانعاً للجن من رؤية عورته. باب ما يقول حال خروجه من بيته ومثل البيت المنزل الذي يسافر منه المسافر وقضية الترجمة أنه يأتي بالأذكار حال الخروج وهو قضية ظواهر الأخبار لكن عبر المصنف في مناسكه الكبرى بقوله إذا أراد الخروج فالسنة أن يقول ما صح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول إذا خرج اللهم إني أعوذ بك أن أضل إلخ، قال شارحها ابن حجر قوله إذا أراد الخروج ينافيه قوله عقبه في الحديث إذا خرج من بيته الموافق لتعبير الراوي بقوله ما خرج رسول الله - صلى

أم سلمة رضي الله عنها، واسمها هند: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج من بيته ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم - من بيته صباحاً إلاَّ رفع بصره إلى السماء وقال إلخ. قال الحافظ رواه أبو داود من طريق مسلم بن إبراهيم اهـ، إلا إن يؤول خرج بأراد على حد {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [النحل: 98]، وفيه وقفة ثم رأيت بعضهم كابن جماعة عبر بقوله السنة إذا خرج إن يقول، وذكر ما قاله المصنف، فالأخذ به أولى إلاَّ أن يرد ما يصرفه عن ظاهره اهـ، ثم ما ذكره الشارح من الصباح لا يخصص هذا القول بذلك الزمن لأن ذكر بعض أفراد العام لا يخصصه وكذا أطلقه المصنف في الترجمة ولم يقيده بالخروج وقت الصباح والله أعلم. قوله: (أُمّ سَلمَةَ) هي أم المؤمنين رضي الله عنها قال المصنف واسمها هند وهذا هو الصحيح المشهور بل زعم الحافظ ابن حجر في أطراف مسند أحمد أنه لا خلاف فيه قال تلميذه القلقشندي وليس بجيد فقد قيل اسمها رملة اهـ، ولك إن تجيب عن جانب الحافظ بأن هذا الخلاف لضعفه نزل منزلة العدم ومثل هذا كثير في كلامهم قال ابن الوردي في تحفته: الكلمات ليس فيها خلف ... الاسم ثم الفعل ثم الحرف مع إن ابن صابر يخالف في الحصر في الأنواع ويزيد نوعاً رابعاً سماه خالفة إلاَّ أنه لضعفه لم ينظر إليه وكذا هنا قال الحافظ ابن الأثير في أسد الغابة وقيل اسمها رملة وليس بشيء اهـ، وأبوها أبو أمية واختلف في اسمه فقيل حذيفة وقيل سهل وقيل زهير وقيل هشام بن المغيرة بن عمرو بن مخزوم، القرشية المخزومية كنيت بابنها سلمة بن أبي سلمة تزوجهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة أربع وقيل ثلاث وقال ابن عبد البر سنة ثنتين من الهجرة بعد وفاة زوجها أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي وعقد عليها في شوال وابتنى بها في شوال قال في المفهم قال أبو محمد عبد الله بن علي الرشاطي هذا وهم شنيع وذلك لأن زوجها أبا سلمة شهد أحداً وكانت في

قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ شوال سنة ثلاث فجرح فيها جرحاً اندمل ثم انتقض به فتوفي منه لثلاث خلوان من جمادى الآخرة سنة أربع وانقضت عدة أم سلمة في شوال سنة أربع وبنى بها عند انقضائها وقد ذكر ابن عبد البر هذا في صدر الكتاب وجاء به على الصواب اهـ، وخيرها - صلى الله عليه وسلم - بين إن يسبع عندها ويسبع لنسائه وإن يثلث لها ويدور عليهن فاختارت التثليث وهي أول من هاجر إلى أرض الحبشة وزوجها أبو سلمة قال ابن سعد هاجر بها زوجها إلى أرض الحبشة الهجرتين جميعاً فولدت له هناك زينب وسلمة وعمرة ودرة ويقال أنها أول ظعينة دخلت المدينة مهاجرة وكانت من أجمل النساء وشهدت فتح خيبر وهي التي أشارت على النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية أن يخرج إلى أصحابه ويدعو الحالق ولا يكلمهم ففعل ففعلوا ورأت جبريل في صورة دحية خرج حديثها الستة وغيرهم روي لها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثمائة حديث وثمانية وسبعون حديثاً اتفقا منها على ثلاثة عشر وانفرد البخاري بثلاثة ومسلم بخمسة كذا قال القلقشندي في شرح العمدة لكن في شرحها للفاكهاني وفي كتاب التنقيح لابن الجوزي والرياض للعامري وانفرد مسلم بثلاثة عشر والله أعلم وماتت سنة ائنتين وستين وقيل سنة ستين وقيل إحدى وستين وصححه ابن عساكر وقيل أربع وستين وقيل تسع وخمسين ودفنت بالبقيع وقال محارب بن دثار أوصت إن يصلي عليها سعيد بن زيد ونظر فيه بأنه مات قبلها سنة خمسين وصلى عليها أبو هريرة قال الذهبي غلط فيه الواقدي فإن أبا هريرة مات سنة سبع وخمسين وطال عمرها عاشت تسعين سنة وقيل أكثر وهي آخر أمهات المؤمنين وفاة رضي الله عنها. قوله: (قالَ) أي على سبيل تعليم الأمة ما ينفعها عند معاشرتها إذ من خرج من بيته احتاج لمعاشرة الناس ومن كان كذلك لا بد أن يكون جاريًا على

"بِسْم الله تَوَكَّلْتُ على الله، اللهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ أَنْ أَضلَّ أَوْ أُضلَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ سنن الاستقامة محفوظاً من الأغيار ظاهراً وباطناً ولا يحصل له ذلك إلاَّ بالتوجه إليه تعالى في حصوله من الذلة والانكسار فعلمه - صلى الله عليه وسلم - كيفية سؤال ذلك فيسأل تثبيت الإقدام على الصراط المستقيم بأن لا يحصل له ولأمته ذلك في الدين بتركه بالكلية ولا ضلال بأن يقصر في القيام به على وجهه هذا ما يتعلق بالحق ولا ظلم لأحد من الخلق ولا جهل بحقوق الله تعالى أو أحد من خلقه فالعطف في الأربعة المذكورة للتأسيس دون التأكيد، وأفاد الطيبي وجهاً آخر للتأسيس فقال إذا خرج الإنسان من منزله لا بد أن يعاشر الناس فيخاف إن يعدل عن الطريق القويم فإما أن يكون في أمر الدين فلا يخلو من أن يضل أو يضل أو في أمر الدنيا فإما إن يظلم أو يظلم أو بسبب الاختلاط والمعاشرة فإما أن يجهل أو يجهل عليه فاستعيذ من جميع هذه الأحوال بلفظ سلس موجز وراعى المطابقة المعنوية والمشاكلة اللفظية كقوله: ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا ويعضد هذا التأويل الحديث الثاني فقوله هديت مطابق لقوله أن أضل أو أضل، وقوله كفيت لقوله أظلم أو أظلم وقوله ووقيت لقوله أجهل ويجهل علي اهـ. قوله: (باسْمِ اللِّه) أي استعين على كل مرام باسمه تعالى وسبق معنى التوكل والمراد من "على" في أمثال هذا المقام في آخر خطبة الكتاب. وفي شرح المشكاة المقصود أي من قول توكلت على الله طلب الاستعلاء باللهِ على سائر الأعراض والمقاصد لتصحبها إعانته ولطفه وتيسيره وتحفظها قدرته من اعتراء قصور أو فتور. قوله: (أضِلَ) بفتح أوله من الماء في اللبن غاب أي أغيب عن معالي الأمور بارتكاب نقائصها واستحسان قبائحها فأبوء بالقصور عن أداء مقام العبودية. قوله: (أَوْ أُضَل) بضم فكسر مبني للمعلوم أي أضل غيري أو بضم ففتح مبني للمجهول أي يضلني غيري (أَوْ

أو أَزِلَّ، أو أُزَلَّ، أو أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أو أَجْهَلَ أو يُجْهَلَ عَلَيَّ". حديث صحيح، رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة. قال الترمذي: حديث صحيح. هكذا في رواية أبي داود: "أنْ أَضِلَّ أو أُضَلَّ، أو أزِل أو أُزِل"، وكذا الباقي بلفظ التوحيد. وفي رواية الترمذي: "أعُوذُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أذِلَّ) بفتح فكسر أي أنزل عن الطريقة المستقيمة إلى هوة ضدها لغلبة الهوى والأعراض عن أسباب التقوى والانهماك في تحصيل الدنيا من زلت قدمه وقع من علو إلى هبوط والمزلة المكان المزلق الذي لا تثبت عليه الرجل وبما ذكر ظهر إن استعمال أزل هنا فيه نوع تشبيه (أوْ أُزِلَّ) بضم فكسر أي أوقع غيري في هوة المعاصي ودرك النقائص، أو بضم ففتح أي يستولي علينا العدو حتى يزلنا عن المقامات العلية إلى السفاسف الدنية. قوله: (أوْ أظْلِمَ) بفتح فكسر أي أظلم غيري من الظلم وضع الشيء في غير محله أو التصرف في حق الغير (أَوْ أُظْلَمَ) بضم ففتح أي أظلم من أحد من العباد. قوله: (أَوْ أَجْهَلَ) أي أجهل الحق الواجب علي (أَوْ يُجْهَلَ عَلَيّ) قال العاقولي أو يجهل عليّ شيء ليس من خلقي نحو ما جاء في الحديث من استجهل مؤمناً فعليه إثمة أي حمله على شيء ليس من خلق المؤمنين فيغضبه فإثمه على من أخرجه لذلك اهـ. قوله: (حديث صحيح) قال الحافظ صححه الحاكم من طريق عبد الرحمن بن مهدي وقال أنه على شرطهما فقد صح سماع الشعبي من أم سلمة وخالفه ابن الصلاح فقال لم يسمع الشعبي من أم سلمة وعائشة وقال ابن المديني في العلل لم يسمع من أم سلمة فالحديث منقطع ولعل من صححه سهل الأمر فيه لكونه من الفضائل ولا يقال يكتفي بالمعاصرة لأن محل ذلك ألا يحصل الجزم بانتفاء التقاء المتعاصرين إذا كان النافي واسع الاطلاع مثل ابن المديني اهـ. قوله: (رواه أبو داود إلخ) وكذا رواه

بكَ مِنْ أن نَزِلَّ، وكذَلِكَ نَضلَّ ونَظْلِمَ وَنَجْهَلَ". بلفظ الجمع. وفي رواية أبي داود: "ما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بيتي إلا رفع طرفه إلى السماء فقال: "اللهُم إني أعُوذُ بِك". وفي رواية غيره: "كان إذا خرج من بيته قال كما ذكرنا" والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ أحمد والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين قال الحافظ وهذا اللفظ الذي أورده المصنف من حديث أم سلمة إلاَّ أنه زاد بعد توكلت "لا حول ولا قوة إلاّ بالله" وفي آخره "أو أبغي أو يبغي علي" قال ورواه الطبراني من حديث بريدة وأورده من حديث أم سلمة بلفظ "كان إذا خرج من بيته قال بسم الله رب أعوذ بك أن أذل أو أضل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل عليّ" وقال رواه أحمد والنسائي وابن ماجة والحاكم عن أم سلمة وزاد ابن عساكر أو أن أبغي أو يبغي على وأورده من حديثها أيضاً بلفظ "كان إذا خرج من بيته قال بسم الله توكلت على الله اللهم إنا نعوذ بك أن نذل أو نضل أو نظلم أو نجهل أو يجهل علينا" وقال رواه الترمذي وابن السني عن أم سلمة اهـ. قال الحافظ وكذا رواه النسائي في الكبرى قال ولم أره في شيء من الطرق بالنون إلاَّ في رواية وكيع يعني التي عند الترمذي والنسائي وكذا زيادة توكلت على الله ولا رأيته في شيء من الطرق بزيادة أزل وأضل بضم الهمزة فيهما إلاَّ في رواية مسلم بن إبراهيم أي التي رواها عنه أبو داود كما تقدمت الإشارة إليها أول الباب اهـ، ومما ذكر يعلم إن عزو الرواية باللفظ الذي خرجه المصنف لرواية الترمذي ليس المراد منه أنه بهذا اللفظ فيه إذ هو فيه بضمير الجمع لا المفرد كما بينه المصنف ولفظ أبي داود عنها ما خرج من بيتي إلَّا رفع طرفه إلى السماء فقال اللهم إني أعوذ بك أن أذل إلخ. والباقون رووه كما رواه الترمذي إلاَّ أنهم رووه بالإفراد كما أورده المصنف وحينئذٍ فأبو داود

وروينا في سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي وغيرهم، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن قال" يعني إذا خرج من بيته: "بِسْم الله، تَوَكَّلْتُ عَلى الله، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا بالله، ـــــــــــــــــــــــــــــ ليس في روايته قوله بسم الله توكلت على الله بل هو في رواية غيره ممن ذكر كما أشار إليه المصنف بقوله وفي رواية غيره أي غير أبي داود من باقي الأربعة كان إذا خرج من بيته قال كما ذكرناه وفي سلاح المؤمن بعد ذكره إن الأربعة أخرجوه بلفظ الترمذي ولفظ أبي داود ما خرج إلخ، وذلك يقتضي إن رواية ابن ماجة موافقة لما في الأربعة لكن في المشكاة إن رواية أبي داود وابن ماجة متفقة ولفظ ابن ماجة عن أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج من منزله قال اللهم إني أعوذ بك إلخ، وبه يعلم أنها ليست موافقة لرواية أبي داود خلافاً لما تقتضيه عبارة المشكاة لأن في رواية أبي داود إن الخروج من منزل أم سلمة وفي ابن ماجة أنه من منزله - صلى الله عليه وسلم - ويزيد أبو داود في روايته قولها إلا رفع طرفه إلى السماء ولا لباقي الأربعة لأنه نقص من روايته باسم الله توكلت على الله وقد أشار إلى ذلك الحافظ فقال قد جمع الشيخ هذه الزيادة يعني باسم الله وما بعدها مما سبق ذكره في كلامه في سياق الحديث ولا وجود لها مجموعة في شيء من الكتب الأربعة التي عزاه إليها ويمكن أن يقال بين الجميع تقارب والخلاف يسير وجرت عادة بعض المحدثين بالمسامحة في ذلك والله أعلم. والحاصل أن رواية أبي داود مخالفة لرواية غيره من باقي الأربعة من وجوه: كون الخروج من بيتها ونقص باسم الله توكلت على الله من الأول والإفراد في قوله أضل وما بعده لكن المخالف في الأخير الترمذي وابن السني والمخالفة الأولى يسيرة لأن بيتها بيته - صلى الله عليه وسلم - فلا خلاف في المعنى وقاعدة زيادة الثقة مقبولة تقضي العمل بما زاد من ألفاظ الدعاء ولو في بعض الروايات والله أعلم. قوله: (وروينا في سنن أبي داود) في الترغيب

يُقال له: ـــــــــــــــــــــــــــــ بلفظ "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إذا خرج الرجل من بيته فقال باسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلاّ بالله يقال له حسبك هديت وكفيت ووقيت فتنحى عنه الشيطان" رواه الترمذي وحسنه والنسائي وابن حبان في صحيحه ورواه أبو داود ولفظه قال إذا خرج الرجل من بيته فقال باسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلاَّ باللهِ يقال له حينئذ هديت وكفيت ووقيت فيتنحى الشيطان فيقول شيطان آخر كيف لك برجل قد هدى وكفى ووقى وفي السلاح بعد ذكره بلفظ أبي داود وقال واللفظ له: ورواه الترمذي وقال حسن غريب لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه اهـ، والحديث باللفظ الذي رواه المصنف خرجه الترمذي وقضية عادة المحدثين في تقديم ذكر من اللفظ مرويه أن يقال هنا وروينا في جامع الترمذي وسنن أبي داود لأن رواية أبي داود ليست باللفظ الذي أورده المصنف كما عرفت ولكن قدم أبو داود في الذكر لتقدمه في الرتبة والله أعلم. تنبيه سبق عن الجامع الصغير من حديث الطبراني عن بريدة كان - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من بيته قال بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلاَّ بالله اللهم إني أعوذ بك أن أضل إلخ، فأفاد إنهما حديث واحد اقتصر على كل من طرفيه جمع وإذا ذكرا تقدم هذا الذكر على ما في الحديث قبله وظاهر أن رواية التكلان على الله كرواية توكلت على الله في تقديمها على ما ذكر وكأن حكمة ذلك أن تعود بركة لتسمية وما بعده على الاستعاذة فيحصل والله أعلم وظاهر أنه لا يحتاج إلى قوله باسم الله توكلت على الله المذكور في الذكرين لأن القصد منه حاصل بذكره مرة وكذا جاء في الحديث عند الطبراني. قوله: (يُقالُ له) الجملة الفعلية خبر من الموصول الاسمي قال ابن حجر في شرح المشكاة وزين العرب في شرح المصابيح يقال له أي يناديه ملك بيا عبد الله

هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ، وَتَنَحى عَنْهُ الشَّيطَانُ" قال الترمذي: حديث حسن. زاد أبو داود في روايته: ـــــــــــــــــــــــــــــ هديت إلخ، وفي تخصيص كون الفاعل المحذوف ملكا يحتاج إلى توقيف ولفظ الخبر محتمل لكونه تعالى يقول ذلك لذلك القائل جزاء مقاله المذكور وجملة هديت وما بعده مقول القول وهديت أي رزقت الوصول إلى المقام الكامل أي حقيقة الهداية بسبب استعانتك باسم الله على سلوك ما أنت بصدده. قوله: (كفيت) أي كفيت كل هم دنيوي أو أخروي بواسطة توكلت على الله قال - صلى الله عليه وسلم - لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتعود بطاناً وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] قوله: (ووقيت) أي حفظت من شر أعدائك من الشياطين والجن بواسطة صدقك في تفويض جميع الأمور لبارئها بسلبك الحول والقوة عن كل أحد وإثباتها له تعالى وحده وبما تقرر علم وجه قول العاقولي في شرح المصابيح في الخبر لف ونشر مرتب فقوله: "بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلاَّ الله" "لف". و. قوله: (هديت وكفيت ووفيت) نشر اهـ، ووقع في رواية لم يخرجه المصنف في الأذكار زيادة "حميت" قبل قوله هديت وكأنه من باب الإجمال ثم التفصيل لأن في الهداية حماية من الغواية وفي الكفاية والوقاية سلامة من شر الأعداء في البداية والنهاية ففيه إجمال ثم تفصيل وهو في النفس أوقع وللسامع بسبب استقراره أنفع وتقدم كلام الترمذي في حال الحديث وبه يعلم ما في كلام المصنف نفع الله به من اختصار قوله غريب أو ليس في أصله ذلك والله أعلم. قوله: (قال الترمذي حديث حسن) عبارة الترمذي حسن غريب لا نعرف إلاّ من هذا الوجه وقال الحافظ رجاله رجال الصحيح ولذا صحح ابن حبان لكن خفيت عليه علته قال البخاري لا أعرف لابن جريج

"فيقول" يعني الشيطان لشيطان آخر: "كَيْفَ لَكَ بِرَجُل قد هُدِيَ وَكفِيَ وَوُقِيَ؟ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ عن إسحاق يعني ابن عبد الله بن أبي طلحة الراوي عن أنس إلاّ هذا ولا أعرف له منه سماعاً قال الدارقطني ورواه عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج قال حدثت عن إسحاق، وعبد المجيد أثبت الناس في إسحاق قال الحافظ وجدت لحديث أنس شاهداً قوي الإسناد لكنه مرسل عن عون بن عبد الله بن عقبة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال "إذا خرج الرجل من بيته فقال بسم الله حسبي الله توكلت على الله قال الملك كفيت وهديت ووقيت" اهـ. قوله: (فيقول يعني الشيطان لشيطان) آخر هذا التقدير على إثبات اللام في شيطان المذكور وكذلك هو في المشكاة ففاعل يقول مقدر يعود على الشيطان المذكور في قوله فتنحى له الشيطان كما أشار له بقوله يعني الشيطان فأتى بأل العهدية والذي في الترغيب والسلاح فيقول شيطان آخر بحذف اللام فيكون شيطان المذكور فاعلاً وحذف الشيطان المقول له ذلك المقال والله أعلم بحقيقة الحال "فإن قلت" بم علم ذلك الشيطان أنه استجيب للقائل وأعطي ذلك "قلت" من الأمر العام أن كل من ذكر بهذه الكلمات المرغب فيها من حضرته - صلى الله عليه وسلم - أعطي ذلك وعبر ابن حجر في شرح المشكاة بقوله إن كل من دعا بهذا الدعاء المرغب فيه استجيب له اهـ، ولا يظهر كون ما في الخبر دعاء إذ ما فيه إنما هو تحصن باسمه وتفويض إليه وخروج عن السوي وانطراح بين يديه والله أعلم، ثم. قوله: (كيف لكَ إلخ) مقول ذلك الشيطان القرين المتنحى عنه إجلالاً لتلك الأذكار للشيطان الآخر الذي أرسله إبليس أو بعض جنده ليغويه كيف لك أي كيف تظفر بمن أعطي هذه الخصال الهداية والكفاية والوقاية قال العاقولي أنه حال من فاعل يتيسر وكأن تقديره كيف يتيسر لك الاغواء حال كونك برجل الخ اهـ. وقوله: (قد هُدِي) وصف رجل والمعنى كيف يتيسر لك إن تظفر برجل أي بإغواء رجل موصوف بهذه الأوصاف محفوف بهذه

باب ما يقول إذا دخل بيته

وروينا في كتابَي "ابن ماجة، وابن السني" عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج من منزله قال: "بِسْمِ اللهِ، التُّكْلان على اللهِ، لاَ حَوْلَ وَلَا قوةَ إلا باللَّهِ". باب ما يقول إذا دخل بيته ـــــــــــــــــــــــــــــ النعوت اللطاف وقال ابن حجر أي برجل قد استجيب له ما دعا له من تلك الثلاثة فحينئذِ قد هدي وكفي ووقي اهـ. وفيه ما عرفت إلاَّ أن يقال لما كان الإتيان بذلك الذكر سبباً لحصول هذه الأمور صار الإتيان به كالدعاء بها نظير ما قيل في إطلاق الدعا على نحو قول لا إله إلاَّ الله إلخ، في الحديث الآتي في دعاء الكرب ودعاء عرفة إن شاء الله تعالى والله أعلم. قوله: (وروينا فِي كتَابَي ابن ماجة وابن السني) زاد في الجامع الصغير والحاكم في المستدرك وقال السخاوي في "الابتهاج بأذكار المسافر والحاج " أخرجه البخاري في الأدب المفرد والحاكم وصححه مع إن في سنده من ضعف والصواب أنه حسن لشواهده اهـ. قوله: (التّكْلانُ) قال المصنف في التهذيب التوكل الاعتماد يقال توكلت على الله أو على فلان توكلًا أي اعتمدت عليه والاسم التكلان بضم التاء وإسكان الكاف اهـ. وفي شرح مسلم قبيل كتاب الإيمان التكلان بضم التاء المثناة وإسكان الكاف أي الاتكال ثم ظاهر حصول المطلوب بكل من اللفظين لتعدد الرواية والراوي وليس من نحو ظلماً كثيراً بالمثلثة أو الموحدة لأن ذاك حصل الشك في لفظ الراوي فطلب فيه الاحتياط الآتي ولا كذلك ما نحن فيه والله أعلم. باب ما يقول إذا دخل بيته

يستحب أن يقول: بسم الله، وأن يكثر من ذكر الله تعالى، وأن يسلم سواء كان في البيت آدمي أم لا، لقول الله تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبة} [النور: 61]. وروينا في "كتاب الترمذي" عن أنس رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (قال تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا} [النور: 61] قال ابن الجوزي في "زاد المسير" فيها ثلاثة أقوال أحدها بيوت أنفسكم سلموا على أنفسكم وعيالكم قاله جابر بن عبد الله وطاوس وقتادة، والثاني أنها المساجد فسلموا على من فيها قاله ابن عباس، والثالث بيوت الغير فالمعنى إذا دخلتم بيوت غيركم فسلموا عليهم قاله الحسين. قوله: (تحِيَّةً) قال الزجاج هي منصوبة على المصدر لأن قوله: ({فَسَلِّمُوْا}) بمعنى فحيوا أي يحيي بعضكم بعضاً ({تحيَّة مِنْ عِندِ اللهِ}) [النور: 61] قال مقاتل مباركة بالأجر طيبة أي حسنة اهـ. قال القرطبي ووصفها بالبركة لأن فيها الدعاء واستجلاب مودة المسلم عليه ووصفها أيضاً بالطيب لأن من سمعها يستطيبها اهـ، ولا يخفى نجعد القول الثالث الأخير وإن اقتصر عليه العلامة الكبير البيضاوي في التفسير عن سياق الآية ومناسبة ({فَسَلِّمُوْا عَلى أَنفُسِكُم} [النور: 61] لكن قربه بقوله فسلموا على أهلها الذين هم منكم ديناً وقرابة اهـ، ومثله في النهر واقتصر الإمام الواحدي على نقل القولين الأولين وأشار إلى اعتماد القول الأول لأن عليه المعول وعبارته {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النور: 61] هذا في دخول الرجل بيت نفسه والسلام على أهله ومن في بيته قال قتادة إذا دخلت بيتك فسلم على أهلك فهم أحق من سلمت عليه فإذا دخلت بيتاً لا أحد فيه فقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين حدثنا إن الملائكة ترد عليه، وقال ابن عباس هو المسجد إذا دخلته فقل السلام علينا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى عباد الله الصالحين قلت في النهر لأبي حيان قال ابن عباس المساجد إذا دخلتموها فسلموا على من فيها وإن لم يكن فيها أحد قال السلام على رسول الله وقيل يقول السلام عليكم يعني الملائكة ثم يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين اهـ. قال الحافظ أخرجه عنه ابن المبارك في كتاب الاستئذان بسند صحيح قال وأخرج البيهقي مثله في الشعب بأسانيد صحيحة عن إبراهيم النخعي ومجاهد والحسن والحكم بن عيينة اهـ، روى الواحدي بإسناده إلى جابر رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إذا دخلتم بيوتا فسلموا على أهلها وإذا طعم أحدكم طعاماً فليذكر اسم الله على طعامه فإن الشيطان إذا سلم أحدكم لم يدخل بيته وإذا ذكر اسم الله على طعام قال لا مبيت لكم ولا عشاء وإن لم يسلم حين يدخل ولم يذكر اسم الله على طعامه قال أدركتم العشاء والمبيت وقوله: {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} قال ابن عباس هذه تحية حياكم الله بها وقال الفراء أي إن الله أمركم إن تفعلوا طاعة له وقوله: ({مُبَارَكَةً}) قال ابن عباس حسنة جميلة وقال الزجاج أعلم الله إن السلام مبارك طيب لما فيه من الأجر والثواب اهـ. كلام الواحدي وقوله عن ابن عباس أي هذه تحية تقرير لبيان المعنى لا للإعراب فلا يخالف النصب في ذلك والله أعلم. وفي تفسير القاضي البيضاوي وعن أنس أنه عليه الصلاة والسلام قال متى لقيت أحداً من أمتي فسلم عليه يطل عمرك وإذا دخلت بيتك فسلم عليهم يكثر خير بيتك وصل صلاة الضحى فإنها صلاة الأوابين الأبرار اهـ، وقضية كلام الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف ضعف الخبر والله أعلم وقد سئل عن حاله أيضاً فصنف فيه جزءاً أورده السخاوي فيما جمعه من فتاوى الحافظ ابن حجر وسيأتي كلام الترمذي في حديث أنس الذي أورده المصنف وهو قريب من الحديث الذي أورده القاضي. قوله:

"يا بُنَي إِذا دَخَلْتَ على أهْلِكَ، فَسَلِّمْ يَكُنْ بَرَكَةً عَلَيكَ وعلى أهْلِ بيتك" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. ـــــــــــــــــــــــــــــ (يا بُنَيَّ) تصغير ابن لأن أصله بنو فحذفت لامه اعتباطاً وعوض منها الألف فإذا صغر صار بنيو فيعل كإعلال سيد وهو إذا لم يضف يضم أوله إن أريد به معين وإلا فينصب لفظاً كسائر المفردات النكرات في النداء وإن أضيف إلى ياء المتكلم فقال المرادي في شرح الألفية إذا كان في آخر المضاف إلى ياء المتكلم ياء مشددة كبني قيل يا بني أو يا بني أي بالكسر والفتح لا غير على التزام حذف ياء المتكلم فراراً من توالي الياآت مع أن الثالثة كان يختار حذفها قبل وجود اثنتين وليس بعد اختيار الشيء إلا لزومه والفتح على وجهين أحدهما أن يكون ياء المتكلم أبدلت ألفاً ثم التزم حذفها لأنه بدل مستثقل والثاني أن يقال ثانية يائي يا بني حذفت ثم أدغمت أولاهما في ياء المتكلم ففتحت لأن أصلها الفتح اهـ. وقال المصنف في آخر كتاب الأدب من شرح مسلم وبالوجهين قرئ في السبع وقرأ بعضهم بإسكانها، وفي هذين الحديثين جواز قول الإنسان لغير ابنه ممن هو أصغر منه سناً يا ابني أو يا بني مصغراً ويا ولدي ومعناه التلطف وإنك عندي بمنزلة ولدي في الشفقة وكذا يقال لمن هو في مثل سن المتكلم يا أخي للمعنى الذي ذكرناه وإذا قصد التلطف كان مستحباً كما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - اهـ. قوله: (يَكُبنْ بركةً) اسم يكن ضمير عائد إلى السلام المفهوم من سلم نظير قوله تعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] أي العدل المفهوم من أعدلوا أقرب للتقوى والسلام على الأهل إذا دخل سنة مؤكدة كما دل عليه هذا الخبر وما في معناه وفيه الفائدة الجليلة والثمرة الجميلة فينبغي المداومة على ذلك وفي الخبر اقتباس من الآية السابقة. قوله: (قال الترمذي حديث حسن صحيح) وكذا في الترغيب للمنذري وعبارته رواه عن زيد عن سعيد بن المسيب وقال حديث حسن صحيح

وروينا في "سنن أبي داود" عن أبي ـــــــــــــــــــــــــــــ لكن في السلاح حسن صحيح غريب ثم راجعت أصلي من الترمذي وفيه كما في السلاح زيادة غريب وسبق الجواب بأن مثل هذا محمول على اختلاف الأصول في ذلك أو الاكتفاء بالمقصود من الأوصاف فإن الذي أشار إليه المصنف التزام بيان حاله من الصحة والحسن والضعف، والغرابة لا تنافي الأولين ففي الصحيح كثير من الإفراد المطلقة والله أعلم ثم رأيت الحافظ حمله على ذلك فقال هكذا أخرجه الترمذي وقال حديث غريب كذا في كثير من النسخ المعتمدة منها بخط الحافظ على الصدفي ووقع بخط الكروجي حسن صحيح وعليه اعتمد في الأذكار وفيه نظر فإن علي بن زيد أي الراوي عن سعيد بن المسيب عن أنس وإن كان صدوقاً لكنه سيئ الحفظ وأطلق عليه جماعة الضعف بسبب ذلك وقد تكلم الترمذي على هذا في موضع آخر فأخرج في كتاب العلم بهذا السند حديثاً آخر وقال حديث غريب لا نعرف لسعيد عن أنس غير هذا وسألت عن هذا الحديث محمد بن إسماعيل البخاري فلم يرفه قال وقد روى عباد المنقري عن علي بن زيد عن أنس هذا الحديث بطوله وأخرج الترمذي في كتاب الصلاة بهذا الإسناد حديثاً آخر والأحاديث الثلاثة مختصرة من حديث طويل في نحو ورقة وقد أخرجه أبو يعلى في مسنده من طريق المنقري عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن أنس قال الحافظ وقع لنا بعضه من وجه صحيح أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي عن أنس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا بني ووقع لنا مقصود الباب من وجه فذكر سنده إلى سعيد بن زون قال كنت عند أنس فقال خدمت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث وفيه وإذا دخلت منزلك فسلم على أهل بيتك يكثر خير بيتك قال وأخرجه أبو يعلى من وجه آخر قال وسعيد المذكور في روايتنا ضعيف عندهم قال العقيلي لا يثبت في هذا شيء عن أنس والله أعلم. قوله: (عنْ أبي

مالك الأشعري رضي الله عنه، واسمه الحارث، وقيل: عبيد، وقيل: كعب، وقيل: عمرو، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إِذَا وَلَجَ الرَّجُلُ بَيتَهُ فَلْيَقُلْ: اللَّهُم إني أسالُكَ خَيرَ المَوْلَج وَخَيرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مالك إلخ) تقدم ذكر فضائله والخلاف في اسمه في باب فضل الذكر غير مقيد وكان موضع ذكر الخلاف في اسمه ذلك المكان وكأن التأخير للنسيان ولا عيب فيه على الإنسان قال الشاعر: وما سمى الإنسان إلا لنسيه ... ولا القلب إلاَّ أنه يتقلب قوله: (وَلَجَ الرَّجلُ) أي دخل يقال ولج يلج والوجا وهو من مصادر غير المتعدي على معنى ولجت فيه قال العاقولي والتقييد بالرجل لشرفه والمرأة فيه كذلك وببيت الإنسان نفسه جرياً على الغالب فيقوله الإنسان عند دخول منزل الغير أيضاً. قوله: (المَوْلِج) بكسر اللام وروي فتحها واعترض بأنه خلاف القياس لأن ما كان فاؤه واواً أو ياء ساقط في المستَقبل فالفعل منه مكسور العين في المصدر والاسم وجاءت منه كلمات على خلاف الغالب قال زين العرب في شرح المصابيح ومن فتح هنا فإما أن يكون سها أو قصد مزاوجته للمخرج أي مكان الولوج وإرادة المصدر بهما أتم وأقعد من إرادة الزمان أو المكان لأن المراد الخير الذي يأتي من قبل الولوج والخروج ويقترن بهما ويتوقع منهما وقال ابن حجر في شرح المشكاة ويرد بأن الرواية تفيد إثبات إن هذا من غير الغالب أيضاً اهـ، وهذا فيه الاحتجاج على إثبات القواعد النحوية والصرفية بالأحاديث النبوية وهو ما اختاره ابن مالك ويظهر من صنيع المصنف في شرح مسلم اختياره لكن قال الجلال السيوطي في الاقتراح ما ثبت من الحديث أنه لفظ رسول الله - صلى الله عليه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم - فلا شك في صحة الاستدلال به بل ولا في علو رتبته في الاستدلال لأنه - صلى الله عليه وسلم - أفصح العرب وذلك نادر جداً إنما يوجد في الأحاديث القصار على قلة أيضاً فإن غالب الأحاديث مروي بالمعنى وقد تداولها المولدون قبل تدوينها فرووها بما أدت إليه عبارتهم فزادوا ونقصوا وقدموا وأخروا وأبدلوا الألفاظ بألفاظ ولهذا تجد الحديث الواحد في القضية الواحدة مروياً على أوجه شتى بعبارات مختلفة قال ومن ثم أنكر علي ابن مالك إثباته القواعد النحوية بالألفاظ الواردة في الحديث، ثم نقل عن أبي حيان في شرح التسهيل كلاماً أطنب فيه في الرد على ابن مالك في ذلك، ملخصه إن هذه الطريقة أي إثبات القواعد النحوية بألفاظ الحديث لم يسلكها أحد من المتقدمين ولا من المتأخرين لأن العلماء جوزوا رواية الحديث بالمعنى، ومن ثم يختلف ألفاظه فالضابط من الرواة إنما يضبط المعنى فقط لا اللفظ ولأن اللحن وقع كثيراً فيما روي من الأحاديث لأن كثيراً من الرواة كانوا غير عرب بالطبع ولا يعرفون النحو فوقع اللحن في كلامهم وهم لا يعلمون فحينئذِ لا وثوق لنا بما يروي أنه لفظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصح به الاستدلال، قال أبو حيان ولما أورد البدر بن جماعة ذلك على ابن مالك لم يجب بشيء ونقل السيوطي على ابن الصائغ أيضاً إن السبب في ترك الأئمة كسيبويه وغيره الاستشهاد بالحديث تجويز العلماء نقله بالمعنى ولولا ذاك لكان الأولى في إثبات اللغة كلامه - صلى الله عليه وسلم - لأنه أفصح العرب، وقال السيوطي ومما يدل لصحة ما ذهب إليه ابن الصائغ وأبو حيان إن ابن مالك استشهد على لغة أكلوني البراغيث بحديث الصحيحين "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار" وأكثر من ذلك حتى صار يسميها لغة يتعاقبون وقد استدل به السهيلي ثم قال لكني أقول إن الواو فيه علامة إضمار لأنه حديث مختصر رواه البزار مطولاً مجرداً فقال إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار وقال ابن

المَخْرَجِ، بِسْم اللهِ وَلَجْنا، وبسْم الله خَرَجْنا، وَعلى اللهِ رَبنا تَوَكَّلْنَا، ثُم ليُسَلمْ على أهْلِهِ"، لم يضعفه أبو داودَ. وروينا عن أبي أمامة الباهلي، واسمه صُدَيُّ بن عَجْلان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ الأنباري في الإنصاف في منعه في خبر كاد، وأما حديث كاد الفقر أن يكون كفراً فإنه من تغيير الرواة لأنه - صلى الله عليه وسلم - أفصح من نطق بالضاد اهـ. قال بعض المحققين ولا ينبغي إن يصار إلى هذا الاحتمال وإلا لارتفعت الثقة بسائر الروايات ولم يمكن الاستدلال بحديث نظراً إلى ذلك الاحتمال اهـ. وقد ذكر المصنف في شرح مسلم كلاماً مؤيداً لما ذكره هذا البعض نذكره إن شاء الله تعالى فيما يسن من أذكار الصلاة بعد التشهد. قوله: (عن أبي مالك إلخ) قال الحافظ قد حكى الشيخ الخلاف في اسمه وبقي منه أنه قيل فيه عامر وقيل عبيد الله بالإضافة ومنهم من سماه كعباً قال بعضهم ابن عاصم وقال بعضهم كعب ابن كعب والتحقيق أن أبا مالك الأشعري ثلاثة الحارث بن الحارث وكعب بن عاصم وهذان مشهوران باسمهما والثالث هو المختلف في اسمه وأكثر ما يرد في الروايات بكنيته وهو راوي هذا الحديث وقد أخرجه الطبراني في مسند الحارث من الحارث فوهم فإنه غيره اهـ. قوله: (والْمَخرَجَ) بفتح الراء مصدر أو اسم مكان والأول كما تقدم أولى (وَلَهُ باسْم الله) أي لا باسم غيره كما يؤذن به تأخير متعلقه وهو قوله ولجنا أي دخلنا وسبق عن شرح مسلمَ للمصنف نقلاً عن الكتاب وجوب إثبات ألف اسم في أمثال هذا المقام وهو في معظم الأصول التي وقفت عليها بحذفه. قوله: (وعَلَى الله ربنَا تَوَكَّلنَا) أي وعلى ربنا الذي ربانا بنعمه ومنها نعمة الإيجاد والإمداد وكان هذه حكمة الإتيان به بعد الاسم الجامع توكلنا فوضنا أمورنا كلها إليه ورضينا بتصرفه كيفما شاء. قوله: (ثم لْيُسَلم عَلَى أهْلِهِ) أي على سبيل الاستحباب المتأكد. قوله: (لَمْ يُضعفهُ أبو دَاودَ) أي فهو عنده حسن أو صحيح. قوله: (عَنْ أبي أُمَامَة) بضم الهمزة. قوله: (واسمه صُدَيُ بنُ عَجْلانَ)

"ثَلاثةٌ كلُّهُمْ ضَامِنٌ عَلى اللهِ عَز وَجل: رَجل خَرَجَ غازِياً فِي سبِيلِ اللهِ عَز وَجل فَهُوَ ضَامِن على اللهِ عَز وَجل حتَى يَتَوَفاهُ فَيُدْخِلَهُ الجنة أوْ يَرُدَّهُ بِما نالَ ـــــــــــــــــــــــــــــ صدي مصغراً ويقال الصدي بال كما يقال عباس والعباس وهو اسم أبي أمامة بلا خلاف فما يوجد في بعض النسخ من ابدال الصاد عيناً من تحريف الكتاب وهو صدي بن عجلان الباهلي السهمي، وسهم بطن من باهلة وباهلة بنت سعد العشيرة نسب ولدها إليها وهم بنو مالك بن أعصر الغطفاني، سكن صدي مصر ثم حمص من الشام روي له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مائة حديث وخمسون حديثاً اتفقا منها على سبعة وانفرد البخاري بثلاثة ومسلم بأربعة وخرج له أصحاب السنن الأربعة مات سنة إحدى أو ست وثمانين عن إحدى وتسعين سنة وقيل مات سنة مائة وست قيل وهو آخر من مات بالشام من الصحابة. قوله: (ثَلاَثَةٌ) مبتدأ أي ثلاثة رجال أو أصناف ولهذا التخصيص المراد جاز الابتداء به مع كونه نكرة أو هو وصف للمبتدأ المحذوف أي أشخاص ثلاثة وجملة (كلُّهُمْ ضَامِنُ) في محل الخبر والمراد أن هؤلاء الثلاثة وعدهم الله بما وعدهم به وعداً لا يخلفه فعاد لازمًا لوعده الذي لا يخلف. قوله: (حتى يَتَوَفّاهُ فيُدخِلَه الجنةَ) أي يتوفاه في سبيله فيدخله الجنة مع الناجين أو يدخل روحه فيها حالاً فيكون في أجواف طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت تتنعم بما تتنعم به الأرواح أما الأجساد فنعيمها بنعيم الجنة يوم المعاد كما ذكره المصنف والقرطبي في شرحيهما على مسلم في كتاب الجهاد وقال العارف ابن أبي جمرة ورد "نسمة المؤمن طائر أبيض تعلق في شجر الجنة حتى يمدها الله على أجسادها يوم القيامة" فمن يكون في شجر الجنة كيف يعرض على مقعده بالغداة والعشي. والجواب أنه يمكن الجمع من وجوه. منها: إنه - صلى الله

مِنْ أجْر وَغَنِيمَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم - أخبر عن الشهداء أنهم سبع ما عدا القتل في سبيل الله وقد وصف الذين قتلوا في سبيل الله بأن أرواحهم في أجواف طير خضر فقد يكون باقي الشهداء السبعة أرواحهم تعلق في شجر الجنة ويكون الفرق بينهم وبين الذين قتلوا في الجهاد الأكل والشرب لا غير وبينهم وبين غيرهم من المؤمنين دوام المقام في الجنة وغيرهم من المؤمنين يعرضون عليها غدوة وعشية لأن هذه الأخبار كلها صحاح والأخبار لا يدخلها نسخ واحتمل إن تعلق الأرواح بشجر الجنة وليس يكون لها تصرف في الجنة إلاَّ غدوة وعشية تنظر لمنازلها ونزلها فيزاد بذلك سرورها والقدرة صالحة والظاهر في المخلط المسكين أنه يكون له نصيب من هذا ونصيب من هذا هـ. وفي التمهيد أن المراد من قوله في هذا الخبر نسمة المؤمن أي من الشهداء وأيده بآيات وأحاديث وعليه فلا إشكال والله أعلم. قوله: (مِن أجْرٍ وغَنيمَةٍ) هذا الخبر مصرح بعدم ذهاب الأجر بحصول الغنيمة ومثله لخبر مسلم أنا ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه نائلاً ما نال من أجر وغنيمة بالواو كما رواه بعض رواة مسلم ورواه أكثرهم بأو وهي لأحد الشيئين أو الأشياء واختلف العلماء فمنهم من أخذ بقضية أو وجعلها مانعة جمع، وأن الحاصل للمجاهد أحد الأمرين، إما الأجر من غنيمة أو الغنيمة من غير أجر ومنهم من جعلها مانعة خلو أي لا يخلو من أحدهما وقد يجتمعان له وجرى عليه ابن حجر في شرح المشكاة فقال في حل رواية أو: ما لفظه من أجر أو غنيمة أو هما فأو لمنع الخلو اهـ، لكن قضية تقريره أن المجاهد قد يحصل له الغنيمة من غير أجر مع كونه مجاهداً في سبيل الله وفيه بعد إلاَّ إن يراد من غير أجر كامل فيوافق ما يأتي ومنهم من أخذ بقضية الواو وجعل أو بمعناها وأيده بأنها كذلك من غير شك من الرواة في أبي داود فيفوت على رواية أو لانتفاء الجزم بها، ثم على هذا هل تنقص الغنيمة أجر المجاهد بحيث يكون

وَرَجُلٌ رَاحَ إِلَى المَسْجدِ فهُوَ ضَامِنٌ على اللهِ تعالى حَتَّى يَتَوَفَّاهُ فَيُدْخِلهُ الجَنةَ أو يَرُدهُ بما نالَ من أجْر وَغَنيمَة، وَرَجُل دَخَلَ بَيْتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المجاهد بلا غنيمة أكثر ثواباً ممن سلم وغنم أولاً؟ قال المصنف في شرح مسلم في حديث ما من غازية تغزو فيصيبوا ويغنموا إلَّا تعجلوا بثلثي أجورهم ويبقى لهم الثلث: الصواب الذي لا يجوز غيره أن الغزاة إذ أسلموا وغنموا يكون أجرهم أقل ممن لم يسلم أو سلم ولم يغنم وإن الغنيمة في مقابل جزء من أجر غزوهم فإذا حصلت فقد تعجلوا ثلثي أجرهم المرتب على الغزو فتكون هذه الغنيمة من جملة الأجر وهذا موافق للأحاديث الصحيحة المروية عن الصحابة فمنا من لم يأكل من أجره شيئاً ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها ولا تعارض بين هذا وقوله في الخبر الآخر ورجع بما رجع من أجر وغنيمة فإن الذي فيه رجوعه بما نال من الأجر والغنيمة وليس فيه إن الغنيمة تنقص الأجر أولاً فهو مطلق وهذا مقيد فوجب حمله عليه اهـ. قوله: (ورجلٌ رَاحَ إلَى المسجدِ) سبق أن الرواحِ اسم المسير في آخر النهار ومعلوم أن الفعل المذكور شامل للغدو أيضاً. قوله: (حتى يَتَوَفّاه فَيُدْخلهُ الجنَّة إلخ) أعلم إن صاحب المشكاة عزا هذا الحديث لسنن أبي داود ولم يذكر فيه هنا قوله حتى يتوفاه الله إلخ، ولم يذكره أيضاً في المصابيح ولعل لأبي داود فيه روايتين قال شارحها ابن حجر وسبقه إليه العاقولي في شرح المصابيح وذكر المضمون في الأول دون الأخيرين اكتفاء به عنهما وهذا بعينه هو الجواب عن حذفه في الثالث في الحديث المذكور هنا فكما أن المجاهد طالب إحدى الحسنيين الشهادة أو الغنيمة فكذا من سار إلى المسجد فإنه يبتغي فضل الله تعالى ورضوانه والله ضمن ألا يضل سعيه ولا يضيع أجره وكذا الداخل بيته بسلام والمضمون له أن يبارك الله تعالى له به ولأهل بيته لما في حديث أنس المذكور آنفًا، هذا بناء على إن المراد بسلام في هذا الخبر

بِسلام فهُوَ ضَامِنٌ على اللهِ سُبْحانَهُ وتعالى" حديث حسن، رواه أبو داود بإسناد حسن، ـــــــــــــــــــــــــــــ سلام التحتية وسيأتي ما فيه وسمي الرواح للمسجد غنيمة لما فيه من الأجر والثواب ونظيره في التسمية بذلك خبر الترمذي عن عمر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث بعصا قبل نجد فغنموا غنائم كثيرة وأسرعوا الرجعة فقال رجل منا لم يخرج ما رأينا بعثاً أسرع رجعة ولا أفضل غنيمة من هذا البعث فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا أدلكم على قوم أفضل غنيمة وأسرع رجعة قوم شهدوا صلاة الصبح ثم جلسوا يذكرون الله حتى طلعت الشمس فأولئك أسرع رجعة وأفضل غنيمة وإنما كانت هذه الغنيمة أفضل لبقاء ثوابها ودوامه وفناء تلك الغنيمة وسرعة انقضائها. قوله: (بسلاَمٍ) أي مسلما على أهله أو على نفسه إن كانت البيت خالياً وقيل المراد من رجل دخل بيته بسلام الذي يلزم بيته طلباً للسلامة وهرباً من الفتن واستوجهه الطيبي وأنه على حد قوله تعالى: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ} [الحجر: 46] أي من الآفات والعوارض والعذاب اهـ. وقال العاقولي إن هذا وجه ملائم لما قبله لأن الرجل إما مسافر أو حاضر والحاضر إما متردد إلى المسجد أو ملازم لبيته فالسفر ينبغي أن يكون لله تعالى وجهاد أعدائه والرواح إلى المسجد ينبغي أن يكون لله وتعظيم شعائره والقعود في البيت ينبغي أن يكون اتقاء الفتنة وابتغاء السلامة في الدين لأن التاجر الحاذق يجهد عند إعواز المكسب على حفظ رأس المال، ورأس مال المؤمن دينه اهـ. وقال ابن حجر في شرح المشكاة الأول أوجه خلافاً للشارح يعني الطيبي وليس نظير الآية لأن آمنين فيها هو المفيد لذلك وأما سلام فمعناه إن الملائكة تسلم عليهم أو يسلم بعضهم على بعض فهو نظير المعنى الأول فيما مر فيه وأما استفادة لزوم البيت والعزلة من مجرد ادخلوها فبعيد جداً كما لا يخفى وسبق المضمون على الوجه الأول وعلى الثاني المضمون بدله هو رعاية الله تعالى إياه وأمنه من الفتن وحكمة

ورواه آخرون. ومعنى "ضامن على الله تعالى" أي صاحب ضمان، والضمان: الرعاية للشيء، كما يقال: تَامِرٌ، ولابِنٌ: أي: صاحب تمر ولبن. فمعناه: أنه في رعاية الله تعالى، وما أجزل هذه العطية، اللهم ارزقناها. وروينا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا دَخَلَ الرَّجُل بَيْتهُ فَذَكَرَ اللهَ تعالى عِنْدَ دُخُولِهِ وعِنْدَ طَعامِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ جمع الثلاثة أن الجهاد فيه القيام بنصرة الدين وإصلاح الدارين فلذا قدم والرواح إلى المساجد فيه القيام بمصالح الدين وفي أداء السلام القيام بمصالح الدنيا من التلطف والتواضع ولذا وقع ترتيبها كذلك فقدم ما فيه المصلحتان لكونه أهم وجامعاً ثم ما فيه المحصلحة الأخروية لأنه كذلك بالنسبة لما بعده. قوله: (ورواهُ آخَرُون) قال الحافظ أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود وابن حبان في صحيحه وللحديث طرق ثلاثة في الجامع الصغير ورواه ابن حبان والحاكم في المستدرك. قوله: (أي صاحِبُ ضَمانٍ إلخ) هو أحد وجهين حكاهما المصنف في شرح مسلم ثانيهما أنه بمعنى مضمون كماء دافق أي مدفوق وقيل معنى ضامن على الله واجب عليه سبحانه أن يكلأه من فتن الدارين والوجوب من جهة وعده الذي لا يخلف لا من جهة أنه يجب لأحد عليه شيء تعالى عن ذلك علواً كبيراً. وقال العارف بن أبي جمرة والضمان من الله ضمان إمكان لا ضمان وجوب فإن معناه تأكيد التصديق بحصول الأجر الذي تفضل به لأن الوجوب في حقه تعالى مستحيل اهـ. وقال العاقولي في قوله كلهم ضامن إلخ، معناه اللزوم لأن الضمان في عرف الشرع ملزم اهـ، أي أنه أتى بهذا اللفظ إيماء إلى لزوم حصول الثواب الموعود وذلك لوعده الذي لا يخلف وبمحض كرمه والجود. قوله: (والضمانُ الرِّعايةُ) أي والحفظ. قوله: (فَذكرَ الله تعالى عِن دخوله) يحصل

قال الشَّيْطَانُ: لاَ مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ، وَإذا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ تَعالى عِنْدَ دُخولِهِ، قالَ الشَّيطانُ: أدْرَكْتمُ المَبِيتَ، وإذا لم يَذْكُرِ اللهَ تَعالى عِنْدَ طعامِهِ قال: أدْرَكْتُمُ المَبِيتَ والعَشَاءَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الذكر الدافع للشيطان عن الدخول بالسلام عند الدخول كما سبق في حديث جابر أول الباب. قوله: (قالَ الشَّيطْانُ إلخ) قال ابن الجوزي في "زاد المسير إلى علم التفسير" في قوله تعالى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي} [الكهف 50] قال مجاهد ذريته الشياطين ومن ذريته "زلنبور" صاحب راية إبليس بكل سوق "بتر" وهو صاحب المصائب و"الأعور" صاحب الزنا و"مسوط" صاحب الأخبار يأتي فيطرحها على أفواه الناس فلا يوجد لها أصل و"داسم" صاحب الإنسان إذا دخل بيته ولم يسلم ولم يذكر اسم الله فهو يأكل معه إذا أكل اهـ، ومثله في التفسير الوسيط للواحدي قال وداسم الذي إذا دخل الرجل بيته فلم يسلم ولم يذكر اسم الله بصره من المتاع ما لم يعرف ويحسن موضعه، وإذا أكل ولم يذكر اسم الله أكل معه اهـ. وفي تفسير البغوي عن مجاهد من ذرية إبليس لاقيس وولهان وهو صاحب الطهارة والصلاة والهفاف ومرة وبه يكنى، وزلنبور صاحب الأسواق يضع رايته بكل سوق يزين اللغو والحلف الكاذبة ومدح السلعة وبتر وهو صاحب الزنى ينفخ في إحليل الرجل وعجز المرأة ومطون صاحب الأخبار الكاذبة وداسم وذكر ما سبق فيه ثم قال قال الأعمش ربما دخلت البيت ولم أذكر اسم الله ولم أسلم فرأيت مظهره فقلت ارفعوا وخاصمتهم ثم أذكر فأقول داسم داسم. وعن أبي بن كعب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إن للوضوء شيطاناً يقال له الولهان فاتقوا وسواس الماء. وأخرج مسلم عن أبي العلاء إن عثمان بن أبي العاص أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي يلبسها علي فقال رسول الله

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ - صلى الله عليه وسلم - ذاك شيطان يقال له خنزب الحديث وسيأتي إن شاء الله تعالى. وأخرج مسلم أيضاً عن جابر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فيفتنون الناس فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئاً قال ثم يجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته فيدنيه منه ويقول نعم أنت قال الأعمش آراء قال فيلتزمه اهـ. أما في تفسير البغوي مع نوع تغيير واختصار يسير وفيه زيادة على ما فيهما ومخالفة في اسم صاحب الأخبار والله أعلم بالصواب وكلام مجاهد صريح في إن صاحب الإنسان القائل ما ذكر عند فقد التسمية اسمه داسم وأنه من ذرية إبليس ونقله من ذكر وسكت عنه لكن قال المصنف في شرح مسلم معنا، قال الشيطان لإخوانه وأعوانه ورفقته وظاهره إن إبليس يقول ذلك لذويه ومثله عبارة الحرز والحاصل أنه قال الشيطان لأولاده وأعوانه لا يحمل لكم مسكن ولا طعام في هذا البيت لأن صاحبه سمى الله عليه اهـ، وذكر بعضهم إن لإبليس تسعة من الولد لكل منهم اسم وعمل فمنهم خنزب في الصلاة والولهان الموسوس في الطهارة والثلث زلنبور بزاي مفتوحة ولام مشددة بعدها نون فموحدة آخره راء وهو الذي في الأسواق ويزين للباعة اللغو والحلف الكاذب ومدح السلعة وتطفيف الكيل والميزان، والرابع الأعور وهو شيطان الزنى يفعل بالرجل والمرأة ما سبق من التهييج، الخامس الوسنان بواو مفتوحة وسين مهملة ساكنة ثم نونين بينهما ألف وهو شيطان النوم يثقل الرأس والأجفان عن القيام إلى الصلاة ونحوها ويوقظ إلى القبيح من زنى ونحوه، والسادس تبر بفوقية وموحدة فراء اسم شيطان المصيبة يزين الصياح ولطم الخد ونحوه، والسابع داسم بدال وسين مهملتين بينهما ألف اسم شيطان الطعام يأكل مع الإنسان ويدخل المنزل إن لم يسم الله عند طعامه ودخوله وينام على الفرش ويلبس الثوب إذا لم يكن مطوياً وذكر اسم الله عليه وقيل أنه يسعى في إثارة الخصام بين الزوجين ليفرق بينهما، الثامن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مطون بميم مفتوحة فطاء مهملة آخره نون ويقال مسوط بسين مهملة مضمومة آخره طاء مهملة وهو صاحب الأخبار الكاذبة يلقيها على ألسنة الناس فتشيع ثم لا يوجد لها أصل، التاسع الأبيض بموحدة فتحتية فضاد معجمة موكل بالأنبياء والأولياء فسلموا منه وأما الأولياء فهم مجاهدون له فمن سلمه الله سلم ومن أغواه غوى كبرصيصا العابد وقصته مشهورة وزاد البغوي في تفسيره كما علم مما سبق "مرة" وبه يكنى إبليس أبا مرة وهو صاحب المزامير، والهفاف بفاءين هو صاحب الشرور، ولاقيس صاحب المجوس ويقال أنه له ولداً يدعى وتين بفوقية بعد الواو فتحتية فنون وهو صاحب السلاطين ويقال أنه يولد لإبليس ألف ولد، واختلف هل له زوجة أم لا وسئل الشعبي عن ذلك فقال أنه عرس ما شهدته وقال بعضهم إن له زوجة هي الحية التي أدخلته الجنة فمنها ذريته وقيل ليس له زوجة إنما يدخل ذكر في دبره فيبيض فينفلق البيض عن جماعة من الشياطين ونقل القرطبي إن له في فخذه اليمنى ذكراً وفي فخذه اليسرى فرجاً فيطأ بإحداهما الأخرى فيخرج له كل يوم عشر بيضات يخرج من كل سبعون شيطاناً وشيطانة فهو يدرج ويطير اهـ. قال المصنف وفي الخبر استحباب ذكر الله تعالى عند دخول البيت وعند الطعام اهـ. وفي شرح الأنوار السنية قال القاضي عياض ذكر الله واستعمال العبد ما ندب إليه منه في مواطن يمنع الشيطان من الاستقرار والأكل من عشائه ولم يحصل له قدرة عليه هذا إذا جعل الحديث على وجهه وظاهره، وإن صرف إلى المجاز كان معناه لا منفعة لكم بالمبيت إذ كفاه الله بذكره إغواءكم له وضركم إياه ومنعكم رغبتكم من نقص طعامه ورفع البركة منه وقلة الانتفاع به بمعاقبة الله إياه بذلك إذا لم يسمه ولا امتثل أمر الله في ذلك اهـ. قال التوربشتي قوله لا مبيت لكم ولا عشاء يحتمل أن يكون الخطاب لأهل البيت على سبيل الدعاء عليهم أي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جعلكم الله محرومين كما جعلتموني محرومًا من الطعام والمسكن بأن ذكرتم اسم الله ولكن ({وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إلا فِي ضَلَالٍ} [غافر: 50] قال الطيبي وهذا بعيد لقوله بعده قال الشيطان أدركتم المبيت والعشاء والمخاطبون أعوانه قال ميرك ويحتمل أن يكون الخطاب هنا أيضًا لأهل البيت والجملة دعاء عليهم قلت هذا بعيد جدًّا على أنه تحصيل الحاصل وفي كتاب الأذان من شرح مسلم للأبي في حديث "إذا سمع الشيطان النداء أدبر وله ضراط الخ" فيه عوده عند أخذه في الصلاة بعد هروبه عند سماعه الأذان كما قال "فإذا سكت عاد" وقال في كتاب الأطعمة إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء فظاهره أنه يذهب ولا يرجع والفرق إن هروبه في الأذان لئلا يسمع موجب هروبه فإذا انقضى رجع وذكر الله عند دخوله جعل مانعا له من الكون في البيت فإذا ذهب فلا يرجع وأجاب غير الأبي بأن المبيت في البيت أخص من مطلق الكون فيها ولا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم فقد يرجع إلى الوسوسة ولا يثبت فيستوي الحديثان اهـ، ولك إن تقول مؤيدًا لما أجاب به ذلك الغير نفس الخبر مصرح بأن الممنوع بالذكر عند الدخول المبيت إذ لو ذكر عند الدخول ولم يذكر عند الطعام أكل معه وإن منع من المبيت والمانع منهما الذكر عندهما على أنه غير مانع من الوصول لغير المبيت والأكل من وسوسة ونحو هذا والله أعلم وفي الحديث إن الشيطان يأكل وقد ورد عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وليشرب بيمينه وليأخذ بيمينه وليعط بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويعطي بشماله ويأخذ بشماله قال ابن عبد البر في التمهيد فيه دليل على أن الشياطين يأكلون ويشربون وقال آخرون هذا الحديث وما كان مثله على المجاز والمراد هنا إن الأكل باليسار يحبه الشيطان قال وليس هذا عندي بشيء ولا معنى للحمل على المجاز إذا أمكنت الحقيقة وقال آخرون أكل الشيطان صحيح لكنه

رواه مسلم في "صحيحه". وروينا في كتاب ابن السني، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رجع من النهار إلى بيته يقول: "الحَمْدُ للهِ الذي كَفَانِي ـــــــــــــــــــــــــــــ تشمم وتروح لا مضع وبلع إنما المضغ والبلع لذوي الحنث ويكون استرواحه وشمه من جهة شماله اهـ. قوله: (رواه مسلم في صحيحه) ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان وابن السني كلهم عن جابر قال الحافظ وله شاهد من سلمان أخرجه الطبراني ولفظه من سره إلا يجد الشيطان عنده طعامًا ولا مقيلًا ولا مبيتًا فليسلم إذا دخل بيته ويسم الله على طعامه وهذا إذا ثبت كان مفسرًا للذكر الماضي في حديث جابر لكن سنده ضعيف اهـ، وسبق في الفصل أول الكتاب الخلاف في أنه هل يفسر نحو مبهم الحديث الصحيح بما يأتي في الحديث الضعيف. قوله: (عَنْ عبدِ الله بنِ عَمْرِو بنِ العاص) سبقت ترجمته في باب فضل الذكر وكتبت الواو بعد عمرو لما سبق من الفرق بينه وبين عمر وقد جعلوا ذلك كالمثل فيمن يلحق بمن ليس متصلًا به قال الشاعر: أيها المدعي سليمى سفاها ... لست منها ولا قلامة ظفر إنما أنت في الحقيقة واو ... ألحقت في الهجاء ظلما بعمرو والعاص اختلف فيه هل يكتب بالياء أو لا قال المصنف في أوائل شرح مسلم العاصي أكثر ما يأتي في كتب الحديث والفقه بحذف الياء وهي لغة والصحيح الفصيح العاصي بإثبات الياء وكذا ابن الهادي وابن أبي الموالي فالفصيح الصحيح في كل ذلك وما أشبه إثبات الياء ولا اغترار بوجوده في كتب الحديث أو أكثرها بحذفها اهـ. وقال في باب الإيمان من المرقاة الأصح عدم ثبوت الياء إما تخفيفا أو بناء على أنه

وَآوانِي، وَالْحَمْدُ للهِ الذي أطْعَمَني وَسقانِي، وَالحَمْدُ لِلَهِ الذي مَنَّ عَلَي، أسألكَ أنْ تُجِيرَنِي مِنَ النَّارِ" إسناده ضعيف. وروينا في موطأ مالك أنه بلغه، أنه يستحبُّ إذا دخل بيتًا غير مسكون أنْ يقول: "السلامُ عَلَيْنا وعلى ـــــــــــــــــــــــــــــ أجوف ويدل عليه ما في القاموس الأعياص من قريش أولاد أمية بن عبد شمس العاص وأبو العاص والعيص وأبو العيص فعلى هذا لا يجوز كتابة العاص بالياء ولا قراءته بها لا وقفًا ولا وصلًا فإنه معتل العين بخلاف ما يتوهمه بعض الناس أنه اسم فاعل عن عصي فحينئذٍ يجوز إثبات الياء وحذفها وقفا ووصلا بناء على أنه معتل اللام اهـ. قوله: (وآواني) بالمد كما هو الأفصح وسبق جواز القصر في مثله. قوله: (وسقَاني) قال ابن حجر في شرح الشمائل يقال سقاه وأسقاه بمعنى في الأصل ولكن جعلوا سقى للخير نحو {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21] وأسقى لضده قال تعالى {لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن: 16] وفيه نظر من وجهين "الأول" كون سقى للخير يمنعه قوله تعالى: ({وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد: 15] "والثاني" تمثيله لا سقى في الشر بقوله: {لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن: 16]، أي كثيرًا مع أنها إنما استعملت في الخير لا في الشر وقال تعالى: {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا} [المرسلات: 27] ولعل وجه الإتيان بالثلاثي كون أسقى مع ما فيه من المبالغة يوهم إرادة غير هذا المعنى إذ له معانٍ آخر على ما في القاموس. قوله: (منَّ عَلي) مأخوذ من المنة وهي النعمة مطلقًا أو بقيد كونها ثقيلة مبتدأة من غير مقابل بوجهيها ونعمه تعالى من محض فضله إذ لا يجب عليه شيء لأحد من خلقه خلافًا لزعم المعتزلة وجوب الأصلح عليه تعالى عن ذلك علوا كبيرًا. قوله: (وروينا إلخ) سبق نقل مثله عن قتادة في كلام الواحدي وأن الملائكة ترد عليه وسبق إن إسناده ضعيف قال الحافظ ضعفه الشيخ وليس في روايته من ينظر في حاله إلَّا الرجل

باب ما يقول إذا استيقظ في الليل وخرج من بيته

عبادِ اللهِ الصالِحِينَ". باب ما يقول إذا استيقظ في الليل وخرج من بيته يستحبُّ له إذا استيقظ من الليل وخرج من بيته أن ينظر إلى السماء ويقرأ الآيات الخواتم ـــــــــــــــــــــــــــــ المبهم أي الراوي له عن ابن عمر وقال وقد وجدت له شاهدًا من حديث عبد الرحمن بن عوف أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ومسنده جميعًا عنه إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول إذا فرغ من طعامه "الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا الحمد لله الذي كفانا وآوانا الحمد لله الذي أنعم علينا فأفضل نسأله أن يجيرنا من النار فرب غير مكفي لا يجد مأوى ولا منقلبا" وفي إسناده مبهم جاء من طريق آخر في محله ابن أبي نجيح قال الحافظ فإن كان هو المبهم في السند فالحديث حسن وإن ضعف ابن أبي ليلى وتكلم في سماع أبي سلمة من أبيه عبد الرحمن فيجبر ذلك بمجيء الحديث الذي قبله وسيأتي له من حديث أنس أصل صحيح في أبواب الأطعمة اهـ. وقوله: (عِبادِ الله الصالحِينَ) سبق إن عباد جمع عبد ومعنى العبد وباقي جموعه والصالح القائم بحقوق الله تعالى وحقوق عباده. باب ما يقول إذا استيقظ في الليل وخرج من بيته قوله: (أَنْ يَنْظُرَ إلى السماءِ) أي نظر تفكر في عجائب الملكوت ليستغرق في عالم الجبروت والرحموت حتى يفاض عليه من خزائنهما وما قيل بكراهة النظر إلى السماء مردود بأن الأحادبث جاءت بخلافه وسيأتي في الأدعية المتفرقة باب لذلك إن شاء الله تعالى. قوله: (ويقرأ الآياتِ الخَوَاتيمَ) هو بالياء في نسخة مصححة وبحذفها في أصل مصحح مقروء على ابن العماد الأقفهسي وغيره وهو بالنصب جمع ختام بمعنى الختم لا جمع خاتم كما توهمه بعض وإلَّا لم يكن للياء قبل الآخر وجه

من سورة آل عمران ({إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} إلى آخر السورة. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولوجب تركها كما في النسخة الثانية. قوله: (مِنْ سُورَةِ آلِ عِمرانَ) عبر الصحابي بهذا اللفظ كما في الصحيحين ويؤخذ منه جواز سورة البقرة وسورة آل عمران وكرهه بعض المتقدمين وقال إنما يقال السورة التي يذكر فيها البقرة والصواب الأول وبه قال عامة العلماء والسلف والخلف وتظاهرت عليه الأحاديث الصحيحة وقوله {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 190] إلى آخر السورة بيان للآيات أو بدل منها، وتقدم بعض فوائد متعلقة بالآية في الفصول. ونذكر هنا بعضًا آخر "منها" ما قيل وجه ذكر أولي الألباب في آية آل عمران بعد آيتين وذكر العقل في آية البقرة بعد ثمان آيات مع إن العقل أعم واللب أخص والمعارف تزداد بزيادة المشاهدة إن كثرة الأدلة إنما يحتاج إليها في الابتداء حتى يقوى اليقين فناسب ختم آيتها بمطلق العقل وأما في الانتهاء فالشهود الأعظم حاصل بنظر أي دليل كان لوجود الجمع الأكبر المنافي لكثرة التعدد فناسب ختمها بأولي الألباب وكأن هذا هو حكمة إيثاره - صلى الله عليه وسلم - قراءة هذه الآية على تلك مع ما اشتملت عليه من دوام الذكر الذي هو أعظم أسباب الوصول وعجائب الفكر وحقائق الخضوع والاعتراف بالتقصير وجوامع الدعاء والتشفع بالرسل المقرون بالإجابة ومدح المطيعين وذم غيرهم والأمر بالصبر وما صاحبه الذي لا يطيقه إلَّا الكمل "ومنها" ما في الكشاف عن ابن عمر قلت لعائشة رضي الله عنها أخبريني بأعجب ما رأيت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبكت وأطالت ثم قالت كل أمره عجيب أتاني في ليلتي فدخل في لحافي حتى ألصق جلده بجلدي ثم قال يا عائشة أتأذنيني الليلة في عبادة ربي فقلت يا رسول الله إني لأحب قربك وأحب هواك وما تهواه من العبادة فأذنت له فقام إلى قربة ماء في البيت فتوضأ ولم يكثر من صب الماء ثم قام يصلي فقرأ من القرآن وجعل يبكي حتى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رأيت دموعه قد بلت الأرض فأتاه بلال يؤذن بصلاة الغداة فراه يبكي فقال يا رسول الله أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال يا بلال أفلا أكون عبدا شكورا ثم قال وما لي لا أبكي وقد أنزل الله علي في هذه {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190] إلى قوله: {فَقِنَا عَذابَ النَّارِ} ثم قال - صلى الله عليه وسلم - ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها، وروي ويل لمن لاكها بين فكيه ولم يتأملها، وحكي أن الرجل من بني إسرائيل كان إذا عبد الله ثلاثين سنة أظلته سحابة فعبد الله فتى من فتيانهم فلم تظله سحابة فقالت له أمه لعل فرطة فرطت منك في مدتك فقال ما ذكرت شيئًا قالت لعلك نظرت مرة إلى السماء فلم تعتبر قال لعل ذلك قالت فما أوتيت إلا من ذلك، وعن سفيان الثوري أنه صلى خلف المقام ركعتين ثم رفع رأسه إلى السماء فلما رأى الكواكب غشي عليه وكان يبول الدم من طول حزنه وفكرته. وفي النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال بينما رجل مستلق في فراشه إذ رفع رأسه فنظر إلى النجوم وإلى السماء فقال أشهد أن لك ربًّا وخالقًا اللهم اغفر لي فنظر الله إليه فغفر له فقال - صلى الله عليه وسلم - لا عبادة كالتفكر، وقيل الفكرة تذهب الغفلة وتحدث للقلب الخشية كما يحدث الماء للزرع النبات وما جليت القلوب بمثل الأحزان ولا استنارت بمثل الفكرة. وقد روي أن يونس - عليه السلام - كان يرفع له في كل يوم مثل عمل أهل الأرض قالوا وإنما كان ذلك التفكر في أمر الله الذي هو عمل القلب لأن أحدا لا يقدر أن يعمل بجوارحه في اليوم مثل عمل أهل الأرض اهـ، أما في الكشاف باختصار وفي شرح رسالة ابن أبي زيد المالكي لداود قال ابن عباس وأبو الدرداء فكرة ساعة خير من فيام ليلة وقال سري السقطي فكرة ساعة خير من عبادة سنة ما هو إلَّا إن تحل أطناب خيمتك فتجعلها في الجنة وقال - صلى الله عليه وسلم - تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق فإنكم لا

ثبت في الصحيحين: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعله، إلا النظر إلى السماء، فهو في "صحيح البخاري" دون "مسلم". وثبت في الصحيحين، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قام من الليل ـــــــــــــــــــــــــــــ تقدرون قدره اهـ. قوله: (ثبتَ في الصحيحينِ) أي من حديث ابن عباس. قوله: (كان يفعلهُ) قال المصنف في شرح مسلم فيه جواز القراءة للمحدث وهذا إجماع من المسلمين وإنما تحرم القراءة على الجنب والحائض وفيه استحباب قراءة هذه الآيات عند القيام من النوم. قوله: (إلا النظَر إلخ) أحسن المصنف في التنبيه إن ذلك من أفراد البخاري وقد تساهل صاحب المشكاة فعزا تخريج الحديث بجملته إلى الصحيحين وقال متفق عليه وكذا صاحب السلاح فعزا تخريجه إلى الستة ما عدا الترمذي لكن قال الحافظ إن النظر إلى السماء ثبت عند مسلم أيضًا وسبب خفائه على الشيخ إن مسلما جمع طرق الحديث كعادته وساقها في كتاب الصلاة ثلاثة وأفرد طريقًا منها في كتاب الطهارة وهي التي وقع عنده فيها التصريح بالنظر إلى السماء وقع ذلك في طريقين آخرين مما ساقه في كتاب الصلاة لكنه اقتصر في كل منهما على بعض المتن فلم يقع عنده التقييد يكون ذلك عند الخروج من البيت وليس في شيء من طرق الثلاثة التي أشرت إليها -أي فيما تقدم من كلامه- التصريح بالقراءة إلى آخر السورة إنما ورد ذلك في طريق أخرى ليس فيها النظر إلى السماء لكن الحديث في نفس الأمر واحد فذكر بعض الرواة ما لم يذكر بعض كل ثم قال بعد سياق روايات مسلم فتبين بهذه الروايات ما ذكرته أولًا مفصلًا وإن النظر إلى السماء ثابت عند مسلم صريحًا وحوالة والله أعلم اهـ. قوله: (وثبتَ في الصحيحين) وكذا رواه باقي الستة كما في السلاح وفيه أيضًا زاد

يتهجد قال: "اللهم لكَ الحَمْدُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ البخاري في بعض طرقه في أوله اللهم ربنا لك الحمد وبعد قوله وما أعلنت وما أنت أعلم به مني وفي رواية مسلم وبعض روايات البخاري أنت الهي لا إله إلَّا أنت ورواه أبو عوانة في مسنده الصحيح وزاد بعد وإليك حاكمت أنت ربنا وإليك المصير اهـ. وقال الحافظ بعد تخريجه بنحو ما ذكره الشيخ حديث صحيح أخرجه أحمد والشيخان والنسائي وأخرجه الطبراني في كتاب الدعاء بخلافه في آخره وهو كذلك عند الشيخين من طريق أخرى اهـ، بمعناه. قوله: (يتهجدُ) من التهجد وهي اسم لدفع النوم بالتكلف والهجود هو النوم يقال هجد إذا نام وتهجد إذا أزال النوم كما يقال حرج إذا إثم وتحرج إذا تورع من الإثم وقيل أنه من الأضداد يقال تهجدت إذا سهرت وتهجدت إذا نمت كذا في السلاح وعلى الأول كون تهجد بمعنى أزال الهجود كتحرج وتأثم أي أزال الحرج والإثم ثم يقوي بحثه الكرماني في أول شرح البخاري في قول الخطابي لم يأت تفعل بهذا المعنى إلَّا في تحنث وتحوب وتأثم أي ألقى الحوب والإثم عن نفسه قال وليس في كلامهم تفعل بهذا المعنى غير هذه اهـ، من قوله هذه شهادة نفي وكيف وقد ثبت في الكتب الصرفية إن باب تفعل يجيء للتجنب كثيرًا، نحو تحرج وتخون أي اجتنب الحرج والخيانة وغير ذلك اهـ، وفي التوشيح للسيوطي وقيل التهجد السهر بعد نوم وقيل صلاة الليل خاصة اهـ، والتهجد شرعًا صلاة نفل بليل بعد النوم والأصح إن بينه وبين الوتر عمومًا وخصوصًا وجهان فيجتمعان فيما إذا صلاها بعد نوم والصحيح أيضًا كما صححه المصنف إن نسخ وجوب التهجد عام في حقه - صلى الله عليه وسلم - وحق غيره. قوله: (لكَ الحمدُ) قدم الظرف لإفادة الحصر والاختصاص

أنتَ قيِّمُ السمواتِ والأرضِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي الحمد للاستغراق أو للجنس أو للعهد واختار الزمخشري الثاني ومنع الأول ولم يبين وجهه قيل ولعله إن القصد بالجملة إنشاء الحمد لا الإخبار به وهذا مانع من كونها للاستغراق إذ لا يمكن العبد إنشاء جميع المحامد منه ومن غيره وفي أول المطول للسند التفتازاني تحقيق ذلك فراجعه، وقال العارف بالله أبو العباس المرسي قلت لابن النحاس النحوي ما تقول في ال في الحمد أجنسية أم عهدية فقال يا سيدي قالوا إنها جنسية فقلت الذي أقول أنها عهدية وذلك إن الله تعالى لما علم عجز خلقه عن كنه حمده حمد نفسه بنفسه في أزله نيابة عن خلقه قبل أن يحمدوه فقال يا سيدي أشهدك أنها عهدية كذا في إيضاح السالك على المشهور من مذهب مالك للشيخ داود واللام في لك للاستحقاق لاستحقاقه تعالى الحمد من الخلق لذاته وإن انتقم والحمد أي الثناء بكل جميل يليق بك أي لك الحمد أولًا على ما أنعمت به علي من التوفيق لطاعتك والشهود لمعارفك لا سيما أوقات تجليك وسعة تفضلك. قوله: (أَنت قيم السمواتِ والأَرْضِ إلخ) وفي نسخة قيوم وأتى بالجملة كالتعليل للحصر في الجملة قبله ووجه المناسبة مما أشير إليه من قولًا: (على ما أنعمت إلخ) وما ذكر هنا جار فيما يأتي أيضًا وقيم مبالغة قائم قال المصنف في شرح مسلم بعد أن أورد القيام من جملة روايات مسلم قال العلماء من صفته القيام والقيم كما صرح به الحديث والقيوم بنص القرآن ومنه قوله: ({أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ} [الرعد: 33] قال الهروي ويقال قوام قال ابن عباس القيوم الذي لا يزول وقال غيره هو القائم على كل شيء ومعناه مدبر أمر خلقه وهما سائغان في تفسير الآية والحديث اهـ. وفي تفسير الواحدي قال مجاهد القيوم القائم على كل شيء وتأويله أنه قائم بتدير أمر الخلق في إنشائهم وإرزاقهم وقال الضحاك القيوم الدائم الوجود وقال أبو عبيدة هو الذي لا يزول لاستقامة وصفه بالوجود

ومَنْ فيهِنَّ، ولكَ الحَمْدُ، لكَ مُلْكُ السماواتِ وَالأرضِ ومَنْ فِيهِنَّ، ولكَ الحَمْدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ حيث لا يجوز عليه التغيير بوجه من الوجوه اهـ، وهي قريبة مما نقله المصنف وفي زاد المسير في القيوم ثلاث لغات القيوم وهي قراءة الجمهور والقيام وبه قرأ عمر بن الخطاب وابن مسعود وابن أبي عيلة والأعمش والقيم وبه قرأ رزين وعلقمة كذلك في مصحف ابن مسعود وأصل القيوم قيووم فلما اجتمعت الواو والياء والسابق ساكن جعلتا ياء مشددة وأصل القيام قيوام. تنبيه وقع في نسخة السيد صديق الأهدل قيوم السموات والأرض وكتب على الهامش إن الحديث كذا ساقه مسلم في صحيحه إلا قيوم فإن فيه قيام وقيم فحسب والذي في الكتاب لفظ البخاري وهو الواقع في أكثر النسخ اهـ، وكونه أكثر النسخ كذلك ممنوع فيما وقفت عليه من الأصول المصححة والذي فيها قيم وهو المروي فيها. قوله: (ومَنْ فيهِنَّ) غلب فيه العقلاء على غيرهم لشرفهم وقد يعكس لغلبة أولئك. قوله: (ولَكَ الحمدُ) أي لك الحمد ثانيًا على ما مننت به من دوام الإنعام والإمداد خصوصًا بما خصصت به أرباب الاختصاص والإسعاف والإسعاد من نور الهداية والعرفان المذكور أثره في البيان وكرر الحمد ثالثا. بقوله: (ولَكَ الحمدُ أنتَ مُلْكُ السمواتِ إلخ) نظرًا إلى ما مَنَّ به مشهود معالم القهر وخوارق الملك والملكوت أي لك الحمد على ما مننت به من إشهادنا معالم قهرك وملكك وخوارق ملكوتك ثم في الأصول المصححة من الأذكار "لك ملك السموات والأرض" وفي المشكاة وفي بعض نسخ الأذكار أنت ملك السموات والأرض والظاهر إن الجملة على الروايتين كالتعليل لما تضمنت الجملة قبله من الحصر، ورابعًا نظرًا إلى ما مَنَّ به من إشهاد فناء ما سواه

أنتَ نورُ السمواتِ والأرْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنه لا باقي إلا وجهه. بقوله: (أَنتَ الحق إلخ) ومنتهاه وهذا هو المقصود للسالك وبه ينال أشرف الخصال ويقبل على مولاه ذي الجلال ويكتسب بذلك أشرف الخلال. قوله: (أَنتَ نور السمواتِ والأَرض) قال المصنف في شرح مسلم قال العلماء معناه منورهما أي خالق نورهما "قلت" وفي شرح المشكاة لابن حجر أي منورهما بما أوجدت فيهما من الآيات الدالة على باهر قدرتك وظاهر عظمتك ليستدل بها الحائرون ويسترشد بها المرشدون أي سواء كانت تلك الآيات حسية كالأجرام النيرة أو معنوية كاللطائف المذكورة من العقل والحواس الظاهرة والباطنة وفسر ابن عباس النور في قوله تعالى: ({اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور: 35] بالهادي وفيه استعارة الهداية للسموات والأرض أي جاعلهما محل الهداية لكونهما نصبتا دلائل على وحدانيته واتصافه بأوصاف الكمال وتنزهه من سمات النقص ونظيره قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّه لَا الهَ إِلَّا هُوَ} [آل عمران: 18] أي أقام الأدلة على وحدانيته ناطقة بالشهادة له بها وبهذا مع ما هو مقرر من أن العطف كثيرًا ما يكون للتفسير رد قول من قال تفسير النور بالهادي أي في خبر مسلم هذا فيه نظر لإضافتة للسموات والأرض المانع لصحته إلا بتأويل بعيد لا حاجة إليه بل بدفعه عطف ومن فيهن على ما قبله لإشعار العطف بالمغايرة اهـ، هذا كله إن فسرت الهداية بما يقابل الضلال فإن فسرت بالدلالة والإرشاد فلا توقف في صحته لأن كلا من المخلوقين يهتدون بما فطرهم الله عليه إلى منافعهم قال تعالى: ({قَال رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 50] أي أعطى كل حيوان نظيره ليسكن إليه حتى يحصل التوالد ثم هدى أي أرشد كيف يرتفق بما أعطي وكيف يتوصل إليه فرجع المعنى إلى الله هادي ذوي العلم وغيرهم كلا بما يليق بحاله ويناسبه من عبادة أو غيرها ({وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ

وَمَنْ فيهِنَّ، ولكَ الحَمْدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44] اهـ، كلام شرح المشكاة قال المصنف وقال أبو عبيدة معناه بنورك يهتدي أهل السموات والأرض وقال الخطابي في تفسير اسمه سبحانه وتعالى النور معناه الذي بنوره يبصر ذو العماية وبهدايته يرشد ذو الغواية قال ومنه ({اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور: 35] أي منه نورهما قال ويحتمل إن يكون معناه ذو النور ولا يصح أن يكون النور صفة ذات الله وإنما هو صفة فعل أي هو خالقه وقال غيره معنى النور: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور: 35] مدبر شمسها وقمرها ونجومها اهـ. وفي التوشيح للسيوطي وقيل المعنى أنت المنزه عن كل عيب وقيل هو اسم مدح يقال فلان نور البلد أي مزينه اهـ. "فإن قيل" يشكل على صرف النور عن ظاهره فيما ذكر قوله - صلى الله عليه وسلم - لما سئل هل رأيت ربك قال نور أنى أراه "قلنا" صرفه عن ظاهره لكونه من صفات الأجرام المحالة على الباري لاستلزامها الحدوث واجب بالإجماع وبضرورة العقل ومعنى نور أنى أراه أي نور باهر للعقل حجبني عن رؤيته فكيف أراه مع ذلك والخبر صريح فيه إذ النور من شأنه أنه يرى فكيف يستبعد رؤيته فتعين إن المراد إن النور حجبه عن رؤيته تعالى لا إن الحق نور تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا قيل ولعل هذا الخبر كان أولًا أو أخبر به من لم يتأهل لفهم الأخبار بالرؤية وإلا فالذي صح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى ربه بعين بصره بأن أعطاه في الدنيا القوة التي كان يعطيها للمؤمنين المناسبة لخلقهم للبقاء حتى يروه بأبصارهم من غير تكييف ولا إحاطة وبما تقرر علم إن من جملة أسمائه تعالى النور وإن حكمة تسميته به ما اختص به تعالى من إشراق نور الجلال وسبحات العظمة التي تضمحل الأنوار الحسية دونها وهو بهذا المعنى لا يشاركه فيه أحد من خلقه. قوله: (ومن فيهنَّ) أي ونور من فيهن أي موجدهم أو نور من فيهن لاستضاءتهم بنورك المكنى به عما يفاض منك عليهم من العلوم والمعارف فيبصر ذو العماية ويرشد

أنتَ الحق، ووَعْدُكَ الحق، ـــــــــــــــــــــــــــــ ذو الغواية. قوله: (أَنتَ الحقُّ) قال العلماء الحق في أسمائه تعالى معناه المتحقق وجوده وكل شيء صح وجوده وتحقق فهو حق ومنه الحاقة أي الكائنة حقًّا بلا شك وقيل الحق الذي لا يعتريه نقص ولا تغير بخلاف غيره قال - صلى الله عليه وسلم - أصدق كلمة قالها الشاعر: ألا كل شيء ما خلا الله باطل قال المصنف وقيل أنت صاحب الحق وقيل محق الحق وقيل الإله الحق دون ما يقوله الملحدون كما قال تعالى ذلك بأن الله هو الحق وإن ما يدعون من دونه الباطل اهـ. قال القرطبي وهذا الوصف أي المتحقق بالوجود الثابت بلا شك فيه خاص به تعالى بالحقيقة ولا ينبغي لغيره أي وجوده لذاته فلم يسبقه عدم ولا يلحقه عدم بخلاف غيره اهـ. قوله: (وَوَعْدُكَ الحق) أي وعدك المطيع بالجنة الحق الذي لا يمكن تخلفه أما وعيد العاصي بالنار فإيعاد على المختار قال كعب: أنبئت أن رسول الله أوعدني ... والوعد عند رسول الله مأمول قال آخر: وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي وبه يعلم ما في إدراجه تحت الوعد الواقع في كلام ابن حجر في شرح المشكاة حيث قال ووعدك لمن أطاعك بالجنة ولمن عصاك بالنار ما لم تعف عنه مع أنه قال في قوله - صلى الله عليه وسلم - اللهم لا يهزم جندك ولا يخلف وعدك بإثابة الطائع بخلاف تعذيب العاصي فإن خلف الوعيد كرم وخلف الوعد بخل قال الكرماني في شرح البخاري وهو أي الوعد يطلق ويراد به الخير والشر كلاهما أو الخير أو الشر فقط قال تعالى: {الشَّيطانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ} [البقرة: 268] وظاهر عدم الفرق في الإطلاق بين الخلائق والخلاق فزعم صاحب المرقاة إن هذا الفرق في حق العباد ممنوع بأنه حيث

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كان خلف الوعيد من الكرم فلا مانع من قيامه بالباري تعالى وفي شرح العقائد والله تعالى لا يغفر إن يشرك به بإجماع المسلمين لكنهم اختلفوا هل يجوز عقلًا أو لا فذهب بعضهم إلى أنه يجوز عقلًا وإنما علم عدمه بدليل السمع وبعضهم إلى أنه يمتنع عقلًا لأن قضية الحكمة المتفرقة بين المحسن والمسيء وللكفر نهاية في الجفاية لا يحتمل الإباحة ورفع الحرمة أصلًا فلا يحتمل العفو ورفع الغرامة اهـ. وقال صاحب العمدة من الحنفية تخليد المؤمن في النار والكافر في الجنة يجوز عقلًا عندهم أي الأشاعرة إلّا إن السمع ورد بخلافه وعندنا لا يجوز أي عقلًا أيضًا اهـ، وظاهر إن المراد من الوعيد الذي يجوز خلفه وقوعًا ما يتعلق بعصاة المؤمنين لا ما يتعلق بالكافرين فقد قام القطع على إن الجنة محرمة عليه وإن مثواه النار تحمي وتجيء عليه وبه يعلم ما في حمل صاحب المرقاة كلام ابن حجر المذكور آخرًا على الكافر من البعد عن المقام وإن أطال في تأييد حمله على ذلك الكلام قال ابن حجر في شرح المشكاة وكان حكمة تعريف الحق هنا وتنكيره في جميع ما يأتي بعده أنها جزئيات من الوعد الشامل له وللوعيد نص عليها اعتناء بها وقال آخر حكمة التنكير التفخيم والتعظيم ورد بأن ما قبله أحق بذلك اهـ. وقال الكرماني في الجواب عن ذلك المعرف بلام الجنس والنكرة المسافة بينهما قريبة بل صرحوا بأن مؤداهما واحد لا فرق إلا بأن في المعرفة إشارة إلى أن الماهية التي دخل عليها اللام معلومة للسامع وفي النكرة لا إشارة إليه وإن لم تكن إلّا معلومة له وتنكير حق خبر قول للبخاري وهو في مسلم معرف والجميع منكر في رواية النسائي وعلى ما في الكتاب من تعريف الأولين فقال الطيبي عرفهما للحصر لأن الله هو الحق الثابت الباقي وما عداه في معرض الزوال وكذا وعده مختص بالإنجاز دون وعد غيره وتنكير البواقي للتعظيم اهـ. وبقوله عرفهما للحصر يندفع قول ابن حجر السابق ما قبلهما أحق بذلك أي أنه كان ينبغي تنكيره لكن عارضه ما العناية به أولى من الدلالة على حصر جعل الحق مختصا به محصورا فيه وبالتنكير يفوت وأما تعريف خبر القول

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في صحيح مسلم فلعل وجهه ما ذكر في تعريف خبر الوعد إذ الوعد من أقسام الكلام المعبر عنه هنا بالقول والله أعلم وسيأتي توجيه آخر في كلام ابن النحوي ورواية النسائي تؤيد ما أشار إليه الكرماني من تساوي معنى المنكر فالمعرف بأل الجنسية وإن كان في المعرف بها تلك الإشارة إلى الماهية وهي لا تخالف ما ذكر من الحكمة في تعريف ما عرف إذ هي نكات لزيادة أل فيها دون غيرها والله أعلم قال ابن النحوي في التوضيح في شرح الجامع الصحيح "أن قيل" كيف يجمع ما في هذا الحديث من قوله حق في كل من الجنة والنار مع قوله - صلى الله عليه وسلم - أصدق كلمة قالها الشاعر: ألا كل شيء ما خلا الله باطل "فعنه جوابان" ذكرهما السهيلي: أحدهما إن مراده ما عدا الله وما عدا رحمته التي وعد بها وعقابه الذي توعد به إذ وعده حق لباطل ما سوى ذلك والجنة ما وعد به من رحمته والنار ما توعد به من عقابه وما سوى ذلك فباطل مضمحل. والثاني إن الجنة والنار وإن كانتا حقًّا فإن الزوال جائز عليهما لذاتهما وإنما يبقيان بإبقاء الله لهما وإن يخلق الدوام لأهلهما على قول من يجعل البغاء والدوام معنى زائدًا على الذات وهو قول الأشعري وإنما الحق في الحقيقة من لا يجوز عليه الزوال وهو القديم الذي انعدامه محال، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم - أنت الحق معرفًا أي أنت المستحق لهذا الاسم بالحقيقة وقولك الحق لأنه قديم وليس بمخلوق فيبيد ووعدك الحق كذلك إذ وعده كلامه هذا يقتضي أل ثم قال والجنة حق والنار حق بغير أل لأن هذه محدثات والمحدث لا يجب له البقاء من جهة ذاته وإنما علمنا بقاءهما من جهة خبر الصادق الذي لا يجوز عليه الخلف لا من جهة استحالة الفناء عليهما كما يستحيل على القديم سبحانه الذي هو الحق سبحانه وما خلاه باطل إذ هو إما عرض أو جوهر وكل منهما يفنى ويزول اهـ. قال المصنف في هذا الحديث قوله ووعدك الحق إلخ، أي كله متحقق لا شك فيه وقيل معناه خبرك حق وصدق وفي التوشيح للسيوطي إطلاق الحق على ما ذكر من الأمور بمعنى أنه مما يجب أن يصدق

ولِقاؤُكَ حَق، وقولُكَ حَق، والجنةُ حَق، والنَّارُ حَق، ومحَمَّد حق، والساعَةُ حَق، اللهُم ـــــــــــــــــــــــــــــ به وكرر لفظه للتأكيد اهـ. قوله: (ولقَاؤكَ) أي البعث وقيل الموت قال المصنف وهذا باطل في هذا الموطن إنما نبهت عليه لئلا يغتر به والصواب الذي يقتضيه سياق الكلام وما بعده البعث وهو الذي يرد به على الملحد لا بالموت اهـ. وفي شرح المشكاة لابن حجر ويصح تفسيره بالموت لكونه مقدمة لذلك اللقاء اهـ. وقيل المراد من اللقاء النظر إليه تعالى حكاه في الحرز. قوله: (وَقَوْلُكَ) أي الذي جاء به رسلك في كتبك المنزلة عليهم أي فالمصدر بمعنى اسم المفعول والظاهر أنه غير متعين فيصح بقاؤه على أصله فتأمل. قوله: (ومحمد حق) وقع في رواية المشكاة والنبيون حق ومحمد حق وهي من روايات البخاري قال ابن حجر في شرح المشكاة خص نفسه بعد شمول النبيين له لأنه لا يجب عليه الإيمان بنفسه ولذا كان يقول وأشهد أن محمدًا رسول الله وليعلم أمته أنه رئيسهم المقدم عليهم كيف وكلهم تحت لوائه يوم القيامة. قلت وإذا تقدم عليهم في الذكر مع تأخره في الزمن وفي الصلاة ليلة الإسراء وأما على رواية الكتاب فالحكمة في الاقتصار على ذكره إن اعتقاد ذلك فيه اعتقاد فيهم فاكتفى بهذه الجملة عن تلك إذ جملة ما جاء به نبوة الأنبياء وإن ذلك حق من عند الله تعالى والله أعلم. قوله: (والساعة) أي القيامة وخصت بهذا الاسم مع أنها لمطلق القطعة من الزمان إشارة إلى أنها قطعة يسيرة يحدث فيها أمور جليلة وخطوب مدلهمة وقيل لكونها مع طولها قدر خمسين ألف سنة ساعة من أيام الآخرة أو تفسير ساعة على أهل الطاعة أو سميت لطولها ساعة تسمية بالأضداد كإطلاق الزنجي على الكافر وربما يومئ تقديم ذكر الجنة والنار على الساعة إلى الإشارة إلى أنهما موجودان الآن خلافًا

لكَ أَسلَمْتُ، وبِكَ آمَنْتُ، وعلَيكَ تَوَكَّلْتُ، وإليكَ أنبْتُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لأرباب الاعتزال وتقديم ما يتعلق به - صلى الله عليه وسلم - عليها لأنها لا تعلم إلَّا من جانب السمع الذي جاء هو - صلى الله عليه وسلم - به إلينا ثم هذه كلها وسائل وقدمها - صلى الله عليه وسلم - أمام السؤال تعليمًا لأمته أنه ينبغي المبالغة في الثناء قبل السؤال ليكون ذلك وسيلة لسرعة الإجابة بالنوال. قوله: (لكَ أسلمتُ) أي لا لغيرك كما يفيده تقديم الظرف أسلمت نفسي وسائر متعلقاتها أي شهدت ذلك لأرضي بقاءك وأتنعم ببلائك كذا قال ابن حجر في شرح المشكاة وقال غيره أي استسلمت وانقدت لأمرك ونهيك والأقرب أن يكون المراد من أسلمت مدلوله الشرعي من الإتيان بالشهادتين مع القوام بباقي أركان الإسلام أي دخلت في الإسلام "ولا ينافيه" إن الإيمان والإسلام متحدان في الماصدق شرعًا فيكون تأكيدًا والتأسيس خير منه "لأنا نقول" المقام للإطناب والقصد للمبالغة في أداء مقام العبودية والتذلل لحق الربوبية على أن لفظ الشارع إذا تردد بين المعنى اللغوي والشرعي فحمله على الأخير أولى لأنه بعث لبيان الشرعيات لا لبيان اللغويات كما نقله في حديث إنما الأعمال بالنيات وفي التمهيد أما قوله هنا لك أسلمت فمعناه استسلمت لحكمك وأمرك وسلمت ورضيت وآمنت وصدقت وأيقنت وقد مضى معنى الإيمان والإسلام والله أعلم. قوله: (وبكَ آمنتُ) أي بذاتك وما يليق بها من صفات الكمال آمنت أي صدقت. قوله: (وعَليْكَ توكلْتُ) أَي فوضت إلى جنابك دون غيرك أمري. قوله: (أَنَبتُ) من الإنابة أي رجعت إلى عبادتك والإقبال على ما يقرب إليك وقيل رجعت بالتوبة واللجأ والذلة والمسكنة وفي التمهيد والإنابة الرجوع إلى الخير ولا يكون الرجوع إلى الشر إنابة قال تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلى رَبكم} [الزمر: 54]

وبِكَ خاصَمْتُ، وإليكَ حاكمتُ، فاغْفِرْ لي ـــــــــــــــــــــــــــــ أي عودوا إلى ما يرضى به عنكم اهـ. وقيل المراد من قوله إليك أنبت رجعت إليك في أمري كله فيكون بمعنى قوله وعليك توكلت. قوله: (وبكَ خاصمتُ) أي بما أعطيتني من البرهان والحجج القولية أو بالنص ونحوه من الحجج الفعلية خاصمت أعداءك أعداء الدين فقصمت ظهورهم بالبراهين القوية أو قطعت دابرهم بالألسنة السنية. قوله: (وَإليْكَ حاكَمْت) أي جعلتك دون غيرك مما يتحاكم إليه في الجاهلية من كاهن وصنم وشيطان الحكم بيني وبين الأخصام في الدين الذين أبوا قبول ما جئت به كبرا وعنادا فلا أرضى إلا بحكمك ولا أتوكل إلَّا عليك لتحقق الحق وتبطل الباطل {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [الزمر: 46]. قوله: (فاغْفرْ لِي) أي فبسبب ما مننت به علي من مقام الجمع الأكبر الذي شهدته في قولي أسلمت وما بعده ومقام الفرق الذي تضمنه قولي وبك خاصمت وما بعده اغفر لي وترتيب الغفران لما تقدم وتأخر على هذين المقامين كترتيبه على الفتح الأكبر الذي هذان المقامان من مقدماته وأسبابه في قوله: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ} [الفتح: 1 - 2] الآية المشتمل على إتمام النعمة والنصر على الأعداء المسبب عن المخاصمة والمحاكمة المذكورين هنا قال ابن حجر في شرح المشكاة ثم سؤاله - صلى الله عليه وسلم - مغفرة ما ذكر على سبيل التواضع وأداء مقام العبودية والتعليم لأمته كذا في التوشيح وفي شرح الأنوار السنية ودعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثل هذا من المغفرة من الإشفاق والاعتراف والاستسلام وخوف المكر فإنه لا يأمن من مكر الله إلَّا القوم الخاسرون ولتقتدي به أمته ويشتد إشفاقهم بحسب حالهم من حاله ومقامهم من مقامه وسيأتي في أذكار الصلاة إن شاء الله تعالى زيادة في هذا المقام وفي التمهيد في هذا الحديث ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - من المداومة على قيام الليل والإخبات عند قيامه والدعاء والتضرع والإخلاص والثناء

ما قَدَّمْتُ وما أَخَّرْتُ وما أَسْرَرْتُ وما أَعلَنْت، أنت المُقدمُ وأنت المؤَخرُ، لا إِلهَ إلا أنْتَ" زاد بعض الرواة: "ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلا بالله". ـــــــــــــــــــــــــــــ على الله بما هو أهله والإقرار بوعده ووعيده والابتهال وفيه الأسوة الحسنة فطوبى لمن وفق وأعين على ذلك اهـ. قوله: (ما قَدّمتُ وما أَخرتُ) محتمل فيما مضى وفيما يأتي وسيأتي الكلام على معنى غفران ما تأخر من الذنب في آخر أذكار الصلاة إن شاء الله تعالى. قوله: (أنت المقدِّمُ إلخ) أي ليس لغيرك دخل في شيء من ذلك أنه لا يعز من عاديت ولا يذل من واليت من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له قال ابن العز الحجازي قال المهلب أشار بذلك إلى نفسه لأنه المقدم في البعث في الآخرة والمؤخر في البعث في الدنيا اهـ، وعليه فالمعنى أنت المقدم لي في البعث وأنت المؤخر أي لي فيه وقال القاضي عياض قيل معناه المنزل للأشياء منازلها تقدم ما تشاء وتؤخر ما تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء وجعل عباده بعضهم فوق بعض وقيل هو بمعنى الأول والآخر إذ هو مقدم كل متقدم فهو قبله ومؤخر كل مؤخر فهو بعده ويكون المقدم والمؤخر بمعنى الهادي والمضل قدم من شاء بطاعته لكرامته وأخر من شاء بقضائه لشقاوته اهـ. قوله: (زاد بعض الرواة إلخ) قال في السلاح وزاد عبد الكريم أبو أمية ولا حول ولا قوة إلَّا بالله قال سفيان قال سليمان بن أبي مسلم سمعته من طاوس عن ابن عباس قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - رواه الجماعة يعني الستة اهـ. وقال الحافظ بعد تخريجه الحديث بسنده إلى طاوس عن ابن عباس قال كان - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل فذكر الحديث بطوله لكن قال في روايته أنت قيام السموات والأرض وقال في آخره لا إله إلَّا أنت أو لا إله غيرك شك سفيان أي ابن عيينة وزاد عبد الكريم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا حول ولا قوة إلّا بالله قال الحافظ أخرجه مسلم عن ابن أبي عمر عن سفيان عن سليمان الأحول عن طاوس وليس فيه ما في آخره ووقع عند البخاري من طريق علي بن عبد الله عن سفيان في آخر الحديث قال سفيان وزاد عبد الكريم ولا حول ولا قوة إلَّا بالله ووقع في مستخرج أبي نعيم على البخاري من طريق إسماعيل بن إسحاق عن علي بن عبد الله بعد سياقه إلخ. قال سفيان فكنت إذا قلت آخر حديث سليمان لا إله غيرك قال عبد الكريم ولا حول ولا قوة إلَّا بالله ولم يذكر أكثر الرواة عن سفيان هذه الزيادة وأدرجها بعضهم في السياق للحديث الأول منهم قتيبة عند النسائي فقال في آخره لا إله إلّا أنت ولا حول ولا قوة إلَّا بالله وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية محمد بن عبد الله عن سفيان واقتصر أكثر الرواة عن سفيان على قوله لا إله إلّا أنت وشك بعضهم عنه فقال لا إله إلّا الله ولا إله غيرك وجمع هشام بن عمار عن سفيان بين الألفاظ الثلاثة فقال لا إله إلّا الله ولا إله غيرك ولا حول ولا قوة إلا بالله والصواب التفصيل وإن الحوقلة مدرجة على رواية سفيان عن سليمان قلت وهي التي صدر بها الشيخ هنا بقوله وثبت في الصحيحين إلخ وإنما هي عند سفيان عن عبد الكريم وهو أبو أمية بن أبي المخارق البصري نزيل مكة وهو ضعيف عندهم وليس له ذكر في البخاري إلَّا في هذا الموضع والله أعلم وبه يعلم أن قول صاحب السلاح قال سفيان قال سليمان ابن أبي مسلم سمعته إلخ، راجع إلى أصل الحديث من غير زيادة عبد الكريم لا معها كما قد يوهمه عبارته هذا وقال الكرماني ولا يخفى إن هذا الخبر من جوامع الكلم إذ لفظ القيم إشارة إلى إن وجود الجوهر وقيامه منه والنور إلى إن الإعراض منه والملك إلى أنه حاكم فيها إيجادًا وإعدامًا يفعل ما يشاء وكل هذه نعم من الله على عباده ولذا قرن كل منها وخصص الحمد به، ثم قوله أنت الحق إلى آخره إشارة إلى المبدأ والقول ونحوه إلى المعاش والساعة إلى المعاد وفيه إشارة إلى النبوة والجزاء ثوابًا وعقابًا وفيه وجوب الإيمان والإسلام والتوكل والإنابة والتضرع إلى الله تعالى

باب ما يقول إذا أراد دخول الخلاء

باب ما يقول إذا أراد دخول الخلاء ثبت في "الصحيحين" عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول ـــــــــــــــــــــــــــــ والاستغفار وغيره وقوله "أنت المقدم وأنت المؤخر" أي أخر عن غيرها في البعث وقدم عليهم يوم القيامة بالشفاعة وغيره كقوله نحن الآخرون السابقون اهـ. هذا بناء على قول المهلب السابق نقله عند قوله أنت المقدم إلخ. باب ما يقول إذا أراد دخول الخلاء الخلاء بالفتح والمد وتقدم أنه في الأصل اسم للمكان الخالي ثم جعل اسمًا لمحل قضاء الحاجة لخلوه ولخو من فيه غالبًا وقيل لغير ذلك مما سيأتي ويقال لمكان قضاء الحاجة الكنيف والبراز بفتح الموحدة وبالراء المهملة آخره زاي والحش بالمهملة المفتوحة فالمعجمة المشددة وهي في الأصل البستان وسمي به محل قضاء الحاجة لأنهم كانوا يتبرزون فيه قال الشعبي ما حدثوك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاقبله وما حدثوك عن رأيهم فاجعله في الحش يعني المرحاض قال الفاكهاني قال ابن بزيزة إشارة إلى بطلان الرأي والقياس في الدين اهـ. والمرفق والمذهب الغائط والمرحاض وهل الخلاء علم لمحل قضاء الحاجة منقول فيكون حقيقة شرعية أو هو إطلاق مجازي بالأول صرح ابن حجر في شرح المشكاة وبالثاني شارح العمدة ويمكن الجمع بأن أصل الإطلاق مجاز ثم تصرف فيه فوضع لذلك فصار حقيقة شرعية أشار إليه القلقشندي في شرح العمدة. قوله: (ثبتَ في الصحيحين إلخ) قال الحافظ لم أر العندية في واحد من الصحيحين إنما علق البخاري الإرادة والذي اتفقا عليه بلفظ كان إذا دخل إلخ، وفي شرح العمدة للقلقشندي بعد ذكر حديث الصحيحين ما لفظه ولذا رواه

عند دخول الخلاء: "اللهُم إني ـــــــــــــــــــــــــــــ أصحاب السنن الأربعة ولفظ النسائي أعوذ بالله من الخبث والخبائث وأخرجه الطيالسي وأحمد والدارمي في مسانيدهم وابن السني والبزار والطبراني في الدعاء والإسماعيلي وأبو عوانة والدارقطني والبرقاني وأبو نعيم والبيهقي وغيرهم قوله كان أكثر استعمالهم لها في المداومة والملازمة وليس أصل وضعها وقد سبق تحقيقه في باب كيفية لباس الثوب. قوله: (عِندَ دُخولِ الخلاءِ) لفظ الصحيحين عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل الخلاء قال إلخ، أورده كذلك المقدسي في عمدته وصاحب المشكاة وعزاه في السلاح كذلك إلى رواية الجماعة يعني الستة وراجعت الصحيحين فرأيته فيهما كما ذكره الجماعة ولعل المصنف نفع الله به أراد أنهما رويا هذا الحديث لا بخصوص هذا المبنى ولا يضر الاختلاف من العبارتين المذكورتين لتقاربهما وعادة بعض المحدثين عزو الحديث إلى مخرج وإن لم يرد فيه بذلك اللفظ مريدًا به أنه روي هذا المعنى وقد تقدم بما فيه وسبق في كلام الحافظ الإشارة إلى أن الحديث باللفظ المذكور لم يجده في الصحيحين وبما ذكر من قوله أنهما رويا هذا الحديث إلخ، يجاب عنه والمراد يدخل فيها أراد دخول الخلاء كما وقع كذلك في بعض طرقه عند البخاري في صحيحه تعليقًا كان إذا أراد أن يدخل ووصله في الأدب المفرد وأخرجه البيهقي من وجه آخر على شرط البخاري وقوله في رواية الكتاب عند دخول الخلاء يمكن أن يكون على تقدير مضاف أي إرادة دخوله ويمكن إبقاءه على ظاهره وسيأتي ما يترتب على هذين الاحتمالين في حديث ابن عمر ومثل الخلاء أي المكان المعد لقضاء الحاجة جديدًا كان أو لا في جميع ما يأتي المحل الذي يريد قضاء الحاجة فيه بالصحراء أو غيرها فيأتي عند دخول الخلاء ولو جديدًا ووصوله لمحل أراد قضاء الحاجة فيه من صحراء وغيرها بالذكر الآتي وإن كان قضية التعبجر بالدخول اختصاص ذلك بالمعد إلَّا أنه ورد

أعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبْثِ والخبائِث" يقال: الخبث بضم الباء ـــــــــــــــــــــــــــــ عند البخاري تعليقًا بصيغة الجزم كان إذا أتى الخلاء وهو شامل للصحراء وأما إذا بال في إناء مثلًا في البيت قال القلقشندي وهو مذهبنا وقيل سمي محل قضاء الحاجة بالخلاء لأن الإنسان يختلي فيه بنفسه وقيل لخلائه في غير أوقات الحاجة وقال الحكيم الترمذي في العلل سمي باسم الشيطان الموكل بمكان قضاء الحاجة فإن اسمه خلاء وأورد فيه حديثًا مرفوعًا وبه يزاد في عدة اسم الشياطين أعاذنا الله منهم أجمعين. قوله: (أعود) أي أستجير وأعتصم وأصله أعوذ بوزن انصر فنقلت حركة الواو إلى العين تخفيفًا ومصدره عوذ وعياذ ومعاذ قال في فتح الباري وكان - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ إظهارًا للعبودية ويجهر بها للتعليم وقد روى المعمري هذا الحديث بسند على شرط مسلم بلفظ الأمر قال إذا دخلتم الخلاء فقولوا بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث قلت وأخرج الترمذي في العلل سبب هذا التعوذ عن يزيد بن أرقم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إن هذه الحشوش محتضرة فإذا دخل أحدكم الخلاء فليقل اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث قال في شرح العمدة ومعلوم أن هذه الاستعاذة منه تواضع وتعليم لأمته كما تقرر وإلا فهو محفوظ من الجن والإنس كما يدل عليه خبر "إلَّا إن الله أعانني عليه فأسلم" وربطه عفريتًا في سارية من سواري المسجد وفيه دليل على مراقبته لربه ومحافظته على أوقاته وحالاته واستعاذته عندما ينبغي أن يستعاذ منه ونطقه بما ينبغي إن ينطق به وسكوته عندما ينبغي السكوت عنده اهـ. قوله: (بضم الباء) أي والخاء مضمومة بلا خلاف وهو جمع خبث كما ذكره الخطابي وغيره قال البعلي في المطالع وهو مشكل من جهة أن فعيلا إذا كان وصفا لا يجمع على فعل نحو كريم وبخيل اهـ، ويمكن أن يدعى إن خبيث اسم لذكران الشياطين لا وصف لهم كرغيف أو

وبسكونها، ولا يصح قول من أنكر الإسكان. ـــــــــــــــــــــــــــــ إن ما ذكروه من منع ذلك وهو القياس الأكثر وهذه لغة قليلة كما نبه على مثله المصنف في شرح مسلم في قول أنس لما سئل عن الأكل قائمًا فقال أخبث وأشر. قوله: (وسكونها) يحتمل أن يكون مخففًا من المضموم وهو جائز قياسًا ككتب وعتق وما أشبه، تخفيف لا خلاف فيه عند أهل العربية قال التوربشتي وهو مستفيض لا يسع أحدًا مخالفته ويحتمل أن يكون أصله كذلك غير مخفف من شيء قال ابن الأعرابي أصل الخبث في كلام العرب المكروه فإن كان من الكلام فهو الشتم أو من الملل فالكفر أو من الطعام فالحرام أو من الشراب فالضار قال أبو عبيد: الخبث بسكون الباء الشر وقيل الكفر قال القاضي عياض ولا يبعد الاستعاذة من الكفر والشيطان وسائر الأخلاق المذمومة وإنما جاء بلفظ الخبث لمجانسة الخبائث اهـ. وقال ابن معن في كلامه على المهذب ومنهم من يسكن الباء وهو غلط إلا إن يريد الاستعاذة من الكفر والشر وقوله بالنسبة إلى الأول وهو غلط فيه نظر يعلم وجهه مما سيذكر وبقوله إلّا إلخ، وبما قبله يندفع قول ابن التين الذي قرأناه الخبث بإسكان الباء والأظهر أنه بضمها جمع خبيث قال وليس هذا موضع الكفر إنما هذا موضع الشيطان وقول ابن حجر الخبث أي بالإسكان قيل الكفر فهو مصدر وليس مرادًا هنا اهـ. وأغرب من قال استعاذ بهما من البول والغائط أي من صررهما ثم كل من ضم الباء وإسكانها رواية في هذا الحديث قال المصنف في شرح مسلم الخبث بضم الباء وإسكانها وجهان مشهوران في رواية أصل الحديث ونقل القاضي عياض إن أكثر روايات الشيوخ الإسكان اهـ. وما قاله القاضي من كون الإسكان أكثر الروايات نوزع فيه قال القرطبي رويناه بالضم والإسكان وفي شرح المشكاة لابن حجر بالضم وقيل وأولى لئلا يوهم المصدر اهـ، وما حكاه بقيل هو كلام التوربشتي وسيأتي ما فيه، غير خاف إن اشتهار الرواية سبب للأولوية فالأولى في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التعبير هو بالضم أشهر فهو أولى من الإسكان مع أنه بالإسكان يوهم المصدر فتأمل ولا يصح قول من أنكر الإسكان قال المصنف في شرح مسلم قال الإمام أبو سليمان الخطابي الخبث بضم الباء جمع خبيث والخبائث جمع خبيئة قال يريد ذكران الشياطين وإناثهم قال وعامة المحدثين يقولون الخبث بإسكان الباء وهو غلط والصواب الضم اهـ. وهذا الذي غلطهم فيه ليس بغلط ولا يصح إنكار جواز الإسكان فإن الإسكان جائز على سبيل التخفيف بلا خلاف عند أهل العربية وهو باب معروف من أبواب التصريف لا يمكن إنكاره، ولعل الخطابي أراد الإنكار على من يقول أصله الإسكان فإن كان أراد هذا فعبارته موهمة وقد صرح جماعة بأن الباء هنا ساكنة منهم الإمام أبو عبيد إمام هذا الفن والعمدة فيه واختلفوا في معناه فقيل الشر وقيل الكفر وقيل الخبث الشياطين والخبائث المعاصي اهـ. وقال ابن دقيق العيد لا ينبغي إن يعد هذا غلطًا لأن فعلا بضم أوليه تخفف عينه قياسًا ثم قال نعم من حمله وهو ساكن الباء على ما لا يناسب فهو غالط في الحمل على هذا المعنى لا في اللفظ وتعقب الزركشي ما ذكر بأنه إن أريد بالخبث هنا المصدر لم يناسب قوله الخبائث إذ لا ينتظم أعوذ بالله من أن يكون خبث ومن إناث الشياطين وإن أريد جمع خبث بالضم وخفف فينبغي المنع لأن التخفيف إنما يطرد فيما لا يلبس كعنق وأذن من المفرد ورسل وسبل من الجمع ولا يطرد فيما لا يلبس كحمر وخضر فإن التخفيف في حمر ملبس بجمع أحمر وحمراء وفي خضر بالمفرد ولذا لم يقرأ في السبعة {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ} [المدثر: 50] إلا بالضم وقرئ رسلنا وسبلنا والأذن بالتخفيف فلا ينبغي أن يخفف الخبث إلَّا مسموعًا من

وروينا في غير الصحيحين: ـــــــــــــــــــــــــــــ العرب لئلا يلتبس بالمصدر ورده العلامة البرماوي فقال لجواز أن يكون المعنى أعوذ بك من شر المخبثين أو ضرر خبثهم وإن الخبث نفسه هو الشيء على أحد التفاسير فيصح إرادة المصدر حينئذ وعلى تسليم عدم صلاحية المصدر هنا ففي كون المحل غير قابل له دليل على أنه مخفف من المضموم الذي هو الجمع فلا التباس إذ الالتباس إنما يقع في الصالح ويكون المراد أحدهما معينًا. قلت وأما السماع من العرب بالإسكان فقال ابن سيد الناس وهذا الذي أنكره الخطابي هو الذي حكاه ابن عبيد والقاسم بن سلام وناهيك به جلالة اهـ، واختلفوا في المراد هنا فقيل الخبث جمع خبيث وقال أبو عبيد هو الشر وقال ابن الأنباري هو الكفر وقال الداودي هو الشيطان وقال ابن الأثير هو خلاف طيب الفعل من فجور وغيره وتقدم قوله ابن الأعرابي والخبائث الأفعال المذمومة والخصال الرديئة وقيل الخبائث المعاصي وقيل البول والغائط قال القلقشندي قال شيخنا في فتح الباري بعد أن ساق كلام ابن الأعرابي وعلى هذا فالمراد بالخبائث المعاصي ومطلق الأفعال المذمومة ليحصل التناسب ولهذا وقع في رواية الترمذي وغيره أعوذ بالله من الخبث والخبيث أو الخبث والخبائث هكذا على الشك الأول بالإسكان مع الإفراد والثاني بالتحريك مع الجمع أي من الشيء المكروه ومن الشيء المذموم أو من ذكران الشياطين وإناثهم ونقل القاضي عياض عن بعضهم أنه حمل الخبث بالإسكان على الشياطين والخبائث على البول والغائط فقال أنه استعاذ أولًا من الشياطين لتضاحكها من عورة الإنسان عند انكشافها فلما استعاذ منها ولت هاربة فاستعاذ من الخبائث وهو البول والغائط لئلا يناله مكروه منهما وفي هذه الروايات اللهم إني أعوذ بك إلخ، ورواه ابن ماجة وأبو داود بسند حسن أعوذ بالله من الخبث والخبائث فيتخير بين الصيغتين قاله في فتح الإله. قوله: (وروينا في غير الصحيحين إلخ) تقدم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث المعمري وهو بسند على شرط مسلم وقال الحافظ في التخريج بعد ذكر حديث الطبراني الآتي ووردت التسمية أيضًا من وجه آخر عن أنس من فعله - صلى الله عليه وسلم - أخرجها الطبراني بسند فيه أبو معشر المدني وفيه ضعف. قلت وكذا أخرجه ابن أبي شيبة من حديث أنس مرفوعًا بلفظ كان إذا دخل الخلاء قال بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث أورده في الجامع الصغير والله أعلم. قال الحافظ وروى المعمري في كتاب اليوم والليلة ورواته موثقون إذا دخلتم الخلاء فقولوا بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث قال في فتح الباري بعد إيراده وفيه زيادة التسمية ولم أرها في غير هذه الرواية اهـ. قال القلقشندي وروى التسمية أيضًا في أوله الطبراني وابن السني والدارقطني في الأفراد وغيرها اهـ، والذي رأيته في ابن السني التسمية عند دخول الخلاء مفردة عن هذا الذكر ولم أرها فيه أول هذا الذكر وسيأتي روايته وقد روى التسمية عند دخول الخلاء مجردة عن هذا الذكر جماعة منهم الترمذي فروي عن علي رضي الله عنه وسيأتي في الأصل وابن السني فروي عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا جلس أحدهم على الخلاء فليقل بسم الله حين يجلس وروى ابن السني أيضًا عن أنس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال هذه الحشوش محتضرة فإذا دخل أحدكم الخلاء فليقل بسم الله، وفي شرح العمدة عن أبي سعيد المقبري إذا دخل الرجل الكنيف لحاجته ثم ذكر اسم الله نظر إليه الجن يسخرون ويستهزئون به ثم رأيت في الحافظ في التخريج إشارة إلى ما ذكرته في رواية ابن السني من أن البسملة عنده مجردة عن الذكر وعبارته أخرج الطبراني في الدعاء بسنده عن أنس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن هذه الحشوش محتضرة فإذا دخل أحدكم الخلاء فليقل بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث وأخرجه ابن السني عن عبدان وأبي يعلى كلاهما عن قطن أي ابن بشير وهو شيخ، شيخ الطبراني فيه باختصار فقوله باختصار يشير إلى ما ذكرته

"بِسْمِ اللهِ اللهُم إني أعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبْثِ والخَبائِثِ". وروينا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال وأخرجه الدارقطني في الأفراد من هذا الوجه وقال تفرد به عدي عن قتادة أي عن أنس وقال الطبراني لم يقل أحد عن قتادة فيه باسم إلا عدي بن أبي عمارة قال الحافظ وهو بصري مختلف فيه ذكره ابن حبان في الثقات والعقيلي في الضعفاء اهـ. قال ابن التين ويقول ذلك في نفسه غير جاهر به، ولا يسلم له ذلك بل يبتغي الجهر به اهـ. قال العاقولي قال ابن البزري بكسر الموحدة وسكون المهملة وكسر الزاي نسبة للبرز وهو الجزري في فتاويه ليس الموضع موضع ذكر فالسنة إلا يزيد على هذا ولا يتمم البسملة و. قوله: (باسْم الله) متعلقه فعل يناسب المقام أي أتحصن بالله من الشيطان وقدمت البسملة هنا على التعود لتعودَ بركتها عليه وقدم عليها في القراءة لكونها من القرآن المأمور بالاستعاذة له وأيضًا فالتسمية هنا للستر عن أعين الجن والتعوذ للكفاية من شرهم فلا ارتباط لأحدهما بالآخر وفي المجموع عن جمع لا تحصل تأدية السنة إلا بتأخير الاستعاذة عن التسمية اهـ. قال الزين العراقي في شرح الترمذي وفيه مناسبة لتقديم ذكر الله تعالى على الدعاء كما قال في الحديث الآخر إذا فعل أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه ثم ليصل على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ليدع بما شاء اهـ. قوله: (روينا عن علي إلخ) قال الحافظ بعد تخريجه لكن بلفظ ستر ما بين الجن وعورات بني آدم أن يقول أحدهم إذا دخل الكنيف باسم الله هذا حديث غريب من هذا الوجه أخرجه الترمذي ووقع في روايته ما بين أعين الجن وإذ دخل الخلاء والباقي سواء وقال غريب لا نعرفه إلَّا من هذا الوجه وليس إسناده بذلك القوى وقد روي عن أنس شيء من هذا قال الحافظ ورواته موثقون وفي كل من محمد بن حميد أي الراوي لحديث علي وشيخه وشيخ شيخه مقال وأشدهم ضعفًا محمد بن حميد ولكن لم يفرد به فقد أخرجه البزار

عن علي رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سَتْرُ ما بينَ أعْيُنِ الجِن وعَوْرَاتِ بَني آدَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن عبد الرحمن بن الحكم بن بشير عن أبيه أي وهو شيخ محمد بن حميد فيه بسنده المذكور وقال لا نعرفه إلَّا بهذا الإسناد وجاء نحوه عن أنس وتقدم حديث أنس في باب ما يقول إذا خلع ثوبه وبينا هناك أنه ورد بلفظ وضع ثوبه وبلفظ إذا دخل الخلاء وهذا اللفظ الثاني هو المراد هنا اهـ. قوله: (عَنْ عَليٍّ رَضيَ الله عَنْه) هو أمير المؤمنين أبو تراب وأبو الحسن علي بن أبي طالب واسمه عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي المكي صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن عمه وصهره وأخوه وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف أسلمت وهاجرت وهي أول هاشمية ولدت هاشميا وتوفيت في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة فألبسها قميصه واضطجع معها في قبرها وقال لم يكن بعد أبي طالب أبر لي منها فألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة واضطجعت معها ليهون عليها ولما ولدت عليا كان أبوه غائبا فسمته حيدرة فلما قدم سماه عليًّا أسلم صغيرًا واختلف في سنه وقت إسلامه والصحيح أنه أسلم دون البلوغ روى البيهقي بسند ضعيف عن علي أنه كان يقول: سبقتكمو إلى الإسلام طرا ... صغيرًا ما بلغت أوان حلمي "فإن قلت" المقرر في باب الحجر إن عبارة الصبي ملغاة في الإسلام وغيرها إلَّا في أشياء

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مستثناة فكيف حكموا بإيمان علي الواقع منه حال الصغر "قلت" الأحكام إنما صارت معلقة بالبلوغ بعد الهجرة في عام الخندق أما قبله فكانت منوطة بالتمييز قاله البيهقي وقال جمع من المجتهدين ببقاء الاعتداد بإيمان المميز إلى هذه الأزمان واختلف في أول من أسلم من الأمة قال ابن الصلاح وغيره وإلا ورد أن يقال أول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر ومن الصبيان علي ومن النساء خديجة ومن الموالي زيد بن حارثة ومن العبيد بلال وهاجر وشهد المشاهد كلها إلا غزوة تبوك فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان خلفه على نسائه فقال تخلفني في النساء والصبيان فقال أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلَّا أنه لا نبي بعدي أخرجه الترمذي وصححه وأخرج البخاري المرفوع منه أصابه يوم أحد ست عشرة ضربة وأعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - الراية يوم خيبر وأخبر إن الفتح يكون على يده وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الستة أصحاب الشورى وأحد المهاجرين وأحد الشجعان المشهورين والعلماء الزهاد الربانيين ورابع الخلفاء وأقضى الأمة وأول خليفة أبواه هاشميان، قال القلقشندي ولم يك بعده أبواه هاشميان إلا محمد الأمين وكأنه غفل عن سيدنا الحسن بن علي كزم الله وجههما إما سهوا أو تركها لقصور زمنها كان من أكابر علماء الصحابة حتى قال عبد الله بن عباس أعطي علي تسعة أعشار العلم ووالله لقد شاركهم في العشر الباقي روي له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خمسمائة حديث وستة وثمانون حديثًا اتفقا منها على عشرين وانفرد البخاري بتسعة ومسلم بخمسة عشر كان يقول أبا عبد الله وأخو رسول الله لا يقولها غيري إلَّا كذاب، له الفضائل الواردة في الأحاديث النبوية قال الإمام أحمد لم يصح لأحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ورد لعلي وسيأتي حكمة ذلك في باب المدح تزوج فاطمة سنة اثنتين من الهجرة فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - زوجتك سيدًا في الدنيا والآخرة وبويع له بالخلافة يوم قتل عثمان في ذي الحجة سنة خمس

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وثلاثين ومات بالكوفة شهيدًا قتله عبد الرحمن بن ملجم الخارجي ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من رمضان وقيل ليلة الجمعة لثلاث عشرة مضت منه من رمضان سنة أربعين وعمره ثلاث وستون عامًا على الصحيح وقيل أربع وستون وقيل ثمان وخمسون قال المصنف نقلوا عنه آثارا تدل على أنه علم السنة والشهر والليلة التي يقتل فيها وأنه لما خرج إلى صلاة الصبح خرج حين صاحت الزواقي أي الديوك في وجهه فطردوها عنه فقال دعوهن فإنهن نوائح اهـ. وغسله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص وحنط بحنوط فضل من حنوط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصلى عليه الحسن وكان له من الولد أربعون إلا ولدا، خمسة من فاطمة الزهراء والباقون من غيرها ولا يعرف قبره رضي الله عنهما وكان آدام اللون ربعة أبيض الرأس واللحية وكانت لحيته كثة طويلة حسن الوجه كأنه القمر ليلة البدر ضحوك السن قال الحافظ زين الدين العراقي في شرح الترمذي الحديث يعني حديث على هذا روي من حديث أنس أخرجه ابن عدي في الكامل في ترجمة محمد بن أحمد بن سهيل الواسطي المؤدب عنه عن أبيه عن يزيد بن هارون عن حميد عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أي ابن عدي وهو بهذا الإسناد باطل والآفة فيه من ابن سهيل هذا ورواه أيضًا في ترجمة زيد ابن الحواري العمي عن أنس، وزيد ضعفه الجمهور ورواه ابن عدي أيضًا والطبراني في الأوسط والمعمري في عمل اليوم والليلة من رواية سعيد بن مسلمة الأموي عن الأعمش عن زيد العمي عن أنس وروي الحديث من حديث أبي سعيد الخدري اهـ، وهو يقتضي إن الحديث واحد تعددت طرقه وبقي من طرقه طريق ابن عمر وسبق بيان ما فيه فيما يقول إذا خلع ثوبه.

إذا دخلَ الكنِيفَ أنْ يَقُولَ: بسْم اللهِ" رواه الترمذي وقال: إسناده ليس بالقوي، وقد قدمنا في الفصول أن الفضائل يعمل فيها بالضعيف. قال أصحابنا: ويُستحبُّ هذا الذِّكْر سواء كان في البنيان أو في الصحراء، قال أصحابنا رحمهم الله: يُستحبُّ أن يقول أولًا: "بِسْمِ اللهِ" ثم يقول: "اللهُم إني أعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبْثِ والخبائِثِ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (إدْا دَخَلَ) أي وقت الدخول أو عند إرادته دخول الخلاء على ما سيأتي وإذا ظرف لستر وخبر المبتدأ أعني ستر قوله إن يقول باسم الله أي قول تلك الكلمة نعم الظاهر إن الخبر في رواية ابن السني السابقة محذوف وما بعد الفاء مرتب عليه والتقدير ستر أحدكم إذا جلس على الخلاء أن يقول بسم الله فليقل بسم الله إلخ، قال ابن النحوي فيستحب الإتيان ببسم الله قبل الدخول ولا يسلم لابن التين قوله يقول ذلك في نفسه غير جاهر به بل ينبغي الجهر به اهـ. قوله: (أن الفضائلَ يُعْمل فِيهَا بِالضعيفِ) وتقدم أن شرطه ألا يشتد ضعفه ولا يعارضه خبر أصح منه وألا يعتقد ثبوته وألا يكون فيه هيئة اختراع ليس لها أصل شرعي وقول ابن حجر في شرح المشكاة في الكلام على هذا الحديث وما هنا من الفضائل وهي يكتفي فيها بالضعيف بسائر أنواعه مراده ما أشرنا إليه إذ ما اشتد ضعفه كحديث مسح الرقبة وأذكار الأعضاء في الوضوء لم يعمل بمقتضاه. قوله: (قال أصْحابنَا وَيُسْتَحَب هذا الذكْرُ إلخ) عبارة المصنف في شرح مسلم وهذا الأدب مجمع على استحبابه ولا فرق فيه بين البنيان والصحراء انتهت، وظاهر إن المجمع عليه استحباب الذكر لا عمومه للبناء وغيره وقد نقل القلقشندي عن بعضهم اختصاص ذلك بالبنيان دون غيره قال وهو مذهب مالك ويؤيده حديث زيد بن أرقم عند أبي داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم إن هذه الحشوش

وروينا عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ محتضرة ففيه إيماء لخصوص ذلك بالأبنية دون غيرها اهـ. قالوا ولفظ دخل أقوى في الدلالة على الكنف المبنية منها على المكان من نحو البراز ولأنه قد بيّن في حديث آخر أنها محتضرة للجن والشياطين وذلك إنما يكون في المعد، ونقل العمراني عن الشيخ أبي حامد مثل ذلك أي اختصاص الذكر بالأبنية قال لأن الموضع لم يصر مأوى الشيطان بعد، وقضية تعليله أنه يأتي بذكر الخروج من الخلاء ولو في غير المعد لأنه صار مأوى للشيطان ولك أن تقول كون الموضع لم يصر مأوى إلخ، مسلم لكنه سيصير بخروج الخارج مأوى وهو في تلك الحالة منهي عن الكلام فطلب الإتيان به قبل دخول وقت النهي عن الكلام ليكون حرزًا منهم عند خروج الخارج وسبقت رواية البخاري تعليقًا بصيغة الجزم كان إذا أتى الخلاء إلخ، وهو يشمل الصحراء والبنيان قال القلقشندي ويكون الدعاء في غير الأبنية عند الشروع لتشمير الثياب مثلًا وفي الأبنية عند إرادة الدخول وأقول ينبغي أن يأتي بالدعاء عند وصول المحل الذي يريد قضاء الحاجة فيه في غير الأبنية أخذًا من تصريح الفقهاء بتقديم اليسرى عند ذلك المحل. قوله: (وروينا عنِ ابنِ عُمَر إلخ) قال الحافظ بعد تخريجه بهذا اللفظ هذا حديث حسن غريب وحبان ابن عافية ضعيف وكذا شيخه إسماعيل بن رافع لكن للحديث شواهد منها حديث أنس مثله سواء غريب من هذا الوجه أخرجه ابن السني وأخرجه أبو نعيم وزاد في أوله باسم الله ومداره على إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف ومنها عن علي وبريدة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل الخلاء قال فذكره مثل حديث ابن عمر سواء وزاد وإذا خرج قال "غفرانك ربنا وإليك المصير" حديث غريب أخرجه ابن عدي في الكامل في ترجمة حفص بن عمر

كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل الخلاء قال: "اللهُم إني أعُوذُ بِكَ مِنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بن ميمون وضعفه اهـ، وشيخه فيه علباء راويه عن علي وعن ابن بريدة عن أبيه تابعي لا بأس وورد هذا المتن من حديث أبي أمامة بمعنى الأمر وهو أشهر ما في الباب ثم خرجه من طريق الطبراني في الدعاء بسنده إلى أبي أمامة قال لا يعجزن أحدكم إذا دخل مرفقه أن يقول اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم أخرجه ابن ماجة قال الحافظ وعجب للشيخ كيف أغفله وعدل إلى حديث ابن عمر مع أنهما في المرتبة سواء وحديث أبي أمامة أشهر لكونه في إحدى السنن والله أعلم. قوله: (كَان رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دَخَلَ الخلاءَ) أي أراد إن يدخل وقد وقع ذلك في بعض طرق أنس السابق عند البخاري تعليقًا ولفظه كان إذا أراد أن يدخل الخلاء ووصله في الأدب المفرد وأخرجه البيهقي من وجه آخر على شرط البخاري وهذا التأويل يحتاجه من كره الكلام في محل قضاء الحاجة المعد لذلك كالكنيف، ومن أجازه استغنى عن هذا التأويل ويحمل دخل على حقيقته وقال ابن بطال المعنى متقارب في قوله إذا دخل وفي قوله إذا أراد أن يدخل إلا ترى قوله تعالى: ({فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98] والمراد إذا أردت أن تقرأ غير أن الاستعاذة بالله لمن أراد القراءة متصلة بها لا زمان بينهما وكذا الاستعاذة من الخبث والخبائث لمن أراد الدخول متصلًا بالدخول فلا يمنع من إتمامها في الخلاء مع إن رواية أتى أولى من رواية إذا أراد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنها زيادة فالأخذ بها أولى قال ابن النحوي في هذا تطويل ورواية إذا أراد مبينة لرواية إذا أتى اهـ. ولو نسي التعوذ ودخل فذهب ابن عباس رضي الله عنه إلى كراهة التعوذ واختاره جمع منهم ابن عمر قال ابن بطال وفي الحديث جواز ذكر الله تعالى على الخلاء وليس كما ذكر إذا قلنا المراد بالدخول إرادته وهذا مما اختلف فيه الآثار فعند ابن ماجة في سننه باب في ذكر الله تعالى على الخلاء وأورد فيه حديث عائشة كان - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله تعالى على كل أحيانه فروي عن ابن عباس أنه كره إن يذكر الله عند الخلاء وهو قول عطاء ومجاهد والشعبي وقال عكرمة لا يذكر بلسانه بل بقلبه وبهذا قال أصحابنا الشافعية وأجازه جماعة من العلماء روى ابن وهب إن عبد الله بن عمرو كان يذكر الله تعالى في المرحاض وسأل بعضهم الشعبي أعطس وأنا في الخلاء أحمد الله تعالى؟ فقال لا حتى تخرج فأتيت النخعي فسألته فقال أحمد الله تعالى فأخبرته بقول الشعبي فقال النخعي إن الحمد يصعد ولا يهبط، وسبق في الفصل الثامن حديث البيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن سلام قال قال موسى يا رب ما الشكر الذي ينبغي لك إلخ. الحديث وفي الذكر حال قضاء الحاجة، ثم قوله دخل الخلاء بنصب الخلاء على المفعولية على سبيل التوسع أي إجراء اللازم مجرى المتعدي لا الظرفية لأنهم عدوا دخل إلى كل ظرف لمكان مختص كما عدوًا ذهب إلى الشأم خاصة فقالوا ذهبت الشأم ولم يقولوا ذهبت العراق واليمن قاله ابن الملقن وهو ابن النحوي وتبعه البرماوي لكن في شرح الشذور لشيخي عبد الملك العصامي وألحق الفراء بدخلت ذهبت وانطلقت وحكي عن العرب أنهم عدوهما إلى أسماء الأماكن والبلاد وقال أبو حيان وهذا وإن لم يحفظه سيبويه ولا غيره فالفراء ثقة فيما ينقله فيرد ذلك على تخصيص الحكم المذكور به خلت اهـ، ثم ما ذكر من كونه منصوبًا على التوسع يدخل أحد مذاهب ثلاثة المذكور منها مذهب الفارسي وابن مالك ونسبه لسيبويه والثاني أنه منصوب على الظرفية تشبيها

الرِّجسِ النجِسِ الخَبيثِ المُخْبِثِ: الشَّيْطانِ الرجِيمِ" رواه ابن السني، ورواه الطبراني في كتاب الدعاء. ـــــــــــــــــــــــــــــ له باسم المكان المبهم ونسبه الشلوبين لسيبويه ونسب للجمهور ونسب للمحققين أيضًا الثالث أنه مفعول به ودخل متعد بنفسه تارة وبحرف الجر أخرى وهذا مذهب الأخفش وجماعة قال القلقشندي وهو أضعفها. وله: (الرجْس) قال ابن النحوي نقلا عن التقي القشيري في الإمام بكسر الراء وسكون الجيم النجس قال البعلي في المطلع قال الجوهري الرجس القذر والنجس اسم فاعل من نجس ينجس فهو نجس كفرح يفرح فهو فرح قال الفراء إذا قالوه مع الرجس اتبعوه فقالوا رجس نجس يعني بكسر النون وبسكون الجيم وهو من ذكر الخاص بعد العام فإن الرجس النجس الشيطان الرجيم وقد دخل في الخبث والخبائث بتقدير كونهما للشياطين اهـ. ونقل ابن الملقن في تخريج أحاديث الشرح الكبير عن المتقي في الإمام مثله من كون النجس بكسر النون وإسكان الجيم اتباعًا للرجس. قوله: (الخبثِ المخبثِ) قال البيضاوي في شرح المصابيح ومن نسخته بخطه نقلت فالخبث في نفسه نجس والمخبثَ الذي أصابه خبث كقولهم قوي لمن يكون في نفسه قويًّا ومقوي لمن يكون دابته قوية ومثله ضعف ومضعف وقيل المخبث ما يخبث غيره وقيل الخبث الشر والخبائث الشياطين والخبث غش الجوهر والرديء منه وفي الحديث لا تزال الناس بخير ما لم يظهر فيهم أولاد الخبث يريد أولاد الزنى اهـ. قال ابن العماد وهذا الذكر يدل على إن إبليس نجس العين لكن ذكر البغوي في شرح السنة أنه طاهر العين كالمشرك واستدل بأنه - صلى الله عليه وسلم - أمسك إبليس في الصلاة ولم يقطعها ولو كان نجسًا لما أمسكه فيها ولكنه نجس الفعل خبيث الطبع. قوله: (رواه ابن السني إلخ) وكذلك رواه من حديث ابن عمر أبو نعيم كما تقدم في كلام الحافظ قال في الجامع الصغير بعد إيراده بلفظ رواية المصنف رواه أحمد وابن ماجة

باب النهي عن الذكر والكلام على الخلاء

باب النهي عن الذكر والكلام على الخلاء ـــــــــــــــــــــــــــــ والطبراني عن فاطمة الزهراء. وقال في الجامع قبل ذلك أخرجه أبو داود في مراسيله عن الحسن مرسلًا وابن السني عنه عن أنس والأربعة عن بريدة وفي البدر المنير لابن الملقن رواه ابن ماجة في سننه من حديث عبد الله بن زحر الأفريقي وهو مختلف فيه وله مناكير ضعفه أحمد وقال النسائي لا بأس به عن علي بن يزيد وهو الألهاني وقد ضعفه جماعة عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة ولفظه قال - صلى الله عليه وسلم - "لا يعجز أحدكم إذا دخل مرفقه إن يقول اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم". قلت ورواه بهذا اللفظ والسند الطبراني في كتاب الدعاء كما قاله الحافظ ولعل الشيخ أشار بالطبراني في كتاب الدعاء إلى حديث أبي أمامة المذكور وبه يندفع اعتراض الحافظ عليه أنه أهمل حديث أبي أمامة مع أنه أشهر من حديث ابن عمر لكن يبقى فيه عزوه للطبراني دون كتاب ابن ماجة مع أنه فيه والله أعلم، قال ابن الملقن ورواه أي حديث أبي أمامة أبو داود في مراسيله عن الحسن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد دخول الخلاء قال فذكره بمثله سواء اهـ، ثم الذي وقفت عليه في الأصل المصحح المضبوط من سنن ابن ماجة في باب ما يقول إذا دخل الخلاء كما قاله ابن الملقن من حديث أبي أمامة ولم أر فيه حديث فاطمة باللفظ الذي عزاه إليه صاحب الجامع الصغير فلعله ذكره في غير بابه وإن كان مخالفًا لعادته في سياقه والله أعلم. باب النهي عن الذكر والكلام على الخلاء ومثل الخلاء أي قضاء الحاجة حال الاستنجاء وقد اختلف العلماء في ذلك كما سبق في الباب قبله وظاهر سياق ابن ماجة في سننه جواز ذلك كما تقدم نقله قال ابن بطال وهذا الحديث حجة لمن أجاز ذلك ومن كره ذلك أن يقول الخبر

يكره الذكْر والكلام ـــــــــــــــــــــــــــــ عام مخصوص بالأخبار الواردة في النهي عن الكلام على الخلاء وهذا إن قلنا بعموم مثل هذه العبارة من كان جمع بين الظهر والعصر وفيه خلاف للأصوليين نعم هنا زيادة على كل أحواله وهي تقتضي التعميم ويحتمل جريان الخلاف معها أيضًا ولم أره والله أعلم. قوله: (يكرهُ الذكرُ) أي ولو قرآنا حال قضاء الحاجة وقال ابن كج أنه يحرم ومال إليه الأذرعي والزركشي كما سبق في الفصول ومنقول المذهب ما قررناه أولًا، وفي كتاب الحافظ ابن حجر العسقلاني رجل قال يجوز قراءة القرآن على الغائط وأنه مكروه ليس بحرام واستدل بأن الفقهاء لم يحرموا سوى استقبال القبلة واستدبارها ولم يتعرضوا لتحريم ذلك فهل يجوز تلاوة القرآن للجالس على الغائط وهل ورد نص صريح بجواز ذلك. فأجاب لم أر من تعرض للقراءة والذكر في كتب الفروع لأنهم اكتفوا فيه بمفهوم الموافقة لأنهم إذا صرحوا بكراهة الكلام حتى سقط رد وجوب السلام عن المتغوط فذكر الله أولى وتلاوة القرآن أولى وأولى وإذا كان مطلق الكلام مكروهًا كراهة تنزيه فالقياس إن يكون تلاوة القرآن ومداومة ذكر الله مكروهين كراهة تحريم وقد صرح في شرح المهذب بأنه إذا عطس في الخلاء فلا يحمد بلسانه بل بقلبه اهـ، وما أجاب به نفع الله به ضعيف ومن العجب عدم اطلاع هذا الشيخ الإمام الحبر البحر الهمام مع سعة اطلاعه وكمال حفظه وإتقانه على حكم ما ذكره في كتب الفروع وقد نص الأصحاب ومنهم المصنف في الروضة بكراهة الذكر في الخلاء وهو شامل للقرآن وغيره ومثل ذلك عبارة الكتاب وما شمله عموم كلام الأصحاب فهو من المنقول وأما مسألة العاطس فليس الإتيان به لفظًا منهيًّا عنه على سببل التحريم حتى يؤخذ منه كراهة التلاوة كذلك وقد صرح بحكم التلاوة حال خروج الخارج غير واحد من المتأخرين وعبارة المصنف هنا وفي الروضة وغيرها

حال قضاء الحاجة، سواء كان في الصحراء أو في البنيان، وسواء في ذلك جميع الأذكار والكلام، إلا كلام الضرورة حتى قال بعض أصحابنا: إذا عطس لا يحمَدُ الله تعالى، ولا يشمّت عاطسًا، ولا يرد السلام، ولا يجيب المؤذن، ويكون المسلِّمُ مقصرًا لا يستحقُّ جوابًا، والكلام بهذا كله مكروه كراهة تنزيه، ولا يحرم، فإن عطس ـــــــــــــــــــــــــــــ تشمل ذلك والله أعلم. قوله: (حال قضَاءِ الخاجة) كذا تكره القراءة والذكر في محل قضاء الحاجة وإن لم يشتغل بقضائها بخلاف الكلام فلا يكره حينئذٍ وقيل بكراهته. قوله: (وسَواءٌ فِي ذلكَ) أي المذكور من كراهة جميع الأذكار أي ولو قرآنًا فيكره الإتيان به حينئذٍ. قوله: (لَا يحْمَدُ الله تَعَالى) أي بلسانه بل يحمده بقلبه وجنانه ومثله في ذلك المجامع فيحمد إذا عطس بالجنان لا باللسان للنهي عن الكلام حال الجماع قال ابن الجزري في مفتاح الحصين وسبق في الفصول نقله عن الحرز كما سبق: الذكر عند نفس قضاء الحاجة أو الجماع لا يكره بالقلب بالإجماع وأما الذكر باللسان حالتئذٍ فليس مما شرع لنا ولا ندب إليه - صلى الله عليه وسلم - ولا نقل عن أحد من أصحابه بل يكفي في هذه الحالة الحياء والمراقبة وذكر نعمة الله تعالى بتسهيل إخراج هذا المؤذي الذي لو لم يخرج لقتل صاحبه وهذا من أعظم الذكر ولو لم يقل باللسان اهـ، وأصله لابن القيم في "الوابل الصيب" وزاد واللائق بهذه الحالة التقنيع بثوب الحياء من الله وإجلاله وذكر نعمته عليه وإحسانه إليه في إخراج هذا المؤذي فالنعمة في تيسير خروجه كالنعمة في التعذي به اهـ. قوله: (ولا يشمّتُ عاطِسًا) التشميت بالمعجمة والمهملة وجهان يأتيان في أواخر الكتاب وسيأتي بيان أوجههما إن شاء الله تعالى والمراد به قول السامع للعاطس

فحمد الله تعالى بقلبه ولم يحرك لسانه فلا بأس، وكذلك يفعل حال الجماع. وروينا عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا حمد الله يرى حكم الله ولم أر لأحد في هذا المقام استحباب التشميت بالقلب والظاهر عدمه والفرق بينه وبين الحمد عند العطس ظاهر. قوله: (فحمِدَ الله تعالى بقلبِهِ) أي من غير حركة اللسان أو معه من غير إسماع صوت مفهم ولا مانع من السماع إذ الذكر لا يترتب عليه الأحكام إلّا إذا كان بحيث يسمع نفسه عند عدم نحو اللفظ كما سبق في الفصول. قوله: (فلا بأس) هي كلمة تدل على الإباحة وعدم الكراهة وسيأتي بيان أصلها المنقولة هي عنه في أذكار الوضوء إن شاء الله تعالى. قوله: (وكذا يفعلُ حال الجماع) أي ومثل ذا أي الحمد بالقلب حال قضاء الحاجة الحمد بالقلب أيضًا حال الجماع، فالجماع كحال قضاء الحاجة في كراهة الذكر والكلام باللسان. قوله: (روينا عن ابن عمَرَ) قال الحافظ بعد تخريجه كذلك من طريقه هذا لفظ ابن خزيمة وزاد أبو نعيم في روايته حتى مس الحائط هذا حديث صحيح أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجة وأبو داود بطرق قال الحافظ ولم يقع في رواية واحد منهم الزيادة التي نقلتها من رواية أبو نعيم وهي محفوظة في حديث أبي جهيم وهو حديث أصح ما ورد في هذا الباب كما قال الحافظ أخرجه البخاري موصولًا ومسلم تعليقًا ولفظ أبي جهيم أقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه حتى أتى الجدار فمسح وجهه ويديه ثم رد عليه "قال الحافظ" وعجبت للترمذي كيف أغفله وللمصنف كيف أهمله "قلت" أما إهمال المصنف له فلأنه ليس مطابقًا لترجمة الباب فإنها فيمن سلم عليه بعد انقضاء البول قبل الطهارة والله أعلم، قال الحافظ والضحاك بن عثمان أي الراوي عن نافع عن ابن عمر شيخ مدني صدوق وقد خالفه أبو بكر بن عمر العمري عن نافع في المتن فقال أنه رد - عليه السلام - فأخرجه الحافظ عن أبي بكر

"مر رجل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبول فسلَّمَ عليهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن نافع عن ابن عمر أن رجلًا مر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبول فسلم عليه فرد عليه ثم قال أما أنه لم يحملني على الرد عليك إلَّا أني خشيت أن تقول "سلمت عليه" فلم يرد عليّ فإذا رأيتني على هذه الحالة فلا تسلم عليّ فإنك إن تفعل لا أرد عليك هذا حديث حسن أخرجه البزار وابن الجارود في المنتقى ولم ينسب أبو بكر إلى أبيه بل وقع في رواية البزار بل وقع عنده حدثني أبو بكر رجل من ولد ابن عمر قال عبد الحق في الأحكام أبو بكر هذا أظنه ابن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر فإن يكن هو فالحديث صحيح لكن حديث الضحاك أصح منه ثم قال ويمكن أن يحمل على واقعتين وتعقب ابن القطان تصحيحه بأن أبا بكر لا يعرف وسكتا جميعًا عن سعيد بن سلمة الراوي عن أبي بكر وهو المعروف بابن أبي الحسام وهو صدوق فيه مقال أخرج له البخاري تعليقًا ومسلم مستشهدًا وقد تابعه إبراهيم بن يحيى عن أبي بكر عن عمر أخرجه الشافعي عن إبراهيم فقويت رواية إبراهيم وصدق ظن عبد الحق في نسبة أبي بكر وتعين الحمل على ما أشار إليه من تعدد الواقعة ويحتمل الجمع بتأويل لا يخلو من تكلف اهـ. قوله: (مرَّ رجلٌ) يحتمل أن يكون هذا الرجل المهاجر ويكون قوله في الخبر فلم يسلم عليه أي حتى توضأ ويحتمل أن يكون غيره ولم أو من تعرض لبيان ذلك لا المصنف ولا العراقي في مبهماتهما. قوله: (فسَلم عليه) قال ابن حجر في شرح المشكاة في الكلام على حديث المهاجر الآتي وينبغي حمله على إن السلام عليه كان بعد الفراغ لأن المروءة قاضية بأن من يقضي حاجته لا يتكلم فضلًا عن إن يسلم عليه اهـ، ويؤيده اعتذاره في خبره بقوله كرهت إن اذكر الله إلَّا على طهر لكن يأباه قوله في هذا الخبر الوارد عن ابن عمر "وهو يبول" وهو في صحيح مسلم ورواه ابن ماجة في حديث

فلم يَرُدّ عليهِ" رواه مسلم في "صحيحه". وعن المهاجر بن قنفذ رضي الله عنه قال: "أتيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبول، فسلمتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي هريرة قال مر رجل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه فلما فرغ ضرب بكفه الأرض ثم رد - عليه السلام - وحديث جابر بن عبد الله أن رجلًا مر على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبول فسلم عليه فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم عليّ فإنك إن فعلت ذلك لم أرد عليك، أوردهما ابن ماجة في سننه وعقد له باب الرجل يسلم عليه وهو يبول وصدره بحديث المهاجر وسبق في كلام الحافظ تخريج مثل حديث جابر من حديث ابن عمر من طريق أبي بكر العمري رواه البزار وغيره قال الحافظ وأخرج حديث جابر أبو يعلى أيضًا وسنده حسن اهـ، هو مقتض إن رده السلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في حال البول وكون المروءة تقتضي المنع من ذلك هو كذلك لكن لا يعلم إن المروءة ذلك إلّا من جانب الشرع الشريف وفعل من ذكر ذلك كان قبل العلم به فلا إشكال في السلام عليه - صلى الله عليه وسلم - في تلك الحال والله أعلم. قوله: (فلم يُردَّ عليه) قال المصنف فيه إن المسلم في مثل هذا الحال لا يستحق جوابًا وهذا متفق عليه اهـ. وقال الطبري إن ذلك كان منه - صلى الله عليه وسلم - على وجه التأديب للمسلم عليه ألا يسلم بعضهم على بعض على الحدث وذلك نظير نهيه وهم كذلك إن يحدث بعضهم بعضًا لقوله لا يتحدث المتغوطان على طوفهما يعني حاجتهما فإن الله يمقت على ذلك اهـ. قوله: (ورواه مسلم) وذكرنا رواية ابن ماجة له. قوله: (وعن المهاجر بن قنفذ) وزاد ابن ماجة في سننه في نسبه فقال ابن عمرو بن جدعان زاد ابن الأثير في أسد الغابة ابن عمرو بن

عليه، فلم يرُد حتى توضَّأ، ثم اعتذر إليَّ وقال: إني ـــــــــــــــــــــــــــــ كعب بن سعد بن تيم بن مرة القرشي التيمي قال السيوطي في حاشيته على سنن النسائي المهاجر بن قنفذ بذال معجمة وهما لقبان واسم المهاجر عمرو واسم قنفذ خلف وروي العسكري في الصحابة من طريق الحسن عنه أنه هاجر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذه المشركون فأوثقوه إلى بعير فجعلوا يضربون البعير سوطًا ويضربونه سوطًا فأفلت فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال هذا المهاجر حقًّا ولم يكن يومئذٍ اسمه المهاجر اهـ، زاد ابن الأثير في أسد الغابة وقيل أسلم يوم فتح مكة وولى الشرطة لعثمان وفرض له سبعة الآف قال الذهبي في الكاشف خرج عنه أبو داود والنسائي وابن ماجة روى عنه أبو ساسان حضين قلت وهو بالمهملة فالمعجمة فالتحتية آخره نون بصيغة التصغير كما ضبطه ابن الأثير. قوله: (عليه) أي بعد تمام قضاء حاجته لأن المروءة قاضية إن من كان كذلك لا يكلم فضلًا عن كونه يسلم عليه ومن ثم كره السلام عليه ولا يستحق جوابًا فضلًا عن أن يعتذر إليه فالاعتذار دليل على ما قلناه قاله ابن حجر وعلمت ما فيه ولعل الاعتذار جبر لما لحقه من الانكسار بتأخير رد سلامه إذ لا يستحق التأديب إلَّا من خالف، ومن ذكر سالم من ذلك لما قررناه أنه لا يعلم كون ذلك ليس من المروءة إلَّا من الشرع المأخوذ منه - صلى الله عليه وسلم - ولعل هذا أقرب والله أعلم، وفي فتاوي المحقق السمهودي حال الاستنجاء كحال التبرز في كراهة ابتداء السلام ورده ولا يشكل إطلاق الفقهاء الإتيان بالحمد لله عند الفراغ من قضاء الحاجة لأن مرادهم أنه يقوله عند الخروج من محل قضاء الحاجة وربما يشعر به قولًا الإحياء وسن أن يقول عقب الفراغ من الاستنجاء اللهم طهر قلبي من النفاق وحصن فرجي من الفواحش اهـ، إذ لولا إن حال الاستنجاء ليس حال ذكر لكان الإتيان به حال الاستنجاء أولى كذكر أعضاء الوضوء اهـ. قوله: (حتى توضأ) قال الطحاوي هو على

كَرِهْت أنْ أذكُرَ اللهَ تعالى إلا على طُهْرٍ" أو قال: "على طَهارَةٍ" حديث صحيح، ـــــــــــــــــــــــــــــ الاختيار والأخذ بالاحتياط والفضل لأنه ليس من شرط رد السلام أن يكون على وضوء. قوله: (كرهت أَنْ أذكُرَ الله تعالى إلَّا عَلَى طُهْرٍ) يؤخذ منه إن الذكر يطلق على كل مطلوب قولي وأما أصل وضعه فهو ما تعبدنا به الشارع بلفظه مما يتعلق بتعظيم الحق والثناء عليه وهذا هو المراد بقول الفقهاء لا تبطل الصلاة بالذكر وجواب السلام ليس موضوعًا لذلك فإطلاق الذكر عليه مجاز شرعي سببه المشابهة "قلت" أو يكون ذلك لكون السلام في التحية هو من أسمائه الحسنى على ما سيأتي بيانه في كتاب السلام وفي الحديث السلام اسم من أسماء الله تعالى وضعه في الأرض فأفشوه بينكم، رواه البخاري في الأدب المفرد من حديث أنس مرفوعًا والبزار من حديث ابن مسعود والبيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة وحينئذٍ فيؤخذ من الحديث إن الأفضل إلا توجد الأذكار الحقيقية أو المجازية إلَّا في أكمل الأحوال كالطهارة من المحدثين وطهارة الفم من الخبث. قال الطيبي في الخبر أن من شرط الذكر أن يكون الذاكر طاهرا كيفما كان وإن ذكر الله وإن لم يكن صريحًا كما في السلام ينبغي أن يكون على الطهارة فإن المراد به السلامة لكنه مظنة لأن يكون اسما من أسمائه تعالى وفي إن رد السلام وإن كان واجبا فالمسلم في هذه الحالة مضيع لحق نفسه فلا يستحق الجواب ففيه دليل على كراهة الكلام حال قضائه الحاجة وعلى إن من قصر في جواب السلام لعذر يستحب إن يعتذر حتى لا ينسب إلى الكبر وعلى وجوب رد السلام لأن تأخيره للعذر مشعر بوجوبه اهـ. وقوله من شرط الذاكر إلخ، هو شرط الكمال في حصول فضل الذكر ونظر ابن حجر في شرح المشكاة في كلام الطيبي المذكور بإنظار لا يظهر ورود غالبها والله أعلم. قوله: (حديث صحيح) لا ينافيه قوله بعد بأسانيد صحيحة لأنه قد يصح

رواه أبو داود ـــــــــــــــــــــــــــــ السند دون المتن لعلة تعرض له ولذا كان الحكم للسند بالصحة أو الحسن دون الحكم به للمتن على ما تقرر في محله، وفي نسخة مقروءة على ابن العماد وغيره "حديث صحيح" ومثله في الخلاصة للمصنف ووجهه حسن صريح وقال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن صحيح أخرجه أحمد وابن ماجة وأبو داود والنسائي وابن خزيمة والحاكم والطبراني قال. ووقع عند الدارمي أيضًا عن المهاجر بن قنفذ أنه سلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبول فلم يرد عليه حتى فرغ فلما توضأ رد - عليه السلام - وهكذا أخرجه الحسن في مسنده وأبو نعيم في المعرفة وغيرهم قال الحافظ وليست هذه العلة بقادحة فإن قتادة أحفظهم وقد رواه عن الحسن عن حضين عند أبي ساسان عن المهاجر وهو عند أحمد ومن ذكر معه وقد جوده وصوب رواية ابن السكن وغيره لكن في السند علة أخرى هي إن سعيد بن أبي عروبة وقتادة والحسن موصوفون بالتدليس وقد عنعنوا هذا الحديث ولم أره مصرحا في شيء من طرقه عن واحد منهم بالتحديث وقد انجبرت رواية سعيد برواية هشام وحصين وتقدم ضبطه ابن المنذر بن وعلة بالعين الرقاشي بوزن النجاشي تابعي كبير وأبو ساسان لقب وكنيته في الأصل أبو محمد وكذا قيل قبل في شيخه إن المهاجر لقب واسمه خلق بن عمير وهو من بني تيم بن مرة قبيلة أبي بكر الصديق "قلت" تقدم أنه من بني جدعان وهم من تيم بن مرة قال الحاكم بعد تخريجه صحيح على شرط الشيخين وتعقب بأنهما لم يخرجا للمهاجر ولا خرج البخاري لأبي ساسان وعذر من صحح الحديث كثرة شواهده وإلَّا فغاية إسناده أن يكون حسنًا وأما قول الشيخ أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة بأسانيد صحيحة ففيه نظر إذ ليس له إلَّا إسناد واحد عند من ذكر من سعيد فصاعدا اهـ.

والنسائي وابن ماجه بأسانيد صحيحة. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (والنسائي) لكن إلى قوله توضأ وقال فلما توضأ رد عليه كذا في المشكاة وما صرح به في هذه الرواية مفهوم تلك الرواية. قوله: (بأسانيد صحيحة) قال في المشكاة رواه أبو داود قال ابن حجر في شرحها وابن ماجة سنده حسن اهـ، وهو محتمل أن يكون لخصوص ابن ماجة وأن يكون للحديث بطريقيه وعلى كل ففي كلامه مخالفة لكلام المصنف هنا والله أعلم، وسبق ما في قول الشيخ بأسانيد وإن إسناده عند من ذكرهم المصنف واحد إذ مدارهم فيه على سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن الحضين عن أبي ساسان عن المهاجر والله أعلم. فائدة قال الترمذي بعد تخريج حديث ابن عمر وفي الباب عن علقمة بن الفغواء بفتح الفاء وسكون المعجمة وحديثه عند المقانع وأبو نعيم في الصحابة وسنده ضعيف ولفظه كان - صلى الله عليه وسلم - إذا أراق الماء لا يكلمنا ولا نكلمه، وعن جابر، قلت وحديثه عند ابن ماجة وأبي يعلى وسنده حسن، وعن البراء أنه سلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبول فلم يرد عليه حتى فرغ قال الحافظ بعد تخريجه شذ راوي الحديث في قوله عن البراء إنما المحفوظ عن المهاجر قال الحافظ في الباب عن أبي جهيم قلت وسبق بيان لفظه ومن خرجه وأنه أصح ما ورد في الباب وعن عبد الله بن حنظلة وفي آخر سنده مبهم قال الحافظ إن كان صحابيًّا فالحديث صحيح وإن كان تابعيًّا فالحديث منقطع والحديث كذلك عند أحمد ولفظه عن رجل عن عبد الله بن حنظلة أن رجلًا سلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبول فلم يرد عليه حتى قال بيده يعني تيمم قال الحافظ ورجال ثقات إلَّا الرجل المبهم وعن عبد الله بن حنظلة صحابي صغير قتل يوم الحرة وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أخرجه ابن عدي في الكامل

باب النهي عن السلام على الجالس لقضاء الحاجة

باب النهي عن السلام علي الجالس لقضاء الحاجة قال أصحابنا: يكره السلام عليه، فإن سلَّم لم يستحِقَّ جوابًا، لحديث ابن عمر والمهاجِر المذكورَين في الباب قبله. ـــــــــــــــــــــــــــــ بسند ضعيف وعن جابر بن سمرة وهو حديث حسن عند الطبراني في الكبير ولفظه قال دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبول فسلمت عليه فلم يرد علي السلام ودخل حتى توضأ ثم رجع فقال عليك السلام وأخرجه في الأوسط أيضًا وقال لا يروى عن جابر ابن سمرة إلّا بهذا الإسناد تفرد به الفضل أي ابن قدامة وعن أبي هريرة أخرجه ابن عدي في الكامل وعن عثمان أنه كان بالمقاعد فتوضأ فسلم عليه حتى فرغ من وضوئه ثم ذكر خبرًا مرفوعًا خرجه أبو يعلى اهـ. باب النهي عن السلام على الجالس لقضاء الحاجة ومثله كما يعلم مما مر عن السمهودي حال الاستنجاء بعد قضائها. قوله: (فإن سَلم عليه لَمْ يَستحِقَّ جوابًا) هذا أحد المواضع التي لا يستحق فيها المسلم الجواب لتقصيره وقد نظم الإمام العالم العارف ابن رسلان منها اثنين وعشرين موضعًا فقال: رد السلام واجب إلّا على ... من في الصلاة أو بأكل شغلا أو شرب أو قراءة أو أدعيه ... أو ذكر أو في خطبة أو تلبيه أو في قضاء حاجة الإنسان ... أو في إقامة أو الأذان أو سلم الطفل أو السكران ... أو شابة يخشى بها افتتان أو فاسق أو ناعس أو نائم ... أو حالة الجماع أو تحاكم أو كان في الحمام أو مجنونا ... فهذه اثنان بعدها عشرونا وفي بعضها نظر يعلم مما يأتي في كتاب السلام إن شاء الله تعالى. قوله: (لحديث ابن عُمَرَ والمُهاجِرِ) فيه إن حديث المهاجر مقتض أنه سلم عليه بعد أن توضأ وتقدم

باب ما يقول إذا خرج من الخلاء

باب ما يقول إذا خرج من الخلاء يقول: "غُفْرَانَكَ، الحَمْدُ لِلهِ الذي أذْهبَ عَني الأذى وعافاني". ثبت في الحديث الصحيح في "سنن أبي داود" و"الترمذي" أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: ـــــــــــــــــــــــــــــ التصريح به في رواية النسائي وكذا حديث ابن عمر في طريق أبي بكر العمري كما سبقت الإشارة إليه نعم ظاهر حديث ابن عمر من طريق قتادة وهي الطريقة الراجحة كما تقدم يقتضي ما ذكر والله أعلم. باب ما يقول إذا خرج من الخلاء قوله: (ثبت في الحديث الصحيح إلخ) وفي الخلاصة للمصنف عن عائشة رضي الله عنها كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من الغائط قال غفرانك صحيح رواه الثلاثة يعني أبا داود والترمذي والنسائي في اليوم والليلة قال الترمذي حسن اهـ، وفي المشكاة رواه الترمذي وابن ماجة والدارمي قال شارحها بعد أن زاد أبا داود والنسائي ما لفظه وسنده حسن وكأنه أخذه من قول الترمذي في جامعه حديث غريب حسن لا نعرفه إلَّا من حديث إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة ولا يعرف في الباب إلّا حديث عائشة اهـ، ولم نقف على تصحيح المصنف المذكور، العلم الثبت المشهور مع إن كلام الترمذي لا ينافي كلام المصنف لأن الحديث الحسن يرتقي بالعاضد من الحسن إلى الصحة للغير وما هنا من ذلك لتعدد طرقه ورواته وحينئذٍ فيكون الحديث حسنًا لذاته وهو مراد الترمذي وصحيحًا لغيره وهو مراد المصنف والله أعلم وفي الجامع الصغير روى حديث عائشة أحمد والأربعة وابن حبان والحاكم في المستدرك اهـ. قال في السلاح ولفظ الترمذي وابن حبان كان - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من الخلاء قال

"غفْرَانك" ـــــــــــــــــــــــــــــ غفرانك وسيأتي لهذا المقام مزيد. قوله: (غفرانَكَ) قال السيوطي في مرقاة الصعود وقع في بعض نسخ ابن خزيمة غفرانك ربنا وإليك المصير قال البيهقي وهي مدرجة ألحقت في حاشية الكتاب من غير علمه، نعم وقعت هذه الزيادة في حديث علي وبريدة كما سيأتي بيانه عند قول الشيخ وروى النسائي وابن ماجة باقيه، قال الخطابي الغفران مصدر كالمغفرة ونصب بإضمار أسألك ونحوه "قلت" قال في المجموع وهو المختار، أي ويجوز كونه منصوبًا على المفعولية المطلقة أي اغفر غفرانك وفي مناسبته هنا قولان: قيل من ترك الذكر أي باللسان مدة لبثه في الخلاء وكان لا يترك ذكر الله إلَّا في تلك الحالة وقيل خوفًا من تقصيره في أداء شكر هذه النعمة الجليلة إن أطعمه ثم هضمه ثم سهل خروجه فرأى شكره قاصرًا عن بلوغ حق هذه النعمة فتداركه بالاستغفار اهـ. ولذا رأى الشيخ نصر المقدسي تكرار ذلك مرتين ونقله السمهودي في حاشية الروضة عن القاضي الحسين والمحاملي والجرجاني وغيرهم، والمحب الطبري تكراره ثلاثًا واستغربه السمهودي، لكن ضعفا بأن الأخبار ساكتة عن طلب التكرار، وفي شرح المنهاج الصغير لابن شهبة الغفران مأخوذ من الغفر وهو الستر فكأنه يسأل من الله تمام المنة بتسهيل الأذى وعدم حبسه لئلا يفضي إلى شهرته وانكشافه وقيل أنه لما خلص من النجو المثقل للبدن سأل التخليص مما يثقل القلب وهو الذنب لتكمل الراحة اهـ. وفي شرح العباب قال بعضهم وأصح هذه الوجوه هو الثاني دون الأول لأن ترك الذكر حينئذٍ هو المشروع فكيف يكون تركه تقصيرًا ويرد بأن فيه تقصيرًا من حيث أنه تعاطى لأجل شهرته ما اقتضى ترك الذكر فكان في شهود التقصير حينئذٍ من إجلال الله والاعتراف بعدم الوفاء بشكر نعمته ما لا يخفى عظم وقعه اهـ، قوله يسأل تمام المنة إلخ، أي دوام ذلك عند الحاجة إليه لا التي ذكر بعدها لأنها تمت وخرج منها، قوله وهو الذنب، أي بالنسبة لسائر الأمة أما بالنسبة إليه - صلى الله عليه وسلم - فأتى به خضوعًا لربه وتعليمًا لأمته ثم يجوز أن يكون غفرانك منصوبًا على

وروى النسائي وابن ماجة باقيه. وروينا عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من الخلاء قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه مصدر جعل بدلًا من اللفظ نحو ضربًا زيدا أو على أنه مفعول مطلق كما تقدم فعلى الأول يجب حذف عامله دون الثاني فافهم وقيل معناه أستغفرك فهو مصدر موضوع موضع الخبر قاله أبو حيان في النهر والله أعلم. قوله: (وروى النسائي وابن ماجة باقيه) فرواه ابن ماجة من حديث أنس والنسائي من حديث أبي ذر يرفعه قال ابن حجر في شرح المشكاة وسنده حسن وكذا رواه من حديثه ابن السني في عمل اليوم والليلة وعبارة ابن حجر في الشرح توهم إن الحديث عبد ابن ماجة من حديث أبي ذر وليس مرادًا فلم يروه ابن ماجة في سننه إلَّا من حديث أنس وقال يقال إن ابا زرعة قال: إسماعيل ضعيف الحديث وهو مكي، وهذا مكي والحديث منكر فإن أبا حاتم قال أصح ما فيه أي الباب حديث عائشة اهـ. وفي الخلاصة للمصنف بعد أن أورده في فضل الضعيف من أحاديث ما لفظه قال الترمذي لا يعرف في الذكر عند الخروج إلَّا حديث عائشة اهـ، وكأن صاحب السلاح لم يذكره فيما يقال عند الخروج من الخلاء لذلك ولعل ابن حجر لم يقف على هذا الكلام أو قام عنده ما يدفع ذلك أو أراد أنه اعتضد بتعدد طرقه فارتفع عن درجة الضعف والنكارة إلى درجة الحسن للغير والاعتبار والله أعلم، والمراد بباقيه هو "الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني" وقد روى ذلك ابن السني من حديث أبي ذر كما تقدم ثم ظاهر تقرير المصنف نفع الله به إن النسائي وابن ماجة رويا قوله الحمد لله إلخ، دون قوله غفرانك وليس مرادًا فقد رويا ذلك أيضًا من حديث عائشة كما أشرنا إليه في الكلام عليه والأوضح في التعبير المطابق

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لما ذكرناه من التقرير "وثبت في الحديث الصحيح في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة أي عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول غفرانك وروى النسائي وابن ماجة باقيه " أي في حديث مستقل على ما لا يخفى على المتقين المشتغل فهو عند النسائي من حديث أبي ذر وعند ابن ماجة من حديث أنس ثم رأيت الحافظ ابن حجر أشار إلى بعض ما ذكرته أولًا من قولي أولًا فقد رويا ذلك إلخ، وآخرًا من قولي فهو حديث مستقل، وعبارته كلام الشيخ يوهم إن الحديث واحد اختصره بعضهم وليس كذلك بل قوله غفرانك أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة كلهم عن عائشة والكلام الذي بعده أخرجه النسائي من حديث أبي ذر وابن ماجة من حديث أنس والأسانيد الثلاثة متباينة وحديث عائشة أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد أيضًا قال الحافظ وسنده حسن صحيح ومداره عند جميع رواته على إسرائيل بن يونس قال الدارقطني تفرد به إسرائيل عن يوسف ويوسف عن أبيه وأبوه عن عائشة وقال الترمذي حديث حسن غريب ولا نعرف في الباب إلَّا حديث عائشة قال الحافظ إن أراد هذا اللفظ بخصوصه ورد عليه حديث علي وبريدة وقدمناه في الباب قبله وإن أراد أعم من ذلك. وردت عليه أحاديث أبي ذر وأنس وشواهدها فلعله أراد مما يثبت ووقع في المهذب بلفظ "ما خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من الخلاء إلّا قال غفرانك" قال المصنف في شرحه أخرجه الأربعة عن عائشة ولفظهم كلهم "كان إذا خرج من الغائط قال غفرانك" وبين اللفظين تعارض قال الحافظ أخرجه الترمذي بلفظ الخلاء والنسائي بلفظ ما خرج إلّا فاندفع الاعتراض وذكر ابن أبي حاتم في العلل إن حديث عائشة أصح شيء في الباب وفيه إشارة إلى أنه ورد فيه غيره وحديث أبي ذر حسن أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة من طريق سفيان الثوري عن أبي ذر موقوفًا أنه كان يقول إذا خرج من الخلاء الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني وأخرجه من طريق شعبة عن منصور

"الحَمْدُ لِلهِ الذي أذاقَني لذَّتَهُ، وأبقى فيَّ قوّتَهُ، وَدَفعَ عَني أذاهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بن المعتمر مرفوعًا وموقوفًا لكن خالف سفيان في اسم شيخ منصور فإن سفيان رواه عن منصور هو ابن المعتمر عن أبي علي الأزدي عن أبي ذر ورواه شعبة عن منصور عن أبي الفيض عن أبي ذر وأبو الفيض لا يعرف اسمه ولا حاله ورجح أبو حاتم رواية سفيان على رواية شعبة وهذا منفي عنه الاضطراب وقد مشى المصنف في شرح المهذب على ظاهره فقال رواه النسائي بسند مضطرب غير قوي قال الحافظ أبو علي الأزدي ذكره ابن حبان في ثقات التابعين فقوي ويزداد قوة بشاهده ومن طريقة الشيخ تقديم المرفوع على الموقوف إذا تعارضا فليكن ذلك هنا وحديث أنس أخرجه ابن ماجة ورواته ثقات إلّا إسماعيل بن مسلم وجاء عن أنس حديث آخر يأتي في شواهد حديث ابن عمر وله ولحديث أبي ذر شاهد من حديث حذيفة وأبي الدرداء أخرجه ابن أبي شيبة عنهما موقوفًا بلفظ حديث أبي ذر وأخرج البيهقي في حديث عائشة زيادة ولفظ غفرانك ربنا وإليك المصير وأشار إلى أن هذه الزيادة وهم وأخرج الحديث من طريق آخر بدون تلك الزيادة وقد وقعت الزيادة في حديث علي وبريدة ثم سبب الحمد في هذا المقام ترادف الفضل والإنعام على المتبرز بإزالة ضرر ما في جوفه الذي لو بقي منه أدنى شيء لأضر إضرارًا بينًا. قوله: (الحمدُ لله الذي أذاقَني لَذَّته إلخ) في شرح العباب قلادة إن الطبراني أخرجه أيضًا كذلك ثم قال في رواية "وابقى في قوته ودفع عني أذاء" وفي أخرى "الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني وأمسك عليّ ما ينفعني" فينبغي الجمع بين ذلك كله اهـ. وفي كتاب ابن السني أيضًا من كتاب أنس كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من الغائط قال الحمد لله الذي أحسن إلي في أوله وآخره وفي شرح العدة وكان علي ابن أبي طالب رضي الله عنه إذا خرج من الخلاء مسح بطنه وقال يا لها من نعمة لو نعلم قدرها اهـ. قوله: (رواه ابن السني) أي من جملة حديث هو "كان - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل الخلاء قال اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس

رواه ابن السني والطبراني. ـــــــــــــــــــــــــــــ الخبيث المخبث الشيطان الرجيم وإذا خرج قال الحمد لله الخ" قال الحافظ بعد تخريج ما ذكره الشيخ من حديث ابن عمر الحديث غريب أخرجه المعمري في اليوم والليلة وابن السني وفي سنده ضعيفان وانقطاع لكن للحديث شواهد منها عن عائشة مرفوعًا إن نوحًا - عليه السلام - لم يقم عن خلاء قط إلَّا قال الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى منفعته في جسدي وأخرج عني أذاه حديث غريب أخرجه المعمري والخرائطي في فضيلة الشكر وفي مسنده الحارث بن شبل وهو ضعيف وأخرجه العقيلي وابن عدي فيما أنكره من حديثه وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج عن بعض أهل المدينة قال حدثت أن نوحًا كان يقول فذكر نحوه وأخرجه ابن أبي شيبة عن هشيم عن العوام بن حوشب قال حدثت إن نوحًا فذكره ومنها عن أنس أخرجه ابن السني عنه قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من الخلاء قال الحمد لله الذي أحسن إلي في أوله وآخره وعبد الله بن محمد العدوي الذي أخرجه ابن السني من طريقه ضعيف ومنها عن طاوس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر حديثًا في آداب الخلاء وقال فيه ثم ليقل إذا خرج الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني وأبقى علي ما ينفعني أخرجه الطبراني وقال لم نجد من وصل هذا الحديث قال الحافظ وفيه مع إرساله ضعف رفعه ابن صالح أحد رواته وقد أخرجه عبد الرزاق عن زمعة من وجه آخر اهـ. وفي شرح المنهاج الصغير لابن شهبة وفي مصنف عبد الرزاق وابن أبي شيبة أن نوحًا - عليه السلام - كان يقول الحمد لله الذي أذاقني لذته إلخ. اهـ، وكأنه لم يقف على هذا الخبر المرفوع وإلَّا لما عدل عنه إلى غيره وبه يعتذر أيضًا عما في شرح العدة لابن جمعان وكان بعض السلف يقول الحمد لله إلخ، أو غفل عنه حال التأليف أو شك في كونه من المرفوع ولم يراجعا الأصول والله أعلم. (تم الجزء الأول ويليه الثاني)

باب ما يقول إذا أراد صب ماء الوضوء أو استقاءه

بسم الله الرحمن الرحيم باب ما يقول إذا أراد صب ماء الوضوء أو استقاءه يُستحبّ أن يقول: "بسم الله" كما قدَّمناه. باب ما يقول على وضوئه يُستحب أن يقول في أوله: بسم الله الرّحمن الرَّحيم وإن قال: "بسم الله" كفى. قال أصحابنا: فإن ترك التسمية في أول الوضوء ـــــــــــــــــــــــــــــ باب ما يقول إذا أراد صب ماء الوضوء أو استقاءه أي استقاء الماء فاستقاء مصدر مضاف للمفعول الضمير الراجع إلى الماء والفاعل محذوف أي استقاء المتوضيء الماء. قوله: (لما قدمناه) أي في باب ما يقول إذا لبس ثوبه من قوله تستحب التسمية في جميع الأحوال وهو يبين أن المراد هنا البسملة جميعها وفي المجموع يمكن أن يحتج على المسألة أي التسمية أول الوضوء بحديث كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله أو بذكر الله اهـ. وقدمنا عن ابن عبد السلام في ذلك تفصيلًا فليكن منك ببال وفي شرح مسلم للمصنف ويستحب البدء بالحمد لله في جميع الأعمال أيضًا. باب ما يقول على وضوئه هو بضم الواو عند أهل الشرع استعمال الماء في أعضاء مخصوصة مبدوءًا بنية إما بالفتح فيطلق على الماء المعد للوضوء وما يستعمل في الوضوء وما يبقى منه في الإناء بعد الوضوء وظاهر أنه لا بد عليه من تقدير المضاف أي استعمال الوضوء. قوله: (في أوّله) أي أول الوضوء الشرعي وأوله غسل الكفين فيسمى عند غسلهما

أتى بها في أثنائه، ـــــــــــــــــــــــــــــ لفظًا ويقرن بها نية الوضوء قلبًا ثم يتلفظ بالنية باللسان وقيل أول الوضوء السواك والمختار الأول وعليه فالسواك بعد غسل الكفين قبل المضمضة لكن من المقرر إن السواك يتأكد بالذكر والتسمية ذكر فيسن السواك قبلها لذلك لا لكونه من الوضوء قال ابن حجر الهيتمي وهذا ظاهر وإن لم يصرحوا به اهـ، ثم التسمية في الوضوء سنة عين وفارق الأكل بأن القصد من التسمية فيه عود البركة على الطعام ومنع الشيطان منه وهي حاصلة بتسمية واحد من الجماعة مجتمعين آكلين والقصد منها في الوضوء عود البركة على نفس الفاعل بتكميل عبادته وهذا لا يوجد بذكر الغير. قوله: (أتى بها في أثنائه) فيقول باسم الله أوله وآخره. قوله: (كفى) أي في حصول أصل السنة قال في المجموع وهو محصل لفضيلة التسمية بلا خلاف ونقله عن جمع ثم محل كون أكملها أفضل بالنسبة لذي الحدث الأصغر أما ذو الحدث الأكبر فيقتصر على بسم الله ويجوز زيادة الرحمن الرحيم نقله السمهودي عن شرح المذهب للمصنف وفي شرح العباب لابن حجر قيل الأولى للجنب باسم الله العظيم أو الحليم حتى يخرج بها عن نظر القرآن وحكي في المجموع عن بعضهم إن التسمية لا تسن للجنب وهو ضعيف لأن التسمية ذكر ولا تكون قرآنًا إلَّا بالقصد وحكاية وجه كراهة بسم الله الرحمن الرحيم نازع الإسنوي في ثبوته اهـ، بالمعنى وفي حواشي ابن قاسم على التحفة وقع السؤال هل يقوم مقام البسملة الحمد لله أو ذكر الله كما في بداءة الأمور فأجاب محمد الرملي بالمنع لأن البداءة ورد فيها طلب البداءة بالبسملة وبالحمدلة وبذكر الله وهذه لم يرد فيها إلّا طلب البسملة بقوله توضؤوا باسم الله أي قائلين ذلك كما فسره به الأئمة وأقول لقائل أن يقول إن حديث كل أمر ذي بال شامل للوضوء اهـ. قلت وقد صرح المصنف في شرح مسلم بأنه يستحب أن يحمد الله ويذكره أول كل أمر ذي بال آخذًا بالحديث

فإن ترکها حتى فرغ فقد فات محلُّها فلا يأتي بها ـــــــــــــــــــــــــــــ المذكور وقد سبق نقل عبارته فيما يقول عند لبس ثوبه. قوله: (فإِنْ تَرَكَهَا حَتَّى فَرَغَ فَلَا يَأْتِي بِهَا لفَواتَ مَحَلهَا) قال في شرح الروض والظاهر أنه يأتي بها بعد فراغ الأكل ليتقي الشيطان ما أكله اهـ، ونظر فيه في الإمداد بأن القصد بالتسمية التبرك وتقايؤ الشيطان أمر زائد على ذلك، على أنه قيل ليس المراد حقيقة ثم رأيت حديثًا في الأوسط للطبراني ولفظه من نسي أن يذكر الله في أول طعامه فليذكر الله في آخره وهو يؤيد ما قاله الشيخ وإن كان في سنده ضعف لكنه مقيد بحال النسيان اهـ، ولك إن تقول يحتمل أن يكون المراد من النسيان في الخبر الترك كما في قوله تعالى: {أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا} [طه: 126]، أو تبقيه على ظاهره من قابل العمد ويكون خرج مخرج الغالب من أنه للمبسمل عادة غالبة لا يترك الذكر عند الطعام إلا نسيانًا فلا مفهوم له ويؤيد ذلك إن الإتيان بها أثناء الأكل لمن تركها أوله مقيد بالنسيان رواه أبو داود وغيره إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى أوله فإن نسي إن يذكر اسم الله تعالى في أوله فليقل باسم الله أوله وآخره رواه ابن عطية في شرحه على الإرشاد وكذا رواه الترمذي في شمائله إذا أكل أحدكم فنسي أن يذكر اسم الله على طعامه فليقل بسم الله أوله وآخره فظهر إن لا نظر فيما اعتمده شيخ الإسلام من إطلاق استحباب التسمية على الطعام بعد تمامه سواء تركها عمدًا أو سهوًا ثم رأيت ابن حجر قال في شرح الترمذي المذكور فليقل أثناء الطعام وبعد فراغه كما شمله إطلاق الحديث وقول بعض المتأخرين لا يقول ذلك بعد فراغ الطعام لأنه إنما شرع ليمنع الشيطان وبالفراغ لا يمنع، يريد بأنا لا نسلم أنه إنما شرع لذلك فحسب، وما المانع أنه شرع بعد الفراغ أيضًا ليقيء الشيطان ما أكله والمقصود حصول ضده وهو

ووضوءه صحيح، سواء تركها عمدًا أو سهوًا، هذا مذهبنا ومذهب جماهير العلماء، وجاء في التسمية أحاديث ضعيفة، ثبت عن أحمد بن حنبل رحمه الله أنه قال: لا أعلم في التسمية في الوضوء حديثًا ثابتًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ حاصل في الحالين اهـ. قوله: (وَوُضوؤُهُ صحيحٌ) هذا مذهب جماهير العلماء قال في شرح السنة وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لو ترك التسمية أعاد الوضوء وقال إسحاق إن ترك عمدًا أعاد وإن ترك ناسيا أو متأولًا أجزأه وذهب أهل الظاهر إلى أنها واجبة وعن أبي حنيفة رواية أنها ليست بمستحبة عن مالك أنها بدعة ورواية أنها مباحة لا فضيلة في فعلها وتركها وذهب أكثر أهل العلم إلى إن تركها لا يمنع صحة الطهارة قال السخاوي ولا أعلم من قال بوجوب التسمية إلّا ما جاء عن أحمد في إحدى الروايتين عنه وبه قال ابن راهويه وأهل الظاهر. قوله: (ثبت عن أحمدَ بن حنبل) أنه قال لا أعلم في التسمية في الوضوء حديثًا ثابتًا نقله عنه المصنف في الخلاصة وابدل قوله ثابتًا بقوله صحيحًا وفي شرح السنة عن أحمد لا أعلم في هذا الباب حديثًا له إسناد جيد قال علماء الأثر إذا قال الحافظ الحاكم الذي أحاط بمعظم السنة أي كأحمد بن حنبل لم أقف على شيء في كذا ولا أعرفه أو نحو ذلك استفيد منه عدم وروده وما نقل عن بعض السلف لما قال في حديث لا أعلمه فقيل له أحطت بكل السنة فقال لا فقيل بالنصف قال أرجو قيل فاجعل هذا من النصف الذي لم تحط به محمول على ما قبل تدوين السنن "تنبيه" في الخلاصة للمصنف عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال نظر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضوءًا فلم يجدوا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ها هنا وضوء فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وضع يده في الإناء الذي فيه الماء فقال توضؤوا باسم الله فرأيت الماء يفور من بين أصابعه والقوم يتوضؤون حتى توضؤوا عن آخرهم قال ثابت فقلت لأنس كم كانوا قال كانوا نحوًا من سبعين رجلًا رواه البيهقي بإسناد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جيد وقال هذا أصح ما في الباب اهـ، وكذا رواه النسائي بإسناد جيد كما في شرح الروض والجيد عند علماء الأثر بمعنى الصحيح كما قاله الزركشي في حواشي ابن الصلاح قال قال ابن المبارك ليس جودة الحديث قرب الإسناد صحة الرجال ذكره ابن السمعاني في أدب الاستملاء اهـ. ولعله مستند ابن حجر حيث قال في شرح المشكاة في أثناء كلام للخبر الصحيح توضؤوا باسم الله اهـ. وقال في شرح العباب لما صح من قوله - صلى الله عليه وسلم - توضؤوا باسم الله ونقل في الخلاصة بعده كلام أحمد كما سبق وسكت عليه، وبين كلاميه مخالفة لا تخفى لأن الإقرار على الكلام رضىً به وقد أخذ المحدثون ضعف المرسل عند مسلم من إيراده ذلك في سؤال وسكوته عليه وحينئذٍ فيكون آخر كلام المصنف المصرح بضعف أحاديث التسمية في الوضوء مخالفًا لأول المذكور في حديث البيهقي إذ المراد من قوله فيه توضؤوا باسم الله أي توضؤوا قائلين ذلك وقد يقال لا منافاة لما تقرر إن الحكم على الإسناد لا يلزم مجيئه في المتن فقد يكون السند مقبولًا والمتن معلولًا ويؤيد ذلك أنه لو كان صحيحًا في ذاته لقال وهو حديث صحيح في التسمية فعدوله عن ذلك. إلى قوله أصح ما في الباب قد يومئ إلى ما أشرنا إليه قال المصنف كما يأتي المحدثون يقولون هذا الحديث أصح ما في الباب ولا يريدون صحته في نفسه بل أنه أقل ضعفا من غيره من أحاديث الباب والله أعلم، أو يقال كلام أحمد مخصوص بغير حديث أنس المذكور والسكوت عن التعقب في الأخير اكتفاء بما يفهمه سابق الكلام من التصريح بجودة ذلك الخبر الصحيح على أنه تعقب البيهقي بأن حديثه غير صريح لاحتمال أن يكون المعنى باسم الله، الإذن كما سيأتي عند أواخر الباب وفي شرح التحرير للشيخ زكريا وسن تسمية عند غسل الكفين للأمر بها وللاتباع في الاخبار الصحيحة ثم رأيت الحافظ ابن حجر قال بعد نقل كلام أحمد المذكور لا يلزم من نفي العلم ثبوت العدم وعلى التنزل لا يلزم من نفي الثبوت ثبوت الضعف لاحتمال أن يراد بالثبوت الصحة فلا ينتفي الحسن وعلى التنزل لا يلزم من نفي الثبوت عن كل فرد نفيه عن المجموع وكلام الإمام

فمن الأحاديث حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا وضوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللهِ عَليهِ" رواه أبو داود وغيره. ـــــــــــــــــــــــــــــ أحمد جاء عنه من طرق فأخرج ابن عدي في الكامل عن أحمد بن حفص السعدي قال سئل أحمد عن التسمية في الوضوء فقال لا أعلم فيه حديثًا ثابتًا أقوى شيء من حديث كثير بن زيد عن ربيح بن عبد الرحمن وربيح ليس بالمعروف وسيأتي بيانه في حديث أبي سعيد ونقل الخلال في العلل عن أحمد قال ليس فيه شيء يثبت وأخرجه الحاكم في المستدرك من طريق الأثرم قال قال أحمد أحسن شيء فيه حديث كثير بن زيد وقال ابن راهويه أصح شيء فيه حديث كثير بن زيد ونقل الترمذي عن أحمد نحو ما تقدم وعن البخاري قال أقوى شيء فيه عندي حديث عبد الرحمن بن رباح وهو غير ربيح بن عبد الرحمن وسيأتي الكلام على حديث عبد الرحمن في الكلام على حديث سعيد. قوله: (فَمِنَ الأَحاديثِ) حديث أبي هريرة لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه هو من جملة حديث أورده في الخلاصة ولفظه عن أبي هريرة مرفوعًا لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء إلخ، ولم يذكر مخرجه وذكره هنا بقوله رواه أبو داود وغيره وقال الحافظ بعد تخريجه بجملة، حديث غريب أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والدارقطني والحاكم في المستدرك ومدار الحديث عندهم على قتيبة وصححه الحاكم وتعقب بأنه وقع في رواية يعقوب بن أبي سلمة فظنه الماجشون أحد رواة الصحيح فصححه لذلك وهو خطأ إنما هو يعقوب بن سلمة الليثي لا ابن أبي سلمة وهو شيخ جليل الحديث ما روى عنه من الثقات سوى محمد بن موسى وأبوه يعقوب مجهول ما روى عنه سوى ابنه وقد نقل الترمذي عن البخاري يقول لا يعرف ليعقوب سماع من أبيه ولا لأبيه سماع من أبي هريرة وله شاهد من وجه آخر عن أبي هريرة أخرجه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الدارقطني عن محمود بن محمد المظفري حدثنا أيوب بن البخاري عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما توضأ من لم يسم وما صلى من لم يتوضأ وما آمن بي من لم يحبني وما أحبني من لم يحب الأنصار هذا حديث غريب تفرد به المظفري ورواته من أيوب فصاعدا مخرج لهم في الصحيح لكن قال الدارقطني في المظفري ليس بالقوي وقال ابن معين سمعت أيوب بن البخاري يقول لم أسمع من يحيى بن أبي كثير سوى حديث واحد وهو حديث احتج آدم وموسى فعلى هذا يكون في السند انقطاع إن لم يكن المظفري دخل عليه إسناد في إسناد وجاء عن أبي هريرة من طرف أخرى مختلفة الألفاظ والمعاني فأخرجه الدارقطني عنه مرفوعًا بلفظ من توضأ فذكر اسم الله تطهر جسده كله ومن توضأ فلم يذكر اسم الله لم يطهر سوى موضع الوضوء حديث غريب تفرد به مرداس من ولد أبي موسى الأشعري ضعفه جماعة ووثقه بعض وبقية رجاله ثقات اهـ. وفي الجامع الصغير عزو تخريج حديث أبي هريرة بجملته إلى أحمد وأبي داود وابن ماجة والحاكم ومن حديث سعيد بن أبي زيد إلى ابن ماجة فقط لكن في المشكاة أنه من حديث سعيد رواه الترمذي أيضًا من حديث أبي سعيد الخدري عن أبيه رواه الدارمي اهـ. قلت ورواه من حديث أبي سعيد وسهل بن سعد بن ماجة وقال الترمذي قال محمد بن إسماعيل أحسن شيء في هذا الباب حديث عبد الرحمن بن رباح يعني هذا الحديث المروي عن أبي سعيد كما سيجيء تحقيقه ووقع في نسخة من شرح السنة للبغوي عزو تخريجه للبخاري وهو غلط من الكتاب بلا ارتياب قال البيضاوي هذه الصيغة حقيقة في نفي الشيء ويطلق مجازًا على نفي الاعتداد به لعدم صحته نحو لا صلاة إلَّا بطهور أو كماله نحو لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد والأول أشيع وأقرب إلى الحقيقة فيتعين المصير إلى ذلك ما لم يمنع مانع وههنا محمول على نفي الكمال اهـ. قال العاقولي وهو محمول على الكمال خلافًا لأهل الظاهر لما روي مرفوعًا ومن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ توضأ ولم يذكر اسم الله كان مطهرًا لأعضاء وضوئه اهـ. وفي شرح السنة للبغوي وتأوله آخرون على النية وجعلوا الذكر ذكر القلب وهو أن يذكر أنه يتوضأ لله امتثالًا وسيأتي توجيه أقرب من هذا وحكي هذا المعنى عن ربيعة شيخ مالك وجعل هذا القائل الاسم في قوله لمن لم يذكر اسم الله مقحمًا اهـ. وفي المجموع بعد نقل هذا الجواب أي الأخير عن الدارمي والقاضي حسين وآخرين حكاه عنهم الخطابي اهـ. وفي مرقاة الصعود للسيوطي هذا التأويل أي المنقول عن ربيعة نقله الخطابي عن جماعة من العلماء وإنهم تأولوه على النية وذلك أنهم قالوا إن الأشياء قد تعتجر بأضدادها فلما كان النسيان محله القلب كان محل ضده الذي هو الذكر القلب وإنما ذكر القلب النية والعزيمة قال ابن العربي قال علماؤنا المراد بهذا الحديث وذكر نحوه قال الولي العراقي وفي كلام ربيعة إن لفظ الحديث لمن لم يذكر الله عليه والتأويل الذي ذكره أقرب إلى اللفظ الذي حكاه وهو بعيد من لفظ الحديث اهـ. قلت وليس ببعيد على الرواية المذكورة لما تقدم إن القائلين بذلك التأويل يقولون إن اسم مقحم في الحديث وفي شرح التحرير للشيخ زكريا وإنما يجب لآية الوضوء المبينة لواجباته ولقوله - صلى الله عليه وسلم - للأعرابي توضأ كما أمرك الله رواه الترمذي وحسنه وليس فيما أمر الله تسمية وأما خبر لا وضوء لمن لم يسم الله ففي الإمداد أنه ضعيف كما قال النووي لكنه متعقب أو محمول على الكمال اهـ. "قلت" ويؤيد التعقب إن السيوطي جعل بجانب الحديث علامة الصحة في الجامع الصغير "تنبيه" وقع لبعض المتأخرين إن أحمد أخذ وجوب التسمية من هذا الحديث ورده أصحابنا بضعفه أو بحمله على الكمال للحديث الصحيح لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله فيغسل وجهه ويديه ويمسح رأسه ويغسل رجليه اهـ، وفيه نظر لما نقله المصنف وغيره عن الحافظ كالترمذي عنه من عدم ثبوت حديث في التسمية عنده فكيف يقال بأخذه الوجوب من هذا الخبر من تصريحه بضعفه؟ وقد قدمنا في الفصول أن ما يعزى إلى أحمد من الاستدلال

ورويناه من رواية سعيد بن زيد وأبي سعيد وعائشة وأنس بن مالك وسهل بن سعد رضي الله عنهم، رويناها كلها في "سنن البيهقي" وغيره، ـــــــــــــــــــــــــــــ بضعيف الخبر عنه فقد غيره المراد به الحسن فإنه ضعيف بالنسبة للصحيح لا الضعيف المقابل للمقبول لأنه لا يحتج به في شيء من الأحكام الظاهر إن أحمد له مستند صريح صحيح أخذ منه الوجوب وهو غير مذكرر وتوهمه البعض أنه الخبر المسطور والله أعلم، وفي المجموع احتج من أوجبها بحديث لا وضوء لمن لم يسم الله عليه ولأنها عبادة يبطلها الحدث فوجب في أولها نطق كالصلاة واحتج من لم يوجبها بآية الوضوء وبأنه عبادة لا يجب في آخرها ذكر فلا يجب في أولها كالطواف اهـ. وهي لإجمال من قال بالإيجاب أبعد عن الإيراد السابق لاحتمال إن المراد منه ما عدا أحمد والقرينة على هذا المراد، ما تقدم عنه من ضعف كل خبر في التسمية ولعله ممن استدل بالدليل الثاني المشار إليه في كلام المجموع والله أعلم، ثم رأيت في شرح العباب لابن حجر فيما يقوم مقام الفاتحة من اشتراط سبعة أنواع من الدعاء بحديثه الآتي بما فيه ومنه قوله وضعفه النووي في المجموع ثم نقل عن جمع أن النووي أخذ بمقتضى ذلك الحديث في التنقيح وتعقبه بأن هذا الأخذ إنما يتم عند من يصحح الحديث دون من يضعفه كالنووي فأخذه في التحقيق بقضيته مع تضعيفه له في المجموع قادح في التضعيف اهـ، فالاعتراض بالأخذ يقتضيه الخبر مع التضعيف متوجه لوجود التصريح بأنه أخذ بذلك الحديث ولعل ما ذكر عن أحمد من ذلك وأنهم أخذوه مما أسند عنه من العمل بالخبر الضعيف وقد بيَّنا فيما مرّ آنفا مراده به والله أعلم. قوله: (ورويناهُ من رواية سعيدٍ إلخ) أما حديث سعيد بن زيد وهو أحد العشرة فلفظه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله ولا يؤمن بالله من لا يؤمن بي ولا يؤمن بي من لا يحب الأنصار حديث غريب أخرجه الترمذي وابن ماجة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والدارقطني ومداره على أبي ثفال بكسر المثلثة وتخفيف الفاء واسمه ثمامة بن وائل بن حصن وشيخه رباح بن عبد الرحمن يكنى أبا بكر وأبوه عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب بن عبد العزى لجده حويطب صحبة وربما نسب أبو بكر إلى جده الأعلى حويطب ولا يعرف عنه راويًا سوى أبي ثفال ورباح يروي الحديث عن جدته ووقع في بعض طرق الحديث أن اسمها أسماء ولها صحبة وهي بنت سعيد بن زيد وليس في رجال سنده من يتوقف فيه سوى رباح وتقدم النقل عن البخاري إن حديثه هذا أحسن أحاديث الباب قاله الحافظ وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل القرشي العدوي ابن عم عمر بن الخطاب يجتمع معه في نفيل كان أبوه زيد ممن اعتزل الجاهلية وجهالاتهم ووحد الله تعالى بغير واسطة وكان ذهب وورقة يطلبان الدين فتهود ورقة ثم تنصر وأبي زيد إلا الحنيفية وكان يبكي ويقول وعزتك لو أعلم الوجه الذي تعبد به لعبدتك به قيل ونزل فيه وفي سلمان وأبي ذر {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى} [الزمر: 17]، أمه فاطمة بنت بعجة الخزاعية أسلم هو وزوجه أم جميل فاطمة أخت عمر بن الخطاب في أول الإسلام وكان عمر يعذبهما في الإسلام وبسببهما كان إسلامه وأسلمت عاتكة أخت سعيد وكانت بارعة الجمال، كان سعيد من السابقين في الإسلام والهجرة وشهد المشاهد كلها إلَّا بدرا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه وطلحة يتجسسان الأخبار في طريق الشام فقدما المدينة وقعة بدر فأثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - سهمهما وأجرهما فلذا غدا في البدريين وشهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجنة وبالشهادة في حديث العشرة وفي حديث تحرك "حراء" فهو أحد العشرة المبشرة والستة أصحاب الشورى وكان موصوفًا بالزهد محترمًا عند الولاة ولما فتح أبو عبيدة دمشق ولاه إياها ثم نهض بمن معه للجهاد فكتب إليه سعيد أما بعد فإني ما كنت لأوثرك وأصحابك بالجهاد على نفسي وعلى ما تدنيني عن مرضاة ربي فإذا جاء كتابي فأبعث إلى عملك من هو أرغب مني فإني قادم عليك

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وشيكًا إن شاء الله تعالى والسلام فعزله يزيد بن أبي سفيان، وكان أخوه من الأنصار ابن كعب، روي لسعيد ثمانية وأربعون حديثًا اتفقا منها على حديثين وانفرد البخاري بحديث توفي بالعقيق وحمل على أعناق الرجال إلى المدينة فدفن بالبقيع سنة خمسين أو إحدى وخمسين وهو ابن بضع وسبعين سنة وصلى عليه ابن عمر ونزل في قبره هو وسعد بن أبي وقاص، له ثلاثة عشر ولدا ذكرًا وثمانية عشر أنثى والله أعلم، وأما حديث أبي سعيد فلفظه قال - صلى الله عليه وسلم - ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه هذا حديث حسن رواه الترمذي والدارمي وابن ماجة والحاكم من طرق متعددة إلى كثير بن زيد وهو صدوق، وربيح براء مهملة وموحدة وتحتية ومهملهَ مصغر مختلف فيه وسائر رواته من رجال الصحيح وتقدم النقل عن أحمد أنه أحسن أحاديث الباب وعن إسحاق بن راهويه أصحها وصححه الحاكم وأخرج له حديث أبي هريرة المبدوء بذكره شاهدًا وتقدمت ترجمة أبي سعيد الخدري وأما حديث عائشة فلفظه قالت عائشة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين يقوم للوضوء يكفي الإناء ويسمي الله ثم يسبغ الوضوء هذا حديث غريب أخرجه ابن ماجة وأحمد وإسحاق وابن أبي شيبة في مسانيدهم من طرق عن حارثة بمهملتين ثم مثلثة مدني ضعفوه وباقي رجال السند من رجال الصحيح وقد نقل حرب الكرماني عن أحمد أنه نظر في كتاب إسحاق فقال هذا يزعم أنه يخرج أصح أحاديث الباب وقد بدأ بحديث حارثة هذا وهو أضعف أحاديث الباب انتهى وأما حديث أنس فأخرجه عبد الملك بن حبيب بلفظ لا إيمان لمن لا صلاة له ولا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يسم وهو ضعيف ولأنس حديث آخر صحيح قال طلب بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وضوءًا فلم يجدوا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ها هنا ماء فأتي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بماء فوضع يده في الإناء الذي فيه الماء ثم قال توضؤوا باسم الله فرأيت الماء يفور من بين أصابعه - صلى الله عليه وسلم - حديث صحيح أخرجه النسائي وابن حبان والبيهقي وقال هذا أصح شيء ورد في التسمية وتعقبه المصنف بأنه غير صريح لاحتمال أن يكون المعنى بقوله باسم الله الإذن في التناول ولا يتم المراد إلّا أن يكون المعنى توضؤوا قائلين باسم الله وقد أخرج أحمد من حديث جابر قال عطشنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتى بتور من ماء فوضع يده فيه فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأنها عيون ثم قال خذوا باسم الله وسنده صحيح وأصله في الصحيح وهذا يدل على أن قول باسم الله للتبرك ولذا حمله متأخرو الفقهاء عليه فقالوا التقدير توضؤوا قائلين ذلك والعلم عند الله وأما حديث سهل بن سعد فلفظه قال قال - صلى الله عليه وسلم - لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه حديث غريب أخرجه ابن ماجة عن رواية عبد المهيمن بن العباس بن سهل بن سعد وعبد المهيمن ضعيف قال الحافظ وقد اقتصر الترمذي بعد تخريج حديث سعيد بن زيد على ذكر الخمسة الذين ذكرهم المصنف ووقع لي في الباب زيادة على ذلك فورد عن علي ولفظه نحو حديث سهل بن سعد وسنده ضعيف وعن أبي سبرة ولفظه مثل حديث سهل أيضًا وحديثه غريب أخرجه البغوي في كتاب الصحابة وقال عيسى بن سبرة الراوي له عن أبيه عن جده أبي سبرة منكر الحديث وعن عبد الله بن مسعود أخرجه البيهقي عنه مرفوعًا ولفظه إذا تطهر أحدكم فليذكر اسم الله فإنه يطهر جسده كله فإن لم يذكر اسم الله لا يطهر إلّا ما مر عليه الماء تفرد به يحيى بن هشام الكوفي عن الأعمش وهو متروك الحديث متفق على ضعفه وعن ابن عمر أخرج البيهقي أيضًا عنه مرفوعًا ولفظه من توضأ فذكر اسم الله عليه كان طهرا لجسده ومن توضأ فلم يذكر اسم الله عليه لم يطهر إلَّا مواضع الوضوء منه تفرد به أبو بكر الداهري واسمه عبد الله بن حكيم وهو متروك الحديث أيضًا وقد تقدم في هذا المعنى حديث لأبي هريرة وسنده ضعيف

وضعفها كلها البيهقي وغيره. ـــــــــــــــــــــــــــــ أيضًا قال أبو الفتح اليعمري أحاديث الباب إما صريح غير صحيح وإما صحيح غير صريح وقال ابن الصلاح يثبت بمجموعها ما يثبت لعله: بالحديث الحسن والله أعلم اهـ، وسيأتي مزيد لهذا في ذكر الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الوضوء وسبقت ترجمة عائشة وأنس بن مالك وأما سهل بن سعد فهو ابن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاري الساعدي الخزرجي المدني- الصحابي الجليل كان اسمه حزنا فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - سهلا ورأى النبي - صلى الله عليه وسلم - وسمع منه وشهد قضاءه في المتلاعنين وكان سنه حين توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - خمس عشرة سنة وكان يخضب بالصفرة وأحصن سبعين امرأة وطال عمره حتى أدرك الحجاج بن يوسف وامتحن معه أرسل الحجاج إليه في سنة أربع وسبعين فقال له ما منعك من نصر أمير المؤمنين عثمان فقال قد فعلت فقال كذبت ثم أمر فختم في عنقه وختم في عنق أنس بن مالك أيضًا وختم جابر بن عبد الله في يده حتى ورد عليه كتاب عبد الملك بن مروان يريد بذلك إذلالهم وإن يجتنبهم الناس ولا يسمعوا منهم روي لسهل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مائة حديث وثمانية وثمانون حديث اتفقا منها على ثمانية وعشرين وانفرد البخاري بأحد عشر ولم ينفرد عنه مسلم بشيء مات رضي الله عنه بالمدينة سنة ثمان وثمانين وله ست وتسعون سنة وقيل مات سنة إحدى وتسعين وقد بلغ مائة وجزم به ابن دقيق العيد وتعقب بأن على هذا سنة ست وتسعون لا مائة، وهو آخر من بقي من الصحابة بالمدينة بلا خلاف قاله ابن سعد ونوزع في نفيه الخلاف. قوله: (وضَعفها كُلها البيهقيُّ إلخ) قال في المجموع إن البيهقي في كتابه معرفة السنن والآثار جود إسناد حديث أنس وضعف الأحاديث الباقية وأما قول الحاكم أبي عبد الله في المستدرك على الصحيحين في

فصل: قال بعض أصحابنا، وهو الشيخ أبو الفتح نصر المقدسي الزاهد: يُستحبُّ للمتوضيء أن يقول في ابتداء وضوئه بعد التسمية: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله" وهذا الذي قاله ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال "من توضأ وذكر اسم الله عليه كان طهورًا لجميع بدنه ومن توضأ ولم يذكر اسم الله عليه كان طهورًا لما مر عليه الماء أنه حديث صحيح الإسناد فليس بصحيح لأنه انقلب عليه إسناده واشتبه كذا قاله الحافظ وتقدم بيانه اهـ، وفي شرح العباب قال النووي حديث لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ضعيف وصح عن أحمد أنه قال لا أعلم في التسمية حديثًا ثابتًا لكن اعترضه العز بن جماعة بأن له طرقًا تقويه وقال المنذر لا شك أن أحاديث التسمية تكتسب قوة وتتعاضد بكثرتها انتهى وتقدم نحوه عن الحافظ. فصل قوله: (قال بعض أصحابنا إلخ) قال في المجموع وهذا الذي ذكره غريب لا نعلمه لغيره ولا أصل له وإن كان لا بأس به انتهى لكن تبعه ابن حجر في شرح المشكاة فقال يستحب قبلها التعوذ وبعدها الشهادتان والحمد لله الذي جعل الماء طهورًا وفي الإمداد يستحب قبلها التعوذ لما نقله المحب الطبري وبعدها الشهادتان لما قاله الشيخ نصر وبعدها الحمد لله الذي جعل الماء طهورًا لما قاله الرافعي ونصر بالنون فالصاد فالراء المهملتين وكل ما جاء من أسماء رواة الحديث على هذه الصورة منكرًا فهو كذلك أو معرفًا فهو بالضاد المعجمة نبه عليه الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح وما قاله نصر سبقه إليه شيخه سليم وقبلهما الصيمري قال ابن حجر الهيتمي في شرح العباب أخرج المستغفري أي في

لا بأس به، إلا أنه لا أصل له من جهة السُّنَّة، ولا نعلم أحدًا من أصحابنا وغيرهم قال به، والله أعلم. فصل: ولقول: بعد الفراغ من الوضوء: "أشْهدُ أنْ لا إله إلا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشْهَدُ أن مُحَمدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُه، اللهُم اجْعَلْني مِنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الدعوات وقال حسن غريب أنه - صلى الله عليه وسلم - قال ما من عبد يقول حين يتوضأ بسم الله ثم يقول لكل عضو أشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا سْريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ثم يقول حين يفرغ اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين إلا فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء فإن قام من فوره ذلك فصلى ركعتين فقرأ فيهما ويعلم ما يقول انفتل من صلاته كيوم ولدته أمه ثم يقال له استأنف العمل وأشار ابن حجر الهيتمي إلى إن هذا الحديث يصرح بما قاله الشيخ نصر اهـ، وسبقه لذلك الحافظ فقال بعد تخريجه فيما يقال بعد الوضوء وهذا الحديث فيه تعقب على المصنف في قوله إن التشهد بعد التسمية لم يرد اهـ. قوله: (لا بأسَ بهِ) قال الحافظ السيوطي في مرقاة الصعود قال في المحكم البأس الحرب ثم كثر حتى قيل لا بأسَ عليك ولا بأس أي لا خوف قال الشيخ ولي الدين العراقي لا بأس أي لا خوف في ارتكاب ذلك فإنه جاء اهـ. فصل قوله: (ويقولُ بعد الفراغ) والأكمل أن يكون عقبه فورًا كما يدل عليه الفاء في. قوله: (- صلى الله عليه وسلم - من توضأ فقال إلخ) وهي مبينة لِمَ في رواية أبي داود ثم يقول حين يفرغ من وضوئه بدليل حين يفرغ وفي المجموع اتفق أصحابنا وغيرهم على استحباب هذا الذكر عقب الوضوء ولا يؤخره عن الفراغ لرواية أبي داود المذكورة وغيرها اهـ. وهو صريح في اشتراط العقبية لكن في التحفة لعله أراد بيان الأكمل اهـ، وقياس ذلك أن يقول هنا عقب

التَّوَّابينَ واجْعَلْني مِنَ المُتَطهِّرينَ، سُبْحانكَ اللَّهُم وَبِحَمْدِكَ، أشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إلا أنْتَ، أسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إليْكَ". روينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ توَضأ فقال: أشْهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحْدَهُ لا ـــــــــــــــــــــــــــــ الفراغ من الوضوء قال المحاملي أو الغسل ومثلهما التيمم كما بحثه المصنف وأفهم تعبير المصنف وغيره ببعده المأخوذ من الحديث أنه لو أتى بالذكر المذكور أول الوضوء أو قبل تمامه فلا ثواب له اهـ. فائدة أفتى البلقيني أنه لو وافق فراغه من وضوئه فراغ المؤذن أتى بالذكر عقب الوضوء فإنه ذكر العبادة التي فرغ منها ثم يأتي بذكر الأذان قال وفي الذكر عقب الوضوء الشهادتان وحسن أن يأتي بهما أولًا ثم يردفهما بالدعاء بعد الأذان والصلاة المتعلقة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يأتي بالدعاء لنفسه اهـ. قوله: (التَّوَّابين) عدل إليه عن التائبين مبالغة في تكرار التوبة والإكثار منها أو للمبالغة في تطهير الظاهر والباطن من كل نقص حسي أو معنوي. قوله: (أَسْتَغْفِرُكَ) أي أطلب منك المغفرة أي تستر ما صدر مني من نقص بمحوه فهي لا تستدعي سبق ذنب خلافًا لمن يزعمه وبفرضه فمن يخلو عن الذنب سوى من عصمه أو حفظه الرب وفي إعراب السفاقسي السين في أستغفرك للطلب ويتعدى لاثنين الثاني منهما بحرف الجر وهو من ويجوز حذفه كقوله: أستغفر الله ذنبًا لست محصيه ومذهب ابن الطراوة أنه يتعدى بنفسه إليهما ومجيئه بمن في الثاني على سبيل التضمين كأنه قيل تبت إلى الله من الذنب ورد قول سيبويه ونقل عن العرب وجاء معدة باللام كقوله واستغفروا لذنوبهم والظاهر والله أعلم أنها لام العلة اهـ، وحذف المفعول الثاني في الخبر طلبا للتعميم فالمسؤول كريم والفضل عميم وظاهر كلام أصحابنا أنه يأتي بقوله وأتوب إليك ولو غير متلبس بها واستشكل بأنه كذب ويجاب بأنه خبر بمعنى الإنشاء أي أسألك أن تتوب علي أو هو باق على خبريته والمعنى إنه بصورة التائب الخاضع الذليل. قوله: (وَحْدَهُ لَا

شريك لهُ، وأشْهَدُ أن مُحَمدًا عَبْدُهُ ورسوله، فُتِحَتْ لهُ أبْوابُ الجَنَّةِ الثَّمانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أيها شاءَ" رواه مسلم في "صحيحه"، ورواه الترمذي وزاد فيه: "اللهُم اجْعَلني مِنَ التوَّابينَ واجْعَلْني مِنَ المُتَطَهرينَ". ـــــــــــــــــــــــــــــ شَرِيكَ لَهُ) ثبوت هذه الجملة في الحديث في رواية لمسلم وحذفت في أخرى من رواياته قال ابن حجر في شرح العباب وتوهم من حذف هذه في رواية لمسلم عدم ثبوتها وليس كذلك بل ثبتت في رواية أخرى لمسلم. قوله: (فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنّةِ الثمانِيَةُ) لا ينافيه خبر باب الريان لا يدخل منه إلَّا الصائمون لأن ما سواهم لا يشاء الدخول منه إن لم يكن كذلك أشار إليه الأبي في كتاب الإيمان من شرح مسلم وإنما فتحت له أبواب الجنان وخير في الدخول من أيها شاء مع أن دخوله من أحدها تشريفا له وتعظيمًا وذكر مثله ابن دقيق العيد وزاد قوله كما روي أن الله تعالى أخذ الميثاق على الأنبياء أن يؤمنوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إن أدركوه مع العلم بأنه لا يظهر في زمن أحد منهم وإنما ذلك لإظهار الشرف. قوله: (رواه مسلم) وأورده الحميدي من افراد مسلم أي عن البخاري وابن الأثير في جامع الأصول وكذا رواه النسائي ورواه أبو داود وابن ماجة بإسقاط وأشهد ثانيًا وفي لفظ لأبي داود من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع نظره إلى السماء فقال: ومنها يؤخذ استحباب رفع الطرف إلى السماء قال في شرح العباب ولو أعمي لخبر مرفوع بذلك عند أبي داود والنسائي وابن السني وبه يرد حكاية البحر له بقيل اهـ. ثم حديث الباب عند مسلم ومن ذكر من طريق معاوية بن صالح من حديث ربيعة عن أبي إدريس ومن حديث أبي عثمان عن جبير بن نفير ومن حديث عبد الوهاب بن بخت عن الليث بن سليم كلهم يحدث به عن عقبة بن عامر الجهني فذكر حديثًا آخره ما ذكره وليس عند مسلم طريق عبد الوهاب. قوله: (ورواه الترمذيّ) قال في السلاح ورواه الترمذي من حديث أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان عن عمر مختصرًا وزاد فيه أي في آخره اللهم اجعلني

وروي: "سُبْحَانكَ اللهُم وبِحَمْدِكَ" إلى آخره: النسائي في "اليوم والليلة" وغيره ـــــــــــــــــــــــــــــ من التوابين واجعلني من المتطهرين فسقط من سند الترمذي ذكر عقبة وحديثه الأول أي قوله ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ الوضوء أو قال فيحسن الوضوء ثم يركع ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة وغفر له وأول حديثه ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلَّا الله إلخ، وأشار الترمذي إلى أن الاختلاف الواقع في سنده على رواية زيد بن الحباب في إسقاط عقبة وقال أبو إدريس لم يسمع من عمر قال الحافظ والاختلاف والخطأ من شيخ الترمذي جعفر بن محمد بن عمران فقد اتفق أبو بكر وعثمان بن أبي شيجة على روايته عن زيد بن الحباب على الصواب بإثبات عقبة بن عامر وقال الحافظ هذه الزيادة التي عند الترمذي لم تثبت في هذا الحديث فإن جعفر بن محمد تفرد بها ولم يضبط الإسناد فإنه أسقط بين أبي إدريس وبين عمر في طريق عقبة فصار من حديث عمر وليس كذلك وإنما هو حديث عقبة وأسقط من حديث أخرى بين أبي عثمان وبين عمر جبير بن نفير وعقبة فصار الحديث منقطعًا بل معضلًا وخالفه كل من رواه عن معاوية بن صالح ثم زيد بن الحباب وقد رواه من طريق زيد مسلم وأبو داود والنسائي وأبو عوانة وابن نعيم في المستخرج وكلهم رووه على الصواب بإثبات عقبة بين أبي إدريس وعمر، قال الحافظ فاتفاق الجميع أولى من الواحد، قال وقد وجدت للزيادة شاهدا من حديث ثوبان قال قال - صلى الله عليه وسلم - من توضأ وأحسن الوضوء ثم قال عند فراغه لا إله إلّا الله وحده لا شريك له اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فتح الله له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء قال الحافظ بعد تخريجه من طرق أخرجه الطبراني وأشار إلى تفاوت في الحديث عنده وله شاهد آخر غريب من حديث البراء وتقدم في الفصل قبل هذا والله أعلم، وفي الترغيب عن عثمان بن عفان رضي الله عنه سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول من توضأ فغسل رجليه ثم لم يتكلم حتى يقول أشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله غفر له ما بين الوضوءين رواه أبو يعلى والدارقطني. قوله: (وَرَوَى سُبْحَانَكَ اللهم وَبِحَمْدِكَ إلخ)

بإسناد ضعيف. ـــــــــــــــــــــــــــــ أي إلى قوله وأتوب إليك. قوله: (بإِسْنادٍ ضعِيفٍ) قال في المجموع وسنده غريب ضعيف ولفظه عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال من توضأ ففرغ من وضوئه ثم قال سبحانك اللهم وبحمدك إلخ، طبع عليها بطابع ثم رفعت تحت العرش فلم يكسر إلى يوم القيامة وقال النسائي هذا خطأ والصواب موقوف على أبي سعيد ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم وأقره عليه الشيخ زكريا في شروحه ومن بعده من المتأخرين لكن قال ابن حجر الهيتمي في شرح العباب أنه ضعيف وإن قال الحاكم أنه صحيح ولفظه ثم قال سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلّا أنت أستغفرك وأتوب إليك كتب في رق ثم طبع بطابع فلم يكسر إلى يوم القيامة والطابع الخاتم ومعنى لم يكسر لم يتطرق إليه إبطال ورواه سفيان الثوري عن أبي هاشم فرفعه كذا في السلاح ورواه باللفظ الذي عند النسائي الطبراني في الأوسط ورواته رواة الصحيح وما ذكرته من كون لفظ رواية النسائي طبع عليها بطابع إلخ، هو ما في السلاح وفي الترغيب أنه كذلك لفظ الطبراني وإن لفظ النسائي ختم عليها بخاتم فوضعت تحت العرش فلم تكسر إلى يوم القيامة والله أعلم. وقال الحافظ كلام المصنف يوهم إن زيادة سبحانك اللهم إلخ، في حديث عقبة عن عمر كما في الذي قبله وليس كذلك بل هو حديث مستقل عن أبي سعيد الخدري وسنده مغاير لسند عقبة في جميع رواته وأما وصف الإسناد بالضعف ففيه نظر أي لأن النسائي أخرجه من طريق شعبة عن الرماني بضم الراء وتشديد الميم واسمه يحيى عن أبي مجلز بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام بعدها زاي اسمه لاحق بن حميد عن قيس بن عباد بضم المهملة وتخفيف الموحدة عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن قال وإذا فرغ قال سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك ختم عليها بخاتم فوضعت تحت العرش فلم تكسر إلى يوم القيامة وقال الحافظ بعد تخريجه الحديث من طريق الثوري وشعبة وقيس بن الربيع كلهم عن أبي هاشم الرماني ما لفظه حديث صحيح الإسناد من طريق شعبة أخرجه النسائي عن يحيى بن محمد بن السكن عن شعبة بهذا الإسناد ثم قال بعد تخريجه هذا خطأ ثم خرجه عن بندار

وروينا في "سنن الدارقطني" عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ توضأ ثم قال: أشْهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشْهَدُ أن مُحمدًا عَبْدُهُ ورَسُولهُ قبْلَ أن يتكلّم، غُفِرَ لهُ ما بَينَ الوضُوءَينِ" إسناده ضعيف. وروينا في مسند أحمد بن حنبل وسنن ابن ماجة وكتاب ابن السني من رواية أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ توضأ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن غندر عن شعبة به موقوفًا وقال الصواب أنه موقوف وأخرجه أيضًا عن سويد بن نصر عن ابن المبارك عن الثوري موقوفًا قال الحافظ وقد وقع لنا من رواية شعبة والثوري موقوفًا وخرجها من طريق الطبراني ثم قال قال الطبراني لم يروه عن شعبة مرفوعًا إلا يحيى بن كثير أي شيخ ابن السكن قال الحافظ وهو ثقة من رجال الصحيحين وكذا من فوقه إلى الصحابي وشيخ النسائي ثقة أيضًا من شيوخ البخاري ولم ينفرد به فقد أخرجه الحاكم من وجه آخر عن يحيى بن كثير فالسند صحيح بلا ريب إنما اختلف في رفع المتن ووقفه فالنسائي جرى على طريقته في الترجيح بالأكثر والأحفظ فلذا حكم عليه بالخطأ وأما على طريق الشيخ المصنف تبعا لابن الصلاح وغيرهم فالرفع عندهم مقدم لما مع الرافع من زيادة العلم وعلى تقدير العمل بالطريقة الأخرى فهذا مما لا مجال للرأي فيه فله حكم الرفع اهـ. قوله: (وَرَوَيْنا فِي سنَنِ الدَارَقُطنيّ إلخ) عن ابن عمر قال قال النبي - صلى الله عليه وسلم - من توضأ فغسل كفيه إلى أن قال ثم قال أشهد أن لا إله إلَّا الله وأن محمدًا عبده ورسوله قبل أن يتكلم غفر له ما بين الوضوءين قال الحافظ حديث غريب قال الدارقطني بعد تخريجه انفرد به محمد بن البيلماني وهو ضعيف جدًّا قال الحافظ اتفقوا على ضعفه وأشد ما رأيت فيه قول ابن عدي كل ما يرويه ابن البيلماني فالبلاء فيه منه وذكر أنه كان يضع الحديث ويسرق الحديث وأبو يعلى والطبراني في الدعاء من طريق ابن البيلماني كذلك. قوله: (مَا بَينَ الْوُضوءَيْنِ) أي من الصغائر المتعلقة بحقوق الله لما علم من محله أن الكبائر لا يكفرها إلَّا التوبة أو فضل الله تعالى والتبعات يكفرها عفو مستحقها أو افضل المولى سبحانه. قوله: (وَرَوَينَا فِي مُسنَدِ أَحْمَدَ إلخ) قال الحافظ حديث غريب أخرجه أحمد وابن ماجة وأبو يعلى وابن السني والطبراني ومدارهم على عمرو بن عبد الله بن وهب وهو

فأحْسنَ الوضُوءَ ثم قال ثلاثَ مَراتٍ: أشْهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَريكَ لهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمدًا عَبْدُهُ ورسولُه فُتِحَتْ لهُ ثمانِيَةُ أبوَابِ الجَنةِ مِنْ أيهَا شاءَ دخلَ" إسناده ضعيف. وروينا تكرير شهادة: أن لا إله إلا الله، ثلاث مرات في كتاب ابن السني من رواية عثمان بن عفان رضي الله عنه بإسناد ضعيف، ـــــــــــــــــــــــــــــ صدوق عن زيد العمي وهو بصري ضعيف عند الجمهور وقد رواه عن ولده فخالف في السند وليس فيه التكرار اهـ. قوله: (فأَحْسَنَ الْوُضوءَ) بأن أتى بواجباته ويحتمل ومكملاته فينبغي اعتبار سننه المشهورة لا مطلقًا فإن الإحاطة بجميع سننه يعز على أكثر المتفقهة فضلًا عن العوام. قوله: (مِنْ رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ) ولفظه قال من قال حين يفرغ من وضوئه أشهد أن لا إله إلّا الله ثلاث مرات لم يقم حتى تمحى ذنوبه حتى يصير كما ولدته أمه قال الحافظ أخرجه ابن السني من طريق عمرو بن ميمون بن مهران الجزري عن أبيه عن جده قال كنت عند عثمان بن عفان فحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال من قال حين يفرغ من وضوئه إلخ، والراوي له عن عمرو ما عرفته وعمرو وأبوه ثقتان وجده مهران ذكره البغوي وابن السكن في الصحابة وأخرج له من رواية سليمان بن عبد الرحمن بن سدار عن عمرو عن أبيه عن جده حديثين وبهذا السند أخرج ابن السني هذا الحديث أيضًا لكن شيخ ابن السني فيه عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني قاضي مصر وقد اتهم بوضع الحديث آخر أمره اهـ. ورواه ابن ماجة وابن السني من حديث أنس ولفظ ابن ماجة من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال ثلاث مرات أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله فتح له ثمانية أبواب الجنة من أيها شاء دخل ولفظ ابن السني كذلك إلَّا أنه قال ما من عبد توضأ فيحسن الوضوء ثم يقول إلخ، وفي شرح العباب أن التثليث رواه أحمد وقد أخذ أصحابنا بذلك فقالوا باستحباب التثليث في الذكر المذكور وفي الأذكار المطلوبة في الوضوء من تسمية ونحوها للنص في البعض وقياسًا في الباقي ولا يضر ضعف السند لأن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الفضائل يعمل فيها بالضعيف بشرطه هذا. وعثمان بن عفان بن أبي العاص واسمه الحارث بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي الأموي صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وصهره على ابنتيه رقية وأم كلثوم ولذلك سمي ذا النورين وقيل لأنه إذا تحول في الجنة من منزل إلى منزل تبرق له الجنة برقتين وقيل لأنه وزوجه رقية كانا أحسن زوجين في الإسلام فالنوران نور نفسه ونور رقية ولا يعرف شخص تزوج بنتي نبي غيره وهو صاحب الهجرتين وأحد السابقين الأولين وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راضٍ وأحد الذين كانوا معه بأحد فارتج فقال أثبت فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان وثالث الخلفاء الراشدين وأكبرهم سنًّا وأكثرهم إقامة في الخلافة أمه أروى بفتح الهمزة وسكون المهملة بنت كريز بكاف وراء وزاي مصغر ابن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس ولد في السنة السادسة من عام الفيل وأسلم في أول الإسلام على يد أبي بكر الصديق قبل دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم وكان يقول إني رابع أربعة في الإسلام وهو أول من هاجر إلى الحبشة فارًا بدينه ومعه زوجه رقية فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - إن عثمان أول من هاجر إلى أرض بأهله بعد لوط أخرجه أبو يعلى في مسنده وشهد المشاهد إلا بدرًا تخلف لتمريض زوجه رقية فضرب له النبي - صلى الله عليه وسلم - بسهمه وأجره وتخلف عن بيعة الرضوان لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان وجهه إلى مكة في صلح قريش فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - بإحدى يديه على الأخرى وقال هذه عن عثمان قال ابن عمر فكانت يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعثمان خيرًا من يد عثمان لنفسه وهو الذي جمع الناس بعد الاختلاف على مصحف واحد وأنفق الأموال في سبيل الله اشترى بئر رومة بعشرين ألفًا وسبلها وفي غزوة تبوك جهز جيش العسرة بسبعمائة وخمسين بعيرًا وخمسين فرسًا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم مرتين أخرجه الترمذي بسند جيد وقال - صلى الله عليه وسلم - سألت ربي ألا أزوج أحدًا من أمتي ولا أتزوج إليه إلا كان معي في الجنة أخرجه الطبراني في الأوسط عن ابن عمر وأخرج الحاكم نحوه عن عبد الله بن أبي أوفى وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث القف لعائشة إلا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة وفي فتاوى الحافظ السخاوي سئلت عن تعيين المواضع التي استحيت فيها الملائكة من عثمان فأجبت لم أقف على ذلك في خبر ثابت ولا أثر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولكن ذكر شيخنا النسابة أنه وجد في بعض مجاميع جمال الدين الكازروني المدني في ذكر أنه لما آخى بين المهاجرين والأنصار بالمدينة في بيت أنس كانت الملائكة حاضرة ذلك فلما تقدم عثمان والملائكة حاضرون فجاء عثمان وصدره مكشوف فتأخرت الملائكة عن محالها فسألهم عن سبب تأخرهم فقالوا السبب كشف عثمان صدره فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بتغطية صدره فغطاه فعادت الملائكة إلى مكانها اهـ. فإن قلت قد وقع مثل ذلك في حق خديجة في بدء الوحي. قلت النساء الاستحياء منهن معهود بخلافه من الرجال فعد من فضائل عثمان وقد ألف شيخنا الملا حميد السندي جزءًا في هذا المعنى وبشر النبي - صلى الله عليه وسلم - عثمان بالجنة على بلوى تصيبه فقال الله المستعان أخرجه البخاري ومسلم وقال لكل نبي رفيق ورفيقي عثمان أخرجه الترمذي بسند منقطع ووسع مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وبناه بالحجارة والقصة وكان يصوم الدهر ويحيي الليل بركعة يقرأ فيها القرآن وقال علي بن أبي طالب كان عثمان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا وفتح في أيامه خراسان والمغرب وشبهه النبي - صلى الله عليه وسلم - بإبراهيم خليل الرحمن فهو من المشبهين به - صلى الله عليه وسلم - كما بينت ذلك بما فيه في مؤلفي "إتحاف الشرفا بمعرفة من حاز بشبه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - شرفًا" روي له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مائة حديث وستة وأربعون حديثًا اتفقا منها على ثلاثة وانفرد البخاري بثمانية ومسلم بخمسة بويع له بالخلافة بعد دفن عمر رضي الله عنه بثلاثة أيام في يوم الجمعة غرة المحرم سنة أربع وعشرين وقال الواقدي لليلة بقيت من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين فقال عبد الله بن مسعود بايعنا خيرنا ولم نسأل وكان نقش خاتمه آمنت بالذي خلق فسوى قتل مظلومًا شهيدًا بعد أن حوصر في داره مدة قيل أنها تسعة وأربعون يومًا وقيل ثمانون وقيل غير ذلك وهو يومئذٍ صائم والمصحف بين يديه يقرأ فيه حتى قيل إن أول قطرة قطرت من دمه على قوله تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 137]، ولم يلبس سراويل في جاهلية ولا إسلام إلا يوم قتله وكان ذلك يوم الجمعة وقيل ليلة الجمعة وقيل يوم الأربعاء لثماني عشرة خلمت من ذي الحجة وقيل لسبع عشرة منه وقيل يوم التروية وقيل أوسط أيام التشريق سنة خمس وثلاثين ودفن ليلة السبت في البقيع في حش كوكب ليلًا وأخفي

قال الشيخ نصر المقدسي: ويقول مع هذه الأذكار: اللهُم صل على محمد وعلى آلِ محمدٍ، ويضم إليه: وسلِّمْ. قال أصحابنا: ويقول هذه الأذكار ـــــــــــــــــــــــــــــ قبره لغلبة قاتليه وقيل أنه دفن في ثيابه بدمائه واختلف في سنه حين مات الراجح أنه اثنتان وثمانون سنة واختلف فيمن صلى عليه قيل الزبير وقيل حكيم بن حزام وقيل جبير بن مطعم ورجح وكانت مدة خلافته ثنتي عشرة سنة إلا ليالي رضي الله عنه. قوله: (قَال الشيخُ نَصْرٌ المَقْدِسِيُّ وَيَقول مَع هذِهِ الأذْكَارِ اللهُم صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ إلخ) قال الحافظ ولم يصرح الشيخ نصر بكونه حديثًا وأظن. قوله: (وَيَضمُّ إِلَيْهِ وَسَلمْ) من كلام الشيخ المصنف قال ثم رأيت عبارة المجموع وهي قال الشيخ نصر يقول مع ذلك صلى الله على محمد وعلى آل محمد فصح ما ظننته أن قوله ويضم إليه من كلام المصنف وظني أن مستند الشيخ نصر أن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - مطلوبة في الدعاء، والذكر المذكور مشتمل عليه، فيشرع فيه ويحتمل أن مستنده ورود الأمر بذلك حديث ابن مسعود وسيأتي قال وقد علم - صلى الله عليه وسلم - من سأله عن كيفية الصلاة عليه فقال اللهم صل على محمد وعلى آل محمد فلذا لم يذكر السلام والعلم عند الله ثم إن المراد أن يأتي بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - لمجد الأذكار أي عقبها كما بينه حديث أبي الشيخ الآتي وكذا نقله في المجموع وسكت عليه وسيأتي ما يشهد به من الأحاديث وكأن الأذرعي لم ير ذلك فوجه بأنه دعاء والصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عقب الدعاء محبوبة وفاقًا اهـ. وقياسه ندبها أول مرة عند تكريره لأنها تسن أول كل دعاء ووسطه وآخره وبه جزم ابن حجر في التحفة فقال ويكررها ثلاثًا كما هو ظاهر ثم رأيت بعض الأئمة صرح به اهـ. قال السيوطي في "الأعضاء عن دعاء الإعضاء" العجب ممن عد أدعية الأعضاء من سنن الوضوء اعتمادًا على الأحاديث الموضوعة ولم يعد منها الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عقب الوضوء مع ورود ذلك في الحديث أخرج أبو الشيخ في الثواب عن ابن مسعود قال قال - صلى الله عليه وسلم - إذا فرغ أحدكم من طهوره فليقل أشهد أن لا إله إلّا الله وأن محمدًا عبده ورسوله ثم ليصل عليّ فإذا قال ذلك فتحت له أبواب الرحمة اهـ، وأورده ابن حجر في شرح العباب من جملة خبر أوله إذا تطهر أحدكم أي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد الطهر كما هو واضح فليذكر اسم الله فإنه يطهر جسده كله وإذا لم يذكر اسم الله على طهوره لم يطهر إلَّا ما مر عليه الماء وإذا فرغ أحدكم من طهوره إلخ. وقال أنه حديث ضعيف عند البيهقي وغيره يعمل به في الفضائل اهـ. وفي القول البديع للحافظ السخاوي رواه أبو الشيخ ومن طريقه أبو موسى المديني وفي سنده محمد بن جابر وقد ضعفه غير واحد وقد رويناه في الترغيب للتجمي بسند ضعيف أيضًا ولفظه إذا تطهر أحدكم فليذكر اسم الله الحديث وقد أخرجه الدارقطني والبيهقي وقال ضعيف ورواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في جمعه لحديث الأعمش بلفظه إلّا أنه قال وإن محمدًا رسول الله ويصلي علي وفي سنده عمرو بن شمر وهو متروك ورواه أبو نعيم في تاريخ أصبهان من وجه آخر بلفظ إذا فرغ أحدكم من طهوره فشهد أن لا إله إلَّا الله وأن محمدًا عبده ورسوله ثم يصلي علي فإذا قال ذلك فتحت له أبواب الجنة قال أبو موسى وهذا الحديث مشهور له طرق عن عمر بن الخطاب وعقبة بن عامر وثوبان طبوس لكن بدون الصلاة قلت وجاء أيضًا عن عثمان بن عفان ومعاوية بن قرة عن أبيه عن جده والبراء بن عازب وعلي بن أبي طالب وكلاهما في الدعوات للمستغفري وعن أبي سعيد الخدري والله أعلم. وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لا وضوء لمن لم يصل على النبي - صلى الله عليه وسلم - رواه ابن ماجة وابن أبي عاصم وسنده ضعيف وفي بعض طرقه من الزيادة لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه اهـ. ما في القول البديع، قال الحافظ في حديث سهل أنه حديث غريب ومتنه أغرب وعبد المهيمن أحد رواته ضعيف والمحفوظ عنه بهذا الإسناد لا صلاة إلَّا بوضوء ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله أخرجه ابن ماجة وأخرجه الطبراني من طريق أبي بن العباس وهو أخو عبد المهيمن وفي الدر المنضود لابن حجر وللخبر طرق ربما يرقى بها إلى الحسن اهـ، وقد عزا "القسطلاني في مسالك الحنفا" تخريج حديث سهل المذكور إلى الطبراني في الكبير. وأما ما ذكر الشيخ نصر من الصلاة على الآل فلعله أخذه من تعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه صفة الصلاة عليه وكان ينبغي له أن يستحب مع ذلك السلام كما لا يخفى اهـ. قلت كأنه لم يقف على قول المصنف هنا ويضم إليه وسلم أي لأن إفراد الصلاة عن السلام مكروه كالصلاة

مستقبل القبلة، ويكون عقيب الفراغ. فصل: وأما الدعاء على أعضاء الوضوء، فلم يجئ فيه شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد قال الفقهاء: يُستحب فيه دعوات جاءت عن السلف، وزادوا ونقصوا فيها، ـــــــــــــــــــــــــــــ على الصحب قياسًا على الصلاة على الآل كما ذكره في القنوت وعللوه بأنها إذا سنت عليهم وفيهم من ليسوا صحابة فعلى الصحابة أولى ولا ينافيه إطباقهم على عدم ذكرهم في صلاة التشهد لأنهم ثم اقتصروا على الوارد وهنا لم يقتصروا عليه بل زادوا ذكر الآل بحثًا فقسنا بهم ذكر الأصحاب لما علمت وكأن الفرق أن مقابلة الآل بآل إبراهيم في أكثر الروايات ثم تقتضي عدم التعرض لغيرهم ولا مقتضى هنا لذلك والله أعلم، ثم رأيت ابن حجر في شرح العباب في أحكام المساجد قال وتستحب الصلاة على الصحب قياسًا على الآل أخذًا مما مر في القنوت اهـ. قوله: (مستقبِلَ الْقِبلَةِ) أي بصدره لأنها أشرف الجهات وفي الحديث خير المجالس ما استقبل به القبلة والاستقبال نقله في العزيز والمجموع عن جمع وقال الحافظ لم أر في الاستقبال شيئًا صريحًا يختص بالوضوء اهـ، وينبغي أن يقوله وهو رافع يديه وبصره ولو أعمي إلى السماء لما سبق من الحديث المرفوع فيه عند أبي داود والنسائي وابن السني قال الحافظ وقد ورد في حديث ثوبان السماء قبلة الدعاء اهـ، وبه يرد حكاية البحر له بقيل وكأن حكمة ذلك أن بعض هذا الذكر دعاء وبعضه وسيلة إليه والأول مندوب فيه قطعًا وكذا الثاني كذا في شرح العباب وهو يؤذن بأنه يرفع بصره في جميعه وقد تردد الولي العراقي في ذلك وقال يحتمل أن يكون رفع البصر في الابتداء خاصة وتردد في اختصاص ذلك بالبصر وفي مشاركة الأعمى واستقرب الثاني، نقله السيوطي في مرقاة الصعود. قوله: (عَقِبَ الفَرَاغ) قال في شرح العباب ويسن ألا يتكلم بين الوضوء والذكر لما ورد أن من توضأ ثم قاله قبل أن يتكلمَ غفر له ما بين الوضوءين. فصل فصل: (وَأَمَّا الدعاءُ عَلَى أَعْضاءِ الْوُضُوءِ فَلَمْ يَجِيء فِيهِ شَيْءٌ عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -) عبر المصنف في المنهاج بقوله وحذفت دعاء الأعضاء إذ لا أصل له ولم يذكره الشافعي والجمهور يعني الحديث الذي أورده الرافعي تبعًا للغزالي وفي شرح المهذب معترضًا مصنفه حيث أورده لا أصل له ولا ذكره المتقدمون وقال ابن الصلاح في مشكل الوسيط أما الأدعية على الأعضاء فلا يصح فيها حديث وتعقب ذلك الأسنوي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في المهمات بقوله ليس كذلك بل قد روي من طرق: منها عن أنس رواه ابن حبان في تاريخه في ترجمة عباد بن صهيب وقد قال أبو داود أنه صدوق قدري وقال أحمد ما كان بصاحب كذب وافق الأسنوي على ذلك ابن الملقن في تخريج أحاديث الوسيط والزركشي في تخريج أحاديث الشرح الكبير وتبعهم الجلال المحلي في شرح المنهاج وشيخ الإسلام زكريا في شرح الروض وابن المزجد في العباب وعبارتهما لا أصل له أي في الصحة وإلا فقد جاء من طرق ضعيفة يعمل بمثلها في الفضائل قال ابن حجر في شرحه على العباب رواها ابن حبان في تاريخه وابن أبي حاتم في علله وغيرهما وجمع فيه ابن عساكر جزءًا كذا قال جمع متأخرون معترضين به قول النووي لا أصل له اهـ، وخالفهم الحافظ ابن حجر فقال في أماليه لو لم يقل في عباد إلا هذا لمشي الحال ولكن بقية ترجمته عند ابن حبان كان يروي المناكير عن المشاهير حتى يشهد المبتدئ في هذه الصناعة أنها موضوعة وساق منها هذا الحديث ولا تنافي بين قوله وقول أحمد وأبي داود لأنه يجمع بأنه كان لا يتعمد الكذب بل يقع ذلك في روايته من غلطه وغفلته ولذلك تركه البخاري والنسائي وأبو حاتم الرازي وغيرهم وأطلق عليه ابن معين الكذب وقال زكريا الساجي كتبه مملوءة من الكذب والراوي له عن عباد ضعيف اهـ، كلام الحافظ. قال السيوطي في الإعضاء عن دعاء الأعضاء بعد أن أورد طرقه عند ابن حبان من حديث أنس وعند البخاري في التاريخ والمستغفري في الدعوات من طريقين وابن عساكر من طرق كلها تنتهي إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وذكر عند كل طريق ما فيها من العلة: فالحاصل أن طرقه كلها لا تخلو من المتهم بوضع اهـ، وزاد الحافظ في أماليه طريقًا لحديث علي أيضًا أخرجها الحارث بن أبي أسامة في مسنده وفي سنده حماد بن عمرو النصببي وقد وصف بأنه يضع الحديث اهـ، وانتصر بعض المحدثين للإمام النووي أيضًا بأن طرقه كلها لا تخلو عن كذاب أو متهم بالكذب كعباد بن صهيب وإن وثقه أحمد وغيره فقد صرح الذهبي بأن حديثه الذي رواه عنه ابن حبان باطل وممن جرحه البخاري والنسائي وابن المديني وابن حبان وزاد أنه يروي أشياء إذا سمعها المبتدئ يشهد لها بالوضع اهـ. قال والنووي من الحفاظ المرجوع إليهم في الحكم بورود الحديث أو ضعفه وليس في المعترضين

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه من هو كذلك وقد وافقه ابن القيم على ما قاله فصرح في كتابه الهدي بأن الأحاديث الواردة في ذلك كلها مختلفة موضوعة وسئل الحافظ ابن حجر العسقلاني عن قول المصنف وحذفت دعاء الأعضاء إذ لا أصل له هل أراد بطلانه وكيف يقول الولي العراقي له أصل والجواب إذا قال المحدث لا أصل للحديث الفلاني فمراده أنه ليس له طريق يعتمد لا أنه لم يرو واصلا جميعًا. وحينئذٍ فإن كان النووي اطلع على الحديث وعرف شدة ضعفه وإن طرقه لا تخلو من شخص نسب إلى الكذب والتهمة بالكذب فالمراد بقوله لا أصل له أنه ليس بصحيح ولا حسن فيحتج به ولا ضعيف يصلح للعمل به في فضائل الأعمال وإن كان لم يطلع على طرقه التي أشرت إليها في تخريج أحاديث الأذكار فلا يضره لأنه ليس فيها ما يصلح للعمل به لا منفردًا ولا منضمًا بعضه إلى بعض وقول من قال له أصل إن أراد به كونه ورد مع قطع النظر عن صلاحيته للعمل فمسلم ولكن لا يرد على النووي وإن أراد أن له أصلًا يعمل به فمردود اهـ. وقال ابن حجر في شرح العباب فيما نقله عن بعضهم فقول سائر المتأخرين إن تلك الطرق ضعيفة يعمل بها في الفضائل مردود وهو كما قال وغاية أمر تلك الطرق أنها شديدة الضعف والحديث إذا اشتد ضعفه لا يعمل به في الفضائل ولا في غيرها كما اقتضاه كلام المجموع في باب صلاة النفل وبذلك صرح السبكي ثم حيث قال وفي ابن ماجة كان - صلى الله عليه وسلم - يصلي قبل الجمعة أربعًا لا يفصل في شيء منهن وهو ضعيف جدًّا لا يصلح الاحتجاج به اهـ. وقد نقل العلائي وغيره الاتفاق على أن شرط العمل بالضعيف أن يكون الضعف غير شديد قالوا فيخرج من انفرد من كذاب ومتهم به ومن فحش غلطه وقد علمت مما ذكرناه أن جميع روايات هذه الأدعية لا تخلو عن كذاب ومتهم به وحينئذٍ فقد بان صحة ما قاله المصنف العلم المفرد إلامام أدام الله به وله النفع والرفعة على الدوام ورد ما اعترض به عليه. ومن ثم قال الأذرعي لا ينبغي ترك هذا الدعاء ولا يعتقد أنه سنة فإن الظاهر أنه لم يثبت فيه شيء وقد جمع الحافظ في عمل اليوم والليلة كتبًا مطولة كالنسائي والطبراني والبيهقي وابن السني ولم يذكروا ذلك اهـ، ويؤيد ما قاله قول المصنف السابق في التشهد الذي ذكره نصر سابقًا وهذا

فالمتحصل مما قالوه أنه يقول بعد التسمية: الحمد للهِ الذي جعل الماء ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي قاله لا بأس به إلَّا أنه لا أصل له من جهة السنة اهـ. وإن كان جاء من السنة كما تقدم مستنده فكذا يقال في دعاء الأعضاء، نعم قال ابن حجر في شرح العباب ورد فيها حديث حسن وهو ما من عبد يقول حين يتوضأ باسم الله ثم يقول لكل عضو أشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله ثم يقول حين يفرغ اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين إلا فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء فإن قام من فوره ذلك فصلى ركعتين يقول فيهما ويعلم ما يقول انفتل من صلاته كيوم ولدته أمه ثم يقال له استأنف العمل فهذا مصرح بندب التشهد المذكور عند كل عضو وسنده حسن كما قاله المستغفري فتعين ألا يكون من محل الخلاف بين النووي وغيره في أدعية الوضوء فاستفده اهـ. قوله: (والمُتحصِّلُ مِمَا قَالوهُ إلخ) مراده من هذا الكلام أن ما ذكره من ذكر كل عضو لم يرد بهذا السياق في متن من المرويات في ذلك إنما هو مأخوذ من جملتها فبعضها من رواية وبعضها من أخرى وقد أورد أحاديثه بطرقها وذكر عللها الجلال السيوطي في جزئه المسمى بالإغضاء ومعظمه من تخريج الحافظ على هذا الكتاب. قوله: (بَعدَ التَّسميةِ) أي قوله بسم الله الرحمن الرحيم وليست من دعاء الأعضاء بل هي سنة للوضوء مستقلة بل هي أول سنة كما نقله في شرح العباب عن نص الشافعي وكثير من الأصحاب وجزم به في المجموع ونقله أبو زرعة عن الأصحاب وخبر كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم صريح في طلب تقديم التسمية على جميع أعضاء الوضوء وعلى التنزل وإن الحديث أي الذي عند مسلم دال على تقديم السواك على التسمية فيؤول بحمله للجمع بين الأحاديث على أن السواك كان للتسمية إذ هي قراءة أو ذكر وكل منهما يسن له السواك فأما السواك الذي من سنن الوضوء فيكون أثناءه وحينئذٍ فيسن مرتين كما في شرح العباب وسبق نقل مثله وكذا تكون النية القلبية المأتي بها لحصول سنن الوضوء من غسل الكفين وما بعده مقارنة لها عند غسل الكفين كما صرح به ابن الفركاح ونقله ابن

طهورًا، ويقول عند المضمضة: اللهُم اسْقِني من حوْضِ نبيك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - كأسًا لا أظمأ بعده أبدًا، ويقول عند الاستنشاق: اللَّهُم لا تحرِمني رائحة نعِيمِكَ وجناتِكَ، ويقول عند غسل الوجه: اللهُم بَيِّضْ وجهي ـــــــــــــــــــــــــــــ الرفعة عن بعضهم ولم يتعقبه بأن يقرنها بها عند أول غسلهما كما يقرنها بتكبيرة الإحرام. قوله: (طَهُورًا) بفتح الطاء أي مطهرًا وعدل إليه للمبالغة فيه وهذا شكر لما منَّ به الباري على عباده بقوله: ({وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] وفي الآية كما قيل دليل على حصر الطهورية في الماء المطلق إذ لو طهر غيره لفات الامتنان به وفيه أنه لعل وجه الامتنان كونه من جملة ما يطهر به. قوله: (أَسقني مِنْ حَوْضِ نَبِيكَ محمد - صلى الله عليه وسلم -) قال القرطبي هما حوضان الأول قبل الصراط وقبل الميزان على الأصح فإن الناس يخرجون عطاشى من قبورهم فيردونه قبل الميزان والصراط والثاني في الجنة وكلاهما يسمى كوثرًا وفي حديث مسلم عن أنس أتدرون ما الكوثر قلنا الله ورسوله أعلم قال فإنه نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد نجوم السماء يختلج العبد منهم أقول أنه من أمتي فيقال ما تدري ما أحدث بعدك قال الجلال السيوطي ليس المراد نفي الدارية على ظاهر اللفظ بل هو مؤول على معنى عملوا أعمالًا استحقوا بها ألا يشفع لهم وهو عالم بما صدر منهم اهـ. وفي الصحيح حديث حوضي مسيرة شهر ماؤه أبيض من الورق وريحه أطيب من المسك كيزانه كنجوم السماء من شرب منه لم يظمأ بعده أبدًا وفي رواية لمسلم يخشب فيه ميزابان من الجنة وفي لفظ لغيره يفت فيه ميزابان من الكوثر وروى ابن ماجة حديث الكوثر نهر في الجنة حافتاه الذهب مجراه على الدر والياقوت تربته أطيب من المسك وأشد بياضًا من الثلج. قوله: (لَا أَظْمأُ بَعْدَهُ أَبَدًا) صفة للكأس أي من شرب منه لا يظمأ كما تقدم في الحديث هذا وزاد بعضهم قبل هذا الذكر عند المضمضة اللهم أعني على ذكرك وشكرك وقال في الإحياء يقول اللهم أعني على تلاوة كتابك وكثرة الذكر لك وقال الروياني يقول اللهم أجر على لساني الصدق والصواب وما ينفع الناس. قوله: (وَجَناتِكَ) جمع جنة وقد ورد خبر إن عرف

يوم تَبيضُ وجوه وتسودُّ وجوه، ويقول عند غسل اليدين: اللهُم أَعطِني كتابي بيميني، اللهُم لا تعطني كتابي بشمالي، ويقول عند مسح الرأس: اللهُم حرِّم شعري وبشري على النار، وأظلني تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلكَ، ويقول عند مسح الأذنين: اللهُم أجعلني من الذين يستمعونَ القول فيتَبعون أحسنه، ويقول عند غسل الرجلين: اللهم ثبِّت قدميِّ على الصراط، والله أعلم. وقد روى النسائي وصاحبه ابن السني في كتابيهما "عمل اليوم والليلة" بإسناد صحيح عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: أتيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوضوءٍ، فتوضأ، فسمعتُه يدعو ويقول: "اللهُم ـــــــــــــــــــــــــــــ الجنة يوجد من مسيرة خمسمائة عام وظاهر أن المسؤول حصول النعمة والجنة لأن النازل بها يهب نسيمها عليه ولذوق نعيمها وقال جمع وجرى عليه في المجموع أي بعد ما ذكر اللهم أوجدني رائحة الجنة وأنت على راض وزادوا عند الاستنشاق اللهم إني أعوذ بك من روائح أهل النار ومن سوء الدار وورد في رواية عند المضمضة والاستنشاق اللهم لقني حجتي ولا تحرمني رائحة الجنة. قوله: (يَوْمَ تَبْيضُّ وجُوهٌ) أي يوم القيامة قال ابن عباس تبيض وجوه المهاجرين والأنصار وتسود وجوده قريظة والنضير والذين كذبوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - نقله عنه الواحدي في التفسير الوسيط ثم نقل أيضًا خبرًا مرفوعًا فيه تفسير الذين اسودت وجوههم بالخوارج. قوله: (اللَّهم أَعْطني كِتَابِي بيَمِيني) زاد بعضهم وحاسبني حسابًا يسيرًا. قوله: (وَلَا تَعْطني كِتْابِي بشِمالِي) زاد بعضهم ولا من وراءَ ظهري. قوله: (حرّمْ شَعرِي وَبَشَرِي عَلَى النَّارِ) قال القمولي كالرافعي وروي اللهم احفظ رأسي وما حوى وبطني وما وعى وفي الإحياء يقول اللهم غشني من رحمتك وأنزل عليّ من بركتك وأظلني تحت ظل عرشك أي اجعلني ممن يظلون تحته يوم القيامة. قوله: (ثَبِّتْ قَدَمَيَ) بتشديد الياء مثنى. قوله: (بإسنادٍ صحيح) قال في السلاح رواه النسائي بسند رجاله رجال الصحيح إلا عباد بن عباد بن علقمة وقد وثقه أبو داود ويحيى ابن معين وذكره ابن حبان في الثقات ورواه الترمذي من حديث أبي هريرة بمعناه ولم يذكر الوضوء وفي روايته رايي بدل داري اهـ. وقال الحافظ وأخرجه الطبراني وليس عنده في الكبير من رواية مسدد وعارم والمقدمي كلهم عن معتمر بن سليمان

باب ما يقول عند اغتساله

اغْفِرْ لي ذَنْبي، وَوَسعْ لي في دَارِي، وبارِكْ لي في رِزْقي"، فقلت: يا نبي الله سمعتك تدعو بكذا وكذا، قال: "وَهَلْ ترَكْنَ مِنْ شَيْءٍ؟ " ترجم ابن السني لهذا الحديث: باب ما يقول بين ظهراني وضوئه، وأما النسائي فأدخله في باب: ما يقول بعد فراغه من وضوئه، وكلاهما محتمل. باب ما يقول عند اغتساله يُستحب للمغتسِل أن يقول جميع ما ذكرناه في المتوضئ من التسمية ـــــــــــــــــــــــــــــ بن عباد عن أبي مجلز عن أبي موسى قال ووقع في روايتهم فتوضأ ثم صلى ثم قام وقال اللهم إلخ. وهذا يدفع ترجمة ابن السني لتصريحه بأنه قال بعد الصلاة ويدفع احتمال كونه بين الوضوء والصلاة وقال في حكم الشيخ على الإسناد بالصحة نظر لأن أبا مجلز لم يلق سمزة بن جندب ولا عمران بن حصين فيما قاله علي بن المديني وقد تأخرا عن أبي موسى ففي سماعه عن أبي موسى نظر وقد عهد منه الإرسال عمن لم يلقه ورجال الإسناد المذكور رجال الصحيح إلا عباد بن عباد اهـ. قوله: (اغفِرْ لِي ذَنْبي) أي ظاهرًا وباطنًا. قوله: (وَوَسعْ لِي فِي دَارِي) في الدنيا والبرزخ في العقبى. قوله: (وَبارِكْ لِي فِي رِزْقي) الحسين والمعنوي الدنيوي والديني. قوله: (تَرْجَمَ ابْنُ السُّنيّ إلخ) تبع صاحب الحصين ابن السني فذكره فيما يقال في أثناء الوضوء قال ميرك ورجح الشيخ عمل ابن السني قال في الحرز ويؤيد النسائي ظاهر فتوضأ فسمعته يقول اهـ، وسبق ما في هذين الاحتمالين في كلام الحافظ. قوله: (بين ظَهرانيْ وُضُوئه) أي بين وضوئه فظهراني زائدة، في النهاية يقال أقاموا بين ظهرانيهم وأظهرهم أي بينهم على سبيل الاستظهار والاستناد إليهم وزيدت فيه ألف ونون مفتوحة تأكيدًا ومعناه أن ظهرًا منهم قدامه وظهرًا وراءه فهو محفوف من جانبيه ومن جوانبه إذا قيل بين أظهرهم ثم كثر فاستعمل في الإقامة بين القوم مطلقًا اهـ، فيحصل الذكر المذكور بالإتيان به مقارنًا لأي جزء منه والله أعلم. باب ما يقول عند اغتساله وفي نسخة على اغتساله فعلي في الترجمة بمعنى عند ومنه حديث ليس شيء أكرم على الله من

باب ما يقول على تيممه

وغيرها، ولا فرق في ذلك بين الجُنُب والحائض وغيرهما، وقال بعض أصحابنا: إن كان جنبًا أو حائضًا لم يأت بالتسمية، والمشهور أنها مستحبة لهما كغيرهما، لكنهما لا يجوز لهما أن يقصدا بها القرآن. باب ما يقول على تيممه يُستحب أن يقول في ابتدائه: "بسم اللهِ" فإن كان جنبًا أو حائضًا، فعلى ما ذكرنا في اغتساله، وأما التشهد بعده وباقي الذكْر المتقدم في الوضوء والدعاء على الوجه والكفين، فلم أو فيه شيئًا لأصحابنا ولا غيرهم، والظاهر أن حكمه على ما ذكَرنا في الوضوء، فإن التيمم طهارة كالوضوء. ـــــــــــــــــــــــــــــ لدعاء. قوله: (وَغَيرِهَا) حتى دعاء الأعضاء قال المحاملي ويسن بعده الذكر المشروع عقب الوضوء اهـ، ويدل له قول المصنف الآتي في التيمم والظاهر أن حكمه على ما ذكرنا في الوضوء فإن التيمم طهارة كالوضوء، إذ قوله فإن إلخ، جار في الغسل أيضًا إذ هو طهارة كالوضوء وقد صرح باستحباب الذكر بعد كل من الغسل والتيمم كثير من المتأخرين والظاهر أن دعاء الاعضاء على القول باستحبابه كذلك وكأن السكوت مقدم استحبابه ولأنه يعلم من ذكر قرينه في بابه والله أعلم. قوله: (قَال بَعضُ أَصْحابِنَا إلخ) قال في المجموع وهو ضعيف لأن التسمية ذكر ولا يكون قرآنا إلَّا بالقصد وفي شرح العباب قيل الأولى له بسم الله العظيم الحليم حتى يخرج بها عن نظم القرآن وحكاية وجه بالكراهة نازع الإسنوي في ثبوته اهـ. وفي التجريد لابن المزجد صفة التسمية في الغسل كالوضوء والأولى زيادة الرحمن الرحيم لا بقصد القرآن وقيل الأولى بسم الله العظيم الحليم الحمد لله على الإسلام ليخالف نظمه القرآن وقيل يندب وصححه القاضي ونقل المتولي عنه كراهتها اهـ، وعبارة المصنف محتملة لنفي السنية والكراهة لكن تقدم عن الأسنوي المنازعة في ثبوت الأخير وتقدم في باب التسمية في الوضوء نقل السمهودي عن المجموع جواز زيادة الرحمن الرحيم للجنب لا أولويتها والله أعلم. تموله: (بابُ مَا يقولُ عَلَى تَيمّمِهِ إلَى قَولِهِ والظاهِرُ أَن حُكْمَه عَلى مَا ذَكَرْنا فِي الْوضوءِ إلخ) وافقه عليه المتأخرون.

باب ما يقول إذا توجه إلى المسجد

باب ما يقول إذا توجه إلى المسجد قد قدَّمْنا ما يقوله إذا خرج من بيته إلى أي موضع خرج، وإذا خرج إلى المسجد فيستحب أن يضم إلى ذلك. ما رويناه في "صحيح مسلم" في حديث ابن عباس رضي الله عنهما في مبيته في بيت خالته ميمونة رضي الله عنها، ذكر الحديث في تهجد النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فأذَّن المؤذن: يعني الصبح، فخرج إلى الصلاة وهو يقول: ـــــــــــــــــــــــــــــ باب ما يقول إذا توجه إلى المسجد قوله: (في صَحِيحِ مْسْلم) قال الحافظ بعد تخريجه حديث ابن عباس وفيه ثم أتاه المؤذن فخرج إلخ، هذا حديث صحيح أخرجه مسلم وأبو داود وزاد في طريق له وأعظم لي نورًا واختلف الرواة على علي بن عبد الله بن عباس وابن جبير وغيرهما عن ابن عباس في محل الدعاء هل هو عند الخروج إلى الصلاة أو قبل الدخول في صلاة الليل أو في أثنائها أو عقب الفراغ منها ويجمع بإعادته قال وقد أوضحت ذلك في فتح الباري قلت وكذا روى هذه الجملة أبو داود والنسائي وأبو عيسى المديني من حديث عائشة عن أبي سعيد بلفظ وأعظم لي النور. قوله: (فِي مَبِيتِهِ إلخ) قال المصنف في شرح مسلم ورد عن ابن عباس بتُّ عند خالتي في ليلة كانت فيها حائضًا وهذه اللفظة وإن لم تصح طريقًا فهي حسنة المعنى جدًّا إذ لم يكن ابن عباس يطلب المبيت في ليلة للنبي - صلى الله عليه وسلم - حاجة إلى أهله ولا يرسله أبوه إلّا إذا علم عدم الحاجة إلى أهله لأنه معلوم أنه لا يفعل حاجته مع حضرة ابن عباس معها في الوسادة مع أنه كان مراقبًا لأفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - ولعله لم ينم أو نام قليلًا اهـ. قوله: (فِي بَيْتِ خَالتِهِ مَيْمونَة رَضِيَ الله عنها) وهي أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث بن حزن ضد السهل بن بحيرة بموحدة فجيم فمثناة فمهملة فهاء مصغر ابن الهرم بن روبية بن عبد الله بن هلال الهلالية العامرية قيل كان اسمها برة فسماها النبي - صلى الله عليه وسلم - ميمونة كذا روي عن ابن عباس وأبي هريرة وكانت تحت مسعود بن عمرو الثقفي في الجاهلية ففارقها فتزوجها أبو رهم براء مهملة مضمومة وسكون الهاء ابن عبد العزى فلما مات عنها خطبها النبي - صلى الله عليه وسلم - فأجابت وجعل أمرها إلى العباس بن عبد المطلب وكان زوج أختها أم الفضل لبابة

اللهُم اجْعَلْ في قلْبي نورًا، وفي لِساني نورًا، واجْعَلْ في سمْعِي نورًا، وَاجْعَلْ في بَصَرِي نورًا، واجْعَلْ مِن خَلْفِي نورًا، ومِنْ أمامي نورًا، واجْعَلْ مِنْ فَوقي نورًا ومِنْ تحْتي نورًا، اللهُم أعْطِني نورًا". ـــــــــــــــــــــــــــــ فتزوجها لما فرغ من عمرة القضية بسرف وهو موضع على عشرة أميال من مكة إلى جهة المدينة وقيل غير ذلك سنة سبع من الهجرة في ذي القعدة وقيل سنة ست وهي التي وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم - قاله ابن عباس وقتادة والزهري وقيل الواهبة زينب وتزوج ميمونة على خمسمائة درهم وهي آخر من تزوج بها واختلف هل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - محرمًا حال تزوجه بها أم حلالًا فروي عنها أنها قالت تزوجني النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن حلال بعد ما رجعنا من مكة أخرجه أحمد وأخرج عنها أيضًا أنه تزوجها حلالًا وبنى بها حلالًا وأخرجه أيضًا هو ومسلم وأصحاب السنن من طريق يزيد بن الأصم عنها وكانت خالته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهي حلال وأما ما روي في الصحيحين عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهو محرم فقد روي عنه أيضًا أنه تزوجها وهي حلال وقال ابن عبد البر رواية أنه تزوجها وهي حلال تواترت عن ميمونة ولا أعلم أحدًا من الصحابة وافق ابن عباس على قوله أنه كان محرمًا روي لها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما قيل ستة وسبعون حديثًا اتفقا منها على خمسة وانفرد البخاري بحديث ومسلم بخمسة وكانت تحلق رأسها بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - للتبذل وتوفيت بسرف سنة إحدى وخمسين وقيل سنة اثنين وخمسين وقيل إحدى وقيل ثلاث وقيل خمس وقيل ست وستين وقيل غير ذلك وفي الحديث الصحيح أنها توفيت قبل عائشة وصلى عليها عبد الله بن عباس ودخل قبرها هو ويزيد بن الأصم وعبد الله بن شداد وهي خالتهم ومعهم ربيبها عبد الله الخولاني ولها ثمانون سنة أو إحدى وثمانون سنة وزعم الواقدي أنها آخر أمهات المؤمنين موتًا وليس كما قال قاله القلقشندي. قوله: (اللهم اجْعل في قَلبي نُورًا إلخ) قال المصنف في شرح مسلم قال العلماء وسأل النور في أعضائه وجهاته والمراد بها بيان الحق وضياؤه والهداية إليه فسأل النور جميع أعضائه وجسمه وتصرفاته وتقلباته وحالاته وجملته وجهاته الست حتى لا يزيغ شيء منها عنه اهـ. وفي الإكمال للقاضي عياش ويحتمل أن يراد بالنور هنا في أعضائه قوتها بالحلال فإن القلب

وروينا في كتاب ابن السني ـــــــــــــــــــــــــــــ يصلح بأكل الحلال ويشرح معه الصدر ويصفو الخاطر وينصقل الذهن اهـ. ثم خص القلب والسمع والبصر بفي دون ما بعده لأن القلب مقر العلوم والمعارف الإلهية وكل من السمع والبصر يجعل له من أسبابها كنظر المسموعات وسماع الآيات حظًّا وفرًا وجر باقي الجهات بمن إشارة إلى أن مبدأ عود الهداية إلى من في تلك الجهات من الخلق من القلب وقع في رواية للبخاري في كتاب الدعوات وعن يميني نورًا وعن شمالي نورًا قال الشيخ زكريا خصمها بعن إيذانًا بتجاوز الأنوار التي دعا بها النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قلبه وسمعه وبصره إلى من عن يمينه وشماله من أتباعه اهـ. وقال القرطبي هذه الأنوار التي دعا بها النبي - صلى الله عليه وسلم - يمكن أن تحمل على ظاهرها فيكون معنى سؤاله أن يجعل الله له في كل عضو من أعضائه يوم القيامة نورًا يستضيء به في تلك الظلم هو ومن تبعه والأولى أن يكون مستعارة للعلم والهداية اهـ. وقال ابن عبد السلام اعلم أن النور عبارة عن أجسام قام بها عرض لكنه ليس مرادًا هنا لكنه يعبر بالنور عن المعارف وبالظلمة عن الجهل من مجاز التشبيه لأن المعارف والإيمان تنبسط لها النفوس ويذهب الغم عنها بها وتبشر بالنجاة من المعاطب كما يتفق لها ذلك في النور الحقيقي وتغتم بالجهالات وتنقبض ويخاف الهلاك بسببها كما يتفق لها ذلك في الظلمات الحسية فلما تشابها عبر بأحدهما عن الآخر إلا أن هذا يصح جوابًا عن القلب وأما في سائر ما ذكر معه فليس كذلك لأن المعارف مختصة بالقلب إلَّا أن ما عداه مما ذكر يتعلق بها التكاليف أما اللسان فمن جهة الكلام والبصر من جهة النظر وكذلك ينظر في سائرها ويثبت له من التكاليف ما يناسبه إذا تقرر ذلك فاعلم أن التكليف فرع عن العلم بالله والإيمان به فمن لم يكن كذلك لا يوقع شيئًا من القرب وإذ كانت مسببة عن الإيمان والمعارف التي هي النور المجازي فسماها نورًا من باب إطلاق المسبب على السبب فالمراد بالنور الذي في القلب الإيمان والمعارف وبالذي في غيره غيره اهـ. قوله: (وَرَوَينا فِي كِتَابِ ابنِ السُّني إلخ) قال الحافظ بعد تخريجه من طريق ابن السني بهذا اللفظ هذا حديث واهٍ جدًّا أخرجه الدارقطني في الأفراد من هذا الوجه وقال تفرد به الوازع وهو متفق على ضعفه وأنه منكر الحديث قال الحافظ والقول فيه أشد من ذلك فقال ابن معين والنسائي ليس بثقة وقال أبو حاتم وجماعة متروك

عن بلال رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج إلى الصلاة قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الحاكم روي أحاديث موضوعة قال ابن عدي أحاديثه كلها غير محفوظة قال الحافظ وقد اضطرب في هذا الحديث أخرجه أبو نعيم في اليوم والليلة من وجه آخر عنه فقال عن سالم بن عمر عن بلال محل قوله في الطريق الأول عن نافع عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله عن بلال قال الحافظ ولم يتابع عليه اهـ. قوله: (عَن بِلالِ) هو بلال بن رباح الحبشي القرشي التيمي بالولاء الصحابي الجليل مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اختلف في كنيته فقيل أبو عبد الكريم وقيل أبو عبد الله وقيل أبو عبد الرحمن وقبل أبو عمر وأمه حمامة مولاة لبني جمح اشتراه أبو بكر رضي الله عنه بخمس أواق وقيل بسبع وقيل بتسع وأعتقه وكان خازنًا له وهو أحد السابقين الأولين أسلم قديمًا وأظهر اسلامه وكان يعذب في الله فيصبر على العذاب كان أبو جهل يبطحه على وجهه في الشمس ويضع الرحى عليه حتى تصهره الشمس ويقول له اكفر برب محمد فيقول أحد أحد وكان أمية بن خلف يتابع عليه العذاب قدر الله أن بلالا قتله أول الإسلام. فإن قلت لم لم يوافقهم بلال بلسانه مع ثبوت إيمانه في جنانه وهو جائز للإكراه. قلت هو وإن كان جائزًا إلَّا أن ما فعله أفضل ففي الحديث الشريف أن مسيلمة أتى برجلين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لأحدهما ما تقول في محمد فقال رسول الله فقال وأنا فقال وأنت كذلك فأطلقه ثم سأل الآخر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله فقال وأنا فقال لا أسمع فلم يزل به حتى قطعه إربًا إربًا فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أما أحدهما فقد أخذ برخصة الله وأما الثاني فقد صدع بالحق فهنيئًا له أورده في الكشاف وغيره وروي عن ابن مسعود أول من أظهر الإسلام سبعة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمار وأمه وصهيب وبلال والمقداد فمنع الله نبيه بعمه أبي طالب وأبا بكر بقومه وأما باقيهم فعذبهم المشركون وهاجر بلال وشهد المشاهد كلها وكان يؤذن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حضرًا وسفرًا، روى أبو الشيخ الأصبهاني في كتاب الأذان له من طريق الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن بلالًا أول من أذن في الإسلام وهذا من الأحاديث التي لم يسمعها الحكم من مقسم وروي

"بِسْم اللهِ، آمَنْتُ بالله، توكَّلْتُ على اللهِ، لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ، اللهُم بِحَق السائِلِينَ عَلَيْكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه أذن عام الفتح فوق الكعبة وقال مالك وغيره أنه لم يؤذن لأحد بعده - صلى الله عليه وسلم - إلَّا مرة واحدة لعمر حين دخل الشام فبكى الناس بكاء شديدًا وقيل أنه أذن مرة في قدمة قدمها إلى المدينة بسؤال الصحابة ولم يتم الأذان وروى ابن أبي شيبة عن سعد القرظ أن بلالًا أذن لأبي بكر مدته وفي السنن لأبي داود من مرسل ابن المسيب أن بلالًا ذهب إلى الشام في حياة أبي بكر فكان بها حتى مات وأخرج الطبراني في الصغير عنه - صلى الله عليه وسلم - بلال سابق الحبشة وعن أنس نحوه وفي الصحيحين أنه قال لبلال دخلت الجنة فسمعت دف نعليك بين يدي الحديث عنه وروي عن زيد بن أرقم مرفوعًا نعم بلال سيد المؤذنين وفي البخاري كان عمر يقول أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلالًا وفيه عن قيس بن أبي حاتم قال قال بلال لأبي بكر إن كنت إنما اشتريتني لنفسك فأمسكني وإن كنت إنما اشتريتني لله عز وجل فدعني وعامل الله وهو أحد الأربعة الذين أراد الأقرع بن حابس وعيينة بن حصين طردهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الأنعام: 52]، روي له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما قيل أربعة وأربعون حديثًا وقيل نيف وعشرون اتفقا منها على حديث واحد وانفرد البخاري بحديثين غير مسندين ومسلم بحديث وفضائله كثيرة مات بدمشق سنة عشرين وقيل إحدى وقيل ثمان وعشرون وقيل سبع وقيل ثمان عشرة وله أربع وستون سنة وقيل ثلاث وستون وقيل سبعون وقيل مات بحلب وقيل بدارما ودفن بباب لبان قاله ابن زبر وقال الواقدي دفن بباب الصغير وقيل بحلب ولم يعقب رضي الله عنه. قوله: (باسْم الله) أي خرجت. قوله: (بحَق السائِليِنَ عَلَيْكَ) أي بالحق الذي جعلته لهم عليك من محض فضلكَ بوعدك الذي لا يخلف وفيه التوسل بحق أرباب الخير على سبيل العموم من السائلين ومثلهم بالأولى الأنبياء والمرسلون أما السؤال بحق معين فمنعه ابن عبد السلام إلَّا بحقه - صلى الله عليه وسلم - لمزيد كرامته دون غيره وأجازه آخرون حتى بالأولياء والعارفين وقال العارف بالله تعالى أبو العباس المرسي من له إلى الله حاجة فليتوسل إليه بحق حجة الإسلام

وَبِحَق مَخْرَجِي هَذَا فَإني لَمْ أخْرُجْهُ أشرًا ولا بَطَرًا ولا رِياءَ ولا سُمْعَةً، خَرَجْتُ ابتِغاءَ مَرْضاتِكَ، واتِّقَاءَ سَخَطِكَ، أسألُكَ أنْ تُعِيذَني مِنَ النارِ وأنْ تُدْخِلَني الجَنَّةَ"، حديث ضعيف، أحد رواته الوازع بن نافع العقيلي، وهو متفق على ضعفه وإنه منكر الحديث. وروينا في كتاب ابن السني معناه من رواية ـــــــــــــــــــــــــــــ الغزالي. قوله: (وبحَق مَخْرَجِي إليك) أي خروجي إلى ساحة فضلك طالبًا رضاك، ورواه ابن الجوزي بحق السائلين عَليك وبحق الراغبين إليك وليس فيه وبحق مخرجي. قوله (أَشِرًا) بفتح الهمزة وكسر الشين المعجمة بوزن اسم الفاعل وعلى وزنه بطر قال في النهاية الأشر البطر وقيل أشد البطر وفيها البطر الطغيان عند النعمة وطول الغي اهـ، والعطف على القول الأول من عطف المترادفين وعلى الثاني من عطف العام على الخاص. قوله: (وَلَا رِياء وَلَا سُمْعَة) مصدران بمعنى اسم الفاعل ليكون على طريق ما قبله أو على حذف مضاف أي ولا ذو رياء ولا سمعة وتقدم معنى الرياء في فضل الإخلاص وقريب منه السمعة إذ المرائي يقصد أن يراه الناس الحاضرون لعبادته والمسمع قصده أن يسمع بعبادته وفضله الغائبون قال الشيخ زكريا في تحفة القارئ في باب الرياء والسمعة من كتاب الرقاق الرياء بالمد إظهار العبادة ليراها الناس فيحمدوا صاحبها والسمعة بضم السين وسكون الميم التنويه بالعمل ليسمعه الناس اهـ. قوله: (ابْتِغاءَ مَرْضاتِكَ) بالنصب مفعول له والمرضاة مصدر ميمي أي رضاك. قوله: (سَخطِكَ) بفتح أوليه أو بضم أوله وسكون ثانيه وفي النهاية السخط والسخط كراهية الشيء وعدم الرضا به. قوله: (الوازعُ بْنُ نافِعِ) في كتاب الجرح والتعديل لأبي حاتم الوازع بن نافع العقيلي أصله من المدينة سكن الجزيرة يروي عن سالم بن عبد الله وأبي سلمة بن عبد الرحمن روى عنه أهل الجزيرة وكان ممن يروي الموضوعات عن الثقات على قلة روايته ويشبه أنه لم يكن المتعمد لذلك بل وقع ذلك في روايته لكثرة وهمه فبطل الاحتجاج به لما انفرد به عن الثقات بما ليس من أحاديثهم حدثنا الحنبلي قال حدثنا أحمد بن زهير عن يحيى بن معين قال وازع بن نافع ليس بثقة ثم نقل عنه أحاديث تكلم في إسناد بعضها بأنه موضوع أو مقلوب اهـ، وتقدم فيه كلام الحافظ في تخريج الحديث. قوله: (وَرَوَينْا معناهُ) هو قوله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج الرجل من بيته إلى الصلاة فقال اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشرًا

باب ما يقول عند دخول المسجد والخروج منه

عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعطية أيضًا ضعيف. باب ما يقول عند دخول المسجد والخروج منه يُستحب أن يقول: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم الحمد لله، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا بطرًا ولا رياغ ولا سمعة خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك أسألك أن تنقذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي أنه لا يغفر الذنوب إلَّا أنت وكل الله به سبعين ألف ملك يستغفرون له وأقبل الله عليه بوجهه حتى يقضي صلاته قال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن أخرجه أحمد وابن ماجة وابن خزيمة في كتاب التوحيد وأبو نعيم الأصبهاني وفي كتاب الصلاة لأبي نعيم عن فضيل عن عطية قال حدثني أبو سعيد فذكره لكن لم يرفعه فقد أمن بذلك تدليس عطية العوفي قال الحافظ وعجبت للشيخ كيف اقتصر على سوق رواية بلال دون أبي سعيد وعزو رواية أبي سعيد لابن السني دون ابن ماجة وغيره والله الموفق اهـ. قوله: (عطيةَ العوفِيّ) قال الذهبي في الكاشف هو أبو الحسن عطية بن سعد عن أبي سعيد وطائفة وعنه أبناؤه عمر والحسن ومسعر وقرة ضعف، مات سنة مائة وإحدى عشرة خرج عنه أبو داود والترمذي والنسائي اهـ. وفي تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر عطية بن سعد بن جنادة بضم الجيم وبعدها نون خفيفة العوفي الجدلي بفتح الجيم والدال المهملة الكوفي أبو الحسن صدوق يخطئ كثيرًا وكان شيعيًّا مدلسًا من الثالثة روى عنه البخاري في التاريخ وأبو داود والنسائي اهـ، ومن كلام التقريب ظهر وجه ضعفه وقد صرح بذلك في تخريجه فقال ضعف عطية إنما جاء من قبل تشيعه وقبل تدليسه وإلا فهو صدوق وقد أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأخرج له أبو داود عدة أحاديث ساكتًا عليها وحسن له الترمذي عدة أحاديث بعضها من أفراده فلا يظن أنه مثل الوازع اهـ، والله أعلم. باب ما يقول عند دخول المسجد والخروج منه قوله: (أَعوذُ بالله العظيم)

اللهُم صل وسلم على محمد وعلى آل محمد، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، ثم يقول: بسم الله، ويقدم رجله اليمنى في الدخول، ويقدم اليسرى في الخروج، ويقول جميع ما ذكرناه إلا أنه يقول: "أبوابَ فضلك"، بدل "رحمتك". رويناه عن أبي حميد أو أبي أسيد رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ـــــــــــــــــــــــــــــ أتَى بوصف الاسم الكريم هنا وكرر المستعاذ به من الوجه والسلطان هنا دون ما يأتي في تعوذ القرَاءة والصلاة وكأن حكمة ذلك عظم وسواس الشيطان بالمساجد وكثرة حليله في صرف القاصدين عنه إلى ضده. قوله: (وَصَلَّى الله عَلَى مُحمَّدٍ وعلى آل محمد) عبارة المجموع اللهم صَل على محمد وعلى آل محمد وسلم قال في شرح العباب وينبغي ذكر الصحب أيضًا لما مر في القنوت اهـ، وهو موافق لما ذكرته من الإتيان بذلك في الوضوء والله أعلم. قوله: (ثَم يَقُولُ باسْم الله) جرى بعضهم على تقديم البسملة على الحمد له وزيادة واو قبل الحمد لله. قوله: (وَيُقدِّمُ رِجلهُ الْيُمنى) أي أو بدلها من مقطوعها وكذا اليسرى في الخروج وخصت اليمنى بالدخول لشرفه واليسرى بالخروج لخسته وهذا مما ينبغي الاعتناء به كغيره من الآداب، حكي أن سفيان الثوري قدم رجله اليسرى في الدخول غفلة فقيل له أي في سره أنت مثل الثور فنسب لذلك وحكي عن حاتم الأصم أنه قدم اليسرى عند الدخول فتغير لونه وخرج مذعورًا وقدم رجله البمنى فقيل له في ذلك فقال لو تركت أدبًا من الآداب خفت أن يسلبني الله جميع ما أعطاني كذا في خلاصة الحقائق. قوله: (وَيقولُ جَمِيعَ مَا ذَكَرْناهُ) قال المصنف في المجموع فإن طال عليه ذلك اقتصر على ما في مسلم أي الآتي في الدخول والخروج. قوله: (عَنْ أَبي حُمَيْدٍ) هو أبو حميد الساعدي واسمه المنذر وقيل عبد الرحمن شهد أحدًا وما بعدها وعاش إلى أول زمن يزيد سنه ستين واتفقا على الرواية عنه وروى عنه غيرهما كذا في الرياض. قوله: (أَوْ أَبي أُسيْدٍ) بضم الهمزة وهو مالك بن ربيعة بن البدن بفتح الموحدة والمهملة الأنصاري الساعدي البدري روي له عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. اتفقا على حديث وانفرد البخاري بحديثين ومسلم بواحد وخرج عنه الأربعة

"إذا دَخَلَ أحدُكم المَسْجِدَ فَلْيُسَلِّم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم لْيَقُل: اللهُم افْتَحْ لي أبوَابَ رَحْمَتكَ، وإذا خَرَجَ فلْيَقُلْ: اللهُم إني أسألُكَ مِنْ فَضْلِكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عنه ابناه حمزة وزبير وأبو سلمة مات بالمدينة سنة ثلاثين وقال ابن المديني سنة ستين قال وهو آخر من مات من البدريين وكان له عقب منهم المنذر بن أبي أسيد الذي جيء به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حين ولد فوضعه في حجره وسماه منذرًا كما يأتي بيانه في كتاب الأسماء ولا يضر في صحة الحديث الشك في عين الصحابي لأن كل الصحابة رضي الله عنهم عدول وكذا لا يضر الشك في عين الراوي من غيرهم إذا كان ثقة. قوله: (إِذَا دَخَلَ أَحدكم) قال الأبي هذا التركيب لا يتعين فيه إن يكون التقدير إذا أراد أحدكم أن يدخل بل الظاهر حمله على ظاهره وأنه يقوله بعد الدخول هـ. وفي شرح المشكاة لابن حجر إذا دخل أي أراد الدخول اهـ، ومثله في الحرز ويؤيده قول المصنف هنا بعد أن قال يستحب أن يقول أعوذ بالله إلخ، ثم يقول بسم الله وقدم رجله اليمنى فظاهره أن الذكر يأتي به قبل الدخول عند إرادته وعلى هذا يُقدر في الترجمة مضاف أي عند إرادة دخول المسجد لأن عند اسم للحضور الحسي أو المعنوي أو لا يحتاج إلى تقدير لأن عند يكون للقرب كذلك نحو عند سدرة المنتهى كما في المغني لكن قضية كلام المصنف وغيره أن يقول ذلك عند الدخول لا بعده. قوله: (وإِذَا خرَجَ فَلْيقُلِ إلخ) الحكمة في تخصيص ذكر الرحمة بالذخول والفضل بالخروج أن الداخل طالب للآخرة والرحمة أخص مطلوب له والخارج طالب للمعاش في الدنيا وهو المراد بالفضل وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10] كذا في كشف المشكل وفي شرح المشكاة للطيبي لعل السر أن من دخل يشتغل بما يزلفه إلى الله تعالى وإلى ثوابه وإلى جنته فناسب ذكر الرحمة وإذا خرج انتشر في الأرض ابتغاء فضل الله من الرزق الحلال فناسب الفضل اهـ. وقال بعضهم العرف الشرعي خص استعمال الرحمة المقابلة للفضل في المنح

رواه مسلم في "صحيحه" وأبو داود والنسائي وابن ماجة وغيرهم بأسانيد صحيحة، ـــــــــــــــــــــــــــــ الإلهية المفاضة على المتعبدين والمسجد بني لذلك فناسب ذكرها عند دخوله وأيضًا فالمصلي تواجهه الرحمة كما ورد فناسب سؤالها عند دخوله لمحل الصلاة وإن لم يقصد الدخول للصلاة واستعمال الفضل في المنح الإلهية المفاضة على المتسجبين في حصول أرزاقهم ألا ترى قوله تعالى: {فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10] وبما قررنا علم اندفاع ما يورد من أن الرحمة نوع من الفضل فلم أتي بالخاص في الدخول والعام في الخروج وكان العكس أولى، لأن في العام من طلب المزيد ما ليس في الخاص ويدفع هذا أيضًا بأنه قد يمنع ويقال الفضل نوع من الرحمة أو مساويها إذ المراد في حقه تعالى غايتها وهو التفضل والإنعام على أن التحقيق أنهما باعتبار الأصل متساويان وقد يستعمل أحدهما في غير ما يستعمل فيه الآخر لمناسبة المقام أو غيره اهـ. قوله: (رَوَاه مسلم فِي صحيحه إلخ) قال الحافظ بعد تخريجه من طرق عديدة إلى عبد الملك بن سعيد الأنصاري قال سمعت أبا حميد أو أبا أسيد يقول فذكره ثم قال حديث صحيح أخرجه مسلم وأبو داود وقال مسلم سمعت يحيى بن يحيى يقول كتبته من كتاب سليمان بن بلال أي الراوي له عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الملك بن سعيد الأنصاري قال وبلغني أن يحيى الحماني يقول عن سليمان بسنده المذكور عن أبي حميد وأبي أسيد يعني أن الحماني رواه بواو العطف وأن يحيى بن يحيى رواه بأو التي للتردد قال الحافظ ولم ينفرد الحماني بذلك فقد أخرجه أحمد عن أبي عامر العقدي عن سليمان بواو العطف أيضًا وكذا أخرجه النسائي وأبو يعلى وابن حبان من رواية سليمان ولم ينفرد به سليمان بل جاء أيضًا من رواية عمارة بن غزية عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن بهذا السند عن أبي حميد فقط ولم يذكر أبا أسيد اهـ. وفي الحرز رواه مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي حميد أو أبي أسيد ورواه ابن ماجة عن أبي حميد وابن حبان والحاكم وابن السني عن أبي هريرة اهـ، ولفظ ابن ماجة في سننه من حديث أبي هريرة إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وليقل اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم وروي بمعناه من حديث فاطمة رضي الله عنها بإسناد فيه كلام ورواه النسائي في

وليس في رواية مسلم: "فليسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في رواية الباقين. زاد ابن السني في روايته "وإذا خَرَجَ فَلْيُسَلِّمْ على النبي - صلى الله عليه وسلم - وَلْيَقُلْ: اللهُم أعِذْني مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ" وروى هذه الزيادة ـــــــــــــــــــــــــــــ عمل اليوم والليلة من حديث أبي هريرة بلفظ ابن ماجة إلا أن قوله الرجيم عند ابن ماجة فقط ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم في مستدركه وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه كذا في السلاح قال السخاوي وأعلم النسائي برواية المقبري له عن أبي هريرة عن كعب وذكر أنها أولى بالصواب أفاده شيخنا وحكي فيه غير ذلك وقال ما ملخصه وقد خفيت هذه العلة على من صحح هذا، هذا الحديث لكن في الجملة هو حسن لشواهده اهـ، وكلامه في حديث أبي هريرة الآتي فلا يخالفه كلام المصنف وقوله: بأسانيد صحيحة، لأنه في حديث أبي حميد أو أبي أسيد وقد وافق المصنف على قوله ذلك القسطلاني في كتاب المسالك وهو تلميذ السخاوي والله أعلم. وفي السلاح ورواه أبو عوانة من حديث أبي حميد وحده ولفظه إن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: إذا دخل المسجد اللهم افتح لنا أبواب رحمتك وسهل لنا أبواب رزقك قوله وليس في رواية مسلم "فَلْيُسَلم عَلَى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -" وَهُوَ فِي رِوَايَة البَاقِينَ) قال في السلاح لفظ أبي داود إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ليقل اللهم إلخ، ورواه أبو عوانة أيضًا في مسنده الصحيح بنحو رواية أبي داود زاد فيه وإذا خرج فليسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - اهـ، لكنه عند أبي عوانة بهذا اللفظ من حديث أبي حميد فقط لا من حديث أبي أسيد كما نبه علمه الحافظ وتقدم بيانه وهو بهذا اللفظ من حديث أبي حميد وأبي أسيد عند الطبراني في كتاب الدعاء أخرجه الحافظ من طريقه فيه وفي الحصين فليسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وابن السني قال في الحرز كلهم عن أبي هريرة إلّا أبا داود فعن أبي حميد أو أبي أسيد على الشك وبه يعلم أن حديث الكتاب بلفظ أبي داود وإنما قدم مسلمًا مع أنه لم يرو قوله فليسلم إلخ، لأن مرتبته أعلى ومقامه أغلى وفي القول البديع للسخاوي عن أبي حميد أو أبي أسيد الساعدي قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ليقل اللهم افتح لي

ابن ماجة وابن خزيمة وأبو حاتم بن حِبان بكسر الحاء في "صحيحيهما". ـــــــــــــــــــــــــــــ أبواب رحمتك وإذا خرج من المسجد فليسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ليقل اللهم افتح لي أبواب فضلك أخرجه الطبراني والبيهقي في الدعاء وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن السني وأبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان في صحاحهم وأصله في مسلم اهـ، وظاهره أن الجميع رووه هكذا بأو التي للشك فيخالف ما سبق عن الحافظ من أنه عند النسائي وأبي يعلى وابن حبان من رواية سليمان بالواو وأنه عند الطبراني من رواية عمارة بالواو أيضًا والله أعلم، وسيأتي في بعض طرق حديث فاطمة استحباب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الموطن قال الحافظ وهو أقوى ما ورد فيه وإن كان فيه مقال اهـ. قوله: (ابْنُ مَاجه) أي لكن بإبدال أعذني بقوله اعصمني وفي الحصين وليقل اللهم اعصمني من الشيطان رواه النسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وابن السني كلهم عن أبي هريرة الرجيم رواه ابن ماجة هـ، وهو مبين للإجمال في عبارة المصنف هنا الموهمة أن لفظ الرجيم في رواية جميع من ذكر وليس كذلك إنما انفرد بزيادتها ابن ماجة كما تقدم عن السلاح وأن لفظ رواية الجميع أعذني وقد علمت أن لفظ ابن ماجة واعصمني وظاهر كلام السلاح أنها كذلك عند النسائي وأفاد في الحصين أنه كذلك عند الجميع ثم رأيت السخاوي في القول البديع أورده من حديث أبي هريرة باللفظ السابق عند ابن ماجة آخره وليقل اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم وذكر مخرجيه ومرتبته كما سبق بيانه وهو يقتضي تقوية ما في الكتاب من أن الرجيم في رواية الجميع فيخالف ما سبق عن السلاح والحصن والظاهر تقديم ما فيهما لأن الأول صرح بأن الرجيم عند ابن ماجة خاصة والثاني بين ذلك على عادته فذكر رموز السابقين من غير ذكر الرجيم ثم ذكر وأفرد رمز ابن ماجة والعذر عن المصنف والسخاوي بأن المراد أن أصل هذا الحديث مروي عند من ذكر ولا يضر تخالف لفظ اعصمني وأعذني لأنهما متقاربان وكذا زيادة لفظ الرجيم وتركه من وصف الشيطان والله أعلم، ثم ظاهر كلام المصنف يوهم أن الزيادة عند المذكورين في حديث أبي حميد أو أبي أسيد المذكور أولًا وليس مرادًا كما قاله الحافظ إنما الزيادة في حديث أبي هريرة ولفظه مرفوعًا إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليسلم

وروينا عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا دخل المسجد يقول: "أعُوذُ بالله العَظِيمِ وَبِوَجْهِه الكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ القَدِيمِ مِنَ الشَّيطَانِ الرجِيمِ، قال: فإذا قال ذلكَ قال الشَّيطَانُ: حُفِظَ مِني سائِرَ اليَوْمِ" حديث حسن، ـــــــــــــــــــــــــــــ على النبي - صلى الله عليه وسلم - وليقل اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم قال الحافظ أخرجه النسائي في اليوم والليلة وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان وابن السني وأخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين ووقع في رواية النسائي باعدني وفي نسخة أعذني وهي رواية ابن ماجة وابن السني وفي رواية ابن خزيمة وابن حبان أجرني ورجال الحديث رجال الصحيح لكن أعله النسائي بأن راويه مرفوعًا الضحاك بن عثمان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة فرفعه وقد خالف في رفعه محمد بن عجلان وابن أبي ذئب وأبي معشر فرووه عن سعيد المقبري عن أبي هريرة ولم يرفعوه وزاد ابن أبي ذئب في السند راويًا وقد خفيت هذه العلة على من صحح الحديث من طريق الضحاك وفي الجملة هو حسن لشواهده اهـ. قوله: (وَرَوينا عَنْ عَبْدِ الله بن عَمْرو إلخ) قال الحافظ حديث حسن غريب رجاله موثقون وهم رجال الصحيح إلا اثنين إسماعيل بن بشر وعقبة بن مسلم اهـ. قوله: (وبوجهِهِ الكرِيم) أي بذاته النافع أو المكرم. قوله: (وسلطانِهِ القَدِيم) وفي نسخة وبسلطانه بإعادة الجار القديم أي الأزلي المقرون بالنعت الأبدي إذ ما ثبت قدمه استحال عدمه والقديم يصح أن يوصف به كل من الذات والسلطان لكن خص به السلطان لأنه فيهم أفخمه كما لا يخفى. قوله: (مِنَ الشيْطَانِ الرجيمِ) أي المطرود من رحمة الرحيم. قوله: (فإذَا قَال ذَلِكَ) قال ابن حجر الهيتمي الفاء فيه فصيحة أي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قال العبد ذلك إلخ. قوله: (قَال الشيْطَانُ حُفظِ مني سَائِرَ اليَوْمِ) أي بقيته ولا يبعد أن المراد باليوم قطعة من الزمان وأنه إذا قال في ليل يقول الشيطان حفظ مني سائر الليلة ثم إن أريد حفظه من جنس الشياطين تعين حمله على حفظه من شيء مخصوص كأكبر الكبائر أو من إبليس فقط بقي الحفظ فيه على عمومه وما يقع منه فمن إغواء جنوده وإنما ذكرت ذلك لأنا نرى ونعلم من يقول ذلك ويقع في كثير من العيوب فتعين حمله على ما ذكر كذا في فتح الإله وما ذكره من التعين على الأول غير ظاهر ووقوع العصيان لا ينافي الحفظ من الشيطان فمن الجائز

رواه أبو داود بإسناد جيد. وروينا في كتاب ابن السني عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل المسجد قال: "بِسْمِ اللهِ، اللهُم صَل على مُحَمدٍ، واذَا خَرَجَ قال: بِسْمِ اللهِ، اللهُم صَل على مُحَمدٍ". وروينا الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند دخول المسجد والخروج منه من رواية ابن عمر أيضًا. وروينا في كتاب ابن السني ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يكون مترتبًا على وسوسة منه سابقة على ذلك المقال أو يكون لسوء نفسه وخبث ما بها من الأحوال أخذًا مما قالوه في وقوع العصيان في شهر رمضان مع تصفيد الشياطين فيه والله أعلم. قوله: (رَوَاه أَبو داود) ووقع في نسخة من الحصين رمز النسائي وابن ماجة قال في الحرز وهو سهو قلت أو غلط من الكتاب وهو أليق بالآداب. قوله: (وروينا في كتاب ابنِ السني إلخ) قال السخاوي وفي سنده من لا يعرف. قوله: (صل على محمد - صلى الله عليه وسلم -) كأن حكمته بعد التعليم للأمة أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يجب عليه الإيمان بنفسه كما يجب على غيره فطلب منه تعظيمًا بالصلاة منه عليها كما طلب ذلك من غيره وفي هذا أشرف منقبة له - صلى الله عليه وسلم - إذ الأصل في تعظيم النفس الامتناع فهذا الممتنع في حق غيره لكونه يجر إلى محذور من كبر أو نحوه ممدوح ومحبوب في حقه لا من ذلك المحذور مع إظهار ما له من الشرف الأعلى لأمته حتى يوفوه بعض حقه. قوله: (وَرَوينا الصلاةَ عَلَى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ دُخُولِ المَسْجِدِ والخروج منه من رِوَايَة ابن عمر) قال السخاوي في القول البديع وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال علم النبي - صلى الله عليه وسلم - الحسن بن علي إذا دخل المسجد أن يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقول اللهم اغفر لنا ذنوبنا وافتح لنا أبواب رحمتك فإذا خرج منه قال مثل ذلك لكن يقول افتح لنا أبواب فضلك أخرجه الطبراني وابن السني وسنده ضعيف جدًّا اهـ، والظاهر إن المصنف إنما لم يصرح بمخرجه اكتفاء بكونه مأخوذًا من كلامه بالاستصحاب وإنما أعاده في الحديث بعده للفصل بينه وبين ما تقدم بالحديث الثاني أو تفنن في التعبير والله أعلم. قوله: (فِي كِتاب ابن السني) ورواه أحمد والترمذي وابن ماجة وفي المشكاة عن فاطمة بنت الحسين عن جدتها فاطمة الكبرى رضي الله

عن عبد الله بن الحسن عن أمه ـــــــــــــــــــــــــــــ عنها قالت كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل المسجد صلى على محمد - صلى الله عليه وسلم - وقال رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج صلى على محمد - صلى الله عليه وسلم - وقال رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك رواه الترمذي وأحمد وابن ماجة وفي روايتهما قالت إذا دخل المسجد وكذا إذا خرج قال بسم الله والصلاة على رسول الله بل صل على محمد اهـ. قوله: (عَنْ عبدِ الله بن الحسَنِ) هو عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب روى عنه أصحاب السنن الأربعة وهذا الحديث مرسل قال الترمذي إسناده ليس بمتصل لأن فاطمة الصغرى لم تدرك فاطمة الكبرى كذا في المشكاة وفي شرحها ومع ذلك هو حجة في ندب البسملة والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الدخول والخروج اهـ. وقال الحافظ رجال إسناده ثقات إلَّا أن فيه انقطاعًا قال الترمذي حديث فاطمة بنت الحسين لم تدرك جدتها فاطمة الكبرى لأنها عاشت بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أشهرًا قال الحافظ كان عمر الحسين عند موت أمه دون ثمان سنين. فائدة قال الحافظ وقع في حديث عبد الله بن الحسن زيادة الصلاة فيه فقال الحافظ بسنده إلى ابن علية عن ليث عن عبد الله عن أمه فاطمة بنت الحسين عن فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل المسجد صلَّى على محمد وسلم ثم قال اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج صلَّى على محمد وسلم ثم قال اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك قال إسماعيل أي المعروف بابن علية فلقيت عبد الله بن حسن فسألته عن هذا الحديث فقال كان إذا دخل قال رب افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج قال افتح لي أبواب فضلك وهكذا أخرجه الترمذي وأخرجه ابن ماجة ولم يذكر قول ابن علية فلقيت عبد الله ثم ذكر له طرقًا أخرى بنحو ذلك قال الحافظ روينا الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند دخول المسجد في بحض طرق حديث أبي هريرة قلت وقد سلف وفي حديث فاطمة وهو أقوى ما ورد فيه وإن كان فيه مقال اهـ، وعبد الله هذا والدًا الطالبيين القائمين على بني العباس وهم محمد ويحيى وإدريس مات إدريس بإفريقية فارًا من الرشيد مسموما في دلاعة أكلها والدلاعة العقبوس. قوله: (عَنْ أُمِّهِ) هي فاطمة الصغرى بنت الحسين بن علي بن أبي طالب زوج الحسن

عن جدته قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل المسجد حَمِدَ الله تعالى وسَمَّى وقال: ـــــــــــــــــــــــــــــ المثنى ثقة من الرابعة أي من أواسط أتباع التابعين مات سنة سبع عشرة ومائة وقد جاوز الثمانين وفي الكاشف تروي عن أمها وعمتها زينب أي وأما جدتها فاطمة الزهراء فلم تدركها ولم تسمع منها لأن جدتها توفيت في السنة الحادية عشرة وولادة فاطمة هذه بعد ذلك بزمن طويل ولوجد في بعض النسخ في محل عن أمه عن أبيه وهو من تحريف الكتاب كما لا يخفى على النبيه. قوله: (عَنْ جَدّتِهِ) كذا في نسخ الأذكار تبعًا لما في كتاب ابن السني وفيه تجوز لأنها جدته العليا وهو عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب ففاطمة البتول جدة أبيه وجدة أمه ووقع في الرواية التي أخرجها الحافظ من طريق الطبراني عن عبد الله بن الحسن عن أمه عن جدتها أي وهي فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأشبه الناس به سيدة نساء العالمين تلقب بالزهراء قيل لأنها لم تحض أصلًا وبالبتول لتبتلها أي انقطاعها إلى الله عزّ وجل ولدت قبل النبوة بخمس سنين وروى الدولابي أن العباس دخل على علي وفاطمة وهما يتراجعان في مواليدهما فقال العباس ولدت يا علي قبل بناء الكعبة بسنوات وولدت فاطمة وهي تبني وقيل ولدت سنة إحدى وأربعين من موالد النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحيح إن ولد النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم قبل النبوة إلَّا إبراهيم وتزوجها علي في السنة الثانية من الهجرة قيل ولها يومئذٍ خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصف ولعلي يومئذٍ إحدى وعشرون سنة وخمسة أشهر وكان تزوجها في صفر وبنى بها في ذي الحجة بعد وقعة أحد وقيل بعد تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - بأربعة أشهر وعلى هذا فبين التزويج والبناء تسعة أشهر ونصف ولم يتزوج على غيرها حتى ماتت كأمها خديجة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - واشتهر إن عليًّا أصدقها درعه التي سلحه النبي - صلى الله عليه وسلم - وتسمى بالحطمية قيل بالحاء المهملة لأنها تحطم السلاح وقيل بالخاء المعجمة نسبة إلى بني خطمة بن عبد القيس وقيل أصدقها أربعمائة مثقال فضة واشتهر في كتب الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يزد في صداق بناته وأزواجه على خمسمائة درهم وحضر عقدها جماعة من النبلاء ودعا - صلى الله عليه وسلم - برطب وزبيب وقال انتهبوا روي أنه خطبها قبل علي جمع من الصحابة وإن تزويجها من علي كان بوحي من الله ودعا

"اللهُم اغْفِرْ لي، وافْتَحْ لي أبواب رَحْمَتِكَ، وإذا خَرَجَ قال مِثْلَ ذلكَ، وقال: اللهُم افْتحْ لي أبوابَ فَضْلِكَ". وروينا فيه عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أحدَكُمْ إذا أرادَ أنْ يَخْرُجَ من المَسْجدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لهما النبي - صلى الله عليه وسلم - حين اجتمعا فقال جمع الله شملكما وأسعد جدكما وبارك عليكما وأخرج منكما كثيرًا طيبا قال جابر رضي الله عنه فوالله لقد أخرج الله منهما الكثير الطيب ولدت الحسن والحسين قيل ومحسن وأم كلثوم وزينب توفيت رضي الله عنها بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بستة أشهر وقيل بثمانية أشهر وقيل غير ذلك ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان سنة إحدى عشرة واختلف في سنها يوم وفاتها فقيل ثمان وقيل تسع وعشرون وقيل ثلاثون وقيل خمس وثلاثون وقطع الحافظ ابن حجر أنها ماتت وقد جاوزت العشرين بقليل والخلاف في عمرها بحسب الخلاف في ميلادها وغسلها علي وأسماء بنت عميس وكانت أوصتها بذلك وقالت لها يا أسماء إني أستقبح أن يطرح على المرأة ثوب وتحمل عليّ النعش كالرجل فوصفت لها أسماء فعل أهل الحبشة ودعت بجرائد رطبة فأرتها ذلك فأوصتها أن يعم لها مثله فهي أول من غطى نعشه ودفنت ليلًا وتولى ذلك علي والعباس وأخفي قبرها وذكر ابن عبد البر أن الحسن دفن إلى جنب أمه اهـ، وقبر الحسن معروف في قبة واحدة هو والعباس بن عبد المطلب ويؤيد ذلك ما ذكره المحب الطبري في تاريخ المدينة أن الشيخ أبا العباس المرسي كان يسلم على فاطمة أمام قبة العباس ويذكر أنه كشف له عن قبرها ثم والله أعلم. قوله: (اللهم اغْفِرْ لِي) قال بعض المحققين لما كان النقصان ملازمًا للإنسان طلب الغفران عند كل شأن أي هذا بالنسبة إلى الأمة الذين شرع لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا المقال حضًّا وحثًّا على دوام اللجأ والإقبال أما بالنسبة إليه - صلى الله عليه وسلم - فمن أداء حق الربوبية والقيام بأوصاف العبودية. قوله: (وَرَوينَا فيه عَنْ أَبي أُمَامَة إلخ) ترجم له ابن السني بقوله ما يقول إذا قام على باب المسجد وأخرجه من طريق محمد بن يحيى بن حمزة الدمشقي عن هاشم بن زيد عن سهل عن أبي أمامة وهاشم ضعيف ومحمد بن يحيى ذكره ابن حبان في الثقات لكن قال يبقى حديثه من رواية ابنه أحمد وعبيد فإنهما كانا يدخلان عليه ما ليس من

تَدَاعَتْ جُنُودُ إبليسَ، وَأجْلَبَتْ واجْتَمَعَتْ كَما تَجْتَمِعُ النَّحْلُ على يَعْسُوبِها، فإذا قام أحدُكُمْ عَلى بابِ المَسْجِدِ فَلْيَقُلِ: اللهُم إني أعوذُ بِكَ مِنْ إبليسَ وَجُنُودِهِ، فإنهُ إذا قالها لم يَضُرَّهُ". اليعسوب: ذَكَرُ النحل، وقيل: أميرها. ـــــــــــــــــــــــــــــ حديثه قلت وهذا من رواية ابنه أحمد عنه وورد في البإب من حديث عبد الرحمن بن عوف أخرجه الدارقطني في الأفراد وسنده ضعيف وعن أبي الدرداء موقوفًا أخرجه ابن أبي عمر في مسنده ورواته ثقات لكن فيه انقطاع وعن علي من قوله وعن عبد الله بن سلام كذلك أخرجهما ابن أبي شيبة وأخرج عبد الرزاق في مصنفه من مرسل أبي بكر بن محمد ابن عمرو بن حزم قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل المسجد قال السلام على النبي ورحمة الله وبركاته اللهم أجرني من الشيطان ومن الشر كله ورجاله ثقات ليس فيه سوى الإرسال قاله الحافظ. قوله: (تداعَتْ جنودُ إلخ) أي لطلب إغوائه وإيذائه. قولهه: (وَأَجْلَبتْ) يقال جلب يجلب كنصر ينصر وأجلب في النهاية يقال أجلبوا إذا تجمعوا وتألبوا عليه وأجلب عليه إذا صاح به واستحثه اهـ. وفي التنزيل وأجلب عليهم أي صح عليهم بخيلك ورجلك بفتح الراء أي إما من الشياطين أو من قرنائهم من المفسدين قال الزمخشري فإن قلت ما معنى استفزاز إبليس بصوته وإجلابه بخيله ورجله. قلت هو كلام وارد مورد المثل مثلت حاله في تسلطه على من يغويه بمغوار رفع على قوم فصوت بهم صوتًا يستفزهم من أمكنتهم ويقلبهم عن مراكزهم اهـ. قوله: (عَلَى يَعْسُوبِها) اليعسوب ذكر النحل في التذكرة للقرطبي يعاسيب النحل فحولها واحدها يعسوب ووجه الشبه أن يعاسيب النحل يتبع كل واحد منها طائفة من النحل وتراها جماعات في تفرقة اهـ. وقيل يعسوب النحل أمبرها وفي النهاية يعسوب النحل مقدمها وسيدها وفيها أيضًا اليعسوب فحل النحل هـ. قوله: (لمْ يضرُّهُ) يحتمل أن يكون في جميع النهار ويحتمل أن يكون مقصورا على بعض الأوقات والأول أظهر والله أعلم.

باب ما يقول في المسجد

باب ما يقول في المسجد يُستحب الإكثار فيه من ذِكرِ الله تعالى والتسبيحِ والتهليل والتحميدِ والتكبيرِ وغيرها من الأذكار، ويستحب الإكثار من قراءة القرآن، ومن المستحب فيه قراءة حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلم الفقه وسائر العلوم الشرعية، قال الله تعالى: ـــــــــــــــــــــــــــــ باب ما يقول في المسجد قوله: (بالتسبيحِ وَالتهليل إلخ) قال ابن حجر في شرح المشكاة في حديث يسيرة السابق في باب فضل الذكر في قوله - صلى الله عليه وسلم - عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس هذا على عادة العرب أن الكلمة إذا تكررت على ألسنتهم اختصروها بضم حروف أحدها إلى الأخرى كالحوقلة والحيعلة والبسملة وكالتهليل فإنه مأخوذ من لا إله إلَّا الله يقال هيلل الرجل وهلل إذا قال ذلك اهـ. قال في المرقاة وهو غير مستقيم من وجوه الأول أن البسملة ونحوها من الكلمات المصنوعة لا العربية الموضوعة الثاني إن هذا مسلم في الحيعلة والحوقلة والبسملة أما التسبيح والتهليل فمصدران قياسيان وكذا التقديس ومعناها جعلت الله مسبحًا ومقدسًا أي منزهًا بالذكر والاعتقاد عن صفات الحلول والاتحاد ومهللًا أي مرفوع الصوت بذكر توحيده وإثبات تفريده نعم هيلل وسبحل من قبيل بسمل وكذا قدسل لو سمع أو بني لوجود دلالة بعض من كل منهما على كلمة في مقابلهما بخلاف ما ذكر من التهليل والتسبيح والتقديس وأيضًا فهذه مصادر باب التفعيل على طبق الموضوع والمصدر المصنوع بباب الفعللة ملحق به في التصريف كما هو مقرر ومحقق ولا يضرنا تفسيرهم التسبيح بسبحان الله والتهليل بلا إله إلَّا الله فإنه تفسير معنوي وبيان نحوي من معنى كلي هو المفهوم المصدري اهـ. قوله: (قِراءَةِ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) قال في شرح العباب عبارة المجموع في باب الاعتكاف ولا بأس بالوعظ في المساجد بقراءة الأحاديث المشهورة أي لا الضعيفة إلّا مع بيانها والمغازي والرقائق ونحوها مما يحتمله عقول العوام وليس موضوعًا أي كذبًا وعبارته هنا يستحب عقد حلق العلم في المساجد وذكر المواعظ والرقائق ونحوها والأحاديث

{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ ... } الآية [النور: 36، 37] وقال تعالى: {وَمَن يعُظِّم ـــــــــــــــــــــــــــــ الصحيحة في ذلك كثيرة مشهورة اهـ، ونقل غيره الإجماع على ذلك وفيها التصريح بأن ذلك سنة اهـ، كما صرح به في هذا الكتاب وقول شرح العباب أي لا الضعيفة الظاهر لا الموضوعة فإن الذي يحرم نقله من غير بيان حاله الموضوع لا الضعيف وفي العباب ويمنع قال ابن حجر أي وجوبًا كما دل عليه كلام المجموع مما ذكره المؤرخون من قصص الأنبياء وحكاياتهم وإن بعضهم جرى له كذا من فتنة كذا فهذا كله ممنوع منه اهـ، ووجهه إن غالب ذلك موضوع أو مأخوذ ممن لا يوثق به من أهل الكتاب وربما حمل جهلة الطغام على اعتقاد ما لا يليق بكمال الأنبياء الواجب اعتقاده على كل أحد ومن الموضوع فتوح الشام للواقدي فيحرم قراءته وكذا يحرم قراءة سيرة الدلهمة والبطال ونحوها مما هو كذب محض قال في شرح العباب بخلاف نحو مقامات الحريري فإنها ليست من الكذب في شيء وفي شرح مسلم للأبي وكان الشيخ يعني ابن عرفة يقول لا بأس بإعراب الأشعار به وقراءة المقامات ويحكى أن البراء أمام الجامع الأعظم كان لا يرويها به وإنما يرويها بالدويرة لأنها ليس لها حكم الجامع وهذا والله أعلم لما تضمنته من الأكاذيب أي صورة فلا ينافي ما سبق أنها ليست من الكذب في شيء أي باعتبار الحقيقة والله أعلم. قوله: (في بيُوتٍ) قال الإمام الواحدي في التفسير الوسيط يعني المساجد {أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36] أمر الله أن تبنى والمراد برفعها بناؤها كقوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} [البقرة: 127] وقال الحسن ترفع تعظم والمعنى لا يتكلم فيها بالخنا {وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36]، قال مقاتل يوحد الله (يسبح لَه فِيهَا) [النور: 36] في تلك البيوت يعني بالصلوات المفروضة (بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [النور: 36] بالبكر والعشاء وقرأ ابن عامر يسبح له بفتح الباء أي يصلي فيها لله تعالى ثم فسر من يصلي فقال رجال كأنه قيل من يسبح فقيل رجال وقوله. قوله: (الآيَة) بالنصب أي خذ أو اقرأ الآية أو بالرفع أي الآية معروفة وجوز الجر أي إلى آخر الآية ورد بأنه يلزمه حذف الجار وإبقاء عمله وهو لا يجوز قياسًا في مثلِ ذلك والمراد منها إلى

شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] وقال تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله بغير حساب قال الواحدي (لا تلهيهم) [النور: 37] لا تشغلهم {تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ} [النور: 37] قال الفراء التجارة لأهل الجلب والبيع ما باعه الرجل على يده وخص قوم التجارة هنا بالشراء لذكر البيع بعدها (عَن ذكر اللَّهِ) [النور: 37] عن حضور المساجد لإقامة الجماعات قال الثوري كانوا يشترون ويبيعون ولا يدعون الصلاة في الجماعات في المسجد {وَإِقَامِ الصَّلَاةِ} [النور: 37] أدائها لوقتها وإتمامها وإنما ذكر الإقامة بعد قوله عن ذكر الله والمراد بالصلاة المفروضة لبيان أنهم يؤدونها في وقتها لأن من أخرها عن وقتها لا يكون من مقيمها. قلت وأصل إقام إقامة فحذفت التاء عند الإضافة ومثله في ذ"لك كلمات آخر جمعها من قال: ثلاثة تحذف هاآتها ... مضافة عند جميع النحاه منها إذا قيل أبو عذرها ... وليت شعري وإقام الصلاه و{وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} [النور: 37] قال الواحدي قال ابن عباس إذا حضر وقت الزكاة لم يحسبوها عن وقتها {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور: 37] بين الطمع بالنجاة والخوف من الهلاك (والأبصار) النور من أي يؤتون كتبهم أمن قبل الإيمان أم من قبل الشمائل (لِيَجزيهم اللَّهُ) [النور: 38] أي يسبحون الله ليجزيهم الله (أَحْسَنَ مَا عملوا) [النور: 38] أي ليجزيهم بحسناتهم ولهم مساو من الأعمال لا يجزيهم بها (وَيَزِيدهم من فَضلِه) [النور: 38] ما لم يستحقوه بأعمالهم {وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور: 38]. أقول ولا يخفى ما في حذف المزاد من التعميم أي يزيدهم من فضله ما لا يخطر ببال من الفضل والنوال قال تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17] (شعائر الله) الشعائر جمع شعيرة وهي البدن إذا أشعرت أي أعلمت بأن يجرح سنامها من الجانب الأيمن ليعلم أنها هدي {اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] أضاف التقوى إلى القلوب لأن حقيقة التقوى تقوى القلب وفي النهر لأبي حيان والشعائر ما حرم الله مطلقًا سواء كان في الإحرام أو غيره والضمير في فإنها عائد على الشعائر على حذف مضاف أي فإن تعظيمها وأضاف التقوى إلى القلوب كما قال - صلى الله عليه وسلم - التقوى ها هنا وأشار إلى صدره قال الزمخشري فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب فحذفت هذه المضافات ولا يستقيم المعنى إلّا بتقديرها لأنه لا بد من راجع من الجزاء

حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج: 30]. وروينا عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إنَّما بُنِيَتِ المَساجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ" رواه مسلم في "صحيحه". وعن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال للأعرابي الذي بال في المسجد: "إنَّ هذِهِ المَساجِدِ لا تَصْلُحُ لِشَيءٍ مِنْ هَذا البَوْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى من ليرتبط به وإنما ذكرت القلوب لأنها مراكز التقوى التي إذا ثبتت فيها وتمكنت ظهر سرها في سائر الأعضاء اهـ، وما قدره عار من الجزاء إلى من ألا ترى أي قوله فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب ليس في شيء منه ضهير يعود إلى من يربط جملة الجزاء بجملة الشرط الذي أداته من وإصلاح ما قاله أن يكون التقدير فإن تعظيمها منه فيكون الضمير في منه عائدًا على من فيرتبط الشرط بالجزاء فاعرفه اهـ، كلام النهر والظاهر أن المراد بالتعظيم بناء على أن المراد بالشعائر الحرمات اجتنابها والبعد عن حماها وساحتها كما يبعد عن حمى العظيم لخشية عقابه والله أعلم. قوله: (حُرماتِ الله) قال الليث الحرمة ما لا يحل انتهاكه وقال الزجاج الحرمة ما وجب القيام به وحرم التفريط وفيه وهي في هذه الآية ما نهى عنها ومنع من الوقوع فيها وتعظيمها ترك ملابستها وقال ابن زيد المراد بالحرمات في الآية البيت الحرام والشهر الحرام والمسجد الحرام والإحرام يدل على هذا قوله {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: 194] قوله: (فَهُوَ) أي التعظيم المفهوم من يعظم. قوله: (خَير لَهُ عِنْدَ رَبهِ) يعني في الآخرة. قوله: (عَنْ بُرَيْدَةَ) هو بالباء الموحدة المضمومة فالراء المهملة المفتوحة فالتحتية الساكنة فالمهملة المفتوحة بهاء مصغر ابن الحصيب بضم الحاء وفتح الصاد المهملة وإسكان التحتية والموحدة آخره ابن الحارث الأسلمي أسلم قبل بدر ولم يشهدها وقيل أسلم بعدها وشهد خيبر روي له فيما قيل مائة وأربعة وستون حديثًا اتفقا منها على حديث واحد وانفرد البخاري بحديث واحد ومسلم بأحد عشر وهو آخر الصحابة موتًا بخراسان كما في الرياض للعامري. قوله: (إِنَّمَا بُنِيتِ المَساجِدُ لمَا بُنِيتْ لَهُ) من ذكر الله وقراءة القرآن ونحو ذلك من أعمال البر. قوله: (رَوَاه مسلم) هو طرف من حديث سيأتي بتمامه في الباب الذي يليه. قوله: (لِلأَعْرَابي الَّذِي بال فِي المسجدِ) قال العراقي في شرح التقريب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأعرابي ساكن البادية وقيل من سكنها من العرب وجمع الأعرابي أعراب وقال ابن دقيق العيد الأعرابي منسوب إلى الاعراب وهم سكان البوادي قال وقعت النسبة إلى الجمع دون الواحد فقيل لأنه جرى مجرى القبيلة كأنمار وقيل لأنه لو نسب إلى الواحد فقيل عربي لاشتبه المعنى لأن العربي هو كل من ولد إسماعيل سواء كان ساكنًا بالبادية أو بالقرى وهذا غير المعنى الأول اهـ. وقوله إن الأعراب جمع عرب ليس بجيد إنما هو جمع أعرابي كما ذكره أهل اللغة وقال القلقشندي كلامه يعني ابن دقيق العيد مشعر بأن الأعراب له واحد من لفظه والخلاف إنما وقع في سبب العدول عن النسبة إلى واحده والمعروف خلافه قال الجوهري العرب جيل من الناس والنسبة إليهم عربي وهم أهل الأمصار والأعراب سكان البادية خاصة والنسبة إلى الأعراب أعرابي لأنه لا واحد له من لفظه وليس الأعراب جمعا للعرب كما أن الأنباط جمع للنبي وإنما العرب اسم جنس وقال المطرزي الأعراب أهل البدو واختلف في نسبتهم والأصح أنهم نسبوا إلى عربة بفتحات وهي من تهامة لأن أباهم إسماعيل نشأ بها والعربي واحد العرب وهم الذين استوطنوا المدن والقرى القريبة اهـ. قال العراقي ولم أر من صنف في المبهمات ذكر اسم هذا الأعرابي اهـ. وفي غاية الأحكام اختلف فيه فقال عبد الله بن نافع المدني أنه الأقرع بن حابس التميمي وقال ابن الملقن لم أر أحدًا ممن تكلم على المبهمات سماه وقد ظفرت في معرفة الصحابة لأبي موسى المديني لأنه روى من حديث سليمان بن يسار قال اطلع ذو الخويصرة اليماني وكان رجلًا جافيا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد وساق الحديث وفي آخره أنه بال فيه وأنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بسجل فصب على مباله. قلت وقد سبقه إليه الذهبي فقال في التجريد في ترجمة ذي الخويصرة اليماني يروي في حديث مرسل أنه هو الذي بال في المسجد اهـ. وفي سند أبي موسى راو مبهم والله أعلم اهـ. وفي تخريج أحاديث الشرح الكبير لابن الملقن بعد أن ذكر ما سبق عن المديني ولم نره عن غيره وهو أجل ما يستدل عليهم ويستفاد ورأيت منقولا من خط ابن الملقن إن اسمه حرقوص بن زهير وقيل عبد الله اهـ، وهو غلط قال الحافظ ابن حجر في تخريجه ذكر أبو موسى المديني في الذيل عن الصحابة إن اسم هذا الأعرابي ذو الخويصرة اليماني وهو غير ذي الخويصرة التميمي واسمه

ولا القذَرِ، إنما هِيَ لِذِكْرِ اللهِ تعالى ـــــــــــــــــــــــــــــ حرقوص بن زهير رأس الخوارج اهـ، ثم في كتب الفن كما رأيت ذو الخويصرة اليماني وفي شرح المشكاة والمنهاج كلاهما لابن حجر ذو الخويصرة التميمي وهو اشتباه ولعله من قلم الناسخ سرى إليه من وصف الأقرع بن حابس أو من وصف حرقوص اللذين قيل في كل منهما أنه الذي بال بالمسجد وقد علمت ما فيه وسيأتي في باب الإعراض عن الجاهلين زيادة بيان لهذا المقام والله أعلم. قوله: (والقذَرِ) بالقاف والذال المعجمة أي ما يستقذر ولو طاهرًا كالبصاق والمخاط فإذا توضأ فيه من غير إناء فقال الزركشي يشترط ألا يحصل تمخط بالاستنشاق وبصاق بالمضمضة والتنحنح وحكي عن بعضهم الجواز مع ذلك لأن البصاق إذا خالط الماء صار في حكم المستهلك فكان كالعدم وهو يبين أنه يحرم مع بقاء عينه ولا شك فيه قال وينبغي أن يبلع الماء الذي تمضمض به ليحصل الخلاص من ذلك ويحصل به سنة المضمضة اهـ، وما حكاه عن بعضهم بحثه الولي العراقي في فتاويه فقال لو توضأ فيه فمج المضمضة مختلطًا ببصاق لا يظهر أنه خطيئة لأن البصاق حينئذ مستهلك فليس فيه تنقيص لحرمة المسجد وقد يضطر إلى هذا المج لكونه صائمًا ولا يجد إناء فيه فلا يضايق في ذلك فيما يظهر اهـ، وكذا يحرم نضح المسجد بالماء المستعمل لاستقذاره وتردد ابن حجر في شرح العباب في جواز الاستنجاء فيه نظرًا لطهر الغسالة والمنع منه لفحش استقذاره بالنسبة لماء الوضوء ويجوز غسل الميت فيه حيث لا نجاسة به. قال المصنف في شرح مسلم في الخبر صيانة المساجد وتنزيهها عن الأقذار والقذى والبصاق ورفع الأصوات بالخصومات والبيع والشراء وسائر العقود وما في معنى ذلك وأجمع المسلمون على جواز الجلوس فيه مع الحدث الأصغر ندبًا بأن نوى الاعتكاف أو جلس لعبادة من نحو قراءة أو سماع نحو علم شرعي وجوازًا في غيره وفي المجموع وقول المتولي ويكره الجلوس للمحدث لغير غرض لا أعلم أحدًا وافقه عليه لكن اعترضه الزركشي بأن الروياني وافقه أي لخبر الباب إنما بنيت المساجد لذكر الله أي ومع ذلك فهو ضعيف وإن جرى عليه في الأنوار فينبغي كما قال ابن العماد أنه لا يقصد إلا بالعبادة كتعظيمه بالزيارة وإحيائه بالذكر اهـ، والنهي عن توطن الرجل المكان

[والصلاة] وقِراءَةِ القُرآنِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ من المسجد كما يتوطن البعير أحد رجاله منظر فيه أو محمول كما قال ابن حبان على من فعل ذلك لغير القراءة والذكر لحديث فيه الحث على ذلك وبحث الزركشي في تقييد ما ذكر في المحدث بما إذا لم يضيق على المصلين والمعتكفين وإلا حرم كذا في شرح العباب لابن حجر وفي شرح مسلم للمصنف ونقل ابن المنذر جواز الوضوء فيه عن كل من يحفظ عنه العلم وعلمت شرطه مما سبق ويجوز النوم فيه عندنا نص عليه في الأم وكرهه مالك والأوزاعي لغير الغرباء وقال أحمد إن كان مسافرًا أو شبهه فلا بأس وإن اتخذه مقيلًا أو مبيتًا فلا ويجوز أن يمكن الكافر من دخول المسجد بإذن المسلمين ويمنع منه بغير إذنهم ويكره إدخال البهائم والمجانين والصبيان الذين لا يميزون المسجد لغير حاجة خشية التنجيس ولا يحرم لأنه محص طاف على بعير وفعله لبيان الجواز وليظهر فيستفتي فلا ينافي الكراهة ويحرم إدخال النجاسة المسجد ومن على بدنه نجاسة إن خشي تلويثه حرم وإلّا فلا والقصد في الإناء في المسجد مكروه وفي غير إناء حرام ويحرم البول فيه ولو في إناء ويجوز الاستلقاء ومد الرجل وتشبيك الأصابع فيه ويستحب كنسه وتنظيفه اهـ، مع يسير اختصار وفي شرح العباب وما في المجموع عن المتولي وغيره من كراهة إدخال غير المميز إذ لا يؤمن تلويثه ولا يحرم وكذا ما في شرح المسند من حل الدخول لمن معه متعهد وشرح مسلم من حله ولو مع الخوف يحمل على إذا لم يغلب تنجيسه وعلى خلافه يحمل إطلاق الرافعي وغيره حرمة مكث السكران ونحوه في المسجد اهـ. قوله: (وقراءَةِ القرآنِ) نقل ابن العماد عن المصنف أنه أفتى في قوم يجهرون بالقراءة وعندهم قوم يصلون ويتشوشون بذلك بأن المستمعين إذا كانوا أكثر من المصلين لم يحرم أو بالعكس حرم نظرًا إلى كثرة المصلحة وقلتها ثم نظر فيه وبحث المنع من الجهر بحضرة المصلي مطلقًا قال لأن المسجد وقف على المصلين أي أصالة لا على الوعاظ والقراء اهـ. قال في شرح العباب والذي في فتاوى النووي كره بدل قوله حرم وهو ما صرح به في المجموع وغيره وقد يحمل على بعد القول بالكراهة على ما إذا خف الضرر وبالحرمة على ما إذا اشتد لما هو معلوم من تحريم الإضرار وإن أمكن توجيه إطلاق

أو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رواه مسلم في "صحيحه". فصل: وينبغي للجالس في المسجد أن ينويَ الاعتكاف، فإنه يصح عندنا ولو لم يمكث إلا لحظة، بل قال بعض أصحابنا: يصحُّ اعتكاف من دخل المسجد مارًّا ولم يمكثْ، فينبغي للمار أيضًا أنْ ينويَ الاعتكافَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكراهة بأن لنحو المصلي مندوحة عن الصلاة في ذلك المحل أو في ذلك الزمن ورأى مالك رضي الله عنه كراهة قراءة القرآن في المصحف في المسجد وأنه بدعة أحدثها الحجاج وإن يقاموا من المساجد إذا اجتمعوا للقراءة يوم الخميس أو غيره قال الزركشي وهو استحسان لا دليل عليه والذي عليه السلف والخلف استحباب ذلك لما فيه من تعميرها بالذكر وفي الصحيح إنما بنيت المساجد لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن قال تعالى {وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36] وهو عام في المصاحف وغيرها اهـ. قوله: (أَوْ كَمَا قَال رَسولُ - صلى الله عليه وسلم - قال ابن حجر في شرح المشكاة كأن إنسانًا شك فيما ساقه هل هو لفظ النبوة أو معناه فاحتاط وقال ذلك وهذه عادة الصحابة رضي الله عنهم في رعاية ألفاظه وعدم الخروج عنها ولو إلى مرادفها وإن جاز ذلك مبالغة في اتباعه - صلى الله عليه وسلم - قال علماء الأثر إذا حصل عند الراوي شك في المروي أو في شيء من ألفاظه أتى بما يدل على ذلك من قوله أو كما قال أو نحو ذلك والله أعلم. قوله: (رَوَاه مسلم في صحيحه) وفي المشكاة متفق عليه وفي القلقشندي إن حديث بول الأعرابي في المسجد رواه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجة والإسماعيلي وأبو عوانة والدارقطني والبرقاني والبيهقي وأبو نعيم وغيرهم. اهـ. فصل قوله: (أَنْ ينويَ الاعْتِكَافَ) قال المصنف في التبيان وهذا الأدب ينبغي أن يعتني به ويشاع ذكره ويعرفه الصغار والعوام فإنه مما يغفل عنه اهـ. قوله: (إلَّا لَحْظَةً) أي زائدة على قدر الطمأنينة ولا يكفي أقل ما يكفي كمجرد العبور لأن كلا منها لا يسمى اعتكافًا وإنما أجزأ في الصلاة لأن المدار فيها على فصل الهوي عن الرفع مثلًا وهو حاصل به وإن لم يسم لبثا ولا فرق في حصول الاعتكاف بلبث القدر المذكور بين كونه ساكنًا فيه أو مترددًا قدره ولا يشترط فيه الصيام لما صح

لتحصل فضيلتُه عند هذا القائل، والأفضل أن يقف لحظة ثم يمرُّ، وينبغي للجالس فيه أن يأمر بما يراه من المعروف وينهى عما يراه من المنكر، وهذا وإن كان الإنسان مأمورًا به في غير المسجد، إلا أنه يتأكد القولُ به في المسجد صيانة له وإعظامًا وإجلالًا واحترامًا، قال بعض أصحابنا: من دخل المسجد فلم يتمكن من صلاة تحية المسجد، إما لحدث، أو لشغل أو نحوه، يستحبُّ أن يقول أربع مرات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فقد قال به بعض السلف، وهذا لا بأس به. ـــــــــــــــــــــــــــــ من قوله - صلى الله عليه وسلم - ليس على المعتكف صيام إلَّا أن يجعله على نفسه ولأنه - صلى الله عليه وسلم - اعتكف العشر الأول من شوال وفيها يوم العيد وهو لا يصح صومه. قوله: (ليحصُلَ فَضِيلَتُهُ عِنْدَ هَذا القائِلِ) أي إن قلد القائل به وكان ممن يجوز تقليده وإلا حرم لكونه تعاطى عبادة فاسدة قال في الامداد وينبغي جريان ذلك في كل مسألة فيها فضيلة على مذهب الغير وعدم فضيلة على مذهبه اهـ. قوله: (أَنْ يَقِفَ لَحظَةً ثم يَمر) إن أراد بيان المتفق عليه عند الأصحاب فالمراد من اللحظة ما يزيد على قدر الطمأنينة مما يسمى لبثًا وإن أراد بيان الأفضل على ذلك القول المكتفي بأصل المرور أن الرتب عنده متفاوتة فالمراد منها ما هو أعم من ذلك. قوله: (يَنبَغِي لِلْجَالِسِ فيِهِ إلخ) فإن ذلك عمارة المسجد على ما قاله بعض المفسرين كما بينته في درر القلائد فيما يتعلق بزمزم والسقاية من الفوائد. قوله: (قَال بَعْضُ أَصْحابنَا إلخ) قال في الإحياء يكره دخول المسجد بغير الوضوء فإن دخل فليقل سبحان الله والحمد لله إلخ، فإنها تعدل ركعتين في الفضل وجزم به بعض كابن الرفعة وزاد ولا حول ولا قوة إلَّا بالله العلي العظيم قال الأذرعي قيل وإنما استحبت هذه الكلمات لأنها صلاة الحيوانات والجمادات وهي المرادة من قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44] ولكنها الكلمات الطيبات والباقيات الصالحات والقرض الحسن والذكر الكثير في آيتيها اهـ، وتقدم أن الصحيح عدم كراهة دخول المحدث المسجد مطلقًا. قوله: (أَرْبَعَ مَراتٍ) ظاهر كلام الإحياء الاكتفاء بمرة واحدة. قوله: (فَقَط) قال به

باب إنكاره ودعائه على من ينشد ضالة في المسجد أو يبيع فيه

باب إنكاره ودعائه على من ينشد ضالة في المسجد أو يبيع فيه روينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضالةً في المسْجِدِ فلْيَقُلْ: لا رَدَّها اللهُ عَلَيكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بعض السلف قال ابن حجر في شرح المشكاة ويؤيده ما صح عن جابر بن زيد الإمام الكبير التابعي أنه قال إذا دخلت المسجد فصلى فيه فإن لم تصل فاذكر الله فكأنك قد صليت اهـ. ونقله عن جابر المذكور أيضًا ابن بطال في شرح البخاري وفي أحكام المساجد للزركشي وقد يحتج له بأنه - صلى الله عليه وسلم - علم ذلك لمن لم يحسن قراءة الفاتحة فإذا صح قيامها مقام الفرض فالنفل أولى لكن هناك النائب والمنوب عنه من جنس واحد وهو القول وهنا نيابة قول عن فعل اهـ، وفي الحرز وإلا فليقل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلَّا الله والله أكبر عملا بقوله - صلى الله عليه وسلم - "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قيل وما رياض الجنة قال المساجد قيل وما الرتع قال سبحان الله الخ"، اهـ، أي إن ما ذكر من جملة ما يتناوله الخبر لا أن الخبر محمول على ذلك كما لا يخفى. باب إنكاره ودعائه على من ينشد ضالة في المسجد أو يبيع فيه قوله: (وَرَوينَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ) وكذا رواه أبو داود وابن ماجة وابن حبان كلهم عن أبي عبد الله مولى شداد بن الهاد أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول فذكره وأبو عبد الله مولى شداد تابعي كبير لا يعرف اسمه ليس له في الصحيح عن أبي هريرة غير هذا الحديث. قوله: (يَنْشد) بفتح التحتية وإسكان النون وضم الشين المعجمة من النشد وهو رفع الصوت أي يرفع الصوت بطلبها قاله في مفتاح الحصن وفي القاموس نشد الضالة طلبها وعرفها وقال غيره يقال نشدت الضالة طلبتها وأنشدتها عرفتها. قوله لي: (لَا رَدّهَا الله عليكَ) أي أو ما يقوم مقامها من الدعاء عليه المناسب له لما يأتي في الحديث بعد لا وجدت قال المصنف في شرح مسلم وينبغي لسامعه أن يقول لا وجدت أو لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا وما في معناه كما قال - صلى الله عليه وسلم - اهـ. ومثله في الحرز ثم قال ويمكن الاكتفاء بالدعاء نفسه فإن العلة إنما صدرت من صاحب الشريعة لتعلم الأمة جهة المنع من صاحب الشرع لكن المذكور في كتب الأصحاب الاقتصار على الدعاء من غير ذكر التعليل واختلف في قول ذلك هل هو على طريق الوجوب أو الندب على الخلاف في حمل أوامره - صلى الله عليه وسلم - قال

فإن المساجِدَ لمْ تُبْنَ لهَذا". ـــــــــــــــــــــــــــــ القرطبي وكذا يدعى على من فعل في المسجد ما لا يليق بمقصوده اهـ. وقال القاضي عياض وأخذ من هذا الخبر كراهة نشد الضالة فيه اهـ. لكن استثنى المصنف المساجد الثلاثة وكنشدها فيما يظهر إنشادها أي تعريفها. قوله: (فإِن المَساجِدَ لَمْ تُبنَ لِهذَا) وفي الحديث إنما بنيت المساجد لما بنيت له أي من ذكر الله تعالى والعلم والصلاة والمذاكرة في الخير ونحوه قال القاضي عياض في الخبر دليل على منع عمل الصنائع في المسجد كالخياطة وشبهها قال وقد منع بعض العلماء من تعليم الصبيان في المسجد وقال بعض شيوخنا إنما يمنع في المساجد عمل الصنائع التي تختص بها آحاد الناس ويكتسب بها فلا يتخذ المسجد متجرًا وأما الصنائع التي يشمل نفعها المسلمين في دينهم كالمثاقفة وإصلاح آلات الجهاد مما لا مهانة للمسجد في عمله فلا بأس به اهـ، واستوجه في شرح العباب ما نقله عن بعض شيوخه قال ولا يبعد أن يعد من ذلك تجليد كتب العلوم الشرعية وترميمها لأنه مما يشمل نفعه المسلمين في دينهم وظاهر إن هذا مقيد بعدم الإزراء بالمسجد واتخاذها حانوتًا وإلا حرم ونقل الزركشي عن القفال المنع من تعليم الصبيان في المسجد لأن الأغلب منهم الضرر ثم قال كابن العماد وينبغي أن يقال إن كان على وجه يؤدي إلى انتهاك حرمة المسجد وقلة احترامه زاد الثاني أو التشويش على المصلين أو التضييق عليهم منع وإلا فلا وما قالاه أوجه والمنع في كلامهما واجب كما هو ظاهر وفي الحرز وكذا ما يشغل المصلي ويشوش عليه حتى قال بعض علمائنا رفع الصوت ولو بالذكر حرام في المسجد وكان بعض السلف يرى ألا يتصدق على السائل المتعرض في المسجد قال بعضهم إنه يحرم إعطاء السائل المتعرض برفع صوت أو إلحاح أو مبالغة أو بمجاوزة صف وخطوة على رقبة أو حال خطبة أو نحو ذلك اهـ. وتقدم ما في الجهر بالذكر في المساجد في الباب السابق وأما اعطاء السائل في المسجد فالمختار عند أصحابنا عدم الكراهة لما صح أنه - صلى الله عليه وسلم - قال هل منكم من أحد أطعم مسكينًا فقال أبو بكر دخلت المسجد فإذا سائل يسأل فوجدت كسرة خبز في يد عبد الرحمن أي ولده فأخذتها ودفعتها إليه الحديث نعم إن تأذى الناس به بتخط أو إلحاف

وروينا في "صحيح مسلم" أيضًا عن بريدة رضي الله عنه: أن رجلًا نشد في المسجد فقال: ـــــــــــــــــــــــــــــ كره إعطاؤه لما فيه من الإعانة على الأذى بل قد يحرم إن حرم السؤال كما في شرح العباب قال ابن العماد والسؤال فيه مكروه إلَّا إذا شوش على مصل فيحرم أو مشى أمام صف أو تخطى رقابهم اهـ. وفي شرح المشكاة لابن حجر وما ذكره آخرا ضعيف بل الحرمة مقيدة بمن مشى أمام مصل إلى سترة معتبرة وما ذكره أولًا هو قول بعضهم لكن كلام النووي في شرح المهذب وغيره أنه يكره رفع الصوت بحضرة المصلى صريح في الكراهة لا الحرمة وإطلاق كراهة السؤال في المسجد قد ينافيها ما في الأم من تقييد كراهة السؤال يوم العيد بحالة الخطبة فإن فعلوا فقد تركوا الفضل من السماع لكنه حمل على من بمصلى العيد لأنه غير مسجد اهـ. قوله: (وَرَوينَا فِي صَحِيح مُسْلِم إلخ) قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الإمام أحمد بن حنبل حديث صحيح وقد رواه جابر وَأنس بَلفظ نشد ضالة في المسجد قال الحافظ وهو رواية لمسلم في حديث بريدة وحديث جابر قال سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا ينشد ضالة في المسجد فقال لا وجدت قال الحافظ حديث صحيح أخرجه محمد بن إسحاق السراج في مسنده عن أبي بكر الأعين عن أحمد بن حنبل وأخرجه النسائي وقال الحافظ ما رأيته في مسند أحمد وحديث أنس أخرجه الحافظ بسنده إلى إسحاق بن إبراهيم قال قلت لأبي قرة ذكر موسى بن عقبة عن عمرو بن أبي عمرو عن أنس بن مالك أن رجلًا دخل المسجد ينشد ضالة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لا وجدت فأقر به أبو قرة وقال نعم قال الحافظ حديث صحيح أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده وأخرجه البزار من وجه آخر عن عمرو بن أبي عمرو ما وجدته في سنن النسائي الصغرى ولا الكبرى وأخرجه البزار أيضًا من حديث سعد بن أبي وقاص بنحو حديث أنس وسنده ضعيف وأخرج أبو العباس السراج عن أبي عثمان قال سمع ابن مسعود رجلًا ينشد ضالة في المسجد فغضب وسبه فقال له رجل ما كنت فاحشًا فقال بهذا أمرنا قال الحافظ حديث صحيح أخرجه ابن خزيمة في صحيحه وأخرجه البزار وقال في آخره بهذا أمرنا إذا وجدنا من ينشد ضالة في المسجد أن نقول له لا وجدت قال وفي الباب

من دعا إلى الجمل الأحمر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا وَجَدْتَ إنَّما بُنِيَت المَساجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ". وروينا في "كتاب الترمذي" في آخر "كتاب البيوع" منه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا رَأَيْتُم مَنْ يَبيعُ أوْ يَبْتاعُ في المَسجدِ فَقُولُوا: لا أرْبَحَ اللهُ تِجَارَتَكَ، وإذا رأيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فيهِ ضالةً فقُولوا: لا رَدَّ اللهُ عَلَيكَ"، قال الترمذي: حديث حسن. ـــــــــــــــــــــــــــــ عن ابن عمرو وثوبان جد محمد بن عبد الرحمن وسأذكره في الباب الذي يليه اهـ. قوله: (مَنْ دَعا إلي الجَمَلَ الأحمَرَ) قال الحافظ هو بتشديد الياء معناه من يعرف الجمل فدعا صاحبه اهـ. قوله: (وَرَوينَا فِي كِتَابِ التُّرْمِذِي) وكذا رواه النسائي وابن السني والحاكم وابن خزيمة وابن حبان عنه كلهم من حديث أبي هريرة وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم وقال الحافظ أخرج مسلم لرجاله من الداروردي فصاعدًا وأخرج لمحمد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة حديثًا غير هذا لكن مقرونًا فهو على شرطه في المتابعات لا في الأصول اهـ. ورواية ابن حبان بمعنى حديث الترمذي المذكور في الأصل كما نبه عليه في السلاح في آخر كتاب البيوع منه قال الحافظ يزاد عليه أنه لم يترجم له اكتفاء بما قدمه في أبواب المساجد فقال "باب ما جاء في كراهية البيع والشراء وإنشاد الشعر والضالة في المسجد" وأورد فيه حديث ابن عمرو وتكلم عليه وسنذكره في الباب بعده. قوله: (مَنْ يبِيعُ أَوْ يَبْتاعُ) أي يشتري في المسجد، يكره نحو البيع والشراء من سائر العقود في المسجد ولو لغير معتكف وإن لم يكثر منه كما هو حاصل كلام المجموع في باب الاعتكاف ومحله ما لم يتخذه حانوتًا وإلَّا فيحرم وما لم يحتج إليه لتحصيل قوته وما لا بد منه وإلا فلا يكره ويستثني من العقود عقد النكاح. قوله: (فِي المسجِد) لخبر الترمذي أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد. قوله: (لَا أَرْبَح الله تِجَارَتَكَ) أي لا جعلها رابحة أو لا جعلك رابحًا وما اشتهر عن بعض العوام أن المراد من الخبر لا تفعل أربح الله تجارتك فهو من التأويل البعيد الذي لا يعول عليه ولا يلتفت إليه كيف وهو مخالف لظاهر الحديث والله أعلم. قال الترمذي حديث حسن غريب والعمل عليه عند بعض أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق ورخص فيه بعضهم

باب دعائه على من ينشد في المسجد شعرا ليس فيه مدح للإسلام ولا تزهيد والحث علي مكارم الأخلاق ونحو ذلك

باب دعائه على من ينشد في المسجد شعرًا ليس فيه مدح للإسلام ولا تزهيد والحث علي مكارم الأخلاق ونحو ذلك ـــــــــــــــــــــــــــــ وتقدم الجواب عن السكوت عن بيان الغرابة من كونها غير منافية للحسن المطلوب إثباته. باب دعائه على من ينشد في المسجد شعرًا ليس فيه مدح للإسلام ولا تزهيد والحث علي مكارم الأخلاق ونحو ذلك قال الحافظ ليس في المتن الذي ساقه دلالة على التخصيص وكأنه أشار إلى أن لذلك دليلًا من خارج وكان لا بأس بالتنبيه عليه اهـ. قال الأبي في شرح مسلم أما إنشاد الشعر فيه أي في المسجد فأجازه الجمهور لحديث مر عمر على حسان وهو ينشد فيه فلحظ إليه عمر شذرًا ثم قال أي حسان كنت أنشده وفيه خير منك ثم التفت إلى أبي هريرة فقال أنشدك الله أسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لي أجبهم عني اللهم أيده بروح القدس، فقال نعم ولم يراجعه عمر وروح القدس جبريل وفي بعض الآثار إن جبريل أعانه بالأبيات من الشعر قلت في بعض شروح شمائل الترمذي قيل لما دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - لحسان أعانه جبريل بسبعين بيتًا أهـ، وترجم البخاري باب إنشاد الشعر في المسجد وقال بعضهم أحاديث النهي عنه ضعيفة اهـ، وفي شرح المهذب للمصنف ولا بأس بإنشاد الشعر فيه إذا كان مدحًا للنبوة أو الإسلام أو كان حكمة أو في مكارم الأخلاق أو الزهد أو نحو ذلك من أعمال الخير فإن لم يكن فيه شيء من ذلك كره للنهي عن تناشد الأشعار فيه بإسناد حسن ما لم يكن فيه مذموم كنحو محرم أو صفة خمر أو ذكر نساء أو مرد أو مدح ظالم أو افتخار بمنهي عنه فيحرم اهـ. قال في شرح العباب بعد نقله عنه وهو صريح في تحريم كثير من الأشعار التي فيها صفات الخمر ولو بالتشبيهات وذكر صفات النساء والمرد وينافيه ما يأتي في الشهادات من أنه لا يحرم التشبب إلَّا بامرأة أو غلام معين ويمكن أن يفرق بأن الحرمة هنا جاءت من حيث المسجد فيحرم فيه ذلك مطلقًا لما فيه من الفحش بخلافه خارجه وأما ذكر صفات الخمر المقتضية مدحها فالظاهر إنما اقتضاه صريح كلامه من حرمته في المسجد وأما خارجه فللنظر فيه مجال والأقرب الحرمة ومن ثمة افتيت بحرمة مطالعة الكميت

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قيل ما طالعها أحد إلا شربها هذا كله حيث لم يقع منه إشارة أو قرينة تعين المراد غير الخمر المحرمة كما يقع لكثير من أنهم يعنون ريق المحبوب أو فواتح الحق على عباده ونحو ذلك فحينئذٍ لا حرمة وعلى هذا يحمل ما جاء عن الصحابة كما وقع لكعب بن زهير رضي الله عنه في بانت سعاد وأنشدها بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم ينكر عليه. فإن قلت هذه واقعة حال يحتمل أنه كان قبل تحريم الخمر. قلت هذا الاحتمال بعيد فلا يسقط بمثله الأدلة الظاهرة على أن الكلام في الخمر غير الحقيقية فلا يرد السؤال من أصله ثم رأيت إنه كان بعد تحريم الخمر، وعلى الشعر المذموم حمل قوله - صلى الله عليه وسلم - من رأيتموه ينشد شعرًا في المسجد فقولوا له فض الله فاك ثلاث مرات رواه ابن السني وحمله ابن بطال على ما يتشاغل به كل من بالمسجد حتى يغلب عليه كما قال أبو عبيد حديث لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا خير له من أن يمتلئ شعرًا بأنه الذي يغلب على صاحبه اهـ. وفي التوشيح للسيوطي روى ابن خزيمة والترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نهى - صلى الله عليه وسلم - عن تناشد الأشعار في المسجد، والجمع بينه وبين حديث الباب أي حديث حسان يحمل النهي على أشعار الجاهلية ونحوها اهـ، وظاهر أن المراد غالب أشعار الجاهلية وإلّا فما اشتمل منها على المحاسن كالتوحيد في شعر أمية بن أبي الصلت لا يكره إنشاده ولعل الإطلاق لأن غالب أشعارهم خال عن ذلك وقال ابن خزيمة ذكر الخير في خبر لأن يمتلئ جوف أحدكم إلخ، دليل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما نهى عن تناشد بعض الأشعار في المساجد لا عن جميعها ثم ذكر حديث البخاري كذلك في بدء الخلق وذكره في باب الشعر أيضًا عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع حسان بن ثابث يستشهد أبا هريرة هل سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول يا حسان أجب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللهم أيده بروح القدس قال نعم قال ابن بطال وليس في هذه الرواية أنه أنشد شعرًا في المسجد بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - لكنه ذكر ذلك في روايته التي في باب بدء الخلق وأشار بهذه الترجمة أي باب إنشاد الشعر في المسجد إلى تلك الرواية نته عليه شراح البخاري. فائدة قال الترمذي قد روي في غير حديث رخصة في إنشاد الشعر في المسجد قال الحافظ وجمع العلماء بين الأحاديث التي في الرخصة وبين أحاديث النهي بنحو مما أشار إليه الشيخ في الترجمة ومنهم من حمل النهي على التنزيه والفعل على بيان الجواز ومنهم من فصل فحمل النهي على ما فيه

روينا في كتاب ابن السني ـــــــــــــــــــــــــــــ فحش أو أذى لمسلم أر نحو ذلك والإذن على ما فيه مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحو ذلك وما عدا ذلك إن أكثر منه أو غلب عليه التحق بالأول وإلا جاز قال الحافظ فمن أحاديث الرخصة إنشاد كعب بن زهير قصيدته في مدحه - صلى الله عليه وسلم - في المسجد ومنها حديث عائشة إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصنع لحسان منبرًا في المسجد يقوم عليه يهجو الذي كان يهجو النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال - عليه السلام - إن روح القدس مع حسان ما دام ينافح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديث حسن صحيح أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حسن صحيح وهو حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد يعني تفرد به وهو ثقة عند الجمهور وتكلم فيه بعضهم بما لا يقدح فيه ولبعض حديثه شواهد في الصحيحين عن البراء وغيره وذكر المزي في الأطراف أن البخاري أخرج هذا الحديث في الصحيح تعليقًا فقال قال عبد الرحمن عن أبيه عن عروة عن عائشة فذكره ولم أقف عليه في صحيح البخاري إلى الآن وفي صحيح البخاري عن ابن المسيب مر عمر وحسان ينشد في المسجد الشعر فلحظ إليه قال قد كنت أنشد وفيه من هو خير منك يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - كلام الحافظ وقال الشيخ زكريا في تحفة القارئ اهـ. حديث أبي هريرة وشهادته لحسان في إنشاد الشعر في المسجد علم به جواز إنشاده في المسجد وهو محمول على الحق وأما خبر ابن خزيمة نهى - صلى الله عليه وسلم - عن تناشد الأشعار في المساجد فضعفه جماعة وبتقدير صحته فهو محمول على الشعر الباطل كما حمل عليه خبر الصحيحين لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا خير له أن يملأه شعرًا وحمله بعضهم على من يمتلئ قلبه حتى يغلب عليه اشتغاله به عن القرآن والذكر والحاصل أن إنشاد الشعر في المسجد جائز بلا كراهة إن كان حقًّا ومكروه كراهة تحريم إن كان باطلًا وكراهة تنزيه إذا غلب عليه اشتغاله به أي ولم يكن باطلا اهـ. قوله: (رَوينَا فِي كِتَاب ابْنِ السني) خرجه الحافظ من طريق الطبراني إلى عباد بن كثير عن يزيد بن خصفة عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبيه عن جده فذكر قصة فيها إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال من رأيتموه ينشد شعرًا في المسجد فقولوا فض الله فاك ثلاث مرات ومن رأيتموه يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا لا أربح الله تجارتك ثلاث مرات كذا قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الحافظ حديث منكر السند وبعض المتن

[الصلاة]

عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "مَنْ رأيْتُموهُ يُنْشِدُ شِعْرًا في المسجِدِ فقُولُوا لَهُ: فَضَّ اللهُ فاكَ"، ثلاثَ مراتٍ. باب فضيلة الأذان روَينا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـــــــــــــــــــــــــــــ أخرجه ابن السني وهو قصة الشعر وأخرجه ابن منده في معرفة الصحابة بجملته كما أخرجه الحافظ وقال غريب تفرد به محمد بن حُمَير قال الحافظ وهو ثقة من رجال البخاري وإنما تفرد بوصله ورواه أبو خيثمة الجعفي عن عباد بن كثير عن يزيد بن خصفة عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ولم يقل عن جده والافة من عباد وهو ضعيف جدًّا وقال خالف فيه الداروردي والذاروردي ثقة وسنده هو المعروف فقال حدثنا يزيد بن خصفة عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة كما تقدم في آخر الباب قبله ثم لم يرو عن عبد الرحمن بن ثوبان إلا ولده محمد فهو في عداد المجهولين وقد ورد النهي عن إنشاد الشعر في المسجد عن عبد الله بن عمرو قال نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن البيع والشراء في المسجد وأن ينشد فيه الأشعار وأن ينشد فيه الضالة الحديث قال حديث حسن أخرجه أصحاب السنن الأربعة وفي سنده ثوبان وهو غير مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - المشهور هذا رجل لا يعرف إلَّا في هذا السند. قوله: (عَنْ ثَوْبَانَ) هو ابن مجدد بضم الميم وسكون الجيم وضم الدال المهملة الأولى الهاشمي مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصله من حُمَيِّر فسي في الجاهلية فاشتراه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأعتقه فلازمه حضرًا وسفرًا فلما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى الشام فنزل الرملة ثم انتقل إلى حمص وابتنى بها دارًا روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة حديث وسبعة وعشرون حديثًا روى منها مسلم عنه عشرة أحاديث وخرج عند الأربعة وروى عنه أبو أسماء وخالد بن معدان وخلق توفي سنة خمس وأربعين أو أربع وخمسين. قوله: (فَض الله فَاكَ) بالفاء المفتوحة والضاد المعجمة المشددة أي أسقط أسنانك قال في النهاية قل لا يفضض الله فاك أي لا يسقط أسنانك وتقديره لا يسقط الله أسنان فيك فحذف المضاف يقال فضه إذا كسره اهـ. باب فضيلة الأذان

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويقال الأذين والتأذين بالمعجمة وهو لغة الإعلام ومنه (وَأَذَانٌ من اللهِ وَرَسُولِهِ) [التوبة: 3] وشرعًا قول مخصوص يعلم به وقت الصلاة أصالة وبقولنا يعلم إلخ، خرج الأذان لغير الصلاة فليس مما نحن فيه وشرع الأذان قيل في السنة الثانية من الهجرة والذي في المجموع أنه في الأولى بعد بنائه - صلى الله عليه وسلم - مسجده والروايات المصرحة بأنه شرع بمكة قبل الهجرهَ لم يصح منها شيء لرؤيا عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه الأنصاري فإنه صح عنه أنه قال لما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالناقوس يعمل ليضرب به الناس لجمع الصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسًا في يده فقلت أتبيع الناقوس فقال وما تصنع به فقلت ندعو به إلى الصلاة قال أولًا أدلك على ما هو خير من ذلك فقلت بلى قال تقول الله أكبر الله أكبر إلى آخر الأذان، ثم استأخر عني غير بعيد، ثم تقول إذا أقمت الصلاة الله أكبر الله أكبر إلى آخر الإقامة فلما أصبحت أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بما رأيت فقال أنها رؤيا حق إن شاء الله قم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتًا منك فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه فيؤذن به فسمع ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في بيته فخرج يجر رداءه يقول والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت فيما يرى النائم ولو قلت إني لم أكن نائمًا لصدقت رأيت شخصًا عليه ثوبان أخضران فاستقبل القبلة فقال الله أكبر إلخ، في رواية ضعيفة عند ابن ماجة أن رؤياه كانت ليلة تشاوروا أي فيما يجعلونه علامة للصلاة من الناقوس أو النار وفي أوسط الطبراني أن أبا بكر رضي الله عنه رآه أيضًا وفي الوسيط رآه بضعة بمشر رجلًا وفي الجيلي أربعة عشر وأنكره المصنف كابن الصلاح ومن ثم قال بعض المحققين لم يثبت إلّا رؤيا عبد الله بن زيد وقصة عمر جاءت في بعض الطرق. وفي سنن ابن ماجة بعد إيراده خبر الأذان عنه قال أبو عبيد فأخبرني أبو بكر الحكمي أن عبد الله بن زيد الأنصاري قال في ذلك: أحمد الله ذا الجلال وذا الإكـ ... ـرام حمدًا على الأذان كبيرا إذ أتاني به البشير من اللـ ... ـه فأكرم به لدي بشيرا في ليال وإلى بهن ثلاث ... كلما جاء زادني توقيرا وثبت حكم الأذان بالرؤيا مع أن رؤيا غير الأنبياء لا يثبت بها شيء من الأحكام

"لو يَعْلمُ الناسُ ما في ـــــــــــــــــــــــــــــ لاحتمال مقارنة وحي لذلك ويؤيده رواية عبد الرزاق وأبي داود في مراسيله من طريق عبيد بن عمير الليثي من كبار التابعين أن عمر لما رأى الأذان جاء ليخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فوجد الوحي قد ورد بذلك فما راعه إلَّا أذان بلال فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - سبقك بذلك الوحي وهو أصح مما حكى الداودي أن جبريل أتى به قبل هذه الرؤيا بثمانية أيام وفي مسند الحارث أول من أذن بالصلاة جبريل أذن في سماء الدنيا فسمعه عمر وبلال فسبق عمر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبره فقال - صلى الله عليه وسلم - لبلال سبقك بها عمر وظاهره أنهما سمعاه يقظة والحديث الصحيح السابق يرد ذلك وجزم المصنف بأنه - صلى الله عليه وسلم - أذن مرة في السفر وعزاه لخبر الترمذي وقواه وعورض بأن أحمد أخرجه في مسنده من طريق الترمذي بلفظ فأمر بلالًا فأذن وبه يعلم اختصار رواية الترمذي وإن معنى أذن فيها أمر الأذان كما يقال أعطى الخليفة فلانا الفا ورواه الدارقطني أيضًا بلفظ فأمر بلالًا فأذن قال البيهقي والمفصل يقضي على المجمل المحتمل كذا قال الحافظ ابن حجر. وفي التوشيح للسيوطي قلت قد ظفرت بحديث آخر مرسل أخرجه سعد بن منصور في مسنده حدثنا أبو معاوية حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي عن أبي مليكة قال أذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرة فقال حي على الفلاح وهذه رواية لا تقبل التأويل اهـ، وعلى أنه أذن فهل كان يتشهد مثلنا أو كان يقول أشهد أني رسول الله ظاهر كلام الرافعي الثاني فإنه قال أنه المنقول في تشهده لكن رد عليه بأن المنقول أنه كان يتشهد كتشهدنا كما رواه مالك في الموطأ ويؤيده خبر مسلم عن معاوية أنه قال في إجابة المؤذن وأشهد أن محمدًا رسول الله إلخ، ثم قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك. قوله: (لَوْ يعلمُ النَّاسُ) وضع المضارع موضع الماضي ليفيد استمرار تجدد العلم قاله الطيبي وقال أطلق مفعول أعلم لأنه لا يدخل تحت الوصف والمعنى لو يجدوا شيئًا من وجوه الأولوية أما في الأذان فبأن يستووا في معرفة الأوقات وحسن الصوت ونحو ذلك وأما الصف الأول فبأن يصلوا دفعة واحدة ويستووا في الفضل فيقرع بينهم إذا لم يتراضوا اهـ. نقله عنه الحجازي. وفي شرح المشكاة وأطلق ولم يبين حقيقة الفضل الذي في ذلك إعلامًا بأنه لا يدخل تحت الحصر والوصف ونظيره {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} [طه: 78] وقال المصنف في شرح مسلم لو علموا فضيلة الأذان

النداءِ والصف الأوَّلِ، ثُمّ لَمْ يَجِدُوا إلا أنْ يَسْتَهِمُوا عليهِ لاسْتَهمُوا" ـــــــــــــــــــــــــــــ وأجرها وقدرها ثم لم يجدوا طريقًا يحصلونه به لضيق الوقت عن أذان بعد أذان أو لكونه لا يؤذن للمسجد إلّا مؤذن واحد لاقترعوا في تحصيله ولو يعلمون في فضيلة الصف الأول نحو ما سبق وجاؤوا إليه دفعة واحدة وضاق عنهم ولم يسمح بعضهم لبعض لاقترعوا عليه اهـ. ففيه التنبيه على التعميم المستفاد من الموصول ووقع في رواية أبي الشيخ لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول من الخير والبركة الحديث. قوله: (النداء) هو بكسر النون والدال المهملة بعدها ألف ممدودة أي الأذان وروي بهذا اللفظ عند السراج كذا في حاشية سنن النسائي للسيوطي وقدم النداء على ما بعده لأن النداء وسيلة ومقدمة له. قوله: (والصف الأَولِ) وهو عندنا الذي يلي الإمام وإن يتخلل أو حجز بينهما بنحو سارية أو منبر وقال القرطبي اختلف في الصف الأول هل هو الذي يلي الإمام أو هو المبكر والصحيح الأول وعلم من قولنا الذي يلي الإمام أن ما هو أقرب من الإمام إلى الكعبة في غير جهته ليس بالصف الأول فقول القارئ الحنفي إنه هو الصف الأول وألف فيه جزءأً سماه القول المعول مردود وقيل الصف الأول أول صف خلف المقصورة حكاه القرطبي. قوله: (يَستَهِمُوا) بتخفيف الميم أي يقترعوا وقيل للاقتراع استهام لأنهم كانوا يكتبون أسماءهم على سهام فمن خرج سهمه فاز بالحظ المقسوم وقيل الاستهام تمثيل واستعارة لتحصيل السبق إليه وعبر بالاستهام إشارة إلى غاية تعظيم ذلك إذ لا يقع إلّا في أمر من شأنه التنافس فيه وزاد ذلك مبالغة وتأكيدًا أخرجه مخرج الاستثناء والحصر وفي هذا أعظم باعث على فعل الأذان وحضور الجماعة سيما الصف الأول قال المأزري وفي قوله لاستهموا عليه حجة للعمل بالقرعة في الحقوق التي يزدحم عليها اهـ. قوله: (عَلَيهِ) استشكل افراد الضمير مع تقدم متعاطفين بالواو وقال السيوطي في التوشيح افراد الضمير باعتبار ما ذكر. وفي شرح الأنوار السنية قال عياض حمل الباجي الاستهام على أنه في النداء والصف الأول وهو ظاهر اللفظ وقال أبو عمر المراد الصف

رواه البخاري ومسلم في "صحيحيهما". وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ أدْبَرَ الشَّيْطَانُ وله ضُراطٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وحده وهو وجه الكلام وكلا الوجهين لا يصح أما الأول فلأن الضمير الواحد لا يعود على الاثنين وأما الثاني فلأنه يبقى النداء بلا جواب فلا يفيد والأولى عندي أن يعود على الثواب المفهوم من السياق أي لو يعلم الناس ثواب النداء والصف الأول ثم لم يجدوا الوصول إليه إلّا بالاستهام لاستهموا قال الأبي وأقرب مما قال أن يعود على لفظ ما اهـ. وفي شرح المشكاة إلّا أن يستهموا عليه أي على السبق إليه اهـ، فالسبق مفهوم من السياق نظير ما تقدم في الثواب. قوله: (رَوَاه البخارِي ومُسْلم) أي من جملة حديث تتمته ولو يعلمون ما في الهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا وفي المشكاة بعد إيراده كذلك متفق عليه وفي الجامع الصغير بعد إيراده بجملته كذلك رواه أحمد وابن ماجة والنسائي ولم يذكر الشيخين فيمن رواه قلت ورواه كذلك مالك في الموطأ وكذا الترمذي من طريق مالك وأشار الحافظ إلى اختلاف فيه عند رواته والله أعلم. قوله: (نُودِيَ لِلصلاةِ) أي بالأذان ويمنع من حمله على ما يعم الإقامة وإن كان الشيطان يذهب عندها وله ضراط أيضًا ذكرها في آخر الخبر فإذا قضي النداء أقبل حتى إذا ثوب للصلاة أدبر وفي الكرماني الفرق بين ما في قوله تعالى: ({وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 58] وما في قوله تعالى: ({إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ} [الجمعة: 9] من التعدية بإلى في الأولى واللام في الثانية هو أن صلاة الأفعال تختلف بحسب مقاصد الكلام فقصد في الأولى معنى الانتهاء وفي الثانية معنى الاختصاص اهـ. قال الحجازي ويحتمل أن تكون اللام بمعنى إلى والعكس اهـ، ولك أن تقول كلام الكرماني في حكمة مغايرة الحرفين واستعمال كل منهما فيما ذكر من الآيتين وهو لا يخالف احتمال توافق معنى ذينك الحرفين والله أعلم. قوله: (وَلَهُ ضُرَاطٌ) قال

حتَّى لا يَسْمَعَ التَّأذِينَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ القاضي يمكن حمله على ظاهره لأنه جسم متغذ يصح منه خروج الريح ويحتمل أنه كناية عن شدة غيظه ونفاره وقد حكاه عنه شراح مسلم المصنف والأبي والسيوطي وغيرهم من شراح السنن ومن الغريب ما في شرح المشكاة لابن حجر يحتمل الحقيقة وهو الظاهر وإن لم أر من صرح به إذ لا استحالة في أن يصدر منه تلك الأصوات القبيحة وإن كانت على خلاف عنصره مبالغة في إهانته وتحقيره وإعلامًا بأنه يحصل له من سماع الأذان ذهول مفرط يفزعه ويخرجه عن شعوره وإحساسه فتنحل قواه ويخرج منه تلك الأصوات ويحتمل المجاز وأنه شبه شغله نفسه أي بالهرب عن سماع صوت الأذان بصوت يملأ السمع ويمنعه عن سماع غيره تقبيحا له اهـ، والوجه الأخير ذكره الطيبي وزاد بعد قوله ويمنعه عن سماع غيره قوله ثم سماه ضراطًا تقبيحا له اهـ، ولعل سقوط ثم سماه ضراطًا من كلام شرح المشكاة من قلم الناسخ كما لا يخفى وفي شرح مسلم للأبي لكن سبق أن الأولى الكناية عن المعنى المستقبح سماع لفظه إلَّا أن تدعو ضرورة لذكر اللفظ أو يتضمن ذكره مصلحة كالتقبيح المتقدم ذكره. قوله: (حَتَّى لَا يَسْمع التأْذِينَ) حتى تعليلية لإدباره وقيل ذهابه هروب أن يسمع الأذان بالإيمان كما يفعل بعرفة لما يرى من اجتماع الناس على البر والتقوى وما ينزل عليهم من الرحمة، وقيل لئلا يسمع ذلك فيشهد لقائله لخبر لا يسمع مدى صوت المؤذن إنس ولا جن الحديث، ورد بأنه عام مخصوص بالمؤمن منهما قال المصنف وهذا لا يقبل من قائله لما جاء في الآثار من خلافه وبإخراج غير الناطق وما لا يسمع كالجماد، ورد بأنه عام فيهما بإدراك يخلقه الله تعالى لغير الناطق وادراك وحياة يخلقهما للجمادات ليشهد الجميع ولهذا ذهب ابن عمر فقال المؤذن يشهد له كل رطب ويابس، وقيل إنما يهرب لئلا يسمع الدعاء إلى السجود الذي بسببه عصى، ورد بمجيئه للمصلى بعد انقضاء التثويب قال الأبي وهذا لا يلزم لاحتمال أن يكون رجوعه مغالطة أنه لم يسمع دعاء ولا خالف أمرًا وقيل هروبه لانقطاع طمعه من الوسوسة عند الإعلان بالتوحيد إذ لا يقدر أن يصرف الناس عنه حينئذٍ فإذا سكت المؤذن رجع إلى حالته التي أقدره الله عليها من تشويش الخاطر على المصلي. وبقولنا لئلا يسمع وما بعده يجاب عما يقال ما الحكمة في هربه

رواه البخاري ومسلم. وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "المُؤَذِّنُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عند الأذان دون نحو الذكر في الصلاة وسماع القرآن ثم الشيطان المذكور يحتمل أنه قرين المؤذن ويحتمل أنه جنس الشياطين لا يقال كيف يهرب عند الأذان والضرورة تقتضي ثبوت المخالفة حين الأذان إما من المؤذن أو السامع لأنا نقول فعل تلك المخالفة يكون من وسوسة سبقت ذلك الأذان وإن لم يقم دليل على أن كل المخالفات من الشيطان إذ قد يكون من النفس قال السيوطي نقلًا عن ابن بطال ويشبه أن يكون الزجر عن خروج الإنسان من المسجد بعد الأذان مأخوذا من هذا المكان لئلا يكون متشبهًا بالشيطان اهـ. قال أصحابنا يكره الخروج من المسجد بعد الأذان بلا عذر حتى يصلي لقول أبي هريرة في فاعل ذلك أما هذا فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - رواه مسلم قال بعض المحققين ولك أن تقول القول بالكراهة مع ذلك مشكل لأن قول الصحابي ذلك في حكم المرفوع فيكون نصًّا في التحريم كيف وقد أخذوا تحريم الصوم بعد نصف شعبان من قول عمار بن ياسر نظير ذلك اهـ. وقول عمار بن ياسر إنما هو في يوم الشك لا في النصف الأخير من شعبان والله أعلم، وهل المراد حتى يصلي ولو وحده أو مع الجماعة كل محتمل وإطلاقهم يؤيد الأول وعلى الثاني قال في شرح العباب فالظاهر أن من العذر كون الإمام يكره الاقتداء به والإفراد أفضل من الاقتداء به أي بالمخالف اهـ. والراجح أن الاقتداء بالمخالف أفضل من الانفراد وقد اقتصر البخاري في باب فضل الأذان على هذا الخبر قال ابن العز الحجازي في شرحه قد ورد في فضل الأذان أحاديث كثيرة اقتصر المصنف على هذا الخبر هنا لأنه تضمن فضلًا لا ينال بغير الأذان بخلاف غيره من الأخبار فإن الثواب المذكور فيها ينال بأنواع أخرى من العبادات اهـ، والله أعلم. قوله: (رَوَاه البُخَاري ومُسلم) من جملة حديث آخره فإذا قضي النداء أقبل حتى إذا ثوب للصلاة أدبر حتى إذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول اذكر كذا واذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يضل الرجل لا يدري كم صلى، ورواه مالك وأبو داود والنسائي قال الخطابي رحمه الله التثويب

أطوَلُ الناسِ أعْناقا يَوْمَ القِيامةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ هنا الإقامة وكذا قال الحافظ والعوام لا تعرف التثويب إلا قول المؤذن في صلاة الفجر الصلاة خير من النوم ومعنى التثويب الإعلام بالشيء والإنذار بوقوعه وإنما سميت الإقامة تثويبًا لأنه إعلام بإقامة الصلاة والأذان إعلام بوقت الصلاة والله أعلم. وأخرج الحافظ من طريق أبي نعيم عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة أحال له ضراط حتى لا يسمع صوته فإذا سكت رجع فوسوس فإذا سمع الإقامة ذهب حتى لا يسمع صوته فإذا سكت رجع فوسوس وأخرج من هذا الطريق ومن طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعًا قال إن الشيطان إذا أذن المؤذن هرب حتى يحول بالروحاء وهي على ثلاثين ميلا حديث صحيح أخرجه مسلم وبين أن ذكر اليسافة في الحديث من جهة الراوي اهـ. قوله: (أطولُ النَّاسِ أَعْنَاقًا) هو بفتح الهمزة جمع عنق بضمتين واختلف في معناه فقيل معناه أكثر الناس تشوفًا إلى رحمة الله لأن المتشوف يطيل عنقه لما يطلع إليه فمعناه كثرة ما يرونه من الثواب قال الحافظ وفسره ابن حبان في صحيحه بذلك لما ذكر حديث أبي هريرة وهو مثل حديث معاوية قال وقال غيره يمتد لكونهم كانوا يمدونها عند رفع الصوت في الدنيا فمدت في القيامة ليمتازوا بذلك عن غيرهم وفي ذلك إبقاء للطول على حقيقته اهـ. وقيل معناه أنهم سادة رؤساء والعرب تصف السادة بطول العنق وفيه استعارة لأنهم شبهوا بالأعناق كما قيل هم الرؤوس والنواصي والصدور وقيل معناه أكثر اتباعا فهو جمع عنق أي جماعة أي أن جمعهم يكون أكثر لأن من أجاب دعوتهم يكون معهم فالطول مجاز عن الكثرة لأن الجماعة إذا توجهوا لمقصدهم يكون لهم امتداد في الأرض وقال ابن الأعرابي معناه أكثر الناس أعمالًا يقال لفلان عنق من الخير أي قطعة منه سمي العمل عنقًا لنقله وجيء بأطول كالترشيح لهذا المجاز وقيل معناه القرب من الله تعالى لأن طول العنق يدل غالبًا على طول القامة وطولها لا يطلب لذاته بل لدلالته على تمييزهم على الناس وارتفاع شأنهم عليهم كما وصف المتوضئون يأنهم يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء وقيل معناه لا يأخذهم العرق لأن العرق يأخذ الناس بقدر

رواه مسلم. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يَسْمَعُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أعمالهم وقيل معناه عدم الخجل من الذنب لأن الخجل ينكس رأسه قال تعالى ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم، وفي مصباح الزجاجة للسيوطي في سنن البيهقي من طريق أبي بكر بن أبي داود سمعت أبي يقول ليس معنى الحديث إن أعناقهم وقيل معناه عدم الخجل من الذنب لأن الخجل ينكس رأسه قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ} [السجدة: 12]، وفي مصباح الزجاجة للسيوطي في سنن البيهقي من طريق أبي بكر بن أبي داود سمعت أبي يقول ليس معنى الحديث إن أعناقهم تطول ولكن ذلك إن الناس يعطشون يوم القيامة فإذا عطش الإنسان انطوت عنقه والمؤذنون لا يعطشون فأعناقهم قائمة اهـ، وخرجه الحافظ في تخريجه وقال فيه إبقاء الطول على حقيقته اهـ. هذا وجعل شارح الأنوار السنية قوله - صلى الله عليه وسلم - أطول الناس أعناقًا إلخ، كناية عن كل من هذه المعاني فقال وقال المأزري هو حقيقة لأن العرق إذا ألجم الناس طالت أعناقهم لئلا يصيبها. قلت قال الحافظ هذا إذا انضم إلى القول قبله أي مما فيه إبقاء الطول على حقيقته بين ثمرته اهـ. وفي فتح الإله والوصف على هذا بطول العنق ليس لذاته بل للنجاة من العرق اهـ، ثم قال شارح الأنوار السنية وقيل هو كناية عن كثرة تشوفهم لما يرونه من ثواب الله تعالى وفعل ذلك في باقي الأقوال التي نقلها فيه وذكرناها في جملة ما سبق من الأقوال وهذا منه يقتضي أنها ليست مجازًا إذ الكناية ليست حقيقة ولا مجازًا كما هو مقرر في علم البيان لكن ظاهر كلام غيره أنها مجاز في غالب تلك المعاني التي أريدت منها وحقيقة في بعضها وروي إعناقًا بكسر الهمزة أي أشد إسراعًا إلى الجنة وهو سير العنق أي أكثر إسراعًا وأعجل إلى الجنة يقال أعنق يعنق إعناقًا والاسم العنق بالتحريك وقال الحافظ شذ بعضهم فكسر الهمزة وقال الأعناق بمعنى العنق إلخ، فأشار إلى أن ذلك من شذوذه لا أنه رواية خلاف ما يوهمه قول ابن حجر المكي وروي بكسر الهمزة إلخ، من أنه رواية والله أعلم. قوله: (رَوَاه مُسلم) وأخرجه النسائي وأبو عوانة كما أشار إليه الحافظ وللحديث شاهد من حديث زيد بن أرقم قال قال - صلى الله عليه وسلم - بلال سيد المؤذنين يوم القيامة ولا يتبعه إلَّا مؤمن والمؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة قال الحافظ بعد تخريجه حديث غريب أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه والبزار وقال لا نعلمه عن زيد بن أرقم إلّا بهذا الإسناد وتفرد به

مَدَى صوْتِ المُؤَذِّنِ جِنٌّ ولا إنْسٌ ولا شَيءٌ إلَّا شَهِدَ لهُ يَوْمَ القِيامة" ـــــــــــــــــــــــــــــ حسام بن مصك وهو بصري روى عنه جماعة وأخرجه ابن عدي في ترجمته ونقل تضعيف حسام عن جماعة ثم قال عامة أحاديثه غرائب وأفراد وهو مع ضعفه حسن الحديث قال الحافظ لعله أراد الحسن المعنوي وإلا فحسام متفق على تضعيف حديثه ولم يسمه ابن أبي شيبة في روايته عن يزيد عنه بل قال حدثنا شيخ وكأنه أبهمه لضعفه وهو بضم الحاء وتخفيف السين وأبوه مصك بكسر أوله وفتح الصاد المهملة وتشديد الكاف قال الحافظ ووجدت لهذا الحديث سببًا من حديث بلال قال يا رسول الله إن الناس يتجرون ويبتغون معايشهم ولا نستطيع أن نفعل ذلك فقال ألا ترضى إن المؤذنين أطول الناس أعناقًا يوم القيامة قال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن أخرجه البزار وقال لم يرو قبيصة عن بلال إلَّا هذا الحديث ولا نعلم له إلّا هذا الإسناد وقال الحافظ ولا بأس برواته إلَّا أن في رواية البزار مخالفة في بعض رواته قال ومع ذلك فالحديث حسن. قوله: (مَدَى صَوْتِ المُؤَذنِ) قال ابن النحوي في البدر المنير المدى بفتح الميم مقصور يكتب بالياء وهو الغاية اهـ، وإنما أتى به ولم يقتصر على صوت المؤذن تنبيهًا على أن من ينتهي إليه صوته يشهد له وإن لم يسمع إلّا همسه ففيه الحث على استفراغ الجهد في رفع الصوت بالأذان وقال الخطابي في الحديث يغفر للمؤذن مدى صوته، مدى الشيء غايته والمعنى أنه يستكمل مغفرة الله عز وجل إذا استوفى وسعه في رفع الصوت فيبلغ الغاية من المغفرة إذا بلغ الغاية من الصوت قال الحافظ المنذري في الترغيب ويشهد لهذا رواية من قال يغفر له مد صوته بتشديد الدال أي بقدر مد صوته قال الخطابي وفيه وجه آخر وهو أنه كلام تمثيل وتشبيه يريد أن المكان الذي ينتهي إليه ضوته لو يقدر أن يكون ما بين أقصاه وبين مقامه الذي هو فيه ذنوبًا تملأ تلك المسافة غفرها الله تعالى اهـ. قوله: (جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ) قدم الجن إما للترقي منه إلى الإنس الأشرف أو للاهتمام لأن شهادة الإنس بعضهم لبعض لا تستبعد لاتحاد الجنس بخلاف الجن لاختلافه وتضاده فإذا شهدوا مع ذلك فالإنس أولى. قوله: (وَلَا شَيْءٌ) من عطف العام على الخاص ليعم سائر الحيوان والجماد بأن يخلق الله تعالى فيه فهما وسمعًا فيسمع ويعقل. قوله: (إلا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ) بلسان القال بفضله وعلو درجته تكميلا لسروره وتطييبًا لقلبه كما أنه تعالى يفضح

رواه البخاري، ـــــــــــــــــــــــــــــ أقوامًا ويهينهم بشهادة الألسن والأيدي والأرجل وغيرها بخسارهم ووبالهم. قوله: (رَوَاه البُخَاري) عن عبد الله بن عبد الرحمن بن صعصعة عن أبيه أن أبا سعيد الخدري قال له إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة قال أبو سعيد سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورواه مالك والنسائي وابن ماجة وزاد ولا حجر ولا شجر إلَّا شهد له وابن خزيمة في صحيحه ولفظه قال فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لا يسمع مدى صوته شجر ولا مدر ولا جن ولا إنس إلا شهد له يوم القيامة ثم قوله سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اختلف فيه فقيل المراد سمعت جميع ما قلته لك بخطابه لي وهذا ما فهمه الرافعي والغزالي وقال ابن الصلاح في مشكل الوسيط لا أصل لذلك في شيء من طرق الحديث إنما وقع ذلك من أبي سعيد التابعي وقد رواه الشافعي في الأم عن مالك على الصواب اهـ. وقال المصنف وغيره المحقق عوده إلى قوله لا يسمع إلخ، دون ما قبله من قوله إني أراك إلخ، قال ابن الرفعة ولعل أولئك اطلعوا على ما دلهم على ذلك وفيه نظر فإن رواية ابن خزيمة مصرحة بما قاله النووي وغيره ونقل الحافظ عن ابن الرفعة أنه اعتذر عن الغزالي بأنه فهم من قول أبي سعيد سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي جمع ما تقدم فذكره بالمعنى والعلم عند الله، وتعقبه الحافظ بأن الحديث قد رواه جماعة من الصحابة وليس في شيء من طرقهم الثابتة الأمر برفع الصوت إنما يؤخذ ذلك بطريق الاستنباط من الحديث المذكور اهـ. ثم خرج من حديث أبي هريرة يقول سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول المؤذن يغفر له مد صوته ويشهد له كل رطب ويابس وقال حديث حسن أخرجه أحمد والبخاري في خلق الأفعال خارج الصحيح وأبو داود والنسائي ورجاله رجال الصحيح إلَّا واحدًا فلم يسم ولم ينسب وأخرج من حديث البراء بن عازب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول والمؤذن يغفر له مدّ صوته ويشهد له من سمعه من رطب ويابس ويكتب له أجر من صلى معه حديث حسن أخرجه أحمد والنسائي ورجاله رجال الصحيح إلَّا

والأحاديث في فضله كثيرة. واختلف أصحابنا في الأذان والإمامة، أيهما أفضل على أربعة أوجه: الأصح أن الأذان أفضل، ـــــــــــــــــــــــــــــ أن فيه عنعنة قتادة وشيخه أبي إسحاق السبيعي وهما مدلسان اهـ. قوله: (وَالأَحاديث في فضله كثيرة) فمنها حديث عبد الله بن أبي أوفى قال قال - صلى الله عليه وسلم - إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والأظلة لذكر الله تعالى أخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط البخاري وتعقبه الحافظ بأن عبد الجبار بن العلاء الذي أخرجه الحاكم من طريقه لم يخرج له البخاري ومع كون باقي رجاله بعده أي سفيان بن عيينة عن مسعر عن إبراهيم السكسكي عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما ثقات فهو معلول لأن ابن المبارك رواه عن مسعر عن السكسكي قال حدثنا بعض أصحابنا عن أبي الدرداء فذكره موقوفًا من قوله وقد اعترف الحاكم بهذه العلة قال إلَّا أنها لا تؤثر اهـ. قال الحافظ وقد وجدت من حديث ابن أبي أوفى شاهدًا من حديث أنس مرفوعًا لو أقسمت لبررت إن أحب عباد الله إلى الله الذين يراعون الشمس والقمر وإنهم ليعرفون يوم القيامة بطول أعناقهم يعني المؤذنين كذا في الأصل قال حديث غريب أخرجه الطبراني انفرد به عن أنس الحارث بن النعمان وهو ابن أخت سعيد بن جبير اختلف فيه اهـ.: (علي أربعَةِ أَوجهٍ) بقي وجه خامس جرى عليه المصنف في نكت التنبيه واعتمده ابن الرفعة والقمولي وغيرهما هو أن مجموع الأذان والإقامة أفضل لكن قال أبو زرعة ظاهر كلام الجمهور إن التفضيل بين الأذان والإمامة وحدهما اهـ. قوله: (الأَصَحُّ أَن الأَذَانَ أَفضلُ) وهذا الذي رجحه المصنف في كتبه ونقله عن نص الأم وأكثر الأصحاب قال المحاملي وهو مذهب الشافعي وعامة أصحابنا اهـ، وذلك لأنه علامة على الوقت فإنه أكثر نفعا منها ولقوله تعالى: ({وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا} [فصلت: 33] قالت عائشة نزلت في المؤذنين قيل وفيه نظر وإن وافقها على ذلك عكرمة لقول كثيرين منهم ابن عباس أنه النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي رواية عنه أنه أبو بكر وفي أخرى عنه أنصاره وأصحابه ومما يرد الأول أن السورة مكية والأذان مدني وأيضًا فالأحسنية إنما جاءت من مجموع الدعاء إلى الله وما بعده

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وخبر البخاري السابق لو يعلم الناس إلخ، وخبر أحمد لو يعلم الناس ما لهم في التأذين لتضاربوا عليه بالسيوف ولخبر الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين لكنه ضعيف نعم في رواية صححها ابن حبان والعقيلي وإن أعلها ابن المديني وقال أحمد ليس لها أصل فقد صححها من المتأخرين الضياء وغيره: الأئمة ضمناء والمؤذنون أمناء فأرشد الله الأئمة وغفر للمؤذنين وضمانهم لنحو الإسرار بالقراءة وللدعاء بأن يعم القول أو لتحمل القراءة عن المسبوق أو لسقوط فرض الكفاية بفعلهم أقوال والأمانة أعلى من الضمان إذ الأمين متطوع بعمله والضامن ملزم به قال الرافعي والدعاء بالمغفرة أعلى من الدعاء بالإرشاد ووجه قول الماوردي دعا للإمام بالإرشاد خوف زيغه وللمؤذن بالمغفرة لعلمه بسلامة حاله وقول البحر الإرشاد سبب المغفرة وسبب الشيء دونه وقول بعضهم الدعاء بالإرشاد إنما يكون بما فهي خطر لأن المعنى أرشدهم لما كلفوه واغفر للمؤذنين ما عسى أن يكون من تفريط اهـ. وفي حاشية السيوطي على سنن أبي داود وزاد البيهقي بعد واغفر للمؤذنين فقال رجل يا رسول الله لقد تركتنا ونحن نتنافس الأذان بعدك زمانًا فقال إن بعدكم زمانًا شغلتهم مؤذنهم أورده البيهقي من طريق أبي حمزة السكري عن الأعمش اهـ، وبأن المؤذن له مثل أجر من صلى بأذانه لأنه دعاه لذلك. واستشكل ترجيح المصنف أفضلية الأذان مع كونه سنة على الإمامة والجماعة فرض كفاية. وأجيب بأنه كرد السلام مع ابتدائه على أن موجبه الإمامة ليس من جهة الجماعة بل من جهة خصوص ما فيها من الضمان وكونها مظنة التقصير قال الشافعي أحب الأذان لحديث اللهم اغفر للمؤذنين وأكره الإمامة للضمان وكما صح مع اختلاف الجهة الحكم بالفرضية والكراهة صح معها تفضيل المندوب على فرض الكفاية على أن الجماعة قدر مشترك بين الإمام والمأموم إن نواها وإلا حصلت بنية المأموم وحده بخلاف نية الإمام وحده فنيته محصلة لثواب الجماعة من غير أن يتوقف عليها ومن ثم لم يشترط مقارنتها للتحريم فلم تكن الإمامة وحدها فرضًا ولم يحصل تفضيل نفل على فرض وأيضًا فالأذان عبادة مستقلة والجماعة صفة وتفضيل الفرض على النفل إنما هو في صفتين أو مستقلتين أما صفة ومستقلة فقد يختلف أو في متحدى الجنس فمع اختلافهما قد يختلف ويبعد أن يفضل بعض رذائل الصنائع

والثاني: الإمامة، والثالث: هما سواء، والرابع: إن علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة واستجمع خصالها فهي أفضل، وإلا فالأذان أفضل. ـــــــــــــــــــــــــــــ لكونه فرض كفاية على تطوع الصلاة وإن سلم لما فيه من الخروج عن الإثم ففي فضل تطوع الصلاة ما يجبر ذلك أو يزيد عليه ذكره وما قبله السبكي. قوله: (والثاني الإمامة) أي أفضل من الأذان سواء قام بحقوقها أو لا كما أن الأذان عند المصنف أفضل منها سواء قام بحقوقها أو لا وتقييد بعضهم ترجيحه الإمامة بمن قام بحقوقها ليس في محله لأن التفضيل وجه آخر وقول الشافعي فإن فعل أي قام بحقوقها رجوت أن يكون أحسن حالًا من غيره لا يشهد للتقييد ولا لما قال الرافعي بل للوجه المفصل الذي حكاه المصنف هنا آخرا على أن قوله من غيره مقيد بغير الأذان لما مر عن الأم إن الأذان أفضل من الإمامة. واستدل من فضلها بمواظبة النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين بعده عليها دون الأذان وأجيب بأن ذلك لاشتغالهم بمهمات الدين التي لا يقوم غيرهم فيها مقامهم ولذا صح عن عمر رضي الله عنه لو كنت أطيق مع الخليفي لأذنت والخليفي بكسر الخاء المعجمة وتشديد اللام مصدر ولا نظر إلى كونه - صلى الله عليه وسلم - كان يتفرغ في بعض الأوقات لأنه لو أذن - صلى الله عليه وسلم - واظب عليه لأن عمله كان ديمة ومداومته تقتضي وجوب الإجابة خلافًا لمن نازع فيه ولأن تعاطي غيره للأذان أفخم لشأنه كما بينه السهيلي ولأنه - صلى الله عليه وسلم - لو أذن لوجب حضور الجماعة بالاعتبار الذي قدمناه على أن الأصل في الأمر الوجوب قال في شرح العباب ورد الأسنوي لهذا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن في بعض أسفاره كما في المجموع عن الترمذي بإسناد جيد فيه نظر لما مر أن معنى أذن أمر بالأذان، قلت تقدم نقلًا عن التوشيح أنه جاء في رواية صريحة غير قابلة للتأويل أنه - صلى الله عليه وسلم - أذن وعلى ذلك فالجماعة الذين أذن لهم كانوا حاضرين معه فلا دلالة فيه على رد ذلك وبأنها أشق من الأذان ويجاب بأن غير الأشق قد يفضل الأشق على أنا لا نسلم أنها أشق منه وبحديث الصحيحين ليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم ويجاب بأن هذا الخبر معارض بخبر أبي داود وابن ماجة ليؤذن لكم خياركم وليؤمكم أقرؤكم وبأنه لا يحتاج في صحته إلى كثير شروط ومزيد تبصر فطلب من كل أحد

باب صفة الأذان

باب صفة الأذان اعلم أن ألفاظه مشهورة، ـــــــــــــــــــــــــــــ بخلافها فطلبت من الأكبر قال الإمام الشافعي ولأن أظهر الأغراض منه الدعاء للجماعة ومنها القيام بها والقيام بالشيء أفضل من الدعاء إليه قال بعض المحققين والحق إن أدلة الفريقين قريبة من التكافؤ وأن المنقول من كلام الشافعي وأكثر الأصحاب ترجيح الأذان ومما يرجحه ورود ثواب فيه لم يرد في الإمامة وأفتى البلقيني بأن الرئيس الذي يراعي نحو الشمس والنجوم والأظلة لذكر الله تعالى وينصب محاريب المسلمين أفضل من المؤذن الذي يجهل ذلك من حيث أنه قائم بفرض والمؤذن قائم بسنة وهو أفضل منه من حيث القيام بالشعار وفضيلة الأذكار اهـ. باب صفة الأذان قوله: (علَمْ أَن أَلفاظَهُ مشهورَةٌ) قال القاضي عياض في الإكمال اعلم أن الأذان كلمات جامعة لعقيدة الإيمان ومشتملة على نوعيه من العقليات والسمعيات فابتدأ بإثبات الذات بقوله الله وما يستحق من الكمالات والتنزيه عن أضدادها متضمنة بحث قوله الله أكبر فإن هذه اللفظة مع قلة حروفها واختصار صيغتها مشعرة بما قلناه لمتأمله. قلت قال ابن حجر في شرح المشكاة وللاعتناء بشأن هذا المقام الأكبر كرر الدال عليه أربعًا إشعارًا بعظيم رفعته وكأن حكمة خصوص الأربع أن القصد بهذا التكرير تطهير شهود النفس بشهود ذلك عن شهواتها الناشئة عن طبائعها الأربع الناشئة عن أخلاطها الأربع وفي شرح العباب له وكان حكمة الأربع أن الطبائع أربع لكل منها كمال ونقص يخصه بإزاء كل منها كلمة من تلك ليزيد في كمالها ويطهر نقصها وكذا يقال بذلك في كل محل ورد فيه التربيع اهـ. قال القاضي ثم صرح بإثبات الوحدانية والألوهية ونفي ضدها من الشركة المستحيلة في حقه وهذه عمدة الإيمان والتوحيد المتقدمة على سائر وظائف الدين ثم جاء بإثبات النبوة لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ورسالته إلى هداية الخلق أجمعين ودعائه إلى الله تعالى إذ هي ثابتة بالشهادتين وموضعها بعد التوحيد لأنها من باب الأفعال الجائزة الوقوع وتلك المقدمات التي قبلها من باب الواجبات وهنا كمل تراجم العقائد العقليات فيما يجب ويستحيل ويجوز في

والترجيع عندنا سُنَّةٌ، وهو أنه إذا قال بعالي صوته: ـــــــــــــــــــــــــــــ حقه تعالى ثم دعا إلى ما دعاهم إليه من العبادات فصرح بالصلاة ثم رتبها بعد إثبات النبوة إذ معرفة وجوبها من جهته - صلى الله عليه وسلم - لا من جهة العقل زاد غير القاضي ثم أشار إلى بقية الفروع إجمالًا تعذر تفصيلها ولئلا يشذ عن الأذان شيء كما لم يشذ من العقائد عنه شيء فقال حي على الفلاح وقال القاضي عياض هو البقاء في النعيم وفيه الإشعار بأمور الآخرة من البعث والجزاء وهي آخر تراجم العقائد الإسلامية ثم كرر التكبير آخره إشارة إلى الاعتناء السابق لأن هذا المقام هو الأصل المبني عليه جميع ما تقرر من العقائد والقواعد وختم ذلك بكلمة التوحيد إشارة للتوحيد المحض ومن ثم كانت مرة فقط وسقط منها لفظ أشهد قصدًا لسرعة الانتقال إلى ذلك وكان آخره اسم الله ليطابق البداءة به إشارة إلى أنه الأول والآخر في كل شيء قال القاضي ثم كرر ذلك عند إقامة الصلاة للإعلام بالشروع فيها وفي ذلك تأكيد الإيمان وتكرار ذكره عند الشروع في العبادة بالقلب واللسان ليدخل المصلي فيها على بينة من أمره وبصيرة من إيمانه ويستشعر عظيم ما دخل فيه وعظيم حق من عبده وجزيل ثوابه على عباده اهـ. قال في شرح العباب وكرر ذلك مكررًا أهمه فقط في الصلاة قصد التأكيد الإيمان إلخ. قوله: (وَالترجيع عِنْدَنَا سُنَّة) لخبر مسلم عن أبي محذورة أنه - صلى الله عليه وسلم - علمه الأذان كذلك ورواه أبو داود والنسائي وفي التمهيد لابن عبد البر واتفق مالك والشافعي على الترجيع في الأذان وقال أبو حنيفة وأصحابه لا ترجيع في الأذان اهـ. وفي شرح الهداية لابن الهمام ويرجح عدم الترجيع بأن حديث عبد الله بن زيد هو الأصل في الأذان وليس فيه ترجيع اهـ. وقال البيهقي اتفاق أبي محذورة وأولاده في حرم الله تعالى وسعد القرظ في حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إثبات الترجيع وإفراد الإقامة مع توافر الصحابة فمن بعدهم مؤذن بضعف ما سواه اهـ. بمعناه وفي قول إن الترجيع ركن لا يصح الأذان إلَّا به حكاه المصنف في شرح مسلم ورد بحذفه من أحاديث صحيحة مع عدم إخلال حذفه بالإعلام المشروع له الأذان وحكمته تدبر كلمتي الإخلاص لكونهما المنجيتين من الكفر المدخلتين في الإسلام وتدبر هذا الفضل العظيم من ظهورهما بعد مزيد خفائهما في أول الإسلام وظاهر كلامه إن الترجيع اسم لمجموع السر والجهر وهو ظاهر

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، قال سرًّا بحيث يُسمِع نفسه ـــــــــــــــــــــــــــــ كلام الروضة وأصلها لكن في التحقيق والمجموع والدقائق والتحرير أنه اسم للأول وصوبه الأذرعي وجرى عليه صاحب العباب وفي شرح مسلم أنه اسم للثاني قال في شرح العباب وفي نص ما يشهد له ومال إليه الزركشي وسمي بذلك لأنه رجع إلى الرفع بعد تركه أو إلى الشهادتين بعد ذكرهما وبين المصنف المراد بالأسرار قال في العباب فإن جهر بالأولين أسر بالآخرين قال شارحه هو ما بحثه الزركشي ثم قال أنه راه نص عليه في الأم وما ذكره من النص لا يشهد لما قاله وعلى التنزل فهو إنما يأتي على أن الترجيع اسم لهما أو للثاني الذي مال هو إليه لأنه لم يفت وقته أما على المعتمد للأسرار فلا لأنه بالجهر فوت سنة الترجيع فلا يأتي بعد الشهادتين اللتين جهر بهما بشيء لفوات وقت الترجيع بفوات محله اهـ، باختصار. قوله: (الله أَكبر الله أَكبر) قال المصنف في المجموع قال البندنيجي وصاحب البيان ويستحب وقوف المؤذن على آخر الكلمات قال الهروي وعوام الناس يقولون الله أكبر بضم الراء وكان المبرد يفتح الراء من أكبر الأولى ويسكن الثانية قال لأن الإتيان روي موقوفًا كقوله حي على الصلاة حي على الصلاة فكان الأصل أن يقول الله أكبر الله أكبر بإسكان الراء فحولت فتحة الألف من اسم الله في اللفظة الثانية إلى الراء قبلها ففتحت كقوله تعالى (الم (1) اللَّهُ لَا إلَهَ إِلا هُوَ) [آل عمران: 1، 2] قال صاحب التتمة يجمع كل تكبيرتين بصوت لأنه خفيف انتهت عبارة المجموع وقد بين هذا المقام وأطنب فيه ابن حجر في شرح العباب بما لم يوجد مجموعًا لغيره في كتاب فلذا أحببت نقله برمته وإن كان فيه طول لعموم نفعه وجزيل عائدته. قال بعد نقل كلام المجموع وهو ظاهر في اعتماد الأول لتقديمه وتقدير علته وهو أنه روي موقوفًا على أن ما بعده لا ينافيه كما هو ظاهر لأنه بيان لما هو الجائز أو الأفصح عند إرادة ترك السنة التي هي الوقف ولا ينافيه أيضًا ما ذكره عن صاحب التتمة لأنه لا يلزم من القرآن تحريك الراء الأولى بل يوجد مع الوقف عليها بسكتة لطيفة وبهذا يعلم أن لقول المبرد وجهًا وجيهًا ومن ثم وافقه ابن الأنباري وجماعة وإن قول ابن هشام في المغني نقل عن المبرد وجمع إن حركة الراء فتحة وأنه وصل بنية الوقف ثم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قيل هي حركة الساكنين وقيل حركة الراء نقلت وكل هذا خروج عن الظاهر لغير داعٍ والصواب إن حركة الراء إعرابية وليس لهمزة الوصل

ومن بقربه: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله. ثم يعود إلى الجهر وإعلاء الصوت، فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله. والتثويب أيضًا مسنون عندنا، وهو أن يقول في أذان الصبح خاصة بعد فراغه ـــــــــــــــــــــــــــــ ثبوت في الدرج فتنقل حركتها اهـ. وقول شيخنا زكريا تبعًا لكلام الهروي وهو القياس وما علل به المبرد ممنوع إذ الوقف ليس على أكبر الأولى وليس هو مثل الميم من الم كما لا يخفى اهـ، ممنوع وإن قال ابن دحية ما قاله المبرد خطأ عند البصريين وقال في الخادم إن المبرد نوزع في ذلك وذلك لما علمت أنه يسن الوقف على أكبر الأول أيضًا فيرجع الفتح لذلك وإن سلمنا أنه ليس مثل ميم من حيث أنه مبني قياسه الفتح لأنه أخف وأكبر معرب مرفوع لأن طلب الوقف على أكبر الأول صيره كالساكن أصالة فحرك بالفتح لالتقاء الساكنين فالحركة لالتقائهما بالاعتبار وبه اندفع تخطئة ابني دحية وهشام السابقة لأنهما بنياها على هذا المنفي وكأن من قال لو وصل كلمات الأذان لم يجز غير الفتح وعلله بما ذكره المبرد نظر إلى ما ذكرته من ذلك الاعتبار لكن نفيه الجواز غريب بعيد وظهر أن لما نقله الزركشي من جواز الكسر أيضًا وجها وإنما اختير الفتح عليه حفظا لتفخيم اللام وإن قوله يجوز الإسكان بسكتة لطيفة فيه نظر لما تقرر أن الإسكان بذلك سنة وإن قوله في أحكام المساجد كل من الرفع والفتح غلط هو الغلط اللهم إلَّا أن يكون مراده إن كلا منهما غلط من حيث مخالفته للسنة ثم رأيت بعض المحققين من المتكلمين على المغني صرح بما ذكرته فقال ردًّا عليه بل هو خروج عن الظاهر لداع صحيح إذ الأذان لم يسمع إلّا موقوفًا قال النخعي الأذان جزم ففي نقل الحركة إيذان بأنه واقف حكمًا ولولا ذلك لما نقل وإنما فعله حرصًا على عدم الخروج بالكلية عن السنة في الأذان من إيراد كلماته موقوفًا على أواخرها فهو إن لم يقف حسًّا فقد وقف حكمًا من جهة أنه اعتبر آخر الكلمة ساكنًا لأجل الوقف ثم نقل إليها حركة الهمزة ووصل مع نية الوقف ولو ضم الراء بالحركة الإعرابية كما استصوبه المصنف كان غير واقف لا حسًّا ولا حكمًا فخرج عن سنة الأذان بالكلية فبان إن ثم غرضًا صحيحًا وداعيًا مقبولًا إلى ارتكاب ذلك واحتجاج المصنف بأن همزة الوصل لا ثبوت لها في الدرج لا يفيد إذا فرضنا إن الناقل حركتها إلى الراء واقف حكمًا لا وصلًا فلهمزة الوصل ثبوت إذ الدرج مفقود حكمًا فتأمله اهـ. فإن قلت لا نسلم أن الوقف على أكبر الأولى سنة وكلام المجموع لا يدل لذلك لأنه إنما ذكر الوقف على آخر كلمات الأذان والآخر في كلمتي التكبير هو الثانية ونقله ما مر عن الهروي والمبرد ليس معارضًا لما قبله لأنه في أواخر الكلمات وما قالاه في الراء الأولى وليست من الآخر وحينئذٍ فليس معنى الوقف فيها إلا قوليهما والأرجح منه كلام الهروي لأن كلام المبرد مبني على أن الوقف على الراء وقد تقرر أنه لا وقف عليها. قلت هذا كله ممكن إلَّا أنه صريح عبارة المجموع السابقة فتأملها ثم رأيت القمولي وغيره فهموا من عبارة المجموع ما ذكرته فقالوا يسن الوقف على آخر كلمات الأذان وقال الهروي إلى آخر ما مر فجعلوا كلام الهروي والمبرد مقابلًا لندب الوقوف على الآخر الشامل لا كبر الأول ثم قضية علة المبرد أن الأولى في الإقامة الضم لأنه ليس الأصل فيها الوقف أي لأنه يسن إدراج كلماته كما سيأتي انتهى برمته والله أعلم. قوله: (ومَنْ بِقُرْبِهِ) أي عرفًا أو يسمعه أهل المسجد الذي هو واقف عليه المعتدل الخطة بكسر الخاء المعجمة أي المتوسطها. قوله: (والتَّثويبَ سنة عِنْدَنا) هو بالمثلثة ويقال التثويب من ثاب إذا رجع لأن المؤذن دعا إلى الصلاة بالحيعلتين ثم عاد فدعا إليها بذلك. فإن قلت إذا كان كل من الحيعلات فيه دعاء إلى الصلاة فهو بالتثويب مستمر في الدعاء إليها لا عائد إليه. قلت هو عائد إلى الدعاء إليها بخصوصها بعد أن دعا إليها وإلى غيرها بقوله حي على الفلاح فهو أولًا دعا إلى الخصوص بحي على الصلاة ثم إلى العموم بحي على الفلاح ثم عاد إلى الدعاء بالخصوص بقوله الصلاة خير من النوم وقيل أصل التثويب أن يجيء الرجل مستصرخًا فيلوح بثوبه ليرى ويشتهر فسمي الدعاء إلى الصلاة تثويبًا لذلك وكل داع مثوب ودليل استحبابه ذكره في أذان الصبح في حديث أبي محذورة رواه أبو داود وفي التمهيد وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أيضًا من حديث عبد الله بن زيد ورواه ابن خزيمة عن أنس بلفظ من السنة

من حيَّ على الفلاح: ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا قال المؤذن في أذان الفجر حي على الفلاح قال الصلاة خير من النوم وقول الصحابي من السنة كذا حكمه حكم المرفوع على الأصح وسيأتي لهذا مزيد عند قول المصنف وقد جاءت الأحاديث بالتثويب والترجيع وفي التمهيد اختلفوا في التثويب لصلاة الصبح فقال مالك والثوري والليث يثوب وهو قول الشافعي بالعراق وقال بمصر لا يقول ذلك وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يثوب في نفس الأذان ويثوب بعده إن شاء وروي عنه جوازه في الأذان وعليه عمل الناس اهـ، وسكت شارح الحصين مع كونه حنفيا على قوله في الأصل ويزاد في أذان الصبح الصلاة خير من النوم وقال قال ابن الهمام روى ابن ماجة عن سعيد بن المسيب عن بلال أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤذنه بصلاة الفجر فقيل له هو نائم فقال الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم مرتين فأقرت في تأذين الفجر وابن المسيب لم يدرك بلالا فهو منقطع وهو حجة عندنا بعد عدالة الرواة وثقتهم على أنه روي في حديث أبي محذورة اهـ، وخص التثويب بالصبح لما يعرض للنائم من التكاسل بسبب النوم والصحيح أن التثويب في أذانيه كما صرح به في التحقيق ونقله في المجموع عن كلام الأصحاب ويمكن حمل عبارته هنا على ذلك لأن المفرد المضاف للعموم وقال البغوي وأقره في الروضة ورجحه في الشرح الصغير والسبكي وغيره إن ثوب في الأول لا يثوب في الثاني وضعفه بعض المتأخرين ويثوب في أذان الفائت أيضًا كما صرح به ابن عجيل اليمني وأقره الزركشي وأبو زرعة وغيرهما نظرًا إلى أصله قيل التثويب هو المحفوظ من فعل بلا ولم ينقل إن ابن أم مكتوم كان يقوله وخرج بأذان الصبح غيره فيكره لقوله - صلى الله عليه وسلم - من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد رواه الشيخان وفي حديث ضعيف عن بلال أمرني - صلى الله عليه وسلم - إن أثوب في الفجر ونهى إن أثوب في العشاء وفي رواية لا يثوب إلَّا في صلاة الصبح وهو ضعيف ومرسل كما في الخلاصة للمصنف. قوله: (من حَيَّ عَلَى الفَلاح) أي يأتي بالتثويب بعد فراغه من هذا القول قال الأبي في شرح مسلم حي اسم فعل بمعنى هلم وأقبل ومنه قول ابن مسعود إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر أي اقبل وهلم بذكره قال ابن الأنباري وفتحت فيه الهاء لسكونها مع الياء التي قبلها كليت اهـ. وقال الأزهري معنى حي هلم وعجل قال البعلي وقد يتركب حي مع هلا

الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم. ـــــــــــــــــــــــــــــ ومع علا فيقال حيْهلا وحيعلا وفيهما عدة أوجه نظمها شيخنا أبو محمد بن مالك في هذا البيت: حيهل حيهل احفظ ثم حيهلا ... أو نون أو حيهل ثم حي علا وهي كلمة استعجال قال لبيد: يتمارى في الذي قلت له ... ولقد يسمع قولي حيهلا اهـ: وبقي عليه لغتان هما حيهلا بسكون الهاء والتنوين وحيهلا كذلك بألف من غير تنوين لإرادة التنكير وإسكان الهاء كراهة اجتماع الحركات وهذه اللغات السبع حسماها صاحب البسيط وقال ذهب أبو علي إلى أن في كل واحد منهما ضميرًا واحدًا لأنهما صار بمنزلة الكلمة الواحدة وجاء متعديًا بنفسه كحيهلا الثريد أي ائته أو احضره أو أقر به وبالباء كحيهلا بعمر أي ائت به وبإلى كحيهلا إلى كذا أي سارع وبادر إليه وبعلى كحيهلا على كذا أي أقبل عليه وقال ابن يعيش في شرح المفصل حيهلا من أسماء الأفعال مركب من حي وهل وهما صوتان معناهما الحث والاستعجال وجمع بينهما وبنى للمبالغة وكان الوجه ألا ينصرف كحضرموت إلَّا أنه وقع موقع فعل الأمر فبنى كصه ومه ويستعمل حي وحده نحو حي على الفلاح وهلا وحدها واستعمال حي وحدها أكثر من استعمال هلا وحده اهـ، والفلاح هو الفوز ومنه حديث استفلحي برأيك أي فوزي وقيل البقاء ومنه. لكل هم من الهموم سعه ... والمسى والصبح لا فلاح معه وقال في المطلع نقلًا عن الأزهري الفلاح الفوز بالبقاء والخلود في النعيم المقيم ويقال للفائز مفلح ولكل من أصاب خيرًا مفلح قال بعضهم ليس في كلام العرب كلمة أجمع للخير من الفلاح قال الأبي وعدي حي بعلى لأن أقبل يتعدى بها ومنه قوله تعالى: {قَالُوا وَأَقبَلُوا عليهم} [يوسف: 71]. قوله: (الصلاةُ خير مِنَ النَّوْمِ) قال في المستعذب معناه اليقظة للصلاة وقيل الراحة التي يعتاضون بها يوم القيامة من شدة فرط قيام الليل ومكابدته خير من راحة النوم الذي هو الموت وقيل المعنى الخير في الصلاة لا في النوم اهـ. وقال بعضهم أقرب من هذا أن المراد صلاة الصبح التي شرع فيها التثويب فاللام فيها للعهد أي الصلاة التي دعيتم الآن لها خير من النوم عنها لأن الصلاة غنيمة وفي النوم سلامة فليست الخيرية منتفية عن النوم إذ السلامة

وقد جاءت الأحاديث بالترجيع والتثويب، وهي مشهورة. واعلم أنه لو ترك الترجيع والتثويب ـــــــــــــــــــــــــــــ خير كثير لكن الغنيمة من حيث اشتمالها عليها، إذ لا غنيمة إلَّا بعد السلامة، خير منه فالتفضيل هنا على بابه نعم قد يقال إنما شرع التثويب خطابًا للمتيقظ حينئذٍ إما بالأذان أو غيره بأن لا ينام عن الصلاة بعد سماع مناديها فيعرضها للفوات وربما عصى به وذلك بأن يكون استيقاظه بعد طول الفجر ثم ينام ولا يغلب على ظنه استيقاظ فنومه حينئذٍ لا خير فيه أصلًا لأنه عاصٍ به اهـ. قوله: (وَقدْ جاءَتِ الأَحادِيث فِي التَّرجيعِ وَالتَّثويب إلخ) قال الحافظ أما الترجيع فثبت فيه حديث أبي محذورة وجاء من وجه غريب عن سعد القرظ فعن أبي محذورة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر نحوًا من عشرين رجلًا أن يؤذنوا فأعجبه صوت أبي محذورة فعلمه الأذان الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلَّا الله أشهد أن لا إله إلَّا الله أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن لا إله إلَّا الله أشهد أن لا إله إلَّا الله أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله قال الحافظ بعد تخريجه حديث صحيح أخرجه أبو داود وأخرجه الترمذي والنسائي والطحاوي وابن خزيمة ومن طريق آخر عن أبي محذورة قال قلت علمني سنة الأذان قال فمسح برأسي فقال تقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلَّا الله أشهد أن لا إله إلَّا الله أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله تخفض بها صوتك ثم ترفع صوتك أشهد أن لا إله إلّا الله أشهد أن لا إله إلَّا الله أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله فذكر بقيته وزاد فإذا كان أذان صلاة الصبح قلت الصلاة خير من النوم مرتين قال الحافظ أخرجه أبو داود وأخرج الحافظ من طريق الطبراني عن أبي محذورة قال كنت أؤذن للنبي - صلى الله عليه وسلم - فأقول في أذان الفجر إذا قلت حي على الفلاح الصلاة خير من النوم مرتين قال الحافظ حديث حسن أخرجه النسائي وأخرج الحافظ عن أنس قال من السنة أن يقول المؤذن إذا قال حي على الفلاح في أذان الفجر الصلاة خير من النوم وقال حديث صحيح أخرجه الدارقطني وعن ابن المسيب عن بلال أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤذنه بالصلاة فقيل إنه نائم فنادى الصلاة خير من النوم فأقرت في صلاة الفجر حديث حسن أخرجه ابن ماجة ورجاله رجال الصحيح

صحَّ أذانه وكان تاركًا للأفضل، ولا يصحُّ أذان من لا يميز، ولا المرأةِ، ولا الكافر، ويصحُّ أذان الصبي المميز، وإذا أذن الكافر وأتى بالشهادتين كان ذلك إسلامًا على المذهب الصحيح المختار، وقال بعض أصحابنا: لا يكون إسلامًا، ولا خلاف أنه لا يصحُّ أذانه، لأن أوَّله كان قبل الحكم بإسلامه، وفي الباب فروع كثيرة مقررة في كتب الفقه ليس هذا موضع إيرادها. ـــــــــــــــــــــــــــــ لكن اختلف على الزهري في سنده وسعيد لم يسمع من بلال وقد أخرجه أحمد من وجه آخر عن ابن المسيب مرسلًا اهـ. قوله: (صح أذانه) أي لأصح أعلى وإلا فقد سبق حكاية المصنف لقول أنه ركن. قوله: (وَلا يصح أَذَانُ مَنْ لَا يميِّز) أي كمجنون ومغمى عليه وصبي قبل التمييز لعدم تأهله للعبادة نعم يصح أذان السكران أوائل نشوته لانتظام قصده وفعله. قوله: (وَلَا المرأَةَ) ومثلها الخنثى فلا يصح أذانهما للرجال أو الخناثى كما لا يصح إمامتهما لهما ولا فرق بين المحارم وغيرهم كما اقتضاه كلام الشيخين وغيرهما خلافًا لما أشار إليه الأسنوي نعم إن بانت ذكورة الخنثى عقب أذانه فالوجه إجزاؤه أما أذانها للنساء فيجوز بلا كراهة كما في الروضة لكن لا يثاب عليه ثواب الأذان لكونه غير مطلوب منها بل ثواب التمجيد فإن جهرت فوق أسماع النساء حرم وهل تثاب معه لاختلاف الجهة أو لا محل نظر والأقرب كما في شرح العباب الأول كالصلاة في المغصوب قال في العباب وغيره والخنثى كالأنثى نعم لا تقيم المرأة له كما هو ظافر لاحتمال كونه رجلًا ولا يصح أذانه لمثله ولا للنساء لحرمة نظر الفريقين إليه وسيأتي لهذا مزيد في فصل آخر الباب. قوله: (ويصح أَذان المميزِ) أي ويتأدى بأذانه وإقامته الشعار وإن لم يقبل خبره بدخول الوقت وما في المجموع عن الجمهور من قبول خبره فيما طريقه المشاهدة دون الأخبار كرؤية النجاسة ضعيف كما ذكره هو في باب الشك في نجاسة الماء قال الأسنوي الأصح عند الأصوليين والمحدثين والفقهاء أنه لا يقبل خبره إلّا فيما احتفت به قرينة كالإذن في دخول الدار وإيصال الهدية والإخبار بطلب ذي وليمة عرس له فيلزمه إجابته إن وقع في قلبه صدقه. قوله: (وأَتَى بالشهادَتَينِ) أي مع الإيمان بالقلب. قوله: (كأن ذلك) أي الإتيان بالشهادتين باللسان مع التصديق القلبي بالجنان

باب صفة الإقامة

باب صفة الإقامة المذهب الصحيح المختار الذي جاءت به الأحاديث الصحيحة أن الإقامة إحدى عشرة كلمة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. ـــــــــــــــــــــــــــــ إسلامًا لنطقه بهما اختيارًا ولا نظر لاحتمال الحكاية وفي المجموع لغير العيسوي في نطقه بالشهادتين ثلاثة أحوال أحدها أن يقول سمعت الناس تقولهما فقلتهما حكاية فلا يصير مسلمًا قطعًا الثاني أن يقولهما بعد أن يؤمر بهما فيصير مسلمًا قطعًا الثالث أن يقولهما ابتداءً لا بحكاية ولا باستدعاء والأصح أنه يصير مسلمًا والكلام فيمن كفر بنفي التوحيد لما في الردة أن المشبه لا يسلم بالشهادتين حتى يعلم أن محمدًا جاء بنفي التشبيه وكذا من يزعم قدم شيء مع الله تعالى وكذا الوثني حتى يتبرأ من أن الوثن يقربه إلى الله ومحل الخلاف في غير العيسوي والعيسوية فرقة من اليهود تنسب إلى أبي عيسى إسحاق بن يعقوب الأصبهاني كان في خلافة المنصور يعتقد إن محمدًا رسول الله إلى العرب خاصة فلا يحكم بإسلامه بذلك لأنه يدّعي الاختصاص بل لا بد من أن يقول وأن محمدًا رسول الله إلى جميع الخلق، ولا نظر إلى أنه يلزم العيسوي أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - رسول إلى الناس كافة إذ النبي لا يكذب بإجماع أهل الملل، لأنه إما أن ينكر إخباره بذلك أو حقيقته وإن أخبر به فيكون كفره بتكذيبه له، فاندفع بنظير الزركشي في عدم إسلامه نظرًا إلى أنه يلزم من اعتقاده رسالته إلى العرب اعتقاد رسالته إلى غيرهم لأن النبي لا يكذب اهـ، ومع الحكم بالإسلام للكافر يقيده السابق بالأذان فلا يصح أذانه لوقوع ابتدائه في الكفر والله أعلم. باب صفة الإقامة قوله: (المذهبُ الصحيحُ المختارُ الذي جاءَتْ بهِ الأحادِيث الصحيحةُ) قال الحافظ الذي في الصحيحين حديث أنس أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة وفي رواية إلَّا الإقامة وفي أخرى إلَّا قوله قد قامت الصلاة وأخرجه النسائي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأبو عوانة في صحيحه بلفظ أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالًا وجاء في غيرهما عن بلال وجابر وسعد القرظ وسلمة بن الأكوع وعبد الله بن زيد بن عبد ربه رائي الأذان وعبد الله بن عمر وأبي جحيفة وأبي رافع وأبي محذورة وأبي هريرة - رضي الله عنه - في شيء منها تفضيل الإقامة إلّا في حديث عبد الله بن زيد وهو في أحد طريقيه عند أبي داود والترمذي ونقل عن البخاري أنه صححه وصححه محمد بن يحيى الذهلي وابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والحاكم قال الحافظ وكأنهم صححوه لموافقته ما دل عليه حديث أنس في الصحيحين ومما صحح أيضًا في هذا الباب حديث ابن عمر صححه أبو عوانة من وجهين وهو عند أصحاب السنن وابن خزيمة أيضًا وابن حبان من أحد الوجهين ولفظه كان الأذان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرتين مرتين والإقامة مرة مرة إلّا قوله قد قامت الصلاة وأما حديث بلال وسائر من ذكر بعده ففي إسناد كل منها مقال وهي عند الطبراني والدارقطني إلَّا حديث جابر فعنده في الأفراد وإلَّا حديث أبي رافع ففي ابن ماجة وقد اختلفت الرواية على عبد الله بن زيد في تثنية الإقامة وأخرج ابن خزيمة وأبو داود من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن زيد ألفاظ الإقامة مرتين وأعله ابن خزيمة بالانقطاع والاضطراب أما الانقطاع فلأن عبد الرحمن لم يدرك عبد الله بن زيد لأنه استشهد باليمامة في خلافة الصديق وولد عبد الرحمن في خلافة عمر وأما الاضطراب فقيل عنه هكذا وقيل عنه عن معاذ وقيل عنه عن أصحابه وقيل عنه عن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - واختلفت الرواية أيضًا عن أبي محذورة وأشهرها عنه الأذان بالترجيع والإقامة مرتين أخرجها أحمد وابن خزيمة وأصحاب السنن فذكروا فيها الإقامة كالأذان سواء لكن بغير ترجيع وزيادة قد قامت الصلاة مرتين واختصره بعضهم بلفظ علمني الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة ودعاء تشفيع الإقامة عن أبي جحيفة أيضًا عند الطبراني قال الحافظ وقد اختلف العلماء في الجمع بين هذه الإخبار فمنهم من رجح إفراد لفظ الإقامة ومنهم من رجح شفعها فمن حجة الأول كثرتها وأصحيتها ومن حجة الثاني تأخير قصة أبي محذورة عن قصة عبد الله بن زيد لأن رؤيا ابن زيد الأذان كانت في أوائل الهجرة إلى المدينة وتعليم أبي محذورة كان في أواخر الثامنة لما رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من حنين ليكون ناسخًا وقد أجاب الإمام أحمد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بأن بلالًا أذن بعد ذلك للنبي شفعًا وأقام فرادى ومنهم من جعله من الاختلاف المباح وسلك ابن خزيمة في الجمع مسلكًا آخر فقال إن لم يرجع أفرد الإقامة على ما في حديث عبد الله بن زيد وإن رجع شفع الإقامة على ما في حديث أبي محذورة اهـ، وقد بسط الكلام على اختلاف العلماء في هذه المسألة ابن عبد البر فقال في التمهيد ما حاصله أما اختلافهم في الإقامة فذهب مالك والشافعي إلى أن الإقامة مفردة إلَّا قوله الله أكبر في الموضعين فإنه مكرر مرتين وقال الشافعي وإلا قد قامت الصلاة فمرتين وعند مالك مرة واحدة وأكثر الآثار على ما قاله الشافعي فيه وعليه أكثر الناس. قلت وفي حاشية عليه كل الأحاديث جاءت بتثنية قد قامت الصلاة في الإقامة وبه قال عامة العلماء وسائر المحدثين في كل الأقطار إلّا مالكًا فقال بالإفراد قال في التمهيد ومذهب الليث في هذا كله مذهب مالك وقال أبو حنيفة والثوري الإقامة والأذان سواء مثنى مثنى يقول في أول أذانه وإقامته الله أكبر أربع مرات وذهب أحمد وآخرون إلى إجازة القول بكل ما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - وحملوا ذلك على الإباحة والتخيير قالوا لأنه قد ثبت جميع ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمل به أصحابه بعده فمن شاء أفرد ومن شاء ثنّى اهـ. قال في شرح العباب ومعظم الأذان مثنى مثنى ومعظم الإقامة فرادى لورود ذلك في خبر عبد الله بن زيد وهو صحيح وفي خبر أنس أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة وهي في الصحيحين وغيرهما وخبر ابن عمر إنما كان الأذان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرتين مرتين والإقامة مرة مرة غير أنه يقول قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة وهو صحيح والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة ولمزيد شهرة رواتها وعدالتهم قدمها الشافعي وأصحابه على ما صح عند الترمذي من قول أبي محذورة علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة على أن الرواية اختلفت عن أبي محذورة فروي عنه جمع أفرادها كما بينته وأيضًا فأنا والحنفية متفقون على عدم العمل بظاهر حديثه هذا لأن فيه الترجيع وهم لا يقولون به وتثنيتها ونحن لا نقول به فلا بد لنا ولهم من تأويله فكان الأخذ بالإفراد أولى لأنه الموافق لباقي الروايات والأحاديث الصحيحة وقد بين البيهقي أن التعبير بسبع عشرة كلمة وقع

فصل: واعلم أن الأذان والإقامة سنتان عندنا على المذهب الصحيح المختار، سواء في ذلك أذان الجمعة وغيرها. وقال بعض أصحابنا: هما فرض كفاية، وقال بعضهم: هما فرض كفاية في الجمعة دون غيرها، فإن قلنا: فرض كفاية، فلو تركه أهل البلد أو محلَّة قوتلوا على تركه، وإن قلنا: سنة لم يقاتلوا على المذهب الصحيح المختار، كما لا يقاتلون على سُنة الظهر وشِبْهها، وقال بعض أصحابنا: يقاتَلون لأنه شعار ظاهر. فصل: ويُستحبُّ ترتيل الأذان ـــــــــــــــــــــــــــــ من تفسير بعض الرواة توهمًا منه أنه المراد من تثنية الإقامة وليس المراد بل تثنية كلمتي الإقامة وبين أيضًا أن اتفاق أبي محذورة وأولاده في حرم الله تعالى وسعد القرظ وأولاده في حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إثبات الترجيع وإفراد الإقامة مع توفر الصحابة ومن بعدهم يؤذن بضعف رواية تثنيتها واحتج على ذلك بكلام مالك والشافعي وغيرهما ومن ثم أجمع فقهاء أصحاب الحديث على إفراده اهـ، والحكمة في إفراد الإقامة وتثنية الأذان أنه للغائبين فكرر ليكون أبلغ في إعلامهم وهي للحاضرين فلا حاجة إلى تكرارها ولذا قال أصحابنا يكون صوته في الإقامة دونه في الأذان وإنما كرر لفظ الإقامة خاصة لأنه مقصود الإقامة ولما كان لفظ التكبير في الأذان أربعًا وفي الإقامة اثنين صار كأنه إفراد بالنظر لذلك ولذا استحب كون كل تكبيرتين في نفس والله أعلم. فصل قوله: (سنَّة) استشكل قول المصنف أنهما سنة مع قوله في الجماعة أنها فرض كفاية مع أنهما وسيلة وللوسائل حكم المقاصد وأيضًا ما لا يتم الواجب إلّا به واجب ويرد بمنع كونهما وسيلة لعدم توقفها عليهما على أن هذا إنما يأتي على الضعيف إن الأذان حق للجماعة والأصح خلافه. قوله: (قُوتِلُوا) أي بعد الإنذار والمقاتل لهم هو الإمام لأن ذلك لكونه محل نظر واجتهاد ليس للآحاد. قوله: (وَقَال بَعضُ أَصحابِنَا يقاتَلونَ لأَنه شِعار ظاهر) أي والإمام يقاتل على ترك السنة إذا كانت شعارًا ظاهرًا من شعار الإسلام ورد بأنه لا قتال على ترك سائر السنن وقتال الصحابة تاركيه لأن تركه كان في زمنهم علامة على الكفر. فصل قوله: (ويستحَب تَرْتيلُ الأَذَانِ وَرَفْعُ الصوتِ إلخ)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما الترتيل فقال الحافظ بعد تخريج حديث علي رضي الله عنه كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا أن نرتل الأذان وأن نحذف الإقامة هذا حديث غريب أخرجه الدارقطني في السنن ورجاله موثقون إلا ثلاثة منهم وجاء في معناه عن جابر قال قال - صلى الله عليه وسلم - لبلال إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر قال الحافظ حديث غريب أخرجه الترمذي وقال لا نعرفه إلَّا من هذا الوجه وإسناده مجهول قال الحافظ عبد المنعم معروف بالضعف وسائر رواته موثقون إلّا يحيى بن مسلم فإنه مجهول وعليه يصب كلام الترمذي وجزم البيهقي بأنه يحيي البكاء قال الحافظ وهو ضعيف أيضًا وقد أخرج الحاكم في المستدرك هذا الحديث وأدخل بين عبد المنعم ويحيى بن مسلم عمرو بن فايد وقال ليس في رواته مطعون فيه إلَّا عمرو بن فايد قال الحافظ ويتعجب من كلامه فإنه إن كان ثابتًا في الإسناد وسلم عدم الطعن في الباقين فالحديث ضعيف بسبب عمرو فكيف يستدرك على الصحيحين والراجح أن زيادته في هذا الإسناد وهم فقد وقع التصريح عند الترمذي وغيره بالتحديث بين عبد المنعم ويحيى وأما قول الترمذي لا نعرفه إلّا من هذا الوجه فيرد عليه مجيئه من وجه آخر من طريق أبي هريرة مثل حديث جابر سواء أخرجه أبو الشيخ في كتاب الأذان وقال البيهقي الإسناد الأول أشهر من هذا قال الحافظ ورواة هذا موثقون إلَّا صبيح بن عمرو فلا يعرف إلّا في هذا الحديث وللمتن شاهد موقوف أخرجه الحافظ من طريق الدارقطني عن أبي الزبير مؤذن بيت المقدس قال جاءنا عمر رضي الله عنه قال إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر هذا حديث موقوف حسن الإسناد ونقل عن الأصمعي أن الحدم والحدر بمعنى والمراد به الإسراع قال الحافظ وهو المراد بالإدراج في كلام المصنف وأما رفع الصوت بالأذان فتقدمت الإشارة إليه في فصل الأذان عن أبي محذورة في بعض طرقه أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع وعن سعد القرظ أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بلالًا أن يجعل أصبعيه في أذنيه وقال أنه أرفع لصوتك قال الحافظ حديث حسن أخرجه ابن ماجة وجاء من فعل بلال أخرجه أبو داود اهـ. قال ابن حجر في شرح العباب ترتيل الأذان أي التأني فيه بأن يأتي بكلماته مبنية من غير تمطيط مجاوز الحد لما صح عند الحاكم لكن ضعفه الترمذي من الأمر به ومن ثم تأكد على المؤذنين أن يحترزوا من أغلاط يقعون فيها نحو مد همزة أشهد

ورفع الصوت به، ويستحبُّ إدراج الإقامة، ويكون صوتها أخفض من الأذان، ويستحبُّ أن يكون المؤذن حَسَن الصوت، ـــــــــــــــــــــــــــــ فتصير استفهامًا ومد باء أكبر فيصير جمع كبر بالفتح وهو طبل له وجه واحد قاله في المحكم ومن الوقف على إله والابتداء بإلا الله لأنه ربما يؤدي إلى الكفر ومن إدغام دال محمد في راء رسول الله لأنه لحن خفي عند القراء كذا في الخادم وهو غير معروف ولعل الأصل من عدم الإدغام فسقطت لفظة عدم إذ المعروف عند القراء هو الإدغام وإنما اختلفوا في كونه صغيرًا أو كبيرًا فتركه هو اللحن الخفي كذا في شرح العباب ومن مد ألف الله والصلاة والفلاح لأن الزيادة في حرف المد واللين على ما تكلمت به العرب لحن ومن فلب الألف هاء من إلا الله ومن عدم النطق بها الصلاة لئلا يصير دعاء إلى النار ويقع لهم أيضًا مد همزة أكبر ونحوها وهو خطأ ولحن فاحش ويحرم تلحين الأذان إن تولد منه بعض ما ذكر من الأغلاط وإلا فيكره والله أعلم. قوله: (ورفع الصوت به) قدر ما يسمع نفسه هذا للمنفرد لأن الغرض منه الذكر لا الإعلام وعلى هذا حمل ما نقل عن نصّ الشافعي من أنه لو أسر ببعض الأذان أجزأ وقدر ما يسمع واحدا إن كان يؤذن لجماعة ولا بد من إسماع الواحد جميع كلماته قال في المجموع لأن الجماعة تحصل بهما فلا يجزئ الإسرار ولو ببعضه ما عدا الترجيع لفوات الإعلام والإقامة في هذا التفصيل كالأذان فلا بد في الإقامة لهم من إسماع بعضهم ولو واحدًا جميع كلماتها ويبالغ كل منها في الرفع من غير أن يجهد نفسه لما سبق من حديث سعيد لا يسمع صوت المؤذن إلخ. قوله: (وَيُسْتَحَب إِدراجُ الإقامَةِ) أي إسراعها إذ أصل الإدراج الطي ثم استعير لإدخال بعض الكلمات في بعض لما صح من الأمر به وفارقت الأذان بأنه للغائبين والترتيب فيه أبلغ وهي للحاضرين فالإدراج فيها أشبه. قوله: (وَيكُونُ صوتُها أَخفضَ مِنَ الأذَانِ) أي بحيث يكون بقدر الحاجة كما نقله الزركشي عن العراقي وأقره فمع اتساع المسجد وكثرة الجماعة يحتاج للرفع أكثر منه مع ضد ذلك وفي الحالين لا يبلغ رفعها رفع الأذان. قوله: (حَسَنَ الصوتِ) لأمره - صلى الله عليه وسلم - نحوًا من عشرين رجلًا فأذنوا فأعجبه صوت أبي محذورة فعلمه الأذان رواه جماعة في رواية بلفظ

ثقةً، مأمونًا، خبيرًا بالوقت، متبرعًا، ويستحبُّ أن يؤذِّن ويقيم ـــــــــــــــــــــــــــــ فأعجبه صوت أبي محذورة وفي طريق آخر لقد سمعت في هؤلاء صوت إنسان حسن الصوت وكلاهما في السنن والثاني منهما عند ابن خزيمة ويؤخذ أيضًا من قوله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن زيد رائي الأذان قم فألقه على بلال فإنه أندى صوتًا منك بناء على أن المراد أطيب وقيل المراد به أرفع ولأنه لترقيقه قلوب السامعين يكون أرق فيكون ميلهم إلى الإجابة أكثر ولو وجد متبرع بالأذان وطلب حسن الصوت أجرة قدم لعموم نفعه وفي شرح مسلم للأبي قال عمر بن عبد العزيز لمؤذن أذن أذانًا سمحًا وإلا فاعتزلنا. قلت يذكر إن يهوديًّا كان يبعث ولده من سوق الصاغة بتونس فبطا عليه فسمع أن الولد يقف ينتظر أذان مؤذن حسن الصوت بمسجد سوق القلعة فخاف على ولده الإسلام وكان اليهودي يعرف مؤذنا فظيع الصوت بمسجد آخر فتحين أذانه ورفع ولده إليه حتى سمعه وقال له ذلك الذي يقوله المؤذن بسوق القلعة هو الذي يقوله هذا اهـ. قوله: (ثقة مأْمونًا) لخبر ضعيف وليؤذن لكم خياركم وفي الأم للشافعي وأحب أن يكون المؤذنون خيار الناس ولأنه أمين على الوقت ويطلع لعلو مكانه على العورات فإن أذن فاسق فيكره إذ لا يؤمن أن يؤذن في غير الوقت لكن يحصل بأذانه السنة وإن لم يقبل خبره. قوله: (مُتَبرِّعا) أي لا يأخذ عليه رزقا ولا أجرة لخبر من أذن سبع سنين محتسبا كتب الله له براءة من النار رواه الترمذي وغيره وفي إسناده مقال وروى الطبراني المؤذن المحتسب كالشهيد المتشحط في دمه إذا مات لم يدود في قبره. وقد نظمت بعض من لا يأكله الدود في قبره في بيتين فقلت: لا يأكل الدود جسمًا للنبي ولا ... مؤذن باحتساب والشهيد ذكي وعالم عامل لله مجتنبًا ... أكل الحرام كثير الدين والنسك قال في الأنوار ويكره أن يأخذ له أجرة ويدل له خبر الترمذي وحسنه ورواه باقي أصحاب السنن الأربعة كما قال الحافظ عن عثمان بن أبي العاص آخر ما عهد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن اتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا ففيه دليل ظاهر للكراهة ولا يرزق الإمام مؤذنًا وهناك متطوع عدل فإن كان فاسقًا أو أمينًا وثم أمين أحسن صوتًا غير متطوع رزقه من المصالح قدر حاجته وحاجة مموِّنه أو رزقه من ماله

قائمًا على طهارة وموضعٍ عالٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لا من الفيء ولا من الصدقات ولو تعدد المؤذنون والمساجد رزق الكل وإن تقاربت وأمكن جمع الناس بمسجد وقدم حتمًا الأهم كمؤذن الجامع إن ضاق سهم المصالح وإلا فندبا وللآحاد استئجاره بما تراضيا به وإذا استأجره الإمام لم يشترط ذكر الغاية فيكفي استأجرتك لتؤذن في هذا المسجد في أوقات الصلاة كل شهر بكذا وإن استأجره من ماله أو استأجره الآحاد اشترط ويستحق الإقامة تبعًا فلا يجوز إفرادها بعقد كذا في العباب. قوله: (قَائِمًا) بالإجماع لأمره - صلى الله عليه وسلم - بلالا به رواه الشيخان ولأنه أبلغ في الإعلام وكان القياس وجوبه كما قيل به إذ لم يرد ما يصرف الأمر به عن الوجوب وأذانه - صلى الله عليه وسلم - على راحلته لا يحتج به خلافًا لما وقع في المجموع لأنه في السفر والكلام في غيره قال ابن المنذر أجمع كل من يحفظ عنه العلم على أن السنة الأذان قائمًا اهـ، فيكره للقاعد وللمضطجع أشد والراكب المقيم لا المسافر فلا يكره له ذلك لحاجته للركوب لكن الأولى له ألا يؤذن إلا بعد نزوله لأنه لا بد له منه للفريضة وقضية كلام الرافعي أنه لا كراهة له في فعله راكبا وقاعدا ويوجه بأن من شأن السفر التعب والمشقة فسومح له قال الأسنوي ولا يكره له ترك الاستقبال والمشي لاحتماله في صلاة النفل ففي أذانه أولى لكن محله في المشي بالنسبة لغيره أن يكون بحيث يسمع آخره من يسمع أوله وإلَّا فلا يجزئه لهم بل لنفسه فقط كما في شرح العباب وغيره قال ابن الملقن في البدر المنير روينا إن ابن عمر كان يؤذن على البعير فينزل ويقيم وفي حديث النسائي عن أبي محذورة خرجت في سفر وكنا في بعض طرق حنين الحديث وفيه قم فأذن بالصلاة وقال عبد الحق فيما رده على المحلي وكذا تلقاه الناس قال ولم يرو عن أحد منهم أنه أذن راكبًا لغير عذر اهـ. قال الحافظ ودليل القيام والطهارة ما أخرجه أبو الشيخ في كتاب الأذان عن وائل قال حق وسنة ألا يؤذن إلا وهو طاهر وأنه لا يؤذن إلا وهو قائم أخرجه البيهقي وقال عبد الجبار لم يسمع من أبيه وائل وعند الترمذي عن أبي هريرة لا يؤذن إلا متوضٍ أخرجه مرفوعًا وموقوفًا ورجح الموقوف وفي سند كل منهما انقطاع اهـ. قوله: (عَالٍ) كمنارة بفتح الميم وسطح للخبر الآتي في بلال وابن أم مكتوم أنه لم يكن بين أذانيهما

مستقبل القبلة، فلو أذن أو أقام مستدبر القبلة، أو قاعدًا، أو مضطجعًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ إلَّا أن ينزل هذا ويرقي هذا وروى أبو داود عن امرأة من الأنصار من بني النجار كان بيتي طول بيت حول المسجد فكان بلال يؤذن فوقه من أول ما أذن إلى أن بنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسجده فكان يؤذن بعد على ظهر المسجد وقد رفع له عن شيء فوق ظهره قال الحافظ عند أبي الشيخ في كتاب الأذان من حديث أبي برزة الأسلمي قال من السنة الأذان في المنارة وأخرجه البيهقي من طريقه وقال إسناده واهٍ اهـ، ولزيادة الإعلام ومن ثم بنى عثمان رضي الله عنه المنائر، أما الإقامة فلا يسن فيها ذلك إلّا إن احتيج إليه لكبر المسجد كما في المجموع وفي البحر لو لم يكن للمسجد منارة يسن أن يؤذن على الباب وينبغي تقييده بما إذا تعذر في سطحه وإلّا فهو أولى كما هو ظاهر. قوله: (مستقبلَ القبلَةِ) لما وقع في بعض طرق حديث عبد الله في رؤياه الأذان قال فرأيت رجلًا عليه ثوبان أخضران استقبل القبلة فقال الله أكبر الله أكبر وساق الحديث هكذا في رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل في السنن وعبد الرحمن عن معاذ منقطع ولأنه المنقول سلفًا وخلفًا ولأنها أشرف الجهات نعم يسن فيه وفي الإقامة الالتفات بعنقه من غير تحويل صدره وقدميه عن الاستقبال ولو في منارة كالالتفات بسلام الصلاة أي بحيث يرى خده لا خداه يمينًا في كلمتي حي على الصلاة ثم يستقبل القبلة ثم يسارًا في كلمتي حي على الفلاح لأن بلالًا كان يفعل ذلك رواه الشيخان وفي رواية صحيحة فلما بلغ حي على الصلاة لوى عنقه يمينًا وشمالًا ولم يستدر ورواية فاستدار ضعيفة من سائر طرقها أو المراد بالاستدارة فيها الالتفات ليوافق رواية الالتفات قاله في المجموع وقول الحاكم إن الاستدارة سنة مستغربة صحيحة على شرط الشيخين مردود واختصت الحيعلتان بالالتفات لأن غيرهما ذكر الله وهما خطاب آدمي كالسلام في الصلاة يلتفت فيه دون غيره من الأذكار ويشرع في حيعلتي الإقامة كما هو ظاهر كلامهم لكن في الوسيط المشهور أنه مشروع عند قوله قد قامت الصلاة وظاهره ككلام البيان أنه يشرع عندهما فقط قال في شرح العباب ولو قيل يشرع عندهما وعند كلمة الإقامة لم يبعد وعليه فيقول يمينًا حي على الصلاة وشمالًا حي على الفلاح ويمينًا قد قامت الصلاة ثم يسارًا الأخرى وفارق ما مر في الأذان بأن

أو محدثًا، أو جنبًا صحَّ أذانه وكان مكروهًا، والكراهة في الجنب أشدَّ من المحدث، وكراهة الإقامة أشدّ. فصل: لا يشرع الأذان إلا للصلوات الخمس: الصبح والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، وسواء فيها الحاضرةً ـــــــــــــــــــــــــــــ كلا من مر في الحيعلة الأولى جنس واحد فناسبه التفات واحد وكذلك الثانية بخلاف ما هنا فناسبه التفات جديد وإنما كره الالتفات في الخطبة لأنها وعظ للحاضرين فالأدب ألا يعرض عنهم وفارقت الإقامة بأن القصد منها الإعلام فليس فيها ترك أدب اهـ. قوله: (وَمُحْدثًا) أي غير متيمم أو سلس أو فاقد طهور ومن أحدث في أذانه ولو بالجنابة أتمه ولا يسن قطعه فإن تطهر عن قرب جاز له البناء والاستئناف أولى. قوله: (والكراهة في الجُنب أشد) أي الجنب غير المتيمم وفاقد الطهورين أشد لغلظ حدثه وكراهة الإقامة من كل منهما أشد منها في الأذان لذلك إن اختلف سببها وإلا فلا لأن الإقامة تعقبها الصلاة فإن انتظره القوم ليتطهر شق عليهم وإلا ساءت به الظنون وقضية كلام المصنف والرافعي وغيرهما أن كراهة إقامة المحدث أشد من كراهة أذان الجنب لكن بحث الأسنوي في تساويهما والحيض والنفاس أغلظ من الجنابة فتكون الكراهة معهما أشد منها معها وبه صرح الزركشي وغيره ثم الكراهة في أذان من ذكر أما لغيرها فلا كما يؤخذ من العلة. فصل قوله: (لا يُشرَعُ الأذان) أي وكذا الإقامة إلَّا للصلوات الخمس ولا يندبان في غيرها كالسنن وصلاة الجنازة والمنذورة وفي شرح العباب وكذا المعادة في جماعة كما اقتضاه كلام الشامل بل يكرهان فيه كما في الأنوار وغيره وسكت المصنف عن بيان حكم الإقامة مع أنها آكد من الأذان كما نقله ابن عبد البر عن الشافعي لأنه - صلى الله عليه وسلم - تركه دونها في ثانية المجموعتين وبه يراد إفتاء بعض المتأخرين بأفضليته عليها إلّا أن يريد القيام بوظيفته أفضل لأنها أشق إما اكتفاء بالأذان إذ حيث سن سنت وحيث لم يسن هو لم تسن هي إلَّا فيما ذكر من المكتوبات إلَّا إذا صليت ولا يجمع أو قضاء قال في شرح العباب وتكره الصلاة جامعة في الفرائض بدلا عن الإقامة نعم ورد بسند حسن عن جابر يرفعه النداء بالصلاة جامعة في الخوف وهو غريب اهـ. قوله: (الصبح) يجوز فيه وجوه الإعراب الثلاثة فالجر على الاتباع بدل كل من كل بناء على سبق

والفائتة، وسواء الحاضرُ والمسافر، وسواء مَنْ صلى وحده أو في جماعة، ـــــــــــــــــــــــــــــ العطف على الإبدال والنصب بإضمار أعني والرفع بإضمار هي وهذان الوجهان جاريان في بدل المفصل من المجمل إذا استوفى العدة فإن لم يستوفها تعين الاتباع. قوله: (وَالفائتة) طلب الأذان في الفائتة وهو القول القديم للشافعي وهو المعتمد لقوة دليله بثبوته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة الوادي في صلاة الصبح: ثم نزل فتوضأ ثم أذن بلال فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين ثم صلى صلاة الغداة فصنع كما كان يصنع كل يوم متفق عليه وبقوله كما كان يصنع إلخ، مع رواية أبي داود عن عمرو بن أمية وعمران بن حصين أنه جمع بين الأذان والإقامة يندفع احتمال أن يراد بالأذان فيه الإقامة واقتصار مسلم عليها فيه اختصار وأما الخبر الصحيح عن أبي سعيد إنهم حبسوا يوم الخندق حين ذهبت طائفة من الليل فدعا - صلى الله عليه وسلم - بلالًا فأمره فأقام الظهر وما بعدها فصلاهن كما كان يصليهن في وقتهن فلا يعارض الخبر الأول لأنه أصح منه مع أن مع رواته زيادة علم على أن في طريق أخرى عن ابن مسعود في قضية الخندق أن بلالا أمر فأذن ثم أقام ولا يضر انقطاعها لأن المنقطع يصلح للتقوية قيل وهذا أولى مما في المجموع من الجواب بأنهما قضيتان في أيام الخندق لأنه لا يأتي إلا على الضعيف أن المنقطع حجة أما على الأصح أنه غير حجة فليس هناك قضية ثانية وفي شرح العباب يسن للفائتة في القديم وإن صلى وحده كما يصرح به كلامهم خلافًا لمن زعم أن شرطه يصليها جماعة لأن القديم يشترط في الأذان للمؤداة الجماعة ويجاب بأنه لا يلزم من اعتمادهم للقديم في الثانية اعتمادهم له في اشتراطه في الأذان للمؤداة بجماعة على أن في كون القديم يشترط ذلك جزمًا أو على خلاف فيه نظرًا ومما يرده نقل الرافعي وغيره عن القديم أنه حق للمكتوبة وعن الجديد قولين حق للجماعة حق الوقت فهذا تصريح منهم بأن القديم لا يشترط الجماعة في المؤداة فضلًا عن الفائتة اهـ. فإن قلت ما تقرر في كون الأذان حق المكتوبة يخالفه ما يأتي في قضاء الفوائت والمجموعتين من أنه لا يؤذن لغير الأولى. قلت لا يناقضه خلافًا لمن توهمه لأن وقوع الثانية تابعة حقيقة في الجمع وصورة في غيره صيرها كجزء من أجزاء الأولى فاكتفى بالأذان لها. قوله: (مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ) ظاهر إطلاقه شمول ما إذا سمع الأذان من غيره فيقتضي استحبابه له حينئذٍ وهو ما في التحقيق والتنقيح ونقله في المجموع عن نص الأم والشيخ أبي حامد

وإذا أذَّن واحد كفى عن الباقين، وإذا قضى فوائت في وقت واحد أذَّن للأولى وحدها، وأقام لكل صلاة. وإذا جمع بين الصلاتين، أدن للأولى وحدها، وأقام لكل واحدة، وأما غير الصلوات الخمس ـــــــــــــــــــــــــــــ وغيره ولا ينافيه قول القاضي أبي الطيب عن عامة الأصحاب فيمن دخل مسجدا قبل إقامة الصلاة أو بعده يجزيه أذان المؤذن وإقامته لأنا نقول بموجبه من الإجزاء حتى لا يكره تركهما وإنما الكلام في الاستحباب ولا تعرض منهم لنفيه بل لإثباته لأن هذا هو شأن سنة الكفاية كفرضها لكن في شرح مسلم للمصنف أن من سمع أذان الجماعة لا يشرع له وقواه الأذرعي والزركشي قال ابن حجر وينبغي حمله على أن مراده لا يتأكد حتى لا يكره له تركه أو على ما إذا أراد الصلاة معهم ويحمل الاستحباب على خلافه اهـ. قوله: (وَلَوْ أَذّنَ وَاحدٌ كَفى عَنِ الباقِينَ) لأنه سنة كفاية كابتداء الإسلام وفرع الزركشي على كونه سنة كفاية أنه لو أذن واحد لجمع لم يسن لكل منهم أن يؤذن والظاهر أنه مبني على ما تقدم عن شرح مسلم وإلَّا فالقياس ندبه لكل كما أن التسمية سنة كفاية على الأكمل فإذا أتى بها أحد الآكلين لا يقال للبقية لا يسن لكم الإتيان بها بل يقال سقط عنكم حرج تركها فقط وفرق ظاهر بين المقامين ولو أذن واحد في جانب فقط من قرية كبيرة حصلت السنة في ذلك الجانب فقط. قوله: (وإِذَا جَمَعَ بَينَ صَلاتَينِ) أي سواء كان لسفر أو مطر. قوله: (أَذّنَ للأُولى) سواء في جمع التأخير قدم الأولى أم الثانية كما في المجموع ونقل الزركشي عن النووي أنه يؤذن للثانية أيضًا سهو كيف وفي المجموع القول بالتأذين للثانية غلط. قوله: (وَأَقَامَ لِكُل وَاحدةٍ) ودليل ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - جمع بين العشاءين بمزدلفة بأذان وإقامتين رواه الشيخان عن جابر ولا يعارضه روايتهما عن ابن عمر أنه صلاهما بإقامتين لأن مع العلم زيادة علم على أن جابر استوفى أمور حجة الوداع وأتقنها فهو أولى بالاعتماد لأنه أشد الصحابة عناية بضبط المناسك وأيضًا فهولم يختلف عليه وابن عمر اختلف عليه فقد روى أبو داود عنه أنه أذن وأقام للمغرب وتقاس الفوائت بالمجموعتين على أنه مر التصريح بذلك في خبر ابن مسعود يوم الخندق ولا يضر انقطاعه لما مر ولأن المنقطع يعمل به في الفضائل وسكت المصنف عما إذا والى بين فائتة ومؤداة وحكمه كما ذكر إلَّا إن قدم الفائتة ثم دخل وقت الحاضرة

فلا يؤذن لشيء منها بلا خلاف، ثم منها ما يستحب أن يقال عند إرادة صلاتها في جماعة: الصلاة جامعة مثل ـــــــــــــــــــــــــــــ فيعيد الأذان للحاضرة أيضًا وكذا يتكرر الأذان فيما إذا أخر مؤداة لآخر وقتها فإن أذن لها وصلى فدخل وقت ما بعدها فيؤذن لها قطعًا ومحل الاكتفاء بالأذان. إذا والى بين الصلاتين فيما ذكر، وإلَّا بأن طال الفصل أذن وأقام لكل قال في شرح العباب يظهر أن الطول في هذا الباب أزيد منه في صلاتي الجمع لأن ذلك رخصة فاحتيط فيه بما لم يحتط به في غيره والله أعلم. قوله: (فلا يُؤَذِّنُ لِشَيْءٍ مِنْهَا) بل يكره كالإقامة كما في الأنوار ويوافقه قول الشافعي لو أذن أقام للعيد كرهته نعم قد يسن لغير الصلاة كما في أذن المولود والمهموم والمصروع ومن ساء خلقه من بهيمة أو إنسان وعند مزدحم الجيش وعند الحريق وقيل عند إنزال الميت قبره قياسًا على أول خروجه للدنيا ورد وعند تغول الغيلان أي تمرد الجن لخبر صحيح فيه وهو والإقامة خلف المسافر. قوله: (ثُمّ مِنْها) وهوما يشرع فيه الجماعة. قوله: (عِنْدَ إِرادَة صَلاتِهَا إلخ) قال في شرح العباب قال الزركشي هل محله عند الصلاة كالإقامة أو عند دخول الوقت كالأذان لم أر فيه شيئًا وقال بعض مشايخنا الظاهر الثاني ليكون سببًا لاجتماع الناس ويؤيده أنه لما كسفت الشمس أرسل - صلى الله عليه وسلم - مناديه فاجتمع الناس وقد يقال هذا كان في أول مشروعية هذه الصلاة فقدم النداء ليجتمع الناس إليها ولو قيل باستحبابه مرتين أو عند دخول الوقت وإرادة الصلاة ليكون بدلًا عن الأذان والإقامة لم يبعد لكن جزم في الأذكار بأنه يأتي به عند إرادة فعلها اهـ. قال ابن قاسم وفيه رمز إلى أنه بمنزلة الإقامة في الفرائض اهـ. قوله: (الصَّلاةُ جَامِعةٌ) بنصبهما الأول بالإغراء والثاني بالحالية ورفعهما على الابتداء والخبر ورفع أحدهما على أنه مبتدأ حذف خبره أو عكسه ونصب الآخر على الإغراء في الأول والحالية في الثاني كذا في شرح الروض وغيره ثم قوله ورفع أحدهما أراد به المفهوم العام الشامل لكل منهما وقوله غير أنه مبتدأ حذف خبره راجع للإحد باعتبار الأول وقوله أو عكسه راجع له باعتبار الثاني على طريق اللف والنشر فاندفع اعتراض من فهم أن مراده إن كلا من الوجهين راجع للإحد باعتبار كل من الفردين فاعترضه بأنه يلزم الابتداء بجامعة وهو نكرة بلا مسوغ على أنه لو سلمنا لقلنا المسوغ الفائدة

العيد والكسوف والاستسقاء. ومنها ما لا يستحب ذلك فيه، كسنن الصلوات، والنوافل المطلقة، ومنها ما اختلف فيه كصلاة التراويح، والجنازة، والأصحُّ أنه يأتي به في التراويح دون الجنازة. ـــــــــــــــــــــــــــــ أي ولا حاجة إلى غيرها مع وجودها كما جنح إليه الرضي نقلًا عن ابن الدهان واستحسنه كذا في حواشي المحقق ابن قاسم على شرح المنهج. قوله: (العيدِ والكسوفِ) الظاهر مثل الكسوف والعيد أي بتأخير العيد في الذكر لأنه ورد في الصحيحين في الكسوف، والعيد والاستسقاء وغيرهما مما يشرع فيه الجماعة مقيس عليه في ذلك فكان تقديم العيد في الذكر لكونه أفضل وآكد حتى قيل أنه أولى فرض. قوله: (ومِنْهَا مَا لَا يُسْنِ فِيهِ) وهو ما لا يسن فيه جماعة وكذا ما يسن فيه إذا صلى فرادى والمنذورة وقول المحلي يسن في المنذورة إذا قلنا يسلك بها مسلك واجب الشرع قال في المجموع غلط وهو كثير الغلط وقد اتفقوا على أنه لا يقال فيها شيء أصلًا اهـ. قوله: (فِي الترَاويح) قال ابن حجر الذي يظهر أنه إذا صلى التراويح عقب العشاء لا يحتاج إلى نداء لها وكذا يقال في الوتر عقبها فمحل استحباب النداء للتراويح إذا أخرت عن فعل العشاء اهـ، وخالفه بعض المحققين فقال هذا بناء على القول بأن ذلك نائب عن الأذان والإقامة أما إذا قلنا أنه نائب عن الإقامة فيأتي فيه مطلقًا اهـ. وأقول فيه نظر لأن ابن حجر وإن قال باستحباب ذلك في محل الأذان إلَّا أنه يقول باستحبابها ثانيًا نيابة عن القيامة لتكون نائبة عنهما كما سبق والظاهر أن علة ترك ذلك عنده حينئذٍ ما ذكروه في عدم طلبه ذلك على الجنازة من كون المشيعين لها حاضرين لا حاجة لإعلامهم وذلك لأنه حيث كان مريد صلاة التراويح بعد العشاء حاضرًا زال السبب الداعي لها من إعلام القوم بحضور وقتها ومن ثم لو كان بعضهم غائبًا أو يزيدوا بالنداء سن ذلك قياس ما يأتي في الجنازة. قوله: (دُونَ الجنازَةِ) خالف فيه جمع متقدمون ووجه ما رجحه المصنف هنا وفي الروضة ونقله عن نص الأم أن المشيعين لها حاضرون فلا حاجة لإعلامهم ومنه يؤخذ أنه لو لم يكن معها أحد وزادوا بالنداء سن النداء حينئذٍ لمصلحة الميت كما في شرح العباب.

فصل: ولا تصحُّ الإقامة إلا في الوقت وعند إرادة الدخول في الصلاة، ولا يصحُّ الأذان إلا بعد دخول وقت الصلاة، إلا الصبح، فإنه يجوز الأذان لها قبل دخول الوقت. واختلف في الوقت الذي يجوز فيه، والأصح أنه يجوز ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل قوله: (وَعِنْدَ إِرَادةِ الدخولِ فِي الصَّلاةِ) حيث لا جماعة وإلا فأذان الإمام ولو بالإشارة فإن قدمت عليه اعتد بها وقيل لا ويشترط ألا يطول الفصل بينهما أي عرفًا كما في المجموع وفيه ما يعلم منه أن الكلام لحاجة لا يؤثر في طول الفصل أي كالأمر بتسوية الصفوف وإن كثرت لكن إن لم يفحش بأن لا يمضي زمن يقطع نسبة الإقامة عن الصلاة من كل وجه لأن ذلك من مصلحتها فلم يضر الإبطاء لأجله فإن فحش بأن مضى ذلك أعادها وظاهر أن الكلام في غير الجمعة لوجوب الموالاة فيها ويحتاط للواجب ما لا يحتاط لغيره ومن ثم ينبغي أن يضبط الطول المضر فيها بقدر ركعتين بأخف ما يمكن أخذًا مما في جمع التقديم ولا يضبط الطول هنا بذلك لما تقرر من الفرق بين الواجب والمندوب وأما الطول بالسكوت والكلام لا لحاجة فيقتضي إعادتها. قوله: (إلا الصبحَ) ونقل عن الخفاف وعن أبي حامد في الرونق والمحاملي أن مثله أذان الجمعة فإنه يؤذن له قبل وقتها نظرًا إلى أنه إنما يدخل بعد الخطبة وهو مردود بأن الخطبة شرط للصحة لا للوقت فهو كأذان المحدث قبل طهارته. فاندفع قول الزركشي في هذا رد لقول النووي وغيره: ولا يجوز تقديم أذان غير الصبح إجماعًا. كذا في شرح العباب لابن حجر وهو مصرح بأن يجعل أذان الجمعة الذي في الظهر قبل وقتها لا أنه يجوز قبل الظهر لكن عبارة التحفة له فأذان الجمعة الأول ليس كالصبح في ذلك أي الأذان قبل الوقت خلافًا لما في الرونق لأنه لا مجال للقياس في ذلك انتهت وهي تقتضي أنه يجوز الأذان الأول قبل دخول وقتها وهو محتمل لأن يكون وقت الظهر كما هو المعتمد ويقربه قوله لأنه لا مجال للقياس في ذلك أو وقت الصلاة الذي لا يدخل إلّا بالخطبة كما تقدم عن شرح العباب والله أعلم. قوله: (فإنه يجوزُ الأذانُ لهَا إلخ) بل يسن لخبر الشيخين أن بلالًا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم ورواية إن ابن أم مكتوم ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي بلال لا تنافيه لأنها على تقدير صحتها محمولة على أنه

بعد نصف الليل، وقيل: عند السحر، وقيل: في جميع الليل، وليس بشيء، وقيل: بعد ثلثي الليل، والمختار الأول. فصل: وتقيم المرأة والخنثى المشكل، ولا يؤذّنان لأنهما منهيان عن رفع الصوت. ـــــــــــــــــــــــــــــ كان بينهما نوبًا ثم ظاهر قوله فإنه يجوز إلخ، أنه لا يجوز الأذان قبل دخول الوقت في غير الصبح وهو كذلك لأنه عبادة فاسدة ونقل ابن قاسم عن الشمس الرملي والطبلاوي أنه صغيرة وبالغًا في رد ما نقل لهما عن بعض أنه كبيرة اهـ. قوله: (بَعْدَ نِصفِ الليْلِ) لأنه أقرب إلى وقت الصبح بل في ذيل فصيح ثعلب للموقف البغدادي من أول النصف الثاني من الليل إلى الزوال صباح ومن الزوال إلى آخر النصف الأول مساء اهـ، ويشهد له أن العرب تقول بعد مضي النصف الأول من الليل أنعم صباحًا وتشبيهًا بالدفع من مزدلفة ولتنبيه النائمين بالصلاة ليتأهبوا لإدراك فضيلة أول الوقت وقيل عند السحر واختاره جمع متقدمون ومن المتأخرين السبكي والأذرعي وغيرهما وفي المجموع أنه ظاهر المنقول من فعل بلال وابن أم مكتوم وبين ذلك بقوله في شرح مسلم في كلامه على أنه لم يكن بين أذانيهما إلّا أن ينزل ويرقي هذا قال العلماء معناه أن بلالًا كان يؤذن قبل الفجر ويتربص بعد أذانه للدعاء ونحوه ثم يرقب الفجر فإذا قارب طلوعه نزل فأخبر ابن أم مكتوم فيتأهب ثم يرقي ويشرع في الأذان مع أول طلوع الفجر والمراد بالسحر على هذا ما بين الفجرين كما قاله المتولي قال أهل اللغة والكاذب يطلع وقد بقي من الليل سبعه وقال ابن أبي الصيف المراد به سدس الليل الأخير وقال الرافعي أنه بعد سبع الليل الأخير شتاء ونصف الليل صيفا قال في المجموع احتج له على خلاف عادته في التحقيق بحديث أورده الغزالي وغيره وهو حديث باطل والذي ورد من طرق ضعيفة أنه في الشتاء لسبع ونصف وفي الصيف لسبع اهـ. فصل قوله: (لأَنهُمَا مَنْهِيانِ عَنْ رَفْع الصوْتِ) فيحرم رفع صوتهما بهما فوق ما يسمع صواحباتها وإن لم تبالغ في الرفع مبالغة الرجل وذلك للافتتان بصوتها لوجهها وإنما جاز غناؤها مع الكراهة مع استماع

باب ما يقول من سمع المؤذن والمقيم

باب ما يقول من سمع المؤذن والمقيم يستحب أن يقول من سمع المؤذّن والمقيم مثل قوله، إلا في قوله: حي على الصلاة، حي على الفلاح، فإنه يقول في كل لفظة: ـــــــــــــــــــــــــــــ الرجل له لأنه يكره له استماعه مع أمن الفتنة والأذان يسن له استماعه فلو جوزناه لها لأدى إلى أن يؤمر الرجل باستماع ما يخشى منه الفتنة وهو ممتنع وأيضًا فالنظر للمؤذن حال الأذان سنة فلو جاز لغير الذكر لأدى إلى الأمر بالنظر إليها وهو لا يجوز بخلاف الغناء فإنه من شأن النساء فليس فيه تشبه بالرجال بخلاف الأذان لاختصاهم به في سائر الأعصار والتشبه بهم حرام ومن فرق بينهما بأن فيه تلبسًا بعبادة فاسدة وهو حرام بخلاف الغناء يرد بأن محل حرمة التلبس بها إن احتاجت لنية وإلا فلا وإنما كره رفع صوتها بالتلبية ولو فوق ما تسمع صواحبها لأن كل أحد ثم مشتغل بتلبية نفسه بخلافه هنا وأيضًا فالتلبية لا يسن الإصغاء إليها وتسن للرجل والمرأة بخلاف الأذان فيهما وبما ذكر يندفع ما قيل في كلام النووي تناقض في رفع صوت المرأة. باب ما يقول من سمع المؤذن والمقيم قوله: (يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقولَ مَنْ سَمِعَ المؤَذنَ إلخ) في فتاوي السمهودي لا يستحب للمؤذن أن يجيب أذان نفسه وإن تردد في تلك الأسنوي في تمهيده وصنف فيه السمهودي جزءًا أودعه فتاويه المشرقة وتردد الأشخر في إجابة أذان غير الصلاة هل يطلب أم لا واستظهر الثاني قال لأن الجواب إنما هو للدعاء إلى الصلاة وغيره ذكر فلا يطلب إجابته قال ولم أر فيه شيئًا وهل يجاب الأذان المكروه أو المحرم مطلقًا أو يفرق بين ما حرمته أو كراهته ذاتية كأذان المرأة فلا يجاب أو لمعنى خارج فيجاب استوجه في شرح العباب الثاني بعد أن ذكر الإطلاق أولًا والمراد من سامع في العبارة من وصل الأذان إلى سمعه سواء قصده بالاستماع أو لا فيشمل المستمع أو يراد منه ما يقابل المستمع ويكون استحباب إجابته بالأولى وظاهر أن المراد بسماعه أن يفسر اللفظ وإلّا لم يعتد بالسماع فلا يجيب وقد ورد في فضل الإجابة أحاديث يأتي بعضها في الأصل لم يذكره فيه ما رواه الطبراني من سمع المؤذن فقال مثل ما يقول فله مثل أجره وبه يعلم تأكد إلاجابة وعظيم ثوابها لما تقدم من ثواب المؤذن. قوله: (إلا فِي قَوْلِهِ حَي عَلَى الصَّلاةِ حي عَلى الفَلاحَ) يقال لهما الحيعلتان. قوله: (فَإِنّهُ يَقولُ فِي دُبرِ كُل لَفظَةٍ مِنْهمَا

لا حول ولا قوة إلا بالله. ويقول في قوله: الصلاة خير من النوم: صَدَقْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لَا حَولَ إلخ) فجملة ما يأتي به من الحوقلة أربع وهو ما في المجموع وقيل يأتي عند الحيعلة بمرتيها بحوقلة فجملة ما يأتي به على هذا مرتان واختاره ابن الرفعة لحديث فيه قال البقاعي من الواضح البين أن المعنى في إجابة السامع المؤذن الإيذان باعتقاده والإذعان لمراده وإن تخصيص الجواب في الدعاء إلى الصلاة والفلاح بالحوقلة المراد به سؤال المعونة على تلك الأفعال الكرام تبريًا من الحول والقوة على شيء بغير تقديره تعالى ورده الأمر إليه وأخذ الدين من معدنه وأصله اهـ. وقال الطيبي لما قيل حي أي أقبل قيل له على أي شيء أجيب على الصلاة ذكر نحوه في الكشاف في قوله تعالى: ({هَيْتَ لَكَ} [يوسف: 23] فالرجل إذا دعا بالحيعلتين كأنه قيل له أقبل بوجهك وجملتك على الصلاة عاجلًا وعلى الفلاح آجلًا فأجاب بأن هذا أمر عظيم وخطب جسيم فكيف أطيق هذا مع ضعفي وتشتت أحوالي ولكنني إذا وفقني الله تعالى بحوله وقوته لعلي أقوم بها اهـ، والحاصل أنها لما كانت فيها تفويض محض إلى الله عز وجل ولذا كانت من كنوز الجنة سنت للمجيب في هذا المقام وأيضًا من جهة المعنى إن ألفاظ الأذان غير الحيعلة يحصل الثواب بذكرها للمؤذن والمجيب والحيعلة يقصد بها الدعاء وهو خاص بالمؤذن فعوض المجيب من الثواب الذي يفوته بالحيعلة الثواب الذي يحصل بالحوقلة وفي فتح الباري ما ذكر هو المشهور عند الجمهور ولكن في بعض الأحاديث ما يقتضي أنه يقال هنا أيضًا ما قاله المؤذن حي على الصلاة حي على الفلاح فيحتمل أن يكون ذلك من الاختلاف المباح فتقول تارة كذا وتارة كذا أي كما قاله المنذري والجمع بين الحيعلتين والحوقلة وجه للحنابلة اهـ، ومما يقتضي بظاهره ذلك حديث أبي سعيد الآتي وفي شرح العباب رأيت بعض أصحابنا صرح به أي بأنه يقول الحيعلة والحوقلة وجعله وجهًا ولعله من حيث إن قائله يقول بالاقتصار عليهما ونحن لا نقول به بل نقول أنه يقول كلا منهما ثم يحوقل عقبهما اهـ، وقد جمع بينهما كذلك السيوطي في عمل اليوم والليلة وقال الأذرعي الأولى أن يقولهما احتياطًا اهـ. قال العلقمي في شرح الجامع الصغير وهو الأولى خروجًا من خلاف من قال به من الحنابلة اهـ. قال في الحرز وهو وجيه وجمع نبيه. قوله: (وَيَقولُ فِي قَوْلِهِ الصَّلاةُ خَيرٌ منَ النوْم) أي

وبَرِرْتَ، وقيل: يقول: صَدَقَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة خير من النوم. ويقول في كلمتي الإقامة: أقامها الله وأدامها، ويقول عقيب قوله: أشهد أن محمدًا رسول الله: وأنا أشهد أن محمدًا رسول الله، ثم يقول: رضيت بالله ربًا، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - رسولًا، وبالإسلام دينًا، فإذا فرغ ـــــــــــــــــــــــــــــ عقب كل من مرتيه. قوله: (وَبرِرْتَ) أي بكسر الراء الأولى وحكي فتحها أي صوت ذا بر أي خير كثير لخبر ورد فيه قاله ابن الرفعة قال غيره ولم نره في كتب الحديث وقال بعض العارفين هو من قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وزاد في آخره وبالحق نطقت اهـ. قوله (وَقِيلَ يَقُولُ إلخ) وهو مناسب وسكت المصنف عن إجابة الترجيع والمختار من احتمالين أبداهما في المجموع إنه بحيث قال وهذا أظهر وأحوط قال غيره وهو كما قال خلافًا للبارزي ومن تبعه في قوله لا يجيبه لقوله - صلى الله عليه وسلم - ما يقول ولم يقل مثل ما تسمعون وفارق عدم استحباب الإجابة لنحو الأصم بأن هذا سمع غير الترجيع فأجاب فيه تبعًا وذاك لم يسمع شيئًا أصلًا ومن ثم لو سمع بعضه فقط سن له أن يجيب في الجميع اهـ. قوله: (فِي كَلِمَةِ الإقَامَةِ) أي في كل من كلمتيها إذ المفرد المضاف من صيغ العموم. قوله: (أَقَامَها إلخ) للاتباع رواه أبو داود بإسناد ضعيف وزاد فيه وجعلني من صالحي أهلها ولما فيه من المناسبة وزاد في التنبيه بعد قوله وأدامها ما دامت السموات والأرض وفي النهاية أو يأتي بلفظ الأمر فيقول اللهم أقمها وأدمها واجعلني إلخ. قال الدميري وهو مروي أيضًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وسكت عن إجابة باقي ألفاظ الإقامة لكونه يجيبه بلفظه قال الأذرعي نقلا عن ابن كج لو ثني الإقامة عملًا باعتقاده أجيب مثنى لأنه هو الذي يقيم فأدير الأمر على ما يأتي به ويفرق بينه وبين الزيادة على الأذان حيث لا يجاب بأنه لا قائل بالزيادة فيه فلم يراع خلافه بخلاف تثنية كلمات الإقامة وخالف صاحب الإمداد فاختار إفراد الإجابة وإن ثناها المقيم اعتبارًا لعقيدة المجيب والأول أظهر فيما يظهر والله أعلم. قوله: (عَقِيبَ) بإثبات الياء وهي لغة ضعيفة الأفصح حذفها كما ذكره المصنف في التحرير. قوله: (ثُمَّ يَقولُ رَضِيتُ بالله رَبًّا إلخ) في موجبات الرحمة وعزائم المغفرة للرد إذ اتفقت الأحاديث

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث أبي سعيد الخدري وعمر بن الخطاب ومعاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهم على إن من سمع الأذان يقول مثل ما يقول وفي الحيعلة الحوقلة وانفرد سعد بن أبي وقاص بأن من قال حين يسمع المؤذن أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له إلخ، وهذا ليس بجواب للمؤذن والسنة الإجابة للمؤذن بمثل ما يقول وعلى ما سبق فحسن صالح لمن سمع المؤذن ولم يتحقق ألفاظه ولم يميز كلماته إما لبعد الصوت أو لعارض آخر أن يقول كما في حديث سعد وأما من عرف الألفاظ كلمة كلمة وميزها أجاب بمثل ما يقول المؤذن على ما وردت به الأحاديث ولا يقتصر على ما دون ذلك وإن قال بعد ذلك الذي روى سعد كان حسنًا اهـ، وما ذكره المصنف من الإتيان به مع إجابة الشهادتين أولى إن لم يترتب عليه ترك إجابة ما بعده وقد جرى على ذلك الحال السيوطي في كتابيه إذكار الأذكار والوظائف وزاد في الوظائف بعد قوله وبالاسلام دينًا وبالقرآن إمامًا وبالكعبة قبلة اللهم اكتب شهادتي هذه في عليين وأشهد عليها ملائكتك المقربين وأنبيائك المرسلين وعبادك الصالحين واختم عليها بآمين واجعلها لي عندك عهدًا توفينيه يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد اهـ، وما زاده هو عند البيهقي ولفظه من سمع المؤذن يؤذن فقال كما يقول ثم قال رضيت بالله ربًا إلخ، برزت إليه بطاقة من تحت العرش فيها أمانة من النار وفي رواية للتميمي في الترغيب قد عتقت من النار وهو حديث غريب كما سيأتي بيان حاله وسكت ابن حجر الهيتمي في كتابه تنبيه الأخيار في ما في الكتابين لكنه تردد في شرحي المشكاة والعباب في ذلك وعبارته في شرح المشكاة يحتمل أن يقوله عند سماعه تشهد الأول أو عند الأخير أي عند قوله لا إله إلَّا الله والثاني أقرب لأن الأذان. مشتمل على سائر أصول الشريعة وفروعها وقوله المذكور فيه تصديق بالجميع فيناسب تأخيره عنه وأيضًا فذكره حال الإجابة ربما يفوت الإجابة في بعض الكلمات لتعذر أو لتعسر الإتيان به قبل أن يفرغ المؤذن ما بعد الشهادتين وزاد في شرح العباب حكاية التفضيل السابق عن الرداد ثم قال والوجه ما قدمته أي من تأخيره مطلقًا قال وكان عمر رضي الله عنه يقول إذا سمع المؤذن مرحبًا بالقائلين عدلًا وبالصلاة أهلًا اهـ. وفي شرح العدة وللأذان خمس سنن إجابته وقوله رضيت باللهِ ربا حين يسمع التشهد

من المتابعة في جميع الأذان صلى وسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ـــــــــــــــــــــــــــــ وسؤال الله تعالى لرسوله الوسيلة والفضيلة والصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - والدعاء لنفسه بما شاء اهـ، وينبغي أن يكون المراد من التشهد فيه قوله آخر الأذان لا إله إلَّا الله لما تقدم عن شرح العباب. قوله: (مِنَ المتابعةِ) أي يجيب عقب كل كلمة بحيث لا يقارن ولا يتأخر فلا يكفي المقارنة كما يدل عليه كلام المجموع قال ابن العماد والموافق للمنقول أنه لا تكفي المقارنة للتعقيب في الخبر وكما لو قارن المأموم الإمام في أفعال الصلاة بل أولى لأن ما هنا جواب وهو يستدعي التأخير قال ابن حجر الهيتمي ومراده من هذا القياس أن المقارنة ثمة مكروهة فليمتنع هنا الاعتداد وإن لم تمنعه ثم لأنما ثمة خارجية وهنا ذاتية كما أشار إليه تعليله للأولوية إذ مفهوم الجوابية يقتضي التأخير ومفهوم المتابعة يقتضي عدم التعدد وحاصله أن ما هنا جواب وذاته تقتضي التأخر فمخالفته ذاتية وما هناك أمر بمتابعة لتعظيم الإمام ومخالفته مضادة لذلك فهي خارجية اهـ. وسيأتي في الكلام على الأحاديث مزيد بيان لهذا الشأن. قوله: (صَلى وَسَلم عَلَى النبي - صلى الله عليه وسلم -) وكذا تسن الصلاة لكل من المؤذن والمقيم بعد تمامهما وسكت عنه المصنف قال بعض المتأخرين وعند إرادة الإقامة ونقله عن المصنف في شرح الوسيط وألف فيه جزءًا وذكره العامري في آخر بهجة المحافل فيما يسن فيه الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: وعند ما تشرع في الإقامه ... تقربها في ساعة القيامه قال في العباب وشرحه ويسن للمؤذن وسامعه والمقيم وسامعه لحديث فيه أورده ابن السني وذكره في الأذكار الصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الأذان والإقامة اهـ، وكأنه أراد حديث أبي هريرة الآتي لكنه في طلبها من السامع وهو خبر موقوف ولا حاجة في الاستدلال لطلبها من السامع المجيب إلى ذلك فقد ثبت في حديث ابن عمرو الآتي في صحيح مسلم طلبها منه والظاهر من صنيع السخاوي في القول البديع حيث لم يورد لطلبها من المؤذن خبرًا مرفوعًا بل ولا موقوفًا ولا مقطوعًا إن طلب ذلك منه بطريق القياس الأولوي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على المجيب وفي شرح العباب أفتى شيخنا زكريا وغيره بأن ما يفعله المؤذنون الآن من الإعلان بالصلاة والسلام مرارًا حسن لأن ذلك مشروع عقب الأذان في الجملة فالأصل سنة والكيفية حادثة وفي القول البديع وقد اختلف في ذلك هل هو مستحب أو مكروه أو بدعة أو مشروع فاستدل للأول بقوله تعالى: (وَافعَلُوا الخَيرَ) [الحج: 77] ومعلوم أن الصلاة والسلام عليه - صلى الله عليه وسلم - من أجل القرب لا سيما وقد تواترت الأخبار على الحث على ذلك مع ما جاء في فضل الدعاء عقب الأذان والثلث الأخير من الليل وقرب الفجر والصواب أنه بدعة حسنة يؤجر فاعله بحسب نيته اهـ، وهو مصرح بدليل الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عقب الأذان كما قدمته. فائدة أول ما زيدت الصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد كل أذان على المنارة في زمن السلطان المنصور حاجي بن الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون بأمر المحتسب نجم الدين الطنبدي في شعبان سنة إحدى وتسعين وسبعمائة وكان حدث قبل ذلك في أيام صلاح الدين بن أيوب أن يقال قبل أذان الفجر كل ليلة بمصر والشام السلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستمر إلى سنة سبع وستين وسبعمائة فزيد فيه بأمر المحتسب صلاح الدين البرلسي أن يقال الصلاة والسلام عليك يا رسول الله إلى أن جعل عقب كل أذان كما مر وأول ما حدث التسبيح بالأسحار على المنائر في زمن موسى عليه السلام حين كان بالتيه واستمر إلى بناء داود - عليه السلام - بيت المقدس فرتب فيه عدة يقومون به على الآلات وبغيره بلا آلات من ثلث الليل الأخير إلى الفجر إلى أن خرب بيت المقدس بعد قتل يحيى وحدوثه في ملتنا بمصر لأن مسلمة بن مخلد الصحابي أمير مصر لما اعتكف بجامع عمرو سمع أصوات النواقيس عالية فشكا إلى شرحبيل بن عامر عريف المؤذنين فقال إني أمد الأذان من نصف الليل إلى قريب الفجر فإنهم أن ينقسوا إذا أذنت ففعل ثم لما ولى أحمد بن طولون رتب جماعة نوبًا يكبرون ويسبحون ويحمدون ويقولون قصائد زهدية وجعل لهم أرزاقًا واسعة ومن ثم اتخذ الناس قيام المؤذنين في الليل على المنائر فلما ولي صلاح الدين بن أيوب وحمل الناس على اعتقاد مذهب الأشعري أمر المؤذنين أن يعلنوا وقت التسبيح بذكر العقيدة الأشعرية التي تعرف بالمرشدية فواظبوا على ذكرها كل ليلة وفي القول البديع

ثم قال: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة ـــــــــــــــــــــــــــــ نقل عن أبي سهل من المالكية في كتابه الأحكام حكاية الخلاف في تسبيح المؤذنين في الثلث الأخير من الليل ووجه من منع ذلك أنه يزعج النوام وقد جعل الله الليل سكنًا وفي هذا نظر والله الموفق اهـ، وأول ما حدث التذكير يوم الجمعة ليتهيأ الناس لصلاتها بعد السبعمائة زمن الناصر بن قلاوون. قوله: (ثَم قَال) ظاهر عطفه هنا كالروضة بثم أن السنة لا تتأدى بتقديم هذا الدعاء على الإجابة والحديث الآتي في مسلم مقتض لذلك وهو ظاهر وأن عطف الرافعي وغيره بالواو المقتضي للحصول والله أعلم. قوله: (رَبّ هذِهِ الدعْوَةِ) بفتح الدال معناها الدعاء والمراد بها الأذان والإقامة ورب إما منادى أو بدل من اللهم لا وصف له لما تقدم أنه ممنوع عند سيبويه قال في النهاية رب هذه الدعوة أي صاحبها وقيل المتمم لها والزائد في أهلها والعمل بها والإجابة لها اهـ. قوله: (التَّامَّةِ) أي السالمة من تطرق نقص إليها والمشتملة على أصول الشريعة وفروعها بعضها بالتصريح وبعضها بالإشارة والتلويح كما مر وقيل سميت بذلك لكمالها وعظم موقعها وقال ابن التين لأن فيها أتم القول وهو لا إله إلا الله وقيل المراد بالتامة التي لا تغيرها ملة ولا تنسخها شريعة قال في الحرز وقال الخطابي في كتاب شأن الدعاء: وصفها بالتمام لأنها ذكر الله تعالى يدعي بها إلى طاعته وهذه الأمور التي تستحق وصف الكمال والتمام وما سواها من أمر الدين فمعرض للنقص والفساد وكان الإمام أحمد يستدل بذلك على أن القرآن غير مخلوق إذ ما من مخلوق إلَّا وفيه نقص اهـ، وقيل وصفت بالتمام لأن ما اشتملت عليه من أصول الشريعة وفروعها وما والاها هي المستحقة وصف التمام والكمال وما سواها من الأمور الدنيوية في معرض الفساد والنقص والزوال وقيل لأن هذه الكلمات محمية عن التغيير والتبديل باقية إلى النشور وقيل المراد من الدعوة التامة دعوة التوحيد كقوله تعالى: (دَعوَةُ الحَقِّ) [الرعد: 14] وقيل لدعوة التوحيد تامة لأن الشركة نقص. قوله: (وَالصلاةِ القائِمَةِ) التي ستقوم وتحضر أو الدائمة التي لا تغيرها ملة ولا تنسخها شريعة قال الحافظ ابن حجر والمراد بالصلاة المعهودة المدعو إليها حينئذٍ. قلت وعليه الجمهور وقال الطيبي من أوله إلى محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هي الدعوة التامة والحيعلة هي الصلاة القائمة في قوله ويقيمون الصلاة ويحتمل أن يكون المراد بالصلاة الدعاء

والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وبالقائمة الدائمة من قام على الشيء دام عليه وعلى هذا فقوله الصلاة القائمة بيان الدعوة التامة اهـ. قوله: (وَالفَضِيلَةَ) زاد في أصل الروضة والدرجة الرفيعة قال جماعة ولا وجود لها في كتب الحديث ولكن لا بأس به والفضيلة معطوف على الوسيلة عطف بيان أي عطف نسق للبيان والتفسير فهو عطف تفسير كما عبر بذلك ابن حجر في شرحه على المنهاج وجوز فيه كونه من عطف الأعم وقال السيوطي قال الحافظ ابن حجر الفضيلة أي المرتبة الزائدة على سائر الخلق ويحتمل أن تكون منزلة أخرى أو تفسيرا للوسيلة اهـ، وظاهر أنه على الأول من عطف الأعم وعلى الثاني من عطف المغاير وعلى الأخير من عطف التفسير. قوله: (مَقَامًا مَحْمُودًا) بالنصب على الظرفية في مقام ونكر كما في الآية تفخيمًا أي مقامًا أي مقام يكل أن تصفه السنة الحامدين وفي شرح العباب هو بالتنكير في رواية البخاري ورواه ابن حبان بالتعريف اهـ. وفي شرح دعاء أبي حربة للأهدل وقع في رواية المقام المحمود بالتعريف وتبعه كذلك البغوي في المصابيح والرافعي في المحرر وكذا في أكثر كتب الفقه قال الأسنوي في شرح المنهاج: وفي السنن الكبرى وصحيح ابن حبان عن شيخه ابن خزيمة وابعثه المقام المحمود أي بالتعريف اهـ. وفي حاشية سنن أبي داود للسيوطي هكذا ورد هنا معرفًا ورواه البخاري والترمذي منكرًا اهـ. إن قلت يمنع من نصبه على الظرفية أنه اسم مكان غير مبهم وهو لا ينتصب على الظرفية. قلت هو مشابه للمبهم فله حكمه ويجوز أن يكون ملاحظًا في البعث معنى الإعطاء فيكون مفعولًا ثانيًا ويجوز أن يكون منصوبًا على المصدرية أي ابعثه فأقمه مقامًا محمودًا أو ضمن ابعثه معنى أقمه ويجوز أن يكون حالًا أي أبعثه ذا مقام محمود كذا قرره صاحب الكشاف في قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] والمقام المحمود هو المراد في تلك الآية وهو يطلق في كل ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات وقد اختلف في المراد به فيها فقيل شهادته على أمته بالإجابة من تصديق أو تكذيب وقيل إن الله أعطاه لواء الحمد يوم القيامة وقيل هو أن يجلسه الله على العرش وقيل على الكرسي حكاهما ابن الجوزي عن جماعة وقيل هو الشفاعة العظمى في فصل القضاء يحمده فيه الأولون والآخرون ويؤيد هذا الأخير تفسيره في عدة أحاديث

فائدة

الذي وعدته. ثم يدعو بما شاء من أمور الآخرة والدنيا. روينا عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـــــــــــــــــــــــــــــ بالشفاعة وزعم الواحدي إجماع المفسرين عليه قال في القول البديع وعلى تقدير صحة الأقوال فلا تنافي بينها لاحتمال أن يكون الإجلاس علامة الإذن في الشفاعة فإذا جلس أعطاه الله اللواء وشهد بالإجابة ويحتمل أن يكون المراد بالمقام المحمود الشفاعة كما هو المشهور وأن الإجلاس هي المنزلة المعبر عنها بالوسيلة والفضيلة وقد ورد في صحيح ابن حبان يبعث الله الناس فيكسوني ربي حلة خضراء فأقول ما شاء الله أن أقول فذلك المقام المحمود وقال شيخنا ويظهر أن المراد بالقول المذكور هو الثناء الذي يقدمه بين يدي الشفاعة وإن المقام المحمود هو مجموع ما يحصل له في تلك الحالة اهـ. فإن قلت ما الحكمة في سؤال ذلك مع كونه واجب التحقق إذ عسى في الآية للتحقق. قلت إظهار شرفه وعظيم منزلته. قوله: (الذِي وَعَدْته) منصوب المحل صفة لمقام محمود إن قلنا إن المقام المحمود صار علمًا لذلك المقام وإن كان على صورة النكرة وظاهر أن المراد منه أنه وضع لذلك لا أنه صار علمًا بالغلبة لأن العلم بالغلبة لا يكون إلأفي المعرف بال أو المضاف إليه وما هنا ليس منهما أو بدل أو نصب على المدح بتقدير أعني أو خبر مبتدأ محذوف وعلى رواية المقام المحمود لا إشكال ويكون صفة ولا يجوز أن يكون صفة للنكرة باقيًا على نكارته والمراد وعدته أي بقولك {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} وأطلق عليه الوعد لأن عسى من الله واقع كما صح عن ابن عيينة وغيره وزاد البيهقي في رواية على ما ذكر إنك لا تخلف الميعاد وأما زيادة بعضهم يا أرحم الراحمين فردوها بأنه لا وجود لها في كتب الحديث. فائدة روى الطبراني حديث إذا قال الرجل حين يؤذن المؤذن اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة أعط محمدًا سؤله يوم القيامة نالته شفاعة محمد - صلى الله عليه وسلم - ويؤخذ منه استحباب ذلك وإن كان الأول أصح وظاهره أنه يقول الذكر المذكور حال الأذان ولا يتقيد بفراغه لكن يحتمل أن يكون المراد من الأذان تمامه إذ المطلق يحمل على الكامل ثم سؤله بضم السين المهملة وإسكان الهمزة معناه حاجته والسؤال والسؤلة مسألة الإنسان من حاجته والمراد به الشفاعة

"إذا سَمِعْتُمُ النداءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ العظمى والدرجة العليا مما أعده الله لنبيه الأكرم - صلى الله عليه وسلم - وروى ابن السني إذا سمعتم المؤذن يؤذن فقولوا اللهم افتح أقفال قلوبنا بذكرك وأتمم علينا نعمتك من فضلك واجعلنا من عبادك الصالحين قال في الإيعاب فينبغي ندب ذلك وإن لم يذكروه وقد ذكر في الحصن أذكارًا أخر تقال عند إجابة المؤذن وينبغي ندب جميع ذلك هنا كما تقدم نظيره عن الإيعاب. فائدة أخرى أفتى البلقيني فيمن وافق فراغ وضوئه فراغ الأذان قال وحسن أن يأتي بشهادتي الوضوء ثم دعاء الأذان لتعلقه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ثم بالدعاء لنفسه وهذه الفائدة تقدم ذكرها فيما يقال بعد الوضوء وأعيدت هنا لمناسبتها بهذا الباب أيضًا. قوله: (إِذَا سَمِعْتُم الندَاءَ) أي الشامل للأذان والإقامة وظاهر قوله سمعتم اختصاص الإجابة بمن سمع المؤذن فوق المنارة مثلًاوعلم أنه يؤذن فلا يشرع له المتابعة قاله المصنف في شرح المهذب قيل وفيه بحث لجواز أن يكون التقييد بالسماع لكونه خرج مخرج الغالب لا مفهوم له قال ابن العماد ولأنهم عللوا استحباب وضع المؤذن أصبعيه في صماخيه بأن الأصم يستدل على كونه يؤذن وقضية ندب الإجابة له لأنه مدعو فليجب بالقول كالفعل واعترض بأنه ليس في محله وليس قضية علتهم هذه كما لا يخفى ولا يلزم من ندب ذلك حتى يجيب بالفعل أنه يجيب بالقول سيما والإجابة متعلقة بالسماع كما دل عليه الحديث قال الزركشي وغيره لو سمع البعض أجاب فيه وفيما لا يسمعه تبعًا وعليه فهل يبتدئ من أوله أو يجيب عما سمع ثم يقضي ما فات فيه تردد ويتجه ترجيح الثاني لأن الأولى أن لا يشتغل بغير إجابة ما سمعه وفي شرح المشكاة لابن حجر يسن لسامع الأذان والإقامة المشروعين وإن سمع صوتًا لا يفهمه إجابتهما اهـ. لكن في شرحه على المنهاج ويسن لسامعه كالإقامة بأن يفسر اللفظ وإلا لم يعتد بسماعه وهو مخالف للأول وعلى الأخير المعول إذ ذلك السماع كلا سماع ولذا يقرأ المأموم إذا كان يسمع قراءة الإمام كذلك والله أعلم وظاهر الحديث أيضًا أن الإجابة لا تختص بالمؤذن الأول حتى يجيب من أذن ثانيًا وفيه خلاف حكاه الطحاوي وغيره وقال المصنف في شرح المهذب لا نص فيه لأصحابنا والمختار أنه يختص بالأول

فقُولوا مِثْلَ ما يقُولُ المُؤذّنُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن الأمر لا يفيد التكرار وأما أصل الفضيلة والثواب في المتابعة فلا يختص اهـ. وقال ابن عبد السلام إن أذنوا معًا كفت إجابة واحدة أو مرتبًا فالظاهر ندب إجابة الكل والأول آكد وفي إيجاز الرافعي خطر لي أنه إذا سمع المؤذن الأول وأجابه وصلى في جماعة لا يجيب ثانيًا لأنه غير مدعو بهذا الأذان قال الأسنوي وهو حسن إلا أن استحباب الجماعة لمن صلى في جماعة يخدشه فالمختار الأول وقال الجلال البلقيني ما قاله الرافعي اختيار له والفتوى على الأول لأن أل في النداء في الحديث للجنس فاختيار الزركشي وغيره ما قاله الرافعي ضعيف ويوجه ما قاله الأسنوي من الخدش بأن قياس طلب الجماعة ثانيًا يقتضي ندب الإجابة ثانيًا لأنه مدعو بالثاني من حيث أنه يندب له الاعادة معهم ولا ينافيه ما مر من عدم ندب الأذان للمعادة كما لا يخفى لأن محله فيمن أراد أن يؤذن لها قصدًا وما هنا فيمن أراد أن يؤذن لجماعة غير معادة فيسن لمن سمعه إجابته لأنه مقتد به حتى بالنسبة إليه لكن تبعًا لا استقلالًا اهـ. وقضية كلام الأسنوي أنه لا يجاب الأذان الثالث إذا أعاد الصلاة مع الثاني لأنه غير مدعو إلى هذه الجماعة لأن الأصح إن الإعادة لا تزاد على مرة والله أعلم. قوله: (فَقولُوا مثلَ مَا يقولُ المؤَذّنُ) قال المصنف هذا عام مخصوص بحديث عمر أنه يقول في الحيعلتين لا حول ولا قوة إلَّا بالله اهـ. وفي البدر المنير حديث عمر يبين إطلاق حديث أبي سعيد وفي الأحكام للقلقشندي قال الحنابلة بقضية هذا الحديث أي أنه يجيب في الجميع بلفظ المؤذن ومشهور مذهب مالك أنه يحكيه إلى آخر الشهادتين لأنه ذكر وما بعده بعضه ليس بذكر وبعضه تكرار لما سبق ويحكي الشهادتين مرة واحدة وذهب الشافعي والجمهور إلى أن السامع يبدل الحيعلة بالحوقلة لحديث معاوية المخرج في البخاري وحديث عمر المخرج في مسلم ففيهما ذلك صريحًا فيخص بهما عموم هذا الحديث ونحوه اهـ. وحكى ابن عبد البر في التمهيد عن بعضهم أنه يجيب الشهادتين ثم يجيب الحيعلتين بالحوقلتين على حسب ما يأتي بهما المؤذن ثم لا يزيد على ذلك وليس عليه أن يختم الأذان وعن آخرين إنما يقول مثل ما يقول المؤذن في التشهد دون التكبير وسائر الأذان أخذًا من حديث سعد بن أبي وقاص الآتي ثم ظاهر هذا الحديث كما قال ابن سيد الناس أن يقول مثل ما يقول المؤذن عقب فراغ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المؤذن لكن الأحاديث المتضمنة للإجابة على أن المراد المساوقة اهـ. وقال الكرماني إنما قال مثل ما يقول ولم يقل مثل ما قال ليشعر بأنه يجيب بعد كل كلمة بمثل كلمتها اهـ. ويدل له حديث عمر الآتي وحديث النسائي وغيره من حديث أم حبيبة أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول كما يقول المؤذن حتى يسكت وقال الشافعية يستحب التتابع عقب كل كلمة أي بحيث لا يقارن ولا يتأخر للحديث المذكور أي إذا سمعتم كل كلمة منها فقولوا مثلها وظاهر قول المصنف في المجموع ولا يقارنه إن المقارنة خلاف الأولى أو مكروهة وقال ابن العماد الموافق للمنقول إن المقارنة لا تحصل السنة للتعقيب المصرح به في الخبر وتقرر في باب الجماعة أن مقارنة المأموم في أفعاله مانعة من حصول فضل الجماعة لخبر وإذا ركع فاركعوا وهذا مثله وبل أولى إذ هو جواب وهو لا يسمى جوابًا إلا إذا تأخر ولك أن تقول الفاء التي للتعقيب هي العاطفة أما التي هنا فللربط فقط لأنها وقعت جواب الشرط فعليه لا يقتضي تأخر الجواب إلا على القول بتقدم الشرط على الجزاء وقال قوم إن الجزاء مع الشرط ثم رأيت ابن العز الحجازي أشار إلى ذلك في خبر الصحيحين وإذا ركع فاركعوا وبحث الأسنوي في الاعتداد بالإجابة وإن ابتدأ مع ابتداء المؤذن أو بعده سواء فرغ المؤذن قبله من تلك الكلمة أم فرغا معًا بخلاف ما لو أتى ببعض الألفاظ قبل ابتداء المؤذن بها فإنه لا يعتد به قطعًا واستدل له بخبر أبي سعيد المذكور قبل والاستدلال له به عجب إذ هو نص في الرد كما هو أوضح عند من تأمل قوله فقولوا المرتب على السماع الصادق بسماع كل كلمة ثم الإجابة عقبها وسماع الكل ثم الإجابة عقبه وكل من الأمرين مناف لما قاله الأسنوي وحينئذٍ فهذا الخبر موافق لخبر عمر الآتي المعين لأحد ذينك الاحتمالين لكن باعتبار الأفضلية دون أصل السنة لحصولها وإن تأخرت الإجابة عن سماع كل الأذان هذا. وأخذ ابن دقيق العيد من قوله مثل ما يقول إن لفظ المثل لا يقتضي المساواة من كل وجه إذ لم يرد مماثلة المؤذن في كل أوصافه حتى رفع الصوت وتعقبه في فتح الباري بأن المماثلة وقعت في القول لا في صفته والفرق بين المؤذن والمجيب في ذلك أن مقصود المؤذن الإعلام فاحتاج إلى رفع الصوت ومقصود المجيب ذكر الله وهو حاصل مع عدم رفع الصوت لكن لا يكفيه إجراؤه على الخاطر اهـ. وقيل ظاهر الخبر وجوب الإجابة قال ابن قدامة الحنبلي ولا أعلم أحدًا قال به قال القلقشندي حكى الطحاوي

رواه البخاري ومسلم في "صحيحيهما". وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا سَمِعْتُمُ المُؤذّنَ فقُولوا مِثلَ مَا يَقُولُ، ثم صَلُّوا عَلي، ـــــــــــــــــــــــــــــ والخطابي والقاضي عياض الوجوب عن بعض السلف قيل والصارف عن الوجوب ما وقع في الحديث الآخر ثم صلوا علي ثم سلوا لي الوسيلة وهما مستحبان وتعقب بأن هذا من دلالة الاقتران اهـ، وظاهر عموم الحديث أن المصلي يطلب منه إجابة الأذان وسيأتي تفصيله. قوله: (رَوَاه البُخاري ومُسلم) وكذا رواه أصحاب السنن الأربعة كذا في الحصين وشرح العمدة للقلقشندي وزاد ومالك وأحمد وابن حبان والطبراني والإسماعيلي وأبو عوانة وابن السني والدارقطني في السنن وأبو نعيم والبيهقي وغيرهم كلهم من حديث أبي سعيد زاد الحافظ في تخريجه وأخرجه أحمد وأشار الحافظ إلى اختلاف على الزهري في الحديث فقال قال الترمذي روى معمر وغير واحد عن الزهري هكذا أي عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد ورواه عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة والصحيح رواية مالك ومن تابعه أي كمعمر فقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه رواية معمر ومالك عن الزهري ورواية الغير لعله يريد ابن جريج فقد أخرجه أبو عوانة من روايته عن الزهري وكذا رواه عبد الله بن وهب أخرجه أبو عوانة أيضًا ورواية عبد الرحمن بن إسحاق التي أشار إليها الترمذي أخرجها النسائي وابن ماجة من روايته وحكم أحمد بن صالح وأبو حاتم والدارقطني عليها بالشذوذ وحكى الدارقطني في غرائب مالك أن بعضهم روى الحديث عن مالك فقال عن الزهري عن أنس وأوردها أبو نعيم في الحلية في ترجمة مالك وخطأها هو والدارقطني وذكر الحافظ فيه اختلافًا آخر فقال ومعظم من رواه ذكره بصيغة الأمر وأغرب زيد بن حبان فذكره بلفظ كان إذا سمع المؤذن قال مثل ما يقول أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه عنه اهـ. قوله: (إِذَا سَمعتُمُ المُؤَذّنَ) على حذف مضاف أي أذان المؤذن ولكونه مقدرًا اقتصر على المفعول وإلا فسمع إذا دخل على غير مسموع تعين أن يؤتى بجملة اختلف فيها فقيل مفعول ثانٍ ليسمع بناء على أنه متعد لاثنين والصحيح أن الجملة حال إن كان المفعول معرفة ووصف إن كان نكرة. قوله: (ثُمَّ صَلُوا عَليّ) قضية الإتيان بثم فيه وفيما بعده اعتبار الترتيب في حصول السنية وهو كذلك

فإنَّهُ مَنْ صَلى عَلي صَلاةَ صَلى اللهُ عَلَيْهِ بِها عَشْرًا، ثم سَلُوا اللهَ لِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــ كما تقدم. قوله: (فإِنهُ مَنْ صلى عَليَّ صَلاةً صلى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا) استشكل بأن هذا الثواب غير مختص بالصلاة عقب الإجابة إذ كل من فعل حسنة فإنها تضاعف بعشر أمثالها قال تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] فجعل كل حسنة مضاعفة بعشر أمثالها والصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - من جملة المضاعف إلى ما ذكر فما فائدة ما ذكر في الحديث. وأجيب بأن فيه فائدة أي فائدة فإن القرآن إنما اقتضى إن من جاء بالحسنة تضاعف له عشرًا فالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - اقتضى القرآن أن يعطي بها عشر درجات في الجنة واقتضى الحديث الإخبار بأنه سبحانه وتعالى كما لم يجعل جزاء ذكره إلا ذكره كما في الحديث القدسي إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه كذلك جعل جزاء الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكره تعالى له وهذا كما قال ابن العماد في كشف الأسرار إنما يكون إذا قصد بالصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - التحية والطاعة والقرب أما إذا اتخذها عادة كالبياع الذي يقولها على معاشه فإنه لا يثاب عليها لأنه يقولها للتعجب من حسن بضاعته تنفيقًا لها بل حكى الحليمي في المنهاج أنه يكفر بذلك اهـ، وسيأتي لهذا المقام مزيد في الربع الأخير في باب التسبيح والتهليل عند التعجب في شرح مسلم للأبي نقل القاضي عياض عن بعض شيوخه أنه كان يرى اختصاص ذلك بمن قاله مخلصًا مستحضرًا جلال النبي - صلى الله عليه وسلم - أما من قصد بذلك مجرد الثواب ونحوه فلا وفيه نظر اهـ. وقال الحافظ ابن حجر أنه تحكم غير مرضي اهـ. ولو أخرج الغافل والساهي لكان أشبه ثم ما في هذا الخبر من كون جزاء من صلى عليه - صلى الله عليه وسلم - عشرًا أقل ما ورد فيه، وورد في خبر آخر بسند ضعيف من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها سبعين فليستكثر أحدكم أو ليقل وسيأتي من الأخبار جملة صالحة إن شاء الله تعالى في باب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال صاحب اللواء المعلم صريح كلام الأصحاب قاطبة هنا يقتضي الاقتصار على الصلاة دون السلام للحديث المذكور فإنه ليس فيه إلَّا الصلاة لكن جزم النووي في أذكاره باستحبابه أيضًا من غير ذكر دليل على ذلك فإنه استدل بالحديث المذكور وليس

الوَسِيلَةَ، فإنها مَنزِلةٌ في الجَنّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه إلا ذكر الصلاة فكأنه أخذ من القول بكراهة الإفراد وقد تبعه الأردبيلي في أنواره فجزم باستحباب السلام لكن النووي اقتصر في سائر كتبه على السلام فقط اهـ، وأشار إلى تناقض وقع للمصنف والظاهر لا أنه لا تناقض لأن قوله في المنهاج كغيره ولكل أن يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني مع السلام لأنه نص على الكراهة في أذكاره وأيضًا فإطلاق الصلاة على هذا يستلزم السلام كاستلزام إطلاق سورة الحمد على الفاتحة مع البسملة كما هو مقرر فلا تناقض. قوله: (الْوَسِيلَةَ) قال اللغويون هي ما يتقرب به إلى الملك والكبير وتطلق على المنزلة العلية كما صرح به قوله في الحديث فإنها منزلة في الجنة ويمكن ردها إلى الأول بأن الواصل إلى تلك المنزلة قريب من الله فتكون كالقربة التي يتوسل بها وقال المصنف قال أهل اللغة الوسيلة منزلة عند الملك وقال هي أن تكون عند الله بمنزلة الوزير عند الملك لا يخرج لأحد رزق ولا منزلة إلّا على يديه وبواسطته. قلت وما أحسن قول بعض العارفين: وأنت باب الله أي امرئ ... أتاه من غيرك لا يدخل واختلف المفسرون في المراد بالوسيلة في قوله تعالى {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35] فقيل القربة وحكي عن ابن عباس ومجاهد وآخرين قال عطاء تقربوا إليه بما يرضيه واختاره الواحدي والبغوي والكشاف فقال الوسيلة كل ما يتوسل به أي يتقرب من قراءة أو صنيعة ومن هذا القول التوسل إلى الله تعالى بنبيه وقيل المحبة أي تحببوا إليه تعالى حكاه الماوردي وأبو الفرج عن أبي زيد وهو راجع إلى معنى الأول قال السيوطي نقلًا عن القرطبي في قوله ثم سلوا لي الوسيلة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك قبل أن يوحى إليه أنه صاحبها ثم أخبر بذلك ومع ذلك فلا بد من الدعاء بها فإن الله تعالى يزيده بكثرة دعاء أمته رفعة كما زاده بصلاتهم ثم أنه يرجع ذلك عليهم بنيل الأجور ووجوب شفاعته اهـ، وفيه نظر لأن في الخبر أنه يرجو ذلك ورجاؤه لا يخيب كما في القول البديع فالأولى أن سبب سؤال ذلك مع كونه حاصلًا له التواضع والخضوع لربه وأداء حق مقام السؤال مع ما في ذلك من الثواب العائد إلى الداعي له بذلك من أمته والله أعلم ثم رأيت في كلام بعض المحققين ما يشهد لما قلته وهو. قوله: فائدة ذلك إعلامنا بأن الله لا يجب عليه أن يفعل شيئًا لأحد من خلقه دان له أن يفعل

لا تَنْبَغي إلا لِعَبْدِ مِنْ عِبادِ اللهِ وأرجُو أن أكُونَ أنا هوَ، فَمَنْ سأل لِيَ الوَسِيلة حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بمن شاء ما شاء وإن جلمت مرتبته ففي ذلك أعظم إظهار تواضعه وخوفه المقتفي لمزيد رفعته وعلوه ففيه فائدة عائدة عليه - صلى الله عليه وسلم - وعلينا وقد غفل من لم يمعن النظر في هذا المقام عما ذكرته فأجاب بانحصار فائدة ذلك لنا بامتثال ما أمرنا به في حقه الشريف اهـ، وهو في غاية الحسن. قوله: (لَا تَنْبَغِي إِلَّا لعبد إلِى إلخ) أي يختص بها دون غيره. قوله: (وَأَرْجُو أَنْ أَكونَ أَنَا هُوَ) قال الأبي في شرح مسلم قيل أنا تأكيد للضمير المستتر في أكون وهو خبر وضع موضع إياه ويحتمل أن يكون أنا مبتدأ وهو خبر والجملة خبر أكون ويمكن أن يقال أن "هو" وضع موضع اسم الإشارة أي أكون أنا ذلك العبد كقوله: فيها سواد من خطوط وبلق ... كأنه في الجلد توليع البهق قيل لقائله إن أردت المخطوط فقل كأنها وإن أردت السواد والبلق فقل كأنهما فقال أردت كأن ذلك اهـ، ثم ذكر لفظ الرجاء مع أن ذلك له قطعًا أدبًا وإرشادًا وتعليمًا للأمة وتذكيرًا بالخوف وتفويضًا إليه تعالى بحسب مشيئته ليكون، ليكون الطالب للشيء بين الخوف والرجاء وسيأتي في كتاب المدح أن الرجاء من الله تعالى ومن نبيه - صلى الله عليه وسلم - واقع. قوله: (حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ) أي وجبت كما في عدة روايات منها رواية الطحاوي، أو نزلت عليه فعلى الأولى يكون مضارعه يحل بكسر الحاء وعلى الأخير بضمها ولا يجوز أن يكون حلت من الحل لأنها لم تكن قبل ذلك محرمة واللام بمعنى على ويؤيده رواية لمسلم حلت عليه شفاعتي ثم رواية مسلم هذه كرواية البخاري الآتية خالية عن الإشكال ووقع في رواية النسائي والترمذي إلا حلت له شفاعتي بزيادة إلا وهو مشكل لأن جزاء الشرط لا يقترن بإلا وأول بان حمل على معنى لا يسأل ذلك أحد إلا وجبت له شفاعتي ثم معنى وجبت له الشفاعة أنها ثابتة لا بد منها بالوعد الصادق وفي الخبر بشرى عظيمة لقائل ذلك أنه يموت على الإسلام إذ لا تجب شفاعته - صلى الله عليه وسلم - إلا لمن مات كذلك وشفاعته - صلى الله عليه وسلم - لا تختص بالمذنبين بل تكون برفع الدرجات أو تضعيف الحسنات أو بالكرامة بإيوائه إلى ظل العرش أو كونه في برزخ أو على منابر والإسراع بهم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى الجنة وغير ذلك من خصوص الكرامات الواردة لبعض دون بعض وقوله له أي يخص بشفاعة ليست بغيره أو تفرد شفاعته مما يحصل لغيره تشريفًا له وإن دخوله في الشفاعة لا بد منه وقد رأيت أذكر معنى الشفاعة وأقسامها في هذا المكان تتميمًا للفائدة فأقول ذكر الغزالي في معنى الشفاعة وسببها كلامًا نفيسًا حاصله أنها نور يشرف من الحضرة الإلهية على جوهر النبوة لشدة المحبة وكثرة الذكر بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ومثاله نور الشمس إذا وقع على الماء فإنه ينعكس منه إلى محل مخصوص من الحائط دون جميعه وسبب الاختصاص المناسبة بينه وبين الماء في الموضع الذي أخرج منه خط إلى موضع النور حصلت منه زاوية تلي الأرض مساوية للزاوية الحاصلة من الخط الخارج من الماء إلى قرص الشمس بحيث لا يكون أوسع منها ولا أضيق ولهذا لا يمكن إلَّا في موضع مخصوص من الجدار فكما أن المناسبات الوضعية تقتضي الاختصاص بانعكاس النور فالمناسبات المعنوية العقلية تقتضي ذلك أيضًا في الجواهر المعنوية ومن استولى عليه التوحيد فقد تأكدت مناسبته مع الحضرة الإلهية وأشرق عليه النور من غير واسطة ومن استولى عليه السنن والاقتداء به - صلى الله عليه وسلم - ومحبته ومحبة أتباعه ولم يرسخ قدمه في ملاحظة الوحدانية لم يستحكم مناسبته إلَّا مع الواسطة فافتقر إلى الواسطة في اقتباس النور كما يفتقر الحائط الذي ليس مكشوفًا للشمس إلى واسطة الماء المكشوف للشمس وإلى مثل هذا ترجع حقيقة الشفاعة في الدنيا فالوزير الأقرب للملك يحمله على العفو عن جرم أصحابه لا لمناسبة بينهم وبين الملك بل بينهم وبين الوزير المناسب للملك ففاضت عليهم العناية بواسطة الوزير لا بواسطة أنفسهم ولو ارتفعت الواسطة لم تشملهم العناية أصلًا لأن الملك لا يعرفهم ولا يعرف اختصاصهم بالوزير إلّا بتعريفه وإظهار الرغبة في العفو عنهم فسمي لفظه في التعريف إظهارًا للرغبة شفاعة مجازًا وإنما والشفيع مكانته عند الملك واللفظ والتسمية مستغن عن التعريف ولو عرف الملك حقيقة اختصاص غلام الوزير لاستغنى عن التعريف وحصل العفو بشفاعة لا نطق فيها ولا كلام والله تعالى عالم به ولو أذن للأنبياء عليهم الصلاة والسلام بما هو معلوم له لكانت ألفاظهم أيضًا ألفاظ الشفعاء وإذا أراد الله تعالى أن يمثل حقيقة الشفاعة بمحال يدخل في الحس والخيال لم يكن ذلك التمثيل إلّا بألفاظ مألوفة في

رواه مسلم في "صحيحه". وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قال المُؤذنُ: اللهُ أكْبَرُ اللهُ أكْبَرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الشفاعة ويدل على انعكاس النور بطريق المناسبة إن جميع ما ورد من الأخبار على استحقاق الشفاعة معلق بما يتعلق به من صلاة عليه أو زيارة لقبره أو جواب مؤذن والدعاء له عقبه وغير ذلك مما يحكم علاقة المحبة والمناسبة معه - صلى الله عليه وسلم - اهـ. وقال الرازي الشفاعة أن يستوهب أحد لأحد شيئًا ويطلب له حاجة وأصلها من الشفع ضد الوتر كأن صاحب الحاجة كان فردا فصار الشفيع له شفعًا أي صارا زوجًا اهـ. وأما أنواع شفاعته - صلى الله عليه وسلم - فكثيرة حتى بلغ منها بعض المتأخرين إلى أحد وعشرين منها ما هو مختص به ومنها ما يشاركه فيه غيره من باقي الأنبياء أو الملائكة أو العلماء فمن ذلك الشفاعة العظمى يوم القيامة لأهل الجمع ليريحهم الله مما هم فيه بفصل القضاء وهو المقام المحمود الذي يحمده فيه الأولون والآخرون كما سبق ولمن يدخل من أمته الجنة بغير حساب ولقوم عصاة دخلوا النار بذنوبهم فيخرجون ولقوم استحقوا دخول النار فلم يدخلوها وفي قوم حبستهم الأوزار ليدخلوا الجنة ولقوم من أهل الجنة في رفع درجاتهم فيعطى كل أحد ما يناسبه ولمن مات بالمدينة الشريفة ولمن زار قبره ولمن أجاب المؤذن ولمن سأل الله له الوسيلة ولفتح باب الجنة كما رواه مسلم ولقوم من الكفار لهم سابقة خدمة عنده - صلى الله عليه وسلم - أو صدر منهم نوع خدمة في حقه فإنه يخفف عذابهم بشفاعته - صلى الله عليه وسلم - والأوليان من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - ويجوز أن يشاركه في الرابعة والسادسة غيره من الأنبياء والعلماء والأولياء أفاده النووي في الروضة والأولى لا ينكرها أحد من فرق الأمة وكذا لا خلاف في وقوع السادسة أما الثانية فخصتها المعتزلة بمن لا تبعية عليه وأنكروا الثالثة لكن أطبق عليها أهل السنة لثبوت الأخبار الكثيرة فبادر للصلاة والسلام على النبي المختار وسؤال الوسيلة لتظفر بأنواع الشفاعة ولا تغفل عقب الأذان عن هذا المقام فبذلك تستوجب الشفاعة من سيد الأنام عليه الصلاة والسلام. قوله: (رَوَاه مُسلم فِي صحيحه) قال الحافظ بعد تخريجه حديث صحيح أخرجه مسلم وأبو داود وقال بعد تخريجه من طريق أخرى قال فذكر بمثله إلّا أنه أتى بالواو بدل ثم في

فقال أحَدُكُمْ: اللهُ أكْبرُ اللهُ أكبرُ، ثم قال: أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، قال: أشْهَدُ أنْ لَا إلهَ إلا اللهُ؛ ثم قال: أشْهَدُ أن مُحَمدًا رسول الله، قال: أشْهَدُ أن مُحمَّدًا رَسُولُ اللهِ ثمَّ قال: حَيَّ على الصَّلاةِ، قال: لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا بالله؛ ثم قال: حَي على الفَلاحِ، قال: لا حَوْلَ ولا قوّةَ إلا بالله ثم قال: اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، قال: اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، ثم قال: لا إلهَ إلا اللهُ، قال: لا إلهَ إلا اللهُ مِنْ قَلْبِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الموضعين وقال في آخره حلت عليه شفاعتي يوم القيامة ثم قال أخرجه أحمد وأبو عوانة والترمذي وابن خزيمة والبيهقي والفاكهي قال السخاوي في القول البديع ورواه مسلم والأربعة إلَّا ابن ماجة والبيهقي وابن زنجويه وغيرهم وهو عند أبي عاصم في كتابه مطول ومختصر فالمطول بنحو الذي هنا والمختصر سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو من سألها لي حلت له شفاعتي يوم القيامة ورويناه في حديث الفاكهي. فائدة قال الحافظ: لعبد الله بن عمرو حديث آخر أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان ولفظ أن رجلًا قال يا رسول الله إن المؤذنين يفضلوننا فقال قل كما يقولون فإذا انتهيت فسل تعطه وسيأتي الحديث في الدعاء بعد الأذان. قوله: (فَقَال أَحَدُكُمُ) عطف على الشرط. قوله: (ثُم قَال حيَّ عَلَى الصَّلاةِ قال لَا حَولَ وَلاقوة إلا بالله) أربع مرات عدد الحيعلات لكن ظاهر الخبر يقتضي أن الحوقلتين مرتين وهو قوله كما تقدم بيانه والحول الاحتيال والقوة القدرة وقد سبق الكلام على ذلك وإنما سنت الإجابة بها هنا لأن في الحيعلتين دعاء إلى الصلاة وفي الحوقلة تمام التفويض والخروج عن الحول والقوة فناسب الإتيان بها ومن ثم بحث بعض المتأخرين أنها يجاب بها قول: الصلاة جامعة أو الصلاة بالتكرير أو الصلاة رحمكم الله أو الصلاة، عندما شرع له الجماعة من النفل وقوله في الليلة المطيرة إلا صلوا في رحالكم ولم يقف عليه ابن المزجد فبحثه فقال في نظمه للإرشاد. لنحو عيد الصلاة جامعه. قلت وقد بحثت إن سامعه. يقول لا حول ولا كالحيعلة. قوله: (مِنْ قَلْبهِ) قيل الظاهر أنه متعلق بقوله لا إله إلَّا الله فقط

دَخَلَ الجَنَّةَ" رواه مسلم في "صحيحه". وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ قال: "مَنْ قَال حِينَ يَسْمَعُ المُؤذّنَ: أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لهُ، وأن مُحَمدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بالله ربا، وبمُحَمَدٍ رَسُولا، وبالإسْلامِ دِينًا، غُفِرَ لهُ ذَنْبُهُ" وفي رواية: "مَنْ قال حِينَ يَسْمَعُ المُؤذّنَ: وأنا أشهَدُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لا بالمجموع لكن روى النسائي وابن حبان من حديث أبي هريرة قال كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام بلال ينادي فلما سكت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قال مثل ما قال هذا يقينًا دخل الجنة رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد ذكره ميرك. قوله: (دَخَلَ الجنّةَ) أي مع الناجين وإلا فكل مؤمن لا بد له من دخولها وإن سبقه عذاب بحسب جرمه إذا لم يعف عنه لأنه قال ذلك بلسانه مع اعتقاده بقلبه ما دل عليه وإخلاصه فيه. قوله: (رَوَاه مُسلم فِي صحَيِحه) قال المنذري في الترغيب ورواه أبو داود والنسائي زاد الحافظ وأخرجه أبو عوانة قال وجاء عن معاوية نحو حديث عمر ثم أخرجه من طريق الدارمي عن محمد بن عمرو يعني ابن علقمة بن وقاص الليثي عن أبيه عن جده إن معاوية سمع الأذان قال الله أكبر الله أكبر فقال الله أكبر الله أكبر فساق ألفاظ الأذان كلها والحوقلة في جواب الحيعلتين ثم قال هكذا فعل رسول الله قال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن أخرجه أحمد والنسائي والطحاوي وأصل الحديث في البخاري من رواية عيسى بن طلحة عن معاوية بذكر التكبير والتشهد فقط وقال في آخره قال يحيى يعني ابن أبي كثير بلغني أنه لما قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلّا بالله قال الحافظ ولعل الذي بلغ عبد الله بن علقمة أو أخوه اهـ. قوله: (رضيتُ بالله رَبًا إلخ) قال القاضي عياض إنما كان قول هذا موجبًا للمغفرة لأن الرضا بالله يستلزم المعرفة بوجوده له ويستحيل عليه ويجوز والرضا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - العلم بصحة رسالته وهذه الفصول علم التوحيد والرضا بالإسلام دينا التزام بجميع تكاليفه اهـ. قوله: (غُفِرَ لَهُ ذنبهُ) بالبناء للمفعول وأفاد الحافظ أن بعضهم رواه عن الليث بن سعد أحد رواته عند من ذكر فزاد

رواه مسلم في "صحيحه". وروينا في "سنن أبي داود" عن عائشة رضي الله عنها بإسناد صحيح: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سمع المؤذن يتشهد، قال: "وأنا وأنا". وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله قال: "مَنْ قال ـــــــــــــــــــــــــــــ في آخره غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال وأوضحت ذلك في كتاب الخصال المكفرة قال الحافظ ووجدت لحديث سعد هذا شاهدًا من حديث أبي هريرة، قلت وسبق ذكر لفظه في الكلام على قول الشيخ ثم يقول رضيت بالله ربًا قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث غريب أخرجه التيمي الأصبهاني في الترغيب ورجاله معروفون إلَّا واحدًا فلا يعرف اسمه ولا حاله اهـ. قوله: (رَوَاه مُسلم فِي صَحِيِحه) وهذه رواية قتيبة وفي رواية ابن رمح وأنا أشهد ذكره في السلاح قال وكذا رواه أصحاب السنن الأربعة لكن في الترغيب للمنذري لم يقل أبو داود أو ذنوبه وقال مسلم ذنبه وزاد في الحصين ابن السني وسبق لفظ رواية البيهقي له. قوله: (وَرَوينَا فِي سُنَنِ أَبي دَاودَ) ورواه ابن حبان والحاكم في مستدركه عن عائشة رضي الله عنها أيضًا. قلت قال الحافظ وقال صحيح على شرطهما زاد الحافظ وأخرجه البزار وأشار الحافظ إلى اختلاف على هشام في سند الحديث فأرسله جماعة عنه ووصله حفص بن غياث وعلي بن مسهر عن هشام عن أبيه عن عائشة وذكر الدارقطني في العلل الخلاف فيه ورجح إرساله وأخرجه الحافظ من طريق الطبراني عن هشام عن أبيه قال فذكره مرسلًا مثل رواية حفص أي كان إذا سمع النداء قال وأنا وأنا قال وكذا أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف عن أبي معاوية ووكيع كلاهما عن هشام وكذا أرسله عبد الله بن داود عن هشام اهـ. واقتصار المصنف على عزوه لأبي داود لأن اللفظ له كما في السلاح على إن المصنف إنما يعزو التخريج لمن عدا الستة عند الحاجة لذلك بأن لم يوجد أصل ذلك فيه والله أعلم. قوله: (بإسناد صحيحٍ) قال الحافظ ذكر المصنف أن أبا داود أخرجه بإسناد صحيح وهو كما قال وإنما قلت أي بعد تخريجه حديث حسن صحيح فجمعت بين الوصفين للاختلاف في وصله وإرساله ولمجيئه من وجه آخر اهـ. قوله: (سَمِعَ المُؤذنَ يتشهد) أي يقول أشهد أن لا إله إلّا الله أشهد أن محمدًا رسول الله. قوله: (وأَنَا وأَنَا) أي قال - صلى الله عليه وسلم - وأنا أشهد وهو معطوف

حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللهُم رَب هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامةِ وَالصلاةِ القائِمَةِ، آتِ مُحَمدًا الوَسِيلَةَ والفَضِيلَةَ، وابعثْهُ مَقامًا مَحْمُودًا الذي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفاعَتي يَومَ القِيامَةِ" رواه البخاري في "صحيحه". ـــــــــــــــــــــــــــــ على قول المؤذن أشهد على تقدير العامل لا الإنسحاب أي أنا أشهد كما يشهد وجاء عند أحمد بسند معظم رواته من رواة مسلم عن عائشة قالت كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سمع المؤذن يقول أشهد أن لا إله إلّا الله يقول وأنا أشهد أن لا إله إلَّا الله إذا سمعه يقول وأشهد أن محمدًا رسول الله يقول وأنا أشهد أن محمدًا رسول الله ففي هذه الرواية إشارة إلى أن قوله في الرواية الأولى وأنا وأنا اختصار بينته هذه الرواية وإن ذلك يختص بالشهادتين كما في رواية أبي داود لا يشمل جميع ألفاظ الأذان والتكرير في أنا راجع إلى الشهادتين وفيه أنه - صلى الله عليه وسلم - كان مكلفًا بأن يشهد على رسالته كسائر أمته اهـ. قيل ويمكن أن يكون التكرير للتأكيد ويرده مع كونه خلاف الأصل أنه يحتاج لتقدير الشهادة الثانية والله أعلم. وفي حديث معاوية أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول كما قال المؤذن إلَّا في الحيعلتين فيبدلهما بالحوقلتين رواه أحمد وغيره فصريحه أنه كان يقول أشهد أن لا إله إلَّا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله ويجمع بينه وبين حديث عائشة المذكور أنه كان يقول هذا تارة وهذا أخرى وحينئذٍ فيؤخذ منه أن المجيب لو قال ما هنا حصل أصل هذه الإجابة ولم أر من صرح به وعليه فمعنى أمر المجيب السابق أن يقول مثل قول المؤذن أن يأتي بمماثل قوله في الدلالة على المقصود وإن اختلف لفظهما اهـ. قاله بعض المحققين. قوله: (حينَ يَسمعُ النداءَ) أي يفرغ من سماع النداء الشامل للأذان والإقامة والمراد بالنداء اتمامه إذ المطلق محمول على الفرد الكامل وهو الكل ويسمع حال الاستقبال قاله الكرماني. قوله: (رَوَاه البُخاري فِي صحِيحه) قال المنذري في الترغيب ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة زاد الحافظ وأخرجه أحمد وابن خزيمة والحاكم ووهم في استدراكه فقد أخرجه البخاري في موضعين من صحيحه في باب الأذان وفي تفسير سورة سبحان ووقع في روايته مقامًا محمودًا

وروينا في كتاب ابن السني عن معاوية: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سمع المؤذن يقول: حي على الفلاح، قال: "اللهُم اجْعَلْنا مُفْلِحِينَ". وروينا في "سنن أبي داود" عن رجل عن شَهْر بن حَوْشب عن أبي أمامة ـــــــــــــــــــــــــــــ كما قال الأكثر ووقع باللام في رواية النسائي وابن خزيمة والبيهقي في سننه الكبرى وزاد في آخره إنك لا تخلف الميعاد. قوله: (وَرَوينَا فِي كِتَاب ابن السنى إلخ) قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث غريب في سنده من هو متروك عندهم قال وقد روى أحمد والطبراني بهذا الإسناد إنه قال كما يقول المؤذن إلى قوله أشهد أن محمدًا رسول الله زاد الطبراني من طريق آخر عن عاصم ثم صمت فظهر أن الذي زاده نصر أي وهو ما في حديث ابن السني في جواب حي على الفلاح لم يتابع عليه ونصر هذا متروك عندهم كما تقدم في كلام الحافظ. قوله: (إِذَا سَمِعَ المؤذنَ يَقولُ حي على الفلاح يقول اللَّهم اجعلنا مفلحين) قال ابن حجر في شرح العباب ويسن ذلك أيضًا وإن لم يذكروه وقوله أيضًا أي مع لا حول ولا قوة إلَّا بالله وقد جرى على استحباب ذلك السيوطي في عمل اليوم والليلة وأذكار الأذكار وكأن المصنف لم يذكره فيما تقدم من ألفاظ الإجابة لكون الأصحاب لم ينصوا عليه وذكر خبره المقتضي للعمل به ولا يمنع منه سكوتهم عنه نعم ينبغي أنه إذا أدى الاشتغال به إلى تفويت إجابة آكد منه كأن يكون بطيء التلفظ يقدم الآكد والله أعلم. قوله: (وَرَوينَا فِي سُننِ أَبي دَاودَ) قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث غريب أخرجه أبو داود هكذا وسكت عليه وفي سنده راو مبهم وشهر بن حوشب فيه مقال لكن حديثه حسن إذا لم يخالف وقد روي الحديث من غير طريق شهر بن حوشب أخرجه الطبراني في الدعاء عن عبد الله بن أحمد عن أبيه عن وكيع قال الحافظ ولم أره في مسند أحمد ولا في معجم الطبراني وأخرجه ابن السني من طريق شهر وليس في روايته ولا رواية وكيع ما بعد قوله وأدمها اهـ. قال ابن حجر في شرح العباب وسنده ضعيف وكان ضعفه من إبهام الرجل في إسناده ثم رأيته. قاله في شرح المشكاة وفيه راو مجهول ولا يضر لأنه من أحاديث الفضائل. قوله: (عَنْ رَجُلٍ عَنْ شَهْرِ بِنْ حَؤشَبٍ) هو شهر بن حوشب الأشعري الشامي مولى أسماء بنت يزيد بن السكن صدوق كثير

الباهلي، أو عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن بلالًا أخذ في الإقامة، فلما قال: قد قامت الصلاة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أقامَهَا اللهُ وأدامَها"، وقال في سائر ألفاظ الإقامة، كنحو حديث عمر في الأذان. وروينا في كتاب ابن السني عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان إذا سمع المؤذن يقيم الصلاة يقول: اللهمَّ رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، صلِّ على محمد وآته سؤْلَهُ يوم القيامة. ـــــــــــــــــــــــــــــ الإرسال والأَوهام من الئالثة أي من الطبقة الوسطى من التابعين مات سنة اثنتي عشرة خرج عنه البخاري في الأدب الفرد ومسلم وأصحاب السنن الأربعة كذا في التقريب للحافظ ابن حجر. قوله: (أَوْ عَنْ بعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -) لا يضر هذا الشك في تعيين الصحابي لأن الصحابة كلهم عدول فلم يضر انبهام الراوي منهم بخلافه من غيرهم ما لم يكونا عدلين. قوله: (قَال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَقَامَهَا الله وَأَدَامَها) فيسن لمجيب الإقامة إذا انتهى إلى الإقامة أن يقول أقامها الله وأدامها وسبق زيادة وجعلني من صالحي أهلها وأنه لو أبدل الماضي بالأمر حصل أصل السنة لوروده كذلك في رواية. قوله: (وَقَال فِي سَائِرِ ألفاظِ الإقامةِ إلخ) أي أتى بمثل لفظه إلَّا في الحيعلتين فبالحوقلتين. قوله: (رَوَينَا فِي كِتَاب ابن السُّنيّ إلخ) قال الحافظ هكذا أخرجه أي ابن السني موقوفًا وقد خولف عطاء بن قرة وفيه مقال في صحابيه وفي رفعه فأخرج الطبراني في الدعاء عن عطاء بن قرة عن عبد الله بن ضمرة عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إذا سمع المؤذن فذكره وزاد وكان يسمعها من حوله ويحب أن يقولوا مثله وقال من قال ذلك إذا سمع المؤذن وجبت له الشفاعة يوم القيامة قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث غريب وفي سنده جماعة من الضعفاء لكن لم يتركوا ويغتفر مثله في فضائل الأعمال لا سيما مع شواهده والله أعلم. قوله: (عَنْ أَبي هريرة) سبق ذكر مثل هذا الحديث من حديث الطبراني والكلام عليه فقيل الكلام على أحاديث الباب وهو من حديث أبي الدرداء ولفظه كما في الترغيب للمنذري عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول إذا سمع المؤذن يقيم يقول اللهم

فصل: إذا سمع المؤذن أو المقيم وهو يصلي لم يجبه في الصلاة، فإذا سلم منها أجابه كما يجيبه من لا يصلي، فلو أجابه في الصلاة كره ولم تبطل صلاته، وهكذا إذا سمعه وهو على الخلاء لا يجيبه في الحال، فإذا خرج ـــــــــــــــــــــــــــــ رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة صل على محمد وأعطه سؤله يوم القيامة وكان يسمعها من حوله ويحب أن يقولوا مثل ذلك إذا سمعوا المؤذن قال ومن قال مثل ذلك إذا سمع المؤذن وجبت له شفاعة محمد يوم القيامة هذا لفظ المعجم الكبير ولفظ الأوسط كذلك إلَّا أنه قال على عبدك ورسولك واجعلنا في شفاعته يوم القيامة قال - صلى الله عليه وسلم - من قال هذا عند النداء جعله الله تعالى في شفاعتي يوم القيامة وفي إسنادهما صدقة بن عبد الله السمين اهـ، وصدقه ضعيف. فصل قوله: (لَمْ يَجبه فِي الصلاةِ) بل يكره له الإجابة فيها ولو نفلًا بل يصبر إلى الفراغ منها. قوله: (فإِذَا سَلَّم مِنها إلخ) لكن تأكده بعد الصلاة دون تأكده لمن سمعه وليس في صلاة كما في المجموع عن أبي إسحاق. قوله: (وَلَمْ تَبطُلْ صلاتهُ) أي إلّا بقوله صدقت وبررت في أذان الصبح وبحي على الصلاة حي على الفلاح وبالتثويب وكذا قد قامت الصلاة فتبطل بواحد من هذه الخمسة إن صدر من عالم عامد لأنه كلام آدمي فإن نسي أو جهل لم تبطل ويسجد للسهو كما سيأتي ونص الأم على عدم البطلان بالحيعلة يحمل على ناس أو جاهل لا بأقامها الله وأدامها أو اللهم أقمها وأدمها لأنه دعاء. فإن قلت سيأتي عن الغزالي إن المأموم يقول الثناء سرًّا أو يسكت أو يقول صدقت وبررت فما وجه البطلان بهذا اللفظ هنا دون القنوت مع أنه خطاب آدمي في المقامين. قلت كأن الفرق أنه هناك متضمن للثناء إذ هو المقصود منه بطريق الذات وهذا ليس متضمنًا له إذ هو بمعنى الصلاة خير من النوم وهذا مبطل وذاك بمعنى إنك تقضي ولا يقضى عليك مثلًا وهو غير مبطل ولا نظر للخطاب فيه لأنه متضمن للثناء أيضًا على أن النسوية بين القنوت وما هنا في البطلان غير بعيدة لأن ما ذكر فيه من التعسف ما لا يخفى. قوله: (عَلَى الخلاءِ) ومثله المجامع لكراهة الكلام لهما قال الأذرعي ومن بمحل النجاسة لكراهة الذكر فيه وكذا من بالحمام على ما جزم به جماعة لكن حكى المصنف الاتفاق على خلافه ومن كان

أجابه، فأما إذا كان يقرأ القرآن أو يسبح أو يقرأ حديثًا أو عِلْمًا آخر أو غيرَ ذلك، فإنه يقطع جميع هذا، ويجيب المؤذن، ثم يعود إلى ما كان فيه، لأن الإجابة تفوت، وما هو فيه لا يفوت غالبًا، وحيث لم يتابعه حتى فرغ المؤذن يُستحبُّ أن يتدارك المتابعة ـــــــــــــــــــــــــــــ نجسًا ولم يجد ما يتطهر به قال الأذرعي ومما يظهر استثناؤه وإن لم أره ما إذا شرع الخطيب عقب الأذان وقبل إجابة المؤذن لأن الانصات آكد وكذا يدع اللهم رب هذه الدعوة التامة ويستمع ويحتمل أن يقوله سرًّا وأن يقوله بين السامع وغيره والبعيد والأصم اهـ، ونوقش في استثناء التخيير المذكور فالأوجه أنه يجب والأوجه من تردده الأخير أنه حيث سمع الخطيب سن له عدم الإجابة وإلا سنت لأنه يسن له حينئذٍ الاشتغال بالذكر وهي منه. قوله: (أَجَابه) أي إن قصد الفصل وكذا الصلاة قياسًا على سجود السهو وينظر فيه بوضوح الفرق فإن سجود السهو يعود للصلاة فاشترط عدم فاصل طويل لاشتراط الموالاة فيها بخلاف الإجابة بعدها فإنه لا ارتباط لها به وهو غير مقصر فالأوجه أخذًا من إطلاقهم أنه يجيب وإن طال الفصل وكذا يقال فيمن طلب منه ترك الإجابة لعذر كالمجامع ونحوه كذا في الإمداد. قوله: (لأَنَّ الإجَابة تَفُوتُ إلخ) قال الخادم قضيته أنه لا يرجع لما كان عليه إلَّا بعد فراغه من الإجابة ووجهه أنه كالمؤذن وهو يسن له عدم الكلام في أذانه لغير عذر ومنه يؤخذ أنه لا يشرع له سلام ولا جوابه وفيه نظر اهـ، والنظر واضح للفرق الواضح بين المؤذن والمجيب فإن تخلل الكلام أثناء الأذان ربما أخل بالإعلام فالأوجه أنه يسن السلام ويجب عليه رده كذا في شرح العباب والطائف بالبيت كالقارئ فيما ذكر فيقطع ما هو فيه أي بأن يقف لها وقضية سكوت المصنف عن الجنب والنفساء أنه يسن لهما الإجابة وهو ما جزم به الشيخان وخالفهما السبكي لخبر كرهت أن أذكر الله إلَّا على طهر قال والتوسط أنه يسن للمحدث لا للجنب والحائض لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يذكر الله على كل أحيانه إلّا لجنابة وقال ابنه في التوشيح يمكن أن يتوسط فيقال

باب الدعاء بعد الأذان

ما لم يَطُل الفصلُ. باب الدعاء بعد الأذان روينا عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لا يُرَد الدُّعاءُ بَينَ الأذّانِ والإقامةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ تجيب الحائض لطول أمرها بخلاف الجنب والخبران لا يدلان على غير الجنابة وليس الحيض في معناها لما ذكرت اهـ. قال شيخ الإسلام زكريا وفي دعواه إن الخبرين لا يدلان على غير الجنابة نظر بل ظاهر الأول الكراهة للثلاثة وقد يقال يؤيدها كراهة الأذان والاقامة لهم ويفرق بأن المؤذن والمقيم مقصران حيث لم يتطهرا عند مراقبتهما الوقت والمجيب لا تقصير منه لأن إجابته تابعة لأذان غيره وهو لا يعلم غالبًا وقت أذانه اهـ. قال في شرح العباب وهو حسن متجه. قوله: (مَا لَمْ يطُلِ الفَصل) فإن طال فلا تدارك ولو لعذر كما يصرح به ما في المجموع من عدم الإجابة بعد الصلاة إذا طال الفصل كذا في شرح العباب والإمداد لكنه نظر في الإمداد في اعتبار قصر الفصل قياسًا على اعتباره في تدارك سجود السهو بما مر آنفًا وهو يقتضي طلب تدارك الإجابة وإن طال الفصل حيث كان معذورًا وقد صرح بذلك كما سبق عنه وعلى الأول ففارق تدارك الناسي التكبير المشروع عقب الصلاة أيام النحر والتشريق والأذكار التي بعد السلام وإن طال الفصل لوجود ما يدل على التعقيب هنا وهو الفاء في خبر مسلم السابق ولانقطاع الإجابة مع الطول لشبهها برد السلام لما فيه من الخطاب بخلاف ترك التكبير ونحوه فيما ذكره الزركشي وابن العماد وبقاء التعقيب بقيد الإطلاق في كلام الأصحاب بأن لا يطول الفصل والله أعلم. باب الدعاء بعد الأذان قوله: (لَا يُرَد) أي يستجاب كما في رواية لابن حبان. قوله: (بَيْنَ الأذانِ والإقامَةِ) ولم أر من تعرض لما إذا أذن مؤذنو المسجد الحرام دفعة ثم أقامت الجماعة ثم قامت جماعة كما هو في سائر البلدان من تعدد الجماعة وترتبها جماعة فجماعة فهل يقال تنتهي الإجابة إلى الإقامة الأولى حملا على ما كان في زمنه - صلى الله عليه وسلم - من أن الجماعة واحدة ويؤيده أنه ورد بين كل أذانين أي أذان وإقامة صلاة مع أنها غير متكررة بتكرار الإقامة أو يقال بدوامها وإن تعددت الإقامات لصدق اللفظ عليه لأن أل

رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن السني وغيرهم، قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وزاد الترمذي في روايته في "كتاب الدعوات" من "جامعه"، قالوا: فماذا نقول يا رسول الله؟ قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ في الأذان للجنس الصادق بالجميع قال الأصوليون من العام اسم الجنس المحلى بأل أو يفصل بين من لم يكررها كما إذا حضر قوم بعد تمام الجماعة السابقة فيدوم أولًا فلا كل محتمل ولعل الأخير أقرب والله أعلم. قوله: (رَوَاه أَبو دَاودَ) وسنده صحيح كما في شرح المشكاة لابن حجر وسيأتي ما فيه في كلام الحافظ وقال الحافظ الحديث حسن وهو غريب من هذا الوجه. قوله: (وغيرهم) كالترمذي والنسائي في الكبرى ورواه عبد الرزاق وسكت عليه أبو داود إما لحسن رأيه في زيد العمي وإما لشهرته في الضعف وإما لكونه في فضائل الأعمال وأما الترمذي فقال حديث حسن وقد رواه أبو إسحاق يعني السبيعي عن يزيد بن أبي مريم عن أنس قال أبو الحسن بن القطان وإنما يصححه لضعف زيد العمي وأما يزيد فموثق وينبغي أن يصحح من طريقه وقال المنذري طريق يزيد أجود من طريق معاوية التي رواها زيد العمي وقد رواها قتادة عن أنس موقوفًا ورواه سليمان التيمي عن أنس مرفوعًا اهـ، وقد نقل المصنف إن الترمذي صححه قال الحافظ ولم أر ذلك في شيء من النسخ التي وقفت عليها منها بخط أبي علي الصدفي ومنها بخط الكروخي وكلام ابن القطان والمنذري يعطي ذلك ويبعد أن الترمذي يصححه مع تفرد زيد العمي به وقد ضعفوه نعم طريق يزيد التي أشار إليها صححها ابن خزيمة وابن حبان وزاد ابن خزيمة في آخره بعد قوله في الإقامة فادعوا. قلت وهذه الزيادة عند أبي يعلى أيضًا ورواه من طريق أخرى من غير هذه الزيادة وأخرجه ابن حبان ووقع في روايته مستجاب بدل لا يرد. قوله: (وَزَادَ الترمذي إلخ) قال الحافظ هو كما قال لكن ليست هذه الزيادة في الرواية الأولى

"سَلوا الله العَافِيَةَ في الدنْيا والآخرَةِ". وروينا عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رجلًا قال: "يا رسول الله إن المؤذنين يفضُلوننا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قُلْ كما يَقُولُونَ فإذا انتهَيْتَ فَسَلْ تُعْطَه" رواه أبو داود ـــــــــــــــــــــــــــــ التي حسنها أو صححها وإنما أخرجها من وجه آخر من رواية يحيى بن يمان عن الثوري وقال تفرد بهذا الحرف يعني الزيادة يحيى بن يمان وكان رجلًا صالحًا لكنهم اتفقوا على أنه كان كثير الخطأ ولا سيما في حديث الثوري قال ابن حبان شغلته العبادة عن إتقان الحديث وقد أخرج هذا الحديث أيضًا الحاكم من رواية حميد عن أنس لكن الراوي له عن حميد ضعيف جدًّا وكأنه خفي حاله على الحاكم فاستدركه ورواه أيضًا عن أنس يزيد بن أبان الرقاشي وهو ضعيف أخرجه الطبراني من طريقه مختصرًا ومطولا اهـ. قوله: (سَلُوا الله العَافيةَ) وردت الأخبار الكثيرة بطلب العافية فمنها خبر الترمذي أيضًا من فتح له باب من الدعاء افتتحت له أبواب الرحمة وما سئل الله شيئًا أحب إليه من أن يسأله العافية وقد تقدم تعريفها في باب ما يقول إذا استيقظ من منامه. قوله: (أَن رَجُلًا) لم أقف على من سماه وقد راجعت مبهمات المصنف والعراقي فلم أر فيهما شيئًا. قوله: (إِن المُؤَذنينَ يُفضلُونَنا) الظاهر أنه خبر أي فما تأمرنا به من عمل نلحقهم به فقال قل كما يقولون أي على ما سبق من الإتيان بالحوقلة بدل الحيعلة اهـ. قوله: (فإِذَا انْتهيتَ) أي من الإجابة (فَسلْ تُعطَهْ) بهاء السكت في الأصول لئلا تعود الألف المحذوفة للجازم لضرورة الوقف على الساكن ويمكن أن يكون الهاء مفعولًا عائدة إلى المسؤول المفهوم من سل، وذلك لأنك بين الأذان والإقامة والظاهر أن جملة فإذا انتهيت إلخ، زائدة على جواب السؤال فإن قوله قل كما يقولون أفاد أنه يقرب من ثواب المؤذن ثم نبهه على أمر يشترك فيه المؤذن والمجيب وغيرهما وهو استجابة الدعاء ممن دعا بين الأذان والإقامة ويؤيد ذلك حديث الطبراني من سمع المؤذن فقال مثل ما يقول فله مثل أجره وبه يعلم فضل الإجابة وعظيم ثوابها لما تقدم في الأذان من عظيم الثواب أشار إليه بقوله في شرح العباب. قوله: (رَوَاه أَبو دَاودَ) قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الطبراني في كتاب الدعاء حديث حسن أخرجه أبو داود والنسائي في الكبرى ورجاله موثقون من رجال الصحيح

ولم يضعفه. وروينا في "سنن أبي داود" أيضًا في "كتاب الجهاد" بإسناد صحيح، عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثِنْتان لا تُرَدّان، أو قَل ما تُرَدّان: الدُّعاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ إلَّا واحدًا فاختلف فيه لكن تابعه فيه غيره فأخرجه الطبراني بسند ضعيف عن عمر مولى عفرة عن الحبلي عن ابن عمرو. قوله: (وَلَمْ يُضَعِّفْهُ) أي فيكون صحيحًا أو حسنًا وكان اقتصار ابن حجر في شرح المشكاة على التحسين لما تقدم في كلام ابن الصلاح من أنه الأمر المتيقن وزيادة رتبة الصحيح متوقف فيها أو لما نبه عليه الحافظ من الاختلاف في حال يحيى بن عبد الله راوي الحديث عن عبد الرحمن الحبلي عن ابن عمرو ثم الحديث رواه النسائي وابن حبان في صحيحه أيضًا ولفظهم سواء إلَّا إن عند النسائي تعط أي بغيرها. قوله: (وَرَوينَا فِي سُنن أَبي دَاودَ) قال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن صحيح أخرجه أبو داود والدارمي وابن خزيمة وابن الجارود والحاكم ورجاله رجال الصحيح إلّا اثنين فأحدهما مجهول والثاني مختلف فيه اهـ. وفي السلاح رواه الحاكم في المستدرك بهذا اللفظ أي الذي أورده المصنف وأخرجه ابن حبان بلفظ ثنتان لا يردان وهذا الحديث أورده في السلاح في إجابة الدعاء عند النداء بالصلاة ولم يورده في إجابة الدعاء بين الأذان والإقامة وقضيته أن يكون حال النداء إليها الشامل للأذان والإقامة لا بينهما ويؤيده ما أورده عن سهل ساعتان تفتح فيهما أبواب السماء وقل داع ترد عليه دعوته حضرة النداء بالصف والصف في سبيل الله رواه مالك في الموطأ موقوفًا قال الحافظ هذا ما اتفق عليه رواة الموطأ ورواه بعض الثقات عن مالك مرفوعًا عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال قال - صلى الله عليه وسلم - ساعتان تفتح فيهما أبواب السماء فذكره وزاد وعند الصف في سبيل الله أخرجه الدارقطني في غرائب مالك وأخرجه ابن حبان في صحيحه من وجه آخر وأخرجه الحافظ كذلك من طريق الطبراني والحديث محتمل لهما وزيادة في سبيل الله في الطريق الأولى لها شاهد من حديث ابن عمر عند الطبراني في كتاب الدعاء بلفظ تفتح أبواب السياء لقراءة القرآن وللقاء الزحف ولنزول القطر ولدعوة المظلوم وللأذان تفرد به حفص بن سليمان وهو ضعيف

عِنْد النِّدَاءِ وَعِنْدَ البأسِ حِينَ يُلْجِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا" قلت: في بعض النسخ المعتمدة: "يلحم" بالحاء، وفي بعضها بالجيم، وكلاهما ظاهر. ـــــــــــــــــــــــــــــ والحديث كما قال ابن رسلان ظاهر في أن الدعاء منه مقبول ومردود عند الله فيقبل ما شاء ويرد ما شاء قال تعالى: ({فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ} [الأنعام: 41] وهذه الآية مقيدة لقوله تعالى: {أَستَجِبْ لَكم} [غافر: 60] ولقوله: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]. قوله: (عِنْدَ النداءِ) أي الأذان كما استظهره الجلال السيوطي قال ابن رسلان رواية ساعتان لا يرد فيهما على داع دعوته حين تقام الصلاة فيحتمل أن يراد بالنداء إقامة الصلاة كما في هذه الرواية لكن الظاهر أن المراد بالنداء الأذان لحديث الحاكم إذا نادى المنادي فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء فليتحين المنادي أن ينتظر بدعوته حين يؤذن المؤذن فيجيبه ثم يسأل الله تعالى حاجته اهـ، وعند يحتمل أن يكون بمعنى بعد آخذًا من الأحاديث المذكورة آنفًا وأن تكون على حالها وتكون هذه الرواية مفيدة ما لم تفده تلك من استجابة الدعاء المقارن لا وله وأثنائه أيضًا لكن ظاهر إيراد المصنف الخبر في هذا الباب أن عند بمعنى بعد. قوله: (البأْسِ) أي الحرب والشدة. قوله: (حِينَ يُلْحِمُ بَعْضهُمْ بَعْضًا) بدل مما قبله لبيانه أي يقتله ويتسبب فيه حتى لا يجد له عنه مفرًا. قوله: (يلحمُ بالحاءِ) المهملة قال في السلاح يقال لحم الرجل واستلحم إذا نشب في الحرب فلم يجد مخلصًا ولحم إذا قتل فهو ملحوم ولحم وفي شرح المشكاة من لحمه وألحمه إذا التصق به التصاق اللحم بالعظم أو من لحم إذا قتل كأنه جعله لحمًا وفي النهاية ألحم الرجل إذا نشب في الحرب فلم يجد له مخلصًا وألحمه غيره فيها ولحم إذا قتل ولحمته إذا قتلته والملحمة المقتلة اهـ. وقال ابن رسلان أي ينشب بعضهم ببعض في الحرب كما يلحم الثوب بالسدي يقال لحم الرجل واستلحم إذا نشب في الحرب فلم يجد له مخلصًا منه اهـ. قوله: (بالجيم) لكن اقتصر على الأول الجمهور حتى ضبطه السيوطي في حاشيته بالحاء المهملة والحكمة في قران النداء بالجهاد ما في كل منهما من مجاهدة أعداء الله إذ في الأول جهاد الشياطين كما سبق أنه يفر عند سماع الأذان وله ضراط وفي الثاني جهاد الكفار المشركين فلما تم استسلامه لأمر ربه وجهاده لأعدائه

باب ما يقول بعد ركعتي سنة الصبح

باب ما يقول بعد ركعتي سنة الصبح وروينا في كتاب ابن السني عن أبي المليح، واسمه عامر بن أسامة عن أبيه رضي الله عنه أنه صلى ركعتي الفجر، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى ـــــــــــــــــــــــــــــ استحق أن يجاب دعوته وترحم عبرته وأخرج أحمد والطبراني أنه - صلى الله عليه وسلم - قال من قال حين ينادي المنادي اللهم رب هذه الدعوة القائمة والصلاة النافعة صل على محمد وارض عني استجاب الله له دعوته وقد ذكر في الحصين وغيره أدعية أخرى في هذا المقام. تتمة من لازم سن الدعاء بين الأذان والإقامة سن الحمد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - قبله وبعده لأنها من سننه المتأكدة وعلى ذلك يحمل قول المصنف وغيره وتسن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما كذا في شرح العباب اهـ. باب ما يقول بعد ركعتي سنة الصبح إضافة الركعتين إلى سنة من إضافة البيان أو إضافة العام إلى الخاص. قوله: (رَوَينَا فِي كِتاب ابْن السني) قال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن أخرجه الدارقطني في الأفراد وقال تفرد به مبشر وهو بضم الميم وفتح الموحدة وكسر المعجمة ذكره ابن حبان في الثقات واسم أبيه أبو المليح عامر وهو من رجال الصحيح وأما عباس بن سعيد أي الراوي عن مبشر فلم أر فيه جرحًا ولا تعديلًا إلَّا أن ابن حبان ذكر في الثقات عباد بن سعد ولم يذكر ما يتميز به وأخرج هذا الحديث الحاكم في المستدرك من طريق آخر قال الحافظ ووجدت للحديث شاهدًا من حديث عائشة بسند ضعيف لأن في سنده من هو متروك ومن فيه مقال قال وأبو يعمر المليح إن كان هو ابن أسامة المذكور أولًا فقد اختلف عليه في إسناده وإن كان غيره فهو مجهول اهـ. قوله: (وَاسْمُهُ عَامِرُ) وقيل زيد وقيل زياد ثقة من أوساط التابعين مات سنة ثمان وتسعين وقيل ثمان ومائة وقيل بعد ذلك خرج عنه أصحاب السنن الأربعة. قوله: (أُسَامَةَ) هو أسامة بن عمير وقيل ابن عامر بن عمير بن حفيف بن ناجية الهذلي في باب الكنى من التقريب وفي الأسماء منه أسامة بن عمير بن عامر بن الأقيشر الهذلي البصري والد أبي المليح صحابي تفرد عنه ولده روي له أصحاب السنن الأربعة اهـ، ومثل الأخير في أسد الغابة وزاد واسم

قريبًا منه ركعتين خفيفتين، ثم سمعه يقول ـــــــــــــــــــــــــــــ أقيشر أي بضم الهمزة وفتح القاف وإسكان التحتية ثم المعجمة ثم المهملة مصغر عمير بن عبد الله بن حبيب بن يسار بن ناجية وبه يعلم ما في كلام التقريب في الموضعين ومن حديثه كما سيأتي أواخر الكتاب قال كنت ردف النبي - صلى الله عليه وسلم - فعثر بعيرنا فقلت تعس الشيطان فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تقل تعس الشيطان فإنه يعظم حتى يصير مثل البيت ويقول تقوَّ بي ولكن قل بسم الله فإنه يصغر حتى يصير مثل الذباب أخرجه الثلاثة يعني ابن عبد البر وابن منده والمديني اهـ. قوله: (قَرِيبًا مِنْهُ) حال من فاعل صلى. قوله: (ركعتَينِ خَفِيفَتَينِ) قال ابن حجر في شرح الشمائل قد صح وصف ركعتي الفجر بأنهما خفيفتان من طرق في الصحيحين وغيرهما فيسن تخفيفهما اقتداء به - صلى الله عليه وسلم - والحديث المرفوع في تطويلهما من مرسل سعيد بن جبير على أن فيه راويًا لم يسم فلا حجة فيه لمن قال يندب تطويلهما ولو لمن فاته شيء من قراءته في صلاة الليل وإن صح ذلك في الحسن البصري ولا ينافي ذلك ما في صحيح مسلم كان - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا ما يقرأ في الأولى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136] آية البقرة وفي الثانية {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالوْا} [آل عمران: 64] إلي قوله (مسلمون) آية ال عمران لأن المراد بتخفيفهما التخفيف النسبي أو التخفيف لما عدا القيام من القرآن أو أن ذلك في بعض الأحيان أو أن المراد عدم تطويلهما على الوارد فيهما حتى لو قرأ المصلي في الأولى آية البقرة وألم نشرح والكافرون وفي الثانية آية آل عمرأن وألم تر كيف والإخلاص لم يكن مطولًا تطويلًا يخرج به عن حد السنة والاتباع وروي أبو داود أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأ في الثانية {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ} [آل عمران: 53]، {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [البقرة: 119] ولا تسأل عن أصحاب الجحيم فيسن الجمع ليتحقق الإتيان بالوارد أخذا مما قاله المصنف في ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا كبيرًا واعترض وسيأتي بما فيه وروي مسلم وغيره أنه قرأ فيهما بسورتي الإخلاص والكافرون وصح نعم السورتان تقرأ بهما في ركعتي الفجر قل يأيها الكافرون وقل هو الله أحد رواه الترمذي وحكمه جمعهما

وهو جالس: "اللهُم رَب جِبرِيلَ وإسْرَافِيلَ وَمِيكائِيلَ ومُحَمدٍ النبي - صلى الله عليه وسلم - أعُوذُ بِكَ مِنَ النار ـــــــــــــــــــــــــــــ توحيد العلم وتوحيد العمل وتوحيد المعرفة وتوحيد الاعتقاد فقل هو الله أحد متضمنة للتوحيد العلمي والاعتقادي لاشتمالها على ما يجب إثباته له تعالى من الأحدية والصمدية المثبتان كل كمال ومنه نفي النقائص ومنها الوالد والولد وإثبات الكفؤ وما يجوز وما يستحيل وتضمنت أكمل كمال ونفى كل شبه له وهذه هي مجامع التوحيد ومن ثم عدلت ثلث القرآن إذ هو إما إنشاء وهو إما أمر أو نهي أو إباحة وهذا ثلث هاما خبر وهو إما عن الخلق وهذا ثلث ثان أو عن الخالق وصفاته وأحكامه وهذا ثلث ثالث مندرج في سورة الإخلاص فلذا عدلت ثلث القرآن وخلصت قارئها من الشرك العلمي كما خلصته سورة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] من الشرك العملي. قوله: (وهُو جالِس) الجملة حالية وهي في رواية ابن الحاكم كما يفهم من كلام صاحب السلاح وكذا النعت بقوله النبي - صلى الله عليه وسلم -. قوله: (اللهم رب جبريل إلخ) إنما خصهم بالذكر وإن كان تعالى رب كل شيء لما تقرر في القرآن والسنة من نظائره من الإضافة إلي كل عظيم المرتبة وكبير الشأن دون ما يستحقر ويستصغر فيقال له سبحانه رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم ورب الملائكة ورب المشرقين ورب المغربين ونحوه مما هو وصف له بدلائل العظمة وعظم القدرة والملك ولم يستعمل فيما يستحقر ويستصغر فلا يقال رب الحشرات وخالق القردة والخنازير وشبهها على سبيل الإفراد وإنما يقال خالق المخلوقات وحينئذٍ تدخل هذه في العموم وقال القرطبي خص هؤلاء الملائكة بالذكر تشريفًا لهم إذ بهم ينتظم هذا الوجود إذ أقامهم الله تعالى في ذلك قال في الحرز والظاهر أن مراتب فضلهم على ترتيب ذكرهم اهـ. وقال ابن الجزري في مفتاح الحصين خصهم بالذكر وكذا رب العرش العظيم ونحوه من دلائل العظمة لعظمة شأنه فإنه رب كل شيء اهـ، وقد يقال إن حياة القلب بالهداية وهؤلاء الثلاثة موكلون بالحياة فجبريل بالوحي وهو سبب حياة القلوب ميكائيل بالقطر الذي هو سبب حياة الأبدان وإسرافيل بالنفخ في الصور الذي هو سبب حياة العالم وعودة الأرواح إلى الأجساد فالتوسل إلى الله سبحانه بربوبية هذه

ثَلاثَ مَرَاتٍ". وروينا فيه عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ قال صَبيحَةَ يَوْمِ الجُمُعَةِ قَبْلَ صَلاةَ الغَدَاةِ: أسْتَغْفِرُ اللهَ الذِي لا إلهَ إلَّا هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأرواح العظيمة الموكلة بالحياة له تأثير عظيم في حصول الحاجات ووصول المهمات وورد في أثر أن اسم جبريل عبد الله وإسرافيل عبد الرحمن وذكر الجزولي من المالكية في شرح الرسالة إنما سمي إسرافيل لكثرة أجنحته وسمي ميكائيل لكونه وكل بالمطر والنبات يكيله ويزنه. قوله: (ثَلاثَ مَرَات) ظرف ليقول. قوله: (وَرَوينَا فيهِ) أي في كتاب ابن السني قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الطبراني هذا حديث غريب وسنده ضعيف جدًّا وذكر الطبراني أنه لا يروي عن خصيف إلَّا بهذا الإسناد وخصيف بمعجمة مهملة فتحتية ففاء مصغر محدث مشهور فيه مقال لم يسمع من أنس أي ففي الحديث راو محذوف بينه وبين أنس والراوي عن خصيف متروك قال الحافظ وأخرج ابن السني الحديث من طريق إسحاق بن خالد عن عبد العزيز بن عبد الرحمن البالسي عن خصيف عن أنس وقد ذكر ابن حبان في الضعفاء أن إسحاق بن خالد روى عن عبد العزيز هذا شبيهًا بمائة حديث كلها مقلوبة قال الحافظ ولأصل هذا الذكر شاهد حسن أخرجه أبو داود والترمذي من رواية بلال بن يسار بن زيد مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أبيه عن جده وليص فيه تقييد بوقت وفي آخره وإن كان فر من الزحف بدل وإن كانت ذنوبه أكثر من زبد البحر وسيأتي في كتاب الاستغفار إلَّا أن المصنف أخرجه من حديث ابن مسعود وقال أخرجه أبو داود والترمذي وفيه نظر وله شاهد آخر عن أبي سعيد أخرجه الترمذي وآخر عن ابن مسعود أخرجه الحاكم وليس فيهما أيضًا تقييد بوقت اهـ. قوله: (قَبل صَلاةِ الغداةِ) يعني صلاة الفرض وفي الحديث الدليل على جواز إطلاق الغداة على الصبح أي وسيأتي في كتاب حفظ اللسان دليل عدم كراهة ذلك. قوله: (أَسْتَغْفِرُ الله) أي أطلب غفرانه على سبيل الدعاء والسؤال وأستغفر يتعدى إلى مفعولين ثانيهما بنفسه تارة كقول الشاعر: أستغفر الله ذنبًا لست محصيه وبحرف الجر أخرى كقول

باب ما يقول إذا انتهى إلى الصف

الحَيَ القَيومَ وأتُوبُ إلَيْهِ ثلَاثَ مَرَات، غَفَرَ اللهُ تعالى ذُنوبَهُ ولو كانتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ". باب ما يقول إذا انتهى إلى الصف روينا عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رجلًا جاء إلى الصلاة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي، فقال حين انتهى إلى الصف: اللهُم آتني أفضل ما تؤتي عِبادَك الصالحين، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاةَ قال: "مَنِ المُتَكَلِّمُ آنفًا؟ " قال: أنا يا رَسُولَ اللَّهِ، قال: "إذَنْ يُعْقَرُ جَوَادُكَ وَتُسْتَشْهَدُ في سَبِيلِ اللهِ تعالى" رواه النسائي وابن السني، ورواه البخاري في "تاريخه" في ترجمة محمد بن مسلم بن عائذ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الآخر أستغفر الله من قول بلا عمل وحذف المفعول الثاني في الخبر لطلب التعميم ورجاء حصول الفضل العميم. قوله: (الحي القيومَ) بنصبهما صفة لله ورفعهما صفة لهو وسيأتي له في باب الاستغفار مزيد. قوله: (زَبَدِ البَحْر) تقدم ضبطه وأنه كناية عن الكثرة وسبق إن المكفر بالطاعات من الذنوب الصغائر المتعلقة بحقوق الله تعالى. باب ما يقول إذا انتهى إلى الصف قوله: (إذا يُعْقَر) إذًا هي حرف جواب وجزاء ويعقر بالبناء للمفعول وفي التهذيب للمصنف عقرت الفرس عقرًا قطعت قوائمه اهـ، وفيه فرس جواد إذا كان يعدو كثيرًا. قوله: (وَتُسْتشْهد فِي سبيلِ الله) فيه عظيم فضل الجهاد وأنه أفضل ما أوتي صالحو العباد لكن تقدم أن مثل هذا محمول على اختلاف الأحوال وإلا فالصلاة أفضل الأعمال وتقدم التفضيل في التفضيل بين الذكر والجهاد في باب فضل الذكر. قوله: (رَوَاه النسائي إلخ) قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الطبراني في كتاب الدعاء ومن طريق غيره حديث حسن أخرجه النسائي في الكبرى وأخرجه ابن السني وأخرجه ابن حبان عن ابن خزيمة وأخرجه

باب ما يقول عند إرادته القيام الي الصلاة

باب ما يقول عند إرادته القيام الي الصلاة روينا في كتاب ابن السني ـــــــــــــــــــــــــــــ البخاري في التاريخ وأبو يعلى في مسنده وابن أبي عاصم في الدعاء وأخرجه الحاكم من وجه آخر وقال صحيح على شرط مسلم ثم تعقبه الحافظ في قوله على شرط مسلم بأن محمد بن مسلم بن عائذ الراوي عن عامر بن سعد بن أبي وقاص لم يخرج له مسلم وقد قال أبو حاتم الرازي أنه محمول وما وجدت له راويًا إلا سهل بن أبي صالح وهو من أقرانه نعم وثقه العجلي فأقوى رتب حديثه أن يكون حسنًا وابن خزيمة وابن حبان ومن تبعهما لا يفرقون بين الصحيح والحسن اهـ. باب ما يقول عند إرادة القيام إلى الصلاة قوله: (رَوَينَا فِي كِتَاب ابْنِ السُّني) قال الحافظ ابن حجر بعد تخريجه حديث حسن خرجه ابن السني ورجاله موثقون لكن في عطاف بن خالد مقال يتعلق بضبطه وقد توبع فيه عن شيخه ثم ذكر الحافظ متابعه وسمى أم رافع فقال عن سلمى أم بني أبي رافع فذكر الحديث نحوه لكن أطلق موضع القول والشيخ حمله على الإرادة قال ووقع لنا من وجه آخر ما قد يدل على أنه داخل الصلاة ثم أخرج عن أم رافع قالت يا رسول الله أخبرني بشيء أفتتح به صلاتي فذكر الحديث نحوه وأخرج الترمذي عن أم سليم قالت يا رسول الله علمني كلمات أقولهن في صلاتي فذكر نحوه وأخرج أبو يعلى من وجه آخر عن أنس بلفظ إذا صليت المكتوبة اهـ، وقد أفرد الحافظ جزءًا ألفه في حديث أم رافع فقال أخرجه ابن السني فقال باب ما يقول إذا قام إلى الصلاة ولم يتصرف في لفظ الخبر كما تصرف فيه الشيخ النووي فذكر الحديث بسنده من طريق علي بن عياش عن عطاف بن خالد عن زيد بن أسلم عن أم رافع وفي آخره قد غفرت لك بدل قوله قد فعلت فلعل النسخ اختلفت وفي الحديث علتان إحداهما أن بين زيد بن أسلم وأم رافع واسطة فالحديث منقطع الثانية إن عطاف بن خالد مختلف في توثيقه وتخريجه وباقي رواته رجال الصحيح وأخرجه ابن منده في المعرفة من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم وزاد فيه عبيد الله

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بن زيد بن أسلم وأم رافع ولا بد منه ولفظه عنها قالت يا رسول الله أخبرني عن شيء أفتتح به صلاتي قال إذا قمت إلى الصلاة فقولي الله أكبر عشرًا فإنك كلما قلت قال الله عز وجل هذا لي واحمدي الله عشرًا ثم قولي سبحان الله وبحمده عشرًا فإنك إذا قلت قال الله هذا لي إليّ واحمدي الله عشرًا فإذا قلت ذلك قال الله هذا لي واستغفري الله عشرًا فإنك إذا قلت ذلك قال الله قد غفرت لك فزاد في المتن الفاظًا منها مطابقة الجواب لسؤالها ومنها الترتيب في الكلمات المذكورة ومنها زيادة وبحمده وقد وجدناه من رواية راو ثالث وهو بكير بن مسمار فأخرجه الطبراني في المعجم الكبير من طريقه عن زيد بن أسلم فوافق عطافًا في حذف الواسطة واختصر المتن ولفظه أنها قالت يا رسول أخبرني بكلمات ولا تكثر علي فقال قولي الله أكبر عشر مرار يقول الله هذا لي وقولي سبحان الله عشر مرار يقول الله هذا لي وقولي اللهم اغفر لي يقول الله قد فعلت فتقوليهن عشر مرار فيقول قد فعلت. هكذا اقتصر فيه على التكبير والتسبيح فقط وأطلق محل القول وبكير وهشام من رجال مسلم والذي يقتضيه النظر ترجيح رواية هشام لما اشتملت عليه روايته من تحرير السياق في السند والمتن معًا وقد جاء نحو هذه القصة عن أم سليم الأنصارية أخرجه الترمذي عن أنس ولفظه أن أم سليم غدت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت يا رسول الله علمني كلمات أقولهن في صلاتي فقال سبحي الله عشرًا واحمدي الله عشرًا وكبريه عشرًا ثم سلي حاجتك يقول نعم وأخرجه الحاكم في المستدرك من طريق عبد الله بن المبارك وقال صحيح على شرط مسلم وقد عين ابن خزيمة محل هذا الذكر المخصوص في افتتاح الصلاة لكن بغير هذا العدد فأخرج في دعاء الافتتاح حديث جبير بن مطعم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا افتتح الصلاة قال الله أكبر كبيرًا ثلاث مرات والحمد لله كثيرا ثلاث مرات وسبحان الله بكرة وأصيلا ثلاث مرات ثم يتعوذ وأخرجه أبو داود وابن جبان في صحيحه ولفظ ابن حبان أنه رأى رسول

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي صلاة فقال الله أكبر كبيرًا الله أكبر كبيرًا الله أكبر كبيرًا الحمد لله كثيرًا سبحان الله بكرة وأصيلا ثلاثًا أعوذ باللهِ الحديث ولفظ أبي داود رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين دخل الصلاة قال الله أكبر كبيرًا ثلاثًا الحديث وقد جاء نحو ذلك في غير هذا المحل من غير تقييد بعدد وذلك ما أخرجه مسلم عن ابن عمر قال بينا نحن نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ قال رجل من القوم الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرة وأصيلا فقال من القائل كذا وكذا فقال الرجل أنا فقال لقد رأيت أبواب السماء فتحت لها وفي الباب عن عبد الله بن أبي أوفى عند أحمد والطبراني بسند حسن ولفظه نحو حديث عمر وفي آخره فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال من هذا العالي الصوت فقالوا هو هذا فقال لقد رأيت كلامه يصعد في السماء حتى فتح له باب يدخل فيه، وعن وائل بن حجر أخرجه مسدد في مسنده والطبراني نحو حديث ابن عمر لكن قال في آخره فقال من صاحب الكلمات فقال الرجل أنا وما أردت إلا خيرًا قال رأيت أبواب السماء قد فتحت فما تناهت دون العرش ويؤيده مشروعية هذا الذكر في دعاء الافتتاح حديث عائشة فإنه ورد مقيدًا بالعدد الذي ورد في حديثي أم رافع وأم سليم أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وجعفر الغرياني وتقدم بعضه في باب ما يقول إذا استيقظ من منامه فهذه الأحاديث عمدة من جعل محل الذكر المذكور عند دعاء الافتتاح وقبل القراءة وجاءت أحاديث فيها هذه الأذكار عقب الصلاة وأورد الترمذي حديث أم سليم فيما يقال في صلاة التسبيح وتبعه عليه غيره لكن تعقبه الزين العراقي في شرحه بأن في بعض طرق الحديث ما يدل على أنه بعد الصلاة المكتوبة وساقه ثم قال ويمكن الجمع بين هذه الأقوال بأن يقال يشرع هذا الذكر في كل محل عينه فيه إمام أي من أراد القيام إلى الصلاة أو بعد الدخول فيها إما في دعاء الافتتاح أو في الصلاة المسماة بصلاة التسبيح ويؤيد هذا الجمع اختلاف الألفاظ الواردة فيه مع الاختلاف في العدد وكذا اختلاف الصلاة التي يقال فيها هل يعم جميع الصلوات أو يخص صلاة مخصوصة والثاني أولى في الجمع قال فيقول يشرع قول الباقيات الصالحات عشرًا عشرًا عند إرادة الصلاة في الليل ويضاف إليها سؤال المغفرة ويشرع في دعاء الافتتاح أو

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يقال له حالان فمن ذكرها قبل الدخول قالها قبلها ومن نسيها استدركها بين دعاء الافتتاح والقراءة وعليه ينطبق إذا قمت إلى الصلاة فإنه يفهم منه ما قبل الدخول على تقدير الإرادة ويفهم منه ما بعد الدخول فيها ويشرع أيضًا في صلاة التسبيح التي لها هيئة مخصوصة كما ذكرت في موضعها إليه جنح الترمذي ويشرع أيضًا عند الفراغ من التشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيذكر الذكر المذكور فإذا فرغ منه دعا بما ورد مأثورًا وبما كان له من طلب ثم يسلم إلى هذا جنح النسائي فترجم باب الذكر بعد التشهد وأورد حديث أنس في سؤال أم سليم المذكور ولعله أخذه من قوله في رواية لعبد الله بن عمرو وغيره عنها في دبر كل صلاة فإن دبر الشيء حقيقته هو جزء منه مؤخر ويطلق أيضًا على ما يلحقه ولا تخلل بينهما فعلى الأول فالأليق به ما بين التشهد والسلام فإنه الجزء الأخير من الصلاة اتفاقا إن كان المراد بدبر الصلاة الحقيقة وعلى الثاني فهو موافق لما ورد به حديث الصحيحين عن أبي ذر في قصة فقراء المهاجرين ذهب أهل الدثور بالأجور وفيه تسبحون دبر كل صلاة إلخ، فقد اتفق على أن المراد فيه بدبر الصلاة ما بعد السلام بخلاف حديث معاذ لا تدعهن دبر كل صلاة أن تقول اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك فإنهم اختلفوا في المراد بدبر فيه هل هو ما بعد التشهد أو بعد السلام فلعل النسائي ممن يرجح أنه قبل السلام فألحق به الذكر المذكور ويكون عنده أن الذكر المذكور في قصة أهل الدثور خاصًّا بما بعد السلام فهذا طريق الجمع بين الروايات المختلفة في هذا الخبر أما إذا قلنا بالترجيح فإنا نقول يمكن رد الجمع إلى ما بعد السلام من الصلاة ويكون قوله إذا قمت إلى الصلاة أي صليت وفرغت فقولي ويحمل قوله أفتتح به صلاتي أي دعائي إذا فرغت من المكتوبة أو غيرها أو يحمل قوله في الصلاة أي عقبها ويكون أطلق ذلك مجازًا للمجاورة ولا يخفى تكلف ذلك كله فالأولى ما تقدم وتحرر مما ذكر من طريق الترجيح أنه لا مدخل لذلك فيما يقال قبل الدخول في الصلاة أصلًا وتحرر مما ذكر من طريق الجمع إنه يشرع قبل الصلاة لكنه مخصوص بصلاة الليل وهو منزل على الحالتين اللتين ذكرتهما من حال المستحضر للذكر المذكور عند إرادة الدخول في صلاة الليل ومن حال من نسي ذلك فيستدركه في الافتتاح هذا الذي يقتضيه

باب الدعاء عند الإقامة

عن أم رافع رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله دلني على عمل يَأجُرُني الله عز وجل عليه؟ قال: "يا أمَّ رَافِع إذَا قُمْتِ إلى الصَّلاةِ فَسَبِّحِي اللهَ تَعالى عَشْرًا، وَهَلِّلِيهِ عَشرًا، واحمَدِيهِ عَشْرًا، وَكبِّرِيهِ عَشْرًا، وَاسْتَغْفِرِيهِ عَشْرًا، فإنكِ إذا سَبَّحْتِ قال: هذا لي، وإذا هَلَّلْتِ قال: هذا لي، وإذا حَمِدْتِ قال: هذا لي، وإذا كبرْتِ قال: هذا لي، وإذا اسْتَغْفَرْتِ قال: قَدْ فَعَلْتُ". باب الدعاء عند الإقامة ـــــــــــــــــــــــــــــ النظر مما دل عليه اختلاف ألفاظ هذا الحديث من حمل مطلقها على مقيدها ورد بحملها إلى مبينها وبالله التوفيق اهـ. قوله: (عَنْ أُم رَافعٍ) واسمها سلمى وهي خادمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومولاة صفية ويقال مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - وزوجة أبي رافع وكانت قابلة بني فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقابلة إبراهيم ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هي التي غسلت فاطمة مع زوجها علي ومع أسماء بنت عميس وشهدت خيبر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن حديثها ما يكون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرحة أو نكبة إلا أمرني أن أضع عليها الحناء وعن عائشة جاءت سلمى امرأة أبي رافع مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - تستأذنه على أبي رافع وقالت أنه يضربني فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي رافع مالك ولها يا أبا رافع فقال تؤذيني يا رسول الله قال بماذا آذيتيه يا سلمى قالت يا رسول الله ما آذيته بشيء ولكنه أحدث وهو يصلي فقلت له يا أبا رافع إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمر المسلمين إذا خرج من أحدهم ريح أن يتوضأ فقام يضربني فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحك ويقول يا أبا رافع أنها لم تأمرك إلَّا بخير وقال لا تضربها أخرجه ابن عبد البر وابن مندة وابن المديني كذا في أسد الغابة وفيه تخريج حديث الباب من طريق هشام بن سعد وعطاف بن خالد كما ذكره الحافظ فيما تقدم. باب الدعاء عند الإقامة تقدم النقل عن المصنف في شرح الوسيط أنه يستحب للمقيم الصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الإقامة وذكره كذلك العامري في بهجة المحافل

روى الإمام الشافعي بإسناده في "الأم" حديثًا مرسلًا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اطْلُبُوا اسْتِجَابَةَ الدُّعَاءِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الجُيُوشِ وإقامَةِ الصَّلاةِ ونُزولِ الغَيْثِ". وقال الشافعي: وقد حفظت عن غير واحد ـــــــــــــــــــــــــــــ والقسطلاني في مسالك الحنفا وغيرهما. قوله (رَوَى الإمامُ الشَافِعي إلخ) أخرجه آخر الاستسقاء عمن لا يتهم عن عبد العزيز بن عمرو عن مكحول أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال فذكره وهو مرسل أو معضل لأن جل رواية مكحول عن التابعين وله شاهد عن عطاء بن أبي رباح قال تفتح السماء عند ثلاث خلال فتحروا فيهن الدعاء فذكر مثل مرسل مكحول لكن قال الأذان بدل الإقامة أخرجه سعيد بن منصور في سننه قال الحافظ وهو مقطوع جيد له حكم المرسل لأن مثله لا يقال من قبل الرأي. قوله: (اطْلبُوا اسْتِجابَةَ الدُّعَاءِ) تقدم وجه قرني الأذان والإقامة بأن فيهما محاربة أعداء الدين من الشياطين بالأول ومن الإنس بالثاني ووجه قرنه بالإقامة أنها كذلك بالنسبة للشياطين لأنهم يفرون عندها كما تقدم في الخبر حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر ووجه قرنهما بنزول الغيث أنه لما لحق بإجابة الدعاء لكونه خرج عن نفسه وحظها في الأولين وكان نزولها الغيث حال رحمة محضة فأشار إلى أن الأولين يناسبهما من إفراغ سجال الرحمة عليهما ما يناسب الناس من إفراغ سجال الغيث عليهم إذا احتاجوا إليه وأيضًا فوقت نزول الغيث من أوقات النفحات التي أمر الشارع بالتعرض لها في الحديث الشريف وقد عقدته في بيتين وهما: لله جل جلاله في خلقه ... نفحات أنس لم تزل متواصله فالجأ له متعرضًا لنواله ... فعساك تظفر بالهبات الواصله قوله: (وقَال الشَّافِعيُّ وَقَدْ حَفِظْتُ مِنْ غَيرِ وَاحِدٍ إلخ) قال الحافظ وورد في ذلك عدة أحاديث منها حديث أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تفتح أبواب السماء ويستجاب الدعاء في أربعة مواطن عند التقاء الصفين في سبيل الله وعند نزول الغيث وعند إقامة الصلاة وعند رؤية الكعبة حديث غريب أخرجه البيهقي في المعرفة وأشار إليه في السنن وإلى ضعفه بعفير بن معدان أحد رواته شامي ضعيف وله شاهد من حديث ابن عمر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تفتح أبواب السماء لخمس فذكر نحوه لكن الأذان

باب ما يقول إذا دخل في الصلاة

طلبَ الإجابة عند نزول الغيث وإقامة الصلاة. باب ما يقول إذا دخل في الصلاة اعلم أن هذا الباب واسع جدًّا، وجاءت فيه أحاديثُ صحيحة كثيرة من أنواع عديدة، وفيه فروع كثيرة في كتب الفقه ننبه هنا منها على ـــــــــــــــــــــــــــــ بدل الإقامة ولم يذكر رؤية الكعبة وزاد ولقراءة القرآن ولدعوة المظلوم وسنده ضعيف أيضًا وإذا انضم إلى الذي قبله كانت الخصال سبعًا ومن الأخبار الواردة في نزول الغيث زيادة تقدمت في حديث سهل بن سعد ولحديث ابن عمر شاهد من رواية عبد الرحمن بن سابط أحد التابعين أخرجه محمد بن فضيل في كتاب الدعاء ومن الأخبار الواردة في الإقامة حديث أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أقيمت الصلاة فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء حديث حسن أخرجه البيهقي والحاكم في الكنى والدارقطني في الأفراد ورجاله رجال الصحيح إلَّا سهل بن زياد أي الراوي عن سليمان التيمي عن أنس رضي الله عنه وقد ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحًا وذكره ابن حبان في الثقات ومنها حديث أنس أيضًا قال قال - صلى الله عليه وسلم - إذا كان عند الأذان فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء فإذا كان عند الإقامة فإنه لا ترد دعوة حديث غريب أخرجه المعمري في اليوم والليلة ورجاله موثقون إلا يزيد الرقاشي أي الراوي عن أنس ففيه ضعف والترمذي محسن له إذا اعتضد بالمتابعات وهو بفتح الراء وتخفيف القاف وشين معجمة أهـ. قوله: (طَلَبَ الإجَابَة) أي الاستجابة أو المراد بالدعاء الإجابة لكونها ملزومة له بطريق الوعد الذي لا يخلف {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] فيكون فيه مجاز مرسل. باب ما يقول إذا دخل في الصلاة كذا في النسخ المصححة وفي نسخة قبل هذه الترجمة كتاب الصلاة وفي العبارة تشبيه الصلاة باسم المكان المختص فلذا نصب بدخل على التوسع نحو دخلت المسجد وسبق ما يتعلق بدخل في باب ما يقول إذا دخل الخلاء وفي نسخة إذا دخل في الصلاة بزيادة في والصلاة لغة قيل مطلق الدعاء وقيل الدعاء بخير وشرعًا أقوال

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأفعال مفتتحة بالتكبير المقترن بالنية مختتمة بالتسليم وهي جامعة للعمل اللساني والأركاني والقلبي كالإيمان وخرج بجمع الأفعال سجدة التلاوة والشكر وصلاة الجنازة وإطلاق الصلاة على الأخير مجاز وذكرها كالأقوال للغالب إذ صلاة الأخرس لا قول فيها وصلاة المريض الجارية على قلبه لا شيء فيها من الأفعال الظاهرة التي هي المراد وسبب وضع الصلاة لهذا المعنى ما بينهما من المناسبة واختلف فيها فقيل هي من إطلاق اسم الجزء على الكل لأن الدعاء جزؤها فيكون من علاقة المجاز المرسل وقيل هي من باب التشبيه الذي هو علاقة مجاز الاستعارة لأن كل مصل خاضع ذليل فهو كالداعي فعلى هذا فهو مجاز لغوي اشتهر في عرف الشرع فصار حقيقة عرفية وأشار بعض أرباب الإشارات إلى أنها مشتقة من الصلا وهي النار فكما يقوم اعوجاج نحو العود بعرضه عليها كذلك الصلاة الناشئة عن تجلي الحق سبحانه أو سبحات وجهه الكريم لو كشف حجابها لأحرقت من أدركت من خلقه تقوم اعوجاج العبد الناشئ عن نفسه الأمارة قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45] وبهذا الصلا المزيل للاعوجاج يكون العرض على النار في الآخرة كتحلة القسم فقط اهـ، وأصل هذا القول لابن فارس وقد تعقبه المصنف بأن لام الكلمة في الصلاة واو ولذا كتبت الواو في المصحف وفي صليت ياء فلا يصح الاشتقاق مع اختلاف الحروف الأصلية وتعقب بأن المشدد تقلب فيه الواو ياء نحو زكيت المال وصليت الظهر ولعل المصنف توهم أنها من صليت اللحم بالتخفيف صليًا كرميته رميًا إذا شويته قال المصنف وأشهر الأقوال وأظهرها أنها مشتقة من الصلوين وهما عرقان من جانبي الذنب وعظمان ينحنيان في الركوع والسجود وهذا نقله الزجاج عن أهل اللغة وضعفه السبكي بأن الأصل والغالب في الاشتقاق أن يكون من المصادر وفيه أيضًا مسامحة في الاشتقاق من المثنى وإنما الصواب لو صح أن يقال من الصلا بالقصر الذي هو مفرد الصلوين وهو ما عن يمين الذنب ويساره كما قاله الجوهري وقال ابن سيدة الصلا وسط الظهر من الإنسان ومن كل ذي أربع واختار السبكي أنها من الصلو بوزن الغزو هو استرخاء الصولين لأن ابن القطاع حكي صلت الناقة صلوا إذا استرخى

باب تكبيرة الإحرام

أصولها ومقاصدها دون دقائقها ونوادرها، وأحذفُ أدلَّة مُعْظَمها إيثارًا للاختصار، إذ ليس هذا الكتاب موضوعًا لبيان الأدلة، إنما هو لبيان ما يُعمَل به، والله الموفق. باب تكبيرة الإحرام اعلم أن الصلاة لا تَصِحُّ إلا بتكبيرة الإحرام فريضة كانت أو نافلة، ـــــــــــــــــــــــــــــ صلواها فوجد مصدر واوي اللام مناسب يمكن الاشتقاق منه فتعين ثم قال: فإن قلت إنما يعتبر الاشتقاق من المصادر في اسمي الفاعل والمفعول ونحوها وأسماء الأجناس يعتبر فيها التلاقي في الحروف والمعنى والصلاة اسم مصدر فلا يكون اشتقاقها من المصدر أولى. قلت اسم المصدر تابع للفعل والفعل هنا لا يشتق إلَّا من مصدر وقد أمكن اشتقاقه من الصلو فكذا اسم المصدر اهـ. قوله: (أُصُولِهَا) أي القواعد التي يرجع إليها كثير من الأحكام الجزئية. باب تكبيرة الإحرام (باب تكبيرة الإحرام) سميت بذلك لأن المصلي يحرم عليه بها ما كان حلالاله قبل مفسدات الصلاة وفي الحديث تحريمها التكبير أي يحرم عليه بتمام الراء ما ينافي الصلاة مما كان حلالا له قبل ذلك. قوله: (لَا يَصحُّ إلا بتَكْبيرَةِ الإحرام) لقوله - صلى الله عليه وسلم - للمسيء صلاته وهو خلاد بن رافع الزرقي الأنصاري لما صلى ثلاث مَراتَ والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول له أثر كل مرة ارجع فصل فإنك لم تصل إذا قمت إلى الصلاة فكثر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعًا ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها رواه الشيخان وفي رواية للبخاري ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا ثم ارفع حتى تستوي قائمًا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها وفي صحيح ابن حبان بدل قوله حتى تعتدل قائمًا حتى تطمئن وفي رواية صححها أحمد والبيهقي وابن حبان بدل ما تيسر معك ثم اقرأ بأم القرآن فقول الإمام لم يذكر له - صلى الله عليه وسلم - الطمأنينة في الاعتدال والجلوس بين السجدتين غفلة عما ذكر قال المصنف وهو أحسن الأدلة لأنه لم يذكر فيه سوى الأركان أي ولم يذكر فيه باقي الأركان لعله إما لعلمه بأنه يعلمه أو لفرضه بعد ذلك فإنه قضية كانت في أوائل الهجرة كما في

والتكبيرة عند الشافعي والأكثرين جزءٌ من الصلاة وركن من أركانها، ـــــــــــــــــــــــــــــ شرح المشكاة لابن حجر وحكمة الاستفتاح بتكبيرة الإحرام استحضار المصلي عظمة من تهيأ لخدمته والوقوف بين يديه ليمتلئ هيبة فيخشع ويحضر قنبه ويسكن جوارحه. قوله: (وركن مِنْ أَركَانها) الركن والشرط مشتركان في أن كلا منهما لا توجد العبادة بدونه لكن إن كان داخلًا في الماهية فيسمى ركنًا وإن كان خارجًا فيسمى شرطًا أو يقال إن كان ما ذكر يعتبر متقدمًا على العبادة موجودًا فيها كالطهارة فشرط وإن كان لا يوجد إلَّا فيها فركن وبعبارة أخرى إن كان ما اعتبر فيها بحيث يقارن كل معتبر سواه كالطهر فشرط وإلا فركن وأورد عليه خروج الاستقبال عن كونه شرطًا إذ لا يقارن كل معتبر إذ هو إنما يقارن القيام والقعود وأجيب بأن التوجه إليها في غيرهما حاصل عرفًا إذ يقال على المصلي أنه متوجه إليها لا ينحرف عنها مع أن التوجه إليها ببعض مقدمه حاصل. قوله: (عِنْدَ الشافعي) اعلم أنه لما تقدم في الفصول ترجمة الإمامين مالك وأحمد تعين ترجمة الإمامين الباقيين من الأربعة الشافعي وأبي حنيفة وقد صنف في مناقبهما كما صنف في مناقب من ذكر قبلهما الكتب الكثيرة بعضها على سبيل الانفراد وبعضها على سبيل إجمال الأربعة الأمجاد الأنجاد لأنهم قدوة الأمة ومصابيح الظلمة نفع الله بهم فنقول "أما الشافعي" فهو الإمام القرشي المطلبي الملتقي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في جده الرابع عبد مناف، محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف إمام الأئمة علمًا وورعًا وزهدًا ومعرفةً وذكاءً وحفظًا ونسبًا فإنه برع في كل مما ذكر وفاق فيه أكثر من سبقه لا سيما مشايخه كمالك وسفيان بن عيينة ومشايخهم واجتمع له من تلك الأنواع وكثرة الاتباع في أكثر أقطار الأرض وقد تقدم مذهبه وأهله فيها لا سيما في الحرمبن والأرض المقدسة وهذه الثلاثة وأهلها أفضل أهل الأرض واجتمع له ما لم يجتمع لغيره وهذا هو حكمة تخصيصه في الحديث المعمول به في مثل ذلك وزعم وضعه حسد أو غلط فاحش وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - عالم قريش يملأ طباق الأرض علمًا قال أحمد وغيره من أئمة الحديث والفقه نراه الشافعي أي لأنه لم يجتمع لقرشي حين الشهرة كما ذكر ما اجتمع له فلم ينزل الحديث إلّا عليه وكاشف أصحابه بوقائع وقعت بعد موته كما أخبر ورأى النبي - صلى الله عليه

وعند أبي حنيفة: هي شرط ليست من نفس الصلاة. واعلم أن لفظ التكبير أن يقول: ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم - وقد أعطاه ميزانًا فأولت له بأن مذهبه أعدل المذاهب وأوفقها للسنة الغراء التي أعدل الملل وأوفقها للسنة للحكمة العلمية والعملية ولد بغزة على الأصح سنة خمسين ومائة ثم أجيز بالإفتاء وهو ابن خمس عشرة سنة ثم رحل لمالك فأقام عنده مدة ثم لبغداد ولقب ناصر السنة لما ناظر أكابرها وظفر عليهم كمحمد بن الحسن وكان أبو يوسف إذ ذاك ميتًا ثم بعد عامين رجع لمكة ثم لبغداد سنة ثمان وتسعين ثم بعد سنة لمصر فأقام بها كهفًا لأهلها إلى أن تقطب ومن الخوارق التي لم يقع نظيرها لمجتهد غيره استنباطه وتحريره لمذهبه الجديد على سعته المفرطة في نحو أربع سنين قال المزني دخلت عليه في مرض موته فقلت له كيف أصبحت قال أصبحت من الدنيا راحلًا ولسوء أعمالي ملاقيًا وعلى الله واردأ فلا أدري روحي تفسير إلى الجنة فأهنيها أو إلى النار فأعزيها ثم بكى وأنشأ يقول: ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت رجائي نحو عفوك سلما تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل ... تجود وتعفو منة وتكرما وتوفي آخر يوم من رجب ليلة الخميس أو ليلة الجمعة أو في شهر ربيع آخر يوم منه أقوال أشهرها الأول سنة أربع ومائتين بها وقبره بقرافة مصر وأريد بعد أزمنة نقله لبغداد فظهر من قبره لما فتح روائح عطلت الحاضرين عن إحساسهم فتركوه رضي الله عنه وله شعر كثير جدًّا غالبه في المواعظ والحكم ومنه: عزيز النفس من لزم القناعه ... ولم يكشف لمخلوق قناعه أنالته القناعة كل عز ... وهل عز أعز من القناعه فصيرها لنفسك رأس مال ... وصير بعدها التقوى بضاعه أحب الصالحين ولست منهم ... لعلي أن أنال بهم شفاعه وأكره من تجارته المعاصي ... ولو كنا سواء في البضاعه قوله: (وَعِنْدَ أَبي حنيفة هِي شرط) وفي المهمات للأسنوي أما التكبير ففي البحر للروياني وجه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه شرط لا ركن وعلله قائله إن الركن هو الداخل في الماهية والمصلي لا يدخل في الصلاة إلَّا بفراغه منه وأجاب عنه الروياني بأن المصلي إذا فرغ منه تبينا دخوله بأوله والنووي في شرح المهذب حكى هذا عن أبي حنيفة قال وفائدة الخلاف في كونه شرطًا أو ركنًا فيما لو افتتح بمانع ما من النجاسة أو استدبار القبلة أو غيره وهي فائدة صحيحة فاعلمها اهـ. قال الفاكهاني في شرح العمدة ما لفظه نقلًا عن شيخه عبد الحميد: الذي عندي إن فائدة الخلاف في ذلك صحة تقديم الإحرام على وقت تقديم العبادة إن كان شرطًا وعدم صحته إن كان ركنًا إذ لا يشترط في إيقاع شرط العبادة المؤقتة دخول وقت العبادة كالطهارة اهـ. وقال بعض متأخري الشافعية تظهر فائدة الخلاف فيما لو كبر وفي يده نجاسة فألقاها في أثناء التكبير أو شرع في التكبير قبل ظهوره لزوال الشمس ثم ظهر الزوال قبل فراغها فلا تصح صلاته عندنا في الصورتين أي على القول المعتمد أنه ركن وتصح على القول بأنها شرط كستر العورة اهـ. "والإمام أبو حنيفة" فهو الإمام الأعظم والعلم المفرد المكرم إمام الأئمة المتفق على علو مرتبته ووفور علمه وزهده وتجليه من العلوم الباطنة فضلًا عن الظاهرة بما فاق به أهل عصره وفاق بحسن الثناء عليه وإذاعة ذكره من أكابر التابعين أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي بضم الزاي وفتح الطاء ماه مولى تيم الله بن ثعلبة الكوفي روى الخطيب بإسناده عن حفيدة عمر بن حماد بن أبي حنيفة إن ثابتًا ولد على الإسلام وزوطي كان مملوكا لبني تيم فأعتقوه فصار ولاؤه لهم وأنكر إسماعيل أخو عمر حفيد أبي حنيفة ذلك وقال إن والد ثابت من أبناء فارس وأنهم أحرار والله ما وقع علينا رق قط ولد جدي سنة ثمانين وذهب بثابت ابنه إلى علي بن أبي طالب وهو صغير فدعا له بالبركة فيه وفي ذريته ونحن نرجو الله أن يكون ذلك قد استجيب فينا اهـ، وهو كما رجا فقد بارك الله في جده أبي حنيفة بركة لا نهاية لأقصاها ولا حد لمنتهاها وبارك في أتباعه فكثروا في سائر الأقطار وظهر عليهم من بركة إخلاصه وصدقه ما اشتهر به في سائر الأمصار أخذ الفقه عن حماد بن أمية وأدرك أربعة من الصحابة بل ثمانية منهم أنس وعبد الله بن أبي أوفى وسهل بن سعد وأبو الطفيل وقد نظم بعضهم أسماء بعض من روى عنه الإمام أبو حنيفة من الصحابة فقال: أبو حنيفة زين التابعين روى ... عن جابر وابن جزء والرضى أنس

الله أكبر، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعقل وحريثي وواثلة ... وبنت عجرد علم الطيبين قبس وقيل لم يلق أحدًا منهم وسمع من عطاء وأهل طبقته وروى عنه ابن المبارك ووكيع بن الجراح وآخرون وطلب منه المنصور أن يلي القضاء فامتنع فحبسه على ذلك وضربه وهو مصر على الامتناع حتى مات في السجن رضي الله عنه قال عبد الله بن المبارك في حقه أتذكرون رجلًا عرضت عليه الدنيا بحذافيرها ففر منها وكان حسن الثياب طيب الريح يعرف بريح الطيب إذا أقبل حسن المجلس كثير الكرم حسن المواساة لإخوانه ربعة وقيل كان طوالا أحسن الناس منطقًا وأحلاهم نغمة قال قدمت البصرة فظننت أني لا أسأل عن شيء إلّا أجبت عنه فسألوني عن أشياء لم يكن عندي فيها جواب فجعلت على نفسي ألا أفارق حمادًا حتى أموت فصحبته ثماني عشرة سنة ثم ما صليت صلاة إلَّا استغفرت له مع والدي وإني لأستغفر لمن تعلمت منه علمًا أو تعلم مني علمًا قال سهل بن مزاحم بذلت له الدنيا فلم يردها وضرب عليها بالسياط فلم يقبلها وكان خرازا أي يبيع الخرز ودكانه في دار عمر بن حريث ولما بلغ ابن جريج موته توجع وقال أي علم ذهب وقال الفضيل بن عياض وناهيك بها شهادة من هذا الحبر كان أبو حنيفة معروفًا بالفقه مشهورًا بالورع واسع العلم معروفًا بالأفضال صبورًا على تعليم العلم بالليل والنهار قليل الكلام حتى ترد مسألة في الحلال والحرام وفضائله كثيرة قال زفر كان يحيي الليل كله بركعة يقرأ القرآن فيها وقال أسد بن عمر وصلى أبو حنيفة الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة وكان عامة الليل يقرأ القرآن في ركعة وكان يسمع بكاؤه حتى يرحمه جيرانه وحفظ أنه ختم القرآن في الموضع الذي توفي فيه سبعة آلاف ختمة ولما غسله الحسين بن عمارة قال له غفر الله لك لم تفطر منذ ثلاثين سنة ولم تتوسد يمينك في الليل أربعين سنة وكان يجمع القرآن في ركعتين ولد رضي الله عنه سنة ثمانين من الهجرة وتوفي ببغداد قيل في السجن على أن يلي القضاء سنة خمسين على المشهور أو إحدى أو ثلاث وخمسين ومائة في شهر رجب وقبره ببغداد يزار ويتبرك به ومن فضله قول إمامنا الشافعي الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة رحمه الله. قوله: (الله أَكبرُ) رواه عنه - صلى الله عليه وسلم - البزار بإسناد على شرط مسلم والترمذي وابن ماجة وغيرهما وقد قال كما في البخاري

أو يقول: الله الأكبر، فهذان جائزان عند الشافعي وأبي حنيفة وآخرين، ومنع مالك الثاني، والاحتياط أن يأتيَ الإنسانُ بالأوَّل ليخرج من الخلاف، ولا يجوز التكبير بغير هذين اللفظين، ـــــــــــــــــــــــــــــ صلوا كما رأيتموني أصلي أي كما علمتموني حتى لا ترد الأقوال فإنها لا تبصر وهو وإن كان خطابًا لمالك بن حويرث فيجري في جميع الأمة كما صرح به ابن دقيق العيد وبه اندفع ما أوهمه كلام الزركشي من أنه لا يصح الاستدلال به إلّا إن كان خطابًا لجميع الأمة وصح أنه - صلى الله عليه وسلم - إذا استفتح الصلاة استقبل القبلة ورفع يديه وقال الله أكبر ومعنى أكبر قيل كبير لأن أفعل قد يجيء نعتًا بمعنى فعيل كأمر أهون أي هين وقيل أكبر كبير كأعز عزيز وقيل أكبر من أن يشرك به أو يذكر بغير الثناء الحسن قال في المجموع عن التيمي من أصحابنا في شرح مسلم وهذا أحسن الأقوال لا سيما على أصلنا من عدم جواز كبير بدل أكبر وقيل أكبر مما سواه واعترضه المبرد بأن أفعل إنما يستعمل بين متجانسين وأجاب الفخر الرازي بأن الناس قد يستعظمون غير الله فقصد بهذا تنبيههم على أنه تعالى أولى بالتعظيم والإجلال من غيره اهـ، والحكمة في افتتاح الصلاة بها تنبيه المصلي على عظم مقام من قام لأداء عبادته من وصفه بأنواع الكمال وإن كل ما سواه حقير وأنه جل عن أن يكون له شبيه من مخلوق فإن فيخضع قلبه وتخشع جوارحه ويخلو قلبه من الأغيار فيمتلئ بالأنوار. قوله: (أَوْ يَقولَ الله الأكبرُ) لوجود اللفظ الوارد فيه وزيادة أل لا تغير المعنى بل تفيد المبالغة في التعظيم بإفادتها حصر الكبرياء والعظمة بسائر أنواعها فيه ويفرق بينه وبين الله هو أكبر حيث أبطل مع إفادته ما ذكر بأن هو كلمة مستقلة غير تابعة بخلاف أل ويجوز أيضًا الله الكبير الأكبر كما في المجموع. قوله: (وَمَنَع مالِك الثَّانيَ) وعزا الفاكهاني في شرح العمدة منع إجزاء ذلك عن أحمد وداود قال الشيخ داود المالكي في شرح رسالة ابن أبي زيد يقول الله أكبر لا يجزي غيرها إذ لم يرو أحد أنه - صلى الله عليه وسلم - دخل الصلاة بغير الله أكبر اهـ، وسيأتي عن الفاكهاني تحقيق لهذا المقام. قوله: (لِيَخْرُجَ مِنَ الخِلافِ) أي فالإتيان بالأكبر بالتعريف خلاف الأولى "ولمراعاة الخلاف شروط" أن يكون مأخذه قويًّا فإن كان واهيًا لم يراع كما نقل من بطلان

فلو قال: الله العظيم، أو الله المتعالي، أو الله أعظمُ، أو أعز أو أجلُّ وما أشبه هذا، لم تصحُّ صلاته عند الشافعي والأكثرين، ـــــــــــــــــــــــــــــ الصلاة عن بعض الأئمة لكن ظاهر كلام بعضهم قبول الخلاف وإن ضعف مأخذه إذا كان فيه احتياط، وألا يؤدي مراعاته إلى خرق إجماع كما نقل عن غسل الأذنين مع الوجه ومسحهما مع الرأس ومنفردين مراعاة لمن قال إنهما من الوجه أو من الرأس أو مستقلان فوقع في خلاف الإجماع إذ لم يقل بالجمع أحد لكن قال المصنف من غلطه في ذلك فهو غالط فإن الشافعي والأصحاب استحبوا غسل النزعتين مع الوجه ومسحهما مع الرأس خروجًا من خلاف من قال أنهما من الوجه أو من الرأس، وألا يصادم الخلاف سنة صحيحة إلا كما ينقل من نجاسة المائع بوجود ميتة نحو الذباب فيه عن بعض الأئمة لا يراعى، وإن يكون الجمع بين المذاهب ممكنًا فإن لم يكن كذلك فلا تترك الراجح عند معتقده لمراعاة المرجوح لأن ذلك عدول عما وجب عليه من اتباع ما غلب على ظنه وهو لا يجوز قطعًا مثاله ما روي من اعتبار المصر الجامع في انعقاد الجمعة لا يمكن مراعاته عند من يقول إذا بلغ أهل القرية العدد الذي تنعقد به الجمعة لزمتهم ولا يجزيهم الظهر فلا يمكن الجمع بين القولين، وألا يؤدي إلى المنع من العبادة كالمنع من تكرار العمرة المشهور من قول مالك لا تكرر العمرة في السنة أكثر من مرة فلا ينبغي للشافعي مراعاته لضعف مأخذه ولما يفوته من كثرة الاعتمار وهو من القربات الفاضلة فإن لم يكن كذلك سن الخروج منه سيما إن كان فيه زيادة تعبد كالمضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة تجب عند الحنفية والاستنشاق في الوضوء يجب عند الحنابلة والدلك فيهما يجب عند مالك، وأصل هذا الاحتياط قول الشافعي في مختصر المزني فأما أنا فأحب أن لا أقصر في أقل من ثلاثة أيام احتياطًا لنفسي قال الماوردي أفتي بما قامت الأدلة عنده عليه من القصر في مرحلتين ثم احتاط لنفسه اختيارًا لها قال القاضي أبو الطيب أراد خلاف أبي حنيفة كذا يؤخذ من قواعد الزركشي. قوله: (فَلَو قَال الله العظيمُ) أي لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال مفتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم قال في المجموع وليس تمسكًا بدليل الخطاب بل بمنطوقه وهو أن

وقال أبو حنيفة: تصح. ـــــــــــــــــــــــــــــ تحريمها النكبير يقتضي الاستغراق وأن تحريمها لا يكون إلّا به اهـ، وتبعه ابن الرفعة فقال وظاهره الحصر إذ لم يقل التكبير تحريمها فإن العرب تفرق بين زيد صديقي وعكسه إذ الثاني يقتضي حصر الصداقة في زيد دون الأول لأنه يفهم أن المجهول هو الصداقة فأثبتها للسامع بالخبر وأما في صديقي زيد فهي المعلومة والمجهول محلها ولو كان محلها زيدًا وغيره لم يحسن الاقتصار على زيد فكذا في تحريمها التكبير فلا يكفي الله كبير لفوات معنى أفعل ولا الرحمن الرحيم الله أو الله أعظم وأجل وفارق أعظم أكبر بأن فيه من الفخامة ما ليس في أعظم بدليل الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني فيهما قصمته والرداء أعظم من الإزار في التجمل وغيره. قوله: (وَقَال أَبُو حنيفة يصح) قال الفاكهاني في شرح العمدة بعد ذكر ما تقدم عن مالك والشافعي وأحمد قال أبو حنيفة تنعقد الصلاة بكل ذكر يقصد به تعظيم الله تعالى ووافق على أنه لا ينعقد بنحو يالله ارحمني أو بالله أستعين وقال أبو يوسف تنعقد بألفاظ التكبير كالله أكبر أو الكبير فلو قال الله أو الرحمن واقتصر عليه فعن أبي حنيفة روايتان وحجة الشافعي قوله عليه الصلاة والسلام مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم والتكبير يشتمل على الله أكبر والله الأكبر وأورد عليه الله الكبير فينبغي أن ينعقد به كما قال به أبو يوسف فإذا منع هذا لزم الاتباع وتعين ونزل الخبر عليه أقول المرجع للاتباع وهو إنما ورد بصيغة أفعل التفضيل منكرًا إلَّا أنه لما كان معنى التفضيل حاصلًا مع التعريف مع مبالغة كما تقدم جاز بخلاف كبير لفوات معنى أفعل كما قدمناه ثم قال نقلًا عن الشيخ أبي بكر الأبهري الفرق بين أكبر والأكبر نكرة ومعرفة بأنه إذا دخل أل على أكبر صار نعتًا كمصير الكبير ويبقى المبتدأ بلا خبر قال بعض المتأخرين من أصحابنا وفيه نظر إذ لا يمتنع كون الأكبر خبرًا لأن الخبر قد يكون معرفة إلَّا أنه صار بالتعريف مجملًا محتملًا للنعت والخبر فكيف يقوم مقام أكبر المتعين لكونه خبرًا وإنما يلحق الأصل بالفرع إذا ساواه وزاد عليه ولعل الشارع إنما جعل قوله الله أكبر عقدا للصلاة لا الأكبر لتعين كونه الخبر قال الأبهري وأيضًا فمعنى المنكر أكبر من كل شيء فيكون أبلغ في المدح ولا يبقى هذا المعنى مع أل إذ لا يجمع بينها وبين من في أفعل التفضيل فإذا قيل الأكبر جاز

ولو قال: أكبر الله، لم تصحّ على الصحيح عندنا، وقال بعض أصحابنا: تصحُّ، كما لو قال في آخر الصلاة: عليكم السلام، فإنه يصحُّ على الصحيح. واعلم أنه لا يصحُّ التكبير ولا غيره من الأذكار حتى يتلفظ بلسانه بحيث يُسمع نفسه ـــــــــــــــــــــــــــــ وجود مشارك له في الكبر بخلاف أكبر فإنه يدل على أنه ليس له نظير وفيه نظر فإن صيغة أفعل التفضيل تقتضي بوضعها المشاركة في أصل الشيء والزيادة عليه سواء كان فيه أل أم لا كزيد أفضل من عمرو وزيد الأفضل فتأمله وحاصله أن أصل الاشتراك والدلالة على زيادة الموصوف به مدلول لأفعل سواء كان معرفًا أو منكرًا ووجه باعتبار اعتقاد بعض القاصرين كبر بعض المخلوقين وإلا فلا مشارك للباري سبحانه في وصف من صفاته إلّا في مجرد الاسم وكيف يشارك الحادث القديم في حقيقة وصف ثم قال الأبهري وأما أصحاب أبي حنيفة فقولهم أقرب من قول غيرهم قال صاحب البيان والتقريب يعني أقرب من قول الشافعي وأبي يوسف فإنهما لم يطردا القياس في كل لفظ معناه التعظيم ولم يقتصرا على ما ورد وقول أبي حنيفة بعد ذلك ضعيف لأنه استعمل القياس في عبادة لا يعقل لها معنى قال صاحب البيان والتقريب ثم المعنى الذي استنبطوه من التكبير وقاسوا به ليس من معاني الشرع بل هو راجع إلى تفسير معنى اللفظ فلا يصح القياس به ولو تنزلنا على صحة ما قالوه للزمهم أن تنعقد الصلاة بنحو اللهم اغفر لي ولا تنعقد عندهم بذلك اهـ، ولك أن تقول إن الشافعي إنما أجاز الأكبر لكون قوله تحريمها التكبير شاملًا له مع أنه يشتمل على اللفظ الوارد عنه - صلى الله عليه وسلم - مع زيادة مبالغة بخلاف الكبير فإنه ناقص عن اللفظ الوارد عنه - صلى الله عليه وسلم - فيكون من تخصيص عموم حديث تحريمها التكبير بمنطوق ذلك الخبر وليس هو من القياس وأما أبو يوسف فلم ينظر إلى ما ذكر في الأخير فأخذ بعموم حديث تحريمها التكبير وما ألزم به أبا حنيفة من الانعقاد بنحو اللهم ارحمني غير لازم إذ هذا اللفظ ليس موضوعًا للدلالة على التعظيم والإجلال وإن كان ذلك من لازم السؤال نعم ما أورد عليه من كونه قياسًا فيما لا يعقل من التعبدي وارد والله أعلم. قوله: (وَلَو قَال أَكبرُ الله لَمْ يصح على الصحيح عندنا) قال أصحابنا لأنه لا يسمى تكبيرًا بخلاف عليكم السلام وإن كره فإنه يسمى تسليمًا لانتظامه واعتياده في كلام العرب وغيرهم

إذا لم يكن له عارض، وقد قدَّمنا بيان هذا في الفصول التي في أوّل الكتاب، فإن كان بلسانه خَرَسٌ أو عَيْبٌ حركه بقدر ما يقدر عليه وتصح صلاته. واعلم أنه لا يصحُّ التكبير بالعجمية لمن قَدَرَ عليه بالعربية، وأما من لا يقدر، فيصح، ويجب عليه تعلُّم العربية ـــــــــــــــــــــــــــــ قاله في المجيوع وبه يعلم أن سبب انتفاء التسمية عن الأول عدم اعتياده في كلام العرب وثبوتها للثاني اعتياد النطق به هكذا في كلامهم وبذلك يجاب عن منازعة الرافعي في ذلك بأن ذلك إن كان يسمى تسليمًا فهذا يسمى تكبيرًا ويفرق أيضًا بأن تأخير أكبر يمنع الإلباس فيه لوقوعه محمولًا على ما يعين حمله على المعنى اللائق بخلاف تقديمه فإنه لا مانع حينئذٍ من حمله على الأبلغية في الجسم ونحوه من صفات الحادث إلا حمل الجلالة عليه فكان قبلها ملبسًا ولا كذلك في السلام فتأمله وسيأتي إن الفاتحة يجب ترتيبها فلا يبني المتعمد لتركه بخلافه في الأذان مع الفرق وقضيته إلحاق التكبير هنا بالأذان في ذلك وليس ببعيد فله البناء قصر المرتب أو طال فيما يظهر لأن غير المرتب متقدم على كلمتي التكبير فلا يؤثر كالصفات اللاحقة لهما فإنها غير مؤثرة وإن طالت. قوله: (إِذَا لَمْ يَكن لَهُ عارضٌ) أي من خرس به أو لغط عنده فإن كان كذلك رفع بحيث يسمع لولا المانع ويقدر ذا سمع معتدل فيما يظهر. قوله: (فإِنْ كَانَ بلسانِهِ خَرسٌ) أي على أخرس طرأ عليه ذلك أو عقل الإشارة إلى الحركة لأنه حينئذٍ يحسن تحريك لسانه على مخارج الحروف كما بحثه الأذرعي وتبعه عليه الزركشي تحريك لسانه وشفتيه ولهاته قدر إمكانه لأن الميسور لا يسقط بالمعسور فإن عجز عن ذلك نواه يقلبه نظير ما ذكروه فيمن عجز عن كل الأركان أما من لا يحسن ذلك فلا يلزمه تحريك لأنه عبث وفارق الأول بأنه كناطق انقطع صوته فإنه متكلم بالقوة وإن لم يسمع صوته بخلاف هذا فإنه كعاجز عن الفاتحة وبدلها فيقف بقدرها ولا يلزمه تحريك بل قالا إن التحريك حينئذٍ نوع من اللعب فيشبه أن يكون مبطلًا. قوله: (لَا يصحُّ التَّكْبيرُ بالعجمية إلخ) بلا خلاف عندنا كما في شرح العباب قال الشاشي وذلك لشرفها بنزول القرآن بها وبأنها لسان أهل الجنة. قوله: (فَيصحُّ) ويترجم

فإن قصر في التعلُّم لم تصح صلاته، وتجب إعادة ما صلاه في المدة التي قصَّر فيها عن التعلُّم. واعلم أن المذهب الصحيح المختار أن تكبيرة الإحرام لا تمدَّ ولا تمطَّط، بل يقولها مُدْرَجة مسرِعة، وقيل: تمد، والصواب الأوَّل وأما باقي التكبيرات، فالمذهب الصحيح المختار استحبابُ مدِّها إلى أن يصلَ إلى الركن الذي بعدها، وقيل: لا تمد، فلو مَدَّ ما لَا يُمَدُّ، أو تركَ مدَّ ما يمَد، لم تبطل صلاته لكن فاتته الفضيلة. واعلم أن محلَّ المدّ بعد اللام من "الله" ولا يمد في غيره. ـــــــــــــــــــــــــــــ بأي لغة شاء وجوبًا ولا يعدل لذكر آخر وفارق القرآن بأنه معجز وإعجازه يفوق بالترجمة ولا إعجاز في التكبير. قوله (فإِنْ قصَّر فِي التعلم) أي بأن آخره مع التمكن منه لاتساع الوقت وعدم بلادته لم تصح صلاته وأعاد فإن لم يقصر بأن آخره لبلادة أو ضيق وقت فلا يلزمه الاعادة لأنه بذل ما في وسعه قال الأسنوي في باب صفة الأئمة وإمكان التعلم معتبر من الإسلام فيين طرأ عليه كما قاله البغوي وفي غيره المتجه اعتباره من التمييز لكون الأركان والشروط لا فرق فيها بين البالغ وغيره فلا تصح صلاة المميز إن أمكنه التعلم والاقتداء به ووافقه على ذلك أبو زرعة وغيره ويطرد ذلك في نظائره من كل واجب قولي والله أعلم. قوله: (لَا تُمدَّ وَلا تمطَّط) بالبناء للمفعول فيهما أي لا تمد تكبيرة الإحرام ولا تمطط لئلا تزول النية عن قلبه بالمد أو يخرجه عن موضوعه وعلى المد حمل الجزم في قول إبراهيم النخعي التكبير جزم وليس المراد بالجزم أحد أنواع الإعراب خلافًا لمن وهم لأن الجزم لا يدخل الأسماء وفي المجموع عن التبصرة لا يجوز المد إلّا على الألف التي بين اللام والهاء ولا يخرجها به عن حد الاقتصاد إلى الإفراط اهـ. قيل وينبغي ضبط الإفراد الإفراط بأن يطيله إلى حد لا يراه أحد من القراء وقيل يسن مده ولم يجر نظيره في السلام وكأنه لأن طلب المد في التكبير مشروع في بقية التكبيرات فقيس بها هذا على وجه بخلاف السلام فإنه لم يشرع مده أصلًا وعلم من قوله لا تمد إلخ، أنها لا تقصر بحيث لا يفهم

فصل: والسُّنَّةُ أن يجهر الإمام بتكبيرة الإحرام وغيرِها ليسمعه المأموم، ويسِرُّ المأموم بها بحيثُ يُسمِع نفسه، فإن جهر المأموم أو أسرّ الإمام، لم تفسد صلاته. وليحرص على تصحيح التكبير، فلا يمد في غير موضعه، فإن مدَّ الهمزةَ من "الله"، أو أشبع فتحة الباء من "أكبر" بحيث صارت على لفظ "أكبار" لم تصح صلاته. ـــــــــــــــــــــــــــــ والسنة إن يشرع به مع تبيين معناه لئلا تزول النية وفارق تكبيرات الانتقالات لئلا يخلو باقيها عن الذكر. تتمة سكت المصنف هنا عن النية وهو أول الأركان وذكرها في كل من أذكار الزكاة والصوم وكان وجه ذلك على ما فيه طول الكلام على أذكار الصلاة وقصره فيها ويستحب أن يجمع فيها بين التلفظ باللسان والقصد بالجنان فلو اقتصر على القلب كفى أو اللسان فلا ثم إن كانت الصلاة فرضا وجب قصد فعل الصلاة والفرضية وتعيين أنها ظهر مثلًا وإن كانت نفلًا ذا سبب أو ذا وقت وجب قصد الفعل أو التعين وإن كانت نفلا مطلقًا وجب قصد فعل الصلاة ولا يجب نية النفل ولا ذكر عدد الركعات ولا الأداء والقضاء ولا الإضافة إلى الله تعالى نعم يستحب ما جرى في وجوبه خلاف ويجب قرن ذلك كله بالتكبير على منقول المذهب وقيل يكفي المقارنة العرفية واختير والله أعلم. فصل قوله: (أَنْ يَجْهَر الإِمَامُ بتَكبيرَةِ الإحْرَامِ وغيرها) كالتسميع ليسمعه المأمومون أي فيعلموا أفعال صلاته فيتابعوه فيها وفي الجوَاهر ترفع أمامة النساء صوتها بالتكبير ندبًا أقل من رفع الرجل. قوله: (وَيُسِرّ المأْمومُ بِهَا) وكذا المنفرد لكن محله في المأموم إن لم يكن مبلغًا وإلَّا جهر بقدر الحاجة. قوله: (لمْ تَفسُدْ صَلاتهُ) لكن يكره جهر المأموم بقيده قياسًا على جهره بالفاتحة وظاهر كلامهم أنه لا يكره للمنفرد الجهر وقد يفرق بأن جهر المأموم يشعر بالاستقلال وعدم الارتباط بالغير مع أنه غالبًا لا يخلو عن إيذاء بعض المأمومين بخلاف المنفرد. قوله: (مدَّ الهَمْزَةَ مِنْ الله أَوْ أَشْبع فتحةَ البَاءِ مِنْ أَكْبر لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ) لأنه غير معناه فنقله في الأولى من الخبر للاستفهام وفي الثانية إلى جمع كبر وهو طبل ذو وجه واحد كما في المحكم تستعمله الحبشة بل إن قصد ذلك كفر.

باب ما يقوله بعد تكبيرة الإحرام

فصل: اعلم أن الصلاة التي هي ركعتان يشرع فيها إحدى عشرة تكبيرةً، والتي هي ثلاث ركعات: سبع عشرة تكبيرةً، والتي هي أربع ركعات: اثنتان وعشرون تكبيرة، فإن في كل ركعة خمسَ تكبيرات: تكبيرةً للركوع، وأربعا للسجدتين والرفعِ منهما، وتكبيرةُ الإحرام، وتكبيرةُ القيام من التشهد الأول. ثم اعلم أن جميع هذه التكبيرات سُنة لو تركها عمدًا أو سهوًا، لا تبطل صلاتُه، ولا تحرم عليه، ولا يسجد للسهو، إلا تكبيرةَ الإحرام، فإنها لا تنعقد الصلاة إلَّا بها بلا خلاف، والله أعلم. باب ما يقوله بعد تكبيرة الإحرام اعلم أنه قد جاءت فيه أحاديث كثيرة يقتضي مجموعها أن يقول: "اللهُ أكبرُ كبيرًا، والحمْدُ للهِ كثيرًا، وسُبحانَ اللهِ بُكْرَةً وَأصيلًا". ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل قوله: (وَلَا يُحْرَمُ عَلَيْهِ) لأنه لم يترك فرضًا. قوله: (وَلَا يسجد للسهو) لأنه لم يترك بعضًا. قوله: (إِلَّا تَكْبيرَةَ الإحْرَام فإنه لَا تَنعَقِدُ الصَلاةُ إلا بِها بِلا خِلافٍ) أي عند الشافعية أما الحنفية فسبق عن أبي حنيفة انعقاد الصلاة بها وبما في معناها من كل ما يدل على التعظيم كالله أعظم أو أجل أو أكرم. باب ما يقوله بعد تكبيرة الإحرام أي من دعاء الافتتاح وتعبيره ببعد التكبير أحسن من تعبير غيره بعقب التكبير إذ الظاهر أنه لو سكت طويلًا لم يفت عليه دعاء الافتتاح كما في الإيعاب. قوله: (أعْلمْ أَنّه جاءَتْ فِيهِ أَي المقول بَعْدَ التَّكْبِير إلخ) قال الحافظ جميع ما جاء فيه ثلاثة أحاديث أخرجها مسلم وأخرج الثالث منها فقط وسيأتي ذكرها عقب ذكر المصنف لكل ذكر منها. قوله: (الله أَكبرُ كَبيرًا وَالحَمْدُ لله كَثِيرًا وَسبحانَ الله بكْرَةً وأَصيلًا) روى أبو داود عن جبير بن مطعم أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي صلاة فقال الله

"وجَّهْتُ وَجْهي للذي فطرَ السَّمواتِ والأرضِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أكبر كبيرًا الله أكبر كبيرًا الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا والحمد لله كثيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرة وأصيلا ثلاثًا ورواه ابن ماجة إلَّا أنه لم يذكر فيه والحمد لله كثيرًا وفي صحيح مسلم عن ابن عمر بينا نحن نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ قال رجل من القوم الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرة وأصيلا فقال - صلى الله عليه وسلم - فقال - صلى الله عليه وسلم - من القائل كلمة كذا وكذا فقال رجل من القوم أنا يا رسول قال عجبت لها فتحت لها أبواب السماء قال ابن عمر ما تركتهن منذ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك رواه الترمذي والنسائي وفي رواية له قد ابتدرها اثنا عشر ملكًا وكأنه معتمد المصنف في الاقتصار على مرة واحدة وإلا ففي الخبر السابق مكررًا ذلك ثلاثًا ثم قوله كبيرًا قال أبو عبيد نصب على القطع مع الله وهو معرفة وكبيرًا نكرة خرجت من معرفة وقد نصب بإضمار فعل كأنه أراد كبر كبيرًا اهـ، وهو حال مؤكدة ولا يصح أن يكون مفعولًا مطلقًا لأنه لا ينصبه إلّا فعل أو اسم فاعل أو اسم مفعول أو مصدر وقوله كثيرًا بالمثلثة فالتحتية وصف لحمدًا محذوفًا مفعولًا مطلقًا وقوله بكرة وأصيلا منصوبان على الظرف والبكرة بالضم أول النهار والأصيل ويقال الأصيلة العشية وجمع الأصيل أصل وآصال وجمع الأصيلة أصائل هذا أصلهما والمراد هنا سائر الأزمنة على حد قوله تعالى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 62] أراد دوام الرزق ووروده وخصا لاجتماع ملائكة الليل والنهار فيهما. قوله: (وَجَّهْتُ وَجْهِي) بإسكان الياء عند أكثر القراء وفتحها والمراد بوجهي ذاتي وكني عنها بالوجه إشارة إلى أنه ينبغي أن يكون المصلي حال قوله مقبلا على مولاه غير ملتفت بقلبه وقالبه إلى سواه فيكون على غاية من الحضور والإخلاص وإلا كان كاذبًا وأقبح الكذب ما يكون والإنسان واقف بين يدي من لا تخفى عليه خافية وقال المصنف معنى وجهت وجهي قصدت بعبادتي. قوله: (للذِي فَطَرَ السموَاتِ والأَرْضَ) أي أوجدهما وأبدعهما واخترعهما على غير مثال سابق ومن أوجد مثل هذه المبدعات التي هي على غاية من الإبداع والإتقان حقيق بأن تتوجه إليه الوجوه وأن تعول القلوب في سائر أحوالها عليه فلا يلتفت لغيره ولا يرجو إلّا دوام رضاه وخيره وجمع السموات

حَنيفًا مُسْلِمًا وما أنا من المُشرِكِينَ، إن صَلاتي ونُسُكِي ومَحْيَايَ ومَماتِي للهِ رَبِّ العالمِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لفضلها إذ هي أفضل من الأرض على المختار لأنها لم يعص الله عليها قط وعصيان إبليس كان خارجها ولأنها تشرف جميع طباقها بقدمه - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء بخلاف الأرض فإنه لم يطأ بقدمه منها سوى العليا ولأنها محل الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم وتعقب الأخير بأن الصحيح في علم الكلام فضل نوع الإنسان على نوع الملك فلا يناسب هذا التعليل ويجاب بأن المذكور جزء علة لا علة كاملة وإلّا فالأرض سيع على الصحيح المختار واختار جمع أفضلية الأرض لأن منها طينة الأنبياء وفيها قبورهم وعليها فجمعت السموات للانتفاع بما بين طباقها بسكنى الملائكة ثمة بخلاف الأرض فإنه قيل أنها سبعة أطباق متلاصقة والله أعلم. قوله: (حَنِيفًا) حال من فاعل وجهت قال الأزهري وآخرون أي مستقيما وقال الزجاج والأكثرون الحنيف المائل ومنه أحنف الرجل مائلا عن كل وجهة وقصد إلى الحضور والإخلاص في عبادة فاطر السموات والأرض حال وهي مؤكدة لمعنى وجهت وجهي وفي المهذب الحنيف المسلم وعليه فيكون. قوله: (مُسْلَمًا) الثابت في رواية ابن حبان تأكيدا له ويمكن أن يكون تأسيسا بأن يكون معناه منقادا أو مخلصًا كما في قوله تعالى: {بَلى مَن أَسلَمَ وَجهَه لِلَّهِ} [البقرة: 112] ومنه قوله تعالى لإبراهيم - عليه السلام -: {أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة: 131]. قوله: (وَمَا أَنا مِنَ المُشْرِكِينَ) حال مقررة لمضمون الجملة السابقة وقيل مبينة لمعنى حنيفا وموضحة لمعناه أو مؤسسة بجعل النفي عائدا إلى سائر أنواع الشرك الظاهر والخفي لكن لا يسوغ هذا إلّا للخواص في بعض المنازلات. قوله: (إِنّ صلاتِي) في إن شائبة تعليل لما قبلها والمراد بالصلاة العبادة المعروفة. قوله: (وَنُسُكِي) أي عبادتي من النسيكة وهي النقرة المصفاة من كل خلط عطف عام على خاص. قوله: (وَمَحْيايَ وَمَمَاتِي) أي حياتي وموتي وما بعده ويجوز فيهما فتح الياء وإسكانها لكن الأكثر فتح الأول وإسكان الثاني. قوله: (لله) متعلق بالجميع أي كل ما ذكر كائن لله تعالى وذلك في الصلاة والنسك بالإخلاص لوجهه تعالى وفي الحياة والموت بمعنى أنه خالقهما ومدبرهما لا تصرف لغيره فيهما. قوله: (رَبِّ العَالمينَ) أي مالكهم ومربيهم بسوابغ نعمه ومزايا كرمه وهم ما سوى

لا شَريكَ لهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ، وأنا مِنَ المُسْلمينَ، اللهُم أَنتَ المَلِكُ، لا إلهَ إلا أنتَ أنت رَبي وَأنا عَبدُكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الله تعالى من سائر الأجناس. قوله: (لَا شَرِيكَ لَهُ) أي في تلك التربية البديعة الباهرة أو لا شريك له أي في جميع ما ذكر. قوله: (وَأَنَا مِنَ المُسْلمِينَ) هكذا رواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة وابن حبان والطبراني من جملة حديث كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى رواه أبو داود وفي رواية له وأنا أول المسلمين فكان - صلى الله عليه وسلم - يقول تلك تارة وهذه أخرى لأنه أول مسلمي هذه الأمة بل جاء أن النور الذي خلق منه - صلى الله عليه وسلم - سبق إيجاده قبل خلق الخلق بأزمنة متطاولة ومن ثم قال في التحفة لأنه أول المسلصين مطلقًا أما غيره - صلى الله عليه وسلم - فيقتصر على من المسلمين لا غير إلَّا أن يقصد لفظ الآية وحينئذٍ يفوته إن اقتصر عليها سنة دعاء الافتتاح وقال ابن الهمام من الحنفية لو قال وأنا أول المسلمين قيل تفسد صلاته للكذب وقيل لا وهو الأولى لأنه مخبر أو راو عن المخبر - صلى الله عليه وسلم - كذا في الحرز ثم ظاهر كلام أئمتنا إن المرأة تقول وما أنا من المشركين وأنا من المسلمين لأن مثل ذلك سائغ لغة شائع استعمالًا وفي التنزيل وكانت من القانتين ووجهه أنه من باب التغليب أو على إرادة الأشخاص وقد لقن - صلى الله عليه وسلم - إن صلاتي إلي وأنا أول المسلمين فاطمة الزهراء رضي الله عنها في ذبح الأضحية وقياس ذلك إن تأتي بحنيفا مسلمًا بالتذكير على إرادة الشخص محافظة على الوارد ما أمكن وعليه فهما حالان من الفاعل أو المفعول لأن التذكير إذا لوحظ فيه معنى الشخص لم يظهر فرق بين ذينك. فإن قلت الوجه مراد به البدن فناسب التذكير بحذف التاء. قلت ممنوع بل الضمير صالح باعتبار تلك الإرادة للمذكر فإذا أريد به الشخص صح مجيء الحال المذكر منه. قوله: (أَنْتَ الملكُ لا إِله إلا أَنْتَ) إثبات الإلهية المطلقة له تعالى على سبيل الحصر بعد إثبات الملك له كذلك في أنت الملك لما دل عليه تعريف الخبر باللام ترق إلى الأعلى على طبق قوله تعالى: ({مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3)} [الناس: 2 - 3]. قوله: (أَنت رَبي وأَنا عبدُك) أي أنت مالكي وموجدي ومغذيني بأنواع المنن وأنا عبدك الذليل الخاضع لأمرك الراجي لفضلك وأحوج إليهما كون المقام للإطناب والتلذذ بالخطاب مع رب الأرباب مع إن فيهما تخصيصًا لوصف الربوبية بالإضافة لنفسه ومخرجها

ظَلَمتُ نَفْسِي واعتَرفتُ بذَنبِي فاغفِر لي ذُنوبي جَمِيعًا لا يَغفِرُ الذُّنوبَ إلا أنتَ، واهدِني لأحسَنِ الأخْلاقِ، لا يَهدِي لأحْسَنها إلا أنتَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عن الإطلاق وهذا لم يستفد مما قبله بطريق التصريح وفيه طباق لمقابلة العبد بالرب أي المالك. قوله: (ظلمتُ نفسي) أي بالمخالفة واعترفت بذنبي أي وأنت الكريم العفو وقدمت هاتان الجملتان على ما بعدهما لأنهما وسيلتان للغفران كما قال تعالى عن آدم وحواء {ربنا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [الأعراف: 23 - 23] [الأعراف: 23] الآية. قوله: (ذنوبي جَمِيعًا) أي حتى الكبائر والتبعات لأن المسئول كريم له أن يعفو عما شاء من الكبائر والتبعات فإذا أراد أن يعفو عن التبعات عوض مستحقها حتى يعفو عنها وفي الدعاء إيماء إلى قوله تعالى ({إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53] وقد قيل أنها أرجى آية في الكتاب. قوله: (لَا يغفرُ الذُّنوب) أي صغائرها وكبائرها وتبعاتها حقيرها وجليلها كما يؤذن به التعميم المستفاد من الجمع المحلى بأل إلّا أنت. قوله: (واهدِني) أي ارشدني وأوصلني. قوله: (لأَحسنِ الأخلاقِ) أي للأخلاق الحسنة الظاهرة والباطنة والخلق الحسن بضم الخاء المعجمة ملكة في النفس نفسانية ينشأ عنها جميع الأفعال وكمال الأحوال وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - لأداء مقام العبودية والخضوع لله تعالى وإلا فهو مجبول على الأخلاق الكريمة في أصل جبلته بالفضل الوهبي والجود الإلهي من غير رياضة ولا تعب بل لم تزل أنوار المعارف تشرق في قلبه حتى اجتمع فيه من خصال الكمال ما لا يحيط به حد ولا يحصره عد ومن ثم أثنى عليه تعالى في كتابه العزيز فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113] فوصفه بأنه عظيم في قوته العلمية والعملية وبأنه مغمور في الثانية مستغرق فيها مشتغل عن الأولى ووصف بالعظيم مع أن الغالب وصف الخلق بالدماثة والسماحة إشارة إلى أن خلقه - صلى الله عليه وسلم - لم يقصر على ذلك بل كان رحيما بالمؤمنين رؤوفًا بهم شديدًا على الكفار غليظًا عليهم كما قيل: يتلقى الندا بوجه صبيح ... وصدور القنا بوجه وقاح فبهذا وذا تتم المعاني ... طرق الجد غير طرق المزاح أو على سبيل التعليم للأمة. قوله: (لا يَهدِي لأحسَنِها إلا أَنتَ) لعجز الخلق طرا

واصْرِفْ عَنِّي سيئهَا، لَا يَصرِف سَيِئَهَا إلا أنتَ، لبيكَ وسَعْديكَ، والخَيرُ كلهُ في يَديكَ، والشَّرُّ ليسَ إلَيكَ، أنا بِكَ وإليكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عن أن يوجدوا شيئًا ولو ذرة بل الموجد لكل شيء أنت فبعضها عقب أفعالهم وبعضها ابتداء وفيه الإشعار بأن العقل لا يستقل بالاهتداء لما ينفعه فلا تحسين ولا تقبيح له في حال أو قال خلافًا لأرباب الاعتزال. قوله: (واصْرفْ عنِّي سَيِّئهَا) أي ادفع عني سيئها أي الأخلاق السيئة وهذا منه وإن لم تدع نفسه الشريفة إليه بل لا يتصور أن يصدر من بين يديه على سبيل التواضع والتذلل لعلا مقام ربه سبحانه وتعالى أو لتعليم أمته الطريق لينالوا إحسانه وأما قول ابن حجر في شرح المشكاة لا يصرف عني سيئها إلَّا أنت لا سيما ونفسي تدعو وتبذل في تحصيلها معظم جهدها وكلها اهـ. ففيه ما لا يخفى وكأنه غفل حال ذكره ذلك عن كون هذا الكلام الذي ذيله مما تقدم صادرًا من سيد الأنام عليه الصلاة والسلام إذ نفسه الشريفة لا يخطر بها السوء فضلًا عن الدعاء إليه كما قال البوصيري: فلا يخطر السوء ... على باله ولا الفحشاء ويمكن أن يجاب بأن هذا اللفظ إنما هو تعليم لأمته فينبغي للعبد إذا أتى به إن يلحظ بقلبه هذا المعنى وينزل نفسه بهذا المنزل وأنه لما كان - صلى الله عليه وسلم - في أعلى مقام التمكين وكلما ازداد العبد من ذلك المقام زاد في اتهام نفسه ورأى قصورها وإن لم يكن عندها قصور رأى أنه بالنظر إليّ على مقامه يقول هذا المقال على سبيل التخضع والتذلل لذي الجلال وهذا لا يستلزم صدور الذنب بحال والله أعلم بحقيقة المقام والمقال. في: (لَبيْكَ) مصدر لب أقام بالمكان وتثنية للتكثير المؤذن بالتكرير إلى غير نهاية أي إقامة على إجابتك لما أمرت به المرة بعد الأخرى. قوله: (وَسَعْديْكَ) أي أسعد وأحظى بإقامتي على طاعتك وإجابتي لسائر أوامرك سعادة بعد سعادة وسيأتي تحقيق الكلام في هذين اللفظين في أذكار الحج إن شاء الله تعالى. قوله: (والخيرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ) أي كل فرد من أفراده من طولك وإفضالك المكنى عنه باليدين أو أريد بهما القدرة والإرادة إذ لا يصدر شيء إلَّا عنهما. قوله: (أَنَا بكَ وإِليكَ) أي إيجادي وإنشائي بك أي بإيجادك وإمدادك ومنتهى أمري وغاية وجهتي ورغبتي وصلاح حالي معاشًا ومعادًا

تبارَكْتَ وتعاليتَ، أسْتغفِركَ وأتوبُ إليْكَ". ـــــــــــــــــــــــــــــ إليك أو التقدير أنا بك إيجادًا وتوفيقًا وإليك التجاءً واعتصامًا أو رجوعًا بعد البعث وهو قريب مما قبله أو أنا بك أعتمد وألوذ وإليك التجئ وأعوذ. قوله: (تباركتَ) أي تعاظمت أو تعظمت وتمجدت أو أدررت البركة على خلقك إذ تفاعل اللازم قد يأتي بمعنى فاعل المتعدي أصل الكلمة الدوام والثبات من البركة وهي الكثرة والاتساع ولا تستعمل إلّا في الله تعالى كما في الكتاب العزيز وفيه تنبيه على اختصاصه تعالى بالحركات الإبداعية والبركات المتوالية واختلف هل يلحق تبارك تاء التأنيث الساكنة والصحيح لحوقها سمع تباركت يا الله وتبارك أسماؤك كما في شرح التوضيح للشيخ خالد وغيره وقال البعلي تبارك فعل جامد لا يتصرف ومعناه دام دوام خيره وقال العزيزي في غريب القرآن تبارك تفاعل من البركة وهي الزيادة والنماء والكثرة والاتساع أي البركة تكتسب وتنال بذكرك ويقال تبارك تقدس والقدس الطهارة ويقال تبارك تعاظم اهـ. قوله: (وتعاليت) من العلو أي تنزهت عما لا يليق بذاتك وفي مفردات الراغب العلي هو الرفيع القدر من علا وإذا وصف به الباري تعالى كما في قوله: {هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [الحج: 62] فمعناه أنه يعلو عن أن يحيط به وصف الواصفين بل علم العارفين وعلى ذلك يقال تعالى وتخصيص التفاعل لمبالغة ذلك منه لا على سبيل التكلف كما يكون من البشر قال عزَ وجل سبحانه {سُبْحَانَهُ وَتَعَالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء: 43] وقد سبق بعضه. قوله: (أَستغفرُكَ وأَتوبُ إِليكَ) قال العز بن عبد السلام هذا وعد بطلب المغفرة إذ السين للطلب فمعنى أستغفر الله وأتوب إليه أطلب منه المغفرة فهو وعد بأن يطلبها منه ولا يلزم من الوعد حصول المطلوب الذي هو الطلب وكذا أتوب إليك وعد بالتوبة لا أنه توبة في نفسه والجواب أنه ليس وعدًا ولا خبرًا بل إنشاء أي المراد به الإنشاء وإلّا فلفظه خبر والله أعلم وبهذا يجاب عما يأتي في كتاب الاستغفار عن الربيع بن خثيم من كراهة ذلك وهذا الذكر أي وجهت وجهي إلى قوله وأتوب إليك رواه مسلم والأربعة وعبارة السلاح رواه الجماعة إلَّا البخاري ورواه ابن حبان والطبراني كلهم عن علي بن أبي طالب من جملة حديث قال علي كرم الله وجهه كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة المكتوبة وفي رواية إذا افتتح الصلاة كبر ثم قال وجهت وجهي إلخ، وذى فيه ما يقال في الركوع والاعتدال والسجود وبعد التشهد الأخير نعم انفرد ابن حبان

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بزيادة مسلمًا وفي رواية للشافعي بعد والشر ليس إليك والمهدي من هديت أنا بك وإليك لا منجا منك ولا ملجأ إلَّا إليك تباركت وقال الحافظ بعد تخريجه بجملته حديث صحيح أخرجه مسلم وأبو داود وابن خزيمة والطحاوي وابن حبان وأخرجه البيهقي ووقع في رواية سويد بن عمرو أحد رواته في أوله إذ قام إلى الصلاة المكتوبة ومثله للبيهقي من وجه آخر عن الأعرج وأخرجه الشافعي وزاد فيه سبحانك وبحمدك بعد قوله لا إله إلّا أنت وفيه أيضًا والمهدي من هديت بعد قوله في يديك ووقع في رواية للبيهقي بعد قوله سعديك ولبيك أنا بك وإليك لا منجا منك إلا إليك فاقتصر المصنف فيما ساقه على لفظ مسلم ثم أورد الحديث من طرق في كل منها وأنا أول المسلمين ثم قال وهذا يشعر بأن المحفوظ في المرفوع على وفق الآية وإن من ذكره بلفظ من المسلمين أراد المناسبة لحال من بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولذا قال الشافعي بعد أن أخرجه على التردد في اللفظين أو أول المسلمين بدل وأنا أول المسلمين اهـ، ووقع في شرح العباب عزو قوله اللهم أنت الملك إلى قوله وأتوب إليك إلى رواية الشيخين ولم أر ذلك لغيره بل هم مصرحون بأن البخاري لم يخرج ذلك وقد تقدم ذكر ذلك في كلام الحافظ أول الباب والله أعلم، وما أفاده كلام المصنف كالحديث من أن السنة تقديم وجهت وجهي سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك أي تعاظمت ذاتك أو المراد بالاسم حقيقته كما قيل به في سبح اسم ربك بتوجيهه وتعالى جدك أي غناك عن أن تفتقر إلى أحد وقيل الجد العظمة أي ارتفعت عظمتك ومنه قوله تعالى إخبارًا عن الجن: {وَأَنَّهُ تَعَالى جَدُّ رَبِّنَا} [الجن: 3] أي عظمته (ولا إلى غيرك) أي برفعهما وبناء الأول على الفتح مع نصب الثاني ورفعه ورفع إله ونصب غيرك لوقوعه موقع أداة الاستثناء كما نقله في المطلع عن ابن الأنباري في المزهر لأن هذا وإن ورد من طرق إلَّا أنها كلها ضعيفة بخلاف ذاك وظاهر كلام المصنف هنا تقديم الله أكبر كبيرًا إلخ، ثم وجهت وجهي إلخ، ثم اللهم باعد بيني وبين خطاياي إلخ، واعترض ما مر عن المجموع بأن الأول في مسلم والثاني في الصحيحين وبأن الثاني يتضمن الثناء والسؤال وبأنه ورد في الفرض والأول ورد في قيام الليل ويرد منع أن كلا من هذه الثلاثة يقتضي أفضلية الثاني وبأن الأول امتاز لأمره

ويقول: "اللهُمَّ باعِد بَيْني وبَينَ خَطايايَ كما باعَدْتَ بَينَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ، اللهُم ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى لنبيه بأنه يقوله. قوله: (وَيقولُ اللهم إلخ) أي يقول ما رواه أحمد وابن راهويه والحميدي في مسانيدهم وثبت في الصحيحين ورواه النسائي وأبو داود وابن ماجة وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان والإسماعيلي وأبو عوانة والبرقاني وأبو نعيم والبيهقي والبغوي في شرح السنة وغيرهم عن أبي هريرة قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كبر في الصلاة سكت هنيهة قبل أن يقرأ فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي رأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول قال أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي إلخ. قوله: (باعدْ بيني وبين خَطايايَ) المراد بالمباعدة إما محو الخطايا السابقة وترك المؤاخذة أو المنع من الوقوع فيها والعصمة منها بالنسبة للاحقة وهذا مجاز لأن المباعدة إنما تكون في المكان أو الزمان ثم أصلها لا يقتضي الزوال بالكلية كما هو المراد من الحديث بل يقتضي البقاء مع المباعدة وكذلك التشبيه بما بين المشرق والمغرب قال ابن دقيق العيد وموقع التشبيه أن التقاء المشرق والمغرب مستحيل فكأنه أراد ألا يبقى للخطاب منه اقتراب بالكلية والإتيان بصيغة المفاعلة للمبالغة لعدم صحة المغالبة قال القرطبي وهو من باب المبالغة في طلب السلامة من الذنوب وكرر لفظ بين هنا بقوله وبين خطاياي لأن العطف على الضمير المجرور يعاد فيه الخافض والخطايا جمع خطيئة وأصلها خطاي بوزن فعايل فأبدلت الياء بعد ألف الجمع همزة فصار خطائئي بهمزتين ثم أبدلت الهمزة الثانية ياء لتطرفها ثم قلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار خطاءاي بألفين بينهما همزة فاجتمع شبه ثلاث ألفات فأبدلت الهمزة ياء فصار خطايا بعد خمسة أعمال والخطيئة فعيلة من الخطء بكسر أوله الذنب وفرق بينها وبين الإثم بأنها ما بين العبد وربه وهو بين المخلوقين ونظر فيه بأنه استعمل كلا منهما فيما قيل أنه للآخر وقد تقرر غير مرة أن هذا وأمثاله منه - صلى الله عليه وسلم - من القيام بمقام العبودية وأداء حق الألوهية فلا ينافي عممته من سائر الذنوب صغائرها وكبائرها قبل النبوة وبعدها ومثله في ذلك جميع الأنبياء - صلى الله عليه وسلم - أجمعين أو أعد أحواله كلها خطيئات وذنوبًا بالنسبة لعظيم جلاله تعالى وعظيم حقه سبحانه العاجز عن القيام بها على كمالها حتى الكل من الخلق كما أشار إليه - صلى الله عليه وسلم - بقوله سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك أو المراد خطايا أمته أو مما وقع منه مما عتب عليه لمخالفته الأولى

نقني من خَطايايَ كما يُنقَّى الثوبُ الأبيَضُ من الدَّنَسِ، اللهُم اغْسِلْني من خَطايايَ بالثلْجِ والماءِ والبَرَدِ". فكل هذا المذكور ثابت في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجاء في الباب أحاديث أُخر منها: حديث عائشة رضي الله عنها كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ والأكمل نظرًا لعلو مقامه - صلى الله عليه وسلم - كما في عفا الله عنك ونحوه أو أنه تعليم للأمة وإن استحال في حقه - صلى الله عليه وسلم - قوله: (نقني من خطاياي) هو مجاز عن زوال الذنب ومحو أثره وفيه الإشارة إلى أن الذنب سبب لإظلام القلب. قوله: (مِنَ الدنَسِ) وفي رواية من الدرن وفي رواية من الوسخ وكلها متقاربة أو مترادفة إذ الدنس بفتح أوليه الوسخ فلما كان النقاء أظهر في الثوب الأبيض من غيره من الألوان وقع التشبيه به. قوله: (اغسِلْني مِنْ خَطايايَ) هذه رواية مسلم أي طهرني منها ورواية غيره اللهم اغسل خطاياي. قوله: (بالثلج والماءِ والبَرَدِ) كذا في نسخ الأذكار وفي المشكاة تقديم الماء عليهما قال الخطابي هذه أمثال ولم يرد الشارع أعيان هذه المسميات وإنما أراد بها التوكيد في التطهير من الخطايا والمبالغة في محوها عنه والثلج والبرد ماء إن لم تمسهما الأيدي ولم يمتهنهما استعمال فكان ضرب المثل بهما آكد وقال ابن دقيق العيد هذا مجاز ويحتمل أمرين أحدهما أن يكون أراد التعبير بذلك عن غاية المحو بالأمور الثلاثة فإن الثوب الذي يتكرر عليه ثلاثة أشياء منقية يكون في غاية النقاء ثانيهما إن يكون كل واحد منها مجازًا عن صفة يقع بها التكفير والمحو ولعل ذلك في قوله تعالى: ({وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا} [البقرة: 286] فكل واحد من هذه الصفات له أثر في محو الذنب وإلى هذا أشار الطيبي بحثًا فقال يمكن أن يقال المطلوب من ذكر الثلج والبرد بعد الماء شمول أنواع المغفرة والرحمة بعد العفو لإطفاء حرارة عذاب النار التي هي في غاية الحرارة ومنه قولهم برد الله مضجعه أي رحمه ووقاه عذاب النار ويؤيده وصف الماء بالبارد في رواية مسلم من حديث عبد الله بن أبي أوفى ولعله جعل الخطايا بمنزلة جهنم لأنها مسببة عنها فعبر عن إطفاء حرارتها بالغسل وبالغ فيه باستعمال المبردات ترقيًا عن الماء إلى ما هو أبرد منه وبهذا ظهر السر في التعبير بالماء البارد والثلج والبرد مع إن الماء السخن أبلغ في إذهاب الوسخ من الماء البارد وقال التوربشتي إنما خص هذه الثلاثة بالذكر لأنها منزلة من السماء

"سُبحانكَ اللهُم وبحَمْدكَ، وتَباركَ اسْمُكَ، وتعالى جَدُّكَ، ولا إلهَ غَيرُكَ" رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه بأسانيد ضعيفة، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يمكن حصول الطهارة الكاملة إلَّا بواحدة منها فكان تبيانًا لأنواع المغفرة التي لا يخلص من الذنوب إلا بها أي طهرني من الخطايا بأنواع مغفرتك التي هي في تمحيص الذنوب بمنزلة هذه الأنواع الثلاثة في إزالة الأرجاس ورفع الأحداث والأنجاس وقال بعضهم عبر بالماء عن الرحمة وبالثلج عن العفو وبالبرد عن المغفرة وفي فتح الإله ويصح أن يشار بجمع الثلاثة إلى المبالغة بطلب أنواع من المغفرة والرحمة والرضا تطفئ حرارة العذاب المتولد من تلك الخطايا ثم يبوأ رياض النعيم ثم يمنح معاني الشهود ودوام القرب ولا يضر كون مفاد الجملتين واحدًا لأن المقام مقام إطناب على إن الثانية أبلغ لأنها أفادت من المقابلة الأول كما علم مما تقرر في الأخيرين على الماء إشارة إلى ما هو المقرر عندنا من أنهما مثله في تطهير الحدث والخبث الحسيين اهـ. وقال الكرماني يحتمل إن تكون الدعوات الثلاث فيها إشارة إلى الأزمنة الثلاثة فالمباعدة للمستقبل والتنقية للحال والغسل للماضي وفي فتح الباري الحكمة في تقديم المستقبل الاهتمام بدفع ما يأتي قبل رفع ما حصل والثلج معروف والبرد بفتح الموحدة والراء المهملة هو حب الغمام قال الهروي سمي بردًا لأنه يبرد وجه الأرض. قوله: (سبحانك الله إلخ) اقتصر المصنف على ما ذكر ورواه جابر وزاد في حديثه بعد قوله غيرك وجهت وجهي إلخ، وبتلك الزيادة أخذ في الروضة فقال يقدم سبحانك اللهم وبحمدك إلخ، على وجهت وجهي إلخ، قال في شرح العباب ويشهد له حديث البيهقي فساقه ثم ذكر نحو ما تقدم من تقديم وجهت وجهي إلخ. وفي شرح الهداية لابن الهمام من الحنفية الأولى العمل برواية جابر عنه - رضي الله عنه - أنه كان إذا استفتح الصلاة قال سبحانك اللهم وبحمدك إلخ، وجهت وجهي إلى الله رب العالمين أخرجه البيهقي كذلك قال في الحرز فيستفاد منه تقديم التسبيح على التوجه اهـ، وكأن من ذكر لم ينظروا لقول المصنف هنا بأسانيد ضعيفة إلخ، أو أراد أن ذلك الضعف غير مؤثر لأنه في الفضائل ويعمل بالضعيف فيها بشرطه. قوله: (رَوَاه الترمذيُّ وأَبُو دَاودَ إلخ) قال الحافظ ليس له عند هؤلاء الثلاثة سوى إسنادين أخرج أحدهما أبو داود والآخر عند الآخرين

وضعَّفَهُ أبو داود والترمذي والبيهقي وغيرهم، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكرهما وبين حال كل منها فقال في السند الأول أخرجه أبو داود بهذا السند وأخرجه الحاكم وهو شيخ البيهقي فيه وقال صحيح على شرط الشيخين قال الحافظ ابن حجر رجاله من رجالهما في الجملة وليس على شرط واحد منهما ثم بين ذلك وقال قال أبو داود بعد تخريجه هذا الحديث ليس بالمشهور لم يروه إلا طلق بن غنام عن عبد السلام بن حرب أي عن بديل بن ميسرة عن أبي الجوزاء عن عائشة وقد روى جماعة الحديث عن بديل بن ميسرة يعني بالسند المذكور فلم يذكروا فيه شيئًا من هذا اهـ، كلامه وأشار به إلى ما أخرجه مسلم وغيره من طريق شعبة وغيره عن بديل بلفظ كان يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين الحديث بطوله فظاهر رواية عبد السلام تقتضي الزيادة على ما رواه أولئك وهم أحفظ منه وأتقن لكن طريقة المصنف الحكم بقبول الزيادة من الثقة مطلقًا كما صرح بذلك في غير موضع وهذا من هذا القبيل فأقل درجاته أن يكون حسنًا لا سيما إذا انضم إليه الطريق الآتي والشواهد الآتية وقال الحافظ في السند الثاني أخرجه الترمذي وابن ماجة والحاكم وابن خزيمة كلهم عن أبي معاوية عن حارثة بن محمد عن عمرة عن عائشة قال الترمذي بعد تخريجه لا نعرفه إلَّا من حديث حارثة بن محمد وقد تكلم فيه من قبل حفظه وقال ابن خزيمة بعد تخريجه حارثة بن محمد لا يحتج أهل الحديث بحديثه وقال الحاكم حارثة بن محمد لم يرتضه مالك ورضيه غيره من أقرانه قال العراقي حارثة متفق على ضعفه ومراد الحاكم ممن رضيه غير مالك أنهم رووا عنه ولا يلزم من رواية الثقة أن يكون المروي عدلًا عنده اهـ. وقال البيهقي بعد تخريج الحديث حارثة ضعيف وله طريق أخرى عن عائشة ضعيفة ساقها في الخلافيات وأخرجها الطبراني في كتاب الدعاء والدارقطني وفي سند الجميع سهل بن عامر وهو متروك وورد من طريق أخرى عن عطاء موقوفًا عليه قال الحافظ وهذا وإن كان مقطوعًا ففيه إشعار بأن لهذا المرفوع أصلًا اهـ. قوله: (وضعفهُ أَبو دَاودَ والترمذيّ إلخ) قال الحافظ لم يصرح أبو داود بضعفه وإنما أشار إلى غرابته كما قدمته، نعم لما أخرج الدارقطني الحديث المذكور بسنده إلى أبي داود إلّا قوله ليس

ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي من رواية أبي سعيد الخدري ـــــــــــــــــــــــــــــ بالمشهور فعبر بقوله ليس بالقوي وأما الترمذي فضعفه من طريق حارثة ولم يعرج على الطريق الأولى بل صرح بتفرد حارثة به ولو وقعت له الطريق الأولى لكانت على شرطه في الحسن وأما البيهقي فحكى كلام أبي داود الأول بعد إن أخرجه من طريقه ثم ساق طريق حارثة وضعفها به ثم ذكر أنه روي من طريق ثالثة عن عائشة وأما قوله وغيرهم فقد يوهم الاتفاق على تضعيفه وليس كذلك بل هم مختلفون. قوله: (وَرَوَاه أَبو دَاودَ والترمذيُّ إلخ) قال الحافظ ولم أر عن واحد منهم التصريح بتضعيفه كما سأبينه ثم قال بعد تخريجه الحديث بإسناده من طرق حديث حسن أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي فأما الترمذي فقال حديث أبي سعيد أشهر شيء في الباب وبه يقول أكثر أهل العلم وقد تكلم بعضهم في سنده كان يحيى بن سعيد يتكلم في علي بن علي الرفاعي وأما النسائي فسكت عليه فاقتضى أنه لا علة له عنده وأما ابن ماجة فلم يتكلم عليه أصلًا كعادته وأما البيهقي فحاصل كلامه في السنن الكبرى وفي الخلافيات أن حديث علي في وجهين أرجح من هذا الحديث لكون حديث علي مخرجًا في الصحيح ولكون هذا وإن جاء من طرق متعددة لا يخلو سند منها من مقال وإن أفاد مجموعها القوة وهذا أيضًا حاصل كلام ابن خزيمة في صحيحه وأشار إلى أن حديث أبي سعيد أرجح وقال العقيلي بعد أن أخرجه من طريق حارثة في ترجمته في الضعفاء هذا الحديث روي بأسانيد حسان غير هذا قال الحافظ وسائر رواة أبي سعيد المذكور رواة الصحيح إلَّا علي بن علي الرفاعي فقد وثقه ابن معين. قوله: (قَال البيهقي إلخ) قال الحافظ عبارة البيهقي بعد ذكر حديث ابن مسعود رواه ليث عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه وليس بالقوي وروي عن حميد عن أنس مرفوعًا ثم ساقه بسنده إليه ولم أر الكلام الأخير في كلامه وقد أخرج الطبراني في الدعاء حديث ابن مسعود بسندين آخرين وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن حميد ومن وجه ثالث عن أنس وأخرجه في المعجم الكبير من حديث واثلة بن الأسقع ومن حديث الحكم بن عمير ومن حديث عمرو بن العاص وأخرجه البيهقي بسند جيد عن جابر بن عبد الله كما سنذكره بعد اهـ، والله أعلم. قوله: (مِنْ روايةِ أَبي سعيد) أي ولفظه كان - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل كبر ثم يقول سبحانك اللهم

وضعَّفوه. قال البيهقي: وروي الاستفتاح "بِسُبْحانكَ اللهُم وبِحَمدِكَ" عن ابن مسعود مرفوعًا، وعن أنس مرفوعًا، وكلها ضعيفة. قال: وأصح ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم رواه بإسناده عنه: أنه كبر ثم قال: "سُبْحانكَ اللهُم وبحَمْدِكَ، تَبارَكَ اسْمُكَ، وتَعالى جَدُّكَ، ولا إلهَ غَيْرُكَ". والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ وبحمدك ثلاثًا ثم يقول الله أكبر كبيرًا ثلاثًا أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه ثم يقرأ وقال الترمذي حديث أبي سعيد أشهر حديث في هذا الباب وقال أيضًا قد تكلم في إسناد حديث أبي سعيد كان يحيى بن سعيد يتكلم في علي بن علي يعني ابن نجاد وقال أحمد لا يصح هذا الحديث اهـ. قوله: (وضعفوهُ) قال الترمذي هذا حديث لا نعرفه إلَّا عن حارثة بن أبي الرجال وقد تكلم فيه من قبل حفظه أي لكونه لم يوجد فيه شرط الاحتجاج وهو الحفظ إن حدث من غير كتاب وقول بعض شراح المشكاة إن الترمذي لم يضعف متنه إنما ضعف بعض أسانيده ولا يلزم منه تضعيف المتن كما هنا لروايته من طريق أخرى محتج بها فما أوهمه كلام المصنف مما يخالف ذلك معترض قال وقد رواه أبو داود بإسناد حسن اهـ. فيه نظر فإن الذي صرح به الحافظ والمرجع إليهم في ذلك أن طرقه كلها ضعيفة لكن قال ابن الجوزي يقوي بعضها ببعض فيصل إلى حد الحسن فيحتج به وهذا يتوقف على أن ذلك الضعف مما يقبل الانجبار وإلا فكذب الراوي أو اتهامه بالكذب مثلًا لا ينجبر وإن تعددت طرقه كما سبق. قوله: (وَرُويَ الاستفتاح إلخ) ورواه الدارقطني عن عثمان من قوله ورواه سعيد بن منصور عن أبي بكر الصديق من قوله نقله في الحرز. قوله: (وأصح ما رُوي فِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخطابِ) ثم رواه عنه يعني البيهقي قال الحافظ بعد تخريجه من طريق البيهقي موقوفًا على عمر هذا موقوف صحيح ثم خرجه أيضًا من طريق الدارقطني وقال الدارقطني هذا صحيح عن عمر من قوله وقد روي عنه مرفوعًا ثم ساقه من رواية عبد الرحمن بن عمرو بن شيبة عن أبيه عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الدارقطني رفعه هذا الشيخ عن أبيه ورواه يحيى بن أيوب عن عمر بن شيبة عن نافع عن ابن عمر موقوفًا على عمر وهو الصواب قال الحافظ كذا

وروينا في "سنن البيهقي" عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا استفتح الصلاة قال: لا إله إلا أنتَ سُبْحانك، ظلَمْتُ نَفْسي، وعَمِلتُ سُوءا فاغْفِر لي إنهُ لا يَغْفِرُ الذُّنوبَ إلا أنتَ، وجَّهْتُ وَجْهي .. " إلى اخرِهِ، وهو حديث ضعيف، فإن الحارث الأعور: متفق على ضعفه، وكان الشعبي يقول: الحارث كذاب، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقع في الأصل عمرو بن شيبة بفتح العين في السند الأول وبضمها في السند الثاني وفي إحداهما تصحيف وغفل ابن الجوزي في التحقيق فصحح المرفوع ظنًّا منه أن عبد الرحمن بن عمرو بن شيبة أحد شيوخ البخاري في صحيحه وليس كذلك فإن شيخ البخاري إنما هو عبد الرحمن بن أبي شيبة ولا ذكر لعمرو في نسبه وعلى التنزل فوائد عبد الرحمن لا يعرف اهـ. وفي الخلاصة للمصنف إنما الحديث صحيح عن عمر موقوف عليه اهـ. وقال السلاح بعد أن روى الحديث موقوفًا على عمر رواه مسلم ثم قال ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم في المستدرك مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال الحاكم فيه صحيح على شرط الشيخين اهـ، وسبق شرحه في أثناء الكلام على ما تقدم من أدعية الافتتاح قال ابن حجر في شرح المشكاة وأخذ به ابن مسعود وغيره من فقهاء الصحابة واختاره للافتتاح به أبو حنيفة وغيره وذهب إليه الأجلة من علماء الحديث كسفيان وأحمد وغيرهم اهـ. قوله: (وَرَوينا فِي سُنن الْبيْهقي) قال الحافظ بعد تخريجه بسند له بلفظ قال البيهقي ذكره الشافعي عن هشيم بلا رواية لكن قال عن أبي الخليل بدل الحارث فيحتمل أن يكون لأبي إسحاق الراوي عن الحارث شيخان في الحديث وعلى هذا الاحتمال فيكون الحديث صحيحًا ويقوي ذلك أن الرواية الصحيحة عن علي بطولها تشتمل على ألفاظ هذا الطريق وليس فيها إلَّا الاختصار وتأخير وجهت ثم أجاب عن قول المصنف في الحارث بما سيأتي نقله عنه. قوله: (فإِن الحارثَ الأَعور متفَق عَلَى ضَعْفِهِ) قال الحافظ هو متعقب فيما قاله فقد وثقه يحيى بن محين في سؤالات الدارمي وفي تاريخ العباس الدوري وأما ما نقله عن الشعبي فقد أوضح أحمد بن صالح الحارث صاحب علي ثقة ما أحفظه

وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "والشرُّ ليسَ إليكَ" فاعلم أن مذهب أهل الحق من المحدثين والفقهاء والمتكلمين من الصحابة والتابعين ومَن بعدَهم من علماء المسلمين أن جميع الكائنات خيرَها وشرَّها، نفعَها وضرَّها كلها من الله سبحانه وتعالى، وبإرادته وتقديره، وإذا ثبت هذا ـــــــــــــــــــــــــــــ وما أحسن ما روي عن علي قيل له فما يقوله الشعبي فيه قال لم يكن يكذب في حديثه وإنما كان يكذب في رأيه اهـ، وأبدى الذهبي ذلك احتمالًا والمراد بالرأي المذكور التشيع وبسببه ضعفه الجمهور ثم رأيت عن أبي حاتم في حق الحارث شيئًا يصلح أن يحمل تكذيب الشعبي عليه قال كان الحارث أعلم الناس بالفرائض وكان يروي ذلك عن علي فقيل له سمعت هذا كله من علي فقال سمعت منه بعضًا وبعضًا أقيسه على قوله وقد بسط ابن عبد البر في كتاب بيان العلم ما يتعلق بذلك اهـ. قوله: (وأَمَا قَولهُ والشرُّ ليسَ إِليَكَ فاعلَمْ أَن مَذهَبَ أَهْلِ الحق إلخ) أنكرت المعتزلة إرادته تعالى للشر والقبيح حتى قالوا أنه تعالى أراد من الكافر والفاسق الإيمان والطاعة لا الكفر والمعصية زعمًا منهم أن إرادة القبيح قبيحة كخلقه وإيجاده واستدلوا بهذا الحديث أي قوله والشر ليس إليك بناء على تقدير متعلق الجار منسوبًا ومنعه أهل السنة وقالوا القبيح كسب القبيح والاتصاف به ومتعلق الظرف ليس منسوبًا بل متقربًا أو منسوبًا أي لا يليق بالأدب نسبته إليك وإن كنت فاعله وعند المعتزلة أكثر ما يقع من أفعال العباد على خلاف إرادة الله تعالى وهذا شنيع جدًّا والمعتزلة اعتقدوا أن الإرادة والمشيئة والرضا والمحبة والأمر بمعنى ونحن لا نقول به بل نقول الإرادة والمشيئة بمعنى والرضا والمحبة كذلك والأمر لا يستلزم الإرادة فقد يكون الشيء غير مراد ويؤمر به وقد يكون مرادًا وينهى عنه لحكم ومصالح يحيط بها علمه تعالى ولأنه لا يسأل عما يفعل واستدلت المعتزلة بنحو ولا يرضى لعباده الكفر، إن الله لا يأمر بالفحشاء، ولا دليل لأنا نقول بمقتضاهما لما تقرر من أن الإرادة غير الرضا والأمر ولنا قوله تعالى: ({فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: 149] وقول السلف قبل ظهور أهل البدعة "ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن" وليس هذا محل تحقيق المرام ومجمله أن كتب أهل السنة مختلفة في هذه المسألة فقال إمام الحرمين إن من حقق لم يشك أن المعاصي بمحبته ونقله بعضهم

فلا بد من تأويل هذا الحديث، فذكر العلماء فيه أجوبة: ـــــــــــــــــــــــــــــ بمعناه عن الأشعري لتقارب الإرادة والمحبة في المعنى اللغوي فإن من أراد شيئًا أو شاءه فقد رضيه وأحبه قال ابن الهمام وهذا الذي قاله إمام الحرمين خلاف كلمة أكثر أهل السنة اهـ. وقال شارح العقيدة المنظومة لليافعي الإرادة والمشيئة والمحبة والرضا معناها واحد عند جمهور أهل السنة لكن قال بعضهم ما سبق إلَّا المحبة والرضا مترادفان وهما غير الإرادة والمشيئة واستدل لذلك بقوله تعالى {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7] وأجيب بأنه لا يرضى لعباده المؤمنين الكفر لأنه لم يرده ويرضاه للكفار لأنه أراده لهم أو أنه لا يرضاه شرعًا ودينًا يثيب عليه ويرضاه معصية ومخالفة يعاقب عليها اهـ، وحاصله أن النفي والإثبات واردان على مختلفين بالحيثية مع اتحادهما بالذات كما قيل في الإشكال المشهور أن الرضا بالقضاء واجب والرضا بالكفر كفر مع أن الكفر بالقضاء مجيبًا بأنه يرضى به من حيث أنه فعل الله تعالى ولا يرضى به من حيث أنه كسب للعبد أو أن الكفر مقضي لا يجب الرضا به إذ هو إنما يجب بالقضاء لا بالمقضي وقال الشيخ عطية السلمي في تفسيره ما تعلق به الثواب يقال فيه إن الله رضيه وأحبه وأراده وشاءه وما تعلق به العقاب يقال فيه أراده وشاءه ولا يقال أحبه ورضيه بل يقال كرهه ونهى عنه ومعنى ذلك أنه لا يثيب عليه لا أنه وقع عليه قهرًا كسائر مكروهات العباد فإن العبد يقع عليه المكروه قهرًا ولو قدر على دفعه والله متعال عن ذلك وهذا مذهب كثير من السلف قال قتادة والله ما يرضى الله لعبد ضلالة ولا أمره بها ولا دعاه إليها وقال ابن عباس والسدي وجماعة إن الله يرضى الكفر للكفار كما يرضى الإيمان للمؤمنين اهـ، والحق إن الخلاف لفظي كذا في المرقاة. قوله: (فَلَا بد مِنْ تأْويلِ هذَا الحديثِ إلخ) قال ابن حجر في شرح المشكاة قال بعضهم وإنما أولنا الحديث لأنه لم يقل أحد من المسلمين بقضيته بل أهل السنة على أن الخير والشر من الله تعالى لا صنع للعبد فيهما والمعتزلة على أنهما من العبد لا صنع لله فيهما ولم يقل عالم سنين ولا بدعي إن الخير من الله والشر من النفس وإنما سمع ذلك من همج العامة اهـ. وفيه نظر ونقله في شرح العباب عن المجموع وعن الشيخ أبي حامد وتعقب بأنه قد نقل ذلك عن المعتزلة كثيرون والظاهر أنهم فرقتان فرقة على الأول وفرقة على الثاني ومن ثم

أحدها وهو أشهرها قاله النضر بن شميل والأئمة بعده: معناه: والشر لا يتقرب به إليك، والثاني: لا يصعد إليك، إنما يصعد الكلم الطيب، والثالث: لا يضاف إليك أدبًا، فلا يقال: يا خالق الشر وإن كان خالقَه، كما لا يقال: يا خالق الخنازير وإن كان خالقَها، والرابع: ليس شرًّا بالنسبة إلى حِكْمَتِكَ، فإنك لا تخلق شيئًا عبثًا، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ اختلف كلام الزمخشري منهم في ذلك اهـ. قوله: (أَحدُهَا وَهُوَ أَشهرُها قَالهُ النضْرُ بْنُ شُمَيلٍ) أي والخليل بن أحمد وإسحاق بن راهويه ويحيى بن معين وأبو بكر بن خزيمة والأزهري وغيرهم قال صاحب أنوار البروق في أنواء الفروق استدلت المعتزلة على أن الشر من العبد لا من الله تعالى بقوله - صلى الله عليه وسلم - والشر ليس إليك وهذا سلب عام تقوم به الحجة على الأشعري وجوابه أن قوله - صلى الله عليه وسلم - ليس إليك لا بد له من عامل يتعلق به فالمعتزلة يقدرونه ليس منسوبًا إليك حتى يكون من العبد على زعمهم ونحن نقدره والشر ليس قربة إليك لأن الملوك كلهم يتقرب بالشر إليهم إلّا الله تعالى لا يتقرب إليه إلا بالخير وهذا معنى حسن جميل يحمل اللفظ عليه وعليه فيكون اللفظ محتملا لما قلناه ولما قالوه وليس اللفظ ظاهرًا في أحدهما من حيث الوضع بل الاحتمالان منسوبان فيسقط استدلال المعتزلة به لحصول الإجمال فيه اهـ، وأصل هذا الكلام لشيخه العز بن عبد السلام كما نقله عنه السيوطي في حواشيه على النسائي. قوله: (والثَّالثُ) وحكاه الشيخ أبو حامد عن المزني وقاله غيره أيضًا ويؤيده إن عادة العرب ينسبون ما كان يعجبهم إلى الله وإن كانت الأشياء كلها له في الحقيقة. قوله: (لَا يُضافُ إِليك) أي على انفراده. قوله: (فَلَا يُقالُ يا خالِقَ الشَّرِّ ونحوه) بل يا خالق كل شيء وحينئذٍ يدخل الشر في العموم. قوله: (ليسَ شَرًّا إلخ) قال التفتازاني في شرح العقائد فإن قيل كيف كان كسب القبيح سببًا موجبًا لاستحقاق الذم بخلاف خلقه قلنا لأنه قد ثبت أن الخالق حكيم لا يخلق شيئًا إلا وله عاقبة حميدة وإن لم نطلع عليها فجزمه بأن ما نستقبحه من الأفعال قد يكون فيها حكم ومصالح كما في خلق الأجسام الخبيثة الضارة المؤلمة

فصل: هذا ما ورد من الأذكار في دعاء التوجه، فيستحب الجمع بينها كلَّها لمن صلى منفردًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ بخلاف الكاسب فإنه قد يفعل قبيحًا سفهًا موجبًا لاستحقاق الذم والعقاب اهـ. وفي شرح المشكاة لابن حجر وقيل ليس الشر قضاك فإنك لا تقضي الشر من حيث هو شر بل لما يصحبه من الفوائد الراجحة فالمقضي به بالذات هو الخير والشر داخل تحت القضاء اهـ، وهو بكونه جوابًا أشبه وفي شرح الأربعين له ما في الوجود من الشر فهو إضافي بالنسبة لبعض الأشياء وليس شرًّا مطلقًا بحيث عدمه خير من وجوده بل وجوده مع ذلك خير من عدمه ويصح أن يراد هذا في خبر والشر ليس إليك أي الشر المحض الذي عدمه خير من وجوده ليس موجودًا في ملكك اهـ، وذكر المصنف في شرح مسلم جوابًا خامسا حكاه عن الخطابي أنه كقولك فلان إلى بني فلان إذا كان عداده فيهم أو أضافوه إليهم. فصل قوله: (هَذَا مَا وَرَدَ مِنَ الأذكار فِي دعاءِ التوجُّهِ) قال الحافظ هذا يشعر بالحصر وليس كذلك بل ورد فيه غير ذلك ذكره الطبراني في الدعاء وكذا غيره اهـ. قوله: (فَيُستَحَبُّ الجمعُ بينَها كلها) قال الحافظ لم يرد بذلك حديث وقد استحب الجمع بين وجهت وسبحانك أبو يوسف صاحب أبي حنيفة وأبو إسحاق المروزي من أكابر الشافعية وبوب البيهقي لذلك وأورد فيه حديثًا عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا استفتح الصلاة قال سبحانك اللهم وبحمدك إلى ولا إله غيرك وجهت وجهي إلى قوله العالمين وسنده قوي فإن رجاله رجال الصحيح إلَّا عبد السلام بن محمد الحمصي وأما الراوي عن عبد السلام إبراهيم بن يعقوب فمن كبار الحفاظ الأثبات من شيوخ أبي داود والترمذي والنسائي وأخرج الحافظ من طريقين أحدهما للطبراني في الدعاء من حديث جابر كان - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة كبّر ثم قال إن صلاتي ونسكي إلى قوله أول المسلمين اللهم اهدني لأحسن الأخلاق ولا يهدي لأحسنها إلَّا أنت وقني سيئ الأعمال والأخلاق ولا يقي سيئها إلَّا أنت قال الحافظ وهكذا أخرجه النسائي ورجاله

وللإمام إذا أذِنَ له المأمومون. فأما إذا لم يَأذَنوا له فلا يُطَوِّل عليهم، بل يقتصر على بعض ذلك، وحَسُن اقتصاره على: وجهت وجهي إلى قوله: من المسلمين، وكذلك المنفرد الذي يؤثر التخفيف. واعلم أن هذه الأذكار مستحبة في الفريضة والنافلة، فلو تركه في الركعة الأولى عامدًا أو ساهيًا لم يفعله بعدها لفوات محله، ولو فعله كان مكروهًا ولا تبطل صلاته، ولو تركه عقيب التكبيرة حتى شرع في القراءة أو التعوذ، فقد فات محله فلا يأتي به، فلو أتى به لم تبطل صلاته، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقات كالذي قبله وكأن الحديث كان عند شعبة مطولًا فحدث عبد السلام عنه ببعضه وحدث أبو حيوة عنه ببعضه ثم أشار الحافظ إلى اختلاف وقع لبعضهم في بعض هذا الحديث غير من ذكرناه اهـ. وفي شرح المشكاة لابن حجر قول النووي يستحب الجمع إلخ. لا ينافيه قول الشافعي فإن زاد فيه أو نقص كرهته لأنه محمول على الزيادة من غير الوارد وقول بعض أئمتنا لم يرد في تلك الأدعية شيء عن السلف بل يأتي بكل مرة يرده أن الأصل الإتيان والتأسي بجميع ما ورد حتى يقوم دليل على خلافه ولم يوجد وكذا في كل محل وردت فيه أذكار متعددة اهـ. فإن علم أنه لا يمكنه الجمع لا يأت به أو يمكنه البعض فقط مع التعوذ والفاتحة أتى به نص عليه في الأم. قوله: (وللإِمامِ إِذَا أَذِنَ لَهُ المأمُومُونَ) أي وهم محصورون راضون بالتطويل لم يتعلق بعينهم حق للغير بأن لم يكونوا مملوكين ولا مستأجرين إجارة عين على عمل ناجز ولا نساء متزوجات ولم يطرأ غيرهم وإن قل حضوره ولم يكن المسجد مطروقًا ولو أذن الجمع المحصورون إلَّا واحدًا فينظر فإن كان ملازمًا للحضور فلا ينظر لقوله بل يطول لئلا يفوت ثواب أولئك بقوله وإلا اقتصر رعاية له أفتى به ابن الصلاح واستحسنه من بعده. قوله: (وَحَسُنَ اقْتصارُهُ عَلى وجهتُ) أي لأن الله تعالى أمر نبيه في كتابه أن يقوله وكذا المأموم الذي يسمع قراءة الإمام يقتصر على وجهت وجهي إلخ، ويسْرع فيه حتى يسمع قراءة إمامه. قوله: (والنَّافِلَةِ) سواء كانت مطلقة أو راتبة وسيأتي في باب التراويح أن ما يفعله الناس من ترك الافتتاح والتسبيحات فيها وغير ذلك من السنن تساهل والصواب ما سبق وسكت المصنف عن الجنازة لأنه لا يسن فيها ولو

ولو كان مسبوقًا أدرك الإمام في إحدى الركعات أتى به إلا أن يخاف من اشتغاله به فواتَ الفاتحة، فيشتغل بالفاتحة، فإنها آكد، لأنها واجبة، وهذا سُنةٌ. ولو أدرك المسبوق الإمامَ في غير القيام، إما في الركوع، وإما في السجود، وإما في التشهد، أحرم معه، ـــــــــــــــــــــــــــــ على غائب وقبر على الأوجه، ومحل استحباب الافتتاح ما لم يدرك الإمام في غير القيام ما لم يسلم قبل أن يجلس أو في الاعتدال بل يقول في الأخير سمع الله لمن حمده إلى آخر ما يأتي من ذكر الاعتدال حينئذٍ ولو أدركه في أثناء الفاتحة فأتمها الإمام أمن المأموم لقراءته ثم افتتح ونفى مالك استحباب الافتتاح من أصله لعدم ذكره في خبر المسيء صلاته ولخبر كان - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين قال في شرح العباب عجيب إذ لا جواب له عن تلك الأحاديث وخبر المسيء صلاته لم يذكر فيه إلّا الفرائض أو النوافل والثاني معناه تفتتحون القراءة بل لو صرح صحابي بنفيه لكان محجوبًا بإثبات غيره اهـ. قوله: (وَلَوْ كَانَ مسبوقًا إلخ) المسبوق هو من لم يدرك مع الإمام زمنًا يسع الفاتحة بالنسبة إلى القراءة المعتدلة لا لقراءة الإمام ولا لقراءة المأموم. قوله: (أَتَى بِه) أي إذا ظن إدراك الفاتحة مع إمامه بأن كان الإمام بطيء القراءة ومدرك سريعها. قوله: (إلا أَنْ يَخافَ) أما بأن جهل حال إمامه أو ظن منه الإسراع وأنه لا يدركها ولو اشتغل به فيشتغل بها لأنها أهم ويشرع فيها ليدركها ثم إذا ركع الإمام قبل إتمام الفاتحة نظر فإن لم يشتغل بافتتاح ولا تعوذ ركع مع الإمام وتمت ركعته وتحمل عنه الفاتحة أو ما بقي منها وإن اشتغل بهما أو بأحدهما أو سكت لزمه أن يقرأ من الفاتحة قدر ذلك في ظنه كما هو ظاهر أو زمن سكوته لتقصيره في الجملة بالعدول عن الفرض إلى غيره وإن كان قد أمر بالافتتاح والتعوذ لظنه إدراك الركوع فركع على خلاف ظنه واختار جمع أنه يركع ويسقط عنه بقية الفاتحة وأطالوا في الاستدلال له وإن كلام الشيخين يقتضيه وعلى الأول متى ركع قبل وفاء ما لزمه بطلت صلاته إن علم وتعمد وإلا لم يعتد بما فعله ومشى ركع الإمام وهو متخلف لما

باب التعوذ بعد دعاء الاستفتاح

وأتى بالذِّكْر الذي يأتي به الإمام، ولا يأتي بدعاء الاستفتاح في الحال ولا فيما بعد. واختلف أصحابنا في استحباب دعاء الاستفتاح في صلاة الجنازة، والأصحّ أنه لا يستحب، لأنها مبنية على التخفيف، واعلم أن دعاء الاستفتاح سُنة، ليس بواجب، ولو تركه لم يسجد للسهو، والسُّنَّة فيه الإسرار، فلو جهر به كان مكروهًا، ولا تبطل صلاته. باب التعوذ بعد دعاء الاستفتاح اعلم أن التعوذ بعد دعاء الاستفتاح سُنَّةٌ بالاتفاق، وهو مُقَدّمة للقراءة، قال الله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] معناه عند ـــــــــــــــــــــــــــــ لزمه وقام من الركوع فأتته الركعة بناء على أنه متخلف بغير عذر ومن عبر بعذره فعبارته مؤولة ثم إذا فرغ قيل هوى الإمام للسجود وافقه ولا يركع وإلا بطلت إن علم وتعمد وكذا حيث فاته الركوع فإن لم يفرغ وقد أراد الإمام الهوي للسجود فقد تعارض في حقه وجوب وفاء ما لزمه وبطلان صلاته بهوي الإمام للسجود لما تقرر من أن تخلفه لغير عذر فلا مخلص له عن هذين إلَّا بنية المفارقة فتتعين عليه حذر من بطلان صلاته عند عدمها بكل تقدير، ثم رأيت شيخنا أطلق نقلًا عن التحقيق واعتمده أنه يلزمه متابعته في الهوي حينئذٍ ويمكن توجيهه بأنه لما لزمته المتابعة قبل المفارقة استصحب وجوبها وسقط موجب تقصيره من التخلف لقراءة قدر ما لحقه فغلب واجب المتابعة فعليه إن صح لا يلزمه مفارقة أما إذا جهل إن واجبه ذلك فهو بتخلفه لما لزمه متخلف لعذر قاله القاضي كذا في التحفة لابن حجر وفي الإمداد له الأقرب للمنقول وعليه أكثر المتأخرين أنه متخلف لعذر وعليه فيدرك الركعة وإن لم يدرك الركوع مع الإمام فيصير حكمه كالموافق وناقش فيما ذكره فيه في التحفة بأن قوله ومن عبر بعذره فعبارته مؤولة بأنه يحتاج في ذلك لسند وأطال في المقال والله أعلم. قوله: (وأَتَى بالذكرِ الذي يأتي به الإمامُ) هذا إذا لم يسلم الإمام قبل لجوسه وإلا فيأتي به كما مر. قوله: (والسُّنَّةُ فيه الإسرارُ) أي كغالب أذكار الصلاة. باب التعوذ بعد دعاء الاستفتاح قوله: (سنةٌ بالاتفاقِ) لكنه نفاه مالك لنظير ما تقدم في الافتتاح مع جوابه ولما

جماهير العلماء: إذا أردت القراءة فاستعذ. واعلم أن اللفظ المختار في التعوذ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وجاء: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، ولا بأس به، ولكن المشهور المختار هو الأول. وروينا في سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، ـــــــــــــــــــــــــــــ كان مستدركه ضعيفًا حكي الاتفاق مع وجوده. قوله: (جَماهِير العلماءِ إلخ) وقال جمع من السلف هي على ظاهرها وأخذوا بها كذلك قال في شرح المشكاة وهو شاذ. قوله: (أَن اللفظَ المختارَ إلخ) ثم بعده أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ثم أعوذ بالله العلي من الشيطان الغوي هذا ما في المجموع عن الماوردي لكن في الكفاية عنه أن الأفضل الأول ثم هو بزيادة من همزه ونفخه ونفثه ثم الأخير والذي يتجه إن الأفضل بعد الأول هو بتلك الزيادة للحديث الآتي ثم الثاني بتلك الزيادة لوروده كذلك في الرواية الثانية ثم هو بدونها ثم الثالث ورجح الأذرعي الثاني أي أعوذ بالله السميع إلخ، حتى على الأول للحديث المذكور الآتي ولأن فيه الجمع بين قوله تعالى: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] وقوله {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: 200] ويرى بأن الحديث ضعيف كما ستعلمه وليست الآية الثانية بيانًا لصيغة الاستعاذة حتى يطلب موافقته لفظها كالأول بل أمره بها ثم علل ذلك الأمر بأنه سميع للدعاء عليم به فهو حث عليه ذكره في المجموع قال والآية التي أخذنا بها أقرب إلى صفة الاستعاذة فكانت أولى اهـ، ويؤيده قول صاحب النشر إن الأول هو المختار لجميع القراء من حيث الرواية ثم نقل عن جمع أنهم حكوا الاتفاق عليه وعن السخاوي أنه الذي عليه إجماع الأمة وعن الحافظ أبي عمرو الداني أنه الذي أخذ به عامة الفقهاء كالشافعي وأبي حنيفة وأحمد وأنه الوارد عنه - صلى الله عليه وسلم - ثم نازع في دعوى الإجماع وحصر الوارد فيه وبين ذلك بما فيه فوائد. قوله: (أَعُوذُ بالله! إلخ) أعوذ لفظه لفظ الخبر ومعناه الدعاء قالوا وفي ذلك تحقيق الطلب كما في غفر الله لك بلفظ الماضي والباء للإلصاق وهو إلصاق معنوي لأنه لا يلصق شيء بالله تعالى

وابن ماجه، والبيهقي ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا بصفاته لكنه التصاق تخصيص لأنه خص الرب بالاستعاذة قال الإمام الرازي جاء الحمد لله ولله الحمد وتقدم المعمول يفيد الحصر فما الحكمة أنه جاء أعوذ بالله ولم يسمع باللهِ أعوذ قلنا إن الإتيان بلفظ التعوذ امتثال لأمره تعالى وقال بعضهم تقديم المعمول في الكلام تفنن وانبساط والتفنن فيه غير لائق لأنه لا يكون إلّا حالة خوف وقبض والحمد حالة شكر وتذكر إحسان ونعم اهـ. ذكره القسطلاني وسبق معنى الشيطان واشتقاقه في باب الذكر، والرجيم أي المرجوم بالطرد واللعن أو الذي يرجم به الغير بالإضلال والإغواء أو بمعنى فاعل لرجمه الغير بوسوسته. قوله: (وابن ماجة) وانفرد بزيادة الرجيم في وصف الشيطان وهي زيادة فيعمل بها صحابي الحديث جبير بن مطعم وذكر أوله الله أكبر كبيرًا الحمد لله كثيرًا سبحان الله وبحمده ثلاثًا ثلاثًا ثم ذكر التعوذ باللفظ المذكور هنا قال الحافظ والحديث حسن وللحديث شواهد من حديث ابن مسعود وأبي أمامة الباهلي وأبي سعيد الخدري رواه من حديث ابن مسعود ووقع فيها التصريح بأن التفسير للألفاظ المذكورة فيه مرفوع ولفظه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه قال وهمزه المؤتة ونفخه الكبر ونفثه الشعر، قال الحافظ بعد أن أخرجه من طريق آخر إلى عطاء بن السائب قلت وهو الراوي للطريق الأول عن أبي عبد الرحمن السلمي عن ابن مسعود ما لفظه حديث حسن أخرجه ابن ماجة وابن خزيمة وعطاء بن السائب وإن اختلط فحماد بن سلمة أبي الراوي عنه في الطريق الأول ممن سمع منه قبل الاختلاط إلّا أنه لم يقع في روايتنا من طريقه التصريح برفع الحديث فلذا توقفت عن تصحيحه اهـ. ورواه من حديث أبي أمامة الباهلي ولفظه كان - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة قال سبحانك إلى ولا إله غيرك ثم يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أخرجه أحمد ورجال إسناده ثقات إلا التابعي فإنه لم يسم وهذه الأحاديث فيها الاقتصار على قوله أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وأما زيادة السميع العليم فوقعت في حديث أبي سعيد الخدري رواه الترمذي والنسائي وهو حديث حسن وقول ابن خزيمة

وغيرها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال قبل القراءة في الصلاة: "أعُوذُ بالله مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيم مِنْ نَفْخِهِ وَنَفْثِهِ وَهَمْزِهِ". وفي رواية: "أعُوذُ بالله السمِيعِ العَلِيم مِنَ الشَّيطانِ الرجِيم مِنْ هَمْزِهِ ونَفْخِهِ ونَفْثِهِ" وجاء تفسيره في الحديث، أن همزه: المؤتة وهي الجنون، ونفخه: الكِبْر، ونفثه: الشِّعْرُ، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ عقب تخريجه أنه لم يسمع أحدًا من أهل العلم ولا بلغه عن أحد منهم أنه استعمل هذا الخبر على وجهه قال الحافظ لا يستلزم عدم نقل استعماله وانكاره عن أحد توهينه والعلم عند الله قال الحافظ وفي الباب عن عائشة أخرجه أبو داود في قصة فيها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ثم قرأ {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ} [النور: 11] الحديث اهـ. قوله: (وغيرها) رواه كذلك أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم وابن خزيمة وابن أبي شيبة والبيهقي في السنن الكبرى كلهم من حديث جبير. قوله: (وَفي روَايةٍ) أي عن أبي سعيد خرجها الثلاثة كما في الخلاصة للمصنف ومراده بالثلاثة أبو داود والترمذي والنسائي قال وممن ضعفه أحمد والترمذي ولفظ حديثه كان - صلى الله عليه وسلم - إذا قام يصلي بالليل كثر ثم قال سبحانك اللهم وبحمدك إلى ولا إله غيرك لا إله إلّا الله ثلاثًا ثم يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه ثم يقرأ وتقدم الكلام على مرتبته في كلام الحافظ آنفًا ثم استعاذته - صلى الله عليه وسلم - مما ذكر في الخبر الشريف مع أنه عصم منه إنما هو ليستلزم خوف الله تعالى وإعظامه والافتقار إليه وليقتدي به الأمة وليعين لهم صفة الدعاء والمهم منه. قوله: (وَجَاءَ فِي تفسيرِهِ فِي الحدِيثِ) أي رواه ابن ماجة عن عمر رضي الله عنه وتقدم في حديث ابن مسعود مرفوعًا. قوله: (الْمُؤْتَةُ) بضم الميم وهمزة مضمومة وقيل بلا همز وفتح الفوقية نوع من المجنون والصرع يعتري الإنسان فإذا أفاق عاد إليه كمال عقله كالسكران وقيل خنق الشيطان وقيل أرض بالشام قال أبو عبيدة المؤتة المجنون سماه همزًا لأنه حصل من الهمز والنخس وكل شيء دفعته فقد نخسته. قوله: (ونفخَهُ الكِبْرُ) أي لأنه ينفخ في الإنسان بوسوسته فيعظمه في عين نفسه ويحقر غيره عنده فيزدريه ويتعاظم عليه. قوله: (ونفثَهُ الشعْرُ) أي لأنه ينفثه من فيه كالرقية والمراد الشعر المذموم لخبر أبي داود إن من

فصل: اعلم أن التعوذ مستحب ليس بواجب، فلو تركه لم يأثم، ولا تبطل صلاته سواء تركه عمدًا أو سهوًا، ولا يسجد للسهو، وهو مستحب في جميع الصلوات، الفرائض والنوافل كلها، ويستحب في صلاة الجنازة على الأصح، ويستحب للقارئ خارج الصلاة بإجماع أيضًا. فصل: واعلم أن التعوذ مستحب في الركعة الأولى بالاتفاق، فإن لم يأت به في الأولى أتى به في الثانية، فإن لم يفعل ففيما بعدها، فلو تعوذ في الأولى، هل يستحب في الثانية؟ فيه وجهان لأصحابنا، أصحهما: أنه يستحب، لكنه في الأولى آكد، إذا تعوذ في الصلاة التي يسر فيها بالقراءة، أسر بالتعوذ، فإن تعوذ في التي يُجْهَر فيها بالقراءة، فهل يجهر؟ فيه خلاف، من أصحابنا من قال: يُسرُّ، وقال الجمهور: للشافعي في المسألة قولان. أحدهما: يستوي الجهر والإسرار، وهو نصه ـــــــــــــــــــــــــــــ الشعر حكمًا أي مواعظ وأمثالًا يتعظ بها الناس ومفهوم من التبعيضية أن منه ما ليس كذلك وفي البخاري إن من الشعر حكمة أي قولًا صادقًا مطابقًا للحق أيضًا وفي الأدب المفرد والشمائل أنه - صلى الله عليه وسلم - استنشد من الشريد من شعر أمية بن أبي الصلت فأنشده مائة قافية وبه يرد على من كره الشعر مطلقًا وحديث إن الشيطان لما أهبط إلى الأرض قال رب اجعل لي قرآنا قال قرآنك الشعر ضعيف وإن صح حمل على الإفراط فيه والإكثار منه. فصل قوله: (اعلم أَن التَّعوذَ مُستَحَبٌّ) قال في المجموع دليل الجمهور الآية واستدلوا بأحاديث ليست ثابتة. قوله: (لَوْ تركه لم يأثم) أي لكن يكره كما في المجموع عن نص الشافعي. قوله: (ويستحَبُّ فِي صلاةِ الجَنَازَةِ) وكذا يستحب في القيام الثاني من ركعتي الكسوف للفصل بين القراءتين. فصل قوله: (بالاتفاقِ) ولذا كان فيها آكد منه في باقي الركعات ولأن افتتاح قراءته إنما يكون فيها. قوله: (أَصحهما أَنه يستحب) أي للفصل بين القراءتين. قوله: (فإن تعوَّذَ فِي التي يُجْهَرُ فِيها بالقراءَةِ) الظرف الأول متعلق بتعوذ والأخيران بيجهر. قوله: (فِيهِ خِلافَ إلخ) قضية العبارة هنا أن الشيخ أبا حامد يصحح استحباب

باب القراءة بعد التعوذ

في "الأم". والثاني: يسنُّ الجهر، وهو نصه في "الإملاء". ومنهم من قال: فيه قولان. أحدهما: يجهر، صححه الشيخ أبو حامد الإسفراييني إمام أصحابنا العراقيين، وصاحبه المحاملي وغيرهما، وهو الذي كان يفعله أبو هريرة رضي الله عنه. وكان ابن عمر رضي الله عنهما يُسِرُّ، وهو الأصح عند جمهور أصحابنا، وهو المختار، والله أعلم. باب القراءة بعد التعوذ اعلم أن القراءة واجبة في الصلاة بالإجماع مع النصوص المتظاهرة، ومذهبنا ومذهب الجمهور، أن قراءة الفاتحة واجبة لا يجزئ غيرها لمن قدر عليها. ـــــــــــــــــــــــــــــ الجهر بالتعوذ سكت عن نقل ذلك عنه في الروضة وعبارتها ولا يجهر به في الصلاة السرية ولا في الجهرية أيضًا على الأظهر وعلى الثاني يستحب الجهر فيها كالتسمية والتأمين والثالث أنه يجهر بين الجهر والإسرار ولا ترجيح وقيل يستحب الإسرار قطعًا اهـ. لكن زاد فيها نقل قول باستحباب الإسرار قطعًا وتعقبه فيه في المهمات بأن الرافعي لم يحكه في الشرح وقضية كلامهم أنه خارجها يجهر به للفاتحة وغيرها وعليه أئمة القراء للاتباع ومحله إن كان ثم من يسمعه لينصت لئلا يفوته من المقروء شيء والتعوذ للقراءة خارج الصلاة سنة عين ثم محل التعوذ بعد الافتتاح إذا أرادهما فيفوت الافتتاح بالتعوذ والتعوذ بالشروع في القراءة. قوله: (وهو الذي كان يفعله أَبو هُرَيرَةَ) قال الحافظ أخرجه الشافعي في الأم من طريق صالح بن أبي صالح أنه سمع أبا هريرة وهو يؤم الناس رافعًا صوته يقول ربنا أننا نعوذ بك الشيطان الرجيم قال وكان ابن عمر يتعوذ سرًّا قال الشافعي وأيهما فعله الرجل أجزأه اهـ. باب القراءة بعد التعوذ قوله: (القِرَءَةَ واجبة) أي للأدلة الآتية وما ورد عن عمر وعلي رضي الله عنهما من عدم وجوب القراءة من أصلها ضعيف وقول زيد بن ثابت رضي الله عنه القراءة سنة

للحديث الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تُجْزِئُ صَلاةٌ لا يُقْرَأ فيها بِفاتِحَةِ الكِتَاب"، رواه ابن خزيمة وأبو حاتم بن حِبان، بكسر الحاء، في "صحيحيهما" بالإسناد الصحيح وحَكما بصحته. وفي "الصحيحين" عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ـــــــــــــــــــــــــــــ أي طريق متبعة وإن خالفت مقاييس العربية. قوله: (للحديثِ الصحيح) هو بهذا اللفظ من حديث أبي هريرة كما في الخلاصة قال رواه ابن خزيمة وابن حبان وصححاه ثم هذا اللفظ لشعبة واتفق غيره من رواة الخبر عن إيراده بلفظ كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج فهي خداج فهي خداج وفيه أن الراوي عن أبي هريرة قال فإني أكون أحيانًا وراء الإمام قال فأخذ بيدي فقال اقرأ بها في نفسك يا فارسي فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي الحديث رواه مسلم والبخاري في خلق أفعال العباد وأبو داود والنسائي والترمذي قال الحافظ فخالف شعبة جميع رواة الحديث في سياق المتن اهـ. وقال المصنف في الخلاصة بعد ذكر حديث الباب ما لفظه وقد ورد من حديث عبادة بن الصامت بهذا اللفظ لكن بإسقاط الباء من قوله بفاتحة ورواه الدارقطني وقال إسناده حسن وعدي القراءة بالباء في الرواية الأولى قيل على تضمين يقرأ معنى يبدأ ورد بأنه يلزمه بطلان صلاة من لم يبدأ بها وأتى بها بعد وهو باطل قيل والصواب أنها زائدة في المفعول للتأكيد. قوله: (رَوَاه ابْنُ خزَيمَةَ وابْنُ حِبانَ إلخ) ورواه الحاكم في مستدركه والدارقطني بإسناد حسن قال في المجموع ورجاله ثقات كلهم وقدمه على حديث الصحيحين الآتي ولذا قال بعض المحققين وبه يتعين حمل النفي في خبر الصحيحين على الأجزاء. قوله: (وفِي الصَّحِيحينِ إلخ) هو من حديث عبادة بن الصامت قال الحافظ لم أر هذا اللفظ في الصحيحين ولا في أحدهما والذي فيهما حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه بلفظ لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب أخرجاه جميعًا من رواية ابن عيينة عن الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت

"لا صَلاة إلا بِفاتِحَةِ الكتابِ". ويجب قراءة: بسم الله الرحمن الرحيم، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأخرجه مسلم لكن بلفظ بأم القرآن وفي لفظ آخر له لم يقرأ ويجاب بأن مراد المصنف في الصحيحين بهذا المعنى وإن لم يكن بخصوص هذا المبنى ومثله كثير في استعمال المحدثين، قال الحافظ ووقع لي الحديث أي حديث عبادة المذكور باللفظ الذي صدر به المصنف هذا الباب ثم أخرج عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت لا تجزئ صلاة من لم يقرأ بفاتحة الكتاب وقال هكذا أخرجه الإسماعيلي في مستخرجه على صحيح البخاري ورجاله حفاظ ثقات ورواه الدارقطني اهـ. وفي شرح العمدة للقلقشندي بعد إيراد حديث الصحيحين كما رواه المصنف ما لفظه وقد أخرجه مالك والشافعي وأحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهم والطبراني في الكبير والإسماعيلي وأبو عوانة والبرقاني وأبو نعيم في مستخرجاتهم والدارقطني والبيهقي في سننهما وغيرهم اهـ. قوله: (لَا صَلاةَ إلا بفاتحةِ الكتاب) وقع في بعض طرقه عند مسلم كما تقدم لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن ووقع عند الشافعي والحَميدي ويعقوب بن سفيان والبيهقي في آخره زيادة لفظة فيها وهي زيادة لفظ فصاعدًا وأعلها البخاري في كتاب القراءة خلف الإمام وقال ابن حبان تفرد بها معمر عن الزهري وهذا الخبر دليل وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة وبه قال جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم وهو مذهب مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وآخرين ووجه الاستدلال أنه نفي للحقيقة الشرعية لأن ألفاظ الشارع محمولة على عرفه فإنه بعث لبيان الشرعيات لا لبيان موضوع الألفاظ في اللغة والحقيقة الشرعية تنتفي بانتفاء جزئها وإن وجد ما يصدق عليه اسم الصلاة لغة وبه يندفع ما نقل عن الباقلاني وغيره من الأصوليين من التوقف وإن اللفظ مجمل من حيث أنه يدل على نفي الحقيقة وهي غير منفية فيحتاج إلى إضمار ولا سبيل إلى إضمار كل المحتملات لأن الإضمار إنما احتيج إليه للضرورة وهي تندفع بإضمار كل فرد كالكمال مثلًا ولأن إضمار الكل قد يتناقض كالكمال يقتضي إثبات الصحة والإجزاء يقتضي نفيها فيتعارضان وإذا تعين إضمار فرد فليس الإجزاء بأولى من الكمال ولا عكسه فتعين الإجمال وأجيب أيضًا بأن نفي الإجزاء أي نفي الصحة أقرب لكونه أقرب إلى نفي الحقيقة من نفي الكمال مع

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أن نفي الإجزاء يستلزم نفي الكمال ولا عكس ونفي الكمال خلاف الحقيقة والظاهر والسابق للفهم فكان إضمار الإجزاء متعينًا لا يقال الإجزاء يستعمل إثباتًا ونفيًا في غير الواجب ولا يثبت منه المقصود لأنا نقول محل ذلك فيما إذا لم تنف فيه العبادة بانتفاء بعضها أما في ذلك فلا يكون الإجزاء فيه إلا بمعنى الواجب أي لا بد للصحة منه وهذا غير محل الخلاف في الأصول في الموصوف بالإجزاء إثباتًا ونفيًا هل هو المطلوب أو الواجب الأرجح الأول وعلى الثاني يتم الاستدلال بالحديث السابق ويظهر قول أصحابنا إن الإجزاء لا يقال إلّا في الواجب وإن كان خلاف ترجيحهم إذ الحديث بناء على المخالف القائل أنه لا يوصف بالإجزاء إلَّا الواجب أول على ما قلناه وأبلغ في إلزامه هذا ومما يعين حمل الخبر على ما سبق خبر مسلم من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ثلاثًا غير تمام الحديث ولفعله - صلى الله عليه وسلم - كما في مسلم مع خبر صلوا كما رأيتموني أصلي ثم هي عندنا واجبة في كل ركعة قيل والحديث بناء على إطلاق الصلاة على الركعة يدل لذلك ويدل له خبر المسيء صلاته ثم افعل ذلك في صلاتك كلها وخبر مسلم إنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ الفاتحة في العصرين في الركعات كلها وهو مقدم على ما صح عن ابن عباس أنه لم يكن يقرأ فيهما لأنه نفى على أن رواة الأول وما بمعناه أكبر منه سنًّا وأقدم صحبة وأكثر احتياطًا وأيضًا قد صح أنه شك في ذلك فقال لا أدري أكان يقرأ في الظهر والعصر أم لا وغيره مع كثرتهم جزموا بالقراءة فكانوا أحق بالتقديم وفي حق المأموم وإن كانت الصلاة جهرية والمأموم يسمع واستدل له بعموم هذا الخبر ويدل لدخوله في هذا العموم ما صح بسند لا مطعن فيه وعنعنة راو فيه مدلس لا تضر لأنه صرح بالتحديث في طريق أخرى صحيحة أيضًا وممن صححه الترمذي والدارقطني والحاكم والبيهقي والخطابي وغيرهم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه كنا خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الفجر فثقلت عنه القراءة فلما فرغ قال لعلكم تقرأون خلفي قلنا نعم قال لا تفعلوا إلّا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها وأما خبر مسلم إذا قرأ فأنصتوا فمحمول على السورة جمعًا بين الأدلة. فائدة ذكر الثعلبي وغيره أن لفاتحة الكتاب عشرة أسماء أخر سورة الفاتحة وأم الكتاب وأم القرآن وقع تسميتها بهذا وما قبله في الصحيح وبه يرد على

وهي آية كاملة من أول الفاتحة، وتجب قراءة جميع الفاتحة بتشديداتها وهي أربع عشرة تشديدة: ثلاث في البسملة، والباقي بعدها، فإن أخل بتشديدة واحدة بطلت قراءته. ويجب أن يقرأها مرتبة متوالية، فإن ترك ترتيبها أو موالاتها، لم تصح قراءته، ويعذر في السكوت بقدر التنفس. ولو سجد المأموم مع الإمام للتلاوة، أو سمع تأمين الإمام فأمَّن لتأمينه، أو سأل الرحمة، أو استعاذ من النار ـــــــــــــــــــــــــــــ قوم كرهوا ذلك زاعمين أن أم الكتاب اسم اللوح المحفوظ وغلط قائله بأنه ورد ذلك في الخبر المرفوع في مسلم وغيره وأطلقا عليها لأنها مقدمة في المصحف وقيل لأن أصل القرآن منها بدئ وأم الشيء أصله والصلاة لحديث قسمت الصلاة إلخ، وسميت به لتوقف صحة الصلاة أو كمالها عليها والسجع المثاني لحديث الحمد لله السبع المثاني قيل سميت بذلك لأنها تثنى في كل صلاة وقال مجاهد سميت المثاني لأن الله تعالى استثناها لهذه الأمة وأدخرها لهم والوافية بالفاء أي لا تبعض بأن يقرأ بعضها في ركعة وباقيها في أخرى والكافية لأنها تكفي عن غيرها ولا يكفي غيرها عنها والأساس روي تسميتها به عن ابن عباس والشفاء لحديث مرفوع به والكنز والله أعلم. قوله: (وهي آية كاملةٌ مِنْ أَولِ الفاتحةِ) من فيه زائدة على مذهب الأخفش أو بيانية أو تبعيضية بناء على أن المراد بالأول الأول النسبي وكونها آية من أول الفاتحة باعتبار العمل لا باعتبار الاعتقاد وكذا هي عندنا آية من كل سورة غير براءة بالإجماع للأحاديث الصحيحة الدالة على ذلك. قوله: (فإِنْ أَخَلَّ بتشديدةٍ) ولو بأن قرأ الرحمن بفك الإدغام ولا نظر لكون أل لما ظهرت خلفت الشدة فلم يحذف شيء لأن ظهورها لحن فلم يمكن قيامه مقامها. قوله: (بطلَتْ قراءَتُهُ) أي لأن المشدد حرفان أولهما ساكن لا عكسه بل لو علم معنى إياك بالتخفيف من أنه ضوء الشمس وأتى به عمدًا كفر أو سهوًا أعاد القراءة وسجد للسهو. قوله: (مُرَتَّبةً) أي لأنه مناط الإعجاز ولذا وجب فيها خارج الصلاة أيضًا. قوله: (بِقدْرِ التنفسِ) وفي نسخة بقدر النفس وكذا سكتة الاستراحة والعي ثم هذا حد السكوت القصير الذي لا يضر في حصول الموالاة ما لم ينوبه قطع القراءة والتطويل بخلافه قاله المتولي والأكثرون ودل عليه كلام المجموع

لقراءة الإمام ما يقتضي ذلك، والمأموم في أثناء الفاتحة، لم تنقطع قراءته على أصح الوجهين، لأنه معذور. ـــــــــــــــــــــــــــــ قيل هو أولى من ضبط الروضة كأصلها كالإمام للطويل بما يشعر بقطع القراءة وإعراضه عنها مختارًا أو لعائق لما في المجموع وغيره عن الإمام أن السكوت للإعياء ونحوه لا يؤثر وإن طال لأنه معذور فإطلاقهما إن السكوت عمدًا العائق قاطع مخالف للنص المذكور ويستثنى من كلام الضابطين ما لو نسي آية فسكت طويلًا ليتذكرها فإنه لا يؤثر وإن طال فإن سكت المصلي طويلًا فإن كان ناسيًا أو جاهلا لم يضر لعذره أو عامد عالما ضر واستأنف القراءة. قوله: (لقراءَةِ الإِمامِ) وكقراءة الإمام فيما ذكر قراءة نفسه وأفهم كلام المصنف أنه لا يتعين لسؤاله ما ذكر من الرحمة ونحوها صيغة وهو كذلك لأنه لم يثبت فيه شيء فيأتي ما يناسب اللفظ المتلو وبما يتضمن امتثال ما مر نحو اللهم إني أسألك من فضلك الله من فضله وسبحان ربي العظيم فسبح باسم ربك العظيم قال الزركشي والمتجه إن الإمام يجهر بسؤال الرحمة والاستعاذة من العذاب أي في الجهرية بخلاف المأموم والمنفرد فإن أهمله الإمام فينبغي للمأموم أن يجهر بهما لينبه الإمام على قياس ما ذكروه في التأمين اهـ، وبما بحثه من ندب الجهر بذلك صرح في المجموع وجعله أصلًا مقيسًا عليه الجهر بالقنوت اهـ. ثم مثل سؤال الرحمة وما ذكر معه الاستغفار عند قوله: (استَغفِرُوا رَبَّكُم) [هود: 52] ولا يكفي إعادة الآية إلَّا أن صلح لفظها للاستغفار كقوله تعالى: {وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الممتحنة: 5] وقوله بلى وإنا على ذلك من الشاهدين عند آخر سورة التين وما في معناه والله أعلم. قوله: (لمْ تنقطع إلخ) جواب لو أي لا تنقطع القراءة لما ذكر وإن طال ذلك كما اقتضاه إطلاقهم لأنه لما ندب إليه لمصلحة الصلاة كان الاشتغال به عند عروض سببه غير مشعر بالإعراض وإن طال لكنه يسن له استئنافها كما في المجموع خروجًا من الخلاف واستئنافها قبل فراغها لا خلاف فيه كما حققه ابن الرفعة ونقله عن الأصحاب بخلاف كلها فقيل بأنه مبطل وفرق بأن تكرار كلها مشبه لتكرار الركوع بخلاف تكرار بعضها أما استئنافها بعد إكمالها فقيل يبنى على تقديم أقوى الخلافين إذا تعارضا بأن يكون فيه من صفات الترجيح المذكور في القضاء ما ليس في الآخر فإن استويا تخير أشار إليه في شرح

فصل: فإن لحن في الفاتحة لحنًا يخل المعنى، بطلت صلاته، وإن لم يخل المعنى صحت قراءته، فالذي يُخلُّه مثل أن يقول: أنعمت بضم التاء أو كسرها، أو يقول: إياك نعبد، بكسر الكاف، والذي لا يخل مثل أن يقول: رب العالمين، بضم الباء أو فتحها، أو يقول: نستعين، بفتح النون الثانية أو كسرها، ولو قال: ولا الضالين بالظاء بطلت صلاته على أرجح الوجهين، إلا أن يعجز عن الضاد بعد التعلم فبعذر. فصل: فإن لم يحسن الفاتحة قرأ بقدرها من غيرها، فإن لم يحسن شيئًا من القرآن ـــــــــــــــــــــــــــــ العباب. فصل قوله: (فِي الفَاتِحةِ) ظاهر سكوته عن غير الفاتحة إن اللحن المغير للمعنى لا يضر فيه مطلقًا وهو ما اقتضاه كلام المجموع والمنهاح وغيرهما لكن في شرح العباب الأوجه فيه التفصيل الذي في الفاتحة بين العدو فتبطل الصلاة وإلا فلا. قوله: (يُخلّ المَعْنى) أي يغير إلى معنى آخر. قوله: (بطَلَتْ صَلاتهُ) أي إن كان قادرا أو مقصرا عالمًا بالتحريم وإن لم يكن كذلك بطلت قراءته فإن طال الفصل استأنف الفاتحة وإلَّا أعادها على الصواب وكمل عليها ومثل ما ذكر إبدال الذال المعجمة في الذين دالا مهملة وكذا سائر إبدال حروف الفاتحة حتى إبدال ياء العالمين بواو مبطل للصلاة وبما يذكر يعلم إن الإبدال ليس من قبيل اللحن حتى يجري فيه التفصيل بين أن يغير المعنى فتبطل أولًا لأن في الإبدال تركًا لحرف من حروف الفاتحة بخلاف الحركات الإعرابية فإنما في إبدالها تغيير وصف للحرف وهو أخف. قوله: (بفتح النون الثانية أو كسرها) أما كسر النون أول الفعل فلغة لبني تميم قال البيضاوي وقرئ بكسر النون في الفعلين أي شاذا فحكم كسر النون الأولى بحكم القراءة بالشاذ اهـ. في له: (إِلَّا أَنْ يعجِزَ) بكسر الجيم على الأفصح وكذا إذا لم يكن فيه أهلية للتعلم فيعذر أي تصح صلاته لنفسه ولمن كان مثله في خصوص ذلك الحرف أو يقتدي به لا لقارئ لنقصه بالنسبة إليه. فصل قوله: (فإِنْ لَمْ يُحسنِ الفاتحَةَ) كلها أي بأن عجز عنها في الوقت لنحو ضيقه أو بلادة أو عدم معلم أو مصحف ولو عارية أو بأجرة مثل كتب وجدها فاضلة عما يعتبر في الفطرة. قوله: (قرأ بقدْرِها مِنْ غَيرِها) أي يقرأ سبع آيات ولا بد أن تكون بقدر

أتى من الأذكار كالتسبيح والتهليل ونحوهما ـــــــــــــــــــــــــــــ حروف الفاتحة في العدد ولا يعتبر أن يكون عدد حروف الآي فيها وفي الفاتحة متساويان قيل المعتجر تساوي مجموع حروف الآيات بمجموع حروف الفاتحة حروفها بالبسملة والتشديدات مائة وخمسة وعشرون حرفًا ولو بالإدغام خلافًا لبعضهم لأن غايته أنه يجعل المدغم مشددًا وهو حرفان من الفاتحة والبدل أما دون السبع فلا يجزئه وإن طال اتفاقًا لرعاية العدد فيها في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} [الحجر: 87] وقوله - صلى الله عليه وسلم - هي السبع المثاني وكذا ما نقص عن حروفها على الأصح وإنما أجزأ صوم يوم قصير عن طويل لعسر رعاية الساعات فرعاية العدد في آياتها آكد منه في حروفها للنص على الأول دون الثاني وقضية إطلاق المصنف الاكتفاء بسبع الآيات المتفرقة ولو مع حفظه المتوالية وهو ما صححه هو ونقله عن النص وجمع وبالعدد المذكور وإن لم تفد معنى منظومًا قال في المجموع والتنقيح المختار ما أطلقه الأصحاب أي من شمول ما ذكر من المتفرقة والمتوالية والمفيدة معنى أو لا قال الزركشي وهو ظاهر لأن ذلك لا يخرجه عن كون كل كلمة قرآنًا وإنما يجوز له الانتقال إلى الذكر عند عدم شيء من القرآن اهـ. وقال غيره أنه القياس كما يحرم على الجنب قراءة ذلك وإن لم يفد. قوله: (أَتى مِنَ الأذكارِ) أي سبعة أنواع منها لقوله - صلى الله عليه وسلم - إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله ثم تشهد وأقم ثم كبّر فإن كان معك قرآن فاقرأ به وإلَّا فأحمد الله وهلله وكبِّره رواه الترمذي وحسنه وليكون كل نوع مكان آية وقول الإمام لا تجب رعاية أنواعه ضعيف وإن رجحه ابن الرفعة واستبدل له بالحديث فإنه كالنص في عدم اعتبار سبعة أنواع اهـ، ويرد بأن ظاهر الحديث وجوب ثلاثة أنواع ولم يقل به الإمام فالحديث إذا ليس فيه متمسك لأحد المقالتين وقد صح أن ما قيل لكن بين في المجموع ضعفه أن رجلًا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال إني لا أستطيع أن أجد من القرآن شيئًا فعلمني ما يجزئني منه في صلاتي فقال قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلَّا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلَّا بالله العلي العظيم وهذا مشتمل على خمسة أنواع بل ستة والظاهر أنه كان يحفظ البسملة فهو على تقدير صحته دليل على اعتبار الأعداد فكان أولى بالاعتماد ومن ثم قال المصنف كالرافعي أنه

بقدر آيات الفاتحة، فإن لم يحسن شيئًا من الأذكار، وضاق الوقت عن التعلُّم، ـــــــــــــــــــــــــــــ أقرب تشبيهًا لمقاطع الأنواع بغايات الآي والأولى أن تضيف إلى الأنواع الخمسة في الحديث ما روي في بعض الأخبار ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن قاله ابن الرفعة وصاحب البيان وغيرهما ويجزئ ما ذكر من الذكر ولو بغير العربية كما في شرح العباب أي بشرط العجز عن العربية. قوله: (بقدْرِ آياتِ الفاتِحةِ) أي وحروفها وكان الاقتصار على الآيات لكونها منصوصًا عليها كما سبق أو لكون فيها الخلاف السابق بيانه قال الإمام ويجزئ عن الذكر سبعة أنواع من الدعاء المحض الأخروي وإن لم يعرف إلَّا ما يتعلق بالدنيا أجزأه الدنيوي اهـ، وهو متجه ومنازعة الأسنوي تبعًا للسبكي وابن عبد السلام بأن الشافعي نص على أنه لا يجزئ غير الذكر وليس الدعاء بذكر، لحديث من شغله ذكري عن مسألتي أجاب شيخ الإسلام زكريا عنها بحمله على ما إذا قدر على الذكر أو مراده بغير الذكر الدعاء المحض الدنيوي إذ الفاتحة نفسها مشتملة على الدعاء والدعاء الأخروي كافٍ اهـ، وناقشه تلميذه ابن حجر في شرح العباب بأن الحمل الأول تبع فيه بحث الأذرعي أنه لا يجزئ الدعاء للقادر على الذكر وفيه نظر بل الأوجه إجزاء الدعاء وإن قدر على الذكر وقوله والدعاء ليس بذكر ممنوع ولا دلالة في الحديث لأنه كما يدل عليه الاصطلاح الشرعي إن قوبل بالذكر كان غيره باعتبار وهو ما في الحديث وإلَّا شمله وهو ما في كلام الإمام الشافعي فاندفع ما ذكر اهـ، ويشترط ألا يقصد بالذكر والدعاء غير البدلية ولو معها فلو افتتح أو تعوذ بقصد السنة والبدل لم يكف وظاهر قول المصنف هنا "فإن لم يحسن شيئًا من القرآن الخ" أنه لو عرف بعض آية لم يجز له العدول إلى الأذكار وليس مرادًا بل حكم المسألة أنه إذا عرف آية كاملة أتى بها ثم إن لم يعرف شيئًا من الأذكار كرر الآية قدر حروف الفاتحة وإن عرف شيئًا من الأذكار فإن كانت الآية من أول الفاتحة أتى بها أولًا ثم بالذكر وإن كانت من آخرها بدأ بالذكر ثم أتى بالآية التي يحفظها من آخرها وكذا يأتي بالآية قبل الذكر إذا كانت من غير الفاتحة ثم يأتي بالذكر ولا يجزئه تكرارها لأنه إنما يكتفي به عند عدم حفظ شيء من الأذكار والله أعلم، ولو شرع في البدل وقدر

وقف بقدر القراءة ثم يركع، وتجزئه صلاتُه إن لم يكن فرَّط في التعلُّم، فإن كان فرَّط في التعلُّم، وجبت الإعادة، وعلى كل تقدير متى تمكن من التعلُّم وجب عليه تعلُّم الفاتحة أما إذا كان يحسن الفاتحة بالعجمية ولا يحسنها بالعربية، فلا يجوز له قراءتها بالعجمية، بل هو عاجز، فيأتي بالبدل على ما ذكرناه. ـــــــــــــــــــــــــــــ على الفاتحة بنحو تعلم لزمته إن كان قبل فراغها لا بعد. قوله: (وقفَ بقدرِ القراءَةِ ثُمّ الفاتحة) أي في ظنه لأنه واجب في نفسه وزعم المحب أنه يدل عن القراءة غير صحيح ولا يلزم هنا تحريك لسانه وكذا يلزمه القعود بقدر التشهد الأخير ويسن له الوقوف بقدر السورة والقنوت والقعود بقدر التشهد الأول ولو نسي الفاتحة فهل يقف لتذكرها وإن خرج الوقت أو إلى أن يضيق أو يقف بقدرها قال في شرح العباب احتمالات لي والمنقدح أنه يلزمه الوقوف لتذكرها ما دام يرجوه إلى أن يضيق الوقت ويعيد لندرة ذلك اهـ. قوله: (وتجزئُهُ صَلاته إلخ) لإتيانه بمقدوره من غير تقصير. قوله: (وَجَب عَليهِ تعلم الفاتِحةِ) ومثلها كل ذكر واجب من تكبيرة تحرم وتشهد فيجب تعلمه إن قدر عليه ولو بسفر أطاقه وإن طال كما اقتضاه إطلاقهم لأن ما لا يتم الواجب إلَّا به واجب وإنما لم يجب السفر للماء على فاقده لدوام نفع هذا بخلافه. قوله: (قراءَتُها بالعجميةِ) أي لأن الإعجاز مختص بالنظم العربي دون معناه ولقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [طه: 113] والعجمي ليس كذلك ومن ثم كان التحقيق امتناع وقوع المعرب في القرآن وما فيه مما يوهم ذلك من توافق اللغات فيه وللتعبد بلفظ القرآن وبه فارق وجوب الترجمة عن تكبيرة الإحرام وغيرها مما ليس بقرآن فإن ترجم عنه في الصلاة بطلت إن علم وإلَّا سجد للسهو سواء في ذلك القادر على العربية وغيره ومعنى (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] أي لأبلغه لمن بلغه ولو بنقل معناه إليه بالعجمية وخبر أنزل القرآن على سبعة أحرف دليل للمنع من الترجمة لاقتضائه المنع مما زاد على السبعة والترجمة كذلك وما ورد عن سلمان أنه كتب الفاتحة بالعجمية معناه أنه كتب تفسيرها لا ألفاظها قال الإمام ومن العجب قول المخالف لا تعطي الترجمة حكم القرآن بالنسبة إلى الجنب بل بالنسبة للصلاة التي مبناها على التعبد والاتباع كذا في الإيعاب.

فصل: ثم بعد الفاتحة يقرأ سورة أو بعض سورة؛ وذلك سُنَّة، لو تركه صحت صلاته ولا يسجد للسهو، وسواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة، ولا يستحب قراءة السورة في صلاة الجنازة على أصح الوجهين، لأنها مبنية على التخفيف، ثم هو بالخيار، إن شاء قرأ سورة، ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل قوله: (أَوْ بعضَ سورةٍ) أي فتتأدى السنة ببعض السورة ولو آية والأولى ثلاث آيات كما نص عليه في الأم ليكون كأقصر سورة وخروجًا من خلاف من أوجب الثلاثة قيل ودليله قوي إذ لم يحفظ عنه - صلى الله عليه وسلم - النقص عنها ويجاب بحمل ذلك على التأكد لا الوجوب لما صح من قوله - صلى الله عليه وسلم - أم القرآن عوض عن غيرها وليس غيرها عوضًا عنها وظاهر قولهم ولو آية أنه إن قرأ معظم آية الدين لم يحصل له أصل السنة وفيه وقفه وللأذرعي في بعض الآية احتمالان إن أفاد قال في شرح العباب الأوجه حصول السنة به وعموم قوله هنا أو بعض سورة وقوله في المجموع ويحصل أصل الاستحباب بقراءة شيءٍ من القرآن يشملان ما استوجهه بل قال رأيت المجموع صرح بذلك ووجهه أن ما شمله عموم الكلام الأصل بقاؤه على ذلك حتى يقوم ما يخالفه ثم قال وظاهر أنه في المفيد إذ القصد بالسورة التدبر وهو لا يحصل بغير المفيد ولو قرأ البسملة حصل السنة لأنها آية من كل سورة ولا فرق بين أن يقصد كونها غير التي في الفاتحة أو يطلق لأنها لا تكون من الفاتحة حينئذٍ كما هو ظاهر فينبغي حصول السنة بذلك اهـ. قوله: (وذلك سنة) قال الحافظ وفيه حديث أبي قتادة كان - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الأولتين بفاتحة الكتاب وسورة الحديد وحديث زيد بن ثابت في الأعراف في الركعتين كلتيهما وسيأتي تخريجهما في الفصل الذي يليه بما حاصله أن حديث أبي قتادة أخرجه .. وحديث زيد بن ثابت أخرجه هكذا ابن خزيمة والحاكم قال ورد في الاكتفاء بالفاتحة حديث ابن عباس إن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى ركعتين قرأ فيها بأم القرآن لم يزد عليها حديث حسن أخرجه أحمد والبيهقي واختلف في الراوي عن ابن عباس فعند أحمد والبيهقي عن شهر بن حوشب عن ابن عباس وعند البيهقي من وجه

وإن شاء قرأ بعض سورة، والسورة القصيرة أفضل من قدرها من الطويلة. ـــــــــــــــــــــــــــــ آخر عن عكرمة عن ابن عباس قال والأول أولى وجاء في الاكتفاء بالفاتحة حديث أبي هريرة قال في كل صلاة قراءة فما أسمعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسمعناكم وما أخفى عنا أخفينا عنكم وإن لم يزد على أم القرآن أجزأت ومن زاد فهو أفضل حديث صحيح أخرجه أحمد ومسلم اهـ. قوله: (وإِنْ شَاءَ قرأ بعضَ سورَةٍ) أي ولو بعض آية مفيد كما تقدم. قوله: (وَالسورة القصيرةُ أَفضلُ مِنْ قدرِها مِنَ الطّويلةِ) هذا ما جرى عليه المصنف في الروضة والمجموع والتحقيق وجرى عليه السبكي وابن دقيق العيد قيل وهو القياس لما صح أن كل حرف بعشرة وعلله في المجموع بأن الوقف على آخرها صحيح بالقطع أي ومثله الابتداء بخلافهما في بعض السورة فإنهما قد يخفيان لكن صرح المتولي والبغوي بأن السورة الكاملة أفضل من البعض وإن طال كالتضحية بشاة فإنها أفضل من المشاركة في بدنة قيل وهو قضية إطلاق الأكثرين وجزم به الأنوار واقتضاه كلام الرافعي في شرحيه واعتمده الأسنوي قال ولا استبعاد في أن قراءة الكوثر مثلًا أفضل في الصلاة بخصوصها أو أكثر أجرًا من معظم قراءة البقرة فقد يكون الثواب المرتب على قراءة السورة الكاملة في الصلاة أفضل والزركشي أجاب كالأذرعي عن الاستبعاد المذكور بأن المأخذ التأسي والغالب من قراءته - صلى الله عليه وسلم - السورة التامة زاد الزركشي فإن في التأسي ما يزيد على المضاعفة ولم ينقل عنه - صلى الله عليه وسلم - قراءة السورة الكاملة ولم ينقل التفريق إلَّا في المغرب قرأ فيها الأعراف في ركعتين وركعتي الفجر قرأ بآيتي البقرة وآل عمران وتعليل المجموع يقتضي أنه لو عرف المواقف لا تكون القصيرة أفضل وفيه نظر اهـ، ويوجه النظر بما تقر أن الملحظ في التفصيل ليس إلَّا الاتباع لا غير والتعليل المذكور إنما هو كالحكمة له وحينئذٍ فلا نظر لما يفهمه وقال ابن السبكي يظهر أن الأطول أفضل من حيث الطول والسورة أفضل من حيث أنها سورة كاملة وذكر أبو زرعة مثله وزاد ولكل منهما ترجيح من وجه اهـ، وعليه فقد يجاب عن القياس على مسألة التضحية السابقة بأن إراقة الدم قربة مستقلة في نفسها ولم توجد في المشاركة على أن الأذرعي قال الظاهر أن محل الأولوية إذا شارك بربع البدنة بدلًا

ويستحب أن يقرأ السورة على ترتيب المصحف، فيقرأ في الثانية ـــــــــــــــــــــــــــــ عن الشاة لا مطلقًا فعلى تسليمه ينتفي القياس من أصله ومن نذر قراءة بعض سورة طويلة لم تكف قراءة سورة قصيرة عنه وإن قلنا أنها أفضل على الأوجه كمن نذر التصدق بفضة لا يجزئه التصدق بالذهب ومحل الخلاف في غير التراويح أما هي فالبعض المعروف فيها وهو التجزئة حتى يختم القرآن جميعه أولى من سورة قصيرة كما أفتى به ابن عبد السلام وابن الصلاح وغيرهما وعللوه بأن السنة القيام فيها بجميع القرآن واعتمده الأسنوي وغيره قال الزركشي وغيره ويقاس بذلك كل ما ورد فيه الأمر ببعض معين كآية البقرة وآل عمران في ركعتي الفجر فالاقتصار عليهما أفضل من سورتين طويلتين اهـ. وأفتى البلقيني بأن من قرأ سورة في ركعتين إن فرقها لعذر كمرض حصل له ثواب السورة كاملة قال وقد صح أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأ بالأعراف في أولى المغرب وذلك لبيان الحد في المد ومثله يقتضي إثبات الأجرة بقراءة السورة التي هي ثلاث آيات أو أربع فتفريقها خلاف السنة فلا يثاب عليه ثواب سورة كاملة بخلاف السورة الطويلة فإن التفريق قد يكون مطلوبًا فيها كما قدمناه اهـ. قوله: (وَيُستحَبُّ أَنْ يَقرأَ السورةَ عَلَى ترتيب المُصحَفِ) وفي نسخة صحيحة جدًّا أن يقرأ السورة على ترتيبها في المصحف قال الحافظ لم أقف على دليل ذلك ولعله يؤخذ من الخروج من خلاف من أوجبه اهـ، وقد علل الأصحاب ذلك بأنه إذا كان الترتيب توقيفًا وهو ما عليه جماعة فواضح أو اجتهاديًّا وهو ما عليه الجمهور فقد وقع إجماع الصحابة فمن بعدهم عليه وقراءته - صلى الله عليه وسلم - في صلاة بالنساء عقب البقرة ثم آل عمران لبيان الجواز وقال ابن النقيب لأن آل عمران كانت مؤخرة قال ابن حجر الهيتمي وهو إن ثبت ما يدل له حسن وإلا فالأحسن أنه لبيان الجواز أما ترتيب أي كل سورة فتوقيفي من الله تعالى بلا خلاف. قوله: (وتكونُ تَلِيها) أي تكون السورة المقروءة في الركعة عقب المقروءة في الأولى وتلوها في المصحف من غير فاصل لكنه خصه الأذرعي بحثًا بغير ما جاءت السنة فيه بخلافه كصبح الجمعة وبما إذا لم تكن التي تليها أطول كالأنفال وبراءة لئلا تطول الثانية على الأولى وهو خلاف السنة اهـ. قوله: (فيقرأُ فِي الثانيةِ

سورة بعد السورة الأولى، وتكون تليها، فلو خالف هذا جاز، والسُّنَّة أن تكون السورة بعد الفاتحة، فلو قرأها قبل الفاتحة، لم تحسب له قراءة السورة. واعلم أن ما ذكرناه من استحباب السورة هو للإمام والمنفرد، وللمأموم فيما يسرُّ به الإمام أما ما يجهر به الإمام، فلا يزيد المأموم فيه على الفاتحة إن سمع قراءة الإمام، ـــــــــــــــــــــــــــــ سورةَ بَعْدَ السورة الأولى) أي فإن قرأ في الأولى سورة الناس قرأ في الثانية أول البقرة كذا في المجموع عن الأصحاب وقضية قوله أول البقرة أنه لا يقرؤها بكمالها بل بعضها ويلزم فوات كمال السورة في الثانية ولو قيل بإكمالها لزم عليه تطويل الثانية على الأولى وهو خلاف السنة اهـ. وأجيب بأن القصد التمثيل لبيان الترتيب مع التوالي وإن فات بسببه سنة أخرى. قوله: (فَلَوْ خَالفَ هذا جازَ) أي ولو كان خلاف الأولى وفي التبيان للمصنف وكان مرتكبا مكروهًا وهو منكوس القلب قال الحافظ ولم أقف على دليل ذلك ولعله يؤخذ من الخروج من خلاف من أوجبه اهـ. قوله: (والسنة أَنْ تَكونَ السورَةُ إلخ) قال الحافظ لم أقف على دليل ذلك ولعله يؤخذ من حديث كان يفتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين. قوله: (أما مَا يجهرُ بهِ الإمامُ) أي لحديث عبادة بن الصامت الأنصاري قال صلى بنا النبي - صلى الله عليه وسلم - الصبح فثقلت عليه القراءة فلما انصرف من الصلاة أقبل علينا بوجهه فقال إني لأراكم تقرؤوا خلف إمامكم إذا جهر قالوا إنا لنفعل ذلك قال لا تفعلوا إلَّا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الإمام وغيره حديث حسن أخرجه أبو داود والترمذي وابن خزيمة والدارقطني وغيرهم وأخرجه النسائي من حديث عبادة بن الصامت من طريق أخرى وفيها قصة لعبادة وفي آخر الحديث لا يقر أن أحد منكم إذا جهرت إلّا بأم القرآن وللحديث شاهد من حديث أنس أخرجه ابن حبان في صحيحه عن أبي يعلى وهو في مسنده من رواية أيوب عن أبي قلابة عنه وهو في مسند أحمد وجه القراءة خلف الإمام للبخاري من رواية خالد الحذاء عن أبي قلابة عن محمد بن أبي عائشة عمن شهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره قال ابن حبان الطريقان محفوظان وقال البيهقي المحفوظ رواية خالد الحذاء وكذا قال غيره. قوله: (فَلَا يَزيدُ المأْمومُ إلخ) قال تعالى: ({وَإِذَا قُرِئَ

فإن لم يسمعها أو سمع هينمة لا يفهمها، استحبت له السورة على الأصح بحيث لا يشوش على غيره. ـــــــــــــــــــــــــــــ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَه} [الأعراف: 204] ولما صح من النهي عن قراءتها قال ابن حجر الهيتمي ومنه يؤخذ كراهتها له كما رأيته منقولًا عن التحقيق اهـ. قوله: (فإِنْ لَمْ يَسْمعْه إلخ) قال الحافظ يؤخذ ذلك من مفهوم النهي عن القراءة إذا جهر الإمام اهـ. قوله: (هَمهمةَ) بالهاء المفتوحة فالتحتية الساكنة فالميم بعدها هكذا في النسخ المصححة وفي نسخة (همهمة) بهاء وميم مكررين آخرها هاء وفي النهاية الهينمة الكلام الخفي الذي لا يفهم والياء زائدة ومنه حديث الطفيل بن عمرو وهينم في المقام أي قرأ فيه قراءة خفية وفيها الهمهمة الكلام الخفي الذي لا يفهم وأصلها صوت البقر اهـ، والمراد إذا لم يميز ما يقرؤه الإمام ولو بأن يسمع صوتًا لا يميز حروفه فيسن له قراءة السورة حينئذٍ وقضية قوله فيما يسر به الإمام أن ما يجهر به الإمام لا يقرأ فيه المأموم السورة لكن هل العبرة حينئذٍ بالمفعول دون المشروع فيما لو جهر في محل الإسرار أو عكس وهو الذي تقتضجه عبارة الروضة وصرح به في المجموع فيترك السورة في الأول دون الثاني اعتبارًا بفعل الإمام أو بالمشروع دون المفعول وهو الذي تقتضيه عبارة المنهاج فيقرأ في السرية وإن جهر الإمام فيها لا عكسه وجرى عليه في العباب فقال خلافًا للروضة قال شارحه والمعتمد مقابله احترامًا للإمام وإن أساء ألا ترى أنه لو أساء وقام عن التشهد الأول مثلًا اعتبر فعله ولزم المأموم متابعته فكذا هنا يعتبر فعله بالأولى وإنما فعل جلسة الاستراحة وإن تركه إمامه لخفتها ويفرق بينها وبين ما نحن فيه بأن جهره مع إسراره أو عكسه فيه ظهور مخالفته له مع استوائهما في الركن الواحد ولا كذلك جلوسه يسيرًا لها ثم متابعته ويفرق بين هذا وبين ما في المجموع لو ترك الإمام الدعاء المناسب لما قرأه سن للمأموم أن يأتي به جهرًا ليسمعه فيأتي مثله ومثله التامين كما سيأتي بأن في ذينك ترك الشيء من أصله وما كان كذلك ففعل الإمام فيه غير معتجر إلَّا أن تفحش المخالفة كما مر في التشهد الأول وما نحن فيه إنما فيه ترك مجرد صفة فيعتبر فعله فيه لأنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في غيره اهـ. قوله: (بحيث لَا يُشوِّشُ) وفي نسخة صحيحة يهوش بهاء

فصل: السنة أن تكون السورة في الصبح والظهر من طوال المفصل، وفي العصر ـــــــــــــــــــــــــــــ بدل الشين المعجمة الأولى وفي النهاية النهوش. فصل قوله: (من طوال المفصل) في الروضة وغيرها يسن نقص الظهر عن الصبح بأن يقرأ فيها قرب طواله لأن النشاط في الصبح أتم وعبارة المنهاج مثل عبارة الأذكار ولا منافاة بين عبارتيهما وبين عبارة الروضة لأن السنة فيها الطوال لكن يتحرى للصبح أطول مما يتحراه للظهر اتباعًا لما صح عنه، لحديث أبي برزة الطويل في الصحيحين في بيان المواقيت وكان ينصرف من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه ويقرأ فيها بالستين إلى المائة، ولحديث جابر بن سمرة كان - صلى الله عليه وسلم - يصلي الغداة بنحو صلاتكم التي تصلون اليوم ولكنه كان يخفف الصلاة وكان يقرأ فيها بالواقعة ونحوها من السورة هذا حديث صحيح أخرجه أحمد والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه قال الحافظ بل أخرجه عنه لكن ما سمي الواقعة بل غيرها، ولحديث قطبة بن مالك صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الصبح فقرأ {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} [ق: 10] قال الحافظ حديث صحيح أخرجه مسلم وله شاهد من حديث أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت ما أخذت ق والقرآن المجيد إلَّا من قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الصبح أخرجه النسائي بهذا اللفظ وهو في صحيح مسلم لكن بلفظ يقرأ فيها في خطبة الجمعة ولحديث الأغر المزني قال صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقرأ سورة الروم في الصبح قال الحافظ حديث حسن أخرجه أحمد إلَّا أنه لم يسم الصحابي وقال عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وسائر رجاله من رجال الصحيح وهذا الحديث يدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان ربما قرأ في الصبح غير المفصل وقد جاء من حديث عبد الله بن السائب أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى الصبح فافتتح سورة قد أفلح لحديث الآتي في قراءة بعض السورة وجاء من حديث جابر بن سمرة أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأ في الصبح بيس وجاء أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأ في الصبحِ بأوساط المفصل ففي حديث عمرو بن حريث أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في صلاة الصبح {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)} [التكوير: 1] حديث صحيح أخرجه أحمد والنسائي وعند أبي داود عن عمرو بن حريث صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الغداة فكأني أسمع صوته {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16)} [التكوير: 15 - 16]، قال وذهب بي أبي إليه، ولحديث ابن عمر إن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم الفجر فقرأ ({قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} [الكافرون: 1] (قُل هُوَ اللَّهُ أَحَد) [الإخلاص: 1] رجاله ثقات إلَّا واحدًا ففيه ضعف وكأنه وهم في قوله بهم فإن الثابت أنه كان يقرأ بهما في ركعتي الفجر كما سيأتي، ولحديث معاذ بن عبد الله الجهني أن رجلًا من جهينه أخبره أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الصبح إذا زلزلت في الركعتين كلتيهما فلا أدري أنسي - صلى الله عليه وسلم - أم فعله عمدًا أخرجه أبو داود ورواته موثقون قال وما ورد من قراءته - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الصبح بقصار المفصل يحمل على بيان الجواز وخففه للسفر المناسب فيه التخفيف كما جاء ذلك في بعض طرق حديث عقبة بن عامر أو لأمر اقتضاه ففي حديث أبي قتادة عند البخاري عنه - صلى الله عليه وسلم - قال إني لأدخل الصلاة وأنا أريد إطالتها فأتجوز كراهية إن أشق على أمه أورده الحافظ وبنحو ذلك أجاب عما ورد من قراءته - صلى الله عليه وسلم - بأوساط المفصل في صلاة الظهر قال في المطلع طوال بكسر الطاء لا غير جمع طويل وبضمها الرجل الطويل وبفتحها المدة وذكره أبو عبد الله بن مالك في مثلثته اهـ. وقال ابن حجر في شرح العباب بكسر الطاء وبضمها مع تشديد الواو والمفصل أوله الحجرات على الأصح من عشرة أقوال فيه قال في الإمداد وقد جمعتها في بيتين مع بيان الراجح وزيادة حديث يؤذن بشأن المفصل فقلت: مفصل حجرات وقيل قتالها ... فياسين ملك ثم فتح وجاثيه فقاف ضحى صف وسبح عاشر ... وجاء وأعطيت المفصل نافله وفي شرح الترمذي للحافظ العراقي ومن خطه نقلت اختلفوا في سبب تسمية الجزء السابع من القرآن بالمفصل على أقوال أحدها لكثرة الفصل فيه بين السور لقصرها والثاني للفصل بين كل سورتين ببسم الله الرحمن الرحيم والثالث لأحكامه وقلة المنسوخ فيه حكاها القاضي عياض في المشارق والرابع لكثرة آياته والخامس لانفصاله عن الأسباع الستة التي قبله وعدم اتصال غيره به. فائدة المفصل مما اختص به نبينا - صلى الله عليه وسلم - ففي حديث أبي نعيم وأعطيت خواتيم سورة البقرة من كنوز العرش وخصصت به دون الأنبياء وأعطيت المثاني مكان التوراة والمبين مكان الإنجيل والحواميم مكان الزبور وفضلت بالمفصل والمراد بالمثاني الفاتحة وقد ذكر الحافظ مستند ما ذكره المصنف من استحباب ما لكل من الصلوات

والعشاء من أوساط المفصل، وفي المغرب من قصار المفصل، ـــــــــــــــــــــــــــــ من الأحاديث في محله وأطال في بيانه فليراجعه من أراده بقوله: (وفِي المغرب إلخ) قال الحافظ لم أر حديثًا صحيحًا صريحًا في أن المغرب يقرأ فيها بقصار المفصل بل الوارد في الأحاديث الصحيحة أنه قرأ فيها بطوال المفصل كالطور وبالمرسلات وبأطول منهما كالدخان وبأطول من ذلك أضعافًا كالأعراف وأقوى ما رأيت في ذلك حديث أبي هريرة قلت قال الحافظ في محل إخراجه حديث صحيح لكن سياقه ليس نصًّا في رفعه أخرجه النسائي وابن ماجة عن سليمان بن يسار عن أبي هريرة قال ما صليت وراء إمام أشبه صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فلان قال سليمان وكان يطيل الركعتين الأولتين وكان يقرأ في العصر والعشاء بأوساط المفصل وفي المغرب بقصار المفصل وقد أنكر زيد بن ثابت على مروان قراءته في المغرب بقصار المفصل والمرفوع من الحديث تشبيه أبي هريرة صلاة ذلك الأمير بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما عداه موقوف إن كان الأمير صحابيًّا أو مقطوع إن لم يكن فلم يصب من عزا إلى أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في المغرب بقصار المفصل كما وقع للطحاوي فإن أبا هريرة لم يتلفظ بقوله كان - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب إلخ، إنما تلفظ بالتشبيه وهو لا يستلزم المساواة في جميع صفات الصلاة والله أعلم اهـ. وإنكار زيد على مروان سيأتي بيانه بقوله: (أَوساطِ المفصَّلِ) قال في المطلع جمع وسط بالتحريك بين القصار والطوال قال الجوهري شيء وسط بين الجيد والرديء وقال الواحدي الوسط اسم لما بين طرفي الشيء بقوله: (قِصارِ المفَصَّل) قال في المطلع بكسر القاف جمع قصير ككريم وكرام وفي المهمات للأسنوي طوال المفصل كالحجرات واقتربت وأوساطه كالشمس وضحاها والليل إذا يغشى وقصاره معروفة وقال ابن معين في التنقيب طواله إلى عم ومنها إلى الضحى أوساطه ومن الضحى إلى آخر القرآن قصاره اهـ، ونظر فيه الأذرعي ثم

فإن كان إمامًا خفف عن ذلك إلا أن يعلم أن المأمومين يؤثرون التطويل. والسُّنة: أن يقرأ في الركعة الأولى من صلاة الصبح يوم الجمعة سورة "الم ـــــــــــــــــــــــــــــ قال بل طواله كقاف والمرسلات وأوساطه بالجمعة والمنافقون وقصاره سورتي الإخلاص ونحوها وقال العراقي لا أدري من أين لابن معين هذا التحديد وقد مثل الترمذي أوساطه بالمنافقون وجاء في بعض الأخبار الصحيحة ما يقتضي أن الضحى واقرأ باسم ربك من الأوساط ولا شك أن الأوسط مختلف كالطوال والقصار اهـ، وعبارة ابن الرفعة وطواله كقاف والمرسلات وأوساطه كالجمعة وقصاره كسورة الإخلاص قال البندنيجي وغيره وقيل قل هو الله أحد من أقصره وقصاره نحو العاديات وبهذه العبارة وما قبلها يعلم أن المنقول خلاف ما قاله ابن معين قال شيخ الإسلام زكريا عقب كلام ابن معين وفيه نظر قال العلماء واختلاف قدر القراءة فيها كان بحسب الأحوال فكان - صلى الله عليه وسلم - إذا علم من حالهم إيثار التطويل طول وإلا خفف قال جمع وألحقت الظهر بالصبح والعصر بالعشاء لأنهما سريتان ولم يثبت ما كان - صلى الله عليه وسلم - يقرؤه فيهما اهـ. قال في شرح العباب وهو فاسد لثبوته والظاهر أن حكمة ذلك أن النشاط والفراغ في الصبح أكثر ثم في الظهر أما العصر فيقارنها سآمة الاشتغال ومعاناة الأنقال فلم تلحق بذينك وكانت العشاء مثلها لميل النفس إلى الدعة والراحة ولقصر وقت المغرب مع الاشتغال فيه بالعشاء ومقدماته كانت أقصرهن قراءة قال ثم رأيت عن الإمام التصريح ببعض ذلك اهـ. قوله: (فإِنْ كانَ إِمامًا خَفَّفَ عَنْ ذَلِك إِلا أَن يعلَم أَن المأْمُومِينَ) أي المحصورين ممن لم يتعلق بعينهم حق ولم يطرأ غيرهم وإن قل حضوره ولم يكن المسجد مطروقًا يرضون بالتطويل والتقييد بإمام المحصورين الراضين هو ما في التحقيق والمجموع وشرح مسلم وهو ظاهر فقد نص عليه الشافعي فقال ما حاصله ولو زاد على أقصر سورة كإنا أعطيناك كان أحب إلي ما لم يكن إمامًا فيثقل اهـ. وفي المجموع عن الأصحاب لا يزيد الإمام على ثلاث تسبيحات في الركوع ولا على سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد في الاعتدال إلّا إن أم محصورين راضين وهو صريح فيما ذكر أما ما جزم به ابن الرفعة نقلًا عن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القاضي وغيره من ندب طواله وأوساطه فيما ذكر للإمام مطلقًا ضعيف وإن أطال الأذرعي في الانتصار له ونقله عن جمع وأنه لم ير الأول لغير النووي وإن عبارات الأئمة ترد عليه وإن محل الكراهة فيما وراء طواله قال وقد يفهم كلامهم أنه لو طول المنفرد وامام الراضين على ما ذكر يكون تاركًا للسنة وهو بعيد والظاهر أنهم أرادوا أن الأكمل ألا ينقص عن ذلك لا ما يتبادر من التحديد ويوافقه قول الشافعي لا أكره في المغرب الطوال بل أستحسنه للخبر الذي رواه مالك نقله عن الترمذي والبغوي في شرح السنة وأشار إلى ما صح أنه قرأ فيها مرة بالأعراف ومرة بالطور ومرة بالمرسلات وتأويله بأن المراد إنه قرأ فيها بالآيات التي يذكر فيها ذلك بعيد لا يلتفت إليه وقد صح أنه قرأ فيها مرة بالصافات ومرة بحم الدخان قال الزركشي نعم المداومة على قصار المفصل كما اعتيد ليس بمسنون ولذا لما اخترعه مروان أنكر عليه زيد بن ثابت بقراءته - صلى الله عليه وسلم - فيها بالأعراف اهـ. قال البلقيني ويطيل المنفرد ما شاء كما صح به الحديث حتى في المغرب فالتطويل الذي لا ضرر فيه ولا خلل في العبادة أفضل في المنفرد، وفي الكفاية كالشامل نقلًا عن الأصحاب لو قرأ الإمام والمنفرد في الصبح والظهر قصار المفصل أو أوساطه لم يكن خارجًا عن السنة لأنه - صلى الله عليه وسلم - قرأ فيهما بذلك ومنه أنه قرأ في الصبح فإذا زلزلت أي كما تقدم من حديث أبي داود برجال موثقين والمراد امام من ذكر، ولا يعارض ما ذكر في القصار ما رواه الطبراني بسند حسن أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لا يقرأ في الصبح بدون عشرين آية ولا يقرأ في العشاء بدون عشر آيات لإمكان حمله على شأن الأكمل مما دونه جمعا بين الأخبار قال الغزالي والشيخ أبو حامد وغيرهما واعتمده المتأخرون ويسن للمسافر في الصبح أن يقرأ بسورة الإخلاص وأورد فيه حديثًا قلت هو من حديث عقبة بن عامر رواه الطبراني في الكبير في سنده ضعيفان قال الأذرعي وفي مسند أحمد إنه - صلى الله عليه وسلم - قرأ في صلاة الفجر في السفر بالمعوذتين ثم قال ولا شبه أن التخفيف في السفر لا يختص به الصبح بل يعم سائر الصلوات لأن السفر مظنة التخفيف وتبعه الزركشي ونقله عن صريح مقتضى كلام الرافعي في شرح المسند وهو ظاهر وعليه فالظاهر إنه لا فرق بين طويل السفر وقصيره ولا بين النازل والسائر والمنفرد الإمام كما اقتضاه كلام الرافعي وقول الأذرعي يحتمل الفرق بين النازل وغيره فيه نظر كذا في شرح

تنزيل" السجدة، وفي الثانية: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} [الإنسان: 1] ويقرأهما بكمالهما، وأما ما يفعله بعض الناس من الاقتصار على بعضهما، فخلاف السنة، ـــــــــــــــــــــــــــــ العباب. قوله: (تنزيلُ) بضم اللام على الحكاية. قوله: (السجدة) بالجر صفة أو بالرفع أو النصب على القطع بتقدير هو أو أعني وهو صفة موضحة. قوله: (بكمالِهما) وذلك للاتباع رواه الشيخان وأخرجه البخاري في أبواب سجود القرآن وبه يندفع قول المزي نقلًا عن ابن عساكر إنه لم يجد طريق محمد بن يوسف في البخاري ولا ذكره أبو مسعود في الأطراف وأقره عليه المزني وأخرج الخبر ابن حبان وأصحاب السنن الأربعة كلهم من حديث ابن عباس قال الترمذي وفي الباب عن سعد وابن مسعود وأبي هريرة قال الحافظ وفي بعض طرقه حديث ابن مسعود بزيادة يديم ذلك قال بعد تخريجه حديث حسن وللزيادة شاهد من حديث ابن عباس بلفظ كل جمعة أخرجه الطبراني في الكبير قال وروينا في المعجم الأوسط للطبراني عن علي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجد في الصبح يوم الجمعة في الم تنزيل وهذه زيادة حسنة تدفع احتمال أن يكون قرأ السورة ولم يسجد اهـ، والخبر صحيح كما في شرح العباب لابن حجر لكن في التوشيح للسيوطي نقلًا عن الحافظ أن سنده ضعيف ولعل ضعفه مما ينجبر وتعددت طرقه فكانت صحته لغيره وعليه يحمل قول من صححه وظاهر أن المراد بالصحة حينئذٍ الحسن للغير لمشاركة ذلك للصحيح في القبول والعمل بالمدلول والله أعلم، وحكمة قراءتهما اشتمالهما على ذكر المبدأ والمعاد وخلق آدم ودخول الجنة والنار وأحوال القيامة وكل ذلك كان ويقع يوم الجمعة وظاهر كلام المصنف إنه لا يقتصر على بعضهما وإن ضاق الوقت قال في شرح العباب وبإطلاقه يرد قول الفارقي لو ضاق الوقت عن قراءة السجدة جميعها قرأ البعض ولو آية السجدة وكذا في الثانية فإن قرأ غير ذلك فخلاف السنة اهـ، وتعقبه الأذرعي وغيره أيضًا بأن هذا من تفرده وإن تبعه عليه ابن أبي عصرون وبقولهم السورة القصيرة أفضل من بعض طويلة اهـ، وظاهر إطلاق المصنف أيضًا أنه يأتي بهما صبح كل جمعة وهو كذلك لخبر الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يديم قراءة هاتين السورتين

والسنة أن يقرأ في صلاة العيد، والاستسقاء في الركعة الأولى بعد الفاتحة (ق) وفي الثانية: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} [القمر: 1]، وإن شاء قرأ في الأولى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] وفي الثانية: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)} فكلاهما سُنة، ـــــــــــــــــــــــــــــ في صبح يوم الجمعة وبه يندفع قول ابن دقيق العيد ليس في الحديث ما يقتضي فعل ذلك دائمًا وخبر إنه قرأ آية سجدة غير الم تنزيل قال الزركشي في إسناده نظر وقال غيره ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأ بغيرهما لكنه نادر وعلى تقدير صحته هو لبيان الجواز ولا تأييد فيه لمن قال يستحب الإتيان بالسجدة وهل أتى تارة وتركهما أخرى وتصويب أبي حاتم إرسال حديث الطبراني السابق لا ينافي على تقدير تسليمه الاحتجاج به فإن المرسل يحتج به في مثل ذلك سيما وله شاهد أخرجه الطبراني أيضًا في الكبير عن ابن عباس بلفظ كل جمعة كما تقدم آنفًا وتعليل المالكية كراهة قراءة السجدة في الصلاة باشتمالها على زيادة سجود في الفرض قال القرطبي منهم فاسد بشهادة هذا الحديث ولا نظر لاعتقاد العامة وجوبهما مع الدوام ولا محذور فيه والترك لأجله لا يناسب قواعدنا إنما يناسب قواعد مالك القائل لا يستحب صوم الست من شوال مع رمضان لئلا يعتقد وجوبها. فائدة صح إنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في عشاء ليلة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين وفي مغربها الكافرون والإخلاص فينبغي أن يكون ذلك سنة وهو ما اعتمده التاج السبكي وداوم عليه ما أمكنه بالجامع الأموي ونقل عن بعض أئمتنا إنه كان لا يتركه سفرًا ولا حضرًا كذا في شرح العباب بقوله: (والسنةُ أَنْ يَقرأَ فِي صَلاة العيدِ والاسْتسقَاءِ إلخ) للاتباع في العيدين رواه مسلم والترمذي وأبو داود كلهم عن مالك قوله: (وإنْ شَاءَ إلخ) رواه في العيدين مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي فكل سنة لكن الأوليان أولى قال الحافظ الزين العراقي في شرح الترمذي أكثر أحاديث الباب يدل على استحباب قراءة سبح والغاشية في العيدين والحكمة في قراءة ما ذكر أن في قراءة سبح الحث على الصلاة وزكاة الفطر على ما قاله سعيد بن المسيب في تفسير قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)} [الأعلى: 14 - 15] فصل فاختصت الفضيلة بها كاختصاص الجمعة بسورتها قاله ابن قدامة في المغني والحكمة في قراءة سورة ق واقتربت ما نقل عن المؤلف في شرح مسلم عن

والسُّنَّة أن يقرأ في الركعة الأولى من صلاة الجمعة سورة الجمعة وفي الثانية: (المنافقون) وإن شاء في الأولى: (سَبِّحِ) [الأعلى: 1]، وفي الثانية: ({هَلْ أَتَاكَ} [الغاشية: 1] فكلاهما سنة، ـــــــــــــــــــــــــــــ العلماء إن ذلك لما اشتملتا عليه من الإخبار بالبعث والإخبار عن القرون الماضية وإهلاك المكذبين وتشبيه بروز الناس في العيد ببروزهم للبعث وخروجهم من الأجداث كأنهم جراد منتشر اهـ. وقال الحافظ أما القراءة في الاستسقاء فلم أر ما قاله الشيخ صريحًا لكن يؤخذ من حديث هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة عن أبيه قال أرسلني أمير من الأمراء إلى ابن عباس أسأله عن الاستسقاء فقال خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبتذلًا متواضعًا وذكر الحديث في الخطبة وفي آخره وصلى كما يصلي في العيد حديث حسن أخرج أحمد وابن خزيمة وأبو عوانة اهـ، وقال بعضهم روى قراءة ما ذكر في الاستسقاء الدارقطني والبيهقي عن ابن عباس وقال في إسناده محمد بن عبد العزيز وهو غير قوي قال لكنه يقوى بما قبله من الشواهد وفي شرح العمدة للفاكهاني رواه الطبراني وفيه محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف ذكر ابن حاتم إنه ضعيف قيل ويقرأ في الكسوف مع ما يقرأ في العيد سورة إنا أرسلنا نوحًا لأنها لائقة بالحال لما فيها من قوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} [هود: 90] الآية بقوله (والسنةُ أَنْ يقرأَ فِي الأُولَى مِن صلاةَ الجمعَةِ إلخ) لما روى مسلم والنسائي وابن خزيمة وأبو عوانة عن ابن عباس رضي الله عنهما إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقون وورد أيضًا عن أبي هريرة مثله. قوله: (وإنْ شَاءَ فِي الركعَة الأُولى إلخ) أي لما رواه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي أيضًا عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في العيدين والجمعة سبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية وربما اجتمعا فقرأ فيهما بهما وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة عن سمرة بن جندب إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في صلاة الجمعة سبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية قال الحافظ حديث حسن صحيح اهـ. قوله: (وكِلاهمَا سنةٌ) أي لما ذكر لكن الأوليان أفضل ولو لغير محصورين لوروده بخصوصه وما ورد بخصوصه لا تفصيل فيه ولو ترك ما في الأولى قرأه مع ما في الثانية وإن أدى لتطويلها على الأولى لتأكد أمر هاتين السورتين ولو قرأ ما في الثانية

وليحذر الاقتصار على بعض السورة في هذه المواضع، فإن أراد التخفيف أدرج قراءته من غير هذرمة. والسنة أن يقرأ في ركعتي سُنة الفجر، في الأولى بعد الفاتحة: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136] الآية، وفي الثانية: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ} [آل عمران: 64] وإن شاء في الأولى: ({قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وفي الثانية {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1] وكلاهما صح. في "صحيح مسلم" أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعله، ـــــــــــــــــــــــــــــ في الأولى عكس في الثانية لئلا تخلو صلاته عنهما ولو اقتدى في الثانية فسمع قراءة الإمام للمنافقون فيها فظاهر إنه يقرأ المنافقون أيضًا وإن كان ما يدركه أول صلاته لأن السنة له حينئذٍ الاستماع فليس كتارك الجمعة الأولى وقارئ المنافقون فيها حتى يسن له الجمعة في الثانية فإن لم يسمع وسنت له السورة فقرأ المنافقون احتمل أن يقرأ الجمعة في الثانية كما شمله كلامهم وإن يقال يقرأ المنافقون لأن السورة ليست متأصلة في حقه كذا في تحفة الشيخ ابن حجر بقوله: (ولْيحْذَر الاقْتِصارَ عَلَى بعْض السورَةِ إلخ) هذا مع اتساع الوقت ففي العباب للمزجد لو ضاق الوقت أي عن قراءة السجدة جميعها قرأ البعض منها ولو آية السجدة وكذا في الثانية اهـ. لكن نوقش في ذلك بأنه من تفرد قائله وإن تبعه عليه بعضهم وإن السورة القصيرة أفضل من بعض الكبيرة بقوله: (هَذْرَمَةِ) بإسكان الذال المعجمة وفتح الراء المهملة قال في النهاية الهذرمة السرعة في الكلام والمشي ويقال للتخليط هذرمة اهـ، والظاهر إن المراد السرعة الزائدة على الحدر الذي يفوت به هنا أداء الحروف حقها. قوله: (فكِلاهما سُنة صحَّ في صَحيح مسلم) كذا في أصل مصحح معتمد وفي نسخة وكلاهما صح بالواو بدل الفاء وحذف قوله سنة ثم إنه قد روى الأول فيه من حديث ابن عباس ولفظه كان أكثر ما يقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ركعتي الفجر {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136] وفي الأخرى {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64] إلى قوله مسلمون قال الحافظ وأخرجه بهذا اللفظ أبو داود أيضًا والثاني فيه من حديث أبي هريرة ولفظه قال قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ركعتي الفجر {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] و (قُل هُوَ اللَّهُ أَحَد) [الإخلاص: 1] قال الحافظ حديث صحيح

ويقرأ في ركعتي سُنة المغرب وركعتي الطواف والاستخارة في الأولى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} [الكافرون: 1] وفي الثانية: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وأما الوتر، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأخرجه عنه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة اهـ، ورواه أحمد والترمذي وابن حبان من حديث ابن عمر قال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن قال الترمذي وفي الباب عن ابن مسعود وأنس وأبي هريرة وابن عباس وحفصة قال الحافظ وفيه عن عبد الله بن جعفر وأبي أمامة وجابر بن عبد الله ثم بين طرق ذلك كله وعلى الأول فالاقتصار عليهما أفضل من الاقتصار على ما عدا سورتي الإخلاص وإن كانا بعض آية لورود النص به واستحسن الغزالي أن يقرأ فيهما ألم نشرح في الأولى وألم تر في الثانية وقال إنه يدفع شر ذلك اليوم وتقدم فيما يقال بعد ركعتي الفجر إنه يجمع بين هذا كله لما سبق في الجمع بين الأدعية الواردة في الافتتاح وكيفيته منقولًا كل ذلك من شرح الشمائل لابن حجر. فائدة تسن سورتا الإخلاص في سنة الصبح والمغرب والطواف وأحاديثها عند مسلم وصرح بها الأصحاب وحكمتهما في الأولى ما سبق من اشتمالها على التوحيد العلمي والعملي فطلبا في ركعتي الفجر ليكون ذلك باعثًا على امتثال الأوامر واجتناب النواهي وفي ركعتي المغرب ليفتتح بهما الليل ليتذكر فجأة الموت الذي هو أخو النوم فيستعد له بالنوم على غاية من التنصل من الحقوق خوفًا من انتقام ذي الجلال والإكرام وفي ركعتي الإحرام كما ذكره المصنف في مناسكه والاستخارة كما يأتي في بابها وكذا في صبح المسافر لما تقدم وسنة الضحى لحديث رواه العقيلي وسنة السفر والوتر لحديث رواه أبو داود والترمذي وسنة الزوال ذكرها أبو حامد في الرونق كذا رأيت منقولًا عن خط العلامة ابن زياد اليمني وبقي ركعتا التحية كما في الروضة بقوله: (ويقرَأُ فِي ركْعَتي سنةِ المَغرِب إلخ) أخرج الحافظ عن عبد الله بن مسعود قال ما أحصى ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الركعتيَن قبل صلاة الفجر وفي الركعتين بعد المغرب {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} [الكافرون: 1] {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1] أخرجه الترمذي وقال الحديث غريب وابن ماجة ومحمد بن نصر في قيام الليل نعم أخرج ابن نصر له شاهدًا قويًّا بسند صحيح إلى عبد الرحمن بن يزيد النخعي أي وهو تابعي كبير قال كانوا يستحبون أن يقرؤوا

فإذا أوتر بثلاث ركعات، قرأ في الأولى بعد الفاتحة: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] وفي الثانية: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وفي الثالثة: {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَد} [الإخلاص: 1] مع المعوّذتين، ـــــــــــــــــــــــــــــ في صلاة الفجر والركعتين بعد المغرب فذكره، وأخرج النسائي عن ابن عمر نحو الحديث المرفوع وأخرج الطبراني عنه أيضًا نحوه، وما أخرجه أبو داود عن ابن عباس كان - صلى الله عليه وسلم - يطيل الركعتين بعد المغرب حتى يتفرق أهل المسجد فقال محمد بن نصر بعد أن أخرجه مرسلًا وموصولًا إن ثبت إن هذا فلعله في بعض الأوقات وأما ركعتا الطواف فجاء فيهما عن جابر بن عبد الله في حجة الوداع ثم أتى المقام فصلى عنده ركعتين قال جعفر بن محمد الراوي عن جابر لا أعلمه إلا ذكره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ فيهما {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} [الكافرون: 1] {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1]، حديث صحيح أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة وابن خزيمة كلهم بالترديد نعم جزم به الترمذي في روايته وأخرجه كذلك النسائي عن مالك تفرد به الوليد بن مسلم عن مالك يعني ابن أنس كما قاله الدارقطني في الموطآت قال الحافظ ووافق الوليد بن مسلم عن مالك عبد الله بن مسلمة القعنبي أخرجه عنه الدارقطني في غرائب مالك كذلك اهـ، وأما ركعتا الاستخارة فسيأتي بسط دليل ما يقرأ فيهما مما ذكره المصنف وغيره في باب صلاة الاستخارة بقوله: (فإِذَا أَوْتَر بثَلاثِ ركعَاتٍ قَرَأَ إلخ) روى أبو داود والترمذي وابن ماجة وقال حسن غريب وابن ماجة عن عَائشة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الركعة الأولى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} [الأعلى: 1] وفي الثانية {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} [الكافرون: 1] وفي الثالثة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1] والمعوذتين وقال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن وجاء عنها من طريق آخر كذلك وهو حديث حسن أيضًا أخرجه محمد بن نصر في كتاب قيام الليل ورجاله رجال الصحيح إلَّا واحدًا فلم يخرج له إلّا استشهادًا وللحديث شاهد من حديث عبد الرحمن بن أبزى أخرجه محمد بن نصر وشاهد آخر من حديث أبي هريرة أخرجه الطبراني في الأوسط وشاهد ثالث من حديث عبد الله بن سرجس أخرجه أبو نعيم في الحلية في ترجمة شعبة وفي شرح المنهاج لابن حجر وقضيته إن ذلك إنما يسن إذا

فائدة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أوتر بثلاث لأنه إنما ورد فيهن ولو أوتر بأكثر فهل يسن ذلك في الثلاث الأخيرة فصل أو وصل محل نظر ثم رأيت البلقيني قال إنه متى أوتر بثلاث مفصولة عما قبلها كثمان أو ست أو أربع قرأ ذلك في الثلاثة الأخيرة ومن أوتر بأكثر من ثلاث موصولة لم يقرأ ذلك في الثلاثة لئلا يلزم خلو ما قبلها عن سورة أو تطويلها على ما قبلها أو القراءة على غير ترتيب المصحف أو على غير تواليه وكل ذلك خلاف السنة اهـ. نعم يمكن أن يقرأ فيما لو أوتر بخمس محلًا المطففين أو الانشقاق في الأولى والبروج أو الطارق في الثانية وحينئذٍ لا يلزم شيء من ذلك اهـ. فائدة ينبغي الحرص على السور التي كان - صلى الله عليه وسلم - يقرؤها في صلاته فمنها المؤمنون والروم ويس والواقعة وق وإذا زلزلت والمعوذتان في الصبح ولقمان وتنزيل السجدة والذاريات والمرسلات وعم يتساءلون والنازعات والسماء ذات البروج والسماء والطارق والأعلى وهل أتاك والشمس وضحاها والليل إذا يغشى لكن مع الجهر بهما للتعليم في الظهر والسماءان والأعلى وهل أتاك والليل إذا يغشى أيضًا في العصر والأعراف والأنفال والدخان والقتال والطور والمرسلات والأعلى والكافرون والتين والقارعة في المغرب وإذا السماء انشقت والسماءان والشمس وضحاها والتين في العشاء وقد ذكر الأحاديث الواردة بذلك وبين مراتبها الحافظ في تخريجه على هذا الكتاب وروى مالك والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال ما من المفصل سورة صغيرة ولا كبيرة إلَّا سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤم بها الناس في الصلاة المكتوبة "فائدة أخرى" قال الزركشي في أثناء كلام في باب التذكر تكره المداومة على سورة معينة لما فيه من هجر باقي القرآن اهـ، ويؤخذ من علته أن السور المعينة كالسورة وإن محل ذلك فيمن يحفظ غير ما خصصه بالقراءة وأنه لو اقتصر مرات عديدة على سورة أو سور من غير قصد تخصيص فلا كراهة كذا في شرح العباب. تتمة سكت المصنف عما تسن فيه السورة فتسن في الصبح والجمعة والعيدين والكسوفين والاستسقاء وفي الأوليين من باقي الخمس لا في الأخيرتين وإن نوى أن يصلي الظهر بتشهد واحد وذلك للاتباع رواه الشيخان في غير المغرب والنسائي فيه بإسناد حسن ومسلم في الجمعة والعيدين وقيل يسن في الأخيرتين لحديث الشيخين في الظهر الآتي ومالك في المغرب ويقاس به العشاء وفي ترجيحهم

وكل هذا الذي ذكرناه جاءت به أحاديث في الصحيح وغيره مشهورة استغنينا عن ذِكْرها لشهرتها، والله أعلم. فصل: لو ترك (سورة الجمعة) في الركعة الأولى من صلاة الجمعة، قرأ في الثانية (سورة الجمعة) مع (سورة المنافقين)، وكذا صلاة العيد والاستسقاء والوتر وسنة الفجر وغيرها مما ذكرناه مما هو في معناه إذا ترك في الأولى ما هو مسنون أتى ـــــــــــــــــــــــــــــ الأول تقديم لدليله النافي على دليل الثاني المثبت عكس الراجح في الأصول لما قام عندهم في ذلك قال في الإمداد وكأنه خشية حصول الملل على المصلي ومن ثم سن كون قراءة الأولى أطول من الثانية وليس علته فيما يظهر إلَّا أن النشاط والفراغ فيها أظهر وحينئذٍ فقراءته - صلى الله عليه وسلم - في غير الأولتين لبيان الجواز ولأنه كلما طالت صلاته زادت قرة عينه بخلاف غيره وهذا نظير قولهم يستنبط من النص معنى يخصصه اهـ. وفي شرح العباب له ولما كان في ذلك ما فيه كان الأقرب للسنة ما نص عليه في الجديد واختاره كثير من أن السنة القراءة فيهما أيضًا وجمع بعضهم بينهما بأن ذلك بحسب اختلاف حال المأمومين فحيث كانوا محصورين يؤثرون التطويل قرأ السورة في غير الأولتين وحيث كثروا تركها كما جمعوا بين الأحاديث المتباينة في طول القراءة وقصرها وهذا أولى من تقديم أحد الطرفين وإلغاء الآخر وعليه يحمل اختلاف نص الشافعي وهو أولى من جعلهما قولين اهـ. ثم الأوجه الذي اقتضاه كلام المجموع وصوبه الأسنوي وقال إنه المفهوم من كلامهم أن قراءتها في الأخيرتين لغير المسبوق لا تسن ولا يقال يسن عدمها والفرق بين العبارتين ظاهر ألا ترى أنا لا نقول يسن صوم الأربعاء ولو صامه لم يكره بل يكون آتيًا بعبادة وقول التحقيق يكره قراءتها في الأخيرتين ضعيف ولو فرغ المأموم من الفاتحة قبل ركوع الإمام في الأخيرتين قرأ السورة اهـ. قوله: (وكل هذا الذي ذكرناه إلخ) قال الحافظ يستثنى منه تعيين قراءة ركعتي الاستخارة وكذا تطويل الإمام إذا آثر ذلك المأمومون وكذا التحذير من الاقتصار على بعض السورة فإني لم أجد في شيء من ذلك نصًّا صريحًا من الحديث اهـ. فصل قوله: (قَرأَ فِي الثانية) أي وإن لزم عليه تطويل الثانية على الأولى لأن

في الثانية بالأول والثاني، لئلا تخلوَ صلاته من هاتين السورتين، ولو قرأ في صلاة الجمعة في الأولى: سورة المنافقين، قرأ في الثانية: سورة الجمعة ولا يعيد المنافقين، وقد استقصيت دلائل هذا في "شرح المهذب". فصل: 125 - ثبت في الصحيح: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يطوّل في الركعة الأولى من الصبح وغيرها ما لا يطوّل في الثانية، فذهب أكثر أصحابنا إلى تأويل هذا، وقالوا: لا يطوّل الأولى على الثانية، وذهب المحققون منهم إلى استحباب تطويل الأولى لهذا الحديث الصحيح، واتفقوا على أن الثالثة ـــــــــــــــــــــــــــــ مراعاة تحصيل السورتين جعل ذلك التطويل مغتفرًا. قوله: (وقدِ استقْصَيْت إلخ) قال الحافظ قد راجعت الشرح فلم أجد ذكرًا لذلك مستندًا من الحديث وكذا الثلاثة الأمور التي في الفصل قبله لم يذكر لها مستندًا من الحديث في الشرح المذكور اهـ. فصل قوله: (ثبتَ في الحَديثِ الصحيح) المتفق عليه عن أبي قتادة رضي الله عنه كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بنا فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين وفي الركعتين الأخيرتين بأم الكتاب ويسمعنا الآية أحيانًا وكان يطيل في الأولى ما لا يطيل في الثانية وفي رواية لأبي داود فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى كذا في الخلاصة للمصنف قال الحافظ بعد ذكر حديث أبي داود حديث صحيح وأخرجه ابن خزيمة ولحديث أبي قتادة شاهد من حديث عبد الله بن أبي أوفى أخرجه أحمد وأبو داود ولفظه كان - صلى الله عليه وسلم - يطيل الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقد قدم وفي إسناده راوٍ لم يسم وقد سماه البيهقي في روايته والله أعلم. قوله: (فذهبَ أَكثَر أصْحابنا) أي وصححه الرافعي وصاحب العباب لخبر أحمد ومسلم وغيرهما كان - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأولتين في كل ركعة قدر ثلاثين آية وفي الأخيرتين قدر خمسة عشر آية أو قال نصف ذلك وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر خمس عشرة آية وفي الأخيرتين قدر نصف ذلك. قوله: (وذَهبَ المحققونَ) حاصل عبارة الروضة والمجموع

والرابعة تكونان أقصر من الأولى والثانية، والأصح أنه لا تستحب السورة فيهما، فإن قلنا باستحبابها، فالأصح أن الثالثة كالرابعة، وقيل بتطويلها عليها. ـــــــــــــــــــــــــــــ ثبت في الصحيحين تطويله - صلى الله عليه وسلم - الأولى على الثانية وصححه المحققون والقاضي أبو الطيب ونقله عن عامة أصحابنا بخراسان وهو الصحيح وممن قال به أيضًا الحافظ البيهقي وحسبك به معتمدًا في هذا اهـ، فهو المعتمد للاتباع في الظهرين وقيس بهما البقية وبه يرد على من نازع في ذلك بأن حديث تطويل الأولى فيه القراءة في الأخيرتين فكيف يؤخذ به في ذلك ويترك الاستدلال به للقراءة فيهما ووجه رده منع ما ذكره بل في حديث الصحيحين تطويل الأولى مع عدم القراءة في الأخيرتين وبفرض وجود ما قاله فالتطويل ثبت في الصبح من غير معارض فأخذنا به وبما وافقه بخلاف القراءة في الأخيرتين فإن لها معارضًا فرجحوه لما قام عندهم واحتمال التطويل بغير القراءة مرجوح فلا يعول عليها وليدركها الناس كما في رواية أبي داود ولأن النشاط فيها أكثر فخفف في غيرها حذرًا من الملل ونازع الزركشي في الأخيرة بأن الوارد في صلاة الليل افتتاحها بركعتين خفيفتين ثم تطويلها قال وهو المناسب لما فيه التدرج من التخفيف إلى حلاوة التنقيل وهو التطويل وهو حكمة مشروعية السنن اهـ، ويرد بأن الركعتين المفتتح بهما صلاة الليل وهي الوتر ليستا منه فلا يشبه ما نحن فيه بل من تأمل روايات صلاته - صلى الله عليه وسلم - للوتر علم إنه كان يطول في أوائله أكثر من أواخره وهو المدعي والتدرج الذي ذكره معارض بالنشاط الذي ذكرناه وحكمة مشروعية السنن لا تنحصر فيما ذكره لأنها شرعت تكميلًا للفرائض قال الفارقي وتطويل أولى الصبح أشد استحبابًا اهـ. نعم ما ورد من تطويل قراءة الثانية يتبع كسبح وهل أتاك في الجمعة والعيد ويسن تطويلها في مسألة الزحام أيضًا أما الثالثة فلا يسن تطويلها على الرابعة اتفاقًا كما قاله القاضي أبو الطيب لعدم النص فيها ولعدم المعنى المذكور في الأولى لكن حكى الرافعي فيها الوجهين وحكاه المصنف هنا بقوله وقيل بتطويلها عليها. قوله: (والأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تستحب السُّورَةُ فِيهمَا) تقدم تحقيق ما يتعلق بذلك في التتمة المذكورة آخر فصل والسنة

فصل: أجمع العلماء على الجهر بالقراءة في الصبح والأوليين من المغرب والعشاء، وعلى الإسرار في الظهر والعصر، والثالثة من المغرب، والثالثة والرابعة من العشاء، وعلى الجهر في صلاة الجمعة، والعيدين، والتراويح والوتر عقبها، وهذا مستحب للإمام ـــــــــــــــــــــــــــــ أن تكون السورة في الصبح والظهر إلخ. نعم من سبق بالأخريين بأن لم يتمكن من السورة فيما أدركه مع الإمام قرأها فيهما عند تداركها تداركًا لما فات ومقتضاه إنه في المغرب فيما لو فاتته ركعة واحدة يتدارك أيضًا وهو ظاهر كما قاله جمع. فصل قوله: (عَلَى الجهرِ) وضابطه أن يرفع صوته بحيث يسمع غيره أي المعتدل السمع القريب منه عرفًا فيما يظهر كما في الإيعاب. قوله: (بالقراءَةِ) أي للفاتحة وآمين والسورة. قوله: (في صَلاةِ الصُّبح) أي أدائها، ولو طلعت الشمس وهو في الركعة الثانية أسر على الأوجه لأنها فعلت في وقت المطلوب فيه الإسرار وقياسه إن وقت العصر لو خرج بعد ركعة منها جهر في الثانية أما إذا خرج قبل ركعة فيسر في تلك ويسر ويجهر في هذه بلا نزاع بناء على أن العبرة بوقت القضاء. قوله: (وعلى الإِسرارِ) وهو أن يرفع صوته بحيث يسمع نفسه لو لم يكن عارض به أو عنده من لغط أو غيره. قوله: (وعَلَى الجهرِ في الجُمعةِ) وكذا ثانيتها للمسبوق بأولاها ولو قضاء على الأوجه. قوله: (والعيدين) أي ولو قضاء على الأوجه. قوله: (والوتر عَقِبَهَا) يعني في رمضان وإن لم يصل التراويح بالكلية أخذًا من ندب الجماعة فيه في رمضان مطلقًا، وجزم ابن الرفعة بندب الجهر في غير رمضان وأفتى به القفال وابن عبد السلام وقال الأذرعي إنه الذي نطقت به الأحاديث والآثار ضعيف وإن أيده قول المنذري وصح أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر بالوتر تارة ويسر أخرى إلّا أن يحمل الذي يسر فيه على وتر غير رمضان والذي يجهر فيه على وتره وتردد الأذرعي في ندب الجهر في كسوف القمر والتراويح والوتر في رمضان للمنفرد قال في شرح العباب والذي يتجه إنه يجهر اهـ، وركعتا الطواف وقت الجهر يجهر بهما ما لم يؤد معهما راتبة. قوله: (وهذَا) أي الجهر

والمنفرد فيما ينفرد به منها، وأما المأموم فلا يجهر في شيء من هذا بالإجماع، ـــــــــــــــــــــــــــــ في جميع ما ذكر وما أوهمه كلام الأذرعي من أن الجهر في خسوف القمر والتراويح للإمام دون المنفرد ضعيف والإسرار في مواطنه المذكورة واستحباب ما ذكر للإمام للإخبار والإجماع فيه وظاهر ما يأتي من ندب إسماع قراءة الإمام وسؤال نحو الرحمة لآيتها لا يختص بمن يليه بل يعم جميع المأمومين فيستفاد منه إنه يندب للإمام أن يزيد في الجهر حتى يسمع قراءته جميع المأمومين ولا ينافيه ما سبق من حدهم للجهر بما مر لأن المراد به حد أول مراتبه خلافًا لمن وهم فيه قال الحافظ وما جاء إن عمر كان يقرأ في الظهر الذاريات يعلن بها ذكره سفيان الثوري بسند رجاله ثقات إلَّا أن فيه انقطاعًا وحديث أبي قتادة في الصحيحين وكان يعني - صلى الله عليه وسلم - يسمعنا القراءة أحيانًا فقد ذكروا أن الحكمة في ذلك ليعلموا إنه يقرأ لئلا يتوهموا إنه سكت أو يذكر وقد ذهب جماعة من الصحابة وغيرهم إلى إن السرية لا تجب القراءة في جميعها فلعل عمر كان يجهر ببعض السورتين لا بجميعهما لذلك والعلم عند الله اهـ، وفي العباب لا بأس بجهر الإمام في صلاة الظهر أي مثلًا ببعض القراءة ليعلم المأموم إنه يقرأ اهـ. قال شارحه ابن حجر والمراد بالبعض الكلمة النادرة فيكره الجهر بما زاد عليها اهـ، وفيه نظر فقد أخرج النسائي من حديث البراء كنا نصلي خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - فنسمع منه الآية بعد الآية من سورة لقمان والذاريات ولابن خزيمة من حديث أنس نحوه لكن قال: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} [الأعلى: 1] {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)} [الغاشية: 1] قال الحافظ ابن حجر في الفتح فيستدل به على جواز الجهر في السرية وأنه لا سجود سهو على من فعل ذلك خلافًا للحنفية وغيرهم وسواء قلنا إنه فعله عمدًا لبيان الجواز أو بغير قصد للاستغراق في التدبر وقوله أي في صحيح البخاري ونسمع الآية أحيانًا يدل على تكرر ذلك منه اهـ. قوله: (والمنفَردِ) قياسًا على الإمام لاشتراكهما في الحاجة إلى الجهر لتدبر القراءة بل المنفرد أولى لأنه أكثر تدبرًا لها لعدم ارتباط غيره به وقدرته على إطالتها وترديدها للتدبر. قوله: (أَما المأْمومُ فَلا يَجهرُ) بل يكره جهره إجماعًا كما في المجموع وإن لم يسمع قراءة إمامه ولا يحرم وإن آذى جاره اهـ، وينبغي حمله على إيذاء خفيف لأنه يتسامح به بخلاف جهر

ويسن الجهر في صلاة كسوف القمر والإسرار في صلاة كسوف الشمس، ويجهر في صلاة الاستسقاء، ـــــــــــــــــــــــــــــ يعطله عن القراءة بالكلية فينبغي حرمته كما في الإيعاب. قوله: (وَيُسَنُّ الجَهرُ في كُسوفِ القمر) قال الحافظ الجهر في القمر متفق عليه واستدل له بالأحاديث المطلقة ووقع في صحيح ابن حبان التصريح به في حديث أبي بكرة وأما الإسرار في كسوف الشمس فاستدل له الشافعي بحديث ابن عباس إنه - صلى الله عليه وسلم - قرأ في كسوف الشمس بنحو سورة البقرة والحديث في الصحيحين قال فلو جهر لم يحتج إلى التقدير قال البيهقي وقد جاء في حديث عائشة بلفظ فحزرت قراءته ثم ساقه كذلك وساق أيضًا ما أخرجه أحمد وأبو يعلى من رواية عكرمة عن ابن عباس أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأ في كسوف الشمس فلم أسمع منه حرفًا وفي سنده ابن لهيعة وأخرجه الطبراني في الأوسط بسند فيه أضعف من ابن لهيعة وفي الباب عن سمرة بن جندب وسنده قوي ولفظه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم في كسوف الشمس فلم يسمع له صوت قال الحافظ بعد تخريجه أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم وما أخرجه الشيخان عن عائشة أنه - صلى الله عليه وسلم - جهر بالقراءة في صلاة الكسوف وأخرجه الترمذي عنها بلفظ خسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكبر فكبر الناس ثم قرأ فجهر بالقراءة فقال الترمذي في العلل سمعت محمدًا يعني البخاري يقول حديث عائشة في الجهر أصح من حديث سمرة قال الحافظ وقد جمع بينهما بأن قراءته كانت بين الجهر والإسرار فسمعها بعض دون بعض أو إنه جهر في القيام الأول وأسر في الثاني، رجح البيهقي الإسرار لأنه ورد من طرق والجهر لم يرد إلَّا من طريق الزهري وهو وإن كان حافظًا فالعدد أولى وعورض بأنه ثبت فيقدم على من نفى ويتأيد الجهر بأنها صلاة ينادى لها ويجمع ويخطب فأشبهت العيد وقد ذهب إلى اختيار الجهر فيها أبو يوسف ومحمد بن الحسن وابن خزيمة وابن المنذر من الشافعية وابن العربي من المالكية وهو مذهب أحمد وإسحاق اهـ. قوله: (وَيجهرُ في صَلاةِ الاستسقاءِ) قال الحافظ فيه حديث عبد الله بن زيد بن عاصم عند البخاري في صحيحه وحديث ابن عباس عند البيهقي وصححه

ويُسرُّ في الجنازة إذا صلاها في النهار، وكذا إذا صلاها بالليل على الصحيح المختار، ولا يجهر في نوافل النهار غير ما ذكرناه من العيد والاستسقاء. واختلف أصحابنا في نوافل الليل، فقيل: لا يجهر، وقيل: يجهر. والثالث وهو الأصح وبه قطع القاضي حسين والبغوي: يقرأ بين الجهر والإسرار، ولو فاتته صلاة بالليل فقضاها في النهار، أو بالنهار فقضاها بالليل، ـــــــــــــــــــــــــــــ الحاكم. قوله: (وَيُسِرُّ الجنَازَةِ) أي في صلاتها كما في نسخة لحديث البيهقي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف إن رجلًا من الصحابة أخبره إن السنة في الصلاة على الجنازة إن يكبر الإمام ثم يقرأ فاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى يسرها في نفسه ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويخلص الدعاء في التكبيرات الثلاث لا يقرأ في شيء منهن ثم يسلم قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث غريب أخرجه البيهقي من هذا الوجه ومطرف بن مازن أحد رواته ضعيف لكن قال البيهقي تابعه عبيد الله بن أبي زياد عن شيخهما الزهري وليس فيه ذكر الفاتحة قال الحافظ وثبت ذكرها في صحيح البخاري من حديث ابن عباس وأخرج الشافعي عن سعيد المقبري قال سمعت ابن عباس يجهر بفاتحة الكتاب في الجنازة وقال لتعلموا أنها سنة وسنده قوي وفيه إشعار بأنه كان ثمة من لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاة الجنازة فأراد تعليمهم وحمله بعضهم على أن ذلك كان ليلًا وهو بعيد من السياق اهـ. قوله: (فقيلَ لَا يجهرُ) وهو ما في البيان. قوله: (والثالِثُ وهوَ الأصَحُّ إلخ) سبق إن الجهر أن يسمع من يليه والإسرار أن يسمع نفسه فقط حيث لا مانع والتوسط بينهما قال بعضهم يعرف بالمقايسة بهما كما أشار إليه قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا)} [الإسراء: 110] الآية ويؤيده ما صح إنه - صلى الله عليه وسلم - مر ليلًا بأبي بكر يسر وبعمر يجهر ثم سألهما فقال أبو بكر اسمع من ناجيت وقال عير أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان فقال لأبي بكر ارفع من صوتك شيئًا ولعمر اخفض من صوتك شيئًا وفي رواية صحيحة وسمعتك يا بلال تقرأ في هذه السورة ومن هذه السورة فقال كلام طيب جمعت بعضه إلى بعض فقال - صلى الله عليه وسلم - قد أصاب قال الزركشي والأحسن في تفسيره ما قاله بعض الأشياخ أن يجهر تارة ويسر أخرى كما ورد أي بل صح من فعله

فهل يعتبر في الجهر والإسرار وقت الفوات، أم وقت القضاء؟ فيه وجهان، أظهرهما: يعتبر وقت القضاء، وقيل: يُسر مطلقًا. واعلم أن الجهر في مواضعه، والإسرار في مواضعه سُنة ليس بواجب، فلو جهر موضع الإسرار، أو أسر موضع الجهر، فصلاته صحيحة، ولكنه ارتكب المكروه كراهة تنزيه، ولا يسجد للسهو، وقد قدّمنا أن الإسرار في القراءة والأذكار ـــــــــــــــــــــــــــــ - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الليل ولم يستقم تفسيره بغير ذلك لعدم تعقل الواسطة بينهما بتفسيرهما السابق اهـ، وفيما علل به نظر بل الواسطة بينهما متعلقة بأن يزيد على أدنى ما يسمع نفسه من غير أن يبلغ الزيادة إلى إسماع من يليه لكنه عسر ومن ثم قيل إنه لا يكاد يتجوز لا سيما إذا لوحظت حقيقة التوسط ومحل ذلك ما لم يشوش على نحو مصل أو نائم أو خائف رياء وإلَّا فيندب الإسرار قال الأذرعي وينبغي أن يأتي بأقل جهر فإنه لا يشوش على أحد وإذا كان عنده من يسن له إيقاظه فلا بأس بالرفع لأجل ذلك اهـ. ملخصًا والخلاف في نوافل الليل المطلقة كالراتبة فيسن فيها كما في المجموع نقلًا عن الأصحاب وبه أفتى ابن عبد السلام خلافًا لما أفتى به البغوي واعتمده الأذرعي من التوسط فيها ومن زعم الإجماع على الجهر في الوتر بثلاث مفصولة وجعله حجة على من قال إن الثلاث المفصولة صلاة واحدة وإلّا لم يجهر في الأخيرة منها قال في شرح العباب لعله أراد إجماع الخصمين وإلا فدعواه ممنوعة ثم رأيت بعضهم أول دعواه بذلك اهـ. قوله: (فهلْ يُعتبرُ في الجهرِ والإسرارِ وقتُ الفَواتِ) أي وقت أداء الفائت فيجهر في مقضية الصبح بنحو الظهر ويسر في مقضية نحو الظهر ليلًا وجزم به الماوردي واعتمده البلقيني وغيره أخذًا مما صح إنه - صلى الله عليه وسلم - قضى الصبح بعد الشمس فصنع كما كان كل يوم وفي رواية إنه قرأ فيها بالمائدة. قوله: (أَم وقتُ القضاءِ) أم فيه منقطعة بمعنى بل لأن المتصلة تكون بعد همزة الاستفهام نحو {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} [البقرة: 6] والمراد أو يعتبر وقت المقضية فيكون بعكس ما سبق فيما قبله. قوله: (أَظْهرهُما يعتَبرُ وقتُ القضاءِ) فإذا قضى جهرية في وقت السر وهو من طلوع

المشروعة في الصلاة لا بد فيه من أن يُسْمِع نفسه، فإن لم يسمعها من غير عارض، لم تصح قراءته ولا ذِكْره. فصل: قال أصحابنا: يستحب للإمام في الصلاة الجهرية أن يسكت أربع سكتات إحداهن: ـــــــــــــــــــــــــــــ الشمس إلى غروبها أسر أو سرية في وقت الجهر وهو من غروب الشمس إلى طلوعها جهر قال ابن النقيب دون جهر الأداء ونظر فيه في شرح العباب بأنه لا اتباع في ذلك ولا معنى يقتضيه وسبق حكم من طلعت الشمس أو غربت أثناء صلاته الصبح أو العصر من السر في الأولى والجهر في الأخيرة، ويستثنى مما ذكره المصنف العيد فيستحب الجهر في قضائها مطلقًا كما هو مقتضى كلام المجموع في بابه قبيل باب التكبير وهو أوجه من مقابله عملًا بأصل أن القضاء يحكي الأداء ولأن الشرع ورد بصلاته جهرًا في محل الإسرار فيستصحب وظاهر أن محل ذلك حيث لا عذر وإلا كأن كثر اللغط فاحتاج للجهر ليأتي بالقراءة على وجهها فلا كراهة كما في الإيعاب، وقال الحافظ قوله فلو جهر إلخ، إن ثبت فيه الإجماع وإلَّا فيمكن أن يؤخذ من عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - صلوا كما رأيتموني أصلي وروي عن أبي أيوب رضي الله عنه قال قيل يا رسول الله إن قومًا يجهرون بالقراءة في الظهر والعصر قال أفلا ترمونهم بالبعر أخرجه الطبراني في الكبير بسند فيه من اتفق على ضعفه وهو الوازع بن رافع قال الحافظ وإنما ذكرت حديثه لأنبه عليه اهـ، وقد تقدم عن العباب إنه لا بأس بالجهر بنحو كلمة من السرية فتحمل الكراهة هنا على ما فوقه اهـ. فصل قوله: (يستَحبُّ للإمام أن يسكت في الصَّلاةِ أَربعَ سكَتَاتٍ) قال الحافظ لم يذكر المصنف دليل الاستحباب وقد تقدم دليل الأولى في دعاء الافتتاح والسكوت فيه مجاز عن الإسرار ولا يختص بالإمام بل يشاركه فيه المنفرد وكذا في الثانية والرابعة والوارد في الأحاديث سكتتان فقط الأولى واختلف في محل الثانية كما سأذكره ويجيء على وجه عند الشافعية سكتة خامسة على الجهر بالتعوذ للفصل بينه وبين البسملة اهـ، والسكنة للفصل بين التعوذ والبسملة سيأتي ذكر استحبابها في كلام ابن حجر الهيثمي مطلقًا. في فتاوى المصنف هل يستحب

عقيب تكبيرة الإحرام ليأتي بدعاء الاستفتاح، والثانية: بعد فراغه من الفاتحة سكتة لطيفة جدًّا بين آخر الفاتحة وبين آمين، ليعلم أن آمين ليست من الفاتحة، ـــــــــــــــــــــــــــــ السكوت حقيقة أم تستحب القراءة سرًّا وهل لذلك أصل في الشرع، الجواب إنه يستحب له في هذه الحالة أن يشتغل بالذكر والدعاء والقراءة سرًّا وبعد الفراغ من الفاتحة القراءة عندي أفضل لأن هذا موضعها ودليل هذا الاستحباب أن الصلاة ليس فيها سكوت حقيقي في حق الإمام وبالقياس على قراءته في انتظار صلاة الخوف فإن قيل كيف سمي سكوتًا وفيه قراءة وذكر لجواب أنه لا يمتنع كما في السكتة بعد تكبيرة الإحرام فإنه يستجب فيها دعاء الافتتاح وقد ثبت في صحيح مسلم إطلاق السكوت عليها اهـ، وظاهر أن السكتة في الفصل بين السورة وتكبيرة الركوع حقيقة قال الغزالي وهي قدر سبحان الله وصح عن سمرة رضي الله عنه كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - سكتتان سكتة إذا قرأ بسم الله الرحمن الرحيم وسكتة إذا فرغ من القراءة كلها وفي رواية إذا فرغ من فاتحة الكتاب وسكتة عند الركوع وفي أخرى إذا فرغ من ولا الضالين ولا تخالف هذه ما قبلها بل يحصل من المجموع إثبات السكتات في محالها الثلاث الآتية وفي رواية بدل الأولى إذا كبَّر أي للإحرام فمعنى قرأ أي أراد. قوله: (عقيبَ تَكبيرَةِ الاحرام ليأْتِيَ بدُعاء الاستفتاح إلخ) وكذا عقب تكبيرة القيام قبل القراءة في غير الأولى وقدرها في شرحَ العباب بقدر سبحان الله أخذا من تقدير الغزالي السكتة بين القراءة والركوع بقدر ذلك وفي شرح المنهاج له يسن سكتة لطيفة وضبطت بقدر سبحان الله بين التحرم ودعاء الافتتاح وبينه وبين التعوذ وبينه وبين السماء وبين آخر الفاتحة وآمين. قلت وقال الحافظ حكمة هذه السكتة دفع توهم أن آمين من القرآن اهـ، قال ابن حجر الهيتمي في التحفة أفهم قوله عقب الفاتحة فوق التأمين بالتعوذ بغيره ولو سهوًا كما في المجموع عن الأصحاب وإن قل نعم ينبغي استثناء نحو رب اغفر لي للحديث الحسن أنه - صلى الله عليه وسلم -

والثالثة بعد آمين سكتة طويلة بحيث يقرأ المأموم الفاتحة والرابعة بعد الفراغ من السورة يفصل بها بين القراءة وتكبيرة الهُويِّ إلى الركوع. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال عقب الضالين رب اغفر لي آمين اهـ، ويؤخذ منه أنه يأتي بذلك سرًّا بين الضالين وآمين وحينئذٍ فيكون إطلاق السكتة فيما ذكر كإطلاقه عليها فيما بين التحرم والقراءة والله أعلم، وبينها وبين السورة وبين آخرها وتكبير الركوع، وإن لم يقرأ سورة فبين آمين والركوع وإن سكت في الجهرية بقدر قراءة المأموم الفاتحة وعلى هذا فلا مجاز إلَّا في سكتة الإمام بعد التأمين أقول وكذا المجاز في إطلاق السكتة على الإسرار بعد تكبيرة التحرم بدعاء الافتتاح كما عبر به المصنف وقد صرح به الحافظ كما تقدم أول الفصل. قوله: (والثالثةُ بعدَ آمينَ إلخ) أي إن علم إن المأموم يستمع حال قراءته ليقرأها في سكتته كما هو ظاهر قال الحافظ دليل استحباب تطويل هذه السكتة حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن إن للإمام سكتتين فاغتنموا القراءة فيهما أخرجه البخاري في كتاب القراءة خلف الإمام وأخرج فيه أيضًا عن أبي سلمة عن أبي هريرة وأخرج البخاري فيه أيضًا عن عروة بن الزبير قال يا بني اقرؤوا إذا سكت الإمام واسكتوا إذا جهر فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب. اهـ. قوله: (بحيث يقرأُ المَأْمومون الفاتحةَ) وهل يعتبر قراءة المأموم وإن كان بطيئًا أو يضبط بزمن قراءة المعتدل استظهر في الإيعاب الأول أما الأصم ومن لا يرى قراءة الفاتحة بعد الإمام فلا يسن للإمام السكوت لهما لانتفاء العلة المذكورة وتردد في الإيعاب في إلحاق من علم الإمام منه عدم استماع قراءته بل يقرأ معه بالأصم ومن لا يرى الفاتحة مع الإمام وعدم إلحاقه بهما إرشادًا له إلى الاستماع المندوب ومن ثم قال والثاني أقرب ويشتغل الإمام في هذه السكتة بدعاء أو قراءة وهي أولى وحينئذٍ فيظهر أنه يراعي الترتيب والموالاة بينها وبين ما يقرؤه بعدها لأن السنة القراءة على ترتيب المصحف وموالاته كما تقدم وكذا يسن لمأموم فرغ من الفاتحة في الأخيرتين أو من التشهد الأول قبل إمامه أن يشتغل بدعاء فيهما أو قراءة في الأولى وهي أولى ولو لم يسمع قراءة الإمام سن له وكذا في أولتي السرية أن يسكت بقدر قراءة الإمام الفاتحة إن ظن إدراكها قبل ركوعه وحينئذٍ يشتغل بالدعاء لا غير

فصل: فإذا فرغ من الفاتحة استحب له أن يقول: آمين. والأحاديث الصحيحة في هذا كثيرة، مشهورة في كثرة فضله وعظيم أجره، وهذا التأمين مستحب لكل قارئ، سواء كان في الصلاة أم خارجًا منها، وفيها أربع لغات، أفصحهن وأشهرهن: آمين بالمد والتخفيف، ـــــــــــــــــــــــــــــ لكراهة تقديم السورة على الفاتحة وقد علمت مما تقدم عن ابن حجر أن الفصل بالسكتة بين آخر الفاتحة وآمين وآخر السورة وتكبير الركوع يشمل السرية والجهرية خلاف ما يقتضيه كلام المصنف من قصره على الأخير. فصل قوله: (فإِذَا فرغَ مِنَ الفاتحةِ استُحِبَّ لَهُ أَنْ يقولَ آمينَ) في المجموع عن الأم حسن زيادة رب العالمين. لما صح عند الحاكم وغيره عن علي رضي الله عنه كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا فرغ من الفاتحة رفع صوته فقال آمين ويفوت التأمين بالتلفظ بعد قوله ولا الضالين بغيره ولو سهوًا كما في المجموع عن الأصحاب وإن قل نعم ينبغي استثناء رب اغفر لي للخبر الصحيح كما في التحفة، لكن في الإيعاب رواه الطبراني بسند لا بأس به، عن وائل بن حجر أنه - صلى الله عليه وسلم - قال عقب الضالين رب اغفر لي آمين وبالسكوت أي الزائد على السكوت المسنون ومحله إن طال نظير ما تقدم في الموالاة وبالركوع ولو فورًا وتقدم أنه يسن سكتة لطيفة بين قوله ولا الضالين وقوله آمين ودليله الاتباع رواه أبو داود وغيره كما في الإيعاب. قوله: (والأَحادِيثُ الصحيحَةُ إلخ) قال الحافظ في كثرتها مع الوصف بالصحة نظر سواء كان المراد التأمين بعد الفاتحة أم بعد الدعاء ثم أورد أحاديث في ذلك صحح بعضها وبعضها عند البخاري ومسلم وغيرهما. قوله: (سوَاءٌ كَانَ في الصَّلاةِ أَم خارِجًا منها) لكنه فيها على أي صفة آكد نقله في المجموع عن الواحدي كما في الإيعاب. قوله: (أَربَعُ لغاتٍ) حكى ابن الأنباري فيه لغة خامسة القصر مع التشديد ذكره في الإيعاب وقال أنها شاذة وفي فتح الباري خطأ جماعة من أهل اللغة التشديد مع المد والقصر وفيه عن جعفر الصادق من قصر وشدد فهي كلمة عبرانية أو سريانية اهـ. قوله: (أَفصحهُن وأَشهرهُن) أي وبه جاءت الروايات في الحديث وجاء عن جميع القراء قاله الحافظ في الفتح وفيه أن اللغات الثلاث الأخرى

والثانية: بالقصر والتخفيف، والثالثة: بالإمالة، والرابعة: بالمد والتشديد. فالأوليان مشهورتان، والثالثة والرابعة حكاهما الواحدي في أول "البسيط"، والمختار الأولى، وقد بسطت القول في بيان هذه اللغات وشرحها وبيان معناها ودلائلها وما يتعلق بها في كتاب "تهذيب الأسماء واللغات". ويستحب التأمين في الصلاة للإمام والمأموم والمنفرد، ـــــــــــــــــــــــــــــ شاذة. قوله: (والثانيَةُ بالقَصْرِ والتخفيفِ) قال في شرح العباب أنكر جمع القصر وقالوا إنما جاء في ضرورة الشعر قال في المجموع وهو فاسد لأن الشعر الذي جاء فيه ليس من ضرورته القصر وفيه نظر إذ المختار إنه لا يشترط في الضرورة عدم إمكان غيرها فالأولى أن يجاب بأن الأصل عدمها فعيل من ادعاها البيان قال الرافعي والأصل القصر لأنه فعيل والمد فاعيل وهو عجمي من أبنية العجم كقابيل اهـ، ويؤيده ما قيل أنها غير عربية وفيه نظر بل هي عربية إذ وزنها فعيل والألف إنما جاءت من إشباع فتحة الهمزة اهـ، وما ذكره في المجموع من انتفاء الضرورة مبني على مختار شيخه ابن مالك إن الضرورة ما لا مندوحة للشاعر عنه وعليه فلا ضرورة لا مكان. فآمين زاد الله ما بيننا بعدا كما روي به وسيأتي إيضاحه في كلام التهذيب. قوله: (وقدْ بَسطتُ القَوْلَ في بيَانِ هَذهِ اللغَاتِ وشَرحِها وبيَانِ معناها ودَلائِلهَا ومَا يتَعلقُ بهَا في كتَاب تهذِيب الأَسماءِ واللغَاتِ) هكذا في بعض النسخ وهو ساقط في بعضها وحاصل ما نقله عن الجوهري وجمهور أهل اللغة أن آمين في اللغة تمد وتقصر وهو مبني على الفتح كأين لاجتماع الساكنين قال الواحدي ولم تكسر لثقل الكسرة بعد الياء اهـ. وفي المجموع يسكن للوقف لأنها كالأصوات وفي أول الوسيط للواحدي في آمين لغات المد وهو المستحسن لحديث على السابق عند الحاكم وغيره والقصر كما قال: آمين فزاد الله ما بيننا بعدا والإمالة مع المد روي ذلك عن حمزة والكسائي والتشديد أي مع المد وروي ذلك عن الحسن والحسين بن الفضل وتحقيق ذلك ما روي عن جعفر الصادق رضي الله عنه إنه قال تأويله قاصدين نحوك وأنت أكرم من يجيب قاصدًا هـ، وفيه فوائد من أحسنها إثبات لغة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التشديد في آمين التي لم يذكرها الجمهور بل أنكروها وجعلوها من قول العامة وفي الإكمال للقاضي عياض وحكى ثعلب فيها القصر وأنكره غيره وقال إنما جاء مقصورًا في ضرورة الشعر وقال ابن قرقول بقافين مضمومتين بوزن عصفور صاحب المطالع آمين مطولة ومقصورة وأنكر العلماء تشديد الميم وأنكر ثعلب قصر الهمزة إلَّا في الشعر وصححه يعقوب في الشعر وغيره والنون مفتوحة أبدًا هذا ما يتعلق بلغاتها. وأما شرحها فسبق معناه بالتشديد عن جعفر الصادق وأما باقي اللغات فهي فيه اسم فعل بمعنى استجب على الأصح عند الجمهور كما في المجموع وغيره لا ليكن الأمر كذلك خلافًا لما في العزيز وفي التهذيب قال الثعلبي قال ابن عباس سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن معنى آمين فقال افعل وقال ابن عباس وقتادة كذلك يكون وقال هلال بن يسار ومجاهد اسم من أسمائه تعالى وضعفه صاحب المطالع بأنه ليس في أسمائه تعالى مبني ولا غير معرب مع إن أسماءه تعالى لا تثبت إلا بتوقيف من كتاب أو سنة مقبولة وقد عدما وفي الإيعاب ورد الأول بتضمنه ضميرًا عائدًا عليه تعالى فلذا عد من أسمائه اهـ، وقيل كنز من كنوز العرش لا يعلم تأويله إلَّا الله وقيل قوة الدعاء واستنزال الرحمة وقيل إنه أربعة أحرف متقطعة من أسمائه تعالى وهي خاتم رب العالمين يختم به براءة أهل الجنة وأهل النار دليله حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - آمين خاتم رب العالمين على عباد المؤمنين وقيل أنها دعاء وقيل اللهم استجب وقيل درجة في الجنة تجب لقائلها وقيل طابع الله على عباد يدفع عنهم الآفات وقيل معناه اللهم أمنا بخير، وأما ما يتعلق بها من الفضائل فعن عطاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ما حسدكم اليهود على شيء ما حسدوكم على آمين وتسليم بعضكم. قلت معنى هذا الحديث جاء من طرق ففي حديث لعائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أنهم أي اليهود لم يحسدونا على شيء كما حسدونا على الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها وعلى قولنا خلف الإمام آمين قال الحافظ بعد تخريجه غريب لا أعرفه بهذه الألفاظ إلَّا من هذا الطريق لكن لبعضه متابع حسن في التأمين أخرجه ابن ماجة وصححه عن ابن خزيمة كلاهما

ويجهر به الإمام والمنفرد في الصلاة الجهرية، والصحيح: أن المأموم يجهر به أيضًا، سواء كان الجمع قليلًا أو كثيرًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ من حديث عائشة مرفوعًا ما حسدتنا اليهود على شيء ما حسدتنا على السلام والتأمين وله شاهد من حديث معاذ مرفوعًا إن اليهود قوم حسدة ولم يحسدوا المسلمين على أفضل من ثلاث على رد السلام وعلى إقامة الصف وعلى قولهم خلف إمامهم آمين قال الطبراني لا يروي عن معاذ إلّا واحدًا فضعيف أو مجهول وللتأمين شاهد آخر أخرجه ابن ماجة بسند فيه ضعفاء عن ابن عباس إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على آمين فأكثروا من قول آمين وفي الإيعاب من رواية أخرجها جمع أعطيت ثلاث خصال أعطيت صلاة في الصفوف وأعطيت السلام وهو تحية أهل الجنة وأعطيت آمين ولم يعطها أحد ممن كان قبلكم إلَّا أن يكون الله أعطاها هارون فإن موسى كان يدعو ويؤمن هارون وفي أخرى لابن عدي حسدوكم على إفشاء السلام وإقامة الصف وآمين وأخرج الطبراني عن وائل بن حجر إنه قال رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل في الصلاة فلما فرغ من فاتحة الكتاب قال آمين ثلاث مرات ويؤخذ منه إنه يندب تكرار آمين ثلاثًا حتى في الصلاة ولم أر أحدًا صرح بذلك من أصحابنا وفي تفسير البغوي يسن لمن صلي بآخر البقرة إن يقول آمين اهـ، ويأخذ منه إن المصلي متى قرأ بآية فيها دعاء يسن له أن يقول آمين اهـ. ما في الإيعاب. قوله: (ويجهرُ بهِ الإمِامُ) قال الحافظ لحديث وائل بن حجر قال صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما قال {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قال آمين يجهر بها حديث حسن أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارقطني وعند الترمذي في رواية أخرى يخفض بها صوته ورجح الحفاظ رواية يرفع بها صوته وله شاهد من حديث أبي هريرة عند أبي داود وابن ماجة وآخر من حديث ابن عمر عند الدارقطني اهـ. قوله: (أَن المَأْمُومَ أَيْضا يجهرُ بهِ) هذا هو القول القديم المعتمد فيؤمن جهرًا لقراءة إمامه لا لقراءة نفسه بل يسر بها ومحل الخلاف في الجهر في الأولى إن أمن الإمام وإلا سن للمأموم الجهر بلا خلاف ويسن أن يكون جهر الإمام وجهر الأنثى

ويستحب أن يكون تأمين المأموم مع تأمين الإمام لا قبله ولا بعده، ـــــــــــــــــــــــــــــ والخنثى به كالجهر بالقراءة ولو أسر به الإمام في موضع الجهر به فهل يجهر به المأموم تبعًا أو أسر كل منهما بالقراءة في موضع الجهر أو جهر في موضع الإسرار مخالفًا للسنة فهل يأتي بالتأمين كذلك تبعًا لهما فيه نظر كذا قال بعضهم وفي الإيعاب الذي يتجه إنه يأتي فيه ما ذكروه فيما لو أسر الإمام في جهرية أو عكس من إنه هل العبرة بالمفعول أو بالمشروع أي والراجح الأول كما في الروضة وهو موافق لما في المجموع. قوله: (ويستحب إلخ) أي للأخبار الدالة عليه في الصحيحين وغيرهما فمنها قوله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه وقوله - صلى الله عليه وسلم - إذا قال أحدكم آمين وقالت الملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر ما تقدم من ذنبه ولفظ مسلم في الثاني إذا قال أحدكم في الصلاة آمين وعند أحمد وصححه ابن خزيمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قال القارئ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فقال من خلفه آمين فوافق قول أهل السماء غفر له ما تقدم من ذنبه وظاهره الأمر بالمقارنة بأن يقع تأمين الإمام والمأموم والملائكة دفعة واحدة ولأن المأموم لا يؤمن لتأمين إمامه بل لقراءته وقد فرغت فمعنى إذا أمن الإمام أراد التأمين ويوضحه قوله - صلى الله عليه وسلم - إذا قال {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} [الفاتحة: 7] فقولوا آمين رواه الشيخان ولمعارضته لما روياه أولًا جمعوا بينهما بما قررناه وروى البيهقي مرفوعًا حسدنا اليهود على القبلة التي هدينا إليها وضلوا عنها وعلى الجمعة وعلى قولنا خلف الإمام آمين وفي رواية للطبراني وأنهم لم يحسدوا المسلمين على أفضل من ثلاث رد السلام وإقامة الصفوف وقولهم خلف الإمام آمين ومعنى موافقة الإمام في خبر مسلم السابق قبل موافقتهم في الزمن أي كما يدل عليه خبر الصحيحين للتعيين فيه فقال وقالت ثم قال فوافقت أي في القول المذكور وقيل في الصفات كالإخلاص وغيره ثم هؤلاء الملائكة قيل الحفظة وقيل غيرهم لخبر فوافق قوله أهل السماء وأجاب الأول بأنه إذا قالها الحفظة قالها من فوقهم حتى ينتهي إلى أهل السماء اهـ. وهذا الجواب يحتاج إلى سند يشهد له كما في الإيعاب وقال الحافظ ابن حجر يظهر أن المراد بهم من يشهد تلك الصلاة من الملائكة ممن في أرض أو في سماء ومعنى تأمينهم استغفارهم للمؤمنين واختار السبكي إن لتأمين الملائكة وقتًا مخصوصًا والإمام والمأموم محثوثون على إن يقارنوا

وليس في الصلاة موضع يستحب أن يقترن فيه قول المأموم بقول الإمام إلا في قوله: آمين، وأما باقي الأقوال، فيتأخر قول المأموم. فصل: يسن لكل من قرأ في الصلاة أو غيرها إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله تعالى من فضله، وإذا مر بآية عذاب أن يستعيذ به من النار، أو من العذاب، أو من الشر، أو من المكروه، أو يقول: اللهُم إني أسألك العافية أو نحو ذلك، وإذا مر بآية تنزيه لله سبحانه وتعالى، نزَّه فقال: سبحانه وتعالى، أو: تبارك الله رب العالمين، أو جلت عظمة ربنا، أو نحو ذلك. روينا عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: "صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة، ـــــــــــــــــــــــــــــ تأمين الملائكة فمن حصل له ذلك غفر له إمامًا كان أو مأمومًا اهـ، ثم قضية ما سبق من كون التأمين لقراءة الإمام إنه لو لم يسمعها لا يسن له التأمين وإن سمع تأمين المأمومين وهو كذلك في الإيعاب قال الحافظ وجاء طلبها من المنفرد في عموم الأحاديث وكذا المأموم أما الإمام فجاء صريحًا في خبر أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} [الفاتحة: 7] قولوا آمين فإن الملائكة تقول آمين وإن الإمام يقول آمين حديث صحيح أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة وأصله في الصحيحين والسنن الثلاثة لكن في آخره قال الزهري وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول آمين اهـ. قوله: (وليسَ في الصَّلاةِ إلخ) قيل يرد عليه ما في الأنوار من علم أن إمامه لا يقرأ السورة أو إلا سورة قصيرة ولا يتمكن من إتمام الفاتحة فعليه إن يقرأ بها معه ويجاب بأن هذه حالة عذر فلا ترد. فصل قوله: (يُسنُّ لكل مَنْ قَرأَ في الصَّلاةَ أَوْ غيرِها أَنْ يسأَلَ الله تعالى منْ فَضلهِ إلخ) عبارة العباب يسن للقارئ آية رحمة أي نحو (وَيغفِر لَكُم وَاللَّهُ غَفُورٌ رحِيم) [الأنفال: 70] إن يسألها قال شارحه كان يقول {رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118)} [المؤمنون: 118]، يقصد به الدعاء لا التلاوة. قوله: (وإِذَا مَر بآيَة عذابٍ) كقوله تعالى: {وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71)} [الزمر: 71]. قوله: (أَنْ يستعيذَ بِهِا إلخ) بنحو رب أعوذ بك من العذاب أو الشر أو المكروه. قوله: (بآيَة تنزِيهٍ) نحو: (ليسَ كَمثله شيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيُر} [الشورى: 11]. قوله: (ذَاتَ لَيلةٍ) أي في ليلة فذات مقحمة للتأكيد أو ليست مقحمة والمعنى في ساعة ذات مرة من ليل فحذف ذلك لوضوح المراد منه على

فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى فقلت: يركع بها، ، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران، فقرأها يقرأ مترسلًا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوّذ، رواه مسلم في "صحيحه". قال أصحابنا: يستحب هذا التسبيح والسؤال والاستعاذة للقارئ في الصلاة وغيرها، وللإمام والمأموم والمنفرد لأنه دعاء، فاستَووْا فيه كالتأمين. 127 - ويستحب لكل من قرأ: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)} [التين: 8] أن يقول: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين، وإذا قرأ: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)} [القيامة: 40]، قال: بلى أشهد، وإذا قرأ: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)} [الأعراف: 185] قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ حد قول: تضوع المسك منها نسيم الصبا أي تضوعًا مثل تضوع نسيم الصبا. قوله: (فافْتتحَ البقرَةَ) ظاهر هذه الرواية إنه - صلى الله عليه وسلم - قرأ جمع السور المذكورة في ركعة واحدة وأنه قدم النساء على آل عمران وإن كانت الواو لا تقتضي ترتيبًا فهي إما لبيان الجواز وإما على ترتبب مصحف ابن مسعود وإلا فالأفضل فضل القراءة على ترتيب المصحف العثماني لأنه المعروف المستقر من أحواله أما على ترتيب الآي فواجبة فيحرم بعكس الآية لأن الترتيب فيها توقيفي قطعًا وبين السور فيه خلاف فإن قرأ بعكس الآي وقصد بما أتى به من الآي مجرد الذكر فلا بأس واتباع السنة أولى وهذه القراءة كانت في صلاة الليل. قوله: (رَوَاه مُسلم) ورواه أصحاب السنن الأربعة أيضًا كما في السلاح. قوله: (في الصَّلاةِ) سواء كانت فرضًا أم نفلًا خلافًا للمالكية والحنفية. قوله: (وإذَا قَرأَ أَليْسَ ذَلِكَ إلخ) في العباب أو قرأ كآخر التين أن يقول عند سماعه بلى وأنا على ذلك من الشاهدين اهـ، والحديث الآتي عند قوله وقد بينت أدلته إلخ، عن أبي داود والترمذي يشهد لما قاله المصنف مما يقال عند كل من آخر والتين ومن آخر سورة

آمنت باللهِ، وإذا قرأ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} [الأعلى: 1] قال: سبحان ربي الأعلى، ويقول هذا كله في الصلاة وغيرها، وقد بينت أدلته في كتاب "التبيان في آداب حملة القرآن". ـــــــــــــــــــــــــــــ القيامة والله أعلم ومثله قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: 36] قوله: (آمنتُ بالله) في الإيعاب أو يقول لا إله إلَّا الله لأمره - صلى الله عليه وسلم - بهذا والذي قبله كما رواه جماعة لكنه ضعيف لأن فيه مجهولًا وعنم أنه لا يتعين للسؤال والتعوذ لفظ خاص بل الشرط أن يأتي بما يناسب اللفظ المتلو كان يقول في (وَسئلوُا اللهَ مِن فَضَله) [النساء: 32] اللهم إني أسألك من فضلك أو اللهم أعطني من فضلك وفي ({رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118)} [المؤمنون: 118] رب اغفر إلخ، وفي قل {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97)} [المؤمنون: 97] الآية رب أعوذ بك إلخ، لا بقصد التلاوة وعلى ذا المنهاج مما يناسب التلاوة أو يتضمن امتثال ما أمر به منها أو ندب إليه واستحسن من قابله قاله ابن رزين ومن ثم قال ولا يكفي ذكر الآية التي فيها ذكر الاستغفار إلَّا أن يكون لفظها صالحًا لأن يكون استغفارًا نحو واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم فيكفي إعادتها على قصد الاستغفار وذكر الزركشي نحوه فقال والأحسن أن يأتي بموافقة التلاوة ويقصد به الدعاء لا التلاوة وذكر أيضًا كصاحب الأنوار والجواهر إنه يسن عند {فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)} [الملك: 30] الله رب العالمين، ويسن للمستمع أيضًا ولو غير مأموم ونقل عن الشيخ أبي محمد أنه يسن رفع اليدين هنا ومسح الوجه بهما عند ختم الدعاء واستغربه والاستغراب واضح بالنسبة لمن في الصلاة فقط وفي المجموع إنه يسن الجهر بما ذكر في الجهرية للإمام وكذا للمأموم أن أهمله الإمام وصح إنه - صلى الله عليه وسلم - خرج على الصحابة فقرأ عليهم بسورة الرحمن فسكتوا فقال ما لي أراكم سكوتًا لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردًا منكم كنت كلما أتيت على قول الله تعالى: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)} [الرحمن: 13] قالوا ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب ذلك الحمد قال ابن عبد السلام والقرآن يشتمل على فاضل كآية الكرسي إذ هو كلامه فيه ومفضول كتبت إذ هو في عدوه ولا ينبغي له المداومة على الفاضل فقط لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يفعله ولأنه يؤدي إلى نسيانه اهـ. قوله: (وقَدْ بينْت أَدِلتَهُ في كِتاب التبْيانِ إلخ) قال في التبيان يستحب أن يقول ما رواه أبو هريرة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال من قرأ والتين والزيتون فقال: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)} [التين: 8] فليقل بلى وأنا على ذلك من الشاهدين رواه أبو داود والترمذي بإسناد ضعيف عن رجل أعرابي وعن أبي هريرة قال الترمذي وإنما يروى هذا الحديث عن الأعرابي ولا يسمى قال المصنف وقد روى ابن أبي داود وغيره زيادة على رواية أبي داود والترمذي في هذا الحديث ومن قرأ: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)} [الأعراف: 185] فليقل آمنت بالله ومن قرأ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)} [القيامة: 40] فليقل بلى أشهد قال وعن ابن عباس وابن الزبير وأبي موسى الأشعري أنهم كانوا إذا قرأ أحدكم {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} [الأعلى: 1] قال سبحان ربي الأعلى، قال الحافظ مقتضى كلامه أن الزيادة المتعلقة بالمرسلات ولا أقسم ليست عند أبي داود والترمذي وإن الزيادة المتعلقة بسيح ليست مرفوعة عن ابن عباس ولا من ذكر معه ومقتضى تقرير كلام الترمذي أن هذا الحديث لم يرد إلّا بهذا الإسناد وإن راويه عن أبي هريرة لم يرد مسمى والأمر بخلاف ذلك في الأمور الأربعة: أما الأول فإن الحديث بجملته عن أبي داود وإنما اقتصر على التين منه الترمذي وكأن الشيخ راجع الترمذي فظن أن أبا داود مِثله والعجب إن ابن أبي داود الذي نسب الزيادة إليه أخرجه عن شيخ والده ثم ساقه الحافظ عن أبي هريرة بجملته وفي آخره ومن قرأ {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1)} [القيامة: 1] فإني على آخرها ({أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)} [القيامة: 40] فليقل بلى قال الحافظ هذا حديث حسن يتقوى بكثرة طرقه أخرجه أبو داود وأخرجه ولده أبو بكر في كتاب الشريعة عن شيخ أبيه في هذا الحديث عبد الله بن محمد الزهري لكن قال لم أجد في روايته ذكر أبي هريرة وكأنه سقط من كتابه والمعتمد إثباته كما في رواية أبيه وأخرجه من طريق أخرى بتمامه وفي آخره بلى وأشهد وأخرجه إسحاق بن راهويه وابن مردويه، وجاء تسمية التابعي المبهم عند ابن عيينة ووافقه شعبة الراوي عن أبي هريرة عند إسماعيل ابن علية لكن لم يرفع الحديث فسماه عبد الرحمن بن القاسم قال ابن المديني حدثني به ابن علية فذكرته لابن عيينة فقال لم يحفظ قال ابن المديني وعبد الرحمن بن القاسم مكي والمحفوظ رواية ابن عيينة وتابعه شعبة قال الدارقطني في العلل وعبد الرحمن بن القاسم المذكور لم يسمع من أبي هريرة قال الحافظ تضمنت هذه الطريق تسمية الأعرابي وهو الأمر الثاني خلافًا لمن نفى ذلك، وجاء مسمى من وجه ثانٍ أخرجه ابن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مردويه فسمى فيه محمد بن عبد الرحمن بن سعد عن أبي هريرة -قلت كذا في الأصل والظاهر إنه عبد الرحمن بن سعد كما يومئ إليه كلامه آخرًا والله أعلم- فذكر الحديث مفرقًا في السور الثلاث وعليه بعض الرواة فجعله سعد بن عبد الرحمن قاله الدارقطني وجاء مكنيًا عند الحاكم بأبي اليسع وأخرجه كذلك ابن مردويه فقال عن أبي اليسع وهو عبد الرحمن بن سعد ولم يصرح بمن سماه قال الحافظ وجميع هذه الطرق لا تثبت لأن مدارها على نصر بن طريف وهو شديد الضعف وكذا ابن أبي يحيى ويزيد بن عياض وعجب للحاكم كيف خفي عليه حاله حتى صححه، الأمر الثالث ذكر المصنف في المجموع حديث أبي هريرة بتمامه وقال رواه أبو داود والترمذي وهذا يخالف صنيعه في الأذكار لتصريحه فيه إن المرسلات والقيامة ليسا في رواية الترمذي وهو كما قال بالنسبة للترمذي خلافًا لما أطلق في المجموع ثم قال وهو حديث ضعيف وإن احتج به أصحابنا وكذا ذكره في الخلاصة في فصل الضعيف واقتصر في الروضة تبعًا لأصلها على المرسلات والتين، قال الحافظ وإطلاق الضعف على هذا الحديث متعقب فإنه قد جاء عن غير أبي هريرة فجاء من حديث البراء بن عازب أخرجه عنه ابن مردويه وحديثه قال قال - صلى الله عليه وسلم - لما نزلت ({أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)} [القيامة: 40] سبحان ربي وبلى، قال الحافظ حديث غريب وفي سنده من فيه مقال وقد رواه مسلم بن قتيبة أحد الثقات عن شعبة فلم يسم الصحابي ومن حديث جابر أخرجه ابن المنذر في تفسيره وابن أبي داود في كتاب الشريعة وابن مردويه كلهم عن ابن المنكدر عن جابر فذكر فيه القيامة والتين ورجاله رجال المحيح إلَّا إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة فضعيف عندهم لكن تابعه أبو بكر الهذلي عن ابن المنكدر أخرجه الدارقطني في الأفراد وهو ضعيف أيضًا ومن حديث ابن عباس إنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} [الأعلى: 1] قال سبحان ربي الأعلى قال الحافظ بعد تخريجه من طريق عبد الله بن حنبل عن أبيه بسنده حديث حسن أخرجه أبو داود والحاكم وقال صحيح على شرطهما قال الحافظ لكن وقع اختلاف بين رواته في رفعه ووقفه ولهذا الاختلاف ينحط عن درجة الصحيح وإن كان رجاله مخرجًا لهم فيهما ومن حديث صحابي لم يسم أخرجه

باب أذكار الركوع

باب أذكار الركوع ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو داود عنه إنه كان يقرأ فوق بيته يرفع صوته فقال {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)} فقال سبحانك أو بلى فقال سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخرجه الحافظ بسند فيه بعد شعبة مبهمان قبل الصحابي المبهم أيضًا وقال فيه مبهمان لا يعرف حالهما ولا عينهما وسقطا من رواية أبي داود وعجبت من سكوته ولعله تسهل فيه لوجود شاهده ولكونه في فضائل الأعمال ولكون شعبة لا يسند غالبًا إلّا عند الثقات اهـ، وورد مرسلًا عن قتادة قال ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال إذا قرأ أحدكم فذكر الحديث في القيامة وسبح والتين مفرقًا أخرجه الطبري وغيره قال الحافظ سنده صحيح إن كان الذاكر له صحابيًّا وإلَّا فحسن لشواهده وأخرج عبد بن حميد أيضًا من طريق صالح أبي الخليل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه ورجاله ثقات لكنه مرسل أو معضل ومع تعدد هذه الطرق يتضح أن إطلاق كون هذا الحديث ضعيفًا ليس بمتجه والله أعلم، اهـ. وقول الحافظ وهذا يخالف صنيعه في الأذكار إلخ، سبق قلم من الناسخ إذ ليس في الأذكار تعرض لذلك والظاهر في التبيان والله أعلم. خاتمة وجب القيام للقراءة والقعود للتشهد بخلاف الركوع والسجود والاعتدال والجلوس بين السجدتين لالتباس الأولين بالعادة فوجب تمييزهما عنها وهو حاصل بذلك بخلاف الركوع والسجود فهما ممتازان عنها بذاتهما فلم يحتاجا إلى مميز آخر والاعتدال والجلوس بين السجدتين غير مقصودين لذاتهما بل للفصل ومن ثم كانا قصيرين فلم يناسبهما إيجاب شيء منهما إعلامًا بذلك. باب أذكار الركوع الركوع لغة الانحناء وقد يراد به الخضوع قيل وهو من خصائصنا لقول بعض المفسرين في قوله تعالى ({وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)} [البقرة: 43] إنما قال ذلك لأن صلاتهم لا ركوع فيها والراكعون محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته ومعنى اركعي مع الراكعين صلي مع المصلين وهل هو واجب لنفسه أو لغيره الصواب الأول قيل الحكمة في إفراده دون السجود أن في السجود الخضوع الأعظم لما فيه من مباشرة أشرف ما في الإنسان لمواطئ الأقدام فناسب تكريره لأنه

قد تظاهرت الأخبار الصحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يكثر للركوع وهو سُنَّة، ـــــــــــــــــــــــــــــ المتكفل بالمقصود ونيل المأمول والركوع وسيلة ومقدمة فأفرد. قوله: (قد تظَاهرتِ الأَخبارُ الصحيحَةُ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنهُ كَانَ يكبرُ للركوعِ) قال الحافظ فمن ذلك حديث ابن مسعود رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبر في كل رفع ووضع ويسلم عن يمينه ويساره ورأيت أبا بكر وعمر يفعلان ذلك قال الحافظ بعد تخريجه حديث صحيح أخرجه أحمد والطحاوي والترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح قال وفي الباب عن أبي هريرة وأنس وابن عمر وأبي مالك الأشعري وأبي موسى الأشعري وعمران بن حصين ووائل بن حجر وابن عباس قال الحافظ وفيه عن علي وأبي سعيد الخدري وعبد الرحمن بن أبزى وغيرهم فحديث أبي هريرة أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وحديث أنس أخرجه أحمد والنسائي وحديث ابن عمر أخرجه أحمد والنسائي وحديث أبي مالك الأشعري أخرجه أحمد وحديث أبي موسى أخرجه ابن ماجة وأسانيد هذه الطرف حسان وحديث عمران بن حصين أخرجه الشيخان وحديث وائل أخرجه أحمد وهو حديث حسن وحديث اين عباس أخرجه البخاري وحديث علي أخرجه الدارقطني في غرائب مالك ورواته ثقات لكن في سنده انقطاع وقال الحافظ بعد تخريجه إنه حديث غريب وأخرجه مالك في الموطأ عن علي بن الحسين مرسلًا وقال الدارقطني إن الصواب ما في الموطأ وحديث أبي سعيد صحيح أخرجه أحمد والبيهقي وفي البخاري بعضه وحديث جابر أخرجه البزار بسند فيه ضعف وهو في الموطأ من وجه آخر صحيح إلَّا أنه موقوف عليه وحديث ابن أبزى حديث غريب أخرجه أحمد والترمذي اهـ. باختصار قال ولفظ حديث ابن أبزى صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان لا يتم التكبير قال الحافظ ويمكن حمل النفي فيه على الجهر فقد جاء عن جماعة من السلف أنهم كانوا لا يكبرون في كل رفع وخفض ومنهم من خصه بالرفع ومنهم من خصه بالجهر وأغفل إنه شرع للإعلام فيكتفي في الجهر به بحالة الرفع من السجود ونحوه فإنه قد يخفى وقد جاء في حديث آخر عن جماعة من الصحابة منهم من لم يسم وذلك عن عباس بن سهل بن سعد إنه كان في مجلس فيه جماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم أبوه

ولو تركه كان مكروهًا كراهة تنزيه، ولا تبطل صلاته ولا يسجد للسهو، وكذلك جميع التكبيرات التي في الصلاة هذا حكمها، إلا تكبيرة الإحرام، فإنها ركن لا تنعقد الصلاة إلا بها، وقد قدمنا عدّ تكبيرات الصلاة في أول أبواب الدخول في الصلاة. وعن الإمام أحمد رواية: أن جميع هذه التكبيرات واجبة. وهل يستحب مدُّ هذا التكبير؟ فيه قولان للشافعي رحمه الله، أصحهما وهو الجديد: يستحب مده إلى أن يصل إلى حد الراكعين، فيشتغل بتسبيح الركوع لئلا يخلو جزء من صلاته عن ذِكْر، بخلاف تكبيرة الإحرام، فإن الصحيح استحباب ترك المد فيها لأنه يحتاج إلى بسط النية عليها، فإذا مدها شقَّ عليه، وإذا اختصرها سهل عليه، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأبو هريرة وأبو حميد وأبو أسيد فقال أبو حميد أنا أعلمكم بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث وفيه إنه كبر حين افتتح وحين ركع وحين سجد وحين رفع وفيه أنهم وافقوه على ذلك قال الحافظ بعد تخريجه حديث صحيح أصله في البخاري بغير سياقه قوله: (لوْ تَركهُ) أي السنة التي هي التكبير للركوع وفي نسخة (تركه) أي التكبير (كان مكروهًا) قال في المجموع يكره تعمد ترك التسبيح وسائر أذكار الركوع والسجود وقول سمع الله لمن حمده وربنا لك الحمد وتكبير غير التحرم للخلاف في البطلان بذلك اهـ، ولما فيه من مخالفة الإجماع قوله: (وَعَنْ أحمَد روَايةٌ إلخ) وكذا قال بوجوب نحو التسبيح كما سيأتي حكايته عنه آخر الباب. وأجيب عنه بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر للمسيء صلاته غير تكبيرة الإحرام وكان ذلك أولى بالتعليم لأنه أخفى ولأنه إذا جهل الركوع والسجود جهل هذا بالأولى وبه يندفع اختيار الرازي الوجوب قال لقيام الدليل عليه من خارج وهو أمره بها في قوله اجعلوها في ركوعكم كذا في الإيعاب ثم (رواية) يقرأ بالرفع منونًا مبتدأ مؤخر قوله: (أَن جميعَ هَذِه التكبيرَاتِ إلخ) في تأويل مصدر بدل منه والتقدير وعن الإمام رواية وجوب التكبيرات المذكورة قوله: (وهَلْ يُسْتَحبُّ مد هذَا التكبيرِ إلخ) السنة أن يبدأ في التكبير حال قيامه ويرفع يديه كالإحرام مع ابتداء التكبير فإذا حاذى كفاه منكبيه انحنى كما في المجموع نقلًا عن الأصحاب وفي البيان وغيره نحوه

وهكذا حكم باقي التكبيرات، وقد تقدم إيضاح هذا في "باب تكبيرة الإحرام"، والله أعلم. فصل: فإذا وصل إلى حد الراكعين، اشتغل بأذكار الركوع فيقول: "سُبْحانَ رَبِّيَ العَظِيمِ، سُبْحانَ رَبِّيَ العَظِيمِ، سُبْحانَ رَبِّي العَظِيمِ". ـــــــــــــــــــــــــــــ ونص عليه في المختصر وصوبه في المهمات والرفع هنا كالرفع عند تكبيرة الإحرام أي حذو المنكبين ولو لم يرفع حتى فرغ التكبير لم يتداركه كما نص عليه في الأم أو قبل أن رفع ويمد التكبير إلى انتهاء هويه لئلا يخلو جزء منه عن الذكر ولا ينظر إلى طول المد ولا فرق في استحباب مد التكبير في محاله بين السر والجهر قوله: (وهذَا حُكمُ باقي التكبيرَاتِ) المشار إليه هو أن الأصح استحباب المد في التكبيرات كما يدل عليه قوله: (وقَدْ تقدَّمَ إِيضَاحُ هَذَا إلخ) وليس المشار إليه ترك المد لأنه إنما ذكر على سبيل التبعية لبيان الفرق فافهم وبه يندفع ما كتبه الأهدل بناء على ما فهمه مما ذكر آخرًا الذي سبق في تكبيرة الإحرام استحباب مد ما عداها إلى أن يصل إلى انتهاء الركن اهـ. فصل قوله: (إِذَا وصَلَ إلى حدِّ الرَّاكعين) وهو بالنسبة للقائم أن ينحني انحناءً خالصًا إلى أن يصير بحيث تصل راحته إلى ركبته وللقاعد أن يحاذي جبهته ما بين ركبتيه. قوله: (سبحانَ ربي العظيمِ) تكراره ثلاث مرات كما ذكره المصنف هو الأكمل ثم هو بفتح الياء التحتية وتسكن وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه لما نزلت ({فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)} [الواقعة: 74] قال - صلى الله عليه وسلم - اجعلوها في ركوعكم ولما نزلت {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} [الأعلى: 1] قال اجعلوها في سجودكم رواه أبو داود وابن حبان والدارمي وفي شرح العباب أن إسناد خبر أبي داود وابن ماجة حسن زاد أبو داود في رواية أخرى فكان - صلى الله عليه وسلم - إذا ركع قال سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثًا وإذا سجد قال سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاثًا وفي سندها مجهول صرح به الحاكم ووثقه ابن حبان فكانت حسنة ووجه التخصيص إن الأعلى أبلغ من العظيم فجعل في الأبلغ في التواضع وهو السجود الأفضل وسيأتي حديث أقرب ما يكون

فقد ثبت في "صحيح مسلم" من حديث حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في ركوعه الطويل الذي كان قريبًا من قراءة (البقرة) و (النساء) و (آل عمران): "سُبْحانَ رَبِّيَ العَظِيمِ" ومعناه: كرَّر سبحان ربي العظيم فيه، كما جاء مبينًا في "سنن أبي داود" وغيره. وجاء في كتب السنن: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قال أحَدُكُمْ: سُبْحانَ رَبي العَظِيمِ ثلاثًا فَقَدْ تم رُكُوعُهُ". ـــــــــــــــــــــــــــــ العبد من ربه وهو ساجد فربما يتوهم قرب المسافة فندب سبحان ربي الأعلى أي عن قرب المسافة دفعًا لذلك الوهم وهذا التخصيص باعتبار الأفضل فلو عكس فجعل تسبيح الركوع في السجود أو عكسه حصل أصل السنة وسبحان منصوب على المصدر عند الخليل والفراء كالتسبيح على أنه اسم صدر عن سيبويه والعظيم قال الرازي معناه الكامل في ذاته وصفاته ومعنى الجليل الكامل في صفاته ومعنى الكبير الكامل في ذاته. قوله: (فقدْ ثَبتَ في صحيح مُسلم إلخ) قضية هذا الحديث إنه لا يتقيد التسبيح في الركوع وكذا السجود بعدد واختاره السبكي وتبعه الأذرعي. قوله: (كَمَا جاءَ مبينًا في سُننِ أَبِي دَاودَ) قال الحافظ بعد تخريجه عن حذيفة أنه صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما كبّر قال الله أكبر ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة ثم قرأ البقرة ثم ركع فكان ركوعه قريبًا من قيامه يقول سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم الحديث هذا حديث حسن فإن صح ظن شعبة أن الرجل المبهم في سنده هو أصله من زفر فالحديث صحيح والحديث عند الترمذي والنسائي ولعله مراد الشيخ من قوله "وغيره". قوله: (وجاءَ في كتبِ السننِ أَنهُ - صلى الله عليه وسلم - قَال إِذَا قَال أحدكم سبحانَ ربي العظيم ثَلاثًا فقدْ تَم ركوعهُ) في المشكاة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ركع أحَدكم فقال في ركوعه سبحان ربي العظيم ثلاث مرات فقد تمّ ركوعه وذلك أدناه ومن قال في سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات فقد تم سجوده وذلك أدناه رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجة وقال الترمذي إسناده

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ليس بمتصل لأن عونًا لم يلق ابن مسعود اهـ قال الحافظ وكذا قال البيهقي لكن عبر بقوله لم يدرك ثم ساق له شاهدًا عن أبي جعفر محمد وعلي بن الحسين عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال سبحوا ثلاث تسبيحات ركوعًا وثلاث تسبيحات سجودًا هذا حديث مرسل أو معضل لأن أبا جعفر محمدًا هذا من صغار التابعين وجل روايته عن التابعين اهـ. وفي البدر المنير لابن الملقن بعد ذكر كلام الترمذي ولذا قال الشافعي في الأم بعد إن رواه مرفوعًا إن كان الحديث ثابتًا فإنما يعني بقوله تم ركوعه وذلك أدناه أي أدنى ما ينسب إلى كمال الفرض والاختيار معًا لإكمال الفرض وحده قال البيهقي إنما قال إن كان ثابتًا لأن الحديث منقطع اهـ. قال ابن حجر في شرح المشكاة ولا يضر ذلك لأن المنقطع يعمل به في الفضائل إجماعًا ومن ثم عمل به فقالوا يسن للمصلي أن يسبح سرًّا في ركوعه وسجوده اهـ. قال الحافظ بعد تخريجه حديث ابن مسعود هذا حديث غريب وقال قال الطبراني ولا يروى هذه اللفظة وذلك أدناه إلَّا في هذا الحديث تفرد به ابن أبي ذئب قال الحافظ وقع في رواية الشافعي في المرسل الذي أخرجه البيهقي شاهدًا لحديث ابن مسعود ما يشعر بهذه الزيادة ولفظه عن جعفر بن محمد عن أبيه جاءت الحطابة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا إنا لا نزال سفرًا فكيف نصنع بالصلاة قال سبحوا ثلاث تسبيحات ركوعًا وثلاث تسبيحات سجودًا وورد التثليث في عدة أخبار بدون زيادة وذلك أدناه أخرجه ابن خزيمة من حديث حذيفة كان - صلى الله عليه وسلم - يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم ثلاثًا وفي سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاثًا حديث حسن وأخرجه أيضًا العمري والدارقطني زاد في روايته وبحمده في الموضعين وأخرج البزار من حديث أبي بكر كذلك ولم يقل وبحمده وأخرج الدارقطني مثله من حديث جبير بن مطعم وعبد الله بن أقدام والطبراني في الكبير من حديث أبي مالك الأشعري بنحوه وفي سند كل منهما ضعف وعند الطبراني كان ابن مسعود إذا ركع قال سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثًا وكان يذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقوله وفيه ضعف وفي سنده انقطاع وله شاهد من

وثبت في "الصحيحين" عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في ركوعه وسجوده: "سُبْحانَكَ اللهُم رَبنا وبِحَمْدِكَ، اللهُم اغْفِرْ لي". ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث عقبة بن عامر أخرجه أبو داود بمثل هذا اللفظ وزاد وإذا سجد قال سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاثًا وفي سنده مبهم وأخرج أبو داود عن السعدي عن أبيه أو عمه قال رقبت النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان يمكث في ركوعه وسجوده بقدر ما يقول سبحان الله وبحمده ثلاثًا والسعدي لا يعرف اسمه ولا اسم أبيه ولا عمه اهـ، ولعل ذكر وبحمده في هذه الروايات مراد الشيخ بقوله في بعض النسخ المصححة: "وجاء في كتب السنن أنه - صلى الله عليه وسلم - قال إذا قال أحدكم سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثًا فقد تم ركوعه" والذي خرج عليه الحافظ بإسقاط قوله وبحمده قال في شرح المشكاة ويحصل أصل السنة بنحو سبحان الله وسبحان ربي الأعلى مرة كما في المجموع وأدنى كمال العدد المطلوب فيها سبحان ربي العظيم أو الأعلى ثلاثًا وأعلاه لكن لمنفرد وإمام محصورين راضين لم يتعلق بعينهم حق أحد عشر فتسع فسبع فخمس أما إمام غير محصورين فتكره له الزيادة والأفضل أن يأتي بعد التسبيح بما يأتي من اللهم لك ركعت إلخ. وإن اقتصر على التسبيح أو الذكر المذكور فالتسبيح أفضل لما فيه من الأحاديث الكثيرة وثلاث تسبيحات معه أفضل من حذفه وزيادة التسبيح على الثلاث اهـ. قوله: (وثَبتَ في الصَّحِيحيْنِ عَنْ عائشَة رَضيَ الله عَنها) قال الحافظ بعد تخريجه عنها بهذا اللفظ وفي رواية كان يكثر أن يقول إلخ. حديث صحيح وكذا رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وفي آخره يتأول القرآن وفي رواية لمسلم ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منذ نزل عليه إذا جاء نصر الله والفتح يصلي صلاة إلا دعا وقال سبحانك ربي وبحمدك اللهم اغفر لي وفي الأم للشافعي كل ما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ركوع أو سجود أحببت أن لا يقصر عنه ثم قال فمن ذلك عن عائشة إلخ. اهـ، فيسن جميع ما ورد فيه كما سيأتي وصح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال لما نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جاء نصر الله كان يكثر إذا قرأها ويركع إن يقول سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم وأخذ منه الأسنوي إنه يسن الدعاء في الركوع وتبعه الزركشي وزاد عن الأم أنه إن دعا فيه فلا شيء عليه إلَّا أن يريد به

وثبت في "صحيح مسلم" عن علي رضي الله عنه: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ركع يقول: "اللهُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ القنوت فيسجد للسهو قال وذكر الأصحاب في الكسوف إنه يسبح فيه ويسجد أي فهذا شاهد لما بحثه الأسنوي وترجم في البخاري باب الدعاء في الركوع قال الحافظ في الفتح قصد الإشارة إلى الرد على من كره الدعاء فيه كمالك واحتج بحديث وأما الركوع فعظموا فيه الرب لكنه لا مفهوم له فلا يمتنع في الركوع كما لا يمتنع التعظيم في السجود وظاهر حديث عائشة إنه كان يقول هذا الدعاء كله في الركوع وكذا في السجود اهـ. قال المصنف في شرح مسلم في قوله في الحديث يتأول القرآن أي يعمل ما أمر به في قوله سبحانه {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [الحجر: 98] إلخ، فكان - صلى الله عليه وسلم - يقول هذا الكلام البديع في الجزالة ليستوفي ما أمر به في الآية وكان يأتي به في الركوع والسجود لأنه حالة الصلاة أفضل فاختار هذا الواجب للذي أمر به ليكون أكمل قال الحافظ معنى يتأوله يخص عمومه ببعض الأحوال وقد جاء في رواية أخرى ما يدل على التخصيص بحال الصلاة أخرج أبو نعيم في المستخرج عن عائشة قالت كان - صلى الله عليه وسلم - يكثر قبل موته من قول سبحان ربي وبحمده أستغفر الله فيسأل فقال أخبرني ربي إني سأرى علامة في أمتي فقد رأيتها قال الحافظ أخرجه مسلم اهـ. ثم الباء في وبحمدك قيل متعلقة بسبحان أي وبحمدك سبحتك ومعناه بتوفيقك لي وهدايتك وفضلك علي سبحتك لا بحولي وقوتي ففيه شكر الله تعالى على هذه النعمة والاعتراف بها والتفويض إلى الله تعالى وإن كل الإفضال له اهـ، والحكمة في الإتيان بضمير المتكلم ومعه غيره في قوله ربنا وفي إفراده في قوله اللهم اغفر لي إنه لما أضيف إلى الله ذي الكمال الحائز لصنوف الجمال والجلال أتى بضمير "نا" لأنه دال على التفخيم ولما كان مقام العبد مقام الافتقار والتذلل والانكسار أتى بضمير الواحد الفقير الذليل لعز مولاه الجليل. قوله: (وثَبتَ في صحيح مُسلم عَنْ عَلي) هو حديث طويل فيه دعاء الافتتاح وجهت وجهي إلى قوله والشر ليس إليك وما يقال في الركوع والسجود وبعد التشهد والمصنف ذكر بعضه مفرقًا في أماكن وهو جائز ويفعله كثيرًا البخاري في صحيحه وقد تقدم ذكر من

لكَ رَكعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، ولكَ أسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي، ومُخِّي، وعَظْمِي، وعَصَبي". وجاء في كتب السنن: "خَشَعَ سَمْعِي وبَصَرِي، ومُخِّي وعَظْمِي وما اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَدَمي لِلَّهِ رب العالمين. ـــــــــــــــــــــــــــــ خرجه وإيضاح ما يتعلق به في باب دعاء الافتتاح وأخرجه الحافظ مختصرًا فقال عن علي بن أبي طالب قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ركع قال اللهم لك ركعت ولك أسلمت وبك آمنت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي ثم قال هذا حديث صحيح أخرجه أحمد قال وأخرجه مسلم من وجه آخر في الحديث الطويل الذي فيه دعاء الافتتاح اهـ، وفي وجبات الرحمة اللهم لك ركعت إلى قوله وعصبي رواه مسلم وأبو داود والنسائي والطبراني من حديث علي وفي رواية للنسائي، وعليك توكلت أنت ربي خشع سمعي وبصري ولحمي ودمي ومخي وعصبي لله رب العالمين ورواه يعني النسائي من حديث جابر بن عبد الله إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ركع قال اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع سمعي وبصري ودمي ولحمي وعظمي وعصبي لله رب العالمين ورواه الطبراني وقال وعظامي اهـ، بتلخيص. قوله: (لكَ ركَعْتُ) أي لك لا لغيرك لتقديمه على العامل وهو ركعت أي خضعت وأنت أولى المتفضلين على الأذلاء المنكسرين ومثله في إفادة الحصر ما بعده. قوله: (وبكَ آمنْتُ) أي بك وجودًا وكمالًا وإنعامًا وإفضالًا آمنت. قوله: (ولكَ أسْلمْتُ) أي انقدت لأمرك وقضائك فافعل ما تريد فإنه لا يستحق عليك أحد شيئًا من النعيم بل الكل من فضلك وإحسانك وإن أطنب العباد في مقام الحمد. قوله: (خَشعَ لَكَ سَمعي إلخ) أي خضع وتواضع وسكن وانقاد لك وإسناد الخشوع إلى هذه الأمور التي ليس من شأنها الإدراك والتأثر كناية عن كمال الخشوع والخضوع لله حتى كان تمام أعضائه خاشعة خاضعة لربها وقيل خشع سمعي فلا يسمع إلّا منك وبصري فلا يبصر إلَّا بك وإليك ومخي فلا يعي إلّا عنك وعظمي وعصبي بفتحتين فلا يقومان ولا يتحركان إلّا في طاعتك وليحذر أن يكون حال قوله هذا الذكر غير متلبس بما دل عليه مما أشرف إليه وإلا كان كاذبًا بين يدي الحق فيخشى عليه المقت والطرد إلَّا أن يريد أن تلك الأعضاء بصورة الخاشعة قال التاج السبكي وهذا خير من جريان الألفاظ على اللسان اعتيادًا من غير حضور البتة اهـ. قوله: (وجاءَ في كتُب السنَنِ خَشعَ سمعي) رواه ابن حبان في صحيحه من حديث جابر وفي

وثبت في "صحيح مسلم" عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في ركوعه وسجوده: "سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ المَلائِكَة والرُّوحِ" قال أهل اللغة: سُبُّوح قُدُوس: بضم أولهما ـــــــــــــــــــــــــــــ رواية للنسائي من حديثه خشع سمعي وبصري ودمي ولحمي وعصبي لله رب العالمين قال الحافظ ما رأيته هكذا إلَّا في رواية للنسائي من غير حديث علي ووقع لي من حديث علي من طريق الطبراني كذلك إلَّا إنه قال وعظامي ولم يقل لك بعد خشع وزاد وما استقلت به قدمي لله رب العالمين ورواة هذا الإسناد لا بأس بهم بل هم من رجال الصحيح إلّا واحدًا منهم اهـ، وقوله: (وَمَا استقلَّتْ بهِ قَدَمِي) بإسكان الياء وكسر الميم مفرد مضاف إذ لو كان مثنى لوجبت الألف المراد به جملته فهو تعميم بعد تخصيص لمزيد المبالغة بذكر الشيء مرتين. قوله: (وثَبتَ في صحيح مُسلم عَنْ عائِشةَ رَضيَ الله عَنْها) ورواه أبو داود والنسائي أيضًا وأخرجه الحافظ من طريق أحمد وأشار إلى أن الطبراني أخرجه في كتاب الدعاء له. قوله: (في رُكوعهِ وسُجودِه) قال الحافظ بعد تخريجه كذلك هكذا أخرجه مسلم وأبو داود من رواية هشام الدستوائي ورواه شعبة مقتصرًا على الركوع وأشار إلى رواية هشام بزيادة السجود ورواه معمر عن قتادة بالشك وقد تابع هشامًا على الجمع بينهما سعيد بن أبي عروبة ثم أخرج الحافظ حديث معمر عن عائشة قالت كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في ركوعه أو سجوده فذكر مثله وقال الحافظ أخرجه أحمد ورويناه في مسند أبي العباس السراج حدثنا إسحاق بن إبراهيم يعني ابن راهويه أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن مطرف عن عائشة ولم يسق لفظه بل قال مثله يعني رواية سعيد بن أبي عروبة فما أدرى أوقع كذلك في رواية إسحاق أو تجوز السراج اهـ. قوله: (رَبُّ الملائِكةِ) أضيفت التربية إليهم بخصوصهم لكونهم أعظم العوالم وأطوعهم لله وأدومهم عليها فلا يلزم منها فضلهم على البشر. قوله: (والروح) هو جبريل لقوله تعالى {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193)} [الشعراء: 193] أو ملك من أعظم الملائكة خلقًا كما أخرجه جمع عن ابن عباس أو حاجب لله يقوم بين يديه يوم القيامة وهو أعظم الملائكة لو فتح فاه لوسع جميع الملائكة والخلق إليه ينظرون فمن مخافته لا يرفعون طرفهم إلى من فوقه أخرجه أبو الشيخ عن الضحاك أو ملك له سبعون

وبالفتح أيضًا: لغتان، أجودهما وأشهرهما وأكثرهما: الضم. ـــــــــــــــــــــــــــــ ألف وجه ولكل وجه سبعون لسان ولكل لسان سبعون ألف لغة يسبح الله تعالى بتلك اللغات لها يخلق الله تعالى من كل تسبيحة ملكًا يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة أخرجه جمع أئمة عن علي رضي الله عنه لكن سنده ضعيف أو ملك له عشرة آلاف جناح جناحين منها ما بين المشرق والمغرب له ألف وجه في كل وجه ألف لسان وعينان وشفتان يسبحان الله تعالى إلى يوم القيامة أخرجه جمع عن ابن عباس أو ملك أشرف الملائكة وأقربهم من الرب وهو صاحب الوحي أخرجه ابن المنذر وغيره عن مقاتل بن حبان أو ملك في السماء الرابعة أعظم من السموات والجبال ومن الملائكة يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة يخلق الله تعالى من كل تسبيحة ملكًا من الملائكة يجيء صفًّا وحده أخرجه ابن جرير عن ابن مسعود أو خلق على صور بني آدم أخرجه جمع أئمة عن ابن عباس وعن مجاهد وأخرج جمع عن الروح أنهم يأكلون ولهم أيدٍ وأرجل ورؤوس وليسوا بملائكة وجمع عن ابن عباس ما نزل من السماء ملك إلَّا ومعه واحد من الروح وأخرج جمع حفاظ عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنه قال الروح جند من جنود الله ليسوا بملائكة لهم رؤوس وأيدٍ وأرجل ثم قرأ {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا} [النبأ: 38] قال هؤلاء جند وهؤلاء جند وأخرج جمع عن عبد الله بن بريدة قال ما يبلغ الإنس والجن والملائكة والشياطين عشر الروح وأخرج أبو الشيخ عن سليمان إن الإنس عشر الجن والجن عشر الملائكة وهم عشر الروح وهم عشر الكروبيين وعن أبي نجيح الروح حفظة على الملائكة وعن مجاهدهم منهم لكنهم لا يرونهم. قوله: (وبفتْحِ) وهو الأقيس قال ثعلب كل اسم على وزن فعول فهو مفتوح الفاء إلا السبوح والقدوس فالضم فيهما أكثر وهما اسمان وضعا للمبالغة في النزاهة والطهارة عن كل ما لا يليق بجلال الحق وجماله وكبريائه وعظمته وإفضاله وهما خبران عن مبتدأ محذوف أي ركوعي وسجودي لمن هو البالغ في النزاهة والطهارة المبلغ الأعلى وقيل منصوبان

وروينا عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: "قمت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام، فقرأ (سورة البقرة) لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوذ، قال: ثم ركع بقدر قيامه، يقول في ركوعه "سُبْحانَ ذِي الجَبَرُوتِ والمَلَكوتِ والكبرِياءِ والعَظَمَةِ"، ثم قال في سجوده مثل ذلك، هذا ـــــــــــــــــــــــــــــ بتقدير أسبح مثلًا. قوله: (ورَوينا عَنْ عَوفِ بْنِ مالكٍ) وأبي مالك بن أبي عوف الأشجعي الغطفاني أول مشاهده الفتح وكان حامل راية قومه يومئذٍ سكن دمشق وكان داره بها عند سوق الغزل العتيق وتوفي سنة ثلاث وسبعين وأما قول الشيخ أبي إسحاق في مهذبه إن عوف بن مالك رجع عليه سيفه يوم خيبر فقتله فغلط صريح إنما ذلك عامر بن الأكوع نبه عليه المصنف في التهذيب روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعة وستون حديث أخرجا له في الصحيحين منها ستة أحاديث انفرد البخاري بواحد ومسلم بالباقي وخرج عنه الأربعة روى عنه جبير بن نفير والشعبي وعدة. قوله: (قُمتُ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -) يحتمل أنه كان في نقل لا يسن فيه الجماعة فائتم به على خلاف السنة وأقره - صلى الله عليه وسلم - لبيان الجواز أو في نفل تسن فيه أو فرض والتطويل لعلمه برضاهم أو لبيان الجواز أو لتمكنهم من المفارقة لأنها إنما تكره وتمنع فضل الجماعة حيث لا عذر كتطويل الإمام. قوله: (يقولُ في ركوعِهِ) استئناف جواب عما يقوله في الركوع ويصح كون الجملة في محل الحال. قوله: (ذِي الجبَروتِ إلخ) الجبروت الجبر والجبار الذي يقهر غيره على ما أراده والملكوت الملك والعزة وهما بفتح أولهما والتاء فيهما زائدة والكبرياء بالمد الترفع والتنزه عن كل نقص وقيل هي عبارة عن كمال الذات وكمال الوجود ولا يوصف بها إلّا الله تعالى والعظمة تجاوز القدر عن الإحاطة وناسبت هذه الصفات الأربع الركوع والسجود لأن القصد فيهما التعظيم والثلاثة قبل العظمة أعظم مظاهرها. قوله: (رَوَاهُ أَبُو داودَ) قال في السلاح واللفظ لأبي داود قال الحافظ والحديث حسن أخرجه أحمد وأورده الحافظ من طريق الطبراني في كتاب الدعاء لكن اختصر واقتصر فيه على الذكر المذكور وأشار إلى أنه عند الإمام أحمد قال إنما لم أخرجه من طريقه لأنه لم يقع مع جميع

حديث صحيح، رواه أبو داود، والنسائي في "سننهما"، والترمذي في كتاب "الشمائل" بأسانيد صحيحة. وروينا في "صحيح مسلم" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فأمّا الركوعُ فعَظِّمُوا فِيهِ الرب". واعلم أن هذا الحديث الأخير هو مقصود الفصل، وهو تعظيم الرب سبحانه وتعالى في الركوع بأي لفظ كان، ولكن الأفضل أن يجمع بين هذه الأذكار كلها إن تمكن من ذلك بحيث لا يشق على غيره، ويقدم التسبيح منها، فإن أراد الاقتصار ـــــــــــــــــــــــــــــ مسند عوف بن مالك من مسند أحمد في رواية ابن المذهب. قوله: (حدِيث صحيح إلخ) قال الحافظ فيه نظر من وجهين أحدهما الحكم بالصحة وفي سنده عاصم بن حميد ليس من رجال الصحيح وهو صدوق مقل الثاني إن الحديث ليس له في الكتب المذكورة طريق إلى هذه ومداره عندهم على معاوية بن صالح وهو يرويه عن عمرو بن قيس قال سمعت عاصم بن حميد قال سمعت عوفًا إلخ. فليس ثم أسانيد صحيحة بل ولا دونها ومعاوية وإن كان من رجال مسلم مختلف فيه فغاية ما يوصف به أن يعد ما يوصف به حسنًا وتعدد الطرق إليه لا يستلزم مع تفرده تعدد الأسانيد للحديث بغير تقييد والعلم عند الله والله أعلم، اهـ. قوله: (فأَما الرُّكوعُ فعظِّمُوا فيهِ الرب) أول الحديث إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا فأما الركوع إلخ، وسيأتي ما يتعلق بتخريجه ومرتبته في الفصل بعده وقوله وأما الركوع فعظموا فيه الرب بالذكر دون القراءة لأنكم منهيون عنها كما سيأتي في حديث علي رضي الله عنه ونكتة قوله فأما الركوع إلخ، إنه لما كان قوله نهيت إلخ، ربما يوهم تخصيص مقتضى ذلك الخبر به أشار إلى دفعه والإعلام بعموم ذلك بقوله وأما الركوع إلخ. قوله: (يجمعَ بينَ هذهِ الأَذكارِ إِنْ تمكن) أي وكان منفردًا أو إمام من مر وظاهر أن الركوع فيما ذكر كل ما ورد فيه أذكار متعددة بروايات متنوعة من الاعتدال والسجود والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - والتشهد وقول بعض الشافعية والحنابلة إن التلفيق يستلزم إحداث صفة لم ترد مجموعة

فيستحب التسبيح، وأدنى الكمال منه ثلاث تسبيحات، ولو اقتصر على مرة كان فاعلًا لأصل التسبيح. ويستحب إذا اقتصر على البعض أن يفعل في بعض الأوقات بعضها، وفي وقت آخر بعضًا آخر، وهكذا يفعل في الأوقات حتى يكون فاعلا لجميعها، وكذا ينبغي أن يفعل في أذكار جميع الأبواب. واعلم أن الذِّكْر في الركوع سُنَّةٌ عندنا، وعند جماهير العلماء، فلو تركه عمدًا أو سهوًا لا تبطل صلاته، ولا يأثم، ولا يسجد للسهو. وذهب الإمام أحمد بن حنبل وجماعة إلى أنه واجب، فينبغي للمصلي المحافظة عليه للأحاديث الصريحة الصحيحة في الأمر به كحديث ابن عباس رضي الله عنهما: "أما الركوع فعظموا فيه الرب"، وغيره مما سبق، وليخرج عن خلاف العلماء رحمهم الله، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ في حديث واحد فالأولى الإتيان بكل ما ثبت هذا مرة وهذا مرة وهكذا يرده جمع الأئمة لأذكار السجود والتشهد وقولهم إن الإتيان بها كذلك هو الأفضل إلَّا لإمام يكره له التطويل ولا نسلم إن استلزام الجمع لذلك ينافي أفضليته كيف وهو كله من كلامه - صلى الله عليه وسلم - الذي أمرنا بالتأسي به واختلاف الروايات فيه محمول على أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ. غيره وممن جمع ذلك المصنف لكن اختلف كلامه في كتبه ولم يستوعب كل ما ثبت. قوله: (يستحَبُّ التسبيحُ) لأن الوارد فيه أكثر ويكره الجهر بالتسبيح فيه وكذا باقي الأذكار فيه وفي السجود وغيرهما والله أعلم. قوله: (ويُستحب إِذَا اقتصرَ عَلَى البعضِ) أي إما لعدم تمكنه من الجميع أو لعدم إرادته ذلك. قوله: (أَنْ يفعلَ في بعضِ الأَوقاتِ بعضَها) يحتمل أن يكون مع الإتيان بالتسبيح ويحتمل الاقتصار على ذلك البعض والعبارة للأخير أقرب وفعل ذلك لئلا يهجر باقي الأذكار نظير ما تقدم في اعتياد سورة معينة في القرآن والله أعلم. قوله: (فينبغِي للمصلي أَنْ يُحافظَ عليْهِ) في المجموع يكره تعمد ترك التسبيح وسائر أذكار الركوع والسجود وقول سمع الله لمن حمده وربنا لك الحمد وتكبير غير التحرم للخلاف في البطلان اهـ.

فصل: يكره قراءة القرآن في الركوع والسجود، فإن قرأ غير الفاتحة لم تبطل صلاته، وكذا لو قرأ الفاتحة لا تبطل صلاته على الأصح، وقال بعض أصحابنا: تبطل. ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل: يكره قراءة القرآن في الركوع والسجود وكذا في باقي الأذكار غير القيام قياسًا عليها كما في المجموع ناقلًا فيه اتفاق العلماء والكراهة تنزيهية عند الأكثر وقيل تحريمية قيل وهو القياس إذ هو الأصل في النهي إلّا أن يصرف عنه صارف وكأن حكمة ذلك أن أفضل الصلاة القيام وأفضل الأذكار القرآن فجعل الأفضل للأفضل ونهى عن جعله في غيره لئلا يوهم استواءه مع غيره من الأذكار ويوافقه قول الخطابي لما كان الركوع والسجود غاية الذل والخضوع وخصا بالذكر والتسبيح نهى - صلى الله عليه وسلم - عن القراءة فيهما كأنه كره أن يجمع بين كلام الله وكلام الخلق في موضع لئلا يظن استواؤهما اهـ. ملخصًا وفي قراءة الفاتحة في غير القيام قول لبعض أصحابنا ببطلان الصلاة لأنه ركن قولي وهو كالفعل وإليه أشار بقوله: (وَقَال بعضُ أَصحابنَا تبطلُ) وظاهر الحديث النهي عن القراءة في غير القيام ولو بغير قصدها كالدعاء وهو ظاهر كلام أصحابنا فقول بعض المتأخرين لا كراهة إن قصد الدعاء والثناء ضعيف، ويفرق بين ما هنا وما يأتي من أن القصد من القنوت الدعاء وهو لا يتعين له لفظ فكانت قراءة الآية المتضمنة للدعاء محصلة للمقصود ومانعة لحرج الترك المقتضي لسجود السهو تسهيلًا على المكلف وأما غير القنوت فليس القصد فيه ذلك فكان القصد ما يصرح به كلامهم من كراهة القراءة فيه مطلقًا ثم كلامه متنافٍ في حالة الإطلاق والوجه فيه الكراهة بناء على اعتماد تقييده وعليه أيضًا فمحله أخذًا مما يأتي في آية فيها نحو ثناء أو دعاء أما نحو آية الدين فالظاهر أنها تكره قراءتها مطلقًا كذا في الإيعاب، والقراءة مطلقًا أي سواء كانت في الله أو في غيره خلافًا لابن عبد السلام أفضل من ذكر من لم يخص بخلاف ما خص بنحو محل فإنه فيه أفضل منها كما تقدم قال ابن عبد السلام في القواعد وذلك لأن لكل

باب ما يقول في رفع رأسه من الركوع وفي اعتداله

روينا في "صحيح مسلم" عن علي رضي الله عنه قال: "نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقرأ راكعًا أو ساجدًا". وروينا في "صحيح مسلم" أيضًا: عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ألا وإني نُهِيتُ أنْ أقْرأ القُرآنَ راكعًا أوْ ساجدًا". باب ما يقول في رفع رأسه من الركوع وفي اعتداله والسنة أن يقول حال رفع رأسه: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ مقام مقالًا يليق به ولا يتعداه ولا يشتغل عن معنى ذكر من الأذكار بمعنى غيره من الأذكار وإن كان أفضل منه لأنه سوء أدب. قوله: (وَرَوَينَا في صحيحِ مسلم إلخ) لفظه نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن التختم بالذهب وعن لباس القسي وعن القراءة في الركوع والسجود قال الحافظ بعد تخريجه أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ولمسلم في رواية أخرى عن علي نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقرأ راكعًا أو ساجدًا قال الحافظ أخرجه مسلم وابن حبان. قوله: (وَرَوَينَا في صحيح مسلم أَيضا) هو من حديث لفظه قال أي ابن عباس كشف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر فقال أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلّا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أر ترى له ألا وأني نهيت أن أقرأ وأنا راكع أو ساجد فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء فقمن إن يستجاب لكم قال الحافظ بعد تخريجه أخرجه أحمد وهذا لفظه وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي اهـ، وذكر الحافظ في باب أذكار السجود شاهدًا لحديث ابن عباس من حديث علي رضي الله عنه مرفوعًا إذا ركعتم فعظموا الرب وإذا سجدتم فاجتهدوا في الدعاء فقمن إن يستجاب لكم وقال الحافظ بعد تخريجه من طرق هذا حديث غريب أخرجه البزار في مسنده قال البزار لا نعلمه عن علي مرفوعًا إلَّا بهذا الإسناد قال الحافظ المنفرد به عبد الرحمن بن إسحاق وهو ضعيف اهـ. باب ما يقول في رفع رأسه من الركوع وفي اعتداله قوله: (السنةُ أَنْ يقولَ حال رفع رَأْسهِ) أي مع رفع يديه كما في التحرم ويكون مع بدو رفع رأسه. قوله: (سَمعَ الله لمَنْ حمدَهُ) أيَ تقبل الله منه حمده وجازاه عليه وقال المصنف معنى سمع أجاب

ولو قال: من حمد الله سمع له، جاز، نص عليه الشافعي في "الأم" فإذا استوى قائمًا قال: "رَبنا لكَ الحَمْدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي من حمد الله متعرضًا لثوابه استجاب له وأعطاه ما تعرض له وفي البدر المنير لابن الملقن وضع سمع موضع أجاب لأن ما لا يجاب كأنه غير مسموع وجاء في بعض الأحاديث ودعاء لا يسمع أي لا يعتد به ولا يجاب فكأنه غير مسموع قاله ابن الأنباري. قوله: (وَلَو قَال مَنْ حمِدَ الله سمعَ الله لَه جازَ) أي لكن الأول أفضل لورود السنة به وكذا يجوز من حمد الله سمعه، إنما أجزأ غير الوارد مما ذكر لتضمنه لفظ الوارد ومعناه وبه فارق الله أكبر. قوله: (قَال ربَّنا لكَ الحمدُ إلخ) أو ربنا ولك الحمد وعن المصنف والرافعي إن ما في المتن أولى وفي المجموع عن الشافعي والأصحاب الثاني أولى لصحة الحديث بكل منهما مع زيادة الثاني فإنه يجمع معنيين الدعاء والاعتراف أي ربنا استجب لنا ولك الحمد على هدايتك إيانا وعلى إن الواو عاطفة لا زائدة خلافًا للأصمعي. فإن قلت يلزم على ما ذكر عطف الخبر على الإنشاء وهو ممتنع. قلت أجازه جمع نحويون وغيرهم وبتقدير اعتماد ما عليه الأكثر من امتناعه فالخبر هنا بمعنى إنشاء الحمد وإيجاده لا الإخبار بأنه موجود إذ ليس فيه كبير فائدة وقال المصنف في شرح المهذب ربنا أطعنا وحمدنا لك الحمد وهو أولى مما قبله لسلامته مما ذكر هو وقال الحافظ اختلف في تخريج الواو فقيل هي عاطفة على شيء محذوف وعليه اقتصر ابن دقيق العيد وقيل حالية وجزم به في النهاية وقيل زائدة ومقتضى قول المصنف إن كلا منهما حسن ويحتمل إنه لا يرى زيادتها والعلم عند الله اهـ. قال الأذرعي وغيره وروايات إثباتها أصح وأكثر وعبارة المجموع وثبت في الأحاديث الصحيحة من روايات كثيرة ربنا ولك الحمد بالواو وفي روايات اللهم ربنا ولك الحمد وكله في الصحيح انتهت وبها يرد على من زعم إن اللهم ربنا إلخ. لم يصح على أنه في البخاري من رواية الأصيلي عن أبي هريرة مرفوعًا إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا ولك الحمد اهـ، وقد يؤخذ منها مع ما مر من التعليل بالزيادة إن اللهم ربنا ولك الحمد أفضل من الثاني إلا أن يجاب بأن زيادة هذا لا تقتضي زيادة في المعنى ولو قال لك الحمد ربنا أو الحمد لربنا حصل أصل

حمْدًا كَئِيرًا طَيبًا مُبارَكًا فيهِ، مِلْءَ السماوَاتِ، ومِلْءَ الأرْضِ، ومِلْءَ ما بَيْنَهُما، ومِلْءَ ما شِئْتَ مِنْ شَيْء بَعْدُ، أهْلَ الثنَاءِ والمَجْدِ، أحَق ما قال العَبْدُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ السنة لأنه أتى باللفظ والمعنى كما تقدم في التسميع. قوله: (حمدا كثيرًا طَيبًا مبارَكًا فيهِ) ذكره كذلك في التحقيق، والمجموع قيل وهو غريب أي من حيث النقل وإلّا فقد صح دليله كما يأتي وزيد في بعض الروايات مباركًا عليه كما يحب ربنا ويرضى قال الحافظ ابن حجر أما قوله مباركًا عليه فيحتمل أن يكون تأكيدًا وهو الظاهر وقيل الأول بمعنى الزيادة والثاني بمعنى البقاء ولما كان الحمد يناسب المعنيين جمعهما كذا قرره بعضهم وأما قوله كما يحب ربنا ويرضى ففيه من جنس التفويض إلى الله تعالى ما هو الغاية في القصد ذكره ميرك. قوله: (مِلْءَ السموَاتِ إلخ) قال الخطابي هو تمثيل وتقريب والمراد تكثير العدد حتى لو قدر ذلك أجسامًا ملأ ذلك كله ولحتمل أن يكون المراد بذلك أجرها وقال غيره المراد بذلك التعظيم لقدرها لا كثرة عددها كما يقال هذه كلمة تملأ طباق الأرض وكان ابن خالويه يرجح فتح الهمزة من ملء والزجاج يرى الرفع فيها أيضًا وكلاهما جائز فالأول على الحال أي مالًا بتقدير جسمه السموات إلخ، وهو المعروف في روايات الحديث كما قاله المصنف في شرح المهذب وعزاه إلى الجمهور والثاني على أنه صفة أو خبر مبتدأ محذوف. قوله: (ومَا بينَهُما) هذه الجملة في رواية لمسلم ولعل تركها لإرادة العلويات والسفليات منهما وهي شاملة لما بينهما لأنه لا يخلو عنهما. قوله: (ومِلءَ مَا شِئْتَ مِنْ شيْءٍ بعدُ) قال القرطبي بعد ظرف قطع عن الإضافة مع إرادة المضاف إليه وهو السموات والأرض مبني على الضم لأنه أشبه حرف الغاية الذي هو منذ والمراد بقوله من شيء بعد العرش والكرسي ونحوهما مما في مقدور الله تعالى ويخلق ما لا تعلمون. قوله: (أَهلَ الثنَاءِ) بالنصب على الاختصاص أو منادى حذف حرف ندائه أو على المدح أو على أنه وصف المنادى وجوز رفعه على كونه خبر مبتدأ محذوف أو عكسه أي أنت أهل الثناء عليك وأطلق الثناء لاختصاصه عند الجمهور بالحسن وضده يقال فيه ثناء بتقديم النون والمجد غاية الشرف وكثرته وروي الحمد حكاها عياض وليست بمعروفة. قوله: (أَحق مَا قَال العَبدُ إلخ) أحق مبتدأ خبره قوله لا مانع إلخ، وما بينهما اعتراض والواو الداخلة عليه واو الاعتراض

وكُلنا لكَ عَبْد، لا مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويحتمل كما في المجموع عن ابن الصلاح أن يكون أحق خبر ربنا لك الحمد أي هذا الكلام أحق قول أو خبر لمبتدأ محذوف أي أنت أحق بما قال لك العبد من المدح فيكون جملة لا مانع إلخ، دعاء آخر ورجحان الأول أولى لما فيه من كمال التفويض وجوز الحنفي في أحق النصب أيضًا وهو مخالف للرواية والدراية وهو بالهمزة في أحق وقال ابن الملقن في تخريج أحاديث الشرح الكبير وقع في المهذب إسقاط ألف أحق وواو وكلنا وهو كذلك في رواية النسائي وهو يدفع قول شرح المهذب الذي رواه سائر المحدثين بإثباتهما والواقع في كتب الفقه بإسقاطهما وقد تعرض القاضي حسين في تعليقه للروايتين اهـ، وذكر مثله الزركشي ثم "ما" يحتمل أن تكون موصولة وإن تكون موصوفة وإن تكون مصدرية وأل في العبد للجنس أو للعهد والمراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قوله: (وكلنا لَكَ عبدٌ) الجملة معترضة أي على إثبات الواو نافية لتوهم إن أل في العبد عهدية ومثبتة أنها استغراقية كذا قيل وأقول يجوز كون أل فيما سبق عهدية وأتى بهذه الجملة تنبيهًا على إنه تعالى مالك لجميع العباد فإليه يرجع الأمر كله وحكم أمته في العبادات اتباعه ما لم يرد ما يدل على التخصيص وعلى حذف الواو فالظاهر أنها خبر عن قوله أحق قال السبكي ولم يقل عبيد مع عود الضمير على جمع لأن القصد أن يكون الخلق أجمعون بمنزلة عبد واحد وقلب واحد اهـ، وقال غيره يحتمل إنه قال ذلك موافقة لقوله تعالى ({إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93)} [مريم: 93] كما أنه قال لا أحصي ثناء عليك موافقة لقوله تعالى {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34] وقال: وابعثه (مَقَامًا محمُوَدًا) [الإسراء: 79] على إحدى الروايتين موافقة لقوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)} [الإسراء: 79] ويحتمل إنه للمح الأصل وهو آدم أو البشر إذ يجوز أن يطلق على الأشياء لفظ واحد وإن كثرت إذا كان أصلها واحدًا كأنه قال إنا وإن كثرت قبائلنا كعبد واحد لأنا اجتمعنا في صلب واحد قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [الأنعام: 98] قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء: 1] وخلق منها زوجها. قوله: (لَا مانع) ووقع في رواية النسائي بلفظ لا نازع لما أعطيت وهذا وما بعده على وفق قوله تعالى {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} [آل عمران: 26] ولكن قوله لا مانع أحسن لحسن

ولا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذا الجَد مِنْكَ الجَدُّ". ـــــــــــــــــــــــــــــ المقابلة اللغوية المسماة بالطباق لا سيما مع قرينته المقلوبة وقال القلقشندي لا مانع لما أعطيت أي أردت إعطاءه فإن من أعطى شيئًا لا مانع له إذ الواقع لا يرتفع. قوله: (وَلَا مُعطِيَ لمَا منعتَ) بفتح الياء وكذا العين في قوله لا مانع واستشكل بأن اسم لا إذا كان شبيهًا بالمضاف لا يعرب ولا يبنى لكن حكى الفارسي في الحجة أن أهل بغداد يجرون المطلول مجرى المفرد فيبنونه فيتخرج عليه الحديث وجوز عليه الزمخشري في (لَا تثريبَ عَلَيكمُ) [يوسف: 92] إن يتعلق عليكم بلا تثريب ورده أبو حيان بأنه مطول وهذا جوابه وجوز ابن كيسان في المطول التنوين وعدمه قال وتركه أحسن قال الزمخشري في الفائق وروي انطيت ولا منطي بالنون فيهما والإنطاء الإعطاء بلغة بني سعد وقال في موضع آخر أنها لغة أهل اليمن اهـ. قوله: (وَلَا ينفَعُ ذا الجَد منْكَ الجَدُّ) قال القرطبي رواه الجمهور بفتح الجيم باللفظين وهو بمعنى الحظ والبخت وقال ابن الجزري في التصحيح كذا ضبطه المتقدمون والمتأخرون ومن بمعنى عند أي لا ينفع ذا الغني عندك غناه وحظه فلا يعيذه من العذاب ولا يفيده شيئًا من الثواب وإنما النافع ما تعلقت به إرادتك فحسب أو سلوك سبيل رضاك والكف عما يسخطك وأيد بما ورد في الحديث عند ابن ماجة في سننه من حديث أبي جحيفة إن جمعًا من المسلمين في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - تذاكروا فيما بينهم الجدود فقال بعضهم جدك في النخل وقال الآخر جدك في الإبل وقال الآخر جدك في كذا فسمع به النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما قضي صلاته ورفع رأسه من آخر الركعة قال هذا الذكر اللهم ربنا لك الحمد إلى قوله منك الجد وطول - صلى الله عليه وسلم - صوته بالجد ليعلموا أنه ليس كما يقولون قيل فإن صح فهو الوجه لا معدل عنه إلَّا أن فيه مقالًا ولو صح فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وقيل من بمعنى بدل على حد {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً} [الزخرف: 60] الآية أي بدلكم أي لا تنفع الحظوظ بدل طاعتك أو توفيقك إنما النافع طاعتك وثوابها لا غير قال تعالى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)} [الشعراء: 88 - 89] أي من الشرك أو مما سوى الله وقيل إنه على حذف مضاف أي لا ينفعه من قضائك أو سطوتك أو عذابك قال ابن دقيق العيد ينبغي أن يعلق قوله منك بقوله ينفع ويضمن معنى يمنع وما قاربه أي كيدفع اهـ، وقيل المراد يالجد الأصل أي لا ينفع أحدًا نسبه لقوله تعالى: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ

وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ"، حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول وهو قائم: "رَبنا لكَ الحَمْدُ". ـــــــــــــــــــــــــــــ يَوْمَئِذٍ} [المؤمنون: 101] وفي الحديث ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه وقيل المراد إن صاحب الحظ العظيم لا ينفعه حظ بدون عناية مولاه وإسعافه إذ نفع الحظ خيره وناسب ما قبله المفهوم منه أن معطي الحظ ومانعه هو الله تعالى إعلامًا بأن الحظ المعطى لا ينتفع به المعطى إلَّا إن جعل الله فيه نفعًا وإلَّا فكم من ذي حظ عظيم مالًا وعلمًا لا ينفعه ماله ولا علمه لإرادته تعالى حرمانه وخذلانه ومن ثم كان الاعتزاز بالأحوال فضلًا عن الأموال موجبًا للانحطاط عن معالي الكمال وللخسارة والبوار والنكال أعاذنا الله من ذلك وقيل لا ينفع معطوف على ما قبله أي لا ينفع عطاؤه وذا الجد منادى أي يا ذا الغني والعظمة منك الجد لا من غيرك ويحتمل أن يكون المعنى لا يسلم من عذابك الجد أي الغنى فيكون على حذف مضاف وحكى الشيباني في الحرفين كسر الجيم وقال معناه لا ينفع ذا الاجتهاد والعمل منك اجتهاده وعمله وأنكره الطبري قال القرطبي هذا خلاف ما عرفه أهل النقل ولا نعلم من قاله غيره وضعفه وقال غيره المعنى الذي أشار إليه الشيباني صحيح ومراده أن العمل لا ينجي صاحبه إنما النجاة بفضل الله ورحمته كما جاء في الحديث لن ينجي أحدًا منكم عمله وهذا أولى مما قيل لعل مراده الاجتهاد في طلب الدنيا وتضييع الآخرة لبعده عن المقام وفي الخلاصة للمصنف وروي بكسرها أي الهرب وفي السلاح وروي بكسر الجيم من الاجتهاد في الرزق أي لا ينفعه ذلك مما كتب له اهـ. قوله: (روينا في صحيح البخَاري ومُسلْم إلخ) كذا في نسخة مصححة روينا بحذف الواو وفي أخرى بإثباتها قال الحافظ هو طرف من حديث وهو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع ثم يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد أخرجه مسلم بطريقين وأخرجه البخاري بمثله لكن قال لك الحمد بغير واو. قوله: (صُلْبهُ) هذا لفظ الحديث في الصحيحين ووقع في نسخة شامية "رأسه" بدل صلبه والظاهر أنها من الكتاب.

وفي روايات: "ولَكَ الحَمْدُ" بالواو، وكلاهما حسن. وروينا مثله في "الصحيحين" عن جماعة من الصحابة. وروينا في "صحيح مسلم" عن علي وابن أبي أوفى رضي الله عنهم: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رفع رأسه قال: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبنا لَكَ الحَمْدُ، مِلْءَ السماوَاتِ ومِلْءَ الأرْضِ ومِلْءَ ما شِئْتَ مِنْ شَيءٍ بَعْدُ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (وفي روَاياتِ إلخ) قال الحافظ علقها البخاري لعبد الله بن صالح عن الليث عقب روايته الحديث الأول عن يحيى بن بكير ووصلها من طريق شعيب بن أبي حمزة عن الزهري وهي عند أحمد من رواية معمر عن الزهري. قوله: (وروينَا مثلَهُ في الصحيحينِ عَنْ جماعةٍ منَ الصحابةِ) قال الحافظ لم أره في الصحيحين بالواو إلَّا فيما ذكرت من حديث أبي هريرة مع الاختلاف ووقع فيهما في حديث أنس قال سقط النبي - صلى الله عليه وسلم - عن فرس فجحش شقه الأجن فدخلنا عليه نعوده فحضرت الصلاة فصلى بنا قاعدًا فلما فرغ قال إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كثر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد الحديث قال الحافظ بعد تخريجه هكذا لك الحمد بغير واو أخرجه الشيخان وأخرجه النسائي وابن ماجة ووقع في رواية أكثرهم بغير واو كما ذكرت وفي رواية الصحيحين بالواو وكذا أحمد ووقع بالواو أيضًا في حديث رفاعة بن رافع عند البخاري لكنه ليس من لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - ووقع من لفظه بغير واو في حديث أبي سعيد وعلي وابن أبي أوفى وابن عباس وكلها في مسلم كما ذكره المصنف بعد ثم ذكر الحافظ إنه أورد زيادة الواو في ولك الحمد من طريق علي وأبي هريرة وأنس قال ثم وجدته كذلك في صحيح مسلم في حديث عائشة الطويل في صلاة الكسوف وفي البخاري من حديث ابن عمر في رفع اليدين عند الركوع والرفع منه فكمل عدة من روى زيادة الواو في الصحيح خمسة اهـ. قوله: (وروينَا في صحيحِ مسلم عَنْ عليّ وابنِ أَبِي أَوفَى رَضِيَ الله عنهُمْ) واللفظ الذي أورده لابن أبي أوفى كما في الخلاصة وزاد بعد قوله من بعد اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقي الثوب الأبيض من الوسخ ورواه كذلك عنه كما في السلاح أبو داود والترمذي وابن ماجة وفي رواية لمسلم من الدرن وفي أخرى من الدنس وعند

وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رفع من الركوع قال: "اللهم رَبنا لكَ الحَمدُ، مِلْءَ السماواتِ والأرضِ، ومِلْءَ ما شِئْتَ مِنْ شَيء بَعْدُ، أهْلَ الثناءِ والمَجْدِ، أحَق ما قال العَبْدُ، وكلُّنا لكَ عَبْد، اللهُم لا مانِعَ لِمَا أعْطَيتَ، ولا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، ولا يَنْفَعُ ذا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي داود وابن ماجة كان إذا رفع رأسه من الركوع يقول فذكره ولفظ رواية علي كزم الله وجهه وإذا رفع رأسه قال ربنا لك الحمد ملء السموات والأرض وما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد وقال الحافظ بعد تخريجه أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ونبه الحافظ على اختلاف وقع في الحديث عن ابن أبي أوفى فأخرج مسلم وغيره من طريق شعبة أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو فذكره من غير ذكر المحل وأخرجه مسلم أيضًا عنه من طريق شعبة بزيادة في ألفاظ الذكر من غير تعيين المحل وأخرجه مسلم وأبو داود من طريق الأعمش بتعيين محله وأنه في الاعتدال والأعمش ثقة حافظ فزيادته معتمدة. وابن أبي أوفى اسمه عبد الله واسم أبي أوفى علقمة بن خالد الأسلمي وأسلم هو ابن أفصى بالفاء ابن حارثة وأبو أوفى هو الذي صلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - لما جاء صدقته، غزا عبد الله مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ست غزوات وكان من أصحاب الشجرة وأصابته ضربة يوم حنين في درعه خرج عنه أصحاب السنن الأربعة وغيرهم روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسة وتسعون حديثًا أخرج الشيخان منها ستة عشر حديثًا اتفقا منها على عشرة وانفرد البخاري بخمسة ومسلم بواحد سكن الكوفة وكف بصره في آخر عمره وتوفي سنة ست وثمانين وهو آخر الصحابة موتًا بالكوفة وأيضًا هو آخر أهل بيعة الرضوان رضي الله عنه. قوله: (وَرَوينَا في صحيح مسلم) ورواه أبو داود والنسائي كذا في السلاح قال الحافظ أخرجه أحمد وابن خزيمة ووقع عند بَعض رواة الحديث اللهم ربنا وذكر أبو داود أن في رواية عبد الله بن يوسف ربنا ولك الحمد بزيادة واو قال الحافظ ووقع لنا كذلك من وجه آخر عن سعيد بن عبد العزيز ثم أخرجه كذلك من طريق أبي نعيم في المستخرج وأخرجه أيضًا من طريق أخرى بمثله لكن قال لا نازع لما أعطيت ولا ينفع ذا الجد منك الجد وقال عقبها هكذا أخرجه البيهقي وعبد

وروينا في "صحيح مسلم" أيضًا: من رواية ابن عباس رضي الله عنهما: "رَبنَا لكَ الحَمْدُ مِلْءَ السماواتِ ومِلْءَ الأرضِ وما بَينَهُما ومِلْءَ ما شِئْتَ مِنْ شَيءٍ بَعْدُ". وروينا في "صحيح البخاري" عن رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه قال: كنا يومًا نصلي وراء النبي - صلى الله عليه وسلم -، ـــــــــــــــــــــــــــــ الله بن يوسف أحد الرواة له عن سعيد بن عبد العزيز. قوله: (وَرَوينَا في صحيح مسلم أيضًا إلخ) أخرجه الحافظ عن عطاء عنه بلفظ كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه من الركوع قال اللهم ربنا لك الحمد إلخ، وزاد بعد قوله اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ثم أخرجه من طريق روح بن عبادة عن عطاء أيضًا عن ابن عباس وينتهي حديثه إلى قوله بعد، قال الحافظ حديث صحيح أخرجه أحمد ومسلم والنسائي، قلت وكذا ينتهي حديث مسلم عن ابن عباس إلى قوله بعد وزاد النسائي عليه في روايته حق ما قال العبد كلنا لك عبد لا نازع لما أعطيت ولا ينفع ذا الجد منك الجد كما ذكره الرداد في موجبات الرحمة له. قوله: (ورَوينَا في صحيح البخاري) ورواه مالك وأبو داود والترمذي والنسائي أيضًا كما في موجبات الرحمة قال وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي بلفظ آخر قال فيه صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعطست فقلت الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه مباركًا عليه كما يحب ربنا ويرضى وفيه إنه - صلى الله عليه وسلم - سأل ثلاثًا عن المتكلم بذلك فأجاب رفاعة بقوله أنا والباقي سواء وقال الحافظ بعد تخريجه باللفظ الذي أورده المصنف حديث صحيح أخرجه البخاري وأبو داود وابن خزيمة وابن حبان. قوله: (رِفاعةَ بِنْ رافع الزُّرقي) هو ابن مالك بن العجلان الأنصاري الخزرجي الزرقي المزني وقد ينسب إلى جده فيقال رافع بن مالك أمه أخت عبد الله بن أبي ابن سلول المنافق شهد رفاعة العقبة وبدرًا وما بعدها وشهد أيضًا معه أخواه خلاد ومالك واختلفوا في شهود أبيهم لها مع الاتفاق إنه شهد العقبتين وكان أحد النقباء الاثني عشر نقيب بني زريق وكان هو ومعاذ أول خزريين أسلما وكان أول من قدم المدينة بسورة يوسف قيل إنه هاجر إلى النبي

فلما رفع رأسه من الركعة قال: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ"، فقال رجل وراءه: رَبنا ولكَ الحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيبًا مُبارَكًا فِيهِ، فلما انصرف قال: "مَنِ المُتَكَلِّمُ؟ " قال: أنا، قال: "رأيتُ بِضْعَةً وثَلاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَها ـــــــــــــــــــــــــــــ - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة واستشهد يوم أحد ولم يحفظ عنه رواية سوى ما ثبت في صحيح البخاري إنه كان يقول لابنه رفاعة ما يسرني إني شهدت بدرًا بالعقبة وظاهره إنه لم يشهد بدرًا أما رفاعة فشهد العقبة ورفاعة وشهد المشاهد كله مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشهد مع علي الجمل وصفين انفرد به البخاري عن مسلم فروي له ثلاثة أحاديث وروى عنه أصحاب السنن الأربعة خلا ابن ماجة روى عنه ابناه عبيد ومعاذ وابن أخيه يحيى بن خلاد توفي أول سنة معاوية رضي الله عنه قوله: (فَلمَّا رفعَ رأْسهُ) أي شرع في رفعه كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة منها حديث أبي هريرة السابق. قوله: (فَقَال رجلٌ) زاد الكشميهني وراءه قال ابن بشكوال هو رفاعة بن رافع راوي الخبر، قلت ويدل له الرواية الثانية عند أبي داود ومن معه قال الحافظ ابن حجر وكثيرًا ما يقع في الأحاديث إبهام اسم وهو الراوي وذلك إما منه لقصد إخفاء عمله أو من غيره تصرفًا أو نسيانًا. قوله: (مبارَكًا فيِهِ) زاد النسائي وغيره مباركًا عليه كما يحب ربنا ويرضى. قوله: (من المتكلمُ) زاد النسائي أي ومن معه في الرواية السابقة في الصلاة فلم يتكلم أحد ثم قالها الثانية فلم يتكلم أحد ثم قالها الثالثة فقال رفاعة بن رافع أنا فقال والذي نفسي بيده الحديث وللطبراني فسكت الرجل ورأى إنه قد هجم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على شيء كرهه فقال من القائل فإنه لم يقل إلا صوابًا فقال الرجل أنا قلتها وأرجو بها الخير ولأبي داود من القائل فإن لم يقل بأسًا فقال إني قلتها لم أرد بها إلَّا خيرًا كذا في التوشيح للسيوطي. قوله: (رأَيتُ بضعةً وثلاثينَ مَلَكًا) وفي رواية لمسلم اثني عشر ملكًا وللطبراني ثلاثة عشر ملكًا قال في السلاح البضع والبضعة في العدد بكسر الباء وهو من الثلاث إلى التسع وقيل إلى العشرة وقيل ما بين الواحد والعشرة قال ابن العز الحجازي في شرح البخاري وفيه رد على من زعم أن البضع يختص بما دون العشرين والظاهر أن هؤلاء الملائكة غير الحفظة ويؤيده خبر الصحيحين إن لله ملائكة يطوفون بالأرض يلتمسون أهل الذكر

أيُّهُمْ يَكْتبُهَا أوَّلُ". فصل: اعلم أنه يستحب أن يجمع بين هذه الأذكار كلها على ما قدمناه في أذكار الركوع، فإن اقتصر على بعضها، فليقتصر على "سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد، ملء السموات، وملء الأرض وما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد"، فإن بالغ في الاقتصار اقتصر على "سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد"، فلا أقل من ذلك. واعلم أن هذه الأذكار كُلها مستحبة للإمام والمأموم والمنفرد، ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث وبه استدل على إن بعض الطاعات قد يبهتجها غير الحفظة والحكمة في اختصاص العدد المذكور إن عدد حروفه مطابق للعدد المذكور فإن البضع من الثلاث إلى التسع وعدد الذكر المذكور ثلاثة وثلاثون حرفًا ويعكر عليه الزيادة المتقدمة وهي قوله مباركًا عليه كما يحب ربنا ويرضى بناء على إن القضية واحدة ويمكن أن يقال المتبادر هو الثناء الزائد على المعتاد وهو من قوله حمدًا كثيرًا إلخ، دون قوله مباركًا عليه فإنها كما تقدم للتأكيد وعدد ذلك سبعة وثلاثون حرفًا وأما ما وقع عند مسلم والطبراني فهو مطابق لعدد الكلمات في سياق رفاعة ولعددها في سياق الباب لكن على اصطلاح النحاة اهـ. قوله: (أَيهم يكتبُها أَوَّلُ) أما أيهم فرويناه بالرفع وهو مبتدأ خبره يكتبها قاله الطيبي وغيره متبعًا لأبي البقاء في إعراب قوله تعالى: {يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عمران: 44] قال وهو في موضع نصب والعامل فيه ما دل عليه يلقون وأي استفهامية والتقدير مقول فيه أيهم يكتبها ويجوز في أيهم النصب بأن يقدر ذلك المحذوف ينظرون أيهم وعند سيبويه أي موصولة ولتقدير يبتدرون الذي يكتبها أول وأنكر جماعة من البصريين ذلك اهـ، وأول بالبناء على الضم لأنه ظرف قطع عن الإضافة وبالنصب على الحال، وتسارع كل منهم إلى كتابتها قبل الآخرين ليصل لحضرة الحق قبلهم بشيء نفيس يرجى عود أثر من آثاره الصالحة عليه. فصل قوله: (وملءَ مَا شئتَ منْ شيْءٍ بعدُ) هذا ما في التحقيق والروضة وأصلها وفي المجموع عن الأصحاب محل إتيان الإمام بذلك إذا رضي به المأمومون وإلَّا اقتصر على ربنا لك الحمد، ومنازعة الأذرعي في ذلك بأن هذا احتمال للإمام لم أره لغيره ردت بأنه ليس كما قال كما يصرح به سياق القمولي وكفى به مطلعًا

باب أذكار السجود

إلا أن الإمام لا يأتي بجميعها، إلا أن يعلم من حال المأمومين أنهم يؤثِرون التطويل. واعلم أن هذا الذكر سُنة ليس بواجب، فلو تركه كره له كراهة تنزيه، ولا يسجد للسهو، ويكره قراءة القرآن في هذا الاعتدال كما يكره في الركوع والسجود، والله أعلم. باب أذكار السجود فإذا فرغ من أذكار الاعتدال كَبَّر وهو ساجد ومد التكبير إلى أن يضع جبهته على الأرض. وقد قدَّمنا حكم هذه التكبيرة، وأنها سُنة لو تركها لم تبطل صلاته ولا يسجد للسهو، فإذا سجد أتى بأذكار السجود، وهي كثيرة. ـــــــــــــــــــــــــــــ كذا في الإيعاب لكن جرى في شرح المنهاج على كلام الأذرعي. قوله: (إلا أَن الإِمَامَ لَا يأْتي بجمِيعهَا إلا أنْ يَعلمَ) أي وإلا فتكره الزيادة على قوله من شيء بعد وقيل على قوله لك الحمد وإذا علم رضاهم بالإتيان بذلك يكره له وكذا للمنفرد ترك شيء من ذلك لغيره من التسبيح ونحوه كما يشير إليه قول المصنف "واعلم إن هذا الذكر سنة فلو تركه كره" وفي المجموع التسبيح وسائر الأذكار في الركوع والسجود وقول سمع الله لمن حمده وربنا لك الحمد أي وما معه من الذكر حيث سن وتكبير غير التحرم سنة لكن يكره تركه عمدًا هذا مذهبنا وبه قال جمهور العلماء اهـ، ملخصًا ومحل اعتبار إيثار المأمومين التطويل ما لم يتعلق بعينهم حق وإلا نحو أجير عين ورقيق وزوجة اعتبر صاحب الحق كما تقدمت الإشارة إليه. باب أذكار السجود السجود لغة الميل وشرعًا وضع الأعضاء السبعة مع رفع الأسافل على الأعالي بالطمأنينة ولكونه أبلغ من الركوع في التواضع خص بالتكرار كما تقدم ولأنه لما ترقى مما قبله إليه وأتى بنهاية الخدمة أذن له في الجلوس وأمر بإعادته شكرا على استخلاصه إياه ولأن الشارع لما أمرنا بالدعاء فيه وأخبر بأنه حقيق بالإجابة سجدنا ثانيًا شكرًا على ذلك كما هو المعتاد فيمن سأل ملكًا شيئًا فأجابه قاله القفال من أئمتنا. قوله: (كبَّر) أي من غير رفع يد كما رواه البخاري ورواية إثبات الرفع عند الهوي ضعيفة وإن أخذ بها جمع (وهوي) بكسر

فمنها ما رويناه في "صحيح مسلم" من رواية حذيفة المتقدمة في الركوع في صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، حين قرأ (البقرة) و (النساء) و (آل عمران) في الركعة الواحدة، لا يمر بآية رحمة إلا سأل، ولا بآية عذاب إلا استعاذ، قال: ثم سجد فقال: "سُبحَانَ رَبِّي الأعلى" فكان سجوده قريبًا من قيامه. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن عائشة رضي الله عنها قالت. كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: "سُبْحانَكَ اللَهُمَّ رَبنا وبِحَمْدِكَ، اللَهُمَّ اغْفِر لي". وروينا في "صحيح مسلم" عن عائشة رضي الله عنها ما قدمناه في الركوع: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في ركوعه وسجوده: "سُبُّوحٌ قُدوس، رَبُّ المَلائِكَةِ والرُّوحِ". وروينا في "صحيح مسلم" أيضًا عن علي رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد قال: "اللَّهُم لَكَ سَجَدْتُ، وبكَ آمَنْتُ، ولكَ أسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي للذي خَلَقَهُ وصَوَّرَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الواو مصدره هوى بضم أوله وتشديد ثالثه أي إلى السجود فإن أخر التكبير عن ابتداء الهوي أو كبر معتدلًا أو ترك التكبير كره كما في الأم. قوله: (فَمنها ما روينَاهُ في صحيح مُسْلمٍ إلخ) سبق تخريجه وكذا تخريج حديثي عائشة الذين بعده في أذكار الركوع. قوله: (فَقَال سبحانَ رَبي الأَعْلَى) قضية هذا إنه لا يتقيد التسبيح بعد نظير ما سبق في الركوع وتقدم عن المجموع إنه يحصل أصل سنة التسبيح فيه بنحو سبحان ربي الأعلى وقضيته هنا إنه يحصل أصل السنة بنحو سبحان ربي العظيم كما في الإيعاب وقد جاء في رواية فإذا سجد قال سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثًا وحينئذٍ فسبحان ربي الأعلى فيه للأفضلية فقط وقد ورد في رواية هنا وفي الركوع زيادة وبحمده ورواه الطبراني أيضًا كما تقدم بسطه. قوله: (وَروَينا في صحيح مُسْلم أَيْضا عَنْ علي) وفي السلاح ورواه أبو داود والنسائي وفي رواية أبي داود والنسائي وإحدى روايات مسلم وصوره فأحسن صوره وأشار الحافظ إلى أن الطبراني أخرجه في كتاب الدعاء له. قوله: (سجد وجهي) بسكون الياء وفتحها أي ذاتي كما مر في وجهت وجهي أو المراد به الحقيقة أي خضع وذل وباشر بأشرف ما فيه مواطئ الأقدام والنعال وخص لأنه أشرف الأعضاء فإذا خضع فغيره

وَشق سَمْعَهُ وبَصَرَهُ، تبارَكَ اللهُ أحْسَنُ الخالِقينَ". وروينا في الحديث الصحيح في كتب السنن، عن عوف بن مالك ما قدَّمناه في فصل الركوع، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركع ركوعَه الطويل يقول فيه: "سُبْحانَ ذِي الجَبرُوتِ وَالمَلَكُوتِ والكِبْرِياءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أولى. قوله: (وشَق سمعه وبصَرهُ) أي منفذهما إذ السمع ليس في الأذنين بل في مقعر الصماخ وفيه دليل على أن الأذنين من الوجه وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه وقال الشافعي هما عضوان مستقلان والمراد بالوجه في الخبر الذات ومنه ما في قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ} [القصص: 88] أو على حقيقته والإضافة فيه لأدنى ملابسة وهي المشارفة والمقاربة. قوله: (أحسَنُ الخالقينَ) أي المصورين والمقدرين أو حسن الخالقية وإلَّا فلا خالق أي موجد غيره قال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62] وفي كتاب "روضة التحقيق في قصة يوسف الصديق"، قوله تعالى: ({فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)} [المؤمنون: 14] إن الخلق الذي يضاف إليه تعالى من ثلاثة أوجه بمعنى الإبداع والاختراع من العدم إلى الوجود ويكون شيء من لا شيء وبمعنى التغيير والتحويل من حال إلى آخر قال تعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً} [المؤمنون: 14] إلخ، أي حولناها من حالة إلى حالة وبمعنى التصوير فالخلق بمعنى الإحداث والاختراع هو الذي انفرد به قال تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [فاطر: 3] أما الخلق الذي يدخل في باب المبالغة فبمعنى التحويز والتصوير نحو {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)} أي المحوزين والمصورين اهـ. وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في أماليه هذا ونحو أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين مشكل لأن أفعل التفضيل لا يضاف إلَّا إلى جنسه وهنا ليس كذلك لأن الخلق من الله بمعنى الإيجاد ومن غيره بمعنى الكسب وهما متباينان والرحمة إن حملت على الإرادة صح المعنى لأنه يصير أعظم إرادة من سائر المريدين وإن جعلت من مجاز التشبيه وهو أن معاملته تشبه معاملة الراحم صح المعنى أيضًا لأن ذلك مشترك بينه وبين عباده وإن أراد إيجاد فعل الرحمة كان مشكلًا إذ لا موجد إلّا الله تعالى وأجاب السيف الآمدي إن معناه أنه أعظم من تسمى بهذا الاسم قال الشيخ وهذا مشكل لأنه جعل التفاضل في غير ما وضع اللفظ بإزائه وهذا يساعد المعتزلة ويصح على مذهبهم لأن الفاعلين عندهم كثيرون اهـ. قوله: (وَرَوَينَا في الحدِيث الصحيح إلخ) تقدم تخريجه في أذكار الركوع وما في قول الشيخ إنه

والعَظَمَةِ، ثم قال في سجوده مثل ذلك". وروينا في كتب السنن، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "وإذا سَجَدَ -أي أحدكم- فَلْيَقُلْ: سُبْحانَ رَبي الأعلى ثلاثًا" وذلك أدناه. وروينا في "صحيح مسلم" عن عائشة رضي الله عنها قالت: افتقدتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فتحَسَّسْتُ، فإذا هو راكع أو ساجد يقول: "سُبْحانَكَ وبِحَمْدِكَ لا إلهَ إلا أنتَ". ـــــــــــــــــــــــــــــ صحيح وبيان أن الحديث منقطع مع ذكر ما له من شاهد وكذا تقدم فيه تخريج الحديث الذي بعده المذكور في قوله وروينا في كتب السنن وهو حديث ابن مسعود. قوله: (وذلكَ أَدناهُ) أي أدنى الكمال أما أدنى السنة فيحصل بذلك مرة واحدة وأقصى الكمال إحدى عشرة مرة وأكمل صيغة سبحان ربي الأعلى وبحمده ويحصل بسبحان ربي العظيم كما تقدم عن الإيعاب وفي فتح الجواد في باب سجود السهو قال شيخنا ويحصل أصل السنة بسبحان ربي العظيم في السجود وسبحان ربي الأعلى في الركوع كما في المجموع هذا وقياسه الأول بل جاء في رواية اهـ. قوله: (وَرَوَينَا في صحيحِ مسلمٍ) وكذا رواه النسائي كما في السلاح وأخرجه الحافظ من طريق عبد الله ابن الإمام أحمد عن أبيه ومن طريق أبي نعيم في المستخرج ومدار سندهما عن عبد الرزاق قال أخبرنا ابن جريج قال قلت لعطاء فما تقول أنت يعني في الركوع والسجود فقال أما سبحانك وبحمدك فأخبرني ابن أبي مليكة عن عائشة قالت افتقدت النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة فظننت إنه ذهب إلى بعض نسائه فتجسسته ثم رجعت فإذا هو ساجد يقول سبحانك وبحمدك لا إله إلَّا أنت فقلت بأبي وأمي إنك لفي شأن وإني لفي شأن وفي السند لطيفة رواية تابعي عن مثله عطاء عن أبي مليكة. قوله: (ذَاتَ ليلةٍ) كتب الطاهر الأهدل بهامش أصله ليلة النصف من شعبان وهذا التخصيص يحتاج إلى توقيف والله أعلم. قوله: (فتجسستُ) في النهاية التجسس بالجيم التفتيش عن بواطن الأمور وأكثر ما يقال في الشر والجاسوس صاحب سر الشر والناموس صاحب سر الخير وقيل التجسس بالجيم أن يطلبه لغيره وبالحاء المهملة إن يطلبه لنفسه. قلت وعليه اقتصر الأهدل في حاشية نسخته هنا لأنه المطلوب في هذا المقام والله أعلم، وقيل بالجيم البحث عن العورات وبالحاء الاستماع وقيل معناهما واحد في تطلب معرفة الأخبار اهـ. وفي المشارق للقاضي عياض بعد نقل الأخير عن الحربي

وفي رواية في مسلم: "فوقعت يدي على بطن قدميه ـــــــــــــــــــــــــــــ إلَّا أنه قال معناهما متقارب ما لفظه وقيل التجسس بالجيم إذا تجسس بالخبر والقول والسؤال عن عورات الناس وأسرارهم وما يعتقدونه أو يقولونه فيه أو في غيره وبالحاء إذا تولى ذلك بنفسه وسمعه بإذنه وهذا قول ابن وهب وقال ثعلب بالحاء طلب ذلك لنفسه وبالجيم طلبه لغيره وقيل اشتق الحسس من الحواس لطلب ذلك منها وهذا كله ممنوع في الشرع اهـ. وفي المفهم للقرطبي هو بالحاء البحث عما يدرك بالحس بالعين أو بالأذن. قوله: (وفي روايةٍ في مُسلم إلخ) قال الحافظ هو حديث آخر عن عائشة أيضًا ثم أخرجه الحافظ وقال بالسند إلى أحمد حدثنا حماد بن أسامة هو أبو أسامة عبيد الله بن عمر عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة عن عائشة قالت فقدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد الحديث هذا حديث صحيح أخرجه مسلم وفي السند لطيفة رواية صحابي عن مثله أبو هريرة عن عائشة اهـ، ولهذا الحديث طرق أخرى منها عند ابن خزيمة من رواية أبي النضر عن عروة عنها نحو حديث أبي هريرة وزاد في آخره أثني عليك ولا أبلغ كل ما فيك وسنده صحيح ومنها ما في جامع ابن وهب ووقع لنا في تعليق الخلعيات من طريق علي بن الحسين عنها وقال في آخره لا أحصي أسماءك ولا ثناء عليك وسنده ضعيف ومنها عند أبي يعلى من طريق عثمان بن عطاء عن أبيه عنها وزاد فيه سجد لك خيالي وسوادي وآمن بك فؤادي وسنده ضعيف فيه لا يعرف وعطاء هو الخراساني لم يدرك عائشة وجاء عن عائشة في نحو هذا ألفاظ آخر منها فقدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أين مضجعه فلمسته بيدها فوقعت عليه وهو ساجد وهو يقول آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الإمام أحمد هكذا أخرجه أحمد ورجاله رجال الصحيح إلَّا صالح بن سعيد فلم أجد له ذكرًا إلَّا في ثقات ابن حبان ومنها قالت فقدت النبي - صلى الله عليه وسلم - في مضجعه فجعلت التمسه وظننت إنه أتى بعض جواريه فوقعت يدي عليه وهو ساجد يقول اللهم اغفر لي ما أسررت وما أعلنت أخرجه الحافظ من طريق ابن السني سنده صحيح وقد أخرجه أحمد اهـ. قوله: (فوقعَتْ يدِي على بطنِ قدمَهِ) استدل به من لم ير النقض باللمس وأجيب بمنعه لأن وقائع

وهو في المسجد، وهما منصوبتان وهو يقول: "اللهُم أعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وبِمُعافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وأعُوذُ بِكَ مِنْكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الأحوال الفعلية متى طرقها الاحتمال كساها ثوب الإجمال وسقط بها الاستدلال وهو هنا محتمل لكونه من وراء حائل فلا يعارض ما دل عليه قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] من النقض باللمس. قوله: (وهُو في المسجِدِ) هذا ما في صحيح مسلم وفي بعض نسخ المشكاة في السجدة وفي بعضها السجود. قوله: (وهمَا منصوبتَانِ) فيه نصب القدمين في السجود ويجب عندنا الاستقبال برؤوس أصابعهما ولا يحصل ذلك إلَّا إذا كان معتمدًا على بطونهما. قوله: (أَعوذُ بِرضاكَ منْ سَخَطِكَ إلخ) في حاشية السيوطي عن النسائي قال ابن خاقان البغدادي نقلا طلب الاستعانة من الله تعالى نقص في التوكل وقوله - صلى الله عليه وسلم - أعوذ برضاك من سخطك أي أنت الملجأ دون حائل حال بيني وبينك فصدق فقره إلى الله تعالى بالغيبة عن الأحوال وإضمار الخبر أي أسألك الرضا عوضًا عن السخط ذكره ابن باكويه الشيرازي في أخبار العارفين اهـ، وقال الخطابي كما نقله عنه المصنف في شرح مسلم مع زيادات فيه من كلام غيره في هذا معنى لطيف وذلك إنه استعاذ بالله تعالى وسأله أن يجيره برضاه من سخطه وبمعافاته من عقوبته وأتى بالمفاعلة مبالغة وصرح بهذا مع تضمن الأول له لأن الإطناب في مقام الدعاء محمود ولأن المطابقة أقوى من التضمن ولأن الراضي قد يعاقب للمصلحة أو لحق الغير فكان التصريح بذلك لا بد منه والرضا والسخط ضدان متقابلان وكذا المعافاة والعقوبة فاستعاذ من أحد الضدين بالآخر وفيه تدل لما فيه من الانتقال من صفات الذات إلى صفات الأفعال وفي رواية عكسه ليكون من باب الترقي إذ صفات الذات أجل وأفخم وإنما استعاذ بصفات الرحمة لسبقها وظهورها من صفات الغفحب ثم لما ترك النظر إلى الأكوان وترقى مما له ضد صار إلى ذكر ما لا ضد له فني عن جميع صفاته وارتقى إلى مشاهدة ذاته وأحسن التجريد بإظهار التوحيد فاستعاذ به منه لا غير فقال. قوله: (وأَعوذُ بكَ) مشاهدة للحق وغيبة عن الخلق وهذا محض العرفان الذي لا يعبر عنه قول ولا يضبطه صفة ومعناه الاستغفار من التقصير في بلوغ الواجب من عبادته والثناء

لا أحْصِي ثَنَاء عَلَيْكَ، أنْتَ كما أثْنَيتَ عَلى نَفْسِكَ". ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه ثم لما تم قرب شهوده الذات وحدها استحى من الإتيان في هذا المقام لولا الخوف المزعج لباطنه والمخرج لكامنه بلفظ الإعاذة فانتقل منه إلى غاية الثناء وهي الاعتراف بالعجز والقصور عن إحصاء أدنى ذرة منه فقال. قوله: (لَا أُحصي ثناءً عليْكَ) أي لا أطيق أن أعد أو أحصر وأصل الإحصاء العد بالحصى لأنهم معتمدون في عندهم عليه كاعتمادنا فيه على الأصابع، ثناء عليك أي فردًا من أفراد الثناء الذي يلزم من العجز عن إحصائه أي ضبطه العجز عن ضبط ما زاد عليه ولذا نكر ثناء ليدل على العجز عن ضبط فرد من أفراد الثناء الواجب لك عليّ في كل لحظة وذرة إذ لا يخلو لمحة قط من وصول إحسان منك إليّ في كل ذرة من تلك الذرات فلو أردت أن أحصي ما في طيها من النعم لعجزت لكثرتها جدًّا ({وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34] وروى مالك لا أحصي نعمتك وإحسانك والثناء عليك وإن اجتهدت في ذلك فأنا المقصر في شكر نعمك العاجز عن القيام بشيء من حقوقك فأسأل رضاك وعفوك وقيل المراد لا أطيق الثناء عليك أي لا أنتهي إلى غايته ولا أحيط بمعرفته كما قال - صلى الله عليه وسلم - في حديث الشفاعة فأحمده بمحامد لا أقدر عليها الآن قال السيوطي في حاشيته على سنن النسائي وهذا أولى للحديث المذكور ولقوله في الحديث أنت كما أثنيت على نفسِك ومعنى ذلك اعتراف بالعجز عندما ظهر له من صفات جلاله تعالى وكماله وحمديته وقدوسيته وعظمته وكبريائه وجبروته ما لا ينتهي إلى عده ولا يوصل إلى حده ولا يحمله عقل ولا يحيط به فكر وعند الانتهاء إلى هذا المقام انتهت معرفة الأنام ولذلك قال الصديق الأكبر العجز عن درك الإدراك إدراك وقال بعض العارفين سبحان من رضي في معرفته بالعجز عن معرفته اهـ. ثم. قوله: (أَنتَ كمَا أَثنيْتَ إلخ) قيل أنت فيه تأكيد للكاف في قوله عليك لأن المقام للإطناب والتقدير لا أحصي ثناء عليك كما أثنيت إلخ. قال ابن الجزري ولا يخفى ما فيه فقد روى النسائي في اليوم والليلة من حديث علي كرّم الله وجهه ولفظه لا أستطيع أن أبلغ ثناء عليك ولكن أنت كما أثنيت على نفسك فبطل ذلك التمحل اهـ، وقيل أنت مبتدأ على حذف مضاف تقديره ثناؤك المستحق كثنائك على نفسك فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فانفصل وارتفع ذكره ابن عبد السلام جوابًا عما استشكل به ظاهر الخبر من تشبيه

وروينا في "صحيح مسلم" عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "فأما الرُّكُوعُ، فَعَظِّمُوا فِيه الرب، وأما السجُودُ، فاجْتَهِدوا فيه بالدُّعاءِ فَقَمِنٌ أنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ". يقال: ـــــــــــــــــــــــــــــ ذاته تعالى بثنائه وهما في غاية التباين وقيل إنه مبتدأ خبره محذوف أي أنت القادر على أن تحصي الثناء على ذاتك أو خبره متعلق الظرف بعده والكاف قيل بمعنى على وهو ما جرى عليه ابن حجر في شرح المشكاة فقال أنت الباقي الدائم المستمر كما أي على الأوصاف العلية الجليلة التي أثنيت بها على نفسك اهـ. وقال الطيبي "ما" فيه يحتمل أن تكون موصولة أو موصوفة والكاف بمعنى مثل كهي في مثل ({لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} [الشورى: 11] أي أنت الذات الذي له صفات الجلال والإكرام والعلم الشامل والقدرة الكاملة تعلم بالعلم الشامل صفات كمالك وتقدر بقدرتك أن تحصي ثناء نفسك فنفى في قوله لا أحصي ثناء عليك عن نفسه القدرة على ذلك اعترافًا بالعجز والقصور وأثبتها لله في قوله أنت كما أثنيت على نفسك إجلالًا وإعظامًا له وذلك إن صفات الجلال والجمال لا نهاية لها فلا تدرك ولا تطاق إلّا بعلم وقدرة لا نهاية لهما وهذا الثناء أي قوله أنت كما أثنيت على نفسك يجوز أن يكون بالقول كما في قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} [الفاتحة: 2 - 4] وبالفعل كما في قوله تعالى: ({شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا هُوَ} [آل عمران: 18] وحاصله أن الكاف بمعنى مثل وأنها زائدة وإن ما مع ذلك محتملة لكونها موصولة أو موصوفة قيل فيكون التركيب على الوجه الأول على حد. أنا الذي سمتني أمي حيدره ونظر فيه ابن حجر في شرح المشكاة بأن فيه بعدًا أي بعد وتكلفًا أي تكلف قال وما ذكره من تفسيره أثنيت بقوله أنت الذات إلخ. لا يطابق اللفظ كما هو ظاهر جلي اهـ، وفيه أن قوله أنت الذات إلخ، ليس تفسيرًا لأثنيت إنما هو تفسير لحاصل الكلام الحاصل مما ذكر من كون الكاف زائدة وما موصولة والمطابقة عليه جلية. قوله (وَرَوَينَا في صحيحِ مُسلم عَنِ ابْنِ عباس إلخ) تقدم تخريجه في فصل تكره القراءة في الركوع والسجود وله شاهد من حديث علي ولفظه قَال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ركعتم فعظموا الرب وإذا سجدتم فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم قال الحافظ بعد تخريجه حديث غريب أخرجه البزار وقال لا نعلمه عن علي

قمن بفتح الميم وكسرها، ويجوز في اللغة: قمين، ومعناه: حقيق وجدير. وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أقْرَبُ ما يَكُونُ العَبْدُ مِنْ ربهِ وَهُوَ ساجِدٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ مرفوعًا إلَّا بهذا الإسناد قال الحافظ والمنفرد به ضعيف اهـ. قوله: (قمنٌ بفتحِ الميم) وهو حينئذٍ مصدر لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث (وكسرِها) أي وهو وصف يثنى ويجمع ويؤنث وكذَا القمين بالياء. قوله: (ومعناه حَقيق وجدير) وكذا يقال حرى وأهل وعسى. قوله: (وَرَوَينَا في صحيح مُسلم) وكذا رواه أبو داود والنسائي بهذا اللفظ وكذا روي من ذكر حديث أبي هريرة الذي بعده قاله الحافظ والدعاء الذي فيه قال في الإيعاب صرح غير واحد بأنه أفضل أدعية السجود اهـ. قوله: (أَقربُ ما يكونُ العبدُ منْ ربه) أي أقرب أكوانه من رضا ربه وعطفه وعطائه حاصل إذا كان أي وجد (وهُو ساجد) فأقرب مبتدأ وما مصدرية صلتها يكون وحاصل خبره وإذا ظرف متعلق به وكان تامة وجملة وهو ساجد سدت مسد الخبر المحذوف وجوبًا لقيام جملة الحال مقامه ولا يجوز أن تكون الجملة خبرًا لكان المحذوفة قال في المغني وهذا من أقوى الأدلة على أن انتصاب قائمًا في ضربي زيدًا قائمًا على الحال لا على الخبر لكان محذوفًا إذ لا يقترن الخبر بالواو اهـ. قال الدماميني حكى الرضي اقتران خبر الأفعال الناقصة بالواو لكنه قليل اهـ. ثم المفضل عليه محذوف وإسناد الأقربية إلى الوقت مجاز وتقديره إن للعبد حالين في العبادة كونه ساجدًا وكونه غير ساجد فهو حالة السجود أقرب إلى ربه من نفسه في غير حالة السجود وتفضيل الشيء على نفسه باعتبارين كثير شائع والقرب كما أشرنا إليه قرب بالرتبة والكرامة لا بالمسافة والمساحة لأنه تعالى منزه عن الزمان والمكان قال القاضي بدر الدين بن جماعة في كلام له فالحديث تمثيل لقرب العبد من ربه ورحمته وإجابة دعائه ويؤيده قوله - صلى الله عليه وسلم - أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد اهـ، وفي حواشي سنن النسائي للحافظ السيوطي قال البدر بن الصاحب في تذكرته في الحديث إشارة إلى نفي الجهة على الله تعالى فإن العبد في انخفاضه غاية الانخفاض يكون أقرب ما يكون إلى الله تعالى اهـ. ثم الحديث على وفق قوله تعالى: ({وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19] قال الواحدي اسجد أي صل واقترب إليه بالطاعة ثم

فأكْثِرُوا الدعاءَ". وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة أيضًا، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في سجوده: "اللهُم اغْفِر لي ذَنبي كُلَّهُ دِقَّهُ وجلهُ، وأوَّلهُ وآخِرَهُ، وعَلانَيَتَهُ وَسِرَّهُ" دقه وجله: بكسر أولهما، ومعناه: قليله وكثيره. واعلم أنه يستحب أن يجمع في سجوده جميع ما ذكرناه، فإن لم يتمكَّن منه في وقت أتى به أوقات، كما قدمناه في الأبواب السابقة، وإذا اقتصر يقتصر على التسبيح مع قليل من الدعاء، ويقدم التسبيح، وحكمه ما ذكرناه في أذكار الركوع من كراهة قراءة القرآن فيه وباقي الفروع. فصل: اختلف العلماء في السجود في الصلاة والقيام أيهما أفضل؟ فمذهب الشافعي ومن وافقه: القيام أفضل. لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ـــــــــــــــــــــــــــــ أورد الحديث المذكور قال العراقي في شرح الترمذي ذكر من حكمة ذلك أمور "أحدها" إن العبد مأمور بإكثار الدعاء في السجود كما في تتمة الحديث والله تعالى قريب من السائلين كما قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186] "الثاني" إن حالة السجود حالة خضوع وذل وانكسار لتعفير الساجد وجهه في التراب ولذا قال ابن مسعود ما حال أحب إلى الله تعالى أن يجد العبد فيه من أن يجده عافرًا وجهه رواه الطبراني في الكبير بسند حسن ومثله لا يقال من قبل الرأي "الثالث" السجود أول عبادة أمر الله بها بعد خلق آدم فكان المتقرب بها إلى الله أقرب منه في غيره "الرابع" إن فيه مخالفة لإبليس في أول ذنب عصي الله به من التكبر في السجود اهـ. قوله: (فأكثِروا الدعاءَ) أي فيه فإن ذلك القرب سبب لكل مغنم. قوله: (واعلم أَنهُ يُستحب أَنْ يجمَعَ في سجودِه إلخ) قال الحافظ لم أر ذلك صريحًا في حديث ولعله أخذه من الأحاديث المصرحة بأنه - صلى الله عليه وسلم - أطال السجود ولم يكن يطيله إلَّا بالذكر فاحتمل أن يكرر واحتمل أن يجمع والثاني أقرب لكن على هذا لا يختص بما ذكره الشيخ بل يضم إلى جميع ما ورد أنه - صلى الله عليه وسلم - قاله في سجوده وكذا ما ورد عنه من أدعية الصلاة فإنه منحصر في السجود وفيما بين التشهد والسلام اهـ، ولا يرد عليه ما تقدم من إنه - صلى الله عليه وسلم - دعا في ركوعه بقوله رب اغفر لي لأنه فيه يسير جدًّا فلقلته لم يتعرض لذكره. فصل قوله: (فمذهبُ الشافعي إلخ) ثم الأفضل بعده إطالة السجود ثم الركوع

في الحديث في "صحيح مسلم": "أفضل الصَّلاةِ طُولُ القُنُوتِ" ومعناه: القيام، ولأن ذكر القيام هو القرآن، وذكر السجود هو التسبيح، والقرآن أفضل، فكان ما طول به أفضل. وذهب بعض العلماء إلى أن السجود أفضل، لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتقدم: "أقْرَبُ ما يَكُونُ العَبْدُ مِنْ ربهِ وَهُوَ ساجِدٌ". قال الإمام أبو عيسى الترمذي في كتابه: اختلف أهل العلم في هذا، فقال بعضهم: طول القيام في ـــــــــــــــــــــــــــــ لخبر أقرب ما يكون العبد إلخ، خرج منه تطويل القيام لما ذكر فيه فبقي على عمومه فيما عداه وفي التحفة والحاصل أن تطويل القيام أفضل من تكرير السجود فإذا استوى الزمان فالمصروف لطول القيام أفضل من المصروف لتكرير السجود وإطالة القيام أفضل من تكثير الركعات هذا وقد اختلف أصحابنا فيما إذا طول القيام والركوع والسجود ونحوها كوقوف عرفة هل يثاب على الجميع ثواب فرض أو نفل فقال كثير بالأول وهو أليق بسعة الفضل وقال كثيرون بالثاني وهو أرجح حيث أمكن تمييز الفرض من غيره بخلاف بعير مخرج عن خمس من الإبل. قوله: (في الحدِيثِ الصحيحِ في صحيحِ مُسْلمٍ) رواه فيه عن جابر وكذا رواه عنه أحمد والترمذي وابن ماجة ورواه الطبراني من حديث أبي موسى وعمرو بن عبسة وعمير بن قتادة الليثي كما في الجامع الصغبر للحافظ السيوطي وقد ذكر الحافظ في جملة من خرجه ابن خزيمة وقد أشار المحب الطبري إلى الاعتراض على الاستدلال بهذا الحديث على المطلوب أي أفضلية طول القيام في الصلاة على كثرة السجود لأن لفظ القنوت وإن أورد بمعنى القيام قد ورد بمعنى الخشوع فليس الحمل على أحدهما بأولى من الآخر لكن ورد في خبر آخر حسن عند أحمد وأبي داود وغيرهما بلفظ القيام فترجح الحمل عليه وأولى ما فسر الحديث بالحديث اهـ. قوله: (ومعناهُ القيَامُ) أي معناه هنا القيام ويطلق القنوت على الطاعة والخشوع والصلاة والدعاء والعبادات وعلى طول القيام والسكوت وينصرف لكل منهما بحسب القرينة اللائقة به. قوله: (وذَهبَ بعضُ العلمَاءِ إلى أَن السجودَ أفضَلُ)

الصلاة أفضل من كثرة الركوع والسجود. وقال بعضهم: كثرة الركوع والسجود أفضل من طول القيام. وقال أحمد بن حنبل رحمه الله: روي فيه حديثان عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يقض فيه أحمد بشيء. وقال إسحاق: أما بالنهار، فكثرة الركوع والسجود، وأما بالليل، فطول القيام، إلا أن يكون رجل له جزء بالليل يأتي عليه، فكثرة الركوع والسجود في هذا أحب إلي لأنه يأتي على حزبه، وقد ربح كثرة الركوع والسجود. قال الترمذي: وإنما قال إسحاق هذا لأنه وصف صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالليل، ووصف طول القيام، وأما بالنهار، فلم يوصف من صلاته - صلى الله عليه وسلم - من طول القيام مما وصف بالليل. ـــــــــــــــــــــــــــــ عبارة المصنف في شرح مسلم أحدها أي الأقوال أن تطويل القيام وتكثير الركوع والسجود أفضل حكاه الترمذي والبغوي عن جماعة وممن قال بتفضيل السجود ابن عمر وقال قبل ذلك وفي الخبر دليل لمن يقول السجود أفضل من القيام اهـ. وفي التحفة لابن حجر وكون المصلي أقرب ما يكون من ربه إذا كان ساجدًا إنما هو بالنسبة لاستجابة الدعاء فيه فلا ينافي أفضلية القيام اهـ. قوله: (وقَال أَحمدُ رُويَ فيِهِ حديثَانِ) قال الحافظ أشار إلى حديثي أفضل الصلاة القنوت وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ويحتمل أن يكون أراد بالثاني الحديث الوارد في الترغيب في كثرة السجود وهو حديث ثوبان مرفوعًا عليك بكثرة السجود فإنك لا تسجد لله سجدة إلَّا رفعك الله بها درجة وحط بها عنك خطيئة الحديث عند مسلم وغيره وقد ورد هذا المعنى من طرق كثيرة عن جمع من الصحابة. قوله: (وقَال إسْحاقُ) يعني ابن زاهويه كما في شرح مسلم للمصنف. قوله: (قَال الترمذِي وإنمَا قَال إِسْحاقُ إلخ) قال ابن الجوزي وهذا هو الصحيح لأنه لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - طول قيام في صلاة النهار والسر في ذلك أن القيام إنما يراد للقراءة والقراءة إنما تراد للتفكر فالقلب يخلو بالليل عن الشواغل فيحصل المقصود من التلاوة بخلاف النهار اهـ. وقال

فصل: إذا سجد للتلاوة، استحب أن يقول في سجوده ما ذكرناه في سجود الصلاة، ويستحب أن يقول معه: "اللهُم ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن القيم في الهدي النبوي وقالت طائفة طول القيام بالليل أفضل وكثرة الركوع والسجود في النهار أفضل واحتجت هذه الطائفة بأن صلاة الليل قد خصت باسم القيام كقوله تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ إلا قَلِيلًا (2)} [المزمل: 2] وقال من قام رمضان إلخ، ولذا يقال قيام الليل ولا يقال قيام النهار قالوا وكان هذا هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه ما زاد في الليل على إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة وكان يصلي الركعة في بعض قيامه بالبقرة والنساء وآل عمران وأما بالنهار فلم يحفظ عنه شيء من ذلك بل كان يخفف السنن اهـ. فصل قوله: (ويستَحب أَنْ يقولَ معه إلخ) قال في السلاح وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله رأيتني الليلة وأنا نائم كأني أصلي خلف شجرة فسجدت فسجدت الشجرة لسجودي فسمعتها وهي تقول اللهم اكتب لي بها عندك أجرًا وضع عني بها وزرًا واجعلها لي عندك ذخرًا وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود - عليه السلام - قال الحسن قال لي ابن جريج قال لي جدك قال ابن عباس فقرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - سجدة ثم سجد فسمعته وهو يقول مثل ما أخبره الرجل عن قول الشجرة رواه الترمذي واللفظ له وابن ماجة والحاكم وابن حبان في صحيحيهما وقال الحاكم هو من شرط الصحيح اهـ. قال المنذري في الترغيب بعد ذكر من ذكر من مخرجيه سوى الحاكم ما لفظه كلهم رووه عن محمد بن يزيد بن خنيس عن الحسن بن محمد بن عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن جريج عن عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس وقال الترمذي حديث غريب لا نعرفه إلّا من هذا الوجه وخنيس بضم المعجمة وفتح النون وسكون التحتية بعدها سين مهملة والحسن قال بعضهم لم يرو عنه غير محمد بن يزيد وقال العقيلي لا يتابع على حديثه قال الحافظ ابن حجر ومحمد بن يزيد شيخ مكي قال أبو حاتم الرازي كتبنا عنه بمكة وذكره ابن حبان في الثقات قال وربما أخطأ وأخرج مع ذلك حديثه في صحيحه ثم حديث ابن عباس هذا قال فيه الحافظ حديث حسن وعلى حديث ابن عباس اقتصر الشيخ المصنف كما سيأتي في قوله "وأما قوله اللهم اجعلها عندك ذخرًا الخ" قال الحافظ المنذري

اجْعَلْها لي عِنْدَكَ ذُخْرًا وأعْظِمْ لي بِهَا أجْرًا، وَضَعْ عَني بِها وزرًا، وتَقَبلْها مِني كما تَقَبلْتَهَا مِنْ داوُدَ عَلَيْهِ السلامُ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وروي الحديث أي حديث ابن عباس أبو يعلى والطبراني من حديث أبي سعيد الخدري قال رأيت فيما يرى النائم كأني تحت شجرة وكأن الشجرة تقرأ ص فلما أتت على السجدة سجدت وقالت في سجودها اللهم اغفر لي بها اللهم حط عني بها وزرًا وأحدث لي بها شكرا وتقبلها مني كما تقبلت من عبدك داود سجدته فغدوت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته فقال سجدت يا أبا سعيد قلت لا قال فأنت أحق بالسجود من الشجرة ثم قرأ سورة ص ثم أتى على السجدة فسجد وقال في سجوده ما قالت الشجرة في سجودها وفي إسناده يمان بن نصر ذكره الذهبي في الميزان وقال بيض له ابن أبي حاتم فهو مجهول. قلت كلا قد روى عنه عمرو بن علي والجراح ويعقوب بن سفيان وذكره ابن حبان في الثقات ولكن شيخه يعني عبد الله بن سعيد بن المدني ما عرفته والعلم عند الله اهـ. قلت وكذا أخرجه ابن السني من حديث أبي موسى الأشعري قال رأيت في المنام كأني في ظل شجرة ومعي دواة وقرطاس وأنا أكتب من أول ص حتى بلغت السجدة فسجدت الدواة والقرطاس والشجرة وسمعتهن يقلن في سجودهن اللهم احطط بها وزرًا وأحرز بها شكرًا وأعظم بها أجرًا الحديث ولم يذكر في آخره إن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك اهـ. قوله: (اجعلها لي عندك ذخرًا) أي اجعل السجدة المدلول عليها بالفعل باعتبار ثوابها والذخر بضم الذال وسكون الخاء المعجمتين ما يدخر والمراد ذخرا في غاية الشرف والعظمة كما أفادهما عندك وسيأتي في أذكار الصلاة في قوله فاغفر لي مغفرة من عندك ما يزيد هذا المقام وضوحا. قوله: (وأَعظمْ لِي بهَا) أي بسببها أو بدلها أو مقابلها وفي لفظ الحديث واكتب لي بها عندك أجرًا وكررت في الخبر مع أن مضمونها مرادف لمضمون اجعلها لي عندك ذخرًا لأن مقام الدعاء مقام إطناب ويصح أن يكون هذا غير ذاك لأن هذا فيه طلب كتابة الأجر وذاك فيه طلب بقائه سالما من محبط أو مبطل. قوله: (كمَا قَبلْتها منْ عَبدَكَ دَاودَ) لا يقال فيه إيماء إلى إن سجدة ص للتلاوة لأنا نقول هو مسلم لو لم يعارضه ما هو صريح في أنها سجدة شكر من قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث ونحن نسجدها شكرًا ثم داود يكتب بواو واحدة وما

ويستحب أن يقول أيضًا: "سُبْحانَ رَبنا إنْ كانَ وَعْدُ رَبنا لَمَفْعُولا" نص الشافعي على هذا الأخير أيضًا. روينا في سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في سجود القرآن: "سَجَدَ وَجْهِي لِلَذي خَلَقَهُ، وَشَق سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَولِهِ وَقوَّتِهِ" قال الترمذي: حديث صحيح، ـــــــــــــــــــــــــــــ أحسن قول بعض الأدباء: إنما كان ضرب زيد لعمرو ... في اصطلاح النحاة قولًا ورسما أن داود قال يا زيد عمرو ... أخذ الواو من حروفي ظلما قال الإمام أبو بكر بن العربي المالكي عسر علي في هذا الحديث إن يقول أحد ذلك فإن طلب قبول مثل ذلك القبول وأين ذلك اللسان وأين تلك النية قال الجلال السيوطي ليس المراد المماثلة من كل وجه بل في مطلق القبول وقد ورد في دعاء الأضحية كما تقبلت من إبراهيم خليلك ومحمد نبيك وأين المقام من المقام ما أريد بهذا إلَّا مطلق قبول وفيه ايماء إلى أن الإيمان بهؤلاء الأنبياء وإذا ورد الحديث بشيء اتبع ولا إشكال اهـ. قوله: (ويستَحب أَنْ يقُولَ أَيضًا سبحانَ ربنا إلخ) قال الحافظ سبق الشافعي إلى ذلك سعيد بن أبي عروبة وكان أحد فقهاء البصرة وأدرك بعض الصحابة وأخرجه ابن أبي شيبة من طريقه ولا يعترض بالنهي عن القراءة في السجود لأنه يحمل على إرادة التلاوة كما في الذي قبله يعني قوله في حديث الحاكم {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14] اهـ. قوله: (رَوَينْا في سنَنِ أَبِي داوُدَ إلخ) قال في السلاح بعد أن أورده باللفظ المذكور هنا وفيه بعد وخلقه "وصوره" كما هي في بعض النسخ المصصحة ملحقة: ما لفظه رواه أبو داود والترمذي والنسائي واللفظ له والترمذي وقال حسن صحيح ولفظ أبي داود يقول في السجدة مرارًا ورواه الحاكم في المستدرك وزاد فيه {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)} [المؤمنون: 14] وقال صحيح على شرط الشيخين اهـ، وكلامه ظاهر في أن من ذكر رووا قوله وصوره لكن راجعت نسختين

باب ما يقول في رفع رأسه من السجود وفي الجلوس بين السجدتين

زاد الحاكم: "فَتَبَارَكَ اللهُ أحْسَنُ الخَالِقِينَ" قال: وهذه الزيادة صحيحة على شرط "الصحيحين". وأما قوله: "اللهُم اجعلها لي ذخرا ... الخ" فرواه الترمذي مرفوعًا من رواية ابن عباس رضي الله عنهما بإسناد حسن. وقال الحاكم: حديث صحيح. باب ما يقول في رفع رأسه من السجود وفي الجلوس بين السجدتين ـــــــــــــــــــــــــــــ من سنن أبي داود وأصلًا مصححًا من الترمذي فلم أجد فيهما ذلك وعبارة الشيخ ابن حجر في شرح المشكاة زاد البيهقي بعد خلقه وصوره فرواها البيهقي وهي تؤيد ما ذكرته وقال الحافظ بعد تخريجه بهذا اللفظ وليس فيه قوله وصوره هذا حديث حسن قال ابن خزيمة بعد تخريج الحديث إنما أخرجته لئلا يغتر به بعض الطلبة فيظنه صحيحًا وليس كذلك فإن خالدًا الحذاء لم يسمعه من أبي العالية بل بينهما فيه رجل قال الحافظ كأنه يشير إلى ما رواه أحمد وغيره عن إسماعيل بن علية عن خالد الحذاء عن رجل عن أبي العالية عن عائشة فذكره وخفيت علته هذه على الترمذي فصححه واغتر ابن حبان بظاهره فأخرجه في صحيحه عن ابن خزيمة وتبعه الحاكم في تصحيحه وكأنهما لم يستحضرا كلام إمامهما فيه وذكر الدارقطني في العلل اختلافًا فيه وقال الصواب رواية إسماعيل قال وإنما قلت حسنا لأن له شاهدا من حديث علي كما تقدم وإن كان في مطلق السجود ونبه الحافظ على إنه لم ير في النسخ المعتمدة من الأذكار في آخر الحديث بحوله وقوته وهو ثابت في الكتب الثلاثة التي نسبها إليه اهـ. قلت قد رأيت ذلك في نسخة مصححة مقروءة على حفاظ متقنين كالتقي ابن فهد وابن النجم وحفيده الغر في آخرين ألحقت في الهامش وكتب عليها (وزاد الحاكم) قال الحافظ وأخرجه البيهقي عن الحاكم وأخرجه من طريق أخرى ولم يذكر فيها هذه الزيادة اهـ. باب ما يقول في رفع رأسه من السجود وفي الجلوس بين السجدتين وفي بعض النسخ ساقط وفي الجلوس إلخ، قال ابن الجزري في تصحيح المصابيح إنما خص بين السجدتين بالدعاء لأنه حال بين حالتين مأمور بالدعاء فيهما فأعطى حكمهما فكأنه لم يعد فاصلًا بين السجدتين اهـ. قال المصنف وأي دعاء دعا به في الجلوس بين

السنة: أن يكبر من حين يبتدئ بالرفع ويمد التكبير إلى أن يستوي جالسًا، وقد قدمنا بيان عدد التكبيرات، والخلاف في مدها، والمد المبطِل لها، فإذا فرغ من التكبير واستوى جالسًا، فالسُّنَّة أن يدعو بما رويناه في سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، والبيهقي وغيرها، عن حذيفة رضي الله عنه في حديثه المتقدم في صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الليل، وقيامه الطويل بـ (البقرة) و (النساء) و (آل عمران) وركوعه نحو قيامه، وسجوده نحو ذلك، قال: وكان يقول بين السجدتين: "رَب اغفرْ لي، رَب اغْفِرْ لي"، وجلس بقدر سجوده. ـــــــــــــــــــــــــــــ السجدتين تأدت به السنة لكن المروي أفضل نقله ابن المزجد في التجريد. قوله: (السنةُ أَنْ يكَبِّرَ) أي من غير رفع يد ويرتفع منه رأسه قبل يديه. قوله: (فالسنَّةُ أَنْ يدعُوَ بمَا رَوَينَاهُ في سُننِ أَبي دَاودَ الخ) قال الحافظ وأخرجه أحمد أيضًا قال الحافظ ووقع من وجه آخر مقتصرًا على المقصود فأخرجه بسنده إلى حذيفة قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول بين السجدتين رب اغفر لي رب اغفر لي قال الحافظ بعد تخريجه هكذا أخرجه ابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان عن ابن خزيمة والحاكم وفي تصحيح هؤلاء لإسناد هذا الحديث نظر فإن طلحة بن يزيد هو أبو حمزة لم يسمع من حذيفة كما جزم به النسائي وقد عرف الواسطة بينهما في رواية شعبة الراوي لحديث أبي داود وغيره ممن ذكره المصنف فإنهم رووه من طريق شعبة وفيه عن أبي حمزة عن رجل من بني عبس كان شعبة يرى إنه صلة عن حذيفة اهـ. قوله: (وغيْرِها) كمسند الدارمي. قوله: (وَجَلَسَ بقدْرِ سجُودهِ) قال ابن القيم في الهدي كان هديه - صلى الله عليه وسلم - إطالة هذا الركن بقدر السجود وهكذا الثابت عنه في جميع الأحاديث وفي الصحيح عن أنس كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقعد بين السجدتين حتى نقول قد نسي أو قد أوهم وهذه السنة تركها أكثر الناس من بعد انقراض عصر الصحابة ولهذا قال ثابت وكان أنس يصنع شيئًا لا أراكم تصنعونه يمكن بين السجدتين حتى نقول قد نسي أو قد أوهم وأما من حكم السخة ولم يلتفت إلى ما خالفها فإنه لا يعبأ بما خالف هذا الهدي وفي شرح المشكاة فيه تطويل الاعتدال والجلوس بين السجود مع انهما قصيران عندنا ومن

وبما رويناه في "سنن البيهقي"، عن ابن عباس في حديث مبيته عند خالته ميمونة رضي الله عنها وصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الليل، فذكره قال: وكان إذا رفع رأسه من السجدة قال: "رَب اغْفِرْ لي وارْحَمْني واجْبُرْني وارْفَعْني وارْزُقْني واهْدِني" وفي رواية أبي داود: "وعافِني"، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم اختار النووي طولهما بل جزم به المذهب في بعض كتبه اهـ. قوله: (وبما رَوَينْاهُ في سُننِ البيهقي) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم وابن السني كلهم عن ابن عباس لكن قوله وأجبرني انفرد به الترمذي والبيهقي وقال الحافظ فعد تخريج الحديث بلفظ رواية البيهقي أخرجه الطبراني في الكبير ومعنى اجبرني اغثني من جبر الله مصيبته أي رد عليه ما فات منه وذهب أو عوضه وأصله من جبر الكسر أي أصلحه كذا في النهاية وقوله وأرفعني انفرد به ابن ماجة والحاكم في المستدرك والبيهقي وكان هذا وجه الاقتصار في عزو التخريج للبيهقي فقط لكونه روى الجميع والمراد الرفعة في المقدار والرتبة. قوله: (وفي رِوايةِ أَبي دَاودَ وعافِني) وكذا هو عند البيهقي في السنن ونقل في السلاح كذلك عما عدا البيهقي لأنه لم يذكره في مخرجي الحديث والله أعلم. قال الحافظ ظاهر صنيع الشيخ يفهم أنه زادها على روابة البيهقي وهو كذلك لكنه نقص ثنتين اجبرني وارفعني وأخرج الحافظ من طريق الطبراني في كتاب الدعاء له ومن طريق غيره كلاهما عن ابن عباس قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول بين السجدتين اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني واهدني وقال بعد إخراجه حديث غريب أخرجه أبو داود والترمذي وابن حبان في الضعفاء والحاكم قال الترمذي غريب وقال الدارقطني والطبراني لم يروه عن حبيب يعني الراوي عن سعيد عن ابن عباس إلا كامل زاد الطبراني ولم يروه عن كامل إلا زيد بن الحباب ومحبيد بن إسحاق وتعقبه الحافظ بأنه قد رواه ابن ماجة من طريق إسماعيل بن صبيح عن كامل فالمنفرد به كامل وقد اختلف في توثيقه ووقع في رواية ابن حبان زيادة وانصرني وإذا ضمت إلى ما تقدم تمت الألفاظ ثمانية والله أعلم. تنبيه ذكر المصنف في مجموعه تبعًا للرافعي وغيره بلفظ رب اغفر لي واجبرني وعافني وارزقني واهدني ثم قال والأحب أن يضم إليها وارحمني وارفعني فقد ورد ذلك وذكره في الروضة بلفظ أغفر لي

وإسناده حسن، والله أعلم. فصل: فإذا سجد السجدة الثانية قال فيها ما ذكرناه في الأولى سواء، فإذا رفع رأسه منها، رفع مكبرًا، وجلس للاستراحة ـــــــــــــــــــــــــــــ وارحمني واجبرني واهدني وارزقني وهذا موافق لرواية الترمذي ورواية أبي داود مثلها لكن قال عافني بدل اجبرني فينتظم من رواية الثلاثة ما ذكره في مجموعه وجمعها ابن عدي إلا ارفعني ومثله ابن حبان لكن عنده انصرني بدل اهدني واتفقت روايات الجميع على إثبات اغفر لي وارحمني فعجب لمن حذف ارحمني كالغزالي والرافعي وقد ثبتت أيضًا في رواية البيهقي ورواية الحاكم مثلها وأثبت الغزالي في الوجيز بعد عافني واعف عني وحذفها الرافعي ووقع في رواية بريدة مثل حديث علي وزاد في آخره رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير أخرجه البزار بسند فيه ضعيف ويجتمع من جميع ما ذكر عشر كلمات قاله الحافظ. قوله: (وإسنَادُهُ) أي أبي داود وإلا فإسناد الخبر الذي فيه ذلك صحيح كما نقله في السلاح عن الحاكم لكن قال الحافظ وقول الشيخ إسناده حسن كأنه اعتمد فيه على سكوت أبي داود وأما الحاكم فصححه على قاعدته في عدم الفرق بين الصحيح والحسن، قلت وقد صرح ابن الملقن في البدر المنير بصحة حديث ابن عباس المذكور وقال أخرجه الحاكم في موضعين من مستدركه وقال في كلا الموضعين حديث صحيح الإسناد اهـ، وظاهر سياق اعتماده في تصحيحه على تصحيح الحاكم له وقد علمت ما فيه قال الحافظ وقد قال الترمذي بعد تخريجه وبه يقول علي رضي الله عنه ثم أخرج الحافظ حديث علي إلى سليمان التيمي قال بلغني أن عليًّا كان يقول بين السجدتين رب اغفر لي وارحمني وارفعني واجبرني ورواه البيهقي وقال ورواه الحارث عن علي فقال اهدني بدل وارفعني أخرجه الحافظ أيضًا من طريق الطبراني في الدعاء عن الحارث عن علي إنه كان يقول بين السجدتين اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وارزقني وارفعني ورجال السندين موثقون إلَّا الواسطة بين سليمان وعلي في السند الأول وكذا في السند الثاني إلَّا الحارث وهو ابن عبد الله بن الأعور مشهور وضعه جماعة اهـ فصل قوله: (وجلَسَ للاسترَاحة) أي ولو كان قويًّا ولو

جلسة لطيفة بحيث تسكن حركته سكونًا بينًا، ثم يقوم إلى الركعة الثانية، ويمد التكبيرة التي رفع بها من السجود إلى أن ينتصب قائمًا، ويكون المد بعد اللام من "الله" هذا أصح الأوجه لأصحابنا، ولهم وجه أنه يرفع بغير تكبير، ويجلس للاستراحة، فإذا نهض كبر، ووجه ثالث: أنه يرفع من السجود مكبرًا، فإذا جلس قطع التكبير، ثم يقوم بغير تكبير. ولا خلاف أنه لا يأتي بتكبيرين في هذا الموضع، وإنما قال أصحابنا: الوجه الأول أصح لئلا يخلو جزء من الصلاة عن ذِكْر. واعلم أن جلسة الاستراحة سُنة ثابتة صحيحة في "صحيح البخاري" وغيره من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومذهبنا استحبابها ـــــــــــــــــــــــــــــ كانت الصلاة نقلًا وهي فاصلة ليست من الأولى ولا من الثانية. قوله: (جلُوسًا لَطيفًا) أفهم إنه لا يجوز تطويله كالجلوس بين السجدتين وهو المعتمد فإن طوله قدر أقل التشهد عامدًا عالمًا بطلت صلاته. قوله: (في صحيحِ البخَارِي وغيْرِه منْ فِعلِ النبي - صلى الله عليه وسلم -) في البدر المنير لابن الملقن عن مالك بن الحويرث إنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدًا وهو معدود من أفراد البخاري ورواه بغير هذا اللفظ أيضًا وفي الهدي لابن القيم في أثناء كلام إنما ذكرت يعني جلسة الاستراحة في حديث مالك بن الحويرث وأبي حميد ولو كان هديه - صلى الله عليه وسلم - فعلها دائمًا لذكرها كل من وصف صلاته اهـ. وقال الحافظ وأشهر الأحاديث فيه حديث مالك بن الحويرث قال إنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي جالسًا أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي ثم ذكر له الحافظ طرقًا وأخرج البيهقي في بعض طرق حديث أبي حميد الساعدي في وصفه صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يشهد لحديث مالك بن الحويرث وأصله عند البخاري وغيره بدون الزيادة قال الحافظ بعد تخريج حديث أبي حميد الذي في إثبات هذه الجلسة حديث صحيح أخرجه أبو داود عن أحمد بن حنبل والترمذي وابن ماجة وابن خزيمة ثم ذكر رواية

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه ليس فيها ذكر هذه الجلسة ولا الرفع منها وجاء في حديث عنه عند أبي داود والترمذي ولم يتعرض فيه لصفة الرفع من السجدة الثانية وجاءت رواية ثالثة عنه تدل على إنه رفع من السجدة الثانية من غير جلوس قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث صحيح أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان قال الحافظ فاختلف على أبي حميد في جلسة الاستراحة إثباتًا ونفيًا وسكوتًا وكذا وقع في قصة المسيء صلاته على الوجوه الثلاثة وقال أخرجه البخاري بالأنحاء الثلاثة من حديث أبي هريرة فأخرجه في كتاب الاستئذان من رواية عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر العمري قال بعد ذكر السجدة الثانية ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا وأخرجه في كتاب الإيمان والنذور من رواية أبي أسامة عن العمري فقال بعد ذكر السجدة الثانية ثم ارفع حتى تستوي قائمًا وأخرجه في كتاب الصلاة من رواية يحيى القطان عن العمري فلم يذكر ما بعد السجدة الثانية وأخرجه مسلم من هذه الطرق الثلاثة لكن ساقه على لفظ القطان ثم ظاهر كلام الشيخ إن الحكم المذكور لم يرد من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - صحيحًا وليس كذلك لما قدمناه في حديث المسيء صلاته وكلامه في مجموعه يقتضي إنه لم يذكر في قصة المسيء صلاته وقد ورد فيها كما قدمناه ويقتضي أيضًا إن نفيه لم يقع إلّا في حديث وائل وقد تمدم عن أبي حميد وجاء أيضًا عن رفاعة في بعض طرقه وقد ذكر ابن المنذر إن الإمام أحمد احتج بحديثه للقول بترك جلسة الاستراحة ثم أخرج الحافظ من طريق الإمام أحمد بن حنبل عن يحيى بن خلاد بن رافع عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع فذكر قصة المسيء صلاته وقال فيه بعد ذكر الجلوس بين السجدتين ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا ثم قم قال الحافظ وكذا أخرجه أصحاب السنن الأربعة والطبراني عن علي بن يحيى المذكور عن أبيه كلها ساكتة عما بعد السجدة الثانية وكذا أخرجه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وجاء أيضًا عن أبي مالك الأشعري فأخرج الحافظ عنه إنه جمع قومه فذكر الحديث في صفة الصلاة وفيه بعد ذلك الجلوس بين السجدتين ثم كتر فسجد ثم كثر فانتهض قائمًا وفي آخبره أنها صفة صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يتكلم الحافظ على حال سنده ثم قال الحافظ وحديث وائل احتج به الشيخ في المهذب والرافعي وغيره ولفظه إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رفع رأسه من السجدة استوى

باب أذكار الركعة الثانية

لهذه الأحاديث الصحيحة، ثم هي مستحبة عقيب السجدة الثانية من كل ركعة يقوم عنها، ولا تستحب في سجوده التلاوة في الصلاة، والله أعلم. باب أذكار الركعة الثانية اعلم أن الأذكار التي ذكرناها في الركعة الأولى يفعلها كلها في الثانية على ما ذكرناه في الأولى من النفل وغير ذلك من الفروع المذكورة، إلا في أشياء. أحدها: أن الركعة الأولى فيها تكبيرة الإحرام وهي ركن، وليس كذلك الثانية فإنه لا تكبير في أولها، وإنما التكبيرة التي قبلها للرفع من السجود مع أنها سُنة. الثاني: لا يشرع دعاء الاستفتاح في الثانية بخلاف الأولى. الثالث: قدمنا أنه يتعوذ في الأولى بلا خلاف، وفي الثانية خلاف. الأصح: أنه يتعوذ. الرابع: المختار: أن القراءة في الثانية تكون أقل من الأولى، وفيه الخلاف الذي قدمناه، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ قائمًا بتكبيرة وهذا الحديث بيض له الحازمي في تخريج أحاديث المهذب وكذا المنذري ولم يخرجه الشيخ في شرحه ولا من خرج أحاديث الرافعي وكنت تبعتهم ثم ظفرت به في مسند البزار في أثناء حديث طويل ذكر فيه صفة الوضوء والصلاة وفيه بعد ذكر السجدة الثانية ثم رفع رأسه بالتكبير إلى أن اعتدل في قيامه وفي سنده ضعف وانقطاع وليس صريحًا في نفي جلسة الاستراحة اهـ. قوله: (لهذه السنة الصحيحة) أي وكونها لم ترد في أكثر الأحاديث لا حجة فيه لعدم ندبها وورود ما يخالف ذلك غريب كذا في التحفة لابن حجر. قوله: (يقومُ عنْها) أي بأن لا يعقبها تشهد باعتبار إرادته وإن خالف المشروع كما أفتى به البغوي وأفهم قوله يقوم عنها أنها لا تسن لقاعد. قوله في باب أذكار الركعة الثانية: لا يشرع دعاء الافتتاح قال ابن القيم في الهدي وكان إذا نهض افتتح القراءة ولم يسكت كما كان عند افتتاح

باب القنوت في الصبح

باب القنوت في الصبح اعلم أن القنوت في صلاة الصبح سُنة. للحديث الصحيح فيه عن أنس رضي الله عنه "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يزل يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا"، ـــــــــــــــــــــــــــــ الصلاة واختلف الفقهاء هل هذا موضع استعاذة أو لا بعد اتفاقهم إنه ليس بموضع استفتاح وفي ذلك قولان مبناهما إن قراءة الصلاة هل هي قراءة واحدة فيكفي لها استعاذة واحدة أو قراءة كل ركعة مستقلة بنفسها ولا نزاع بينهم إن الاستفتاح لمجموع الصلاة اهـ. باب القنوت في فتح الباري ذكر ابن العربي للقنوت عشرة معانٍ فنظمها شيخنا زين الدين العراقي فقال: ولفظ القنوت اذكر معانيه تجد ... مزيدًا على عشر معان مرضيه دعاء خشوع والعبادة طاعه ... أقامتها إقراره بالعبوديه سكوت صلاة والقيام وطوله ... كذاك دوام الطاعة المتتاليه وعند أهل الشرع اسم للدعاء في الصلاة في محل مخصوص من القيام. قوله: (عَنْ أنس إلخ) في الخلاصة للمصنف عن أنس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت شهرًا يدعو عليهم ثم تركه فأما الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا صحيح رواه جماعات من الحفاظ وصححوه وممن نص على صحته الحافظ أبو عبد الله محمد بن علي البلخي والحاكم في المستدرك ومواضع من كتب البيهقي ورواه الدارقطني من طرق بأسانيد صحيحة وعن العوام بن حمزة قال سألت أبا عثمان عن القنوت في الصبح فقال بعد الركوع قلت عمن قال عن أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما رواه البيهقي وقال هذا إسناد حسن، وعن ابن معقل التابعي قال قنت في الفجر علي رضي الله عنه قال البيهقي هذا عن علي صحيح مشهور، قال أصحابنا الذين رووا إثبات القنوت أكثر ومعهم زيادة علم فتقدم روايتهم اهـ. قال ابن حجر في شرح المشكاة أما رواية تركه فالمراد ترك الدعاء عليهم لا ترك جميع القنوت أو ترك القنوت في غير

رواه الحاكم أبو عبد الله في كتاب "الأربعين"، وقال: حديث صحيح. واعلم أن القنوت مشروع عندنا في الصبح، وهو سنة مؤكدة، لو تركه لم تبطل صلاته، ـــــــــــــــــــــــــــــ الصبح كما بينه خبر أنس فإنه مفصل فيقضي به على هذا المجمل اهـ، وزاد في شرح العباب ويوافقه أي خبر أنس المذكور روايتهما عن أبي هريرة رضي الله عنه ثم ترك الدعاء عليهم لكن في الهدي لابن القيم إنه - صلى الله عليه وسلم - قنت في الصلاة وترك وكان تركه أكثر من فعله ولا كراهة على من فعل ولا من ترك وأطال في الاستدلال له بما في بعضه نظر قال ابن حجر في شرح المشكاة في حديث أبي مالك الأشجعي قلت لأبي يا أبت إنك قد صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ها هنا بالكوفة نحوًا من خمسين سنة أكانوا يقنتون قال أي بني محدث رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة، وأجاب أئمتنا بأن الذين أثبتوا معهم زيادة علم فوجب تقديمهم لا سيما وهم أكثر* قلت قال الحافظ ولعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن ذكر أسروه فلم يسمعه أبو مالك وكان بعيدًا أو نسي ويعكر عليه ورود نحو ذلك عن ابن مسعود اهـ. وما روي عن ابن مسعود إنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقنت في شيء من صلاته إلّا في الوتر وكان إذا حارب قنت في الصلوات كلها يدعو على المشركين ضعيف جدًّا، وكذا ما روي عن ابن عباس إنه بدعة وعن أم سلمة إنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن القنوت في الصبح فهذه كلها ضعيفة، ومما يرد ما ذكر عن ابن عباس ما رواه البيهقي عنه من طرق إنه - صلى الله عليه وسلم - يعلمهم اللهم اهدني إلخ، ليدعوا به في قنوت الصبح وقول ابن عمر ما أحفظه عن أحد من الصحابة معارض بمن حفظه وهو أسن منه وأكثر عددًا فقدم عليه سيما وهو ناف وغيره مثبت اهـ. دوله: (أَخرجهُ أَحمد في كتاب الأَربعين) قال الحافظ وأخرجه الحاكم في كتاب القنوت ولفظه ثم عن أنس قال ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنت في صلاة الصبح حتى فارق الدنيا قال الحافظ حديث حسن أخرجه أحمد وفي سنده أبو جعفر الرازي واسمه عيسى بن ماهان مختلف فيه وكذا في شيخه وأسند الحافظ عن أنس أيضًا قنت - صلى الله عليه وسلم - شهرًا ثم تركه فأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا وأسند أيضًا عن أبي جعفر الرازي قال كنت جالسًا عند أنس بن مالك فقيل إنما قنت - صلى الله عليه وسلم - شهرًا فقال لم يزل يقنت

لكن يسجد للسهو سواء تركه عمدًا أو سهوًا. وأما غير الصبح من الصلوات الخمس، فهل يقنت فيها؟ فيه ثلاثة أقوال للشافعي رحمه الله تعالى، الأصح المشهور منها: أنه إن نزل بالمسلمين نازلة قنتوا ـــــــــــــــــــــــــــــ في الصبح حتى فارق الدنيا أخرجه الحاكم هكذا وصححه على طريقته في تصحيح ما هو حسن عند غيره اهـ. قوله: (لكن يسجدُ للسهو) وكذا يسجد للسهو إذا ترك شيئًا من كلماته ومحل عدم تعين كلماته إذا لم يشرع فيه وفارق بدله لأنه لا حد له. قوله: (عَمدًا أَوْ سَهوًا) وقيل إن تركه عمدًا فلا يسجد لتقصيره فتفوت السنة على نفسه وردوه بأن خلل العمد أكثر فكان إلى الجبر أحوج. قوله: (أَما في غيْر الصبح إلخ) قال بعضهم ليس المراد بالقنوت في النازلة ما يقال في الصبح لأنه لم يرد في النازلة وإنما الوارد الدعاء برفع النازلة فهو المراد هنا ولا يجمع بينه وبين الدعاء برفعها لئلا يطول الاعتدال وهو مبطل اهـ. ورد بأن ظاهر كلامهم خلاف ذلك وقوله هو مبطل خلاف المنقول فقد قال القاضي لو طول القنوت المشروع زائدًا على العادة كره وفي البطلان احتمالان وقطع المتولي وغيره بعدمه لأن المحل محل الذكر والدعاء، إذا تقرر هذا فالذي يتجه إنه يأتي بقنوت الصبح ثم يختم بسؤال تلك النازلة فإن كانت جدبًا دعا ببعض ما ورد في أدعية الاستسقاء كذا في التحفة لابن حجر وخرج بقوله من الصلوات الخمس غيرها فيكره في الجنازة مطلقًا لبنائها على التخفيف والمنذورة والنافلة التي يسن فيها الجماعة وغيرهما فلا يسن فيها ثم إن قنت فيها لنازلة لم يكره وإلا كره وقول جمع يحرم ويبطل في النازلة ضعيف لقول بعضهم يبطل إن أطال لإطلاقهم كراهة القنوت في الفريضة وغيرها لغير النازلة. قوله: (الأَصحُّ المشهورُ إلخ) قال الحافظ دليل هذا القول حديث ابن عباس قنت - صلى الله عليه وسلم - شهرًا متتابعًا في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح يدعو على رعل وذكران وعصية في دبر كل صلاة إذا قال سمع الله لمن حمده من الركعة الأخيرة ويؤمن من خلفه قال الحافظ بعد إخراجه حديث حسن أخرجه أبو داود وابن خزيمة في صحيحه. قوله: (نازلةً) أي عامة أو خاصة في معنى العامة لعود ضررها على المسلمين على الأوجه كوباء وطاعون وقحط وجراد وكذا مطر يضر بالعمران أو زرع وخوف عدو وكأسر عالم أو شجاع للأحاديث الصحيحة إنه - صلى الله عليه وسلم - قنت شهرًا

في ذلك لجميع الصلوات، وإلا فلا. والثاني: يقنتون مطلقًا. والثالث: لا يقنتون مطلقًا، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ يدعو على قاتلي أصحابه القراء ببئر معونة لدفع تمرد القاتلين لا لتدارك المقتولين لتعذره وقيس غير خوف العدو عليه. فائدة قال الجوهري النازلة الشدة من شدائد الدهر تنزل بالناس. قوله: (وإنْ لم تنزَل لَا يقْنتُوا) أي يكره ذلك لعدم وروده لغير النازلة وفارقت الصبح غيرها بشرفها مع اختصاصها بالتأذين قبل الوقت وبالتثويب وبكونها أقصرهن فكانت بالزيادة أليق وليعود على يومه بالبركة لما فيه من الذلة والخضوع. فائدة قال الحافظ في فتح الباري ظهر لي أن الحكمة في جعل قنوت النازلة في الاعتدال دون السجود مع أن السجود مظنة الإجابة كما ثبت أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وثبوت الأمر بالدعاء فيه أن المطلوب من قنوت النازلة مشاركة المأموم الإمام في الدعاء ولو بالتأمين ومن ثم اتفقوا على الجهر به خلاف قنوت الصبح ففي الجهر به خلاف اهـ. قوله: (والثالثُ لَا يقْنتُ مطْلقًا) قال الحافظ دليله ما في الصحيحين عن أنس وأبي هريرة إنه - صلى الله عليه وسلم - قنت شهرًا ثم ترك وحمله الأولون على انقضاء الحاجة لقول أبي هريرة في بعض طرقه إن الذي كان يدعو لهم قدموا فترك الدعاء لهم ودليل التعميم حديث البراء بن عازب كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يصلي صلاة مكتوبة إلَّا قنت فيها قال الحافظ بعد إخراجه رجاله موثقون إلّا محمد بن أنس فاختلف فيه وأخرج حديثه هذا الدارقطني والبيهقي وله شاهد من حديث البراء أيضًا قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنت في الصبح والمغرب قال الحافظ بعد إخراجه حديث صحيح أخرجه مسلم وأحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة من طرق متعددة وله شاهد آخر أخرجه البخاري من رواية محمد بن سيرين عن أنس بلفظه وله شاهد آخر أخرجه الشيخان عن أبي هريرة قال لأقربن لكم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان يقنت في الظهر والعشاء والصبح وحمل بعضهم هذه الأحاديث على قنوت النازلة ويؤيده ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يدعو لأحد أو يدعو على أحد قنت في الركعة الأخيرة ورواه ابن خزيمة أيضًا بلفظ كان لا يقنت إلَّا إذا دعا لأحد أو دعا على أحد ولهذا اللفظ شاهد من حديث أنس قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم -

ويستحب القنوت عندنا في النصف الأخير من شهر رمضان في الركعة الأخيرة من الوتر، ولنا وجه: أن يَقْنُتَ فيها في جميع شهر رمضان، ووجه ثالث: في جميع السنة، وهو مذهب أبي حنيفة، والمعروف من مذهبنا هو الأول، ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يقنت إلا دعا لقوم أو دعا على قوم قال الحافظ بعد إخراجه أخرجه ابن خزيمة وله شاهد آخر من حديث ابن عباس قال قنت - صلى الله عليه وسلم - دعا لقوم ودعا على قوم أخرجه الطبراني قال الحافظ وسنده حسن اهـ. قوله: (ويستحب القنُوتُ عندَنَا في النصفِ الأخيرِ منْ رمضَانَ) أي لما رواه أبو داود عن الحسن إن عمر جمع الناس على أبي فكان يصلي لهم عشرين ليلة ولا يقنت بهم إلَّا في النصف الثاني الحديث قال الحافظ أخرج الحديث بسندين رجالهما ثقات أحدهما منقطع وفي الآخر راو لم يسم وأخرجه محمد بن نصر في كتاب قيام الليل وأخرجه مثله عن أبي خيثمة واسمه معاذ بن الحارث وهو الذي كان يصلي بهم إذا غاب أبي وأخرج أيضًا عن علي نحوه بسند ضعيف وعلقه عنه الترمذي لعلي والثابت عن علي خلافه. قوله: (في الركعَةِ الأَخيرَةِ) أي التي يعقبها السلام وإطلاق الأخيرة عليها باعتبار الغالب من سبق نحو ركعتين عليها فلا يخالف سنه فيما لو اقتصر على ركعة واحدة. قوله: (ووجْهٌ ثانٍ) قال الحافظ لم يثبت بعضهم هذا الوجه ونسبه الرافعي لمالك وما وقفت له على مستند لكنه في الموطأ عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج قال ما أدركت الناس إلّا وهم يلعنون الكفرة في رمضان وهذا يحتمل أن يخص بالنصف الأخير فيرجع إلى الأول والوجه الثالث المختار عند جماعة عقد له محمد بن نصر بابًا ذكر فيه عن عمر وعلي وابن مسعود ذلك بأسانيد صحيحة وحديث ابن مسعود وهو لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقنت في شيء من الصلوات إلَّا في الوتر الحديث وسيأتي حديث الحسن وإن كان غير صريح في التعميم أيضًا وأخرج ابن خزيمة من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى سئل عن القنوت في الوتر فقال حدثنا البراء بن عازب قال هي سنة ماضية اهـ. قوله: (ووجْهٌ ثالِثٌ في جمِيعِ السنةِ إلخ) قال الشيخ تاج الدين السبكي في الطبقات في ترجمة القفال قال القاضي حسين في تعليقه في باب صلاة

والله أعلم. فصل: اعلم أن محل القنوت عندنا في الصبح ـــــــــــــــــــــــــــــ التطوع كان القفال يقول وددت أن أجد قول سلف في القنوت في الوتر في جميع السنة لكن تفحصت عنه فما وجدت أحدًا قال به قال القفال وقد اشتريت كتاب ابن المنذر في اختلاف العلماء لهذه المسألة خاصة ففحصت عنها فلم أجد أحدًا قال به إلَّا مالكًا فإنه قال بالقنوت في الوتر في جميع شهر رمضان دون غيره من المشهور قلت كان يعني بالسلف الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى زمان مالك والشافعي إلا فقد قال بالقنوت في الوتر جميع السنة من أصحابنا أربعة منهم اثنان استبعد خفاء قولهما على القفال وهما أبو الوليد النيسابوري وأبو عبد الله الزبيري وأبو منصور بن مهران وأبو الفضل بن عبدان واختاره النووي في تحقيق المذهب ولكن توقف والدي في موافقته على اختياره قال إذ ليس في الحديث تصريح به ولما رأيت فحص القفال عن أقاويل السلف في هذه المسألة فكشفت أوعب الكتب لأقاويلهم وهو مصنف ابن أبي شيبة فوجدته قال حدثنا أزهر السمان عن ابن عون عن إبراهيم إنه كان يقول القنوت في السنة كلها قال وكان ابن سيرين لا يراه إلَّا في النصف الثاني من رمضان ثم روي عن الحسن أن الإمام يقنت في النصف والمنفرد يقنت في الشهر كله ثم روي ذلك بسنده إلى إبراهيم قال كان عبد الله لا يقنت السنة كلها في الفجر ويقنت في الوتر كل ليلة قبل الركوع قال أبو بكر هذا القول عندنا قلت فهذا أبو بكر بن أبي شيبة قد نقل عن إبراهيم عن عبد الله وهو ابن مسعود إنه يقنت في الوتر في السنة كلها وبه قال إبراهيم نفسه وهو النخعي وارتضاه أبو بكر بن أبي شيبة فهؤلاء الثلاثة من السلف اهـ. قلت وقال به الإمام أبو حنيفة كما نقله المؤلف هنا وكان السبكي سكت عن ذكره لنسيانه ذلك حال الكتابة وبه يندفع ما شنع به بعض من أساء الأدب على ابن السبكي في تركه ذكر الإمام أبي حنيفة والله أعلم. وفي كلام ابن السبكي إنه لم يقل بما ذكر أحد من التابعين لكن قال الحافظ نقل القاضي حسين في التعليقة أن القفال ود أن لو قال به أحد من السلف وأقره على ذلك وهو غريب فقد نقله محمد بن نصر وقبله أبو بكر بن أبي شيبة عن جماعة من التابعين ونقله ابن المنذر عن أبي ثور صاحب الشافعي ونقله الروياني عن مشايخ طبرستان وبه قال جماعة من الشافعية اهـ. فصل قوله: (في الصُّبحِ)

بعد الرفع من الركوع في الركعة الثانية. وقال مالك رحمه الله: يقنت قبل الركوع. قال أصحابنا: فلو قنت الشافعي قبل الركوع لم يحسب له على الأصح، ولنا وجه أنه يحسب، وعلى الأصح، يعيده بعد الركوع ويسجد للسهو، وقيل لا يسجد. وأما لفظه، فالاختيار أن يقول فيه: ما روينا في الحديث الصحيح في سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والبيهقي، ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذا فيما يشرع فيه من وتر النصف الأخير من رمضان والمكتوبات عند النازلة فالتقييد به لكونه الغالب فيه لا مفهوم له. قوله: (بعدَ الرفع منَ الركوع) أي لما تقدم بسند حسن أن الصديق وعمر وعثمان كانوا يفعلونه بعد الركوع قال البيهقي صح إنه - صلى الله عليه وسلم - قنت قبل الركوع أيضًا لكن رواة القنوت بعده أكثر وأحفظ فهو أولى وعليه درج الخلفاء الراشدون في أشهر الروابات عنهم وأكثرها وفي الكنى لأبي أحمد الحاكم عن الحسن صليت خلف ثمانية وعشرين بدريًّا كلهم يقنت في الصبح بعد الركوع اهـ، وقول الباقلاني يمتنع على المجتهد عند تعارض الأدلة الترجيح بظني ككثرة الرواة أو الأدلة أو كثرة أوصافهم بخلاف القطعي كتقديم النص على القياس اختيار له والذي صرح به أئمتنا إنه لا فرق قال في التحفة ويسن يعني القنوت بعد ذكر الاعتدال وهو إلى "من شيء بعد" خلافًا لمن قال الأولى أن لا يزيد على ربنا لك الحمد ولمن قال الأولى أن يأتي بذلك الذكر كله اهـ. قوله: (وقَال مالك يقنتُ قبلَ الركوع) في رسالة ابن أبي زيد يقنت قبل الركوع وإن شئت قنت بعد الركوع بعد تمام القراءة اهـ. قوله: (فلو قنتَ شافعي إلخ) إن قلت قياس كلامنا أئمتنا في الجمع بين الروايات المتعارضة هنا حمل ما قبل الركوع على أصل السنة وما بعده على كمالها قلت إنما خرجوا عن ذلك لأنهم رأوا مرجحًا للثانية وقادحًا في الأولى وهو أن أبا هريرة رضي الله عنه صرح ببعد وأنس تعارض عنه حديث رواية محمد وعاصم في القبل والبعد فتساقطا وبقي حديث أبي هريرة الناص على البعدية بلا معارض فأخذوا به على أن عاصمًا انفرد عن أنس بقوله قبل الركوع وخالف هشامًا عن قتادة والتيمي عن أبي مجلز وأيوب عن ابن سيرين وغير واحد كلهم عن أنس إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت بعد الركوع كما قاله الإمام أحمد. قوله: (ويسجدُ للسهْو) قال

وغيرها، بالإسناد الصحيح عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ الشافعي في الأم لأن القنوت عمل من عمل الصلاة فإذا عمله في غير محله أوجب سجود السهو قال في شرح الروض وصورته أن يأتي به بنية القنوت وإلَّا فلا يسجد قاله الخوارزمي وخرج بالشافعي غيره ممن يرى القنوت قبل الركوع كالمالكي فيجزئه عنده اهـ. قوله: (وغيْرِها) أخرجه الحافظ من طريق أحمد والدارمي وابن خزيمة والطبراني وقال بعد إخراجه والحديث حسن صحيح أخرجه ابن خزيمة اهـ، وأخرجه الحاكم في المستدرك وزاد في أوله علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وتري إذا رفعت رأسي ولم يبق إلَّا السجود ورواه ابن حبان في صحيحه ولفظه سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو بهذا الدعاء فذكره كما في السلاح. قوله: (عنِ الحَسنِ) هو أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما كناه وسماه بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - سبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وريحانته كما جاء في الأحاديث شبه لسروره به وفرحه به واقبال نفسه عليه بريحان طيب الرائحة تهش إليه النفس وترتاح له وكفاه فخرًا الحديث الصحيح إن رقي المنبر ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب فأمسكه والتفت إلى الناس ثم قال ابني هذا سيد ولعل الله تعالى أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين فكان كذلك فإنه لما توفي أبوه رضي الله عنه بايع الناس له فصار خليفة حقًّا مدة ستة أشهر تكملة للثلاثين التي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها مدة الخلافة وبعدها تكون ملكًا عضوضًا أي يعض الناس لجور أهله وعدم استقامتهم فلما تمت تلك المدة اجتمع هو ومعاوية رضي الله عنهما كل في جيش عظيم فامتثل الحسن إشارة جده ورغب عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنه فسلمها طوعًا وزهدًا وصيانته لدماء المسلمين وأموالهم فإنه بايعه على الموت أكثر من أربعين ألفًا وشرط على معاوية شروطًا وفى له بمعظمها ومناقبه كثيرة وفضائله جمة ومحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له ولأخيه الحسين ولأبيهما ولأمهما وثناؤه عليهم ونشره لغرر مآثرهم وباهر مناقبهم من الشهرة عند من له أدنى ممارسة بالسنة بالمحل الأسنى ولد الحسن رضي الله عنه في منتصف رمضان سنة ثلاث من الهجرة على الصحيح ومات مسمومًا من زوجته بإرشاء من يزيد بن معاوية لها على ذلك على ما قيل سنة أربع أو خمس أو تسع أو أربعين أو وخمسين أو إحدى وخمسين أو ثمان وخمسين ودفن بالبقيع وقبره مشهور فيه وكان من الكرماء الأسخياء روي له عن النبي

علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلمات أقولهنَ في الوتر: "اللهُم اهْدِني فَيمَنْ هَدَيْتَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة عشر حديثًا روى عنه أصحاب السنن الأربعة وروت عنه عائشة وغيرها وهو أحد المشبهين به - صلى الله عليه وسلم - في الخلق وقد ذكرت ذلك في كتابي تحفة الشرفا فيمن حاز بشبه المصطفى الشرفا وأحد من أردفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - معه على الدابة كما بينت ذلك أيضًا في بغية الظرفاء بمعرفة الردفاء. فائدة قال ابن الملقن في تخريج أحاديث الشرح الكبير هذا الحديث اشتهر بقنوت الحسن واستفيد إنه روي أيضًا عن الحسين أخيه رضي الله عنهما رواه الإمام أحمد في مسنده في ترجمة الحسين فقال حدثنا يزيد أنبأنا شريك بن عبد الله عن أبي إسحاق عن أبي يزيد بن أبي مريم عن أبي الحوراء قلت وهو بالحاء المهملة وسكون الواو وبالراء المهملة وبعدها مدة اسمه ربيعة بن شيبان كما قاله الحافظ عن الحسين رضي الله عنهما قال علمني كلمات أقولهن في الوتر فذكر الحديث اهـ. قوله: (علمني رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -) هكذا هو عند بعض رواته وعند بعضهم علمني جدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قوله، (اقُولهُن في الوترِ) عند أبي داود وفي رواية أخرى في قنوت الوتر. قوله: (فيمَنْ هَديْتَ) أي من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، قيل في فيه وفيما بعده بمعنى مع قال تعالى: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء: 69] الآية ويصح بقاؤها على حالها متعلقة بمحذوف وأوثر حذفه للمبالغة أي اجعله نصيبًا وافرًا من الاهتداء واجعلني معدودًا في جملتهم مندرجًا في زمرتهم وهكذا كما قال سليمان صلى الله على نبينا وعليه وسلم {وَأدخلني بِرَحمَتِكَ في عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19]، ويوسف - صلى الله عليه وسلم - وألحقني بالصالحين ولم يعبرا بمن كما في قوله تعالى في حق إبراهيم على نبينا وعليه وعلى سائر النبيين الصلاة والتسليم {وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [البقرة: 130] إيثارًا للتواضع والتذلل لله تعالى فشهدا تأخرهما عن الصالحين ثم سألا إن يلحقا بهم وأما الآية الأخيرة فهي إخبار من الله تعالى عن حقيقة إبراهيم فالملحظ مختلف ثم الصلاح الذي سألاه صلاح الأنبياء وهو أكمل مراتب الصلاح لا مطلق الصلاح إذ مرتبة النبوة أسنى وأشرف والله أعلم.

وَعافِني فِيمَنْ عافَيتَ، وَتَوَلَّني فِيمَنْ تَوليتَ، وبارِكْ لي فِيما أعْطَيتَ، وَقِنِّي شَرَّ ما قَضَيتَ، فإنكَ تَقْضِي ولا يُقْضَى عَلَيكَ، وإنه لَا يَذِلُّ مَنْ واليتَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (وعافِني) أي من كل نقص ظاهرًا وباطنًا في الدنيا والآخرة واجعلني مندرجًا فيمن عافيت ممن ذكر أولًا. قوله: (وتَولَّني) أي بحفظك لي عن كل مخالفة ونظر إلى غيرك وبإنعامك علي بمعرفتك واجعلني مندرجًا فيمن توليت كذلك وهم المذكورون أولًا. قوله: (فِيمًا أَعطَيْتَ) في للظرفية متعلقة بالفعل المذكور قبلها أي ضع بركتك العظمى لي في كل ما أعطيتني من خير الدارين وفي النهاية أي أثبت لي دوام ما أعطيتني من التشريف والكرامة وهي من برك البعير إذا ناخ في موضعه فيلزمه وتطلق البركة أيضًا بمعنى الزيادة والأصل الأول. قوله: (شَر ما قَضيتَ) أي شر الفعل الذي قضيت به عليّ وشر ما يقترن به من وسوسة الشيطان والهوى والنفس للانسان حتى يمنع ثوابه إن كان ابتلاء ويحمل على الاستمرار فيه إن كان معصية أو يمنع كماله إن كان طاعة وبما تقرر علم إن لا مخالفة بين ما ذكر وبين حديث والشر ليس إليك. قوله: (فإنكَ تَقضِي إلخ) وقع كالتعليل لسؤال ما قبله إذ لا يعطى تلك الأمور المهمة إلا من كملت فيه حقائق القدرة ولم يوجد منها شيء في غيره وإثبات الفاء في رواية الترمذي وإحدى روايات النسائي والحاكم. قوله: (وَإنهُ) أي الشأن. قوله: (لَا يذِلُّ) بفتح فكسر وكذا يعز التي زادها النسائي بقوله "ولا يعز من عاديت" وكان ذكرها فيه مع أنها مفهومة مما قبله أن المقام للإطناب، قال المصنف في الخلاصة ورواها البيهقي بسند ضعيف قال ابن الملقن ولم يظهر لي ضعف السند وتبع ابن الرفعة النووي فيما أظن قال في مطلبه لم تثبت الرواية وتبع النووي في روضته الرافعي في نقله هذه الزيادة عن العلماء لكنه أنكره عليه في شرح المهذب اهـ. وقول أصحابنا إنه غير مستحسن إنما هو لكونه لم يطلع هو ومن انتصر له على وروده على أن الأصحاب ردوه عليه بقوله تعالى: {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ} [الممتحنة: 1] وورد عند ابن أبي عاصم بعد ذلك نستغفرك ونتوب إليك والذل ضد العز والموالاة ضد المعاداة والمعنى لا يطرق الذل والهوان في الدارين أحدًا واليته من عبادك وما يطرقه من الحوادث الظاهرة والأمراض الباطنة ونحوها فهو وإن عده عوام الناس ذلًّا إلَّا أنه غاية الرفعة والعزة

تَبَارَكْتَ رَبنَا وَتَعَاليتَ". قال الترمذي: هذا حديث حسن، قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ عند الله تعالى وعند أوليائه وما العبرة إلّا بهم ومن ثم وقع للأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين من الامتحان العجيب ما هو مشهور زيادة في التشريف وإعلامًا بعلو المقام المنيف. فائدة قال السيوطي لا خلاف بين العلماء من أهل اللغة والحديث والصرف أن يعز بكسر العين وفتح الياء قال وألفت فيه مؤلفًا سميته الثبوت في ضبط ألفاظ القنوت وقلت في آخره نظمًا: يا قارائًا كتب التصريف كن يقظًا ... وحرر الفرق في الأفعال تحريرا "عز" المضاعف يأتي في مضارعه ... تثليث عين بفرق جاء مشهورا فما كقل وضد الذل مع عظم ... كذا كرمت علينا جاء مكسورا وما كعز علينا الحال أي صعبت ... فافتح مضارعه إن كنت تحريرا وهذه الخمسة الأفعال لازمة ... واضمم مضارع فعل ليس مقصورا عززت زيدًا بمعنى قد غلبت كذا ... أعنته فكلا ذا جاء مأثورا وقل إذا كنت في ذكر القنوت ولا ... يعز يا رب من عاديت مكسورا واشكر لأهل علوم الشرع إذ شرحوا ... لك الصواب وأبدوا فيه تذكيرا وأصلحوا لك لفظًا أنت مفتقر ... إليه في كل صبح ليس منكورا لا تحسبن منطقًا يحكي وفلسفة ... ساوى لدى علماء الشرع قطميرا قلت: وقد بقي عليه عز بمعنى قوي ففي بعض حواشي شرح التحفة في الكلام على نوع العزيز يقال منه عز بمعنى قوي مضارعه يعز بفتح العين اهـ. قوله: (تباركتَ) أي تعاظمت (رَبنَا وَتعَاليتَ) قال بعض مشايخنا كأن الحكمة في الإتيان بضمير الجمع هنا دون ما تقدم من قوله اهدني إلخ، لأن ذلك مقام سؤال وهو مناسب للتذلل والانكسار وهذا مقام ثناء على المولى فناسب الإتيان فيه بضمير الجمع المذكور إما إشارة إلى العجز عن قيام المرء بمفرده بأداء حق ثنائه وإما إشارة إلى أن جميع أجزائه مربوبة للباري وإما تعاظمًا بهذه الإضافة الشريفة إلى الربوبية المنيفة، وفي التحفة لابن حجر الهيثمي وزاد العلماء بعد تعاليت "ذلك الحمد على ما قضيت استغفرك وأتوب إليك" ولا بأس بهذه الزيادة بل قال جمع أنها مستحبة لورودها في رواية البيهقي اهـ. قوله: (هَذَا حدِيث حسن) إلخ قال لا نعرفه إلّا من هذا الوجه من حديث

ولا نعرف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في القنوت شيئًا أحسن من هذا. وفي رواية ذكرها البيهقي: أن ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي الحوراء السعدي قلت قال الحافظ هو بفتح الحاء والراء المهملتين بينهما واو ساكنة ممدود الآخر واسمه ربيعة بن شيبان وهو بصري ثقة وقال بعد تخريج الحديث من طريق الإمام أحمد بن حنبل وأبي محمد الدارمي والطبراني وغيرهم بهذا اللفظ بإسقاط الفاء في قوله فإنك تقضي وقال فيه علمني جدي والباقي سواء: حديث حسن صحيح ثم ذكر مخرجيه وما عندهم من الاختلاف فيه اهـ. ثم الحديث رواه الأربعة كما قدمه المصنف قال في السلاح واللفظ لأبي داود أي لكن ليس فيه الفاء في قوله فإنك تقضي قلت قال ابن الملقن في البدر المنير وكذا ليس فيه الواو في قوله وأنه لا يذل من واليت اهـ. قال الحافظ اللفظ الذي أورده الشيخ للترمذي وسقطت ألفًا من قوله فإنك من رواية الباقين قلت تقدم أنها في إحدى رواية النسائي أيضًا اهـ، والله أعلم. قال الحافظ ولم أر في رواية النسائي اللهم في أوله ووقع في رواية ابن ماجة اعفني بدل عافني أي وعفيت بدل عافيت وقدم فيه وأخر وزاد سبحانك قبل قوله تباركت وتعاليت وقد راجعت مصنف أبي بكر بن أبي شيبة وهو شيخه فيه فوجدته ساقه كما سقته من عند الطبراني عن شيخه عنه، واللفظ الذي أشار إليه من طريق الطبراني هو اللفظ الذي أورده الشيخ سواء إلَّا إنه أسقط الفاء من فإنك وزاد فيه ولا يعز من عاديت قال وهذه الزيادة عند النسائي في رواية له قلت وهو عند البيهقي أيضًا في رواية كما في البدر المنير قال الحافظ وأخرجه بهذه الزيادة ابن خزيمة ووقع في كلام الرافعي العلماء زادوا ولا يعز من عاديت قال الحافظ وقد ذكرتها مسندة من طرق فإن أراد العلماء من المحدثين فلا اعتراض وعجيب ممن أنكر ذلك من كبار الفقهاء اهـ. قوله: (وَلَا نعرفُ إلخ) قالما ابن الملقن في البدر المنير قالما الشيخ تقي الدين في الإلمام وهو مما النزم الشيخان تخريجه ورواه البيهقي في سننه من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء عن الحسن أو الحُسين بن علي فالشك في ذكر نسب الحسن لا فيه وضعف أبو حاتم ابن حبان حديث الحسن بما يتسامح فيه وأخرجه في صحيحه عن غير ذكر القنوت ولا الوتر اهـ. قوله: (وفي روَايةٍ ذَكَرَهَا البيْهقي إلخ) قال الحافظ بسنده إلى

محمد ابن الحنفية وهو ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إن هذا الدعاء [هو الدعاء] الذي كان أبي يدعو به في صلاة الفجر في قنوته. ويستحب أن يقول عقيب هذا الدعاء: "اللهم صل على مُحَمدٍ، وعلى آلِ مُحَمدٍ وَسَلمْ"، ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي الحوراء قال سألت الحسن ما عقلت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال دعوات تقولهن اللهم اهدني إلخ، فذكرت الحديث بنحو ما تقدم وزاد قال يعني بريد بن أبي مريم أي الراوي عن أبي الحوراء فذكرت ذلك لمحمد بن الحنفية فقال إنه الدعاء الذي كان يدعو به في صلاة الفجر في قنوته قال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن والعلاء بن صالح أي أحد رواته وثقه ابن معين وجماعة وقال البخاري لا يتابع وقد عجبت للشيخ كيف اقتصر على هذا الموقف مع أن البيهقي أخرجه مرفوعًا من وجه آخر فأخرجه عن بريد عن ابن عباس قال - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا ندعو به في القنوت لصلاة الصبح اللهم اهدنا فيمن هديت الحديث وأخرجه الحافظ عن بريد عن ابن عباس من طريق آخر قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقنت في صلاة الصبح وفي وتر الليل بهؤلاء الكلمات اللهم اهدني الحديث ثم قال حديث غريب أخرجه محمد بن نصر في كتاب قيام الليل بهذا المتن والإسناد وأخرجه البيهقي في رواية زيادة ابن الحنفية إلى ابن عباس والحديث بنحوه إلَّا إنه قال في قنوت الليل وفي سند الحديث من طريقيه ابن هرمز وهو شيخ مجهول والأكثر إن اسمه عبد الرحمن وليس هو الأعرج الثقة المشهور صاحب أبي هريرة قال الحافظ وأخرج الحاكم من طريق عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه من الركوع في صلاة الصبح يدعو بهذا الدعاء اللهم اهدني فيمن هديت الحديث وصححه ورد عليه بأنهم اتفقوا على ضعف عبد الله بن سعيد المقبري. قوله: (محمد بْنَ الحنَفية) قال ابن حجر في شرح الشمائل الحنفية أمه لعلي حصلت له من سبي بني حنيفة قيل من سخافة عقول طائفة من الرافضة أنهم يعتقدون في محمد هذا الألوهية مع أن أبا بكر هو المعطي عليًّا أمه فلولا إعطاؤه له بحقيةكونه إمامًا أعظم لكان إلههم دعيا اهـ. وهو من كبار التابعين اسمه محمد وكنيته أبو القاسم. قوله: (إنْ هَذَا الدُّعاءَ إلخ) قال الترمذي بعد إيراد حديث الحسن السابق وفي

فقد جاء في رواية النسائي في هذا الحديث ـــــــــــــــــــــــــــــ الباب عن علي رضي الله عنه اهـ، ولعله أراد ذلك. قوله: (فقَدْ جاءَ في روَايَةِ النسَائي إلخ) تعقبه الحافظ بأنه ليس في الدليل مجموع ما ذكره أي فلفظ الدعوى خلاف الدليل وتزيد عليه ذكر الآل والتسليم وقد وقعت الزيادة في الرافعي فإنه بعد أن حكى الخلاف هل تسن الصلاة في القنوت ورجح أنها تسن ونسب ذلك لحديث الحسن بن علي رضي الله عنه وحذفه النووي من الروضة وقال الروياني في الحلية وروي عن الحسن بن علي رضي الله عنهما بعد قوله تباركت وتعاليت وصلى الله على النبي محمد وسلم رواه النسائي في سننه وتبعهم المحب الطبري حيث عزاه إلى النسائي بلفظ وصلى الله على النبي محمد وليس في سنن النسائي عند جميع رواته زيادة على ما ذكره الشيخ أولًا ثم ذكره الحافظ من طريق النسائي عن الحسن وقال علمني رسول الله هؤلاء الكلمات في الوتر اللهم اهدني فيمن هديت فذكر مثل سياق الترمذي لكن سقط منه وعافني فيمن عافيت وزاد بعد قوله تباركت ربنا وتعاليت وصلى الله على النبي ثم قال هذا حديث أصله حسن روي من طرق متعددة عن الحسن لكن هذه الزيادة في هذا السند غريبة لا تثبت ثم ذكر أن سنده لا يخلو إما عن راو مجهول أو انقطاع في السند وقال بعد أن بين ذلك فتبين أن هذا السند ليس من شرط الحسن لانقطاعه أو جهالة راويه ولم ينجبر بمجيئه من وجه آخر وأيد انقطاعه بأن ابن حبان ذكر ذلك الراوي في اتباع التابعين ولو كان سمع من الحسن لذكره في التابعين وقد بالغ الشيخ في شرح المهذب فقال إنه سند صحيح أو حسن وكذا قال في الخلاصة ومع التعليل الذي ذكرناه فهو شاذ اهـ، وسيأتي فيه مزيد، ويمكن الجواب عن عبارة المصنف هنا بأن الاعتراض مبني على أن المصنف استدل بالحديث لجميع ما ذكر استحبابه من الصلاة على النبي والآل وهذا هو المتبادر من العبارة وليس ذلك مرادًا له بل مراده إثبات ذلك المدعي: البعض بالنص وباقبه بالقياس عليه والله أعلم، وعبارة الرافعي لا تجري فيها هذا الجواب لأنه قال روي في حديث عن الحسن بن علي بعد قوله تباركت وتعاليت وصلى الله على النبي وآله وسلم فهي صريحة بأن الجميع مرفوع وفيه ما علمت والله أعلم، وفي تخريج أحاديث الرافعي لابن الملقن مثله وفي مفاخر أهل الإسلام لابن سعد التلمساني وهو كتاب في فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث الحسن

بإسناد حسن: "وصلي اللهُ على النبِي". قال أصحابنا: وإن قنت ـــــــــــــــــــــــــــــ المذكور في آخره وصلى الله على محمد النبي وقال أخرجه ابن الضحاك اهـ. وفي المهمات كلامه في الروضة شعر بأن الصلاة على الآل لا تسن لكنه جزم في الأذكار باستحبابها لكن قياس ما قالوه في التشهد حكمًا وتعليلًا أنها لا تستحب بل حكى الرافعي في الكلام على التشهد وجها إن ذكر الصلاة في القنوت مبطل لكونه نقل ركنًا إلى غير موضعه فالسلام الذي لم يثبت أولى وقال صاحب الإقليد وما وقع في بعض كتب أصحابنا من زيادة وسلم وما تعتاده الأئمة الآن من ذكر الآل والأزواج والأصحاب كل ذلك لا أصل له اهـ، وقال السخاوي قد يشهد لما قاله النووي حديث كيف نصلي عليك وفي التحفة لابن حجر ويظهر أن يقاس بالآل الصحب لقولهم حيث سنت الصلاة على الآل سنت على الأصحاب بالأولى ثم رأيت شارحًا صرح بذلك ولا ينافيه إطباقهم على عدم ذكرها في صلاة التشهد لأنهم ثم قد اقتصروا على الوارد وهنا لم يقتصروا عليه بل زادوا ذكر الآل بحثًا فقسنا بهم الصحب لما علمت وكأن الفرق إن مقابلة الآل بآل إبراهيم في أكثر الروايات ثم تقتضي عدم التعرض لغيرهم وهنا لا مقتضى لذلك ولم يسن ذكر الآل في التشهد الأول كالقنوت لأن القنوت محل دعاء فناسبه ختمه بالدعاء لهم بخلاف ذلك اهـ، باختصار ثم حديث الباب في قنوت الوتر وقيس به قنوت الصبح كما نقل أصل الدعاء منه إلى قنوت الفجر وخرج بقوله عقيب هذا الدعاء أوله فلا يسن فيه خلافًا لمن زعمه ولا نظر لكونها تسن أول الدعاء لأن هذا مستثنى رعاية للوارد فيه وقيس به. قوله: (بإِسنَاد حسن) وفي شرح المهذب للمصنف إنه سند صحيح أو حسن اهـ. لكن اعترض بأنه منقطع أو فيه مجهول مع ما فيه من الاختلاف على راويه وشذوذه وصح عن بعض الصحابة موقوفًا عليه إنه كان يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - في القنوت نقله في الدر المنضود وأشار به إلى ما أخرجه الحافظ إن معاذًا أبا حليمة القارئ كان يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - في القنوت وقال هذا موقوف صحيح أخرجه إسماعيل القاضي في كتاب فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو آخر حديث فيه وأبو حليمة معاذ بن مالك الخزرجي صحابي يقال إنه شهد الخندق وقيل بل كان صغيرًا في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وله رواية عن أبي بكر وعمر وعثمان وكان عمر رتبه إمامًا في التراويح

بما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان حسنًا، وهو أنه قنت ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا غاب أبي بن كعب فكان يؤم بهم في العشر الأخير وأخرج محمد بن نصر في قيام الليل بسند صحيح عن الزهري قال يعني في القنوت ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن أيوب بنحوه وسنده صحيح أيضًا وفيه إخبار عمن أدركه الزهري وأيوب من صغار الصحابة وكبار التابعين ويحتمل أيضًا الإرسال عمن لم يدركاه اهـ. قوله: (بِمَا جاءَ عَنْ عَمرَ إلخ) قال في السلاح رواه البيهقي في السنن الكبير له من قوله موقوفًا وقال فيه صحيح موصول وأخرجها من طرق أخرى بعضها مرفوع وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه بسند رجاله رجال الصحيح من قول ابن مسعود موقوفًا في قنوت الوتر اهـ، وقال الحافظ لم يبين الشيخ من خرجه وقد خرجه البيهقي من وجهين إلى عمر أحدهما باللفظ الذي ذكره لكن ليس بتمامه وقال فيه قبل الركوع بخلاف ما قال المصنف إنه كان يقوله بعد الركوع والآخر بمغايرة في بعض ألفاظه وزيادات وتقديم وتأخير وقال فيه بعد الركوع ولفظ الرواية الثانية أن عمر قنت بعد الركوع فقال اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وألف بين قلوبهم وانصرهم على عدوك وعدوهم اللهم العن الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك اللهم خالف بين كلمتهم وزلزل بهم الأرض وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد إليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق هذا موقوف صحيح أخرجه محمد بن نصر وزاد في بعض طرقه بيان حكمة البسملة فيه وأنهما سورتان في مصحف بعض الصحابة وبسند آخر إلى أبي بن كعب إنه كان يقنت بالسورتين فذكرهما وأنه كان يكتبهما في مصحفه وأخرج البيهقي عن عبد الرحمن بن أبزى قال صليت خلف عمر بن الخطاب صلاة الصبح فسمعته يقول بعد القراءة قبل الركوع اللهم إنا نستعينك فذكره كما عند المصنف لكن قدم وأخر وانتهى إلى قوله ونخلع من يكفرك وإسناده صحيح وهو محمول على أن عمر كان يقنت تارة قبل الركوع وتارة بعده وذكر البيهقي إن من روى عنه بعد الركوع أكثر عددًا قال الحافظ وقد ورد هذا الحديث المنسوب إلى عمر من

في الصبح بعد الركوع فقال: "اللهُم إنَّا ـــــــــــــــــــــــــــــ وجه آخر مرفوعًا وأخرج الحافظ عن ابن زرير الغافقي قال قال لي عبد الملك بن مروان لقد علمت ما حملك على حب أبي تراب إلا أنك أعرابي جاف فقلت والله لقد جمعت القرآن من قبل إن يجمع أبواك ولقد علمني منه علي بن أبي طالب سورتين علمهما إياه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما علمتهما أنت ولا أبوك اللهم إنا نستعينك ونستغفرك فذكره إلى قوله ملحق اللهم عذب كفرة أهل الكتاب والمشركين الذين يصدون عن سبيلك ويجحدون آياتك ويكذبون رسلك ويتعدون حدودك ويدعون معك الها لا إله إلَّا أنت تباركت وتعاليت عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا قال بعد إخراجه حديث غريب وتكلم في رجال سنده قال وأخرج محمد بن نصر بعض هذا الحديث لكن موقوفًا وجعل القصة مع عبد العزيز بن مروان قال الحافظ فإن كان الأول محفوظًا حمل على إنه جرى له مع كل منهما والثاني أشبه لأنه مصري وكان عبد العزيز أمير مصر ثم قال الحافظ وجدت لأصل الحديث شاهدًا رجاله ثقات لكنه مرسل عن خالد بن أبي عمران قال بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو على مضر يعني في الصلاة إذ جاء جبريل فأومأ إليه إن اسكت فسكت ثم قال يا محمد إن الله لم يبعثك لعانًا ولا سبابًا ولم يبعثك عذابًا وإنما بعثك رحمة ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم إلى قوله تعالى ظالمون ثم علمه القنوت اللهم إنا نستعينك فذكره إلى ملحق ولم يذكر ما بعده قال الحافظ بعد إخراجه هكذا أخرجه أبو داود في كتاب المراسيل وخالد من صغار التابعين وعبد القاهر بن عبد الله أي الراوي عن خالد بن أبي عمران قال الحافظ ما وجدت عنه راويا إلَّا معاوية بن صالح وقد ذكره ابن حبان في الثقات اهـ، وأخرج الحافظ عن رفاعة بن رافع الزرقي قال لما انكفأ المشركون عن أحد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استووا علي أثني على ربي فصاروا خلفه صفوفًا فقال اللهم لك الحمد كله فذكر الحديث بطوله وفيه اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك واجعل عليهم رجزك وعذابك اللهم عذب الكفرة إله الحق وقال الحافظ حديث صحيح أخرجه النسائي في اليوم والليلة وزاد في آخره آمين وأخرجه الحاكم اهـ. قوله: (في الصبحِ) قال ابن المزجد في التجريد كلام الرافعي

نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَلَا نَكْفُرُكَ، وَنُؤْمِنُ بِكَ ونَخْلَعُ مَنْ يَفْجُرُكَ، اللهُم إياكَ نَعْبُدُ، ولكَ نصلي ونَسْجُدُ، وإلَيكَ نَسْعَى ونحْفِدُ، نَرْجُو رَحمَتَكَ ونَخْشَى عَذَابَكَ، إنَّ عَذَابَكَ الجدَّ بالكُفار مُلْحقٌ. اللهُم عَذِّبِ الكَفَرَةَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبيلِكَ، ويُكَذِّبُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ يوهم أن عمر كان يقنت باللهم إنا نستعينك إلخ في الوتر والذي في البيهقي إنما هو في الصبح فاستفده ذكره ابن النحوي في صلاة التطوع اهـ، وفي الإمداد قنوت عمر الذي كان يقنت به في الصبح لا الوتر كما رواه البيهقي وغيره اهـ، وفي الحديث المذكور هنا التصريح بذلك. قوله: (نستعِينُكَ ونستَغْفِرُكَ) أي نسأل منك المعونة على الطاعة وترك المعصية والغلبة على النفس والشيطان وسائر الكفرة والفجرة والغفران للذنوب والستر للعيوب وفي النهر لأبي حيان الاستعانة طلب العون والطلب أحد معاني استفعل اهـ. وحذف المستعان فيه طلبا للتعميم ولكون المقام لطلب ذلك قدم على ضمير المفعول وقدم في الآية لقصد الاختصاص. قوله: (وَلا نكفُركَ) من الكفران نقيض الشكر والعرفان من قولهم كفرت فلانًا على حذف مضاف أي كفرت نعمه. قوله: (وَنَخلَعُ) بفتح اللام من خلع الفرس رسنه ألقاه أي نطرح به وبمعناه ما قال المؤلف أي نترك وفي السلاح والحصن في هذا الحديث من رواية البيهقي زيادة ونترك وهو على تفسير نخلع بما ذكره المصنف من عطف التفسير أتى به لكون مقام الدعاء للإطناب والفعلان تنازعًا. قوله: (من يَفجرُكَ) أي يعصيك ويخالف أمرك وقال المصنف يلحد في صفاتك. قوله: (إِياكَ نَعبد) ايا ضمير منفصل للمنصوب والياء والكاف والهاء اللواحق له لبيان التكلم والخطاب والغيبة حروف وليست بأسماء ضمائر لعدم وجود ما يعمل فيها وتقديم المفعول لقصد الاختصاص والمعنى تخصك بالعبادة قال في الكشاف وقرئ أياك بفتح الهمزة والتشديد وهياك بقلب الهمزة هاء والعبادة أقصى غاية الخضوع والتذلل ومنه ثوب ذو عبدة إذا كان في غاية الصفاقة وقوة النسج ولذا لم يستعمل إلَّا في الخضوع لله تعالى لأنه مولى أعظم النعم فكان حقيقًا بأقصى غاية الخضوع اهـ. قو) له: (ونَسْجدُ) تخصيص بعد تعميم. قوله: (نَسعى) قال الجوهري سعى الرجل يسعى سعيًا إذا غدا وكذا إذا عمل وكسب وقال صاحب المشارق قال بعضهم السعي إذا كان بمعنى الجري والمضي عدي بإلى وإذا كان بمعنى العمل فباللام قال تعالى: ({وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} [الإسراء: 19] قوله: (نَحفِدُ) قال المؤلف بكسر الفاء أي وبفتح النون

رُسُلَكَ، ويُقاتِلونَ أولِيَاءَكَ. اللهُم اغْفِرْ للمُؤمِنيَنَ والمُؤْمِناتِ والمُسْلِمينَ والمُسْلِماتِ، وأصْلِح ذاتَ بَينِهِمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال البعلي ويجوز ضم الفاء وبالدال المهملة يقال حفد بمعنى أسرع ثم أحفد لغة فيه حكاه شيخنا ابن مالك في فعل وأفعل اهـ، أي نسارع في العمل والخدمة وفي المغرب أي نحمل لك بطاعتك ثم الحفد الإسراع في الخدمة وفي مختصر العين نحفد أي نحف في مرضاتك اهـ، وفي غريب أبي عبيد أصل الحفد الخدمة والعمل يقال منه حفد يحفد حفدًا يقول إياك نعبد ونسعى في طلب رضاك. قوله: (اغفرْ للْمؤْمنين والمؤمِنَاتِ) قال القرافي كشيخه عز الدين بن عبد السلام يحرم طلب نفي ما دل السمع الآحادي على ثبوته كاللهم أغفر للمسلمين جميع ذنوبهم لما دلت عليه الأحاديث الصحيحة من إنه لا بد من دخول طائفة منهم النار ولا ينافيه ما تقرر أن اغفر لي ولجميع المسلمين سنة ولا قوله تعالى: ({وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الشورى: 5] واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات أما الأول فلأنه إن أراد بعض الأشياء صح أن يشرك معه أو أراد الكل صح في حقه إذ لم يتعين كونه من الداخلين النار وأما في جميعهم فإن أراد المغفرة من حيث الجملة أو الستر في الدنيا صح أيضًا إذ لا منافاة أو مغفرة الجميع لجميع المسلمين من آدم إلى الساعة في الاخيرة بأن لا يكون معه عقاب حرم لما سبق وأما الثاني والثالث فلا عموم فيهما من حيث المغفرة لأن كلا منهما فعل في الإثبات وإنما فيهما عموم من حيث المغفور له كذا قيل، ونوقش بأن قوله لذنبك من صيغ العموم إذْ هو مفرد مضاف لمعرفة وقوله: (للمؤْمنين والمؤْمِنَات) أي لذنبهم بدليل ما قبله وهو من صيغ العموم وأيضًا فحذف المفعول يفيد العموم، وقوله في الثالث للذين آمنوا أي ذنوبهم أخذًا من أن حذف المعمول يفيد العموم فكان الأوضح أن يقال وأما الثاني والثالث فليس فيهما نص في العموم أي بل هو ظاهر فيه وهو يقبل الصرف فليتأمل اهـ. قوله: (والمسْلمينَ والمسلمَاتِ) عطفه على المؤمنين من عطف المتساويين إذ ما صدق الإيمان وما صدق الإسلام شرعًا واحد فلا يوجد مؤمن إلّا وهو مسلم وبالعكس. قوله: (ذَاتَ بينهمْ) قال الواحدي في قوله تعالى ({وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: 1]، قال ثعلب

وألِّفْ بَينَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْعَلْ في قُلُوبِهِم الإيمَانَ وَالْحِكْمَةَ، وَثَبِّتْهُمْ على مِلَّةِ رَسُولِكَ - صلى الله عليه وسلم -، وأوْزِعْهُمْ أنْ يُوفُوا بِعَهْدِكَ الذِي عاهَدْتَهُمْ عَلَيْهِ، وانْصُرهُمْ على عَدُوِّكَ وعَدُوِّهِم إلهَ الحَقِّ واجْعَلْنَا مِنْهُمْ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أي الحالة التي بينكم فالتأنيث للحالة وقال الزجاج يعني ذات الحقيقة والمراد بالبين الوصل فالتقدير حقيقة وصلكم اهـ. وفي النهر والبين الفراق والتباعد وذات هنا نعت لمفعول محذوف أي أحوالًا ذات افتراقهم لما كانت الأحوال ملابسة للبين أضيفت صفتها إليها كما تقول اسقني ذا إنائك أي ماء صاحب إنائك لما لابس الماء الإناء وصف بدأ وأضيف إلى الإناء والمعنى اسقني ما في الإناء من الماء اهـ، وفي المغرب لما كانت الأحوال ملابسة للبين وصفت به فقيل لها ذات البين كما قيل للإسرار ذات الصدور لذلك اهـ. راجعت نسختي من المغرب في الكلام على لفظة ذات فلم أجد ذلك فيها ولعله ذكر في محل آخر منه وقيل المراد ما يصدر عن صلح الحالات الواقعة بينهم أي ليسلموا من الخطأ والفساد وفي الحرز وقيل لفظ ذات مقحية فالمفعول محذوف أي أصلح الأمور الدينية والأحوال الدنيوية الكائنة فيها بينهم أهـ. قوله. (وألِّفْ بينَ قلوبهمْ) أي اقذف الألفة بينهم ليتحابوا ويتوافقوا ويصيروا إخوانًا. قوله: (وأَوْزِعهُن إلخ) قال الراغب في مفرداته في قوله ({أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ} [النمل: 19] قيل معناه ألهمني وتحقيقه أولعني بذلك أو اجعلني بحيث أزع نفسي عن الكفران اهـ، وما سيأتي عن المصنف من تفسيره بألهمهم بمعناه. قوله: (بِعَهْدِكَ) أي الذي ألزمنا به نبينا - صلى الله عليه وسلم - من امتثال الأوامر واجتناب النواهي ويصح أن يكون المراد ما وقع يوم {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: 172]، ثم رأيت ابن حجر في الإمداد فسره بالأول في زمنه على أكثر بلاد الإسلام وهم لا كتاب لهم وقد زال فينبغي أن يأتي بما ورد اهـ. قوله: (وَاعلم أَن المنْقولَ عَنْ عمَر إلخ) قال الحافظ ورد عنه الجمع بين الأمرين أخرج عبد الرزاق بسند حسن عن أبي رافع الصائغ واسمه نفيع قال صليت خلف

واعلم أن المنقول عن عمر رضي الله عنه "عَذِّبْ كفرة أهل الكتاب"، لأن قتالهم ذلك الزمان كان مع كفرة أهل الكتاب، وأما اليوم، فالاختيار أن يقول: "عذِّب الكفرة" فإنه أعم. وقوله: نخلع: أي نترك، وقوله: يفجرك، أي: يلحد في صفاتك، وقوله: نحفِد بكسر الفاء، أي: نسارع، وقوله: الجِد بكسر الجيم: أي الحق، وقوله: ملحق بكسر الحاء على المشهور، ويقال بفتحها، ذكره ابن قتيبة وغيره وقوله: ذات بينهم، أي: أمورهم ومواصلاتهم، وقوله: والحكمة، هي: كل مانع من القبيح، وقوله: وأوزعهم: أي ألهمهم، وقوله: واجعلنا منهم، أي: ممن هذه صفته. ـــــــــــــــــــــــــــــ عمر فقنت بعد الركعة فسمعته يقول اللهم إنا نستعينك إلخ، وفيه اللهم عذب الكفرة وألق في قلوبهم الرعب وأنزل عليهم رجسك اللهم عذب كفرة أهل الكتاب إلخ، وقد وقع الجمع في حديث على السابق ذكره عند تخريج حديث قنوت عمر فيحتمل أن يكون أحد الرواة في حديث عمر اختصر وكان عمر يقتصر تارة ويجمع أخرى بحسب المقام والله أعلم، اهـ. قوله: (فإنهُ أَعمُّ) أي والدعاء كلما كان أعم وأشمل كان أتم وأكمل قال في الإمداد ويسن أن يقول بدل كفرَة أهل الكتاب عذب الكفرة ليعم كل كافر وذكر أهل الكتاب ليس للتخصيص كما لا يخفى فاندفع قول الأسنوي إنما ذكر النووي ذلك لإدخال الكفار المستولين. قوله: (ملحق بكسر الحاءِ) اسم فاعل قال ابن الجوزي كذا رويناه أي من نزل به عذابك ألحقه بالكفار وقيل بمعنى لاحق يقال لحقته وألحقته بمعنى مثل تبعته وأتبعته. قوله: (ويقالُ بفَتحهَا) قال ابن الجوزي ويروى بفتح الحاء على المفعول أي إن عذابك ملحق بالكفار يصابون به وفي المطلع للبعلي قال الجوهري لحقه ولحق به أدركه ولحق به غيره وألحقه أيضًا بمعنى لحقه وفي الدعاء إن عذابك بالكافرين ملحق بكسر الحاء أي لاحق بهم والفتح صواب اهـ. قوله: (والحِكمَةَ إلخ) اختلف في تفسير الحكمة على أقوال قال المصنف في شرح مسلم الذي صفا لنا منها أنها العلم المشتمل على معرفة الله تعالى مع نفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق

قال أصحابنا: يستحب الجمع بين قنوت عمر رضي الله عنه وما سبق، فإن جمع بينهما، فالأصح تأخير قنوت عمر، وإن اقتصر فليقتصر على الأول، وإنما يستحب الجمع بينهما إذا كان منفردًا أو ـــــــــــــــــــــــــــــ الحق للعمل به والكف عن ضده والحكيم من حاز ذلك اهـ. قوله: (قَال أَصحابُنا يستَحب الجمعُ) قال الحافظ لم أجد في ذلك حديثًا ونسبة القنوت إلى عمر يخدش فيها وروده مرفوعًا كما تقدم اهـ. قوله: (يستحب الجمعُ بينَ قُنوت عُمَرَ إلخ) لا فرق في استحباب ذلك بين الصبح وباقي المكتوبات عند النازلة ووتر رمضان كما تقتضيه عبارته هنا وما توهمه عبارة المنهاج من اختصاص ذلك بالأخير غير مراد. قوله: (فالأَصح تأْخيرُ قنوتِ عمَرَ) لأن قنوت الصبح ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الوتر والآخر لم يأت عنه فيه شيء إنما اخترعه عمر رضي الله عنه فكان تقديمه أولى كذا في التحفة لابن حجر لكن سبق في كلام الحافظ ابن حجر تخريج هذا القنوت الوارد عن عمر مرفوعًا من طريق علي بن أبي طالب وفي ألفاظه مخالفة يسيرة وتقدم الكلام على رتبته وإن لأصل الحديث شاهدًا بسند رجاله ثقات إلَّا أنه مرسل وحينئذٍ فيحمل قوله في التحفة لم يأت فيه شيء إلخ، أي بسند صحيح موصول وفي شرح رسالة ابن أبي زيد المالكي للشيخ داود ذكر عبد الحق في الأحكام أن سبب القنوت ما رواه أبو داود عن خالد بن أبي عمران قال بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو على مضر إذ جاءه جبريل وأومأ إليه إن اسكت فسكت فقال يا محمد إن الله لم يبعثك سبابًا ولا لعانًا وإنما بعثك رحمة ولم يبعثك عذابًا ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون قال ثم علمه هذا القنوت اللهم نستعينك إلخ، فلذلك استحب أهل المدينة هذا القنوت إلخ، دون غيره اهـ، ووجه اختجار أصحابنا تقديم "قنوت الحسن قوة إسناده حتى قال جمع بصحته وأنه مما الزم الشيخان تخريجه بخلاف حديث قنوت عمر والله أعلم. وفي شرح المشكاة لابن حجر روى البيهقي من طرق عن ابن عباس إنه - صلى الله عليه وسلم - كان يعلمهم هذا الدعاء يعني اللهم اهدنا إلخ، ليدعوا به في قنوت الصبح وفي رواية أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقنت في صلاة الصبح ووتر الليل بهؤلاء الكلمات قال البيهقي فدل على أن تعليم هذا الدعاء

إمام محصورين يرضَون بالتطويل. واعلم أن القنوت لا يتعين فيه دعاء على المذهب المختار، فأي دعاء دعا به حصل القنوت ولو قنت بآية، أو آيات من القرآن العزيز وهي مشتلة على الدعاء حصل القنوت، ولكن الأفضل ما جاءت به السُّنَّة. وقد ذهب جماعة من أصحابنا إلى أنه يتعين ولا يجزئ غيره. واعلم أنه يستحب إذا كان المصلي إمامًا أن يقول: "اللهم اهدنا" بلفظ الجمع، وكذلك الباقي، ولو قال: "اهدني" حصل القنوت وكان مكروهًا، لأنه يكره للإمام تخصيص نفسه بالدعاء. ـــــــــــــــــــــــــــــ وقع لقنوت صلاة الصبح ولقنوت الوتر اهـ، ومثله في الخلاصة للمصنف ولكون قنوت الحسن هو الوارد مرفوعًا بسند قوي كما تقدم قال الأصحاب لو أراد الاقتصار على أحدهما اقتصر عليه ثم مقابل الأصح في كلام المصنف ما رجحه الرافعي في المحرر من تقديم قنوت عمر وجرى عليه ابن الهمام من الحنفية فقال الأولى أن يؤخره لأن الصحابة اتفقوا على اللهم إنا نستعينك إلخ، اهـ. قوله: (أمامَ محصُورين) أي لم يتعلق بعينهم حق كالأجير والعبد والزوجة إذ لا عبرة برضاهم لأن الحق فيهم لسواهم ولم يكن المسجد مطروقًا. قوله: (وَاعلم أَن القنوتَ لَا يتعين فيهِ دعاءٌ إلخ) قال الحافظ قال ابن الصلاح القول بتعيينه شاذ مردود مخالف لجمهور الأصحاب ولسائر العلماء وقد نقل القاضي عياض الاتفاق على إنه لا يتعين وأخرج محمد بن نصر في كتاب قيام الليل بسند صحيح عن سفيان الثوري قال كانوا يستحبون أن يقولوا في قنوت الوتر هاتين اللهم إنا نستعينك فذكره إلى قوله ملحق وهؤلاء الكلمات اللهم اهدني فيمن هديت فذكره إلى قوله تباركت ربنا وتعاليت وإن يقرأ المعوذتين وأن يدعو وليس فيه شيء مؤقت اهـ. قوله: (فأَيُّ دعاءٍ إلخ) نعم إن شرع في القنوت السابق فترك منه شيئًا سجد للسهو ومحل عدم تعينه عند تركه رأسًا كما تقدم وإنما تعينت كلمات التشهد لأنه فرض أو من جنسه. قوله: (عَلَى الدعاءِ) قال في التحفة أو شبهه. قوله: (حصَلَ القنُوتُ) قال في التحفة لا بد من قصد القنوت بها لكراهة القراءة في غير القيام فاحتيج لقصد ذلك حتى يخرج عنها اهـ. قوله: (وذَهبَ جمَاعةٌ إلى) منهم الغزالي في فتاويه. قوله: (وَاعلم أَنَّهُ يُستَحبُّ إِذَا كَانَ المصَلي إِمامًا أَن يقولَ اللهم اهْدِنا بلفْظِ الجمعِ) قال الحافظ

وروينا في سنن أبي داود، والترمذي، عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَؤمّ عبْدٌ قَومًا فَيَخُصَّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ، فإن فَعَلَ فَقَدْ خَانهُمْ" قال الترمذي: حديث حسن. ـــــــــــــــــــــــــــــ ورد بلفظه أي الجمع من طريق للبيهقي ومن طريق ابن حبان وغيرهما بمعناه اهـ، وفي شرح الروض أن البيهقي رواه في إحدى روايتيه بلفظ الجمع وفي التحفة لصحة الخبر بذلك وبه يرد قول ابن الهمام إن قول الشافعية اللهم اهدنا وعافنا بالجمع خلاف المنقول لكنهم لفقوه من حديث في حق الإمام عام لا يخص القنوت ولا يخفى إنه عليه الصلاة والسلام كان يقول ذلك أي بلفظ الإفراد وهو إمام لأنه لم يكن يصلي الصبح منفردا ليحفظ الراوي منه في تلك الحالة مع أن اللفظ المذكور يفيد المواظبة عليه اهـ، ووجه الرد ثبوت الجمع في رواية البيهقي وهي مقدمة على النفي ولا يتأتى في المنفرد فتعين حمله على الإمام. قوله: (وَرَوَينَا إلخ) أي ورواه ابن ماجة أيضًا كما في تخريج الحصين قال الحافظ بعد تخريج الحديث قال الترمذي وفي الباب عن أبي أمامة وأبي هريرة وحديث ثوبان أجود إسنادًا وأشهر وقال البخاري بعد تخريجه هذا أصح شيء يروى في هذا الباب وحديث أبي أمامة الذي أشار إليه الترمذي أخرجه أحمد وحديث أبي هريرة أخرجه أبو داود وفيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص ذكره الدارقطني في العلل وفي أسانيدها كلها اختلاف على بعض رواة حديث ثوبان اهـ. قوله: (عَنْ ثَوْبانَ) لفظ الخبر ثلاث لا يحل لأحد أن يفعلها لا يؤم رجل قومًا فيخص نفسه بالدعاء فإن فعل فقد خانهم ولا ينظر في مقر بيت قبل أن يستأذن فإن فعل فقد دخل ولا يصلي وهو حقن حتى يتخفف أورده في الجامع الصغير بهذا اللفظ وقال رواه أبو داود والترمذي عن ثوبان وأورده الحافظ في تخريجه بنحوه. قوله: (قَال الترمذي حديث حسَن) به يندفع قول الإمام أبي بكر بن خزيمة في صحيحه هذا الحديث موضوع مردود قال بعض العلماء فإن ثبت الحديث فيكون المراد به دعاء ورد بلفظ الجمع قاله القاضي مجد الدين الشيرازي في سفر السعادة وقال العامري في بهجته ظهر لي أن كل دعاء

فصل: اختلف أصحابنا في رفع اليدين في دعاء القنوت ومسح الوجه بهما على ثلاثة أوجه. أصحها: أنه يستحب رفعهما، ولا ـــــــــــــــــــــــــــــ يدعو به الإمام والمأموم يكون بلفظ الإفراد وكل دعاء يؤمن المأموم فيه على دعاء الإمام يكون بلفظ الجمع فإن أفرد وقع في النهي اهـ. وإنما كان خائنًا لأنهم أمنوا على دعائه بناء على أنه يأتي بالمطلوب منه من لفظ الجمع فإذا خص نفسه وهم لا يعلمون في خيانة لهم وقال ابن حجر في شرح المنهاج وقضية الخبر أن سائر الأذكار كالقنوت ويتعين حمله على ما لم يرد عنه - صلى الله عليه وسلم - وهو إمام بلفظ الإفراد وهو كثير بل قال بعض الحفاظ إن أدعيته كلها بلفظ الإفراد ومن ثم جرى بعضهم على اختصاص الجمع بالقنوت وفرق بأن الكل مأمورون بالدعاء إلّا فيه فإن المأموم يؤمن فقط والذي يتجه ويجتمع به الكلام والخبر إنه حيث اخترع دعواه كره له الإفراد وهذا هو محل النهي وحيث أتى بمأثور اتبع لفظه اهـ، وظاهر إيراده أن الجمع من قبله وقد نقل هذا الجمع الحافظ عن بعض العلماء واستدل له بحديث باعد بيني وبين خطاياي في دعاء الافتتاح وحديث اغفر لي بين السجدتين وغير ذلك وهو - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي إمامًا وطعن ابن المنذر في صحيحه في حديث ثوبان بهذا والجمع أولى ويحتمل القصر على ما يجهر به لكون المأموم لا يشاركه اهـ. وقال في الحرز ينبغي حمل حديث ثوبان لا يخص نفسه إلخ. على أن المراد بالتخصيص قصد حصول أثر الدعاء لنفسه دون غيره ولو كان بصيغة الإفراد فيرجع إلى عدم التحجر اهـ، وفيه إنه لا يناسب ظاهر الكلام. فصل قوله: (الأَصح أَنهُ يسْتَحبُّ رَفعُهما) أي للاتباع رواه البيهقي بإسناد جيد قال الحافظ وهو من حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه لما دعا على الذين قتلوا القراء وفارق نحو دعاء الافتتاح والتشهد بأن ليديه وظيفة ثم لا هنا ومنه يعلم رد ما قيل السنة في الاعتدال جعل يديه تحت صدره كالقيام برفعه قال الحافظ ثم المراد بالرفع هنا بسطهما لا الرفع الذي في الافتتاح هـ، ويسن له ولكل داع رفع بطن يديه إلى السماء إن دعا لتحصيل شيء وظهرهما إن دعا برفعه وبحث إنه ينظر إلى يديه حَال رفعهما لتعذره حينئذٍ إلى موضع سجوده ومحله إن ألصقهما لا إن فرقهما وكل منهما سنة كما دل عليه كلامهم في الحج كما في التحفة لابن حجر. قوله: (وَلَا

يمسح الوجه. والثاني: يرفع ويمسحه. والثالث: لا يرفع ولا يمسح. واتفقوا على أنه لا يمسح غير الوجه من الصدر ونحوه، بل قالوا: ذلك مكروه. وأما الجهر بالقنوت والإسرار به، فقال أصحابنا: إن كان المصلي منفردًا أسَرَّ به، وإن كان إمامًا جهر به على المذهب الصحيح المختار الذي ذهب إليه الأكثرون والثاني: أنه يُسِرُّ كسائر الدعوات في الصلاة، وأما المأموم، فإن لم يجهر الإمام قنت سرًّا كسائر الدعوات، فإنه يوافق فيها الإمام سرًّا. وإن جهر الإمام بالقنوت، فإن كان المأموم يسمعه أمّنَ على دعائه، ـــــــــــــــــــــــــــــ يَمسحُ الوجهَ) أي الأولى تركه إذ لم يرد والخبر فيه واهٍ على إنه غير مقيد بالقنوت قال الحافظ قال البيهقي مسح الوجه أي عقب القنوت لم أر فيه شيئًا داخل الصلاة وأنكره في رسالته إلى أبي محمد الجويني أما خارج الصلاة فوردت فيه عدة أحاديث اهـ، وقد اختلف فيه خارجها كلام المصنف في كتبه ففي المجموع إنه غير مندوب وجزم في التحقيق بأنه مندوب. قوله: (وَإِنْ كَانَ إِمَامًا جهرَ بهِ) أي للاتباع رواه البخاري وغيره كذا في الإمداد لكن قال الحافظ قضية من روى أنه سمع القنوت في الصلاة أن يكون جهر به ولم أقف على ذلك إلّا في النازلة اهـ، والحديث مبطل لقياسه على بقية أدعية الصلاة قال أصحابنا وسواء في جهر الإمام به المؤداة والمقضية قال الماوردي وليكن جهره به دون جهره بالقراءة. قوله: (والثانِي أَنَّهُ يسِر به، إلخ) وبه قال الحنفية كما في الحرز وعبارته أما قنوت الوتر فهو وإن ورد بصيغة الجمع لكن الإمام يقرأ سرًّا وكذا المأموم في مذهبنا وقيل بل يؤمن انتهت وكذا قال المالكية يسر بالقنوت كل من الإمام والمأموم والمنفرد. قه له: (أَمَّنَ عَلَى دعائهِ) كما كانت الصحابة رضي الله عنهم يؤمنون خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك رواه أبو داود بإسناد حسن أو صحيح ويجهر به كما في تأمين القراءة ومن الدعاء الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - على المعتمد وقول بعضهم يشارك وإن كانت دعاء للخبر الصحيح رغم أنف من ذكرت عنده فلم يصل علي يرد بأن معنى التأمين في معنى الصلاة عليه مع أنه الأليق بالمأموم لأنه تابع للداعي

وشاركه في الثناء في آخره، وإن كان لا يسمعه، قنت سرًّا، وقيل: يؤمِّن، وقيل: له أن يشاركه مع سماعه، والمختار الأول. وأما غير الصبح إذا قنت فيها حيث يقول به، فإن كانت جهرية وهي المغرب والعشاء، فهي كالصبح على ما تقدم، وإن كانت ظهرًا أو عصرًا، فقيل: يُسِر فيها بالقنوت، وقيل: إنها كالصبح. والحديث الصحيح في قنوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الذين قتلوا القراء ـــــــــــــــــــــــــــــ فناسبه التأمين على دعائه قياسًا على بقية القنوت ولا شاهد في الخبر لأنه في غير المصلي. قوله: (وشاركهُ في الثناء) وهو من قوله فإنك تقضي إلخ، فيقوله سرًّا هذا هو الأولى أو يستمع قال في الإحياء وتبعه القمولي وغيره أو يقول أشهد أو صدقت وبررت أو بلى وأنا على ذلك من الشاهدين وما أشبه ذلك وكأن الفرق بين صدقت وبررت هنا وفي أجابة المؤذن أن هذا متضمن للثناء فهو المقصود منه بطريق الذات وذاك ليس متضمنًا له إذ هو بمعنى الصلاة خير من النوم وهو مبطل وهذا بمعنى أنك تقضي ولا يقضى عليك مثلًا وهذا غير مبطل ولا نظر في الخطاب فيه لأنه متضمن للثناء أيضًا وعليه يفارق نحو الفتح بقصده بأن ذلك بمعنى تنبه مثلًا فلم يتضمن الثناء ولا نظر لأن الملفوظ به نظم القرآن لأن القرينة صرفته عنه وصيرته كاللفظ الأجنبي كما يعلم من محله على أن التسوية بين ما هنا والأذان في البطلان غير بعيدة لأن ما ذكر فيه من التعسف ما لا يخفى كذا في الإمداد لابن حجر (وإن كان لا يسمعه) أي لبعد أو نحوه أو سمع صوتًا ولم يميز حروفه. قوله: (وقيلَ إِنَّها كالصُّبْحِ) وهو المعتمد فيجهر في قنوتها الإمام دون المأموم والمنفرد: قوله: (قَتلوا القُرَاءَ) بضم القاف وتشديد الراء جمع قارئ وهم سبعون رجلًا كانوا من أهل الصفة الملازمين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لطلب العلم وقراءة القرآن والتفقه في الدين ومع ذلك كانوا ردءًا للمسلمين إذا نزلت بهم نازلة لوصولهم غاية بالغة من الشجاعة وكانوا يحتطبون بالنهار ويشترون به الطعام لأهل الصفة ويقرؤون ويصلون الليل والمراد بأصحاب الصفة إذا أطلقوا قوم فقراء غرباء زهاد وكانوا يأوون في صفة آخر مسجده - صلى الله عليه وسلم - مظلل يبيتون فيها يكثرون ويقلون وقد جمع السخاوي

ببئر معونة يقتضي ظاهره الجهر بالقنوت في جميع الصلوات، ففي صحيح البخاري في باب تفسير قول الله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128]، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - جهر بالقنوت في قنوت النازلة. ـــــــــــــــــــــــــــــ منهم جملة في مؤلفه "رجحان الكفة في بيان أهل الصفة". وهؤلاء القراء السبعون أصيبوا ببئر معونة في السنة الرابعة لما بعثهم - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل نجد لإقراء القرآن والدعاية إلى الإسلام لأنهم لما نزلوا بها قصدهم عامر بن الطفيل العامري اللعين، فإنه مات كافرًا قال ابن حجر في شرح المشكاة وهو غير عامر بن الطفيل الأسلمي فإن ذا صحابي اهـ، في أحياء من سليم وهم رعل وذكوان وعصية وقاتلوهم حتى قتلوهم ولم ينج منهم إلا كعب بن زيد الأنصاري النجاري تخلص وبه رمق ثم استشهد في الخندق رضي الله عنهم ومنهم عامر بن فهيرة مولى أبي بكر لم يوجد جسده دفنته الملائكة وفي الحديث ما وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أحد ما وجد عليهم وسيأتي في باب استحباب الصبر والقوة لمن جرح في سبيل الله ما في قول ابن حجر إن عامر بن الطفيل الأسلمي صحابي. قوله: (بِبئرِ مَعُونَةَ) بفتح الميم وضم العين المهملة وفتح النون قال ابن الملقن في البدر المنير قال الحازمي في المؤتلف والمختلف في أسماء الأماكن ببئر معونة بين جبال يقال لها عقبة أيلة في طريق المصعد من المدينة إلى مكة وهي لبني سليم قاله الكندي وقال أبو عبيدة هو ماء لبني عامر بن صعصعة وقال الواقدي هذه البئر في أرض بني سليم وبني كلاب وقال ابن إسحاق وهي بين أرض بني عامر وجزيرة بني سليم كلا البلدين منها هي من بني سليم أقرب اهـ. وفي شرح المشكاة لابن حجر بئر معونة موضع ببلاد هذيل وفي التهذيب للمصنف ببئر معونة وهي قبل نجد بين أرض بني عامر وحرة بني سليم. قوله: (ففي البُخاري إلى قوله في قنوتِ النَّازلةِ) قال الحافظ هكذا ذكر في شرح المهذب وهو يوهم إنه في الموضع المذكور من البخاري بهذا اللفظ وإنما فيه عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يدعو لأحد أو يدعو على أحد قنت بعد الركوع فذكر الحديث الذي فيه اللهم انج الوليد وفيه يجهر بذلك فذكره الشيخ بالمعنى اهـ.

باب التشهد في الصلاة

باب التشهد في الصلاة اعلم أن الصلاة إن كانت ركعتين فحسب، كالصبح والنوافل، فليس فيها إلا تشهد واحد، وإن كانت ثلاث ركعات أو أربعًا، ففيها تشهدان: أول، وثان. ويتصور في حق المسبوق ثلاث تشهدات، ويتصور في حقه في صلاة المغرب أربع تشهدات، مثل أن يدرك الإمام بعد الركوع في الثانية، فيتابعه في التشهد الأول والثاني، ولم يحصل له من الصلاة إلا ركعة، فإذا سلم الإمام قام المسبوق ليأتيَ بالركعتين الباقيتين عليه، فيصلي ركعة، ويتشهد عقيبها لأنها ثانيته، ثم يصلي الثالثة ولتشهد عقيبها. أما إذا صلى نافلةً فنوى أكثر من أربع ركعات، بأن نوى مائة ركعة، فالاختيار أن يقتصر فيها على تشهدين، فيصلي ما نواه إلا ركعتين ولتشهد، ثم يأتي بالركعتين، ويتشهد التشهد الثاني ويسلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ باب التشهد في الصلاة هو الذكر المخصوص الآتي وسمي تشهد لاشتماله على كلمتي الشهادتين ويسمى دعاء أيضًا كما في بعض الأحاديث لاشتماله عليه إذ من جملته السلام عليك أيها النبي إلى الصالحين وهذا كله دعاء وإنما عبر عنه بلفظ الإخبار لمزيد التوكيد ولذا قال أئمة البيان إن غفر الله له أبلغ من اللهم اغفر له لأن الأول يستدعي قوة الرجاء بوقوع المغفرة وأنها صارت كالأمر الواقع المحقق حتى أخبر عنها بلفظ الماضي بخلاف الثاني. قوله: (ويُتَصوَّرُ في حقِّهِ في صَلاةِ المَغرِب أَرْبعُ تَشهُّدَاتٍ) قال شيخ الإسلام زكريا في شرح التنقيح فيفترش فيما عدا الرابع ويتورك في الرابع اهـ. قوله: (صَلَّى نافِلةً) أي مطلقة وإلَّا ففي الوتر الموصول لا يزاد على تشهدين بينهما ركعة فقط والتراويح لا يجوز أن يسلم عن أكثر من ركعتين. قوله: (فالاخْتيَارُ أَنْ يقتَصرَ عَلَى تَشهُّدَيْن إلخ) ويقرأ السورة في الركعات التي قبل التشهد الأول سواء أتى بتشهدين أو أكثر فإن اقتصر على تشهد واحد قرأ في الركعات كلها ذكره في الروضة.

قال بعض أصحابنا: لا يجوز أن يزيد على تشهدين، ولا يجوز أن يكون بين التشهد الأول والثاني أكثر من ركعتين، ويجوز أن يكون بينهما ركعة واحدة، فإن زاد على تشهدين، أو كان بينهما أكثر من ركعتين، بطلت صلاته. وقال آخرون: يجوز أن يتشهد في كل ركعة، والأصح جوازه في كل ركعتين، لا في كل ركعة، والله أعلم. واعلم أن التشهد الأخير واجب عند الشافعي وأحمد وأكثر العلماء، ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (قَال جماعة منْ أَصحابنَا إلخ) عبارة الروضة وذكر صاحب التتمة والتهذيب وجماعة إنه لا تجوز الزيادة على تشهدين بحال ولا يجوز أن يكون بين التشهدين أكثر من ركعتين إن كان العدد شفعًا وإن كان وترًا لم يجز بينهما أكثر من ركعة انتهت. قوله: (وقَال آخرُونَ يجُوزُ أَنْ يتَشهدَ في كل ركعةٍ) قلت وجرى عليه الرافعي في المحرر وفي المهمات عن الكافي للخوارزمي إن في المسألة وجهين اهـ. قوله: (في كل ركعتَينِ لَا في كل ركعةٍ) ظاهر هذه العبارة يوهم إنه لا يفصل بينهما بأكثر من ثنتين وليس مرادًا ففي التحقيق والمجموع يجوز الفصل بينهما بثلاث أو أكثر أي لأن ذلك معهود في الفرائض في الجملة نعم ظواهر السنة تقتضي الفصل بينهما بالركعتين فهو بهما أفضل لذلك كما في المجموع ولذا اقتصر عليه هنا. قوله: (لَا في كل ركعةٍ) قال في المجموع لأنه اختراع صورة في الصلاة لم تعهد وفي التحفة لابن حجر وظاهر كلامهم امتناعه في كل ركعة وإن لم يطول جلسة الاستراحة وهو مشكل لأنه لو تشهد في المكتوبة الرباعية مثلًا في كل ركعة ولم يطول جلسة الاستراحة لا يضر كما هو ظاهر فإما أن يحمل ما هنا على ما إذا طول بالتشهد جلسة الاستراحة لما مر أن تطويلها مبطل للصلاة أو يفرق بأن كيفية الفرص استقرت فلم ينظر لإحداث ما لم يعهد فيها بخلاف النفل ويأتي هذا في منع أكثر من تشهدين في الوتر الموصول اهـ، وفي الإمداد له ولو نوى ركعة فلما تشهد نوى أخرى فهذا جائز على الأوجه لأنه لم يخترع الصورة التي لم تعهد قصدًا بل وقعت ضمنًا فاغتفرت اهـ. قوله: (التشهد الأَخِيرَ وَاجبٌ إلخ) أي التشهد الذي يعقبه السلام فرض لحديث ابن مسعود كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد السلام على الله قبل عباده السلام على جبريل

وسُنة عند أبي حنيفة ومالك. وأما التشهد الأول فسنة عند الشافعي ومالك وأبي حنيفة والأكثرين، وواجب عند أحمد، ـــــــــــــــــــــــــــــ السلام على ميكائيل السلام على فلان السلام على فلان فقال - صلى الله عليه وسلم - لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام ولكن قولوا التحيات لله إلخ، رواه البيهقي والدارقطني بسند صحيح، فقوله قبل أن يفرض دليل صريح في فرضيته ولا أثر لقول ابن عبد البر في الاستذكار تفرد بقوله قبل أن يفرض ابن عيينة لأنه ثقة متقن ثبت يقبل ما تفرد به وليس فيه مخالفة لما رواه غيره من الثقات، واستدل للوجوب أيضًا بقوله في حديث ابن مسعود أيضًا في الصحيحين فليقل التحيات لله إلخ، وتعقب بأن مجموع ما توجه إليه هذا الأمر ليس بواجب بل الواجب بحضه وسيأتي بيانه في كلام المصنف والمراد فرضه في جلوس آخر الصلاة قال أئمتنا وحكمة وجوبه كالقرآن أن محل كل منهما يكون عادة وعبادة فوجب فيه ذلك ليميزه عن العادة بخلاف نحو الركوع والسجود فإنهما لم يستعملا في العادة ولا يرد عليهم الاعتدال والجلوس بين السجدتين لأنهما بقيد كونهما ركعتين لم يشبها ما في العادة وأما خبر إذا قعد الإمام في آخر صلاته ثم أحدث قبل أن يتشهد فقد تمت صلاته فضعيف باتفاق الحفاظ وكذا ما روي عن علي موقوفًا عليه إذا جلس قدر التشهد ثم أحدث فقد تمت صلاته. قوله: (وسنَّة عنْدَ أَبِي حنيفَة ومالِكٍ) قال القارئ الحنفي في الحرز فالقعدة الأولى واجبة والأخيرة فريضة والتشهد فيهما واجبان عندنا اهـ. ولعل ما نقله المصنف رحمه الله تعالى هنا قول للإمام وعبارة القلقشندي قال الشافعي بفرضية الأخير وسنية الأول وقال أحمد بفرضية الأخير ووجوب الأول وقال جمهور المحدثين هما واجبان وقال أبو حنيفة بوجوب الأخير دون الأول قال مالك هما سنتان لكنه أوجب الجلوس اهـ، والواجب عند مالك الجلوس في الأخير بقدر ما يقع فيه السلام قال الشيخ داود في شرح الرسالة واختلف المذهب في التشهد فقيل هو سنة وشهره قوم أو فضيلة وشهره آخرون اهـ. والمذهب عندهم الأول. قوله: (أَمَّا التشهُّدُ الأَولُ فسُنة) أي لأنه - صلى الله عليه وسلم - سجد لتركه رواه البخاري ولم يتداركه فدل على عدم وجوبه وإن الأمر في قوله فليقل التحيات إلخ. فيه أن شمله

فلو تركه عند الشافعي صحت صلاته، ولكن يسجد للسهو سواء تركه عمدًا أو سهوًا، والله أعلم. فصل: وأما لفظ التشهد، فثبت فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاث تشهدات. أحدها: رواية ابن مسعود - رضي الله عنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "التَّحِيَّاتُ للهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ للندب. قوله: (فَلو تَرَكهُ إلخ) أي إذا ترك الواجب منه في التشهد الأخير أو شيئًا منه وكذا إذا ترك قعوده بأن كان لا يحسنه فإنه يسن له الجلوس بقدره فإذا تركه سجد له وظاهر عبارته أن الشافعي اختص بالقول بالسجود لتركه وليس كذلك فعند مالك يستحب السجود لتركه التشهد مطلقًا. فصل قوله: (فثبَتَ فيِه إلخ) قال القلقشندي في شرح عمدة الأحكام ورد في الباب عدة تشهدات وجملة من رواها من الصحابة أربعة وعشرون صحابيًّا الذي منها في الصحيحين حديث ابن مسعود وفي صحيح مسلم حديث ابن عباس وحديث أبي موسى اهـ، ومنه يعلم أن مراد المصنف الثابتة في الصحيحين أو أحدهما وإلّا فبقية الروايات بعضها ثابت أيضًا ثم رأيت الحافظ قال كأنه يريد تقييده بما في الصحيحين وإلَّا فقد ثبت فيه غيره. قوله: (رواية ابْنِ مسعودِ) تقدم في حديث البيهقي ذكر سبب هذا التشهد عنه وهو أنهم كانوا يقولون السلام على الله قبل عباده إلخ. قوله: (التحيات لله) التحيات جمع تحية واختلف في معناها فقيل الملك وجزم به أكثر العلماء وقيل السلام وقيل البقاء قاله النضر بن شميل وقيل العظمة وقيل السلامة من الآفات والنقص وقيل الحياة وأشار المحب الطبري إلى أنها مشتركة بين هذه المعاني اشتراكًا معنويًّا وقال أنها بمعنى السلام هنا أنسب وأمس فإذا حملت على الملك والعظمة فيكون المعنى الملك الحقيقي التام والعظمة الكاملة لله لأن ما سوى ملكه وعظمته ناقص زائد إذا حملت على السلام فيكون التقدير التي يعظم بها الملوك مثلًا مستحقة لله تعالى وإن جرت لغيره صورة وإن حملمت على البقاء فهو مختص به تعالى من غير نزاع وكذا الحياة والسلامة من الآفات وقال أبو سعيد الضرير ليست التحية للملك نفسه إنما هي ما يحيا به الملك قال ابن حجر الهيتمي في شرح المشكاة وكأنها إنما جمعت لتشمل هذه المعاني كلها وهذا أبلغ من

والصَّلوَاتُ والطيباتُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قول أبي قتيبة وجمعت لأن كل ملك من ملوكهم كانت له تحية يحيا بها فقيل لنا قولوا التحيات لله أي الألفاظ الدالة على الملك مستحقة له تعالى وحده اهـ. قال البغوي ولما لم يكن في تحياتهم شيء يصلح للثناء عليه فلهذا أنهمت ألفاظها واستعمل منها معنى التعظيم فقال قولوا التحيات لله أي أنواع التعظيم لله واللام في لله للملك والاستحقاق وقال القرطبي قوله لله تنبيه على الإخلاص في العبادات أي تلك لا تفعل إلَّا لله ويحتمل أن يكون المراد الاعتراف بأن ملك الملوك وغير ذلك مما ذكر كله في الحقيقة لله تعالى وتعميم المبتدأ بأل التي هي للاستغراق الداخلة على الجمع تشعر بالاختصاص أيضًا وعلم مما تقرر أن القصد الثناء على الله سبحانه بأنه مالك مستحق لجميع التحيات من الخلق وإن كل تحية وقعت لغيره صورة فهي له تعالى حقيقة اهـ. قوله: (والصلواتُ والطيباتُ) يحتمل أن يكونا معطوفين على التحيات فيكون من باب عطف الجمل لاستكمال الجملة الأولى وعليه فيكون الخبر محذوفًا أي الصلوات لله والطيبات لله دل على ذلك خبر الجملة التي قبلها وعلى هذا اقتصر ابن حجر في شرح المشكاة ويحتمل أن يكون الصلوات مبتدأ وخبره محذوف والطيبات معطوفة عليها وتكون الواو الأولى لعطف الجملة على الجملة والثانية لعطف المفرد على المفرد أشار إلى ذلك البيضاوي، واختلف في المراد "بالصلوات" فقال ابن المنذر وآخرون المكتوبات الخمس المعهودة وقيل النوافل وقيل ما هو أعم من الصلوات المفروضة والنوافل في كل شريعة وقيل العبادات كلها قاله الأزهري وقيل الدعاء بخير وقيل الرحمة والمعنى إنه هو المتفضل بها جزم به البغوي في شرح السنة قال ابن حجر الهيثمي إذ الرحمة التامة الحقيقية له لا لغيره لأن رحمة المخلوق لغيره إنما هي لباعث رقة حصلت له عليه فهو بها دافع لألم تلك الرقة التي لم تحصل فيه إلَّا بخلق الله تعالى وحده فهو الراحم وحده ومعنى كون غير الرحمة ما ذكر له سبحانه أنها مستحقة له أو خاصة به بطريق الحقيقة أو مخلصة له لا يقصد بها غيره، ومعنى "الطيبات" عند الأكثر الكلمات الطيبات وهي ذكر الله تعالى واعترض بأن في تخصيصه بالأقوال قصورًا والأولى تفسيرها بالأعم الأولى أي الطيبات من الأفعال والأقوال والأوصاف، وطيب الأوصاف بأن يخلص من شوائب النقص ويتوفر بها صفات الكمال وقال بعضهم أظهر الأقوال

السلامُ عَلَيكَ أَيها النبِي ورَحْمَةُ اللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأجمعها ما قيل إن التحيات العبادات القولية والصلوات العبادات البدنية والطيبات العبادات المالية. قوله: (السلام عَليكَ) لما ذكر - صلى الله عليه وسلم - الثناء المتعلق بالخالق وكان وصول ذلك الفيض إلينا بواسطته أمرنا بإفراده بالذكر إظهارًا لعظيم شرفه ومزيد حقه حتى يفوز بقربه وحبه معبرًا عنها بالنبي وفيما يأتي بالرسول للترتيب الوجودي إذ النبوة المستفادة من "اقرأ" النازلة أولًا مقدمة على الرسالة المستفادة من ({قُمْ فَأَنْذِرْ (2)} [المدثر: 2]، النازلة له ثانيًا على الأصح فقال مبلغًا عن الله لا من اجتهاده كما يدل عليه قول الصحابة الآن قد عرفنا كيف نسلم عليك أي هنا لا في سلام التحلل فكيف نصلي عليك. واختلف في المراد هنا فقيل المعنى اسم السلام عليك أي اسم الله عليك فإن السلام من أسمائه إذ هو المسلم لعباده من الآفات واستبعد إلّا أن يراد بالاسم آثاره ومظاهره أي آثار اسمه السلام من المكاره والآفات ونحوها مترادفة عليك أيها النبي قال ابن حجر في شرح المشكاة وأشار إليه البيهقي بقوله معناه السلام الذي هو اسم من أسماء الله عليك وتأويله لا خلوت من البركات والخيرات وسلمت من المكاره والآفات إذ كان اسم الله إنما يذكر على الأمور توقعًا لاجتماع معاني الخير والبركة فيها وانتفاء عوارض الخلل عنها ويحتمل أن تكون بمعنى السلامة أي سلمك الله من المذام والنقائص فمعنى اللهم سلم على محمد اكتب له في دعوته وأمته وذكره السلامة من كل نقص فتزداد دعوته على ممر الأيام علوا وأمته تكاثرًا وذكره ارتفاعًا اهـ. وقال التوربشتي السلام بمعنى السلامة كالمقام والمقامة وهو اسم من أسماء الله تعالى وضع المصدر موضع الاسم مبالغة والمعنى إنه سالم من كل عيب ونقص وفساد ومعنى قولنا السلام عليك في الدعاء سلمت من المكاره اهـ، وقيل معناه الله عليك حفيظ وكفيل كما تقول معك الله أي متوليك وكفيل بك، وقيل معناه السلامة والنجاة لك قال الأزهري فالسلام بمعنى التسليم ومن سلم الله عليه سلم من الآفات اهـ، ويكون مصدرًا كاللذاذ واللذاذة قال تعالى: {فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة: 91]، وقيل الانقياد لك كما في قوله تعالى: {ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، قال ابن دقيق العيد ليس يخلو بعض هذا من نقص لأن السلام يتعدى لبعض هذه المعاني بلفظ على

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا إذا أريد بالتسليم الانقياد فإن أريد به الدعاء بأن الله يسلم عليه كان معناه واضحًا وقال ابن عبد السلام في مقاصده هو مصدر سلم يسلم سلامًا وقيل جمع سلامة كملامة وملام. وقال الطيبي أصل سلام عليك سلمت عليك سلامًا ثم حذف الفعل وأقيم المصدر مقامه وعدل عن النصب إلى الرفع على الابتداء للدلالة على ثبوت المعنى واستقراره، قال ثم التعريف إما للعهد التقديري أي ذلك السلام الذي وجه للأنبياء والأمم السابقين عليك متوجه إليك أيها النبي والسلام الذي وجه لصالحي الأمة إلينا وإلى إخواننا المؤمنين وإما للجنس أي حقيقة السلام الذي يعرفه كل أحد وعمن يصدر وعلى من ينزل عليك وعلينا وإما للعهد الخارجي إشارة إلى قوله تعالى: {وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59] قال ولا شك أن هذه التقادير أولى من تقدير النكرة اهـ، وحكى صاحب الإقليد أن التنكير فيه للتعظيم وهو وجه من وجوه الترجيح لا يقصر عن الوجوه المتقدمة وتقدم في كلام البيهقي وجه الإتيان بعلى وقال وغيره إنما جيء بعليك دون بك لأن المراد والمعنى قضى الله بهذا وقضاؤه إنما ينفذ في العبد من قبل ملكه وسلطانه عليه فظهر أن قضاء الله عليك بالسلامة أبلغ من قضائه لك بها، ومن استعمال نحو ذلك إخبارًا مرادًا به الدعاء قوله تعالى {وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} كذا في فتح الإله، قال الطيبي وإنما لم يأت بلفظ الغيبة وهو الذي يقتضيه السياق فتقول سلام على النبي لأجل اتباع لفظ الشارع بعينه الذي علمه الصحابة وفي شرح المشكاة لابن حجر وكان وجه مخاطبته بذلك الإشارة إلى أن الله يكشف له - صلى الله عليه وسلم - عن المصلين من أمته حتى يكون كالحاضر معهم ليشهد لهم بأفضل الأعمال وليكون تذكر حضوره سببًا لمزيد الخضوع والخشوع ثم رأيت الأمة عدوًا من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - إن أعمال أمته تعرض عليه ويستغفر لهم واستدلوا بما رواه ابن المبارك عن ابن المسيب ليس من يوم إلَّا ويعرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - أعمال أمته غدوة وعشيًّا فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم اهـ، وهو مؤيد لما ذكرته ورأيت الغزالي قال في الإحياء وقبل قولك السلام عليك أيها النبي أحضر شخصه الكريم في قلبك ليصدق أملك في أنه يبلغه ويرد عليك ما هو أوفى منه اهـ، ويحتمل أن يقول على طريق أهل العرفان إن المصلين لما استفتحوا باب الملك بالتحيات أذن لهم بالدخول في حريم الحي الذي لا يموت فقرت

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أعينهم بالمناجاة فنبهوا على أن ذلك بسبب المصطفى وبركة متابعته فالتفتوا فإذا الحبيب في حريم الحبيب حاضر فأقبلوا عليه قائلين السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وإلى هذا المعنى أشار الشيخ محمد البكري بقوله لما كان - صلى الله عليه وسلم - هو السبب في هذه النعمة الجسيمة ناسب أن يستحضر المصلي شخصه في ذهنه يخاطبه بكاف الخطاب مخاطبة الحاضر اهـ. وقال الولي بالاتفاق أبو بكر الوراق ذات يوم لأهل مجلس الرقاق يا أيها الناس أبشروا بالبشارة العظمى والكرامة الكبرى وهي أنه - صلى الله عليه وسلم - لا ينساكم في حال من الأحوال ولا في مقام من مقامات الإكرام والإجلال إذ لو كان ينساكم ساعة أو لحظة لنساكم في مقام الهيبة حين قام بين يدي رب العزة فقال التحيات لله والصلوات والطيبات قال الرب سبحانه السلام عليك أيها النبي إلخ. الثلاث بالثلاث طباقًا جزاءً وفاقًا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتناء بكم السلام علينا إلخ. قالت الملائكة أشهد أن لا إله إلّا الله إلخ. اهـ، وذكر ابن العربي في الأحوذي نحوًا من الجواب الأول وفي شرح العمدة للقلقشندي ورد في بعض طرق هذا الحديث عند البخاري في الاستئذان ما يقتضي المغايرة بين زمنه - صلى الله عليه وسلم - فيقال بلفظ الخطاب وبين غيره فيقال بلفظ الغيبة ولفظه فلما قبض قلنا السلام يعني على النبي - صلى الله عليه وسلم - ووقع كذلك عند ابن أبي شيبة وأبي عوانة والجوزقي وأبي نعيم والبيهقي وغيرهم بلفظ قلنا السلام على النبي بدون لفظ يعني ووقع مثله في الموطأ عن ابن عمر من فعله وهذا يحدس في الجواب المتقدم ولذا قال السبكي في شرح المنهاج إن صح هذا عن الصحابة دل على إن الخطاب الآن غير واجب اهـ، ويجاب عن هذا بأن الذي وقع من تعليمه لهم إنما هو بكاف الخطاب ولم يقيده بحالة الحياة وهو مقدم على اجتهاد من رأى خلافه وقال ابن حجر في شرح المشكاة وقول ابن مسعود كنا نقول في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السلام عليك أيها النبي فلما قبض - صلى الله عليه وسلم - قلنا السلام على رسول الله وذلك لأن هذا لفظ أبي عوانة ورواية البخاري الأصح منها بينت أن ذلك ليس من قول ابن مسعود بل من فهم الراوي عنه ولفظها فلما قبض قلنا سلام يعني على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقوله سلام يحتمل أنه أراد استمر بنا على ما كنا عليه

وبَرَكاتُهُ، السلامُ عَلَيْنا وعلى عِبادِ اللَّهِ الصالِحِينَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ في حياته ويحتمل إنه أراد أعرضنا عن الخطاب وإذا احتمل اللفظ لم يبق فيه دلالة اهـ، وما زعمه القلقشندي من خدش تلك الرواية أي إن ثبتت في التوجيه السابق للإتيان به بلفظ الخطاب غير ظاهر كما لا يخفى على أولي الألباب والنبي إنسان أوحي إليه بشرع فإن أمر بالتبليغ فرسول أيضًا فكل رسول نبي ولا ينعكس والمراد بالرحمة من الله غايتها من إرادة الإنعام والتفضل أو من الإنعام والتفضل فعلى الأول هو صفة ذات وعلى الثاني صفة فعل وسيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بيان حكم الدعاء له - صلى الله عليه وسلم - بالرحمة. قوله: (وبَركاتهُ) أي خيراته الإلهية الدائمة اللازمة المستمرة قيل ولما كان الخير الإلهي يصدر من حيث لا يحس وعلى وجه لا يحصى قيل لكل ما يشاهد فيه زيادة غير محسوسة هو مبارك فيه وفيه بركة وأصل البركة النمو والزيادة من الخير أو الكرامة أو التطهر من العيوب والتزكية أو ثبوت ذلك ودوامه واستمراره من قولهم بركت الإبل أي ثبتت على مناخها ومنه بركة الماء لإقامته بها ثم أورد البركات بالجمع دون السلام والرحمة بخلاف التحيات والصلوات والطيبات ولعله للتفنن في التعبير أو للاستغراب أو موكول علمه إليه - صلى الله عليه وسلم -. قوله: (السلام علينَا) قال البيضاوي علمهم - صلى الله عليه وسلم - أن يفردوه بالذكر لشرفه ومزيد حقه عليهم ثم علمهم أن يخصوا أنفسهم أولًا فإن الاهتمام بها أهم. قلت وهو الأدب في الدعاء لقوله - صلى الله عليه وسلم - ابدأ بنفسك ثم أمرهم بتعميم السلام على الصالحين إعلامًا منه بأن الدعاء للمؤمنين ينبغي أن يكون شاملًا وقوله علينا أي معشر الحاضرين من المصلي ومن معه من مؤمني الإنس والجن. قوله: (الصالحِينَ) جمع صالح وهو القائم بما عليه من حقوق الله تعالى وحقوق العباد كذا نقله المصنف في مجموعه عن الزجاج وغيره لكن قضية قول الفاكهاني ينبغي للمصلي أن يستحضر في هذا المحل جميع الأنبياء والملائكة والمؤمنين ليتوافق لفظه مع قصده اهـ، إنه المسلم، وكذا يقتضيه قول كلام السبكي لكل مسلم حق في أداء الخمس لأن فيها السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وهو إذا قال ذلك أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض أي كما ورد ذلك في حديث ابن مسعود هذا في

أشْهَدُ أنْ لَا إلهَ إلا اللهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث الصحيحين فمن ترك واحدة منها سمعت الدعوى عليه وإن لم يكن على وجه الحسبة من كل مسلم لتعدية بركتها على كل مسلم قال ابنه ووجدت في كلام القفال ما يشهد له اهـ. لكن قد يقال إنه ليس قضيتهما ذلك ولا بد لاحتمال أن يكون أخذ ذلك من كون الضمير في علينا عائدًا على المسلمين أي السلام علينا معشر المسلمين وعبارة القفال في فتاويه ترك الصلاة يضر بجميع المسلمين لأن المصلي لا بد أن يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فيكون مقصرًا بخدمة الله وفي حق رسول الله وفي نفسه وفي حق كافة المسلمين ولذا عظمت المصيبة بتركها ثم أل في الصالحين مفيدة للعموم لأنه جمع على بأل ومما يدل له قوله - صلى الله عليه وسلم - إذا قال ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض ومن نازع في كونها للعموم فقد غفل عن هذا ونحوه الكثير مما يصرح بأنها للعموم وخص الصالحون بذلك للتعظيم وأصل الصلاح استقامة الشيء على كماله والفساد ضده وكمال ذلك إنما يتحقق في الآخرة لأن أحوال العاجلة وإن وصفت بالصلاح في بعض الأحوال لا تخلو عن فساد وخلل إذ لا يصفو ذلك إلّا في الآخرة خصوصًا لزمرة الأنبياء لأن الاستقامة التامة لا تكون إلا لمن فاز بالقرب الأعلى ونال المقام الأسنى ومن ثم كانت هذه المرتبة مطلوب الأنبياء قال تعالى في حق خليله ({وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130)} [البقرة: 130] وحكى عن يوسف ({وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83)} [الشعراء: 83]، وتقدم الحكمة في الفرق بين الإخبار بأن الأول من الصالحين وسؤال الثاني لذلك. قال بعضهم وصلاح الأنبياء صلاح خاص لا يتناوله عموم الصالحين واحتج بأنه قد تمنى بعض الأنبياء اللحاق بالصالحين ولا يتمنى الأعلى اللحاق بالأدنى ولا خلاف أن النبوة أعلى من صلاح الصالحين من الأمم فهذا يحقق إن الصلاح المضاف إلى الأنبياء غير الصلاح المضاف إلى الأمم وصلاح الأنبياء صلاح كامل لأنه يزول بهم كل فساد فلهم كمال الصلاح ومن دونهم الأمثل فالأمثل فكل واحد يستحق اسم الصلاح على قدر ما زال به أو منه من الفساد ولشرف وصف صلاح الأنبياء تطابق الأنبياء ليلة الإسراء على وصف نبينا - صلى الله عليه وسلم - به لشموله خلال الخير كذا في الابتهاج. قواهه: (أَشهَدُ أَن لَا إلهَ إلَّا الله) أي أعلم وأتيقن وإنما أتي بلفظ أشهد دونهما لأنه أبلغ في معنى العلم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واليقين فإنه يستعمل في ظواهر الأشياء وبواطنها بخلاف العلم واليقين فإنهما يستعملان غالبًا في البواطن دون الظواهر ولهذا قال الفقهاء لا يصح أداء الشهادة بدون لفظ أشهد من أعلم وأتيقن. وسبق في باب فضل الذكر في حديث جابر بعض إعرابات كلمة التوحيد ونذكر حاصل ذلك بزيادة عليه فنقول: قال بعض المحققين يجوز في الاسم الواقع بعد إلا ستة أوجه "أولها" أن خبر لا محذوف أي موجود أو في الوجود والله بدل من موضع لا مع اسمها أو من موضع اسمها قبل دخول لا "ثانيها" إن الخبر محذوف والله بدل من الضمير المستتر في الخبر المحذوف وهذا لا كلفة فيه واختاره بعض المتأخرين "ثالثها" إن الخبر محذوف وإلا الله صفة لإله على موضع لا مع اسمها أو من موضع اسمها فبل دخولها ولا يستنكر وقوع إلا صفة فقد جاء {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] ويصير المعنى لا إله غير الله في الوجود وقد جاء ({مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59] ولكن الخبر محذوف كما تقدر قدره بعضهم في الوجود وبعضهم كائن ويرد عليه ما تقدم عن ناظر الجيش في رد إعراب الجرجاني من أن القصد من كلمة التوحيد نفي الإلهية عن غيره تعالى وإثباتها له ولا يفيده التركيب الأخير نعم يفيده بالمفهوم وأين هو من المنطوق اهـ، ومما يرد على هذا الإعراب إن إلا الوصفية إنما هي التابعة لجمع منكر غير محصور وذلك نحو قوله: ({لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلا اللَّهُ} [الأنبياء: 22] أما في غير ذلك فضعيف كما في الكافية الحاجبية وغيرها "رابعها" أن يكون الاستثناء مفرغًا وإله اسم لا بني معها وإلا الله الخبر وهذا منقول عن الشلوبين فيما علقه على المفصل ونقله ابن عمرون عن الزمخشري في حواشيه وإن كان في المفصل قال غيره وذهب إلى أن الخبر محذوفة "خامسها" أن لا إله في موضع الخبر وإلا الله في موضع الابتداء ذكر ذلك الزمخشري في كلام تلقفه عنه بعض تلامذته وقال العصام جعل الزمخشري كلمة التوحيد جملة تامة مستغنية عن تقدير الخبر وكتب فيه رسالة ومحصول ما ذكره أن أصل التركيب الله إله فدخل لا وإلا للحصر فالمسند إليه هو الله والمسند هو إله وهذا مما يتحير في تعقله الأذكياء ويتعجبون من كلامه هذا وأنا أوضحه لك بكلام وجيز وهو أنه لو أبدل لا وإلا بإنما وقيل إنما الله إله لكان كلامًا تامًّا من غير تقدير وإنما بمعنى ما للنفي وكلمة إلا فعلم أن قول النحاة بالتقدير لداع لفظي هو أن لا تطلب خبرًا

وأشْهَدُ أن مُحَمدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ"، رواه البخاري ومسلم في "صحيحيهما". الثاني: رواية ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "التحِياتُ المُبارَكَاتُ، الصلَوَاتُ الطيبَاتُ للَّهِ، السلامُ عَلَيكَ أيهَا النبِيُّ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكاتُه، السلامُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يحتاج إليه المعنى اهـ. "سادسها" أن تكون لا مع اسمها مبتدأ والله مرفوع بإله ارتفاع الاسم بالصفة واستغنى بالمرفوع عن الخبر كما في مضروب العمران وشجع على ذلك قول الزمخشري إله بمعنى مألوه من أله أي عبد ولو قلت لا معبود إلا الله لم يمتنع فيه ما ذكر، وسبق ما في هذين الوجهين الأخيرين عن ناظر الجيش، وأجاز بعضهم النصب على الاستثناء إذا قدر الخبر محذوفًا أي موجود أو في الوجود إلا الله والمراد بإله المعبود بحق وهو المقصود بحصر الوجود فيه لكثرة المعبودات الباطلة فلا يخالف ما في شرح الكشاف من أن إلهًا بالتنكير بمعنى المعبود مطلقًا وبالتعريف بمعنى المعبود بحق فإنه هناك بصدد بيان المعنى بحسب الوضع. قوله: (وأَشْهدُ أَن مُحمدًا عَبدُه وَرَسولُهُ) تقدم معنى الشهادة ومحمد علم منقول من اسم مفعول المضاعف لمن كثر حمد الناس له وهو ذو الخصال الحميدة وسبق معنى العبد وجموعه أول الكتاب والرسول إنسان أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه وإن لم يأت بشرع جديد أو بكتاب. قوله: (رَوَاهُ البخَاري ومسلم إلخ) وكذا رواه أصحاب السنن الأربعة قال في السلاح ولفظهم من قوله التحيات إلخ، سواء وفي لفظ للبخاري ومسلم والنسائي علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكفي بين كفيه التشهد كما يعلمني السورة من القرآن فذكر مثله وفي رواية للبخاري ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي هذه الزيادة وفي رواية النسائي سلام علينا وله في رواية أخرى أشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله قال الترمذي وهو أصح حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم من التابعين وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق وروى البيهقي في سننه الكبير بسند جيد عن القاسم قال علمتني عائشة رضي الله عنها قالت هذا تشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر مثله سواء اهـ. قوله: (التحياتُ المباركاتُ الصلَواتُ الطيبَاتُ لله) قال المصنف في مجموعه قالوا

عَلَينا وعلى عِبادِ اللهِ الصالِحِينَ، أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، وأشْهَدُ أن مُحَمدًا رسول الله" رواه مسلم في "صحيحه". الثالث: رواية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "التَّحِيَاتُ الطيباتُ الصلَوَاتُ للهِ، السلامُ عَلَيكَ أيهَا النَّبِيّ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ، السلامُ عَلَينا وعلى عبادِ اللهِ الصالِحِينَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تقديره والصلوات والطيبات وحذف واو العطف جائز ولا يتعين ذلك بل المعنى صحيح مع عدم تقديرها كما هو ظاهر وقول الرافعي إن حرف العطف مقدر قبل الطيبات فقط فيه نظر لما يلزمه من نوع تحكم بل تقديره قبل الصلوات أولى وأظهر ثم رأيت المتولي من أكابر أئمتنا صرح بما ذكرته من عدم تعين تقدير الواو في الكل فقال إن الألفاظ الثلاثة نعت للتحيات أي سواء أردنا بالصلوات العبادات وهو ظاهر أم غيرها مما مر لكن يلزم عليه قصر التحيات على بعض أنواعها وهو خلاف المقصود وإن جوزنا بدل البعض من الكل قال ابن الرفعة ردًّا على المتولي التحيات كيفما فسرت لا يجوز أن تفسر بالصلوات كيفما فسرت اهـ، وقد علمت رده من قولنا سواء أردنا إلخ، قال الحنفية من جملة ما وجهوا به ترجيح تشهد ابن مسعود: إن واو العطف تقتضي المغايرة فتكون كل جملة ثناءً مستقلًا بخلاف ما إذا سقطت فإن ما عدا الأول يكون صفة فيكون جملة واحدة في الئناء والأول أبلغ اهـ، وكأن المصنف في المجموع قدر الواو جوابًا عن احتجاجهم لا لتعين تقديرها ذكره ابن حجر في شرح المشكاة وقد سبق المصنف إلى ما قال الخطابي فقال حذفت الواو من حديث ابن عباس اختصارًا وذكر الطيبي في جعل التحيات المباركات جملة محذوفة الخبر والصلوات الطيبات فيه جملة أخرى مستأنفة توجيها في غاية البعد والتكلف قال في الحرز والظاهر أن كلا من هذه الأربع مبتدآت إما بحذف العاطف كما جوزوا أو على سبيل التعداد ولله خبرها. قوله: (رَوَاه مسلم في صحيحهِ) وكذا رواه أصحاب السنن الأربعة ولفظه كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن فكان يقول التحيات إلخ، وفي رواية ابن رمح كما يعلمنا القرآن وفي رواية الترمذي سلام في الموضعين كذا في السلاح، قلت أي بالتنكير وهي رواية الشافعي فيهما كما قال الحافظ قال ووقع عند جميع رواته محمدًا رسول الله اهـ. قوله: (روَايةِ أَبي مُوسى) أي من جملة حديث طويل في آخره وإذا كان عند القعدة فليكن من أول

أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وأنَّ مُحَمدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ"، رواه مسلم في "صحيحه". وروينا في سنن البيهقي بإسناد جيد عن القاسم قال: علمتني عائشة رضي الله عنها قالت: هذا تشهُّدُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "التَّحِياتُ للهِ والصلَوَاتُ والطَّيِّباتُ، السلامُ عَلَيكَ أيهَا النَّبِيُّ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكاتُهُ، السلامُ عَلَيْنا وعلى عِبادِ اللهِ الصالِحِينَ، أشْهَدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللَّهُ، وأشْهَدُ أن مُحَمدًا عَبْدُه ورَسُولُهُ"، وفي هذا فائدة حسنة، وهي أن تشهده - صلى الله عليه وسلم - بلفظ تشهدنا. وروينا في موطأ مالك، وسنن البيهقي، ـــــــــــــــــــــــــــــ قول أحدكم التحيات إلخ. قال بحذف لفظ أشهد الثانية الحديث بجملته رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة ولفظ النسائي أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله اهـ. قوله: (رَواهُ مسلم في صحيحه) بلفظ وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجة بحذف أشهد الثانية ولفظ النسائي أشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله. قوله: (وَرَوَيْنا في سُنَن البيهَقي بإِسنادٍ جيدٍ إلخ) قال الحافظ بعد تخريجه في سنده محمد بن صالح بن دينار وهو مختلف فيه فوثقه أحمد وأبو داود وغيرهما وقال أبو حاتم الرازي ليس بقوي وكذا لينه الدارقطني وأما ابنه صالح فلم أجد له ذكرًا بجرح ولا تعديل ولا ترجمة في كتب الرجال كالبخاري وابن أبي حاتم وابن حبان وابن عدي وهو درجة المستور فلم أعرف مستند الشيخ في وصف هذا الإسناد بالجودة وقد قال البيهقي بعد تخريجه الصحيح عن عائشة موقوف فأشار إلى شذوذ الزيادة والعلم عند الله اهـ. قوله: (وفي هذا فائده حسنة إلخ) قال الحافظ بعد تخريجه كأنه يشير إلى رد ما وقع للرافعي أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في التشهد وأشهد أني رسول الله وقد تعقبوه بأنه لم يرد كذلك صريحًا اهـ، وكذا قال بعضهم إنه مردود وقيل مؤول بأن مراده ما في البخاري عنه - صلى الله عليه وسلم - لما خفت أزواد القوم فدعا ثم قال أشهد أن لا إله إلَّا الله وأني رسول الله ولما بشره جابر باستيفاء غرمائه قال وأشهد أني رسول الله ومما يؤيد أن هذا مراده ذكره لذلك

وغيرهما بالأسانيد الصحيحة، عن عبد الرحمن بن عبد القاريّ ـــــــــــــــــــــــــــــ في الأذان ردًّا على من قال إنه لو أذن ماذا كان يقول في لفظ الشهادة فرد عليه بأن المنقول أنه يقول في تشهده أي نطقه بكلمتي الشهادة لهذا الحديث ولم يرد تشهد الصلاة ولذا لم يذكره هنا وحقيقته النطق بكلمتي الشهادة وإطلاقه على ما يقال في جلوس الصلاة من إطلاق اسم البعض على الكل فأراد الرافعي المعنى الحقيقي لا المجازي اهـ. قوله: (وغيْرِهمَا) كالشافعي والحاكم في مستدركه قال الشافعي بعد تخريج الحديث فكان هذا الذي علمنا من سبقنا من علمائنا صغارًا ثم سمعنا بإسناد فكان الذي نذهب إليه أن عمر لا يعلم الناس بين ظهراني أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ما علمهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما انتهى الينا حديث نثبته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - صرنا إليه ثم ذكر حديث ابن عباس قال الحافظ فكأنه رجح المريح على المحتمل وأخرج حديث عمر عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن ابن شهاب قال وكان ابن شهاب يأخذ به ويقول علمه عمر الناس وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوافرون لا ينكره منهم أحد اهـ. قوله: (بالأَسانيدِ الصحيحةِ) قال الحافظ مداره في الكتب كلها على عروة عن عبد الرحمن عن عمر ومنهم من أسقط عبد الرحمن بين عروة وعمر ومداره على عروة عن أبيه هشام وابن شهاب وإنما تعددت طرقه بعد ذلك ثم أخرجه الحافظ عن مالك من طريق الشافعي وأبي مصعب الزهري وابن وهب وأخرجه عن معمر كلاهما عن الزهري وبين الحافظ أسانيدها فقال وقد جاء من وجه آخر عن عمر قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد كما يعلم المكتب الولدان أخرجه أحمد وفي مسنده رجل مجهول ولم يسق مع ذلك لفظه وجاء عن عمر من وجه آخر مرفوعًا وفيه عن ابن عباس أن عمر أخذ بيده فزعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علمه التحيات الصلوات الطيبات المباركات لله قال الحافظ بعد تخريجه قال الدارقطني بعد تخريجه هذا إسناد حسن وأخرجه الطبراني في الأوسط ومن طريق ابن لهيعة أيضًا وساق بقية التشهد لكن خبط في سنده بين أبي لهيعة وعمر ومن بين الطبراني وابن لهيعة ضعيف اهـ. كلام

-وهو بتشديد الياء- أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو على المنبر وهو يعلم الناس التشهد يقول: قولوا: "التَّحِياتُ للَّهِ، الزاكياتُ للهِ، الطيباتُ الصلوَاتُ للهِ، السلامُ عَلَيْكَ أيها النَّبيُّ ورَحمَةُ اللهِ وبَرَكاتُهُ، السلامُ عَلَيْنا وعلى عِبادِ اللَّهِ الصالِحِينَ، أشْهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشْهَدُ أن مُحَمدًا عَبْدُهُ ورَسُوله". وروينا في الموطأ، وسنن البيهقي، وغيرهما أيضًا بإسناد صحيح، عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول إذا تشهدت: "التَحِياتُ الطيباتُ الصلوَاتُ الزَّاكِياتُ للهِ، أشْهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأن مُحَمدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، السلامُ عَلَيْكَ أيها النَّبِيُّ ورحمَةُ اللَّهِ وبَرَكَاتُهُ، السلامُ عَلَيْنا وعلى عبادِ اللهِ الصالِحِينَ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الحافظ. قوله: (وهُوَ بتشدِيدِ الْيَاءِ) أي منسوب إلى القارة وهي أثيغ من مليح بن الهون بن خزيمة وعبد الرحمن هذا يروي عن عمر رضي الله عنه توفي سنة ثمان وثمانين كذا في لب اللباب في الأنساب. قوله: (الطيبَاتُ) أي لله وحذف اكتفاء بما قبله أو ما بعده وهو قوله الصلوات. قوله: (وَرَوَينَا في الموطأ الخ) قال الحافظ بعد تخريجه هذا موقوف صحيح أخرجه مالك هكذا والبيهقي من طريق يحيى بن بكير عن مالك وخالفه حماد بن زيد فأخرجه الحافظ من طريق البزار عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال كانت عائشة تعلمنا التشهد وتعقدهن بيدها التحيات الصلوات الطيبات لله وقدم السلام على الشهادة كالحاجة وقال في روايته وأشهد أن محمدًا وكذا رواه ابن سعيد ثم أفاد الحافظ أن في الكتب المذكورة عنها رواية أخرى فساقها وقال زاد فيها بعض رواته وحده لا شريك له وقال موقوف صحيح أخرجه مالك والبيهقي اهـ. قوله: (التَّحياتُ الطيبَاتُ الصلوَاتُ إلخ) يجري في إعرابه ما سبق في حديث ابن عباس. قوله: (الزاكياتُ) أي الناميات باعتبار ذاتها لكونها طاعة أو وصفها لكونها خالصة أو ثوابها لأن الحسنة تقابل بعشر بل بسبعين بل بسبعمائة بل بأكثر بفضله تعالى وإحسانه. قوله: (أَشهَدُ أَن لَا إِله إلا الله إلخ) أخذ منه أن ترتيب كلمات التشهد ليس بواجب وهو كذلك عندنا عنذ السلامة من تغيير المعنى وإلَّا أبطل الصلاة إن

وفي رواية عنها في هذه الكتب: "التَّحِياتُ الصلَواتُ الطيباتُ الزَّاكِياتُ للهِ، أشْهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لَا شَرِيكَ لهُ، وأن مُحَمَدًا عَبْدُهُ وَرَسُولهُـ السلامُ عَلَيْكَ أيُّها النَّبيُّ ورَحمَةُ اللهِ وبَرَكاتُهُ، السلامُ عَلَيْنا وعلى عِبادِ اللهِ الصالِحِينَ". وروينا في الموطأ، وسنن البيهقي أيضًا بالإسناد الصحيح، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه كان يتشهد فيقول: "بسْم اللهِ، التَّحِياتُ للهِ، الصلوَاتُ للهِ، الزاكِياتُ للهِ، السلامُ على النبي ورَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ، السلَامُ عَلَيْنا وعلى عبادِ اللهِ الصالِحِينَ، شَهِدْتُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، شَهِدتُ أن محَمدًا رسول الله" والله أعلم. فهذه أنواع من التشهد. قال البيهقي: والثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أحاديث: حديث ابن مسعود، وابن عباس، وأبي موسى، هذا كلام البيهقي. ـــــــــــــــــــــــــــــ تعمده وسيأتي بيانه في الأصل في الفصل آخر الباب وفي التتمة تجب موالاته وسكتوا عليه قال في التحفة وفيه ما فيه اهـ. قوله: (وفي روَايةٍ عنهَا) أي بتقديم الصلوات على الطيبات عكس الرواية السابقة والباقي سواء. قوله: (وروَينَا في الموطأ وسُنَنِ البيهقي أيْضًا إلخ) قال الحافظ بعد تخريجه موقوف صحيح وأخرجه البيهقي عن مالك وقد جاء عن ابن عمر مرفوعًا وجاء عن ابن مسعود في بعض الطرق عنه موافقة لقوله السلام على النبي أخرجه عند البخاري بلفظ السلام عليك أيها النبي وقال في آخره كنا نقول ذلك في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما مات قلنا السلام على النبي اهـ. قوله: (فهذِه أَنوَاعٌ منَ التشهدِ) تقدم الكلام في قوله ثبت منها ثلاثة بأن المراد ما في الصحيحين أو أحدهما وإلا فقد ثبت غيرها ومثله يأتي في كلام البيهقي الذي نقله عنه الشيخ قال الحافظ جمع الحافظ أبو بكر بن مردويه طرق التشهد فبلغ عن أربعة وعشرين صحابيًّا فمن الجياد منها حديث ابن عمر مرفوعًا ولفظه التحيات لله الطيبات الصلوات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله قال ابن عمر زدت فيها وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلَّا الله قال ابن عمر زدت فيها وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله قال الحافظ حديث صحيح أخرجه أبو داود والترمذي في العلل الكبير وأبو يعلى والبزار في

وقال غيره: الثلاثة صحيحة وأصحها حديث ابن مسعود. واعلم أنه يجوز التشهد بأي التشهد من هذه المذكورات، ـــــــــــــــــــــــــــــ مسنديهما وأخرجه الدارقطني وقال رجاله ثقات وقال في حاشية السنن إسناده صحيح وأشار في العلل إلى صحته قال ورواه معاذ بن معاذ عن شعبة موقوفًا لكن قوله في الحديث زدت فيها يشعر بأنه مرفوع ونقل الترمذي في العلل ما يوهم القدح في رفع هذه الرواية فقالت سألت عنه محمدًا يعني البخاري فقال المحفوظ ما رواه مجاهد عن أبي معمر عن ابن مسعود وساق حديث ابن مسعود السابق أول الباب قال الحافظ وليس هذا بقادح لأن اختلاف سياق الحديثين يشعر بأن مجاهدًا رواه على الوجهين ثم أخرج الحافظ عن عبد الله بن دابي المكي قال صليت إلى جنب ابن عمر بمكة فلما فرغ ضرب بيده على فخذي فقال ألا أعلمك تحية الصلاة كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا فتلاه هؤلاء الكلمات التحيات الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبي فذكر باقي التشهد مثل رواية ابن مسعود لكن قال وإن محمدًا عبده ورسوله قال الحافظ بعد تخريجه حديث صحيح أخرجه أحمد ورجاله رجال مسلم وأخرجه الطحاوي وغيره قال الشافعي يحتمل أن الاختلاف في التشهد إنما نشأ عن أن بعضهم عبر بالمعنى دون اللفظ وأقرهم - صلى الله عليه وسلم - لأن المقصود الذكر كذا نقله الطيبي قال ابن حجر في شرح المشكاة وهو غريب بل المقصود هنا اللفظ لما يأتي أنه لا يجوز إبدال كلمة من التشهد الواجب برديفها فكيف بغيره اهـ. قوله: (وقَال غيْرهُ الثَّلاثةُ صحيحةٌ) قال الحافظ كونها صحيحة لا نزاع فيه لأنها في الصحيحين اتفقا على حديث ابن مسعود وانفرد مسلم بحديثي ابن عباس وأبي موسى. قوله: (وأَصحها حدِيثُ ابْنِ مَسْعودٍ) أي لكونه متفقًا عليه وما اتفقا عليه أصح مما انفرد به أحدهما وقد ورد التنصيص على الأصحية فيه في كلام الترمذي في جامعه والبزار في مسنده والذهلي في علله وقال مسلم في التمييز إنما اتفقوا على حديث ابن مسعود لأن أصحابه لم يختلفوا عليه في لفظه بخلاف غيره وذكر البزار إن الذين رووه عن ابن مسعود عشرون نفسًا بأسانيد جياد قاله الحافظ قيل ولذا قال باختياره أبو حنيفة وأحمد لما تقدم من أن واو العطف تقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه فتكون كل جملة ثناءً مستقلًا ويفوت ذلك جمع حذف العاطف إذ ما عدا الأول عند

هكذا نص عليه إمامنا الشافعي وغيره من العلماء رضي الله عنهم. ـــــــــــــــــــــــــــــ حذفه يحتمل أن يكون كذلك بتقدير العاطف وأن يكون صفة له فيكون جملة واحدة في الثناء والأول أبلغ فكان أولى قال بعض الحنفية في تقريره لو قال والله والرحمن والرحيم لكانت إيمانًا متعددة تتعدد بها الكفارة ولو قال والله الرحمن الرحيم لكانت يمينًا واحدة فيها كفارة واحدة كذا في شرح العمدة لابن دقيق العيد وبأن الرواة عنه لم يختلفوا في ألفاظه وبأنه تلقاه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وبأنه ورد بصيغة الأمر بخلاف غيره فإنه مجرد حكاية ورجحه آخرون بأن السلام في حديث ابن مسعود معرف وفي رواية ابن عباس منكر والتعريف أعم وتقدم الجواب عن الأول عن المجموع وأما التنكير في الموضعين من تشهد ابن عباس فإنما هو في رواية الترمذي كما تقدم قال القلقشندي وقال النووي التعريف أفضل وهو الموجود في روايات الصحيحين وتعقبه شخينا في فتح الباري بأنه لم يقع في شيء من طرق حديث ابن مسعود بالتنكير وإنما وقع ذلك في حديث ابن عباس وهو من أفراد مسلم قال ابن حجر الهيتمي والظاهر إنه في بعض نسخه ويحمل قول صاحب المشكاة لم أجد في الصحيحين ولا في الجمع بينهما سلام عليك ولا سلام علينا بغير ألف ولام ولكن رواه صاحب جامع الأصول عن الترمذي اهـ. على نسخ أخرى ورواه منكرًا أيضًا الشافعي وأحمد رضي الله عنهما وهو كذلك عند الدارقطني في إحدى روايتيه وفي صحيح ابن حبان تعريف الأول وتنكير الثاني وعكسه الطبراني قال القلقشندي وفي تعقب شيخنا نظر من وجهين أحدهما إن النووي لم يذكر أن التنكير جائز في رواية ابن مسعود وجائز من حيث المذهب لثبوته في حديث ابن عباس وغيره وثانيهما إنه وقع في بعض طرق حديث ابن مسعود السلام منكرًا فعند الطبراني تنكير الأول وتعريف الثاني وعند النسائي عكسه قال فبطل قولهم إن رواة ابن مسعود لم يختلفوا في ألفاظه وقولهم إنه معرف في حديث ابن مسعود دون ابن عباس اهـ. قوله: (هَكذَا نص عليهِ الشَّافعي) قال الحافظ لم يخص الشافعي ذلك بالثلاث المذكورات بل ذكر معها عن ابن عمر وجابر وعن

وأفضلها عند الشافعي: حديث ابن عباس للزيادة التي فيه من لفظ المباركات. قال الشافعي وغيره من العلماء رحمهم الله: ولكون الأمر فيها على السعة والتخيير اختلفت ألفاظ الرواة، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ عمر وعائشة رضي الله عنهم. قوله: (وأَفضلُهَا عِنْدَ الشافعي) قال الحافظ بعد نقل عبارة الشافعي من طريق البيهقي وهي قال الشافعي جوابًا لمن سأله بعد ذكر حديث ابن عباس فإنا نرى الرواية اختلفت فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فروى ابن مسعود خلاف هذا فساق الكلام إلى أن قال فلما رأيته واسعًا وسمعته يعني حديث ابن عباس صحيحًا وروايته أكثر لفظًا من غيره يعني من المرفوعات أخذت به غير معنف لمن أخذ بغيره اهـ. كلامه ليس فيها تصريح بالأفضلية اهـ. لكن خالفه غيره فنقلوا عن الشافعي الأفضلية قال العلماء رجح الشافعي حديث ابن عباس بكونه من أحداث الصحابة وبتأخره عن تشهد ابن مسعود إذ ابن عباس وأقرانه من الصحابة يكون تعليمهم متأخرًا عن تعليم ابن مسعود وبكونه أفقه من رواه وبكون إسناد حديثه حجازيًّا وإسناد حديث ابن مسعود كوفيًّا وهو مما يرجح به وبقوله كان يعلمنا التشهد إلخ الدال على مزيد اعتنائه - صلى الله عليه وسلم - بمرويه وبزيادة لفظ المباركات فيه وبموافقته لقوله تعالى: ({تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: 61] ولما قيل للشافعي كيف صرت إلى اختيار تشهد ابن عباس قال لما رأيته واسعًا وسمعته عن ابن عباس صحيحًا وكان عتدي أجمع وأكثر لفظًا من غيره فأخذت به غير معنف لمن يأخذ بغيره مما صح وما ذكر عن الشافعي هو القول الجديد والقول القديم وهو اختيار مالك أفضلها تشهد عمر الذي علمه الناس على المنبر لأنه لا يفعل ذلك بين المهاجرين والأنصار إلَّا لما علمه - صلى الله عليه وسلم - وأجيب بأنا لا ننازع في أصل الثبوت بل فيما كان يعتني به أكثر وهو تشهد ابن عباس لا غير والرفع فيه بطريق استدلالي في حديث ابن عباس ومسعود بالتصريح، لا يقال يرد أن قوله في حديث ابن مسعود علمني النبي - صلى الله عليه وسلم - وكفي بين كفيه التشهد كما يعلمني في السورة من القرآن لأنا نقول لا يرد علينا ذلك لوضوح الفرق بينهما لأن هذا تعليم خاص به والذي في ابن عباس عام فيه وفي

فصل: الاختيار أن يأتي بتشهد من الثلاثة، الأول بكماله، فلو حذف بعضه فهل يجزيه؟ فيه تفصيل. فاعلم أن لفظ المباركات، والصلوات، والطيبات، والزاكيات، سُنةٌ ليس بشرط في التشهد، فلو حذفها كلها، واقتصر على قوله: التحيات لله السلام عليك أيها النبي ... إلى آخره، أجزأه. وهذا لا خلاف فيه عندنا. وأما في الألفاظ من قوله: السلام عليك أيها النبي ... إلى آخره، ـــــــــــــــــــــــــــــ غيره وهذا أدل على مزيد الاعتناء به بمروي ابن عباس فقدمناه لا يقال في تشهد جابر إنه كان يعلمه لهم كما يعلمهم السورة لأنا نقول لا يرد علينا من وجه آخر هو أنه ليس في مرتبة حديث ابن عباس في الصحة ولا قريبًا منه فإنما رواه النسائي وابن ماجة والحاكم في المستدرك وذهب جماعة منهم ابن خزيمة إلى عدم الترجيح بين التشهدات. فصل قوله: (فاعلم أَن لفْظ المبَاركاتُ إلخ) قال في المجموع قال الشافعي والأصحاب يتعين لفظ التحيات لثبوتها في جميع الروايات بخلاف المباركات وما بعدها واعترض بأن الزائد في بعض الروايات يجب قبوله لأنه زيادة ثقة يوجه إليها الأمر في قوله التحيات إلخ، ويرد بأن محل ذلك في رواية لم يقم دليل على جواز إسقاطه وهنا قام دليل على ذلك وهو حذفه فوجب الجمع بأن ذكره لبيان الأكمل وحذفه لبيان الإجزاء بدونه، واعترض أيضًا بأن حذف غير المباركات لم يرد في شيء من التشهدات نعم في الدارقطني من حديث ابن عمر إسقاط الصلوات فالأولى التعليل بأن ما بعد التحيات من الكلمات الثلاث توابع لها كما علم مما تقدم والتابع لا يحسن إيجابه إذ المعنى لا يختل بحذفه مع أن الأصل براءة الذمة وبه ضعف النظر إلى ما في الأخذ بالأكثر من الخروج عن العهدة بيقين. قوله: (سَلام علينَا وعَلَى عبَادِ الله الصالحِينَ) قال المصنف في المجموع ومن أسقط الصالحين أو علينا فقد وهم لأن الشرع لم يرد بالسلام على العباد بل خص به الصالحين فتعين ولأن المتكلم قد لا يدخل في الصالحين فلم يجز حذفه اهـ، واعترض ما ذكره في الصالحين بأن إضافة العباد إلى الله يغني عن ذلك لقوله تعالى: ({إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42]، ويرد بأن الإضافة ليست نصًّا في ذلك لفظًا بل بمعونة قرينة المقام وهي ضعيفة تتخلف

فواجب لا يجوز حذف شيء منه إلا لفظ "ورحمة الله وبركاته"، ففيهما ثلاثة أوجه لأصحابنا، أصحها: لا يجوز حذف واحدة منهما، وهذا هو الذي يقتضيه الدليل لاتفاق الأحاديث عليهما. والثاني: يجوز حذفهما. والثالث: يجوز حذف "وبركاته" دون "رحمة الله". وقال أبو العباس بن سريج من أصحابنا: يجوز أن يقتصر على قوله: التحيات لله، ـــــــــــــــــــــــــــــ كثيرًا فلم يكتف بها على أنه مع هذه الإضافة قد يستعمل مرادًا به العموم كما في الحديث القدسي يا عبادي كلكم ضال إلّا من هديته على أن المقام للإطناب وقد صح الخبر به فلا يلتفت إلى ما ذكر. قوله: (فواجب لَا يَجُوزُ حذفُه) أي ولا إبدال كلماته بغيرها ولو بمرادفها كالنبي بالرسول ومحمد بأحمد وأشهد بأعلم ولا إسقاط شدة من شداته ويؤخذ مما تقرر في التشديد إنه لو أظهر النون المدغمة في اللام من لا إله أبطل لتركه شدة منه فزعم عدم إبطاله لأنه لحن لا يغير المعنى ممنوع لأن محل ذلك حيث لم يكن فيه ترك حرف والتشديدة بمنزلة الحرف كما صرحوا به نعم لا يبعد عذر الجاهل بذلك لمزيد خفائه، ووقع لابن كثير إن فتح لام رسول الله من عارف متعمد حرام مبطل ومن جاهل حرام غير مبطل إن لم يمكنه التعلم إلا أبطل اهـ. قال في التحفة وليس في محله لأن الفتح فيه ليس فيه تغيير للمعنى فلا حرمة ولو مع العلم والتعمد فضلًا عن البطلان نعم إن نوى العالم الوصفية ولم يضمر خبرًا بطل لفساد المعنى اهـ. قال الأشخر ولا بد من إضمار الخبر لفظ رسول الله وإلَّا فلو أضمر صادق أو نحوه لم تصح الصلاة. قوله: (لاتفَاقِ الأَحادِيثِ عَلَيهِمَا) قال الحافظ قلت وقد وقع في بعضها حذف وبركاته كما تقدم قبل في حديث ابن عمر اهـ. قلت وعند الدارمي في مسنده من حديث طويل لأبي موسى الأشعري في صفة صلاته - صلى الله عليه وسلم - فإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم التحيات الطيبات الصلوات لله السلام أو سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وليس فيه قول وبركاته إلخ. قوله: (يجوزُ حذفُ وَبَرَكاته) أي لإغناء السلام عنه ولأنها حذفت في بعض الروايات كما ذكر. قوله: (وقَال أَبو العباسِ بنُ سُرَيْج) بالسين والراء المهملتين فالتحتية

سلام عليك أيها النبي، سلام على عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. وأما لفظ السلام، فأكثر الروايات، السلام عليك أيها النبي، وكذا "السلام علينا" بالألف واللام فيهما. وفي بعض الروايات: "سلام" بحذفهما فيهما. قال بعض أصحابنا: كلاهما جائز، ولكن الأفضل: "السلام" بالألف واللام لكونه الأكثر، ولما فيه من الزيادة والاحتياط. ـــــــــــــــــــــــــــــ فالجيم بصيغة التصغير وقوله هذا فيه رحمة الله وبركاته وفيه تنكير السلام في الموضعين وحذف علينا من الثاني وفي الروضة عن بعضهم سلام عليك أيها النبي وعلى عباد الله الصالحين بإسقاط سلام الثاني قال وأسقط بعضهم الصالحين واختاره الحليمي اهـ. قوله: (وفي بَعض الرواياتِ سَلامٌ علَيْكَ إلخ) تقدم بيانها ومن روى ذلك في حديثي ابن عباس ومسعود وبكونه واردًا في التشهد فجاز فارق عدم إجزائه في السلام على المعتمد لعدم وروده والتنوين وإن قام مقام أل في التكميل لا يقوم مقامه في التعريف والتعميم وغيرهما. قوله: (كلاهُما جائزٌ إلخ) سئل الأشخر اليمني هل من شرط التنكير الإتيان بالتنوين فيهما فأجاب بأن للمتشهد حالين أحدهما أن يقف عليه سواء حسن الوقف علينا كأن قال علينا وعلى عباد الله الصالحين سلام وذلك جائز لعدم وجوب الترتيب في التشهد بشرطه وكأنه احتاج للوقف لنحو انقطاع نفسه، أم لم يحسن كأن وقف بلا سبب على سلام ثم قال عليك أيها النبي مثلًا فترك تنوينه مطلوب بل ترك الحركة على ما هو المقرر في القواعد النحوية في الوقف على غير المنصوب، الثاني ألا يقف فتنوينه حينئذٍ مطلوب من القواعد النحوية ومع ذلك لو تركه لم يضر إذ غايته أنه لحن لا يغير المعنى، فإن قلت بترك التنوين يسقط النون الظاهرة في اللفظ وفيه إخلال بحرف من التشهد وذلك فيه وفي سائر الأركان القولية ضار كما يصرح به قول الأنوار وأقروه التشهد كالفاتحة في وجوب الولاء ومراعاة الكلمات والحروف والتشديدات والإعراب المخل تركه، قلت لا يضر سقوط تلك النون لعدم ثبوتها أصالة بل كما تثبت تارة تسقط أخرى كما مر وهذا نظير قول ابن عبد السلام لو أسقط الهمزة من الله فقال

وأما التسمية قبل التحيات، فقد روينا حديث مرفوعًا في "سنن النسائي" والبيهقي وغيرهما بإثباتها، وتقدم إثباتها في تشهد ابن عمر، لكن قال البخاري والنسائي وغيرهما من أئمة الحديث: إن زيادة التسمية غير صحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلهذا قال جمهور أصحابنا: لا تستحب التسمية، وقال بعض أصحابنا: تستحب، والمختار أنه لا يأتي بها، لأن جمهور الصحابة الذين رووا التشهد لم يرووها. ـــــــــــــــــــــــــــــ مأمومًا الله أكبر انعقدت الصلاة وإن كان الأفضل أن ينطق بالهمزة وعلله بأن همزة الوصل تسقط في الدرج فليست ثابتة أصالة اهـ. قوله: (وأَما التَّسمِيةُ قَبْل التَّحياتُ إلخ) أخرج الحافظ في أماليه على الأذكار عن جابر بن عبد الله قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة بسم الله وبالله التحيات لله وذكر مثل حديث ابن مسعود وزاد في آخره أسأل الله الجنة وأعوذ بالله من النار وقال بعد تخريجه من طريقين عن أيمن بن نابل بنون فموحدة عن أبي الزبير عن جابر ما لفظه حديث حسن أخرجه النسائي والطحاوي والبيهقي وأخرجه أحمد عن أيمن مختصرًا وأبهم الصحابي وأخرجه ابن ماجة أيضًا عن أيمن قال النسائي لا نعلم أحدًا تابع أيمن وأيمن لا بأس به لكنه أخطأ وقال الترمذي بعد أن ساق حديث الليث عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير وطاوس عن ابن عباس رواه أيمن عن أبي الزبير عن جابر فسألت محمدًا فقال المحفوظ عن أبي الزبير ما رواه الليث وجرى الحاكم على ظاهر الإسناد فأخرجه في مستدركه عن أيمن كما ذكر وقال صحيح فقد احتج البخاري بأيمن ومسلم بأبي الزبير قال الحافظ وهو الذي يجري على طريقة الفقهاء إذا كان الكل ثقات لاحتمال أن يكون عند أبي الزبير على الوجهين لا سيما مع اختلاف السياقين وقبولهم زيادة الثقة مطلقًا اهـ. قوله: (إِنَّ الجمْهورَ لَمْ يذكروها) قال الحافظ هذا ليس كافيًا في تركها وجاء ذكر التسمية في التشهد في حديث ابن الزبير قال إن تشهد رسول الله بسم الله خير الأسماء فذكر مثل حديث ابن عباس لكن زاد فيه وحده لا شريك له بعد كلمة التشهد وقدمها على قوله السلام عليك أيها النبي وزاد بعد قوله وأن محمدًا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرًا ونذيرًا بين يدي الساعة أخرجه البزار في مسنده والطبراني

فصل: اعلم أن الترتيب في التشهد مستحب ليس بواجب، فلو قدم بعضه على بعض جاز على المذهب الصحيح المختار الذي قاله الجمهور، ونص عليه الشافعي رحمه الله في "الأم". وقيل: لا يجوز كألفاظ الفاتحة، ويدل للجواز تقديم "السلام" على لفظ الشهادة في بعض الروايات، وتأخيره في بعضها كما قدمناه. وأما الفاتحة، فألفاظها وترتيبها معجز، فلا يجوز تغييره، ولا يجوز التشهد بالعجمية لمن قدر على العربية، ومن لم يقدر، يتشهد بلسانه ويتعلم كما ذكرنا في تكبيرة الإحرام. فصل: السُّنَّة في التشهد الإسرار لإجماع المسلمين على ذلك، ويدل عليه من الحديث: ما رويناه في سنن أبي داود والترمذي والبيهقي عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: "من السنة أن يخفي التشهد". قال الترمذي: حديث حسن. وقال الحاكم: صحيح. ـــــــــــــــــــــــــــــ في الكبير وفي سندهما ابن لهيعة ووقع ذكر التسمية في حديث عمر أخرجه البيهقي وفي حديث علي أخرجه البيهقي وفيه الحارث الأعور وهو ضعيف قال وقد جاء ذكرها في إحدى الروايتين عن ابن عمر وعن عائشة وجاء عنهما مرفوعًا بسند ضعيف اهـ. فصل قوله: (فَلو قَدّمَ إلخ) أي بشرط السلامة من تغيير المعنى. قوله: (-في الفصل الأخير- مَا رَوَيناهُ في سُنَنِ أَبِي دَاودَ) قال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن وأخرجه المعمري في عمل اليوم والليلة وعنده في لفظ ليس الجهر بالتشهد من السنة وأخرجه المعمري أيضًا بلفظ كان عبد الله يعلمنا التشهد قال وكانوا يخفون التشهد وأخرجه ابن حبان في كتاب الصلاة المفرد باللفظ المذكور في الكتاب عن ابن خزيمة وأخرجه الحاكم فأخرجه البيهقي عن الحاكم قال الترمذي حديث حسن غريب وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم قال الحافظ لم يخرج مسلم لمحمد بن إسحاق إلَّا شيئًا يسيرًا في المتابعات ولم أره في شيء من هذه الطرق عن محمد

باب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد التشهد

وإذا قال الصحابي: من السنة كذا كان بمعنى قوله: قال رسول الله، هذا هو المذهب الصحيح المختار الذي عليه جمهور العلماء من الفقهاء والمحدثين، وأصحاب الأصول، والمتكلمين رحمهم الله، فلو جهر به كره، ولم تبطل صلاته، ولا يسجد للسهو. باب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد التشهد اعلم أن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ـــــــــــــــــــــــــــــ بن إسحاق إلَّا بالعنعنة وقد اتفق الحفاظ على عدم الحكم لمعنعنه بالاتصال لكن أخرجه الحاكم والبيهقي عن الحسن بن عبد الله النخعي عن عبد الرحمن بن الأسود أي النخعي عن أبيه عن ابن مسعود ولفظه من سنة الصلاة أن يخفى التشهد وهذه متابعة قوية لمحمد بن إسحاق فإنه يرويه عن عبد الرحمن المذكور وأخرج الحاكم للحديث شاهدا من حديث عائشة قالت لما نزلت ({وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِت بِهَا} [الإسراء: 110] هذا حديث صحيح السند غريب المتن أخرجه المعمري وأبو جعفر الطبري في التفسير كلهم عن حفص بن غياث وهو من رجال الصحيح وكذا من قوله إلى منتهى السند لكن أخرجه البخاري في التفسير من طريق زائدة والدعوات من طريق مالك بن سعير وكلهم عن هشام بن عروة عن أبيه عنها بلفظ نزلت في الدعاء فإن كان حفص حفظه فهو أخص ما ورد وقد أخرج البخاري أيضًا من حديث ابن عباس أنها نزلت في القراءة في الصلاة وذكر قصة لسبب النزول ورجحه الطبري ثم النووي ويمكن الجمع اهـ. قلت وقد تقدم في الفصول أوائل الكتاب بسط في هذه الآية ونقل الأقوال وتحريرها فليراجعه من أراده. قوله: (وإذَا قَال الصحابيُّ مِنَ السُّنَّةِ كَذَا إلخ) فيكون موقوفًا لفظًا مرفوعًا حكمًا بخلاف قوله قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمرفوع لفظًا وحكمًا وبه يعلم أن التشبيه في كون كل منهما مرفوعًا وإن تفاوتت رتبتهما فيه. قوله: (ولا يَسجدُ للسهو) لأنه من الهيئات. باب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد التشهد قيل الصلاة من الله ثناؤه عليه عند ملائكته والصلاة من الملائكة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمؤمنين دعاؤهم له أي طلبهم له ذلك من الله أي طلب زيادته لوجود أصله بنص القرآن وعلى هذا يحمل قول ابن عباس معنى صلاة الملائكة الدعاء بالبركة أي الزيادة وهذا معنى صلاتنا أيضًا كما تقرر ورجح بأن فيه استعمال لفظ الصلاة في حقه تعالى وحق الملائكة والمؤمنين بمعنى واحد وبه يتضح قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} [الأحزاب: 43] فصلاته تعالى رحمنه وصلاتهم سؤالهم إياها لعباده وقيل الصلاة منه تعالى مغفرة ومن الملائكة استغفار ويمكن رجوعه لما قبله بجعل المغفرة نوعًا من أنواع ذلك التعظيم والاستغفار نوعًا من أنواع ذلك الدعاء واقتصر عليهما للاهتمام بهما وقيل الصلاة منه تعالى الرحمة ومن الملائكة رقة تبعث على استدعاء طلب الرحمة والثاني يرجع لما مر أنها منهم الدعاء، والأول إن أريد بالرحمة فيه المقرونة بالتعظيم لما مر أيضًا أنها من الله ثناؤه عليه وإن أريد مطلق الرحمة توجه الاعتراض عليه بأن الله تعالى غاير بينهما في قوله: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ}، والملائكة فهموا المغايرة بسؤالهم عن معنى الصلاة في الآية مع أنهم علموا السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فلو اتحدتا لما سألوا عن الصلاة ولقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - قد علمتم الصلاة بعلمكم الدعاء بالرحمة وأيضًا فقد أجمعوا على جواز الترحم على غير الأنبياء فهذا صريح في مغايرتهما وسيأتي في أول كتاب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذا المقام مزيد تحقيق والله ولي التوفيق. نعم قد تأتي الصلاة بمعنى الرحمة كما في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} [الأحزاب: 43] وحينئذٍ فالصلاة على الأنبياء تختص بالرحمة المقرونة بالتعظيم وعلى غيرهم لا تختص بذلك بل قد يكون فيها ما هو مقرون بنوع تعظيم وقد لا يحسب مراتب المؤمنين ومما يؤيد ذلك أن من المعلوم أن القدر الذي يليق بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من الرحمة أرفع مما يليق بغيره وقد أجمع المسلمون على ذلك في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] إلخ، من تعظيم شأنه والتنويه بشرفه ما ليس في غيرها، وشرح الحلبي أنواعًا من ذلك التعظيم فقال معنى قولنا اللهم صل على محمد عظم محمدًا في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وإبقاء شريعته وفي الآخرة بإجزال مثوبته وتشفيعه في أمته وإبداء فضيته بالمقام المحمود وكونها لنحو هذا التعظيم في حقه - صلى الله عليه وسلم - لا يستلزم كونها كذلك بالنسبة إلى نحو آله وأصحابه المذكورين معه لما مر أنها على كل إنسان بحسب ما يليق به من الرحمة العامة أو المقرونة بنوع تعظيم

واجبة عند الشافعي رحمه الله بعد التشهد الأخير، فلو تركها لم تصح صلاته، ولا تجب الصلاة على آل النبي - صلى الله عليه وسلم - ـــــــــــــــــــــــــــــ قال العز بن عبد السلام ليس صلاتنا عليه شفاعة له فإن مثلنا لا يشفع لمثله ولكن الله تعالى أمرنا بمكافأة من أحسن إلينا فإن عجزنا عنها كافأنا بالدعاء فأرشدنا العظيم لما علم عجزنا عن مكافأة نبينا - صلى الله عليه وسلم - إلى الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - وتقدمه لذلك الحليمي ووافقهم ابن العربي المالكي وقال بعضهم فيها فائدة أخرى لما تقدم أن معنى صلاتنا عليه طلب للزيادة له من ثناء الله تعالى عليه وتعظيمه وتشريفه بين ملائكته ففيها الزيادات الحاصلة بالصلاة التي أمرنا بها عليه المرقيات إلى مراتب درجات تليق بكماله لا يعلم كنهها إلّا المتنفل بها عليه ففي الصلاة عليه فوائد له وللمصلين عليه صلوات الله وسلامه عليه. قوله: (واجبةٌ عِنْدَ الشافعي رحمهُ الله بَعدَ التشهدِ الأخير) قال ابن حجر في شرح المشكاة تجب فيه أي حتى على النبي - صلى الله عليه وسلم - على نفسه ويدل للوجوب أحاديث صحيحة كحديث ابن مسعود البدري أنهم قالوا يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف نصلي عليك إذ نحن صلينا في صلاتنا قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد الحديث صححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم ومرادهم بالسلام الذي عرفوه سلام التشهد وفي الأم للشافعي فرض الله الصلاة على رسوله بقوله: {صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56] ولم يكن فرض الصلاة عليه في موضع أولى منه في الصلاة ووجدنا الدلالة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك ثم ساق بسنده حديث أبي هريرة إنه قال يا رسول الله كيف نصلي عليك يعني في الصلاة قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وحديث كعب بن عجرة إنه قال يا رسول الله كيف نصلي عليك فقال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد قال الشافعي فلما جاء إنه كان يعلمهم التشهد في الصلاة وأنه علمهم كيف يصلون عليه في الصلاة لم يجز أن يقول التشهد واجب والصلاة عليه فيه أي بعده غير واجب. واعترض عليه بأن الحديثين من رواية شيخه إبراهيم وهو ضعيف وبفرض صحته لم يصرح بالقائل يعني، وبأن الثاني وإن كان ظاهره إن المراد من الصلاة ذات الركوع لكنه محتمل أن يراد بها فيه الصلاة عليه أي كان يقول ذلك في صفة الصلاة عليه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويؤيده إن أكثر الطرق عن كعب بن عجرة تدل على أن السؤال وقع في صفة الصلاة لا محلها وبأنه ليس في الحديث ما يعين إن محلها بعد التشهد وقبل السلام وبأنه تفرد بذلك إذ الإجماع وعمل السلف الصالح على خلافه وبأن جماعة من أهل مذهبه شنعوا عليه وبأنها لو وجبت لكان في تعليمهم التشهد دونها تأخير للبيان عن وقت الحاجة على أنه لما علمهم إياه قال فليتخير من الدعاء ما شاء ولم يذكر الصلاة عليه وبأنه اختار تشهد ابن مسعود وليس فيه ذكرها. هذا حاصل ما اعترض به عليه وهو ساقط بالمرة، أما ما يتعلق بالحديثين فجوابه أن الشافعي يوثق شيخه المذكور فكفى توثيقه لو لم يخبره فكيف وقد خبره وأحاط من شأنه بما لم يحط به غيره على أن حديثيه المذكورين ورد بل صح أحاديث أخر تعضدها منها خبرًا أبي مسعود البدري السابق رواه أصحاب السنن وصححه الترمذي وابنا خزيمة وحبان والحاكم والدارقطني والبيهقي ولا يضر أن ابن إسحاق فيه لأنه صرح بالتحديث في روايته فصار حديثه مقبلًا صحيحًا على شرط مسلم كما ذكره الحاكم، ومنها خبر أبي داود والنسائي والترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال إنه على شرط مسلم عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا يدعو في صلاته ولم يحمد الله ولم يصل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال عجل هذا ثم دعاه فقال له أو لغيره إذا صلى أحدكم فليبدأ بالحمد لله والثناء عليه ثم ليصل على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ليدع بما شاء، ومما يعني أنه في تشهد الصلاة الروايات الصحيحة عن فضالة نفسه إذ فيها سمع رجلًا يدعو في صلاته إذ لا يصح حمله على غير ذات الأركان إذ يدعو في دعائه بما شاء وحمله على غير ذات الأركان ركيك بعيد فلا يحمل الحديث عليه وفيها أيضًا عجلت أيها المصلي إذا صليت فقعدت فأحمد الله بما هو أهله ثم صل علي ثم ادعه، ففي قوله فقعدت بعد صليت أوضح دلالة على أن المراد قعود التشهد الأخير، ومنها ما رواه الحاكم وصححه لكن تعقب عن ابن مسعود مرفوعًا إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد إلخ، وهذا من أوضح الأدلة وأصرحها وسيأتي عند رواته اصرح من هذه في أواخر هذه القولة، ومنها ما روى الشافعي في الأم عن كعب بن عجرة كان - صلى الله عليه وسلم - يقول في الصلاة اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وظاهره وجوبها عليه - صلى الله عليه وسلم -، وروى أبو عوانة أنه - صلى الله عليه وسلم - فعلها في التشهد الأخير وهو أولى المحال بها لكونه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمة الأمر وقد سبق خبر صلوا كما رأيتموني أصلي ولم يخرجها شيء عن الوجوب إذ لم يثبت أنه تركها في التشهد الأخير بخلاف التشهد الأول فقد ثبت جبر تركها بسجود والواجب يتدارك ولا يترك، وأما زعم تفرده بذلك وما يتعلق به فهو قصور من قائليه وإن كثروا كيف وقد نقل أصحابنا الحفاظ والفقهاء القول بالوجوب عن جمع من الصحابة منهم ابن مسعود وأبو مسعود البدري وجابر بن عبد الله وعمر وابنه عبد الله وجماعة من التابعين كالشعبي والباقر وأبيه وابنه وناهيك بهم ومحمد بن كعب القرظي ومقاتل بن حبان، وظاهر كلام الشعبي وهو من كبار التابعين أن ذلك إجماع أو قريب منه حيث قال كما رواه البيهقي عنه بسند قوي كنا نعلم التشهد فإذا قال وأشهد أن محمدًا رسول الله يحمد ربه ثم يثني عليه ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يسأل حاجته، بل قال خاتمة الحفاظ شيخ الإسلام ابن حجر لم أر عن أحد من الصحابة والتابعين التصريح بعدم الوجوب إلّا ما نقل عن إبراهيم النخعي ومع ذلك فلفظ المنقول عنه يشعر بأن غيره كان قائلا بالوجوب اهـ. وحينئذٍ فكيف يدعي أن الإجماع أو عمل السلف الصالح على خلاف قول الشافعي وممن وافقه من فقهاء الأمة أحمد في القول الأخير وعليه أكثر أصحابه ومالك واعتمده ابن المواز من أصحابه وصححه ابن الحاجب في مختصره وابن العربي في سراج المريدين وقول الخطابي لا أعلم له فيها قدوة فيه نوع عذر له لأنه إنما نفى علمه الدال على غفلته مع كونه إمام السنة في وقته عما ذكرناه من الأحاديث الصريحة فيه وسبق القول بها عمن مر من الصحابة وغيرهم وقوله عمل السلف الصالح وإجماعهم على خلافه زلة منه بعد معرفة ما تقرر فإن أراد بالعمل الاعتقاد فزلة أعظم لأنه يتوقف على نقل صريح صحيح عنهم أنها ليست بواجبة ولن يجد ذلك مع ما قدمناه من إن ذلك لم يحفظ عن صحابي أو تابعي إلا النخعي، ومن ثم قال بعض الحفاظ إن استدللتم بعمل الناس فهو من أقوى أدلتنا فإنه لم يزل عملهم مستمرا عليها آخر صلاتهم إمامهم ومأمومهم مفترضهم ومتنفلهم وهذا مما لا يمكن إنكاره وإن استدللتم بالإجماع فباطل وساق ما تقدم ولم يخالف الشافعي من أصحابه إلَّا من شذ واستروح كالخطابي وابن المنذر وابن جرير وكأنه لم يقف على هذه الأحاديث أو لم تصح عنده، وقد عد القول بإيجابها في التشهد الأخير من محاسن مذهب إمامنا الشافعي بل قال بعض المحققين لو سلم تفرده بذلك لكان جيد التفرد وزعم القاضي عياض إن الناس شنعوا عليه جوابه

فيه على المذهب الصحيح المشهور، لكن تستحب. ـــــــــــــــــــــــــــــ إنه لم يشنع عليه إلّا من غفل أو سها عما قدمناه ومثل ذلك لا يعول عليه ولا يلتفت إليه وأي شناعة في إثبات حكم دل عليه الكتاب إذ فيه صلوا عليه وهي لا تجب في غير الصلاة إجماعًا وقول جماعة بوجوبها خارجها رد بأنه خرق للإجماع والسنة للأحاديث المصرحة بوجوبها في الصلاة بل بعد التشهد والقياس الجلي والمصلحة الراجحة لأن السلام إذا وجب فيها على نفس المصلي وعباد الله الصالحين فأولى إن تجب الصلاة التي اختص بها الأنبياء وصارت شعار التعظيم على سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - ولكونها صارت الشعار الأعظم في حقهم يكف عنها وجوب السلام قال الأئمة ولا ريب أن القائل بجواز ترك هذا الشعار الأعظم على أعظم خلق الله وأفضلهم في أعظم عبادات البدن وأفضلها وهو الصلاة هو الأولى بالتشنيع والأحق بالتفريط والتضييع، ومن ثم قال ابن الضحاك المالكي فيما نقله عنه ابن صعد التلمساني في كتابه مفاخر الإسلام ردًّا على القاضي عياض وعجبي ممن شنع على الشافعي مذهبه السديد ويرضى لنفسه بدلا من الاجتهاد بحضيض التقليد والشافعي ما قال ذلك إلّا عن أوضح حجة وأهدى دليل مع ما فيه من عموم التعظيم للنبي الكريم عليه الصلاة والتسليم قال ابن صعد وما زعمه عياض من الإجماع على عدم الوجوب مردود، وقال بعض حفاظ الحنابلة وأما التشنيع عليه فقل للمشنع أما تستحي من شناعتك وهل إيجابها إلَّا من محاسن مذهبه وهل خالف نصًّا أو إجماعًا أو قياسًا أو مصلحة راجحة فمن أي وجه يشنع عليه اهـ. قيل وكان الأنسب بغرض شفائه من مزيد إظهار شرفه - صلى الله عليه وسلم - اختيار وجوبها لو فرض صحة ما زعمه رعاية لذلك الغرض كما خالف الجمهور في اختياره طهارة فضلاته - صلى الله عليه وسلم - رعاية لذلك، وأما قولهم لو وجبت إلخ، فجوابه أن ذلك التلازم لا يقال إلَّا إن ادعى الخصم أن الصلاة فرضت مع التشهد أما إذا لم يتحقق فلا يتحقق ذلك التلازم لاحتمال تأخر فرضها مع التشهد عن فرضه على أن الذي في الصحيح ثم ليتخير وثم وضعها للتراخي يدل على أنه كان بين التشهد والدعاء شيء وأما قول عياض إن الشافعي اختار تشهد ابن مسعود فهو سهو منه وهو قبيح لكونه في محل الاستدلال والإلزام والذي مر عن الشافعي فيه قولان الجديد اختيار تشهد ابن عباس والقديم تشهد عمر وقوله وليس فيه ذكرها يرده ما أخرجه الحاكم

وقال بعض أصحابنا: تجب. ـــــــــــــــــــــــــــــ بسند قوي عن ابن مسعود قال يتشهد الرجل ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يدعو لنفسه فتأمل هذا التصريح من هذا الخبر يعني ما قاله الشافعي وأشار إليه فيما مر أنه - صلى الله عليه وسلم - علمهم التشهد في الصلاة فإنه قال ثم ليختبر كما علمت وجهه آنفًا فلما ثبت عن ابن مسعود الأمر بالصلاة عليه بالتشهد وقبل الدعاء دل على أنه اطلع على زيادة ذلك بين التشهد والدعاء والدفع حجة من تمسك بحديث ابن مسعود في دفع ما ذهب إليه الشافعي وقول الخطابي إن في آخر حديث ابن مسعود إذا قلت هذا أي التشهد فقد قضيت صلاتك مردود بأن هذه زيادة مدرجة فلا دليل فيها فعلم دفع ما وقع فيه المعترضون من الغلط والإفراط أو التفريط والشطط غفر الله لنا ولهم ولجميع المسلمين آمين. ويحصل واجب الصلاة باللهم صل على محمد أو رسوله أو النبي أو صلى الله على محمد، لأنه دعاء بلفظ الخبر فيكون أولى لأنه آكد وفارق الصلاة على محمد أنه ليس فيه إسناد الصلاة إلى الله فلم يكن في معنى الوارد ومن ثم اتفقوا على عدم إجزائه وألحق به صليت على محمد وهو واضح أو على رسوله أو على نبيه أو النبي ولا يكفي على أحمد ولا عليه وفارق أحمد محمدًا بأن الأول لم يغلب استعماله والنبي الرسول بأنه يطلق شائعًا على غير رسول الله بخلاف النبي ولذا كره الشافعي أن يقال قال الرسول أو زرنا الرسول أو نحو ذلك بخلاف قال النبي ولا يكفي إبدال لفظ الصلاة بالسلام أو بالرحمة لأنهما لا يؤديان معناها كما عرف مما تقدم. قوله: (وقَال بَعْضُ أَصْحابِنا تَجِبُ) قال ابن حجر في شرح المشكاة ووجهه ظاهر لأن الحديث صريح فيه وهو قوله عطفًا على المأمور به وعلى آل محمد وأجاب كثيرون إلى أن هذا القول مخالفًا للإجماع قبل قائله على أنها لا تجب على الآل كما في المجموع وقضية عبارة المصنف أنه ليس قولًا للشافعي وبمثله عبر في المنهاج لكن صريح قول الروضة فيه قولان خلافه وبه يتضح قول الأوزاعي في ثبوت الإجماع نظر وأجاب آخرون بأنهم أسقطوا في رواية للبخاري في حديث أبي سعيد لكنه أثبتها في البركة مع أنهم لم يسألوه عن البركة ولا أمر بها في الآية فحديث أبي حميد المتفق عليه ليس فيه الصلاة على الآل ولا فيه ذكر البركة عليهم أيضًا، وجواب ثالث وهو أن المعتمد في الوجوب الأمر في الآية فذكر الآل في جواب طلبهم له بأن ذلك المأمور من باب إجابة السائل بأكثر مما سأل لمصلحة هي هنا التنبيه على الأكمل وما يلزم عليه من

والأفضل أن يقول: "اللهُم صَل على مُحَمدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ النبي الأمّي، ـــــــــــــــــــــــــــــ استعمال الأمر في حقيقته ومجازه لا يرد علينا لأنا قائلون بجوازه كما حقق في الأصول. قوله: (والأَفضلُ أَن يقولَ إلخ) هو ما جرى عليه المصنف في التحقيق والفتاوى كما نقله الأذرعي عن التحقيق ولم ينظر لقول الأسنوي إلّا إنه لم يأت بالنبي الأمي في المرة الثانية التي هق عقب وبارك على محمد وكأن نسخه مختلفة قلت ونقل ابن حجر في الدر المنضود حذف النبي الأمي عقب وبارك عن الفتاوى ولعل نسخها مختلفة أيضًا والذي في الروضة والأكمل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ونقله في المجموع عن الشافعي والأصحاب كذلك إلَّا إنه أسقط على الداخلة على آل إبراهيم في الموضعين قال الأسنوي مع أنه قد ورد إثباتهما في سنن البيهقي وصححه ابن حبان والحاكم وإن كان بلفظ آخر قال ابن حجر في شرح العباب واعترض كون هذا هو الأكمل بأن ذلك خرج جوابًا لسؤال والظاهر اتحاده وأنه - صلى الله عليه وسلم - أجاب بجميع الثابت من ذلك غير أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظه الآخر وطريق الإتيان بالمشروع من ذلك استيفاء الجميع قال وقد فات النووي أشياء لعلها توازي ما ذكره أو تزيد عليه استوفيتها في الدر المنضود في الصلاة على صاحب المقام المحمود ومحل ندب هذا الأكمل لمنفرد وأمام من مر وإلّا اقتصر على الأقل كما صرح الجويني وغيره وبحث الأذرعي في منع الزيادة على الواجب إن خشي خروج وقت الجمعة وتردد في غيرها والأرجح في غيرها إنه إن شرع والوقت متسع يسعها جاز له التطويل ما شاء وإلّا فلا اهـ. وفي الدر المنضود بعد ذكر ما ذكره الشيخ واعترض عليه بأنه. قوله: (النبي الأميِّ) بالتشديد نسبة إلى الأم أي الذي لا بكتب ولا يقرأ أي المكتوب لقوله - صلى الله عليه وسلم - نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب كأنه على حالته حين ولدته أمه بالنسبة إلى الكتابة ونسب إليها لأنه على وصفها الغالب في جنسها وهو عدم الكتابة أو إلى أم القرى لأنها بلده وخلقت من طينته أو إلى أمته الغالب عليهم عدم الكتابة وهم العرب أو إلى جميع أمته لاهتمامه بشأنهم وبذله أقصى ما يمكنه

وعلى آلِ مُحَمَد وأزواجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ في صلاحهم وهدايتهم أو إلى أم القرآن الفاتحة لأنها لم تنزل على غيره أي باعتبار ما اشتملت عليه من جميع معاني القرآن الكلية ومقاصده العلية أو إلى الأمة أي القينة بالنسبة لسداجتها قبل أن تعرف قال ابن حجر في شرح المشكاة وفي أكثر هذه الأقوال نظر وعلى كل ففيه تمدح أي تمدح وتشرف أي تشرف بعدم الكتابة ومن ثم كان عدمها من معجزاته ليتم قهر من ناواه وعاداه بما أبهر الفصحاء وأعجز البلغاء مما أوتيه من الآيات وأتحفه من المعارف والعلوم التي ليس لها غايات قال تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)} [العنكبوت: 48] وقال {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ} [الأعراف: 157]- صلى الله عليه وسلم -: (وعَلَى أَلِ محمدٍ) وهم مؤمنو بني هاشم والمطلب وقال بعضهم مؤمنو بني هاشم فقط ويطلق الآل على سائر الاتباع قيل وينبغي تفسيره به هنا واختاره مالك كما ذكره ابن العربي والأزهري والمصنف في شرح مسلم وقيده القاضي حسين بالأتقياء وحمل غيره كلام المطلقين عليه وقيل يبقى على إطلاقه بأن يراد بالصلاة الرحمة المطلقة وروي تمام في فوائده والديلمي عن أنس قال سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من آل محمد قال كل تقي من آل محمد زاد الديلمي ثم قرأ {إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إلا الْمُتَّقُونَ} [الأنفال: 34] وإسنادهما ضعيف بل واهٍ جدًّا ولولا ذلك لتعين الجمع بأن الآل في الدعاء المتقون من الأمة وفي منع الزكاة مؤمنو بني هاشم والمطلب لأن الدعاء كلما كان أعم كان أتم "وأزواجه" جمع زوج يطلق في الأفصح على الرجل والمرأة قال تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35] وأما الزوجة فجمعها زوجات قيل والأظهر أنه يشمل سائر أزواجه ولو غير مدخول بها لأنها محرمة على غيره - صلى الله عليه وسلم - وفي رواية مسلم التقييد بأمهات المؤمنين فعليها يخرج غير المدخول بها لأنها ليست من أمهات المؤمنين وعدتهن اثنتا عشرة خديجة فسودة فعائشة فحفصة فزينب الهلالية وتكنى أم المساكين فأم سلمة فزينب بنت جحش فجويرية المصطلقية فريحانة النضرية فأم حبيبة الأموية فصفية الإسرائيلية فميمونة الهلالية وعقد على سبع ولم يدخل بهن. قوله: (وذُرِّيّتهِ) بضم المعجمة ويجوز كسرها من الذر أي الخلق وسقط الهمزة تخفيفًا من ذرأ أي فرق أو من الذر وهو النمل الصغار لخلقهم أولًا على صورته فعليهما لا همزة فيه

كما صَلَّيْتَ عَلى إبرَاهِيمَ وعلى آلِ إبرَاهِيمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو نسل الإنسان من ذكر أو أنثى وعند أبي حنيفة لا يدخل فيها أولاد البنات إلَّا أولاد بناته - صلى الله عليه وسلم - لأنهم ينسبون إليه في الكفاءة وغيرها فهم هنا أولاد فاطمة وكذا غيرها من بناته رضي الله تعالى عنهن أجمعين لكن بعضهن لم يعقب وبعضهن انقطع عقبه والعقب إنما للسيدة فاطمة رضي الله عنها. قوله: (كمَا صلَّيتَ عَلَى إِبْراهِيمَ إلخ) آل إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وأولادهما وإن ثبت لإبراهيم أولاد من غير سارة وهاجر فهم داخلون لا محالة والمراد الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم والصديقون والشهداء والصالحون منهم دون غيرهم منهم وجميع أنبياء بني إسرائيل من إسحاق وليس في ذرية إسماعيل غير نبينا - صلى الله عليه وسلم - قالوا ففيه إشارة إلى أنه يعدل سائر الأنبياء الكرام عليه وعليهم الصلاة والسلام وخص إبراهيم بالذكر لأنه الذي سأل في بعث محمد - صلى الله عليه وسلم - لهذه الأمة ولسؤاله أن يجعل له لسان صدق أي ثناء في الآخرين قيل ولأنه رأى في النوم اسم محمد مكتوبًا بأعلى أشجار الجنة فسأل الله أن يجري ذكره على ألسنتهم ولأن الرحمة والبركة لم يجتمعا لآل نبي غيره قال تعالى: ({رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [هود: 73] فالتشبيه في الحديث لذلك أو ليطلب له ولآله وليسوا أنبياء منازل إبراهيم وآله الأنبياء فالتشبيه للمجموع بالمجموع ومعظم الأنبياء آل إبراهيم فإذا قوبلت الجملة بالجملة وتعذر أن يكون لآله - صلى الله عليه وسلم - ما لآل إبراهيم كان ما توفر من ذلك وهو آثار الرحمة والرضوان حاصلا لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فيزيد الحاصل له على الحاصل لإبراهيم ومن كان ذلك في حقه أكثر كان أفضل، واعترض بأن غالب طرق الحديث اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم من غير ذكر الآل، ويرد بأن ذلك وإن سلم أنه الغالب لا يمنع الأخذ بغيره إذا صح سنده وما نحن فيه كذلك فلا فرق إذا بين أن يكون غالبًا أو مغلوبًا وقيل إنه لا يطلب لآله وليسوا أنبياء منازل إبراهيم وآله الأنبياء والتشبيه عائد لقوله وآل محمد وهذا نقله الشيخ أبو حامد عن الشافعي وقال إنه مخالف لقاعدته الأصولية في رجوع المتعلقات لجميع الجمل وما ينظر به فيه مجيء التشبيه مع حذف الأول في رواية البخاري ووجود التشبيه لمحمد بآل إبراهيم وبأن غير الأنبياء لا يمكن أن يساووهم فكيف يطلب وقوع ما لا يمكن وقوعه قال ابن القيم وهو ركيك بعيد من كلام

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العرب، وأجيب بأن محل رجوع المتعلق للكل حيث لم يمنع منه مانع كما هنا إذ فيه خوف محذور وهو أنه يوهم أفضلية إبراهيم عملا بقاعدة إن المشبه به أفضل من المشبه غالبًا وعن رواية البخاري بأنها مؤولة بأن آل فيها مقحمة كخبر لقد أوتي مزمارًا من مزامير آل داود إذ لم يكن حسن الصوت إلّا داود نفسه قال ابن حجر في شرح المشكاة ولا يحتاج إلى ذلك لأن المضاف إليه آل إذا لم يذكر المضاف إليه معه مفرد أيضًا يدخل فيه ولا يخرج عنه إلَّا بقرينة كما ذكر آنفًا ويشير إليه قوله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46] ويدل له ما في الصحيحين عن عبد الله بن أبي أوفى أن أباه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بصدقة فقال اللهم صل على آل أبي أوفى ومن المعلوم أن أبا أوفى هو المقصود بالذات بهذا الدعاء فيكون دخول إبراهيم فيما ذكر من هذه الرواية دخولا أوليا أصليًّا لأنه الأصل المستتبع لسائر آله وزعم أن تقدير الشافعي المذكور بعيد من كلام العرب ليس في محله وأي مانع من تعلق الجار والمجرور بالمعطوف فقط لداع إليه هو هنا خوف محذور إيهام أفضلية إبراهيم عملا بالقاعدة السابقة فما قاله الشافعي ظاهر لا غبار عليه، وأما أن غير الأنبياء لا يساويهم فأجيب عنه بأنه تبعوا نبينا لم يبعد أن يسأل لهم الرحمة المقرونة بالتعظيم التي هي نظير ما للأنبياء والاستحالة المذكورة إن سلمت إنما هي في غير من لم تكن له تبعًا وقصد المماثلة في الصفات التي هي أسباب للثواب لا الثواب فحسب ومما يصرح بهذا أن الصلاة خاصة بالأنبياء ومع ذلك يستعمل في تابعيهم تشريفًا لهم، وأجيب أيضًا بأنه لا يمتنع طلب الثواب الحاصل لهم بالصلاة لا جميع الصفات وما ذكره ابن القيم من أنه ركيك بعيد من كلام العرب موجود بأنه ليس ركيكًا إذا التقدير اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إلخ، فلا يمتنع تعلق التشبيه بالجملة الثانية وفيه نظر لما ذكر من القاعدة الأصولية إلَّا أن يقال بما تقدم إن محلها حيث صلح رجوع المتعلق إلى الجميع وهنا لم يصلح إلا للأخير فيتعين أو يقال التشبيه لأصل الصلاة دون رتبتها ومقدارها كما قالوا في ({كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183] إنه تشبيه في أصل الصوم دون قدره وكما في {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ} [النساء: 163] وهذا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منسوب للشافعي أيضًا ورجحه القرطبي في المفهم وضعفه ابن دقيق العيد، قال المصنف في شرح مسلم المختار أحد هذه الأقوال الثلاثة أو يقال التشبيه لنبينا بإبراهيم ولا محذور فيه والتوهم السابق مندفع بالأدلة الخارجية المصرحة بأفضلية نبينا - صلى الله عليه وسلم - على إبراهيم وغيره وبالإجماع على ذلك أو يقال إنما يلزم ذلك لو لم يكن الثابت للرسول - صلى الله عليه وسلم - صلاة مساوية لصلاة إبراهيم أو زائدة عليها أما إذا كان كذلك فالمسؤول من الصلاة إذا انضم إلى الثابت المتقرر للنبي - صلى الله عليه وسلم - كان المجموع زائدًا في المقدار على القدر المسؤول وقربه ابن دقيق العيد برجلين ملك أحدهما أربعة آلاف درهم والآخر ألفين فسئل لصاحب الأربعة آلاف أن يعطي ألفين نظير ما للآخر فإذا انضمت الألفان إلى الأربعة صار له ستة وهو أكثر مما لصاحب الألفين وسيأتي ما يقاربه في كلام القرافي أو يقال الكاف تعليلية والمراد كما سبق منك صلاة على إبراهيم وآله فسألها منك على محمد وآله بالأولى إذ ما ثبت للفاضل ثبت للأفضل بطريق الأولى والتشبيه ليس من إلحاق كامل بأكمل منه كما هو شأنه بل من باب التهييج ونحوه أو من بيان حال ما لا يعرف بما يعرف لأنه فيما يستقبل والذي حصل لنبينا - صلى الله عليه وسلم - من ذلك أقوى وأكمل أو من باب إلحاق ما لم يشتهر بما اشتهر وإن كان أدون كما في مثل نوره كمشكاة مع بون ما بين النورين لما كان المراد من المشبه به أن يكون ظاهرًا واضحًا للسامع حسن تشبيه النور بها وكذا هنا لما كان تعظيم إبراهيم وآله بالصلاة عليهم مشهورًا واضحًا عند جميع الطوائف حسن أن يطلب لمحمد وآله بالصلاة عليهم ما حصل لإبراهيم وآله ويؤيد ذلك ختم الطلب المذكور بقوله في العالمين في خبر مسلم وغيره أي كما أظهرت الصلاة على إبراهيم وآله في العالمين ولذا لم يقع ذكر العالمين إلّا في ذكر إبراهيم وآله دون محمد وآله، وهذا الجواب بدأ به الكرماني وحاصله أن هذا ليس من باب إلحاق الناقص بالكامل بل من إلحاق ما لم يشتهر بما اشتهر أو يقال المقصود من الصلاة الدعاء بأن الله يتم البركة على محمد وآله كما أتمها على أبيه إبراهيم وآله فذكر التشبيه لذلك قال القاضي عياض وهذا أظهر الأقوال أو يقال قال ذلك للتواضع بإظهار قدر أبيه إبراهيم لأمته رعاية لخلته وسابق أبوته وذلك التوهم مدفوع بما تقدم وبقوله - صلى الله عليه وسلم - آدم فمن دون تحت لوائي وبحديث البخاري أنا سيد الناس يوم القيامة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبحديث الشفاعة العظمى وغير ذلك قال ابن حجر في شرح المشكاة ولعل هذا أحسن الأجوبة وأبعدها عن التكلف فأعرفه ولا يبعد أن يكون منه خبر مسلم أن رجلًا قال له يا خير البرية قال ذلك إبراهيم وخبر لا تفضلوني على يونس بن متى وإن ذكرت له حكمة أخرى ثم قال ولعلك إن تأملت هذا وجدته أحسن من قول النووي أحسن الأجوبة ما مرت نسبته للشافعي إن التشبيه للأصل بالأصل أو للمجموع بالمجموع ومن قول غيره أي كابن الجزري هو - صلى الله عليه وسلم - من آل إبراهيم كما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما فكأنه أمرنا أن نصلي على محمد وآله خصوصًا بقدر ما صلينا عليه مع إبراهيم وآله عمومًا فيحصل لآله ما يليق بهم ويبقى الباقي كله له وذلك القدر أزيد مما لغيره من آل إبراهيم ويظهر حينئذٍ فائدة التشبيه وإن المطلوب بهذا اللفظ أفضل من المطلوب بلفظ غيره وقال الحليمي سبب التشبيه أن الملائكة دعوا لأهل بيت إبراهيم بالرحمة والبركة ومحمد وآله منهم فكان المطلوب استجابة دعائهم في محمد وآله كما استجيب عندما قالوا في آل إبراهيم الموجودين حينئذٍ اهـ. وقيل قوله كما صليت إلخ، قاله قبل علمه بأفضليته على إبراهيم وتعقب بأنه لو كان كذلك لعين - صلى الله عليه وسلم - بعد علمه بأفضلية نفسه ذلك أي كان يأمر أمته بسؤال الزيادة على ذلك وبأن أفضليته على غيره كانت معلومة من قبل أن يولد بل من لدن آدم وبأن الصلاة التي أمر بها إنما هي بوحي فلا يقال في مثله لم يكن يعلم حين أمرهم بذلك. وبقيت أجوبة متكلفة كأكثر هذه المذكورات. في قواعد القرافي المسمى "بأنواء البروق في أضواء الفروق" كلام نفيس حاصله إن التشبيه في الخبر يصح في الأزمنة الثلاثة ولا يقع التشبيه في الدعاء إلا في المستقبل خاصة إذ لا يدعي إلا بمعدوم مستقبل فإذا وقع التشبهيه في الدعاء أو الأمر أو النهي إنما يقع في أمرين معدومين مستقبلين لم يوجدا بعد وباعتبار الفرق بين هاتين القاعدتين يندفع الإشكال في قوله اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم إلخ، لأن الإشكال مبني على جعل التشبيه في الدعاء كالتشبيه في الخبر وليس كذلك بل إنما وقع التشبيه بين عطية تحصل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعطية تحصل لإبراهيم لم تكن حصلت قبل الدعاء فإن الدعاء إنما يتعلق بالمعدوم المستقبل وحينئذٍ يكون الذي حصل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل الدعاء لم يدخل في التشبيه وهو

وبارِكْ عَلى محمدٍ النبي الأميّ، وعلى آلِ مُحَمدٍ وأزواجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كما بارَكْتَ على إبراهِيمَ، وعلى آلِ إبراهِيمَ في العالمِينَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي فضل به إبراهيم - عليه السلام - فهما صلوات الله وسلامه عليهما كرجلين أعطى لأحدهما ألف وللآخر ألفان ثم سئل لصاحب الألفين مثل ما أعطي لصاحب الألف فيحصل له ثلاثة آلاف وللآخر ألف فقط فلا يرد السؤال من أصله لأن التشبيه وقع في دعاء لا في خبر نعم لو قيل إن العطية التي حصلت له - صلى الله عليه وسلم - كالتي حصلت لإبراهيم لزم الإشكال لحصول التشبيه في الخبر لكن التشبيه إنما وقع في الدعاء لا في الخبر فتأمل الفرق بين ذلك فيندفع لك به أسئلة كثيرة وإشكالات عظيمة والله أعلم، أو التشبيه لقوله وعلى آل محمد دون المعطوف عليه كما نقل عن الجلال الدواني أو المراد التشبيه في وصول ذلك لمن وصل إليه بمحض الفضل وصوله لإبراهيم كذلك فهو توسل إلى الفضل بالفضل، ومن لطيف ما يحكى أن ممتنحًا أنعم عليه كريم ثم جاءه لفضلنا بعد فقال له المانح من أنت فقال أنا الذي أنعمت عليه سابقًا فقال مرحبا بمن توسل لفضلنا بفضلنا. قوله: (وبَارك على مُحمدٍ النَّبي إلخ) أي اثبت دوام ما أعطيته من التشريف والكرامة كذا في النهاية ولم يصرح أحد بوجوب وبارك إلخ، إلَّا إيهاما وقع في بعض العبارات والظاهر أنه غير مراد لقائلها نعم قال بعضهم بوجوب كما صليت على إبراهيم لأنه لم يسقط في رواية ورد بأنه سقط في رواية عند النسائي سندها قوي واحتمال إن الإسقاط من بعض رواة النسائي بعيد لا يلتفت إليه. قوله: (في العالمينَ) هكذا صح عند مسلم وغيره زيادة في العالمين هنا وفيما قبله وهي متعلقة بمحذوف دل عليه السياق أي أظهر الصلاة والبركة على محمد وآله في العالمين كما أظهرتها على إبراهيم وآله في العالمين. قوله: (إِنكَ حَميد مجيد) جملة كالتعليل لما قبله وحكمة الختم بهما أن المطلوب تكريم الله تعالى لنبيه وثناؤه عليه والتنويه به وزيادة تقريبه وذلك مما يستلزم طلب الحمد والمجد ففي ذلك إشارة إلى أنهما كالتعليل للمطلوب أو هما كالتذييل له والمعنى أنك فاعل ما تستوجب به الحمد والمجد من النعم والإحسان "والحميد" فعيل من الحمد بمعنى محمود وأبلغ منه وهو من حصل له من صفات الحمد أكملها ذاتًا وصفات وقيل هو بمعنى الحامد أي يحمد أفعال عباده الصالحين ويجازيهم على عبادتهم له تفضلًا وتكرمًا "والمجيد" فعيل من المجد مبالغة من

وروينا هذه الكيفية في صحيح البخاري ومسلم، عن كعب بن عجرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـــــــــــــــــــــــــــــ ماجد وهو صفة الكامل في الشرف والكرم يقال مجد الرجل بضم الجيم وفتحها يمجد بالضم مجدًا ومجادة وقد منع بعضهم المبالغة في صفات الله تعالى لأنها لا تختلف وقال بعض المتأخرين إنه ألحق باعتباره في نفسها لا فيمن تعلقت به لاختلاف مراتبهم. خاتمة قال الأسنوي اشتهر زيادة سيدنا قبل محمد وفي كونه أفضل نظر وفي حفظي أن الشيخ عز الدين بن عبد السلام بناه على أن الأفضل سلوك الأدب أو امتثال الأمر فعلى الأول يستحب دون الثاني اهـ، وبتأمل تأخر الصديق رضي الله عنه لما ائتم به - صلى الله عليه وسلم - مع قوله مكانك وكذا إقراره على ذلك وامتناع علي رضي الله عنه في وقعة الحديبية من محوه لاسمه - صلى الله عليه وسلم - مع أمره له بمحوه فقال والله لا أمحوه يعلم أن الأولى سلوك الأدب وهو متجه وإن قال بعضهم الأشبه الاتباع ولا يعرف إسناد ذلك إلى أحد من السلف اهـ، وإنكاره - صلى الله عليه وسلم - على من خاطبه بذلك إنما هو لكونه ضم إليه ألفاظًا من ألفاظ الجاهلية وتحياتهم كما يعرف ذلك بمراجعة الحديث وقد صح حديث أنا سيد ولد آدم ولا فخر وجاء عن ابن مسعود مرفوعًا وموقوفًا وهو أصح أحسنوا الصلاة على نبيكم وذكر كيفية منها اللهم صل على سيد المرسلين، وحديث لا تسيدوني في الصلاة موضوع، وقول بعض الشافعية إن ذلك مبطل غلط فلا يقال ينبغي مراعاته، وفي شرح مسلم للأبي اتفق أن طالبًا قال لا يزاد في الصلاة لفظ سيدنا لأنه لم يرد وإنما يقال اللهم صل على محمد فنقمها عليه الطلبة وبلغ الأمر إلى القاضي ابن عبد السلام فأرسل وراءه الأعوان فاختفى مدة حتى شفع فيه حاجب الخليفة فخلى عنه وكأنه رأى أن تغييبه تلك المدة عقوبته اهـ. قال بعض الأئمة المحققين من المتأخرين قول المصلي اللهم صل على سيدنا محمد فيه الإتيان بما أمرنا به وزيادة الإخبار بالواقع الذي هو أدب فهو أفضل من تركه فيما يظهر من الحديث السابق وإن تردد في أفضليته الأسنوي اهـ، وبه يرد ما وقع لصاحب القاموس ميلًا إلى ما أطال به ابن تيمية وغيره في ذلك. قوله: (رَوَينَا هذِهِ الكيفيةَ إلخ) المراد أن أصل الكيفية في الصحيحين من حديث كعب وحديثهما عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال لقيني كعب بن عجرة رضي الله

إلا ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه فقال ألا أهدي لك هدية سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت بلى فاهدها لي فقال سألنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت فإن الله علمنا كيف نسلم قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وكذا رواه أصحاب السنن الأربعة قال في المشكاة إلّا أن مسلمًا لم يذكر على إبراهيم في الموضعين أي في حديث كعب وإلَّا فقد اتففا عليه في غير حديثه كما يعلم مما سيأتي وفي رواية لمسلم وبارك على محمد ولم يقل اللهم كذا في السلاح وفي شرح العمدة للقلقشندي وذكر المزي في الأطراف أن البخاري أخرج هذا الحديث في كتاب الصلاة وليس كذلك إنما أخرجه في أحاديث الأنبياء وفي تفسير سورة الأحزاب وفي الدعوات وقد اغتر بذلك مغلطاي وابن الملقن فلم يذكرا هذا الحديث في شرحيهما على البخاري وذكرا في أحاديث الأنبياء أنهما أسلفا الكلام عليه في الصلاة ظنًّا منهما أنه فيها وأنهما تكلما عليه ووقع عند الطبري تعيين المكان الذي لقي فيه عبد الرحمن كعبًا ولفظه أن كعبًا قال له وهو يطوف اهـ. وكعب بن عجرة بضم العين المهملة وإسكان الجيم ثم راء مهملة مفتوحة ابن أمية بن عدي بن عبيد بن الحارث بن عمرو بن عوف بن غنم بن سواد بالتخفيف البلوي المدي حليف الأنصار وقال الواقدي ليس حليفًا لهم وإنما هو من أنفسهم وتعقبه ابن سعد كاتبه بأن المشهور إنه بلوى حالف الأنصار ولم يجده في نسب الأنصار وهو الصحابي الجليل تأخر إسلامه وكان له صنم في بيته فجاءه صديقه عبادة بن الصامت يومًا فلم يجده فدخل البيت فكسر الصنم بالقدوم فلما جاء كعب ورآه خرج مغضبًا يريد الإنتقام من عبادة ثم فكر في نفسه فقال لو كان هذا الصنم ينفع لنفع نفسه فسلم وشهد بيعة الرضوان وما بعدها من المشاهد وفيه نزل قوله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] فيما قيل سبعة وأربعون حديثًا منها في الصحيحين أربعة اتفقا منها على حديثين وانفرد مسلم بآخرين وسكن الكوفة مدة ومات بها سنة إحدى وخمسين وقال ابن عبد البر إحدى أو اثنتين وقيل سنة اثنتين جزمًا وقيل سنة ثلاث وله سبع وسبعون سنة وقيل خمس وسبعون رضي الله عنه. قوله: (إلا

بعضها، فهو صحيح من رواية غير كعب، وسيأتي تفصيله في كتاب الصلاة على محمد صلى الله عليه وآله وسلم إن شاء الله تعالى، والله أعلم. والواجب منه: اللهم صل على النبي، وإن شاء قال: صلى الله على محمد، وإن شاء قال: صلى الله على رسوله، أو صلى الله على النبي. ولنا وجه أنه لا يجوز إلا قوله: اللهم صل على محمد. ولنا وجه أنه يجوز أن يقول: وصلى الله على أحمد. ووجه أنه يقول: صلى الله عليه، والله أعلم. وأما التشهد الأول، فلا تجب فيه الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بلا خلاف، وهل تستحب؟ فيه قولان: أصحهما: تستحب، ولا تستحب الصلاة على الآل على الصحيح، وقيل: تستحب، ولا يستحب الدعاء في التشهد الأول عندنا، بل قال أصحابنا: يكره لأنه مبني على التخفيف، بخلاف التشهد الأخير، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ بَعضَها إلخ) قال الحافظ والبعض المستثنى أربعة أشياء عبدك ورسولك ثانيها النبي الأمي ثالثها أزواجه وذريته رابعها في العالمين وحديث كعب متفق عليه أخرجه الأئمة وأما الزيادة الأولى فهي عند البخاري والنسائي وابن ماجة من حديث أبي سعيد الخدري وأما الزيادة الثانية وهي النبي الأمي فهي عند أبي داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان من حديث عقبة بن عمرو رضي الله عنه والحديث حسن وأما الزيادة الثالثة وهي أزواجه وذريته فهي عند أحمد والبخاري ومسلم وأبي داود وأبي عوانة وابن ماجة والقعنبي والنسائي من طرق من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه عن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول اللهم صل على محمد وعلى أهل بيته وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى أهل بيته وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد قال الحافظ هو حديث حسن رجاله رجال الصحيخ وإنما قلت حسن لاحتمال أن يكون الصحابي المبهم هو أبو حميد فإن يكن كذلك فقد سقط منه التابعي فزاد فيه أهل بيته قال الحافظ ووجدت للزيادة المذكورة شاهدًا من حديث أبي هريرة أخرجه أبو داود مرفوعًا من سره إن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت أن يقول اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وأخرجه النسائي من حديث علي لكن سنده وسند أبي هريرة متحد اختلف في راويه على مسنده وفيه مقال، وأما الزيادة الرابعة فهي في حديث صحيح عند أحمد ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وغيرهم من حديث أبي مسعود الأنصاري قال أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشر بن سعد أمرنا الله يا رسول الله أن نصلي عليك الحديث وفي آخره في العالمين إنك حميد مجيد ورواه البزار من حديث أبي هريرة بسند رجاله رجال الصححيح ولفظه قلنا يا رسول الله كيف نصلي عليك فقد علمنا السلام عليك قال قولوا إلخ، ومال الدارقطني إلى ترجيح الرواية الأولى وابن المديني إلى الجمع بين الروايتين وأن نعيمًا أحد رواته رواه بالوجهين أحدهما عند مالك أي وهي الرواية الأولى والثانية عند داود بن قيس أي وهي الرواية الثانية اهـ. وفي السلاح روى الستة إلَّا الترمذي عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أنهم قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك فقال قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وعند مسلم وعلى أزواجه في الموضعين وباقيه مثله، روى البخاري والنسائي وابن ماجة عن أبي سعيد الخدري قال قلنا يا رسول الله هذا التسليم فكيف نصلي عليك قال قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم قال أبو صالح عن الليث على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم وفي رواية للبخاري كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم وفي رواية لأبي داود والنسائي من حديث أبي مسعود الأنصاري واسمه عقبة بن عيرو اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد زاد النسائي كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد النبي الأمي كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد وروي زيادة النبي الأمي في الموضعين الحاكم في المستدرك عن رجل من الصحابة وقال صحيح على شرط مسلم ورواه ابن حبان في صحيحه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وروى أبو داود عن أبي هريرة - رضي الله عنه - من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل اللهم صل على محمد النبي وآله وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد اهـ. ملخصًا قال المصنف في شرح المهذب وينبغي أن يجمع ما في الأحاديث الصحيحة السابقة فيقول اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آله وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وتعقبه في المهمات بأنه ليس مستوعبا لما ثبت في الأحاديث فإنه أسقط قوله عبدك ورسولك اهـ. وأحال المصنف رحمه الله ونفع به تفصيل ما أجمله في كلامه هنا مما أشرنا إلى أصوله على كتاب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكر شيئًا بل قال وقد بينا صفة الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يتعلق بها وبيان أقلها وأكملها في كتاب أذكار الصلاة وكأنه نسي عند الكتابة في ذلك المكان ما عزم عليه من البيان ولا عيب على الإنسان في السهو والنسيان.

باب الدعاء بعد التشهد الأخير

بسم الله الرحمن الرحيم باب الدعاء بعد التشهد الأخير اعلم أن الدعاء بعد التشهد الأخير مشروع بلا خلاف. روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - التشهد ثم قال في آخره: ثم يتخير [بعد] منَ الدُّعاءِ". وفي رواية البخاري: " [ثم ليتخير من الدعاء] أعْجَبَهُ إليْهِ فيدعُو". وفي روايات لمسلم: "ثم لَيَتَخَيَّرْ مِن المسألة ما شاءَ". ـــــــــــــــــــــــــــــ باب الدعاء بعد التشهد الأخير في السيرة الكبرى للشامي حاصل ما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - من المواضع التي كان يدعو فيها داخل الصلاة ثمانية مواطن عقب تكبيرة الإحرام في حديث أبي هريرة اللهم باعد بيني وبين خطاياي الخ، وإذا مر بآية رحمة أو عذاب وفي الركوع وفي الاعتدال منه وفي السجود وفي الجلوس بين السجدتين وفي التشهد الأخير اهـ. قوله: (روَينا في صحيحي البُخارِي ومُسلم الخ) قال الحافظ وفي روايات لمسلم ثم ليتخير من المسألة ما شاء هذا لم يقع عند مسلم جزمًا إلَّا في رواية واحدة وله أخرى قال فيها ثم ليتخير بعد من المسألة ما شاء أو أحب وله ثالثة مثل البخاري لكن ينقص عنها وله رابعة صرح فيها بأن الزيادة لم تذكر فيها، وأما البخاري فله أربع روايات إحداها المذكورة والأخرى قال فيها من الكلام ما شاء وثالثة فيها من الثناء ما شاء ورابعة لم يذكر فيها الزيادة ومدار الحديث عند الصحيحين على أبي وائل شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود وبسط الحافظ بيان طرق الحديث عندهما. قوله: (ثُمَّ ليتخيرْ منَ الدعاءِ الخ) ترجم البخاري باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس بواجب قال ابن العز الحجازي المنفي وجوبه يحتمل أن يكون الدعاء أي لا يجب دعاء مخصوص ويحتمل أن يكون التخيير ويحمل الأمر الوارد به على الندب وقوله ثم ليتخير من الدعاء الخ. استدل به على جواز الدعاء في الصلاة بما اختار المصلي

واعلم أن هذا الدعاء مستحب ليس بواجب، ويستحب تطويله، إلا أن يكون إمامًا، وله أن يدعوَ بما شاء ـــــــــــــــــــــــــــــ من أمر الدنيا والآخرة وخالف في ذلك النخعي وطاوس وأبو حنيفة فقالوا إنه لا يدعو إلَّا بما يوجد في القرآن أو ثبت في الحديث لكن ظاهر حديث الباب يرد عليه وعلى ابن سيرين في قوله لا يدعو فيها إلّا بأمر الآخرة ولا شك أن الدعاء بالمحرمة مطلقا لا يجوز اهـ. قال في الحرز قال الشافعي يجوز الدعاء في الصلاة بما شاء من أمر الدنيا والآخرة ما لم يكن إثمًا قال ابن عمر إني لأدعو في صلاتي حتى بشعير حصاري وملح داري وقال الحنفية يدعو بما شابه ألفاظ القرآن والأدعية المأثورة ثم بسط ذلك بكلام للحنفية حاصله بطلان الصلاة بنحو اللهم أعطني شعيرًا أو ملحًا لأنه من جنس كلام الناس وهو مبطل وأشارر في شرح عدة الحصين إلى تقوية ما نحاه الشافعي بنقلة الدعاء بأمر الدنيا وبغير المأثور عن جمع كثير ثم قال وإذا انضاف قول هؤلاء إلى قول ابن عمر جرى مجرى الإجماع إذ لا مخالف لهم وروي عن ابن شبرمة إنه قال يجوز الدعاء في المكتوبة بأمر الآخرة لا بأمر الدنيا فقال له ابن عون أليس في القرآن اسألوا الله من فضله فسكت اهـ، ومذهب المالكية جواز الدعاء بأمر الدنيا والآخرة. قوله، : (اعلْم أَن هذَا الدعاء مستحب) قال في العباب فيكره تركه قال شارحه كما اقتضاه النص قال السبكي كأنه يريد ترك الأولى ويؤيد الكراهة أن لنا خلافًا شهيرًا في وجوب بعض الأدعية الآتية وقد صرحوا بأن الخلاف في الوجوب يقوم مقام النهي فيقتضي الكراهة. قوله: (ويستحب تطويله) في القواعد لابن عبد السلام واستحب الشافعي أن يكون دعاء التشهد دون قدر التشهد اهـ، والمراد بالتشهد هو والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعده وعبارة المنهاج ويسن ألا يزيد يعني الإمام في الدعاء على قدر التشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - أي أقلها وقال الأذرعي بل المراد ما يأتي به منهما وبحث ابن الرفعة أن المراد أكملهما قال في شرح العباب الحاصل أن المنقول الأقل وإن كان لما بحثه الأذرعي وجه وهو أوجه من بحث ابن الرفعة وقضية كلام المنهاج أنه لا يسن عدم المساواة اهـ، وفي الروضة وغيرها الأفضل أن ينقص عن ذلك لأنه تابع لهما فإن ساواهما كره قال في شرح العباب وهو الأوجه إذ هو منصوص في الأم والمختصر والمأموم تابع لإمامه، والمنفرد قضية كلام الشيخين

من أمور الآخرة والدنيا، وله أن يدعوَ بالدعوات المأثورة، وله أن يدعوَ بدعوات يخترعها، والمأثورة أفضل. ثم المأثورة منها ما ورد في هذا الموطن، ومنها ما ورد في غيره، وأفضلها هنا ما ورد هنا. وثبت في هذا الموضع أدعية كثيرة، منها ما رويناه في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه كالإمام لكن أطال المتأخرون في أن المذهب أنه يطيل ما شاء ما لم يخف وقوعه في سهو ومثله إمام من مر وظاهر أن الخلاف فيمن لم يسن له انتظار نحو داخل. قوله: (منْ أُمورِ الدُّنيَا والآخرَةِ) أي والأخرى أولى لأن ذلك هو المقصود الأعظم ومحل جواز الدنيوي فيها أن أبيح خارجها وإلا أبطلها كما اعتمده المصنف وغيره. قوله: (والمأْثُوَرُ أْفضلُ) أي الدعاء بالمأثور بالمثلثة أي المنقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل من غيره وظاهر كلام المصنف وغيره حصول أصل السنة بالدنيوي المباح لكن نقل الأذرعي عن الماوردي وغيره أنه مباح ويجري ذلك في سائر أذكار الصلاة وميل الجويني إلى بطلان الصلاة بنحو اللهم ارزقني جارية صفتها كذا أي بيضاء هيفاء إلى آخر الأوصاف المستحسنة خلاف الصواب كما في المجموع للأحاديث السابقة وبه يرد اعتماد الأذرعي لكلام الجويني وقوله لا أحسب أحدًا يسارع فيه. قوله: (منهَا مَا روَينَاهُ في صحيحي البخارِي ومسلم الخ) في السلاح عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال رواه الجماعة إلَّا البخاري وفي رواية أخرى لمسلم إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليستعذ بالله من أربع وساق الحديث كما ساقه المصنف اهـ، وصريحه أنه بهذا اللفظ عند مسلم فقط وقد اقتصر على عزوه إلى مسلم فقط في المشكاة وفي الحصين على عزوه إليه وإلى أصحاب السنن الأربعة وابن حبان والله أعلم وقال الحافظ وقع في بعض نسخ الأذكار روينا في صحيحي البخاري ومسلم وفي بعضها في الصحيحين وفي بعضها في صحيح مسلم والسبب في ذلك أن اللفظ الذي ذكره لمسلم وحده كاللفظ الثاني

"إذا فَرَغَ أحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّد الأخير فَلْيَتَعَوَّذْ باللهِ مِنْ أرْبعٍ: مِن عَذَابِ جَهَنَّمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أما البخاري فأخرج أصل الحديث ليس فيه التقييد بالتشهد ولا صيغة الأمر فحيث جمع بينهما أراد أصل الحديث وحيث أفرد أراد اللفظ المخصوص، وقد ذكره في شرح المهذب فقال رواه البخاري ومسلم واللفظ له اهـ. قال الحافظ ولفظ البخاري ذكره في كتاب الجنائز من حديث أبي هريرة قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: اللهم إني أعوذ بك الخ فذكر الحديث اهـ. قوله: (إِذا فَرَغَ أَحدُكْم منَ التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ) خرج به التشهد الأول فلا يسن فيه دعاء بل ولا صلاة على الآل كما مر لبنائه على التخفيف بخلاف الأخير فإنه يسن في جميع ما ورد هنا وفي غيره اتباعًا له - صلى الله عليه وسلم -. قوله: (فليتعوذ) قال بعض رواة هذا الحديث بوجوب هذا الدعاء لما ورد في حديثه بلفظ قل أو فليقل والأصل في الأمر الوجوب وكان أمر ولده أن يعيد ما صلاه بغير هذا التعوذ والمختار عند العلماء الاستحباب والأمر مصروف إليه قال المصنف في شرح مسلم وظاهر كلام طاوس حمل الأمر به على الوجوب فأوجب إعادة الصلاة لفواته وجمهور العلماء على أنه مستحب ليس بواجب ولعل طاوسًا أراد تأديب ابنه وتأكيد هذا الدعاء عنده لا أنه يعتقد وجوبه اهـ. وقال القلقشندي أوجبه ابن حزم الظاهري لظاهر الأمر ونقل عن طاوس أنه أمر ابنه بإعادة الصلاة لما ترك هذا الدعاء وحملوه على أنه أراد بذلك خشية أن يعتاد ترك السنن لا أنها فسدت بترك الواجب اهـ. قوله: (عذَاب جهنَّمَ) قدم لأنه الغاية التي لا أعظم في الهلاك منها وفي التهذيب للمصنف جهنم اسم لنار الآخرة نسأل الله الكريم العافية منها ومن كل بلاء قال الإمام أبو الحسن الواحدي قال يونس وأكثر النحويين جهنم اسم للنار التي يعاقب بها في الآخر وهي أعجمية لا تنصرف للتعريف والعجمة قال وقال آخرون جهنم اسم عربي سميت نار الآخرة بها لبعد قعرها ولم تصرف للتعريف والتأنيث قال قطرب حكي لنا عن رؤبة أنه قال ركية جهنام يريد بعيد القعر هذا ما في سورة البقرة منه، وقال في الأعراف جهنم لا تنصرف للتعريف والتأنيث قال وقال بعض أهل اللغة اشتقاقها من الجهومة وهي الغلظ يقال يهم الوجه أي غليظه فسميت جهنم لغلظ أمرها في العذاب اهـ.

وَمِنْ عذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيا والمَمات، ومِنْ شَرِّ المَسْيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي المطلع للبعلي قال الجوهري جهنم لا تنصرف للعلمية والتأنيث وهي من أسماء النار التي يعذب الله بها عباده ويقال هو فارسي معرف وقال ابن الجواليقي وقيل عربي اهـ. قوله: (ومنْ عذَاب القبْرِ) فيه أبلغ رد على المعتزلة في إنكارهم له ومبالغتهم في الحط على أهل السنة في إثباته حتى وَقع لسني أنه صلى على معتزلي فقال اللهم أذقه عذاب القبر فإنه كان لا يؤمن به ويبالغ في نفيه وتخطئة مثبته. قوله: (ومنْ فِتنةِ المحيَا والمماتِ) أي الحياة والموت ويحتمل أنه زمن ذلك لأنه معتل العين من الثلاثي يأتي من المصدر والزمان والمكان بلفظ واحد والمراد الاستعاذة من جميع فتن الدارين في الحياة من كل ما يضر ببدن أو دين أو دنيا للداعي ولمن له به تعلق مع عدم الصبر وفي الموت قبيله عند الاحتضار من تسويل الشيطان الكفر حينئذٍ بطرائق جاءت في الأخبار ومن شدائد سكراته وأضيفت إلى الممات لقربها منه وبعده من سؤال الملكين مع الخوف والانزعاج وأهوال الكفر وشدائده وقد صح حديث أسماء أنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبًا من فتنة الدجال وحينئذٍ فلا يكون مكررًا مع عذاب القبر لأن عذاب القبر مرتب على فتنة الممات ومتسبب عنها والسبب غير المسبب ولكون عذاب جهنم وعذاب القبر أعظم فتن الممات وفتنة الدجال أعظم من فتن الدنيا خصت بالذكر وعطف على الأولين من عطف العام على الخاص وعكسه في قوله وفتنة المسيح الخ، والعطف بنوعيه المذكورين شائع سائغ سيما أن قارنه محسن كما ذكرناه وحكمة تقديم ذكر عذاب القبر على فتنة الدجال وغيرها أن عذابه أطول زمنًا وأبلغ مكانة وأفظع موقعًا وأخوف هلاكًا لخطره وتأخير فتنة الدجال أنه إنما يقع آخر الزمان قرب قيام الساعة. فائدة قال القاضي عياض الفتنة عرفًا اختيار كشف ما يكره يقال فتنت الذهب إذا أدخلته في النار لتخبره وتنظر جودته ويسمى الصائغ الفتان وماضيه فتن وحكي افتن وأنكره الأصمعي وقال الفراء أهل الحجاز يقولون ما أنتم عليه بفاتنين وأهل نجد بمفتنين كذا في غاية الأحكام. قوله: (ومنْ شَرِّ) هذا من عطف خاص كما تقدم يدل على عظيم فتنته وقوة بليته ويمكن أن يكون كناية عن الكفر في الحياة والممات لأنها نتيجة فتنته وقوة بليته ولا شك أنها أعظم الفتن فحقيقة بأن تختم الدعاء به فيحصل حسن الخاتمة بسببه. قوله: (المسِيح) هو بالحاء المهملة المخففة يطلق على عيسى بن مريم

الدَّجَّالِ" رواه مسلم من طرق كثيرة. وفي رواية منها: ـــــــــــــــــــــــــــــ - صلى الله عليه وسلم - ويطلق على الدجال لكن إذا أريد الدَّجَّال قيد به كما هنا وقال أبو داود المسيح مشددًا الدجال ومخففًا عيسى والأول هو المشهور وقيل بالتشديد والتخفيف واحد يقال لكليهما واختلف في تلقيب الدجال به فقيل لأنه ممسوح العين وأن إحدى عينيه ممسوحة وقيل أن أحد شقي وجهه خلق ممسوحًا لا عين ولا حاجب فيه وقيل لأنه ممسوح من كل خير أي مبعود ومطرود وعلى هذه فهو فعيل بمعنى مفعول وقال أبو الهيثم أنه بوزن السكيت وأنه الذي مسح خلقه أي شوه وليس بشيء وقيل هو فعيل بمعنى فاعل لأنه يمسح الأرض أي يقطعها كلها إلّا الحرمين إذا خرج في أيام معدودة وقيل هو بالخاء المعجمة بمعنى ممسوخ العين ونسب قائله إلى التصحيف وقال ابن دحية في مجمع البحرين أنه خطأ وضبطه. بعضهم بفتح الميم وإسكان السين وكسر الياء وقال أبو عبيدة أظنه بالشين المعجمة كما تنطق به اليهود ثم عرب وأما عيسى فقيل لأن الله مسحه أي خلقه مليحًا وقيل لأنه لا يمسح مريضًا إلَّا برأ وقيل لأنه كان يمسح الأرض أي يقطعها بسياحته وقيل لأنه خرج من بطن أمه ممسوحًا بالدهن وقيل لأن زكريا مسحه وقيل لأن رجله كانت لا أخمص لها وقيل للبسه المسوح جمع أمسح وقيل أنه بالعبرانية ماشيح فعرب بالمسيح وقيل لأن المسيح الصديق. قوله: (الدجالِ) أي المبالغ في الكذب بادعائه الإحياء والإماتة وغيرهما مما يقطع كل عاقل فضلًا عن مؤمن بكذبه فيه لكن لما سخر له بعض الجوامد عظمت فتنته واشتدت بليته حتى أنذر به كل نبي أمته واستعاذ - صلى الله عليه وسلم - من فتنته حثًّا لنا على الاستعاذة منها فإنه لا يسلم منها إلَّا الفذ النادر أعاذنا الله منها بمنه وكرمه، قال القاضي عياض استعاذته - صلى الله عليه وسلم - من هذه الأمور مع أنه عصم منها إنما هو ليلتزم خوف الله والافتقار إليه والاقتداء به ولا يمتنع تكرير الطلب مع تحقق الإجابة إذ فيه تحصيل الحسنات ورفع الدرجات وليبين لهم صفة الدعاء في الجملة اهـ، وأجاب بعضهم عن استعاذته من فتنة الدجال أنه قال ذلك قبل أن يعلم أنه لا يدركه ويدل له قوله - صلى الله عليه وسلم - أن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه أو أنه أراد به تعليمنا أو أنه تعوذ منه لأمته. قوله: (ورَواهُ مسلِم منْ طرُقٍ كثيرَةٍ. وفي روَايةٍ منها) قال الحافظ

"إذا تَشَهَّدَ أحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بالله مِنْ أرْبعٍ، يَقُولُ: اللهُم إني أعُوذُ بكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَاب القَبْر، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيا والمَمَاتِ، وَمِنْ شرِّ فِتْنَةِ المَسِيَح الدَّجَّالِ". وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو في الصلاة: "اللهُم إني أعُوذُ بكَ مِنْ عَذَاب القَبْرِ، وأعُوذُ بكَ مِنْ فِتْنَةِ المَسيح الدَّجَّالِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيا والمَماتِ، اللهُم إني أعُوذُ بِكَ مِنَ المأثَم والمَغْرَم". ـــــــــــــــــــــــــــــ طرقه عند مسلم سوى ما تقدم ثلاثة ليس فيها شيء بقيد التشهد وليس فيها بلفظ الأمر إلا روايته عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عوذوا بالله من عذاب القبر عوذوا بالله من فتنة المحيا والممات عوذوا باللهِ من فتنة المسيح الدجال وأخرجه بهذا اللفظ النسائي اهـ. قوله: (إِذَا تشهَّدَ) أي فرغ من التشهد والمراد الأخير لما في الحديث قبله وبه يندفع قول ابن دقيق العيد أنه عام في التشهد الأول والأخير ومن خصه بالأخير لا بد له من دليل راجح وإن كان نصًّا فلا بد من صحته اهـ. قوله: (وَرَوَينَا في صحيحي البخارِي ومسلم) قال في السلاح ورواه أبو داود والنسائي وقال الحافظ بعد تخريجه وزاد فيه ما سيأتي قريبًا وأخرجه أحمد. قوله: (وأَعوذُ بكَ منْ فتْنةِ المحيَا والمماتِ) هذا تعميم بعد تخصيص على طريق اللف والنشر المشوش لأن عذاب القبر دخل تحت فتنة الممات وفتنة الدجال دخلت تحت فتنة الحياة وقال ابن دقيق العيد فتنة المحيا ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات والمحن والبليات. فإن قلت لم تقدم مع ذكر الخاص ما يتعلق بالآخرة وهو عذاب القبر ومع ذكر العام ما يتعلق بالدنيا وهو فتنتها. قلت لأنه لا يلزم من السلامة من عذاب القبر السلامة من سائر فتن الآخرة ولا يلزم من السلامة من فتنة الدجال السلامة من سائر فتنة الدنيا فكانت فتنتها أهم بالذكر لأنه لم يسبق ما يغني عنها بخلاف فتنة القبر فقد سبق ما يغني عنها كما تقرر فافهمه. قوله: (أَعوذُ بكَ منَ المأْثم والمغرمِ) وتتمته كما قال فقال له قائل وفي رواية عثمان عن عائشة قالت قلت يا رسول الله ما أكثر ما تستعيذ من المغرم فقال أن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف والمأثم هو الإثم نفسه أو الأمر الذي يأثم به الإنسان من جميع العصيان أو ما فيه الإثم ولا بدع في سؤال

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غير النبي السلامة من ذلك لأنه وإن لم يعصم فقد يحفظ والفرق أن العصمة يستحيل معها الإثم بخلاف الحفظ فمن ثم كانت العصمة للأنبياء والحفظ لبعض الأولياء والمغرم أي غرم المال في المعاصي أو الاستدانة لمعصية أو لطاعة مع العجز عن وفائه قيل أما استدانته لحاجته مع القدرة على الوفاء فلا يستعاذ منها اهـ، ولا مانع من الإطلاق فإنه قد يكون كذلك فيموت ولا يوفي عنه ورثته فتصير نفسه محبوسة عن مقامها الكريم لما في الحديث الصحيح نفس المؤمن مرهونة بدينه حتى يقضي عنه دينه وإن قيل محله في الاستدانة للمعصية أو فيمن لم يخلف تركة أو المراد بالمغرم ما يلزم الإنسان أداؤه بسبب جناية أو معاملة ونحوه ويدل لكون المراد الدين وأنه على العموم في تتمة الحديث فقال له قائل الخ. كذا قال ابن حجر في شرح المشكاة وخالفه الجمهور في ذلك وفي شرح العمدة لا مخالفة بين هذا الحديث وحديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنه مرفوعًا أن الله مع المدين حتى يقضى دينه لكن ما لم يكن فيما يكره الله لأن حديث النهي فيمن استدان فيما يكره الرب تعالى أو لا يريد المستدين قضاءه والإباحة في الاستدانة فيما يرضي الرب ويريد المستدين قضاءه مع قدرته على ذلك فالله يكون في عونه على قضائه فإن مات قبله يرضى غريمه من كرمه وقد روى البيهقي في شعب الإيمان عن القاسم مولى معاوية أنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال من تداين بدين وهو يريد أن يقضيه حريص على أن يؤديه فمات ولم يقض دينه فإن الله تعالى قادر على أن يرضي غريمه بما شاء من عنده ويغفر للمتوفى ومن تداين بدين وهو لا يريد أن يقضيه فمات على ذلك ولم يقض دينه يقال له أظننت أنا لا نوفي فلانًا حقه منك فيؤخذ من حسناته فيجعل زيادة في حسنات رب الدين فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات رب الدين فجعل في سيئات المطلوب اهـ. واستعاذته - صلى الله عليه وسلم - من الدين الذي لا يطيق قضاءه وإلا فقد توفي - صلى الله عليه وسلم - ودرعه مرهونة عند يهودي فعلم أن الحالة التي استعاذ منها غير التي رخص فيها وقد استدان عمر وهو خليفة وقال لما طعن انظروا كم عليّ من الدين فحسبوه فوجدوه ثمانين ألفًا فأكثر وكان على الزبير دين كثير فما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من استدانتهم دليل واضح على أن اختلاف الأمر في ذلك كان علامة على اختلاف حال المستدين اهـ، وأجاب ابن حجر عن

وروينا في "صحيح مسلم" عن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: "اللهُم اغْفِرْ لي ما قدَّمْتُ ومَا أخَّرْتُ، ومَا أسْرَرْتُ وَمَا أعْلَنْتُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستدلال باستدانته - صلى الله عليه وسلم - بأن محل الحبس لمن مات مدينًا في غير الأنبياء على أن كثيرين قالوا إن شرط حبس النفس فيه ألا يخلف المدين وفاء له وإلا يستدينه لطاعة ويصرفه فيها وإلا فلا حبس وبالجملة فالمأثم إشارة إلى حق الله والمغرم إلى حق العباد. قوله: (وَرَوَينَا في صحيح مُسلم) ورواه أبو داود والترمذي والنسائي كلهم عن علي رضي الله عنه كذا في السلاح قال الحافط وهذا طرف من حديثه الطويل المشتمل على دعاء الافتتاح وغيره قال ووجدت لحديث علي شاهدًا من حديث أبي هريرة لكنه مطلق ولفظه قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو يقول اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت فذكر مثل حديث علي سواء لكن زاد في رواية "إنك" قبل أنت المقدم وقال في رواية حديث وإسرافي بدل وما أسرفت قال الحافظ حديث حسن أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد والترمذي قال ووقع بعض هذا الدعاء في حديث ابن عباس الطويل في القول عند صلاة الليل وفي آخره فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت إلهي لا اله إلَّا أنت اهـ. قوله: (اللَّهم أغفر لي الخ) اختلف المحققون في سبب كثرة الاستغفار فقال بعضهم سببه فترات وغفلات عن الذكر الذي كان دأبه فكان يستغفر من تلك الغفلات وقيل كان سبب ما اطلع عليه من أحوال أمته وما يكون منها بعده فكان يستغفر لهم وقيل كان ذلك لما يشغله من النظر في أمور أمته ومصالحهم ومحاربة عدوه عن عظيم مقامه فكان يري ذلك وإن كان من أعظم الطاعات وأفضل الأعمال نزولًا عن علو درجته ورفعة مقامه فيستغفر ربه وقيل كان استغفاره وتضرعاته ودعواته وتعويذاته قيامًا بحق الوظيفة العبودية واعترافًا بحق الربوبية لتقتدي به أمته - صلى الله عليه وسلم - فتستجاب دعوتهم وتقبل توبتهم وقيل كان ذلك لمعنى لطيف أشار إليه بعض الفضلاء وهو استدعاء محبة الله قال تعالى أن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين وهذه الأجوبة جارية في استغفار سائر الأنبياء وتضرعاتهم صلوات الله وسلامه على نبينا وعليهم أجمعين كذا رأيته في منسك لبعض المالكية وهو كلام نفيس. قوله: (وما أخرت) قال في الحرز أي من الأعمال

وَما أسْرَفْتُ، ومَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أنْتَ المُقَدِّمُ وأنْتَ المُؤَخِّرُ، لا إلهَ إلَّا أنْتَ". وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم"، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، ـــــــــــــــــــــــــــــ السيئة التي تبقى آثارها أو ما أخرت بأن تركت أفعالها من الأعمال الواجبة اهـ. أو ما أخرت أي ما سيقع مني في الزمن المستقبل من المخالفة قال الأسنوي في شرح المنهاج بعد أن نقل عن أبي الوليد النيسابوري أن المراد بالتأخير إنما هو بالنسبة إلى ما وقع لأن الاستغفار قبل الذنب محال ما لفظه ولقائل أن يقول المحال طلب مغفرته قبل وقوعه أما الطلب قبل الوقوع أن يغفر إذا وقع فلا استحالة فيه اهـ. قال بعضهم وإذا علم أن الله تعالى مالك كل شيء له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى لم يمتنع أن يعطي من شاء ما شاء وأما ما ورد في بعض الأعمال أنها سبب لغفران ما تأخر من الذنب كقيام ليلة القدر وصيام يوم عرفة ففي المجموع نقلًا عن الحاوي ما معناه إما غفران ما يقع فيه وإما العصمة عن وقوع ذنب فيه وعن السرخسي أن هذين قولان للعلماء وقال الحافظ ابن حجر في رسالة الخصال المكفرة للذنوب المتقدمة والمتأخرة أن الأئمة تكلموا على قوله - صلى الله عليه وسلم - في أهل بدران الله اطلع عليهم فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم أن المراد أن كل عمل يعمله البدري لا يؤاخذ به لهذا الوعد الصادق وقيل المعنى أن أعمالهم السيئة تقع مغفورة لهم فكأنها لم تقع وقيل أن ذلك على أنهم حفظوا فلا يقع من أحدهم سيئة اهـ. وفي فتح الباري المراد غفران ذنوبهم في الآخرة وإلَّا فلو وجب على أحدهم حد مثلًا لم يسقط في الدنيا وقال في الرسالة السابقة وحديث صوم يوم عرفة وإن كان مقيدًا بسنة واحدة لكنه دال على جواز التكفير قبل الذنب فهو من شواهد صحة ذلك ثم ذكر أدلة أخرى تشهد بذلك والله أعلم. قوله: (ومَا أَسْرَفْت) أي على نفسي بارتكاب المعاصي القاصرة أو المظالم المتعدية وهو تعميم بعد تخصيص. قوله: (أَنْتَ المقَدِّمُ) أي لمن تشاء بالتوفيق والمعونة. قوله: (وأَنتَ المُؤخِّرُ) أي لمن تشاء بالخذلان وترك النصرة وسبق بسط ما يتعلق بهاتين الجملتين فيما يقول إذا قام للتهجد. قوله: (وَرَوَينَا في صحيحي البخَاريِّ ومسلِم الخ) وكذا رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ولفظهم واحد قال الحافظ وفي سنده لطيفة تابعيان في نسق أي هما يزيد بن أبي حبيب وشيخه

عن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم: أنه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: علمني دعاء ـــــــــــــــــــــــــــــ في الحديث أبو الخير الراوي عن عبد الله بن عمرو قال وصحابيان في نسق أي عبد الله بن عمرو وأبو بكر عبد الله الصديق ففيه رواية الإقران في موضعين هكذا رواه الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير الخ. وخالفه عمرو بن الحارث وابن لهيعة فجعلاه من مسند عبد الله بن عمرو ولفظهما عن يزيد عن أبي الخيرانة سمع عبد الله بن عمرو يقول إن أبا بكر الصديق قال يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي زاد يونس بن عبد الأعلى وفي بيتي قال فذكر بقية الحديث مثله سواء أخرجه البخاري ومسلم والنسائي لم يذكر البخاري ابن لهيعة ومسلم والنسائي كنيا عنه ولفظ مسلم أخبرني رجل سماه وعمرو بن الحارث ولفظ النسائي أخبرني عمرو بن الحارث وذكر آخر قبله وأخرجه أبو عوانة في صحيحه اهـ. قوله: (عَنْ أَبِي بكْرِ الصدِّيقِ) هو أبو بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي الصديق الأكبر خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصهره ورفيقه في الغار وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة وهو أول من أسلم من الرجال وأول أمير أرسل على الحج وأول من جمع القرآن بين اللوحين وأول خليفة عهد بالخلافة أسلم على يده خمسة من العشرة المبشرة بالجنة هم عثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن وأمه أم الخير سلمى بنت صخر وأسلم أبواه وتأخر وفاة أبيه بعده ومات في خلافة عمر في المحرم سنة أربع عشرة وشهد أبو بكر المشاهد كلها وهاجر وترك ماله وأولاده وعياله ولد بعد الفيل بثلاث سنين تقريبًا وقيل بسنتين وثلاثة أشهر وروي له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما قيل مائة واثنان وأربعون حديثًا اتفقا منها على ستة وانفرد البخاري بأحد عشر ومسلم بحديث واحد واستخلف بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الثلاثاء ثالث عشر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة وهو أفضل الصحابة مطلقًا وعتيق الله من النار كما جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي من حديث عائشة وفي الصحيحين سئل - صلى الله عليه وسلم - أي الناس أحب إليك قال عائشة فقيل من الرجال قال أبوها وفيهما أيضًا قصة الغار فيها يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما وفيهما أيضًا لو كنت متخذًا خليلًا لاتخذت أبا بكر ولكن أخي وصاحبي وفي البخاري

أدعو به في صلاتي، قال: "قُلْ: اللهُم إني ـــــــــــــــــــــــــــــ القصة التي فيها أنه كان بينه وبين عمر شيء وأنه أتى إلى عمر وسأله أن يغفر له فأبى عليه فأقبل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثًا وأخرج أبو داود عن أبي هريرة مرفوعًا أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي وأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - حين مرض أن يصلي بالناس وفي الغيلانيات من طريق مالك بن مغول عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه عن علي خيرنا بعد نبينا أبو بكر ثم عمر وأخرج الترمذي والطبراني عن ابن عمر مرفوعًا أنا أول من تنشق الأرض عنه ثم أبو بكر ثم عمر وفي الحلية لأبي نعيم عن أنس مرفوعًا اللهم اجعل أبا بكر يوم القيامة معي في درجتي الحديث في قصة الغار وفضائله كثيرة جدًّا ويكفيه من الفضائل أن عمر حسنة من حسناته كما أخرجه يعلى عن عمار بن ياسر مرفوعًا وأفردت ترجمته في مجلدة ومات رضي الله عنه شهيدًا من سم أكله أخرج ابن الأثير في أسد الغابة عن عقيل بن شهاب أن أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلان حريرة أهديت لأبي بكر فقال الحارث لأبي بكر ارفع يدك يا خليفة رسول الله والله أن فيها لسم سنة وأنا وأنت نموت في يوم واحد قال فرفع يده فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد عند انقضاء السنة اهـ. وقيل مات كمدًا على فراقه - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين وقيل يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وله ثلاث وستون سنة على الصحيح وصلى عليه عمر ودفن في الحجرة الشريفة رضي الله عنه. قوله: (أَدْعُو بِهِ في صلاتي) أي في الموضع اللائق بالدعاء شرعًا وهو السجود لقوله - صلى الله عليه وسلم - وأما السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء وبعد التشهد لقوله - صلى الله عليه وسلم - ثم ليتخير من المسألة ما شاء قال ابن دقيق العيد لم يبين في الحديث محل الدعاء ولعل الأولى أن يكون في أحد موطنين إما في السجود وإما بعد التشهد ولعله يترجح الثاني بظهور العناية بتعليم دعاء مخصوص في هذا المحل وقال الفاكهاني في هذا الترجيح نظر والأولى الجمع بينهما في المحلين المذكورين قال ابن الملقن ويؤيد ما قاله ابن دقيق العيد احتجاج البخاري والنسائي والبيهقي وغيرهم بهذا الحديث للدعاء في آخر الصلاة كما قال المصنف كما سيأتي وهو استدلال

ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ صحيح فإن قوله في صلاتي يعم جميعها ومن مظان الدعاء في الصلاة هذا الموطن اهـ. ووجه الكرماني أيضًا بأن لكل مقام ذكرًا مخصوصًا فتعين أن يكون مقامه بعد الفراغ من الكل وهو آخر الصلاة وتعقبه في فتح الباهري بأن البخاري بوب عليه بأن الدعاء قبل السلام وهو يصدق على جميع أركان الصلاة كما جزم به ابن المنير فيطالب بدليل اختصاص الدعاء بهذا المحل وقال ابن الجوزي في كشف المشكل أولى المواضع به بعد التشهد ورجح بعضهم السجود عليه لشرفه وللإجماع على ركنيته وفي هذا اللفظ إشعار بأن أمور الصلاة توقيفية فيترجح به مقالة الحنفية من أنه لا يدعى في الصلاة بغير الوارد وما أشبهه وأجيب بأنه على سبيل الأولوية إلّا الوجوب لحديث ابن مسعود ثم ليتخير من المسألة ما شاء. قوله: (ظَلمْتُ نَفْسي) أي بملابسة ما يوجب العقوبة أو ينقص حظها وأصل الظلم وضع الشيء في غير محله وهو على مراتب أعلاها الشرك والنفس يذكر ويؤنث واختلف هل النفس هي الروح أم لا قال ابن الملقن الظاهر أن المراد بالنفس هنا الذات المشتملة على الروح أي ظلمتها بوضع المعاصي موضع الطاعات وجزم به البرماوي. قوله: (ظلمًا كَثِيرًا) أكد بالمصدر ووصفه تحقيقًا لدفع المجاز وفي شرح العمدة لابن جمعان في الحديث دليل على تكذيب مقالة من زعم أنه لا يستحق اسم الإيمان إلَّا من كان لا خطيئة له ولا جرم وزعموا أن أهل الإجرام غير مؤمنين وإن سائر الذنوب كبائر وذلك أن الصديق أفضل الصديقين من أهل الإيمان وقد أمره الشارع أن يقول ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا الخ. وفيه دليل على أن الواجب على العبد أن يكون على حذر من ربه في كل أحواله وإن كان من أهل الاجتهاد في عبادته في أقصى غاية إذ كان الصديق مع موضعه في الدين لم يسلم مما يحتاج إلى استغفار ربه تعالى منه اهـ. قوله: (ولا يَغفِرُ) من الغفر وهو الستر والمعنى أنه سأل أن يجعل ساتر بينه وبين الذنب أن لم يوجد وبينه وبين ما يترتب عليه من العقاب واللوم أن وجد قال القلقشندي وبهذا التقرير يندفع الإشكال في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمغفرة مع عصمته وفيه نظر بالنسبة للشق الأخير لأن فيه إثبات الذنب وطلب الستر في العقاب المرتب عليه والأحسن ما تقدم قريبًا من الأجوبة عن ذلك. قوله: (الذُّنُوبَ) هو جمع ذنب وهو الجرم مثل فلس

إلّا أنْتَ، فاغفِرْ لي مَغْفِرةً مِنْ عِنْدِكَ، وارْحَمْني إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرحِيمُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وفلوس يقال أذنب يذنب والذنب اسم مصدر والأذناب مصدر لكنه لا يستعمل. قوله: (إلا أَنْتَ) فيه إقرار بالوحدانية له تعالى واستجلاب المغفرة وهذا كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا اللَّهُ} [آل عمران: 135]، وفي الآية الحث على الاستغفار قيل كل شيء أثنى الله على فاعله فهو أمر به وكل شيء ذم فاعله فهو نهي عنه. قوله: (فاغْفرْ لي) قال القلقشندي قال بعضهم هو أرجح في الاستغفار من قوله استغفرك لأنه إذا قال ذلك ولم يكن متصفًا به كان كاذبًا وضعف بأن السين فيه للطلب فكأنه قال اطلب مغفرتك وليس المراد الإخبار بل الإنشاء للطلب فكأنه قال اغفر لي سيما وقد ورد في الشرع صيغة استغفر أمرًا وفعلًا فيتلقى ما جاء عن الشارع بالقبول اهـ. وسيأتي لهذا المقام مزيد في كتاب الاستغفار آخر الكتاب. قوله: (مغْفرَةً منْ عنْدِكَ) قال ابن الجوزي معناه هب لي المغفرة تفضلًا وإن لم أكن أهلًا لها بعملي وذكره ابن دقيق العيد وقال أنه أحسن مما بعده أعني كونه إشارة إلى التوحيد المذكور كأنه قال لا يفعل هذا إلّا أنت فافعله لي أنت اهـ. قيل وظهر من هذا أن تقييد المغفرة بكونها من عنده تعالى وهي لا تكون إلا كذلك للتأكيد وقال الطيبي دل التنكير في قوله مغفرة على أن المطلوب غفران عظيم لا يدرى كنهه ووصفه بكونه من عنده سبحانه لأنه الذي يكون من عنده لا يحيط به وصف وتبعه الكرماني وحاصله أنه طلب مغفرة خاصة في غاية الجلالة والعظمة ترفعه إلى أعلى ما يليق به من مقامات القرب من حضرة الحق ولذا عقبه بطلب الرحمة العامة الشاملة لكل ما يلائم النفس واتبعه بقوله وارحمني الخ. قوله: (إِنكَ أَنْتَ الغَفورُ الرحِيمُ) بكسر همز إن على الاستئناف البياني المشعر بتعليل ما قبله ويجوز الفتح وسبق بيان وجهيهما في بيان ما يقول إذا استيقظ في الليل وأنت لتأكيد الكاف ويجوز أن يكون للفصل والاسمان وصفان للمبالغة ذكرًا ختمًا للكلام على جهة المقابلة لما تقدم فالغفور لقوله اغفر لي والرحيم لقوله ارحمني قال ابن حجر في شرح المشكاة يؤخذ منه أن من أدب الدعاء أن يختم بما يناسبه من أسمائه تعالى لما فيه من التفاؤل بحصول المطلوب والتوسل بما يوجب تعجيل إجابته وحصول طلبته اهـ، وفي الحرز هذا الدعاء من الجوامع لأنه في الاعتراف بغاية التقصير وطلب غاية

هكذا ضبطناه: "ظُلْمًا كثيرًا" بالثاء المثلثة في معظم الروايات، وفي بعض روايات مسلم: "كَبِيرًا" بالباء الموحدة، وكلاهما حسن، فينبغي أن يجمع بينهما فيقال: "ظُلْمًا كَثيرًا كَبِيرًا". وقد احتج البخاري في "صحيحه"، والبيهقي، وغيرهما من الأئمة بهذا الحديث على الدعاء في آخر الصلاة، وهو استدلال صحيح، فإن قوله: في صلاتي، يعم جميعها، ومن مظان الدعاء في الصلاة هذا الموطن. ـــــــــــــــــــــــــــــ الإنعام فالمغفرة ستر الذنوب ومحوها والرحمة إيصال الخيرات ففي الأول طلب الزحزحة عن النار وفي الثاني طلب إدخال الجنة وهذا هو الفوز العظيم اهـ. قوله: (هكذَا ضبطنَاهُ الخ) قال الحافظ بين مسلم أن رواية كبيرًا بالموحدة عنده من رواية محمد بن رمح عن الليث قال الحافظ ولم يقع عنده ولا عند غيره ممن ذكرنا إلَّا بالمثلثة نعم أخرجه أحمد من وجه عن ابن لهيعة وصرح أنه عنده بالموحدة اهـ. قوله: (فينبغِي أَن يْجمَعَ بَينَهمَا الخ) اعترضه العز بن جماعة وتبعه الزركشي وغيره بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم ينطق بهما كذلك وإنما يجمع بين الروايتين بأن يقال هذا مرة وهذا أخرى والاتباع إنما يحصل بذلك لا بالجمع اهـ. ويرد بأن أحدهما نطق به - صلى الله عليه وسلم - يقينًا أو ظنًّا والآخر يحتمل أن الراوي رواه بالمعنى وإن فرض أنه بعيد فلرعاية هذا الاحتمال ندب الجمع بينهما في كل مرة ليتحقق النطق بما نطق به - صلى الله عليه وسلم - وإنما ذكر هذا مرة وهذا مرة فيلزم عليه أنه في إحدى المرتين نطق بغير ما نطق به - صلى الله عليه وسلم - فظهر أن الجمع في كل مرة أولى لسلامته من ذلك الاحتمال. فإن قلت لا يحتاج إلى ذلك ويحمل اختلاف الروايتين على أنه - صلى الله عليه وسلم - نطق بكل منهما فالنطق بكل منهما سنة وإن لم ينطق بالأخرى فلا يحتاج للجمع ولا أن يقول هذا مرة وهذا مرة. قلت هو محتمل لكن ما ذكره أحوط فقط لاحتمال أن إحدى الروايتين بالمعنى وإن كان بعيدًا كيف وقد قال المصنف في شرح مسلم في قول ابن الصلاح في رواية تقديم الحج على الصوم في خبر بني الإسلام على خمس يحتمل أنها رواية بالمعنى وهذا ضعيف إذ لو فتح باب احتمال التقديم والتأخير في مثل هذا قدح في الرواة والروايات فإنه لو فتح ذلك لم يبق لنا وثوق بشيء من الروايات إلَّا القليل ولا يخفى بطلان هذا

وروينا بإسناد صحيح في سنن أبي داود، عن أبي صالح ذكوان، عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لرجل: "كيْفَ تَقُول في الصَّلاةِ؟ " قال: أتشهَّد وأقول: اللهُم إني أسألكَ الجَنَّةَ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، أما إني لا أحسن دَنْدَنَتَكَ وَلَا دَنْدَنَةَ معاذ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ـــــــــــــــــــــــــــــ وما يترتب عليه من المفاسد وتعلق من يتعلق به ممن في قلبه مرض ولأن الروايتين قد ثبتتا في الصحيحين وهما صحيحتا المعنى لا تنافي بينهما اهـ. ملخصًا وبتأمله يعلم قوة ما ذكر من أن النطق بكل منهما سنة وأنه لا يحتاج إلى الجمع المذكور لا لمجرد الاحتياط قاله بعض المحققين وهو مؤيد لابن مالك فيما سبق من إثبات القواعد النحوية بالأحاديث النبوية والله أعلم. قوله: (وَرَوَينَا بإسنَادٍ صحيحٍ في سُننِ أَبي دَاوُدَ) وفي السلاح رواه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه وأبو صالح اسمه ذكوان وقال الحافظ هذا حديث صحيح أخرجه أبو داود عن عثمان بن أبي شيبة عن حسين بن علي عن زائدة عن الأعمش عن أبي صالح عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره قال الحافظ وقد رواه جرير عن الأعمش فعين الصحابي ثم أخرج الحافظ من طريقه فقال بسنده إلى جابر عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة فذكر مثل الرواية المذكورة سواء إلّا أنه قال أسأل الله الجنة وأعوذ بالله من النار قال الحافظ وهكذا أخرجه ابن خزيمة في صحيحه وابن ماجة وعجبت للشيخ كيف أغفل التنبيه على ذلك مع كثرة نقله عن ابن ماجة وحرصه على تبيين المبهم وقد ذكر الدارقطني في العلل الاختلاف فيه على الأعمش ورجح رواية زائدة أي التي فيها إبهام الصحابي قال الحافظ والعلم عند الله اهـ. قوله: (أَصْحابِ النبِي - صلى الله عليه وسلم -) هو أبو هريرة كما رواه عنه ابن ماجة وخرجه الحافظ. قوله، : (قَال لرَجلٍ) قال في السلاح قال الخطيب هو سليم الأنصاري السلمي اهـ. قال في أسد الغابة سليم الأنصاري السلمي من بني سلمة شهد بدرًا وقتل يوم أحد قاله ابن منده وأبو نعيم ونسباه فقالا سليم بن الحارث بن ثعلبة السلمي ثم أسند إلى معاذ أن رجلًا من بني رفاعة بن سلمة يقال له سليم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله إن معاذًا يأتينا بعدما ننام ونكون في أعمالنا بالنهار

"حَوْلَها نُدندن". الدندنة: كلام لا يفهم معناه، ومعنى: "حولها ندندن" أي: حول الجنة ـــــــــــــــــــــــــــــ لينادي بالصلاة فنخرج إليه فيطول علينا في الصلاة فقال - صلى الله عليه وسلم - يا معاذ لا تكن فتانًا إما أن تصلي معي واما أن تخفف على قومك ثم قال يا سليم ماذا معك من القرآن قال معي أني أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار ما أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهل دندنتي ودندنة معاذ إلَّا أنا نسأل الله الجنة ونعوذ به من النار قال سليم سترون غدًا إذا لقينا القوم إن شاء الله تعالى والناس يتجهزون إلى أحد فخرج فكان في الشهداء ذكر هذا الثلاثة يعني ابن منده وأبو نعيم وابن عبد البر وزاد ابن منده عليهما أنه روي عن ابن إسحاق في هذه الترجمة فيمن شهد بدرًا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بني دينار بن النجار ثم من بني مسعود بن عبد الأشهل سليم بن الحارث بن ثعلبة وروي أيضًا فيها عن ابن إسحاق فيمن قتل يوم أحد من بني النجار سليم بن الحارث وأفاد أن الذي قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - عن صلاة معاذ هو الذي ذكر عن ابن أبي إسحاق أنه شهد بدرًا وقتل يوم أحد وظنهما ابن عبد البر اثنين فجعلهما ترجمتين هذه إحداهما والثانية قال فيها سليم الأنصاري ونسب الثاني إلى دينار بن النجار وذكر في هذه الترجمة حديث معاذ وفي الثانية أنه قتل يوم أحد وأظن أن الحق معه فإن ابن منده قضى على نفسه بالغلط فإنه قال في صلاته مع معاذ إن رجلًا من بني سلمة يقال له سليم وذكر عن المقتول بأحد والذي شهد بدرًا أنه من بني دينار بن النجار فليس الشامي للعراقي برفيق فإن بني سلمة لا يجتمعون مع بني دينار بن النجار إلّا في الخزرج الأكبر فإن بني سلمة من ولد جشم بن الخزرج والنجار هو ثعلبة بن مالك بن الخزرج ومما يقوي أن المصلي من بني سلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجعل في كل قبيلة رجلًا منهم يصلي بهم ومعاذ بن جبل ينسب في بني سلمة وكان يصلي بهم وهذا سليم أحدهم اهـ. قوله: (حَوْلها) الضمير فيه ضمير الواحدة الغائبة وهو ما في السنن عائد للجنة أي في طلبها ندندن ومنه دندن الرجل إذا اختلف في مكان واحد مجيئًا وذهابًا وظاهر قول المصنف في بعض النسخ حولهما ندندن أي حول الجنة والنار الخ، أن الضمير فيه ضمير الاثنين. قوله: (الدَّندَنةُ الخ) قال في النهاية الدندنة أن يتكلم الرجل بالكلام تسمع نغمته ولا يفهم وهو أرفع من الهينمة قليلًا وفي السلاح نقلًا عن الهروي عن أبي عبيد

والنار، أو حول مسألتهما، إحداهما سؤال طلب، والثانية سؤال استعاذة، والله أعلم. ومما يستحبُّ الدعاء به في كل موطن: اللهم إني أسألك العفو والعافية، اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ كذلك قال وهو مثل الهينمة والهتملة إلَّا أنها أرفع قليلًا منهما اهـ. قوله: (اللَّهم إِنِّي أَسأَلُكَ العفْوَ والعافيةَ) قال الحافظ هو من حديث أنس والذي بعده من حديث ابن مسعود وقد ذكرهما الشيخ آخر الكتاب في باب جامع الدعوات مفرقين وسيأتي الأول قريبًا من حديث ابن عمر باللفظ الذي ذكره أولًا أما لفظه الذي ذكره في جامع الدعوات فبصيغة الأمر قال - صلى الله عليه وسلم - لرجل سل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة اهـ. قوله: (اللَّهم إِني أَسأَلُكَ الخ) رواه مسلم والترمذي وابن ماجة عن ابن مسعود وسيأتي عزوه في كتاب جامع الدعوات إلى صحيح مسلم قال الترمذي يعني بالهدى الهداية إلى الصراط المستقيم والتقى يعني به الخوف من الله والحذر من مخالفته ويعني بالعفاف الصيانة عن مطالع الدنيا وبالغنى غنى النفس وقال المصنف العفة والعفاف هو التنزه عما لا يباح والكف عنه والاستغناء عن الناس وعما في أيديهم وقال الطيبي أطلق الهدى والتقي ليتناول كل ما يتقى من أمر المعاش والمعاد ومكارم الأخلاق وكل ما يجب التوقي منه من الشرك والمعاصي ورذائل الأخلاق وطلب العفاف والغنى تخصيص بعد تعميم وقال غيره العفاف التنزه والكف عما لا يباح والغنى غنى النفس والاستغناء عما في أيديهم وقال زين العرب الهدى الرشاد والدلالة والعفاف هنا قيل الكفاف والغنى غنى النفس اهـ. نقله عنه العلقمي في شرح الجامع الصغير ثم يستفاد من هذه الأحاديث وغيرها أنه يتأكد على كل مصلٍّ إلَّا الإمام حيث لم يرضوا بتطويله نظير ما مر الدعاء سرًّا بعد الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - وقبل السلام لنفسه قال بعض أئمتنا وللمؤمنين والمؤمنات بما أحب والمتعلق بالآخرة أولى لأنه المقصود الأعظم وإنما يباح الدينوي أن أبيح وإلا حرم وأبطل الصلاة، واعترض قول أئمتنا يسن الجمع بين الأدعية المأثورة أي ما لي يخف وقوعه في سهو على خلاف فيه بأن الجمع لم يرد بل ينبغي أن يقال هذا مرة، وهذا مرة وتقدم آخر أذكار الركوع

باب السلام للتحلل من الصلاة

باب السلام للتحلل من الصلاة اعلم أن السلام للتحلل من الصلاة ركن من أركان الصلاة وفرض من فروضها لا تصح إلا به، هذا مذهب الشافعي، ومالك، وأحمد، وجماهير السلف والخلف، والأحاديث الصحيحة المشهورة مصرَّحة بذلك. ـــــــــــــــــــــــــــــ ما يرد ذلك وينبغي أن يجتهد في الدعاء في صلاة الصبح لقوله - صلى الله عليه وسلم - سلوا الله حوائجكم في صلاة الصبح رواه أبو يعلى في مسنده. باب السلام للتحلل من الصلاة قيل معنى السلام عليكم التعويذ بالله والتخصيص به سبحانه فإن السلام من أسمائه وتقديره الله حفيظ عليكم وقيل معناه السلامة والنجاة لك فيكون مصدرًا كاللداد واللداذة كما قال تعالى {فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة: 91] أي سلامة لكل يا محمد فلا تهتم فإنهم سلموا من عذاب الله وأنت ترى فيهم ما تحب من السلام. قوله: (أعلم أَن السَّلامَ الخ) من الأحاديث حديث عامر بن سعد عن أبيه قال كنت أرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسلم عن يمينه وعن يساره حتى أرى بياض خديه وحديث ابن مسعود كان - صلى الله عليه وسلم - يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده الأيمن وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده الأيسر ومن هذا مع قوله - صلى الله عليه وسلم - صلوا كما رأيتموني أصلي وخبر مسلم تحريمها التكبير وتحليلها التسليم أخذ الشافعي وأكثر العلماء أن السلام ركن من أركان الصلاة لا تصح إلّا به كذا في شرح المشكاة لابن حجر والمعروف في حديث تحريمها التكبير الخ. وهو من حديث علي رضي الله عنه أنه رواه أبو داود والترمذي والشافعي وغيرهم بإسناد صحيح ورواه الحاكم على شرط مسلم ولم يذكروا فيمن خرجه مسلم ولعله سبق القلم من الشيخ المذكور في عزوه لمسلم والله أعلم، وأما قول ابن مسعود أنه - صلى الله عليه وسلم - لما علمه التشهد قال له إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد

واعلم أن الأكمل في السلام أن يقول عن يمينه: "السلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله" وعَنْ يَسارِهِ: "السلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ"، ولا يستحبُّ أن يقول معه: وبركاته، لأنه خلاف المشهور عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان ـــــــــــــــــــــــــــــ رواه أبو داود فابن مسعود هو القائل إن شئت الخ، باتفاق الحفاظ وإن سلم أنه من الحديث فمعنى قضيت قاربت أو قضيت معظمها وأما خبر إذا رفع الإمام رأسه من آخر ركعة وقعد ثم أحدث قبل أن يتكلم فقد تمت صلاته فضعيف وإن صح حمل على ما بعد التسليمة الأولى جمعًا بينه وبين خبر وتحليلها التسليم السابق وأما خبر عمرو بن العاص إذا أحدث وقد قعد في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته رواه أبو داود والترمذي والبيهقي فقد اتفق الحفاظ على ضعفه لأنه مضطرب أو منقطع ومن رواية عبد الرحمن بن زياد الأفريقي وهو ضعيف بالاتفاق كذا في الخلاصة للمصنف وخبر على موقوفًا عليه إذا جلس قدر التشهد ثم أحدث فقد تمت صلاته فقد اتفقوا على ضعفه كما في الخلاصة. والمعنى في السلام أنه كان مشغولًا عن الناس ثم أقبل عليهم. قوله: (والأَكْملَ أَنْ يقولَ الخ) يبدأ بالسلام فيهما مستقبل القبلة بوجهه ندبًا وبصدره وجوبًا في الأولى وندبًا في الثانية وينهي السلام مع تمام الالتفات بوجهه حتى يرى خده الذي يلي جهة التفاته لا خداه خلافًا لمن زعم أنه كلام الشافعي وذلك للاتباع ويسن أن يدرج سلامه ليتم بتمام التفاته للخبر الصحيح حذف السلام سنة وقد يجب الاقتصار على تسليمة واحدة كأن أحدث أو خرج وقت الجمعة أو انقضت مدة مسح الخف بعد التسليمة الأولى مع تمام الالتفات. قوله: (ورحْمةُ الله) قال في شرح المشكاة يؤخذ من خبر ابن مسعود زيادة ورحمة الله. قوله: (ولا يتُسْحَبُّ أَنْ يَقولَ مَعهُ وبَركاتُهُ) قال في شرح المشكاة هذا هو الصحيح بل الصواب عند الشافعي وأصحابه إلَّا طائفة منهم استحبوا وبركاته أيضًا، ورد عليهم ابن الصلاح بأن ما قالوه شاذ نقلًا ودليلًا رد عليه جمع بأن زيادة وبركاته ثبتت في عدة طرق قالوا فالمختار دليلًا ندبها اهـ. قال الأذرعي في شرح المنهاج صح فيه حديثان أشرت إليهما في

قد جاء في رواية لأبي داود، وقد قال به جماعة من أصحابنا منهم إمام الحرمين ـــــــــــــــــــــــــــــ القنية وغيرها إذ لا يحسن قول المجموع أن الصحيح والصواب خلافه اهـ، وقال في موضع آخر من شرح المشكاة وأما وبركاته فالظاهر أن الشافعي لم يطلع على حديثها ومن ثم اختار جماعة من أصحابنا زيادتها عملًا بالحديث اهـ، وفي التحفة دون وبركاته إلَّا في الجنازة واعترض بأن فيه أحاديث صحيحة اهـ، وحكى السبكي في زيادتها ثلاثة أوجه أشهرها لا ومختاره نعم وثالثها استحبابها في الأولى دون الثانية. قوله: (قدْ جاءَ في رِوَايةٍ الخ) قال في الخلاصة وعن وائل بن حجر رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعن شماله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته رواه أبو داود بإسناد صحيح وأشار بعضهم إلى تضعيفه اهـ. لكن قال الحافظ وأخرجه السراد ولم أر عندهم وبركاته وجاء في رواية أخرجها ابن حبان من طريق سفيان الثوري عن ابن مسعود كان - صلى الله عليه وسلم - يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خديه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أخرجه من تلك الطريق أبو داود لكن لم يذكر فيه وبركاته وكذا أخرجه الترمذي والنسائي من رواية ابن مهدي عن سفيان وأخرجه ابن ماجة عن عبد الله بن نمير وفيه وبركاته قال الحافظ وزادها أبو العباس السراد كابن حبان كلاهما من طريق سفيان الثوري وأخرجه السراد كذلك من طريق أخرى كل هؤلاء في حديث ابن مسعود قال الحافظ فهذه عدة طرق ثبت فيها وبركاته خلاف ما يوهمه كلام الشيخ أنها فردة اهـ. قال الحافظ والأحاديث المشهورة إنما هي في مطلق التسليمتين وقد اجتمع لنا من ذلك نحو العشرين من الصحابة منها في صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص وعن ابن مسعود وسائرها في السنن والمسند وغيرها أما على الكيفية التي هي أكمل أي التي أشار الشيخ إليها بقوله واعلم أن الأكمل الخ، فعن ابن مسعود قال كان - صلى الله عليه وسلم - يسلم عن يمينه وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده منها حديث صحيح أخرجه ابن خزيمة في صحيحه وأخرجه ابن حبان وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وأبو العباس السراد

وزاهر السرخسي والروياني في "الحلية". ولكنه شاذ، والمشهور ما قدمناه والله أعلم. وسواء كان المصلي إمامًا أو مأمومًا أو منفردًا في جماعة، قليلة أو كثيرة، في فريضة أو نافلة، ففي كل ذلك يسلِّم تسليمتين كما ذكرنا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأخرجه ابن ماجة وله طرق متعددة بينها الحافظ قال وزاد ابن حبان والسراد في روايتهما وبركاته اهـ، باختصار. قوله: (زَاخرٌ السرَخْسِيُّ) بالزاي ثم الهاء المكسورة فالراء المهملة والسرخسي بفتح أوليه وإسكان خائه المعجمة بعدها سين مهملة نسبة إلى مدينة سرخس من بلاد خراسان قال في لب اللباب اشتهر بالنسبة إليها كثير. قوله: (الرُّويَانِيُّ) بضم الراء وسكون الواو بغير همز بعدها تحتية وبعد الألف نون ثم ياء نسبة إلى رويان البلدة المعروفة وهي بنواحي طبرستان. قوله: (يُسلم تَسْليمَتَيْن الخ) ورد من طرق الاقتصار على تسليمة واحدة ومن طرق أخرى الإتيان بتسليمة عن اليمين وبتسليمة عن اليسار وحمل أئمتنا الأولى على الجواز والثانية على الأكمل وفي الهدى لابن القيم كان - صلى الله عليه وسلم - يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره كذلك هذا كان فعله الراتب رواه عنه خمسة عشرة صحابيًّا وعدهم وقد روي أنه كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه الكريم لكن لم يثبت ذلك عنه من وجه صحيح وأجود ما فيه حديث عائشة أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم تسليمة واحدة السلام عليكم يرفع بها صوته حتى يوقظنا وهو حديث معلول وهو في السنن لكنه في قيام الليل والذين رووا عنه التسليمتين رووا ما شاهدوه في الفرض والنفل على أن حديث عائشة ليس صريحًا في الاقتصار على التسليمة الواحدة بل أخبرت أنه كان يسلم تسليمة يوقظهم بها ولم تنف الأخرى بل سكتت عنها وليس سكوتها مقدمًا على رواية من حفظ وضبط وهم أكثر عددًا وكثير من أحاديثهم صحاح وباقيها حسان قال ابن عبد البر روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يسلم تسليمة واحدة من حديث سعد بن أبي وقاص وعائشة وأنس إلَّا أنها معلولة ولا يصححها إلَّا أهل العلم بالحديث ثم بين علة كل حديث

ويلتفت بهما إلى الجانبين، والواجب تسليمة واحدة، وأما الثانية، فسُنَّة لو تركها لم يضره، ثم الواجب من لفظ السلام أن يقول: السلام عليكم، ولو قال: سلام عليكم، لم يجزه على الأصح: ولو قال: عليكم السلام، أجزأه على الأصح، فلو قال: السلام عليك، أو سلامي عليك، أو سلام عليكم، أو سلام الله عليكم، أو سلامُ عليكم بغير تنوين، أو قال: السلام عليهم، لم يجزه شيء من هذا بلا خلاف، وتبطل صلاته إن قاله عامدًا عالمًا في كل ذلك، إلا في قوله: السلام عليهم، فإنه لا تبطل صلاته به ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في الهدى وليس مع القائلين بالتسليمة غير عمل أهل المدينة وقد خالف في الاحتجاج بها سائر الفقهاء والصواب معهم السنن الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا ترد ولا تدفع لعمل أحد كائنًا من كان فالسنة تحكم بين الناس لا عمل أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه اهـ، وتقدم صور يجب فيها عندنا الاقتصار على تسليمة واحدة وضابطها أن يعرض بعد التسليمة الأولى ما ينافي الصلاة. قوله (ويَلْتَفِتُ بِهما الخ) صرف الالتفات عن الوجوب المستفاد من قوله - صلى الله عليه وسلم - صلوا كما رأيتموني أصلي خبر عائشة فإن فيه الاقتصار على تسليمة واحدة تلقاء وجهه وممن صححه ابن حبان والحاكم وضعفه جماعة اخرون كما تقدم نقله. قوله: (ثُم الوَاجِبُ منْ لَفْظِ السلامِ أَنْ يقولَ السّلامُ عَليكمْ) ويشترط الموالاة بين السلام وعليكم وأن يسمع نفسه وألّا يزيد أو ينقص ما يغير المعنى ويجب إيقاعه إلى ميم عليكم حال القعود أو بدله وصدره للقبلة. قوله: (ولوْ قال سَلام عَليكمْ لم يُجزئْهُ) قال في الإمداد وقضية كلام النووي أنه يبطل الصلاة أن علم وتعمد وهو متجه خلافًا لمن نظر فيه وذلك لأنه لم ينقل بخلاف سلام التشهد لوروده والتنوين لا يقوم مقام أل في التعريف والعموم وغيرهما. قوله: (ولوْ قال عليكمْ السلامُ أَجْزأَهُ) أي لأنه يسمى سلامًا بخلاف أكبر

باب ما يقول الرجل إذا كلمه إنسان وهو في الصلاة

لأنه دعاء، وإن كان ساهيًا لم تبطل، ولا يحصل التحلل من الصلاة بل يحتاج إلى استئناف سلام صحيح، ولو اقتصر الإمام على تسليمة واحدة، أتى المأموم بالتسليمتين. قال القاضي أبو الطيب الطبري من أصحابنا وغيره: إذا سلَّم الإمام فالمأموم بالخيار، إن شاء سلَّم في الحال، وإن شاء استدام الجلوس للدعاء وأطال ما شاء، والله أعلم. باب ما يقول الرجل إذا كلمه إنسان وهو في الصلاة روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه لا يسمى تكبيرًا لكن يكره لأنه تغيير للوارد بلا فائدة. قوله: (لأنهُ دُعاءٌ) أي لا خطاب فيه لآدمي ولا يرد أن ما قبله أيضًا دعاء لوجود الخطاب فيه. قوله: (ولوْ اقْتَصَرَ الإِمامُ عَلَى تَسليمَةٍ واحِدَةٍ أَتَى المأْمومُ بالتسْليمَتَيْنِ) أي تحصيلًا لفضيلتهما لما تقرر في محله من أنه صار منفردًا. قوله: (إِذَا سلَّمَ الإِمامُ) أي التسليمة الأولى لخروجه بها نعم يسن للمأموم أن يؤخرها إلى فراغ إمامه من تسليمته جميعًا. قوله: (وإنْ شاءَ اسْتَدَامَ الجلوسَ للدُّعاءِ) أي إذا كان في التشهد الأخير أما غيره فإن كان جلوسه مع إمامه في غير محل تشهده الأول لزمه القيام عقب تسليمته فورًا وإلَّا بطلت صلاته إن علم وتعمد وظاهر أن محله إن طوله كجلسة الاستراحة وفيه كره له للتطويل، وسن له هنا القيام مكبرًا مع رفع يديه لأنه سنة في القيام من التشهد الأول. باب ما يقول الرجل إذا كلمه إنسان وهو في الصلاة لا يضر كون الترجمة ناقصة عما في الباب من ذكر التصفيق للنساء لأن المعيب عكس ذلك أما ما فعله المصنف فلا لأن فيه زيادة فائدة. قوله: (رَوَينَا في صحيحَي البخَاري ومسلم الخ) قال الحافظ أخرجاه مطولًا ومختصرًا فلفظه مختصرًا عن سهل بن سعد قَال قال - صلى الله عليه وسلم - من نابه شيء في صلاته فليقل سبحان الله إنما التصفيق للنساء والتسبيح للرجال ولفظه مطولًا قال وقع بين الأوس والخزرج كلام فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - من

"مَنْ نابَهُ شَيءٌ في صلاتهِ، فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ الله". وفي رواية في الصحيح: "إذا نابَكُمْ أمْرٌ فَلْيُسَبِّحِ الرجالُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ مكانه فتخلل الناس حتى انتهى إلى الصف الذي يلي أبا بكر فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت فلما أكثروا التصفيق التفت فنكص فأشار إليه - صلى الله عليه وسلم - أن أثبت مكانك فحمد الله وتقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى بهم فلما فرغ قال يا أبا بكر ما منعك أن تثبت مكانك قال ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال للناس ما بالكم أكثرتم التصفيق إنما هذا للنساء من نابه شيء في صلاته فليقل سبحان الله حديث صحيح أخرجاه مطولًا من رواية مالك وغيره وأخرجه النسائي بطوله وكذا أخرجه ابن خزيمة وأبو عوانة وأخرجه أبو عوانة مختصرًا وأخرجه ابن ماجة كذلك اهـ. قوله: (منْ نابهُ) أي من الرجال، ونابه من النوب وهو رجوع الشيء المرة بعد الأخرى ثم كثر حتى استعمل في كل ما يصيب الإنسان وشيء في الخبر عام لكونه نكرة في سياق الشرط وبه أخذ أصحابنا أنه إذا ناب المصلى أمر من تنبيه مصل آخر إمامًا أو غيره على سهو وإنذار مشرف على هلاك كأعمى قرب من الوقوع في بئر وأذن لداخل سبح الذكر، والتنبيه فيما ذكر مندوب إن كان لمندوب كما إذا هم الإمام بترك سنة كالتشهد الأول ومباح أن كان لمباح كإذنه للداخل وواجب لواجب كإنذاره لمشرف على الهلاك تعين على المصلي إنقاذه فإن لم يحصل الإنذار إلَّا بالكلام وجب وإن بطلت صلاته فالمنقسم لذلك هو التنبيه نفسه وأما آلته أي التسبيح والتصفيق فالأول للرجل والثاني لغيره سنة في كل من الأقسام المذكورة ولو عكس بأن صفق الرجل وسبح غيره فخلاف الأولى وقيل مكروه. قوله: (فليقلْ سبحانَ الله) تتمته في خبر لهما فإنه لا يسمعه أحد حين يقول سبحان الله إلّا التفت واعلم أنه لو نوى بالتسبيح التنبيه وحده أو أطلق بطلت صلاته ومثله فيما ذكر قول المبلغ الله أكبر إمامًا كان أو غيره وقول المصلي للمستأذن ادخلوها بسلام آمنين. قوله: (وفي روايةٍ في الصحيح) قال الحافظ أخرجه البخاري في كتاب الدعوات عن سهل بن سعد الساعدي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نابكم أمر في صلاتكم فليسبح الرجال وليصفح النساء قال الحافظ وأخرجه النسائي وابن خزيمة وأبو

باب الأذكار بعد الصلاة

ولْتُصَفِّقِ النساء". وفي رواية: "التَّسْبيحُ للرجالِ والتَّصْفيقُ للنساءِ". باب الأذكار بعد الصلاة أجمع العلماء على استحباب الذِّكْر بعد الصلاة، وجاءت فيه أحاديث كثيرة صحيحة في أنواع منه متعددة، فنذكر طرفًا من أهمها. روينا في كتاب الترمذي، عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أي الدعاء ـــــــــــــــــــــــــــــ داود. قوله: (ولْيصفِّحِ) التصفيح والتصفيق بمعنى واحد صرح به الخطابي والجوهري وقال القاضي عياض أنه بالحاء الضرب بظاهر إحدى اليدين على الأخرى وبالقاف ببطانها على باطن الأخرى وقيل بالحاء الضرب بأصبعين للإنذار والتنبيه بالقاف بجميعها للهو واللعب قال أئمتنا والأولى في التصفيق كونه ببطن كف على ظهر أخرى وعكسه لا ببطنهما بل يبطل الصلاة أن قصد اللعب ولو تكرر تمض المرأة ثلاثًا متوالية أبطل الصلاة. قوله: (وفي روايةٍ فيه) أي في الصحيح وقد تقدمت بلفظ إنما في أوله أخرجها البخاري في الرواية السابقة مختصرًا وجاء بدونها عن أبي هريرة أخرجها البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وأبو عوانة والطحاوي من نحو عشر طرق تنتهي إلى سفيان الثوري وهو يرويه عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وأخرجه مسلم أيضًا من رواية همام بن منبه عن أبي هريرة بمثله لكن قال القوم بدل الرجال وزاد في آخره الصلاة كذا يتلخص من كلام الحافظ. باب الأذكار بعد الصلاة قال ابن القيم في الهدى أما الدعاء بعد السلام من الصلاة مستقبل القبلة سواء المنفرد وغيره فلم يكن من مديه - صلى الله عليه وسلم - أصلًا ولا روي عنه بإسناد صحيح ولا حسن وخصص بعضهم ذلك بصلاتي الفجر والعصر ولم يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا الخلفاء بعده ولا أرشد إليه أمته إنما هو استحسان رآه من رآه عوضًا عن السنة قال وغاية الأدعية المتعلقة بالصلاة إنما فعلها فيها وأمر بها فيها قال وهذا هو الأليق بحال المصلي فإنه مقبل على ربه يناجيه فإذا سلم منها انقطعت المناجاة وانتهى موقفه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقربه فكيف يترك سؤاله حال قربه ومناجاته والقرب معه وهو مقبل عليه ثم يسأل إذا انصرف عنه اهـ. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني وما ادعاه من النفي مطلقًا مردود فقد ثبت عن معاذ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له يا معاذ والله إني لأحبك فلا تدع دبر كل صلاة أن تقول اللهم أعني الخ. رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم، وذكر حديث أبي بكر في قوله اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر كان - صلى الله عليه وسلم - يدعو بهن دبر كل صلاة أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وصححه الحاكم وحديث زيد بن أرقم سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو في دبر كل صلاة اللهم ربنا ورب كل شيء وخالق كل شيء ويا من بيده ملكوت كل شيء اغفر لي حتى لا تسألني عن شيء الحديث رواه النسائي وصححه ابن حبان وغير ذلك ثم قال: فإن قيل المراد بدبر الصلاة قرب آخرها وهو التشهد قلنا قد ورد الأمر بالذكر دبر الصلاة والمراد به بعد السلام إجماعًا فكذا هذا حتى يثبت ما يخالف وقد أخرج الترمذي وقال حسن حديث أبي هريرة قيل يا رسول الله أي الدعاء اسمع قال الدعاء بعد المكتوبة أفضل من الدعاء بعد النافلة لفضل المكتوبة على النافلة وأخرج الطبري عن جعفر الصادق قال الدعاء بعد المكتوبة أفضل من الدعاء بعد النافلة كفضل المكتوبة على النافلة وفهم كثير ممن لقيناه من الحنابلة أن مراد ابن القيم نفى الدعاء بعد الصلاة مطلقًا وليس كذلك فإن حاصل كلامه أنه نفاه بقيد استقبال المصلي القبلة وإيراده عقب السلام أما إذا انفتل بوجهه أو قدم الأذكار المشروعة فلا يمتنع عنده الإتيان بالدعاء حينئذٍ اهـ، والمراد من الصلاة المطلوب بعدها ما يأتي من الأذكار الفريضة وإن كان في بعض الأحاديث ما يقتضي التعميم للنافلة أيضًا قال الحافظ في الفتح وقد جاء في حديث كعب بن عجرة عند مسلم التقييد بالمكتوبة وكأنهم حملوا المطلقات عليها اهـ. قال أئمتنا ويسن للإمام أن يقوم عقب سلامه ثم يجلس بمجلس آخر للذكر والدعاء فإن لم يرد هذا الأكمل وجلس فليكن يسيرًا بقدر اللهم أنت السلام الخ. فإن لم يرد هذا أيضًا جعل يمينه إليهم ويساره للمحراب وانصرافه لا ينافي ندب الذكر له عقبها لأنه يأتي به في محله الذي ينصرف إليه على أنه يؤخذ من قوله بعد الصلاة أنه لا يفوت بفعل الراتبة وإنما يفوت به كماله لا غير كذا في التحفة والحاصل أن الأفضل عندنا تقديم أذكار الصلاة

أسمع؟ " قال: "جَوْفُ الليل الآخِرُ، وَدُبُرَ الصّلَوَات المَكْتوبات". ـــــــــــــــــــــــــــــ على الرواتب وأنه لو قدمها على الذكر لم يفت سوى كماله وسيأتي له مزيد قريبًا. قوله: (أسمَعُ) أي أسرع إجابة قيل والمعنى أي أوقات الدعاء يكون فيها أسرع للإجابة بدليل قوله جوف الليل وقيل التقدير أي الدعاء أسرع وأقرب إجابة قال جوف الليل أي دعاء جوف الليل فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وروي بنصب جوف أي الدعاء جوف الليل. قوله: (الآخِر) نعت لجوف ففيه النصب والرفع وإنما كان ذلك الوقت أنفع والدعاء فيه أسمع لأن فيه التجلي أكثر كما ورد في الأخبار الصحيحة. قوله: (ودبُرُ الصلَوَاتِ المكتُوباتِ) برفع ونصب دبر عطفًا على جوف قال المصنف في شرح مسلم دبر بضم الدال هذا هو المشهور والمعروف في الروايات وقال أبو عمر المطرز في كتابه اليواقيت دبر كل شيء بفتح الدال آخر أوقاته من الصلاة أو غيرها قال هذا هو المعروف في اللغة وأما الجارحة فبالضم وقال الداودي عن ابن الأعرابي دبر الشيء ودبره بالضم والفتح آخر أوقاته والصحيح الضم ولم يذكر الجوهري وآخرون غيره اهـ، وفي القاموس الدبر بالضم وبضمتين نقيض القبل ومن كل شيء عقبه ومؤخره اهـ، وإنما كان ذلك لما يحصل بواسطة الصلاة من القرب إلى حضرة الحق المتكفل بالإجابة وفي حاشية شرح المنهج للشيخ نور الدين الزيادي قوله دبر كل صلاة يقتضي أن الذكر المذكور يقال عند الفراغ من الصلاة فإن كان الفاضل يسيرًا بحيث لا يعد معرضًا أو كان ناسيًا أو متشاغلًا بما ورد كآية الكرسي فلا يضر وهل يكون التشاغل بعد المكتوبة بالراتبة بعدها فاصلًا بين المكتوبات والذكر المذكور أو لا محل نظر شرح البخاري لابن حجر بل وجه النظر أنه إن طال الفصل ضر وإلَّا فلا وعلى هذا التفصيل ينبغي حمل ما تقدم من أن الفائت بتأخيرها عن الراتبة الكمال والله أعلم، وذكر في الحرز أن الأفضل عندهم الفصل بين المكتوبة والراتبة بنحو اللهم أنت السلام الخ، وباقي الأذكار يأتي بها بعد الراتبة وأطال في بيان ذلك ناقلًا له عن ابن الهمام شارح الهداية وسيأتي له مزيد في حديث المغيرة وظاهر الخبر ككلام الأكثرين استحباب الدعاء مطلقًا ويؤيده حديث الدعاء هو العبادة وفي رواية مخ العبادة وفي أخرى من لم يسأل الله يغضب عليه ومن ثم قال الغزالي وغيره الدعاء أفضل العبادات وأنجح القربات وأسنى الطاعات وقيل السكوت عن الدعاء أفضل رضا بما قضى به القدر وقبل يدعو بلسانه ويرضى بجنانه فيأتي بالأمرين

قال الترمذي: حديث حسن. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كنت أعرف انقضاءَ صلاةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتكبير". ـــــــــــــــــــــــــــــ جميعًا وقال القشيري الأولى أن يقال الأوقات مختلفة ففي بعض الدعاء أفضل بأن يجد في قلبه إشارة إليه وهو الأدب وفي بعض السكوت أفضل بأن يجد ذلك وهو الأدب أيضًا قال ويصح أن يقال ما للمسلمين فيه نصيب أو لله فيه حق فالدعاء به أولى لكونه عبادة وإن كان لنفس الداعي فيه حظ فالسكوت أتم اهـ، ويتجه أن محله أن كان الباعث عليه غرض النفس وإلا فالدعاء أفضل للأحاديث السابقة وإن كان الاشتغال بالذكر أفضل منه للحديث الصحيح من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين وسيأتي بسط هذا في آداب الدعاء. قوله: (رَوَاه الترْمذي الخ) قال في السلاح ورواه النسائي واللفظ للترمذي وقال هذا حديث حسن وقال قد روي عن أبي ذر وابن عمر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال جوف الليل الأخير الدعاء فيه أفضل أو أرجى أو نحو هذا. قوله: (حدِيث حسن) قال الحافظ قال الترمذي هذا حديث حسن غريب وفيما قاله نظر لأن له عللًا منها الانقطاع بين ابن سابط وأبي أمامة قال ابن معين لم يسمع عبد الرحمن بن سابط من أبي أمامة ومنها عنعنة ابن جريج عن ابن سابط ومنها الشذوذ فإنه جاء عن خمسة من أصحاب أبي أمامة أصل هذا الحديث من رواية أبي أمامة صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عمرو بن عبسة واقتصروا كلهم على الشق الأول قال وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن أبي أمامة عن عمرو بن عبسة قال قلت يا رسول الله هل من ساعة أقرب من الأخرى يعني الإجابة وهل من ساعة يبتغي ذكرها قال نعم أن أقرب ما يكون العبد من الدعاء جوف الليل الآخر فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله تعالى تلك الساعة فافعل حديث صحيح أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح والنسائي وابن خزيمة في صحيحه وغيرهم وأخرجه أحمد مختصرًا كلهم عن أبي أمامة عن عمرو بن عبسة بلفظ جوف الليل الآخر أجوبه دعوة وفي لفظ أوجبه بتأخير الجيم عن الواو اهـ، وبما ذكر من كلام الحافظ يعلم ما في قول شرح المشكاة وسنده صحيح. قوله: (وَرَوَينَا في صحيحي البخارِي ومسلم الخ) قال الحافظ لفظ الحديث للبخاري ولفظ مسلم عن ابن عباس كنا نعرف الخ، كما أشار إليه الشيخ. قوله: (بالتكبيرِ) المراد به هنا مطلق الذكر

وفي رواية مسلم: "كنا" وفي رواية في "صحيحيهما". عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رفع الصوت بالذِّكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"، وقال ابن عباس: "كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعتُه". ـــــــــــــــــــــــــــــ بدليل روايته الآتية وعبر به لأنه ينتجه سلب النقائص بالتسبيح وإثبات الكمالات بالتحميد والتهليل إذ من سلب عنه كل نقص وثبت له كل كمال هو المستحق لنهاية الكبرياء والعظمة ولأن رفع الصوت عنده أعلى منه عند البقية ولأنه آلة الإعلام بأفعال الإمام فليكن آلة الإعلام بالفراغ منها وفي شرح البخاري لابن العز الحجازي اختلف في كون ابن عباس قال هذا أي في سبب ذلك فقال عياض الظاهر أنه لم يكن يحضر الجماعة لأنه كان صغيرًا ممن لا يواظب على ذلك ولا يلزم به وقال غيره يحتمل أن يكون حاضرًا في أواخر الصفوف. قوله: (وفي روَايةِ في صحيحَيْهمَا) وأخرجه كذلك أحمد وأبو داود وفي قوله كنت أعرف إطلاق العلم على الأمر المستند إلى الظن الغالب قيل وفي هذا الحمل نظر لإشعار كان بالمداومة والكثرة وأجيب بأنها تستعمل في الشيء النادر أيضًا. قوله: (أَن رَفْعَ الصَّوتِ بالذكرِ الخ) حمل الشافعي جهره - صلى الله عليه وسلم - بالأذكار والدعاء عقب الصلاة على أنه كان لأجل تعليم المأمومين فمن ثم قال ويجهر لتعليمهم فإذا تعلموا أسر لقوله تعالى: ({وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} [الإسراء: 110]، الآية نزلت في الدعاء كما في الصحيحين قيل وفي هذا الحمل نظر لإشعار كان بالمداومة والكثرة وأجيب بأنها تستعمل للشيء النادر أيضًا كما تقدم نظيره في اللفظ السابق، واستدل البيهقي وغيره لطلب الإسرار بخبر الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم - أمرهم بترك ما كانوا عليه من رفع الصوت بالتكبير والتهليل وقال إنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا أنه معكم سميع قريب اهـ، وبه يرد على بعض المتأخرين في منازعته في ذلك بأن ظاهر الحديث ندب الجهر بالذكر دائمًا وليس كما قال لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يخلو ممن يرد عليه فيسلم أو يكون قريب الإسلام فكان جهره لتعليمهم فمن أين للمنازع أنه جهر لا للتعليم وجهره من الوقائع الفعلية وقد تطرق إليها ذلك الاحتمال الظاهر فتعين الأخذ به ذكره في شرح المشكاة. فائدة يسن الإسرار في سائر الأذكار أيضًا إلَّا في القنوت للإمام والتلبية وتكبير ليلتي العيد وعند رؤية الأنعام في عشر ذي الحجة وبين كل سورتين من الضحى إلى آخر القرآن وذكر السوق

وروينا في "صحيح مسلم"، عن ثوبان رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثًا وقال: "اللهُم ـــــــــــــــــــــــــــــ الوارد وعند صعود الهضبات والنزول من الشرفات. قوله: (وَرَوينَا في صحيحِ مسلم الخ) وكذا رواه أصحاب السنن الأربعة والطبراني وابن السني عن ثوبان كذا في الحرز. قوله: (إِذَا انصرَفَ) هذا لفظ رواية مسلم وعند جماعة آخرين بسند حديث مسلم كان إذا أراد أن ينصرف من صلاته استغفر ثلاثًا وقال اللهم أنت السلام الخ. أخرجه هكذا أحمد والترمذي وأبو داود وابن خزيمة وأبو عوانة كلهم بهذا اللفظ وأخرجه ابن خزيمة أيضًا بلفظ كان يقول قبل السلام قال ابن خزيمة أن كان عمرو بن هشام الراوي له عن الأوزاعي حفظه فمحل هذا الذكر قبل السلام ورواية إذا أراد أن ينصرف موافقة لهذه ويمكن رد رواية إذا انصرف إليها لكن المعروف أن هذا الذكر بعد السلام قال الحافظ ويؤيده حديث عائشة قالت إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان يجلس بعد الصلاة إلَّا قدر ما يقول وفي رواية عنها كان إذا سلم لم يقعد إلَّا بمقدار ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام أخرجه مسلم وابن ماجة قال الحافظ ويمكن الجمع بأنه كان يقول ذلك في الموضعين وظاهر حديث عائشة أنه كان لا يقول الأذكار الواردة في هذا المحل غير ما ذكر إلَّا حال قيامه ويعارضه حديث جابر بن سمرة كان - صلى الله عليه وسلم - إذ صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس أخرجه مسلم، ويمكن الجمع الصبح، وأولى منه أن يحمل النفي على الهيئة المخصوصة بأن يترك الاستقبال والتورك ويقبل على أصحابه كما ثبت ذلك في خبر آخر قال وقد ورد التصريح بأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول ذلك إذا سلم ثم أخرج من حديث عائشة قالت كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سلم من صلاته قال اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام وقال حديث صحيح أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي. قوله: (أستغفر الله ثلاثًا) حكمته منه - صلى الله عليه وسلم - إظهار هضم النفس وأنها لم تقم بحق الصلاة ولم تأت بما ينبغي لها فكانت في غاية التقصير والمقصر يستغفر لعله أن يتجاوز عنه تقصيره وكأن هذا سبب قول المصنف ينبغي تقديم الاستغفار على سائر أنواع الذكر الوارد عقب السلام قال غيره ثم يقول اللهم أنت السلام إلى الإكرام ثم (لا إله إلَّا الله) إلى (قدير) ثم رتب كثيرًا كذلك وقد أشار إلى ذلك بحرق في مختصره وابن حجر في شرح العباب

أنتَ السَّلامُ وَمِنْكَ السلامُ، تَبَارَكْتَ يا ذا الجَلالِ والإكْرَام". قيل للأوزاعي وهو أحد رواة الحديث كيف الاستغفار؟ قال: تقول: أسْتَغْفِرُ الله، أسْتَغْفِرُ الله. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأطال فيه. قوله: (أَنتَ السلامُ) أي السالم من التغيرات والآفات أو معطي السلامة لمن تشاء. قوله: (ومِنْكَ السلامُ) أي يرجى ويستوهب ويتوقع وقال السيوطي في حاشية سنن النسائي السلام الأول من أسماء الله تعالى والثاني السلامة ومعناه أن السلامة من المهالك إنما تحصل لمن سلمه الله قال ابن الجوزي في التصحيح وأما ما يزاد بعد قوله ومنك السلام من نحو وإليك يرجع السلام فحينا ربنا بالسلام وأدخلنا دار السلام فلا أصل له بل هو مختلق اهـ، وقال ابن حجر في شرح المشكاة على أن قوله وإليك الخ، معناه كالذي قبله بيان لأنت السلام أي ليست سلامتك من النقائص والحوادث والغير ناشئة عن غيرك بل ذلك ثبت لك لذاتك من حيث الذات لا بواسطة أحد كيف وأنت الذي تسلم الغير من المخاوف وإليك يرجع جميع سلام المسلمين إذ ليس منهم إلّا صورته أما حقيقته فصادرة منك وراجعة إليك. قوله: (يا ذا الجلال والإكرام) هذه إحدى روايات مسلم وفي رواية أخرى له ذا الجلال بحذف حرف النداء ذو بمعنى صاحب وهو لكونه كناية أبلغ منه وفي حاشية شرح التفتازاني للعقائد النسفية للعلامة ابن أبي شريف ما لفظه ومعنى الجلال كما دل عليه كلام القشيري في التخيير استحقاق أوصاف العلو وهي الأوصاف الثبوتية والسلبية وعليه فالإكرام المقابل له اكرام العباد بالإنعام عليهم وعلى هذا جرى الغزالي في المقصد الأسنى وفسر بعضهم الجلال بالصفات السلبية لأنه يقال فيها جل عن كذا وعن كذا والإكرام بالصفات الثبوتية وممن جرى على ذلك البيضاوي في شرح الأسماء الحسنى والكرماني في شرح البخاري وفسر بعضهم الجلال بالصفات الثبوتية والإكرام بالسلبية عكس التفسير السابق ويعبر هؤلاء عن الصفات السلبية بالنعوت فيقولون صفات الجلال ونعوت الإكرام اهـ. قوله: (قيل للأوزاعي) القائل له أبو الوليد كما في مسلم وذكره الحافظ كذلك والأوزاعي نسبة إلى الأوزاع قال في لب اللباب وهي قرى متفرقة فيما أظنه بالشام منها أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي والأوزاع التي ينسب إليها قرية خارج باب الفراديس مات سنة سبع وخمسين ومائة وقال الشيخ عز الدين الصواب أنه الأوزاع بطن من ذي الكلاع من اليمن وقيل بطن من همدان

وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" ـــــــــــــــــــــــــــــ نزلوا الشام فنسبت القرى التي سكنوها إليها اهـ. قوله: (وَرَوَينَا في صحيحَي البخارِي ومُسلم الخ) وفي شرح العمدة للقلقشندي أخرجه أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والإسماعيلي وأبو عوانة والبرقاني وأبو نعيم والبيهقي والبغوي في شرح السنة وغيرهم اهـ. وزاد في الحرز وأخرجه ابن السني قال وأخرجه البزار والطبراني من حديث ابن عباس. قلت قال الحافظ بعد تخريجه من حديث ابن عباس قال كان - صلى الله عليه وسلم - إذا انصرف من الصلاة قال لا إله إلّا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. هذا حديث غريب أخرجه البزار وقال تفرد به يحيى بن عمر وهو ضعيف وخالفه أبان بن أبي عياش وهو أضعف منه عن أبي الجوزاء أي بفتح الجيم والزاي عن عائشة فقال في المتن بيده الخير بدل قوله يحيي ويميت الذي وقع في رواية البزار المذكورة وكذا أخرجه جعفر الغرياني في كتاب الذكر اهـ. فائدة نفيسة قال الحافظ وقع لنا في بعض طرق هذا الحديث لفظة اشتهرت في هذا الذكر ولم تقع في الطرق المشهورة ثم أخرج من طريق عبد بن حميد وحدثنا عبد الرزاق عن معمر عن عبد الملك بن عمير عن وراد كاتب المغيرة بن شعبة عن المغيرة قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول اللهم لا مانع لما أعطيت ولا راد لما قضيت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ثم أخرجه الحافظ من وجه آخر عن عبد الملك بالسند المذكور إلَّا أنه من طريق أبي نعيم عن مسعر عن عبد الملك عن وراد كاتب المغيرة قال كتب معاوية بن أبي سفيان إلى المغيرة بن شعبة أن اكتب إليّ بشيء من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكتب إليه إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول اللهم لا مانع لما أعطيت ولا راد لما قضيت ولا ينفع ذا الجد منك الجد قال الحافظ وسمعت شيخنا يقول هذا حديث صحيح رواته ثقات ثم أشار إلى رواية معمر السابقة وذكر أنها في الكنجروديات للبيهقي بالزيادة المذكورة قال الحافظ وقد راجعت الكنجروديات فلم أر فيها إلا كالجادة فلعلها سقطت من نسختي وأما رواية مسعر فوقع في نسخة شيخنا كالجادة وزيادة ولا راد لما قضيت قال الحافظ

عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد كلام ساقه فغلب على الظن أن رواية مسعر كرواية معمر فلذلك سقته نظير رواية معمر قال الحافظ وحديث المغيرة رواه عن عبد الملك جماعة من الحفاظ الأثبات منهم شعبة وسفيان الثوري وأبو عوانة وهشيم وابن عيينة وأحاديثهم في الصحيحين ومنهم زائدة بن قدامة وعمرو بن قيس والأعمش وزيد بن أبي أنيسة وأسباط بن محمد وأحاديثهم عند الطبراني وغيره كاللفظ المشهور بغير هذه الزيادة اهـ قوله: (عن المغيرَةِ) هو أبو عبد الله وقيل أبو عيسى وفي أبي داود عنه كناني النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا عيسى وقيل أبو محمد المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قسي وهو ثقيف، الثقفي الكوفي الصحابي الجليل ابن أخي عروة بن مسعود أسلم عام الخندق سنة خمس من الهجرة وقدم مهاجرًا وقيل أول مشاهده الحديبية وكان رجلًا طوالًا موصوفًا بالفضل والكرم من دهاة العرب كثير التزوج قال الذهبي تزوج سبعين امرأة قال ابن الأثير قيل أنه أحصن ثلثمائة امرأة في الإسلام وقيل ألف امرأة روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة حديث وستة وثلاثون حديثًا اتفقا منها على تسعة وانفرد البخاري بحديث ومسلم بحديثين ولاه عمر البصرة ثم عزله إلى الكوفة فلم يزل عليها إلى أن قتل عمر فأقره عثمان عليها ثم عزله فلما كان أمر الحكمين لحق بمعاوية فولاه الكوفة واستمر بها حتى مات ويقال أنه أول من وضع ديوان البصرة وقال عبد الله بن عباس بن معبد بن عباس أنه أول من خضب بالسواد وشهد اليمامة وفتح الشام والقادسية والأهواز وهمدان ونهاوند وذهبت عينه يوم اليرموك ويقال أنه - صلى الله عليه وسلم - قص له شاربه وهي منقبة عظيمة وكان يقال له مغيرة الرأي لكمال عقله ودهائه قال الشعبي دهاة العرب أربع معاوية بن أبي سفيان وعمر بن العاص والمغيرة بن شعبة وزياد ابن أبيه وحج بالناس سنة أربعين ومات بالطاعون في شعبان سنة خمسين وقيل سنة إحدى وخمسين وقيل سنة تسع وأربعين وله سبعون سنة رضي الله عنه والمغيرة بضم الميم وحكى جماعة منهم ابن قتيبة والزمخشري كسرها قال الزمخشري كسرت الميم إتباعًا كما يقال منتن ومنتن لأن مفعلًا ليس من

إذا فرغ من الصلاة وسلم قال: "لا إله إلا الله وحْدَهُ لَا شَريكَ له، لهُ المُلْكُ ولهُ الحَمْدُ وَهُو على كلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، اللهُم لا مانِعَ لِمَا أعْطَيتَ، ولا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، ولا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الأبنية اهـ، والهاء فيه للمبالغة كعلامة قاله السهيلي. قوله: (إِذا فرغَ منَ الصلاةِ) ظاهره شامل للمكتوبة والنافلة لكن في عمدة الأحكام للمقدسي في هذا الحديث كان - صلى الله عليه وسلم - يقول في دبر كل صلاة مكتوبة، قال القلقشندي فهي مقيدة للرواية الأخرى اهـ، ورواية الكتاب مبينة للمراد بدبر الصلاة في رواية الصحيحين المذكورة في العمدة أي بعد السلام منها قال القلقشندي والمراد بدبر الصلاة عقب السلام لما وقع في بعض طرقه عند مسلم كان إذا فرغ من الصلاة والسلام الخ، وبه يعلم أن لفظ رواية المصنف هذه إنما هي لمسلم وعزوه للبخاري بمعنى أن الحديث مروي فيه لا بخصوص هذه العبارة والله أعلم. قوله: (لَا إله إلَّا الله ألخ) تقدم الكلام عليه إلى قوله قدير في باب فضل الذكر وعلى باقيه في ذكر الاعتدال، هذا وظاهره أنه كان يأتي بالأذكار عقب الفراغ من غير فصل قال الحافظ الزين العراقي وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - إذا صليتم فقولوا ما يدل على أن الشرع في الذكر يكون عقب التسليم، فإن فصله يسيرًا بحيث لا يعد معرضًا عن الإتيان به أو كثيرًا ناسيًا فالظاهر أنه لا يضر بخلاف ما إذا تعمد فإنه لا يحصل له السنة المشروعة وإن أثيب عليه من حيث الذكر، ثم قال ولا يضر طول الفصل بين التسبيح ونحوه بغيره من الواردات والمراد بالتكلم فيما ورد أنه يقوله قبل التكلم وهو ثان رجليه قبل التكلم بأجنبي لا تعلق به بالمشروع اهـ. قال القلقشندي في الحديث مشروعية هذا الذكر عقب الصلوات لما اشتملت عليه من معاني التوحيد ونسبة الأفعال إلى الله تعالى والمنع والإعطاء وتمام القدرة فيكون الاعتراف به عقب الصلوات أدعى لقبولها وأرجى لحصول المقصود وعظم ثواب هذا الذكر القليل مع خفته على اللسان لأجل مدلولاته فإنها راجعة إلى الإيمان الذي هو أعظم الأمور اهـ. قال والسلاح وفي رواية للبخاري والنسائي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول هذا التهليل وحده ثلاث مرات قال القلقشندي تكرار الذكر أي جميعه إلى

وروينا في "صحيح مسلم" عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، أنه كان يقول دبر كل صلاة حين يسلم: "لا إله إلا اللهُ وحْدَهُ لا شَريكَ لهُ، لهُ المُلكُ ولهُ الحَمْدُ وهُو على كل شَيءٍ قديرٌ، لا حَولَ ولا قُوةَ إلا بالله، لا إله إلا اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله الجد كما هو ظاهر كلامه ثلاثًا ففي بعض طرقه عند أحمد والنسائي وابن خزيمة أنه كان يقوله ثلاثًا. قوله: (وَرَوَينَا في صحيحِ مسلِمٍ) رواه أبو داود والنسائي وابن أبي شيبة كلهم عن عبد الله بن الزبير وأخرجه الحافظ من طريق الإمام أحمد بن حنبل ومن طريق أبي نعيم عن ابن الزبير قلت وأخرجه أبو نعيم وابن السني كلاهما في عمل اليوم والليلة. قوله: (عنْ عبْدِ الله بْنِ الزُّبير) هو أبو خبيب عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما ابن العوام القرشي الأسدي أمير المؤمنين أول مولود من المهاجرين بعد الهجرة بالمدينة ولما ولد فرح المسلمون بولادته لأنه قيل لهم أن اليهود قد سحرتكم فلا يولد لكم ولد حي، أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - به فحنكه بريقه فكان أول شيء دخل جوفه ريق النبي - صلى الله عليه وسلم - وسماه باسم جده أبي بكر وكناه بكنيته ودعا له وبرك عليه وقال له أيضًا كبش بين ذئاب وذئاب عليها ثياب ليمنعن البيت أو ليقتلن دونه وجاء في رواية في البخاري ومسلم أنه جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن سبع أو ثمان سنين ليبايعه وكان الزبير أمره بذلك فلما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - مقبلًا ضحك في وجهه ثم بايعه وكان عبد الله غاية في العبادة نهاية في الشجاعة وشدة البأس وشهد فتح إفريقية وكان العزم والفتح على يديه وشهد مع أبيه وخالته يوم الجمل حيث استشهد وكان أطلس لا لحية له ولا شعر بوجهه وكان كثير الصوم والصلاة كريم الجدات والأمهات والخالات قال ابن كيسان ما رأيت ابن الزبير يعطي كلمة قط لرغبة ولا لرهبة سلطان أو غيره روي أنه شرب حجامة دم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له ويل لك من الناس وويل للناس منك لا تمسك النار إلَّا تحلة القسم بويع له بالخلافة سنة أربع وستين بعد موت معاوية واجتمع على طاعته أهل الحجاز واليمن والعراق والخراسان وبنى البيت على قواعد إبراهيم وتخلف عن بيعته ابن عباس وابن الحنفية وحج ثمان حجج ثم حصره الحجاج بمكة في أول ذي الحجة سنة اثنتين وسبعين ونصب عليه المنجنيق وألح عليه بالقتال من كل جهة وحبس عنهم الميرة من كل جهة ثم قتل يوم الثلاث النصف من شهر جمادى الأولى

ولا نَعْبُدُ إلا إياهُ لهُ النعْمَةُ ولهُ الفَضْلُ، ولهُ الثناءُ الحَسَنُ، لا إلهَ إلا اللهُ مُخْلِصِينَ لهُ الدين ـــــــــــــــــــــــــــــ سنة ثلاث وسبعين وعمره ثلاث وسبعون سنة وكانت مدة الحصر ستة أشهر وسبع عشرة ليلة روي أنه لما اشتد عليه الحصر شاور أمه في الاستسلام فقالت يا بني لأن تموت كلما أحب إليّ أن تموت سلمًا فقال أخشى المثلة فقالت إن الشاة لا تألم بالسلخ، روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة وثلاثون حديثًا اتفقا منها على تسعة وانفرد البخاري بستة ومسلم بحديثين وخرج عنه الأربعة وغيرهم رضي الله عنه وهو أحد العبادلة الأربعة وعبد الله بن عمرو وابن عباس وابن عمر قاله أحمد بن حنبل وغيره من المحدثين قيل لابن حنبل فابن مسعود قال ليس هو منهم قال البيهقي لأنه تقدمت وفاته وهؤلاء عاشوا طويلًا حتى احتيج إلى علمهم فإذا اتفقوا على شيء قيل هذا قول العبادلة أو فعلهم ويلحق بابن مسعود فيما ذكر سائر المسمين بعبد الله من الصحابة وهم نحو من مائتين وعشرين وقول الجوهري منهم ابن مسعود وأخرج ابن عمرو بن العاص غلط نبه عليه المصنف في التهذيب وغيره. قوله: (ولا نعبدُ إلا إِياهُ) الظاهر أنه عطف على قوله لا إله إلَّا الله وقيل حال من فاعل محذوف أي نقول لا إله إلا الله حال كوننا غير عابدين إلَّا إياه. قوله: (له النعمة) هي كل مستلذ ملائم محمود العاقبة ومن ثم قيل لا نعمة لله على كافر إنما ملاذه استدراج وتقديم الظرف يؤذن بالحصر وأل للجنس والاستغراق أي ما من نعمة دقيقة ولا جليلة إلَّا وهي من الله تعالى وإن كانت على يد وسائط لأنهم ليس لهم إلَّا الصورة والائم فقط وأما الحقيقة فهي لله تعالى وسيأتي حديث من قال إذا أصبح اللهم ما أصبح بي أو بأحد من خلقك من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك فقد أدى حق ذلك اليوم وفي رواية لمسلم أهل النعمة والفضل. قوله: (ولهُ الفضلُ) على عباده بما لا يستحقونه. قوله: (ولهُ الثنَاءُ الحسَنُ) أي النعت المستحسن فهو يستحقه على عباده بطريق الذات لا بواسطة نعمة ولا غيرها بل وإن انتقم. قوله (مُخلِصينَ لهُ الدينَ) قيل هو حال من فاعل نقول الدال عليه ولو كره أي قولنا الكافرون أي نقولها حال كوننا مخلصين وقيل الأولى جعله حالًا من فاعل نعجد المذكور أي لا نعبد إلَّا إياه معتقدين اتصافه بهذه الأوصاف ومخلصين، والدين مفعول به لمخلصين والمراد به العبادة، وله ظرف قدم للاهتمام والمعنى لا نقصد بالعبادة إلّا ذاته ثم

ولَو كَرِهَ الكافِرونَ". قال ابن الزبير: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهلل بهن دُبُرَ كل صلاة. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ذهب أهل الدثُور بالدرجات العلى ـــــــــــــــــــــــــــــ أن أثاب فبمحض فضله وإن عاقب فبعدله. قوله: (ولوْ كرهَ الكافرُونَ) هو غاية للقول المقدر أي نقول قولنا وإن كره الكافرون فمفعول كره القول وقدر المظهري المفعول بقوله أي كوننا مخلصين الدين لله وكوننا عابدين له غير مشركين به شيئًا وقال ابن حجر هو غاية لمحذوف دل عليه السياق أي تظهر ذلك ونعتقده وندين به وإن كره الكافرون ذلك منا لأنه الحق الذي ستروه بعنادهم والصدق الذي لم يذعنوا له لضلالهم وفسادهم اهـ. قوله: (وكَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الخ) وفي لفظ آخر لمسلم أورده في المشكاة عنه كان - صلى الله عليه وسلم - إذا سلم من صلاته يقول بصوته الأعلى لا إله إلَّا الله الخ. قال العاقولي ففيه دليل على استحباب رفعه بالذكر خلف الصلاة وقال ابن حجر رفع الصوت لتعليم أصحابه - صلى الله عليه وسلم - وقد تقدم ما يتعلق بذلك. قوله: (وَرَوَينَا في صحيح البخَاري ومُسلِم الخ) رواه النسائي كما في السلاح وقال القلقشندي أخرج أصله مالك وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والإسماعيلي وأبو عوانة والبرقاني والجوزقي وأبو نعيم والبيهقي والبغوي وغيرهم اهـ. قوله: (أَنَّ فقَرَاءَ المهَاجرِينَ) قال ابن العز الحجازي سمي منهم في رواية محمد ابن أبي عائشة عن أبي هريرة أبو ذر أخرجه أبو داود وسمي منهم أبو الدرداء عند النسائي اهـ. وإضافة الفقراء للمهاجرين من إضافة الموصوف إلى صفته كصلاة الأولى وأصله أن الفقراء المهاجرين وقال البرماوي يحتمل أن تكون من إضافة الصفة إلى موصوفها كجرد قطيفة ويكون التقدير المهاجرين ولعله أقرب وأحسن. قوله: (بالدَّرجاتِ العلا) بضم العين جمع عليا تأنيث الأعلى والباء فيه للمصاحبة ثم يجوز أن تكون الدرجات حسية وهي درج الجنان ويجوز أن يكون معنوية أي في ارتفاع قدرهم وقربهم من الله تعالى والمراد ذهب أهل الأموال الباذلين لها في الطاعات لسد الخلاف والحاجات مصاحبين وفائزين بدرجات الجنة

والنعيم المقيم، يصلون كما نصلِّي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون، فقال: "ألا أُعَلِّمُكُمْ شَيئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِه مَنْ بَعْدَكُمْ، ولا يَكُونُ أَحَدٌ أفْضَلَ مِنْكُمْ إلا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ ما صَنَعْتُم؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ ونعيمها الخاص بمن آتى المال على حبه وأنفقه في وجوه قربه أو بالقرب من الرضوان بما غرسوا من الإحسان وما ذكر من الصحابة على سبيل الغبطة وهو طلب مثل نعمة المغبوط وهي في أمر العقبى محمودة لا الحسد أي تمني زوال نعمة المحسود. قوله: (والنعِيم المُقِيمِ) أي الدائم ووصفه بذلك إشارة إلى أنهم لا يغبطون على ضده وهو النعيم الزائل فإنه قلما يصفو عن شوائب الأكدار فإن فرض صفاؤه بطريق الندرة أو فرض وقوع المحال فهو معرض لسرعة الانفصال والزوال. قوله: (يصلونَ الخ) جملة استئناف بياني جوابًا لسؤال مقدر قيل لم ذلك فقالوا لأنهم يصلون الخ، وقد جاء مصرحًا بالسؤال والجواب في رواية في الصحيح عند مسلم ولفظها فقال وما ذاك فقالوا: (يصلون الخ) في أفراد مسلم زيادة ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق وفي بعض طرقه زيادة وجاهدوا كما جاهدنا. قوله: (تُدْركونَ بهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وتَسبقُونَ بهِ مَنْ بعْدَكم) أي من أهل الأموال الذين يمتازون بالصدقة وغيرها والسبقية والبعدية يحتمل أن يرَاد بهما الأمر الحسن باعتبار الزمان المخصوص بهذه الأمة فإن فضيلتهم ثابتة على غيرهم من الأمم ويحتمل أن يراد بهما الأمر المعنوي وقال ابن دقيق العيد أنه أقرب. قوله: (ولا يكُون أَحَدٌ أَفضلَ منْكُم إلَّا منْ صَنَعَ مثْلَ مَا صنعْتمْ) قال في شرح المشكاة أي لا يكون لأحد من الأغنياء وغيرهم في زَمن أفضل منكم ولا مساو ما كم إلَّا من صنع مثل ما صنعتم فإنه يساويكم في ثواب ذلك العمل واحتيج إليه لبيان أن من عمل من غير الصحابة مثل عملهم أثيب مثل ثوابهم وإن امتازوا على غيرهم بفضيلة الصحبة والمشاهدة له - صلى الله عليه وسلم - التي لا يوازيها عمل آخر فلولا ذلك الاستثناء فلربما يوهم أن بقية أعمالهم لا تلحق أيضًا وإنما قدرت المستثنى منه محذوفًا لتعذر صحة الاستثناء من المذكور إلا بتكلف اهـ، وما ذكره من أن من عمل من غير الصحابة كعملهم يساويهم في قدر الثواب يمنعه ويرده قوله - صلى الله عليه وسلم - فإن أحدكم لو

تُسَبِّحُونَ وتحْمَدونَ وتُكَبِّرونَ خَلْفَ كل صلاةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدكم ولا نصيفه ولا مانع من كون أعمالهم ثوابها أكثر من عمل غيرهم لمثل ذلك العمل زيادة في تشريفهم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم. ثم قال بعضهم ظاهر هذا يخالف ما سبق لأن الإدراك ظاهره المساواة وهذا ظاهر الأفضلية، وأجيب بأن الإدراك لا يلزم منه المساواة فقد يدرك ثم يفوق وعلى هذا فيكون التقرب بهذا الذكر أرجح من التقرب بالمال ويحتمل أن يقال معنى قوله إلا من صنع مثل ما صنعتم للمجموع أي من الفقراء فقال هذا الذكر ومن الأغنياء فتصدق أو إن الخطاب للفقراء خاصة لكن يشاركهم الأغنياء في الأفضلية المذكورة فيكون كل من الصنفين أفضل ممن لا يتقرب بالذكر ولا بالصدقة ويؤيده ما وقع عند البزار من حديث ابن عمر أدركتم مثل فضلهم. واستشكل تساوي فضل هذا الذكر بفضل التقرب بالمال والجهاد ونحوهما مع شدة المشقة فيه. وأجيب بأنه لا يلزم أن يكون الثواب على قدر المشقة في كل الأمور ألا ترى أن في كلمة الشهادة مع سهولتها من الثواب ما ليس في كثير من العبادات المشقة. واستشكل أيضًا ثبوت الأفضلية مع تساوي العمل. وأجيب بأن من ليست في موضع العموم بل المراد به من أهل الدثور فانهم المحدث عنهم وإن تساووا في الذكر لكن أهل الدثور يزيدون بالعبادات المالية فيكونون أفضل بهذا الاعتبار وتقدم في باب فضل الذكر في حديث ألا أخبركم بخير أعمالكم ما له تعلق تام بهذا المقام ثم ظاهره أنه فضل الأغنياء ولا شك في فضلهم حينئذٍ لزيادتهم بالعبادة المالية إنما محل الخلاف إذا تساووا في أداء الواجب فقط وانفرد كل بمصلحة ما هو فيه كذا في القواعد لابن عبد السلام وفيه أن فضيلة الفقراء اختص بها الفقراء عن غيرهم ولذا جرى الخلاف فقيل بفضل الفقير الصابر على الغني الشاكر والمذكور في الحديث ما يخالفه كما هو ظاهر لأن الذي فيه فضلهم للإتيان بهذا الذكر مع العبادات المالية وأما فضل الفقراء بفضيلة الفقر المحمودة فمسكوت عنه في الحديث. قوله: (تُسَبحُونَ وتُحمدُونَ وتُكَبِّروُنَ خَلفَ كل صلاةٍ الخ) هذه الأفعال الثلاثة تنازعت خلف وهو الظرف وثلاثًا وثلاثين وهو منتصب انتصاب المصدر

ثلاثًا وثلاثينَ". قال أبو صالح الراوي عن أبي هريرة: لما سُئل عن كيفية ذِكْره؟ يقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، حتى يكون منهن كلهن ـــــــــــــــــــــــــــــ وأطلق عليه بعضهم أنه مصدر توسعًا ووقع في بعض الروايات تقديم التكبير على التحميد وفي بعضها البداءة بالتكبير فدل ذلك على عدم اشتراط الترتيب فيها ويستأنس لذلك بقوله في حديث الباقيات الصالحات لا يضرك بأيهن بدأت لكن يمكن أن يقال الأولى البداءة بالتسبيح لأنه يتضمن نفي النقائص ثم التحميد لأنه يتضمن إثبات الكمال إذ لا يلزم من نفي النقائص إثبات الكمال ثم التأكيد إذ لا يلزم من نفي ذلك أن يكون هناك كبير آخر وليعلم أن ذات الشريف أكبر من أن يدركه وهم أو يعرفه فهم وينبغي أن يختم بالتهليل كما دل عليه أخبار آخر الدال على انفراده سبحانه بجميع ذلك ولا يخالفه قول أبي صالح يقول سبحان الله الخ، لما يأتي فيه. قوله: (ثلاثًا وثلاثينَ) يحتمل أن يكون المجموع هذا المقدار بحيث يكون كل واحد منها أحد عشر ويحتمل أن يكون كل منها يبلغ هذا العدد وتمام الحديث يبين أن المقصود الثاني قاله الكرماني قال ابن العز الحجازي وعلى هذا يتنازع ثلاثة أفعال في ظرف ومصدر والتقدير تسبحون خلف كل صلاة ثلاثًا وثلاثين تكبرون خلفها كذلك وبه يقيد ما تقدم قريبًا وقال المصنف في شرح مسلم ظاهر الأحاديث وطرق هذا الحديث غير رواية أبي صالح أن كل واحد منها يكون ثلاثًا وثلاثين وأما قول سهل يعني ابن أبي صالح إن كل واحد منها أحد عشر فلا ينافي رواية الأكثرين فإن معهم زيادة يجب قبولها وفي رواية تمام المائة لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له الخ. قلت وسيأتي هذا في حديث لأبي هريرة وفي رواية أن التكبير أربعًا وثلاثين وسيأتي من حديث كعب قال وكلها زيادات ثقات يجب قبولها فينبغي أن يحتاط الإنسان فيأتي بثلاث وثلاثين تسبيحة وكذلك تحميدة وأربع وثلاثين تكبيرة ويأتي بعد ذلك بالتهليل للجمع بين الروايات اهـ، وقيل الجمع بين الروايات أن يختم مرة بزيادة تكبيرة ومرة لا إله إلَّا الله وتقدم ما فيه وسيأتي لهذا المقام مزيد في حديث ابن عمر. قوله: (قَال أَبُو صالح) واسمه ذكوان وهو الزيات ويقال السمان مدني تابعي ثقة عالم مات سنة إحدى ومائة بالمدينة. قوله: (لما سُئِلَ الخ) في مسلم قال

ثلاث وثلاثون. الدثور: جمع دثر بفتح الدال، وإسكان الثاء المثلثة: وهو المال الكثير. وروينا في "صحيح مسلم"، عن كعب بن عُجرة رضي الله عنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ سمي فحدثت بعض أهلي بهذا الحديث فقال لي وهمت إنما قال لك تسبح الله ثلاثًا وثلاثين وتحمد الله ثلاثًا وثلاثين وتكبر الله ثلاثًا وثلاثين قال سمي فرجعت إلى أبي صالح فذكرت له ذلك فقال تقول الله أكبر وسبحان الله والحمد لله حتى تبلغ من جميعهن ثلاثًا وثلاثين وفي رواية في الصحيح عند البخاري قال فاختلفنا بيننا فقال بعضنا نسبح ثلاثًا وثلاثين ونحمد ثلاثًا وثلاثين ونحبر أربعًا وثلاثين فرجعنا إليه فقال تقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر حتى تكون منهن كلهن ثلاثًا وثلاثين قال الحافظ وقد تعين الراجع والمرجوع إليه من رواية مسلم اهـ. قال ابن حجر في شرح المشكاة الظاهر أن السنة الإتيان بكل نوع من التسبيح والتحميد والتكبير على حدة وأما ما وقع في الصحيح عن أبي صالح قال تقول سبحان الله الخ. فإن الرواية الثانية عن أبي صالح ظاهرها أنه يأتي بالعدد من كل نوع على حدة اهـ. أي وظاهرها تفديم التسبيح ثم التحميد ثم التكبير وحكمته ما سبق، وأفتى السبكي بأن الأولى أن يستحضر معنى التسبيح وما بعده إجمالا ولا يحتاج لتفصيل الصفات التي يسبح عنها ويحمد عليها ويكبر عنها لورود ذلك مطلقًا في الكتاب والسنة وليتناول الجميع إلَّا في نحو عما يشركون عما يصلون لأن ذلك أحقر من أن يستحضر مع الرب وإنما يستحضر مع وجه كلي لضرورة صدور التسبيح عنه اهـ. قوله: (الدثورُ) أي بضم أوليه المهملة ثم المثلثة. قوله: (وسكونِ المثَلثَةِ) قلت وحكي تحريكها. قول، : (المالُ الكثِيرُ) ويطلق عليه الدثر بكسر المهملة وسكون المثلثة وقال الجوهري تبعًا لابن سيده الدثر بالمثلثة لا يثنى ولا يجمع قال الهروي يقال مال دثر ومالان دثر وأموال دثر وحكى المطرز وغيره أنه يثنى ويجمع قال الداودي الدثر من الأضداد يطلق على الغنى وعلى الإندراس. قوله: (وَرَوَينا في صحيح مسلم الخ) ورواه الترمذي والنسائي عن كعب بن عجرة قال الحافظ أخرجه كلهم عن أسباط بن محمد عن عمرو بن قيس عن الحكم بن عيينة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب مرفوعًا قال الترمذي حديث حسن وقال شعبة وقد رواه شعبة عن الحكم فلم يرفعه ورفعه منصور

"مُعَقباتٌ لا يخِيبُ قائِلُهُن أو فاعِلُهُن ـــــــــــــــــــــــــــــ عن الحكم قال الحافظ هكذا اقتصر الترمذي في ذكر من رفعه على منصور وقد أخرجه مسلم من رواية أسباط بن محمد ومالك بن مغول كلهم عن الحكم مرفوعًا أيضًا ورواه زيد بن أبي أنيسة عن الحكم مرفوعًا أيضًا وأما رواية شعبة فقد وقعت موقوفة كما قال الترمذي ومرفوعة عنه أيضًا ثم خرجه الحافظ عن شعبة عن كعب موقوفًا عليه بإسناد قال أنه على شرط مسلم وأخرجه عن شعبة عن كعب أيضًا مرفوعًا وقال وأخرجه ابن منده من رواية يزيد بن هارون عن شعبة مرفوعًا ورواه يحيى بن بكير عن شعبة مرفوعًا قال الحافظ وأخرجه ابن حبان في أوائل صحيحه من طريق شعيب بن حرب عن شعبة وحمزة الزيات ومالك بن مغول ثلاثتهم عن الحكم به مرفوعًا وأما رواية منصور التي أشار إليها الترمذي فأخرجها النسائي في اليوم والليلة من رواية سفيان الثوري ومن رواية أبي الأحوص كلاهما عن منصور رفع ووقفه عن أبي الأحوص اهـ. قلت وأخرجه أبو نعيم في مستخرجه على كتاب ابن السني في اليوم والليلة من حديث سفيان عن ابن عمير وعبدة بن أبي لبابة سمعا واردًا كاتب المغيرة وذكر الحديث مرفوعًا. قوله: (مُعَقِّبَات) بكسر القاف المشددة أي كلمات يأتي بعضها عقب بعض مأخوذ من العقب وفي النهاية سميت معقبات لأنها عادت مرة بعد أخرى أو لأنها تقال عقب الصلوات أو معقبات للثواب اهـ، وفي السلاح معقبات من التعقيب في الصلاة وهي الجلوس بعد انقضائها للدعاء ونحوه وفي الحديث من عقب في صلاة فهو في صلاة وعاقبه جاء بعقبه فهو معاقب وعقيب أيضًا ويجوز أن يكون من العود مرة بعد أخرى يقال النعامة تعقب في مرعى بعد مرعى وقوله تعالى: (معقبات هم ملائكة الليل وملائكة النهار يتعاقبون أي يعقب بعضهم بعضًا قال الجوهري وإنما أنث لكثرة ذلك منهم كتبيانة وعلامة اهـ، ومعقبات صفة مبتدأ أقيمت مقامه أي كلمات معقبات وجاز الابتداء به لوصفه وجملة لا يخيب الخ. خبر أو صفة. قوله: (لَا يخِيبُ قَائِلُهنَّ أَوْ فَاعلهنَّ) شك من الراوي لا تخيير كما توهمه الحنفي في شرح الحصين وجاء في رواية لمسلم والترمذي والنسائي وأبي عوانة لا يخيب قائلهن من غير شك والمراد لا يخسر ولا يحرم من الثواب الذي أعده الله لقائلها قال الرداد في موجبات الرحمة في قوله

دُبُرَ كُلِّ صلاةٍ مَكْتُوَبةٍ، ثلاثًا وثلاثينَ تَسْبِيحَةً، وثَلاثًا وثَلاثينَ تَحْمِيدَةً، وأرْبَعًا وَثَلاثِينَ تكْبِيرَةً". وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ سَبحَ اللهَ في دُبُرِ كل ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يخيب الخ. من إطلاق عموم الفضل ما لا يعبر عنه لسان ولا يضبطه فهم إنسان فإن ما يقول فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يخيب لا تدري نفس ما أخفي لهم من قرة أعين في الدنيا والآخرة وما بينهما اهـ. قوله: (دبُرَ) تقدم ضبط هيئته ومعناه وأما إعرابه فقيل ظرف لقائل أو فاعل وقيل صفة بعد صفة وقيل خبر بعد خبر. قوله: (ثلاثًا وثلاثينَ) بالنصب كذا في نسخ الأذكار وهو الذي وقفت عليه في صحيح مسلم في طريقه والذي في نسخ المشكاة والسلاح والحصن بالرفع وخرجه ابن الجوزي على أنه خبر عن قوله معقبات وأو للشك وربما يقال للقائل فاعل إذ القول فعل من الأفعال وقال ابن حجر في شرح المشكاة خبر أول أو ثالث أو خبر مبتدأ محذوف والجملة للبيان اهـ، وكأن النصب بفعل محذوف أي يسبح تسبيحًا ثلاثًا وثلاثين الخ، ويحمد ويكبر الخ. أو يذكر ذكرًا ثلاثًا وثلاثين الخ. فثلاثَا وثلاثين منصوب لكونه صفة للمصدر أو بدلًا منه كما تقدم نظيره والجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا أتي بها للبيان والله أعلم. قوله: (وأَربعًا وثلاثِينَ) هكذا هو بالنصب في إحدى روايتي مسلم ووجهه العطف على ما قبله وفي رواية أخرى هو بالرفع مع نصب ما قبله ولعله على الاستئناف فأربع مبتدأ خبره محذوف أي يكمل بها المائة ولهذه المخالفة صلة مما قبله والله أعلم. قوله: (وَرَوَينَا في صحيح مسلِم) وكذا رواه أبو داود والنسائي أيضًا عن أبي هريرة وفي بعض طرق النسائي من سبح دبر كل صلاة مكتوبة مائة وكبر مائة وهلل مائة وحمد مائة غفرت له ذنوبه وإن كانت أكثر من زبد البحر كذا في السلاح وأخرج الحافظ الحديث من طريق أبي نعيم في المستخرج وابن خزيمة والطبراني كلهم عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره قال الحافظ وقدم ابن خزيمة في روايته التكبير على التحميد وزاد فذلك تسع وتسعون وقال غفرت خطاياه وقال الحافظ أخرج الحديث الغرياني في كتاب الذكر وأخرج نحوه الطبراني وكذا هو عند أحمد وأخرجه أبو عوانة ومالك في الموطأ عن أبي عبيد شيخ سهيل فلم يرفعه واختلف على سهيل في إسناده وسياق

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ متنه فرواه الأئمة هكذا عن سهيل عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة مرفوعًا وخالفهم روح بن القاسم فرواه عن سهيل أي ابن أبي صالح المذكور عن أبيه عن أبي هريرة قال قالوا يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور فذكر الحديث وفيه تسبحون وتحمدون وتكبرون إحدى عشرة واحدى عشرة واحدى عشرة فذلك كله ثلاثة وثلاثون أخرجه مسلم وأبو عوانة وصنيع مسلم يقتضي أنه كان عند سهيل حديثان متغايران وقد قيل أن التفسير من قبل سهيل فإنه لم يتابع عليه وسبق التصريح عن أبي هريرة بأن كل كلمة تقال ثلاثًا وثلاثين قال الحافظ وجاء عنه من وجه آخر كذلك وفيه زيادة فائدة تسمية قائل ذهب أهل الدثور ثم أخرجه من طريق أبي عبد الله ابن الإمام أحمد عن أبيه حدثنا الوليد هو ابن مسلم حدثنا الأوزاعي حدثني حسان بن عطية عن محمد بن أبي عائشة عن أبي هريرة أن أبا ذر رضي الله عنه قال يا رسول الله ذهب أهل الأموال بالأجور يصلون كما نصلي الحديث وفيه تسبح دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين وتحمد ثلاثًا وثلاثين وتكبر ثلاثًا وثلاثين ثم تختمها بلا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وقال هذا حديث صحيح أخرجه أبو داود وابن حبان في صحيحه وله شاهد عند النسائي عن أبي الدرداء وفيه أيضًا أنه سأل عن ذلك وآخر عن أبي ذر نفسه أخرجه النسائي وابن ماجة وصححه ابن خزيمة ولحديث كعب في أن التكبير أربع وثلاثون شاهد من حديث أبي الدرداء وفيه أنه قال قلت يا رسول الله ذهب الأغنياء بالدنيا والآخرة يصلون كما نصلي فذكر الحديث وفيه في دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين تسبيحة وثلاثًا وثلاثين تحميدة وأربعًا وثلاثبن تكبيرة قال الحافظ حديث حسن أخرجه النسائي وقال بعد تخريجه من طريق أخرى أعلى من الطريق الأولى بنحوه أخرجه أحمد والنسائي ثم أشار الحافظ إلى اختلاف على أبي عمرو راوي الحديث عن أبي ذر فرواه عنه كذلك الحكم وعبد العزيز بن رفيع وأبو الأحوص ومعمر وغيرهم وخالفهم شريك فزاد في سنده أم الدرداء لم أخرجه الحافظ من طريق الطبراني عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي عمرو عن أم الدرداء فذكره بنحوه قال الحافظ أخرجه كذلك النسائي وأخرج الحافظ شاهدًا آخر للحديث من حديث زيد بن ثابت قال أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نسبح في دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين ونحمد ثلاثًا

صلاة ثلاثًا وثلاثينَ، وحَمِدَ اللَّهَ ثلاثًا وثَلاثينَ، وكَبرَ اللهَ ثَلاثًا وثَلاثينَ، وقال تمَامَ المِائَةِ: لا إلهَ إلا اللَّهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لهُ المُلكُ ولهُ الحَمْدُ وهُوَ على كل شيء قدِيرْ، غُفِرَتْ خَطاياهُ وإن كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وثلاثين ونكبر أربعًا وثلاثين فرأى رجل في منامه أن رجلًا قال لو جعلتموها خمسًا وعشرين وزدتم فيها التهليل فذكر ذلك الرجل للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال كذلك فافعلوا قال الحافظ حديث صحيح أخرجه أحمد وابن حبان عن ابن خزيمة وأخرجه النسائي من وجه آخر ورجاله رجال الصحيح الأكثير بن أفلح وقد وثقه النسائي والعجلي ولم أر لغيرهما فيه كلامًا وله شاهد حسن من حديث ابن عمر بمثله وفيه أن الراوي رجل من الأنصار أخرجه أبو العباس السراج اهـ. قوله: (صَلاةٍ) أي مكتوبة. قوله: (وحَمدَ الله) أي في دبر كل صلاة وحذف فيه وفيما بعده للعلم به مما قبله. قوله: (تَمَامَ المائةِ) بالنصب على أنه ظرف لقال وروي بالرفع على أنه مبتدأ خبره قوله لا إله إلَّا الله الخ، وحذف المصنف قوله في الحديث فتلك تسعة وتسعون من ثم قال تمام المائة الخ. لأنه لا يحصل للسامع بها فائدة جديدة لأن مضمونها معلوم مما قبلها وإن كان لذكرها في الخبر حكمتان التوطئة لقوله ثم قال تمام المائة الخ، وعلم الجملة كما علم التفصيل ليحاط به من جهتين فيتأكد واحد للعلم به إذ علمان خير من علم. قوله: (غفرَتْ خطَاياهُ) جزاء أو خبر لقوله من سبح والمكفر الصغائر المتعلقة بحق الله تعالى لما تقدم. قوله: (مثل زَبدِ البحْرِ) أي في الكثرة قال الحافظ ابن حجر هو كناية عن المبالغة في الكثرة وقد تقدم له بيان في باب فضل الذكر واعلم أن في كل من الكلمات الثلاث روايات مختلفة ذكر المصنف بعضها ونذكر بعضا من باقيها فنقول. ورد التسبيح عشرًا وثلاثًا ومرة واحدة وسبعين ومائة وورد التحميد عشرًا ومائة وورد التكبير عشرًا ومائة وورد التهليل عشرًا ومائة ذكر هذه الروايات ابن حجر في شرح المشكاة ولم يبين من خرج كلا منها قال الحافظ الزين العراقي وكل ذلك حسن وما زاد فهو أحب إلى الله تعالى وجمع البغوي في شرح السنة باحتمال أن يكون ذلك صدر في أوقات متعددة وأن يكون على سبيل التخيير أو يفترق

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بافتراق الأحوال وظاهر كلام العراقي السابق ترجيح الثاني ونقل عن بعض مشايخه أن هذه الأعداد وغيرها مما ورد له عدد مخصوص مع ثواب مخصوص لا يحصل ذلك الثواب لمن زاد في أعدادها عمدًا ولعله لحكمة تفوت بمجاوزتها وفي التحفة لابن حجر لم يعثر العراقي على سر هذا العدد المخصوص يعني الثلاث والثلاثين في التكبير في الأولين والأربع والثلاثين في التكبير وهو أن أسماء الله تعالى تسعة وتسعون وهي إما ذاتية كالله أو جلالية كالكبرياء أو جمالية كالمحسن فجعل للأول التسبيح لأنه تنزيه للذات وللثاني التكبير وللثالث التحميد لانه يستدعي النعم وزيد في الثانية التكبير أو لا إله إلَّا الله لأنه قيل أن تمام المائة في الاسم الأعظم وهو داخل في أسماء الجلال وقال القرافي في القواعد تكره الزيادة ولا ثواب عند الزيادة أو النقص لأن فيها سوء أدب قال ومن البدع المكروهة الزيادة في المندوبات المحدودة شرعًا لأن شأن العظماء إذا حدوا حدًّا أن يوقف عنده ويعد الخارج عنه سيئًا للأدب اهـ. وفي قواعد الصوفية للشيخ زروق المالكي ما خرج مخرج التعليم وقف به على جهته من غير زيادة ولا نقص وقد روي أن رجلًا كان يذكر في دبر الصلاة سبحان الله والحمد لله الخ، مائة من كل واحدة فرأى في منامه كأن قائلًا يقول أين الذاكرون أدبار الصلوات فقام فقيل له ارجع إنما هذه المزية لمن اقتصر على الثلاث والثلاثين فكل ما ورد فيه عدد قصر عليه وكذا اللفظ اهـ، وكأن الآتي به مائة لم يرد العمل بالرواية الأخرى إنما زاد هكذا فلم يحصل له الفضل فلا ينافي ما تقدم من كون ذلك ورد عند النسائي وأيد ما ذكر بأنه دواء إذا زيد فيه على قانونه يصير داء وبأنه مفتاح وهو إذا زيد على أسنانه لا يفتح وقال غيره يحصل الثواب مع الزيادة ومقتضى كلام الزين العراقي ترجيحه لأنه نظر فيما نقله عن بعض أشياخه بأنه بالإتيان بالأصل قد حصل له ثوابها فلا تكون الزيادة مزيلة للثواب بعد حصوله، ورد بعض أئمتنا كلام القرافي السابق وبالغ في تزييفه وأنه لا يحل اعتقاده ثم ساق أحاديث وقال أنها تدل على الثواب مطلقًا وإن القصد الإتيان بهذه الأنواع الثلاثة من الذكر، وجمع بعضهم بأن من أثبت الثواب أراد من حيث كونه مطلق ذكر لا من حيث كونه عقب الصلاة ومن نفى أراد الثواب من حيث كونه عقب الصلاة قال الخلاف إلى ذلك فحسب فلا اعتراض على القرافي وبحث

وروينا في "صحيح البخاري" في أوائل "كتاب الجهاد" عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتعوذ دبر الصلاة بهؤلاء الكلمات: "اللهُم إني أعُوذ بكَ منَ الجُبْنِ، وأعُوذُ بِكَ أنْ أُرَدَّ إلى أرْذَلِ العُمُرِ، وأعُوذُ بِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحافظ في الفتح التفرقة بين أن ينوي عند الانتهاء إلى الحد المخصوص الامتثال ثم يزيد فيثاب وبين أن يزيد بغير نية بأن يكون الثواب على عشرة فيرتبه هو مائة فيتجه عدم الثواب ومثله بالدواء فيما سبقه اهـ، وفي التحفة لابن حجر وأوجه منه تفصيل آخر هو أنه أن زاد لنحو شك عذر أو لتعبد فلا لأنه مستدرك على الشارع وهو ممتنع. قوله: (وَرَوَينَا في صحِيح البخَاري الخ) ورواه النسائي والترمذي والنسائي أيضًا عن سعد ولفظ صحيح البخاري عن عبد الملك بن عمير عن عمرو بن ميمون الأودي قال كان سعد يعني ابن أبي وقاص يعلم بنته هؤلاء الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة ويقول إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ بهن دبر كل صلاة اللهم إني أعوذ بك من الجبن الخ. قال عبد الملك فحدثت به مصعب بن سعد فصدقه أخرجه البخاري في باب التعوذ من الجبن في كتاب الجهاد وأخرجه في أواخر صفة الصلاة وفي الدعوات عن عبد الملك بن عمير عن مصعب بن سعد عن أبيه وليس فيه ذكر عمرو بن ميمون ولا التقييد بدبر الصلاة وقد أخرجه الترمذي والنسائي عن عبد الملك بن عمير عن عمرو بن ميمون ومصعب بن سعد جميعًا عن سعد وزاد فيه دبر الصلاة وكذا أخرجه ابن خزيمة قاله الحافظ. قوله: (منَ الجُبنِ) بضم الجيم وسكون الموحدة وبفتحتين على ما في القاموس يقال جبان كسحاب وشداد قال ميرك وقد ورد في هذا الحديث عند البخاري زيادة هي وأعوذ بك من البخل فقيل الجود اما بالنفس وهو الشجاعة ومقابله الجبن أو بالمال وهو السخاوة ويقابله البخل ولا تجتمع الشجاعة والسخاوة إلَّا في نفس كاملة ولا ينعدمان إلّا في متناه في النقص إذ البخل يقطع عن الوصول إلى الحضرة الإلهية ويوجب لها الحرمان عن الظفر بشيء من معارفها الربانية. قوله: (وأَعُوذُ بكَ منَ أَن أرَدَّ) هو بالبناء للمجهول أي من الرجوع إلى أرذل العمر بضمتين وقد تسكن الميم أي إلى آخر العمر، هو أرذله لاستلزامه العجز والهرم والخرف والعود إلى حال الطفولية المنافي لما خلق له الإنسان من العلم والمعرفة وأداء العبادات الباطنة

مِنْ فِتْنَةِ الدنْيا وأعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبرِ". وروينا في "سنن أبي داود والترمذي والنسائي" عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خَصْلَتانِ أو خَلَّتانِ لا يُحافِظُ عَلَيْهما عَبْدٌ مُسْلِمٌ إلا دَخَلَ الجنةَ، هُمَا يَسِيرٌ، ومَنْ يَعْمَلُ بِهِما قَلِيلٌ، يُسَبِّحُ اللهَ تَعالى دُبُرَ كل صلاةِ عَشْرًا وَيحْمَدُ عَشْرًا، ويُكَبِّر عَشْرًا، فَذَلِكَ خَمْسُونَ ومائَة باللِّسَانِ، وألفٌ وخَمْسمُائَةٍ في المِيزانِ، وَيُكَبرُ أربعًا وَثَلاثينَ إذا أخَذَ مَضْجَعَهُ، وَيحْمَدُ ثَلاثًا وثلا ثينَ، ويُسبح ثلاثًا وثلاثين فذَلِكَ مِائَةٌ باللسانِ، وألف بالميزَانِ"، قال: فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـــــــــــــــــــــــــــــ والظاهرة على وجهها الأكمل والتفكر في الآية الموجب للشكر وإدامة المراقبة والشهود، ولإضاعة أرذل العمر هذه الكمالات كانت الاستعاذة لا سيما في آكد أوقات الإجابة. قوله: (منَ فِتنَةِ الدُّنيا) التي من شأنها أن تلهي عن الله تعالى وتقطع عبادته وتطمس القلب عن التطلع إلى شهود آلائه ومصنوعاته. قوله: (وَرَوَينَا في سُنَن أَبِي دَاوُدَ) واللفظ له ورواه ابن حبان في صحيحه. قوله: (والترْمذِي) أي وقال حديث حسن صحيح قال الحافظ بعد تخريج الحديث حديث صحيح أخرجه أحمد وابن حبان في صحيحه كلهم عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو اهـ. قوله: (خَصلتَان أَوْ خَلَّتان لَا يحَافِظُ علَيهِمَا الخ) هذا الشك في رواية لأبي داود ورواية الترمذي والنسائي خلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة والخلة بفتح الخاء بمعنى الخصلة قال في المشارق في حديث البخاري أربع خلال من كن فيه أي أربع خصال والخلة بالفتح الخصلة ومثله في الصحاح ولم يذكره في النهاية. قوله: (هُمَا يسِيرٌ) أي كل منهما يسير لسهولة النطق به والجملة وما عطف عليها اعتراض أكد بها التخصيص والتحريض على الإتيان بهما. قوله: (ومَنْ يعْمَلُ) أي يأت. قوله: (قلِيلٌ) أي لقلة الذاكرين بالنسبة لغيرهم. قوله: (يسئحُ الله الخ) هو إلى قوله يكبر عشرًا بيان لإحدى الخصلتين. قوله: (فذلِكَ) أي المذكور من التسبيح وما بعده وأشير إليه بما يشار به للبعيد لأنه لكونه غير مرئي كالبعيد وفي المشكاة فتلك أي التسبيحات وما معها. قوله: (خمْسُونَ ومائة) أي لأنها ثلاثون عقب كل من الخمس. قوله: (فذلِكَ مِائة باللسَانِ الخ) زاد النسائي في الحديث بعد ذلك قوله فأيكم يعمل في اليوم

يعقدها بيده، قالوا: يا رسول الله كيف هما يسير، ومن يعمل بهما قليلِ؟ قال: "يأتي أحَدَكُمْ -يعني الشيطانُ- في مَنامِهِ، فَيُنَوّمُهُ قَبْلَ أنْه يَقُولَهُ، ويأتِيهِ في صَلاتهِ، فَيُذكرَهُ حاجَةً قَبْلَ أن يَقُولَهَا"، إسناده صحيح، إلا أن فيه عطاء بن السائب، وفيه اختلاف بسبب اختلاطه. وقد أشار أيوب ـــــــــــــــــــــــــــــ والليلة ألفين وخمسمائة سيئة ووجه التفريع أنه يحصل من مجموع ثواب الخصلتين الفان وخمسمائة حسنة وقد تقرر أن كل حسنة من التضعيف كالأصل تمحو سيئة فإذا تقرر ذلك عندكم فأيكم يعمل الخ. أي هذا بعيد وبفرضه فيكفرها ما ذكر من الحسنات وهذا مما يقتضي الدوام على هذا الذكر لعظم فضله فالفاء فيه جواب شرط مقدر كما علم من الكلام السابق والاستفهام فيه نوع إنكار عليهم أي فأيكم يأتي بهذا العدد حتى يكفر بهذا فما لكم لا تأتون بهذا وأي مانع لكم منه. قوله: (يعْقِدهَا بيَدِهِ) ورد الأمر بالعقد بالأنامل في حديث فيحتمل أنه مخير ويحتمل أن المراد هنا الأنامل أو بالعكس. قوله: (يأتِي أَحدَكمْ الخ) أوضح منه ما أورده في المشكاة قال يأتي أحدكم الشيطان وهو في صلاته فيقول له اذكر كذا اذكر كذا حتى ينتقل فلعله ألا يفعل ويأتيه في مضجعه فلا يزال ينومه حتى ينام رواه الترمذي والنسائي وأبو داود. قوله: (إِلا أن فيه عطَاءَ بْنَ السائبِ الخ) قال الذهبي في الكاشف عطاء بن السائب الثقفي الكوفي أحد الأعلام على لين فيه، عن أبيه وابن أبي أوفى وأبي عبد الرحمن السلمي، وعنه شعبة والحمادان والسفيانان وأمم، ثقة ساء حفظه بآخرة قال أبو حاتم سمع منه حماد بن زيد قبل أن يتغير وقال أحمد ثقة رجل صالح يختم القرآن كل ليلة روى عنه أصحاب السنن الأربعة والبخاري مات سنة ست وثلاثين ومائة اهـ. قال الحافظ وقول الشيخ إلَّا أن فيه عطاء بن السائب الخ. لا أثر لذلك فإن شعبة والثوري وحماد بن زيد سمعوا من عطاء قبل الاختلاط وقد اتفقوا على أن الثقة إذا يتميز ما حدث به قبل اختلاطه مما بعده قبل وهذا من ذلك ويؤيده قوله وأشار أيوب الخ. قال الحافظ وكأنه أشار به إلى ما رويناه عن حماد بن زيد قال أنه لما قدم عطاء بن السائب البصرة قال لنا أيوب يعني السختياني اذهبوا فاسألوه عن حديث التسبيح يعني هذا الحديث قال الحافظ وأصرح منه عن حماد قال كان أيوب حدثنا بهذا الحديث عن عطاء فذكره قال فلما قدم علينا عطاء البصرة قال

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لنا أيوب اذهبوا فأسمعوه أي هذا الحديث من عطاء قال الحافظ فدل على أن عطاء حدث به قديمًا بحيث حدث به عنه أيوب في حياته وهو من أقرانه أو أكبر منه لكن في كون هذا حكمًا من أيوب بصحة الحديث نظر لأن الظاهر أنه قصد علو الإسناد لهم قال الحافظ ووالد عطاء الذي تفرد بهذا الحديث لم يخرج له الشيخان لكنه ثقة ولحديثه شاهد قوي بسند قوي فلذلك صححت الحديث وشاهده ما أخرجه الحافظ عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيمنع أحدكم أن يكبر في دبر كل صلاة عشرًا ولسبح عشرًا كذا في خمس صلوات خمسون ومائة باللسان وألف وخمسمائة في الميزان فإذا أوى إلى فراشه يكبر الله عزّ وجل أربعًا وثلاثين ويحمد ثلاثًا وثلاثين فذلك مائة باللسان والف في الميزان قال وأيكم يعمل في يوم وليلة ألفين وخمسمائة سيئة وقال الحافظ حديث حسن من هذا الوجه أخرجه النسائي في اليوم والليلة عن الحسن بن عرفة قال النسائي خالفه شعبة وغيره في لفظه قال الحافظ وأشار إلى حديث مصعب بن سعد عن أبيه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيعجز أحدكم أن يكسب في اليوم ألف حسنة يسبح الله مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة ويحط عنه ألف خطيئة حديث صحيح أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وأبو عوانة وغيرهم، ولحديث عبد الله بن عمر وشاهد من حديث عطاء عن أبيه عن علي رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له ولفاطمة تسبحان دبر كل صلاة عشرًا وتحمدان عشرًا وتكبران عشرًا فإذا أويتما إلى فراشكما تسبحان ثلاثًا وثلاثين وتحمدان ثلاثًا وثلاثين وتكبران أربعًا وثلاثين وفي الحديث قصة، فالحديث رواه عطاء عن أبيه وقال عن علي بدل عبد الله بن عمرو فمنهم من أعله به ومنهم من جعله حديثين محفوظين وهو الظاهر لاختلاف سياقهما وإن اشتركا في بعض ولأنه من رواية حماد بن سلمة عن عطاء وسماعه من قبل الاختلاط وقد روى عنه حماد الحديث الآخر كما تقدم وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني عن أم مالك الأنصارية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علمها أن تقول في دبر كل صلاة سبحان الله عشرًا والحمد لله عشرًا والله أكبر عشرًا وهو من رواية عطاء بن السائب أيضًا لكن قال عن يحيى بن جعدة عن رجل حدثه عن أم مالك والراوي له عن عطاء إنما سمع بعد الاختلاط وأخرج البزار وأبو يعلى عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم أم سليم وهي والدة أنس نحو

السختياني إلى صحة حديثه هذا. وروينا في سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي وغيرهم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: "أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقرأ بالمعوذتين دبر كل صلاة". وفي رواية أبي داود: "بالمعوذات"، ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك وأصله عند الترمذي والنسائي من وجه آخر عن أنس وسنده قوي. قلت وقد سبق فيما يقول إذا قام إلى الصلاة وأخرج الترمذي عن ابن عباس حديثًا فيه التهليل دبر كل صلاة عشر مرات وقال حسن اهـ. كلام الحافظ. قوله: (السختِيَانِي) نسبة إلى عمل السختيان وبيعه وهو الجلود الضانية ليست بأدام قال في لب اللباب اشتهر بهذه النسبة أبو بكر أيوب بن أبي تميمة السختياني البصري وأبو إسحاق عمران بن موسى بن مجاشع محدث جرجان وغيرهما وبه يعلم أن ما يوجد في بعض نسخ الأذكار من قوله السختياني من تحريف الكتاب. قوله: (وغيْرهِمْ) أي كأحمد وابن حبان والحاكم في المستدرك وابن السني كلهم عن عقبة إلَّا انهم قالوا المعوذات بصيغة الجمع والحديث صحيح كما قاله الحافظ. قوله: (عنْ عقْبَةَ بْنِ عامرٍ) هو أبو حماد وقيل أبو عامر وقيل أبو أسد وقيل أبو لبيد وقيل أبو سعاد وقيل أبو عمر وقيل غير ذلك عقبة بن عامر بن عبس بفتح العين المهملة وسكون الموحدة ثم سين مهملة ابن عمر بن عدي بن عمرو بن رفاعة الجهني القضاعي الصحابي الجليل قال الحافظ الذهبي فيه صحابي كبير أمير شريف فصيح مقرئ فرضي شاعر ولي غزو البحر قال ابن حجر العسقلاني واختلف في كنيته على سبعة أقوال أشهرها أبو حماد وكان عقبة من فضلاء الصحابة ونبلائهم فباشر فتوح الشام فحزم وعزم وكان البشير إلى عمر بفتح دمشق ووصل إلى المدينة في سبعة أيام ورجع منها إلى دمشق في يومين ونصف ببركة دعائه عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقرب عليه مسافته وكان سكن دمشق ثم انتقل إلى مصر بعد موت أخيه واليًا لمعاوية سنة أربع وأربعين ومات بها سنة ثمان وخمسين وقيل توفي بالشام آخر خلافة معاوية وقيل قبل النهروان سنة ثمان وثلاثين وهو غلط وقيل أن قبره بالبصرة روي له خمسة وخمسون حديثًا اتفقا منها على سبعة وانفرد البخاري بحديث ومسلم بتسعة رضي الله عنه. قوله: (بالمعَوذَتيْنِ هما بكسر الواو ويجوز فتحها. قوله: (وفي رَوايةِ أَبِي دَاوُدَ بالمعَوذَاتِ) أي بصيغة الجمع وهي كذلك عند النسائي والبيهقي قال الحافظ

فينبغي أن يقرأ: "قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس". ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد أن أخرج المتن من طريق الطبراني في كتاب الدعاء وقال فيه بالمعوذات وأخرجه أحمد أيضًا وأبو داود والنسائي من طريق عبد الله بن وهب وأخرجه الحاكم وابن خزيمة وابن حبان ووقع في رواية جميعهم بالمعوذات قال ففي اقتصار الشيخ على عزوها لأبي داود إيهام انفراد وليس كذلك اهـ. قوأله: (قَال المصنف فَينْبغي أَنْ يقْرأَ (قُل هُوَ اللهُ أَحَد) [الإخلاص: 1]) هو مرتب على رواية المعوذات لأنه جمع وأقل الجمع ثلاث فجعل سورة الإخلاص منها تغليبًا قال الحافظ وفيه احتمال أن يراد بالمعوذات آيات السورتين ثم قال ويؤيده ما جاء في بعض طرق حديث عقبة هذا لقد أنزلت علي آيات لم أر مثلهن المعوذات اهـ، وقال ابن حجر الهيتمي المعوذات (فُلْ هوَ اللهُ أَحَد) والمعوذتان وغلبهما عليها لكونهما أكثر وفي الحرز يحتمل أن يكون رواية الجمع بناء على أن أقل الجمع اثنان فتتفق الروايتان وإما أن تدخل سورة الإخلاص أو الكافرون في المعوذات لأن كلتيهما براءة من الشرك والتجاء إلى الله تعالى اهـ، وظاهر كلام الحافظ أن قول المصنف فينبغي الخ. مخصوص برواية الجمع والظاهر أنه مطلوب حتى على رواية التثنية ووجهه حينئذٍ أن تلك الرواية سكتت عما جاء مزيدًا عند ثقة آخر وما كان هذا سبيله عمل بالجميع والله أعلم، اهـ. قال الحافظ وجاء الأمر بالتعوذ بالإخلاص والمعوذتين في حديث أخرجه البزار وسنذكره في الباب الذي بعده في الكلام على حديث عبد الله بن خبيب قال الحافظ وهو يؤيد تأويل الشيخ رحمه الله وورد الترغيب في قراءة سورة الإخلاص عقب الصلاة المكتوبة صريحًا في حديث جابر بن عبد الله وهو حديث غريب أخرجه الطبراني في كتاب الدعاء ولفظه ثلاث من جاء بهن مع الإيمان أدخل من أي أبواب الجنة شاء من عفا عن قاتله وأدى دينًا خفيًّا وقرأ قل هو الله أحد دبر كل صلاة مكتوبة فقال أبو بكر وواحدة يا رسول الله فقال وواحدة وجاء حديث في قراءتها مع آية الكرسي في حديث أبي أمامة الباهلي وهو حديث حسن أخرجه النسائي في الكبرى والدارقطني في الأفراد وقد غفل ابن الجوزي فأورده في الموضوعات من طريق الدارقطني ولم يستدل لمدعاه إلَّا بالتكلم في واحد من رواته بجرح غير مفسر وهو لا يقبل وبفرض قبوله فلا يلزم مته وضع الحديث ومن ثم أنكر الحافظ الضياء ذلك على ابن الجوزي وأخرجه في الأحاديث المختارة مما ليس في الصحيحين وقال ابن عبد الهادي لم يصب ابن الجوزي والحديث صحيح

وروينا بإسناد صحيح في سنن أبي داود، والنسائي، عن معاذ رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيده وقال: "يا مُعاذُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الحافظ لم أجد للمتقدمين تصريحًا بتصحيحه وقد أخرجه ابن حبان في كتاب الصلاة المفرد ولم يخرجه في كتاب الصحيح اهـ. تنبيه ذكر الشيخ في المجموع أن الطبراني روى في معجمه أحاديث في فضل آية الكرسي عقب الصلاة ولكنها ضعيفة كذا أطلق وحديث أبي أمامة الذي ذكرناه حسن أو صحيح كما تقدم اهـ، وفي المشكاة عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال بينا أنا أسير مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الجحفة والأبواء إذ غشينا ريح وظلمة شديدة فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأب (قُل أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ) [الفلق: 1] ({قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)} [الناس: 1] ويقول يا عقبة تعوذ بهما فما تعوذ متعوذ بمثلهما رواه أبو داود قال ابن حجر في شرحها ومن ثم لما سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - مكث مسحورًا سنة حتى أنزل الله عليه ملكين فعلماه أن يتعوذ بهما ففعل فزال عنه ما كان يجده من السحر وبه علم أنه لا أبلغ في إزالة السحر وعدم تأثيره من المداومة عليهما لا سيما عقب كل صلاة كما جرب اهـ. قوله: (وَرَوَينَا في إِسنَادٍ صَحِيح في سُننِ أَبِي دَاوُدَ والنسائِي) وكذا رواه أحمد وإسحاق في مسنديهما والطبراني في الدعاء وابن حبان في موضعين من صحيحه وقال صحيح على شرطهما قال الحافظ أما قوله صحيح فصحيح وأما الشرط ففيه نظر فلم يخرجا لبعض رواته في المستدرك ورواه ابن السني كلهم عن معاذ قال الحافظ وهو حديث صحيح. قوله: (عَنْ معاذٍ) وهو أبو عبد الرحمن معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بتحتية فمعجمة ابن عدي بن كعب بن عمرو بن أدي بضم الهمزة وتخفيف الدال المهملة المفتوحة ثم تحتية ثقيلة ابن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بمهملات ابن تزيد بمثناة فوقية بن جشم بن الخزرج الأنصاري الخزرجي ثم الجشمي المدني الصحابي الجليل الفقيه المفتي الصالح أسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة وشهد العقبة الثانية مع السبعين من الأنصار ثم شهد بدرًا وأحدًا والمشاهد كلها آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين ابن مسعود رضي الله عنهما وقال ابن إسحاق آخى بينه وبين جعفر بن أبي طالب وفي الصحيحين مرفوعًا خذوا القرآن من أربعة ابن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وأخرج الترمذي والنسائي وابن ماجة عن أنس مرفوعًا ارحم أمتي

واللهِ إني لأحُبُّكَ" ثم قال: "أوصِيكَ يا مُعاذُ لا تَدَعَنَّ في دُبُرِ كل صلاةٍ تقُولُ: اللهم أَعِني ـــــــــــــــــــــــــــــ بأمتي أبو بكر وأشدهم في أمر الله عمر وأشدهم حياء لله عثمان وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل وأخرج الترمذي والنسائي عن أبي هريرة مرفوعًا نعم الرجل أبو بكر الحديث وفيه ونعم الرجل معاذ بن جبل وأرسله النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن يدعوهم إلى الإسلام وشرائعه وهو أحد الأربعة الأنصار الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الباقية أبي وزيد بن ثابت وأبو زيد وسيأتي ذكرهم نظمًا بزيادة على هذا وأحد الثلاثة الذين كانوا يفتون على عهده - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار والآخران أبي وزيد بن ثابت وروي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال معاذ أمام العلماء يوم القيامة بربوة أو ربوتين والربوة الرمية بالحجر وقال ابن مسعود كان معاذ أمه قانتًا لله حنيفًا ولم يك من المشركين فقيل له إنما قال الله هذا في إبراهيم فأعاد قوله ثم قال الأمة الذي يعلم الناس الخير ويؤتم به والقانت المطيع لله تعالى وكذلك كان معاذ معلمًا للخير مطيعًا لله ولرسوله وكان عبد الله بن عمر يقول حدثونا عن العاقلين العالمين قيل من هما قال معاذ وأبو الدرداء كان معاذ شابًا جميلًا حسن الوجه والخلق طوالًا أبيض الثنايا عظيم العينين سمحًا روي له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مائة حديث وتسعة وخمسون حديثًا اتفقا منها على حديثين وانفرد البخاري بثلاثة ومسلم بواحد باع النبيِ - صلى الله عليه وسلم - ماله كله في دينه ثم بعثه عام الفتح إلى طائفة من اليمن أميرًا وهو أول من اتجر في مال الله واستعمله عمر بالشام بعد موت أبي عبيدة بن الجراح فمات من عامه في طاعون عمواس وهي قرية بين الرملة وبين المقدس بناحية الأردن بالشام سنة ثمان عشرة وقيل سبع عشرة وله ثلاث وثلاثون سنة وقيل أربع وثلاثون سنة وقيل ثمان وثلاثون ولما حضرته الوفاة قال مرحبًا بالموت مرحبًا بزائر حبيب جاء على فاقة اللهم إنك تعلم أني كنت أخافك وأنا اليوم أرجوك إني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لجري الأنهار ولا لغرس الأشجار ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر رضي الله عنه. قوت له: (والله إِني لأُحِبُّكَ) فيه مزيد التشريف لمعاذ والإيماء إلى كمال استقامته وعلو رتبته في القيام بالأوامر التكليفية وحصول الفيوض الإلهية وذكره توطئة وبعثًا له على امتثال ما يأمره به زاد أحمد والنسائي فقال معاذ وأنا أحبك قال العلماء لما صدقت

على ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبادَتِكَ". وروينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي الله عنه، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قضى صلاته مسح جبهته بيده اليمنى، ثم قال: "أشْهَدُ أن لا إله إلا الله الرحمَنُ الرحِيم، اللهم أذْهِبْ عَني الهَم والحَزَنَ". ـــــــــــــــــــــــــــــ محبة معاذ للنبي - صلى الله عليه وسلم - جاراه بأعلى من محبته كما هو عادة الكرام ولا أكرم منه ولذلك أكد النبي - صلى الله عليه وسلم - باللام وإن لم يؤكد معاذ كذلك. قوله: (عَلَى ذكركَ) أي الشامل للقرآن وسائر الأذكار قاله ابن حجر في شرح المشكاة. قوله: (وشكْرِكَ) أي شكر نعمك الظاهرة والباطنة الدنيوية والأخروية التي لا يمكن إحصاؤها. قوله: (وَحُسْنِ عبادَتِكَ) أي القيام بشرائطها وأركانها وسننها وآدابها وخضوعها وخشوعها وحصول الإخلاص فيها والاستغراق والتوجه التام. قوله: (وَرَوَينْا في كتابِ ابْنِ السني) وكذا رواه البزار والطبراني في الأوسط وابن عدي كلهم عن أنس قال ميرك وإسناده ضعيف ولفظ روايتهما كان - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى وفرغ من صلاته مسح بيمينه على رأسه وقال باسم الله الذي لا إله إلّا هو الرحمن الرحيم الخ، وفي بعض طرق الحديث سبحان الله الذي لا إله إلَّا هو الرحمن الرحيم الخ، كذا في الحرز قال الحافظ بعد تخريجه الحديث باللفظين من طريق الطبراني في الدعاء وغيره قال أبو نعيم الحديث غريب من حديث معاوية بن عمرو عن أنس تفرد به عنه زيد العمي وفيه لين قال الحافظ اتفقوا على ضعفه من جهة حفظه وسلام الطويل الراوي عن زيد العمي أضعف من زيد بكثير وهو بتشديد اللام ويقال له المدائني كما وقع في رواية ابن السني والحديث ضعيف جدًّا بسببه ثم أخرج الحافظ الحديث من طرق أخرى بلفظ سبحان الله الذي لا إله غيره الخ، وقال أخرجه ابن عدي عن كثير بن سليم عن أنس قال الحافظ وكثير في الضعف يكاد أن يكون مثل ابن سلام أو أشد اهـ. قوله: (جَبهتَه) أي ما اكتنفه الجبينان من الوجه. قوله: (أَذْهِبْ) بصيغة الأمر من الذهاب للسؤال منه سبحانه أن يزيل الهم وما بعده. قو له: (بالهم) الباء فيه زائدة للتأكيد وقد حذفت في روايتهما والهم الغم المذيب للبدن. قوله: (والحَزَنَ) بضم فسكون أو بفتحتين وقرئ بهما في القرآن وهو تعميم بعد تخصيص أو الهم لما يلحقه من الخوف لما يصيبه من خوف الفوت فكأنه قال اللهم اجعلني من الذين لا خوف عليهم أي من لحوق العقاب ولا هم يحزنون أي

وروينا فيه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: ما دنوت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دبر مكتوبة ولا تطوع إلا سمعته يقول: "اللهُم اغْفِرْ لي ذُنُوبي وخَطايايَ كُلها، اللهُم أَنْعِشْني واجْبُرني، وَاهْدِني لصَالِح الأعمَالِ وَالأخلاقِ، إئهُ لَا يَهْدِي لصَالِحها ولا يَصْرِف سَيئَها إلا أنْتَ". ـــــــــــــــــــــــــــــ من فوت الثواب وقد أخبر الله تعالى عن لسان أهل الجنة فيها الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن وإلَّا فما دمت في هذه الدار لا تستغرب وقوع الأكدار اللهم لا عيش إلَّا عيش الآخرة. قوله: (وَرَوَينَا فيهِ) أي في كتاب ابن السني وكذا رواه الطبراني في المعجم الكبير كلاهما عن أبي أمامة الباهلي وهو حديث غريب كما قاله الحافظ روياه من طريق عبيد الله بن زحر بفتح الزاي وسكون المهملة عن علي بن يزيد الألهاني عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة ورواه الحافظ من طريق خالد بن أبي يزيد عن علي الألهاني قال وابن أبي يزيد متفق على توثيقه وعبيد الله بن زحر اتفق أكثر على تضعيفه وشيخهما علي بن يزيد الألهاني متفق على تضعيفه ومدار هذا الحديث عليه اهـ، ورواه الحاكم في المستدرك عن أبي برزة الأنصاري كذا في الحرز ولم يذكره الحافظ قال الحافظ ووجدت لحديث أبي أمامة شاهدًا من حديث ابن عمر عن أبي أيوب قال ما صليت خلف نبيكم - صلى الله عليه وسلم - إلا سمعته يقول اللهم اغفر لي خطاياي وذنوبي فذكر الباقي مثله سواء أخرجه الحافظ من طريق الطبراني وقال قال يعني الطبراني لا يروى عن أيوب إلَّا بهذا الإسناد تفرد به محمد بن الصلت وأشار الحافظ إلى توثيق رواية إلا عمر بن مسكين فقال ذكره ابن عدي في الكامل ونقل عن البخاري أنه قال لا يتابع في حديثه اهـ. قوله: (ذُنوبِي وخَطايايَ) قيل المراد بالذنوب الكبائر وبالخطايا الصغائر وسبق إعلال خطاياي في دعاء الافتتاح. وقوله: (كلهَا) توكيد أتي به للتعميم ليشمل جميع المخالفات. قوله: (أنْعشني) بفتح العين وسكون المعجمة بعدها نون وقاية أي ارفعني. قوله: (وَأجبُرْني) بضم الموحدة أي أصلح شأني ورواه الحاكم وأحيني من الحياة أي حياة طيبة مقرونة بالقناعة والكفاف والطاعة والعافية والعفاف وزاد وارزقني رزقًا طيبًا وعلمًا نافعًا ولفظ الطبراني مثل لفظ ابن السني. قوله: (إِنهُ) أي بالكسر ويجوز الفتح كما سبق بيانه وتقدم الكلام على مضمون هذه الجملة في دعاء

وروينا فيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا فرغ من صلاته، لا أدري قبل أن يُسلم أو بعدَ أن يُسلم يقول: "سُبحانَ رَبكَ رَب العِزَّةِ عَمَا يَصِفُون، ـــــــــــــــــــــــــــــ الافتتاح أيضًا. قوله: (وَرَوَينْا فيهِ) أي في كتاب ابن السني ورواه أيضًا أبو يعلى الموصلي كلاهما عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا ولفظه من قال دبر كل صلاة سبحان ربك الخ. فقد اكتال بالجريب الأوفى وإسناده ضعيف وقال الحافظ بعد تخريجه لحديث الكتاب حديث غريب أخرجه ابن السني ورواه الغرياني عن الثوري بلفظ كان يقول إذا انصرف من صلاته وأخرجه الحافظ من طريق الطبراني عن محمد بن يوسف الغرياني عن سفيان كذلك وقال أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ومدار الحديث على أبي هارون واسمه عمارة بن جوين بجيم ونون مصغر وهو ضعيف جدًّا اتفقوا على تضعيفه وكذبه بعضهم وجاء نحو ما جاء عن ابن عباس بلفظ كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله سبحان ربك الخ. أخرجه الطبراني في المعجم الكبير وفي سنده محمد بن عبد الله بن عبيد المكي وهو أشد ضعفًا من أبي هارون. وجاء عن معاذ بن جبل فيما رويناه في الجزء العاشر من فوائد أبي بكر المخلص قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس في صلاته يقول التحيات لله فذكر التشهد وفي آخره ثم قال سبحان ربك الخ. ثم يسلم عن يمينه وعن شماله وفي سنده الخصيب بن جحدر وهو كذاب وجاء عن عبد الله بن أرقم عن أبيه رواه الطبراني أيضًا قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قال دبر كل صلاة سبحان ربك الخ. فقد اكتال بالجريب الأوفى وله شاهد أخرجه ابن أبي حاتم من مرسل الشعبي بسند صحيح إليه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليقل حين يريد أن يقوم سبحان ربك الخ اهـ. قوله: (سبحانَ ربكَ) الخطاب لسيد الأحباب - صلى الله عليه وسلم - وقيل المراد به الخطاب العام. قوله: (رَب العزَّةِ) بدل أو صفة لربك وأضيف إلى العزة لاختصاصه بها كأنه قيل ذي العزة بل ولا من عزة لأحد صورة إلَّا وهي له ملكًا حقيقة والمراد أنه سبحانه لعزته وغلبته منزه عما يصفه الزنادقة والملاحدة أي يذكرونه من الولد والصاحبة والشريك وينعتونه بما لا يليق بذاته

وسَلام على المُرسَلِينَ، والحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمينَ". وروينا فيه عن أنس رضي الله عنه، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول إذا انصرف من الصلاة: "اللهُم اجْعَلْ خيرَ عُمُري آخِرَهُ، وخَيرَ عَمَلِي خَواتِمَهُ، واجعَلْ خَيرَ أيامي يومَ ألقاكَ". وروينا فيه ـــــــــــــــــــــــــــــ وصفاته وما مصدرية أو موصولة أو موصوفة والعائد في الصلة أو الرابط في الصفة محذوف. قوله: (وَسلامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ) أي بحسب الأصالة وآلهم بالتجعية. قوله: (والحمد لله رَبِّ العالمِين) أي على جميع نعمائه وفي تفسير الواحدي الوسيط عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه في مجلسه {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ (182)} [الصافات: 180 - 182]. قوله: (وَرَوَينا فيهِ عَنْ أَنس) قال الحافظ بعد أن أخرجه من طريق الطبراني وبين من تفرد بروايته وإنهم لثقات إلَّا أبا مالك النخعي فضعيف بالاتفاق وقد اختلف عليه في شيخه في هذا الحديث فعند أبي النضر أن شيخه في هذا الحديث ابن أخي أنس وأخرجه كذلك الحافظ من طريق الطبراني. قلت وأخرجه من تلك الطريق أبو نعيم في مستخرجه على عمل اليوم والليلة لابن السني وقال بدل قوله وخير عملي خواتمه اللهم اجعل خواتم عملي رضوانك وأخرجه ابن السني عن صالح عن أبي مالك عن ابن جدعان عن أنس، قال الحافظ ورواية أبي النضر أولى لأنه ثقة وصالح ليس بثقة وفي سند الحديث عند الطبراني وأخرجه من طريقه الحافظ ابن أخي أنس عن أنس قال الحافظ واسم ابن أخي أنس حفص قيل هو ابن عبد الله بن أبي طلحة أخي أنس لأمه وقيل ابن عمر بن عبد الله المذكور فعلى هذا يكون نسب لجده وقد روى البخاري في الأدب المفرد وأحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم عدة أحاديث عن رواية خلف بن خليفة عن ابن أخي أنس هكذا على الإبهام وسمي في بعضها عند أحمد حفص بن عمر بن عبد الله بن أبي طلحة وهو موثق اهـ. ض له: (وَاجعَلْ خير أَيامي الخ) أعاده مع أنه بمعنى قوله اجعل خير عمري اهتمامًا بشأنه وتحريضًا على السؤال لحسن الخاتمة فإنه بها يكمل المرام. قوله: (وَرَوَينَا فيهِ) قال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن أخرجه أحمد والنسائي وابن أبي شيبة وأخرجه ابن السني عن النسائي بإسناده

عن أبي بكرة رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في دبر الصلاة: "اللهُم إني أعُوذُ بكَ مِنَ الكُفْرِ والفَقْرِ وعَذابِ القَبْرِ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وعجيب للشيخ في اقتصاره على ابن السني والحديث في أحد السنن المشهورة وفي سند الحديث عثمان الشحام مختلف فيه قواه أحمد وابن عدي ولينه القطان والنسائي وجاء هذا الحديث عن ابن أبي بكرة بسياق أتم من هذا يذكر إن شاء الله تعالى في باب ما يقال عند الصباح وعند المساء اهـ. قوله: (عَنْ أَبي بكرة) واسمه نفيع بن الحارث بن كلدة بن عمر بن علاج بن أبي سلمة بن عبد العزى بن عميرة بن عوف بن ثقيف الثقفي وقيل هو نفيع بن مسروح بفتح الميم وسكون السين المهملة بعدها راء وحاء مهملنان بينهما واو ساكنة مولى الحارث بن كلدة كني بأبي بكرة لأنه تدلى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على بكرة وهي التي يستقى بها على البئر وفي كافها الفتح والسكون حين حاصر أهل الطائف ثالث ثلاثة وعشرين من عبيد أهل الطائف وكان قد أسلم وعجز عن الخروج من الطائف إلَّا على تلك الهيئة وله يومئذٍ ثماني عشرة سنة فاشتراه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأعتقه وهو معدود من مواليه وكان من ذوي المزايا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل البصرة وشهد الجمل ولم يقاتل فيها واجتنب حروب الصحابة كلها قال ابن قتيبة في المعارف ثلاثة من أهل البصرة لم يمت أحدهم حتى رأى مائة ذكر من صلبه أنس بن مالك وأبو بكرة نفيع بن الحارث وخليفة بن بدر نقله الحافظ نجم الدين بن فهد في تذكرته توفي له في طاعون الجارف أربعون ولدًا روي له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مائة حديث واثنان وثلاثون حديثًا اتفقا منها على ثمانية وانفرد البخاري بخمسة ومسلم بواحد روى عنه أولاده والحسن وعدة توفي بالبصرة سنة إحدى وقيل ثنتين وخمسين وأوصى أن يصلي عليه أبو برزة الأسلمي قال الحسن لم ينزل البصرة من الصحابة ممن سكنها أفضل من عمران بن حصين وأبو بكرة أخرجه ابن عبد البر. قوله: (منَ الْكفرِ الخ) استعاذ من هذه الأمور لشدة مضرتها أما الكفر فلأنه سبب للسخط الدائم والبعد عن رحمة الله تعالى وأما الفقر خصوضا مع عدم الصبر فإنه متعب للبدن مانع له من طيب طعم الوسن هذا بناء على أن المراد به مقابل الغنى وقيل المراد فقر القلب ولذا قرنه

وروينا فيه بإسناد ضعيف، ـــــــــــــــــــــــــــــ بالكفر في خبر كاد الفقر أن يكون كفرًا وهو حيث لا يرضى بالقضاء أو يعرض له الاعتراض على رب السماء وقيل المراد من الفقر الاحتياج إلى الخلق على وجه المذلة وقلة المال مع عدم القناعة وقلة الصبر وكثرة الحرص وبالكفر الكفران، وأما عذاب القبر فلأنه عنوان الآخرة فإن عذب فيه كان علامة من أهل العذاب في تلك الدار وتقدم أن هذه الاستعاذات منه - صلى الله عليه وسلم - إما خضوعًا لحق ربه وأداء لمقام العبودية وإن كان آمنًا من ذلك أو تشريعًا لأمته وإعلامًا لهم بأنه ينبغي أن يكونوا على مقام الخوف في هذه الدار لينالوا الأمن في دار القرار والله أعلم. وعلم من الحديث أنه لم يكن فقيرًا بل كان سيد الأغنياء وأما ما يروى من خبر الفقر فخري وبه افتخر فموضوع ولو صح حمل على أن المراد منه الافتقار إلى الكريم الجبار وإلّا فحاله الشريف وعطاياه التي عمت القوي والضعيف تدل على كمال غناه ومن ثم قال العلاء من قال أنه - صلى الله عليه وسلم - كان فقيرًا أدب ما لم يقصد الامتهان فيكفر والعياذ بالله. قال ابن الجوزي في كشف المشكل فإن قيل إذا كان الفقر أفضل فكيف استعاذ منه - صلى الله عليه وسلم - فالجواب أن قومًا يقولون استعاذ من فقر النفس والصواب أن يقال الفقر مصيبة من مصائب الدنيا والغنى نعيم من نعيمها فوزانهما المرض والعافية فكون المرض فيه ثواب لا يمنع سؤال الله العافية اهـ. قوله: (وروَينَا فيهِ) أي في كتاب ابن السني وفي الجامع الصغير للسيوطي من حديث رواه أبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم والبيهقي عن فضالة بن عبيد اهـ، وزاد الحافظ وأخرجه أحمد وإسحاق في مسنديهما وابن خزيمة ورويا في الحديث قصة أنه - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلًا يصلي يدعو لم يحمد الله ولم يصل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال عجل هذا ثم قال له أو لغيره إذا صلى أحدكم الخ وأخرج ابن السني الحديث دون القصة. قوله: (بإِسنَادٍ ضَعيفٍ) هذا بالنسبة لسند ابن السني وإلا فقد أخرج الخبر أبو داود وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال هو على شرط مسلم وفي موضع هو على شرطهما أي الشيخين ولا أعرف له علة وقال الحافظ بعد تخريجه من طريقين هذا حديث صحيح أخرجه أحمد وإسحاق في مسنديهما وأبو داود والترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وللحديث قصة رواها من ذكر هي قول فضالة إن النبي - صلى الله عليه وسلم -

باب الحث علي ذكر االله تعالى بعد صلاة الصبح

عن فضالة بن عبيد الله، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا صلى أحَدُكمْ فَليَبْدأ بِتَحميدِ اللهِ تعالى والثناءِ عَليهِ، ثم يُصَلي على النبِي - صلى الله عليه وسلم -، ثم يَدعُو بِمَا شاءَ". باب الحث علي ذكر االله تعالى بعد صلاة الصبح اعلم أن أشرف أوقات الذِّكْر في النهار، الذِّكْر بعد صلاة الصبح. روينا عن أنس رضي الله عنه ـــــــــــــــــــــــــــــ رأى رجلًا الخ، وأخرجه ابن السني مقتصرًا على الحديث دون القصة قال الحافظ وليس في سنده من يوصف بالضعف إلَّا ابن لهيعة وكأن المصنف ضعفه بسببه وابن لهيعة لم ينفرد به بل رواه غيره كما ترى وعجيب من اقتصاره على تضعيف هذا السند دون غيره من الأحاديث التي أوردها قبل من كتاب ابن السني مع أن أكثرها ضعيف وهذا صحيح المتن رواته ثقات مخرج لهم في الصحيح إلَّا واحدًا فاتفقوا على ضعفه وقد ذكر المصنف في المجموع الحديث وقال رواه أبو داود وابن ماجة وابن حبان والحاكم قال الترمذي حسن صحيح وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم فكأنه لم يستحضر ذلك هنا اهـ. قوله: (عَنْ فضالة بنِ عُبيْدٍ) وهو فضالة بن الفاتح بن عبيد بن ناقد الأنصاري الأوسي العمري شهدا أحدًا وما بعدها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشهد فتح مصر زمن عمرو وسكن دمشق وولي قضاءها لمعاوية وأمره على غزو الروم في البحر مات سنة ثمان وخمسين وقيل قبلها بدمشق وذكر أن معاوية حمل نعشه وقال لا يحمل بعده مثله روي له فيما قيل. انفرد مسلم منها بحديثين وخرج عن الأربعة وغيرهم. قوله: (صلى أحدُكمْ) أجدكم الصلاة ذات الركوع وهذا الحديث من جملة أدلة إمامنا الشافعي على وجوب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد التشهد وسبق بسطه. قوله: (وليثنَ علَيهِ بمَا هو أَهلهُ) عطف تفسير على قوله ليحمد الله أي ليثن عليه والثناء ما علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه منَ التشهد ففيه أعظم الثناء وأفضله ويحتمل أن يقال صلى أحدكم أي فرغ من صلاته وهو ظاهر صنيع المصنف وفيه تنبيه على بعض آداب الدعاء وسبب استجابته والله أعلم. باب الحث علي ذكر الله تعالى بعد صلاة الصبح قوله: (اعلْم أَن أشْرَفَ أَوقاتِ الذكرِ في النهارِ) خرج به الليل والدعاء فيه أفضل منه في النهار

في كتاب الترمذي وغيره، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صَلَّى الفَجرَ في جَماعة ثم قَعَدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه وقت التجليات الإلهية وفيه ساعات الإجابة ولهذا كان نفل الليل المطلق أفضل من نفل النهار وإنما فضل الذكر ذلك الوقت لكونه تشهده الملائكة قال تعالى {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)} [الإسراء: 78] ورأيت أصلًا مقروءًا على ابن العماد ضرب فيه على قوله في النهار ويقتضي أن الذكر بعد صلاة الصبح أفضل منه في جوف الليل. قوله: (في كِتاب الترمذِي وغيْرهِ الخ) فرواه كالطبراني لكن عن أبي أمامة بلفظ انقلب بأجر حجة وعمرة ورواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة عن جابر بن سمرة أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلى الغداة جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس وقال الحافظ بعد تخريج الحديث باللفظ الذي أورده المصنف هذا حديث غريب أخرجه المعمري عن عمر بن موسى بن عبد العزيز بن مسلم عن أبي ظلال عن أنس وقد خولف أبو ظلال في لفظ هذا الحديث فأخرجه أبو داود والطبراني في الدعاء من رواية موسى بن خلف عن قتادة عن أنس بلفظ لأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة الغداة إلى أن تطلع الشمس أحب إلي من أعتق أربع رقاب من ولد إسماعيل قال الحافظ وهذا أصح من حديث أبي ظلال يعني الحديث الذي رواه المصنف عن الترمذي قال وله شاهد من حديث أبي هريرة بنحوه أخرجه الطبراني في الدعاء وشاهد آخر من حديث أبي أمامة أخرجه الطبراني قال الحافظ وأخرج يعني الطبراني من طريق يزيد الرقاشي عن أنس مثله لكن قال ثمانية من ولد إسماعيل ويزيد ضعيف وجاء عن أنس مرفوعًا بلفظ لأن أجلس بعد صلاة الغداة أذكر الله حتى تطلع الشمس أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس أخرجه الحافظ من طريق أبي يعلى الموصلي قال الحافظ ووجدت لحديث أبي ظلال شاهدًا من حديث ابن عمر قال قال - صلى الله عليه وسلم - من صلى الصبح ثم جلس في مسجده حتى يصلي الضحي ركعتين كتب له حجة وعمرة متقبلتين حديث حسن أخرجه الطبراني من وجهين سند أحدهما ضعيف ورجال الآخر ثقات إلَّا أن في سماع خالد الراوي عن ابن عمر من ابن عمر نظرًا وله شاهد آخر أخرجه الطبراني أيضًا من حديث أبي أمامة وعتبة بن عبد جمعًا ولفظه حتى يسبح سبحة الضحي والباقي بنحوه اهـ. قوله: (ثم قعدَ) قال في الحرز أي استمر على حال ذكره سواء كان قائمًا أو

يَذكُرُ اللَّهَ تعالى حتى تَطْلُعَ الشمْسُ ثم صَلى رَكعَتَيْنِ كانَتْ كأجْرِ حَجَّةٍ وعُمْرَةٍ تامَّةٍ تامَّةٍ تامَّةٍ" قال الترمذي: حديث حسن. وروينا في كتاب الترمذي ـــــــــــــــــــــــــــــ قاعدًا أو مضطجعًا والجلوس أفضل إلَّا إذا عارضه أمر كالقيام لطواف أو صلاة جنازة أو لحضور درس ونحوها اهـ. وما ذكره في القيام للطواف جرى على مثله المحقق الشهاب الرملي وفي التحفة لابن حجر وأفتى بعضهم بأن الطواف بعد الصبح أفضل من الجلوس ذاكرًا إلى طلوع الشمس وصلاة ركعتين وفيه نظر ظاهر بل الصواب أن الثاني أفضل لأنه صح في الأخبار الصحيحة ما يقارب ذلك ولأن بعض الأئمة كره الطواف بعد الصبيح ولم يكره أحد تلك الجلسة بل أجمعوا على ندبها وعظيم فضلها اهـ. قوله: (يذْكرُ الله) جملة حالية. قوله: (تطْلُعَ) بضم اللام. قوله (صلى ركعتَيْن) قال ابن حجر في شرح المشكاة أي ثم بعد طلوعها وإن لم ترتفع كرمح يصلي ركعتين صلاة الإشراق وهي غير صلاة الضحي خلافًا لمن وهم فيه أو من صلاة الضحي بناء على دخول وقتها بطلوع الشمس وعليه جماعة من أئمتنا أما على الأصح أن وقت الضحي إلَّا بعد ارتفاعها كرمح فلا يصليهما من الضحي إلَّا بعد ارتفاعها كذلك والحديث لا ينافي هذا لأن العطف فيه بثم المقتضية لتراخي صلاة الركعتين عن الطلوع وليس فيه تعرض لصلاة الاشراق إلَّا لو كان العطف بالفاء ومشينا على الأصح أن وقت الضحي لا يدخل إلَّا بالارتفاع بل لو ورد ذلك لم يصح دلالته عليها أيضًا لأن التعقيب في كل شيء بحسبه كتزوج فولد له والارتفاع قريب من الطلوع فلا يؤخذ من الحديث ندب صلاة الإشراق أصلًا اهـ. قوله: (كانتْ) أي مثوبة هذا الفعل أو هذه الحالة المركبة من تلك الأوصاف كلها. قوله: (كأَجرِ حَجةٍ وعُمرَةٍ تامَّةٍ تامةٍ تَامةٍ) في المشكاة قال النبي - صلى الله عليه وسلم - تامة الخ. قال ابن حجر أعاده لئلا يتوهم أن الوصف بالتمام وتكريره من قول أنس وتكريرها ثلاثًا للمبالغة في تأكيد وصف كل منهما بأنه تام في مرتبته غير ناقص وقال ابن الجزري تكريره تأكيد لتحقق ذلك وفي شرح المشكاة لابن جمر شبه ذلك بالنسكين ثم كرر الوصف بالتمام مبالغة وترغيبا للعاملين في المحافظة على هذا العمل سيما وفيه ما سيأتي من تطهير النفس من مساويها الناشئة عن أخلاطها وطبائعها

وغيره، عن أبي ذر رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَن قال في دُبُرِ صلاةِ الصُّبْحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فاستحق أن يلحق حثًّا عليه بما هو أكمل منه إيهامًا لتسوية بره وفضله عليه من النسكين التامين اهـ، وقال الطيبي التشبيه في هذا الحديث وأمثاله ليس للتسوية بل من الحادق الناقص بالكامل ترغيبًا وقوله تامة وصف لكل منهما، وفي الحرز ولا يبعد أن تكون الثلاثة وصفًا لعمرة حيث وقعت في مقابلة ثلاث سنن من الجماعة والاستمرار وصلاة ركعتين اهـ، وينبغي حمل السنن في كلامه على معنى الطريقة لموافقة مذهبنا القائل بأن الجماعة فرض كفاية ومذهب أحمد القائل بأنه فرض عين قال ابن الجزري في مفتاح الحصين وهذا وأشباهه ورد كثيرًا في الحديث مثل قوله من صام ثلاثة أيام من كل شهر فكأنما صام الدهر وفيمن قرأ ({قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1]، تعدل ثلث القرآن يريد الأجر بغير مضاعفة بخلاف من فعل فإن له الأجر بالمضاعفة الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعين ضعفًا إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة اهـ. قوله: (وغيْرهِ) أي كالنسائي فإنه رواه عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي ذر وزاد فيه بيده الخير وزاد فيه وكان بكل واحدة قالها عتق رقبة ورواه أيضًا من حديث معاذ وليس فيه يحيي ويميت وقال فيه وكان له عدل عشر نسمات ولم يلحقه في ذلك اليوم ذنب ومن قالهن حين ينصرف من صلاة العصر أعطى مثل ذلك في ليلته كذا في السلاح وكالطبراني في الأوسط وابن السني عن أبي أمامة وفيه من قال ذلك مائة مرة كما في الحصين وكأحمد من حديث عبد الرحمن بن غنم بفتح المعجمة وسكون النون وفي رواية تقديم قوله وبيده الخير على قوله يحيي ويميت وفيه ولا يحل لذنب أن يدركه إلَّا الشرك وكان من أفضل الناس عملًا إلَّا رجلًا يقول أفضل مما قال قال الحافظ هكذا أرسله همام ولم يذكر أبا ذر ولا معاذًا وأخرجه أحمد هكذا وعبد الرحمن لا تثبت صحبته قال الحافظ بعد تخريج الحديث من طريق الترمذي ومن طريق ابن أبي الضياء المقدسي باللفظ المذكور في الكتاب هذا حديث حسن غريب وأخرجه النسائي من طريق عبد الرحمن بن غنم عن أبي ذر ومن أخرى عن عبد الرحمن عن معاذ بن جبل بدل أبي ذر وزاد في المتن من الطريقين بعد يحيي ويميت بيده الخير وقال بعد تخريجه شهر ضعيف وأخرجه الحافظ من حديث معاذ بن جبل

وهْوَ ثاني رِجْلَيهِ قبلَ أن يَتكَلَّمَ: لا إلهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لهُ، لهُ المُلْكُ ولهُ الحَمْدُ يُحْيِي ويُمِيتُ وهُوَ على كل شَيءٍ قَديرٌ عَشْرَ مَرات كُتِبَ لهُ عَشْرُ حَسناتٍ، ومُحِيَ عَنْهُ عَشْرُ سيئَات، ورُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَات، وكانَ يَومَهُ ذلكَ في حِرْز من كل مَكْرُوه وحُرِسَ مِنَ الشَّيطَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال والحديث كما ذكر في رواية أبي ذر لكن ليس فيه وهو ثانٍ رجليه وزاد فيه وذكر فيه قدر عشر نسمات وزاد في آخره ومن قال ذلك حين ينصرف من صلاة المغرب أعطى مثل ذلك ليلته وقال الحافظ أخرجه النسائي في اليوم والليلة والمعمري في اليوم والليلة أيضًا وأخرجه الطبراني في الدعاء لكن قال عن أبي هريرة بدل عن معاذ وأخرجه جعفر الغريابي في الذكر فخالف الجميع فقال عن عبد الله بن عبد الرحمن بن حسين عن شهر قال حدثني أبو أمامة وذكر الحافظ لحديث أبي أمامة طريقًا أخرى وفي المتن بعض مخالفة وللحديث شاهد من حديث أبي عياش الأنصاري سيأتي ذكره في الباب الذي يلي هذا الباب إن شاء الله تعالى وللحديث شاهد أيضًا عن أبي الدرداء أخرجه الطبراني في الكبير بسند حسن ولفظه كالترمذي وفيه يحيي ويميت بيده الخير وزاد في آخره وكان له بكل كلمة عتق رقبة من ولد إسماعيل ثمن كل رقبة اثنا عشر ألفًا ومن قالها بعد صلاة المغرب كان له مثل ذلك ووقع الحديث في الصحيحين والموطأ من حديث أبي هريرة لكن ليس فيه التقييد بصلاة الصبح ولا الزيادة التي في الذكر اهـ. قوله: (وهُو ثاني رجْليْهِ) أي عاطفهما كما كان في التشهد قبل أن ينهض. قوله: (قبلَ أَنْ يَتكلَمَ) أي بأجنبي كما سبق. قوله: (وَرُفِعَ لهُ عشْرُ دَرجاتٍ) أن قلت ما الفرف بينها وبين العشر حسنات قلت يمكن الفرف بان الحسنات هذه تكتب له في صحائف حسناته وتوزن معها وتؤخذ فيما عليه من الحقوق كسائر حسناته بخلاف العشر الدرجات فإنها معدة له بعد دخول الجنة ولا وزن قيها ولا أخذ منها فهما نوعان متغايران بتغاير أحكامهما التي ذكرتها كذا في شرح المشكاة لابن حجر. قوله: (وحُرِسَ مِنَ الشَّيْطانِ) أفرده مع أنه أشد المكروهات لبيان أن الحذر منه ينبغي أن يكون أقوى من

ولمْ يَنْبَغِ لِذَنْبٍ أنْ يُدْرِكَهُ في ذلكَ اليَومِ إلا الشركَ باللَّهِ تعالى" قال الترمذي: هذا حديث حسن، وفي بعض النسخ: صحيح. وروينا في "سنن أبي داود" ـــــــــــــــــــــــــــــ سائرها. قوله: (ولْم ينبَغِ) في رواية أحمد ولم يحل على معنى ينبغ لأن الروايات يفسر بعضها بعضًا. قوله: (أَنْ يدْركهُ) أي يلحقه ويستأصله بالإحاطة به من سائر جوانبه حتى يهلكه بالعقاب الدائم عليه لحلوله بما قاله في حرمة التوحيد الآمن حرمها ودخوله في ساحة الذكر المنيع سورها. قوله: (إلا الشركَ بالله تعالى) أي فإنه إن وقع منه لكونه لا يغفر ولا يكفر بدليل إن الله لا يغفر أن يشرك ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء يحيط به ويستأصله بالعقاب الدائم عليه لخروجه من ذلك الحصين الحصين ورضاه بموالاة الشيطان الرجيم اللعن فحشر معه في الدرك الأسفل من النار. قوله: (وفي بعْضِ النسخِ الخ) قال الحافظ وهي رواية أبي يعلى السنجي عن المحبوبي وهو غلط لأن سنده مضطرب وشهر بن حوشب مختلف في توثيقه وسقط في سنده راو بين زيد بن أبي أنيسة وبين شهر بن حوشب وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن حسين وهو عند غير الترمذي من باقي الروايات ثابت هكذا زيد عن عبد الله عن شهر عن عبد الرحمن بن غنم وفي سنده اختلاف آخر بينه الحافظ وقد عزاه في المشكاة إلى الترمذي كما في بعض النسخ التي أشار إليها المصنف وزاد غريب ويحتمل أن يكون ساقطًا من أصل المؤلف أو ثابتًا فيه وسكت عنه لعدم تعلق غرضه به أو لعدم منافاة تلك الغرابة عنده لقبوله. قوله: (وَرَوينا في سُننِ أَبِي دَاوُدَ الخ) وكذا رواه النسائي أي في الكبرى وابن حبان في صحيحه لكن قالا عن الحارث بن مسلم التميمي قال في السلاح وعند أبي داود عن الحارث بن مسلم عن أبيه مسلم بن الحارث قال أبو عمر بن عبد البر وهو الصواب إن شاء الله تعالى وسئل أبو زرعة الرازي عن مسلم بن الحارث أو الحارث بن مسلم فقال الصحيح الحارث بن مسلم بن الحارث عن أبيه وقال أبو حاتم الحارث بن مسلم تابعي اهـ، وليس للحارث ولا لأبيه في الكتب الستة سوى هذا الحديث اهـ. كلام السلاح قال الحافظ وهو حديث حسن قال ورجح أبو زرعة وأبو حاتم رواية الحارث بن مسلم عن أبيه مسلم بن الحارث وصنيع ابن حبان يقتضي خلاف ذلك فإنه أخرج الحديث

عن مسلم بن الحارث التميمي الصحابي رضي الله عنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أسر إليه فقال: "إذا انْصَرَفْتَ مِنْ صَلاةِ المَغْرِبِ فَقُلِ: اللهُم أجرني مِنَ النارِ سَبعَ مَراتٍ، فإنكَ إذا قُلْتَ ذلكَ ثم مُتَّ مِنْ لَيلَتِكَ كُتِبَ لكَ جِوارٌ مِنها، وإذا صَلَّيْتَ الصبْحَ فَقُلْ كذَلكَ، فإنكَ إن مُتَّ مِن يَومِكَ كُتِبَ لَكَ جوارٌ مِنها". ـــــــــــــــــــــــــــــ في صحيحه عن مسلم بن الحارث عن أبيه الحارث بن مسلم فكأنه ترجح عنده أن الصحابي في هذا الحديث هو الحارث بن مسلم اهـ. قوله: (عنْ مسلمِ بْنِ الحَارثِ) قال في أسد الغابة مسلم بن الحارث بدل التميمي روى عنه ابنه الحارث بن مسلم قال بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية فلما هجمنا على القوم تقدمت أصحابي على فرسي فاستقبلنا النساء والصبيان يصيحون فقلت لهم تريدون أن تحرزوا قالوا نعم قلت قولوا أشهد أن لا إله إلَّا الله وأن محمدًا رسول الله فقالوها فلامني أصحابي وقالوا أشرفنا على الغنيمة فمنعتنا ثم انصرفنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبروه فقال لقد كتب له من الأجر من كل إنسان كذا وكذا ثم قال لي إذا صليت المغرب فقل اللهم أجرني من النار سبع مرات فإنك إذا قلت ذلك ثم من من ليلتك كتب لك جوار منها وإذا صليت الصبح فقل مثل ذلك فإنك أن من من يومك كتب لك جوار منها ثم أسنده وقال أخرجه الثلاثة يعني ابن عبد البر وابن منده وأبو نعيم اهـ، وقد أخرج الحديث بطوله ابن حبان إلَّا أنه سماه الحارث وسمى ولده مسلمًا كما تقدم وزاد فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له أما إني سأكتب لك كتابًا لأئمة المسلمين من بعدي أوصي بك قال فكتب لي كتابًا وختمه ودفعه إلي قال ثم أتيت أبا بكر بالكتاب ففضه وقرأه وأمر لي بعطاء ثم ختم عليه ثم أتيت عمر ففعل مثل ذلك ثم عثمان ففعل مثل ذلك قال يعني ولد الحارث ومات الحارث في خلافة عثمان فلم يزل الكتاب عندنا حتى بعث إلى عمر بن عبد العزيز فقرأه وأمر لي بعطاء وأخرجه الحافظ وغيره. قوله (أَجرْني) من الإجارة أي احفظني. قوله: (سبع مراتٍ) ظرف لقل أي كرر ذلك سبع مرات ولعل النكتة في هذا العدد مراعاة سبعة أبواب النار أو طبقاتها أو سبعة أعضاء المتكلم بها. قوله: (جِوَارٌ) أي خلوص منها أي من النار أي دخولها أو خلوده فيها إشارة لحسن

وروينا في مسند الإمام أحمد، وسنن ابن ماجه، وكتاب ابن السني، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الصبح قال: "اللهُم إنَّي أسألُكَ عِلمًا نافِعًا، وعَمَلًا مُتَقَبَّلًا؛ ورِزقاً طيبًا". وروينا فيه عن صُهيب رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يحرك شفتيه بعد صلاة الفجر بشيء، فقلت: يا رسول الله! ما هذا الذي تقول؟ قال: "اللهُم بِكَ أحَاولُ، وبِكَ أصَاولُ، وبكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الخاتمة والجوار في الأصل البراءة تكون مع الرجل في الطريق حتى لا يدفعه أحد من المرور وحينئذٍ فلا يدفعه إلا تحلة القسم وذكر الصديق الأهدل فيه جواز بالزاي أيضًا. قوله: (وَرَوَينا في مُسنَدِ أَحْمد الخ) ورواه النسائي في الكبرى وابن ماجة وقال في روايته إذا صلى أو حين سلم بالشك وأبو يعلى وأخرجه الدارقطني في الأفراد والطبراني في الصغير كما في الحصين وهو حديث حسن لشاهده كما قال الحافظ وخرجه من طرق. قوله: (أَسأَلُكَ عِلمًا نافِعًا) أي شرعيًّا أعمل به وقدم على ما بعده لأنه طريق إلى معرفة الحلال وأسباب القبول وفي رواية الحصين تقديم سؤال الرزق عليهما قال شارحه وقدم على ما بعده لأنه أساس لهما ولا يعتد بهما دونه كما قال تعالى كلوا من الطيبات واعملوا صالحًا. قوله: (وعمَلًا مُتقبلًا) بفتح الباء أي مقبولًا بأن يكون مقرونًا بالإخلاص. قوله: (ورِزْقا طيبًا) أي حلالًا ملائمًا للقوة معينًا على الطاعة والعبادة. قوله: (فيهِ) أي في كتاب ابن السني كما في الحصين ولم يبال بإيهام عود الضمير لغيره من أحمد ومن بعده لأن القاعدة أن الضمير يعود لأقرب مذكرر إلَّا لقرينة قاله الحافظ. قوله: (عنْ صُهَيْب) لم ينسبه هنا ولا في كتاب ابن السني والمسمى بصهيب من الصحابة اثنان صهيب بن سنان المشهور بالرومي أحد المعذبين في الله وصهيب بن النعمان في أسد الغابة. قوله: (بعْدَ صلاةِ الفَجْرِ) في الحصين بعد صلاة الضحي وكذا هو في أصل مصحح من كتاب عمل اليوم والليلة لابن السني وفي نسخة منه بعد صلاة الصبح والله أعلم. قوله: (بكَ أحاولُ) أي بحولك وقوتك وعونك وحولك أحاول أي أعالج أموري وقال البيهقي أي أطالب. قوله: (أُصاولُ)

أقاتِلُ" والأحاديث بمعنى ما ذكرته كثيرة، وسيأتي في الباب الآتي من بيان الأذكار التي تقال في أول النهار، ما تقرُّ به العيون إن شاء الله تعالى. وروينا عن أبي محمد البغوي في "شرح السنة" قال: قال علقمة بن قيس: بلغنا أن الأرض ـــــــــــــــــــــــــــــ أي أدافع من الصيال وقال ابن الجزري أي أسطو وأقهر. قوله: (أُقاتِل) أي أخاصم وأجاهد ولا يخفى ما اشتمل عليه هذا الذكر من التبري من الحول والقوة ورد الأمر إليه تعالى. قوله: (والأَحادِيثُ في معْنَى مَا ذَكرْتهُ كَثِيرة) قال الحافظ منها حديث صهيب أيضًا ومنها ما جاء أن كعب الأحبار قال أن داود - عليه السلام - كان أول ما فرغ من صلاته قال اللهم أصلح لي ديني الذي جعلته عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي جعلت فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي جعلت فيها معادي اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك الخ. قال كعب وحدثني صهيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصرف بهذا الدعاء من صلاته قال الحافظ حديث حسن أخرجه النسائي مختصرًا وابن خزيمة وذكر النسائي فيه اختلافًا وقال أبو مروان يعني الراوي عن كعب لهذا الحديث لا يعرف وذكر غيره أنه صحابي وعد هذا الحديث من رواية الصحابي عن التابعي ويقال أن اسمه مغيث بمعجمة ومثلثة وقيل أبوه وبكونه تابعيًّا فقد توالى في سنده أربعة تابعيون على نسق هم موسى بن عقبة عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه عن كعب اهـ، ومن الأحاديث ما أخرجه الطبراني في الدعاء من حديث أنس قال جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا نبي الله أفدني فإني شيخ نسي فلا تكثر عليّ قال أعلمك دعاء تدعو به كلما صليت الغداة ثلاثة مرار يفتح لك أبواب الجنة تقول اللهم اهدني من عندك وأفض علي من فضلك وأسبغ علي رحمتك وأنزل علي بركتك هذا حديث غريب رجاله ثقات إلَّا عباد بن عبد الصمد أي الراوي عن أنس فضعيف لكن له شاهد من حديث قبيصة بن مخارق صاحب القصة قال أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا قبيصة ما مررت بحجر ولا شجر ولا مدر إلَّا استغفر لك

تعجُّ إلى الله تعالى من نومة العالِم بعد صلاة الصبح، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا صليت الفجر فقل ثلاثًا سبحان الله العظيم وبحمده فذكر الحديث وفيه قل اللهم إني أسألك مما عندك افض علي من فضلك وانشر علي من رحمتك حديث غريب أخرجه أحمد وقال الحافظ بعد أن ذكر أحوال سنده ولولا الرجل المبهم لكان السند حسنًا اهـ. قوله: (تعِجُّ) كأن المراد ترفع شكواها إلى الله من ذلك الفعل والعج في اللغة رفع الصوت وفي الحديث أفضل الحج العج والثج قال في النهاية العج رفع الصوت بالتلبية. قوله: (العالِم) بكسر اللام. قوله: (بعْدَ صلاة الصبحِ) أي لأنه أشرف النهار ومفتتحه فهو حري بأن يعمر بالطاعات وفي النوم ترك ذلك وأيضًا فهو وقت قسمة الأرزاق والنائم محرض عن أثر ذلك وقد بينت في جزيل الغنائم فيما يسن فيه إيقاظ النائم أنه يسن إيقاظ من نام بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس لما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال الصبحة تذهب الرزق وعن بعضهم قال ابن العماد وأظنه عمر بن عبد العزيز أنه رأى ابنًا له نائمًا في هذا الوقت فأيقظه وقال الأرزاق تقسم وأنت نائم وساق التلمساني في شرح الشفاء مثل هذه القصة عن العباس رضي الله تعالى عنه وزاد فإنما النوم على ثلاثة أقسام حمق وهو بعد صلاة العصر لا ينامه إلّا سكران أو شيطان وخلق وهو القائلة وخرق وهو بعد الصبح اهـ، ومحله إن كان لغير عذر إلَّا بأن غلبه النوم ولم يقدر على دفعه فلا بأس. وفي الأحكام السلطانية للماوردي لما أراد ابن الزبير هدم الكعبة أرسل إلى عبيد بن نمير فقيل هو نائم فأرسل إليه وأيقظه وقال أما بلغك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إن الأرض تضج إلى الله من نومة العلماء اهـ. فأفاد أنه مرفوع وفي غريب أبي عبيد في حديث عمر إياكم ونومة الغداة فإنها منجرة مجفرة مجعرة قال أبو العباس المجفرة يبس الطبيعة والمجعرة مقطعة النكاح اهـ، وفي شرح الشفاء للتلمساني قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما النوم على ثلاثة أوجه نوم خرق ونوم خلق ونوم حمق فأما نوم الخرق فنوم الضحي تقضى الناس حوائجهم وهو نائم وأما نوم الخلق فنوم القائلة إلى نصف النهار وأما نوم الحمق فالنوم حين

باب ما يقال عند الصباح وعند المساء

باب ما يقال عند الصباح وعند المساء اعلم أن هذا الباب واسع جدًّا، ليس في الكتاب باب أوسع منه، وأنا أذكر إن شاء الله تعالى فيه جملًا من مختصراته، فمن وُفق للعمل بأكلها فهي نعمة وفضل من الله تعالى عليه وطوبى له، ـــــــــــــــــــــــــــــ تحضر الصلاة والنوم بين العشاءين يحرم الرزق اهـ. قال الحافظ في الفتح وأخرج سفيان ابن عيينة في جامعه عن خوات رضي الله عنه قال نوم أول النهار خرق وأوسلطه خلق وآخره حمق وسنده صحيح اهـ، وفي الأدب المفرد للبخاري عن خوات بن جبير قال نوم أول النهار خرق وأوسطه خلق وآخره حمق وفي نزهة العيون لنجم الدين بن فهد النوم في أول النهار عيلولة وهي الفقر وعند الضحي فيلولة وهي الفتور وقبل الزوال قيلولة هي الزيادة في العقل وبعد الزوال حيلولة أي حيل بينه وبين الصلاة وفي آخر النهار غيلولة أي تورث الهلاك اهـ. باب ما يقال عند الصباح وعند المساء في القاموس الصباح الفجر وأول النهار والمساء ضده اهـ. قال العلقمي في شرح الجامع الصغير قال شيخنا يعني السيوطي فائدة وهي عزيزة النقل، فرع، أول المساء من الزوال ذكره الفقهاء عند كلامهم على كراهة السواك للصائم بعد الزوال أما الصباح فقل من تعرض له وطالما فحصت عنه إلى أن وقفت عليه في ذيل فصيح ثعلب للعلامة موفق الدين البغدادي قال الصباح عند العرب من نصف الليل الأخير إلى الزوال ثم المساء إلى آخر نصف الليل الأول اهـ. ما نقله قلت ومن فوائده أنه يشرع ذكر الألفاظ الواردة بالأذكار المتعلقة بالصباح والمساء وهذا واضح في الأذكار التي فيها ذكر المساء والصباح أما التي فيها ذكر اليوم والليلة فلا يتأتى فيها ذلك إذ أول اليوم شرعًا من طلوع الفجر والليل من غرب الشمس اهـ، وقال ابن حجر في شرح المشكاة بعد كلام الموفق والظاهر أن المراد في الأحاديث بالمساء أوائل الليل وبالصباح أوائل النهار ثم رأيتني في شرح سيد الاستغفار ذكرت لذلك زيادة وهي قوله ومن

ومن عجز عن جميعها فليقتصر من مختصراتها على ما شاء ولو كان ذِكْرًا واحدًا. والأصل في هذا الباب من القرآن العزيز قول الله سبحانه وتعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: 130] وقال تعالى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ إطلاقه المساء على ما ذكر أي من غروب شمس اليوم والصباح على ما يأتي أي طلوع الفجر يؤخذ ما قررناه سابقًا أن الأذكار المقيدة بالصباح والمساء ليس المراد فيها حقيقتهما من نصف الليل إلى الزوال في الأول ومنه إلى نصف الليل في الثاني كما نقل عن ثعلب وإنما المراد بهما العرف من أوائل النهار في الأول وآخره في الثاني ويؤيده أن ابن أم مكتوم الأعمى مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يؤذن الأذان الثاني الذي هو علامة على الفجر الصادق حتى يقال له أصبحت أصبحت والصباح ابتداؤه من هذا الوقت وما قرب منه لا من نصف الليل وشروع الأذان منه عندنا لا يدل على أنه من حينئذ لا يسمى صباحًا اهـ، وسبقه لذلك ابن الجزري فقال من قال إن ذكر المساء يدخل بالزوال فكيف يعمل في قوله أسألك خير هذه الليلة وما بعدها وهل تدخل الليلة إلَّا بالغروب اهـ، وسبقه أيضًا لذلك العلامة الرداد وزاد بيان آخر الوقت في كل منهما فقال في موجبات الرحمة وعزائم المغفرة وقت أذكار الصباح من طلوع الفجر إلى الضحي وما بقي وقتها فحكم الصباح منسحب عليه والمختار منه من طلوع الفجر إلى أن تكون الشمس من ناحية المشرف كهيئتها من ناحية المغرب عند العصر ووقت أذكار المساء من بعد صلاة العصر إلى المغرب إلى أن يمضي ثلث الليل أو نصفه والله أعلم، وقال ابن حجر في شرح المشكاة في الكلام على حديث عثمان الآتي في الباب ثم ظاهر في الصباح والمساء وحين يصبح وحين يمسي أنه لو قال أثناء النهار أو الليل لا تحصل تلك الفائدة وعظيم بركة الذكر يقتضي الحصول وسيأتي في الكلام على ذلك الحديث لهذا المقام مزيد. قوله: (عجزَ) بفتح الجيم على الأفصح. قوله: (وسبح، بحمد ربكَ) قال في الكشاف بحمد ربك في موضع الحال أي وأنت حامد لربك على أن وفقك للتسبيح وأعانك عليه والمراد بالتسبيح الصلاة أو على ظاهره. قوله: (قبْلَ طُلوع الشَمسِ) قال الواحدي يريد الفجر. قوله: (وقبْلَ غرُوبهَا) يعني العصر.

وَالْإِبْكَارِ (55)} [غافر: 55] وقال تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [الأعراف: 205] قال أهل اللغة: الآصال جمع أصيل: وهو ما بين العصر والمغرب. وقال تعالى: ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (وَالإبكارِ) قال في زاد المسير الإبكار ما بين طلوع الفجر إلى صلاة الضحي قال الزجاج أبكر الرجل يبكر إبكارًا وبكر يذكر في كل شيء تقدم فيه اهـ. قوله: (وَاذْكر ربكَ) قال أبو حيان في النهر لما أمرهم الله تعالى بالاستماع والإنصات إذا قرأ أي بقوله: ({وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ} [الأعراف: 204] الآية ارتقى من أمرهم إلى أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله تعالى في نفسه أي بحيث يراقبه ويذكره في الحالة التي لا يشعر بها أحد وهي الحالة العليا وقوله "ربك" أي مالك أمرك "في نفسك" متعلق باذكر و "تضرعًا وخيفة ودون الجهر" معطوف على قوله في نفسك أي اذكر في نفسك وذكرًا دون الجهر أي يذكره بالقول الخفي الذي يشعر بالتذلل والخضوع من غير صياح ولا تصويت كما يناجي الملوك ويستجلب منه الرغائب وكما قال - صلى الله عليه وسلم - للصحابة وقد جهروا بالدعاء إنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا اربعوا على أنفسكم اهـ. قوله: (بالغدو) قال في النهر إن كان جمعًا لغداة فهو مقابل للجمع وهو بالآصال وإن كان مصدرًا لغدًا فهو على حذف تقديره بأوقات الغدو والظاهر اقتصار الأمر بالذكر على هذين الوقتين وقيل المراد بهما الأوقات أي سائرها واقتصر عليهما لأنهما ظرفان للأوقات اهـ. مع يسير تغيير. قوله: (جمع أصيل) مثله في النهر لأبي حيان والسلاح لابن همام وغيرهما لكن قال الواحدي الآصال واحدها أصل وواحد الأصل أصيل قال الزجاج الآصال العشايا جمع الجمع اهـ، وهو مخالف لكلام المصنف وفي مفردات الراغب ما يؤيد كلام المصنف وهو قوله الآصال العشايا يقال للعشية أصل وأصيلة فجمع الأصيل أصل وآصال وجمع الأصيلة أصائل اهـ، فهو مصرح بأن آصال جمع لأصيل كأصل لا أنه جمع لجمعه. قوله: (وهُو ما بيِّن والمَغرب الخ) قال الرداد في موجبات الرحمة وهو المساء في اعتبار معنى الأحاديث الواردة في أذكاره وأدعيته

{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52] ـــــــــــــــــــــــــــــ فهو محل الذكر المقيد بالعشاء والمساء فيأتي العبد فيه بما أتى به من بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس من الذكر إلا ما اختص به الصباح وإن عرض عارض وشغل شاغل عن الإتيان بما ذكر في هذا الوقت أتى به بعد صلاة المغرب فإن حكم المساء باقٍ عليه إلى وقت العشاء مقدمة ومؤخرة اهـ. قوله: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) [الأنعام: 52] الخ) في النهر قال سعد بن أبي وقاص نزلت فينا ستة في وفي ابن مسعود وصهيب وعمار والمقداد وبلال قالت قريش إنا لا نرضى أن نكون لهؤلاء أتباعًا فاطردهم عنك فنزلت ولما أمر تعالى بإنذار غير المتقين لعلهم يتقون أردف ذلك بتقريب المتقين وإكرامهم ونهاه عن طردهم ووصفهم بموافقة ظاهرهم لباطنهم من دعاء ربهم وخلوص نياتهم والظاهر في قوله يدعون ربهم يسألونه ويلجؤون إليه ويقصدونه بالدعاء والرغبة وذكر في زاد المسير خمسة أقول في المراد بذلك باقيها الصلاة العبادة تعلم القرآن دعاء الله بالتوحيد والإخلاص له وعبادته اهـ. قوله: (بالغداةِ وَالعَشي) كناية عن الزمان الدائم ولا يردا بهما خصوص زمانهما كما يقول الحمد لله بكرة وأصيلًا يريد على كل حال فكنى بالغداة عن النهار وبالعشي عن الليل أو خصمها بالذكر لأن الشغل فيهما غالب على الناس ومن كان في هذين الوقتين يغلب عليه ذكر الله تعالى ودعاؤه فكان في وقت الفراغ أغلب عليه اهـ. قوله: (يُريدُونَ وجْههُ) جملة حالية وذو الحال الواو في يدعون وهي الفاعل ويدعون هو العامل قال الواحدية قال ابن عباس يطلبون ثواب الله ويعملون ابتغاء مرضات الله والمعنى يريدون الله بطاعتهم ويذكر لفظ الوجه للتعظيم كما يقال هذا وجه الرأي وفي الحديث عن أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال تعرض أعمال بني آدم بين يدي الله في صحف مختتمة فيقول الله تعالى اقبلوا هذا ودعوا هذا فتقول الملائكة ما علمنا إلا خيرًا فيقول الله هذا ما أريد به وجهي وهذا لم يرد به وجهي ولا أقبل إلَّا ما أريد به وجهي اهـ، وفي النهر وجهه هو كناية عن الله سبحانه إذ الجسمانية تستحيل بالنسبة إليه تعالى وقال القاضي بدر الدين بن جماعة في تأويل الآيات والأحاديث المتشابهة اعلم أنه إذا اطلق

الآية قال أهل اللغة: العشي: ما بين زوال الشمس وغروبها. وقال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ... } الآية [النور: 36، 37]. وقال تعالى: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَال مَعَهُ يُسَبِّحْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الوجه في الآية الكريمة فالمراد به الذات المقدس وعبر عنه بالوجه على عادة العرب الذين نزل القرآن بلغاتهم يقول أحدهم فعلت ذلك لوجهك أي لك وكنى عن الذات بأوجه لأنه المرئي من الإنسان غالبًا وبه يتميز الإنسان عن غيره ولأن الرأس والوجه موضع الفهم والعقل والحسن المقصود من الذات ولأن الوجه مخصوص بمزيد الحسن والجمال ويظهر عليه ما في القلب من رضا وغضب فأطلق على الذات مجازًا وقد يعبر بالوجه عن الرضا وسبب الكناية عنه أن الإنسان إذا رضي بالشيء أقبل عليه بوجهه وإذا كرهه أعرض بوجهه عنه ويطلق الوجه ويراد به القصد ومنه قول الشاعر. رب العباد إليه الوجه والعمل اهـ، وهذا كله بناء على مذهب الخلف القائلين بالتأويل وهو أحكم ومذهب السلف في ذلك وأمثاله تنزيهه تعالى عن ظاهره وتفويض المراد منه إلى الله تعالى وهو أسلم وسيأتي لهذا المقام مزيد. قوله: (الآيةَ) بحركات الإعراب الثلاثة كما تقدم فيما يقال في المسجد والمراد إلى قوله فتطردهم فتكون من الظالمين. قال الواحدي قال ابن الأنباري عظم الأمر في هذا على النبي - صلى الله عليه وسلم - وخوف بالدخول في جملة الظالمين لأنه قد هم بتقديم الرؤساء وأولي الأموال على الضعفاء ذوي المسكنة فأعلمه الله أن ذلك غير جائز ونقله أيضًا ابن الجوزي في زاد المسير. قوله: (قَال أَهلُ اللغةِ الخ) حكاه في النهاية ثم قال وقيل أنه من زوال الشمس إلى الصباح وحكى المصنف في باب ما يقول بعد زوال الشمس عن أبي منصور الأزهري أن العشي ما بين أن تزول الشمس إلى أن تغرب اهـ، وفي المهذب العشي من المغرب إلى العتمة أو من زوال الشمس إلى طلوع الفجر والعشي والعشية آخر النهار اهـ، وفي المغرب المشهور أنه آخر النهار. قوله: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَال مَعَهُ يُسَبِّحْنَ} [ص: 18] قال الواحدي في تفسير سورة سبأ كان إذا سبح داود

بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ [ص: 18]. وروينا في "صحيح البخاري" ـــــــــــــــــــــــــــــ سبحت الجبال معه وقال في سورة سبحان في قوله تعالى ({وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44] أي يخضع له ويخضع فصرف التسبيح إلى لازمه وقال السيوطي في الجلالين يسبح متلبسًا بحمده أي يقول سبحان الله وبحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم لأنه ليس بلغتكم اهـ، وهذا ظاهر التنزيل والتلفظ لا يتوقف على جارحة اللسان كما هو الصحيح عند المتكلمين لأن الذي أقدر اللسان على النطق يوجده بغيره سبحانه وتعالى وقال ابن حجر في شرح المشكاة والظاهر أنه بلسان المقال لأن الأصح حمل النصوص على ظاهرها ما أمكن. قوله: (بالعَشي وَالإشراق) قال الواحدي يروى عن ابن عباس بطرق أنه فسر التسبيح بالإشراق في هذه الآية بصلاة الضحا ثم ساق بسنده حديثًا مرفوعًا عن ابن عباس عن أم هانئ بنت أبي طالب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها فدعا بوضوء فتوضأ ثم صلى الضحي وقال يا أم هانئ هذه صلاة الإشراق اهـ. قوله: (وَرَوَينَا في صحيح البخاري) عطف على "من القرآن قوله" الخ. إلَّا أن في الكلام محذوفًا يبينه السياق أي ومن السنة ما روينا الخ. قال الحافظ ورواه أحمد والنسائي عن شداد في الاستعاذة وعمل اليوم والليلة وابن عدي قال في السلاح وليس لشداد في الصحيحين سوى حديثين أحدهما هذا والآخر في مسلم أن الله كتب الإحسان على كل شيء اهـ، وفي الجامع الصغير رواه أحمد والبخاري والنسائي عن شداد اهـ، وأخرج الحافظ الحديث من طريق الطبراني في كتاب الدعاء من حديث بريدة رضي الله عنه أخرجه عن الوليد بن ثعلبة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قال حين يصبح وحين يمسي فذكر بمثله إلّا أنه قال فاغفر لي ذنوبي جميعًا وقال في آخره فمات من يومه أو ليلته دخل الجنة وقال بعد تخريجه هو حديث حسن صحيح أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة من غير الوليد بن ثعلبة وقد وثقه يحيى بن معين وكنت أظن أن روايته هذه شاذة وأنه سلك عن العبادة حتى رأيت الحديث من رواية سليمان بن بريدة عن أبيه أخرجها ابن السني فبان أن للحديث عن بريدة أصلًا

عن شداد بن أوس رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سَيدُ الاسْتِغْفَارِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد أخرجه البزار من حديث بريدة كما قاله في الحصين قال الحافظ وللحديث شاهد من حديث أبي أمامة ومن حديث جابر وغيرهما أخرجهما الطبراني وغيره قاله الحافظ. قوله: (عَنْ شدادِ بْنِ أَوْس) هو أبو يعلى وقيل أبو عبد الرحمن شداد بن أوس بن ثابت الأنصاري الخزرجي ابن أخي حسان بن ثابت قيل هو بدري وغلط قائله إنما البدري أبوه قال عبادة بن الصامت وأبو الدرداء كان شداد من أولي العلم والحكمة سكن بيت المقدس وأعقب بها توفي سنة ثمان وخمسين أو إحدى وأربعين أو أربع وستين عقب خمس وسبعين سنة ودفن بها وقبره بظاهر باب الرحمة باقٍ إلى الآن روي له خمسون حديثًا انفرد البخاري منها بواحد وهو حديث الباب ومسلم بآخر وهو حديث الإحسان. قوله: (سيدُ الاستغْفارِ) أي سيد ألفاظه قال الطيبي استعير لفظ السيد من الرئيس المقدم الذي يصمد إليه في الحوائج لهذا الدعاء الذي هو جامع التوبة لمن تأملها إذ هي غاية الاعتذار قال في فتح الإله وهذا الذكر كذلك وتعقب بأنه يفيد أن المراد بالاستغفار التوبة والظاهر من الحديث الإطلاق وبالمنع من جامعيته لمعنى التوبة إذ ليس فيه إلّا الاعتراف بالذنب الناشئ عن الندامة أما العزم على ألا يعود أو أداء الحقوق لله أو العباد فلا يفهم منه أصلًا ويمكن أن يقال أن الظاهر من استعاذته من سوء صنعه العزم على عدم عوده وأما أداء الحقوق فيسأل من الله غفرانها وبالغفران يحصل المقصود والله أعلم قال الكرماني. أن قلت ما الحكمة في كون هذا الذكر أفضل الاستغفارات. قلت هو وأمثاله من التعبدات والله أعلم بذلك لكن لا شك أن فيه ذكر الله بأكمل الأوصاف وذكر نفسه بأنقص الحالات وهو أقصى غاية التضرع ونهاية الاستكانة لمن لا يستحقها إلَّا هو، أما الأول فلما فيه من الاعتراف بوجود الصانع وتوحيده الذي هو أصل الصفات العدمية المسماة بصفات الجلال والاعتراف بالصفات السبع التي هي الصفات الوجودية المسماة بصفات الإكرام وهي القدرة اللازمة للخلق الملزومة للإرادة والعلم والحياة والخامسة الكلام اللازم من الوعد والسمع والبصر اللازمان من المغفرة إذ المغفرة للمسموع وللمبصر لا يتصور إلَّا بعد السماع والإبصار، وأما الثاني فلما فيه أيضًا من الاعئراف

اللهُم أنْتَ رَبي لا إله إلا أنْتَ، خَلَقْتَني وأنا عَبْدُكَ وأنا على عَهْدِكَ ووعْدِكَ ما استَطَعْتُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بالعبودية وبالذنوب في مقابلة النعمة التي يقتضي نقيضها وهو الشكر اهـ. قال شارح عدة الحصين. أن قلت أين لفظ الاستغفار في هذا الدعاء وقد سماه الشارع سيد الاستغفار. قلت الاستغفار في لسان العرب طلب المغفرة من الله تعالى وسؤاله غفران الذنوب السالفة والاعتراف بها وكل دعاء كان فيه هذا المعنى فهو استغفار مع أن الحديث فيه لفظ الاستغفار وهو قوله فاغفر لي الخ. قوله: (أَنت رَبي) أي ورب كل شيء فقد رببت الوجود وأهله بالإيجاد ثم بالإمداد فوجب علي وعلى سائر العباد العود إلى ساحتك العلية بلسان الاعتذار والقيام في حال الذل والانكسار. قوله: (لَا إِلهَ إلا أَنْتَ) أي فلا يطلب من غيرك شيء لأنه مقهور لا ينفع نفسه ولا يدفع الضر عنها وما أحسن قول العارف الكبير أبي الحسن الشاذلي: آيست من نفع نفسي لنفسي ... فكيف لا آيس من نفع غيري لنفس ورجوت الله لغيري ... فكيف لا أرجوه لنفسي قوله: (خلَقْتني) شرح لبيان التربية المدلول عليها بقوله أنت ربي. قوله: (وأَنا عَبدُكَ) أي مخلوقك ومملوكك جملة حالية محققة أو معطوفة وكذا جملة وأنا على عهدك الخ. قوله، (على عَهدِكَ وَوَعْدِكَ) قيل عهدك أي ما عاهدتني بالإيمان المأخوذ يوم ألست بربك أي أنا مقيم على ما عاهدتني في الأزل من الإقرار بربوبيتك وقيل عهدك أي على ما عاهدتني أي أمرتني به في كتابك وبلسان نبيك من القيام بالتكاليف ووعدك أي مستنجز وعدك في المثوبة والأجر في العقبى على هذه العهود وأنا موقن بما وعدت به من البعث والنشور وأحوال القيامة فالمصدر مضاف لفاعله وقيل ما عاهدتك عليه في الأزل من الإقرار بالوحدانية المأخوذ يوم ألست بربكم ووعدك أي ما وعدتك به من الوفاء بذلك فالمصدر مضاف للمفعول قيل ولا يبعد أن يراد الجميع من الكلمة الجامعة لما ذكر وغير ذلك مما يخطر ببال. قوله: (ما استطعت) أي قدر استطاعتي فما مصدرية واشتراط ظرفية الاستطاعة اعتراف بالعجز والقصور عن كنه الواجب في حقه تعالى أي لا أقدر أن أقوم بعهدك حق القيام به لكن أجتهد قدر طاقتي قال صاحب النهاية استثنى بقوله ما استطعت موقع القدر السابق لأمره

أبُوءُ لكَ بِنِعْمتِكَ عَلي، وأبوءُ بِذَنبي فاغْفِرْ لي فإنه لا يَغْفِرُ الذنوبَ إلا أنتَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أي إن كان قد جرى القضاء على أن أنقض العهد يومًا فإني أميل عند ذلك إلى الاعتذار بدفع الاستطاعة في رفع ما قضيت. قوله: (أَبُوءُ) قال المصنف معناه أقر وأعترف قال في السلاح وأصله من بؤت بكذا إذا احتملته ومنه قوله تعالى فباءوا بغضب على غضب قال بعض المفسرين معناه احتملوه ورجعوا به اهـ، وفي شرح المشكاة أصله التزم والأنسب هنا أقر وأعترف ثم هو بهمزة مفتوحة فموحدة مضمومة وبعد الواو همزة وقال ابن الجزري أي ألتزم وأرجع وأقر وأعترف بالنعمة التي أنعمت بها علي. قوله: (وأَبُوءُ لَك بذَنْبي) معناه الإقرار بالذنب والاعتراف به أيضًا لكن فيه معنى ليس في الأول لأن العرب تقول باء فلان بذنبه إذا احتمله كرهًا لا يستطيع دفعه عن نفسه ولذا ورد في بعض الروايات الصحيحة أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي بإثبات لك مع النعمة وبحذفها في ذنبي وهو أدب حسن قال الشيخ ابن حجر في شرح المشكاة وأبوء بذنبي أي الذنب العظيم الموجب للقطيعة لولا واسع عفوك وهامع فضلك اهـ، وتعقبه في المرقاة بأنه ذهول وغفلة منه أن هذا لفظ النبوة وهو معصوم عن الزلة اهـ، ولك أن تقول ليس في هذا إثبات وقوع الذنب منه - صلى الله عليه وسلم - حتى ينافي العصمة إنما المقصود أنه لكمال فضله وخضوعه لربه يرى ذلك وكلما كمل الإنسان زاد اتهامه لنفسه ومثاله في الشاهد أن البريء من الذنب المقرب مثلًا إذا قال للملك أنا مسيء في حقك ونحو ذلك عد منه تواضعًا وسببًا لترقيه عنذ ذلك الملك وليس فيه إثبات للذنب والله أعلم. وقد تقدم لهذا نظير في أماكن كثيرة منها في دعاء الافتتاح وقال الطيبي اعترف أولًا بأنه تعالى أنعم عليه ولم يقيده ليشمل كل الأنعام ثم اعترف بالتقصير وأنه لم يفم بأداء شكرها وعد ذنبًا مبالغة في التقصير وهضم النفس اهـ، وتعقبه ابن حجر بأنه لا يتفرع عليه ما قرنه بفاء التفريع المفرع ما بعدها عما قبلها في قوله فاغفر لي وفيه أن الاعتراف المقتضي لعفو الاقتراف موجود في كلام الطيبي فيناسب تفريع سؤال الغفران عليه ولذا قال في المرقاة إن كلام الطيبي في كمال الحسن. قوله: (فإنهُ لَا يغْفرُ الذنوبَ) أي جميعها وظاهر خروج الكفر منها فلا يغفر أو حتى الكفر إذا كان الغفران بالتوبة

أعوذُ بك من شر ما صنعت، إذا قال ذلك حين يمسي فمات من ليلته دخل الجنة، أو كان من أهل الجنة، وإذا قال ذلك حين يصبح فمات من يومه ... مثله" معنى أبوء: أقر وأعترف. وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن قال حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسي: سُبْحانَ اللهِ وبحَمْدِهِ. مائَةَ مَرة ـــــــــــــــــــــــــــــ من العصيان. قوله: (أَعوذ بكَ الخ) ما فيه مصدرية أو موصولة أي أعوذ بك من صنعي أو مما صنعته مما لم أستطع على كف نفسي عنه من الأعمال التي تؤدي بصاحبها إلى الهلاك الأبدي والعذاب السرمدي قال في الحرز والمراد به غفران الأوزار وعدم الإصرار ولذا كان سيد الاستغفار. قوله: (فماتَ) أي في ليلته كما جاء في رواية أخرى للصحيح. قوله: (دَخَلَ الجَنة) أي ابتداء من غير دخول النار لأن الغالب أن المؤمن بحقيقتها المؤمن بمضمونها لا يعصى الله تعالى أو لأنه تعالى يتفضل فيعفو عنه ببركة هذا الاستغفار أشار إليه الكرماني جوابًا عما يقال المؤمن يدخل الجنة وإن لم يقل هذا الذكر والله أعلم. قوله: (وَرَوَينَا في صحيح مُسلم) في المشكاة متفق عليه وأقره ابن حجر والقاري لكن في الحصين رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وابن حبان وأبو عوانة كلهم عن أبي هريرة ولم يذكر في رواته البخاري وكذا لم يذكره صاحب السلاح وقال أن اللفظ لمسلم وعند أبو داود سبحان الله العظيم وبحمده ولفظ الحاكم من قال إذا أصبح مائة مرة وإذا أمسى مائة مرة سبحان الله وبحمده غفرت ذنوبه وإن كانت أكثر من زبد البحر ورواية ابن حبان في صحيحه بمعنى رواية الحاكم اهـ، وكذا لم يذكر الحافظ فيمن خرجه البخاري بل زاد فذكر في مخرجيه مالك لكن قال غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر وابن السني قال من عدة طرق إلَّا أنه خالف باقي الرواة فإنه قال عن سهل بن صالح عن أبيه وكذا أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم من عدة طرق عن سهل عن أبيه بإسقاط سمي وقال مالك ومسلم وأبو داود عن سهل عن سمي وهو مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي صالح والصواب إثبات سمي والله أعلم. قوله: (مَنْ قال حينَ يصبحُ الخ) الظاهر من قال حين يصبح سبحان الله وبحمده

لم يأتِ أحَد يومَ القِيامَةِ بأفْضَلَ مِما جاءَ بِهِ إلا أحَد قال مثلَ ما قال أو زادَ عليْهِ". وفي رواية أبي داود: "سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ وبِحَمْدِهِ". وروينا في سنن أبي داود والترمذي، والنسائي وغيرها بالأسانيد الصحيحة، عن عبد الله بن خُبيب -بضم الخاء المعجمة- رضي الله عنه، قال: "خرجنا في ليلة مَطيرة وظلمة شديدة نطلب النبي - صلى الله عليه وسلم - ليصليَ لنا، فأدركناه فقال: ـــــــــــــــــــــــــــــ مائة مرة وحين يمسي كذلك ويحتمل الحديث أن المراد أنه يأتي بالمائة في الوقتين لكن وقع في كلام للمؤلف ما يصرح بالثاني قاله الرداد في موجبات الرحمة وينبغي أن يسبح هذا التسبيح قبل طلوع الشمس وقبل غروبها لما ورد في ذلك من الآيات الكريمة ليكون جامعًا في عمله هذا بين ما جاء في الكتاب والسنة ولذا ينبغي الجمع بين الروايتين فيقول سبحان الله العظيم وبحمده مائة مرة اهـ. قوله: (مما جاءَ بهِ) أي قول سبحان الله وبحمده مائة مرة. قوله: (إِلا رَجل قَال مثْل مَا قَال الخ) استشكل بأنه يقتضي أن من قال مثل قوله أو زاد عليه يكون أفضل منه ولا إشكال في الزيادة إذ الثواب بقدر العمل إنما الاستشكال مع المماثلة فإنها تقتضي المساواة لا الأفضلية، وأجيب بأن الاستثناء بالنسبة إليه منقطع والتقدير لم يأت رجل بأفضل مما جاء به لكن رجل قال مثل ما قاله فإنه يأتي بمساو له لتعذر الاتصال فيه إلَّا أن يقدر لم يأت أحد يمثل ما جاء به ولا بأفضل منه إلّا أحد الخ. أو أن أو فيه بمعنى الواو وقال ميرك الجواب الصحيح أن يقال الاستثناء وإن كان في الظاهر من النفي لكن في الحقيقة من الإثبات والمعنى أن من قال ذلك أتى بأفضل مما جاء به كل أحد إلَّا أحد قال مثل ذلك فإنه مساو له أو زاد عليه فإنه أفضل منه قال والمراد بالأفضل منه جنس أذكاره لأنه أفضل الأدعية لا أنه أفضل من جميع الأعمال فإن الإيمان وكثيرًا من الطاعات أفضل منه اهـ. قال المصنف وفي قوله أو زاد دليل واضح على أن هذا مما يجوز فيه الزيادة وليس من التحديد الذي نهى عن اعتدائه ومجاوزة عدده وإن زيادته لا فضل فيها أو تبطل كالزيادة في أعداد الوضوء والصلاة اهـ، وتقدم في باب الذكر له مزيد قيل ولعل الفرق بين القسمين أن الأول للتشريع والثاني للتحديد. قوله: (وَرَوَينَا في سنَنِ أَبِي دَاوُدَ) أي واللفظ له. قوله: (والترْمذِي) أي وقال حسن صحيح غريب من هذا الوجه. قوله: (وغيْرهَا) فرواه الطبراني أيضًا بالأسانيد

قُلْ، فلم أقل شيئًا، ثم قال: قُلْ، فلم أقل شيئًا، ثم قال: قل، فقلت: يا رسول الله ما أقول؟ قال: قُلْ هُوَ الله أحَد والمُعَوِّذتينِ حِينَ تُمْسِي وحِينَ تُصْبِحُ ثلاثَ مَراتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصحيحة قال الحافظ مدار هذا الحديث على أسيد بن أبي أسيد البراد أي الراوي له عن معاذ بن عبد الله بن خبيب الجهني عن أبيه رضي الله عنه وليس من رجال الصحيح وقال الدارقطني يعتبر به وقد أخرج له النسائي متابعًا في هذا الحديث من رواية زيد بن أسلم عن معاذ بنحوه وليس فيه قصة الظلمة والمطر ولا ذكر (قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدُ) [الإخلاص: 1] أخرجه النسائي من طريق حفص بن ميسرة عن زيد وأخرجه أيضًا من طريق عبد الله بن سليمان الأسلمي عن معاذ بن عبد الله بن خبيب عن أبيه عن عقبة بن عامر الجهني فذكره بنحو رواية زيد بن أسلم والحديث معروف بعقبة بن عامر الجهني جاء عنه بألفاظ مختلفة. قلت وقد بين بعضها الحافظ في تخريج الأذكار التي تقال بعد الصلاة وتقدم ذكر خلاصته ثمة قال وذكر النسائي له طرقًا منها ما أخرجه هو والبزار عن محمد بن المثنى عن محمد بن جعفر المعروف بغندر عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن يزيد بن رومان عن عامر بن عقبة وفي رواية السلمي عن عقبة بن عامر ثم اتفقا عن عبد الله الأسلمي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضع يده على صدره وقال قل فلم أدر ما أقول فذكر نحو الحديث المتقدم وقال فيه هكذا فتعوذ فما تعوذ المتعوذون بمثلهن قال النسائي بعد تخريجه هذا خطأ اهـ. قال الحافظ وبسبب هذا الاختلاف قلت الحديث حسن وتوقفت في تصحيحه واتضح مما سقته أنه ليس في الكتب الثلاثة وغيرها عن عبد الله بن خبيب قال في السلاح ليس لعبد الله بن خبيب عند الستة سوى هذا الحديث وقال البرقي له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثان وقال أبو الفرج بن الجوزي له ثلاثة أحاديث وخبيب قال المصنف بضم الخاء المعجمة زاد في الحرز وموحدتين مصغر وهو كما في أسد الغابة عبد الله بن خبيب الجهني حليف الأنصار عداده في أهل المدينة له ولأبيه صحبة ثم أسند الحديث المذكور وقال أخرجه الثلاثة يعني ابن منده وأبا نعيم وابن عبد البر. قوله: (قلْ) أي اقرأ. قوله: (قلْ هُو الله أَحدٌ) أي اقرأ هذه السور الثلاث الملقبة بهو الله أحد والمعوذتين قيل وكأن قراءة الإخلاص بمنزلة الثناء قبل الدعاء لتفيد سرعة الإخلاص. قوله: (ثلاثَ مراتٍ) أي

تكْفِيكَ مِنْ كُل شَيء" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وروينا في سنن أبي داود، والترمذي، وابن ماجه وغيرها ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن من أدب الدعاء الإلحاح وأقله التثليث. قوله: (تكفيكَ) أي هذه السور أي تدفع عنك. قوله: (منْ كل شَيْءٍ) قيل من فيه زائدة في الإثبات على مذهب جماعة بل وعلى مذهب الجمهور لأن يكفيك متضمنة للنفي كما علم من تفسيرها بيدفع ويصح أن تكون لابتداء الغاية أي تدفع عنك من أول مراتب السوء إلى آخرها أو تبعيضه أي بعض كل نوع من أنواع السوء قيل ويحتمل أن يكون المعنى تغنيك عن كل ما عداها ولعل وجهه أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن وورد لن يقرأ سورة أبلغ عند الله من (قُل أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَق) الفلق: رواه أحمد والنسائي والدارمي من حديث .. واعترض بأنه إذا فسر يكفي بما سبق وأبلغ بمعنى أبلغ في التعويذ من كل سورة فما وجه ذكر الثلاثة في الحديث المذكور، وأجيب بأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يخبر بالقليل أولًا ثم بالكثير إعلامًا بمنة الله تعالى عليه وعلى أمته إذ لم يعطوا ذلك إلّا بسببه فأخبر أن الثلاثة تكفي من كل سوء ثم عظمت عليه المنة فأخبر بأن وسطاها وخلاصتها في ذلك تحصل الكفاية بها وحدها ويمكن الجمع أيضًا بأن يجعل من كل سوء خاصا بالثلاث وهو ما في حديث الباب و (قُل أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَق) أبلغ أي عند الله في كفاية شيء مخصوص من أنواع السوء وقيل ويحتمل على بعد أن يكون المراد في حديث أحمد أبلغ من (قُل أَعُوذُ برَبِّ الفَلِق) أي و (قُل هُوَ اللَّهُ أحد) [الإخلاص: 1] {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)} [الناس: 1] بقرينة حديث ابن خبيب فيتفق الخبران. قوله: (والترمذِي) أي وقال هذا حديث حسن. قوله: (وغيْرهَا) قال في المرقاة قال ابن الجزري رواه أحمد والأربعة وابن حبان في صحيحه وأبو عوانة ولفظهم في الصباح النشور وفي المساء المصير. قلت وكذا رواه البخاري في الأدب المفرد وأخرجه النسائي في الكبرى كما قاله الحافظ قال وأخرجه الترمذي وابن ماجة بصيغة الأمر إذا أصبح أحدكم فليقل وفي سند كل منهما مقال قال ابن الجزري وجاء في أبي داود فيهما النشور وفي الترمذي فيهما المصير اهـ. وبه يعلم أن ما في الكتاب لفظ أبي داود وفي الحرز نقلًا عن ابن الجزري يقال نشر ينشر نشورا إذا عاش بعد الموت ولذا ناسب أن يقال في الصباح وإليه النشور

بالأسانيد الصحيحة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول إذا أصبح: "اللَّهُم بكَ أصبحنا وبك أمسَينا، وَبكَ نَحْيا، وبكَ نَمُوت، وإليكَ النشُورُ" وإذا أمسى قال: "اللهُم بِكً أمْسَينا، وبِكَ نحيا، وبكَ نموتُ وإليكَ النُّشُورُ" قال الترمذي: حديث حسن. وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا كان في سفر ـــــــــــــــــــــــــــــ فإنه يقع في القيام من النوم وهو كالموت وناسب أن يقال في المساء إليه المصير لأنه يصير إلى النوم وهذا هو الصحيح في الحديث ورواه أبو عوانة في صحيحه وغيره وما ورد غير ذلك فإنه وهم من الراوي اهـ، ويشير به إلى ما ذكره في تصحيح المصابيح أنه جاء في أبي داود فيهما النشور وفي الترمذي فيهما المصير اهـ، ولا يخفى أنه بمجرد تحسين المناسبة المعنوية ولا يجوز الطعن بالوهم وغيره فيما ثبت من الروايات لا سيما ورواية أبي داود والترمذي أكثر اعتبارًا من رواية أبي عوانة مع أن مؤدي النشور والمصير واحد وهو الرجوع إلى الله تعالى بعد الموت نعم المغايرة بينهما أتم على أن قوله بك نحيا يناسبه النشور وبك نموت يناسبه المصير ففيه نوع لف ونشر اهـ. وأيضًا فإن النهار محل الكسب فيناسب الانتشار والليل محل السكون فيناسبه المصير اهـ. قوله: (بالأَسانيدِ الصحيحةِ). قال الحافظ بعد تخريجه الحديث أنه حديث صحيح غريب. قوله: (إِذَا أَصبَحَ) أي دخل في الصباح. قوله: (بكَ أَصْبحنَا) أي بسبب نعمة إيجادك وإمدادك أصبحنا والظرف خبر مقدم على حذف مضاف. قوله: (وبكَ نحيَا الخ) حكاية الحال الآتية يعني يستمر حالنا على هذا في جميع الأوقات وسائر الأحوال ومثله حديث حذيفة السابق في باب ما يقول إذا استيقظ من نومه اللهم باسمك أحيا وأموت أي لا أنفك عنه وتقدم في ذلك الباب الكلام على هذا الخبر بما يغني عن الإعادة والمقصود من ذلك التبري من الحول والقوة. قوله: (النشورُ) أي البعث بعد الموت والتفرق بعد الجمع. قوله: (وَرَوَينْا في صحيح مُسلم الخ) وكذا رواه أبو داود كما في الحصين والسلاح زاد الأخير ورواه الحاكم وزاد فيه بعد قوله لك ثلاث مرات ويرفع بها صوته زاد الحافظ وأخرجه النسائي وابن خزيمة والحديث صحيح غريب قال وقد وجد له شاهد

وأسحر يقول: "سَمَّعَ سامِع بِحَمْدِ اللهِ وحُسْنِ بلائهِ عَلَينا، رَبنا صاحِبْنا، وأفضِلْ علَيْنا عائِذا باللهِ مِنَ النارِ". قال القاضي عياض وصاحب "المطالع" وغيرهما: سمَّع ـــــــــــــــــــــــــــــ عن ابن عمر لكنه غير مرفوع فأخرجه الحافظ عن مجاهد عن ابن عمر أنه كان إذا غشيه الصبح وهو مسافر نادى سمع سامع بحمد الله فذكر مثله لكن زاد يقولها ثلاث مرات. أخرجه أيضًا عنه لكنه بلفظ أسمع سامع وباقيه سواء وزاد ولا حول ولا قوة إلَّا بالله قال وروينا في كتاب الدعاء للمحاملي من وجه آخر عن مجاهد عن نعيم بن مسعود موقوفًا أيضًا ورواية أسمع بالهمزة تؤيد ما اذهب إليه القاضي عياض من ضبط سمع بتشديد الميم اهـ. قوله: (فاسْحَرَ) أي دخل في وقت السحر وهو قبيل الصبح قال الزمخشري السدس الأخير من الليل قيل سمي بذلك لاشتباهه بالضياء ذكره صاحب العين. قوله: (بحِمدِ الله) أي بحمدنا الله فالمصدر مضاف للمفعول زاد أبو داود "ونعمته" وقيل المراد أي سار إلى السحر وعلى هذا فيختص هذا الذكر بالمسافر بخلافه على الأول. قوله: (وحسن بلائهِ) بالجر عطفًا على حمد الله وفي نسخة من الحصين بالرفع على أنه جملة من مبتدأ وخبر أي حسن نعمته أو حسن اختباره واقع علينا وثابت له بنا قال ابن الجزري قوله على نعمه وحسن بلائه أي على ما أحسن إلينا وأولانا من النعم وحسن البلاء بالنعمة الاختبار بالخير ليتبين الشكر وبالشر ليظهر الصبر، وفيه أن قوله على نعمه مشعر أن لفظ على من متن الحديث وليس موجودًا في الأصول المصححة والنسخ المعتمدة. قوله: (ربنا) أي يا ربنا. قوله: (صاحِبنْا) بسكون الباء من المصاحبة أي كن مصاحبًا لنا بالإعانة والإغاثة وفي حاشية الإيضاح لابن حجر الهيتمي في قوله أنت الصاحب في السفر يستفاد منه أن هذا من أسماء الله تعالى لكن هل هو يقيد في السفر اتباعًا للفظ الحديث إذ أسماء الله توقيفية ولم يرد إلا مقيدًا أو لا يتقيد بذلك محل نظر والأقرب الأول اهـ. ولك أن تقول أن لفظ حديث الباب مشعر بجواز اطلاف الصاحب من غير تقييد سيما على مذهب من يكتفي في الإطلاق بوروده في الفعل أو أصله والله أعلم. قوله: (وأَفْضِلْ) بصيغة الأمر من الإفضال أي نسألك الإفضال من نعمك بفضلك. قوله: (عائِذًا بالله) هو منصوب على المصدر أي أعوذ عياذًا أقيم اسم الفاعل

بفتح الميم المشددة، ومعناه: بلغ سامع قولي هذا لغيره، تنبيهًا على الذِّكْر في السَّحَر والدعاء في ذلك الوقت، وضبطه الخطابي وغيره، سمع: بكسر الميم المخففة، قال الإمام أبو سليمان الخطابي: سمع سامع، معناه: شهد شاهد. وحقيقته: ليسمع السامع وليشهد الشاهد حَمْدنا لله تعالى على نعمته وحسن بلائه. ـــــــــــــــــــــــــــــ مقام المصدر كما في قولهم قم قائمًا أو على الحال من الضمير المرفوع في قوله اسحر فيكون من كلام الراوي قاله القاضي ويريد أنه إذ كان مصدرًا فهو من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإذا كان حالًا فمن كلام الراوي وجوز المصنف أن يكون حالًا وأن يكون من كلامه أي إني أقول ذلك حال كوني عائذًا من النار اهـ، وهذا أرجح لئلا ينخرم النظم قاله الطيبي وقال ابن الجوزي أي مقسمًا ونصبه على الحال اهـ، قيل ويحتمل أن يكون حالًا من فاعل سمع اهـ. وروي عائذ بالرفع أي أنا عائذ وختم بهذا تعليمًا للأمة أنه ينبغي ضم الخوف للرجاء وهضمًا لنفسه وتواضعًا لربه سيما بعد حمده على نعمه الخطير عليه وزيادة في شكرها وإذعانها وإشاعتها كما هو شأن كل خطير يطلب دوامه والثبات عليه. قوله: (بتشديدِ المِيم) قال الطيبي هو كذلك في أكثر روايات مسلم كذا في المرقاة. قوله: (معْنَاهُ شَهِدَ الخ) أي ومعناهَ أي بمعنى شهد شاهد فيكون شاهد بدلًا من الضمير والضمير عائد إليه مثل اللهم صل عليه الرؤوف الرحيم وعبارة السلاح وقال الخطابي بكسر الميم المخففة ومعناه شهد شاهد قال ابن حجر الهيتمي والباء في بحمد الله زائدة على التشديد وبمعنى على على التخفيف ونازعه في المرقاة بأن كليهما غير صحيح لأنه يقال بلغ الناس بكذا وسمع بهذا الخبر أما إذا كان بمعنى شهد فيتعين وجود الباء لأنه يقال شهد بكذا سواء المشهود عليه والمشهود به اهـ، وفيه أن بلغ يصل إلى مفعوله بنفسه قال تعالى {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ (67)} [المائدة: 67]، فالباء عليه صلة والله أعلم. قوله: (وحقيقته) أي حقيقته على قول عياض ومن تبعه أنه أمر بلفظ الخبر عدل إليه لأنه لكونه مجازًا أبلغ كما قيل به في قوله تعالى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} [البقرة: 233] ورجحه الطيبي ومثل ما ذكر في النهاية وقال ابن الجوزي معنى سمع سامع أي ظهر وانتشر فسمعه السامعون اهـ. فأبقاه على ظاهره من الخبرية وقال التوربشتي الحمل على الخبر

وروينا في "صحيح مسلم" عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أمسى قال: "أمسينا وأمْسى المُلكُ للهِ، والحَمْدُ للهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أولى لظاهر اللفظ والمعنى سمع من كان له سمع بأنا نحمد الله ونحسن نعمه وإفضاله علينا والمعنى أن حمد الله تعالى على نعمه وإنعامه علينا أشهر وأشيع من أن يخفى على ذي سمع وسامع نكرة قصد به العموم كما في تمرة خير من جرادة والله أعلم، وقوله على نعمه يقتضي أن هذا اللفظ من الحديث ولم يورده المصنف وقد علمت أن لفظ نعمته عند أبي داود أما على فليمست من متن الخبر وقد سبق بيان ذلك. قوله: (وَرَوَينْا في صحيحِ مُسلْم الخ) ورواه أبو داود والترمذي والنسائي كذا في السلاح والنسائي أخرجه في الكبرى كما قال الحَافظ وزاد في الحصين وابن أبي شيبة في مصنفه قال الحافظ وللحديث شاهد من حديث البراء بن عازب قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أصبح قال أصبحنا وأصبح الملك لله والحمد لله لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له اللهم إني أعوذ بك من الكسل وعذاب القبر أخرجه الحافظ من طريق الطبراني في كتاب الدعاء قال وأخرجه ابن السني هكذا من وجه آخر وسنده حسن اهـ. قوله: (أَمسَينَا وأَمسَى المُلكُ لله) أي دخلنا في المساء ودخل فيه الملك كائنا لله ومختصًا به والجملة حالية من فاعل أمسينا بتقدير قد أو بدونه أي أمسينا وقد صار بمعنى كان ودام الملك لله أو خبر لأمسينا بناء على جواز زيادة الواو في خبر كان وأخواتها وعليه فيفرق بينه وبين منعها في خبر المبتدأ بأن اسمها يشبه الفاعل وخبرها يشبه الحال وقيل التقدير أمسينا أي دخلنا في المساء وصرنا فيه مغمورين في كلاءة الله وأمسى الملك لله أي دام وصار والثانية معطوفة على الأولى فأمسى في أمسينا على هذين ناقصة ولا يخفى بعد الأول من الأخيرين ثم رأيته في الحرز أشار إلى فساده. قوله: (والحمدُ لله) الأقرب أنه معطوف على الملك لله كذا قال ابن حجر في شرح المشكاة قال وعطفه على جملة أمسينا بعيد وعكس في الحرز وقال لا يضر كون المعطوف فيه إخبار والمعطوف عليه خبر مبني إنشاء معنى لأنه يجوز التعاطف في ذلك على الصحيح. قال الطيبي فإن قلت ما معنى أمسى الملك لله والملك لله أبدا وكذا الحمد لله، قلت هو بيان حال القائل أي عرفنا أن الملك لله والحمد له لا لغيره فالتجأنا له واستعنا به وخصصناه بالعبادة والثناء عليه والشكر

لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ" قال الراوي: أُراه قال فيهن: "لَهُ المُلْكُ ولهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُل شَيءٍ قدير، رَب أسألُكَ خَيرَ ما في هَذِهِ الليلَةِ وخَيرَ ما بَعْدَها وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَر ما في هذِهِ الليلةِ وَشَرِّ ما بَعْدَها، رب أعوذُ بكَ مِنَ الكَسَلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ له ثم طلب استمرار ذلك بدخوله في الليل والنهار واستعاذ مما يمنعه من الدعاء والثناء بقوله أسألك من خير هذه الليلة اهـ. قوله: (لَا إلهَ إلا الله) استئناف بياني أو تعليل أو معطوف بحذف العاطف وقال ابن حجر في شرح المشكاة هو عطف على ما قبله بتأويل ودامت الوحدانية مختصة بالله وأتى بهذه الجمل مقدمة لما أراد بعدها من الدعاء ليكون أبلغ في إجابته ودوام فائدته والكلام على قوله وحده إلى قدير تقدم في باب فضل الذكر فأغنى عن الإعادة. قوله: (خيْرَ مَا في هذِهِ الليْلةِ) أي خير ما أردت وقوعه في هذه الليلة لخواص خلقك من الكمالات الظاهرة والباطنة وإضافته إليها لكونها ظرفها أو خير ما يقتضيه أي أخيره فخير على الأخير افعل تفضيل وخير ما يقع فيها أي من العبادات التي أمرنا بها فيها أو المراد خير الموجودات التي قارن وجودها هذه الليلة. قوله: (منْ شرهَا) أي من شر أردت وقوعه فيها من شر ظاهر أو باطن ولا ينبغي حمل شر على أفعل التفضيل لأن الشر يستعاذ من أدناه أو المراد شر كل موجود الآن مما فيه شر قال ابن الجوزي والمراد باليوم في ذكر الصباح هو من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وبالليلة من غروبها إلى طلوع الفجر وقد أغرب من قال أن ذكر المساء يدخل بالزوال اهـ، وسكت عن وقت الذكر المتعلق بالصباح والذكر المتعلق بالمساء وإن كان في كلامه الإشارة إلى الأخير فعلم أن كلامه في اليوم والليلة المذكورين في أدعية الصباح والمساء وإن كان ظاهر إيراده له في هذا المقام المعنون بهما ربما يوهمه وبه يندفع قول الحرز بعد إيراده وقد سبق ما يستفاد منه أن الصحيح في هذا المقام أن يراد بالصباح أول النهار وبالمساء أول الليل كما يدل عليه لفظ اليوم والليلة صريحًا عليهما أما إرادة الليل والنهار جميعًا من الصباح والمساء كما يوهمه كلام المصنف وإن كان صحيحا بطريق الحقيقة والمجاز كما قالوا في قوله تعالى: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إلا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62)} [مريم: 62]، ولكن المراد هنا أطرافهما كما يشير إليه العنوان ويشعر به حديث من قرأ حين يصبح حفظ حتى يمسي وعكسه والله أعلم. قوله: (الكَسلِ)

والهرم وَسُوءِ الكِبَرِ، أعُوذُ بكَ منْ عَذَابٍ في النارِ وعَذابٍ في القَبْرِ، وإذا أصْبَحَ قال ذلك أيضًا: أصْبحنا وأصْبَحَ المُلْكُ للهِ ... ". وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ بفتحتين التثاقل عن الطاعات مع الاستطاعة وسببه غلبة داعي الشر على داعي الخير وقال الطيبي الكسل التثاقل عما لا ينبغي التثاقل عنه ويكون ذلك لعدم انبعاث النفس للخير مع ظهور الاستطاعة وقدم على ما بعده لأنه أخف منه إذ يمكن معه من العبادات ما لا يمكن مع ما بعده. قوله: (والهرم) بفتحتين كبر السن المؤدي إلى تساقط بعض القوى أو ضعفها وهو الرد إلى أرذل العمر وتقدم في الأذكار بعد التشهد حكمة الاستعاذة منه. قوله: (وسُوءِ الكِبَر) بضم السين ويجوز فتحها وبهما قرئ عليهم دائرة السوء وهما لغتان كالكره والكره والكبر بفتح الباء قيل وهو الأصح رواية ودراية أي مما يورثه الكبر من ذهاب العقل واختلاط الرأي وغير ذلك مما يسوء به الحال وإلّا فقد ورد طوبى لمن طال عمره وحسن عمله وروي بكسر فسكون والمراد به البطر أي الطغيان عند النعمة أي ما يورثه الكبر من أرذل الناس وتضييع حقوقهم قال ابن حجر في شرح المشكاة قول الشارح يعني الطيبي الأول أشهر يعني رواية أما دراية فالثاني يفيد ما لا يفيده الأول فهو تأسيس محض بخلاف الأول فإنه إنما يفيد ضربًا من التأكيد والتأسيس خير منه اهـ. وروي من غير هذا الطريق عنه أيضًا وسوء الكفر أي سوء عاقبته والمراد بالكفر كفران النعمة فيطابق رواية الكبر بسكون الباء. قوله (منْ عذَاب ألخ) التنوين فيهما للتنكير الشامل للقليل والكثير وقال ابن حجر الهيتمي من فيه للتفخيم والتهويل وسبقه إليه الحنفي وهو بعيد لأن العذاب المستعاذ منه لا يتقيد بكونه فخيما كما هو ظاهر. قوله: (وَرَوَينَا في صحيح مسلم الخ) قال في السلاح رواه الجماعة إلَّا البخاري وفي رواية للترمذي من قال حين يمسي ثلاث مرات أعوذ يكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضره حمة بضم المهملة وتخفيف الميم لدغة ذي حمة أي سم وقيل فوعة السم والفوعة بفتح الفاء وإسكان الواو ثم عين مهملة الحدة والحرارة كالعقرب تلك الليلة قال سهيل أهلنا تعلموها فكانوا

جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ما لقيتُ من عقرب لدغتني ـــــــــــــــــــــــــــــ يقولونها كل ليلة فلدغت جارية منهم فلم تجد لها وجعًا وقال هذا حديث حسن اهـ. قوله: (جاءَ رجل) لم أجد من سماه. قوله: (ما لقِيتُ) ما استفهامية أي أي شيء لقيت أي لقيت وجعًا شديدًا أو للتعجب أي أمرًا عظيمًا والخبر محذوف أي الذي لقيته لم أدعه لشدة والمراد لقيت شدة عظيمة كذا قال ابن حجر وتبعه في المرقاة ويمنعه أن ما التعجيبية لا يكون بعدها إلّا أفعل وهو مفقود هنا والله أعلم. قوله: (لدَغَتني) في شرح الجامع الصغير رأيت بخط شيخنا أبي أحمد يونس الحلبي الحنفي ما صورته: هذا ما سألني عنه بعض الإخوان عن الكشف في بعض كتب اللغة عن أربعة ألفاظ ليصير المتكلم بها على بصيرة واستيقاظ لدع بالمهملين ولذغ بالمعجمتين وبإعجام الدال وإهمال العين وعكسه، فأما الأول والثاني فقد أغفلهما في الصحاح والقاموس ولسان العرب وأساس البلاغة والمصباح المنير وغيرها من عدة كتب تصفحتها من كتب اللغة فالظاهر أن العرب أهملتهما وذكر الشيخ محمد بن عبد السلام ابن إسحاق بن أحمد الأموي في كتابه الذي ذكر فيه شرح الألفاظ الغريبة الواقعة في المختصر الفرعي في باب اللام في فصل الذال المعجمة ما نصه لذغته العقرب تلذغه لذغا وتلذاغًا فهو ملذوغ ولذيغ قلت وكأنه مستند ابن حجر في شرح المشكاة أنه بالذال والغين المعجمتين لكن قال القاري في المرقاة أنه من تحريف الكتاب المخالف للنسخ المصححة ولوجه الصواب اهـ. قال ابن يونس الحلبي الحنفي ولم أقف له يعني الأموي في ذلك على مستند وأما الثالث فمذكور في الكتب المذكورة وغيرها ففي القاموس لذع الحب قلبه كمنع آلمه والنار الشيء لفحته وفي لسان العرب اللذع حرقة كحرقة النار وقيل هو مس النار لذعته النار لذعًا لفحته وأحرقته ولذع قلبه المه ولذع الطائر رفرف ثم حرك جناحيه قليلًا وفي الأساس لذعته النار والحر فالتذع وتلذعت النار تضرمت ومن المجاز لذع الحب قلبه قال أبو داود: فدمعي من ذكرها مسبل ... وفي الصدر لذع كلذع الغضى

البارحة؟ قال: "أمَّا لَوْ قُلْتَ حِينَ أمْسَيتَ: أعُوذُ بكلِمَاتِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولذعته بلساني وقيح يلذع القرحة وأنه لذاع لمن يعد بلسانه خيرًا ثم يلذع بالخلف وأما الرابع فمذكور في الكتب المذكورة وغيرها ففي القاموس لدغته العقرب والحية كمنع لدغًا وتلداغًا فهو ملدوغ ولديغ وقوم لدغى ولدغاء وقاع في الناس وفي لسان العرب اللدغ عضة الحية والعقرب وقيل اللدغ بالفم واللسع لذوات الإبر وفي الأساس لدغته العقرب ورجل لديغ وقوم لدغى وألدغته أرسلت عليه حية أو عقربًا فلدغته ومن المجاز لدغته بكلمة نزغته بها اهـ، ومن خطه نقلت اهـ. قوله: (البارحةَ) أي الليلة الماضية قال المصنف في التهذيب البارحة اسم الليلة الماضية قال ثعلب والجمهور لا يقولون البارحة إلا لما بعد الزوال ويقال فيما قبله الليلة وقد ثبت في صحيح مسلم آخر كتاب الرؤيا متصلًا بكتاب المناقب عن سمرة بن جندب قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الفجر أقبل علينا بوجهه هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا هكذا هو في جميع النسخ البارحة فيحمل قول ثعلب على أن ذلك حقيقة وهذا مجاز وإلا فقوله مردود بهذا الحديث اهـ. لكن قال منصور اللغوي من الغلط أن يقول فيما بين صلاة الفجر إلى الظهر فعلت البارحة كذا والصواب فعلت الليلة كذا إلى الظهر وبعده فعلت البارحة إلى آخر اليوم ويمكن أن يحمل قوله من الغلط أي إذا أريد الحقيقة وإلّا فهو مردود بالحديث. قوله: (أَما) للتنبيه "لو" فيه شرطية. قوله: (بكلمَاتِ الله) قال في السلاح قال الهروي وغيره هي القرآن وذكر فيه حديث تعويذ النبي - صلى الله عليه وسلم - الحسن والحسين بكلمات الله التامة "والتامات" الكلمات التي لا يطرقها عيب ولا نقص بخلاف كلام الناس قال البيهقي بلغني عن أحمد أنه استدل بذلك على كون القرآن غير مخلوق ونقل مثله الخطابي عن أحمد وقال ويقول أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يستعيذ بمخلوق وقال ابن حجر في شرح المشكاة أي كلامه النفسي أو علمه أو أقضيته وشؤونه المشار إليها بقوله كل يوم هو في شأن أو أسمائه وصفاته وتعقب تفسيره لها بالشؤون بأنه غير صحيح لفظًا لعدم إطلاق الكلمة على الشأن ومعنى لأن من جمله الشؤون المخلوقات وقد صرح هو إنما يتعوذ بالقديم لا بالمحدث وقد قالوا شؤون يبديها لا يبتديها فإنها مقدرة قبل وجودها

التاماتِ مِنْ شَر مَا خَلَقَ لَمْ تَضُرَّكَ". ذكره مسلم متصلًا بحديث لخَولة بنت حكيم رضي الله عنها هكذا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأيضًا فلا يلائم التمام في قوله التامات وفي الآخر نظر يعلم مما يأتي قريبًا. قوله: (التاماتِ) قيل هي الكاملات ومعنى كمالها أنه لا يدخلها نقص ولا عيب كما يدخل في كلام الناس وهي صفة كاشفة إذ كلماته جميعها أي أقضيته وشؤونه لا يتطرق إليها نقص بوجه كيف وهي أقضية الحكيم العليم كذا قيل وينبغي أن يكون قوله أي أقضيته أي مثلًا وقيل هي النافعات الشافيات من كل ما يتعوذ منه فينتفع بها المتعوذ وتحفظه من الآفات ويكفي ببركتها من أذى سائر المخلوقات. قوله: (متصلًا بحديثِ خَولةَ بنْتِ حكِيم) ولفظه أنها قالت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إذا نزل أحدكم منزلًا فليقل أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل منه وقد ذكره المصنف في أذكار المسافر قال يعقوب وقال القعقاع بن حكيم عن ذكوان أبي صالح عن أبي هريرة فساق الحديث قال الحافظ مدار الحديثين على يعقوب بن عبد الله بن الأشج بسندين له إلى الصحابيين فحديث خولة مقيد بنزول المنزل وقد ذكره الشيخ في أذكار المسافر وحديث أبي هريرة مطلق اهـ. بمعناه وخولة بنت حكيم خرج لها مسلم هذا الحديث فقط وخرج عنها الأربعة غير ابن ماجة وفي المرقاة وليس لها في الكتب غير هذا الحديث قال ابن الأثير وقال لها خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص بن مرة بن هلال بن فالح بن ذكوان بن ثعلبة بن بهية بن سليم السلمية امرأهَ عثمان بن مظعون وهي التي وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم - في قول بعضهم وكانت صالحة وهي التي قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - إن فتح الله عليك الطائف فاعطف على باذنة بنت غيلان فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرأيت إن كان لم يؤذن في ثقيف أخرجه الثلاثة وأسند حديث الباب على عادته رحمه الله قال القرطبي بعد إيراده حديث التعوذ المذكور هذا خبر صحيح وقول صادق علمنا صدقه دليلًا وتجربة فإني منذ سمعت هذا الخبر عملت به فلم يضرني شيء إلى أن تركته لدغتني عقرب بالمهدية ليلًا

وروينا في كتاب ابن السني، وقال ـــــــــــــــــــــــــــــ فتفكرت في نفسي فإذا بي قد نسيت أن أتعوذ بتلك الكلمات فقلت لنفسي ذامًّا لها وموبخًا ما قاله - عليه السلام - للرجل الملدوغ أما إنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات لم يضرك شيء. قوله: (وَرَوينا في كتابِ ابْنِ السني) وكذا رواه الطبراني في الأوسط والدارمي كلهم عن أبي هريرة أيضًا فيما يقال في الصباح والمساء كذا في الحصين وفيه عز وتثليث الذكر المذكور إلى الترمذي والدارمي وابن السني قال شارحه عن معقل بن يسار ولفظه من قاله وكل به سبعون ألف ملك يصلون عليه لكن أخرجه الحافظ من حديث أبي هريرة وقال هو عند النسائي أيضًا فعزوه إليه أولى ولفظه عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قال إذا أمسى ثلاث مرات أعوذ بكلمات الله التامات كلها من شر ما خلق لم تضره حمة تلك الليلة قال فكان أهلنا قد تعلموها فكانوا يقولونها كل ليلة فلدغت جارية منهم فلم تجد لها ألمًا قال الحافظ بعد تخريجه حديث صحيح أخرجه النسائي في الكبرى من طريقين وأخرجه ابن حبان في أوائل صحيحه وقال هو والنسائي فيه في إحدى طريقيه ثلاث مرات ولم يقولا كلها وكذا أخرجه النسائي أيضًا من رواية حماد بن زيد عن سهل وقال فيه ثلاثًا ومن هذا الوجه أخرجه ابن السني عن النسائي واختلف عن سهيل في صحابي هذا الحديث ففي رواية النسائي عن سهيل عن أبيه عن رجل من أسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال من قال حين يمسي فذكر مثل لفظ الحديث قبله لكن قال لم تضره لدغة عقرب حتى يصبح ولم يذكر قصة الجارية وفي رواية مالك وأخرجه النسائي أيضًا وابن ماجة أنه أبو هريرة لكن ليس فيه ثلاثًا وكلهم لم يذكروا كلها والأول رواه عن سهيل وهيب بن خالد وشعبة وابن عيينة في آخرين ورجحه الدارقطني قال الحافظ وكأنه رجح بالكثرة لكن يعارضه كون مالك احفظ لحديث المدنيين من غيره وقد رواه أبو هاشم الصراف عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أخرجه الحافظ قال الحافظ والذي يظهر لي أنه كان عند سهل على الوجهين فإن له أصلًا من رواية أبي صالح عن أبي هريرة كما تقدم في رواية مسلم وقد أخرجه النسائي من وجه آخر عن أبي هريرة مع الاختلاف في الواسطة بين الزهري وأبي هريرة وذلك كله يدل على أنه له عن أبي هريرة أصلًا اهـ. قوله: (وقَال

فيه: "أعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّاماتِ مِنْ شَر مَا خَلَقَ ثَلاثًا لَمْ يَضُرَّهُ شَيءٌ". وروينا بالإسناد الصحيح في سنن أبي داود، والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا رسول الله مرني بكلمات أقولهن إذا أصبحتُ وإذا أمسيتُ، قال: "قُلِ: اللهُم فاطِرَ السماوَاتِ والأرْضِ، عَالِمَ الْغَيبِ وَالشَّهَادَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فيهِ الخ) لفظه قال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاثًا لم يضره شيء وقد ذكر الشيخ الحديث في كتاب آداب المسافر وسيأتي فيه بعض فوائد إن شاء الله تعالى. قوله: (لَمْ يَضُره شي) قال ابن حجر في حاشية الإيضاح لا يخفى شموله حتى للنفس والهوى كغيرهما وسيأتي له مزيد في حديث عثمان رضي الله عنه. قوله: (وَرَوَيناهُ بالإسنَادِ الصحْيح في سُننِ أَبِي دَاوُدَ) أي واللفظ له (والترمذِيّ) وكذا رواه النسائي أي في الكبرى كمَا قاله الحافظ وَالحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه وقال الحاكم صحيح الإسناد وزاد الترمذي من طريق آخر وأن نقترف على أنفسنا سوءًا أو نجره إلى مسلم كذا في السلاح وسيأتي من المصنف أن هذه الزيادة خرجها أبو داود ولعل مراده من طريق آخر لحديث أبي هريرة وما سيأتي عن أبي داود في حديث أبي مالك والله أعلم. أفاد الحافظ أن الحديث صحيح أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد من طريقين. قوله: (مُرْني بكلمَاتٍ أَقولهَا) أي دائمًا بطريق الورد. قوله: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [فاطر: 1] أي خالقهما ومبدعهما ومخترعهما على غير مثال سبق ونصبه على أنه منادى حذف منه حرف النداء أو بدل من المنادى لا صفة له لما سبق أن اللهم لا يجوز وصفه عند سيبويه وهو المختار. قوله: (عالمَ الغَيب والشهَادَة) أي ما غاب من العباد وما ظهر لهم وقيل أي السر والعلانية وفي رواية المشكاة تقديم عالم الخ، على فاطر السموات والأرض ورواية هذا الكتاب على طبق ترتيب آي الكتاب وأما رواية المشكاة فقال شارحها قدم العلم لأنه صفة ذاتية قديمة وقدم الفاطر في الآية لأن المقام للاستدلال

رَب كُل شَيءٍ وَمَلِيكَهُ. أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا أنْتَ، أعُوذُ بكَ مِنْ شَر نَفْسِي وَشَرِّ الشَّيطَانِ وَشِرْكِهِ، قال: قُلْها إذَا أصْبَحْتَ وإذَا أمْسَيتَ وإذَا أخَذْتَ مَضْجَعَك" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وروينا نحوه في "سنن أبي داود" من رواية أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أنهم قالوا: يا رسول الله علمنا كلمة نقولها إذا أصبحنا وإذا أمسينا واضطجعنا، فذكره، وزاد فيه بعد قوله: "وَشِرْكِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال آخر لما كان المراد اتحاف الصديق بالعلوم الإلهية والمعارف الربانية ناسب تقديم ما يدل على ذلك والآية للاستدلال فناسب أن يقدم فيها ما يدل على ذلك وهو فاطر السموات الخ. قوله: (ربَّ كل شيءٍ) بالنصب أي مربيه بجلائل نعمه ودقائق لطفه وكرمه (ومليكَهُ) أي مالكه وقاهره ملكًا وقهرًا بالغين أعلى مراتب الكمال والتمام كما دل عليه التعبير بفعيل. قوله: (أَشهدُ الخ) أي فلا أكل أمري إلَّا إليك. قوله: (منْ شر نفْسي) أي شر هواها المخالف للهدى قال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50] أما إذا وافق الهوى الهدى فهو كزبد وعسل وقيل الاستعاذة منها لكونها أسرع إجابة إلى داعي الشر من الهوى والشيطان وحاصله مزيد الاعتناء بتطهير النفس فقدم إشارة لكمال الصديق أن يفعله ليكون وسيلة لكل كمال يترقى إليه بعد إذ الترقي يتفاوت بحسب تفاوت مراتب ذلك التطهير مثل ذلك يقال في قوله في الخبر السابق قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا الخ. قوله: (شَر الشيطَان) أي وسوسته وإغوائه وإضلاله ثم يحتمل أن يكون المراد جنس الشياطين أو رئيسهم وهو إبليس وخص لأنه كثير التلبيس. قوله: (قلْها) أي هذه المقالة. قوله: (إِذَا أَصبحْتَ وإذَا أَمْسيْتَ) أي كما التزمت وسألت. قوله: (إِذَا أَخذْتَ مضجَعكَ) زاد هذا على ما سأله رعاية لكمال اللائق به هذا الكمال في الأحوال الثلاثة. قوله: (وَرَوَينْا نَحوَهُ في سُننِ أَبِي دَاوُدَ الخ) قال الحافظ بعد تخريجه حديث غريب أخرجه أبو داود ورواته موثقون إلَّا محمد بن إسماعيل بن عياش فضعفه أبو داود وقال أبو حاتم الرازي لم يسمع من أبيه شيئًا أي وهو قد روى هذا الحديث عن أبيه لكن أبو داود

وأنْ نَقْتَرِفَ سُوءًا على أنْفُسِنا أو نَجُرَّهُ إلى مُسْلِمٍ". قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وشركه"، روي على وجهين: أظهرهما وأشهرهما: بكسر الشين مع إسكان الراء من الإشراك: أي: ما يدعو إليه ويوسوس به من الإشراك بالله تعالى. ـــــــــــــــــــــــــــــ لما أخرجه استظهر بقول شيخه محمد بن عوف قرأته في كتاب إسماعيل بن عياش قال الحافظ ومع ضعف محمد فقد خالفه الحفاظ عن أبيه في سنده فإنه أخرجه عن أبيه عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري ورواه سليمان بن عبد الرحمن عن إسماعيل بن عياش حدثنا محمد بن زياد الألهاني عن أبيه راشد الحبراني قال أتيت عبد الله بن عمر فقلت حدثنا حديثًا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فألقى إلي صحيفة وقال هذا ما كتب لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال فنظرت فإذا فيها أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال يا رسول علمني ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت فقال - صلى الله عليه وسلم - يا أبا بكر قل فذكر مثل رواية أبي مالك لكن ليس فيه أشهد إلى قوله إلَّا أنت وقال فيه أعوذ بك من شر نفسي والباقي سواء قال الحافظ حديث حسن أخرجه أحمد والبخاري في الأدب والترمذي والمعمري في اليوم والليلة ورجاله رجال الصحيح إلَّا إسماعيل بن عياش ففيه مقال لكن روايته عن الشاميين قوية وهذا منها إلَّا أبا راشد الحبراني بضم المهملة وسكون الموحدة قيل اسمه أخضر وقيل النعمان وقد وثقه العجلي وقال لم يكن بالشام أفضل منه وذكره أبو زرعة الدمشقي في الطبقة العليا التي تلي الصحابة قال الحافظ وعجبت من عدول الشيخ عن هذه الطريقة القوية إلى تلك الضعيفة وبالله التوفيق اهـ. قوله: (وأَنْ نقتَرِفَ) عطف على قوله من شر نفسي واستشكل من حيث مجيء أعوذ بصيغة الإفراد ولعله في رواية أبي داود والترمذي نعوذ بك الخ. ونقترف أي نكتسب. قوله: (سوءًا أي إنما. قوله: (أَو نَجرهُ) أي ننسب السوء إلى مسلم بريء من ذلك السوء قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [النور: 19] أو نضيف السوء الذي فعلناه إلى مسلم قال تعالى: ({وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112)} [النساء: 112]. قوله: (وشركه هو علي الوجهين تخصيص بعد تعميم قوله (بكسر الشين الخ) وعليه فهو مصدر مضاف لفاعله أي إشراكه بأن يوقع

والثاني: شَرَكه بفتح الشين والراء: أي: حبائله ومصائده، واحدها: شَرَكه بفتح الشين والراء، وآخره هاء. وروينا في "سنن أبي داود" و"الترمذي" عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــ في الشرك والكفر وإلَّا فلا يعرف في الأمم الضالة أحد يشركه مع الله تعالى وأما أن لا تعبدوا الشيطان فمعناه لا تطيعوه في عبادة غير الله ولذا قال أنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم. قوله: (والثاني بفتحِ الشين) وعليه فالإضافة محضة. قوله: (أَي حبائلهِ) واحده أحبولة وهي التي يمسك بها الصيد إذا غفل عنها أو اغتر بما فيها مما تشتهيه نفسه وغلبه على أخذه هواه فتزل قدمه ويحق ندمه والمراد بحبائله هنا تسويلاته وتزييناته التي يرى بها الباطل حقًّا والقبيح حسنًا أعاذنا الله والمسلمين من ذلك آمين. قوله: (ومصايدهِ) جمع مصيدة وهي ما يصاد بها من أي شيء كان. قوله: (وَرَوَينَا في سُنن أَبِي دَاوُدَ والترمذِي) واللفظ له كما سيأتي وقال في السلاح رواه الأربعة والحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه وقال الحاكم صحيح الإسناد وزاد في الحصين وابن أبي شيبة وقال الحافظ بعد تخريجه عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن ابان عن عثمان مرفوعًا كما ذكره المصنف إلَّا أنه قال إلَّا لم يضره شيء بزيادة إلا وقال حديث حسن صحيح أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد والترمذي والنسائي في الكبرى وابن ماجة وأخرجه الحافظ عن عثمان أيضًا مرفوعًا بلفظ من قال باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاثًا لم يفجأه بلاء حتى الليل ومن قالها حين يمسي لم يفجأه بلاء حتى يصبح وقال أخرجه أبو داود والمعمري والبزار وأخرجه ابن حبان في صحيحه قال الحافظ قال البزار لا نعلم هذا اللفظ روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلَّا عن عثمان ثم أشار إلى اختلاف في سنده وفي اسم الراوي عن أبان قال الحافظ بعد نقل كلام البزار وما فيه وللحديث طرق أخرى عند النسائي وأبي يعلى مرفوعة وموقوفة وذكر الدارقطني في العلل الاختلاف فيه قال ورواه عبد الرحمن بن أبي الزناد بسند متصل أي عن أبيه عن أبان قال وهو أحسنها إسنادًا قال الحافظ وهي الطريق التي بدأنا بها اهـ. قلت ومن تلك الطريق أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد ومن ذكر معهما ممن تقدم كما بينه الحافظ. قوله: (مَا منْ عبدٍ) من فيه زائدة للتنصيص على العموم.

في صَبَاح كل يَوْم ومَسَاءِ كل لَيلَةٍ: بسْم اللهِ الذي لا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شيءٌ في الأرْضِ وَلا في السماءِ وهُوَ السمِيعُ العَلِيمُ، ثَلاثَ مَراتٍ لمْ يَضُرّهُ شَيءٌ" قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، هذا لفظ الترمذي. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (في صبَاح كل يوْم الخ) قال ابن حجر في شرح المشكاة قد يقال ظاهره أن المساء من الليل كما أن الصباح من النهار لأنه من الفجر فيكون المساء بعد الغروب وهو خلاف ما صرحوا به لأنا نقول هذا مما لا دخل للقياس فيه لأن ملحظه السماع لا غير لكن الظاهر أن المراد هنا القول من أول الليل وإن فائدته الآتية لا تحصل بقوله قبل الغروب على أن تفسير ابن عباس المساء في آية ({فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17)} [الروم: 17] بالمغرب والعشاء يدل على أن المساء قد يطلق على ما بعد الغروب ثم ظاهر في صباح ومساء وحين يصبح وحين يمسي أنه لو قال أثناء النهار أو الليل لا تحصل له تلك الفائدة وعظيم بركة الذكر مقتضى الحصول اهـ، وتقدم في كلام الرداد أول الباب ما يؤيد قوله وعظيم الخ. قوله: (باسم الله) قيل متعلقه أصبحنا أن ذكر في الصباح وأمسينا إن قرئ في المساء وقيل متعلقه أستعين وأتحفظ من كل مؤدٍ. قوله: (لَا يُضر معَ اسمهِ شَيْءٌ) أي لا يضر مع ذكر اسمه باعتقاد حسن ونية صالحة شيء من طعام أو عدو من حيوان أو غيره في العالم السفلي المشار إليه بالأرض والعالم العلوي المشار إليه بقوله ولا في السماء بإعادة لا لتأكيد النفي وذكر السماء ولأرض لأن المخلوق لا يخلو عنهما وفيه إيماء إلى تنزيه البارئ عن المكان وإن غيره لا يحدث نفعًا ولا ضرًّا في شأن ولا زمان. قوله: (ثلاثَ مراتٍ) ظرف يقول. قوله: (لا يضر مع اسمه شيء) وفي السنن عقبه من رواية أبي داود الطيالسي وكان أبان وهو ابن عثمان قد أصابه طرف فالج فجعل رجل منهم ينظر إليه نظرًا شديدًا فقال له أبان أتعجب من هذا الحديث كما حدثتك والله ما كان علي يوم إلَّا وأنا أقوله إلّا اليوم الذي أصابني فيه فإني أنسيت لموضع القضاء وفي شرح الجامع الصغير للعلقمي نقلًا عن القرطبي هذا خبر صحيح وقول صادق علمنا دليله دليلًا وتجربة فإني منذ سمعته عملت به فلم يضرني شيء إلى أن تركته فلدغتني عقرب بالمدينة ليلًا فتفكرت فإذا أنا قد نسيت أن أتعوذ بتلك الكلمات قال الدميري روينا عن الشيخ فخر

وفي رواية أبي داود: "لَمْ تُصِبْهُ فَجْأةُ بَلاء". ـــــــــــــــــــــــــــــ الدين عثمان بن محمد التوزي قال كنت يومًا أقرأ على شيخ لي بمكة من الفرائض أفبينما نحن جلوس إذا بعقرب يمشي فأخذها الشيخ وجعل يقلبها في يده فوضعت الكتاب فقال لي اقرأ فقلت حتى أتعلم هذه الفائدة فقال لي هي عندك قلت ما هي قال من قال حين يصبح ويمسي باسم الله الخ، وقد قلتها أول النهار اهـ، وفي تاريخ علماء القيروان في ترجمة البهلول عنه قال أقمت ثلاثين سنة أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء الخ. فلما كان في يومي مع العكي نسيت أن أقولها فبليت به قلت وذلك أنه ضربه نحو عشرين سوطًا فكان سبب موته قال أبو عثمان إني لأقولها كل صباح ومساء خمسين مرة مذ كم شاء الله من الدهر اهـ، ولعل أبا عثمان ممن يرى أن الزيادة في مثل ذلك لا تضر في حصول الفائدة أو زاد ذلك للاحتياط ليكون من الإتيان بالعدد الوارد على نفسه. قوله: (وفي روَايةِ أَبِي دَاوُدَ الخ) تقدم في كلام الحافظ تخريجه لكن بلفظ لم يفجأه بلاء وقال أخرجه أبو داود والمعمري والبزار. قوله: (فجأَةُ بلاءٍ) هو بضم الفاء ممدود كما في أصل مصحح وقيل بفتح الفاء وإسكان الجيم وكذا هو مضبوط في أصل معتمد مقابل على نسخة ابن العطار وفي مختصر النهاية فجأه الأمر وفجئه فجاءة بالضم والمد وفجأة بالفتح وسكون الجيم من غير مد وفاجأه مفاجأة أي إذا جاءه بغتة من غير تقدم سبب اهـ، وفيه إشارة إلى أن المراد بالفجاءة ما يفجأ به والمصدر بمعنى اسم المفعول أعم من أن يكون بالمد وغيره وبه يظهر حكمة التقجيد بالفجاءة إذ ما يطرق من البلاء من غير مقدمات له اقطع واعظم من الذي يأتي على التدريج فكأنه قال لم يصبه بلية عظيمة لأن المؤمن لا يخلو من علة أو قلة أو ذلة قال ابن حجر وقد يفهم من ذاك انتفاء هذا أي ما يأتي على التدريج بالأولى اهـ، وفيه ما لا يخفى ثم رأيت صاحب المرقاة تعقبه بأنه لا دليل عليه فهو مسكوت عنه قيل ويمكن أن تكون هذه الرواية وهي المخصوصة بمضرة الفجاءة تكون مفسرة ومبينة لعموم المضرة المذكورة في الرواية المتقدمة أو المراد بنفي المضرة عدم الجزع والفزع في البلية جمعًا بين الأدلة اهـ، وفي الأول أن المذكور في الرواية الثانية بعض أفراد الغام وهي لا تخصصه وفي

وروينا في كتاب الترمذي، عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قال حينَ يُمسِي: رَضِيتُ بالله رَبًا، وبالإسْلامِ دِينًا، وَبمُحَمدٍ - صلى الله عليه وسلم - نَبيًّا، كانَ حَقًّا على اللهِ تعالى أن يُرْضيَهُ". في إسناده سعيد بن المرزبان أبو سعد البقال بالباء، الكوفي مولى حذيفة بن اليمان، وهو ضعيف باتفاق الحفاظ، وقد قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، فلعله صحَّ عنده من طريق آخر. ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني أنه صرف اللفظ عن ظاهره من غير قرينة ولا داع إليه والله أعلم. قوله: (رَوَينَا في كتاب الترمذِي الخ). قال الحافظ حديث حسن. قوله: (رضِيتُ بالله ربًّا) تمييز أي رضيت ربوبيته والمراد بالرضا على وجه التحقيق والرضا بالله ربًّا يشمل الرضا بالأحكام الشرعية والقضايا الكونية وفي الخبر من لم يرض بقضاي فليتخذ له ربًّا سواي. قوله: (وَبمُحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - نبيًّا) أي بنبوته ويلزم قبول مراتب الإيمان الإجمالية. قوله: (وبالإسْلام دِينًا) أي بدين الاسلام وهو ملة سيد الأنام عليه الصلاة والسلام وفيه التبري عن نحو اليهودية والنصرانية. قوله: (كانَ حقًّا عَلَى الله أَنْ يُرْضيَه) أي واجبًا عليه لوعده الذي لا يخلف إرضاؤه بإعطائه المرضى عنه من واسع فضله ما يرضى به فحقًّا خبر كان مقدمًا وأن ومدخولها اسمها. قوله: (وهوَ ضعِيفٌ باتفَاقِ الحُفاظِ) قال أبو حاتم في كتاب الجرح والتعديل أنه كثير الوهم فاحش الخطأ ضعفه يحيى بن معين وقال أبو إسحاق الطالقاني سألت عنه ابن المبارك فقال كان قريب الإسناد وكتبنا عنه لقرب إسناده ولولا ذلك لم نكتب عنه شيئًا اهـ، وقال الحافظ نقل الاتفاق على تضعيف أبي سعد البقال فيه نظر فقد نقل العقيلي أن وكيعًا وثقه وقال أبو هاشم الرفاعي حدثنا أبو أسامة حدثنا أبو سعد البقال وكان ثقة وقال أبو زرعة الرازي لين الحديث صدوق لم يكن يكذب وقال زكريا الساجي صدوق وأخرج له البخاري في الأدب المفرد نعم ضعفه الجمهور لأنه كان يدلس وتغير بأخرة اهـ. قوله: (هذَا حدِيث حسن صحيح غَريبٌ) لم يذكر في السلاح عنه قوله صحيح ولعله ساقط

وقد رواه أبو داود والنسائي بأسانيد جيدة عن رجل خدم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بلفظه، فثبت أصل الحديث، ولله الحمد. وقد رواه الحافظ أبو عبد الله في "المستدرك على الصحيحين"، وقال: حديث صحيح الإسناد. ووقع في رواية أبي داود وغيره: "وبمحمد رسولًا". وفي رواية الترمذي: "نبيًّا"، فيستحب أن يجمع الإنسان بينهما ـــــــــــــــــــــــــــــ من أصله وعليه يستغنى عن قوله هنا فلعله الخ. أي فلعل حديث الباب صح أي لغيره بمجيئه من طريق آخر ثم رأيت الحافظ قال قال الترمذي حديث حسن غريب ووقع في كلام الشيخ أنه قال حديث حسن صحيح غريب ولم أر لفظ صحيح في كتاب الترمذي لا بخط الكزوخي الذي اشتهرت روايته من طريقه ولا بخط الحافظ أبي علي الصدفي من طريق أبي علي السنجي ولا في غيرهما من النسخ ولا في الأطراف فلعل الشيخ راه في نسخة غير معتمدة. قوله: (وقدْ رَوَاهُ أَبو دَاودَ والنسائي الخ) ورواه الحاكم قال في السلاح وقد وقع في إسناد هذا الحديث اختلاف فرواه أبو داود والنسائي من طريق شعبة ورواه النسائي أيضًا من طريق هشيم كلاهما عن أبي عقيل عن سابق بن ناجية عن أبي سلام وهو ممطور الحبشي أنه كان في مسجد حمص فمر به رجل فقالوا هذا خدم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقام إليه فقال حدثني بحديث سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره قال البخاري في التاريخ الكبير في ترجمة سابق بن ناجية قال لنا عمرو بن مرزوق حدثنا شعبة عن أبي عقيل هاشم بن بلال عن سابق بن ناجية عن أبي سلام عن رجل خدم النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا حدث حديثًا أعاده ثلاثًا ومن ذا الوجه أخرج أبو داود هذا الحديث في سننه وقال مسلم في الكنى أبو سلام ممطور الحبشي عن ثوبان أو أبي أمامة وكذا عد ابن عبد البر أبا سلام فيمن روى عن ثوبان من التابعين وقال ابن أبي حاتم ممطور أبو سلام الأعرج الحبشي روى عن ثوبان والنعمان بن بشير وأبي أمامة وأبي سلمى مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال ابن عبد البر في ترجمة أبي سلمى راعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - روى عنه أبو سلام الأسود الحبشي وقال في ترجمة أبي سلمى مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا أدري أهو راعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتقدم ذكره أم غيره

فيقول: "نبيًّا ورسولا" ولو اقتصر على أحدهما كان عاملًا بالحديث. وروينا في ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن عساكر في تاريخه ومن مواليه عليه الصلاة والسلام أبو سلمى ويقال أبو سلام وهو راعي النبي - صلى الله عليه وسلم - واسمه حريث فعلى هذا يحتمل أن يكون الرجل المبهم في الحديث هو ثوبان ويحتمل أن يكون أبا سلمى وأما ابن ماجة فرواه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن محمد بن بشير عن مسعر عن أبي عقيل عن سابق عن أبي سلام خادم النبي - صلى الله عليه وسلم - وكذا أورده أبو عمر في الاستيعاب من هذا الوجه وقال هذا هو الصحيح في إسناد هذا الحديث ثم قال ورواه وكيع عن مسعر فأخطأ في إسناده فجعله عن مسعر عن أبي عقيل عن أبي سلامة عن سابق خادم النبي - صلى الله عليه وسلم - وكذا في أبي سلام أبي سلامة فأخطأ أيضًا وقال في ترجمة سابق ولا يصح سابق في الصحابة وقد ذكر ابن عساكر في الأشراف في مسند أبي سلمى راعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث من رواية ابن ماجة عن أبي سلام كما أوردناه وقال كذا في كتابي وفي نسخة أخرى عن أبي سلامة والصواب أبو سلمى وأما رواية الحاكم فهي من طريق شعبة كرواية أبي داود والنسائي إلَّا أنه قال عن أبي سلام سابق بن ناجية قال كنا جلوسًا في مسجد حمص الحديث فجعل أبا سلام سابقًا وهذا غريب مخالف لجميع ما تقدم والله أعلم اهـ. وقال الحافظ رواية شعبة ومن وافقه ارجح من رواية مسعر أي وإن صححها ابن عبد البر لأن أبا سلام ما هو صحابي هذا الحديث بل هو تابعي شامي معروف واسمه ممطور أخرج له مسلم وغيره وهو بتشديد اللام وخادم النبي - صلى الله عليه وسلم - المذكور هنا لم يقع التصريح بتسميته وجوز ابن عساكر أنه أبو سلمى راعي النبي - صلى الله عليه وسلم - واسمه حريث وقد جاءت الرواية عنه من طريق أبي سلام عنه عند النسائي في حديث آخر ولست استبعد أن يكون هو ثوبان المذكور أولًا وهو ممن خدم النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضًا ولأبي سلام عنه عدة أحاديث عند أبي داود ومسلم وغيرهما اهـ، وفي قول الشيخ بأسانيد نظر فإن الحديث ليس له عند أبي داود والنسائي وغيرهما سوى إسناد واحد ثم بين ذلك بنحو ما تقدم في كتاب السلاح. قوله: (فيقولَ نبيًّا رسُولًا) أي أو يقول ورسولًا بواو العطف لأن المراد إثبات الوصفين له عملًا بقضية الخبرين وقدم نبيًّا على رسولًا مع أن الأخير رواية الجميع لتقدم وصف النبوة على الرسالة في الوجود أو لإرادة العموم والخصوص. قوله: (وَرَوَينْا في

"سنن أبي داود" بإسناد جيد لم يضعفه عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ قال حِينَ يُصْبِحُ أو يُمْسِي: اللهُم إني أصْبَحْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) في السلاح ورواه الترمذي والنسائي وزاد فيه وحدك لا شريك لك اهـ، وقال الحافظ بعد تخريجه من طريق الطبراني في الدعاء ومن طريق أخرى إلّا أنه قال فيها إنك أنت الله وحدك لا شريك لك بدل لا إله إلَّا أنت فقال هذا حديث غريب أخرجه أبو داود والخرائطي في مكارم الأخلاق ثم أشار الحافظ إلى أنه وقع في مسند الحديث في نسخة الخطيب من سنن أبي داود وعبد الرحمن بن عبد المجيد قال الحافظ كما هو في روايتنا وفي بعض النسخ بتقديم الحاء المهملة على الميم وكذا هو في رواية الخرائطي والغريابي وجزم به صاحب الأطراف ورجحه المنذري وأنه أبو رجاء المكفوف فإن كان ذلك فهو بصري صدوق لكنه تغير بأخرة وإن كان عبد المجيد فهو شيخ مجهول وقد خولف في اسم شيخه أي فإنه عند أبي داود والخرائطي عن عبد الرحمن هذا عن هشام بن الغاز فقال عن أبان بن أبي داود والخرائطي عن عبد الرحمن هذا عن هشام بن الغاز فقال عن أبان بن أبي عياش بدل مكحول وأبو بكر المذكور ضعيف وأبان متروك ففي وصف هذا الإسناد بأنه جيد نظر ولعل أبا داود إنما سكت عنه لمجيئه من وجه آخر عن أنس ومن أجله قلت إنه حسن ثم أخرجه الحافظ من طريق بقية بن الوليد حدثنا مسلم بن زياد قال سمعت أنس بن مالك يقول كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول فذكر الحديث بمثله لكن قال لا إله إلَّا أنت ولم يقل وحدك لا شريك لك وقال فإن قالها وقال ثلاث مرار وقال في آخره أعتقه الله ذلك اليوم من النار وقال أخرجه البخاري في الأدب المفرد والنسائي في اليوم والليلة وأخرجه ابن السني وبقية صدوق أخرج له مسلم إنما عابوا عليه التدليس والتسوية وقد صرح بتحديث شيخه له وبسماع شيخه فانتفت الريبة وشيخه توقف فيه ابن القطان وقال لا نعرف حاله ورد بأنه كان على خيل عمر بن عبد العزيز فدل على أنه آمين وذكره ابن حبان في الثقات وجاء عن بقية فيه لفظ آخر أخرجه الغريابي لكن قال في آخره غفر الله له ما أصاب من ذلك اليوم أو تلك الليلة من ذنب ولم يذكر التجزئة وكذا أخرجه أبو داود أيضًا لكن في رواية ابن داسة وأخرجه النسائي في الكبرى والترمذي وقال غريب وكأنه لم يستحضر طريق ابن مكحول وجاء للحديث شاهد

أُشْهِدُكَ وأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ وَمَلائِكَتَكَ وَجَمِيعَ خَلْقِكَ أنَّكَ أنْتَ الله الذي لا إلهَ إلا أنْتَ، وأن مُحَمدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، أعْتَقَ اللهُ رُبُعَهُ مِنَ النارِ، فَمَنْ قَالهَا مرَّتَين أعْتَقَ الله نِصْفَهُ مِنَ النارِ، وَمَنْ قالهَا ثَلاثًا أعْتَقَ الله ثَلاثةَ أرْبَاعِهِ، فإن قالهَا أرْبَعًا أعْتَقَه الله تعَالى مِنَ النارِ". ـــــــــــــــــــــــــــــ من حديث أبي سعيد عند الطبراني في الدعاء وفيه من قالها أربعًا كتب الله له براءة من النار وسنده ضعيف وفيه أيضًا عن سلمان في المعجم الكبير اهـ. كلام الحافظ. قوله: (أُشْهِدُكَ) بضم الهمزة من الإشهاد أي أجعلك شاهدا على إقراري بوحدانيتك في الألوهية والربوبية وهو إقرار للشهادة وتأكيد لها في كل صباح ومساء وغرضه من نفسه أنه ليس من الغافلين عنها. قوله: (حَملةَ عَرشِكَ) أي المقربين في حضرتك وخدمتك. قوله: (وملائِكَتَكَ) بالنصب عطف على حملة تعميم بعد تخصيص أي وأشهد جميع ملائكتك سائرهم وباقيهم الداخل فيهم الكرام الكاتبون والحفظة الحاضرون. قوله: (وجميعَ خَلقِكَ) أي مخلوقاتك تعميم آخر للتعميم والتكميل. قوله: (أنكَ) بفتح الهمزة أي على شهادتي واعترافي بأنك أنت الله الواجب الوجود. قوله: (أَعتَقَ الله رُبُعَهُ منَ النَّارِ الخ) قال ابن العماد في كشف الأسرار عما خفي من الإنكار ما الحكمة على ترتيب العتق على قول ذلك أربع مرات قيل لأنه أشهد الله وحملة عرشه وملائكته وجميع خلقه فعتق الله بشهادة كل شاهد ربعه وهذا كما أن الإنسان يهدر دمه إذا شهد عليه أربعة في الزنى كذلك يعصم الله دم هذا من النار إذا شهد أربعة على إيمانه وقال بعض الأشياخ تكريره هذه الكلمات أربع مرات يبلغ حروفها ثلثمائة وستين حرفًا وابن آدم مركب من ثلثمائة وستين عضوًا فعتق الله منه بكل حرف منها عضوًا من أعضائه فإذا قالها مرة أعتق الله ربعه وهذا إنما يكون على الرواية الأخرى وهي أنت الله لا إله إلَّا أنت بإسقاط الذي أما بإثباته فيبلغ فوق ذلك اهـ. والجواب الأخير حسن أما الجواب الأول فقضيته أن يحصل التكفير بقول ذلك مرة واحدة لأنه أشهد أربعة وبكل شاهد يعتق منه ربع. ولعل من حكمة ذلك أن عدة كلمات الذكر أي بزيادة وحدك لا شريك لك أربعة وعشرون عدد

وروينا في "سنن أبي داود" بإسناد جيد لم يضعفه، عن عبد الله بن غنام، بالغين المعجمة والنون المشددة، البياضي الصحابي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "مَنْ قَال حِينَ يُصْبِحُ: اللَّهُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الساعات الواقعة في الليل والنهار فتكون كل كلمة مكفرة لكل ما جناه في كل ساعة أو يقال العتق للنفس من موبقات المخالفات الناشئة عن الهوى ووسوسة الشيطان وهو يجري من الإنسان مجرى الدم والذنوب الواقعة من الإنسان سببها وسوسة الشيطان البخاري من الإنسان مجري الدم وهو مستمد من الطبائع الأربع فجعل المكفر من العدد أربعًا ليكون كل مرة مكفرة لأثر كل واحدة من تلك الطبائع والله أعلم. قوله: (وَرَوَينْا في سُنَنِ أَبِي داوُدَ) قال في السلاح ورواه النسائي وزاد فيه اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك وأخرجه كذلك ابن حبان في صحيحه بهذه الزيادة من حديث ابن عباس وفي الحرز رواه أبو داود والنسائي عن عبد الله بن غنام وابن حبان والنسائي عن ابن عباس اهـ، وقال الحافظ بعد تخريجه عن يحيى بن صالح عن سليمان بن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن عنبسة عن ابن غنام حديث حسن أخرجه النسائي في الكبركما والغريابي في الذكر وأخرجه أبو داود وسمى ابن غنام كما ذكر الشيخ ورواه جماعة عن عبد الله بن وهب عن سليمان بن بلال بسنده لكن قال عن عبد الله بن عباس قال الحافظ أخرجه كذلك النسائي والمعمري وابن حبان في صحيحه من طرق عن عبد الله بن وهب ووافق ابن وهب سعيد بن أبي مريم عند الطبراني في الدعاء قال أبو نعيم في المعرفة من قال فيه ابن عباس فقد صحف وقال ابن عساكر في الأطراف هو خطأ وقد وافق ابن وهب في رواية له الأكثر فقال ابن غنام أخرجه الطبراني من رواية أحمد بن صالح عن ابن وهب بهذا اهـ. قوله: (عبْدِ الله بْنِ غَنَّام البيَاضي) نسبة إلى بياضة بطن من الأنصار قال في أسد الغابة هو ابن غنام بن أوس بن مالك بن بياضة الأنصاري البياضي له صحبة يعد في أهل الحجاز ثم أسند حديثه المذكور وقال أخرجه الثلاثة قال أبو نعيم قد صحف فيه بعض الرواة من رواية ابن وهب فقال عن عبد الله بن عباس وقيل هو عبد الرحمن بن غنام وقيل ابن غنام من غير ذكر اسمه وقد رواه ابن منده من

مَا أصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْكَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لك لَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ، فَقَدْ أدَّى شُكْرَ يوْمِهِ وَمَنْ قَال مِثْلَ ذلِكَ حِينَ يُمْسِي فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ لَيلَتِهِ". وروينا بالأسانيد الصحيحة ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث يحيى بن صالح الوحاظي عن سليمان فقال عن ابن غنام ولم يذكر اسمه اهـ. قوله (ما أَصبحَ) ما فيه شرطية. قوله: (منْ نعمةٍ) من فيه زائدة لتأكيد العموم وتصييره قطعيًّا بعد أن كان ظنيًّا. قوله: (وحدَك) حال من الضمير المتصل من قوله فمنك أي فهو حاصل منك منفردا قال الطيبي الفاء جواب الشرط أي رابطة للجواب بالشرط كما في قوله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53] ومن شرط الجزاء أن يكون مسببًا عن الشرط ولا يستقيم في الآية إلا بتقدير الإخبار والتنبيه على الخطأ وهو أنهم كانوا لا يقيمون بشكر نعم الله بل يكفرونها بالمعاصي فقيل لهم إني أخبركم أن ما التبس بكم من نعمة فهو سبب لأني أخبركم أنها من الله تعالى حتى تقوموا بشكرها والحديث بعكس الآية أي إني أعترف بأن كل النعم الحاصلة الواصلة من ابتداء الحياة إلى انتهاء دخول الجنة فمنك وحدك فأوزعني أن أقوم بشكرها ولا أشكر غيرك فيها اهـ. ثم قوله إلى انتهاء دخول الجنة المراد به التأبيد لا التقييد وقال ابن حجر الآية والحديث على حد سواء في أن ما بعد الفاء ليس هو الجواب الحقيقي إنما هو دال عليه والجواب الحقيقي فاشكروه وحده لأن ذلك منه وحده فقوله فمن الله أو فمنك سبب الجواب لا هو والشكر متسبب عن وصول النعم الينا فالآية والحديث على حد سواء اهـ. قوله: (فلَكَ الحمد الخ) تقرير للمطلوب ولذا قدم الخبر على المبتدأ في الجملتين المفيد للحصر أي إذا كانت النعمة مختصة بك فهأنا أنقاد لك وأخص الحمد والشكر لك قائلًا لك الحمد لا لغيرك ولك الشكر لا لأحد سواك. قوله: (مثْلَ ذلِكَ) أي لكن بإبدال أصبح بأمسى. قوله: (فَقَدْ أَدَّى شكْرَ لَيْلتِه) هذا يدل على أن الشكر هو الاعتراف بالمنعم الحقيقي ورؤية كل النعم دقيقها وجليلها منه وكماله أن يقوم بحق النعم ويصرفها في مرضاة المنعم. قوله: (وَرَوَينَا بالأَسانيدِ الصحيحةِ) قال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن غريب لا نعرفه إلّا من حديث

في سنن أبي داود، والنسائي، وابن ماجه، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يَدَعُ هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: اللهُم إني أسْألُكَ العافية في الدنيَا والآخِرَةِ، اللهُم ـــــــــــــــــــــــــــــ عبادة بن مسلم إلَّا بهذا السند أي جبير بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم أنه كان جالسًا عند ابن عمر فقال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في دعائه حين يصبح وحين يمسي لم يدعه حتى فارق الدنيا أو حتى مات اللهم إني أسألك العفو إلى آخره وقول الشيخ بالأسانيد الصحيحة يوهم أن له طرقًا عن ابن عمر كذلك وليس وأخرجه أحمد والنسائي والحاكم كلهم عن عبادة قال ووجدت له شاهدًا من حديث ابن عباس أخرجه البخاري في الأدب المفرد وفي سنده راو ضعيف اهـ. قوله: (في سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) قال في السلاح واللفظ له ورواه الحاكم أيضًا في المستدرك وقال صحيح الإسناد وابن حبان في صحيحه. قوله: (لَمْ يكُنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - يدَعُ هؤُلاءِ الدعَواتِ) أعربه في المرقاة شرح المشكاة أن كان فيه ناقصة وجملة يدع خبرها أي لم يكن تاركًا لهن في هذين الوقتين بل يداوم عليهن وخالف ابن حجر فقال الظاهر أن يكن تامة وأن يدع جملة حالية من الفاعل أي لم يوجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حال كونه تاركًا لها حين يمسي وحين يصبح اهـ، ونوقش بأن فيه ركاكة في المعنى مع قطع النظر عن ظهور نقصان الكون وخفاء تمامه قال ابن حجر وقال الشيخ يعني الطيبي أخذًا من كلام الكشاف لم يكن يدع هؤلاء أي لا يتأتى منه ذلك ولا يليق بحاله أن يدعها اهـ، وفيه نظر ظاهر بل يتأتى منه تركها ويليق بحاله لبيان جواز الترك الواجب عليه أو للاشتغال بما هو أهم منها اهـ، وتعقب بأنه قد تقدم في تقرير مثله من التصريح بمداومته على هذه الدعوات ومراد كل منها المبالغة في المواظبة عليها كما يستفاد من الرواية وإلَّا فمن الإجماع المعلوم بالضرورة أن قراءة هذا الذكر لم تجب عليه في وقت فلا يناسب قوله بل يتأتى منه تركها إلى آخره والله أعلم. قوله: (اللهم الخ) هو بيان الكلمات. قوله: (العافِيةَ) أي السلامة من الآفات الدينية والنقائص الحسية والمعنوية والحادثات الدنيوية أي عدم الابتلاء بها والصبر بقضائها ولجمع العافية لذلك كان الدعاء بها أجمع الأدعية وكأنه السبب في قوله - صلى الله عليه وسلم - للعباس لما سأله أن يعلمه دعاء يا عم سل

إني أسْألُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأهْلِي وَمَالِي، اللهُم اسْتُرْ عَوْرَاتي وآمِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله العافية في الدنيا والآخرة وفي بهجة المجالس عن عائشة رضي الله عنها قلت يا رسول الله ما العافية قال العافية في الدنيا القوت وصحة الجسم وستر العورة والتوفيق للطاعة وأما في الآخرة فالمغفرة والنجاة من النار والفوز بالجنة اهـ، وسبق في باب ما يقول إذا استيقظ من نومه بسط متعلق بها. قوله: (إِني أَسأَلكَ العفْوَ وَالعافيَةَ الخ) العفو محو الذنوب سواء اقتضت العتاب أو العقاب وإن كان القول صادرًا منه - صلى الله عليه وسلم - ولا يلزم منه تحقق الذنب لما تقدم أنه من الخضوع لحق الربوبية والقيام بمقام العبودية ولا حاجة إلى قول الشيخ ابن حجر الهيتمي في شرح المشكاة العفو عما صدر مني مما يقتضي عتابًا هذا بالنسبة إليه - صلى الله عليه وسلم - أو عذابًا بالنسبة لغيره فالعفو التجاوز عن العتاب فيمن لا يتصور في حقه ذنب وهو المعصوم أو عن الذنب ونحوه فيمن يتصور منه ذنب وهو غيرهم وسبق ما يعلم منه أن العافية تأمين الله لعبده من كل نقمة ومحنة ولذا استعملها في قوله في ديني إذ هو متعلق بها وحدها وما بعده معطوف عليه فيكون كذلك والعافية في الدين دوام الترقي في كمالاته والسلامة من نقص يهوي بالعبد إلى دركاته وفي الدنيا سلامته من النكبات المكدرة والمعيشة المنغصة وفي الأهل والمال ألا يرى فيهما ما يسيء قيل ولا يبعد أن يكون ما في قوله ومالي موصولة أي والذي هو لي ومختص بي فيكون فيه تعميم بعد تخصيص قيل ما له من المال والعلم والجمال وسائر أسباب الكمال وفي النهاية العفو محو الذنوب والعافية السلامة من الأسقام والبلايا اهـ. باختصار لا يخفى أن الأنبياء دعوا الله بالعفو ولا شك أن دعوتهم مجابة ومع هذا أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل فيتعين أن تقيد الأسقام بسببها كالبرص والجنون والجذام مما تنفر عنه طباع العوام ولذا ورد التعوذ من سيئ الأسقام وكذا يقيد في الأمور الدينية أو الدنيوية بالشاغلة عن الأحوال الأخروية وفي لطائف المنن لابن عطاء الله أن بعض الناس دخل على الشيخ أبي العباس وهو مريض فقال له عافاك الله فسكت عنه ثم قال ذلك ثانيًا وثالثًا فقال له يا هذا وأنا سألمت الله العافية قبلك وما أنا فيه هو العافية لأن العافية على ما يعلم والله أعلم، اهـ. قوله: (عوْرَاتي) أي عيوبي وخللي وتقصيري قال الشيخ أبو الغيث بن جميل عورة كل مخلوق شهوة نفسه وخير الملابس عندنا ما ستر العورة مقطعًا ولا يسترها سوى الموت عن كل مباح ومحظور بحكم الضرورة والله بكل شيء عليم خبير وخير ملابس التقوى ما يستر

رَوْعَاتي، اللهُم احْفَظْنِي مِنْ بَينِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفي، وَعَنْ يَمِينِي، وعَنْ شِمالي، ومِنْ فَوْقي، وأعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أنْ أُغْتَال مِنْ تَحْتي" قال وكيع: يعني الخسف. قال الحاكم أبو عبد الله: هذا حديث صحيح الإسناد. ـــــــــــــــــــــــــــــ العورة وشر ملابس التقوى ما أشهر العورة اهـ، والمعنى استر عورتي التي يسوءني كشفها وسبق فيما يقول إذا لبس ثوبًا جديدًا معنى العورة شرعًا وما يتعلق بها ومنه أنه قرئ عورات بفتح الواو وبه يندفع قول الحرز أنه بإسكان الواو وفتحها من لحن العامة. قوله: (رَوْعاتي) أي فزعاتي التي تخيفني أي ارفع عني كل خوف يقلقني ويزعجني وإيرادهما وما قبله بصيغة الجمع في هذه الرواية إشارة إلى كثرتها وبالأمن منها يتم كمال الإنسان وينعدم منه الإساءة والنقصان. قوله: (احفَظْني) أي ادفع عني البلاء من جهاتي الست لأن كل بلية تصل للإنسان إنما تصله من أحدها وهي ما تضمنها قوله من بين يدي الخ، وبالغ في جهة السفل لرداءة الآفة أشار إليه الطيبي. قوله: (وعَنْ يَمينيِ وعَنْ شِمالي) قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} [الأعراف: 17]، إنما عدي الفعل إلى الأولين بحرف الابتداء لأنه منها متوجه إليهم وإلى الأخيرين بحرف المجاوزة فإن الآتي منهما كالمنحرف عنهم المار على عرضهم ونظيره قوله جلست عن يمينه اهـ، وقال ابن عباس في الآية من بين أيديهم من قبل الآخرة ومن خلفهم من قبل الدنيا وعن أيمانهم وعن شمائلهم من جهة حسناتهم وسيئاتهم اهـ. قوله: (أَنْ أُغتَال) أي أوخذ غيلة (منْ تَحتي) لرداءة آفتها ولا يخفى حسن موقع عظمتك وأغتال مبني للمجهول قال زين العرب والاغتيال هو أن يخدع ويقتل في موضع لا يراه فيه أحد. قوله: (قَال وكيع) وهو ابن الجراح قال الحافظ لما أخرج الحديث إلى قوله أغتال من تحتي قال جبير وهو الخسف قال عبادة فلا أدري أهو من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -أو من قول جبير يعني هل فسره من قبل نفسه أو رواه قال الحافظ وكأن وكيعًا لم يحفظ هذا التفسير فقاله من نفسه اهـ. قوله: (يعني) أي يريد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالاغتيال من التحت الخسف في القاموس خسف الله بفلان الأرض غيبه

وروينا في سنن أبي داود، والنسائي، وغيرهما بالإسناد الصحيح عن علي رضي الله عنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول عند مضجعه: "اللهُم إِني أعُوذ بِوَجْهِكَ الكَرِيمِ وبِكَلِمَاتِكَ التَّامةِ مِنْ شَر ما أنْتَ آخِذٌ بِناصِيَتِهِ، اللهُم أنْتَ تَكْشِفُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فيها. قوله: (وَرَوَينَا في سنَنِ أَبِي دَاوُدَ) واللفظ له كما في السلاح والنسائي وغيرهما كابن أبي شيبة كما في الحصين وقال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن أخرجه أبو داود والنسائي في الكبرى قال وفي سنده علتان تحطه من مرتبة الصحيح أحدهما أن الحارث بن عبد الله الأعور أحد رجال سنده ضعيف وباقي رجاله ثقات خرج لبعضهم مسلم والثاني أنه اختلف في سنده على أبي إسحاق فعند أبي داود والنسائي عن أبي إسحاق عن الحارث وأبي ميسرة كلاهما عن علي رضي الله عنه قال الحافظ ولم أره من طريقه إلَّا بالعنعنة وجاء عند الطبراني من طريق المعمري حدثنا هشام بن عمار حدثنا حماد بن عبد الرحمن حدثنا أبو إسحاق عن أبيه قال كتب لي رضي الله عنه كتابًا فيه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أخذت مضجعك فقل فذكر مثله اهـ قوله: (مضجَعِهِ) اسم مكان أو زمان أو مصدر وقصره ابن حجر في شرح المشكاة على الأخير. قولهْ (بوَجْهِكَ الكَرِيم) أي بذاتك كما تقدم ما فيه أول الباب والكريم أي النافع والكامل الجامع أو البالغ أعلى غايات الشرف والنفع للغير. قوله: (وبكَلِماتِكَ) أي كتبك أو أسمائك أو أقضيتك في خلقك الناشئة عن باهر قدرتك وإرادتك وعلمك وحكمتك قال الطيبي وخص الاستعاذة بالكلمات بعد الاستعاذة بالذات تنبيهًا على أن الكل تابع لإرادته وأمره أعني قوله كن، قيل وفي الحديث تلويح إلى قوله تعالى: {مَا مِنْ دَابَّةٍ إلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} [هود: 56] وقال ابن حجر جمع بينهما للإشارة إلى أن الاستعاذة بالذات والصفات أكمل من الاستعاذة بأحدهما. قوله: (منْ شَرِّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بنَاصِيتهِ) أي هو في ملكك وتحت سلطانك وفي قبضتك وأنت متصرف فيه على ما تشاء والناصية شعر مقدم الرأس كما في الصحاح والأخذ بالناصية كناية عن الاستيلاء التام والتمكن من التصرف العام وإنما لم يقل من شر كل شيء

المَغْرَمَ والمَأثمَ، اللهُم لا يُهْزَمُ جُنْدُكَ ولا يُخْلَفُ وَعْدُكَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ، سُبْحانَكَ وَبِحَمْدِكَ". وروينا في سنن أبي داود، وابن ماجه، بأسانيد جيدة ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن كان مؤدى العبارتين واحدًا إشعارًا بأنه تعالى المسبب لكل ما يضر وينفع والمرسل له لا أحد يقدر على منعه ولا شيء ينفع في دفعه وقيل للإشارة إلى أن المستعاذ منه بلغ الغاية في الإضرار إذ الأخد بالناصية إنما شأنه فيمن يكون كذلك قال ميرك كنى بالأخذ بالناصية عن فظاعة شأن ما تعوذ من شره. قوله: (المغرَمَ) هو مصدر ميمي وضع موضع الاسم أي الغرم وهو أما الذنوب وأما الدين الذي أخذ لمعصية لو عجز عن أدائه وإلا لم يستعذ منه كذا قالوه واعترضه ابن حجر بما تقدم منه في قوله في الأذكار بعد التشهد أعوذ بك من المغرم والمأثم. قوله: (والمأْثمَ) أي ما يأثم به الإنسان وهو الإثم نفسه من وضع المصدر الميمي موضع الاسم. قوله: (لَا يُهزَمُ) بالبناء للمفعول أي لا يغلب. قوله: (جُندُكَ) أي من أردت لهم النصر وهم أهل الإسلام والإضافة للتشريف. قوله: (ولا يُخلَفُ) بالبناء للمفعول من الإخلاف وفي رواية بتاء المخاطب فيبنى للفاعل ووعدك منصوب أي لا يخلف وعدك أي بإثابة المطيع بخلاف تعذيب العاصي فإن خلف الوعيد كرم وخلف الوعد بخل وسبق فيما يقال إذا استيقظ من الليل تحقيق الكلام في جواز خلف الوعيد. قوله: (وَرَوَينَا في سنَنِ أَبِي دَاوُدَ) واللفظ له كما في السلاح قال الحافظ بعد تخريجه كما أورده المصنف حديث صحيح أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي في الكبرى وابن ماجة والغريابي من طريق حماد بن سلمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي عياش ورجاله من رجال مسلم لكن خولف حماد في اسم الصحابي فرويناه في الذكر للغريابي وفي مكارم الأخلاق للخرائطي من رواية إسماعيل بن جعفر ومن رواية سليمان بن بلال كلاهما عن سهيل عن أبيه عن ابن عائش بتقديم الألف على التحتية واتفاق إسماعيل وسليمان أرجح من انفراد حماد وقد رواه سعيد بن أبي هلال عن أبي صالح كما قالا أخرجه ابن خزيمة في صحيحه والطبراني في الدعاة من طريق سعيد ولكن لا يقدح ذلك في صحة المتن حتى لو أبهم الصحابي، وفي قول الشيخ بأسانيد نظر فإنه ليس له عند أبي داود وابن ماجة إلّا سند

عن أبي عياش -بالشين المعجمة- رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ قال إذَا أصْبَحَ: لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَه المُلْك ولَهُ الحَمْدُ وَهْوَ عَلى كُل شَيءٍ قَدِيرٌ، كانَ لَهُ عَدْلَ رَقَبَةٍ مِنْ وَلَدِ إسمَاعِيلَ - صلى الله عليه وسلم -، وكُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَناتٍ، وَحُطّ عَنْهُ عَشْرُ سَيئَاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ، وكانَ فِي حِرْزٍ مِنَ الشَّيطَانِ حَتَّى يُمْسِيَ، وإنْ قالها إذا أمْسَى كانَ له مِثْلَ ذلِكَ حَتى يُصْبِحَ". وروينا في "سنن أبي ـــــــــــــــــــــــــــــ وحماد إلى منتهاه وفي المشكاة والسلاح قال في حديث حماد وهو ابن سلمة فرأى رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يرى النائم فقال يا رسول الله إن أبا عياش يحدث عنك بكذا وكذا فقال صدق أبو عياش رواه أبو داود والنسائي قال في المرقاة وهذا ذكر استطرادًا لا دليلًا للإجماع على أن رؤية المنام لا يعمل بها لا للشك في الرؤيا لأنها حق بالنص كما في الأحاديث بل لأن النائم لا يضبط فربما نقل خلاف ما يسمع أو كلامه يحتاج إلى تأويل وتعبير ويقع الخلاف في التفسير لأنها أن وافقت ما استقر في الشرع فالعبرة به وإلَّا فلا عبرة بها لأنها إذا خالفت لم يجز نسخها بها اهـ. قوله: (عَنْ أَبِي عَيَاشٍ) قال في السلاح هو بالياء آخر الحروف الشين المعجمة ويقال ابن أبي عائش ويقال ابن عائش الزرقي الأنصاري واسمه زيد بن الصامت وقيل زيد بن النعمان وقيل غير ذلك وليس له عند الستة سوى هذا الحديث اهـ. قال المنذري في الترغيب وحديث آخر في قصة الصلاة رواه أبو داود قال في المرقاة وكفى بقوله صدق أبو عياش منقبة في حقه ودلالة على صدقه اهـ. قوله: (كَانَ لَهُ) أي كان ذلك المقال لمن قاله. قوله: (عَدُلَ رقَبةٍ) قال في السلاح العدل بفتح العين هو المثل وما عادل الشيء من غير جنسه وبالكسر ما عادله من جنسه وكان نظيره وقال البصريون العدل والعدل لغتان وهما المثل. قلت وحكي في المرقاة قولًا عكس القول الأول. قوله: (منْ وَلَدِ إسْماعيلَ) بفتحتين وقيل بضم فسكون أي أولاده والتخصيص بهم لأنهم أشرف من سبي. قوله (حرْزٍ) أي حفظ ومنع (منَ الشيطَانِ) أي من وسوسته وإغوائه. قوله: (وإن قَالهَا) أي المقالة المذكورة. قوله: (مِثلُ ذَلِكَ) أي مثل ما ذكر من الجزاء. قوله: (وَرَوَينْا في سنَنِ أَبِي

داود" بإسناد لم يضعفه عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أصْبَحَ أحَدُكم فَلْيَقُلْ: أصْبَحْنَا وأصْبَحَ المُلْكُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ، اللهم إني أسألُكَ خَيرَ هذا اليَوْم فَتْحَه وَنصْرَهُ وَنُورَهُ وَبَرَكَتَهُ وَهُدَاهُ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما فِيهِ وشرِّ ما بَعدَهُ، ثُم إذا أمسَى فَلْيَقُلْ مِثَلَ ذلِكَ". ـــــــــــــــــــــــــــــ دَاوُدَ بإِسنَادٍ لَمْ يُضعفهُ الخ). قال الحافظ بعد تخريجه حديث غريب أخرجه أبو داود عن محمد بن عوف عن محمد بن إسماعيل بن عياش وباقي سنده هو قوله حدثني أبي حدثني ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال الحافظ ومحمد بن إسماعيل ضعيف قال أبو حاتم الرازي لم يسمع من أبيه شيئًا وقول الشيخ إن أبا داود لم يضعفه كأنه أراد عقب تخريجه في السنن وإلَّا فقد ضعفه خارجها قال أبو داود الآجري في أسئلته لأبي داود سألته عنه فقال لم يكن بذاك قال الحافظ وكان أبا داود سكت عنه لأنه ذكر عن شيخه محمد بن عوف أنه رأى الحديث المذكور في كتاب إسماعيل بن عياش فكأنه تقوى عنده بهذه الوجادة وتقدم لهذا نظير بهذا الإسناد والله أعلم. قوله: (ربّ العالميِنَ) بالجر على البدلية ويجوز رفعه ونصبه كذا في الحرز ولا يتعين كونه بدلا بل يجوز كونه نعتًا نعم إن قدر أنه صفة مضافة لمعمولها تعين ما قاله أي مربي العالمين وخالقهم وسيدهم ومصلحهم وفيه تغليب ذوي العقول لشرفهم. قوله: (فَتحَهُ) أي الظفر على المقصود قال الطيبي قوله فتحه وما بعده بيان لقوله خير هذا اليوم، والفتح هو الظفر بالتسليط صلحًا أو قهرًا، والنصر الإعانة والإظهار على العدو وهذا أصل معناهما ويمكن التعميم فيهما فيفيد التأكيد اهـ. أي بأن يراد بالفتح ما فتح الله لعبده على وفق قصده والنصر الإعانة على العدو الظاهري والباطني، والنور التنبيه الإلهي للعبد حتى يبصر به طريق الحق فيعمل به، والبركة دوام الطاعة، والهدى الهداية إلى طريق الاستقامة على المداومة إلى حسن الخاتمة. قوله: (وأَعوذُ بكَ منْ شر ما فيهِ) أي اليوم (ومَا بعْدَهُ) أي من الأيام وهو حصول الأمر المضر في الدارين بحيث يشغل العبد عن خدمة مولاه ويبعده عن حضرته وكأنه وجه الاستعاذة من شر ما بعد اليوم دون سؤال خيره أن الاعتناء بدفع المفاسد أهم منه بجلب المصالح ومن قواعدهم

وروينا في "سنن أبي داود" عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، أنه قال لأبيه: يا أبت إني أسمعك تدعو كل غداة: "اللهُم عافِني في بَدَني، اللهُم عافِني في سَمْعِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. قوله: (وَرَوينا في سنَن أبِي دَاوُدَ) الأخصر وروينا فيهما وكذا رواه النسائي وابن السني وقال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن أخرجه أبو داود والنسائي وأخرجه إسحاق في مسنده وابن حبان في صحيحه عن العقدي وأخرج الحافظ بسند رجاله موثقون إلَّا أن فيه انقطاعًا سمع أبو بكرة ابنًا له يدعو بدعوة فقال أي بني أنى لك هذه الدعوة قال سمعتك تدعو بها قال فادع بها فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو بها وإلَّا فصمتا سمعته يقول اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وأعوذ بك من عذاب القبر فهو من الشواهد لحديث الباب المروي عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه. قوله: (عنْ عبد الرحمنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ) وهو البصري الثقفي وله بالبصرة سنة أربع عشرة حيث نزل بها المسلمون وهو أول مولود ولد بها للمسلمين تابعي كثير الحديث سمع أباه وعليًّا وعنه جماعة كذا في المرقاة ووقع في نسخة من الحصين عزو الحديث إلى عبد الرحمن بن أبي بكر والمعروف ما في الكتاب. قوله: (يا أَبتِ) أي بكسر التاء وفتحها وفي النهر قرئ يا أبت بفتح التاء وجمهور القراء على كسرها وهي عوض من ياء الإضافة فلا يجتمعان فلا يقال يا أبتي اهـ، ومراده بلا يجتمعان أي على وجه الحسن وإلَّا ففي القطر وغيره ويا أبت ويا أمت بفتح وكسر ولحاق الألف أو الياء قبيح قال في شرحه والثانية أقبح وينبغي أن لا تجوز إلَّا في ضرورة اهـ. قوله: (أَسْمعُكَ تقول) قال في المرقاة أي أسمع منك أو أسمع كلامك حال كونك تقول اهـ، وفي الأول ما لا يخفى لأن سمع يصل بنفسه إلى المفعول الأول من غير خلاف. قوله: (عافني في بدَني) أي أعطني العافية من الآفات المانعة من الكمالات لأقوى على الطاعة أو عافني في بدني أي سلمه بأن لا يقع من شيء منه معصية أو عافني أي أعف عني ما يقع من المخالفة مني في بدني. قوله: (اللهُم عافني في سمعي) أي من كل خلل حسي أو معنوي بأن لا يدرك الحق أو لا يقبله أو يسمع ما لا

اللَهُمَّ عافِني في بَصَرِي، اللهُم إني أعُوذُ بِكَ مِنَ الكُفْرِ والفَقْرِ، اللهُم إني أعُوذُ بِكَ مِن عَذابِ القَبْرِ، لا إله إلّا أنتَ"، تعيدها حين تصبح ثلاثًا، وثلاثًا حين تمسي، فقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو بهن، فأنا أحبُّ أن أستن بسنته. وروينا في "سنن أبي داود" عن ابن عباس رضي الله عنهما ـــــــــــــــــــــــــــــ يجوز سماعه. قوله: (اللهم عافِني في بصَرِي) من العمى ومن عدم مشاهدة آياتك البينة الواضحة ومن النظر إلى محرم ويؤيد ذلك ما ورد اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي وبصري ومن شر مني وذكر السمع والبصر بعد البدن الشامل لهما لشرفهما فإن بالسمع يدرك آيات الله المنزلة على الرسل وبالعين تدرك آياته المنبثة في الآفاق فهما جامعان لدرك الآيات النقلية والعقلية وإليه نظر قوله - صلى الله عليه وسلم - اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعلهما الوارث منا وفي تقديم السمع كما في سائر الآيات والأحاديث إيماء إلى أنه أفضل من البصر خلافًا لمن خالف وبيانه أن مع فقدان البصر يكون الشخص مؤمنًا عالمًا كاملًا بخلاف من فقد منه السمع فإنه لا يتصور منه شيء من ذلك كسبًا إلّا أن يعطي ذلك من عنده تعالى وهبًا مع أن فقد السمع الخلقي يستلزم فقد النطق اللساني أيضًا كما هو معلوم وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر وعمر مني بمنزلة السمع والبصر تصريح بما ذكرناه والله أعلم، وهذا لا ينافي تفضيل البصر من حيث إن بعض مرئياته ذاته تعالى إذ قد يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل كقوله - صلى الله عليه وسلم - للصحابة أفرضكم زيد مع أن الصديق أفضلهم. قوله: (منْ الكُفْرِ والفَقرِ) أي فقر القلب ولذا قارنه بالكفر في قوله كاد الفقر أن يكون كفرًا أي حيث لا يرضى بالقضاء أو يعترض على رب السماء وهذا تعليم للأمة أو تخضعًا لما للربوبية من الحق والخدمة أو المراد بالكفر الكفران والفقر الاحتياج إلى الخلق على وجه الانكسار والمذلة وقلة المال مع عدم القناعة والصبر وكثرة الحرص وقد سبق في الأذكار قبل السلام في هذا الحديث زيادة كلام. قوله: (تُعيدُها) أي هذه الجمل أو هذه الدعوات والجملة بدل أو حال. قوله: (ثلاثَ مَرَّات) ظرف لقوله تعيدها وكذا حين في قوله. قوله: (حِينَ تُصبِح وحِينَ تمسي) قوله: (أَنْ أَستَنَّ) أي اقتدي. قوله: (وَرَوَينْا في سنَنِ أَبِي دَاوُدَ) وكذا

عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "مَن قال حِينَ يُصْبحُ: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ رواه ابن السني كما في الحصين وقال الحافظ بعد تخريجه حديث غريب. قوله: (فسبحانَ الله) أي نزهوه عما لا يليق به وفي خبر مرسل أنه - صلى الله عليه وسلم - قال في قول العبد سبحان إنها براءة الله من السوء لا يقال النفي لا يتمدح به إلّا إذا تضمن ثبوتًا إلَّا فالنفي المحض لا مدح فيه لأنا نقول نفي السوء والنقص عنه يستلزم إثبات جميع الكمال له سبحانه وكذا كل ما جاء في الكتاب والسنة من نفي السوء والنقص عنه يتضمن إثبات ذلك له كقوله تعالى: ({لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [البقرة: 255] {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38)} [ق: 38] قال في المرقاة والكمال مسلم ثبوته له تعالى عند الكل ولذا ما جاءت الرسل إلَّا للأمر بالتوحيد والعبادة على وجه التفريد اهـ. قوله: (تمسُونَ) أي تدخلون في المساء و (تصبحونَ) أي تدخلون في الصباح فالفعلان تامان وقد سبق أن المساء الشرعي من غروب الشمس والصباح الشرعي من طلوع الفجر. قوله: (ولهُ الحمدُ) أي له لا لغيره الحمد ثابت (في السمواتِ والأرضِ) أي كائن على ألسنة أهلهما وإن من شيء إلا يسبح بحمده أو ثابت في أجزائهما وقيل في للتعليل أي له الحمد في هاتين النعمتين العظيمتين لأهلهما فيجب عليهم حمده والجملة معترضة وسيأتي حكمة الفصل بهما. قوله: (وعَشيًّا) عطف على حين وسبق أن العشي ما بين زوال الشمس إلى غروبها وحكاية أقوال آخر وفي المغرب المشهور أنه آخر النهار. قوله: (تَظهرُونَ) أي تدخلون في الظهيرة. قوله: (يُخرِجُ الحي منَ الميتِ) بالتشديد والتخفيف أي الطائر من البيضة والحيوان من النطفة والنبات من الحبة والمؤمن من الكافر والذاكر من الغافل والعالم من الجاهل والصالح من الطالح روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى عكرمة بن أبي جهل فقرأ هذه الآية فهذا تفسير للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن المراد من الحي المؤمن ومن الميت الكافر وفي معناه العالم والجاهل والصالح والطالح والذاكر والغافل وبعكسه قوله "ويخرج الميت من الحي". قوله: (ويُحيي الأرضَ بعدَ مَوتها) أي بإنبات النبات بعد موتها أي يبسها أو أرض الروح بالإيمان والتوفيق بعد موتها أي فسادها

وَكَذَلِكَ تُخْرَجون} [الروم: 17 - 19] أدْرَكَ ما فاته في يومِه ذلكَ، ومَنْ قالهُنّ حِينَ يُمسِي أدْرَكَ ما فَاتَهُ في لَيْلَتِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بأضداده. قوله: (وكذلك تُخرَجُونَ) أي مثل ذلك الإخراج أو الخروج اللازم منه أو مثل ذلك الإحياء تخرجون أي من قبوركم للحساب وما يترتب عليه من العذاب أو النعيم وحسن المآب وهو بالبناء للمفعول من الإخراج وفي قراءة على صيغة المعلوم من الخروج والمعنى أن الإعادة والإبداء متساويان في قدرة من هو قادر على إخراج الميت وعكسه فاعتبروا يا أولي الابصار. قوله: (أَدركَ مَا فاته) أي حصل ثواب ما فاته من ورد وخير. قوله: (ذلِكَ) أي الذي قال فيه هذا الذكر. قوله: (قالهنَّ) أي الكلمات أو هذه الآيات قال ابن حجر في شرح المشكاة وسبب إدراك ذلك أن من قال ما ذكر مستحضرًا لمعناه من أنه أمر بقوله ذلك أي فسبحوه في هذه الأوقات حمله على دوام شهود تنزيه الحق تعالى عن كل ما لا يليق به وفي ذلك الشهود من الثواب ما يخلف ما مر وبهذا يعلم أن المتبادر من هذا التسبيح أن المراد من سبحان الله الأمر بالتسبيح في تلك الأوقات ولا ينافيه ما جاء كما في معالم السنن قال نافع ابن الأزرق لابن عباس هل تجد الصلوات الخمس في القرآن قال نعم وقرأ هاتين الآيتين وقال جمعت المواقيت الخمس اهـ. فتمسون المغرب والعشاء وتصبحون الصبح وعشيا العصر وحين تظهرون الظهر لأن هذا باعتبار الحقيقة واستعمال اللفظ في حقيقته ومجازه سائغ عند الشافعي رضي الله عنه وأكثر أصحابه وغيرهم يجعله من عموم المجاز ويدعون أنه التحقيق قال الطيبي: فإن قلت كان مقتضى الظاهر أن يعقب قوله وله الحمد بقوله فسبحان الله كما جاء سبحان الله وبحمده. وقوله: {وعشيًّا} بقوله: {وَحينَ تُصبحُونَ} [الروم: 17] فما فائدة الفصل ولم خص التسبيح بظرف الزمان والتحميد بظرف المكان، قلت قد مر أن الحمد أشمل من التسبيح فقدم وعلق به الإصباح والإمساء وأخر التحميد وعلق به السموات والأرض وإنما أدخله بين المتعاطفين ليجمع الحمد بين ظرفي الزمان والمكان إذ لافتراق الشيء بالشيء تعلق معنوي وإن لم يوجد تعلق لفظي ولو تقدم الحمد لاشتركا في الظرفين ولو أخر لخص الحمد بالمكان اهـ، وهو من

لم يضعفه أبو داود، وقد ضعفه البخاري في "تاريخه الكبير" وفي كتابه "كتاب الضعفاء". ـــــــــــــــــــــــــــــ الحسن بمكان غير أنه لم يتعرض لحكمة العدول عن مقابلة العشي بالصباح إلى مقابلته بالظهيرة ولعله لمراعاة الفواصل وحسن التقابل وفهم ابن الجزري هذه المقابلة حيث قال أبعد من قال أن المساء يدخل بالزوال فإن أراد دخول وقت العشي فقريب أو أراد المساء فبعيد فإن الله يقول فسبحان الله الخ، فقابل المساء بالصباح والظهيرة بالعشي اهـ، وقال ابن حجر وحكمة الفصل بين المتعاطفات في الآية بقوله وله الحمد الخ، إنه لما ذكر المساء والصباح المحيطين بطرفي النهار حثهم على المحافظة على إحياء هذين الطرفين المستلزم لإحياء ما بينهما أيضًا بأن أهل السموات والأرض وهم من جملتهم عليهم أن يقوموا بإحياء مقام الحمد دائمًا الذي يقابل التسبيح باعتبار دلالة الحمد على الصفات الثبوتية والتسبيح على الصفات السلبية والأولى أكمل وأفخم ومستلزمة للثانية ولا عكس وإنما لم يعقب التسبيح بالحمد كما هو في سبحان الله وبحمده المذكور في أكثر الآيات والأحاديث لأن القصد هنا الإشارة إلى مقامين متغايرين مقام التسبيح المشار به إلى الصلاة المختصة ببعض أهل الأرض ومقام الحمد الباعث عمومه لأولئك البعض على إدامة ما خصوا به فناسب حينئذٍ فصل هذا وجعله اعتراضًا بين أجزاء ذلك ليكون حاملًا عليها ومؤكدًا لطلبها ولما كان القصد من التسبيح ما ذكر من الأمر به أو بالصلاة على ما مر وذلك يقتضي التجدد. والحدوث ومن الأخبار بأن الحمد له فيما ذكر الدلالة على الدوام والثبات والاستمرار ناسب ذكر ظرف الزمان في الأول وظرف المكان في الثاني قال وهذا أولى مما قبله. قوله: (لمْ يضَغفْهُ أَبُو دَاوُدَ) أي فهو عنده صحيح أو حسن لكن قال الحافظ لعل أبا داود سكت عن تضعيفه لأنه من الفضائل. قوله: (وقَدْ ضعَفه البخارِيُّ) قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف أخرج الحديث أبو داود العقيلي وابن عدي من حديث ابن عباس وإسناده ضعيف وقال البخاري لا يصح اهـ، وقال الحافظ في أماليه على هذا الكتاب قوله وضعفه البخاري الخ. لفظ البخاري في الكتابين سعيد بن بشير النجاري روى عن السلماني وروى عنه الليث لم يصح حديثه وكذا نقله ابن عدي في ترجمة سعيد وأورد الحديث وقال لا أعلمه روى عنه غير الليث ولا أعلمه

وروينا في "سنن أبي داود" عن بعض بنات النبي - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنهن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعلمها ـــــــــــــــــــــــــــــ روى إلَّا هذا الحديث ثم نقل كلام البخاري فيه وقال أنه عنى هذا الحديث قال الحافظ والحديث ضعيف بغير سعيد فإن شيخه ابن البيلماني ضعيف جدًّا قال ابن عدي كل ما يرو به ابن البيلماني فالبلاء فيه منه قال ابن حبان روى عن أبيه نسخة قدر مائتي حديث كلها موضوعة والنجاري بنون مفتوحة وجيم مشددة والبيلماني بموحدة ولام مفتوحتين وتحتية ساكنة قال الحافظ ووجدت للحديث شاهدًا بسند معضل لا بأس برواته ثم أخرجه عن زيد العمي وقال وهو بفتح المهملة وتشديد الميم نسبة إلى بني العم بطن من تميم وقيل لأنه كان يقول إذا سئل عن شيء حتى أسأل عمي وهو مختلف فيه عن محمد بن واسع من قال حين يصبح ثلاث مرات فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون لم يفته خير كان قبله من الليل ولم يدركه يومه شر ومن قالها حين يمسي مثله وكان إبراهيم خليل الرحمن يقولها ثلاث مرات إذا أصبح وثلاث مرات إذا أمسى قال الحافظ ولم أره مصرحًا برفعه لكن مثله لا يقال بالرأي ولبعض حديثه شاهد بسند ضعيف مصرح فيه برفعه عن معاذ بن أنس الجهني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ألا أخبركم لم سمى الله تعالى خليله الذي وفى لأنه كان يقول كلما أصبح فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون أخرجه أحمد وفي سنده ابن لهيعة وفي شيخه زبان بفتح الزاي وشدة الموحدة وآخره نون وهو ابن فايد مقال وكذا في ابن لهيعة وقد سكت عن نقل التضعيف المذكور عن البخاري صاحبا المشكاة والسلاح وكأنه لكونه غير مؤثر في العمل بمضمون الخبر لكون التضعيف إنما يمنع من العمل إذا كان شديدًا كما تقدم نحوه في كلام الحافظ في سكوت أبي داود عن بيان ضعفه. قوله: (وَرَوَينا في سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) وكذا رواه كما في الحصين النسائي وابن السني قال ميرك كلهم من حديث عبد الحميد مولى بني هاشم عن أمه قال في السلاح وكانت تخدم بعض بنات النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بعض بنات النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الحافظ بعد تخريجه الحديث حديث غريب أخرجه أبو داود في كتاب الأدب وأخرجه النسائي في اليوم والليلة وأخرجه ابن السني عن النسائي وأبو نعيم

فيقول: "قولي حينَ تُصْبحِينَ: سُبْحانَ الله وَبِحَمْدِهِ، لا قوَّةَ إلَّا بالله، ما شَاءَ اللهُ كانَ، وما لَمْ يَشَأ لَمْ يَكُنْ، اعْلَمُ أنّ الله عَلى كل شيء قَدِير، وأنّ اللهَ قَدْ أحَاطَ بِكُل شَيءٍ عِلْمًا، فإنهُ مَنْ قَالهُن حِينَ يُصْبِحُ حُفِظَ حَتَّى يُمْسِي ومن قالهُن حِينَ يُمْسِي حُفِظَ حَتَّى يُصْبِحَ". وروينا في سنن أبي داود، عن أبي سعيد الخدري رضي ـــــــــــــــــــــــــــــ في اليوم والليلة وتكلم في رجال السند إلى أن قال وعبد الحميد وسالم يعني الراوي للحديث عن عبد الحميد ذكرهما ابن حبان في الثقات لكن قال أبو حاتم الرازي عبد الحميد مجهول اهـ. قال الحافظ المنذري أم عبد الحميد لا أعرفها وقال الحافظ ابن حجر لم أقف على اسمها وكأنها صحابية وفي التخريج له أم عبد الحميد لم أعرف اسمها ولا حالها لكن يغلب على الظن أنها صحابية فإن بنات النبي - صلى الله عليه وسلم - متن في حياته إلّا فاطمة فعاشت بعده ستة أشهر أو أقل وقد وصفت بأنها كانت تخدم التي روت عنها لكنها لم تسمها فإن كانت غير فاطمة قوي الاحتمال وإلَّا احتمل أنها جاءت بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - والعلم عند الله اهـ. قوله: (فيقولُ) هو بيان للتعليم وفي المرقاة يحتمل أن تكون الفاء تفسيرية اهـ. قوله: (سبحانَ الله وبحمدهِ) أي أنزهه عن كل سوء وابتدئ بحمده وفي المغرب سبحتك بجميع آلائك وبحمدك سبحتك وفي الحرز الأظهر في المعنى أن يقال أسبحه وأنزهه عما لا يليق به من الصفات السلبية وأقوم بحمده وثنائه الجميل من النعوت الثبوتية فالواو عاطفة للجملة على ما قبلها ويجوز أن تكون زائدة وتقدم بسط ذلك في باب فضل الذكر. قوله: (لَا قوةَ إِلَّا بالله) أي لا قدرة للعبد على حركة أو سكون إلَّا باقدار الله أي وقيل لا قوة أي لا قدرة على التسبيح والتحميد وغيرهما. قوله: (مَا شاءَ الله كانَ الخ) سواء شاء العبد أو لا وعلى هذا اتفق السلف ولا عبرة بخلف بعض الخلف وهذا معنى قوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [التكوير: 29] وفي الحديث القدسي تريد وأريد ولا يكون إلَّا ما أريد فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط ويفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد وقد عقد الشافعي معنى هذه الجملة في قوله: ما شئت كان وإن لم أشأ ... وما لم تشأ إن أشأ لم يكن قوله: (وَرَوَينَا في سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) قال الحافظ بعد تخريجه حديث غريب

الله عنه، قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له: أبو أمامة، فقال "يا أبا أمامَة! ما لي أراك جالسًا في المسْجِدِ في غيرِ وقتِ صَلاةٍ؟ " قال: هموم لزمتني ـــــــــــــــــــــــــــــ أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة وهو آخر حديث فيه ويليه كتاب الزكاة وسكت عليه في السنن وسئل عنه في أسئلة أخرى فقال غسان بن عوف شيخ بصري والحديث غريب اهـ، وغسان المذكور ذكره الساجي والعقيلي في الضعفاء وقال العقيلي لا يتابع على حديثه وقد أخرجه أبو بكر بن أبي عاصم في كتاب الدعاء عن عقبة بن مكرم عن الغداني عن غسان بن وهب فإن كان محفوظًا فلعل وهبًا جده أو كنيته فتصحفت الأداة ولم يذكروا له إلَّا هذا الحديث ثم أول سياق هذا الحديث ظاهر في أنه من مسند أبي سعيد وعلى ذلك اقتصر من صنف في الأطراف وفي رجالها ويستدرك عليهم أن في أثنائه ما يقتضي التصريح بأنه من مسند أبي أمامة وليس في الصحابة من الأنصار من يكنى أبا أمامة إلّا سعد بن زرارة ومات في أول الإسلام وسبطه أسيد بن سهل بن حنيف ومات النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو صغير فلعله هذا لكن أفرد ابن منده في الصحابة صاحب هذا الحديث بترجمة وتبعه أبو القاسم يعني البغوي وأما الحاكم في الكنى فلم يتعرض لهذا فيمن عرف اسمه ولا فيمن لم يعرف اهـ، ولحديث أبي سعيد شاهد من حديث أنس إلّا في القصة ثم أخرجه الحافظ عن أنس قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والهم والحزن والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال وقال بعد تخريجه حديث صحيح أخرجه أحمد والبخاري والنسائي وأبو عوانة قال وبعضه في الصحيحين من وجه آخر عن أنس وفيه زيادة ليست في هذا وعند مسلم من حديث زيد بن أرقم مثله لكن الزيادة غير الزيادة المذكورة وقد ذكرهما المصنف في كتاب الدعوات اهـ، وفي الحرز بعد ذكر الحديث عن أبي سعيد كما ذكره المصنف ما لفظه وفي الجامع رواه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي عن أنس ولفظه ضلع الدين وروى صاحب الفردوس عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال من قال يوم الجمعة اللهم أعني بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك سبعين مرة لم تمر به جمعتان حتى يغنيه الله وأصل الحديث أخرجه أحمد والترمذي اهـ. قوله: (هُموم لَزِمَتني) ابتدأ به لأن

وديون يا رسول الله، قال: "أفَلا أُعَلمُكَ كلامًا إذا قُلْتَهُ أذْهَبَ اللَّهُ هَمَكَ وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ" قلت: بلى يا رسول الله، قال: "قُلْ إذَا أصْبَحْتَ وإذَا أمْسَيْتَ: اللهُم إني أعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالحَزَنِ وأعُوذُ بكَ مِنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ التنوين فيه للتكثير أو للتعظيم أي هموم كثيرة أو عظيمة لزمتني وأحاطت بي فلم أجد منها مخرجًا ولا من ضيقها فرجًا ويؤيده قوله يا رسول الله فإن الاستغاثة تدل على عظم ما وقع فيه حتى استغاث منه بهذا اللفظ الدال على سرعة الإجابة. قوله: (ودُيونٌ) أي لزمتني وحذف لدلالة الأول عليه وكأنه عطف تفسير لبيان أن تلك الهموم هي تلك الديون ويؤيده الحديث الدين هم بالليل مذلة بالنهار. قوله: (أَفلا أُعلمُك) الهمزة فيه للاستفهام والفاء عاطفة لما بعدها على جملة مقدرة دل عليها السياق ولا مزيدة للتأكيد نظير ما منعك أن لا تسجد والتقدير اتمتثل ما أمرك به فاعلمك ويدل لذلك قوله في الجواب فقلت بلى ووقع في عبارة الطيبي ما يوهم أن لا أصلية وليس مرادًا. قوله: (إِذَا قلتَه الخ) فائدة الإتيان به التحريض على الإتيان بذلك الكلام خصوصًا وفيه تعجيل البشرى بإزالة تعجيل ما طلب إزالته من الهم والدين. قوله: (الهم والحَزَنِ) بضم الحاء المهملة وإسكان الزاي وبفتحهما ضد السرور وفرق بينهما بأن الهم يختص بالمتوقع والحزن بما وقع وقيل الهم الحزن الذي يذيب الإنسان لشدة الغم الذي تلقاه مأخوذ من همني المرض أذابني والحزن أصله من الخشونة وهو يصدق بأدنى شدة وغم وقيل الحزن ما يحصل لفقد ما يشق على المرء فقده والهم ما يذيب الإنسان فيكون تعوذه من الشيء الذي ينحل الجسم وقال الداودي الهم ما شغل الضمير وليس شيء أضنى على البدن منه قال والحزن أن يصاب الرجل في أهله وهما عند الفراء سواء وقال الحنفي الهم عام في أمور الدنيا والآخرة واعترض بأن هم الآخرة كالمنبوذ منه بل هو محمود ففي الحديث من جعل الهموم هما واحدًا هم الدين كفا الله هم الدنيا والآخرة وفي شرح العدة نقلًا عن الخطابي لا ينبغي للمؤمن أن يهتم بشيء من أمر الدنيا فإن الله تعالى قدر الأمور وأحكمها وقدر الأرزاق وقسمها فلا يجلب الهم للعبد خيرًا في دنياه ولا يأتيه ما لم يقدر له وكان عمر بن عبد العزيز يقول اللهم رضني بالقضاء وحبِّب إليِّ القدر حتى لا أحب تقديم ما أخرت ولا تأخير

العَجْزِ وَالكَسَلِ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ما قدمت ومن آمن بالقدر فلا ينبغي له أن يهتم على شيء فإنه من الدنيا ولا يتهم ربه ففيما قضى له الخير وإنما ينبغي للعبد الاهتمام بأمر الآخرة وعرضه على ربه وكيف ينجو من سؤاله ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا فلذلك يحسن الهم والبكاء اهـ. قوله: (العجْز) بسكون الجيم هو في الأصل التأخر عن الشيء مأخوذ من العجز وهو مؤخر الشيء وللزومه الضعف عن الإتيان بالشيء استعمل في مقابل القدرة فقيل هو ذهاب القدرة في وجه وكلاهما يحسن التعوذ منه واستعاذ من العجز لئلا يعجز عن القيام بمهمات العبادات الناشئ عن ارتكاب الذنوب لأنها توجب لمرتكبها توالي العوائق وتسابق الموانع إليه قال ابن بطال اختلف في معنى العجز فأهل الكلام يجعلونه ما لا استطاعة لأحد على فعله مما يعجز عنه لأنها عندهم مع الفعل وأما الفقهاء فيقولون هو ما لا يستطيع أن يعمله إذا أراد لأنهم يقولون الحج ليس على الفور ولو كان على المهلة عند أهل الكلام لم يصح معناه لأنها لا تكون إلّا مع الفعل. قوله: (والكسلِ) بفتحتين هو فترة النفس والمراد التثاقل عن صالح الأعمال مع القدرة عليه إيثارًا لراحة الأبدان على التعب ولكون ذلك لعدم انبعاث النفس للخير وقلة الرغبة فيه وقد ذم الله سبحانه المنافقين بأنهم إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى إما من تثاقل منها لمرض أو ضعف أو كبر فلا يدخل في الذم والله سبحانه أعلم. قوله: (من الجُبْنِ) بضم فسكون أو فضم صفة الجبان يقال فيه جبن يجبن جبنًا وجبنًا وجمع الجبان جبن والجبانة وهو الخوف من العدو الشامل للصوري وهو الكافر والمعنوي وهو النفس والشيطان وسبب الخوف يمنعه المحاربة أو يحمله على الموافقة والجبانة هي ضد الشجاعة وإنما يكون من ضعف القلب وخشية النفس والجبان الذي يرتدع في الحرب ويضعف وذلك يؤدي إلى الفرار من الزحف وهو كبيرة واستعاذته - صلى الله عليه وسلم - منه تعليم لأمته لأنه يؤدي إلى عذاب الآخرة كما قاله المهلب لأنه يفر من الزحف فيدخل تحت وعيد قوله تعالى: {فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ} [الأنفال: 16]، وربما يفتن في دينه فيرتد لجبن أدركه وخوف على نفسه من القتل والأسر والعبودية، والجبن والكذب من الخلال المذمومة التي لا تصلح أن تكون في رؤوس الناس من إمام وخليفة وحامل

والبُخْلِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ غلَبَةِ الديْنِ وَقَهْرِ الرجَالِ". قال: ففعلت ذلك، فأذهب الله تعالى همي وغمي وقضى عني ديني. وروينا في كتاب ابن السني بإسناد صحيح، عن عبد الله بن أبزى رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أصبح قال: "أصْبَحْنَا عَلَى فِطْرَةِ الإسْلام وَكلِمَةِ الإخْلاصِ، وَدِينِ نَبينَا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وَمِلةِ أبينا إبراهِيمَ - صلى الله عليه وسلم - حَنِيفًا مُسْلِمًا ومَا أنا مِنَ المُشرِكينَ" قلت كذا وقع في كتابه: "ودين نبينا محمد" وهو غير ممتَنِع، ولعله - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك جهرًا ليسمعه غيره فيتعلمه، والله أعلم. وروينا في كتاب ابن السني، عن عبد الله بن أبي أوفى ـــــــــــــــــــــــــــــ علم إذ الكذب فجور أو يهدي إليه كما جاء في الحديث. قوله: (والبَخَلِ) بضم فسكون وفي نسخة من الحصين بفتحهما وذكرهما في شرح العدة وغيره يقال بخل يبخل بخلًا وهو أن يبخل بأداء الواجبات كمنع الزكاة وقراء الضيف وفي شرح الجامع الصغير للعلقمي البخل في الشرع منع الواجب وعند العرب منع السائل عما يفضل عنده وقيل البخيل الشحيح وقال ابن مسعود أن لا يعطي شيئًا والشح أن يشح بما في أيدي الناس أي يحب أن يكون له ما في أيديهم من الحلال والحرام وقيل البخل دون الشح اهـ، وفي الصحاح الشح البخل مع حرص واستعاذ - صلى الله عليه وسلم - من البخل لقوله تعالى: ({وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)} [الحشر: 9]، وقال - صلى الله عليه وسلم - أي داء أدوى من البخل.

رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أصبح قال: "أصْبَحْنا وأصْبَحَ المُلكُ للهِ عَز وجل، والحَمْدُ للهِ، والكِبرِياءُ والعَظَمَةُ للَّهِ، والخَلْقُ والأمرُ والليلُ والنهارُ وما سَكَنَ فِيهِمَا للهِ تعالى، اللَهُمَّ اجْعَلْ أوَّلَ هذا النهارِ صَلاحًا، وأوْسَطَهُ نجاحًا، وآخِرَهُ فَلاحًا، يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ". وروينا في كتابي الترمذي وابن السني بإسناد فيه ضعف، عن معقل بن يسار رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ قال حينَ يُصْبِحُ ثلاثَ مَراتٍ: أعُود بالله السمِيع العَليم من الشَّيطانِ الرجيمِ، وَقَرأ ثلاثَ آياتِ مِنْ سُورَةِ الحَشْرِ وَكَّلَ اللَّهُ تَعالى بهِ سَبْعِينَ ألفَ مَلَكٍ يُصلُّونَ عَلَيهِ حتَّى يُمْسِيَ، وَإنْ ماتَ في ذلكَ اليَومِ مَاتَ شَهِيدًا، ومن قالها حينَ يُمْسِي كانَ بتِلْكَ المنزِلَةِ". وروينا في كتاب ابن السني، عن محمد بن إبراهيم، عن أبيه رضي الله عنه قال: وجَّهَنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية، فأمَرَنا أن نقرأ إذا أمسينا وأصبحنا: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا)} [المؤمنون: 115]، فقرأنا فغنمنا وسلمنا. وروينا فيه عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو بهذه الدعوة إذا أصبح وإذا أمسى: "اللهُم إني أسألُكَ مِنْ فجأةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الخَيرِ، وأعُوذُ بِكَ مِن فَجأةِ الشَّرِّ". وروينا فيه عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة رضي الله عنها: "ما يَمْنَعُكِ أن تَسْمَعِي ما أُوصيكِ بهِ؟ تَقُولينَ إذا أصْبَحْتِ وإذا أمْسَيتِ: يا حيُّ يا قيومُ بِكَ أسْتَغِيثُ فأصْلحْ لي شَأني كُلَّهُ ولا تَكِلْني إلى نَفْسي طَرْفَةَ عَيْنٍ". وروينا فيه بإسناد ضعيف، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رجلًا شكا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه تصيبه الآفات، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قُلْ إذا أصْبَحْتَ: بسمِ اللَّهِ على نفْسي وأهْلي ومالي، فإنه لا يَذْهَبُ لكَ شَيء"، فقالهن الرجل فذهبت عنه الآفات. وروينا في سنن ابن ماجه، وكتاب ابن السني، عن أم سلمة رضي الله عنها، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أصبح قال: "اللَّهُمَّ إني أسألُكَ علمًا نافعًا، ورِزْقًا طَيبًا، وعملًا مُتَقَبَّلًا". وروينا في كتاب ابن السني، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قال إذَا أصْبَحَ: اللهُم إنِّي أصْبَحْتُ مِنْكَ في نِعْمَةٍ وعَافِيةٍ وسِتْرٍ، فأتِمَّ نِعْمَتكَ عَليَّ وعافِيَتَكَ وسِتْرَكَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ ثَلاثَ مَراتٍ إذا أصْبَحَ وإذا أمْسى، كان حَقًّا على اللهِ تعالى أنْ يُتِمَّ عَلَيْهِ". وروينا في كتابي الترمذي وابن السني، عن الزبير بن العوام رضي الله عنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

صَباح يُصبِحُ العبادُ إلا مُنادٍ يُنادي: سُبْحانَ الملكِ القُدُّوسِ" وفي رواية ابن السني: "إلا صَرَخَ صارخٌ: أيها الخَلائقُ سَبِّحوا المَلكَ القُدُّوسَ". وروينا في كتاب ابن السني، عن بُريدة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قال إذا أصبَحَ وإذا أمْسى: رَبِّيَ اللهُ، تَوَكَّلتُ على اللهِ لا إلهَ إلا هُوَ عَلَيهِ تَوَكَّلْتُ وهوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيم، لا إلهَ إلا اللهُ العَلِي العَظِيمُ، ما شَاءَ اللهُ كَانَ، ومَا لَمْ يَشَأ لمْ يَكُنْ، أعْلَمُ أن اللهَ على كل شيءٍ قَدِيرٌ، وأن اللهَ قَدْ أحاطَ بِكُل شَيءٍ عِلمًا، ثَم ماتَ دَخَلَ الجَنَّة". وروينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي الله عنه، أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال "أيَعْجزُ أحدُكم أنْ يكونَ كأبي ضمْضَمٍ؟ قالوا: ومَنْ أبو ضَمْضمٍ يا رسولَ اللهِ؟ قال: كان إذا أصبَحَ قال: اللهُمَ إني قد وهَبْتُ نَفْسِي وعِرْضي لكَ، فلا يشتِمُ مَنْ شتَمَهُ ولا بَظْلِمُ مَنْ ظَلَمَهُ، ولا يَضْرِبُ مَنْ ضرَبَهُ". وروينا فيه عن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ قال في كل يَومٍ حِينَ يُصْبِحُ وحِينَ يُمْسِي: حَسْبيَ اللهُ، لا إلهَ إلا هو، عَلَيهِ توكَّلْتُ وهو رَب العَرْشِ العَظيمِ سَبع مَراتٍ، كَفَاهُ اللهُ تعالى ما أَهمَّهُ مِنْ أمْرِ الدُّنيا والآخرة". وروينا في كتابي الترمذي وابن السني بإسناد ضعيف، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قرأ (حم المُؤمِنَ) إلى: (إلَيهِ المَصيرُ) وآيةَ الكُرْسِيِّ حِينَ يُصْبِحُ حُفِظَ بِهِما حتى يُمْسِيَ، ومَنْ قَرأهُما حِينَ يُمْسِي حُفِظَ بِهِما حَتَّى يُصْبِحَ". فهذه جملة من الأحاديث التي قصدنا ذِكْرها، وفيها كفاية لمن وفقه الله تعالى، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

باب يقال في صبيحة الجمعة

نسأل الله العظيم التوفيق للعمل بها وسائر وجوه الخير. وروينا في كتاب ابن السني، عن طلق بن حبيب قال: جاء رجل إلى أبي الدرداء فقال: يا أبا الدرداء قد احترق بيتك، فقال: ما احترق، لم يكن الله عزَّ وجلَّ ليفعل ذلك بكلمات سمعتهن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، من قالها أول نهاره لم تصبه مصيبة حتى يمسيَ، ومن قالها آخر النهار لم تصبه مصيبة حتى يصبحَ: "اللهُم أنْتَ رَبي لا إلهَ إلا أنْتَ عَلَيْكَ توَكَّلْتُ وأنْتَ رَب العَرْشِ العَظِيمِ، ما شاءَ اللهُ كانَ، وما لَمْ يَشأ لَمْ يَكُنْ، لا حَولَ ولا قوَّةَ إلا بالله العَلِيِّ العَظِيمِ، أعْلَمُ أن اللهَ عَلى كُل شَيءٍّ قَدِير، وأن اللهَ قد أحاطَ بِكُل شَيءٍ عِلمًا، اللهُم إني أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي، ومِنْ شَر كُل دابةٍ أنْتَ آخِذٌ بِنَاصِبَتِهَا، إنّ ربي على صِرَاطٍ مُسْتَقِيم". ورواه من طريق آخر، عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل: عن أبي الدرداء، وفيه: أنه تكرر مجيء الرجل إليه يقول: أدرك دارك فقد احترقت، وهو يقول: ما احترقت لأني سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من قال حين يصبح هذه الكلمات، لم يصبه في نفسه ولا أهله ولا ما له شيء يكرهه"، وقد قلتها اليوم، ثم قال: انهضوا بنا، فقام وقاموا معه، فانتهوا إلى داره وقد احترق ما حولها ولم يصبها شيء". باب يقال في صبيحة الجمعة اعلم أن كل ما يقال في غير يوم الجمعة يقال فيه، ويزداد استحباب كثرة الذكر فيه على غيره، ويزداد كثرة الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وروينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ قال صَبِيحَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

باب ما إذا طلعت الشمس

يَوْمِ الجُمُعَةِ قَبْلَ صَلاةِ الغَدَاةِ: أسْتَغْفِرُ الله الذي لا إلهَ إلَّا هُوَ الحَي القَيومُ وأتُوبُ إلَيهِ ثَلاثَ مَرَّات غَفَرَ الله ذنُوبَهُ وَلَوْ كانَتْ مِثْل زَبَدِ البَحْرِ". ويُستحب الإكثارِ من الدعاء في جميع يوم الجمعة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس رجاء مصادفة ساعة الإجابة، فقد اختلف فيها على أقوال كثيرة، فقيل: هي بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس، وقيل: بعد طلوع الشمس وقيل: بعد الزوال، وقيل: بعد العصر، وقيل غير ذلك. والصحيح بل الصواب الذي لا يجوز غيره: ما ثبت في "صحيح مسلم"، عن أبي موسى الأشعري، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنها ما بين جلوس الإمام على المنبر إلى أن يسلِّم من الصلاة. باب ما إذا طلعت الشمس روينا في كتاب ابن السني بإسناد ضعيف، عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا طلعت الشمس قال: "الحَمْدُ للهِ الذي جلَّلنَا اليَوْمَ عافِيَتَهُ، وجاءَ بالشَّمْس مِنْ مَطْلِعِها، اللهُم أصْبَحتُ أشْهَدُ لَكَ بمَا شَهِدتَ بِهِ لِنَفْسِكَ، وَشَهِدَتْ به مَلائِكَتُكَ وَحَمَلَةُ عَرْشِكَ وَجَمِيعُ خَلْقِكَ أنكَ أنْتَ اللهُ لا إلهَ إلَّا أنْتَ القَائِمُ بالْقِسْطِ، لا إلهَ إلا أنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ، اكْتُبْ شَهَادَتي بَعْدَ شَهَادَةِ مَلائِكَتِكَ وأولي العِلْم، اللهُم أنْتَ السلامُ ومِنْكَ السلامُ وإلَيكَ السلامُ، أسألُك يا ذَا الجَلالِ والإكرَامِ أن تَستَجيبَ لَنَا دَعْوَتَنا، وأنْ تُعْطِيَنا رغْبَتَنَا، وأنْ تُغْنِيَنَا عَمَّنْ أغْنَيتَهُ عَنَّا مِنْ خَلْقِكَ، اللهُم أصْلِحْ لي دَيني الذي هُوَ عِصْمَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

باب ما يقول إذا استقلت الشمس

أمْرِي، وأصْلِح لي دُنيَايَ التِي فِيها معِيشَتي، وأصْلِح لي آخِرَتي التي إلَيهَا مُنْقَلَبِي". وروينا فيه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه موقوفًا عليه أنه جعل من يرقب له طلوع الشمس، فلما أخبره بطلوعها قال: الحَمْدُ للهِ الذِي وَهَبَ لَنا هَذَا اليَوْمَ وأقالنا فِيهِ عَثَراتِنَا. باب ما يقول إذا استقلت الشمس روينا في كتاب ابن السني، عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما تَسْتَقِلُّ الشَّمْسُ فَيَبْقى شَيءٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ تَعَالى إلَّا سَبّحَ اللهَ عَز وَجَل وَحَمِدَهُ إلا ما كانَ مِنَ الشَّيْطَانِ وأعْتى بَني آدَمَ، فَسألتُ عَنْ أعْتَى بَني آدَمَ فقال: شِرارُ الخَلْقِ". باب ما يقول إذا استقلت الشمس إلى العصر قد تقدم ما يقوله إذا لبس ثوبه، وإذا خرج من بيته، وإذا دخل الخلاء، وإذا خرج منه، وإذا توضأ، إذا قصد المسجد، وإذا وصل بابه، وإذا صار فيه، وإذا سمع المؤذن والمقيم، وما بين الأذان والإقامة، وما يقوله إذا أراد القيام للصلاة، وما يقوله في الصلاة من أوَّلها إلى آخرها، وما يقوله بعدها، وهذا كلُّه يشترك فيه جميع الصلوات. ويستحب الإكثار من الأذكار وغيرها من العبادات عقب الزوال. لما رويناه في كتاب الترمذي عن عبد الله بن السائب رضي الله عنه، "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي أربعًا بعد أن تزول الشمس قبل الظهر، وقال: إنّها ساعة تُفْتَحُ فِيها أبْوابُ السماءِ فأُحِبُّ أنْ يَصْعَدَ لي فيها عَمَلٌ صَالِحٌ" قال الترمذي: حديث حسن. ويستحب كثرة الأذكار بعد ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

باب ما يقوله بعد العصر إلى غروب الشمس

وظيفة الظهر لعموم قول الله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55)} [غافر: 55] قال أهل اللغة: العشي من زوال الشمس إلى غروبها. قال الإمام أبو منصور الأزهري: العشي عند العرب: ما بين أن تزول الشمس إلى أن تغرب. باب ما يقوله بعد العصر إلى غروب الشمس قد تقدم ما يقوله بعد الظهر والعصر كذلك، ويستحبُّ الإكثار من الأذكار في العصر استحبابًا متأكدًا، فإنها الصلاة الوسطى على قول جماعات من السلف والخلف، وكذلك تستحبُّ زيادة الاعتناء بالأذكار في الصبح، فهاتان الصلاتان أصحّ ما قيل في الصلاة الوسطى، ويستحبُّ الإكثار من الأذكار بعد العصر، وآخر النهار أكثر، قال الله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: 130]، وقال تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55)} [غافر: 55]. وقال تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [الأعراف: 205] وقال تعالى: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 37]. وقد تقدم أن الآصال ما بين العصر والمغرب. وروينا في كتاب ابن السني بإسناد ضعيف عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لأنْ أجْلِسَ مع قَوْمٍ يذْكُرُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

باب ما يقوله إذا سمع أذان المغرب

مِنْ صَلاةِ العَصْرِ إلى أنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، أحبُّ إليّ مِنْ أنْ أعتِقَ ثمَانِيَةً مِنْ وَلَدِ إسمَاعِيلَ". باب ما يقوله إذا سمع أذان المغرب روينا في سنن أبي داود، والترمذي، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقول عند أذان المغرب: "اللهُم هذا إقبَالُ لَيلِكَ وَإدْبارُ نَهارِكَ وأصْوات دُعاتِك فاغفر لي". باب ما يقوله بعد صلاة المغرب قد تقدم قريبًا أنه يقول عقيب كل الصلوات الأذكارَ المتقدمة، ويستحب أن يزيد فيقول بعد أن يصلي سُنَّةَ المغرب. ما رويناه في كتاب ابن السني، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا انصرف من صلاة المغرب يدخل فيصلي ركعتين، ثم يقول فيما يدعو: "يا مُقَلِّب القلوب ثَبِّتْ قُلوبَنا على دِينِكَ". وروينا في كتاب الترمذي، عن عمارة بن شبيب، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قال: لا إلهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ له، لهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ يُحْيِي ويُمِيتُ وهوَ على كُل شيءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مَراتٍ على أثَرِ المَغْرِب، بعثَ اللهُ تعالى له مَسْلَحَةً يتكفَّلونَه من ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

باب ما يقرؤه في صلاة الوتر وما يقوله بعدها

الشَّيطَان حتَّى يُصْبِح، وكتَبَ الله له بها عَشْر حَسناتٍ موجِباتٍ، ومَحَا عنْه عَشْرَ سَيئَاتٍ مُوبِقاتٍ، وكانَتْ له بِعَدْلِ عَشْرِ رِقابٍ مُؤمِناتٍ". قال الترمذي: لا نعرف لعمارة بن شبيب سماعًا من النبي - صلى الله عليه وسلم -. قلت: وقد رواه النسائي في كتاب "عمل اليوم والليلة" من طريقين. أحدهما: هكذا، والثاني عن عمارة عن رجل من الأنصار. قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: هذا الثاني هو الصواب. قلت: قوله: "مسلحة" بفتح الميم وإسكان السين المهملة وفتح اللام وبالحاء المهملة: وهم الحرس. باب ما يقرؤه في صلاة الوتر وما يقوله بعدها السُّنَّة لمن أوتر بثلاث ركعات، أن يقرأ في الأولى بعد الفاتحة: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} [الأعلى: 1] وفي الثانية: ({قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} [الكافرون: 1]، وفي الثالثة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} والمُعَوِّذَتَيْنِ، فإن نسي (سَبِّحِ) في الأولى، أتى بها مع {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} في الثانية، وكذا إن نسي في الثانية {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} أتى في الثالثة مع (قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) والمعوذتين. وروينا في سنن أبي داود، والنسائي، وغيرهما بالإسناد الصحيح، عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سلم في الوتر قال: "سُبْحانَ الملِكِ القُدوسِ". وفي رواية النسائي وابن السني: "سُبْحَانَ المَلِكِ القُدوس" ثلاثَ مَراتٍ. وروينا في سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، عن علي رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في آخر وتره: "اللهُم إلْي أعُوذُ بِرِضَاكَ من سَخَطِكَ، وأعُوذُ بِمُعَافَاتِك من عُقوبِتِكَ، وأعُوذُ بكَ مِنْكَ، لا أُحْصِي ثناءً عَلَيْكَ أنتَ كما أثْنَيْتَ على نَفْسِكَ " قال الترمذي: حديث حسن. باب ما يقول إذا أراد النوم واضطجع على فراشه قال الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 190، 191]. وروينا في "صحيح البخاري" رحمه الله، من رواية حذيفة، وأبي ذر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوى إلى فراشه قال: "باسْمِكَ اللَّهُم أحْيا وأموتُ". ورويناه في "صحيح مسلم" من رواية البراء بن عازب رضي الله عنهما. وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن علي رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له ولفاطمة رضي الله عنهما: "إذا أوَيتُما إلى فِراشِكُما، أو إذا أخَذْتُما مَضاجِعَكُما، فَكَبِّرا ثلاثًا وثلاثينَ، وسَبِّحا ثلاثًا وثلاثينَ، واحْمدا ثلاثًا وثلاثِينَ". وفي رواية: "التَّسْبِيحُ أرْبَعًا وثلاثينَ". وفي رواية: "التَّكْبِيرُ أرْبَعًا وثلاثينَ" قال عليّ: فما تركتُه منذ سمعتُه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قيل له: ولا ليلةَ صفين؟ قال: ولا ليلة صفين. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أوى أحَدُكُمْ إلى فِرَاشِهِ، فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بدَاخِلَةِ إزارِهِ، فإنَّهُ لَا يَدْرِي ما خَلفَهُ عَلَيهِ، ثم يَقول: باسْمِكَ رَبي وَضَعْتُ جَنْبي وبِكَ أرْفَعُهُ، إن أمْسَكْتَ نَفْسي فارْحَمْهَا، وإنْ أرْسَلْتَها فاحْفَظْها بما تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ". وفي رواية: "يَنْفُضُهُ ثَلاثَ مَراتٍ". وروينا في "الصحيحين" عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كان إذا أخذ مضجعه نفث في يديه وقرأ بالمعوذات، ومسح بهما جسده. وفي الصحيحين عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كفيه ثم نفث فيهما وقرأ فيهما: ({قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1] {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)} [الفلق: 1] و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) [الناس: 1] ثم مسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأُ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا قائل به إذ لا فائدة فيه ولعله سهو من الكاتب الراوي لأن النفث ينبغي أن يكون بعد التلاوة لتوصل بركة القرآن واسم الله تعالى بشرة القارئ والمقروء له اهـ، ويؤيد ما ذكرته إنا لو فتحنا باب تجويز السهو ممن ذكر لم نثق بمروي قط فوجب تأويله بما قدمته إذ به يحصل المقصود المذكور ويبقى اللفظ على حاله ثم رأيت الشيخ أغلظ في الرد عليه وجعل نفث بمعنى أراد على حد فإذا قرأت القرآن فاستعذ، المعنى جمع كفيه ثم عزم على النفث فيهما ولعل السر في تقديم النفث على القراءة مخالفة السحرة البطلة على أن أسرار الكلام النبوي جلت عن أن يكون مشرع كل وارد وزعم أنه جاء في صحيح البخاري بالواو كذب وإنما الذي فيه الفاء اهـ، وكلام شرح المشكاة وفي الحرز مثل ما قال الشيخ ابن حجر الأظهر أن المعنى ثم شرع في النفث فقرأها حال النفث على أن الفاء لا تفيد الترتيب عند الفراء اهـ. وفي القاموس أن الفاء تأتي بمعنى الواو. قوله: {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَد} [الإخلاص: 1] الخ) أي هذه السور الثلاث ويقال لها المعوذات بكسر الواو وتفتح تغليبًا قال الترمذي النفث يتفاوت أهله على قدر نور قلوبهم وعلمهم بهذه الكلمات فإذا فعل ذلك بجسده عند إيوائه إلى فراشه كان كمن اغتسل بأطهر ماء وأطيبه فما ظنك بما يغتسل بأنوار كلمات الله فكان كثوب نفض من غباره اهـ. قوله: (ثمَّ مَسحَ بهما الخ) أي ما استطاع مسحه فالعائد محذوف والمراد ما يصل إليه من بدنه وظاهر أن المسح فوق الثياب وقضية الحديث أنه جمع كفيه ونفث وقرأ ثم مسح ثم قرأ ثم مسح لقوله فيه يفعل ذلك ثلاث مرات رواه الترمذي وفي الشمائل وظاهرها أن السنة لا تحصل إلَّا بالثلاث وحملت على كمال السنة أما أصلها فيحصل بمرة والجسد كالجسم لكنه أخص منه إذ لا يقال إلا للحيوان الناطق العاقل وهو الإنسان والملائكة والجن كما في البارع وغيره. قوله: (يبدأُ بِهمَا الخ) هذا بيان للأفضل من المسح المستطاع فيبدأ بأعالي بدنه فيمسح بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده أي ثم ينتهي إلى ما أدبر من جسده قال في الحرز فهو كهيئة الغسل المسنون على الوجه الأصح اهـ. أي بالنسبة

يفعل ذلك ثلاث مرات" قال أهل اللغة: النفث: نفخ لطيف بلا ريق. وروينا في "الصحيحين" عن أبي مسعود الأنصاري البدري عقبة بن عمرو رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى تقديم المقبل من البدن على المدبر منه وإلّا فالجانب اليمين والشمال يمسح عليهما معًا بخلافه في الغسل فيقدم اليمين والمراد غسل الميت أما غسل الحي فيغسل الجانب الأيمن المقبل والمدبر معًا ثم الأيسر كذلك والله أعلم. قوله: (يَفَعَلُ ذَلِكَ) أي ما ذكر من الجمع والنفث والقراءة والمسح وفي هذا الحديث رد على من زعم أنه لا يجوز استعمال الرقي والعوذ إلّا عند حلول المرض ونزول ما يتعوذ منه ألا ترى أنه - صلى الله عليه وسلم - فعل ما ذكر واستعاذ من شر ما يحدث في ليلته مما يتوقعه وهذا من أكبر الرقى اهـ. قوله: (قَال أهْلُ اللغةِ النّفثُ الخ) قال أبو عبيد النفث بالفم شبيه بالنفخ وأما التفل فلا يكون إلّا ومعه شيء من الريق وكذا قال الجوهري قال وهو أقل من التفل وقال ابن الجزري في مفتاح الحصين التفل شبيه بالبزاق وهو أقل منه أوله البزاق ثم التفل ثم النفث ثم النفخ وفي شرح المصابيح له النفث النفخ اللطيف وفي السلاح قال الصغاني النفث أقل من التفل وقد نفث الراقي ينفث يعني بكسر الفاء وضمها وسيأتي في باب ما يقال عند الرؤيا ما له تعلق تام بهذا المقام ثم ما نقله المصنف عن أهل اللغة قال المناوي في شرح الشمائل لعله أراد بعضهم وإلّا فالخلاف محقق كما يشير إليه قول القاموس وغيره النفث الرقي والنفخ وصرح بذلك غيره ففي الأساس نفثه من فيه رقى به ونفث ريقه وفي المصباح نفثه من فيه نفثًا رقي به ونفث إذا بزق ومنهم من يقول إذا بزق ولا ريق معه نعم الذي يلوح من ظواهر الأحاديث أن المراد هنا النفخ العري عن الريق اهـ. قوله: (وَرَوَينا في الصَّحيحَيْنِ الخ) قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الدارمي وغيره أخرجه البخاري ومسلم وأصحاب السنن الأربعة وأبو عوانة في صحيحه وفي الجامع الصغير بعد إيراده كذلك لكن بإسقاط الباء من قوله قرأ بهما رواه أحمد وابن ماجة وفي السلاح رواه الجماعة يعني الستة. قوله: (عنْ أَبِي مسْعُودٍ الأَنْصارِي البدرِي عُقبَةَ بْنِ عَمْرو) وعمرو وهو ابن ثعلبة وهو الأنصاري الخزرجي البدري نسبة إليها لأنه سكنها ولم يشهدها وقيل شهدها ومشى عليه البخاري وذكره في البدريين

"الآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ، مَنْ قَرَأ بِهِما في لَيلَةٍ كَفَتَاهُ". اختلف العلماء في معنى كفتاه فقيل: من الآفات في ليلته: وقيل: كفتاه من قيام ليلته. قلت: ويجوز أن يراد الأمران. ـــــــــــــــــــــــــــــ والصحيح الأول شهد أحدًا وما بعدها من المشاهد وقال ابن إسحاق كان أبو مسعود أحدث من شهد العقبة سنًّا وسكن الكوفة وكان من أصحاب علي واستخلفه على الكوفة لما سار إلى صفين روي له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما قيل مائة حديث وحديثان اتفقا منها على أحد عشر حديثًا وانفرد البخاري بحديث واحد ومسلم بسبعة أحاديث ومات سنة إحدى أو اثنتين وأربعين وقيل سنة إحدى وثلاثين وقيل سنة أربعين وقيل بعد الستين وقيل في خلافة معاوية رضي الله عنه. قوله: (الآيتَانِ منْ آخر سُورَةِ البقَرةِ) أي الكائنتان من آخرها وهما من آمن الرسول إلى آخرها وقد ورد الننصيص على هذا الابتداء من وجه آخر عن أبي مسعود أخرجه العسكري في كتاب ثواب القراءة عن أبي عبيد ومن وجه آخر عن جبير بن نفير نحوه مرسلًا وزاد في آخره وصلاة ودعاء ذكره الحافظ. قوله: (منْ قَرأَ بِهمَا) الباء زائدة للتأكيد أو الاستعانة وتجويز كونها للآلة بعيد إذ قراءة الحرف التلفظ به. قوله: (فقِيلَ كفتاه من الآفاتِ الخ) في شرح المشكاة وقيل يدفع عنه الإنس والجن ويشهد له حديث الحاكم أن الله كتب كتابًا قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام وأنزل منه آيتين ختم بهما سورة ولا يقرءان في دار فيقربها شيطان ثلاث ليالٍ. قوله: (وقِيلَ كفتَاهُ منْ قيَام لَيلَتهِ) أي حتى لا يبول الشيطان في أذنه ولا يعقد على ناصيته كما علم من الأحاديث الواردة في فضل قيام الليل وأنه متكفل بمنع هذين فكذا هاتان الآيتان متكفلتان بذلك على هذا الاحتمال الذي قد يخدش فيه إذ مثل هذا بخصوصه لا يثبت بالاحتمال. قوله: (ويَجُوزُ الأَمرَانِ) أي لأن اللفظ صالح بذلك وكذا يجوز أن يعم ما قيل أن المراد به حسبه بهما فضلًا وأجرًا وفي شرح مسلم ويجوز أن تغنياه عن قيام الليل وحزب التهجد إذا قرأهما في الصلاة اهـ، وقيل معناه اجزأتاه عن فوائد قراءة سورة الكهف المشتملة على الآيات العشر آخرها التي من قرأها أمن من الدجال وعن قراءة آية الكرسي المتضمنة لقارئها عند النوم الأمن على داره قال ابن حجر في شرح المشكاة ويحتمل

وروينا في "الصحيحين"، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضأ وُضُوءَك للصلاةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو الظاهر المناسب لنظمهما أنهما كفتاه عن تجديد الإيمان لأن من تأمل أولهما أدنى تأمل حصل له من الرسوخ في الإيمان والإتقان مقام خطير وحظ كبير وعن غاية التفويض والتسليم لأقضية الله تعالى وأوامره ونواهيه لأن من تأمل قول أولئك الكمل سمعنا وأطعنا حمله ذلك على التأسي بهم في هذا المقام العلي وعن غاية التواضع وهضم النفس باعتقاد أنها ليست على شيء لأن من تأمل قول أولئك الكمل غفرانك حمله ذلك على التأسي بهم فيه أيضًا وعن غاية ذكر الموت واستحضار البعث الحامل أولهما على تكثير العمل وتقليل الأمل وثانيها على التبري من سائر حقوق الخلق لأن من تأمل رجوعه إلى الله تعالى للحساب سارع فيما يبرئه ويخلصه من ورطة المناقشة في الحساب وعما ورد من الأدعية الكثيرة لأن الدعاء بما فيهما متكفل بخير الدارين اهـ. قوله: (وَرَوَينَا في الصَّحِيحَيْنِ) ورواه أصحاب السنن الأربعة كما في السلاح زاد الحافظ ورواه أحمد وأبو عوانة في صحيحه. قوله: (قَال لي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -) أفاد صاحب السلاح أن قوله بي إنما هو عند أبي داود ولفظه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتيت مضجعك الخ، رواه الجماعة وفي رواية أبي داود قال قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أويت إلى فراشك وأنت طاهر فتوسد يمينك ثم ذكر نحوه اهـ، وكذا ذكره بحذف الظرف، قال: وفي رواية (قَال) يعني البراء "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجل يا فلان إذا أويت إلى فراشك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل الخ" متفق عليه قال الطيبي وتابعه ابن حجر والقاري الرجل المبهم هو أسيد بن حضير ثم راجعت صحيح البخاري نسخة صحيحة مقابلة على نسخة الحافظ ابن حجر فوجدت فيها ذلك في بعض طرقه فثبت ما ذكره المصنف نفع الله به من ذلك في الصحيحين أي في جملتهما كما بين ذلك بقوله آخرًا هذا لفظ إحدى روايات البخاري الخ، ومنها يعلم أن تصيير ذلك الرجل المبهم في بعض الطرق أسيد بن حضير يحتاج إلى توقيف وإلّا فيحتمل أن يكون هو البراء بنفسه لما تقدم في حديث رفاعة بن رافع ابن عفراء في دعاء الاعتدال أن الراوي قد يبهم نفسه إما لإخفاء عمله أو لنحو ذلك من الأغراض. قوله: (فَتوَضَّأْ) هو أمر استحباب. قوله: (وُضُوءَكَ لِلصلاةِ) أي وضوءًا

ثم اضْطَجِعْ على شِقكَ الأيمَنِ وَقُل: اللَّهُمَّ أسْلَمْتُ نَفْسِي إلَيكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ شرعيًّا لا لغويًّا أي مطلق النظافة لأن القصد أن يكون عند النوم على أكمل الأحوال وهو الطهارة الشرعية ليكون ذكره على أكمل الأحوال وكذا نومه وإذا كان النوم كذلك حفظ فيه الإنسان من الشيطان والثقل والكسل الموجبة لقوة استيلائه عليه ودوامه معه المقتضية لتفويت مهمات أوقاته وأفاضل أعماله فيرجع الآخرة بخفي حنين ولا يظفر من الأعمال بأثر ولا عين. قوله: (ثم اضْطجِع عَلَى شِقكَ الأَيمَنِ) قال القاضي عياض. فائدة الاضطجاع على الشق الأيمن لئلا يستغرق في النوم لتعلق القلب الذي هو في جهة اليسار حينئذٍ إلى جهة اليمين وقلق النفس من ذلك بخلاف قراره في النوم على اليسار ودعة النفس إلى ذلك اهـ. أي فإنه يثقل النوم حينئذٍ ويطول زمنه والنوم على اليسار وإن أهني لكنه مضر بالقلب بسبب ميل الأعضاء إليه فتنصب المواد فيه هذا بالنسبة إليه فلا فرق في حقه بين الأيمن والأيسر لأن قلبه الشريف لا ينام إنما كان يؤثر الأيمن لأنه كان حما التيمن في شأنه وليعلم أمته قال المحقق أبو زرعة اعتدت النوم على الأيمن فصرت إذا فعلت ذلك كنت في دعة وراحة واستغرقت وإذا نمت على الشق الأيسر حصل عندي قلق وعدم استغراق في النوم فالأولى تعليل النوم على الأيمن بتشريفه وتكريمه وإيثاره على الأيسر اهـ، وحكى المناوي شارح الشمائل عن نفسه مثل ذلك والله أعلم، وأردأ النوم على الظهر بخلاف مجرد الاستلقاء عليه من غير نوم وأردأ منه النوم مبطحًا على الوجه روى ابن ماجة أنه - صلى الله عليه وسلم - لما مر بمن هو كذلك في المسجد ضربه برجله وقال قم واقعد فإنها نومة جهنمية. قوله: (أَسملتُ نَفسِي) أي ذاتي (إِليكَ) أي رضيت بأن تكون تحت مشيئتك تتصرف فيها بما شئت من إمساكها أو إرسالها وهذا أنسب من قول الطيبي هذا إشارة إلى أن جوارحه منقادة لله تعالى في أوامره ونواهيه اهـ. أي لأن المقام مقام للمنام وهو لا نكليف فيه حتى يذكر الأمر والنهي المحضين بمقامه ووجه. في المرقاة كلام الطيبي بأن التكاليف عند إرادة النوم أو بعد الاستيقاظ أن لا يتوهم أنه حال النوم وعلى الأول ففيه إشارة لطيفة إلى أنه ينبغي للإنسان أن يتوب إلى الله تعالى وقت النوم لينام مطيعًا قال في المرقاة ويؤيده أن الطيبي قال في قوله وفوضت أمري إليك فيه إشارة إلى أن الأمور الخارجة

وَفوَّضْتُ أمْرِي إلَيكَ، وألجَأتُ ظَهْري إلَيكَ، رَغبَةً وَرَهْبَةً إلَيْكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والداخلة مفوضة إليه لا مدبر لها سواه اهـ، وفي رواية أسلمت وجهي إليك والمراد بالوجه فيها الذات ومنه قوله تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} [البقرة: 112]. قوله: (وفَوضْتُ أَمْرِي) أي شأني كله (إِليكَ) أي توكلت في جميع شأني عليك. قوله: (وأَلجَأتُ ظَهرِي إِليكَ) أي أسندته إلى حفظك لما علمت أنه لا مسند يتقوى به سواك ولا ينفع أحد إلَّا حماك قال الطيبي فيه إشارة إلى أنه بعد تفويض أموره التي هو مفتقر إليه وبها معاشه وعليها مدار أمره ملتجئ إليه مما يضره ويؤذيه من الأسباب الداخلة والخارجة يقال ألجأته إلى الشيء اضطررته إليه وقد يستعمل بمعنى الإسناد وهو المراد وفيه تنبيه على أنه كالمضطر في ذلك حيث لم يعلم له سند يتقوى به غير الله ولا ظهر يشد به أزره سواه وخص الظهر بالذكر لكون الاعتماد في الاستناد عليه أكثر من غيره. قوله: (رغْبةً ورهْبةً) قيل كل منهما مفعول له لألجأت وقال الطيبي منصوبان على العلة بطريق اللف والنشر أي فوضت أمري طمعًا في ثوابك وألجأت ظهري من المكاره إليك مخافة من عذابك اهـ، وتعقبه ابن حجر في شرح المشكاة بأن الأوجه في الرغبة بفوضت دون ما قبله والرهبة بالجأت فقط كالتحكم والوجه بل الصواب ما ذكرته من أن كل ما ذكر معلل بالرغبة والرهبة وفي المرقاة وما قاله الطيبي معنى صحيح بل صنعه بديع وقيل أنهما منصوبان على الحال أي راغبًا وراهبًا أو على الظرفية أي في حال الطمع والخوف واستظهرهما في المرقاة وقوله (إلَيْكَ) قال الكرماني يتعلق برغبة كقوله علفتها تبنًا وماءً باردًا اهـ، ومتعلق الرغبة محذوف أي منك وتبعه عليه ابن الجزري وفي الحرز الأظهر أن يكونا متنازعين أي رغبة إليك وهو ظاهر ورهبة إليك يعني إني حالة الخوف لا أرجع إلَّا إليك كالتعليل له بطريق الاستئناف البياني. فائدة الخوف والوجل والرهبة ألفاظ متقاربة فالأول توقع العقوبة على مجاري الأنفاس واضطراب القلب من ذكر المخوف والخشية أخص منه إذ هي خوف مقرون بمعرفة ومن ثم قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] وقيل الخوف حركة والخشية سكون ألا نرى أن من يرى عدوًا له جاءه تحرك للهرب منه وهي الخوف وحالة استقراره في محل لا يصل إليه يسكن وهي الخشية وقال ابن ملك في شرح المشارق قيل الخشية تألم القلب بسبب توقع مكروه في المستقبل يكون تارة

لا مَلْجَأ ولا مَنْجَى مِنْك إلا إلَيكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الذِي أنْزَلْتَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بكثرة الجناية من العبد وتارة بمعرفة جلال الله تعالى وخشية الأنبياء من هذا القبيل والهيبة خوف مقرون بالحب قال الشاعر: أهابك إجلالا وما بك قدرة ... على ولكن ملء عين حبيبها والخوف للعامة والخشية للعلماء العارفين والهيبة للمحبين والإجلال للمقربين وعلى قدر العلم والمعرفة تكون الهيبة والخشية ومن ثم قال - صلى الله عليه وسلم - أنا أتقاكم لله وأشدكم له خشية. قوله: (لَا ملْجأَ وَلَا منْجى مِنْكَ إلا إِليكَ) قال العسقلاني ملجأ مهموز ومنجى مقصور وقد يهمز منجا للازدواج وقد يعكس أيضًا لذلك ويجوز التنوين مع القصر اهـ، والمعنى لا مهرب ولا ملاذ ولا مخلص من عقوبتك إلَّا برحمتك وهذا معنى ما ورد أعوذ بك منك أي أعوذ بمظاهر صفات جمالك ومعالي إكرامك من غاية صفات جلالك ومهاوي انتقامك بأن يكون تفضلك عليّ بالأولين مانعًا لي مما يصدر عن الآخرين وفي الحرز الملجأ بمعني المخلص والمفر ففيه إيماء إلى قوله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى الله} [الذاريات: 50] وإلى قوله: {كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12)} [القيامة: 11] وقال الكرماني لا ملجا مقصور وإعرابه كإعراب عصى. فإن قلت فهل يقرأ بالتنوين أو بغيره. قلت في هذا التركيب خمسة أوجه لأنه مثل لا حول ولا قوة إلَّا بالله والفرق بين نصبه وفتحه بالتنوين وعدمه وعند التنوين يسقط الألف قال ولا ملجأ ولا منجى أن كانا مصدرين فيتنازعان في منك وإن كانا مكانين فلا إذ اسم المكان لا يعمل وتقدير لا ملجا منك إلى أحد إلّا إليك ولا منجى إلَّا إليك. قوله: (آمَنْتُ بكتَابكَ) أي صدقت بكتابك. قوله: (الذِي أَنْزلْتَ) علي وهو القرآن الكريم الحاث على التخلق بهذه الأَخلاق البهية وسائر المقامات العلية والحالات السنية ولذا قال الطييي آمنت بكتابك تخصيص بعد تعميم وبما ذكر يندفع اعتراض ابن حجر عليه بقوله لا تعميم فيما ذكره لأن الفعل في حين الإتيان لا تعميم فيه كالنكرة التي هي كذلك. فإن قلت المفرد المضاف يفيد العموم فلم خصصه بالقرآن. قلت بقرينة المقام مع أن عمومه يختلف فيه ثم الإيمان بالقرآن مستلزم للايمان بجميع الكتب المنزلة فلو حملناه على العموم لجاز أيضًا. وهنا فائدة وهي أن المعرف بالإضافة كالمعرف بأل يحتمل الجنس والاستغراق والعهد فلفظ

وَنَبِيكَ الذِي أرسلتَ. فإنْمِتَّ مِتَّ على الفِطْرَةِ، واجْعَلْهُنَّ آخِرَ ما تقولُ"، هذا لفظ إحدى روايات البخاري، وباقي رواياته وروايات مسلم مقاربة لها ـــــــــــــــــــــــــــــ كتابك محتمل لجميع الكتب ولجنسها ولبعضها كالقرآن بل جميع المعارف كذلك كما يعلم من الكشاف في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا} [طه: 56] وفي قوله تعالى: {إن الذين كفروا} [البقرة: 6] في أول البقرة. قوله: (ونَبيكَ) بحذف الباء الجارة وفي نسخة بإثباتها. قوله: (الَّذِي أَرْسَلتَ) إلى كافة الخلق بشيرًا ونذيرًا وسراجا منيرًا. قوله: (عَلَى الْفطرةِ) أي الإسلام كما قال في الحديث الآخر من كان آخر كلامه لا إله إلَّا الله دخل الجنة قال القرطبي كذا في المنسوخ في هذا الحديث وفيه نظر لأنه إذا كان قائل هذه الكلمات المتضمنة للمعاني التي ذكرناها من التوحيد والتسليم والرضا إلى أن يموت على الفطرة كما يموت من قال لا إله إلّا الله وإن لم يخطر له شيء من تلك بعد فأين تلك الكلمات العظيمة والمقامات الشريفة فالجواب أن كلا منهما وإن مات على فطرة الإسلام فبين الفطرتين ما بين الحالتين ففطرة الطائفة الأولى فطرة المقربين والصديقين وفطرة الثانية فطرة أصحاب اليمين اهـ. قال في السلاح وفي رواية للبخاري فانك إن من من ليلتك من على الفطرة وإن أصبحت أصبت خيرًا. قوله: (واجْعلْهُن آخر مَا تَقُولُ) أي من الدعوات وفي آخر الحديث كما في السلاح قال فرددتها على النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما بلغت اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت قلت ورسولك قال لا ونبيك الذي أرسلت قال المصنف في شرح مسلم اختلف العلماء في سبب إنكاره عليه ورده اللفظ فقيل إنما رده لأن قوله آمنت برسولك يحتمل غير النبي - صلى الله عليه وسلم - من حيث اللفظ واختار المازري وغيره أن سبب هذا الإنكار أن هذا ذكر ودعاء فينبغي فيه الاقتصار على اللفظ الوارد بحروفه وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف ولعله أوحى إليه بهذه الكلمات فتعين أداؤها بحروفها وهذا القول حسن ولأن قوله ونبيك الذي أرسلت من جهة صيغة الكلام وفيه جمع النبوة والرسالة فإذا قال ورسولك الذي أرسلت فات هذان الأمران مع ما فيه من تكرير لفظ رسول وأرسلت وأهل البلاغة يعيبونه وقد

وروينا في "صحيح البخاري" عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: "وكَّلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت، فجعل يحثو من الطعام ... "، وذكر الحديث، وقال في آخره: ـــــــــــــــــــــــــــــ قدمنا أنه لا يلزم من الرسالة النبوة ولا عكسه واحتج بعض بهذا الحديث لمنع الرواية بالمعنى والجمهور على جوازها من العارفين ويجيبون عن هذا الحديث بأن المعنى هنا مختلف ولا خلاف في المنع إذا اختلف المعنى اهـ، وعلل أيضًا بأنه كان نبيًّا قبل أن كان رسولًا وقال الطييي النبي فعيل مبني للمبالغة من النبأ بمعنى الخبر لأنه أنبأ عن الله ويجوز فيه تحقيق الهمز وتخفيفه وقيل مشتق من النبوة وهي الرفعة ورد النبي - صلى الله عليه وسلم - على البراء حين قال ورسولك الذي أرسلت بما رد عليه ليختلف اللفظان ويجتمع الثناء بين معنى الارتفاع والإرسال ويكون تعديدًا للنعمة في الحالين وتعظيمًا للمنة على الوجهين اهـ. قوله: (وَرَوَينَا في صَحيحِ البُخَارِي) ورواه النسائي ورواه الترمذي من حديث أبي أيوب الأنصاري أنه كان له طعام في سهوة له فكانت الغول تجيء فتأخذه فشكاها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر الحديث وقال حسن غريب وفي بعض طرق حديث أبي أيوب قالت أرسلني وأعلمك آية من كتاب الله لا تضعها على مال أو ولد فيقربك شيطان أبدًا قلت وما هي قال لا أستطيع أن أتكلم بها آية الكرسي كذا في السلاح. قوله: (وكَّلني رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِحِفْظِ) أي فوض إلي الأمر في حفظ ذلك فالوكالة هنا بالمعنى اللغوي وهو مطلق تفويض أمر للغير وزكاة رمضان زكاة الفطر كانوا يجبونها ثم تفرق على مستحقيها وأضيفت إليه لأن إدراك جزء من آخره شرط في إيجابها ولأنها تجبر خلل الصوم وما تمنع كماله فهي بمعنى اللام وتجويز كونها بمعنى من مردود بأن شرطها كون المضاف نوعًا من المضاف إليه والزكاة مع رمضان ليست كذلك وفي الحديث أن على الإمام جمع الزكوات وإقامة من يحفظها إلى أن تصل لمستحقها. قوله: (فَجَعَلَ) أي شرع. قوله: (وفي آخرِه) أي آخر الحديث قال دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها إذا أويت الخ، وكان ينبغي للمصنف ذكر هذه الجملة لما فيها من الحث على قراءتها قال ابن حجر في شرح المشكاة ومن ذلك النفع ما في حديث البيهقي يعني آية الكرسي حين يأخذ مضجعه آمنه الله على داره ودار جاره وأهل دويرات حوله وقولي إن هذا من جملة نفعها أولى من قول الشارح

"إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، فإنه لن يزال معك من الله تعالى حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: صَدَقَكَ وهُوَ كَذوب، ذَاك شَيطان"، أخرجه البخاري في "صحيحه" فقال: وقال عثمان بن الهيثم: حدثنا عوف بن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، وهذا متصل، فإني عثمان بن الهيثم أحد شيوخ البخاري الذين روى عنهم في "صحيحه"، وأما قول أبي عبد الله الحميدي في "الجمع بين الصحيحين". إن البخاري أخرجه تعليقًا، فغير مقبول؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ إن ذلك النفع المطلق مقيد بهذا لأن تقيد المطلق إنما يصار إليه في الأحكام ونحوها أما باب الثواب فلا مساغ لذلك الحمل فيه بل النفع محتمل هذا وأكثر منه فذكر هذا لا ينفي غيره اهـ. قوله: (إِذَا أَوَيتَ لِفِرَاشِكَ) أي لأجل النوم. قوله: (فإِنَّكَ لَنْ يَزال الخ) تعليل للأمر بقراءتها وفي نسخة حذف فإنك وحينئذٍ فتكون الجملة استئنافًا بيانيًّا كالتعليل لما ذكر و (حَافِظ) ملك واحد فأكثر إذ هو للجنس يحفظك في بدنك ومالك ودينك وسائر ما يتعلق بك والظاهر أن مدخوله محذوف أي من أمر الله أي بأمره لدلالة المقام عليه كما في قوله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11] أي بسبب أمره تعالى لهم بحفظه وتقدير الكلام لن يزال عليك بعد قراءتها ملك أو أكثر حافظًا لك بأمر الله تعالى له بذلك. قوله: (وَلَا يَقرَبِكَ شيطَان) هو تأكيد لما قبله فإن الملك حافظه فلا يقربه الشيطان ولا يؤذيه في دينه ولا دنياه. قوله: (صَدَقكَ) أي فيما قاله في أمر تلك الكلمات لأنه إما إبليس أو من جنده وإبليس له إحاطة بالقرآن ومنافعه وفضائله بسماعه لها من جبريل أو النبي - صلى الله عليه وسلم -. قوله: (وهُو كَذُوب) أي في أغلب أحواله أو بالنسبة لما طبع عليه من الشر الذي لا غاية له كترئية الحق باطلًا وعكسه وهذا على حد قد يصدق الكذوب فهو تتميم واستدراك لما أوهمه "صدقك" أنه مدح له برفعه بصيغة المبالغة المبينة لغاية ذمه وقبحه. قوله: (ذَلِكَ شَيْطَان) أي الذي يخاطبه في الليالي الثلاث شيطان وذكر في الموضعين إيذانا بتغايرهما بناء على المشهور أن النكرة إذا أعيدت بلفظها كانت

فإن المذهب الصحيح المختار عند العلماء، والذي عليه المحققون أن قول البخاري وغيره: "وقال فلان"، محمول على سماعه منه واتصاله إذا لم يكن مدلسًا وكان قد لقيه، وهذا من ذلك. ـــــــــــــــــــــــــــــ غير الأولى ووجه تغايرهما أن الأول للجنس لأن القصد منه نفي قربان تلك الماهية له والثاني لفرد مبهم من أفراد ذلك الجنس لأنه في مخاطب معين ثم هو يحتمل إنه إبليس لأنه كان مع الملائكة الأولين الكثير من السنين فله خبرة بالوحي وهذا هو الظاهر ولم يعرفه إعلامًا به لئلا يوهم أنه هو الأول لما هو المشهور أيضًا أن النكرة إذا أعيدت معرفة كانت عين الأولى أو أنه غيره وعلم بذلك منه أو سماعه له من النبي - صلى الله عليه وسلم - أخرجه البخاري في صحيحه وأخرجه تامًّا في كتاب الوكالة ومختصرًا في كتاب فضائل القرآن وفي كتاب الصيام وقال في المواضع الثلاثة وقال عثمان بن الهيثم وأخرجه النسائي والإسماعيلي من طرق عن عثمان وأخرجه النسائي من وجه آخر عن عثمان وسنده قوي قال الحافظ الذي ذكره الشيخ عن الحميدي ونازعه فيه لم ينفرد به الحميدي بل تبع فيه الإسماعيلي والدارقطني والحاكم وأبا نعيم وغيرهم وهو الذي عليه عمل المتأخرين والحافظ كالضياء المقدسي وابن القطان وابن دقيق العيد والمزني وقد قال الخطيب في الكفاية لفظ قال لا يحمل على السماع إلَّا ممن عرف من عادته أنه لا يقولها إلّا في موضع السماع اهـ. قوله: (فإن المذهب الصحيح المختارَ عند العلماءِ الخ) هذا ما جزم به ابن عبد السلام قال ابن عبد البر لا اعتبار بالحروف والألفاظ وإنما هو باللقاء والمجالسة والسماع والمشاهدة يعني مع السلامة من التدليس فإذا كان سماع بعضهم من بعض صحيحًا كان حديث بعفهم عن بعض بأي لفظًا ورد محمولًا على الاتصال حتى يتبين الانقطاع ولهذا أطلق أبو بكر الصيرفي الشافعي اهـ. نعم قال السخاوي يستثنى من كلام المصنف ومن ذكر من علم من عادته أنه لا يأتي يقال إلَّا فيما لم يسمعه أو ليس له عمل مطرد عنه وفي استثناء الثانية نظر قال السخاوي وبالجملة فالمختار الذي لا محيد عنه أن حكم ما يورده البخاري عن شيخه كذلك أي معلقًا مثل غيره من التعاليق فإنه وإن قلنا أنه يفيد الصحة لجزمه به فقد يحتمل أنه لم يسمعه

وإنما المعلق ما أسقط البخاري منه شيخه أو أكثر، بأن يقول في مثل هذا الحديث: وقال عوف، أو قال محمد بن سيرين، وأبو هريرة، والله أعلم. وروينا في "سنن أبي داود" عن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يرقد وضع يده اليمنى تحت خذه ثم يقول: "اللهُم ـــــــــــــــــــــــــــــ من شيخه الذي علق عنه بدليل أنه علق عدة أحاديث عن شيوخه الذين لم يسمع منهم ثم أسندها في موضع آخر من كتابه بواسطة بينه وبينهم بل ربما صرح بأنه لم يسمعه من ذلك الشيخ أما قال لي ونحوها فقد وجد عنه في كثير مما يورده كذلك إيراده في مكان آخر بصيغة التحديث من ذلك الشيخ حقق ذلك شيخنا باستقرائه لها أنه إنما يأتي بهذه الصيغة يعني بانفرادها إذا كان المتن ليس على شرطه في أصل موضوع كتابه كأن يكون ظاهره الوقف أو في السند من ليس على شرطه في الاحتجاج وليس في المتابعات والشواهد اهـ. لكن في الإرشاد للمصنف بعد نقل كلام ابن عبد البر والصيرفي السابق ومن أمثلة غيره عن وإن من الحروف قال لمالك عن نافع قال ابن عمر وكذا ذكر أو فعل أو حدث أو كان يقول أو جالس ذلك فكله محمول على الاتصال وأنه تلقاه منه بلا واسطة بينهما إذا ثبت اللقاء وانتفى التدليس وهو يقتضي أن جميع ما نقله الراوي عن شيخه بأي صيغة كانت محمول على الاتصال بشرطه المذكور فينبغي أن يقيد بكلام الحافظ المذكور وتلميذه السخاوي العلم المشهور. قوله: (وإِنما المعلقُ) أي الذي في البخاري بدليل قوله ما أسقط البخاري شيخه الخ، وحكم تعاليق البخاري أن ما أورده منها بصيغة الجزم فمن الصحيح أو بصيغة التمريض فلا لكنه ليس بواهٍ لإدخاله في الكتاب الموسوم بالصحيح والتعليق حذف أول السند سواء كان واحدًا أو أكثر على التوالي قيل كأنه مأخوذ من تعليق الجدار لقطع الاتصال واستعمله بعضهم في حذف السند كله ومنه قول المصنف هنا أو أبو هريرة. قوله: (وَرَوَينَا في سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) وكذا رواه النسائي كذا في السلاح وابن أبي شيبة والبزار كما في الحصين قال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن أخرجه أحمد وأشار الحافظ إلى

قِني عَدابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ". ورواه الترمذي من رواية حذيفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: حديث حسن صحيح، ورواه أيضًا من رواية البراء بن عازب ولم يذكر فيها: ثلاث مرات. وروينا في "صحيح مسلم"، وسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول إذا أوى إلى فراشه: "اللهُم ربَّ السموَاتِ وَرَب ـــــــــــــــــــــــــــــ اختلاف في سنده بين رواته. قوله: (قِني عَذَابكَ) ذكر ذلك مع عصمته تواضعًا لله وإجلالًا له وإعلامًا لأمته إذ يندب لهم التأسي بذلك عند النوم لاحتمال أن هذا آخر أعمارهم ليكون آخر أعمالهم ذكر الله مع الاعتراف بالتقصير. قوله: (تبعَثُ عِبَادكَ) وفي رواية تجمع عبادك والمراد بهما واحد مآلًا ولا بد من تحقيقها أي تحققهم بعد إماتتهم وتجمعهم للحساب وهو يوم القيامة. قوله: (وَرَوَاهُ أَيْضًا منْ روايَةِ البَرَاءِ) قال في السلاح ورواه الترمذي بمعناه من حديث البراء بن عازب وقال حديث حسن من هذا الوجه اهـ. قال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن أخرجه النسائي في الكبرى وابن حبان في صحيحه وأبو يعلى والطبراني في كتاب الدعاء واختلف على أبي إسحاق السبيعي رواه عن البراء فأخرجه النسائي في الكبرى والطبراني هكذا عنه عن البراء وخالفهم غيرهم فادخلوا بينه وبين البراء واسطة ثم اختلفوا فأخرجه الترمذي والنسائي من رواية أخرى عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن البراء ورواه آخرون عن أبي إسحاق عن رجل عن البراء وآخرون عن أبي إسحاق عن عبد الله بن يزيد عن البراء. قوله: (ولمْ يذْكر ثلاثَ) لكن في الحصين ذكر فيمن رواه ثلاث مرات الترمذي من حديث البراء ولعله من تحريف أو موجود في بعض نسخ الترمذي. قوله: (وَرَوَينَا في صَحيح مُسلم) رواه في الحصين ورواه ابن أبي شيبة وأبو يعلى عن عائشة وفي ذخائر العقبى عن أبي هريرة جاءت فاطمة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تسأله خادمًا فقال لها قولي اللهم رب السموات، الحديث كما في الحرز. قوله: (اللهم رب السمواتِ) وفي بعض روايات

الأرْض وَرَب العَرْشِ العَظِيم، رَبَّنا وربَّ كل شَيءٍ، فالِقَ الحَب والنوى، مُنْزِلَ التَّورَاةِ والإنجيلِ والقُرآنِ، أعُوذُ بكَ مِنْ شَر كُل ذِي شَرٍّ أنْت آخِذَ بناصِيَتِهِ؛ أنْتَ الأوَّل فَلَيسَ قَبْلكَ شَيء، وأنْت الآخِرُ فليسَ بَعْدَك شَيءٌ، وأنْتَ الظَّاهِرُ فلَيسَ فوْقَكَ شَيءٌ، وأنْتَ البَاطِنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ مسلم السبع (والأَرْضِ) أي خالقهما أو مربي أهلهما. قوله: (العَظِيم) بالجر صفة العرش وهو أبلغ وبالنصب نعت الرب. قوله: (ربنا) هو وما بعده بالنصب كما قبلهما على النداء أو على الوصف. قوله: (ورَبَّ كُل شَيْءٍ) تعميم بعد تخصيص. قوله: (فالِقَ الحَب والنَّوى) أي يشق حب الطعام ونوى التمر للإنبات ومثله نوى غيرهما والتخصيص لفضلهما أو لكثرة وجودهما في ديار العرب. قوله: (مُنْزِلَ التَّوراةِ الخ) من الانزال ويحتمل التنزيل ولم يذكر الزبور لأنه ليس فيه أحكام إنما هو مواعظ للأنام. قوله: (من شَرِّ كلِّ ذِي شرٍّ الخ) في رواية لمسلم من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها (أَنتَ الأول) أي بلا ابتداء. قوله: (فليسَ قَبلَكَ شيء) تقرير للمعنى السابق وذلك أن قوله أنت الأول مفيد للحصر بقرينة تعريف الخبر باللام فكأنه قال أنت مختص بالأولية فليس قبلك شيء وعلى هذا. قوله: (وأَنتَ الآخِرُ) أي بلا انتهاء وقال ابن الجزري الباقي بعد فناء الخلق كله ناطقه وصامته. قوله: (وأَنتَ الظاهرُ) أي بالصفات وقال ابن الجزري أي ظهر فوق كل شيء وعلا عليه. قوله: (فليسَ فوقَك شيء) أي فوق ظهورك شيء من الأشياء الظاهرة وقيل ليس فوقك شيء أي لا يقهرك شيء. قوله: (وأَنتَ الباطِنُ الخ). قال القرطبي تضمن هذا الدعاء من أسمائه تعالى ما تضمنه قوله تعالى: ({هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ} [الحديد: 3] وقد اختلفت غبارات العلماء في ذلك وأرشق عباراتهم قول من قال الأول بلا ابتداء والآخر بلا انتهاء والظاهر بلا اقتراب والباطن بلا احتجاب وقيل الأول بلا بداء والآخر بلا فناء والظاهر بالايات والباطن عن الإدراكات وقيل الأول القديم والآخر الباقي والظاهر

فليسَ دُونَكَ شَيء، اقْضِ عَنا الدَّيْنَ، وأغْنِنا مِنَ الفَقْرِ". وفي رواية أبي داود: "اقْضِ عَني الدَّين، وأغنِني مِنَ الفَقْرِ". وروينا بالإسناد الصحيح، في سنن أبي داود، والنسائي، عن عليّ رضي الله عنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول عند مضجعه: "اللهُم إني أعُوذُ بِوَجْهِكَ الكَرِيمِ وكَلِماتِكَ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ ما أنْتَ آخِذٌ بنَاصِيَتِهِ، اللهُم أنْتَ تَكْشِفُ المَغْرَمَ والمأثمَ، اللَّهُم لَا يُهْزَمُ جُنْدُكَ، ولا يُخْلَفُ وَعْدُكَ، ولا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ، سبْحانَكَ اللهُمَ وبِحَمْدِكَ". وروينا في "صحيح مسلم" وسنن أبي داود، والترمذي، عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوى إلى فراشه قال: "الحَمْدُ لِلَهِ الّذِي أطْعَمَنا وسَقانا وكفانا وآوانا، ـــــــــــــــــــــــــــــ الغالب والباطن الخفي اللطيف الرفيق بالخلق وهذا القول يناسب الحديث وهو بمعناه. قوله: (فليسَ دونك شيء) أي لا شيء ألطف منك ولا أرفق وقال بعضهم ومع كونه يحتجب عن أبصار الخلائق وأوهامهم فليس دونه ما يحجبه عن إدراكه شيئًا من خلقه. قوله: (الدَّينَ) يحتمل أن يراد به هنا حقوق الله أو حقوق العباد كلها من جميع الأنواع. قوله: (وأَغْننا من الفقرِ) أي الاحتياج إلى الخلق أو من فقر القلب بالاستغناء عنهم وقد قيل إن هذا الدعاء لطلب الرزق وسئل أبو علي الدقاق عن الفقر والغنى أيهما أفضل فقال الأفضل عندي أن يعطى الرجل كفايته ثم يصان فيه. قوله: (وفي روايةِ أبي دَاوُدَ) قال الحافظ وكذا في رواية الترمذي وابن ماجة اهـ. وهي عند ابن أبي شيبة كما في الحرز. قوله: (في سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) قال في السلاح واللفظ له وفي الحصين ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن علي أيضًا وتقدم الكلام على هذا الحديث في باب أذكار الصباح والمساء بما يغني عن إعادته. قوله: (وَرَوَينا في صَحِيح مُسلم الخ) وكذا رواه النسائي كما في السلاح والحصن زاد الحافظ وأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي. قوله: (وكفانَا) أي دفع عنا شر المؤذيات أو كفى مهماتنا وقضى حاجاتنا فهو تعميم بعد تخصيص. قوله: (وآوانا) قال المصنف بالمد على الأفصح

فَكَمْ مِمن لا كافيَ لَه، ولا مُؤْويَ". قال الترمذي: حديث حسن صحيح. ـــــــــــــــــــــــــــــ الأشهر وحكي فيه القصر اهـ. أي رزقنا مساكن وهيأ لنا المأوى نأوي إليه ونسكن فيه وقال ابن الجزري ردنا إلى مأوى لنا وهو المنزل ولم يجعلنا من المنتشرين كالبهائم اهـ. قوله: (فكم ممَّنْ لَا كَافي) بفتح الياء وما وقع في بعض النسخ بالهمز فهو سهو كما في المرقاة. قوله: (ومؤوي) بصيغة اسم الفاعل وكم له مقدر أي فكم شخص لا يكفيهم الله شر الأشرار بل تركهم وشرهم حتى غلب عليهم أعداؤهم ولا يهيئ لهم مأوى بل تركهم يهيمون في البوادي ويتأذون بالحر والبرد قال الطيبي وذلك نادر فلا يناسب كم المقتضى للكثرة على أنه افتتح بقوله أطعمنا وسقانا وتعقب بأن عموم الأكل والشراب إشارة إلى شمول الرزق المتكفل به في قوله: ({وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] بخلاف المسكن والمأوى فإنه تعالى خصه بمن شاء من عباده فكثير منهم ليس له مأوى إما مطلقًا أو صالحًا لأمثاله وقوله كم يقتضي الكثرة يرد بمنع قلة ما ذكر وعلى التنزل فالكثير يصدق بثلاثة فأكثر فلا يكون متروك الكفاية والمأوى قليلًا نادرًا ثم أشار الطيبي إلى الجواب عن ذلك بأنه يمكن أن ينزل على معنى قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11)} [محمد: 11] فالمعنى أنا نحمد الله على أن عرفنا نعمه ووفقنا لأداء شكره فكم من منعم عليه لا يعرفون ذلك ولا يشكرون وكذلك الله تعالى مولى الخلق كلهم يعني أنه ربهم ومالكهم لكنه ناصر للمؤمنين ومحب لهم فالفاء في فكم للتعليل قال مولانا عصام الدين الفاء في قوله فكم ممن لا كافي له من قبيل قوله تعالى: {لَا مَولى لَهُم} مع أن الله تعالى مولى كل أحد أي لا يعرفون مولى لهم فكم لم يتفرع على كفانا بل على معرفة الكافي التي تستفاد من الاعتراف وإنما حمد الله تعالى على الطعام والشراب وكفاية المهمات لأن النوم فرع الشبع والري وفراغ الخاطر عن المهمات والأمن من الشرور وأشار إلى ما ذكره الطيبي فقال أي كثير من الناس ممن أراد الله اهلاكه فلم يطعمه ولم يسقه ولم يكفه إما لأنه أعدم هذه الأمور في حقه وأما لأنه لم يقدره على الانتفاع بها حتى هلك هذا ظاهره ويحتمل أن يكون معناه فكم من أهل الجهل والكفر بالله تعالى لا يعرف أن له إلهًا يطعمه

وروينا بالإسناد الحسن في سنن أبي داود، عن أبي الأزهر -ويقال: أبو زهير- الأنماري رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أخذ مضجعه من الليل قال: "بِسْمِ اللهِ وَضَعْتُ جَنْبِي، اللهُم اغْفِر لي ذَنْبي، وأَخسِئْ شَيطاني، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويسقيه ويؤويه ولا يقر بذلك فصار الإله في حقه وفي اعتقاده كأنه معدوم اهـ، وقال المصنف معنى آوانا هنا رحمنا فقوله كم ممن لا مؤوي له أي لا راحم له ولا عاطف عليه. قوله: (ورَوَينْا بالإسْنادِ الحَسنِ في سُنَنِ أَبِي دَاودَ) وكذا رواه الحاكم في مستدركه وقال فيه وثقل ميزاني واجعلني في الملأ الأعلى كذا في السلاح. قوله: (عَنْ أَبِي الأزهر الخ) في السلاح أبو الزهير النميري ويقال أبو الأزهر الأنماري ويقال التميمي قال ابن عبد البر اسمه فلان ابن شرحبيل روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثين أحدهما هذا والثاني في فضل آمين وقيل أن له حديثًا ثالثًا اهـ، والأنماري بفتح الهمزة وسكون النون. قوله: (باسمِ الله) متعلق بقوله وضعت. قوله: (وأَخسِ شيطاني) هكذا هو في نسخ الأذكار بوصل الهمزة وكسر السين وفي شرح المصابيح لابن الجزري يروى بوصل الهمزة وفتح السين وبهمزة ساكنة بعدها وبقطع الهمزة وكسر السين من غير همز أي اطرده يقال خسأ الكلب قاصرًا ومتعديًا اهـ، وتعقبه في الحرز بأنه لا بد من وجود الهمز على كل تقدير نعم قد تبدل الهمزة الساكنة من جنس حركة ما قبلها فتخفف بالحذف وهو غير مخصوص باللغة الثانية اهـ، وسكت عن روايته واخسأ بفتح الهمزة وآخره بهمزة ساكنة أي أبعده من

وفُكَّ رِهاني، واجْعَلْني في النَّديِّ الأعلى". الندي: بفتح النون وكسر الدال وتشديد الياء. وروينا عن الإمام أبي سليمان حَمْد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب الخطابي رحمه الله في تفسير هذا الحديث قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ خسأ الكلب بنفسه ومنه قوله تعالى: {اخسئوْا فِيها} [المؤمنون: 108] قال التوربشتي والمراد اجعله مطرودًا عني مردودًا عن إغوائي قال الطيبي أضافه إلى نفسه لأنه أراد بالشيطان قرينه من الجن أو من قصد إغواءه من شياطين الإنس والجن. قوله: (وفُكَّ رِهاني) بضم الفاء وتشديد الكاف المفتوحة ويجوز ضمها وكسرها والرهان جمع رهن ومصدر راهنه وهو ما يوضع وثيقة في الدين أراد به النفس لأنها مرهونة بعملها قال تعالى: {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21] فقوله فك أمر مخاطب من الفك وهو التخلص وفك الرهن تخليصه من يد المرتهن والمعنى خلص رقبتي من حقوق الآدميين ومن حقك يا رب ومن الذنوب بالعفو أو خلصها من ثقل التكاليف بالتوفيق للإتيان بها. قوله: (في الندِي الأَعْلى) نقل المصنف عن الخطابي وإن ضبطه أن المراد الملأ الأعلى من الملائكة ويؤيده أنه روى الحاكم في مستدركه في الملأ الأعلى بدل الندي الأعلى ويحتمل أن يراد بالمقام الأعلى الدرجة الرفيعة ومقام الوسيلة الذي قال - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يكون إلَّا لعبد وأرجو أن يكون أنا هو قال التوربشتي ويروى في النداء الأعلى وهو الأكثر والنداء مصدر ناديته ومعناه أن ينادى به للتنويه والرفعة ويحتمل أن يريد نداء أهل الجنة وهم الأعلون رتبة ومكانًا على أهل النار كما جاء ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا قال الشيخ ابن حجر في شرح المشكاة الندي القوم مطلقًا أو الذين هم أهل الندى أي الكرم ويطلق على المجلس الذي يجتمع فيه القوم للسمر ولا يسمى بعد تفرقهم نديا وعبر بقي لأنها أبلغ من من ونظيره وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين أي اجعلني مندرجًا في جملتهم مغمورًا في بركتهم بخلال اجعلني منهم فإنه يصدق بأن يكون من جملة عددهم وإن لم يكن منهم اهـ. قيل ما ذكره إنما يصح على القول بأن المراد بالندي القوم كما هنا أما إذا أريد به المجلس فيتعين وجود

النديُّ: القوم المجتمعون في مجلس، ومثله النادي، وجمعه: أندية. قال: يريد بالنديّ الأعلى: الملأ الأعلى من الملائكة. وروينا في سنن أبي داود، والترمذي، عن نوفل الأشجعي رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اقرأ ({قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} [الكافرون: 1]، ثم نَمْ على خاتِمَتها ـــــــــــــــــــــــــــــ في ولعل إيراد في ليقبل الاحتمالين ونوقش في دعوى الأبلغية بالمنع لأنه إذا صار واحدًا منهم فصدق عليه أنه مندرج فيهم بل الأبلغ في تحصيل المقصود أن يقال منهم لأنه قد يكون الشخص فيهم وإن لم يكن منهم إلَّا أن المبالغة في التواضع بقي أكثر مما في التواضع بمن ونظيره قوله - صلى الله عليه وسلم - واحشرني في زمرة المساكين إذ فيه من أنواع التواضع ما لا يخفى والتحقيق أن جعل متعد بنفسه لمفعولين فإيراد في لتضمين الجعل معنى الإيقاع كما في قوله: يجرح في عراقيبها نصلي. أو بتضمينه معنى الإدخال كما مثل ابن حجر بقوله نظير أدخلني برحمتك في عبادك الصالحين وبه يندفع قول صاحب المرقاة وبهذا أي أنه على تضمين جعل معنى أوقع يبطل قوله ونظيره قوله وادخلني برحمتك في عبادك الصالحين إذ ليس مثله لفظًا ولا معنى وفي الحرز يعمل المرام في المقام أن هذا دعاء بمنزلة الحكم الذي رتب على الوصف المناسب فإنه لما جعل النوم والاستراحة يستعين بها على طاعته والتجنب عن معاصيه طلب أن يعينه تعالى على طلبه من فك الرهبان وخذلان من ذنوبه من الشيطان والنفس الأمارة ثم طلب ما هو المعنى الأسنى والمقام الزلفى والندي الأعلى والزيادة الحسنى اهـ. قوله: (النديِ القَوْمُ المُجتَمِعُونَ) قيل أصله المجلس ويقال للقوم أيضًا وقال الطيبي الندي يطلق على المجلس إذا كان فيه القوم فإذا تفرقوا لم يكن نديا ويطلق على القوم اهـ. قوله: (في سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ الخ) قال في الحصين ورواه النسائي وابن حبان والحاكم في المستدرك من حديث نوفل ورواه الطبراني من حديث جبلة بن حارثة أخي زيد بن حارثة وله صحبة قال في السلاح وليس لنوفل في الكتب الستة غير هذا الحديث وذكره ابن الأثير في أسد الغابة وقال يكنى أبا فروة ثم ذكر حديث الباب وذكر أنه مضطرب الإسناد وكذا

فإنها بَرَاءٌ من الشرك". وفي مسند أبي يعلى الموصلي، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا أدُلُّكُمْ على كلمةٍ تُنْجيكُمْ مِنَ الإشْراكِ بالله عز وجَل، تقرؤونَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} عند منامكم". وروينا في سنن أبي داود والترمذي، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن عبد البر حديثه في {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} [الكافرون: 1] مضطرب الإسناد وقال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وأخرجه ابن حبان في صحيحه وفي سنده الاختلاف كثير على أبي إسحاق السبيعي فلذا اقتصرت على تحسينه اهـ. قوله: (فإِنها بَرَاءَة مِنَ الشرْكِ) أي توجب لقارئها الأمن والنجاة من الإشراك بالله تعالى لما اشتملت عليه من سلب الألوهية عما سوى الله تعالى وإثباتها له دون غيره مع التزام ذلك والدوام عليه المستفاد من "ولي دين" إنه قد برئ من، من اعتقاد شريك لله تعالى في ذاته أو صفته أو فعله لأنه تنزه عن كل سمة من سمات النقص بل من السمات التي فيها أدنى شائبة من الشوائب التي لم تصل إلى أعلى غاياته. قوله: (وفي مُسْنِدِ أَبِي يَعْلَى المَوصلِيِّ الخ) قال الحافظ بعد تخريجه من طريق أبي نعيم في الحلية حديث غريب وجبارة أي بضم الجيم وبالموحدة متروك اتهمه ابن معين وقال ابن نمير كان لا يتعمد وشيخ جبارة في هذا الحديث الحجاج بن تميم الجزري قال فيه النسائي ليس بثقة قال الحافظ لكن يشهد للمتن حديث نوفل الذي قبله اهـ. قوله: (كلِمَةٍ تُنْجيكُمْ) إسناد مجازي إذ قراءتها تسبب الإنجاء من ذلك بمقتضى الوعد الذي لا يخلف الذي أعرب عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلا ينافي حديث لن يدخل أحدكم الجنة بعمله. قوله: (وَرَوَينْا في سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ والترمِذِيّ) ورواه النسائي أيضًا كما في الحصين والسلاح وزاد قال الترمذي واللفظ له حديث حسن غريب وقال النسائي قال معاوية يعني ابن صالح إن بعض أهل العلم كانوا يجعلون المسبحات ستًّا سورة الحديد والحشر والحواريين وسورة الجمعة والتغابن و ({سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} [الأعلى: 1]، وقال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي ووقع في رواية

عن عرباض بن سارية رضي الله عنه، "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ المسبِّحات قبل أن يرقد". قال الترمذي: حديث حسن. وروينا عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينام حتى يقرأ (بني إسرائيل) و (الزمر)، ـــــــــــــــــــــــــــــ أحمد وأبي داود أفضل بدل خير واختلف في وصل الحديث وإرساله فوصله من ذكر وأخرجه النسائي من وجه آخر عن خالد بن معدان فلم يذكر العرباض ورواته أثبت من الذي قبله اهـ. قوله: (عَنْ عِرْباضِ بْنِ سارِيَةَ) عرباض بكسر العين وإسكان الراء المهملة والباء الموحدة وسارية بتحتية بعد الراء وهو غير سارية الذي ناداه عمر وهو يخطب على المنبر ذاك سارية بن رتيم بن عبد الله الكناني وسارية والد عرباض هو السلمي يكنى أبا نجيح كان من أهل الصفة وهو أحد المجابين نزل بالشام وسكن حمص قال محمد بن عوف كل واحد من عمرو بن عبسة وعرباض بن سارية يقول أنا رابع الإسلام لا يدري أيهما أسلم قبل صاحبه وكان عتبة بن عبد يقول عرباض خير مني روى عنه أبو أمامة الباهلي وأبو رهم أحزاب بن أسيد السماعي ويقال السمعي الطهري قاله النمري وابنته أم حبيبة بنت العرباض وغيرهم روى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. قوله: (المُسَبِّحاتِ) بكسر الباء أي افتتحت بالتسبيح من سبحان أو يسبح أو سبح أو سبح كذا في الحرز وفيه زيادة سبحان على ما تقدم في البيان. قوله: (قَبْلَ أَنْ يَرْقُدَ) أي ينام زاد في الحديث يقول إن فيهن آية خير من ألف آية وفي رواية ويقول بالواو وهي واضحة أما على رواية حذفها فهو استئناف لبيان الحامل على قراءة تلك السور قبل أن ينام وقوله أن فيهن آية الخ، أبهمها إبهام ساعة الإجابة في يوم الجمعة وليلة القدر في عشر رمضان محافظة على قراءة الكل كما حوفظ بذينك على إحياء جميع يوم الجمعة والعشر الآخر وعن الحافظ ابن كثير تلك الآية يقال {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ} إلى {عليمٌ} [الحديد: 3]، فإن كان قاله توقيفًا وهو الظن به فواضح أو اجتهادًا فلا لأنه لا دخل للاجتهاد في مثل هذا وفي الحرز الظاهر أن في كل منها آية وإلا لاقتصر على ما هي فيها اهـ. ولك منعه بأنه لا عموم في لفظ الحديث وبقولنا محافظة على قراءة الكل يدفع قوله وإلا لاقتصر على ما هي فيها. قوله: (وَرَوَينْا عَنْ عائِشَةَ) قال الحافظ بعد تخريجه من

قال الترمذي: حديث حسن. وروينا بالإسناد الصحيح في سنن أبي داود، عن ابن عمر رضي الله عنهما، "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول إذا أخذ مضجعه: "الحَمْدُ للهِ الذي كفَاني ـــــــــــــــــــــــــــــ طريق الترمذي حديث حسن أخرجه أحمد والنسائي وابن خزيمة والحاكم قال الترمذي حسن وقال ابن خزيمة لا أعرف أبا لبابة أي الراوي عن عائشة بعدالة ولا جرح قال الحافظ نقل الترمذي عن البخاري قال أبو لبابة سمع من عائشة وذكره ابن حبان في الثقات واتفق الرواة عن حماد بن زيد أي الراوي عن أبي لبابة علي بني إسرائيل والزمر وانفرد الحسن بن عمر بن شقيق أحد الرواة عن حماد بذكر تنزيل السجدة ويحتمل أن يكون قصد قوله تعالى في آخر بني إسرائيل ونزلناه تنزيلًا فتتفق الروايتان وقد جاء في حديث جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ (الم تَنزيِلُ) السجدة (تَبَارَكَ) كل ليلة أخرجه الترمذي والنسائي وأغفله الشيخ هنا. قوله: (قال الترمذِي الخ) وكذا رواه النسائي والحاكم عن عائشة. قوله: (وروينا بالإسناد الصحيح اهـ) قال في السلاح ورواه النسائي وأبو عوانة وابن حبان في صحيحيهما ورواه الحاكم في المستدرك وحديث أنس وقال صحيح الإسناد وقال الحافظ بعد تخريجه الحديث حسن أخرجه أبو داود والنسائي وأبو عوانة في صحيحه وفي الحكم بصحته نظر وإسناد الحديث عند أبي داود علي بن مسلم عن عبد الصمد حدثنا أبي هو عبد الوارث بن سعيد حدثنا حسين يعني المعلم عن عبد الله بن بريدة حدثني ابن عمر ووجه النظر أن أبا معمر عبد الله بن عمرو روى الحديث عن عبد الوارث بهذا السند فأخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق عن يعقوب بن إسحاق عن أبي معمر فوقع في روايته حدثني ابن عمران فقيل له قد كنت حدثت به فقلت ابن عمر فقال هذا خطأ وأنكر ذلك وقال اجعل ابن عمران وأبو معمر من شيوخ البخاري وهذا الكلام يتوقف معه في وصلة الحديث فإن ابن عمران لا صحبة له اهـ. قوله: (أخَذَ مَضجَعَهُ) قال في المرقاة أي من الليل كما في نسخة. قوله: (كَفانِي) أي جميع المهمات

وآوَاني وأطْعَمَني وسَقاني، والذي مَنَّ علي فافْضَل، والذِي أعْطَاني فأجْزَل، الحَمْدُ للهِ عَلى كل حالٍ اللهُم رَب كل شَيءٍ ومَلِيكَهُ، وإلهَ كل شَيءٍ أعُوذ بِكَ مِنَ النَّارِ". ـــــــــــــــــــــــــــــ التي احتاج إليها. قوله: (وآوانِي) بالمد أي جعل إلى مسكنًا يدفع عني الحر والبرد ويسترني عن الأعداء ويجوز فيه القصر كما تقدم قال في الحرز ولعله أولى هنا لمشاكلة المبنى مع اتحاد المعنى. قوله: (مَن) بتشديد النون أي أنعم علي نعما واسعة. قوله: (فأَفْضل) أي زاد وأكثر وأحسن والفاء فيه لترتبها في التفاوت من بعض الوجوه كقولك خذ الأفضل فالأكمل واعمل الأحسن فالأجمل فالإعطاء الأحسن أحسن وكونه جزيلًا أحسن وهكذا الممنون. قوله: (فأجْزَلَ) أي أكثر أو فأعظم من النعمة والجزيل العظيم وقال الطيبي أي أنعم فزاد وقدم المن لأنه غير مسبوق بعمل العبد فهو أكمل بخلاف الإعطاء فإنه قد يكون مسبوقًا به. قوله: (والحمدُ لله عَلَى كُل حالٍ) وزاد في بعض الروايات "وأعوذ بالله من حال أهل النار" وفيه إشارة إلى أن سائر الحالات من المنح والمحن والعطايا والبلايا مما يجب عليها لأنها إما دافعة للسيئات وإما رافعة للدرجات ولذا قيل ما من محنة إلّا في طبها منحة بخلاف أحوال أهل النار فإنهم في حال المعصية في الدنيا وفي حال العقوبة في العقبى من هناك شكر بل هناك صبر على حكمه وأمره ورضاء بقضاء الله وقدره والله تعالى إلى محمود بذاته على كل حال وبصفاته في كل فعال وفصل هذه الجملة بخلاف ما قبلها لأن تلك في حمده في مقابل النعم فاقتضى عطف بعضها على بعض وهذا حمد لا في مقابل نعم ولا غيرها فكان بينه وبين ما قبله تمام الانقطاع فتعين ترك العاطف. قوله: (ربّ كل شَيءٍ) أي خالقه ومربيه ومصلحه (ومَليكَهُ) أي ملكه ومالكه. قوله (وإله كل شَيءٍ) أي معبوده سواء علم أو لم يعلم ومقصوده بلسان حاله أو لسان قاله طوعًا أو كرهًا وأتى بهذه الأوصاف الثلاثة توطئة لمسئوله لمناسبتها له من حيث إن عمر تربيته وفخامة ملكه وألوهيته يقتضي كل منهما محو التقصير وجبر الكسر المقتضي للإبعاد من عذاب السعير. قوله: (أَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ) أي مما يقرب إليها من علم أو

وروينا في كتاب الترمذي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ قال حِينَ يأوي إلى فِراشِهِ: أستَغْفِر الله الذي لَا إلهَ إلَّا هُوَ الحَي القَيُّومُ وَأتُوبُ إلَيهِ ثَلاثَ مراتٍ غَفَرَ اللهُ تعالى لهُ ذُنُوبَهُ وإنْ كانَتْ مِثْلَ زَبدِ البَحْرِ، وإنْ كانت عَدَدَ النجومِ، وإنْ كانتْ عَددَ رمْلِ عالِجٍ، وإنْ كانتْ عَدَد أيّام الدنْيا". وروينا في سنن أبي داود وغيره بإسناد صحيح، عن رجل من أسلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كنت جالسًا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاء رجل من أصحابه" فقال: يا رسول الله لدغتُ الليلةَ فلم أنم حتى أصبحت، قال: "ماذا؟ " قال: عقرب، قال: "أما إنَّكَ لَوْ قُلْتَ حِينَ أمْسَيتَ: أعُوذُ بِكلماتِ الله التاماتِ مِنْ شَر ما خَلَقَ لَمْ يضُرَّك شيء إن شاءَ اللهُ تعالى". وروينا أيضًا في سنن أبي داود وغيره، من رواية أبي هريرة، وقد تقدم روايتنا له عن "صحيح مسلم" في باب: ما يقال عند الصباح والمساء. ـــــــــــــــــــــــــــــ عمل أو حال يوجب العذاب ويقتضي الحجاب. قوله: (وَرَوَينْا في كِتَاب التِّرمذِي الخ) وقال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلَّا من هذا الوجه من حديث عبيد الله بن الوليد الوصافي عن عطية عن أبي سعيد وقال الحافظ حديث غريب والوصافي بفتح الواو وتشديد المهملة وبعد الألف فاء وشيخه ضعيفان لكن رواه غيره عن عطية أي الراوي عن أبي سعيد بنحوه. قوله: (الحَيَّ القيومَ) بنصبهما على المدح أو على أنهما صفتان لله بعد صفة أو بدل من الموصول وفي نسخة برفعهما على البدل من هو أو على المدح أو على أنهما خبر مبتدأ محذوف. قوله: (غَفرَ الله لَهُ ذُنُوبَهُ) المكفرة بصالح العمل ومنه الأذكار صغائر الذنوب المتعلقة بحق الله تعالى كما سبق مرارًا. قوله: (عَدَدَ رَمْلِ عَالِجٍ) في مرآة الزمان عالج موضع بالشام رمله كثير وقيل بين الشحر وحضرموت اهـ، وفي القرى للطبري عالج موضع بالبادية كثير الرمل قاله الجوهري وقال غيره عالج ما تراكم من الرمل ودخل بعضه على بعض وجمعه عوالج اهـ. قوله: (وَرَوَينْا في سُننِ أَبِي دَاوُدَ) وتقدم الكلام على هذا الحديث في باب أذكار المساء والصباح

وروينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي الله عنه، "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصى رجلًا إذا أخذ مضجعه أن يقرأ سورة الحشر وقال: "إنْ مِتَّ مِتَّ شَهِيدًا، أو قال: مِن أهْلِ الجَنَّةِ". وروينا في "صحيح مسلم" عن ابن عمر رضي الله عنهما، "أنه أمر رجلًا إذا أخذ مضجعه أن يقول: اللهُم أنْتَ خَلَقْتَ نَفْسِي وأنْتَ تَتوَفَّاها، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويؤخذ من ذكر المصنف هذا الخبر وبعض ما تقدم من أدعية المساء في هذا الباب أن بعض أدعية المساء يطلب عند النوم أيضًا والله أعلم. قوله: (وَرَوَينْا في كِتَابِ ابْنِ السُّني عَنْ أَنس الخ) قال الحافظ بعد تخريجه حديث غريب وسنده ضعيف جدًّا من أجل يزيد أي ابن أبان الراوي للحديث عن أنس اهـ. قوله: (أَوصى رَجْالًا أَنْ يَقْرَأَ سُورةَ الحَشْرِ الخ) سبق في أذكار المساء والصباح حديث الترمذي عن معقل بن يسار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قال حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم فقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه وإن مات ذلك اليوم مات شهيدًا ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة وهو شاهد لحديث الباب بل حديث الباب أولى لأنه إذا حصل الفضل العظيم بقراءة أواخرها فقراءة جملتها أجدر وأحق. قوله: (مَاتَ شَهيدًا) أي مماثلًا للشهيد في نوع من أنواع ثوابه المختصة به لا في جميعها. قوله: (أَوْ منْ أَهلِ الجَنةِ) شك من الراوي ويصح أن يكون للتنويع فمنهم من يكون سببًا لدخوله الجنة أي مع الناجين ومنهم من يكون سببًا لزيادة تقريبه وإيصاله إلى منازل الشهداء و { ... الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران: 73]. قوله: (وَرَوَينْا في صَحِيح مُسلمٍ) وكذا رواه النسائي كما في السلاح وأخرجه أبو يعلى كما أشار إليه الحافظ قال وليس لعبد بن حارث وهو أبو الوليد البصري نسيب ابن سيرين عن ابن عمر في الصحيح إلَّا هذا الحديث الواحد وله شاهد في بعضه عن أبي هريرة وقد ذكره الحافظ في تخريج حديث ابن عمر السابق أوائل الباب. قوله: (خَلَقْتَ نَفْسي) أي أوجدتها من العدم وأبدعتها على غير مثال سبق. ووقع في الحصين توفاها بحذف إحدى التاءين قال ابن الجزري في مفتاح الحصين وحسن الحذف ها هنا لئلا يجتمع ثلاث تاءات اهـ. أي أن حسن الحذف هنا لما ذكر وإلا فحذف إحدى التاءين مستحسن كثير وقوعه في فصيح الكلام. قوله: (وأَنتَ تَتوفَّاها) قال

لكَ ممَاتُها ومَحيَاها، إنْ أحْيَيْتَهَا فاحْفَظْها، وإنْ أمَتَّها فاغْفِر لهَا، اللهُم إني أسألُك العَافِيَة" قال ابن عمر: سمعتُها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وروينا في سنن أبي داود، والترمذي، وغيرهما بالأسانيد الصحيحة، حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي قدمناه في باب: ما يقول عند الصباح والمساء، في قصة أبي بكر الصديق رضي الله عنه: "اللَّهُمَّ فَاطِرَ السماوَاتِ والأَرْضِ، عَالِمَ الغَيْبِ والشَّهَادَةِ، رَبَّ كُل شَيءٍ ومَلِيكَهُ أشْهدُ أن لا إلهَ إلا أنْتَ أعوذُ بكَ من شرِّ نَفْسي وشرِّ الشَّيطانِ وشِرْكِهِ، قُلْها إذا أَصْبَحْتَ وإذا أمسيتَ وإذا اضْطَجَعْتَ". وروينا في كتاب الترمذي، وابن السني، عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مُسْلِمٍ يأوي إلى فِرَاشِه ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى: ({اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: 42]. قوله: (لكَ مَماتُها ومَحْياها) أي موتها وحياتها ملكان لك لا يملك غيرك شيئًا من ذلك قال تعالى: {وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3)} [الفرقان: 3]. قوله: (أَحْيَيْتَها فاحْفَظْها) أي من البليات ومما يوجب العذاب أو يقتضي الحجاب. قوله: (فاغْفِرْ لهَا) سائر المخالفات والتقصيرات. قوله: (اللهم إِنِي أَسأَلُكَ العَافيةَ) تعميم بعد تخصيص أي أسألك العافية في اليقظة والمنام وفي الحياة من سائر الآلالم وجميع المؤذيات والأسقام وفي الآخرة من حلول دار الانتقام والبعد عن رضا الملك السلام. قوله: (سَمِعْتُهُ منْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -) قال ذلك لما قال له رجل سمعت ذلك من عمر فقال من خير من عمر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحتمل أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوله عند المنام ويحتمل أنه أمر عبد الله أن يقوله إذا أخذ مضجعه لينام. قوله: (حَدِيثَ أَبِي هُريْرةَ الخ) سبق الكلام عليه في ذلك الباب. قوله: (وَرَوَينْا في كتاب الترمذِي وابْنِ السني) في الحصين رواه أحمد بلفظ ما من رجل يأوي إلى فراشه فيقرأ سورة من كتاب الله تعالى إلَّا بعث الله له ملكًا يحفظه من كل شيطان يؤذيه حتى يهب من نومه متى هب وقال الحافظ قول الشيخ إسناده ضعيف قلت أقوى من حديث أنس الماضي قبل قليل فإن تابعيه لم يسم وتابعي حديث أنس شديد الضعف فكان التنبيه عليه أولى

فيَقرأ سورةً من كتاب الله تعالى حِينَ يأخذُ مَضْجَعهُ إلا وَكَّلَ الله عزَّ وجلَّ بِهِ مَلَكًا لا يَدَعُ شَيئًا يَقْرَبُهُ يُؤْذِيهِ يَهُبُّ متى هبَّ" إسناده ضعيف، ومعنى هب: انتبه وقام. وروينا في كتاب ابن السني، عن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الرَّجُلَ إذا أوى إلى فراشِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم قال بعد تخريج الحديث من طريق الإمام أحمد والطبراني في الدعاء نحوه وأخرج من طريق الحديث بهذا اللفظ الذي ذكره المصنف ثم قال حديث حسن أخرجه الترمذي والطبراني ثم ذكر لأصل الحديث طريقًا وقال بعد إيرادها هذه طرق يقوي بعضها بعضًا يمتنع معها إطلاق القول بضعف الحديث وإنما صححه ابن حبان والحاكم لأن طريقهما عدم التفرقة بين الصحيح والحسن اهـ. قوله: (فَيقْرأُ سُورَةً) قال ميرك في حاشية الحصين كذا وقع بلفظ الفعل المضارع في الترمذي وجامع الأصول لكن في نسخ المشكاة بلفظ بقراءة قال الطيبي قوله بقراءة حال أي مفتتحًا بفراءة سورة وقيل أي متلبسًا بها. قوله: (من كِتَاب الله) أي القرآن الحميد والفرقان المجيد. قوله: (إِلَّا وكَّلَ الله بهِ ملَكًا) أي أمره بأن يحرسه من المضار وهو استثناء مفرغ. قوله: (يَقْرَبُهُ) هو بفتح الراء. قوله: (يَهُبَّ) هو بفتح الياء وضم الهاء أي يستيقط متى استيقظ بعد طول الزمان أو قربه من النوم ثم هو في الأذكار متى وفي أصل مصحح من كتاب ابن السني متى يهب بلفظ المضارع. قوله: (وَرَوَينا في كتَابِ ابْنِ السّني الخ) رواه من جملة حديث تتمته فإذا استيقظ قال الملك افتتح بخير وقال الشيطان افتتح بشر فإن قال الحمد لله الذي رد علي نفسي ولم يمتها في منامها الحمد لله الذي يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده أنه كان حليمًا غفورًا الحمد لله الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلَّا باذنه أن الله بالناس لرؤوف رحيم فإن وقع من سريره فمات دخل الجنة رواه كذلك النسائي واللفظ له والحاكم في المستدرك وأبو حبان وأبو يعلى وقال هو على شرط مسلم وزاد في آخره الحمد لله الذي يحيي ويميت

ابْتَدَرَهُ مَلَكٌ وشَيطانٌ، فقال المَلَكُ: اللهُم اخْتِمْ بِخَيرٍ، فقال الشَّيطانُ: اخْتِم بِشَرٍّ، فإن ذَكَرَ الله تعالى ثم نامَ، باتَ المَلَكُ يَكْلَؤهُ". وروينا فيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول إذا اضطجع للنوم: "اللهُم باسْمِكَ رَبي وضَعتُ جَنْبي فاغفِرْ لي ذَنْبِي". ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو على كل شيء قدير وقال ابن السني رواه حديثًا مستقلًا فاقتصر الشيخ نفع الله به على عزوه إليه والله أعلم، ونازع الحافظ فيما قال الحاكم من أنه على شرط مسلم بأن مسلمًا لا يخرج لأبي الزبير الأصرح فيه بالسماع عن جابر أو كان له فيه متابع وهذا لم أره من حديث أبي الزبير عن جابر إلَّا بالعنعنة ثم قال وعجبت للشيخ في اقتصاره على عزوه لابن السني وهو في هذه الكتب المشهورة اهـ. قوله: (ابْتدَرَ) أي تسارع إليه. قوله: (فَيقُول المَلكُ) أي لكونه راعيًا للخير الذي جبله عليه (اخِتمْ) أي عملك (بخَيرٍ) ولذاكره الكلام بعد صلاة العشاء إلَّا في خير لتكون الصلاة خاتمة عمله فيكون ذلك سببًا لبلوغ أمله. قوله: (يكلؤُهُ) بفتح اللام وضم الهمزة قال ابن الجزري هو بهمزة مضمومة أي يحفظه ويحرسه اهـ، ومنه قوله من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن ومفهوم الحديث أنه أن لم يذكر الله تعالى لم يبت الملك يكلؤه بل بات الشيطان ينتظر أعوانه ويوسوس له عند انتباهه قلت ويشوش عليه في منامه بالمرائي المزعجة والأحوال المقلقة كما سيأتي والحلم من الشيطان. قوله: (وَرَوَينْا فيهِ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرو الخ) أخرجه الحافظ من طريق الطبراني وقال أنه حديث حسن اهـ. قوله: (باسْمك رَبّي وَضَعْتَ جَنْبي) الظرف متعلق بوضعت وسبق أن الاسم إن أريد به المسمى فالباء للاستعانة وإن أريد به اللفظ فللمصاحبة ووجه تفريع سؤال الغفران أما على الأول فظاهر أي إذا كان بك

وروينا فيه عن أبي أمامة رضي الله عنه، قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ أوى إلى فِراشِهِ طاهِرًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ المستعان في كل شأن فاغفر لنا ما وقع من التقصير والعصيان وأما على الثاني فببركة اسمك الكريم يحصل الكمال ويزول النقص بحال ومنه الذنب فاغفره يا رب وفي نسخة من الأذكار "باسمك رب وضعت" وهو كذلك في أصل مصحح من كتاب ابن السني وهو منادى مضاف بحذف حرف النداء. قوله: (وَرَويَنْا فيهِ عَنْ أَبِي أمامةَ). قال الحافظ بعد تخريجه أخرجه ابن السني من طريق إسماعيل بن عياش وروايته عن الحجازيين ضعيفة وهذا منها وشيخه عبد الله بن عبد الرحمن مكي وشهر بن حوشب فيه مقال وقد اختلف عليه في سنده فأخرجه النسائي في الكبرى عنه عن أبي أمامة قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول من توضأ فأحسن الوضوء ذهب الإثم من سمعه وبصره ويديه ورجليه فقال أبو ظبية وأنا سمعت عمرو بن عبسة يحدث بهذا وسمعته يقول سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول من بات طاهرًا على ذكر الله لم يتعار ساعة من الليل يسأل الله فيها شيئًا من أمر الدنيا والآخرة إلَّا آتاه إياه فعرف بهذا أن حديث شهر عن أبي أمامة إنما هو في الوضوء وأما حديثه في الذكر عند النوم فإنما هو عن أبي ظبية بفتح المعجمة وسكون الموحدة بعدها تحتية وقيل إنه بالمهملة وتقديم الموحدة على التحتية وجزم الإمام بأنه تصحيف وأخرج النسائي أيضًا من طريق الأعمش مثل ذلك وأخرج الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة من طريق حماد بن زيد عن شهر بن حوشب عن أبي ظبية عن معاذ بن جبل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ما من مسلم يبيت وهو على ذكر الله تعالى طاهرًا فيتعار من الليل فيسأل الله خيرًا من الدنيا والآخرة إلَّا أعطاء الله إياه قال حماد قال ثابت البناني قدم علينا أبو ظبية فحدث بهذا الحديث قال الحافظ هو حديث حسن قال ولعل أبا ظبية حمله عن معاذ وعن عمرو بن عبسة فإنه تابعي كبير شهد خطبة عمر بالجابية وسكن حمص ولا يعرف اسمه وانعقد على توثيقه اهـ. قوله: (طاهرًا) أي من المحدثين كما هو الأكمل المنصرف إليه المطلق وأما حديث فليتوضأ وضوءه للصلاة السابق فقيل هو بيان للطهارة

وذَكَرَ اللهَ عَز وجَل حتى يُدْرِكَهُ النُّعَاسُ لَمْ يَنقَلِبْ ساعةً مِنَ اللَّيلِ يَسألُ الله عز وَجَل فِيها خَيرًا مِنْ خَيْرِ الدنْيا والآخِرَةِ، إلا أعطاهُ إياهُ". وروينا فيه عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أوى إلى فراشه قال: "اللهُم أمْتِعني بِسمعي وبَصري، واجْعَلْهُما الوَارِثَ مِني، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإيماء إلى أنه أقل أنواعها فيكفي المجنب أن يتوضأ وينام أو يتيمم عند فقد الماء حسًّا أو شرعًا والظاهر أن ما في هذا الحديث إنما يحصل بالطهر من المحدثين بالوضوء إن كان ذا حدث أصغر فقط أو بالغسل أو التيمم عند تعذره حسًّا أو شرعًا إن كان ذا حدث أكبر لأن الحاصل بالوضوء للجنب إنما هو تخفيف الحدث لا رفعه ثم رأيت القرطبي أشار لذلك في المفهم وعبارته ويتأكد الأمر في حق الجنب غير أن الشرع قد جعل وضوء الجنب عند النوم بدلًا من غسله تخفيفًا عنه وإلا فذلك الأصل يقتضي ألا ينام حتى يغتسل اهـ. قوله (وَذَكَرَ الله) أي بلسانه أو جنانه وإن ضمهما فنور على نور. قوله: (النعاسُ) تقدم في الفصول أول الكتاب أنه أوائل النوم وعلامته سماع كلام الحاضرين وإن لم يفهمه والظاهر أن المراد به هنا النوم. قوله: (يَسْأَلُ الله عَز وجَلّ فيهَا خيْرًا الخ) ففيه الإشارة إلى أن النوم على الطهارة من أسباب إجابة الدعاء كلما انقلب في ليلته. قوله: (وَرَوَينا فيهِ عَن عائِشَةَ الخ) قال الحافظ وقع لنا هذا المقدار من الحديث عن جماعة من الصحابة غير مقيد بالنوم منه عن جابر عند البزار ومنها عن عبد الله بن الشخير عنده عند الطبراني ومنها عن كل عند الحاكم بسند رواته ثقات وهو حديث حسن صححه الحاكم وفيه نظر لانقطاع في سنده وفي الباب عن أبي هريرة عند الترمذي وغيره وعن ابن عمر عند الترمذي أيضًا والله أعلم. قوله: (أمْتِعني بسَمعي وبَصَري) أي لأصرف السمع فيما خلق له من نحو سماع قرآن وذكر أو علوم ومعارف أو حكم ومواعظ والبصر وهو الجوهر اللطيف الذي ركبه الله تعالى حاسة النظر يدرك المبصرات فيما خلق له من مشاهدة بدائع المصنوعات وعجائب المخترعات الدال على كمال القدرة وجلال الذات وعلم مما ذكر وجه تخصيص هذين بالذكر دون بقية

وانْصُرني على عَدُوِّي وأرني مِنْهُ ثأري، اللهُم إني أعُوذُ بِكَ من غَلَبَةِ الدَّينِ وَمِنَ الجُوعِ فإنهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ". قال العلماء: معنى اجعلهما الوارث مني: أي: أبقهِما صحيحين سليمين إلى أن أموتَ، وقيل: المراد: بقاؤهما وقوتهما عند الكِبَر وضعف الأعضاء ـــــــــــــــــــــــــــــ الحواس وحاصله توقف ما يؤدي للإيمان عليهما دون غيرهما لأن الدلائل إنما تكون مأخوذة من الآيات المنزلة وذلك بطريق السمع أو من الآيات المنصوبة في الآفاق والأنفس وذلك بطريق البصر فسأل التمتع بهما حذرًا من سلك في وعلى سمعهم وأبصارهم غشاوة أشار إليه الطيبي. قوله: (وأنصرني عَلَى عدُوي) أي من عاداني فيك بأن تظفرني عليه بالقهر والحجة البالغة حتى يندفع شره عن العوام، ويرجع عن بدعته وضلالته كذا قيل ولو عمم عدو ليشمل من عادى في الدين أو في الدنيا كما يدل عليه إضافته المقتضية للعموم حيث لا عهد لم يبعد خصوصًا يقر به أن الدعاء كلما عم تم. قوله: (ثأري) هو في الأصل الغضب والحقد من الثوران يقال ثار أي هاج غضبه وأريد به هنا ما يتولد عن الغضب من الجناية على الغير والمؤاخذة بها أي أرني ما استحق من قصاص وهو أخذه بجناية من العدو نفسه ليكون أبلغ في ظهور النصر. قوله: (ومنَ الجُوع) هو ما ينال الحيوان من ألم خلو المعدة المؤدي تارة إلى المرض وأخرى إلى الموت. قوله: (فإِنه بَئْسَ الضجيع) أي المضاجع شبه في ملازمته للجائع مع إضراره له بمضاجع يريد نحو هلاكه بجامع أن هذا فيه منع صحة البدن بتحليل مواده المحمودة الناشئة عن الأغذية الصالحة والدماغ بإثارته الأفكار الفاسدة والخيالات الباطلة وذلك يؤدي للتعطل عن العبادة الظاهرة والباطنة قال أبو عبيد وقوله فإنه بئس الضجيج يدل على أن الجوع من أشد ما ابتلي به العبد وبئس كلمة تجمع كل مذموم قال تعالى: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} [النحل: 112] أي ابتلاها بشر ما خبرت من عقاب الجوع والخوف اهـ. قوله: (وقوَّتهُما) بالرفع عطف على بقاء لا على الضمير المضاف إليه لأن العطف على الضمير المجرور يلزم فيه إعادة الجار على الصحيح.

وباقي الحواس: أي اجعلهما وارثَيْ قوة باقي الأعضاء والباقِيَيْن بعدها، وقيل: المراد بالسمع: وعي ما يسمع والعمل به، وبالبصر: الاعتبار بما يرى. وروي: "واجعله الوارث مني" فرد الهاء إلى الإمتاع فوحَّده. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (وبَاقي الحواس) بالجر عطفًا على الأعضاء. وقوله (فردّه إلى الإمتاع) الأنسب بعبارة الحديث إلى التمتع قال ابن حجر في شرح المشكاة بعد أن ذكر فالتمتع مفعول أول والوارث مفعول ثاني ومناصلته ابن حجر في شرح المشكاة في ذكر الكلام على قوله متعني بسمعي وبصري ما ذكرته فيه برمته ثم قال هنا واجعله أي ما متعتنا به مما ذكر الوارث منا أي اجعل تمتعنا الوارث منا أي بأن تبقي تمتعنا به إلى الموت وعليه فهذه الجملة للإطناب والتأكيد لأن المقام يناسبه ويصح أن يكون للتأسيس لأن الأول فيه طلب التمتع حيًّا مدة الحياة والثاني فيه طلب ذلك وتحتم القضاء به بحيث لا يتغير ولا يتبدل كما أشار إليه قوله الوارث فإنه لازم للمورث لا يتخلف عنه قال ثم رأيت شارحًا حكى ذلك فقال قيل الضمير للتمتع الذي دل عليه متعني ومعناه اجعل تمتعنا بهما باقيًا مأثورًا فيمن بعدنا أي محفوظًا لنا إلى يوم الحاجة فالضمير المفعول الأول والوارث مفعوله الثاني ومناصلته قيل لما سبق من الإسماع والإبصار بالإفراد والتذكير على تأويله بالمذكور والمعنى بوراثتهما لزومهما له عند موته لزوم الوارث له اهـ، وبه يعلم أنه لا يتعين كونه على الإفراد راجعًا إلى الامتاع فحسب كما توهمه عبارة الشيخ نفع الله به وجوز بعضهم كون الضمير عليه راجعًا للمصدر أي اجعل الجعل المذكور الوارث منا فالجعل مفعول مطلق وعنا كما قال تعالى حكاية عن زكريا {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم: 5 - 6] والوارث مفعول أول ومنا مفعول ثانٍ على معنى واجعل الوارث من نسلنا لا كلالة خارجة واعترضه ابن حجر بأن فيه من القلاقة وخفاء المراد وعدم المناسب بالمقام ما لا يخفى قال في الحرز والأظهر أن الضمير يعود إلى التمتع المدلول عليه بقوله

وروينا فيه عن عائشة رضي الله عنها أيضًا قالت: "ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منذ صحبته ينام حتى فارق الدنيا حتى يتعوَّذ من الجبن والكسل والسامة والبخل وسوء الكبر وسوء المنظر في الأهل والمال وعذاب القبر ومن الشيطان وشركه". ـــــــــــــــــــــــــــــ ومتعنا الخ. نظير اعدلوا هو أقرب للتقوى قال الحافظ بعدما تقدم عنه من الصحابة الذين روي عنهم الحديث غير مقيد ما لفظه والاستعاذة من الدين تقدمت في حديث مضى في باب ما يقال عند الصباح والمساء والاستعاذة من الجوع جاء في حديث أبي هريرة قال كان - صلى الله عليه وسلم - يقول اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع وأعوذ بك من الخيانة فانها بئست البطانة حديث حسن أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وأخرجه الطبراني في الدعاء من طريق أخرى وأخرجه الحاكم من عدة طرق عن أبي هريرة وصححه اهـ. قوله: (وَرَوَينْا فيهِ عَنْ عائِشَة) قال الحافظ أخرجه ابن السني من رواية السدي عن إسماعيل السبيعي عن مسروق عنها والسدي ضعيف وقد جاء هذا الحديث متفرقًا فتقدم أوله من حديث أنس وأما الاستعاذة من سوء المنظر في الأهل والمال فسيأتي في أدب المسافر وأما الاستعاذة من عذاب القبر ففي أذكار التشهد من طرق وأما الاستعاذة من الشيطان وشركه ففي حديث لعبد الله بن عمرو عند أحمد وغيره اهـ. قوله: (والسآمة) هي الملل والضجر وسبق في أذكار المساء والصباح الكلام على الجبن والكسل والبخل وحكمة الاستعاذة منها ولعل حكمة الاستعاذة من السآمة أنها سبب لانقطاع العبد عن باب مولاه سيما أن أطاع ملله وغسله وهواه وقد ورد في الحديث أن الله لا يمل حتى تملوا فتنقطعوا عن ساحة عبوديته. قوله: (وسُوءِ الْكِبَرِ) بكسر الكاف وسكون الموحدة أي شؤم الكبر وبلائه من العذاب الأليم والبعد عن الخير العميم أو بكسر ففتح أي ما يحصل في الكبر من الخرف والضعف والفتور عن القيام بالمطلوب من الإنسان من أداء العبودية وسبق في الباب المذكور لهذا مزيد. قوله: (وشِرْكِهِ) يحتمل أن يكون بكسر الشين المعجمة وسكون الراء المهملة أي تسويله وإغوائه إلى الإشراك بالله سبحانه وأن يكون بفتحهما أي حبائله ومصايده وتقدم زيادة

وروينا فيه عن عائشة أيضًا أنها كانت إذا أرادت النوم تقول: اللهُم إني أسألكَ رُؤيا صَالحةً صادِقَةً غَيرَ كاذِبَةٍ، نافِعةً غَيرَ ضارّةٍ. وكانت إذا قالت هذا قد عرفوا أنها غير متكلمة بشيء حتى تصبح أو تستيقظ من الليل. وروى الإمام الحافظ أبو بكر بن أبي داود بإسناده عن علي رضي الله عنه قال: ما كنت أرى أحدًا يعقل ينام قبل أن يقرأ الآيات الثلاث الأواخر ـــــــــــــــــــــــــــــ بيان لهذا. قوله: (وَرَوَينَا فيهِ عَنْ عائِشةَ الخ) قال الحافظ أخرجه ابن السني من طريقين عن عقيل بن خالد عن ابن شهاب الزهري عن عروة وهو موقوف صحيح الإسناد اهـ. قوله: (صالِحَةً) أي باعتبار ذاتها أو باعتبار تأويلها. قوله: (صادِقةً) أي لا تكون من أضغاث الاحلام و. قوله: (غيْر كَاذِبَةٍ) صفة بيان لقوله صادقة. قوله: (نافِعةً) أي يترتب عليها المنافع بأن تكون بالأوصاف السابقة المسؤولة. قوله: (غيْر ضارةٍ) بيان لقوله نافعة والنافعة كذلك هي المخصوصة في عرف الشرع باسم الرؤيا والتي في الشر باسم الحلم بضم الحاء. قوله: (أَنَّها غيْرُ متكَلمةٍ بشَيْءٍ) أي من كلام الناس فلا ينافي ما سبق من طلب الذكر بأنواعه السابقة وألفاظه المارة عند المنام وأنه يكون آخر الكلام لاحتمال أن يكون حمامه في منامه فيكون الذكر آخر عمله فيبلغ بفضله تعالى غاية أمله. قوله: (وَرَوى الإِمامُ أَبُو بكْر بنُ الأشعث) قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الدارمي أخرجه أبو بكر عبد الله بن أبي داود سليمان السجستاني في كتاب شريعة القاري من طريقين الأولى صحيحة كما قال الشيخ فقد أخرج الشيخان لرجالها إلَّا عبيد بن عمرو فإنه كوفي ذكره البخاري وابن أبي حاتم وابن حبان في الثقات ولم يذكروا له راويًا غير أبي إسحاق السبيعي ففي سنده علة وهي الاختلاف على أبي إسحاق وشيخه هل هو عمير بن سعد أو رجل مبهم عن علي وهذه العلة تحطه عن درجة الصحيح اهـ. قوله: (مَا كُنْتُ أُرَى) هو بضم الهمزة وفتح الراء على صيغة المجهول من الإراءة أي أظن على صيغة الفاعل وفي نسخة بفتح الهمزة أي اعلم. قوله: (يَعِقلُ) أي يصير ذا عقل وإدراك وتمييز وهو صفة أحدا والمفعول الثاني قوله ينام قبل أن يقرأ الخ. قوله: (الآياتِ الثلاثَ) من قوله تعالى: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [البقرة: 284] وإنما قال علي رضي الله عنه لما علم من عظيم فضل آيتين

من سورة البقرة. إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم. وروي أيضًا عن علي رضي الله عنه: ما أرى أحدًا يعقل دخل في الإسلام ينامُ حتى يقرأ آية الكرسي. وعن إبراهيم النخعي قال: كانوا يعلمونهم إذا أووا إلى فراشهم أن يقرؤوا المعوذتين. وفي رواية: كانوا يستحبون أن يقرؤوا هؤلاء السور في كل ليلة ثلاث مرات: قل هو الله أحد والمعوذتين. إسناده صحيح على شرط مسلم. واعلم أن الأحاديث والآثار في هذا الباب كثيرة وفيما ذكرناه كفاية لمن وُفِّق للعمل به، وإنما حذفنا ما زاد عليه خوفًا من الملل على طالبه والله أعلم، ثم الأولى أن يأتيَ الإنسان بجميع المذكور في هذا الباب، ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمتي سورة البقرة وزاد فضلهما بما ضم من الآية الدالة على إحاطة علمه عز وجل بسائر الكائنات ومن فضل آية الكرسي أن من قرأها لا يقربه الشيطان ويحفظ في نفسه وولده وداره ودور الجيران. قوله: (وَرَوَي أَيضًا عَنْ علي) قال الحافظ أخرجه ابن أبي داود من طريق الأعمش عن أبي إسحاق عن عبيد بن عمرو عن علي وسنده حسن قال ووقع لي من وجه آخر عن علي أتم من هذا ولفظه ما كنت أرى رجلًا ثبت في الإسلام أو ولد في الإسلام أو أدرك الإسلام ينام حتى يقرأ هذه الآية {اللَّهُ لا إِلَهَ إلا هُوَ} [البقرة: 255] حتى فرغ من آية الكرسي أتعلمون ما هي إنما أعطيها نبيكم من كنز تحت العرش لم يعطها أحد قبله ما أتت على ليلة قط إلَّا وأنا أقرؤها ثلاث مرار في الركعتين بعد صلاة العشاء وفي وترى وحين آخذ مضجعي من فراشي موقوف حسن لانضمامه لما قبله وفي سنده ضعفاء ثلاثة اهـ. قوله: (النَّخَعي) بفتح النون والخاء المعجمة بعدها عين مهملة ثم تحتية قال في لب اللباب نسبة إلى النخع وهي قبيلة كبيرة من مذحج واسم النخعي جبير بن عمرو بن علة وقيل له النخعي لأنه انتخع عن قومه أي بعد عنهم ونزل بيشة ونزلوا في الإسلام الكوفة ينسب إليهم من العلماء الجم الغفير إلى أن قال ومنهم إبراهيم النخعي أمه مليكة أخت الأسود بن يزيد وهو الفقيه المشهور اهـ، وحديثه سبق

باب كراهية النوم من غير ذكر الله تعالى

فإن لم يتمكن اقتصر على ما يقدر عليه من أهمه. باب كراهية النوم من غير ذكر الله تعالى روينا في سنن أبي داود بإسناد جيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ قَعَدَ مَقْعدًا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ تعالى فيهِ كانَتْ عليهِ مِنَ اللهِ تِرَةٌ، ومَنْ اضْطَجعَ مَضْجَعًا لا يَذْكُرُ اللهَ تعالى فِيهِ كانتْ عَليهِ مِنَ الله تعالى تِرَةٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ دليله من قراءته - صلى الله عليه وسلم - لذلك كل ليلة عند المنام مع جمع كفيه والتفث فيهما ومسح ما تصل إليه من جسده عليه أفضل الصلاة والسلام والأثر عن النخعي أخرجه ابن أبي داود بسندين كلاهما صحيح أخرج الشيخان لجميع رواتهما فعجب من اقتصار الشيخ على شرط مسلم وتقدم أول الباب حديث عائشة في قراءة المعوذات وهو في الصحيحين وفي بعض طرقه ثلاث مرات. قوله: (فإِنَّ لمْ يَتَمكَّن) أي غلبه المنام أو منعه الشغل بما هو أهم منه. باب كراهية النوم من غير ذكر الله تعالى قوله: (كَانَتْ عليهِ مِن الله تِرَةٌ) قيل الظاهر أن من للتعليل أي من أجل ثوابه وقربه وترة مرفوع كان فهي تامة أي وجدت عليه من الله حسرة عظيمة أو كان ناقصة وعليه مبتدأ وترة خبر ومن الله متعلق بترة والجملة خبر كان واسمها ضمير القصة أو ضمير يعود للقعدة المفهومة من قعد أو ترة فاعل كان ومن الله متعلق به وعليه في محل الحال وإثبات التاء في كانت هو ما في المشكاة تبعًا لما في أبي داود وجامع الأصول وفي رواية جرى عليها صاحب المصابيح كان بحذف التاء ونصب ترة وهو ظاهر وضمير كان يرجع إلى المقعد ومن الله متعلق بترة ثم هاتان الروايتان رويتا في قوله الآتي كانت عليه من الله تعالى ترة وتوجيههما هو ما ذكر. قوله: (ومنِ اضطَجَع مضْجَعًا لَا يذْكرُ الله فيهِ الخ) غاير بين الحرفين أعني لا في الأول ولم في الثاني للتفنن في التعبير قال الخطابي في قوله - صلى الله عليه وسلم - لم تراعوا معناه لا تخافوا والعرب قد توقع لم موقع لا

باب ما يقول إذا استيقظ في الليل وأراد النوم بعده

قلت: الترة بكسر التاء المثناة فوق وتخفيف الراء، ومعناه: نقص، وقيل: تبعة. باب ما يقول إذا استيقظ في الليل وأراد النوم بعده اعلم أن المستيقظ بالليل على ضربين. أحدهما: من لا ينام بعدَه، وقدمنا في أول الكتاب أذكاره. والثاني: من يريد النوم بعده، فهذا يستحب له أن يذكر الله تعالى إلى أن يغلبَه النوم، وجاء فيه أذكار كثيرة، فمن ذلك ما تقدم في الضرب الأول. ومن ذلك ما رويناه في "صحيح البخاري" ـــــــــــــــــــــــــــــ اهـ. قال بعض المحققين من هذا الحديثين على ذكرهما وفي أحاديث أخر على الأول فقط أن من مضى عليه زمن من الأزمنة في أي مكان أو شأن من غير ذلك الله تعالى بالقلب واللسان أو بفعل طاعة كان عليه ذلك حسرة وندامة أي ندامة لما يرى من عظيم الثواب للذكر وسائر الطاعات اهـ، وكان الصديق رضي الله عنه يقول يا ليتني أخرس إلَّا عن ذكر الله تعالى ثم الحديث كما قال الحافظ حسن أخرجه النسائي في الكبرى والروياني في الذكر والطبراني في الدعاء ثم أخرجه الحافظ من طرق وبين حال كل طريق عقب تخريجها قال ووقع في رواية الترمذي والحاكم زيادة في المتن. قوله: (الترةُ الخ) الهاء فيه عوض عن الواو المحذوفة من أوله مثل وعدته عدة قال ابن حجر في شرح المشكاة مأخوذ من وتر فلان قتل له قتيل ولم يعط ديته أو وتر حقه إذا نقص وكل منهما موجب للحسرة اهـ. فلذا قيل إن الترة الحسرة والندامة. قوله: (تبِعة) هو بفتح المثناة الفوقية وإسكان الموحدة. باب ما يقول إذا استيقظ في الليل وأراد النوم بعده قوله: (مَا رَوَيناهُ في صحيحِ البُخارِي) قال في السلاح بعد إيراده باللفظ المذكور هنا إلى قوله قبلت صلاته رواه الجماعة إلَّا مسلمًا وأشار العراقي في أماليه على المستدرك إلى ما حصل من التفاوت بين الرواة المذكورين فقال ومن خطه نقلت

عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ـــــــــــــــــــــــــــــ قدم البخاري الحمد لله على التسبيح وزاد بعد التسبيح في رواية له ولا إله إلَّا الله وزاد التهليل فيه أيضًا الترمذي والنسائي وابن ماجة بين الحمد والتكبير وزاد ابن ماجة بعد قوله إلَّا بالله العلي العظيم ورواه الرافعي في أماليه من طريق البخاري زاد الرافعي بعد إيراده قال البخاري قال لنا محمد بن يوسف أجريت هذا الدعاء على لساني عند انتباهي من النوم ثم جاءني جاء يعني في النوم فقرأ هذه الآية {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} [الحج: 24]. قلت وهذه الرؤيا ليست في روايتنا من البخاري لا من رواية محمد بن مكي الكشميهني ولا رواية غيره وهي عند الرافعي من رواية الكشميهني عن الفربري عنه اهـ، وقال الحافظ بعد تخريج الحديث حديث سنده صحيح أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي والطبراني في المعجم الكبير وفي كتاب الدعاء اهـ. قوله: (عَنْ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ رضيَ الله عنهُ) هو أبو الوليد عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر قيس بن ثعلبة بن غنم بن سام بن عوف بن عمرو بن الخزرج الأنصاري الخزرجي السالمي المدني الصحابي الجليل أخو أويس بن الصامت أمه قرة العين بنت عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان شهد العقبة الأولى والثانية وشهد بدرًا وأحدًا وبيعة الرضوان والمشاهد كلها وآخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين أبي مرثد الغنوي واستعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصدقات وكان يعلم أهل الصفة القرآن وأرسله عمر بن الخطاب هو ومعاذًا وأبا الدرداء حين فتح الشام ليعلموا الناس القرآن بالشام ويفقهوهم فأقام عبادة بحمص ثم انتقل إلى فلسطين وهو أول من ولي القضاء كما قاله الأوزاعي وخالفه معاوية في شيء أنكره عليه عبادة فأغلظ عليه معاوية في القول فقال عبادة لا أساكنك بأرض واحدة أبدًا ورحل إلى المدينة فقال عمر ما أقدمك فأخبره فقال ارجع إلى مكانك فقبح الله أرضًا لست فيها أنت ولا أمثالك وكتب إلى معاوية لا إمرة لك عليه وكان من سادات الصحابة وأحد النقباء الاثني عشر ليلة العقبة وكان نقيبًا على قوافل بني عوف بن الخزرج وإنما سموا قوافل لأنهم كانوا في الجاهلية إذا نزل بهم ضيف يقولوا له قوفل حيث شئت يريدون اذهب حيث شئت وقدر ما شئت ذلك الأمان لأنك في ذمتنا قاله ابن حبان وهو أحد الخمسة

قال: "مَنْ تعارَّ مِنَ اللَّيلِ فقال: لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لهُ، لهُ المُلْكُ ولهُ الحَمْدُ وهُوَ على كُل شَيء قَدِيرٌ، والحَمْدُ للهِ، وسُبْحَانَ اللهِ، ولا إلهَ إلَّا اللهُ، واللهُ أكْبَرُ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلا بالله"، ثم قال: "اللهُم اغْفِر لي أوْ دَعا، اسْتُجيبَ لهُ، فإنْ توَضّأ قُبلَتْ صلاتُهُ" هكذا ضبطناه في أصل سماعنا المحقَّق، وفي النسخ المعتمدة من البخاري، وسقطَ قول: "ولا إله إلا الله" قبل، "والله أكبر" في كثير من النسخ، ولم يذكره الحميدي أيضًا في "الجمع بين الصحيحين"، وثبت هذا اللفظ في رواية الترمذي وغيره، وسقط في رواية أبي داود، وقوله: "اغفر لي أو دعا"، هو شك من الوليد بن مسلم أحد الرواة، وهو شيخ شيوخ البخاري، وأبي داود والترمذي وغيرهم في هذا الحديث. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "تعار" هو بتشديد الراء، ومعناه: استيقظ. وروينا في "سنن أبي داود" بإسناد لم يضعفه، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا استيقظ من الليل قال: "لا إله إلا أنْتَ سُبْحانَكَ اللهُم أستغفِرُكَ لذنبي، وأسألك رحمتك، اللهُم زِدني عِلمًا، ولا تُزِغْ قلبي بَعْدَ إذْ هَدَيْتَني، وَهَبْ لي مِنْ لَدُنْكَ رَحمةً إنَّكَ أنْتَ الوهابُ". وروينا في كتاب ابن السني عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان -تعني رسول ـــــــــــــــــــــــــــــ الذين جمعوا القرآن في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما رواه البخاري في التاريخ ..

الله - صلى الله عليه وسلم - إذا تعارَّ من الليل قال: "لا إله إلا اللهُ الواحِدُ القهارُ، رب السماوَاتِ والأرضِ ومَا بَينَهُما العَزيزُ الغَفَّارُ". وروينا فيه بإسناد ضعيف عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا ردَّ الله عزَّ وجَلَّ إلى العَبْدِ المُسْلِمِ نَفْسهُ مِنَ الليلِ فَسَبَّحَهُ واسْتَغْفَرَهُ وَدَعَاهُ تَقَبَّلَ مِنْهُ". وروينا في كتاب الترمذي وابن ماجه وابن السني بإسناد جيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قامَ أحدُكُمْ عَنْ فِرَاشِهِ مِنَ اللَّيلِ ثم عادَ إليهِ فَلْيَنْفُضْهُ بِصَنِفَةِ إزاره ثلاثَ مَراتٍ، فإنَّهُ لا يَدري ما خَلَفَهُ عَلَيهِ، فإذا اضْطَجَعَ فلْيَقُلْ: باسمِكَ اللهُم وَضَعْتُ جَنبي، وبكَ أرفَعُهُ، إن أمسكْتَ نَفْسي فارْحَمْها، وإنْ رَدَدتَها فاحفَظْها بما تَحْفَظُ بِهِ عِبادكَ الصالِحينَ" قال الترمذي: حديث حسن. قال أهل اللغة: صنفة الإزار بكسر النون: جانبه الذي لا هدب فيه، وقيل: جانبه أي جانب كان. وروينا في "موطأ الإمام مالك" رحمه الله في "باب الدعاء" آخر "كتاب الصلاة" عن مالك، أنه بلغه عن أبي الدرداء رضي الله عنه "أنه كان يقوم من جوف الليل فيقول: نامَتِ العُيونُ وغارَتِ النُّجُومُ وأنْتَ حَيٌّ قيُّومٌ". قلت: معنى ـــــــــــــــــــــــــــــ فلينفضه بصنفة إزاره بفتح الصاد وكسر النون فقيل طرفه وقيل حاشيته وقيل هي الناحية التي عليها الهدب وقيل الهمزة والمراد هنا طرفه اهـ، وأما قول الشيخ ابن حجر في المشكاة بفتح المهملة والنون والفاء فمخالف لكتب اللغة والرواية اهـ. وحديث أبي الدرداء يأتي شرحه في أول الباب بعده. قوله: (وَرَوَينَا في مُوَطَإِ الإِمام مالِكِ الخ)

باب ما يقول إذا قلق في فراشه فلم ينم

غارت: غربت. باب ما يقول إذا قلق في فراشه فلم ينم روينا في كتاب ابن السني عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: "شكوتُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرَقًا أصابني، فقال: قُلِ: اللهمِ غَارَتِ النجُومُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الحافظ لم أقف على من وصله ولا أسنده ابن عبد البر مع تتبعه لذلك قال الحافظ ووقع لي مسندًا من وجه آخر أخرجه من حديث أنس قال كان - صلى الله عليه وسلم - يقوم في جوف الليل فيقول نامت العيون وغارت النجوم وأنت الحي القيوم لا يواري منك ليل داج ولا سماء ذات أبراج ولا أرض ذات مهاد تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور قال الحافظ حديث حسن ولولا المبهم الذي في سنده لكان السند حسنًا وأظن أن هذا المبهم محمد بن حميد الرازي وفيه كلام وكأنه أبهم لضعفه وللمتن شاهد في الباب الذي بعده. قوله: (وغارَتْ أَي غَابتْ) وفي نسخة معنى غارت أي أبدت عرضها للمغيب اهـ. قال الأخفش غارت النجوم أي غارت كما يغور الماء إذا ذهب في الأرض وغارت عينه إذا دخلت في رأسه اهـ، والله أعلم. باب ما يقول إذا قلق في فراشه فلم ينم جملة فلم ينم معطوفة على قوله قلق عطف تفسير وبيان وجاز لاتحادهما في الزمان والقلق في أصله الحركة والاضطراب ويسمى القلق أي عدم النوم أرقًا بفتحتين فإن سهر لعلة فأرق بفتح وكسر وإن اعتاد السهر قيل فيه أرق بضمتين كما يؤخذ من النهاية. قوله: (وَرَوَينَا في كِتَابِ ابْنِ السنى الخ) قال الحافظ حديث غريب أخرجه ابن السني وأبو أحمد بن عدي في الكامل والطبراني في الكبير وقال ابن عدي تفرد به عمرو بن الحصين الحراني وهو مظلم الحديث وحدث عن الثقات بمناكير لا يرويها غيره اهـ، وقال ابن أبي حاتم سمع منه أبي وترك الحديث عنه وهو وأبو زرعة وقال الدارقطني متروك الحديث وشيخه ابن علاثة بضم المهملة وتخفيف اللام وبالمثلثة مختلف فيه وقد أفرط فيه الأزدي في كتاب الضعفاء فكذبه قال الخطيب ولعله وقعت له أحاديث من رواية عمرو بن الحصين عنه وكان كذابًا فظنها الأزدي من ابن علاثة والعلم عند الله اهـ. قوله: (عَنْ زَيْدِ بنِ ثابِت رضيَ الله عنْه) هو أبو خارجة زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري الخزرجي

وَهَدأتِ العُيُونُ وأنْتَ حَيٌّ قَيُّومٌ لا تأخُذكَ سِنَةٌ ولا نومٌ، يا حيُّ يا قَيُّومُ ـــــــــــــــــــــــــــــ النجاري المدني كان يوم بعاث ابن ست سنين وفيه قتل أبوه ثابت وقدم للنبي المدينة وله إحدى عشرة سنة فاستصغره النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر فرده وشهد أحدًا وما بعدها ولم يقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة حتى حفظ ست عشرة سورة ثم استظهر بعد ذلك جميعه وكانت راية بني مالك بن النجار يوم تبوك بيد عمارة بن حزم فدفعها النبي - صلى الله عليه وسلم - لزيد فقال عمارة يا رسول الله بلغك عني شيء قال ولكن القرآن يقدم وكان يكتب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوحي والمراسلات وأمره أن يتعلم قلم الربانية لمكاتبة اليهود وكتب بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وعمر ووثقاه على جمع القرآن وكان عمر يستخلفه إذا حج وولاه قسم غنائم اليرموك وولاه عثمان بيت المال اعتزل الفتنة وكان ابن عباس يأتيه إلى بيته للتعلم ويأخذ بركابه إذا ركب وقال له انا آتيك فقال ابن عباس العلم يؤتى ولا يأتي وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه أفرضكم زيد روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قيل ثلاثة وتسعون حديثًا اتفقا منها على خمسة وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بواحد وأخرج عنه الأربعة روى عنه ابناه وابن المسيب وعروة توفي بالمدينة سنة خمس وأربعين وقيل غير ذلك وصلى عليه مروان ولما مات قال أبو هريرة مات اليوم حبر هذه الأمة وعسى الله أن يجعل في ابن عباس مثله خلفًا وقال ابن عباس هذا ذهاب العلماء دفن اليوم علم كثير رضي الله تعالى عنه. قوله: (وهَدَأَتِ الْعيونُ) أي نامت بالهمزة من الهدأة وهو السكون ومنه أهدئ ليلي أي سكنه لأنام فيه ويجوز ضم العين وكسرها من العيون. قوله: (سِنة ولا نوم) الوسن أول النوم وقد وسن يوسن سنة فهو وسن ووسنان والهاء في سنة عوض من فائه وهي الواو المحذوفة كعدة ومقة قال البيضاوي السنة فتور يتقدم النوم والنوم حال يعرض للحيوان من استرخاء أعضاء الدماغ من رطوبات الأبخرة بحيث تقف الحواس الظاهرة على الإحساس رأسًا وتقديم السنة عليه وكان القياس في المبالغة العكس مراعاة لترتيب الوجود، والجملة أي لا تأخذك الخ، نفي للسببية وإفادة للتنزيه وتأكيد لكونه حيًّا قيومًا فإن من أخذه نعاس أو نوم كان مئوف الحياة قاصرًا عن الحفظ والتدبير وقوله مئوف الحياة قاصرًا عن الحفظ والتدبير وقوله مئوف الحياة أي

أهْدِئْ ليلي، وأنِمْ عَيْني، فقلتها، فأذهب الله عزَّ وجلَّ عني ما كنت أجد". وروينا عن محمد بن يحيى بن حَبَّان -بفتح الحاء وبالباء الموحدة- "أن خالد بن الوليد رضي الله عنه أصابه أرق، فشكا ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأمره أن يتعوذ عند منامه بكلمات الله التامات ـــــــــــــــــــــــــــــ كان به آفة تحل بالحياة. قوله: (أَهْدِئْ لَيْلي) بفتح الهمزة الأولى وإسكان الأخيرة من الهدء وهو السكون أي سكنه لأنام فيه أو سكني بالنوم فيه لأسلم من السهر والأرق ويذهب ما أجد من القلق وعلى الثاني فالإسناد مجازي لأن المدعو بسكونه المظروف أعني هو لا الظرف الذي هو الليل. قوله: (وأَنِمْ عَيْني) الإنامة تخصيص بعد تعميم لأنه الأهم المقصود. قوله: (وَرَوَينَا فيهِ) أي في كتاب ابن السني. قوله: (عَنْ مُحمدِ بنِ يَحْيى بنِ حَبَّانَ) بفتح المهملة وتشديد الموحدة وهو الأنصاري. قوله: (أَنَّ خَالدَ بنَ الْوَليدِ الخ) قال الحافظ بعد تخريجه مرسل صحيح الإسناد أخرجه ابن السني، وأيوب بن موسى أي الراوي للحديث عن محمد بن يحيى بن حبان ثقة من رجال الصحيحين لكن خالفه يحيى بن سعيد الأنصاري فرواه عن محمد بن يحيى وجعل القصة للوليد بن الوليد وهو أخو خالد بن الوليد ولفظه عن يحيى أن الوليد بن الوليد بن المغيرة شكا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسًا يجده فقال إذا أويت إلى فراشك فقل أعوذ بكلمات الله التامات فذكره سواء وزاد في آخره فوالذي نفسي بيده لا يضرك شيء حتى تصبح قال بعد تخريجه كذلك هذا مرسل صحيح الإسناد أخرجه البغوي في معجم الصحابة والإمام أحمد في مسنده كلاهما عن يحيى قال الأول إن الوليد شكا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال الإمام عن الوليد وهكذا وقع عند البغوي من وجه آخر عن ابن شهاب ولم يخرج الإسناد بذلك عن الانقطاع فإن محمد بن يحيى من صغار التابعين وجل روايته عن التابعين والوليد بن الوليد مات في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا الذكر قد جاء في قصة أخرى لخالد بن الوليد كما سيأتي قريبًا فيحتمل أن يكون وقع لكل من خالد والوليد وإن اتحد الدعاء والله أعلم اهـ. قوله: (أَن خَالدَ بنَ الوَليدِ) هو أبو سليمان خالد بن الوليد

من غضبه ـــــــــــــــــــــــــــــ بن المغيرة القرشي نسبة إلى مخزوم بن نقطة بن مرة بن كعب سيف الله في أعدائه أمه لبابة بنت الحارث بن حرب الهلالية أخت أم المؤمنين ميمونة كان شريفًا في الجاهلية بيده أمر القبة التي يجمعون فيها جهاز ما يجهزون من الجيوش وكان أيضًا مقدم خيلهم ولم يزل منذ أسلم يوليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعنة الخيل وكان إسلامه بين الحديبية وخيبر وقيل قبل غزوة مؤتة بشهرين فكان الفتح فيها على يديه وجعله - صلى الله عليه وسلم - على طائفة من الجيش يوم الفتح فدخل من أسفل مكة عنوة ولا يصح له مع النبي - صلى الله عليه وسلم - مشهد قبل مؤتة وكان على مقدمة خيل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بني سليم يوم حنين وجرح يومئذٍ فخرج - صلى الله عليه وسلم - يطوف بين الرجال ويقول من يدلني على رحل خالد حتى وقف عليه فنفث في جرحه فبرأ وأرسله - صلى الله عليه وسلم - إلى صاحب دومة الجندل فقتل أخاه وأسره وأحضره عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فصالحه على الجزية وأرسله - صلى الله عليه وسلم - سنة عشر إلى بني الحارث بن مذحج فقدم معه رجال منهم فأسلموا ورجعوا إلى قومهم بنجران ثم له الأثر العظيم في قتال أهل الردة وفتوح الشام وأهل العراق وفتوحه ومشاهده وشجاعته معلومة مشهورة بالاستفاضة وكان في قلنسوته شعرات من شعر ناصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستفتح بها في حروبه فيفتح عليه ولما حضرته الوفاة قال لقد حضرت مائة زحف وما في بدني موضع شبر إلَّا وفيه ضربة أو طعنة أو رمية فهأنا أموت على فراشي فلا نامت أعين الجبناء وما من عمل أرجى عندي من لا إله إلّا الله وأنا متترس بها من النار وروي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قيل ثمانية عشر حديثًا اتفقا منها على واحد وانفرد البخاري بآخر موقوف وخرج له ما عدا الترمذي من أصحاب السنن الأربع توفي بحمص وقيل بالمدينة سنة إحدى وعشرين في خلافة عمر وأوصى إلى عمر ولما بلغ عمر أن نساء المغيرة أجمعين في دار يبكين خالدًا قال عمر ما عليهن أن يبكين أبا سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة ولما حضرته الوفاة حبس فرسه وسلاحه في سبيل الله رضي الله تعالى عنه. قوله: (مِنْ غَضبِه) أي من إرادته الانتقام أو من نفس الانتقام أي فإن تسليط الشيطان على الإنسان من الخذلان الناشئ عن

ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون" هذا حديث مرسل، محمد بن يحيى: تابعي. قال أهل اللغة: الأرق هو السهر. وروينا في كتاب الترمذي بإسناد ضعيف وضعفه الترمذي عن بريدة رضي الله عنه ـــــــــــــــــــــــــــــ غضبه سبحانه. قوله: (ومنْ شَرّ عِبَادِه) أي ما ينشأ عن الشر عن المخلوقين. قوله: (ومنْ هَمَزَاتِ الشَّياطينِ) أي وساوسهم وأصل الهمز النخس والطعن وقال ابن الجزري أي خطراتها التي تخطرها بقلب الإنسان. قوله: (وأنْ يَحْضُرُونِ) بحذف ياء المتكلم اكتفاء بكسرة نون الوقاية ونون الجمع المذكر فيه للشياطين وهو مقتبس من قوله تعالى: ({وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98)} [المؤمنون: 97 - 98] وأعوذ بك رب أن يحضرون. قوله: (هذَا حَدِيث مرْسَل) لأن محمد ابن يحيى تابعي لم يدرك زمن القصة وحذف الصحابي المدرك للقصة ولكن لا يضر هذا الإرسال في العمل لأنه في فضائل الأعمال المكتفى فيها بالضعيف بشرطه. قوله: (الأَرَقُ هُو السَّهرُ) قال ابن دريد في شرح الدريدية إذا سهر عشقًا أو مرضًا قيل فيه أرق أي بفتح الهمزة وكسر الراء زاد في النهاية وإن اعتاد السهر قيل فيه أرق بضمتين اهـ. قوله: (وَروَينْا في كِتَاب الترْمذِي الخ) وكذا رواه الطبراني في الأوسط وابن أبي شيبة كلاهما عن خالد أيضًا ورواه في الكبير أيضًا وفيه عز جارك وجل ثناؤك ولا إله غيرك. قوله: (وضعَّفهُ التّرْمذِي) قال هذا حديث ليس إسناده بالقوي والحكم بفتحتين وهو ابن ظهير كما في الكاشف والتقريب الراوي قد ترك حديثه بعض أهل الحديث اهـ، وقال الحافظ في التخريج بعد تخريجه حديث غريب أخرجه الترمذي عن محمد بن حاتم عن الحكم بن ظهير وقال ليس إسناده بالقوي وقد ترك بعض أهل الحديث ابن ظهير، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا من غير هذا الوجه. قلت الحكم المذكور قال البخاري متروك الحديث وكذا قال أبو حاتم وأبو زرعة والنسائي وقال ابن معين وابن نمير ليس ثقة وقال ابن حبان يروي الموضوعات عن الثقات اهـ، وقد روى هذا الحديث مسعر وهو من الحفاظ الأثبات عن علقمة شيخ الحكم فيه فخالفه في سنده ووصله أي فإن الحكم رواه عن علقمة بن مرثد عن سلمان بن بريدة عن أبيه ورواه مسعر عن علقمة عن ابن سابط قال أصاب خالد بن الوليد

قال: شكا خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، ما أنام الليل من الأرق، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أوَيْتَ إلى فرَاشِكَ فَقُل: اللهُم رب السموَاتِ السبْع وما أظلتْ، ورَب الأرَضِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أرق فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا أعلمك الخ. قال الحافظ بعد تخريجه هذا مرسل صحيح الإسناد وكأنه الذي أشار إليه الترمذي، وابن سابط اسمه عبد الرحمن وقيل اسم أبيه عبد الله فنسب إلى جده وسابط هو ابن حميضة صحابي جمحي مكي وعبد الرحمن تابعي صغير ورواه شعيب بن إسحاق عن مسعر فزاد في السند يقال عن عبد الرحمن بن سابط عن خالد بن الوليد أنه أصابه أرق فذكر الحديث بتمامه قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الحافظ ضياء الدين المقدسي من طريق الطبراني وكذا رواه محمد بن جابر اليمامي عن مسعر كما قال شعيب، أورده الطبراني في المعجم الكبير في مسند خالد بن الوليد ولم يخرج السند مع ذلك عن الانقطاع لأن عبد الرحمن لم يدرك خالدًا اهـ. قوله: (قَال شكَا خالدُ الخ) تقدم أن الراوي إذا قال قال فلان أو فعل كذا محمول على الاتصال أن كان القائل سالمًا من التدليس وعلم تفاوتهما ولو مرة وهذا الحديث فيه طريق الإسناد رواية صحابي عن مثله وهو كثير جدًّا وسبقت ترجمة بريدة في باب أحكام المساجد ثم في القاموس شكا أمره إلى الله شكوى وينون وشكاية بالكسر وشكيت لغة في شكوت اهـ، فعلى اللغة الأولى التي هي الفصحى يكتب شكا بالألف وعلى الثانية بالياء بناء على القاعدة المقررة في علم الخط من أن ألف الثلاثي أن انقلبت عن واو كتبت ألفًا أو عن ياء كتبت ياء. قوله: (منَ الأَرَقِ) أي بفتحتين وهو السهر أي مفارقة النوم من وسواس أو حزن أو غير ذلك. قوله: (ومَا أَظلَّتْ) بتشديد اللام أي وما أوقعت عليه ظلها والمعنى ما دنت السموات منه من قبيل أظلك فلان إذا دنا منك كأنه ألقى عليك ظله والأظهر أن يقال ما وقعت عليه موقع المظلة. قوله: (الأَرضِين) بفتح الراء كما هو الأفصح وإسكانها في قول الشاعر: لقد ضجت الأرضون إذ قام من بني ... سدوس خطيب فوق أعواد منبر

وما أقلَّتْ، ورَب الشَّياطِينِ وما أضَلَّتْ، كُنْ لي جارًا مِنْ شَرِّ خَلْقِكَ كلهِمُ جَميعًا أنْ يَفْرُطَ عليَّ أحَدٌ مِنْهُمْ وأنْ يَبْغِيَ عليَّ، عَزَّ جارُكَ، وجَلَّ ثَناؤكَ، ولا إلهَ غَيرُكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ضرورة، ونعني به الأرضين السبع الطباق دون الأقاليم السبعة طباقًا للسموات على سبع طبقات كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12] وقال - صلى الله عليه وسلم - من غصب قيد شبر من أرض طوقه الله سبع أرضين يوم القيامة (ومَا قَلَّتْ) بالقاف وتشديد اللام أي أقلته وحملته ورفعته من المخلوقات وفي القاموس استقله حمله ورفعه كقله وأقله اهـ، ووقع لابن الجزري أنه فسر أقلت بقوله أي ارتفعت واستقلت عليه اهـ، وتعقب بأنه غير ظاهر لأن الإقلال إذا كان بمعنى الارتفاع يكون ما قلت عبارة عما يكون في جوف الأرض فلا يحسن التعميم ولا يظهر المقابلة مع أنه مخالف للغة كما تقدم في القاموس. قوله: (ومَا أَضلَّتْ) بالضاد المعجمة وتشديد اللام من الإضلال وهو الإغواء أي ما أضلته الشياطين من الإنس والجن وما هنا بمعنى من واختير على من للمشاكلة ليطابق ما قبله من تغليب غير ذوي العقول لكثرته على العقلاء لتنزيلهم منزلة من لا عقل له أولًا لأنها في كل بمعنى الوصفية. قوله: (كُنْ لي جَارًا) أي مجيرًا ومعينًا قال تعالى وهو يجير ولا يجار عليه. قوله: (جَمِيعًا) هو منصوب على الحال قال في المرقاة فهو تأكيد معنوي بعد تأكيد لفظي أي تأكيد من جهة المعنى بعد تأكيد لفظي أي صناعي وإن كان بألفاظ التأكيد المعنوي ووقع في رواية ومن شر خلقك أجمعين وروي فيه تغليب العقلاء فشرفهم على غيرهم وإن كانوا أكثر. قوله: (أَنْ يَفْرُطَ) هو بفتح الياء والراء من الفرط وهو العدوان والتجاوز في الحد ظلمًا قاله ابن الجزري وقيل يعني بيفرط يغلب أو يقصر في حق وقال في المصابيح قوله يفرط على أحد منهم أي يقصد أذى مسرعًا ثم يصح أن يكون بدل اشتمال من قوله شر خلقك أي من أن يفرط على أحد الخ. قوله: (أَوْ أَنْ يَبغِي) بكسر الغين أي يظلم (عَلَى) أحد. قوله: (عزَّ جارُكَ) أي قوي وغلب وصار عزيزًا كل من استجار بك والتجأ إليك. قوله: (وجَلَّ ثنَاؤُكَ) أي عظمت صفاتك الجليلة عن أن يلحقها نقص أو

باب ما يقول إذا كان يفزع في منامه

ولا إلهَ إلا أنْتَ". باب ما يقول إذا كان يفزع في منامه روينا في سنن أبي داود والترمذي وابن السني وغيرها، عن عمرو بن شعيب عن أبيه ـــــــــــــــــــــــــــــ يعتريها تخلف عن حفظ من التجأ إليها وعول في مهماته عليها وفي المرقاة قوله ثناؤك يحتمل إضافته إلى الفاعل والمفعول ويحتمل أن المثنى غيره أو ذاته فيكون كقوله - صلى الله عليه وسلم - أنت كما أثنيت على نفسك اهـ. قوله: (ولا إِله إِلَّا أَنتَ) أتى به تأكيدًا للتوحيد وتأييدًا للتفريد. باب ما يقول إذا يفزع في منامه الفزع هو الخوف. قوله: (وغيْرِهَا) أي غير هذه الكتب وفي نسخة الحافظ وغيرهم أي غير أصحاب الكتب المذكورة ثم الحديث رواه أحمد والحاكم في مستدركه وقال صحيح الإسناد كما في السلاح عن عبد الله بن عمرو عن الوليد ورواه أحمد بن محمد بن يحيى بن حبان عن الوليد أنه قال يا رسول الله إني أجد وحشة قال إذا أخذت مضجعك فقل باسم الله فذكره. قوله: (عَنْ عَمْرِو بنِ شُعيْبٍ) هو أبو محمد عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي السهمي المدني ويقال له الطالقي كذا في تهذيب الأسماء وقال المصنف في التقريب رواية عن أبانهم هو نوعان أحدهما رواية الرجل عن أبيه فحسب وهو كثير وروايته عن أبيه عن جده كعمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبيه عن جده هكذا له نسخة أكثرها فقهيات جياد واحتج به هكذا أكثر المحدثين قلت وفي المجموع وهو الصحيح المختار الذي عليه المحققون وهم أهل هذا الفن وعنهم يؤخذ حملًا لجده على عبد الله الصحابي دون التابعي أي فالضمير في جده لشعيب لا لعمرو وقال شارحه الجلال السيوطي لما ظهر لهم من إطلاقه ذلك وسماع شعيب من عبد الله وقد أبطل الدارقطني وغيره إنكار ابن حبان ذلك قلت هذا القول يعني إنكار ابن حبان ليس بشيء لأن شعيبًا ثبت سماعه من عبد الله وهو الذي رباه لما مات أبوه محمد اهـ، وحكى الحسن بن سفيان عن إسحاق بن راهويه قال عمرو بن شعيب عن أبيه عن

عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعلمهم من الفزع كلماتِ: "أعُوذُ بكلِماتِ اللهِ التَّامةِ مِنْ غَضَبِهِ وشَرِّ عِبادِهِ، ومِنْ هَمَزَاتِ الشَّياطِينِ وأنْ يَحْضُرُونِ". قال: وكان عبد الله بن عمرو يعلمهن مَنْ عَقلَ من بنيه، ومَنْ لم يعقل كتبه فعلَّقَهُ عليه. قال الترمذي: حديث حسن. وفي رواية ابن السني: "جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فشكا أنه يفزع في منامه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أوَيْتَ إلى فِرَاشِكَ فَقُلْ: أعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ ومِنْ شَرِّ عِبَادِهِ، ومِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وأن يَحْضرُونِ"، فقالها فذهب عنه. ـــــــــــــــــــــــــــــ جده كأيوب عن نافع عن ابن عمر قال المصنف والتشبيه نهاية من الجلالة من مثل إسحاق وقال أبو حاتم عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أحب إلي غير ابن حكيم عن أبيه عن جده ثم أورد المذاهب في العمل بنسخة عمرو المذكور والله أعلم. وقال الدارقطني سمعت أبا بكر النقاش يقول عمرو بن شعيب ليس من التابعين وقد روى عنه عشرون من التابعين قال الدارقطني تتبعت ذلك فوجدتهم أكثر من عشرين قال ابن الصلاح قرأت بخط الحافظ أبي موسى الطيبي في تخريج له قال عمرو بن شعيب ليس بتابعي وقد روكما عنه نيف وسبعون رجلًا من التابعين وهذا وهم فإنه روى عن صحابيتين هما الربيع بنت معوذ وزينب بنت أبي سلمة ربيبة النبي - صلى الله عليه وسلم -. قوله: (عَنْ جَدِّه) الضمير فيه يعود إلى الأب أي عن جد الأب وهو عبد الله كما تقرر. قوله: (عَقَلَ) بفتح أوليه أي بالتمييز بالتكلم. قوله، (مِنْ ولَدِه) بفتحتين وبضم فسكون أي من أولاده. قوله: (جَاءَ رجُلٌ) أي في رواية ابن السني إبهام الرجل فيحتمل أن يكون خالد بن الوليد فقد روى الطبراني في الكبير عن أبي أمامة قال حدث خالد بن الوليد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أهاويل يراها بالليل حالت بينه وبين صلاة الليل فقال - صلى الله عليه وسلم - يا خالد بن الوليد ألا أعلمك كلمات تقولهن لا تقولهن ثلاث مرات حتى يذهب الله ذلك عنك قلت بلى يا رسول الله بأبي أنت وأمي فإنما شكوت هذا إليك رجاء هذا منك قال فقال أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه الخ. قالت عائشة فلم ألبث إلا ليالي حتى جاء خالد فقال بأبي أنت وأمي والذي بعثك بالحق ما أتممت الكلمات التي علمتني ثلاث مرات حتى أذهب الله عني ما كنت

باب ما يقول إذا رأى في منامه ما يحب أو يكره

باب ما يقول إذا رأى في منامه ما يحب أو يكره ـــــــــــــــــــــــــــــ أجد بأبي فما لي لو دخلت على أسد في خيسة بليل والخيسة بكسر المعجمة وسكون التحتية بعدها مهملة مأوى الأسد الحديث قال في السلاح وفي رواية النسائي كان خالد بن الوليد رجلًا يفزع في منامه فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اضطجعت فقل باسم الله أعوذ بكلمة الله التامة من غضبه فذكر مثله ويحتمل أنه الوليد بن الوليد لما تقدم عن ابن حبان ويحتمل أن يكون غيرهما والله أعلم. باب ما يقول إذا رأى في منامه ما يحب أو يكره قال الشيخ ابن حجر الهيتمي في تذكرته المسماة بطرف الفوائد وظرف الفرائد حاصل ما ذكر من آداب الرؤيا الصالحة ثلاث حمد الله عليها والاستبشار بها والإخبار بها لكن لمن يحب دون من يكرهه وآداب الرؤيا المكروهة أربعة التعوذ باللهِ من شرها ومن شر الشيطان وأن يتفل حين يستيقظ من نومه ولا يذكرها لأحد أصلًا زاد البخاري غير موصول ومسلم موصولًا خامسة وهي الصلاة ولفظهما فمن رأى شيئًا يكرهه فلا يقصه على أحد وليقم فليصل وزاد مسلم سادسة وهي التحول من جنبه الذي كان عليه ولفظه إذا رأى أحدكم الرؤيا فكرهها فليبصق على يساره ثلاثًا وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثًا ويتحول من جنبه الذي كان عليه قال النووي وينبغي أن يجمع بين هذه الروايات كلها ويعمل بجميع ما تضمنته فإن اقتصر على بعضها أجزأه في دفع ضررها كما صرحت به الأحاديث اهـ، وتعقبه شيخ الإسلام ابن حجر بأنه لم ير في شيء من الأحاديث الاقتصار على واحد ثم قال لكن أشار المهلب إلى أن الاستعاذة كافية في دفع شرها اهـ. قال القرطبي ولا ريب أن الصلاة تجمع ذلك كله لأنه إذا قام يصلي تحرك عن جنبه وبصق عند المضمضة في الوضوء واستعاذ قبل القراءة ثم دعا الله في أقرب الأحوال إليه فيكفيه الله شرها قيل وبقيت سابعة وهي قراءة آية الكرسي وينبغي أن يقرأها في صلاته المذكورة ومستند ذلك خبر البخاري وغيره أن من قرأها في ليلة لا يضره الشيطان قال عياض وحكمة التفل طرد الشيطان الحاضر للرؤيا المكروهة وتحقيره واستقذاره

روينا في "صحيح البخاري" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا رأى أحَدُكُمْ رُؤْيا يُحِبُّها، فإنَّمَا هيَ مِنَ اللهِ تعالى، فَلْيَحْمَدِ اللهَ تعالى عَلَيها ولْيُحَدِّثْ بها". وفي رواية: -فلا يُحَدِّثْ بها ـــــــــــــــــــــــــــــ وخصت به اليسار لأنها محل الأقذار ونحوها والتثليث للتأكيد اهـ. كلام الشيخ ابن حجر الهيتمي قال بعضهم التفل مع التعوذ يرد ما جاء به الشيطان كالنار إلى وجهه فيحترق ويصير رمادًا قال العلقمي في شرح الجامع الصغير وحكمة التحول التفاؤل بتحول الحال قال شيخنا يعني السيوطي ولمجانبة محل الشبطان ولهذا أمر الناعس يوم الجمعة بالتحول عن مكانه اهـ. قوله: (رَوَينَا في صحيح البُخارِي) وكذا رواه مسلم والنسائي كلهم عن أبي سعيد كما في السلاح والحصن وأخرجه الحاكم عن المحبوبي عن الترمذي قال الحافظ ووهم في استدراكه. قوله: (رُؤْيا) قال المصنف في شرح مسلم الرؤيا مقصورة مهموزة ويجوز ترك همزتها كنظائرها قال الإمام المارزي مذهب أهل السنة حقيقة الرؤيا أن الله تعالى يخلق في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان وهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء لا يمنعه نوم ولا يقظة فإذا خلق هذه الاعتقادات فكأنه جعلها علامات على أمور أخر تلحقها في ثاني الحال أو كأنه قد خلقها فإذا خلق في قلب النائم الطيران وليس بطائر فأكثر ما فيه أنه اعتقد أمرًا على خلاف ما هو فيكون ذلك الاعتقاد علمًا على غيره كما يكون خلق الله سبحانه وتعالى الغيم علمًا على المطر والجميع خلق الله تعالى ولكن يخلق الرؤيا والاعتقادات التي جعلها علمًا على ما يسر بغير حضرة الشيطان ويخلق ما هو علم على ما يضر بحضرة الشيطان فتنسب إلى الشيطان مجازًا لحضوره عندها وإن كان لا فعل له حقيقة وهذا معنى حديث الرؤيا من الله والحلم من الشيطان لا على أن الشيطان يفعل شيئًا فالرؤيا اسم للمحبوب والحلم اسم للمكروه وإن كانتا جميعًا من خلق الله تعالى وتدبيره وبإرادته ولا فعل للشيطان فيهما لكنه يحضر المكروهة ويرتضيها ويسر بها اهـ. قوله: (وفي رِوَايَةٍ) أي للصحيحين لكن عن أبي قتادة والحاصل أن للشيخين روايتين في هذا الحديث الأولى عن أبي سعيد والثانية عن أبي قتادة وهما سواء إلَّا أن في رواية أبي قتادة إلَّا من يحب وفي رواية أبي سعيد

إلّا مَنْ يُحِبُّ- وإذا رأى غيرَ ذلكَ مِمَا يَكْرَهُ فَإنما هيَ مِنَ الشَّيطانِ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّها ولا يَذْكُرْها لأحَد فإنَّها لا تَضُرُّهُ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وليحدث بها وباقي الروايتين سواء في الحديث خلافًا لما يوهمه كلام المصنف من أن هذا الحديث بجملته مزيد على حديث أبي سعيد وقد وافق الشيخين النسائي في حديث أبي سعيد في إسقاط قوله إلّا من يحب والباقي سواء. قوله: (إلَّا منْ يُحِبُّ) أي يحبه النائم قال المصنف في شرح مسلم سببه أنه إذا أخبر بها من لا يحب ربما حمله البغض والحسد على تفسيرها بمكروه فقد تقع على تلك الصفة وإلَّا فيحصل له في الحال حزن ونكد من سوء تفسيرها اهـ، وفي حديث لأول عابر وهو وإن كان ضعيفًا لكن له شاهد صحيح هو الخبر الصحيح الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت قال أبو عبيد وتقع الرؤيا بقول أول عابر إذا كان خبيرًا بالرؤيا وربما احتملت الرؤيا تأويلين أو أكثر فيعبر بها من يعرف عبارتها أي تعبيرها على وجه يحتملها فيقع ما أنزلها أي كما ورد أن امرأة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - وقالت يا رسول الله رأيت جائزة بيتي أي عتبته قد انكسر فقال يرد الله غائبك فرجع زوجها ثم غاب فرأت مثل ذلك فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم تجده ووجدت أبا بكر فأخبرته فقال يموت زوجك فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال هل قصصتها على أحد قالت نعم قال هو كما قال أما إذا كان أول عابر غير عالم بالرؤيا فهي لمن أصاب بعده إذ ليس المدار إلّا على إصابة الصواب في تعبير المنام ليتوصل به إلى مراد الله تعالى فيما ضربه من المثل فإن أصاب فلا ينبغي أن يسأل غيره وإن لم يصب فليسأل الثاني وعليه أن يخبر بما عنده ويبين ما جهل الأول ونوزع أبو عبيد فيما ذكره بأن ما اشترطه خلاف ظاهر الحديث ولا بدع أن يجعل الله تعالى أول تعبير هو المطابق لما ضربه من المثل بتلك الرؤيا وبالجملة فينبغي لمن رأى شيئًا ان لا يسأل إلّا عالما بالتعبير خاليًا من حسد الراءي وبغضه. قوله: (من شَرِّهَا) أي شر الرؤيا التي يكرهها. قوله: (ولا يذكُرْهَا لأَحدٍ) يحتمل أن يكون بصيغة النهي ويقربه تناسب المتعاطفين ويحتمل أن يكون بصيغة الخبر لفظًا المراد به الطلب ويرجحه أنه أبلغ والمراد لا يذكر الراءي الرؤيا السوء لأحد قال المصنف في شرح مسلم وسببه

وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه ربما فسرها تفسيرًا مكروهًا على ظاهر صورتها وكان ذلك محتملًا فوقعت كذلك بتقدير الله تعالى فإن الرؤيا على رجل طائر ومعناه إذا كانت محتملة وجهين ففسرها بأحدهما وقعت على قرب تلك الصفة وقد يكون ظاهر الرؤيا مكروهًا ويفسر بمحبوب وعكسه وهذا أمر معروف لأهله. قوله: (وَرَوَينَا في صحيحَي البُخارِي ومسلم) وكذا رواه أصحاب السنن الأربعة كما في السلاح وأخرجه أحمد كما قال الحافظ وفي بعض طرق صحيح مسلم فليبصق عن يساره حين يهب من نومه ثلاث مرات. قوله: (عَنْ أَبِي قَتادَةَ رضِي الله عنْه) هو أبو قتادة الحارث ويقال عمرو ويقال له النعمان بن ربعي بكسر الراء والعين المهملتين بينهما موحدة ساكنة وآخره تحتية مشددة ابن بلدمة بفتح الموحدة والدال المهملة ويقال بضمهما وبينهما لام ساكنة ويقال بالذال المعجمة المضمومة ابن خناس بضم الخاء المعجمة ونون وبعد الألف سين مهملة ابن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن شارث بن تريد بمثناة فوقية ابن جشم بن الخزرج الخزرجي السلمي بفتح اللام وحكى بعضهم كسر اللام المدني الصحابي الجليل فارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اختلف في شهوده بدرًا والصحيح أنه لم يشهدها وشهد أحدًا وما بعدها من المشاهد روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قيل مائة حديث وسبعون حديثًا اتفقا منها على أحد عشر وانفرد البخاري بحديثين ومسلم بثمانية قال النبي - صلى الله عليه وسلم - خير فرساننا على الخيل اليوم أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة وقال له يوم ذي قرد أفلح وجهك ودعا له اللهم بارك في سفره وسيره وروي عنه أنه كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفره قال فنعس فدعمته غير مرة فقال حفظك الله كما حفظ نبيه أخرجه مسلم وأبو داود وفي الدلائل للبيهقي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال له يوم ذي قرد أبو قتادة سيد الفرسان بارك الله فيك يا أبا قتادة وفي ولدك وفي ولد ولدك وشهد مع علي مشاهده وفي صحيح البخاري تعليقًا أن مروان لما كان على المدينة

"الرؤيا الصالِحَةُ -وفي رواية: الرُّؤيا الحَسَنَةُ- مِنَ اللهِ، والحُلْمُ مِنَ الشَّيطَانِ، فَمَنْ رَأى شَيئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَساره ثلاثًا، ولَيتَعَوَّذْ مِنَ الشَّيطَانِ، فإنهَا لا تَضُرُّهُ " وفي رواية "فَلْيَبْصُقْ" بدل: فلينفث، والظاهر أن المراد: النفث، وهو نفخ لطيف لا ريق معه. ـــــــــــــــــــــــــــــ من قبل معاوية أرسل إلى أبي قتادة ليريه مواقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ومناقبه كثيرة قال بعض المحققين من المحدثين ولا يعلم أحدًا في الصحابة يكنى بهذه الكنية غيره وكان يخضب بالصفرة توفي رضي الله عنه سنة أربع وخمسين وله سبعون سنة وقيل ثنتان وسبعون وقيل مات سنة ثلاث وثلاثين بالكوفة وصلى عليه علي بن أبي طالب وكبر سبعًا وقيل مات سنة أربعين رضي الله تعالى عنه. قوله: (الرُّؤْيا الصالحَةُ الخ) قال المصنف في شرح مسلم قال القاضي يحتمل أن يكون معنى الصالحة والحسنة حسن ظاهرها ويحتمل أن المراد صحتها قال والرؤيا السوء تحتمل الوجهين أيضًا سوء الظاهر وسوء التأويل اهـ. قوله: (وَالحلم) أي بضم الحاء وسكون اللام والفعل منه حلم بفتح اللام. قوله: (فلينْفُثْ) أي بضم الفاء وكسرها. قوله: (فإنَّهَا لَا تَضره) لأن الله تعالى جعل ما ذكر سببًا للسلامة من الضرر المترتب عليها سوء التأويل كما جعل الصدقة وقاية للمال. قوله: (وفي رِوَايَة) أي لمسلم وهي عند أحمد أيضًا. قوله: (فَليبْصقُ) أي بضم الصاد المهملة أي ليبزق ويبسق والكل من باب واحد قال أبي الجزري هو بالصاد المهملة كذا وردت الرواية في الحديث والأصل فيه الزاي ويجوز فيه السين وإنما أبدلت صاد المجاورة القاف اهـ. قوله: (والظاهِرُ الخ) قال المصنف في شرح مسلم في الكلام على النفث في الرقية تبعًا لعياض قيل التفل والنفث بمعنى واحد ولا يكونان إلَّا بريق وخص أبو عبيدة الريق اليسير بالأول وقيل يختص بالثاني وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها في النفث في الرقية كما ينفث آكل الزبيب لا ريق معه قال ولا اعتبار بما خرج معه من بلة بلا قصد وجاء في حديث أبي سعيد في الرقية بالفاتحة فجعل يجمع بزاقه. قال عياض فائدة التفل التبرك بتلك الرطوبة والهواء

وروينا في "صحيح مسلم" عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا رَأى أحَدُكُمُ الرُّؤيا يَكْرَهُها فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاثًا وَلْيَسْتَعِذْ باللهِ مِن الشَّيطانِ ثلالًا، وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الذي كانَ عَلَيهِ". وروى الترمذي من رواية أبي هريرة مرفوعًا: "إذا رأى أحَدُكُمْ رُؤْيا يَكْرَهُها فلا يُحَدثْ بها أحدًا وَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ". ورويناه في كتاب ابن السني، وقال فيه: "إذا رأى أحَدُكُمْ رُؤْيا يَكْرَهُها ـــــــــــــــــــــــــــــ والنفث المباشر للرقية المقارن للذكر الحسن كما يتبرك بغسالة ما يكتب من الذكر والأسماء اهـ، وقال المصنف في باب الرؤيا أكثر الروايات في الرؤيا فلينفث وهو النفخ اللطيف بلا ريق ليكون والبصاق محمولين عليه مجازًا اهـ. وتعقبه الحافظ ابن حجر بأن المطلوب في الموضعين مختلف إذ المطلوب في الرقية التبرك برطوبة الذكر والمطلوب هنا طرد الشيطان وإظهار احتقاره كما نقله هو عن القاضي عياض فالذي يجمع الثلاثة الحمل على التفل فإنه نفخ معه ريق لطيف فبالنظر إلى النفخ قيل له نفث وبالنظر إلى الريق قيل له بصق اهـ. قوله: (وَرَوَينَا في صحيحِ مُسلم) ورواه داود والنسائي وابن ماجه أيضًا من حديث جابر كما في السلاح زاد الحافظ وأخرجه أبو أحمد. قوله: (رَوى الترمذي الخ) وكذا روى البخاري الأمر بالصلاة عن أبي هريرة كما عزاه إليه في الحصين لكن قال شارحه إن الأمر بها في البخاري ليس بمرفوع بل موقوف على محمد بن سيرين اهـ، وليس كما قال فقد قال الحافظ الحديث باللفظ المذكور في الصحيحين عن أبي هريرة فيتعجب من اقتصاره على الترمذي ثم أخرجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال - صلى الله عليه وسلم - إذا تقارب الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثًا والرؤيا ثلاث بشرى من الله والرؤيا تحدث بها الراءي نفسه والرؤيا تحدث من الشيطان فإذا رأى أحدكم رؤيا يكرهها فلا يحدث بها أحدًا وليقم فليصل هذا حديث صحيح أخرجه البخاري وأخرجه مسلم من طرق وهو عند الإمام أحمد أيضًا. قوله: (وَرَوَينَا في كِتَابِ ابن السني الخ) كذا في النسخة المقروءة على العلامة ابن العماد بإسقاط هاء الضمير وفي نسخة

باب ما يقول إذا قصت عليه رؤيا

فَلْيَتْفُلْ ثلاث مَرات ثم لِيَقُل: اللهُم إني أعُوذُ بِكَ مِن عَمَلِ الشَّيطَانِ وَسَيِّئَاتِ الأحْلامِ فإنها لا تَكُونُ شَيئًا". باب ما يقول إذا قصت عليه رؤيا روينا في كتاب ابن السني، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمن قال له: رأيت رؤيا، قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ رويناه بزيادة هاء والظاهر إسقاطها وإن كان مستقيمًا بأن يعاد على المروى المفهوم من روينا المفسر بقوله إذا رأى أحدكم الخ. ثم قال الحافظ الحديث أخرجه ابن السني من طريق إدريس بن يزيد الأودي عن أبيه عن أبي هريرة والراوي إدريس ليس متروك الحديث وفي السند إليه من ابن السني انقطاع اهـ. ض له: (فليَتفُلْ) بكسر الفاء أو ضمها قال الصاغاني في العباب التفل شبيه بالبزق وهو أقل إذا أوله البزق ثم التفل ثم النفخ. قوله: (منْ عمَلِ الشَّيطَانِ) أي مما يوسوس ويزين للإنسان ومنه الأحلام وسبق وجه إضافتها إلى الشيطان. قوله: (وسَيئَاتِ الأَحلام) أي الأحلام السيئة إما باعتبار صورتها أو باعتبار تأويلها. قوله: (فإِنهَا لَا تكونُ شَيئًا) أي فإن تلك الرُّؤيا لا تكون باعتبار تأويلها السيئ أي لا يوجد من أثرها من ذلك التأويل شيء لما سبق أن هذه الأمور جعلها الله دافعة لضررها كالصدقة دافعة لضرر المال. فائدة ذكر أئمة التعبير أن من أدب الراءي أن يكون صادق اللهجة وأن ينام على وضوء على جنبه الأيمن وأن يقرأ عند نومه والشمس والليل والتين وسورة الإخلاص والمعوذتين ويقول اللهم إني أعوذ بك من سيئ الأحلام وأستجيرك من تلاعب الشيطان في اليقظة والمنام اللهم اني أسألك رؤيا صالحة صادقة نافعة حافظة غير منسية اللهم أرني في منامي ما أحب. باب ما يقول إذا قصت عليه رؤيا قوله: (رَوَينَا في كِتابِ ابْنِ السني) أورده في آخر كتابه من حديث أبي زمل رضي الله تعالى عنه وجاء في رواية ابن السني عن عبد الله بن زيد قال الحافظ فأفاد تسمية الصحابي ولفظه كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الصبح استقبل الناس بوجهه وكان تعجبه الرؤيا فيقول

"خَيْرًا رأيْتَ، وخَيرًا يَكُونُ". وفي رواية: "خَيْرًا تَلْقاهُ، وَشَرًّا ـــــــــــــــــــــــــــــ هل رأى أحد منكم رؤيا قال ابن زمل فقلت أنا يا نبي الله فقال خير تلقاه وشر توقاه خير لنا وشر لأعداءنا والحمد لله رب العالمين وفي سنده سليمان بن عطاء منفي الحديث قال ابن حبان روى عن سلمة الجهني أشياء موضوعة فلا أدري البلاء منه أو من سلمة وأبو مشجعة بمعجمة وجيم ثم مهملة بوزن مسلمة شيخ مسلمة لا يعرف اسمه ولا حاله وزمل بكسر الزاي وسكون الميم بعدها لام اهـ، وأورد فيه أيضًا من حديث أبي موسى الأشعري في رؤيا رآها وقد تقدم عنه فيما يقال في سجود التلاوة فقال استيقظت أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته الخبر فقال خيرًا رأيت وخيرًا يكون نمت ونامت عيناك نومة نبي عندها مغفرة ونحن نترقب ما ترقب قال الحافظ: الراوي له عن سعيد بن أبي بردة أي الراوي للحديث عن أبي موسى، محمد بن عبيد الله بالتصغير العزرمي بفتح المهملة وسكون الزاي وفتح الراء وتخفيف الميم ضعيف جدًّا حتى قال الحاكم أبو أحمد أجمعوا على تركه وأصل القصة سجود الشجرة عند قراءة آية ص والله أعلم، وفي طرف الفوائد وظرف الفرائد لابن حجر الهيتمي في سنده منقطع لكن رجاله ثقات أن المعبر إذا قصت عليه رؤيا يقول خير لنا وشر لأعداءنا وفي حديث سنده ضعيف بالمرة أنه - صلى الله عليه وسلم - قصت عليه رؤيا فقال خير تلقاه وشر تتوقاه وخير لنا الخ اهـ. قوله: (خيْرًا أَوْ خيْرًا رَأيتَ) كذا في نسخة مصححة منه بأو المفيدة للشك من الراوي وبالنصب في خيرًا وحذف الضمير مفعول رأيت والذي في أصل مصحح من كتاب ابن السني ما تقدم آنفًا أما وجه الرفع المذكور فيما سبق عن ابن السني فعلى الخبر لرؤيا أي المرئي خير رأيته ووجه النصب على حذف رأيت أو إعماله في ضميره تقديره أي رأيت خيرًا ويكون رأيته المذكور بعد جملة تفسيرية لا محل لها. قوله: (وفي رِوايَةِ الخ) قال الحافظ هذا يوهم أنه والذي قبله حديث واحد اختلفت رواته وليس كذلك

باب الحث على الدعاء والاستغفار في النصف الثاني من كل ليلة

تَوَفَّاهُ، خَيرًا لَنا، وَشَرًّا على أعْدَائِنا، والحَمْدُ لِلهِ رَب العَالمِينَ". باب الحث على الدعاء والاستغفار في النصف الثاني من كل ليلة روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يَنْزِلُ رَبُّنا ـــــــــــــــــــــــــــــ بل هما حديثان في السند والمتن ومحل القول ثم ذكره بنحو ما ذكرته أول الباب. قوله (توقاهُ) بضم الفوقية بالبناء للمفعول لكن سبق انفًا عن طرف الفوائد تتوقاه بتاءين مبني للفاعل ولعله كذلك في نسخة وإلَّا فالذي في كتاب ابن السني كما ذكر المصنف هنا والله أعلم. باب الحث على الدعاء والاستغفار في النصف الثاني من الليل قوله: (رَوَينَا في صحيحَي البُخارِي ومسلم الخ) وكذا رواه أصحاب السنن الأربعة من حديث أبي هريرة زاد النسائي حتى يطلعَ الفجر وزاد ابن ماجة فلذلك كانوا يستحبون صلاة آخر الليل على أوله كذا في السلاح وزاد الحافظ وأخرجه أحمد. قوله: (ينزلُ ربنا) قال الإمام مالك وغيره أي ينزل أمره ورحمته أو ملائكته وأيده بعضهم بالحديث الصحيح عن أبي هريرة وأبي سعيد إن الله عزّ وخل يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر مناديًا ينادي فيقول هل من داع فيستجاب له الحديث رواه النسائي وصححه وقال آخرون ونسب إلى مالك أيضًا على سبيل الاستعارة والمراد الإقبال على الداعي بالإجابة واللطف والرحمة وقبول المعذرة كما هو عادة الكرماء سيما الملوك إذا نزلوا بقرب محتاجين ملهوفين مستضعفين وفي شرح مسلم وشرح محمد عبد الحق قال القرطبي في التفسير وهو يرفع الإشكال ويوضح كل الاحتمال وأن الحديث الأول على حذف مضاف أي ينزك ملك ربنا قال وقد روي ينزل بضم التحتية وهو مبين ما ذكرناه اهـ. فعلم من هذا الحديث وشبهه من أحاديث الصفات وآياتها مذهبان مشهوران فمذهب جمهور السلف وبعض المتكلمين الإيمان بحقيقتها على ما يليق بجلاله تعالى وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد ولا يتكلم في تأويلها مع اعتقادنا تنزيهه سبحانه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عن سائر سمات الحدوث وفي مذهب أكثر المتكلمين وجماعة من السلف وحكي عن مالك والأوزاعي أنها تتأول على ما يليق بها بحسب مواطنها فعليه الخبر مؤول بتأويلين وذكر ما قدمته اهـ، ومنه كغيره من كلام محققي أئمتنا يعلم أن المذهبين متفقان على صرف تلك الظواهر كالمجيء والصورة والشخص والنزول والاستواء على العرش في السماء عما يفهمه ظاهرها مما يلزم عليه محالات قطعية تستلزم أشياء مكفرة بالإجماع فاضطر ذلك جميع السلف والخلف إلى صرف اللفظ عن ظاهره وإنما اختلف فيه هل نصرفه عن ظاهره معتقدين اتصافه سبحانه بما يليق بجلاله وعظمته من غير أن نؤوله بشيء آخر وهو مذهب أكثر السلف وفيه تأويل إجمالي أو مع تأويله بشيء وهو مذهب أكثر الخلف وهو تأويل تفصيلي ولم يريدوا بذلك مخالفة السلف الصالح معاذ الله أن نظن ذلك بهم إنما دعتهم لذلك الضرورة في أزمنتهم لكثرة المجسمة والجهوية وغيرهم من فرق الضلال ولاستيلائهم على عقول العامة فقصدوا ردعهم وإبطال أقوالهم وقد اعتذر كثير منهم وقالوا كنا على ما كان عليه السلف الصالح من صفة العقائد وعدم المبطلين ما خضنا في ذلك وقد اتفق سائر الملوك على تأويل نحو وهو معكم أينما كنتم وقوله ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم وهذا الاتفاق بين صحة ما اختاره المحققون أن الوقف على الراسخون في العلم لا الجلالة كذا نقل بعض المحققين أن الجميع متفقون على التأويل وإن اختلفوا في الإجمال والتفصيل لكن نقل القاضي عياض في باب إثبات القدر في حديث حج آدم موسى عن الشيخ أبي الحسن الأشعري في طائفة من أصحابه أن كل صفات سمعية لا نعلمها إلَّا من جهة السمع نثبتها صفات ولا نعلم حقيقتها وذكر مذهب السلف من إمرارها وتنزيه الله عن ظواهرها ومذهب الخلف من التأويل على مقتضى اللغة وبه يعلم أن المراد بالكل في الكلام الكثير المعظم لا الشامل للجميع كما يثبته كلام القاضي نفع الله به واختار كثير من محققي المتأخرين عدم تعيين التأويل في شيء معين من الأشياء التي تليق باللفظ ويكون تعين المراد منها إلى علمه تعالى وعله توسط بين المذهبين واختار ابن دقيق العيد توسطًا

كُلَّ لَيلَةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُوني ـــــــــــــــــــــــــــــ آخر فقال إن كان التأويل من المجاز البيِّن الشائع فالحق سلوكه من غير توقف أو من المجاز المعين الشاذ فالحق تركه وإن استوى الأمران فاختلاف جوازه وعدمه مسألة فقهية اجتهادية فالأمر فيها ليس بالخطر بالنسبة للفريقين وربما يقرر علم بطلان اعتقاد تلك الظواهر وإنه تعالى منزه عن الجهة والمكان والجسم وسائر أوصاف الحدوث وهذا معتقد أهل الحق ومنهم الإمام أحمد وما نسبه إليه بعضهم من القول بالجهة أو نحوها كذب صراح عليه وعلى أصحابه المتقدمين كما أفاده ابن الجوزي من أكابر الحنابلة وما وقع في كلام بعض المحدثين والفقهاء مما يوهم الجهة أو التجسيم أوله العلماء وقالوا أن ظاهره غير مراد فعليك بحفظ هذا الاعتقاد واحذر زيغ المجسمة والجهوية أرباب الفساد. قوله: (تبَاركَ وتعَالى) تقدم بيان معناه في القنوت وغيره والفصل به بين الفعل ومتعلقه إشارة إلى أنه ليس المراد بالنزول منه تعالى ظاهره تعالى عن ذلك علوا كبيرًا. قوله: (إِلى السماءِ الدُّنيا) روى يهبط من السماء العليا إلى السماء، وتأويله أما بتنقل من مقتضى صفات الجلال من القهر والانتقام إلى مقتضى صفات الجمال من الكرم والرحمة أو بتنقل ملائكته من تلك السماء العليا إلى السماء الدنيا. قوله: (حيِنَ يبقى ثُلثُ الليلِ) وفي الرواية الآتية حين يمضي ثلث الليل الأول وفي الرواية بعدها إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه قال القاضي عياض الصحيح حين يبقي ثلث الليل الآخر كذا قال شيوخ الحديث وهو الذي تظاهرت عليه الأخبار بلفظه ومعناه، قال ويحتمل أن يكون النزول بالمعنى المراد منه بعد الثلث الأول وقوله من يدعوني بعد الثلث الآخر قال المصنف بعد نقله قلت يحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلم بأحد الأمرين في وقت فأخبر به ثم اعلم به وسمع أبو هريرة الحديثين فنقلهما جميعًا وسمع أبو سعيد الخدري خبر الثلث الأول فقط فأخبر به مع أبي هريرة كما ذكر مسلم في الرواية الأخيرة وهذا ظاهر وفيه رد لما أشار القاضي من تضعيف رواية الثلث الأول وكيف يضعفها وقد روى بها مسلم في صحيحه بإسناد لا مطعن فيه عن الصحابيين أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما اهـ، وجرى عليه ابن حجر في شرح المشكاة فقال يحتمل أن يتكرر النزول عند الثلث الأول والنصف والثلث الآخر واختص زيادة الفضل به لأن النية فيه

فأسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرنِي فأغْفِرَ لهُ". وفي رواية لمسلم: "يَنزِلُ اللهُ سُبْحانَهُ وتَعالى إلى السماءِ الدنْيا كُل لَيلَةٍ حِينَ يمضِي ثُلُثُ اللَّيلِ الأولُ فَيَقُولُ: أنا المَلِكُ أنا المَلِكُ، من ذا الذي يَدْعُوني فأسْتَجِيبَ لهُ، مَنْ ذَا الذي يَسالُني فأعْطِيَهُ، مَنْ ذا الذي يَسْتَغْفِرُني فأغْفِرَ لهُ، فلا يَزال كذَلِكَ حتى يُضيءَ الفَجْرُ". وفي رواية: "إذا مَضَى شَطْرُ الليلِ أو ثُلُثاهُ". وروينا في سنن أبي داود، والترمذي، عن عمرو بن عَبْسةَ رضي الله عنه، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أقْرَبُ ما يَكُونُ الرب مِنَ العَبْدِ في جَوْفِ الليلِ الآخِرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أخلص والخشوع فيه أوفر وبحثه تعالى على الاستغفار بالأسحار ولاتفاق الصحيحين على روايته اهـ، وجمع به ابن حبان بأنه يحتمل أن يكون النزول في بعض الليالي هكذا وبعضها هكذا قوله: (فأستَجيبَ لهُ) بالنصب فيه وفيما بعده لوقوعه في جواب الاستفهام.: (وفي روَايةِ لمسلم) قال الحافظ وأخرجها الترمذي أيضًا. قوله: (أَنا المَلك الخ) قال المصنف في شرحه هكذا هو في الأصول والروايات مكرر للتأكيد والتعظيم. قوله: (فلا يَزَالُ كذلكَ الخ) فيه دليل على امتداد وقت الرحمة واللطف التام إلى إضاءة الفجر وفيه الحث على الدعاء والاستغفار في جميع الوقت المذكور إلى إضاءة الوقت وفيه تنبيه على أن آخر الليل للصلاة والدعاء وغيرهما من الطاعات أفضل من أوله. قوله: (وفي روَايةٍ) يعني لمسلم وأخرجها النسائي وابن خزيمة. قوله: (وَرَوَينْا في سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ والترمذِي) قال في السلاح واللفظ للترمذي وكذا رواه النسائي والحاكم في المستدرك وقال الحاكم صحيح على شرط. قوله: (أَقرَبُ مَا يكُونُ الربُّ) أي رضاه وإنعامه. قوله: (في جَوفِ الليلِ) خبر أقرب أي أقربيته من العباد بالفضل والإمداد كائنة في جوف الليل الآخر أي لأنها ساعة التجلي المعبر عنه بالنزول فيما مر ويحتمل أن يكون حالًا من الرب أي قائلًا في جوف الليل من يدعوني الخ. سدت مسد الخبر أو من العبد أي قائمًا في جوف الليل داعيًا مستغفرًا على نحو قولك ضر بي

باب الدعاء في جميع ساعات الليل كله رجاء أن يصادف ساعة للإجابة

فإن اسْتَطَعْتَ أنْ تَكُونَ مِمَنْ يَذْكُرُ اللهَ تعالى في تِلْكَ الساعَةِ فَكُنْ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. باب الدعاء في جميع ساعات الليل كله رجاء أن يصادف ساعة للإجابة ـــــــــــــــــــــــــــــ زيدًا قائمًا أشار إلى ذلك الطيبي قال "والآخر" بالجر صفة لجوف الليل على أن ينصف الليل وتجعل لكل نصفه جوف الليل والقرب يحصل في جوف النصف الثاني فابتداؤه يكون من الثلث الأخير وهو قيام التهجد اهـ، وأضيفت الأقربية هذا للرب وفي خبر أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد لله لأن هذا وقت قبل خاص بوقت لا يوقف على فعل من العبد لوجوده ولا سبب بل من أدركه أدرك ثمرته ومن لا فلا وأما القرب الناشئ من السجود فمتوقف على فعل من العبد وخاص به فناسب كل محل ما ذكر فيه وقال الطيبي لأن رحمة الله سابقة على الإحسان فقرب رحمة الله من المحسنين سابق على إحسانهم فإذا سجدوا قربوا من ربهم بإحسانهم قال تعالى {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)} [العلق: 19] وفيه أن توفيق الله ولطفه وإحسانه سابق على عمل العبد وسبب له ولولاه لم يصر من الإنسان إحسان اهـ، والوجه الذي ذكرناه هو الأظهر والله أعلم. قوله: (فإنِ استَطعتَ الخ) فيه إشارة إلى تعظيم شأن الذكر وفوز من يسعد به أي إن استطعت الانتظام في سلك الذاكرين لتعد منهم فكن والتعبير به أبلغ من التعبير بقوله أن تذكر أو أن يكون ذلك نظير قولهم وأنه لمن الصالحين أبلغ من وأنه لصالح كذا في فتح الإله. قوله: (قَال الترمذِي حدِيث حسن) قال في المشكاة وقال ابن النهري حديث حسن صحيح غريب إسنادًا قال شارحها ابن حجر لا تنافي بين وصف الغرابة والصحة كما هو مقرر في محله. باب الدعاء في جميع ساعات الليل كله رجاء أن يصادف ساعة للإجابة

باب أسماء الله الحسنى

روينا في "صحيح مسلم": عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنّ في الليل لَساعَةً لا يُوافِقُها رَجُل مُسْلِمٌ يَسالُ اللهَ تعالى خَيرًا مِنْ أمرِ الدُّنْيا والآخِرَةِ إلا أعطاهُ اللهُ إياهُ، وذلكَ كُل لَيلة". باب أسماء الله الحسنى قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله، (وَرَوَينَا في صحيحِ مُسلم) قال الحافظ وأخرجه ابن حبان في صحيحه. قوله: (وذلكَ الخ) أي المذكور من إجابة الدعاء في تلك الساعة لا يتقيد بليلة مخصوصة بل يحصل كل ليلة من فضل الله ومنته على هذه الأمة فينبغي تحري تلك الساعة ما أمكنه في كل ليلة إما بإحياء جميع ساعات الليل رجاء مصادفتها واحتج بهذا الحديث من فضل الليل على النهار لأن كل ليلة فيها ساعة إجابة وذلك في النهار ليس إلَّا في يوم الجمعة فقط. باب أسماء الله الحسنى (قَال الله تعَالى ولله الأَسماءُ الحسنى) قال مقاتل دعا رجل الله تعالى في صلاته ومرة دعا الرحمن فقال أبو جهل أليس يزعم محمد وأصحابه يعبدون ربًّا واحدًا فما بال هذا يدعو اثنين فنزلت وأل في الأسماء قيل هي للعهد أي ما جاء به التوقيف وقيل للجنس أي كل اسم حسن ويبنى على ذلك الخلاف في أنه هل يمتنع إطلاق ما لم يرد به توقيف عليه تعالى وإن صح قيامه به أولًا فعلى العهد يمتنع وعلى الجنس يجوز أشار إلى ذلك القرطبي في كتاب البر والصلة من المفهم وأنت خبير أنه لا يتعين على كونها للجنس جواز إطلاق ما لم يرد به توقيف فمن الجائز أن يكون من العام المراد به الخاص ويدلك على ذلك قول أبي حيان في النهر وكون الاسم الذي أمر تعالى أن يدعى به حسنًا هو ما قرره الشرع ونص عليه في اطلاقه اهـ. من غير أن يبنى ذلك على كون أل فيه للعهد فتأمله وقال الماوردي فالمراد بالحسنى أي الأسماء الحسنى ها هنا وجهان "أحدهما" ما مالت إليه القلوب من ذكره بالعفو والمغفرة والرحمة دون السخط "والثاني" أسماؤه التي يستحقها لنفسه ولفعله ومنها صفات هي طريق المعرفة به وهي تسعة القديم الأول قبل كل شيء والباقي بعد فناء كل شيء والقاهر

"إن لِلهِ تعالى تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْمًا، مائَةً إلا واحِدًا، مَنْ أحْصَاها دَخَلَ الجَنَّةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي لا يعجزه شيء والعالم الذي لا يخفى عليه شيء والحي الذي لا يموت والواحد الذي ليس كمثله شيء والبصير الذي لا يعزب عنه شيء والغني الذي لا يستغني عنه شيء اهـ، والحسنى هنا تأنيث الأحسن ووصف الجمع الذي لا يعقل بما وصف به الواحدة كقوله تعالى {فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه: 18] وهو فصيح ولو جاء على المطابق للجمع لكان الحسن على وزن أخر كقوله تعالى فعدة من أيام أخر لأن جمع ما لا يعقل يخبر عنه ويوصف بجمع المؤنثات وإن كان المفرد مذكرًا قال ابن عطية والأسماء هنا بمعنى المسميات إجماعًا من المتأولين لا يمكن غيره اهـ، ولا تحرير فيما قال لأن التسمية مصدر والمراد هنا الألفاظ الذي تطلق على الله وهي الأوصاف الدالة على تغاير الصفات لا تغاير الموصوفات كما يقال جاء زيد الفقيه الشجاع الكريم اهـ. قوله: (إِن لله الخ) أفاد أن الله علم مدلوله الذات لا باعتبار وصفما بخلاف غيره فلذا قيل في كل اسم وارد بشرطه هو من أسماء الله وأنه رئيس الأسماء لإضافتها إليه فكان هو المقدم عليها والاسم الأعظم عند أكثر العلماء وعدم سرعة الإجابة لكثير لفقد كثير من شروط الدعاء كاجتناب الشبهات فضلًا عن الحرام. قوله (مَائة إلا واحدًا) بالنصب بدل مما قبله وفي نسخة من الترمذي شرح عليها الجلال السيوطي غير واحد وقال الرافعي في أماليه إنما قال مائة غير واحد لئلا يتوهم أنه على التقريب وفيه فائدة رفع الاشتباه فقد تشتبه في الخط تسعة وتسعين بسبعة وسبعين أي بتقديم السين فيهما اهـ، وسبعة وتسعين بتقديم السين في الأولى والتاء في الثانية وعكسه أي وجميع ذلك خطأ فرفعه بذلك لعظم الاحتياج إلى رفعه إذ الأصح عند أئمتنا أن أسماء الله تعالى توقيفية فلا يجوز أن يخترع له اسم أو صفة لم يرد به توقيف وإن صح معناه قال البغوي هذا من الإلحاد في أسمائه أي المتوعد عليه في قوله تعالى وذر الذين يلحدون في أسمائه وقال غيره وإنما لم يفرض ذلك للعقل لأنه لا مدخل له فيه إذ لو خلى ونفسه لاستحال كثيرًا منها لاقتضائها أعراضًا إما كمية كالعظيم والكبير أو كيفية كالحي والقادر أو زمانًا كالقديم والباقي أو مكانًا كالعلي أو انفعالًا كالرحيم والودود قال الفخر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الرازي قال أصحابنا ليس كل ما صح معناه جاز إطلاقه عليه سبحانه فإنه خالق للأشياء كلها ولا يجوز أن يقال خالق القردة والكلام والمعلم للعلوم بأسرها ولا يجوز أن يقال فيه معلم وإن ورد نحو وعلم آدم الأسماء كلها ونحو وعلمك ما لم تكن تعلم إلّا إن ورد بصيغته لا على وجه المقابلة في الكتاب أو السنة ولو بطريق الآحاد خلافًا لمن شرط تواترها أو أجمعوا ولم يكتف فورود الأصل من مصدر أو مشتق في إطلاق اسم أو وصف لقصور عقول العباد عما يليق بجلاله المعظم على جهة كونه اسمًا أو وصفًا بمعناه حتى يرد بلفظه ولا بما ورد على سبيل المقابلة نحو أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لأن المقابلة تستلزم التجوز وما أطلق بطريق التجوز لا يكون حجة في الإطلاق بطريق الحقيقة وقيل إن قوله مائة إلّا واحدًا تأكيد لما قبله أتى به لئلا يزاد في الأسماء أو ينقص. واستشكل بأنه قد زيد على ما ذكر أسماء كثيرة في السنة، وأجيب بأن دخول الجنة وقع جزاء للشرط وهو إحصاء ذلك العدد فمفاده أن عدم النقص قيد لدخول الجنة لا أن الزيادة لا ثواب فيها وأنه إذا وجد الدخول ثم وجدت زيادة أثيب عليها في الجنة درجات منها والظاهر أنه يحصل ذلك سواء أحصاها بما نقلنا في حديث الوليد أو غيره أو من سائر ما دل عليه الكتاب والسنة ثم اختلف في العدد المذكور هل المراد به الحصر فيه أو أنها أكثر من ذلك ولكن اختصت هذه بأن من أحصاها دخل الجنة فذهب الجمهور إلى الثاني ونقل المصنف في شرح مسلم اتفاق العلماء عليه قال فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء ولذا جاء في الحديث الآخر أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك وقد ذكر الحافظ أبو بكر بن العربي المالكي عن بعضهم أن لله تعالى ألف اسم قال ابن العربي وهذا قليل فيها اهـ. قال القرطبي فالجملة خبر بيان للمبتدأ المذكور في الجملة الأولى غير أن هذه الجملة هي المقصودة بعينها والجملة الأولى مقصود لها لا أن مقصودها حصر الأسماء في ذلك العدد وهذا كقول القائل لزيد مائة دينار أعدها للصدقة على غيره اهـ. قال الحرز وأجيب بجوابين آخرين "أحدهما" أن قوله من أحصاها دخل الجنة في موضع الوصف كقولك للأمير عشرة غلمان يكفونه مهماته بمعنى أن لهم زيادة قرب واشتغال بالمهمات أو أن هذا القدر من الغلمان الجملا كاف

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للأمور المهمة من غير افتقار للغير، فإن قيل اسمه الأعظم خارج عن هذه الجملة فكيف يختص عما سواه بهذا الشرف وإن كان داخلًا فكيف يصح أنه مما يختص بمعرفته بعض بني آدم وأنه سبب لكرامات عظيمة لمن عرفه حتى قيل إن من جاء بعرش بلقيس إنما جاء به بالاسم الأعظم، قلت يحتمل أن يكون خارجًا ويكون زيادة شرف التسعة والتسعين وجلالتها بالنسبة لما عداه وأن يكون داخلًا مبهما لا يعرفه بعينه إلَّا نبي أو ولي مشروطًا بشروط يتوقف على حصولها الإجابة "ثانيهما" أن الأسماء منحصرة في التسعة والتسعين والرواية المشتملة على تفصيلها غير مذكورة في الصحيح ولا خالية عن الإضراب والتغيير وقد ذكر كثير من المحدثين أن في إسنادها ضعفًا وهذا اشتباه منه إذ بعضهم حمل الخبر على الحصر وكأن المصنف لم يعتبره أو لم يبلغه كذا ذكره الحنفي ولا يخفى أن الجواب الثاني غير صحيح لصحة الأسماء اللهم إلّا أن يقال الكل موجود في هذا المعدود بحسب المعنى أو من حيث الاشتمال على المعنى ولا كلام في المستأثر وأنا قد أمرنا بالدعاء بالأسماء المشهورة على الكيفية المذكورة على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - اهـ، وما أشار إليه بقوله اللهم إلّا أن يقال نقله الجلال السيوطي في حواشي الترمذي ولم يعين قائله في حمله والاقتصار على المذكور في الخبر مع أنه قدم الحصر فيه واقتصر عليه ابن حجر في شرح المشكاة وقال لعله أقرب وقال أبو خلف الطبري إنما خص هذا العدد إشارة إلى أن الأسماء لا تؤخذ قياسًا وقيل الحكمة فيه أنها في القرآن كما في بعض طرقه، وقال آخرون الأسماء الحسنى مائة على عدد درجات الجنة استأثر تعالى منها بواحد وهو الاسم الأعظم فلم يطلع عليه أحدًا فكأنه قال مائة لكن واحد منها عند الله وقال بعضهم ليس الاسم المكمل للمائة مخفيًّا بل هو الجلالة وبه جزم السهيلي فقال الأسماء الحسنى مائة على عدد درجات الجنة والذي يكمل المائة الله ويؤيده قوله تعالى ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها والتسعة والتسعون لله فهي زائدة عليه وبه يكمل المائة ونقل الفخر الرازي عن الأكثر أن الحصر فيما ذكر بعيد لا يعقل معناه والله أعلم. ثم الأسماء من جهة دلالتها على أربعة أضرب: منها ما يدل على الذات مجردة كاسم الله تعالى على قول من يقول أنه غير مشتق لأنه يدل على الموجود الحق الموصوف بأوصاف الكمال دلالة مطلقة غير مقيدة بقيد، ومنها ما يدل على صفاته تعالى الثابتة له كالعالم والقادر والسميع والبصير وتسمى صفات المعاني، ومنها ما يدل على سلب شيء عنه، ومنها ما يدل على إضافة أمر ما له

إنَّهُ وتْرٌ يُحِب الوتْرَ هُوَ اللهُ الذي لا إلهَ إلَّا هُوَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كالخالق والرازق وتسمى صفات الأفعال، قال القرطبي في المفهم وهذه الأقسام الأربعة لازمة منحصرة دائرة بين النفي والإثبات واختبرها تجدها كذلك اهـ. قوله: (إِنهُ وَتَرٌ يُحب الوتَرَ) بفتح الواو وكسرها الفرد ومعناه الذي لا شريك له ولا نظير وفي معنى يحب الوتر تفضيل الوتر في الأعمال وكثير من الطاعات جعل الصلاة خمسًا والطهارات ثلاثًا ثلاثًا وغير ذلك وجعل كثير عظيم مخلوقاته وترًا منها السموات والأرض والبحار وأيام الأسبوع وغير ذلك وقيل معناه منصرف إلى من يعبد الله بالوحدانية والتفرد مخلصًا له كذا في شرح مسلم للمصنف مع يسير اختصار وقال القرطبي الظاهر أن الوتر للجنس إذ لا معهود جرى ذكره يحمل عليه فيكون معناه أنه يحب كل وتر شرعه وأمر به كالمغرب والصلوات الخمس ومعنى محبته لهذا النوع أنه أمر به ونبه عليه. قوله: (هُوَ الله الذِي لَا إِله إِلا هوَ) قال الطيبي هو مبتدأ الله خبره لا إله إلَّا هو صفته والرحمن الخ. خبر بعد خبر والجملة مستأنفة إما لبيان كمية تلك الأعداد وانها ما هي في قوله إن لله تسعة وتسعين اسمًا وذكره نظرًا إلى الخبر. قلت أو بالنظر إلى العدد أي العدد الذي ذكرته هو الله الخ. نظير ما قيل في قوله تعالى هو الله أحد أي الذي سألتموني وصفه هو الله أحد أو لبيان كيفية الإحصاء في قوله من أحصاها دخل الجنة وأنه كيف يحصى فالضمير راجع إلى المسمى الدال عليه الله كأنه لما قيل أن لله تسعة وتسعين اسما قيل وما تلك الأسماء فأجيب هو الله فعلى هذا فالضمير للشأن والله مبتدأ والذي لا إله إلّا هو خبر والجملة خبر الأول ويجوز أن يكون الرحمن خبره والموصول مع الصلة صفة لله واختار ابن حجر في شرح المشكاة الوجه الأول وقال جملة هو الله الخ، مستأنفة لبيان تفصيل تلك الأسماء المذكورة أو لما هو المقرر أن الإجمال ثم التفصيل أوقع في النفس لشدة تلفتها إليه عند إجماله ثم زيادة تمكنه فيها لتفصيله وقول الشرح يعني الطيبي أنها مستأنفة إما لذلك أو لبيان الإحصاء في قوله من أحصاها دخل الجنة فيه نظر لأن الإحصاء مختلف في المراد به على خمسة أقوال ولم يبين أنه على أي قول منها وفي صحة تخريج جميع ما ذكره على قول منها على الضبط المشير كلامه إليه بعد وتكلف على أن الضبط إنما هو بعض قوله أي لأنه على ذلك القول انضبط وانعقد

الرحْمنُ، الرحِيمُ، المَلِكُ، القُدُّوسُ، السلامُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الرد عليه فلذا كان الوجه هو التخريج الأول اهـ. ثم الاسم المعدود في هذه الجملة من أسماء الله تعالى هو الله دون هو وإله كما يدل عليه روايات أخر منها يا ألله يا رحمن الخ، والله اسم للذات الجامع للصفات الكاملات (الرحمنُ الرحيمُ) هما اسمان بنيا للمبالغة من مصدر رحم إما بعد نقله إلى باب فعل كشرف أو تنزيله منزلة اللازم والرحمة لغة رقة قلب وانعطاف يقتضي التفضل والإحسان على من رق له وأسماء الله تعالى وصفاته إنما تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادئ التي هي انفعالات فرحمة الله تعالى للعباد إما إرادة الإنعام عليهم ودفع الضرر عنهم فيكونان من صفات الذات أو نفس الإنعام والدفع فيعودان إلى صفات الأفعال والرحمن أبلغ من الرحيم لزيادة البناء وقدم الرحمن لأنه لا يطلق على غيره سبحانه وقول أهل اليمامة مخاطبًا لمسيلمة. وأنت غوث الورى لا زلت رحمانًا من تعنتهم في كفرهم (الملكُ) أي ذو الملك والملكوت وفي اختياره على المالك إشعار بأنه أبلغ منه ثم أنه إذا كان عبارة عن القدرة والإبداع والإماتة والإحياء كان من صفات الذات كالقادر وإذا كان عبارة عن التصرف في الأشياء بالخلق والإبداع والإماتة كان من صفات الأفعال كالخالق والملك هو الغني مطلقًا في ذاته وفي صفاته عن كل ما سواه ويحتاج إليه كل ما سواه (القُدوسُ) فعول بالضم في الأكثر ويقال بالفتح أيضًا للمبالغة من القدس أي الطهارة والنزاهة ومعناه في وصفه سبحانه المنزه عن سمات النقص وموجبات الحدوث بل المبرأ عن أن يدركه حس أو يتصوره خيال أو يسبق إليه وهم أو يحيط به عقل وهو من أسماء التنزيه (السلامُ) مصدر كالسلامة وصف به والمعنى ذو السلامة من كل آفة ونقيصة أي الذي سلم ذاته عن الحدوث والعيب عن النقص وأفعاله عن الشر المحض فإن ما تراه من الشرور مقضي لا لأنه شر بل لما تضمنه من الخير الغالب الذي يؤدي تركه إلى شر عظيم فالمقضي والمفعول بالذات هو الخير والشر داخل تحت القضاء وعلى هذا يكون من أسماء التنزيه والفرق بينه وبين القدوس أن القدوس يدل على نزاهة الشيء من بعض نقص ذاته ويقوم به إذ القدس طهارة الشيء في نفسه ولذا جاء الفعل منه قدس كشرف والسلام

المُؤْمِنُ، المُهَيمِنُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يدل على نزاهة عن نقص يعتريه لعروض آفة أو صدور فعل ويقرب منه ما قيل القدوس فيما لم يزل والسلام فيما لا يزال وقيل معناه ذو السلام أي منه سلامة عباده من المخاوف والمهالك فيرجع إلى القدرة فيكون من صفات الذات وقيل الذي يملك السلامة أي التخليص من المكروه وقيل ذو السلام على خواصه في الجنة قال تعالى سلام قولًا من رب رحيم فيكون مرجعه إلى الكلام القديم (المؤمِن) هو في الأصل الذي يجعل غيره آمنا ويقال للمصدق من حيث جعل المصدق أمنا من التكذيب والمخالفة وإطلاقه على الله تعالى باعتبار كل واحد من المعنيين صحيح فإنه تعالى المصدق بأن صدق رسله فيكون مرجعه إلى الكلام أو بخلق المعجزات وإظهارها عليهم فيكون من صفات الأفعال وقيل معناه الذي آمن البرية بخلق أسباب الأمان وسد أبواب المخاوف فيكون من صفات الأفعال وقيل معناه أنه يؤمن عباده الأبرار يوم العرض من الفزع الأكبر إما بمثل لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون أو بخلق الأمن والطمأنينة فيرجع إلى الكلام والخلق وقال ابن الجزري في شرح المصابيح المؤمن أي الذي يصدق عباده وعده فهو من الإيمان أو يؤمنهم من عذابه فهو من الأمن اهـ. هذا كله على صفة اسم الفاعل وقرئ بفتح الميم أي المؤمن به (المهيمِنُ) قيل معناه الرقيب المبالغ في المراقبة والحفظ من قولهم هيمن الطائر إذا نشر جناحه على فرخه صيانة له قاله الخليل وبقولنا الرقيب المبالغ الخ، المشعر بأن في المهيمن من المبالغة باعتبار الاشتقاق والزنة ما ليس في الرقيب فيهما كالغافر والغفور اندفع ما قيل إذا كان المعنى المستفاد من المهيمن هو المستفاد من الرقيب لم يكن لذكر الثاني بعد الآخر من مزيد فضل، وقيل معناه الشاهد الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة فيرجع إلى العلم أو الذي يشهد على كل نفس بما كسبت فيرجع إلى القول، وقيل أصله مؤيمن مفيعل من الأمن أي آمن غيره من الخوف أو من الأمانة أي الأمين الصادق وعده فأبدلت الهاء من الهمزة كما يقال أرقت الماء وهرقته قال في الحرز وهو مع تكلفه وتعسفه خطأ من حيث إن التصغير لا يجوز في أسماء الله الحسنى اهـ، وقيل هو القائم على جميع خلقه بأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم فيرجع إلى القدرة قال الغزالي المهيمن اسم لمن استجمع ثلاث خصال العلم

العَزِيزُ، الجبار، المتكبرُ، الخالِقُ، البارئُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بحال الشيء والقدرة التامة على مراعاة مصالحه والقيام عليها وهو كالشرح والتفصيل للقول الأول فإن المراقبة والمبالغة في الحفظ إنما تتم بهذه الثلاثة وإن صيغ وصفه لهذا كان من الأسماء المركبة من صفات المعنى والفعل (العزيزُ) أي الغالب الذي لا يغلب من قولهم "من عزبز" أي من غلب سلب ومرجعه إلى القدرة المتعالية عن المعارضة فمعناه مركب من وصف حقيقي ونعت تنزيهي وقيل القول الشديد من قولهم عز يعز إذا قوي واشتد ومنه قوله تعالى: {فَعَزَّزنَا بِثَالثٍ} [يس 14] أي أي قوينا وقيل عدم المثل فيكون من أسماء التنزيه وقيل الذي يتعذر الإحاطة بوصفه ويتعسر الوصول إليه (الجبارُ) بناء مبالغة من الجبر وهو في الأصل إصلاح الشيء بضرب من القهر ثم يطلق تارة في الإصلاح المجرد وتارة في القهر المجرد ثم تجوز عنه بمجوزات العلو لأن القهر مسبب عنه ولذلك قيل الجبار هو المصلح لأمور العباد والمتكفل بمصالحهم فهو إذًا من صفات الأفعال وقيل معناه حامل العباد على ما يشاء لا انفكاك لهم عما شاء من الأخلاق والأعمال والأرزاق والآجال فسبحان من أقام العباد فيما أراد فمرجعه إلى صفات الأفعال أيضًا وقيل معناه المتعال عن أن يناله كيد الكائدين ويؤثر قصد القاصدين فيكون مرجعه إلى التقديس والتنزيه وقيل معناه المتكبر والجبروت التكبر فيكون من صفات الذات (المتكبرُ) هو الذي يرى غيره بالإضافة إلى ذاته نظر المالك إلى عبده وهو على الإطلاق لا يتصور إلَّا لله تعالى فإنه المنفرد بالعظمة والكبرياء بالنسبة إلى كل شيء من كل وجه ولذا لا يطلق على غيره إلَّا في معرض الذم، والتفعل وإن كان أصل وضعه للتكلف في إظهار ما لا يكون وإطلاقه كذلك ممتنع في حقه تعالى إلَّا أنه لما تضمن التكلف بالفعل مبالغة فيه والإتيان به على وجه الكمال إذ الفعل الذي يعاني ليحصل يكون حصوله عند العقلاء أولى من لا حصول له والكمال كون حصول الشيء أولى من لا حصول له أطلق اللفظ وأريد به المبالغة والكمال ونظيره شائع في كلامهم على أنه قد جاء التفعل لغير التكلف كالتعمم والتقمص وقال البيضاوي وقيل التاء في المتكبر تاء التفرد والتخصيص بالكبرياء الذي هو عظمة الله لا تاء التعاطي والتكلف أي هو المنفرد بالكبرياء لا يليق ذلك لغيره اهـ. قوله: (الخالق البارئُ

المُصَوّرُ، الغَفارُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المصورُ) قيل بترادفها وهو وهم إذ الخالق من الخلق وأصله التقدير المستقيم ويستعمل بمعنى الإبداع وهو إيجاد الشيء من غير أصل كقوله تعالى خلق السموات والأرض وبمعنى التكوين كقوله تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ} [النحل: 4 - 4] وبمعنى التصوير كقوله تعالى: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ} [المائدة: 110 - 110]. والبارئ من البرء وأصله خلوص الشيء من غيره إما على سبيل التفَصي منه ومنه برئ فلان من مرضه والمديون من دينه أو على سبيل الإنشاء ومنه برأ الله النسمة وهو البارئ لها وقيل البارئ الذي خلق الخلق بريئًا من التفاوت والتنافر المخلين بالنظام الكامل وهو أيضًا مأخوذ من معنى التفصي. والمصور مبدع صور المخلوقات ومزينها فإن الله خالق كل شيء بمعنى أنه مقدره وموجده من أصل ومن غير أصل وبارئه بحسب ما اقتضته حكمته وسبقت به كلمته من غير تفاوت واختلال ومصوره بصورة يترتب عليها خواصه ويتم بها كماله وقيل الخالق موجد العالم والبارئ موجد النسمة والمصور مظهرها، وثلاثتها من صفات الأفعال اللهم إلّا أن فسر الخالق بالمقدر فوجه الترتيب ظاهر لأنه يكون التقديم أولًا ثم الإحداث على الوجه المقدر ثانيًا ثم التسوية والتصوير ثالثًا وإن فسر بالموجد فالاسمان الآخران كالتفصيل له فإن الخالق هو الموجد بتقدير واختيار سواء كان الموجد مادة أو صورة ذاتًا أو وصفًا ثم البارئ مهموز ويجوز إبداله ياء في الوقف (الغفارُ) في الأصل بمعنى الستار من الغفر بمعنى ستر الشيء بما يصونه ومنه المغفر ومعناه أنه يستر القبائح والذنوب بإسبال الستر عليها في الدنيا وترك المؤاخذة بالعفو عنها في العقبى ويصون من أوزارها فهو من صفات الأفعال وقد جاء التوقيف في التنزيل بالغفار والغفور والغافر والفرق بينهما أن الغافر يدل على اتصافه بالمغفرة مطلقًا وهما يدلان عليه مع المبالغة والغفار أبلغ لما فيه من زيادة البناء ولعل المبالغة بالغفور باعتبار الكيفية وفي الغفار باعتبار الكمية وهو قياس المشدد للمبالغة في النعوت والأفعال وقال بعض الصالحين أنه تعالى غافر لأنه يزيل معصيتك من

القهارُ، الوَهابُ، الرّزّاقُ، الفَتَّاحُ، العَلِيمُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ديوانك وغفور لأنه ينسي الملائكة أفعالك وغفار لأنه ينسيك ذنبك حتى كأنك لم تفعله وقال آخر غافر لمن له علم اليقين وغفور لمن له عين اليقين وغفار له لمن له حق اليقين وما ذكر أولى من قول الحنفي في شرح الحصين الغفور بمعنى الغفار لأن التأسيس عند المحققين هو الطريق الأولى (القهارُ) هو الذي لا موجود إلَّا وهو مقهور تحت قدرته مسخر لقضائه عاجز في قبضته ومرجعه إلى صفة القدرة فيكون من صفات المعاني وقيل هو الذي أذل الجبابرة وقضم ظهورهم بالهلاك ونحوه وحصل مراده من خلقه طوعًا أو كرهًا فهو إذا من صفات أسماء الأفعال والقاهر الغالب أمره وقضاؤه النافذ حكمه في مخلوقاته على وفق إرادته (الوَهَّاب) كثير النعم دائم العطاء وهو من صفات الأفعال والهبة التمليك بغير عوض فكل من وهب شيئًا لصاحبه فهو واهب ولا يستحق أن يسمى وهابًا إلَّا من تصرفت مواهبه في أنواع العطايا ودامت نوافله والمخلوقون إنما يهبون مالًا أو نوالًا في حال دون حال ولا يملكون أن يهبوا شفاء لمريض وهدى لضال ولا عافية لذي بلاء والله سبحانه يملك ذلك كله (الرّزاقُ) أي خالق الأرزاق والأسباب التي يتمتع بها فهو من صفات الأفعال والرزق ما يكون مقدرًا للانتفاع ثم من يكون موفقًا بأخذه على وفق الأمر فيكون حلالًا ومن لم يكن موفقًا يأخذه على خلاف الأمر فيكون حرامًا وأما القول بأن الرزق هو التملك فيبطل بالكتاب والسنة والإجماع قال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} [العنكبوت: 60] وقال - صلى الله عليه وسلم - لو اتكلتم على الله حق اتكاله لرزقكم كما يرزق الطير ووقع الإجماع على أن الله تعالى رازق الوحوش والبهائم ولا ملك للحيوان غير الإنسان (الفَتاحُ) أي الحاكم بين خلقه من الفتح بمعنى الحكم ومنه ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق ومرجعه إما إلى القول القديم أي فيكون من صفات المعاني أو الأفعال المنصفة للمظلوم من الظالم وقيل هو الذي يفتح خزائن رحمته على أصناف بركته وقال تعالى ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وقيل معناه مبدع النصر والفتح ومما جاء فيه الفتح بمعنى النصر قوله تعالى: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} [الأنفال: 19]، وقيل هو الذي فتح على النفوس باب توفيقه وعلى الأسرار باب تحقيقه أي فيكون من صفات الأفعال (العلِيمُ) بناء مبالغة أي العالم بكل شيء من الكلي والجزئي المعدوم والموجود

القابِضُ، الباسِطُ، الخافِضُ، الرَّافِعُ، المُعِزُّ، المُذِل، السمِيعُ، البَصِيرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الممكن والمحال ما كان وما يكون ولا يكون كيف يكون لو وجد وهو والعالم والعلام من العلم وهو من صفات الذات المتفق عليها ولا يطلق عليه تعالى ما هو في معنى العالم في حق المخلوقين من العاقل والعارف والفطن لتعلق ذلك بعلم المخلوق الضروري والكسبي ولا معلوم عن ذلك وليس علمه تعالى كسبيًّا ولا ضروريًّا بل صفة ذاتية قائمة به سبحانه (القابض الباسِطُ) أي مضيق الرزق الحسين أو المعنوي على من يشاء من العباد بحكمته وموسعه عَلى من أراد برحمته كما أشار إليه بقوله سبحانه وتعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ} [الشورى: 27] الآية وقوله - صلى الله عليه وسلم - يقول الله تبارك وتعالى أن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلَّا على الغنى ولو أفقرته أفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلَّا على الفقر ولو أغنيته أفسده ذلك الحديث وقيل الذي يقبض الأرواح عن الأشباح عند الممات وينشرها في الأجساد عند الحياة وقيل يقبض القلوب ويبسطها تارة بالضلال والهدى وأخرى بالخشية والرجاء ثم هما من صفات الأفعال قال بعض العلماء يجب أن يقرن بين هذين الاسمين ولا يفصل بينهما ليكون إنباء عن القدرة على الضدين أي الاتيان بكل منهما بدلا عن الآخر وأدل على الحكمة كقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} [البقرة: 245] فإذا قلت القابض مفردًا فكأنك قصرت الصفة على المنع والحرمان وإذا جمعت أثبت الصفتين وكذا القول في الخافض الرافع والمعز والمذل والضار والنافع والمبدئ والمعيد والمحيي والمميت والأول والآخر والظاهر والباطن (الخَافِضُ الرَافعُ) هو الذي يخفض القسي ويرفعه أو يخفض الكفار بالخزي والصغار ويعز المؤمنين بالنصر والإعزاز أو يخفض أعداءه بالإبعاد ويرفع أولياءه بالتقريب والإسعاد أو يخفض أهل الشقاء والإضلال ويرفع ذوي السعادة بالتوفيق والإرشاد وهما من صفات الأفعال (المعزُّ المذِل) الإعزاز جعل الشيء ذا كمال يصير بسببه مرفوعًا فيه قليل المثال والإذلال جعله ذا نقيصة بسببها يرغب عنه ويسقط عن درجة الاعتبار وهما من صفات الأفعال (السميعُ البصيرُ) من هما أوصاف الذات باتفاق أهل الحق صفتان زائدتان على العلم ينكشف بهما المسموع والمبصر انكشافًا تامًّا فلا يغيب عن سمعه القديم مسموع ولا عن بصره القديم

الحَكَمُ، العَدْلُ، اللطِيفُ، الخَبِيرُ، الحَلِيمُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ موجود يسمع السر والنجوى ويبصر ما تحت الثرى ولا يلزم من افتقار هذين النوعين من الإدراك في الحادث إلى آلة افتقارهما إليها بالنسبة إليه سبحانه لأن صفاته تعالى مخالفة لصفات المخلوقين بالذات وإن كانت تشاركها فإنما تشاركها بالعوارض وفي بعض اللوازمِ ألا ترى أن صفاتنا أعراض عارضة معرضة للآفات والنقصان وصفاته تعالى مقدسة عن ذلك (الحَكمُ) الحاكم الذي لا مرد لقضائه ولا معقب لحكمه ومرجعه إلى القول الفاصل بين الحق والباطل والبر والفاجر والمبين لكل نفس جزاء ما عملت من خير وشر فهو من صفات المعاني وإما إلى الفعل الدال على ذلك كنصب الأمارات والدلائل الدالة عليه فيكون من صفات الأفعال ثم قالوا قيل للحاكم حاكم لمنعه الناس من التظالم يقال حكمت الرجل عن الفساد وأحكمته أي منعته ومنه قيل حكمة اللجام لمنعها الدابة عن التمرد والذهاب في غير جهة المقصد (العدْلُ) أي البالغ في العدل وهو الذي لا يفعل إلا ما له فعله مصدر نعت به للمبالغة وهو من صفات الأفعال (اللَّطيفُ) قيل معناه الملطف أي المحسن الموصل للمانع برفق كالجميل فإنه بمعنى المجمل فيكون من صفات الأفعال وقيل معناه العليم بخفيات الأمور ودقائقها وما لطف منها فيكون صفة ذات وقيل هو في أصله ضد الكثيف ومن خواصه أنه لا يحس به فإطلاقه عليه تعالى باعتبار أنه متعال عن أن يحس فيكون من الصفات التنزيهية وعليه قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] ثم قال: (وَهُوَ اللَّطِيفُ الخبيرُ) (الخَبيرُ) أي العليم بحقائق الأشياء وكنهها أو المخبر بما كان وما يكون فهو من صفات الذات وعلى قوله الأول فهو واللطيف يتقاربان في المعنى وإن تغايرا في المبنى ومعناهما العليم بظواهر الأمور وبواطنها وصورها وحقائقها قال تعالى: ({أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)} [الملك: 14]، (الحَليمُ) هو ذو الحلم والأناة الذي لا يحمله عصيان العصاة على استعجال عقوباتهم مع غاية الاقتدار ما قال تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ} [النحل: 61] وحاصله راجع إلى التنزيه عن العجلة وقيل هو تأخير العقوبة عن

العَظِيمُ، الغَفُورُ، الشَّكُورُ، العَلِيُّ، الكَبِبرُ، الحَفِيظُ، المُغِيثُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ العصاة فيكون صفة فعل أو إرادة تأخير العقوبة فيكون صفة ذات والفعل منه حلم كشرف أما حلم كمنع ففي المنام وحلم كحسب في فساد الأديم (العظيمُ) أي البالغ أقصى مراتب العظمة وهو الذي لا يتصوره عقل ولا يحيط بكنهه بصر وحاصله يرجع إلى التنزيه والتعالي عن إحاطة العقول لكنه ذاته (الغَفورُ) أي الكثير الغفران فيغفر الصغائر والكبائر من العصيان وسبق الفرق بينه وبين الغفار (الشكورُ) هو الذي يعطي الثواب الجزيل على العمل القليل فيرجع إلى صفة الفعل وقيل هو المثني على عباده المطيعين فيرجع إلى القول وقيل المجازي عباده على شرهم فيكون الاسم من قبيل الازدواج كما سمي جزاء السيئة سيئة (العلِي) أي البالغ في علو التربة إلى حيث لا رتبة إلّا وهي منحطة عنه وهو من الأسماء الإضافية (الْكبيرُ) معناه العالي الرتبة في الكبرياء والعظمة والكبرياء كمال الذات وذلك إما باعتبار أنه أكمل الموجودات وأشرفها من حيث أنه أزلي غني على الإطلاق وما سواه حادث بالذات نازل في حضيض الحاجة والافتقار وإما باعتبار أنه كبير عن مشاهدة الحواس وإدراك العقول وعلى الوجهين فهو من أوصاف التنزيه (الحَفيظ) الحفظ صون الشيء عن الزوال والإخلال إما في الذهن وبإزائه النسيان وإما في الخارج وبإزائه التضييع والحفيظ يصح إطلاقه عليه سبحانه بكل من الاعتبارين فإن الأشياء كلها محفوظة في علمه تعالى لا يمكن زوالها بسهو أو نسيان وعليه فهي راجعة إلى العلم وأنه تعالى يحفظ الموجودات من الزوال والاختلال ما شاء ويصون المتضادات بعضها عن بعض ويحفظ على العباد أعمالهم ويحصي عليهم أقوالهم وأفعالهم وعليه فهو يرجع إلى القدرة (المغيث) من الإغاثة هذا قضية قول الشيخ المصنف الآني قوله المغيث روي بدله المقيت بالقاف والمثناة لكن الذي في الترمذي وعلق عليه الجلال السيوطي وعزاه إليه في السلاح والمشكاة والحصن أنه المقيت بالقاف فالمثناة فلعله عند غير الترمذي الذي أشار إليه الشيخ بقوله رواه الترمذي وغيره أو عند الترمذي في بعض أصوله وهذا أقرب. قال البيضاوي في شرح المصابيح نقل الشيخ قوام السنة أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل رحمه الله بدل المقيت المغيث بالغين والثاء وقال هكذا سماعي فيكون معناه المستغاث والمستعان أي المغيث والمعين لمن استغاث

الحَسِيبُ، الجَلِيلُ، الكَرِيمُ، الرقِيبُ، المُجِيبُ، الواسع، الحَكِيمُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ واستعان فيكون من صفات الأفعال (الحسيبُ) الكافي في الأمور من أحسبني إذا أعطاني أو كفاني حتى قلت حسبي فعليه هو فعيل بمعنى مفعل كأليم وقيل المحاسب يحاسب الخلق يوم القيامة فعيل بمعنى مفاعل كالجليس والنديم فمرجعه بالمعنى الأول إلى الفعل وبالثاني إليه إن جعل المحاسبة عبارة عن المكافأة إلى القول إن أريد بها السؤال والمعاتبة وتعداد ما عملوا من السيئات وقيل الشريف والحسب الشرف (الجَليل) أي المنعوت بنعوت الجلال وهي الغنى والملك والتقديس والعلم والقدرة ونحوها فهو من الصفات التنزيهية والفرق بينه وبين الكبير والعظيم أن الكبير اسم الكامل في الذات والجليل اسم الكامل في الصفات والعظيم اسم الكامل فيهما (الكرِيمُ) قال البيضاوي هو من صفات الذات والله تعالى لم يزل ولا يزال كريمًا ومعناه تقديسه عن النقائص والصفات المذمومة والنفيس يقال له كريم ومنه كرائم الأموال ومنه أطلق على العين أنها كريمة وقيل الكريم الدائم البقاء الجليل الذات الجميل الصفات والعرب قد تطلق الكريم على ما يدوم ومنه قوله تعالى وأعد لهم أجرًا كريمًا أي دائمًا وقيل هو من ينعم قبل السؤال ولا يحوجك إلى وسيلة ولا يبالي من أعطا وما أعطى فعليه هو من صفات الأفعال وقيل هو المتجاوز الذي لا يستقصي في العتاب وقيل هو الذي يغضب إذا رفعت الحاجة إبى غيره قيل هو الذي يستحي أن يعذب عبده وإن كان العبد لا يستحي من عصيانه (الرقيب) الحفيظ الذي يرقب الأشياء ويلاحظها فلا يعزب عنه مثقال ذرة وهو يرجع إلى العليم (المجِيبُ) هو الذي يجيب دعوة الداعي ويسعف السائل إذا التمسه ودعاه ومن خصائص لطفه وتحقيق إجابته لعبده أن يعطي قبل السؤال ويتحف بعد السؤال بجزيل النوال وهو من صفات الأفعال (الوَاسعُ) فسر بالعالم المحيط علمه بجميع المعلومات جزئياتها وكلياتها وموجودها ومعدومها هو من صفات الذات وبالجواد الذي عمت نعمه وشملت رحمته كل بر وفاجر ومؤمن وكافر فهو من صفات الأفعال وبالمتمكن مما يشاء فهو من صفات التنزيه وعن بعض العارفين الواسع الذي لا نهاية لبرهانه ولا غاية لسلطانه ولا حد لإحسانه (الحكِيمُ)

الوَدُودُ، المَجِيدُ، البَاعِثُ، الشَّهِيدُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ذو الحكمة وهو عبارة عن كمال العلم وإحسان العلم والإتقان فيه وقد يستعمل بمعنى العليم والحكم وقيل هو مبالغة الحاكم فعلى الأول مركب من صفتين إحداهما من صفات الذات والأخرى من صفات الأفعال وعلى الثاني يرجع إلى القول: (الودودُ) مبالغة الود ومعناه الذي يحب الخير لجميع الخلائق ويحسن إليهم في الأحوال كلها وقيل المحب لأوليائه وحاصله يرجع إلى إرادة مخصوصة أي فيكون صفة ذات أو فعل مخصوص فيكون صفة فعل وقيل معناه المودود (المجِيدُ) مبالغة في الماجد من المجد وهو سعة الكرم وقال القشيري هو بمعنى العظيم الرفيع القدر فهو فعيل بمعنى مفعل وقيل معناه الجزيل العطاء فهو فعيل بمعنى فاعل اهـ، وعكس البيضاوي في شرح المصابيح فقال إذا كان معناه الرفيع القدر فهو فعيل مبالغة فاعل فيكون مجيد بمعنى ماجد وهو المتعالي في ذاته وإذا كان بمعنى كثير العطاء فهو فعيل بمعنى مفعل فإنه تعالى يمجد عباده أي يكثر الإنعام بإدرار الرزق عليهم وكلا الوصفين لائق في حقه تعالى اهـ. قال الجلال السيوطي في قوت المغتذي وكل وصف من أوصافه تعالى يحتمل معنيين أو أكثر فمن أثنى عليه بذلك الوصف فقد أتى بالمعنيين فكل من قال له تعالى مجيد فقد وصفه بأنه عظيم رفيع القدر وأنه محسن جزيل البر وفي السلاح المجيد بمعنى الماجد لكنه أبلغ وهو الشريف وأنه الجميل أفعاله الجزيل نواله فكان شرف الذات إذا قارنه حسن الفعال يسمى مجدًا فكأنه يجمع معنى اسم الجليل والوهاب والكريم (الباعثُ) هو الذي يبعث من في القبور وقيل باعث الرسل إلى الأمم وقيل باعث الهمم إلى الترقي في مناجاة التوحيد وهو من صفات الأفعال (الشَّهيدُ) من الشهود وهو الحضور ومعناه العليم بظاهر الأشياء وما يمكن مشاهدتها كما أن الخبير هو العليم بباطن الأشياء وما لا يمكن الإحساس به وقيل مبالغة الشاهد والمعنى أنه تعالى يشهد على الخلق يوم القيامة وهو على الوجهين من صفات المعاني لأن مرجعه إما إلى الكلام أو إلى العلم وفي السلاح الشهيد يرجع معناه إلى العليم مع خصوص إضافة فإنه تعالى عالم الغيب والشهادة والغيب عبارة عما بطن والشهادة عبارة عما ظهر وهو الذي يشاهد فإذا اعتبر العلم مطلقا فهو العليم

الحَقُّ، الوَكيلُ، القَويُّ، المَتِينُ، الوَلِيُّ، الحَمِيدُ، المُحْصي، المُبْدِئُ، المُعِيدُ، المُحْيِي، المُمِيتُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا أضيف إلى الغيب والأمور الباطنة فهو الخبير وإذا أضيف إلى الأمور الظاهرة فهو الشهيد اهـ، وعليه فهو راجع إلى العلم (الحق) الثابت وهو من صفات الذات وقيل معناه المحق أي المظهر للحق أو الموجد للشيء حسبما تقتضيه الحكمة فيكون من صفات الأفعال (الوَكيلُ) القائم بأمر العباد وبتحصيل ما يحتاجون إليه وقيل الموكول إليه تدبير البرية (القَويّ) القادر التام القدرة الذي لا يستولي عليه عجز في حال من الأحوال وقوة المخلوق متناهية وعن بعض الأشياء قاصرة فالقوة ترجع إلى القدرة قال الشيخ سعد الدين في شرح العقائد في أوصاف المعاني الثابتة له والقوة بمعنى القدرة اص. لكن ما سلكناه من أنه أخص أولى لما فيه من التأسيس (اليتينُ) الشديد القوة الذي لا تنقطع قوته ولا تلحقه مشقة وهو راجع أيضًا إلى الوصف بشدة القوة (الوليُّ) المحب الناصر قال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 257]، أي ناصرهم وقيل متولي أمر الخلائق ومرجعه إلى صفات الأفعال (الحييدُ) هو المحمود المثني عليه الذي يستحق الحمد في السراء والضراء والشدة والرخاء فهو محمود على كل حال ومرجعه إلى الصفات التنزيهية (المحصِي) العالم الذي يحصي المعلومات ويحيط بها إحاطة العادما يعده وقيل القادر الذي لا يشذ عنه شيء من المقدورات وعلى الوجهين هو من صفات المعاني لأنه على الأول يرجع إلى العلم وعلى الثاني إلى القدرة (المبْدِىُ) بالهمز وقد يبدل في الوقف المظهر للشيء من العدم إلى الوجود وهو بمعنى الخالق المنشئ الذي أنشأ الأشياء وقدر وخلق وحقق واخترعها ابتداء من غير مثال سبق (المعيدُ) من الإعادة وهي خلق الشيء بعد ما عدم وزعم أن الإعادة خلق مثله لا عينه غير صحيح بل ما عدم بعد وجود يعاد إلى ما كان قبل عليه قال بعضهم وإنما قيل فيهما اسم واحد لأن معنى الأول تم بالثاني ومرجعهما إلى صفات الأفعال (المُحْيِي) الخالق الحياة ومعطها لكل من أراد على وجه يريده وقيل هو من أحيا قلوب العارفين بأنواع عرفانه وأرواحهم بلطف المشاهدة والبيان (المُمِيتُ) مقدر الموت على من شاء من الإحياء متى شاء كيف شاء بسبب وبلا سبب وقيل هو من أمات القلوب بالغفلة

الحَيُّ، القَيُّومُ، الوَاجدُ، المَاجِدُ، الوَاحِدُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والنفوس باستيلاء الزلة والعقول بالشهوة ومرجعهما إلى صفات الأفعال (الحيُّ) أي ذو الحياة وهي صفة ذاتية حقيقية قائمة بذاته لأجلها صح لذاته أنه يعلم ويقدر (القَيومُ) فيعول للمبالغة كديوم وأصله قيوم بواوين قلبت الواو ياء لاجتماعها ساكنة مع الياء ثم أدغمت في الياء قبلها ومعناه القائم بنفسه الذي لا يفتقر إلى غيره والقائم به غيره والقائم على الأمور كلها أولها وآخرها ظاهرها وباطنها فهو على العموم في الإطلاق لا يصح إلَّا لله تعالى إذ قوامه بذاته لا يتوقف بوجه ما على غيره وقوام كل شيء به إذ لا يتصور لغيره وجود ودوام إلّا به فمفهومه مركب من نعوت الجلال وصفات الأفعال (الوَاجدُ) بالجيم الذي يجد كل ما يطلب ويريد ولا يفوته شيء من ذلك وقيل الغنى مأخوذ من الوجد وقيل المعنجان مترادفان خلافًا لما يوهمه كلام الطيبي ومرجعه إلى الصفة التنزيهية وقيل معناه العالم ومنه "ووجد الله عنده" وعليه فيرجع إلى صفات المعاني (المَاجِدُ) بمعنى المجيد إلَّا أن المجيد أبلغ منه (الوَاحِدُ) أي الواحد في ذاته فلا انقسام له وفي إلاهيته فلا نظير له وفي ملكه وملكه فلا شريك له ولم يذكر المصنف "الأحد" لانه لم يقع في رواية الترمذي ولا في الدعوات الكبير للبيهقي نعم وقع ذلك عند ابن ماجة وعليه فقيل هو كالواحد ولكن في الاحد زيادة تأكيد في وصف الوحدانية ويؤيد أنهما مأخوذان من الوحدة إذ أصل أحد وحد بفتحتين قلبت واوه ألفًا وقيل بينهما فرق فهو الواحد في ذاته وصفاته وأفعاله الاحد في وحدانيته فلا يقبل المماثلة ويشهد له الفروق اللفظية في الاستعمال من ذلك أن الواحد فاتحة العدد وتلحقه التاء بخلاف الأحد ومن ذلك أن الأحد في الأثبات إنما يذكر في وصفه سبحانه على سبيل التخصيص كما في قوله تعالى: (اللَّهُ أَحَد) ولا يقال زيد أحد بل وحيد وواحد وسر ذلك أن أحد بني لنفي ما يذكر معه من العدد ونفيه يعم ونفي الواحد قد لا يعم ومن ثم صح ليس في الدار واحد بل اثنان ولا يصح ذلك في أحد قال تعالى: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب: 32]، إذ لو قيل لستن كواحد الأهم والله أعلم، والمعنوية

الصمَدُ، القَادِرُ، المُقْتَدِرُ، المَقُدِّمُ، المُؤَخِّرُ، الأوَّلُ، الآخِرُ، الظَّاهِرُ، الباطِنُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ من ذلك أن أحدًا أبلغ بناء كأنه من الصفات المشتملة التي بنيت لمعنى الثبات والوحدة يراد بها عدم التجزي تارة وعدم التثني والنظير أخرى فالواحد يكثر إطلاقه بالمعنى الأول والأحد يغلب استعماله في المعنى الثاني ومن ثم كان الآحاد جمع واحد كأشهاد وشاهد لا جمع أحد لأنه لا جمع له وقال بعض المتكلمين في صفاته تعالى خاصة الواحد باعتبار الذات والأحد باعتبار الصفات ثم هما يرجعان إلى صفة التنزيه (الصمَدُ) هو السيد لأنه يصمد إليه في الحوائج وأصل الصمد القصد قال البخاري قال أبو وائل هو السيد الذي انتهى سودده وقيل معناه الدائم وقيل معناه بعد فناء الخلق وقيل المنزه عن الآفات وقيل الذي لا يطعم وقيل غير ذلك ومرجعه إلى صفة التنزيه (القَادِرُ المقتَدِرُ) معناهما واحد وهو ذو القدرة إلا أن المقتدر أبلغ في البناء لزيادة البناء وسبق في باب فضل الذكر كلام في الفرق بين موقعهما ثم مرجعهما إلى الصفات الذاتية (المقَدّمُ المؤَخر) هو الذي يقدم الأشياء بعضها على بعض إما بالوجود كتقديم الأسباب على مسبباتها أو بالشرف والقربة كتقديم الأنبياء والصالحين من عباده على من عداهم أو بالمكان كتقديم الأجسام العلوية على السفلية والصاعدات منهما على الهابطات أو بالزمان كتقديم الأطوار والقرون بعضها على بعض ومرجعها إلى صفة الإرادة لأن من شأنها التخصيص ولكون هذين المتضايفين لتوقف أحدهما على الآخر نزلا منزلة الاسم الواحد (الأَولُ الآخر) هو السابق على الأشياء كلها فإنه موجدها ومعيدها الباقي وحده بعد أن يفنى الخلق كله ومرجعهما إلى صفة التنزيه وقيل مرجعهما إلى صفات الفعل أي الأول بإحسانه والآخر بغفرانه وقيل الأول محسن بتعريفه إذ لولا فضله بما بدا لك من إحسانه لما عرفته والآخر بإكمال لطفه كما كان أولًا بابتداء معروفه وعطفا في الآية بالواو لتباعد ما بين موقع معناهما وإن كانا يرجعان إلى حكم اسم واحد (الظَّاهرُ الباطنُ) هو الظاهر بحججه الباهرة وبراهينه النيرة الظاهرة وشواهد إعلامه الدالة على ثبوت ربوبيته وصحة وحدانيته والباطن المحتجب عن أبصار الخليقة ولا يستولي عليه توهم الكيفية فهو الظاهر من

الوَالِي، المُتَعَالِ، البَرُّ، التَّوَّابُ، المُنْتَقِمُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ جهة البرهان الباطن من جهة الكشف للعيان حجب ذاته عن نظر خليقته بحجب كبريائه وعظمته ومن ثم قيل هو الظاهر بالقدرة الباطن عن الفكرة وقيل الظاهر الذي ظهر فوق كل شيء بقدرته وقد يكون الظهور بمعنى العلو وبمعنى الغلبة وفي الصحيح أنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء وقد يكون معنى الظهور والبطون احتجابه عن أعين الناظرين وتجليه لبصائر المتفكرين وقد يكون معناهما العالم بما ظهر من الأمور المطلع على ما بطن من الغيوب فمرجعهما إلى صفات التنزيه (الوَليُّ) المباشر للحكم الذي في إصلاح المولى عليه وحياطته من كل سوء فمرجعه إلى اسميه الحكيم والعدل (المتعالِ) أي البالغ في العلو والتنزه عن كل ما لا يليق بجلال ذاته وعظمة صفاته الحد الذي لا يمكن أحدًا الوصول إليه ولا بالتصور فضلًا عن غيره فهو المرتفع في كبريائه وعظمته وعلو مجده عن كل ما يدرك أو يفهم من أوصاف خلقه إلى صفة التنزيه ثم يجوز حذف يائه كما قرئ في السبع (البرُّ) بفتح الباء أي المحسن أو خالق البر أو موصله لمن أراد بلطفه وإحسانه قيل هو اسم مطلق قال بعض المحققين المراد بالأسماء المطلقة ما تشير إلى الذات كما أن المشتقة تشير إلى الآثار والأفعال الإلهية (التوَّابُ) أي الذي يتوب على العباد ويكثر ذلك منه لهم على كثرة العصيان من التوب وهو الرجوع لأنه تعالى يرجع بالإنعام على كل مذنب بطاعته ثم يرجع إلى التزامها بقبول توبته وحسن أوبته وقيل هو الذي ينشر لعباده أسباب التوبة فيرجع إلى صفة الكرم (المنتقِمُ) أي المؤاخذ لمن شاء بأشد سطوة وأعظم عقوبة كما أراد وبما أراد على ما أراد من نقم الشيء كرهه غاية الكراهة وهو لا يحمد من العبد إلَّا إن كان من أعداء الله وأحقهم بالانتقام نفسه فينتقم منها مهما قارفت معصية أو تركت طاعة بأن يكلفها خلاف ما جبلت عليه ويجرعها المكروه حتى تتدرب ويصير تحملها لها طبعًا لا تطبعًا فمرجعه إلى

العَفُوُّ، الرَّؤوف، مالِكُ المُلْكِ، ذُو الجَلالِ والإكْرَام، المُقْسِطُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ صفات الفعل (العفوُّ) الذي يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي من عفا الأثر ذهب فكأن الذنب بالعفو عنه اندرس وذهب أثره وهو أبلغ من الغفور لأن الغفران ينبيء عن الستر والعفو ينبيء عن المحو فمرجعه إلى صفة الكرم وعقبه لما قبله لأن الإنتقام سوط يسوق العبد إلى ربه والعفو زمام يقود إليه (الرَّؤُوف) ذو الرأفة شدة الرحمة فهو أبلغ من الرحيم بمرتبة ومن الراحم بمرتبتين ووقع في نسخة من الطيبي ومن الرحمن بمرتبتين فاعترضه ابن حجر الهيتمي بأنه يأتي على أن الرحيم أبلغ من الرحمن وهو قول ليس بمشهور والمشهور أن الرحمن أبلغ اهـ، وقيل الفرق بين الرأفة والرحمة أن الرأفة إحسان مبدأه شفقة المحسن والرحمة إحسان مبدأه فاقة المحسن إليه ثم الرحمة لكونها مستحيلة عليه يقال المراد بها غايتها من الإحسان والتفضل فتكون صفة فعل أو إرادته فتكون صفة ذات قال في شرح المشكاة الرأفة باطن الرحمة والرحمة من أخص أوصاف الإرادة بناء على أنها صفة ذات أي إرادة الأفعال ومن كشف الضرر ودفع السوء بنوع من اللطف والرأفة بزيادة رفق ولطف (مالِكُ المُلكِ) هو الذي ينفذ مشيئته في ملكه يجري الأمور فيه على ما يشاء لا مرد لقضائه ولا معقب لحكمه (ذُو الجلال والإِكْرَامِ) معنى الجلال كما دل عليه كلام القشيري في التخيير استحقاق أوصاف العلو وهي الأوصاف الثبوتية والسلبية وعليه فالإكرام المقابل له إكرام العباد بالإنعام عليهم وعلى هذا جرى الغزالي في المقصد الأسني وفسر بعضهم بالصفات السلبية لأنه يقال فيها جل عن كذا وكذا والإكرام بالثبوتية وممن جرى عليه البيضاوي قال في شرح الأسماء المسمى أماني أولي الألباب والكرماني في شرح البخاري وفسر بعضهم الجلال بالصفات الثبوتية والإكرام بالسلبية عكس ما قبله ويعبر هؤلاء عن الصفات السلبية بالنعوت فيقال صفات الجلال ونعوت الإكرام قاله ابن أبي شريف قال في الحرز والمجموع اسم واحد خلافًا لما يوهمه الحنفي ذو الجلال قريب من الجليل والجلال العظمة والإكرام التكريم والتعظيم اهـ قلت ومثله في ذلك التعبير عبارة شرح المشكاة للشيخ ابن حجر لكن لما كان هنا الإيهام مدفوعا يكون العدد محصورا والمعنى ظاهرًا لم ينظر لذلك الإيهام والله أعلم. (المُقسِطُ)

الجامِعُ، الغَنِي، المُغْنِي، المَانِعُ، الضَّار، النَّافِعُ، النورُ، الهَادِي، البَدِيعُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ العادل الذي ينتصف للمظلومين ويذر بأس الظلمة على المستضعفين من أقسط إذا عدل وأزال الجور والقسط العدل اسم مصدر لأقسط لا مصدر لقسط لتضاد معناهما إذ قسط بمعنى جار (الجَامعُ) أي للكلمات كلها في ذاته وأوصافه وأفعاله فليس له شبه ولا مثل ولا نظير في واحد من هذه الثلاث أو الجامع للناس ليوم لا ريب فيه أو لمن شاء متى شاء إذ هو الذي يؤلف بين أشتات الحقائق المختلفة والمتضادة متجاورة وممتزجة في الأنفس والآفاق ويجمع للحشر الأجزاء المتفرقة المتبددة ويعيد تأليفها للأبدان كما كان ثم بينها وبين أرواحها المتفرقة فيحييها ثم يجمعهم للجزاء في موقف الحساب ليظهر المحق من المبطل (الغَني) الذي لا يحتاج إلى شيء في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله إذ هو الواجب القديم الفرد المطلق بسائر الاعتبارات (المغني) أي الذي وفر على كل شيء ما يحتاج إليه حيثما اقتضته الحكمة وسبقت به الكلمة وأغناه من فضله وكفاه من واسع جوده وطوله (المَانعُ) الذي يدفع أسباب الهلاك والنقصان في الأبدان والأديان (الضار النافع) مرجع هذين الوصفين واحد وهو الوصف بالقدرة التامة الشاملة فهو الذي يصدر عنه الضر والنفع فلا خير ولا شر ولا نفع ولا ضر إلا وهو صادر عنه منسوب إليه أو الوصف بالتوحيد وهو أنه لا يحدث في ملكه شيء إلا بإيجاده وحكمه وقضائه ومشيئته فمن استسلم لحكمه فاز بالنعمة العظمى ومن آثر اختيار هوى نفسه هوى إلى الداهية الدهوى والمحنة الكبرى (النُّورُ) هو الظاهر بنفسه المظهر لغيره من العدم إلى الوجود ولا شك أن الظهور إذا قوبل بالعدل كان كالظهور للوجود والخفاء للعدم ولما كان البارئ تعالى موجودا بذاته مبرأ عن كلمة إمكان العدم وكان وجود سائر الأشياء فائضًا عن وجوده صح إطلاق لفظ النور المشبه به الوجود عليه تعالى (الهَادِي) أي الدال بلطف لعباده والموصل لمن شاء منهم إلى السعادة وإمداده فهو الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى أي در كل مخلوف لما أراده منه في دينه ودنياه وسائر أموره هدى خاصة عباده إلى معرفة ذاته على حقائق مصنوعاته وهدى عامة خلقه إلى النظر في مخلوقاته ليستدل بها على معرفة صفاته (البَدِيعُ) المبدع وهو الذي أتى بما لم يسبق إليه وقيل

الباقي، الوَارِثُ، الرشِيدُ، الصَّبُورُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ هو الذي لم يعهد له مثل في ذاته ولا نظير في صفاته ومرجعه بالمعنى الأول إلى صفات الأفعال وبالمعنى الثاني إلى صفات التنزيه (الباقِي) أي الدائم الوجود الذي لا يجري عليه عدم ولا فناء فلا انصرام لوجوده ولا انقطاع لبقائه قال الأستاذ أبو القاسم القشيري ما حاصله مع زيادة عليه الباقي من له صفة البقاء ولا يجوز اتصاف مخلوف بصفة الذات للحق سبحانه فلا يجوز كونه عالما لعلمه أو قادرًا بقدرته لاستحالة قيام وصف القديم بالحادث كعكسه وحفظ ذلك أصل التوحيد قال بعض من لا دين لهم إن العبد يصير باقيا ببقاء الحق عالمًا بعلمه سامعًا بسمعه وهذا خروج عن الدين وانسلاخ عن الإسلام بالكلية ولا حجة في خبر كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به الحديث إذ ليس فيهن أنه يسمع بسمعي أو يبصر ببصري وإنما فيه فبي يسمع وبي يبصر الخ، وشتان ما بينهما وما أحسن قول بعضهم الله باقٍ ببقائه والعبد بإبقائه اهـ. لاشتماله على الفرق بين البقاء والإبقاء وأن الأول مختص بالله والثاني متصل أثره بالعبد (الوَارِثُ) الباقي بعد فناء جميع المخلوقات فيرجع إليه الأملاك بعد فناء الملاك وهذا بالنظر العامي أما بالنظر الحقيقي فهو المالك على الإطلاق من أزل الأزل إلى أبد الأبد لم يتبدل ملكه ولا يزال كما قيل الوارث الذي يرث بلا توريث أحد الباقي الذي ليس لملكه أمد (الرَّشيدُ) الذي تنساق تدابيره إلى غاياتها على سنن السداد من غير استيشار وإرشاد وقيل المرشد فعيل بمعنى مفعل كأليم ووجيع فيكون بمعنى الهادي وقيل هو الموصوف بالعدل في حكمه والصدق في قوله فهو بمعنى اسمه العدل وقيل هو المتعال عما لا يكون واصلا إلى غاية الكمال فيرجع إلى اسمه المتعال (الصبور) الذي لا يعجل في مؤاخذه العصاة ومعاقبة المذنبين وقيل الذي لا تحمله العجلة على المسارعة إلى الفعل قبل أوانه وهو أعم من الأول كذا قال السيوطي في قوت المغتذي ونظر فيه ابن حجر في شرح المشكاة وقال القولين واحد بل مآل مفهومهما أنه يعاقب بالآخرة ما لم يعف عنه والفرق بينه وبين الحليم أن المذنب لا يأمن العقوبة من صفة الصبور كما يأمنها من صفة الحليم وأتى

هذا حديث [رواه] البخاري ومسلم إلى قوله: "يحب الوتر" وما بعده حديث حسن، رواه الترمذي وغيره. ـــــــــــــــــــــــــــــ بفعول الدال على المبالغة لكثرة صبره تعالى على العصاة الذين هم أكثر من الطائعين وفي الخبر لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله تعالى والمراد من الصبر لاستحالة حقيقته بالنسبة إليه غايته من عدم المعاجلة أو استعير لمطلق التأني في الفصل. وقد لخصنا ما ذكرنا في هذه الأسماء من سلاح المؤمن وحاشية المصابيح للبيضاوي وقوت المغتذي للسيوطي وشرح المشكاة لابن حجر ومن الحرز الثمين ولخصنا ذلك ومزجنا الأسماء ببيان معانيها تقريبًا للطالبين والله الموفق وهو نعم المعين. قوله: (هذَا حدِيث رَوَاه البُخَاري ومسلم) وكذا رواه أصحاب السنن الأربعة إلَّا أبا داود كما في السلاح. قوله: (ومَا بعدَه حديثٌ حسن) أي وهو من أنواع المقبول المعمول به في جواز إطلاق الاسم عليه تعالى بناء على التوقيف لكن في شرح المشكاة لابن حجر اختلف الحفاظ في أن سرد الأسماء هل هو موقوف على الراوي أو مرفوع ورجح الأول وإن تعدادها مدرج من كلام الراوي لكن ليس لهذا الاختلاف كبير جدوى فإن الموقوف كذلك حكمه حكم المرفوع لأن مثله لا يقال رأيًا لكني لم أر من صحح واحدة من تلك الروايتين يعني رواية الترمذي وابن ماجة وقد سبق أن أسماءه تعالى توقيفية وأنه لا يجوز النطق بشيء منها إلَّا إن صح به خبر ولو من رواية الآحاد لأنه من باب العبادات المكتفي فيها بذلك خلافًا لقوم اشترطوا التواتر نظرًا منهم إلى أنها من الاعتقادات وهي لا يكتفي فيها إلّا بقاطع وإذا تقرر أنه لا بد من صحة الخبر كما هو مذهب الأشعري فأخذ العلماء بهاتين الروايتين مشكل إلّا أن يقال لما تطابق العلماء على النطق بما فيهما كان ذلك بمنزلة الإجماع على صحتهما وأنه يجوز العمل بما فيهما اهـ، وهو مصرح أنه لا بد في جواز الإطلاق من صحة الخبر لكن تعليله يكون ذلك من العبادات يقتضي الاكتفاء بالخبر الحسن فإنه يعمل به فيها فالظاهر أن المراد من الصحيح هنا في كلامه ما. (رَوَاه الترمذِي) الخ، وقال الترمذي هذا حديث غريب حدثنا به غير واحد عن صفوان

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بن صالح ولا نعرفه إلَّا من حديث صفوان وهو ثقة عند أهل الحديث وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا نعلم في شيء كثير من الروايات ذكر الأسماء إلَّا في هذا الحديث قال الحافظ ابن حجر ولم ينفرد به صفوان بل أخرجه البيهقي في كتاب الأسماء والصفات من طريق موسى بن أيوب النصيبي وهو ثقة عن الوليد أيضًا اهـ، وقال الزين العراقي وكذا رواه الحاكم من طريق موسى ابن أيوب وهو ثقة وثقه أبو حاتم والعجلي وابن حبان وفي رواية موسى المغيث بدل المقيت اهـ. قال الترمذي وقد روى آدام بن أبي موسى هذا الحديث بإسناد غير هذا عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر فيه الأسماء وليس له إسناد صحيح قال الزين العراقي ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما كما سقناه من الترمذي وقال ابن حبان لفظه للحسن بن سفيان وقال البيهقي ورواية الحسن بن سفيان الدافع بدل النافع اهـ. قال الحافظ ابن حجر وقع سرد الأسماء في رواية زهير بن محمد عن موسى بن عقبة عند ابن ماجة وهذان الطريقان يرجعان إلى رواية الأعرج وفيهما اختلاف شديد في سرد الأسماء وزيادة ونقص ووقع سرد الأسماء في رواية ثالثة أخرجها الحاكم في المستدرك وجعفر الغريابي في الذكر من طريق عبد العزيز بن الحصين يعني ابن الترجمان عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال الحاكم بعد تخريج الحديث من طريق صفوان بن صالح عن الوليد بن مسلم الطريق التي أخرجه منها الترمذي بلفظه سوى هذا الحديث أخرجاه في الصحيحين بأسانيد صحيحة دون ذكر الأسماء فيه ولعله عندهما أن الوليد بن مسلم تفرد بسياقه وبطوله وذكر الأسماء فيه ولم يذكرها غيره لمسلم نعم أكثرها في القرآن ومنها ما ورد فيه الفعل أو المصدر دون الاسم ومنها ما ليس في القرآن لا بنفسه ولا بورود فعله كالجميل والقديم ونحوهما اهـ. قال البيهقي وحديث ابن الحصين وإن كان لا يصلح للاستشهاد به فإن للحديث طريقًا تصلح للاستشهاد وهي طريق ابن ماجة وليس هذا بعلة فإني لا أعلم اختلافًا بين أئمة الحديث أن الوليد بن مسلم أوثق وأحفظ وأعلم وأجل من أبي اليمان وبشر بن شعيب وعلي بن عياش وأقرانهم من أصحاب شعيب ثم نظرنا فوجدنا الحديث قد رواه عبد العزيز بن الحصين عن أيوب السختياني وهشام بن حسان جميعًا

قوله: "المغيث" روي بدله "المقيت" بالقاف والمثناة، وروي "القريب" بدل "الرقيب"، وروي "المبين" ـــــــــــــــــــــــــــــ عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله قال الحافظ ابن حجر يشير بقوله أن الوليد أحفظ الخ. إلى أن بشرا وعليا وأبا اليمان رووه عن شعيب بدون سياق الأسامي فرواية ابن اليمان عند البخاري ورواية علي عند النسائي ورواية بشر عند البيهقي وليست العلة عند الشيخين تفرد الوليد فقط بل الاختلاف عليهم واضطراب وتدليس واحتمال الإدراج قال البيهقي يحتمل أن يكون التعيين واقع من بعض الرواة في الطريقين معًا ولهذا وقع الاختلاف الشديد بينهما ولهذا ترك الشيخان تخريج التعيين قلت قد نقل عبد العزيز البخشي عن كثير من العلماء ذلك والله أعلم. قال بعضهم فإن كان أي سردها محفوظًا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان من ترك ذكره قصد الإشارة إلى أن من أحصى من أسماء الله تعالى تسعة وتسعين دخل الجنة سواء أحصاها مما نقلنا من حديث الوليد أو من حديث ابن الترجمان أو من سائر ما دل عليه الكتاب والسنة اهـ. قوله: (المُغيث) أي بالغين المعجمة والمثلثة رواه كذلك الحاكم من طريق ابن أيوب كما سبق في كلام الزين العراقي وكذا الغريابي كما تقدم في كلام البيضاوي قال الحافظ الذي وقع في رواية الترمذي بالقاف في جميع نسخ الشيخ منها بخط الحافظ أبي علي الصديقي في نسخ القاضي عياض ورواه بالغين المعجمة أبو عبد الله بن منده في كتاب التوحيد من الوجه الذي أخرجه منه الترمذي اهـ. قوله: (المقيتُ) أي بالقاف والتحتية أي موجد الأقوات وميسرها لعباده سائر الأوقات والقوت أخص من الرزق إذ الرزق يتناوله وغيره وقيل معناه المستولي على الشيء القادر عليه والاستيلاء يتم بالعلم والقدرة ويدل عليه قوله تعالى وكان الله على كل شيء مقيتًا أي مطلعًا قادرًا. قوله: (القَرِيب) بالقاف فالراء قيل معناه المحيط علمه بكل شيء. قوله: (الرقيبُ) أي بالراء فالقاف وقال البيضاوي فيما كتبه على المصابيح روى الشيخ قوام السنة أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل رحمه الله بإسناد عن جعفر الغريابي عن صفوان بن صالح بدل الرقيب القريب قال الحافظ وهو كذلك في رواية ابن ماجة من طريق محمد بن سيرين. قوله: (ورويَ المُبينُ الخ) قال في

بالموحدة بدل "المتين" بالمثناة فوق، والمشهور "المتين"، ومعنى أحصاها: حفظها، هكذا فسره البخاري والأكثرون، ويؤيده أن في رواية في الصحيح"مَنْ حَفِظَها دَخَلَ الجَنةَ" وقيل: معناه: من عرف معانيها وآمن بها، وقيل: معناه من أطاقها بحسن الرعاية لها وتخلَّق بما يمكنه من العمل بمعانيها، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ السلاح قال الخطابي روى المبين بالموحدة أي المبين أمره في الوحدانية قال والمحفوظ هو الأول كقوله تعالى: {ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} [الذاريات: 58] قال الحافظ أخرجه كذلك أبو نعيم في ظرف الأسماء الحسنى من الوجه الذي أخرجه منه ابن ماجة وأخرج الحافظ الحديث بسنده وفي الأسماء الثلاثة المذكورة المغيث بالمعجمة والمثلثة والمبين بالموحدة والقريب بتقديم القاف اهـ. قوله: (بالباء المُوَحدَةِ) أي والميم مع التاء مفتوحة ومع الموحدة مضمومة. قوله: (ومَعنى أَحصَاهَا حفِظَها الخ) قال الطيبي أراد بالحفظ القراءة بظهر القلب فيكون كناية عن التكرار لأن الحفظ يستلزمه فالمراد بالإحصاء تكرار لمجموعها اهـ. قال ابن حجر وفيه بعد بل ظاهر كلام البخاري والأكثرين حصول الجزاء المذكور في الخبر بمجرد حفظها وفضل الله أوسع من ذلك اهـ، ولا يعترض على ما ذكر بتفسير الحفظ في حديث من حفظ على أمتي أربعين حديثًا الخ، بنقله إلى الناس وإن لم يحفظ لفظه ولا عرف معناه للفرق الواضح فإن المدار هنا على التبرك بذكرها التعبد بلفظها ولا يتم ذلك إلَّا بحفظها عن ظهر قلب والمدار ثمة على نفع المسلمين وهو لا يحصل إلَّا بالنقل بخلاف مجرد الحفظ من غير نقل فإن ذلك الحديث لا يشمله إذ المقرر أنه يجوز أن يستنبط من النص معنى يخصصه كذا في الفتح المبين. قوله: (ويؤَيِّدُه أَنَّ في رِوَايةٍ في الصحيح مَنْ حَفِظَها الخ) هي بهذا اللفظ رواية لمسلم وابن ماجة وفي رواية للبخاري لا يحفظها أحد إلا دخلَ الجنة أي والروايات يفسر بعضها بعضًا قال المصنف في شرح مسلم بعد نقله عن البخاري وغيره تفسير الإحصاء بالحفظ وهذا هو الأظهر لأنه جاء مفسرًا في الرواية الأخرى من حفظها دخل الجنة وقال القرطبي واعترض عليه بما سيأتي. قوله: (وقِيلَ معناهُ منْ عَرَفَ معَانِيَهَا وآمنَ بِهَا) قال الخطابي مأخوذ من قول العرب فلان ذو حصاة أي ذو لب وفهم قال القرطبي ومنه سمي العقل حصاة قال كعب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بن سعد الغنوي وإن لسان المرء لم يكن له. حصاة على عوراته لدليل ثم هذا الذي حكاه المصنف قولًا ثانيًا حكاه ابن الجوزي في غريب الحديث قولين أحدهما من عقل معناها ثانيهما من أحصاها علمًا وإيمانًا قاله الأزهري وحكى الخطابي والقرطبي الأول فقال وقيل المراد به الإحاطة بمعانيها وقيل الإحاطة بمعنى الفهم من قول العرب الخ، اهـ. ولم يحك المصنف هذا القول في شرح مسلم وقد علمت ما فيه والله أعلم قوله: (وقِيلَ معناهُ مَنْ أَطاقَها دخَل الجَنَّةَ وقيلَ معناهُ منْ أَطاقَها بحسْنِ الرعَايةِ لهَا وتَخلَّقَ بمَا يمكِنهُ منَ العمل بمعَانيهَا) زاد في شرح مسلم وصدق بمعانيها قال الخطابي فالإحصاء بمعنى الإطاقة ومنه علم أن لن تحصوه ومنه حديث استقيموا ولن تحصوا أي لن تبلغوا كنه الاستقامة اهـ، وقال الأصيلي الإحصاء لأسمائه تعالى هو العمل بها لا عدها وحفظها فقط لأنه قد يعدها الكافر والمنافق وذلك غير نافع له قال ابن بطال ويوضحه حديث يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم فبين أن من قرأ القرآن ولم يعمل به لم ترفع قراءته إلى الله ولا تجاوز حنجرته فلا يكتب له أجرها وخاب من ثوابها فدل على أن الحفظ والإحصاء المندوب إليه هو العمل اهـ، وما ذكر من كون العمل بها أفضل مسلم لكن منعه تفسير الإحصاء بمجرد العدد أو الحفظ ممنوع فقد ورد التصريح بتعليق الدخول على الحفظ كما سبق وحمله على أن المراد به الحفظ لمعانيها والقيام به فيه بعد تام وقد قال القرطبي بعد أن ذكر أن الإحصاء في الخبر يحتمل أن يكون بمعنى العدد أو بمعنى الفهم أو بمعنى الإطاقة على العمل والمرجو من كرم الله تعالى أن من حصل له إحصاء هذه الأسماء على إحدى هذه المراتب مع صحة النية أن يدخله الله الجنة لكن المرتبة الأولى هي مرتبة أصحاب اليمين والثانية للسابقين والثالثة للصديقين اهـ، وقد يدعى أن الكافر والمنافق يمنع من الإتيان بتعدادها أو حفظها بوازع إلهي وباعث نفساني أو يقال إن كون إحصائها بمعنى حفظها يترتب عليه دخول الجنة بالنسبة لأهل الإيمان وهذا يظهر من الأعمال المرتب عليها الثواب فإن ذلك لأهل الإيمان ولظهور ذلك غنى عن الإيضاح والبيان قال ابن الملقن معنى إحصائها على قول من قال به أن ما كان من أسمائه تعالى يليق بالعبد التخلق به كالرحيم والكريم والغفور والشكور فالله تعالى يحب أن يرى على عبده خلالها ويرضى له معانيها والاقتداء به فيها فهذا العمل بهذا النوع أي التخلق بالعمل بما يمكنه من معانيها

كتاب تلاوة القرآن

كتاب تلاوة القرآن اعلم أن تلاوة القرآن هي أفضل الأذكار، والمطلوب القراءةُ بالتَّدَبُّرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وما كان منها لا يليق بالعبد معانيها كالله والأحد والقدوس وشبهها فإنه يجب على العبد الإقرار بها والتذلل لها والاستشفاق منها وما كان منها بمعنى الوعيد كشديد العقاب عزيز ذو انتقام فإنه يجب على العبد الوقوف عند أمره واجتناب نهيه واستشعار خشيته عر وجّل كخوف وعيده وشديد عقابه هذا وجه إحصائها فهذا يدخل الجنة إن شاء الله تعالى اهـ، وقيل معنى ذلك أن يعلم أنه سميع فيكف لسانه عن القبيح وأنه حكيم فيسلم لحكمته وزاد المصنف في شرح مسلم فحكى أن معنى أحصاها عدها في الدعاء بها قلت لعل الزين العراقي في المستخرج على المستدرك بعد أن أورد رواية للشيخين بلفظ من حفظها الخ. قال البيهقي وذلك يدل على أن المراد بقوله من أحصاها من عدها اهـ، وفيه بعد بل الظاهر أن رواية الشيخين تؤيد من فسر أحصى بحفظ على أنه قد ورد في رواية لأبي نعيم من أحصاهن أو عدهن أورده العراقي وهي لكون العطف مقتض للمغايرة يأبى من تفسير الإحصاء بالعد والله أعلم، وقيل معناه العمل بها والطاعة بمعنى كل اسم منها والإيمان بما لا يقتضي عملًا وقال بعضهم المراد حفظ القرآن وتلاوته قوله لأنه مستوف له وهذا ضعيف اهـ، وفي النهاية بعد أقوال وقيل من استخرجها من كتاب الله وأحاديث رسوله - صلى الله عليه وسلم - لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يعدها لهم إلَّا ما جاء في رواية أبي هريرة وتكلموا فيها وقيل أراد من أخطر بباله عند ذكرها معناها وتفكر في مدلولها معظمًا لمسماها ومقدسًا ومعتبرًا بمعانيها ومتدبرًا راغبًا فيها وراهبًا والله سبحانه أعلم. كتاب تلاوة القرآن قوله: (اعلم أَن تلاوةَ القُرآنِ أَفضَل الأَذكَار) أي قراءة القرآن أفضل من الاشتغال بسائر الأذكار لما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال - صلى الله عليه وسلم - يقول الرب تبارك وتعالى من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه قال في الحرز فيه الإيماء إلى أن ذكره لكلامه القديم أفضل من ذكره بالذكر الحادث وأيضًا فالقرآن

وللقراءة آداب ومقاصد، وقد جمعت قبل هذا فيها كتابًا مختصرًا مشتملًا على نفائسَ من آداب القراء والقراءة وصفاتها وما يتعلق بها، لا ينبغي لحامل القرآن أن يخفى عليه مثله، وأنا أشير في هذا الكتاب إلى مقاصد من ذلك مختصرة، وقد دللت من أراد ذلك وإيضاحَه على مظِنَّتِه، وبالله التوفيق. فصل: ينبغي أن يحافظ على تلاوته ليلًا ونهارًا، سفرًا وحضرًا، وقد كانت للسلف رضي الله عنهم عادات مختلفة ـــــــــــــــــــــــــــــ مشتمل على الذكر مع زيادة ما يقتضيه من الفكر والتأمل في لطف مبانيه والعمل بما فيه فكان الاشتغال به أفضل نعم ما ورد من الذكر مختصًا بمكان أو زمان أو حال كأذكار الطواف وليلة الجمعة وحال النوم فالاشتغال به أفضل من الاشتغال بالتلاوة كما تقدم بيانه في باب فضل الذكر أوائل الكتاب. قوله: (ولِلْقَرَاءَةِ آداب) جمع أدب وهو كما تقدم يشارك السنة في أصل الطلب ويفارقها في أنها آكد منه وسيأتي في باب أدب الدعاء زيادة فيه. قوله: (ومقَاصِدُ) جمع مقصد أي أمور يقصد القارئ معرفتها. قوله: (وقَدْ جَمعْتُ الخ) سماه التبيان في علوم القرآن ثم اختصره في نحو كراسين وكذا اختصر كتاب التبيان الشيخ أبو الحسن البكري وقد نظم مقاصد التبيان العلامة ابن العماد الأقفهسي في قصيدة نونية. قوله: (لَا ينْبغي لحَاملِ القرْآنِ أَنْ يخْفى علَيهِ مثْلُهُ) لا ينبغي يكون للتحريم تارة وللكراهة أخرى كما في التحفة لابن حجر. قوله: (مَظِنَّته) بفتح الميم وكسر الظاء المعجمة وتشديد النون بعدها فوقية والمظنة ما يظن وجود الشيء فيه قال الشيخ عثمان الديمي كان حقه فتح الظاء كما هو قياس بناء أسماء المكان إلَّا أنه كسر للحاق التاء آخره. فصل قوله: (وقَدْ كانَتْ لِلسلَفِ عادَاتٌ مختَلفة الخ) قال الحافظ أخرج أبو بكر بن أبي داود في كتاب الشريعة بسند فيه مبهم عن مكحول قال كان أقوام من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأون القرآن في سبع وبعضهم في شهر وبعضهم في شهرين وبعضهم في أكثر من ذلك قال الحافظ هو أثر ضعيف من أجل المبهم ومن أجل أن مكحولًا لم يسمع من الصحابة إلَّا من عدد يسير قال

في القدر الذي يختمون فيه، فكان جماعة منهم يختمون في كل شهرين ختمة، وآخرون في كل شهر ختمة، وآخرون في كل عشر ليال ختمة، وآخرون في كل ثمان ليال ختمة، وآخرون في كل سبع ليال ختمة، وهذا فعل الأكثرين من السلف، ـــــــــــــــــــــــــــــ البخاري سمع من أنس وواثلة وأبي هند وتبعه الترمذي وزاد ويقال أنه لم يسمع من الصحابة إلَّا من هؤلاء وتوقف أبو مسهر في سماعه من أبي هند. وقوله: (في القدر الذي يختمون فيه أي قدر الزمن الذي يختمون فيه فأل عوض عن المضاف إليه كما قيل به في قوله تعالى: {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)} [النازعات: 41] أي مأواه أو أن القدر عبارة عن جملة مقدرة من الزمان أي في الزمن المقدر لذلك. وفوله: (وآخرُونَ في كل شَهر) كأنهم استندوا إلى أمره - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عمرو أن يقرأ القرآن في كل شهر الحديث رواه مسلم قال الحافظ وعند الترمذي والنسائي عن ابن عمرو قال قلت يا رسول الله في كم اختم القرآن قال في كل شهر قال الحافظ حديث صحيح. قوله: (وآخرُون في عشر ليَالي) قال الحافظ أخرجه أبو بكر بن أبي داود بسندين عن الحسن البصري أنه كان يقرأ القرآن في كل عشر ليال مرة وبسند صحيح عن أبي الأشهب واسمه حبان بن جعفر العطاردي قال كان أبو رجاء يعني العطاردي يختم في شهر رمضان كل عشر ليال ختمة. قوله: (وآخرون في ثمانٍ) قال الحافظ أخرج أبو داود عن أبي بن كعب قال اقرأ القرآن في كل ثمان وأخرجه من طريق آخر بلفظ إني لأقرأ القرآن في كل ثمان وأخرجه سعيد بن منصور والبيهقي من طريق آخر عن أبي قلابة ان أبي بن كعب كان يختم القرآن في كل ثمان وكان تميم الداري يختم في كل سبع. قوله: (وآخرُونَ في سَبع) كأنهم استندوا إلى ما جاء من قوله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عمرو لما استزاده فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك رواه الشيخان وله شاهد من حديث قيس بن أبي صعصعة أنه قال يا رسول الله في كم أقرأ القرآن قال في خمس عشرة قال إني أجدني أقوى من ذلك قال اقرأه في جمعة قال الحافظ حديث غريب أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن وأخرجه محمد بن نصر المروزي في كتاب قيام الليل وأبو بكر بن أبي داود في كتاب الشريعة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأبو علي بن السكن في كتاب الصحابة قال ابن السكن وابن أبي داود ليس لقيس غيره زاد ابن أبي داود وهو أنصاري شهد بدرًا وزاد ابن السبكي لم يرو عنه غير لهيعة وأخرج ابن أبي داود عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود يقرأ القرآن في شهر رمضان من الجمعة إلى الجمعة قال الحافظ موقوف حسن الإسناد وأخرج ابن أبي داود عن ابن مسعود قال اقرؤوا القرآن في سبع قال المصنف في التبيان أما الذين ختموه في الأسبوع مرة فكثير نقل عن عثمان وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبي بن كعب وعن جماعة من التابعين اهـ. وقال الحافظ ختمه في سبع أخرجه ابن أبي داود عن عثمان وابن مسعود وتميم الداري بأسانيد صحيحة وخرج أيضًا عن أبي العالية في أصحابه نحو ذلك ونقله عن الصحابة من طريق مجلز عن أئمة الحي وتقدم عن مكحول عن أقوياء الصحابة وأخرجه ابن أبي داود عن جماعة من التابعين وعن جماعة دونهم اهـ. قال القرطبي في كتاب التذكار في أفضل الاذكار كان - صلى الله عليه وسلم - يقرؤه في سبع تيسيرًا على الأمة وكان يبتدئ فيجعله ثلاث سور حزبًا ثم من بعده خمس سور حزب ثم من بعده سبع سور حزب ثم من بعده تسع سور حزب ثم من بعده إحدى عشرة سورة حزب ثم من بعده المفصل حزب فذلك سبعة أحزاب قلت وهذا الخبر المرفوع قد أخرجه الحافظ من طريق الطبراني وغيره عن أوس بن حذيفة الثقفي قال قدمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - في وفد ثقيف فأبطأ علينا ذات ليلة فقال أنه طرأ علي حزبي من القرآن فكرهت أن أخرج حتى قضيته فسألنا أصحابه كيف كان - صلى الله عليه وسلم - يحزب القرآن فقالوا ثلاثًا وخمسًا وسبعًا وتسعًا وإحدى عشرة وثلاث عشرة وحزب المفصل قال الحافظ حديث حسن أخرجه الإمام أحمد وأبو داود ولم يقع في أكثر الروايات نسبة تحزيب القرآن للنبي - صلى الله عليه وسلم - صريحًا والذي وقع فيها بلفظ كيف تحزبون القرآن ولم يقع في أكثرها أيضًا تعيين أول المفصل وقد ذكره عبد الرحمن بن مهدي في روايته فقال من قرأ إلى أن يختم ومقتضاه أنه ابتدأ في العد بالبقرة وكأنه لم يذكر الفاتحة لأنه يبتدأ بها في أول كل ركعة وغالب تلاوتهم كانت في الصلاة اهـ، وذكر عن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يفتتح ليلة الجمعة بالبقرة إلى المائدة وليلة السبت بالأنعام إلى هود وليلة الأحد إلى مريم وليلة الاثنين بطه إلى طسم وليلة

وآخرون في كل ستِّ ليال، وآخرون في خمس، وآخرون في أربع، وكثيرون في كل ثلاث، وكان كثيرون يختمون في كل يوم وليلة ختمة، ـــــــــــــــــــــــــــــ الثلاث بالعنكبوت إلى ص وليلة الأربعاء بتنزيل إلى الرحمن ويختم ليلة الجمعة وهذا الأثر أخرجه ابن أبي داود بسند لين عن القاسم بن عبد الرحمن أن عثمان بن عفان كان يفتتح القرآن فذكره وقال بعض العلماء ذهب كثير من العلماء إلى منع الزيادة على السبع أخذًا بظاهر المنع في قوله فاقرأه في سبع ولا تزد والاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يرو عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه ختم القرآن في ليلة ولا في أقل من سبع والله أعلم بالمصالح والأجر فضل الله يؤتيه من يشاء فقد يؤتى على القليل ما لا يعطى على العمل الكثير وكأن من لم يمنع الزيادة على السبع حمل قوله ولا تزد على الرفق وخوف الانقطاع فإن أمن ذلك جاز بناء على أن ما كثر من العبادة والخير فهو أحب إلى الله عزَّ وجلَّ والأولى ترك الزيادة لأن قوله ولا تزد أي على السبع وكذا قوله في الخمس خرج مخرج التعليم والله أعلم بحقائق الأمور. تنبيه قال العلقمي في شرح الجامع الصغير المراد بالقرآن في حديث الباب يعني حديث ابن عمرو جميعه ولا يرد أن القصة وقعت قبل موته - صلى الله عليه وسلم - بمدة وذلك قبل أن ينزل بعض القرآن الذي تأخر نزوله لأنا نقول سلمنا ذلك لكن العبرة بما دل عليه الإطلاق وهو الذي فهمه الصحابي فكان يقول ليتني لو قبلت الرخصة ولا شك أنه بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قد أضاف الذي يتنزل آخرًا إلى ما نزل أولًا فالمراد بالقرآن جميع ما كان نزل إذ ذاك وهو معظمه ووقعت الإشارة إلى ما نزل بعد توزع تقسطه اهـ. قوله: (وآخَرُونَ في سِتِّ وآخرون في خَمس) أخرجه الحافظ عن منصور عن إبراهيم النخعي قال كان الأسود بن زيد يختم القرآن في ست وكان علقمة يختمه في خمس وقال بعد إخراجه من طريقين أخرجه ابن أبي داود عن منصور بلفظ كان علقمة يكره أن يختم من أقل من خمس. قوله: (وآَخرُون في أَرْبع) قال الحافظ أخرج ابن أبي داود من طريق مغيث بن سمي قال كان أبو الدرداء يقرأ القرآن في كل أربَع ومن طريق بلال بن يحيى لقد كنت أقرأ بهم ربع القرآن في كل ليلة فإذا أصبحت قال بعضهم لقد خففت بنا الليلة. قوله: (وكثيرونَ في ثلاثٍ) أخرج الحافظ عن معاذ بن جبل رضي الله عنه

ختم جماعة في كل يوم وليلة ختمتين، ـــــــــــــــــــــــــــــ إنه كان يكره أن يختم في أقل من ثلاث وقال بعد تخريجه رواته ثقات إلَّا أن في سنده انقطاعًا وأخرجه ابن أبي داود من وجه آخر عن معاذ أيضًا وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي داود عن ابن مسعود لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث وأخرج أبو داود من طرق عن ابن مسعود من قوله ومن فعله ومن طرف جماعة من التابعين أنهم كانوا يقرأون كذلك منهم إبراهيم النخعي وأبو إسحاق وطلحة بن مصرف وحبيب بن أبي ثابت وجاء في ذلك خبر مرفوع من عبد الله بن عمرو قال أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا أقرأ القرآن في أقل من ثلاث، عبد الرحمن بن زياد أحد رواته فيه مقال لكن له شاهد من حديث سعد بن المنذر أخرجه أحمد وأبو عبيد وابن أبي داود أنه قال قلت يا رسول أقرأ القرآن في ثلاث قال نعم إن استطعت فكان سعد رضي الله عنه يقرأه كذلك زاد ابن أبي داود حتى توفي وليس لسعد بن المنذر إلَّا هذا الحديث. تنبيه لم يذكر الشيخ من كان يقرأ في ليلتين وقد عقد له ابن أبي داود بابًا وأورد فيه عن الأسود بن يزيد النخعي أنه كان يختم القرآن في رمضان في كل ليلتين وسنده صحيح وأخرج الحافظ من طريق الدارمي عن سعيد بن جبير أنه كان يختم القرآن في كل ليلتين قال وأخرجه ابن أبي داود وأخرج ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنه كان يفعل ذلك ومن طريق واصل بن سليمان قال صحبت عطاء بن السائب فكان يختم القرآن في كل ليلتين. قوله (وختَم جمَاعة في كل يْومٍ ولَيلةٍ ختمتَينِ) قال في التبيان منهم عثمان بن عفان وتميم الداري رضي الله عنهما وسعيد بن جبير ومَجاهد والشافعي وآخرون قال الحافظ كأن الشيخ يشير بقوله وجماعة الخ. إلى الحديث الذي جاء عن مسلم بن مخراق قال قلت لعائشة إن رجالًا يقرأ أحدهم القرآن في ليلة مرتين أو ثلاثًا فقالت قرأوا ولم يقرأوا كنت أقوم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة التمام فيقرأ بالبقرة وآل عمران والنساء فلا يمر بآية فيها استبشار إلَّا دعا ورغب ولا بآية فيها تخويف إلّا دعا واستعاذ والحديث حسن أخرجه ابن أبي داود وأخرج أحمد المرفوع منه فقط وللمرفوع شاهد صحيح عند مسلم عن حذيفة في قيامه مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالليل وفيه فقرأ البقرة والنساء وآل عمران إذا مر بآية فيها تسبيح

وآخرون في كل يوم وليلة ثلاث ختمات، وختم بعضهم في أليوم والليلة ثماني ختمات: أربعًا في الليل، وأربعًا في النهار. وممن ختم أربعًا في الليل وأربعًا في النهار، السيد الجليل ابن الكاتب الصوفي رضي الله عنه، وهذا أكثر ما بلغنا في اليوم والليلة. وروى السيد ـــــــــــــــــــــــــــــ سبح وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ وقد تقدم في أذكار الصلاة. قوله: (وآخَرُونَ في كلِّ يوْم ولَيلةٍ ثلاثَ ختَمَات) قال في التبيان منهم سليم بن غتر قاضي مصر في خلافة معاوية وروى أبو بكر بن أبي داوود أنه كان يختم في الليلة ثلاث ختمات وروى أبو عثمان الكندي في كتابه في قضاة مصر أنه كان يختم في الليلة أربع ختمات اهـ، وأخرج الحافظ أثره من طريق أبي عبيد القاسم بن سلام ثم حدثنا سعيد بن عفير قال حدثنا بكر بن مضر أن سليم بن غتر بكسر الغين وسكون المثناة من فوق بعدها راء كان يختم القرآن في الليلة ثلاث مرات ويجامع ثلاث مرات فلما مات قالت امرأته رحمك الله إن كنت لترضي ربك وترضي أهلك قالوا وكيف ذلك قالت كان يقوم من الليل فيختم القرآن ثم يلم بأهله ثم يغتسل ثم يعود فيقرأ حتى يختم القرآن ثم يلم بأهله يغتسل ويعود فيقرأ حتى يختم القرآن ثم يلم بأهله ثم يغتسل فيخرج لصلاة الصبح قال الحافظ أخرجه ابن أبي داود من رواية ابن لهيب عن الحارث بن مسلم قال كان سليم بن غتر يقرأ القرآن في كل ليلة ثلاث مرات اختصره وسليم المذكور تابعي كبير شهد فتح مصر في عهد عمر ثم ولاه معاوية القصص ثم ضم إليه القاضي ومات بدمياط سنة خمس وسبعين وأخرج ابن أبي داود من طريق أبي شيخ الهنائي واسمه خبران بمعجمة وقيل بمهملة تابعي كبير مات بعد المائة قال قرأت القرآن في ليلة مرتين وثلثًا ولو شئت أن أتم الثالثة لفعلت. قوله: (وَممّنْ ختَمَ أَربعًا في اللّيْلِ وأَربعًا في النهارِ السيدُ الجَليل ابنْ الكاتب) نقله المصنف في التبيان عنه من طريق عبد الرحمن السلمي قال الحافظ أخرج هذا الأثر أبو عبد الرحمن السلمي في كتاب طبقات الصوفية عن أبي عثمان المغربي واسمه سعيد قال كان ابن الكاتب فذكره وابن الكاتب ذكره الشيخ القشيري في رسالته واسمه حسين بن أحمد يكنى أبا علي وأرخ وفاته بعد الأربعين وثلاثمائة. قوله: (وَرَوى السّيدُ

الجليل أحمد الدورقي بإسناده عن منصور بن زادان من عُبّاد التابعين رضي الله عنهم أنه كان يختم القرآن ما بين الظهر والعصر، ويختمه أيضًا فيما بين المغرب والعشاء، ويختمه فيما بين المغرب والعشاء في رمضان ختمتين وشيئًا، وكان يؤخر العشاء في رمضان إلى أن يمضي ربع الليل، وروى ابن أبي داود بإسناده الصحيح أن مجاهدًا رحمه الله كان يختم القرآن في رمضان فيما بين المغرب والعشاء. ـــــــــــــــــــــــــــــ الجَليل الخ) قال الحافظ بعد تخريجه عنه وهو أحمد بن إبراهيم الدورقي قال حدثني محمد بن عيينة حدثني مخلد بن الحسين قال سمعت هشام بن حسان يقول كنت أصلي إلى جنب منصور بن زادان وهو بالزاي المعجمة فالدال بينهما ألف وآخره نون فكان إذا جاء شهر رمضان ختم ما بين المغرب والعشاء خمسين ثم قرأ إلى الطواسين قبل أن تقام الصلاة وكانوا إذ يؤخرون العشاء في رمضان إلى أن يذهب ربع الليل وكان يختم القرآن فيما بين الظهر والعصر ويختمه فيما بين المغرب والعشاء وهذا أثر صحيح أخرجه محمد بن نصر المروزي عن الدورقي وأخرج الحافظ من طريق أبي نعيم من طريق آخر عن هشام بن حسان قال صليت إلى جنب منصور بن زادان يوم الجمعة في مسجد وأسط فختم القرآن مرتين وقرأ الثالثة إلى الطواسين قال مخلد ولو غير هشام حدثني بهذا لم أصدقه وأخرج من طريق أبي نعيم أيضًا عن هشام بن حسان قال صليت إلى جنب منصور بن زادان فقرأ القرآن فيما بين المغرب والعشاء وبلغ في الثانية إلى النحل وقال الحافظ وسنده صحيح. قوله: (وَرَوَى ابْنُ أَبِي دَاوُدَ الخ) قال الحافظ أخرجه من طريق إسرائيل بن يونس عن منصور عن مجاهد أنه كان يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء ثم ينتظر وأخرجه من طريق قيس بن الربيع عن منصور عن علي الأزدي فذكر مثله إلَّا أنه قال ثم يطوف أو ينبطح وإسرائيل أوثق من قيس اهـ، وفي التبيان للمصنف عن إبراهيم عن سعد قال كان أبي يحتبي فما يحل حبوته حتى يختم القرآن. تنبيه هذا والذي قبله وما في معناه من أنواع الكرامات وهو المباركة في الوقت بحيث يجري فيه من الخير ما لا يجري فيما هو أطول منه، ومنه ما نقل أن المصنف نفع الله به وزعت مؤلفاته من يوم

وأما الذين ختموا القرآن في ركعة، فلا يحصون لكثرتهم، فمنهم عثمان بن عفان، وتميم الداري، وسعيد بن جبير. والمختار: أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف، فليقتصر على ـــــــــــــــــــــــــــــ ولادته إلى يوم وفاته كل يوم كراسًا كتابة وتأليفًا وقد ذكرنا أنواع الكرامات في شرح نظم السيوطي لموافقات عمر رضي الله عنه للقرآن. قوله: (وأَمّا الَّذِينَ خَتَمُوا القُرْآنَ) قال الحافظ لم ينقله ابن عبيد ولا ابن أبي داود في كتابيهما عن غير هؤلاء الثلاثة عثمان وتميم الداري وسعيد بن جبير فكأن الشيخ أراد بالكثرة من جاء بعدهم أما أثر عثمان فأخرج الحافظ عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي وهو ابن أخي طلحة قال قلت لأغلبن الليلة على المقام فسبقت إليه فبينا أنا قائمًا أصلي إذ وضع رجل يده على ظهري فنظرت فإذا هو عثمان بن عفان وهو يومئذٍ خليفة فتنحيت عنه فقام يصلي فقرأ حتى فرغ من القرآن في ركعة ما زاد عليها فقلت يا أمير المؤمنين ما صليت إلا ركعة قال أجل وهي وترى وأخرجه الحافظ من طريق آخر بنحوه قال هذا موقوف صحيح من الوجهين أخرج الأول الطحاوي والبيهقي والثاني ابن أبي داود وأخرج الحافظ من طريق أبي عبيد بإسناده إلى ابن سيرين قال قالت امرأة عثمان حين دخلوا عليه أن يقتلوه أو يدعوه فقد كان يحيي الليل في ركعة يجمع فيها القرآن وأخرجه أيضًا من طريق أبي نعيم وأما أثر تميم الداري فأخرج الحافظ عن محمد بن سيرين أن تميمًا الداري رضي الله عنه كان يقرأ القرآن في ركعة وقال أخرجه ابن أبي داود من غير وجه عن عاصم بن سليمان ومحمد بن سيرين وأما أثر سعيد بن جبير فأخرج ابن أبي داود من طريق سفيان الثوري عن حماد وهو ابن سليمان عن سعيد بن جبير أنه سمعه يقول قرأت القرآن في ركعة في الكعبة وأخرج من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ القرآن في ركعتين وأخرج من وجه ثالث عن سعيد بن جبير أنه صلى في الكعبة أربع ركعات قرأ فيهن القرآن ويجمع بأنه فعل ذلك في أوقات مختلفة وسعيد مكبر وجبير والده بضم أوله المعجم وفتح الموحدة وسكون التحنية آخره راء وسعيد تابعي جليل قتله الحجاج صبرًا. قوله: (والمخْتَار الخ) ذكر مثل هذا الجمع

قدر يحصل له كمال فهم ما يقرأ، وكذا من كان مشغولًا بنشر العلم، أو فصل الحكومات بين المسلمين، أو غير ذلك من مهمات الدين والمصالح العامّ للمسلمين، فليقتصر على قدر لا يحصل له بسببه إخلال بما هو مرصد له ولا فوت كماله، ومن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حدّ الملل أو الهذرمة في القراءة. وقد كره جماعة من المتقدّمين الختم في يوم وليلة. ويدل عليه ما رويناه بالأسانيد الصحيحة في ـــــــــــــــــــــــــــــ في شرح مسلم. قوله: (المَلَل) بلامين أولاهما مفتوحة الثقل من الشيء. قوله: (والهَذْرَمةَ) بسكون المعجمة وفتح الراء المهملة سرعة الكلام الخفي. قوله: (وقَدْ كرِهَ جَمَاعَةٌ مِنَ المتقَدِّمينَ الخَتْمَ في يوْمٍ ولَيلةٍ) أخرج الحافظ عن ابن مسعود من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو لأجر وقال أخرجه ابن أبي داود من طرق وأخرج أيضًا من طريق أبي عبيد عن معاذ بن جبل أنه كان يكره أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث رواته ثقات كما تقدم مع أثر ابن مسعود في هذا المعنى اهـ، وقد أورد القرطبي في التذكار عن ابن مسعود مرفوعًا من قرأ القرآن في أقل من ثلاث لم يفقه اهـ. قال ابن حجر في شرح المشكاة ومن لم يكره ذلك قال هذا مفهوم عدد وهو غير حجة عند الأصوليين قيل وهو المختار. قلت أو بحمله كما تقدم في نظيره عن القرطبي على أن الحديث على سبيل التخفيف وخوف الإنقطاع. قوله: (ويَدُلُّ عليْهِ مَا رَوَينْاهُ بالأَسانِيدِ الصحِيحَةِ الخ) قال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن غريب أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي ويتعجب من قول الشيخ بالأسانيد الصحيحة فإنه ليس له عندهم إلَّا سند واحد هو قتادة عن أبي العلاء عن عبد الله بن عمرو هكذا رواه جماعة عن قتادة ورواه بعض الضعفاء عن قتادة عن عبد الرحمن بن آدم عن عبد الله بن عمرو وهي رواية شاذة ولم أره من حديث قتادة إلَّا بالعنعنة وكأن الشيخ أراد أن له أسانيد إلى قتادة أي فإن أحمد رواه عن عفان بن مسلم ويزيد بن هارون كلاهما عن همام بن يحيى وأبو داود عن محمد بن المنهال وهما يرويان عن يزيد بن زريع وأخرجه الترمذي والنسائي عن سعيد بن أبي عروة وكلاهما عن قتادة والله أعلم.

سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وغيرها، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَفْقَهُ مَنْ قرأ القرآنَ في أقل مِن ثلاثٍ" وأما وقت الابتداء والختم، فهو إلى خيرة القارئ، فإن كان ممن يختم في الأسبوع مرةً، فقد كان عثمان رضي الله عنه يبتدئ ليلة الجمعة ويختم ليلة الخميس. وقال الإمام أبو حامد الغزالي في "الإحياء": الأفضل أن يختم ختمة بالليل، وأخرى بالنهار، ويجعل ختمة النهار يوم الاثنين في ركعتي الفجر ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (لَا يفقَه مَنْ قَرأ القُرْآنَ في أَقَلَّ مِنْ ثَلاث) ينقص فهمه وتدبيره لأنه يحتاج إلى مراعاة الألفاظ مع ما عنده من الاستعجال المشغل عن التدبر والتفهم أي إشغال وجعلت الثلاث غاية في ذلك لأنها محتملة أما من أراد فهم معناه على حقيقته فقد مضى عمره في فهم آية ولا يحيط بها ولا ببعضها هذا كله في تفهم معانيه أما الثواب على قراءته فحاصل لمن قرأه سواء فهمه أم لا للتعبد بلفظه بخلاف غيره من الأذكار فلا ثواب فيه إلَّا إن فهمه ولو بوجه كما تقدم بسطه أول الكتاب. قوله: (فَقَدْ كانَ عُثمانُ الخ) تقدم تخريجه وذكر حديث مرفوع فيه تحزيب القرآن على سبع. قوله: (الغَزَالي) قال في التبيان هو محمد بن محمد بن محمد بن أحمد هكذا يقال بتشديد الزاي وقد روي عنه أنه أنكر هذا وقال إنما أنا الغزالي بتخفيف الراي منسوب إلى قرية من طوس يقال لها غزالة اهـ. قوله: (في رَكعَتي الفَجْر) أي سنته سواء كان يقرأ في الصلاة أو خارجها كما تقتضيه عبارته في التبيان وهي الختم للقارئ وحده يستحب أن يكون في الصلاة وقيل يستحب أن يكون في ركعتي سنة المغرب وركعتي الفجر أفضل اهـ. قال ابن حجر في شرح العباب وينبغي أخذا مما في صدقة التطوع في مبحث تأكد في الأوقات الفاضلة أن يكون المراد بذلك أن الختم إذا وقع في ذلك كان أفضل لأنه إذا فرغ منه في غير تلك الأوقات وأراد الشروع في ختم آخر سن له تأخير الختم لتلك الأوقات ويحتمل خلافه والفرق أن التأخير هنا لا يؤدي إلى ضرر أحد بخلافه

أو بعدهما، ولجعل ختمة الليل ليلة الجمعة في ركعتي المغرب أو بعدهما ليستقبل أوّل النهار وآخره. وروى ابن أبي داود، عن عمرو بن مرَّة التابعي الجليل رضي الله عنه، قال: كانوا يحبون أن يختم القرآن من أول الليل أو من أول النهار. وعن طلحة بن مصرف التابعي الجليل الإمام قال: من ختم القرآن آية ساعة كانت من النهار صلت عليه الملائكة حتى يمسي، وأية ساعة كانت من الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح. ـــــــــــــــــــــــــــــ ثمة فإنا لو أمرناه بتأخير الصدقة لأدى إلى تضرر المحتاجين اهـ. قوله: (أَو بَعدَهُمَا) أي إن كان يختم في غير الصلاة قال في التبيان أما من يختم في غير الصلاة بالجماعة الذين يجتمعون يستحب أن يكون ختمهم أول النهار فأول الليل أفضل عند بعض العلماء اهـ، وفي التذكار يستحب أن يختم أول النهار فإن إبراهيم التيمي قال: كانوا يقولون إذا ختم الرجل القرآن أول النهار صلت عليه الملائكة بقية يومه وكذلك إذا ختم أول الليل، وقد روي هذا مرفوعًا عن مصعب بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من ختم القرآن أول النهار صلت عليه الملائكة حتى يمسي ومن ختم أول الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح اهـ. قوله: (وَرَوَى ابْنُ أَبِي داودَ الخ) قال الحافظ أخرجه من رواية ابن مكين عن عمرو واسم أبي مكين وهو بوزن عظيم أنوح بن ربيعة وثقه أحمد ويحيى بن معين. قوله: (وعَنْ طَلْحَةَ بْنَ مُصَرف الخ) أي وروى ابن أبي داود أيضًا عن طلحة قال الحافظ: أخرجه من رواية حماد بن سلمة عن أبي مكين عن طلحة ثم أخرجه الحافظ من وجه آخر عن طلحة وعبد الرحمن بن الأسود قالا من قرأ القرآن ليلًا أو نهارًا صلت عليه الملائكة إلى الليل أو النهار وقال أحدهما غفر له ومصرف بضم الميم وفتح المهملة وكسر الراء المهملة أيضًا وتشديدها وقيل يجوز فتح الراء وليس بشيء كذا في التبيان وفي شرح مسلم هذا أي كسر الراء هو

وعن مجاهد نحوه. وروينا في مسند الإمام المجمع على حفظه وجلالته وإتقانه وبراعته أبي محمد الدارمي رحمه الله، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: إذا وافق ختم القرآن أول الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح، وإن وافق ختمه آخر الليل صلت عليه الملائكة حتى يمسي. قال الدارمي: هذا حسن عن سعد. ـــــــــــــــــــــــــــــ المشهور المعروف في كتب الحديث وأسماء أصحاب المؤلف وأسماء أصحاب الرجال وغيرهم وحكى العلقمي الفقيه الشافعي في كتابه المهذب أنه روي بكسر الراء وفتحها وهذا الذي رواه من الفتح غريب ولا أظنه يصح ولعله قلد فيه بعض الفقهاء أو بعض النسخ أو نحو ذلك اهـ. قوله: (عن مُجاهِدِ) أي وروى ابن أبي داود أيضًا عن مجاهد ولفظه من قرأ القرآن في شهر أو دون ذلك أو أكثر فإن ختمه نهارًا صلت عليه الملائكة حتى يمسي وإن ختمه ليلًا صلت عليه الملائكة حتى يصبح وأخرج الحافظ من طريق الدارمي عن عبدة بن أبي لبابة فذكر معناه وفي التذكار قال مجاهد من ختم القرآن نهارًا وكل به سبعون ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي ومن ختمه ليلًا وكل به سبعون ألفًا يصلون عليه حتى يصبح اهـ، وظاهر أن هذا مما لا مجال للرأي فيه فيكون مرفوعًا حكمًا. قوله: (وَرَوَينَا في مُسْنَدِ الإِمام الخ) وكذا وقفه على سعد في التبيان وخرجه الحافظ من طريق الدارمي كذلك لكن تقدم عن التذكار للقرطبي التصريح برفعه إلَّا أنه لم يبين من خرجه ثم رأيت صاحب مسند الفردوس أورده كذلك مرفوعًا وقال رواه أبو نعيم في الحلية. قوله: (قَال الدارمي هذا حديث حسن) نازعه الحافظ في تحسينه بأن في مسنده ليث بن أبي سليم هو ضعيف الحفظ ومحمد بن حميد مختلف فيه قال وكأنه حسنه لشواهده السابقة وغيرها أو لم يرد الحسن بالاصطلاح.

فصل: في الأوقات المختارة للقراءة

فصل: في الأوقات المختارة للقراءة اعلم أن أفضل القراءة ما كان في الصلاة، ومذهب الشافعي وآخرين رحمهم الله: أن تطويل القيام في الصلاة بالقراءة أفضل من تطويل السجود وغيره وأما القراءة في غير الصلاة، فأفضلها قراءة الليل، والنصف الأخير منه أفضل من الأول، والقراءة بين المغرب والعشاء محبوبة. ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل في الأوقات المختارة للقراءة قوله: (أَفْضَلَ القراءَةِ مَا كانَ في الصلاةِ) أي في قيامها لما مر من النهي عن القراءة في غير القيام، ففي الحديث عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال قراءة القرآن في الصلاة أفضل من قراءة القرآن في غير الصلاة الحديث. قال في المشكاة رواه البيهقي في شعب الإيمان قلت. وأخرجه صاحب الفردوس قال ابن حجر في شرح المشكاة وذلك لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر لما يحصل للقلب فيها من الخشوع والخضوع ولا شك أن في القراءة مع ذلك استغراق القلب في تدبر القرآن الموجب لمزيد إلاقبال على الله تعالى والتخلق بالأخلاق العلية ما ليس في القراءة خارجها اهـ. قوله: (ومذْهَبُ الشافعي الخ) سبق بيان الخلاف في المسألة في باب الجود ودليل الأقوال. قوله: (وأَمَا القراءَةُ في غيرِ الصلاةِ فأَفضلُها قراءَةُ الليلِ) أي لقوله تعالى: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ} [آل عمران: 113] والأحاديث والآثار فيه كثيرة منها حديث جابر عند مسلم فإن قراءة آخر الليل محضورة وذاك أفضل وهو مستند فضلها بالنصف الأخير منه ورجحت قراءة الليل لكونها أجمع للقلب وأبعد عن الشواغل والملهيات والتصرف في الحاجات وأصون عن الرياء وغيره من المحبطات وأقرب إلى التفكر في معاني القرآن وأصون عن تطرق نحو الرياء وأبعد من التشاغل واللهو مع ما جاء الشرع به من الخيرات في الليل كالإسراء - صلى الله عليه وسلم - وإجابة الدعاء كل ليلة كما سبق وفي بهجة الأسرار بإسناده عن سلمان الماطي قال رأيت علي بن أبي طالب في المنام يقول شعرًا: لولا الذين لهم ورد يقومونا ... وآخرون لهم سرد يصومونا لدكدكت أرضكم من تحتكم سِحرًا ... لأنكم قوم سوء ما تطيعونا كذا يؤخذ من التبيان باختصار. قوله: (والنصفُ الأخيرُ الخ) أي لأن فيه التجليات

وأما قراءة النهار، فأفضلها ما كان بعد صلاة الصبح، ولا كراهة في القراءة في وقت من الأوقات، ولا في أوقات النهي عن الصلاة. وأما ما حكاه ابن أبي داود رحمه الله، عن معاذ بن رفاعة رحمه الله، عن مَشْيَخَةٍ أنهم كرهوا القراءة بعد العصر وقالوا: إنها دراسة يهود، فغير مقبول، ولا أصل له، ـــــــــــــــــــــــــــــ الإلهية وفيه ساعة الإجابة وقياسًا على صلاة النفل إذ هو فيه أفضل منه في النصف الأول. قوله: (وأَما قراءةُ النهَارِ فأَفضلُها ما كَانَ بعدَ صلاةِ الصبح) قال تعالى: ({وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)} [الإسراء: 78] تشهده الملائكة المتعاقبون بالليل والنهار كما في الحديث يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار الحديث وفيه أنهم يجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر قال أبو حيان في النهر وأعاد قرآن الفجر في قوله أن قرآن الفجر ولم يأت به مضمرًا فيكون فيه على سبيل التعظيم التنويه بقرآن الفجر اهـ، ولأن الفراغ فيه أتم منه باقي أوقات النهار. قوله: (ولا كراهَة فيهِ) قال في التبيان لا كراهة للقرآن في وقت من الأوقات لمعنى فيه اهـ. أما إذا عرض ما يكره معه القراءة من نعاس أو حديث أو نحوه فيكره لذلك العارض لا لمعنى في الوقت. قوله: (وأَما مَا حكاه ابن أَبِي دَاودَ الخ) قال الحافظ معان بضم الميم وتخفيف المهملة وآخره نون شامي مختلف في توثيقه وهو من طبقة الأوزاعي وجل روايته عن صغار التابعين وقيل محل كراهتهم قصر القراءة على ذلك الوقت ولولا التعليل الذي ذكره لكان للكراهة وجه لأن غالب التلاوة داخل الصلاة والنفل بلا سبب مكروه ذلك الوقت والله أعلم ويكفي في رد ذلك القول أن فيه خاتمة النهار وقيل البر فيه محمود ومطلوب وقد قال تعالى فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن بدأ النهار وختمه بطاعة كان سببًا لتكفير بما بينهما كما تقدم يا بن آدم صل في أول النهار ركعتين وآخره ركعتين أكفك ما بينهما. قوله: (عنْ مشيخَة) بفتح الميم وسكون المعجمة وفتح التحتية والخاء المعجمة وهو أحد جموع لفظ شيخ ويقال في جمعه أيضًا شيوخ وأشياخ وشيخان وشيخ وشيخة بكسر الشين وفتح الياء بإسكانها ومشايخ ومشيوخاء بالمد وقد نظمها ابن مالك غير أنه أسقط منها مشايخ فقال: شيخ شيوخ ومشيوخاء مشيخة ... شيخان أشياخ أيضًا شيخة شيخة

ويختار من الأيام: الجمعة، والاثنين، والخميس، ويوم عرفة، ومن الأعشار: العشر الأول من ذي الحجة، ـــــــــــــــــــــــــــــ وزاد في القاموس شيوخ بكسر الشين وشيوخاء وزاد اللحياني في النوادر مشيخة بفتح الياء وضمها وبه تكمل جموعه اثني عشر جمعًا وأما أشياخ فهو جمع الجمع وقال صاحب الجامع لا أصل لمشايخ في كلام العرب وقال الزمخشري ليس مشايخ جمع شيخ ويصح أن يكون جمع الجمع اهـ. قوله: (ويختَارُ منَ الأيامِ الخ) ظاهر عبارته أن الأيام متساوية الترتيب وليس مرادا قال ابن حجر في شرح العباب ويختار من الأيام يوم عرفة يوم الجمعة ثم يوم الاثنين والخميس وإنما كان يوم عرفة الأحب لحديث سيد الأيام يوم عرفة ولأنه يوم تكفر الذنوب وينال فيه المطلوب ثم يوم الجمعة لحديث سيد الأيام يوم الجمعة رواه النسائي وغيره وهو حديث صحيح كما في مسند الفردوس ولا ينافي ما قبله لأن ذاك أفضل أيام السنة وهذا في أيام الأسبوع ولأن فيه ساعة الإجابة مع ما له من الفضائل القديمة ثم الاثنين والخميس لأنهما يومان يعرض فيهما الأعمال على الله عر وجّل كما ورد ذلك في الحديث الصحيح رواه مسلم وغيره وعرض الأعمال على الله عزّ وجل متكرر يوم اثنين وخميس ثم في شهر شعبان وذلك ليذكر كل من الفريقين في ذلك العالم بحاله المقتضي لإبعاده أو تقريبه وكماله تم تسمية اليومين بما ذكر من الاثنين والخميس يقتضي ان أول الأسبوع الأحد ونقله ابن عطية عن الأكثرين وناقضه السهيلي فنقل عن العلماء إلّا ابن جرير أن أوله السبت قيل وهو صريح خبر مسلم وإن تكلم فيه الحافظ كابن المديني والبخاري وجعلوه من كلام كعب وإن أبا هريرة سمعه منه فاشتبه ذلك على بعض الرواة فرفعه لكن قال البيهقي أنه مخالف لما عليه أهل السنة أن أول بدء الخلق الأحد لا السبت ودل له خبر خلق الله الأرض يوم الأحد ومن ثم كان الأكثرون عليه وجرى عليه المصنف في تحريره ومن الأعشار العشر الأول من ذي الحجة آخره يوم النحر وذلك للأحاديث الواردة بفضل العمل فيه كالحديث الآتي في باب صلاة العيدين ما من أيام العمل فيهن أفضل منه في عشر

فصل في آداب الختم وما يتعلق به

والعشر الأخير من رمضان، ومن الشهور: رمضان. فصل في آداب الختم وما يتعلق به: قد تقدم أن الختم للقارئ وحده يستحب أن يكون في صلاة. وأما من يختم في غير صلاة كالجماعة الذين يختمون مجتمعين، فيستحب أن يكون ختمهم في أول الليل أو أول النهار كما تقدم. ويستحب صيام يوم الختم، إلا أن يصادف يومًا نهى الشرع عن صيامه. وقد صح عن طلحة بن مصرف، والمسيب بن رافع، وحبيب بن أبي ثابت، التابعيين الكوفيين رحمهم الله أجمعين، أنهم ـــــــــــــــــــــــــــــ ذي الحجة الحديث وهو يقتضي أفضليتها على عشر رمضان الأخير ولذا قيل به لكنه غير صحيح والمراد أفضليته على ما عدا رمضان لصحة الخبر بأنه سيد الشهور مع ما يميز به من فضائل آخر واختار عشرة لصوم الفرض وهذا العشر لصوم النفل أدل دليل على تمييز عشر رمضان فزعم أن عشر رمضان أفضل من حيث الليالي لأن فيه ليلة القدر وعشر ذي الحجة من حيث الأيام لأن فيه يوم عرفة غير صحيح وإن أطنب قائله في الاستدلال له بما لا نفع فيه فضلًا عن صراحته أشار إليه ابن حجر في التحفة وظاهر أن الكلام بالنسبة إلى مجموع العشر الأول فلا توقف أن يوم عرفة أفضل من كل يوم من أيام السنة كما جاء في الحديث ولا يقدح اختيار يوم رمضان لصوم الفرض ويوم عرفة لصوم النفل لأن فيه من الفضائل ما يقوم مقام ذلك ويزيد وبالله التوفيق والتسديد. قوله: (والعشرَ الأخيرَ من رمضَان) أي لأنه أفضله رجاء مصادفة ليلة القدر. قوله: (سيد الشهورِ رمَضَانُ) أي لخبر الصحيحين أن جبريل كان يلقى النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل سنة في رمضان حتى ينسلخ فيعرض - صلى الله عليه وسلم - القرآن عليه. فصل في آداب الختم وما يتعلق به قوله: (وأَمَا منْ يختِمُ الخ) أي وحده بدليل مقابلته بما عطف عليه بقوله والجماعة الخ. فيستحب أن يكون ختمهم في أول الليل الخ، زاد في التبيان وأول النهار أفضل عند بعض العلماء قال القرطبي في التذكار يستحب أن يختم أول النهار فإن إبراهيم التيمي قال كانوا يقولون إذا ختم القرآن أول النهار صلت عليه الملائكة بقية يومه وكذلك إذا ختم أول الليل وقد روي هذا مرفوعًا قلت وقد ذكرنا في الفصل السابق. قوله: (وقَدْ صَحَّ) أي جاء بإسناد صحيح قال

كانوا يصبحون صيامًا في اليوم الذي كانوا يختمون فيه. ويستحب حضور مجلس الختم لمن يقرأ، ولمن لا يحسن القراءة. فقد روينا في الصحيحين: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر الحُيَّضَ بالخروج يوم العيد ليشهدْنَ الخير ودعوة المسلمين". وروينا في مسند الدارمي، عن ابن عباس رضي الله عنهما، ـــــــــــــــــــــــــــــ في التبيان وقد روى ابن ابن أبي داود بإسناد صحيح أن طلحة بن مصرف الخ اهـ، وقال الحافظ أنه على شرط الصحة. قوله: (كانوا يُصبحونَ صيامًا اليومَ الذي يَختمونَ فيهِ) كأن حكمة ذلك شكر نعمة تيسير ذلك والتوصل إلى تعدد أسباب إجابة الدعاء ونقل المصنف في التبيان والقرطبي في التذكار ما ذكر قوله: (يسْتحب حُضورُ مجلس الختم الخ) في التبيان يستحب حضور مجلس ختم القرآن استحبابا متأكدًا. قوله: (فقدَ رَوَينَا في الصحيحين) رواه عن أم عطية رضي الله عنها ولفظها عندهما كان - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا أن نخرج العواتق وذوات الخَدور فأما الحيض فيعتزلن المصلى ويشهدن الخير ودعوة المسلمين قال الحافظ بعد تخريجه حديث صحيح أخرجه الشيخان قلت وفي لفظ لهما عنهما أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نخرج الحيض يوم العيدين وذوات العواتق فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتهم وتعتزل الحائض عن مصلاهن الحديث ورواه أبو داود بنحوه. قوله: (الحيض بضم الحاء وتشديد التحتية جمع حائض قوله.: (فيشهدن الخيرَ) أي مواطن الخير والفيوض الإلهية وأهل الخير هم القوم لا يشقى بهم جليسهم. قوله: (ودَعوةَ المسلمينَ) أي لتعود بركتها وبركتهن عليه. قوله: (مُسْندِ الدارمي) قال الحافظ لكن ذكره الشيخ هنا بالمعنى واللفظ الذي ذكره الدارمي بإسناده عن قتادة قال كان رجل يقرأ القرآن في مسجد المدينة فكان ابن عباس قد وضع عليه الرصد فإذا كان ختمه فتحول إليه وأخرجه أبو عبيد وابن الضريس بضم المعجمة وفتح الراء آخره سين مهملة كلاهما في فضائل القرآن وابن أبي داود في كتاب الشريعة من طرق متعددة لهم إلى صالح المزي بضم الميم وتشديد الزاي عن قتادة وصالح زاهد مشهور من أهل البصرة وهو ضعيف الحديث عندهم وفيه علة أخرى الانقطاع بين ابن عباس وقتادة. الدرامي هو أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي السمرقندي الحافظ من بين دارم بن مالك بن حنطة بن زيد مناة من تميم روى عنه أئمة كمسلم وأبي داود

أنه كان يجعل رجلًا يراقب رجلًا يقرأ القرآن، فإذا أراد أن يختم أعلم ابن عباس رضي الله عنهما فيشهد ذلك. وروى ابن أبي داود بإسنادين صحيحين، عن قتادة التابعي الجليل الإمام صاحب أنس رضي الله عنه، قال: كان أنس بن مالك رضي الله عنه إذا ختم القرآن جمع أهله ـــــــــــــــــــــــــــــ والترمذي وأبي زرعة قال أبو حاتم هو إمام أهل زمانه ولد سنة إحدى وثمانين ومائة ومات يوم التروية سنة خمس وخمسين ومائتين والغالب على مسنده الصحة ولما بلغ البخاري نعيه بكى وأنشد: إن تبق تفجع في الأحبة كلهم ... وفناء نفسك لا أبا لك أفجع وذكر الترمذي أنه سمع البخاري يحدث عنه بحديث من شيع الجنازة وابن عدي أن النسائي حدث عنه. قوله: (أَنه كَانَ الخ) أورده القرطبي في التذكار ولم يذكر مخرجه ولفظه روي عن قتادة أن رجلًا يقرأ القرآن في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان ابن عباس يجعل عليه رقيبًا فإذا أراد أن يختم قال لجلسائه قوموا بنا حتى نحضر الخاتمة. قوله: (وَرَوى ابْن أَبِي دَاوُدَ) رواه في كتابه المصاحف وقال الحافظ بعد تخريجه من طريق أبي بكر بن أبي شيجة أخرجه ابن أبي داود عن علي بن محمد عن وكيع عن مسعر عن قتادة وأخرجه أيضًا من رواية ثابت البناني أن أنسًا كان إذا ختم القرآن جمع أهله وولده ودعا لهم ولفظ الطبراني وأهل بيته هذا موقوف صحيح أخرجه سعيد بن منصور في كتابه وأخرجه أبو داود من رواية ابن عطية عن أنس وزاد في آخره والدعاء عند ختم القرآن مستجاب والحكم فيه ضعيف لكن له شاهد عن ابن مسعود أخرجه ابن عبيد وابن الضريس بسند فيه انقطاع عن ابن مسعود قال من ختم القرآن فله دعوة مستجابة وكان عبد الله إذا ختم جمع أهله ثم دعا وأمنوا على دعائه وجاء أوله في حديث مرفوع أخرجه الطبراني في معجمه بسند ضعيف عن العرباض بن سارية قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ختم القرآن فله دعوة مستجابة وقد وجدت لحديث أنس الموقوف المتقدم ذكره طريقًا أخرى مرفوعة عن قتادة عن أنس قال كان - صلى الله عليه وسلم - إذا ختم القرآن جمع

ودعا. وروى بأسانيد صحيحة، عن الحكم بن عتيبة -بالتاء المثناة فوق ثم المثناة تحت ثم الباء الموحدة- التابعي الجليل الإمام قال: أرسل إليَّ مجاهد وعَبْدَة بن أبي لبابة فقالا: إنا أرسلنا إليك لأنا أردنا أن نختم القرآن، والدعاء مستجاب عند ختم القرآن. وفي بعض رواياته الصحيحة: أنه كان يقال: إن الرحمة تنزل عند خاتمة القرآن. ـــــــــــــــــــــــــــــ أهله ودعا قال أبو نعيم الحافظ غريب من حديث مسعر قال الحافظ قلت رواته وثقون ثم قال ان في سنده من يضعف أو يجهل والصحيح الموقوف عن أنس وسيأتي آثار آخر الفصل الذي بعده إن شاء الله تعالى. قوله: (ودَعَا) لأن الدعاء مستجاب عند ختم القرآن كما سيأتي عن مجاهد بل الدعاء مستجاب عقب تلاوة القرآن من أي منه كان روى الترمذي عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما أنه مر على قارئ يقرأ ثم سأل فاسترجع ثم قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول من قرأ القرآن فليسأل الله فإنه سيجيء أقوام يسألون به الناس. قوله: (لأنا أردنا أن نختم) أورده القرطبي في التذكار نريد أن نختم فأحببنا أن تشهدونا فإنه يقال إذا ختم القرآن نزلت الرحمة عند ختمه اهـ، وقد أخرجه كذلك ابن أبي شيبة كما تقدم وابن أبي داود لكن بلفظ كان يقال إذا ختم القرآن نزلت الرحمة عند ختمه أو حضرت الرحمة عند خاتمته أورده كذلك في السلاح. قوله: (وعبدة بْنُ أَبِي لُبَابة) هو بالعين المهملة ثم الباء الموحدة ثم الدال المهملة بعدها فوقية اسم ابن أبي لبابة وإنما ضبطه لأنه في بعض النسخ وعنده بالنون وهو تصحيف اهـ. وكان المراد خاصة وإلا فالرحمة والسكينة تنزل على المجتمعين لدراسة الكتاب الشريف كما سبق من حديث وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يقرأون القرآن ويتدارسونه إلّا غشيتهم السكينة ونزلت عليهم الرحمة وفي الحصين في أحوال الإجابة وبعد تلاوة القرآن رواه الترمذي

وروى بإسناده الصحيح عن مجاهد قال: كانوا يجتمعون عند ختم القرآن ويقولون: إن الرحمة تنزل عند ختم القرآن. فصل: ويستحب الدعاء عقب الختمة استحبابًا متأكدًا شديدًا لما قدمناه. وروينا في مسند الدارمي، وعن حميد الأعرج رحمه الله قال: من قرأ القرآن ثم دعا أمّن على دعائه أربعة آلاف ملك. وينبغي ـــــــــــــــــــــــــــــ لا سيما بعد ختم القرآن رواه الطبراني عن عمران مع ما قبله وابن أبي شيبة في مصنفه من قول عبدة بن أبي لبابة ومجاهد وهما تابعيان. قوله: (ورَوى بأسانيد صحِيحَة الخ) أخرجه الحافظ عن الحكم بن عبسة قال كان مجاهد وعبدة بن أبي لبابة وناس يعرضون المصاحف فلما كان اليوم الذي أرادوا أن يجتمعوا فيه أرسلوا إلي وإلى سلمة بن كهل وقالوا أنا كنا نعرض المصاحف وأنا أردنا أن نختم القرآن فأحببنا أن تشهدوا أنه كان يقال إذا ختم القرآن نزلت الرحمة قال الحافظ موقوف صحيح الإسناد أخرجه ابن أبي داود وأخرجه الحافظ من وجه آخر وقال أخرجه ابن أبي داود أيضًا عن الحكم أرسل إلى مجاهد وعبدة أنا نريد أن نختم القرآن وكان يقال أن الدعاء يستجاب عند ختم القرآن موقوف صحيح وكأن مجاهدًا وعبدة ذكرا الأثرين معًا فحفظ بعض ما لم يحفظ الآخر عن الحكم أو حدث الحكم بهذا مرة وبهذا مرة والأول من طريق جرير وسفيان الثوري والثاني عند ابن أبي داود عن شعبة اهـ. فصل قوله: (يستحب الدعَاءُ) أي استحبابًا مؤكدًا كما في التبيان وفي التذكار روى عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قرأ يعني القرآن حتى ختمه كانت له دعوة مستجابة وروى قتادة عن أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال عند ختم القرآن دعوة مستجابة وتقدم حال الحديث وأخرج البيهقي مع كل ختمة دعوة مستجابة. قوله: (وَرَوَينا في مُسْنَد الدارمي الخ) قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الدارمي أثر مقطوع وسنده ضعيف ويغني عنه

أن يُلحَّ في الدعاء، وأن يدعوَ بالأمور المهمة والكلمات الجامعة، وأن يكون معظمُ ذلك أو كله في أمورِ الآخرة وأمورِ المسلمين، وصلاح سلطانهم وسائرِ ولاة أمورهم، وفي توفيقهم للطاعات، وعصمتهم من المخالفات، وتعاونهم على البر والتقوى، وقيامِهم بالحق واجتماعهم عليه، وظهورهم على أعداء الدين وسائر المخالفين، وقد أشرت إلى أحرف من ذلك في كتاب "آداب القرآن"، وذكرت فيه دعوات وجيزة من أرادها نقلها منه، وإذا فرغ من الختمة، فالمستحب أن يشرع في أخرى متصلًا بالختم، فقد استحبه السلف. ـــــــــــــــــــــــــــــ أثر مجاهد وعبدة السابق في الفصل الذي قبله وتقدم قبل ذلك ابن مسعود والحديث المرفوع عن العرباض وقد وجدت مثل حديث العرباض حديثًا عن أنس أخرجه أبو نعيم في ترجمة مسعر من الحلية وسنده ضعيف أيضًا اهـ. قلت هذا لا مجال للرأي فيه فيكون مستنده في التوقيف فيكون مرفوعًا حكمًا. قوله: (أَنْ يُلِحَّ) بضم التحتية وكسر اللام وتشديد الحاء المهملة من الإلحاح وهو المبالغة أي يبالغ في الدعاء بالمداومة والمواظبة في الإلحاح ولا يكتفي بمرة ولا بمرات وفي الخبر إن الله يحب الملحين في الدعاء. قوله: (وأَنْ يدعوَ بالأمور المهمةِ) التي هي أهم والحاجة إليها أتم لأن المهم المقدم والله أعلم. قوله: (والكلماتَ الجامعةِ) أي بالكلمات الجامعة لأغراضه الصالحة أو الجامعة للثناء على الله سبحانه أو لآداب المسألة والمراد بها ما كان لفظه يسيرًا ومعناه كثيرًا شاملًا لأمر الدارين حائزًا للخيرين. قوله: (وأَنْ يكونَ مُعظمُ ذلكَ الخ) أما أمور الآخرة فلورود الأمر بسؤال خيرها كخبر إذا سألتم فاسألوا الله الفردوس والاستعاذة من شرها كخبر كان - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ من عذاب النار وأما الدعاء للمسلمين فلما فيه أداء حقهم الناشئ عما قام عنده من عظيم الشفقة ومزيد الرحمة مع ما فيه من إجابة الدعاء ففي الحديث دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة

واحتجوا فيه بحديث أنس رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "خَيْرُ الأعْمالِ الحِلُّ والرحْلَةُ"، قيل: وما هما؟ قال: "افْتِتاحُ القُرآن وختْمُهُ". ـــــــــــــــــــــــــــــ عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل رواه مسلم قال المصنف في شرح مسلم ولو دعا لجماعة من المسلمين حصلت هذه الفضيلة ولو دعا لجملة المسلمين فالظاهر حصولها أيضًا وكان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه يدعو لأخيه بتلك الدعوة لتستجاب ويحصل له مثلها اهـ. قوله: (واحتجوا فيه بحدِيثِ أنسٍ الخ) قال الطاهر الأهدل في هامش أصله لم يعز المصنف هذا الحديث إلى مخرجه وهو حديث غريب خرجه الترمذي في جامعه والبيهقي في شعب الإيمان ومداره على صالح المزي وقال ضعيف وقال البخاري منكر وقال النسائي متروك وعلى الجملة فصالح معضل ضعيف اهـ. لكن قال الحافظ حديث أنس المذكور أخرجه ابن أبي داود بسند فيه من كذب وعجيب للشيخ كيف اقتصر على هذا ونسب للسلف الاحتجاج به ولم يذكر حديث ابن عباس وهو المعروف في الباب وقد أخرجه بعض الستة وصححه بعض الحفاظ ثم أخرج الحافظ من طريق عن ابن عباس قال قال رجل يا رسول الله أي العمل أفضل قال عليك بالحال المرتحل قال وما الحال المرتحل قال صاحب القرآن يضرب من أوله إلى آخره ويضرب من آخره إلى أوله كلما حل ارتحل ثم أخرجه الحافظ عن ابن عباس من طريق آخر لكن قال فيه أي الكلام أحب إلى الله ولم يقل في آخره كلما حل قال الحافظ حديث غريب أخرجه الترمذي عن الهيثم بن الربيع عن صالح وقال غريب لا نعرفه من حديث ابن عباس إلّا من هذا الوجه ثم أخرجه من وجه آخر عن صالح ولم يذكر فيه عن ابن عباس ورجح هذه المرسلة وتعقبه المزي في الأطراف بأن الهيثم لم ينفرد بوصل تلك الرواية بل تابعه غيره وأخرجه الحاكم وقال تفرد به صالح وكان من زهاد البصرة اهـ، وهو ممن يتعجب منه لإخراجه له في المستدرك وصالح عندهم ضعيف بسبب سوء حفظه وكأنه تساهل فيه لكونه من فضائل الأعمال اهـ، وبه يعلم ما وقع فيه الأهدل من الوهم فإن الذي انفرد به صالح

فصل: فيمن نام عن حزبه ووظيفته المعتادة

فصل: فيمن نام عن حزبه ووظيفته المعتادة: روينا في "صحيح مسلم": عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن نامَ عَنْ حِزْبهِ مِنَ الليلِ أو عَنْ شَيءٍ مِنْهُ، فقَرَأهُ ما بَيْنَ صلاةِ الفَجْرِ وصلاةِ الظهْرِ كُتِبَ لهُ كأنما قرأة منَ الليلِ". فصل في الأمر بتعهد القرآن والتحذير من تعريضه للنسيان: روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ رواية ابن عباس لا رواية أنس المذكورة في المتن والله أعلم وفي النهاية أنه سئل أي الأعمال أفضل فقال الحال المرتحل قيل وما الحال قال الخاتم المفتتح هو الذي يختم القرآن بتلاوته ثم يفتتح التلاوة من أوله شبهه بالمسافر يبلغ المنزل فيحل فيه ثم يفتتح سيره أي يبتدئه وكذلك قراء أهل مكة إذا ختموا القرآن ابتدأوا وقرأوا الفاتحة وخمس آيات من أول سورة البقرة إلى وأولئك هم المفلحون ثم يقطعون القراءة ويسمون فاعل ذلك الحال المرتحل أي أنه ختم القرآن وابتدأ بأوله ولم يفصل بينهما بزمان وقيل أراد بالحال المرتحل المغازي الذي لا يفعل إلّا عقبه بأخرى اهـ. فصل قوله: (رَوَينا في صَحِيح مسلم الخ) تقدم الكلام عليه في الفصل. قوله: (حِزْبِهِ) هو بكسر الحاء المهملة وإسكان الزاي أي ما عليه من الورد من قرآن أو غيره. قوله: (فقرأَهُ مَا بينَ الخ) خص هذا الوقت بذلك لأنه مضاف عند العرب إلى الليل وفي الحديث الاعتناء بالرواتب وقضاء الراتب المؤقت قال الحافظ ظاهر الحديث أن القراءة بالليل أفضل من القراءة بالنهار وقد جاء ذلك صريحًا ثم أخرج من طريق أبي نعيم في المستخرج عن جابر قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول أيكم خاف ألا يقوم من آخر الليل فليوتر ثم يرقد ومن وثق باليقظة من الليل فليوتر من آخر الليل فإن قراءة آخر الليل محضورة وذلك أفضل، حديث صحيح أخرجه مسلم اهـ. فصل في الأمر بتعهد القرآن والتحذير من تعريضه للنسيان قوله: (رَوَينْا في صَحِيحِي البُخارِي ومسلم) وكذا رواه الإمام أحمد في مسنده كما في

"تَعاهَدُوا هَذا القُرآنَ، فوَالذي نَفْسُ مَحَمدِ بيَدِهِ لَهُوَ أشَدُّ تَفَلُّتا مِنَ الإبل في عُقُلِها". وروينا في "صحيحيهما" عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما مَثَلُ صَاحِبِ القُرآنِ كَمَثَلِ الإبلِ المُعَقَّلةِ، إنْ عاهَدَ عَلَيها أمْسَكَها، وَإنْ أطْلَقها ذَهَبَتْ". وروينا في كتاب أبي داود، والترمذي، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عُرِضَتْ عَليّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجامع الصغير وخرجه الحافظ من طرق عديدة قوله: (تعاهدُوا هذَا القرآنَ) أي واظبوا على تلاوته وداوموا على تكرار دراسته كيلا ينسى. قوله: (عقُلهَا) بضم العين المهملة والقاف ويجوز إسكان القاف كنظائره وهو جمع عقال ككتاب وكتب والعقال الحبل الذي يعقل به البعير حتى لا يند ولا يشرد شبَّه القرآن في حفظه بدوام تكراره ببعير أحكم عقاله ثم أثبت له التفلت الذي هو من صفات المشبه به أشده وأبلغه تحريضًا على مداومة تعهده وعدم التفريط في شيء من حقوقه ولم لا وهو الكلام القديم المتكفل لقارئه بكل مقام كريم وما هو كذلك حقيق بدوام التعهد وخليق باستمرار التفقد. قوله: (وروَينا في صحيحَه) وكذا رواه كما في الجامع الصغير أحمد في مسنده والنسائي وابن ماجة وكذا أخرجه ابن حبان وأبو نعيم وعند مسلم في رواية له وابن ماجة بلفظ مثل القرآن إذا عاهد عليه صاحبه آناء الليل وآناء النهار كمثل صاحب الإبل أن عقلها حفظها وإن أطلق عنها ذهبت. قوله: (مثلِ صاحب القرآن) مثل بفتحتين أي صفة قال المصنف في شرح مسلم نقلًا عن القاضي عياض معنى صاحبَ القرآن الذي ألفه والمصاحبة المؤالفة ومنه فلان صاحب فلان وأصحاب الجنة وأصحاب النار وأصحاب الحديث اهـ. قوله: (كمثل صَاحب الابلِ الخ) لا ينافيه تشبيه القرآن فما مر لأنه كما شبه بها فيما مر شبه هنا صاحبه بصاحبها في احتياج كل منهما لتعهد ما عنده حتى لا يفقده فكما أن صاحب الإبل إن لم يحكم عقلها ذهبت ونفرت فلا يقدر على تحصيلها إلَّا بعد مزيد تعب ومشقة فكذا صاحب القرآن إن لم يتعهده بالتكرار آناء الليل وأطراف النهار انفلت منه فلا يقدر على عوده إلّا بعد غاية الكلفة والمشقة ففي الحديث الحث على تعاهد القرآن وتلاوته والحذر من تعريضه للنسيان. قوله: (وَرَوَينَا في كِتَاب أَبِي دَاوُدَ والترمذي الخ) قال الحافظ

أجُورُ أمتي حتَّى القَذَاةُ يُخْرِجُها الرَّجُلُ مِن المَسْجدِ، وعُرِضَتْ عَليَّ ذُنوبُ أمتي، فلَمْ أرَ ذَنْبًا أعْظَمَ مِنْ سُورَةِ مِنَ القُرْآنِ أو آيَةٍ أوتِيَهَا رَجُلٌ ثمَّ نَسِيَها" تكلم الترمذي فيه. ـــــــــــــــــــــــــــــ المنذري في الترغيب رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وابن خزيمة في صحيحه كلهم من رواية المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أنس رضي الله عنه وقال الترمذي حديث غريب لا نعرفه إلَّا من هذا الوجه قال وذاكرت به محمد بن إسماعيل يعني البخاري فلم يعرفه واستغربه وقال محمد لا أعرف للمطلب بن عبد الله سماعًا من أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلّا قوله حدثني من شهد خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - قال سمعت عبد الله بن عبد الرحمن يقول لا نعرف للمطلب سماعًا من أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال عبد الله وأنكر على ابن المديني أن يكون المطلب سمع من أنس رضي الله عنه وهذا مراد المصنف بقوله الآتي تكلم فيه الترمذي وقال الحافظ رواه حجاج بن محمد وهو أثبت أصحاب ابن جرير عنه فلم يسم المطلب أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام حجاج عن ابن جرير قال حدثت عن أنس فذكر الحديث مثله لكن قال أكثر بدل أعظم وأخرج عن ابن جرير قال حدثت عن سلمان الفارسي قال قال - صلى الله عليه وسلم - من أكبر ذنب توافي به أمتي يوم القيامة سورة من كتاب الله كانت مع أحدكم قرأها فنسيها سنده منقطع أيضًا وأخرج أحمد في كتاب الزهد بسند جيد عن أبي العالية واسمه رفيع بالفاء مصغرًا من كبار التابعين قال كنا نعد من أعظم الذنوب أن يتعلم الرجل القرآن ثم ينام عه حتى ينساه اهـ. قال المنذري قالوا أبو زرعة المطلب ثقة أرجو أن يكون سمع من عائشة ومع هذا ففي إسناده عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي داود وفي توثيقه خلاف اهـ. قوله: (أجورُ أمتي) أي أجور أعمالها. قوله، (حتى القذَاة) أي أجر إخراجها والقذاة ما يقع في العين من نحو تراب وحتى إما جارة بمعنى إلى أي إلى إخراج القذاة وجملة يخرجها من المسجد استئناف بياني أو عاطفة على أجور فالقذاة مبتدأ ويخرجها خبره. قوله: (فلم آرَ ذنْبًا أعظم الخ) أي لم أرَ ذنبًا مترتبًا على نسيان سورة من القرآن وبقولنا

وروينا في سنن أبي داود، ومسند الدارمي، ـــــــــــــــــــــــــــــ مترتبًا الخ. اندفع ما قيل إن الذنوب فيها أعظم من هذا بكثير، أخذ أصحابنا من هذا الحديث وحديث أبي داود الآتي أن نيسان أعظم من ذنب نسيان القرآن أو شيء منه ولو حرفًا واحدًا بعد البلوغ بعد حفظه عن ظهر قلب إذا كان بغير عذر من نحو طول مرض أو غيبة عقل كبيرة وقول الطيبي في شرح المشكاة أنه ليس بكثير عجيب مع تصريح أئمتنا بذلك أي بناء على المختار في حدها انها كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث أي اعتناء مرتكبها بالدين ورقة الديانة ثم في التعبير بقوله أوتيها الإشارة إلى أن حفظ الآية نعمة عظيمة أولاها الله إياه ليقوم بها ويشكر موليها فلما نسيها كان إثمه أعظم إثمًا من نسيان ما سواها قيل شطر الحديث مقتبس من قوله تعالى: {قَال كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا} [طه: 126 - 126]، وكذلك اليوم تنسى اهـ. قال في فتح الإله وهذا على قول في الآية وأكثر المفسرين على أنها في المشرك قال القرطبي في التذكار وسياق الآية ظاهر في تلاوة القرآن وقيل المراد بالترك في الآية والنسيان في الحديث ترك العمل به وهو تأويل حسن فيه ترجية إلَّا أن ظاهر الآية والحديث التلاوة والله أعلم. فإن قلت ما المناسبة بين شطري الخبر، قلنا هي أن المسجد بيته تعالى والقرآن كلامه سبحانه فكما اقتضى القيام بخدمة بيته المدح للفاعل اقتضى ترك كلامه المؤدي للنسيان إلى المبالغة في ذمه بأنه لا أعظم من ذنبه وقال لما عد إخراج القذاة التي ينوبه بها من الأجور تعظيمًا لبيت الله تعالى عد أيضًا النسيان من أعظم الجرم تعظيمًا لكلامه سبحانه فكأن فاعل ذلك عد الحقير عظيمًا بالنسبة إلى العظيم فأزاله عنه وصاحب هذا عد العظيم حقيرًا فأزاله عن قلبه فانظر إلى هذه الأسرار العجيبة التي احتوتها هذه الكلمات اليسيرة والحمد لله الذي هدانا لهذه الآية اهـ. قوله: (ورَوَينَا في سنن أَبِي داوُدَ) قال المنذري في الترغيب رواه أبو داود عن يزيد بن أبي زياد عن عيسى بن فايد عن سعد قال المنذري ويزيد بن أبي زياد هو الهماشمي مولاهم الكوفي يكنى أبا عبد الله قلت قال الحافظ ابن حجر في التقريب ضعيف كبر فتغير وصار يتلقن وكان شيعية خرج عنه البخاري في التاريخ ومسلم والأربعة اهـ. قال المنذري ومع هذا فعيسى بن فايد إنما روى عمن سمع سعدًا قاله عبد الرحمن بن أبي حاتم وغيره. قوله: (ورَوينَا في سُنَنِ أبِي دَاوُدَ ومُسندِ الدارمي) قال بعد تخريجه حديث غريب أخرجه

عن سعد بن عبادة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ قَرَأ القُرآنَ ثم نَسِيَه ـــــــــــــــــــــــــــــ أحمد والطبراني وأخرجه أبو داود وأشار الحافظ إلى اضطراب في سنده ووقع في رواية لأحمد ولابنه عبد الله ولأبي بكر بن أبي داود عن عبادة بن الصامت بدل سعد بن عبادة والراجح الأول والله أعلم، وجاء في رواية وهو مجزوم. قوله: (عَنْ سَعْد بنِ عبَادَةَ) هو سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبي خزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاري سيد الخزرج يكنى أبا ثابت وقيل أبا قيس كان من نقباء العقبة واختلف في شهوده بدرًا روى عنه بنوه قيس وسعيد وإسحاق وابن عباس وآخرون قال ابن عيينة هو عقبي بدري نقيبًا وقال ابن سعد تهيأ للخروج إلى بدر فنهش فأقام قال الحافظ ابن حجر في التقريب وقع في صحيح مسلم أنه شهد بدرأ والمعروف عند أهل المغازي أنه تهيأ للخروج فنهش اهـ، وكان يسمى الكامل لأنه كان يحسن الكتابة والعوم والرمي وكان من الأجواد كانت جفنته تدور مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت أزواجه وكان يذهب كل ليلة بثمانين من أهل الصفة يعشيهم وكان مناديه ينادي على أطعمة من كان يريد شحمًا أو لحمًا فليأت سعدًا وكان يقول، اللهم هب لي حمدًا وهب لي مجدًا: لا مجدًا إلّا بفعال ولا فعال إلا بمال اللهم أنه لا يصلحني القليل ولا أصلح عليه. وقيل كان عبادة ينادي على أطعمة بذلك قال ابن عبد البر يقال أنه لم يكن في الأوس والخزرج أربعة يطعمون يتوالون في بيت واحد إلّا قيس بن عبادة بن دليم قال ولا كان مثل ذلك في العرب أيضًا إلا ما ذكرناه عن صفوان بن أمية قال في سعد بن عبادة وسعد بن معاذ جاء الخبر المشهور أن قريشًا سمعوا صائحًا يصيح ليلًا على أبي قبيس: فإن يسلم السعدان يصبح محمد ... بمكة لا يخشى خلاف المخالف قال فطنت قريش أنهما سعد بن زيد مناة وسعد بن هذيم فلما كانت الليلة الثانية سمعوا صوتًا على أبي قبيس. أيا سعد سعد الأوس كن أنت نصرًا ... ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف أجيبا إلى داعي الهدى وتمنيا ... على الله في الفردوس نية عارف

لَقِيَ اللهَ تعالى يَومَ القِيامَةِ أجْذمَ". ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن ثواب الله للطالب الهدى ... جنان من الفردوس ذات رفارف ووجد سعد ميتًا في مغتسله وقد أحضر جسده ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلًا يقوله ولا يرونه. قد قتلنا سيد الخز ... رج سعد بن عبادة ورميناه بسهميـ ... ـن فلم نخط فؤاده فيقال إن الجن قتلته وقال ابن سيرين أنه بال قائمًا فلما رجع قال لأصحابه اني أجد دبيبًا فمات واختلف في وفاته فقيل مات بحوران سنة خمس عشرة وقيل أربع عشرة وقيل إحدى عشرة وقيل أنه مات ببصرى وهي أول مدينة فتحت بالشام رضي الله عنه قال الحافظ في التقريب روى عنه الأربعة. قوله: (لَقِيَ الله تَعالى يوم القيامةِ أَجْذَمَ) الجذام في الحديث على ظاهره ووجه مناسبة العقوبة أن القرآن نور أي نور ترتاح به النفس وتقر به العين باطنًا وظاهرًا سيماهم في وجوههم فعوقب من فوته بالترك والإهمال بضده من سواد الوجه وغيره وشناعة الخلقة إذ الجذام داء يحمر منه العضو ثم يسود ويتقطع ويتناثر اللحم وذلك يوجب هجر الناس له ونفرتهم ما أمكن استقذارًا له وخوفًا من شره قال - صلى الله عليه وسلم - فر من المجزوم فرارك من الأسد، فالجذام في الحديث على ظاهره وقيل معناه مقطوع اليد من الجذم القطع واحتج له أبو عبيد كما في الغريبين بقول علي رضي الله عنه من نكث بيعته لقي الله وهو أجذم ليس له يداه ورد بأن الاجذم معنى حقيقي متعارف في الشرع هو ما قدمته ولا يجوز حمله على غيره إلَّا بدليل لما هو مقرر من تعين حمل كلام صاحب الشرع على المعنى الشرعي فإن منع منه مانع شرعي فعلى اللغوي فالعرفي وهذا له معنى شرعي لم يمنع منه مانع فوجب الحمل عليه والفرق بين ما هنا وقول علي رضي الله عنه المذكور واضح فلا يتم احتجاج أبي عبيد إذ البيعة إنما تعقد باليد كما كانوا يفعلون فبين علي كرم الله وجهه أن نكث ما باليد عقوبته قطع اليد لأنه من جنسه وكذلك هنا لأن النسيان الذي هو سبب العقوبة أمر قائم بالقلب وهو رئيس البدن الذي به صلاحه وفساده فسرى فساده إلى جميع البدن فابتلي بالجذام في سائر بدنه لتتم محاكاة العقوبة لما به الذنب وقد صرح بما ذكرناه ابن قتيبة حيث قال الأجذم هنا من ذهبت أعضاؤه كلها وليست يد الناسي أولى بالعقوبة من سائر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أعضائه يقال رجل جذم إذا تهافتت أعضاؤه من الجذام اهـ، وقيل معناه أنه أجذم الحجة لا لسان له يتكلم به فلا حجة في اليد واليد يراد بها الحجة ألا ترى أن الصحيح اليد يقول لصاحبه قطعت يدي أي أبطلت حجتي ويرد بأنه بعيد فلا يصرف اللفظ عن ظاهره إليه من غير حاجة لما علمت من صحة إجراء اللفظ على ظاهره بل تعينه وقال الخطابي معناه ما ذكر ابن الأعرابي أي خالي اليد عن الخير وكنى باليد عما تحويه اليد اهـ، ورد بأنه مجاز لا حاجة إليه بوجه إذ لا أبلغية فيه بل حمله على الظاهر المتعين في مثله من كل ما صح فيه إجراء النص على ظاهره أبلغ وعبر بعضهم بقوله معناه منقطع السبب ألا ترى لحديث القرآن سبب بيد الله وسبب بأيديكم فإذا ترك القرآن انقطع ذلك السبب قال أبو عبيد يقال أن وجه هذا الحديث إنما هو على التارك لتلاوة القرآن الجافي عنه ومما يبين ذلك قوله استدركوا القرآن وقوله تعهدوا القرآن فليس يقال هذا إلَّا للتارك قال الضحاك بن مزاحم ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه إلا بذنب يحدثه ثم قال يقول الله تعالى وما أصابكم من مصيبة الآية ونسيان القرآن من أعظم المصائب قال أبو عبيد فالحديث إنما هو على الترك أما من دأب على تلاوته وهو حريص على حفظه إلَّا أن النسيان يغلبه فليس من ذلك في شيء وقد كان - صلى الله عليه وسلم - ينسى الشيء من القرآن حتى يذكره ومنه حديث عائشة أنه سمع رجلًا يقرأ في المسجد فقال رحم الله فلانًا لقد أذكرني آيات اهـ. تنبيه قال الجلال البلقيني والزركشي وغيرهما محل كون نسيانه كبيرة عند من قال به إذا كان عن تكاسل وتهاون اهـ، وكأنه احتراز عما إذا اشتغل عنه بنحو إغماء أو مرض مانع من القراءة وغيرهما من كل ما يتأتى معه القرآن وعدم التأثم حينئذٍ واضح لأنه مغلوب عليه ولا اختيار له فيه بوجه بخلاف ما إذا اشتغل عنه بما يمكنه القراءة معه وإن كان ما اشتغل به أهم كتعلم العلم العيني لأنه ليس من شأن تعلمه الاشتغال عن القرآن المحفوظ حتى ينسى ويؤخذ من قولهم أن نسيان آية منه كبيرة أيضًا أنه يجب على من يحفظه بصفة من إتقان أو توسط ونحوهما كان يتوقف فيه أو يكثر غلطه فيه أن يستمر على تلك الصفة التي حفظه عليها ولا يحرم عليه إلَّا نقصها من حافظته أما زيادتها على ما كان في حافظته فهو وإن كان أمرا مؤكدا ينبغي الاعتناء به لمزيد

فصل: في مسائل وآداب ينبغي للقارئ الاعتناء بها

فصل: في مسائل وآداب ينبغي للقارئ الاعتناء بها وهي كثيرة جدًّا، نذكر منها أطرافا محذوفة الأدلة لشهرتها، وخوف الإطالة المملَّة بسببها. فأول ما يؤمر به: الإخلاص في قراءته، وأن يريد بها وجه الله سبحانه وتعالى، وأن لا يقصد بها توصلا إلى شيء سوى ذلك، وأن يتأدب مع القرآن ويستحضر في ذهنه أنه يناجي الله سبحانه وتعالى، ويتلو كتابه، فيقرأ على حال من يرى الله، فإنه إن لم يره فإن الله تعالى يراه. فصل: وينبغي إذا أراد القراءة أن ينظف فمه بالسواك وغيره، ـــــــــــــــــــــــــــــ فضله إلَّا أن عدمه لا يوجب إثمًا قال القرطبي لا يقال حفظ جميع القرآن ليس واجبا على الأعيان فكيف يذم من تغافل عن حفظه لأنا نقول من جمعه فقد علت رتبته وشرف في نفسه وقومه وكيف لا ومن حفظه فقد درجت النبوة بين جنبيه وصار فيه ممن يقال هو من أهل الله وخاصته فإذا كان ذلك فمن المناسب تغليظ العقوبة على من أخل بمرتبته الدينية ومؤاخذته بما لا يؤاخذ به غيره وترك معاهدة القرآن تؤدي إلى الجهالة اهـ. فصل قوله: (فأَوَّلُ مَا يؤمَر بهِ الإخلاصُ) أي لأنه لب العبادة وبه قوامها وهو لها بمنزله الروح للشبح. قوله: (وجه الله تعالى) أي ذاته قوله: (وأَلَّا يَقْصِد بهَا توصلا إلى شيء من الأغراض الفانية) كالشهرة وعلو الجاه وإقبال الخلق ونحو ذلك مما ترتب على الرياء والسمعة أما إذا اقصد به الثواب الموعود به على لسان الشارع فلا يخل ذلك بإخلاصه كما تقدم تحقيقه أول الكتاب وإن كان الأكمل في المقام إفراد الحق بالقصد بأن لا يقصد بعبادته سوى ذاته سبحانه قال بعض العارفين سبحانك ما عبدناك طمعا في جنتك ولا رهبة من نارك. قوله: (وأَن يَتَأَدب مَعَ القُرْآنِ) أي لقوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]. قوله: (ويَسْتحضرَ في ذهْنِه أَنهُ يُنَاجي الله تَعَالى الخ) أشار به إلى أن مقام الإحسان مقام المشاهدة ومقام المراقبة. فصل قوله: (ينْبغي إِذَا أَرَادَ القراءَة الخ) في الترغيب للمنذري روي

والاختيار في السواك أن يكون بعود الأراك، ويجوز بغيره من العيدان، وبالسُّعْد، والأشنان، والخرقة الخشنة، وغير ذلك مما ينظف. وفي حصوله ـــــــــــــــــــــــــــــ عن علي رضي الله عنه أنه أمر بالسواك وقال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن العبد إذا تسوك ثم قام يصلي قام الملك خلفه فيستمع لقراءته فيدنو منه أو كلمة نحوها حتى يضع فاه على فيه فما يخرج من فيه شيء من القرآن إلَّا صار في جوف الملك فطهروا أفواهكم للقرآن رواه البزار بإسناد جيد لا بأس به وروى ابن ماجة بعضه موقوفًا ولعله أشبه اهـ. قوله: (والاختيارُ في السواكِ أَن يكونَ بعُودِ الاراكِ) أي للاتباع سواء كان طيبًا أو لا كما اقتضاه كلام الشيخين وصرح به غيرهما مع ما فيه من طيب طعم وريح وشعيرة لطيفة تنقي ما بين الأسنان وأغصانه أولى من عروقه وزعم أنها تورث بخرًا يرده صريح كلامهم. قوله: (ويجوزُ منَ العيِدانِ) وأولاه بعد الأراك النخل لأنه آخر سواك استاك به - صلى الله عليه وسلم - وصح أنه كان أراكا لكن الأول أصح أو كل راوٍ قال بحسب علمه أو وقع كلا الأمرين في ذلك الزمن، ثم الزيتون لخبر الطبراني نعم السواك الزيتون من شجرة مباركة تطيب الفهم وتذهب بالحفر أي وهو داء في الأسنان وهو سواكي وسواك الأنبياء قبلي، واليابس المندى بماء الورد أي من جنسه ويحتمل مطلقًا وذلك لأن في الماء من الجلاء والإزالة ما ليس في غيره، ويظهر أن اليابس المندى بغير الماء أولى من الرطب لأنه أبلغ في الإزالة، ولو كان الرطب أو ما بعده من أراك والمندى بالماء من غيره أراك فالأراك أفضل فيما يظهر، قال في الإتقان ويقاس به النخل والزيتون ويكره السواك بما يضر كمبرد وعود يؤذي ويحرم بذي سم ومع ذلك يحصل به أصل السنة لأن الكراهة أو الحرمة لأمر خارج. قوله: (وبالسعد) بضم السين وسكون العين والدال المهملات. قوله: (والأُشنانِ) قال في البيان هو بضم الهمزة وكسرها لغتان ذكرهما أبو عبيدة وابن الجواليقي وهو بالعربية المحضة حرض وهمزة اشنان أصلية اهـ. قيل وضم الهمزة أفصح وفي شرح الإيضاح الأشنان هو الغاسول قال في المجموع والسعد والأشنان وإن لم يسم سواكًا هو في معناه وليس

بالأصبع الخشنة ثلاثة أوجه لأصحاب الشافعي. أشهرها عندهم: لا يحصل، والثاني: يحصل، والثالث: يحصل إن لم يجد غيرها، ولا يحصل إن وجد. ويستاك عرضًا مبتدئًا بالجانب الأيمن من فمه، ـــــــــــــــــــــــــــــ منه المضمضة بنحو ماء الغسول القلاع وإن أزال القلح لأنه لا يسمى سواكا. قوله: (بالإِصبَعِ) الأصبع معروفة تذكر وتؤنث وفيها عشر لغات تثليث همزتها مع تثليث الموحدة والعاشرة أصبوع بضم الهمزة والموحدة بعد الباء واو كذا في المطلع للبعلي وظاهر كلام القلقشندي أنه يقال ذلك أيضًا في أنملة اليد بالميم فلا يقال انمولة والأنامل كما سبق رؤوس الأصابع كذا قال الجوهري وقال ابن عباد الأنملة المفصل الذي فيه الظفر وقال ابن سيده طرف الأصابع وقد جمع الإمام ابن مالك لغات الأصابع في قوله: تثليث أصبع مع شكل همزته. من قيد مع الأصبوع قد كملا. قوله: (بالإصبَعِ الخَشِنَةِ) أي أصبع المستاك نفسه المتصلة به فالخلاف فيه أما أصبع غيره الخشنة فيجزئ الاستياك بها ولو متصلة وكذا يجزئ باصبعه الخشنة المنفصلة وإن قلنا يجب دفنها فورا وبحث الإسنوي في اجزائها وإن قلنا بنجاستها ككل خشن نجس ويلزمه غسل الفم فورا لعصيانه، واعترض بأن قياس عدم الاستنجاء بالمحترم والنجس عدمه هنا، واجيب بأن ذاك رخصة وهي لا تناط بمعصية بخلاف السواك إذ هو عزيمة القصد منه مجرد النظافة فلا يؤثر فيه ذلك، ولا ينافيه خلافًا لبعضهم خبر السواك مطهرة للفم لأن معناه أنه آلة تنقيه وتزيل تغيره فهو طهارة لغوية لا شرعية كما هو واضح. قوله: (أَشهرُهَا عِنْدَهُمْ لَا يحصُلُ الخ) قالوا لأنها تسمى سواكا ولما كان فيه ما فيه اختار المصنف وغيره حصوله بها. قوله: (والثالث يحصل الخ) استدل له بحديث ورد كذلك. قوله: (ويسْتَاكُ عَرْضًا) أي في عرض الأسنان ظاهرها وباطنها لا طولًا بل يكره لخبر مرسل فيه وخشية إدماء اللثة وإفساد عمود الأسنان ومع ذلك يحصل به أصل السنة نعم اللسان يستاك فيه طولا لخبر فيه في أبي داود. قوله: (مُبتَدِئا بالجَانِب الايمَن) وكيفية ذلك أن يبدأ بجانب فمه اليمن ويذهب إلى الوسط ثم بالأيسر كذلك ويذهب إليه كما نقلوه

وينوي به الإتيان بالسنة. قال بعض أصحابنا: يقول عند السواك: "اللهم بارك لي فيه يا أرحم الراحمين"، ويستاك في ظاهر الأسنان وباطنها، ويُمِرُّ السواك على أطراف أسنانه وكراسي أضراسه، وسقف حلقه إمرارا لطيفًا، ويستاك بعود متوسط، لا شديد اليبوسة، ولا شديد اللين، فإن اشتد يُبْسُهُ لَيَّنَهُ بالماء. أما إذا كان فمه نجسا بدم أو غيره، فإنه يكره له قراءة القرآن قبل غسله، وهل يحرم؟ فيه وجهان. أصحهما: لا يحرم، وسبقت المسألة أول الكتاب، وفي هذا الفصل بقايا تقدم ذكرها في الفصول التي قدمتها في أول الكتاب. ـــــــــــــــــــــــــــــ عن ابن الصباغ وأقروه كذلك في الإمداد. قوله: (ويَنوى بهِ السنةِ) أي كالنسل للجماع قال في التحفة وينبغي أن ينوي بالسواك السنة كالنسل للجماع ويؤخذ منه أن ينبغي بمعنى أن يتحتم حتى لو فعل ما لم يشمله نية ما يسن فيه بلا نية لم يثب عليه اهـ. قوله: (قَال أَصحَابنا يقولُ) قال في المجموع قال الروياني قال بعض أصحابنا يستحب أن يقول عند ابتداء السواك اللهم بيض به أسناني وشد به لثاني وثبت به لهاتي وبارك لي فيه يا أرحم الراحمين وهذا الذي يقوله وإن لم يكن له أصل فلا بأس فإنه دعاء حسن اهـ. قوله: (وكراسيّ أضراسه) يجوز فيه تشديد الياء وتخفيفها وكذا كل ما كان من هذا واحده مشددا جاز في جمعه التشديد والتخفيف كذا في البيان والتهذيب ذكرهما ابن السكيت. قوله: (لَا شَديدِ اليبوسة) أي حذرًا من أن يجرح عمود أسنانه. قوله: (ولا شديدِ الليونَةِ) أي فإنه غير قالع للقلح ونحوه. قوله: (أَمَا إِذَا كَانَ فَمُه متنجسا الخ) ينبغي أن محل كراهة ذلك ما لم تعم به بلوى اللسان وإلَّا فلو بلي إنسان بجريان الدم من لثته فينبغي عدم الكراهة وقد صرحوا بنظيره في الصلاة. قوله: (أَصحُّهما لَا يحرمُ) قال في شرح العباب وفارق كتابته بالنجس حيث يفحش ذاك دون هذا وهل يكره له الذكر مع نجاسة فمه قال في الإتقان عدم الكراهة والفرق بينه وبين القرآن واضح.

فصل: ينبغي للقارئ أن يكون شأنه الخشوع، والتدبر، والخضوع، فهذا هو المقصود المطلوب، وبه تنشرح الصدور، وتستنير القلوب، ودلائله أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر. وقد بات جماعة من السلف يتلو الواحد منهم الآية الواحدة ليلة كاملة أو معظم ليلة يتدبرها عند القراءة. وصعق جماعة منهم، ومات جماعات منهم. ويستحب البكاء والتباكي لمن لا يقدر على البكاء، ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل قوله: (الخشوع) هو التذلل ورمي البصر إلى الأرض وخفض الصوت وسكون الأعضاء وقيل هو حضور القلب وسكون الجوارح وفي التهذيب قال الأزهري التخشع لله الاخبات والتذلل وقال الليث خشع الرجل خشوعًا إذا رمى بصره إلى الأرض والخشوع قريب من الخضوع في البدن والخشوع في القلب والصوت والبصر هذا كلام الأزهري قال مجاهد هو السكوت وحسن الهيئة انتهى ملخصًا. قوله: (والتدبر) أي التفهم والتعقل لمعنى ما يقرؤه حسب الطاقة وإلا فالإحاطة بمعاني القرآن على ما هي عليه ليست إلا لله سبحانه. قوله: (والخضوع) أي سكون القلب والتذلل به للرب. قوله: (وقد باتَ جماعة منَ السلف الخ) قال الحافظ جاء ذلك عن تميم الداري أنه يتلو به ويركع ويسجد ويتلو به أم حسب الذين اجترحوا السيئات الآية قال الحافظ بعد تخريجه من طريقين موقوف لولا الرجل المبهم في سنده لكان على شرط الصحيحين أخرجه محمد بن نصر في كتاب قيام الليل وابن أبي داود وجاء عن ابن مسعود رب زدني علمًا موقوف في سنده راويان مبهمان وأخرجه ابن أبي داود من وجه آخر عن علقمة قال صليت إلى جنب عبد الله فافتتح يقرأ سورة طه فلما بلغ (رَبِّ زِدني عِلمًا) [طه: 114] قال رب زدني علمًا رب زدني علمًا وجاء عن أسماء بنت أبي بكر عن عروة بن الزبير قال دخلت على أسماء وهي تصلي تقرأ هذه الآية فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم فلما طال علي ذهب إلى السوق ثم رجعت وهي مكانها تكرر وهي في الصلاة، موقوف، وصعق هو بكسر العين المهملة وفي التهذيب قال الأزهري الصاعقة والصعقة الصيحة يغشى منها على من يسمعها أو يموت وقال صاحب المحكم صعق الإنسان صعقًا وصعقًا فهو صعق غشي عليه وذهب عقله من صوت يسمعه كالهدة الشديدة ومثله إذا مات أهـ. قوله: (ويستحب البكاءُ والتباكي) قال في التبيان جاءت فيه أحاديث

فإن البكاء عند القراءة صفة العارفين وشعار عباد الله الصالحين، قال الله تعالى: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 109] ـــــــــــــــــــــــــــــ وأخبار وآثار للسلف كثيرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اقرأوا والقرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا قال الغزالي البكاء مستحب مع القراءة وعندها قال وطريقه في تحصيله أن يحضر قلبه الحزن بأن يتأمل ما فيه من الشديد والوعيد الشديد والوثائق والعهود ثم يتأمل تقصيره في ذلك فإن لم يحضر حزن وبكاء كما يحضر الخواص فليبك علي فقد ذلك فإنه من أعظم المصائب اهـ. ملخصًا. قوله: (فإن البكاءَ عِنْدَ القِرَاءَةِ صِفَةُ العارِفينَ الخ) روى البخاري عن عبد الله يعني ابن مسعود قال قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اقرأ عليّ قلت اقرأ عليك وعليك أنزل قال إني أحب أن أسمعه من غيري فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41] قال حسبك أو قال أمسك فإذا عيناه تذرفان وكذا أخرجه مسلم وغيره قال العلماء بكاؤه - صلى الله عليه وسلم - إنما كان لعظيم ما تضمنته الآية من هول المطلع وشدة الأمر إذ يؤتى بالأنبياء شهداء على أممهم بالتصديق والتكذيب وبه - صلى الله عليه وسلم - شهيدًا قال في التذكار قال القاضي ابن العربي المالكي قد رأيت من يعيب البكاء ويقول أنه صفة الضعفاء والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد مدحه فقال عينان لم تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين سهرت في سبيل الله وكان الصديق أسيفا إذا قرأ بكى شوقًا وخوفًا وكان ابن عمر يكثر من البكاء حتى رمصت عيناه قال في التذكار وقد مدح الله تعالى البكائين في كتابه فقال مخبرًا عن الأنبياء ومن يضاف إليهم خروا سجدا وبكيا وآيات أخر قال فكيف يقال أنه من صفة الضعفاء وفي التنزيل وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع والنبي - صلى الله عليه وسلم - بكى رهبة لذلك اليوم وهؤلاء القوم بكوا شوقا إلى الله تعالى حين سمعوا كلامه وقد مدح الله تعالى قومًا بقوله: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ} [الإسراء: 109] وذم آخرين بقوله: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} [الفرقان: 73] وهم أقسام منهم الكافرون ومنهم الغافلون ومنهم الذين ورد ذكرهم في الأثر ينثرونه نثر الدقل يتعجلونه ولا يتأجلونه يمرون عليه

وقد ذكرت آثارا كثيرة وردت في ذلك في "التبيان في آداب حملة القرآن". قال السيد الجليل صاحب الكرامات والمعارف، والمواهب واللطائف، إبراهيم الخواص رضي الله عنه: ـــــــــــــــــــــــــــــ بغير فهم ولا تثبت صم عن سماعه عمي عن رؤية غيره ومنهم من يقيم حروفه في مخارجها ومنهم يقبل على جمع القراءات وليته جمع الصحيح منها أو عرف كيف يجمعها وكل ذلك مذموم وإقبال على ما لا يحتاج إليه وإعراض عما يلزم والله أعلم. قوله: (وقد ذكرتُ آثارًا الخ) قال الحافظ عقد كل من أبي عبيد في كتاب فضائل القرآن ومحمد بن نصر في قيام الليل وابن أبي داود في كتاب الشريعة لذلك بابًا وذكروا فيه أحاديث مرفوعة وغير مرفوعة وقد ورد الأمر بذلك في بعض الأحاديث المرفوعة ثم أخرج عن جرير رضي الله عنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إني قارئ عليكم عشر آيات من آخر سورة الزمر فمن بكي منكم وجبت له الجنة فقرأ عند قوله تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَق قَدرِهِ) [الأنعام: 91] فمنا من بكي ومنا من لم يبك فقال الذين لم يبكون قد جهدنا يا رسول الله أن نبكي فلم نبك فقال إني سأقرؤها عليكم فمن لم يبك فليتباك قال الحافظ حديث غريب أخرجه الدارقطني في الأفراد تفرد به ضعيفان وروي بعض هذا المتن من طريق أخرى إلَّا أنه مرسل أخرجه ابن أبي عبيد عن عبد الملك بن عمرو قال قال - صلى الله عليه وسلم - إني قارئ عليكم سورة فمن بكى فله الجنة فقرأها فلم يبكون حتى عاد الثانية فقال ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا وله شاهد من حديث سعد بن أبي وقاص للمتن دون القصة قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إن هذا القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا وتغنوا به فمن لم يتغن به فليس منا حديث غريب أخرجه ابن ماجة ومحمد بن نصر وأبو عوانة وابن أبي داود وقد اختلف في اسم صحابي الحديث فالأكثر أنه سعيد بن أبي وقاص وقيل عن سعيد بدل سعد وقيل عن أبي لبابة وقيل عن عائشة والراجح الأول وجاء من حديث بريدة مرفوعًا اقرأوا القرآن بالحزن فإنه نزل بالحزن أخرجه الحافظ وقال أخرجه أبو يعلى في مسنده اهـ.

دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتدبُّر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين. فصل: قراءة القرآن في المصحف أفضل من القراءة من حفظه، هكذا قاله أصحابنا، وهو مشهور عن السلف رضي الله عنهم، وهذا ليس على إطلاقه، بل إن كان القارئ من حفظه يحصل له من التدبر والتفكر وجمع القلب والبصر أكثر مما ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (دَواءُ القلب) أي من أدوائه الموبقة له المهلكة. فصل قراءة القرآن في المصحف أفضل قال في المجموع لأنها تجمع القراءة والنظرة في المصحف وهو عبادة أخرى اهـ، وفي فتح القيوم للسنباطي القراءة بالمصحف أفضل منها عن ظهر قلب لأن النظر فيه عبادة حتى كره جماعة من السلف أن يمضي على الرجل يوم لا ينظر في مصحفه وروي أبو عبيد حديث فضل قراءة القراءة نظرًا على من يقرأه كفضل الفريضة على النافلة وسنده ضعيف قلت قال البيهقي فيه ضعيفان اهـ، وفي الشعب للبيهقي بأسانيد ضعيفة حديث قراءة القرآن في غير المصحف ألف درجة وقراءته في المصحف تضعف على ذلك إلى ألفي درجة قلت قال الحافظ حديث غريب أخرجه ابن عدي في الكامل وأخرج الحافظ عن ابن مسعود قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سره أن يحب الله ورسوله فليقرأ في المصحف وأشار إلى أنه منكر السند وأخرج من طريق الدارمي في فضل القراءة حفظا عن محارب بن دشار قال من قرأ القرآن عن ظهر قلب كانت له دعوة في الدنيا وفي الآخرة يعني مجابة قال الحافظ اثر صحيح ومحارب ثقة متفق عليه من خيار التابعين وأبوه بكسر المهملة وتخفيف المثلثة وحديث أعطوا أعينكم حظها من العبادة قال وما هو قال النظر في المصحف وفيه بسند صحيح عن ابن مسعود أديموا النظر في المصحف قلت قال الحافظ أنه حديث موقوف حسن أخرجه أبو عبيد اهـ. نعم أن زاد خشوع القارئ وحضور قلبه في القراءة عن ظهر قلب فهي أفضل في حقه قاله في المجموع تفقها وهو حسن اهـ. قوله: (هَكَذَا قالهُ أصحابُنا) قال في

يحصل من المصحف، فالقراءة من الحفظ أفضل، وإن استويا، فمن المصحف أفضل، وهذا مراد السلف. فصل: جاءت آثار بفضيلة رفع الصوت بالقراءة، وآثار بفضيلة الإسرار. قال العلماء: والجمع بينهما أن الإسرار أبعد من الرياء، فهو أفضل في حق من يخاف ذلك، فإن لم يخف الرياء، فالجهر أفضل، بشرط أن لا يؤذيَ غيره من مُصَل، أو نائم أو غيرهما. ودليل فضيلة الجهر، أن العمل فيه أكبر، ولأنه يتعدى نفعه إلى غيره، ولأنه يوقظ ـــــــــــــــــــــــــــــ المجموع ولم أر فيه خلافا. فصل قوله: (جَاءَتْ آثَارٌ) جمع أثر أي المراد به هنا ما يساوي الحديث والخبر مما أضيف إليه - صلى الله عليه وسلم - أو إلى من هو دونه من صحابي أو تابعي سمي أثرًا أخذا له من أثر الدار أي ما يبقى من رسمها وليس المراد من الأثر ما جاء عن الصحابي فقط أو عمر دونه إذ قد جاءت أحاديث مرفوعة في فضل الجهر وأحاديث مرفوعة في فضل الإسرار فلذلك قرر أن المراد من الآثار ما يرادف الأحاديث والأخبار. قوله: (بشَرْطِ ألا يؤذِي غيرَه) أي فإن خاف يجوز أو تأذي غيره كره له الجهر كما صرح به المصنف في المجموع والفتاوى ولا يبعد حمله على توهم الرياء دون تحقيقه وهو ظاهر أو تأذ خفيف أو على ما إذا رجحت مصلحة القراءة على مصلحة تركها بأن كان مستمعو القراءة أكثر من المصلين كما يشير إليه كلام المصنف في فتاويه أما إذا حصل بهذا تأذٍ شديد ولم ترجح مصلحتها فلا يبعد القول بحرمتها حينئذٍ وعلى القول بها فينبغي تقييدها بمن سبق نومه على قراءة هذا وكذا صلاته في غير مسجد أما فيه فينبغي الحرمة وإن تأخر الشروع فيها عن القراءة لأن المسجد وقف على المصلين أي أصالة دون الوعاظ والقراء كذا يؤخذ من شرح المشكاة لابن حجر. قوله: (والجمعُ الخ) نقله في التبيان عن الإحياء. قوله: (لأَن العملَ فيه أَكثرُ) أي لأن رفع الصوت زيادة. قوله: (ولأنهُ يَتعدى نَفعهُ الخ) أي والعمل المتعدي أفضل من اللازم.

قلب القارئ، ويجمع همه إلى الفكر، ويصرف سمعه إليه، ولأنه يطرد النوم، ويزيد في النشاط، ويوقظ غيره من نائم وغافل، وينشطه، فمتى حضره شيء من هذه النيات فالجهر أفضل. فصل: ويستحب تحسين الصوت بالقراءة وتزيينها ما لم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط، ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (ويجمعُ همَّهُ إلى الفِكرِ) أي التفكر والتدبر. قوله: (ولأنهُ يُطرُدُ النوم) أي أن رفع الصوت يطرد النوم عن القارئ ويزيد في نشاطه للقراءة ويقلل من كسله. قوله: (من نائمٍ) أي من نائم مطلوبه القيام لإحياء تلك الأوقات بسني العبادة فيكون الجهر سببًا لحياته فينال من الثواب بذلك فلا ينافي ما تقدم من الكراهة أو حرمة الجهر إذا شوش على مصل أو نائم لأن ذاك في نائم لم يقصد القيام فيحصل له بالقيام الناشئ عن الجهر أذى وتعب والله أعلم. قوله: (فينشطه) قال في الإحياء ولأنه قد يراه بطال غافل فينشطه بسبب نشاطه ويشتاق إلى الخدمة اهـ، وفي كتاب الرياضة لابن الجوزي القراءة بصوت عالٍ تحرك الرأس وما فيه من الأعضاء وتستحييه وتنقيه وتقويه وتعده لقبول الغذاء اهـ. قوله: (فمن حضرَه شيء من هذِه النيات فالجهرُ أَفضلُ) قال في الإحياء فإن اجتمعت هذه النيات فيضاعف الأجر ويكثر النيات وتزكوا عمل الأبرار فيتضاعف أجورهم فإن كان في العمل الواحد عشر نيات كان فيه عشرة أجور ولهذا نقول قراءة القرآن في المصحف أفضل إذ تزيد عمل البصر وتأمل المصحف وحمله فيزيد الأجر بسبب ذلك وقد قيل الختمة في المصحف بسبع لأن النظر في المصحف أيضًا عبادة ثم ظاهر أن الكلام فيما زاد من رفع على ما يسمع نفسه وإلّا فقد سبق أن كل ذكر لا يحصل إلَّا برفع صوته بحيث يسمع نفسه مع اعتدال سمعه والسلامة من اللغط. فصل قوله: (وتَزْيينُها) في الإحياء يستحب تزيين القراءة بترديد الصوت من غير

فإن أفرط حتى زاد حرفًا أو أخفى حرفًا، فهو حرام. وأما القراءة بالألحان، فهي على ما ذكرناه، إن أفرط، فحرام، وإلا فلا، والأحاديث بما ذكرناه من تحسين الصوت كثيرة مشهورة في الصحيح وغيره؛ وقد ذكرت في آداب القرَّاء قطعة منها. ـــــــــــــــــــــــــــــ تمطيط مفرط يغير النظم. قوله: (فأَنْ أَفْرَط الخ) قال في التبيان قال أقضى القضاة الماوردي في كتاب الحاوي القراءة بالألحان الموضوعة إن أخرجت لفظ القرآن عن صفته بإدخال حركات فيه أو إخراج حركات منه أو قصر ممدود أو مد مقصور أو تمطيط يخفى به اللفظ فيلتبس المعنى فهو حرام يفسق به القارئ ويأثم به المستمع وإن لم يخرجه اللحن عن لفظه وقرأ به وعلى ترتيله كان مباحا لأنه زاد بألحانه في تحسينه اهـ. قال الشافعي في مختصر المزني ويحسن صوته بأي وجه كان وأحب ما يقرأ حدرا وتحزينا قال أهل اللغة يقال حدرت القراءة إذا أدرجتها ولم تمططها ويقال فلان يقرأ بالتحزين إذا أرق صوت اهـ. ومما ينبغي أن يضم إلى حديث أبي موسى في حسن الصوت ما جاء عن عائشة رضي الله عنها. قال حديث أخرجه محمد بن نصر في قيام الليل وهو من الأحاديث التي تفرد ابن ماجة بإخراجها ورجاله رجال الصحيح إلَّا أن عبد الرحمن بن سابط أحد رواته كثير الإرسال وهو تابعي ثقة وقد أخرج له ابن المبارك في كتاب الجهاد مرسلًا فقال عن ابن سابط أن عائشة سمعت سالما، وابن المبارك يشعر عن الوليد الذي روى الحديث موصولًا لكن للحديث طريق آخر ذكر فيه الحديث دون القصة قال الحافظ وإذا انضم إلى السند قبله تقوى به وعرف أن له أصلًا وسالم المذكور من المهاجرين الأولين كان مولى امرأة من الأنصار أعتقته سائبة قبل الإسلام فحالف أبا حذيفة عتبة بن ربيعة فتبناه فلما نزلت ادعوهم لآبائهم قيل له مولى أبي حذيفة وهو صاحب في رضاع الكبير وهو في الصحيح وهو أحد الأربعة الذين أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأخذ القرآن عنهم وهو في الصحيحين من حديث ابن عمر وتقدمت الإشارة إليه واستشهد سالم وأبو حذيفة

فصل: ويستحب للقارئ إذا ابتدأ من وسط السورة أن يبتدئ من أول الكلام المرتبط بعضه ببعض، وكذلك إذا وقف يقف على المرتبط وعند انتهاء الكلام، ولا يتقيد في الابتداء ولا في الوقف بالأجزاء والأحزاب والأعشار، فإن كثير امنها في وسط الكلام المرتبط، ولا يغتر الإنسان بكثرة الفاعلين لهذا الذي نهينا عنه ممن لا يراعي هذه الآداب، وامتثلْ ما قاله السيد الجليل أبو علي الفضيل بن عياض رحمه الله: لا تستوحش طرق الهدى لقلة أهلها، ولا تغتر بكثرة السالكين الهالكين، ولهذا المعنى قال العلماء: قراءة سورة بكمالها أفضل من قراءة قدرها من سورة طويلة، لأنه قد يخفى الارتباط على كثير من الناس أو أكثرهم في بعض الأحوال والمواطن. فصل: ومن البدع المنكرة ما يفعله كثيرون من جهلة المصلين بالناس التراويح من قراءة سورة (الأنعام) بكمالها في الركعة الأخيرة منها في الليلة السابعة، معتقدين أنها مستحبة، زاعمين أنها نزلت جملة واحدة، فيجمعون في فعلهم هذا أنواعا من المنكرات، منها: اعتقاد أنها مستحبة، ومنها: إيهام العوام ذلك، ومنها: ـــــــــــــــــــــــــــــ معًا باليمامة في خلافة الصديق رضي الله عنه اهـ. فصل قوله: (فإِن كثيرًا مِنهَا الخ) قال في التبيان كالجزء الذي في قوله تعالى: (وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ) [النساء: 24] وفي قوله: (وَمَا أبريءُ نَفسِي) [يوسف: 53] وفي قوله فما كان جواب قومه وفي قوله: (وَمَن يَقنُتْ مِنكُنَّ) [الأحزاب: 31] وفي قوله: (إليه يُرَدُّ عِلمُ السَّاعَةِ) [فصلت: 47] وفي قوله قال فما خطبكم أيها المرسلون والأحزاب كقوله: (وَاذكُرُوا اللَّهَ في أَيَامٍ معدُوَداتٍ) [البقرة: 203] وقوله تعالى: (قُل أَؤنَبِئُكُم بِخَيرٍ مِن ذلِكُم) [آل عمران: 15] الخ. قال فهذا وشبهه ينبغي الاعتناء به ولا يقف عليه فإنه متعلق بما قبله اهـ. قوله: (وامتَثِلْ الخ) قال في التبيان رواه عنه أبو عبيد الله الحاكم بإسناده. قوله: (سُورَةِ الخ) تقدم تحقيق ذلك في باب أركان الصلاة. فصل قوله: (فيجْمَعُونَ الخ) أي

تطويل الركعة الثانية على الأولى، ومنها: التطويل على المأمومين، ومنها: هذرمة القراءة، ومنها: المبالغة في تخفيف الركعات قبلها. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الصلاح والنووي أنه بدعة تشتمل على مفاسد وقال في قوله يكره القيام بالأنعام في ركعة منها قال شارحه هذا من زيادة المصنف أخذا من المجموع وغيره اهـ. قال الشيخ أبو شامة في كتابه البواعث على إنكار البدع والحوادث قال ومما ابتدع في قيام رمضان في الجماعة قراءة جميع سورة الأنعام في ركعة واحدة يخصونها بذلك في ليلة السابع أو قبلها فعل ذلك ابتداء بعض بعض أئمة المساجد الجهال مستشهدا بحديث الأصل عند أهل الحديث ولا دليل فيه يروى موقوفًا عن ابن عباس وذكره بعض المفسرين مرفوعًا عن أبي معاذ عن أبي عصمة عن زيد العمي وكل هؤلاء عن أبي نضرة عن ابن عباس عن أبي بن كعب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أنزلت علي سورة الأنعام جملة واحدة شيعها سبعون ألف ملك لهم زجل بالتسبيح والتحميد أخرجه الثعلبي في تفسيره وكم فيه من حديث ضعيف وقد أخرج في سورة براءة مما هو أبلغ من ذلك مما يعارضه ذكر عن عائشة مرفوعًا ما أنزل علي القرآن إلّا آية آية وحرفا حرفًا إلّا سورة براءة و (قُل هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [الإخلاص: 1] فإنهما أنزلتا علي ومعهما سبعون ألف صف من الملائكة وحينئذٍ فبراءة أولى من سورة الأنعام لكثرة من معها حين أنزلت وظاهر حديث براءة أن الأنعام لم تنزل جملة فتعارضا والرجحان له وجه وهذا يقوم على وجه الإلزام وإلَّا فالجمع عندنا باطل ثم لو صح خبر الأنعام لم يكن دلالة لاستحباب قراءتها في ركعة واحدة بل هي من جملة سور القرآن الأفضل لمن افتتح سورة في الصلاة أو غيرها ألا يقطعها حتى يتمها إلى آخرها ثم قال إذا ثبت هذا فنقول البدعة فيمن يقرأ الأنعام دون غيرها فتوهم أنه هو السنة فيه دون غيرها والأمر خلافه كما تقرر "الثاني" تخصيص ذلك بالركعة الأخيرة من صلاة التراويح "الثالث"

فصل: يجوز أن يقول: سورة البقرة، وسورة آل عمران، وسورة النساء، وسورة العنكبوت، وكذلك الباقي، ولا كراهة في ذلك، وقال بعض السلف: يكره ذلك، وإنما يقال: السورة التي تذكر فيها البقرة، والتي يذكر فيها النساء، وكذلك الباقي، والصواب الأول، وهو قول جماهير علماء المسلمين من سلف الأمة وخلفها، والأحاديث فيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر من أن تحصر، وكذلك عن الصحابة فمن بعدهم، وكذلك لا يكره أن يقال: هذه قراءة أبي عمرو، وقراءة ابن كثير وغيرهما، هذا هو المذهب الصحيح المختار الذي عليه عمل السلف والخلف من غير إنكار، ـــــــــــــــــــــــــــــ ما فيه من التطويل على المأمومين سيما من يجهل ذلك من عادتهم فينشب في ذلك ويعلق ويسخط بالعبادة "الرابع" ما فيه من مخالفة سنة تقليل الثانية عن الأولى فإن صاحب هذه البدعة يقرأ في الأول نحو مائتي آية من المائدة ويقرأ الأنعام بكمالها في الأخيرة بل يقرأ في تسع عشرة ركعة نحو نصف حزب وفي الأخيرة نحو حزبين ونصف والله أعلم اهـ. كلامهم وقال الحافظ ابن حجر قوله زاعمين أنها نزلت جملة واحدة في عدة أحاديث منها حديث بسنده إلى ابن عباس. فصل قوله: (سُورةُ البقرَة) قال في التبيان في السورة لغتان الهمز وتركه الترك أفصح وجاء به القرآن وممن ذكر اللغتين أبو بكر بن قتيبة في غريب الحديث اهـ، وهو بالهمز من السؤر وتركه تسهيلًا أو أنه بتركه من سور البلد والسورة الطائفة من القرآن المترجمة أي المسماة باسم خاص أي ينقل من حديث أو أثر عن صحابي أو تابعي كما يفيده كلام الإتقان ونقله فيه عن الجعبري وفي شرح النقاية عن الجعبري وخصه في شرح النقاية بما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم استشكله بأن كثيرًا من الصحابة والتابعين سموا سورًا بأسماء من عندهم وأجاب بأن المراد الاسم الذي تذكره وتشهر به فهذا هو المتوقف على النقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فليس كذلك ونظر فيه بأن الظاهر توقف ما شهر من الأسماء وغيره على النقل عنه - صلى الله عليه وسلم - ولا نسلم بأن ما ثبت عن الصحابة أو التابعين من الأسماء من عند أنفسهم. قوله: (وجَاءَ عَنْ بَعْض السلف الخ) قال الحافظ كأن مستندهم ورود النهي عن ذلك في حديث أنس قال قال - صلى الله عليه وسلم - لا تقولوا سورة

وجاء عن إبراهيم النخعي رحمه الله أنه قال: كانوا يكرهون [أن يقال: ] سُنَّة فلان، وقراءة فلان، والصواب: ما قدمناه. فصل: يكره أن يقول: نسيت آية كذا، أو سورة كذا، بل يقول: أنسيتُها أو أُسقِطتُها. روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَقُولُ أحَدُكُمْ: نَسِيتُ آيَةَ كذَا وَكذَا، بَلْ هُوَ نُسيَ". ـــــــــــــــــــــــــــــ البقرة ولا سورة آل عمران ولا سورة النساء ولكن قولوا السورة التي يذكر فيها البقرة والسورة سورة التي يذكر فيها النساء قال الطبراني لا يروى عن انس إلّا بهذا الإسناد تفرد به خلق قال الحافظ وهو من شيوخ مسلم ولكن عبيس بمهملة وموحدة مصغر ضعيف وقد أفرط ابن الجوزي فذكر الحديث في الموضوعات ولم يذكر له مستندا إلّا تضعيف عبيس وقال الإمام أحمد أنه حديث منكر وهذا لا يقتضي الوضع وقد قال الفلاس أنه صدوق يخطئ كثيرًا وقد ترجم البخاري في فضائل القرآن "باب من لم ير بأسًا أن يقول سورة البقرة وسورة كذا" ثم ذكر حديث ابن مسعود من قرأ الآيتين كفتاه. قوله: (وجاء عَنْ إِبْراهيمَ النَّخَعِيّ) رواه عنه ابن أبي داود كما في التبيان والنخعي بفتح النون والخاء المعجمة بعدها عين مهملة جد قيلة. فصل قوله: (يُكرَهُ أَنْ يقول) أي القارئ وفي شرح مسلم وفي الحديث كراهة قول نسيت آية كذا وهي كراهة تنزيهية اهـ، وقال الأبي بئس للذم والذم خاصة فعل المحرمِ فبئس للتنزيه اهـ. قوله: (أنسِيتُ) أي بضم الهمزة بالبناء للمفعول أي أنسانيها الله تعالى. قوله: (أسقطتها) أي بالبناء للفاعل أي أسقطتها بسبب الأنساء. قوله: (رَوَينَا في صحيحي البُخَارِي ومُسلم الخ) قال بعد تخريجه بلفظ لا يقولن أحدكم نسيت آية كذا أو كيت بل هو نسي ما لفظه حديث صحيح أخرجه مسلم ولفظه لا يقل بغير واو وكذا رواه ابن حبان في صحيحه وقال لم يسند سعيد بن أبي عروبة عن الأعمش غير هذا الحديث قال الحافظ وهو من رواية الأقران واللفظ الذي ذكره المصنف لم أره في واحد من الصحيحين لا من لفظ يقول ولا لفظ آية كذا

وفي رواية في الصحيحين أيضًا: "بِئْسَما لأحَدِهِمْ أنْ يَقُولَ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وكَيْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذا فينبغي أن يحرر فإن البخاري لم يخرجه أصلًا وإنما أخرج اللفظ الذي بعده اهـ، ويوجد في بعض النسخ لا يقل أحد نسيت آية كذا وكذا وكأنه من بعض الكتاب أو أن الشيخ تنبه له وصححه والله أعلم. قوله: (وفي رواية في الصحيحين الخ) قال الحافظ بعد تخريجه أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأبو عوانة والترمذي والنسائي وفي رواية لمسلم بئسما للرجل أن يقول نسيت سورة كيت وكيت أو آية كيت وكيت بل هو نسي وأخذ المصنف من الشك المذكور في رواية مسلم قوله في الترجمة سورة كذا اهـ. قوله: (بئسما لأَحدهِم الخ) في الحديث النهي عن إضافة النسيان إلى آية من القرآن قيل وإنما نهى عنه لأنه يتضمن التساهل فيها والتغافل له عنها قال تعالى: (أَتَتكَ آياتنا فَنَسِيتَهَا) [طه: 126] ويقبح بالإنسان التسهيل والتغافل في ذلك الشأن بخلاف أنسيت ففيه إشارة إلى عدم التقصير في الحفظ لكن الله تعالى أنساه لمصالح، ورده في فتح الإله بأنه غير ملائم للحديث قال القاضي عياض أول ما يتأول على الحديث أن معناه ذم الحال لا ذم القول أي نسيت الحال حالة من حفظ القرآن فغفل عنه حتى نسيه وصار يقول نسيت ولم ينسه من قبل نفسه أنساه الله عقوبة له على غفلته عنه ويشهد له حديث لم أر ذنبا أعظم من آية أو سورة حفظها رجل ثم نسيها اهـ، ونقل من هذا الكلام عن أبي عبيد وزاد أما الحريص على حفظه مع الدأب في تلاوته لكن يغلبه النسيان فلا يدخل في هذين الحديثين وقيل معنى نسي عوقب بالنسيان على ذنب أو سوء تعهد القرآن قال الطيبي هو من باب قوله تعالى: (أَتتكَ آياتنا فَنَسِيتَهَا) وكذلك اليوم تنسى اهـ. قال في فتح الإله وما ذكره أبو عبيد صحيح في نفسه ومطابقته للحديث الذي نحن فيه مبنية على أن النهي فيه عن النسيان بتقصير وكذا قول الطيبي هو من باب قوله تعالى: (أَتتكَ آياتنا فَنَسِيتَهَا) الخ. كل ذلك تكلف خارج عن الحديث لا يحتاج إلى أخذه من هذا لبعد الدلالة عليه إنما يؤخذ من الأحاديث المصرحة به كحديث عرضت علي ذنوب أمتي فلم أو ذنبا أعظم من رجل أوتي آية فنسيها. قوله: (أَيةَ كَيْت وكيتَ) أي آية كذا وكذا قال المصنف وهو بفتح التاء على المشهور وحكى الجوهري فتحها وكسرها عن أبي عبيدة اهـ. قال في شرح الأنوار السنية وهي كلمة

بَلْ هُوَ نُسِّيَ". وروينا في "صحيحيهما" عن عائشة رضي الله عنها، "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلًا يقرأ، فقال: "رَحِمَهُ اللهُ، لَقَدْ أذْكرني آيةً كُنْتُ أُسْقِطْتُها". وفي رواية في الصحيح: ـــــــــــــــــــــــــــــ يعبر بها عن الجمل الكثيرة والحديث الطويل اهـ. قوله: (بَلْ هو نُسِّيَ) أي لم ينس هو أي لم يكن له فعل في النسيان إنما نسى أي أن الله سبحانه هو الذي أنساه اياها بسبب منه تارة من ترك تعهد القراءة إذ ترك تعهدها سبب للنسيان عادة ولا بسبب منه أخرى قال الطيبي وابن حجر وإنما نهى عن قوله نسيت لأنه يوهم أنه فاعل للنسيان وكذلك الثاني فإنه يصرح بأن النسيان إنما هو من الله لا غير قال المصنف في شرح مسلم ونسي ضبطناه بتشديد السين وقال القاضي ضبطناه بالتشديد والتخفيف اهـ، وقال الحافظ ضبط أكثر الروايات بضم أوله والتشديد وضبط بعض الرواة في مسلم بالتخفيف وكذا رأيته في مسند أبي يعلى ومن كتاب الشريعة لابن أبي داود ولا أعرف من ضبطه بالفتح والتخفيف. قوله: (وَرَوَينَا في صحِيحيهما عَنْ عائِشةَ الخ) قال الحافظ هذا اللفظ المختصر عند مسلم خاصة بلفظ أنسيتها ووقع عنده وعند البخاري بلفظ أسقطتها أتم من هذا السياق قال الحافظ عنهما أن رجلًا قام يقرأ في الليل فرفع صوته فلما أصبح قال - صلى الله عليه وسلم - رحم الله فلانًا كإني من آية أذكرنيها الليلة كنت قد أسقطتها وقال أخرجه البخاري ومسلم بلفظ سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قارئا يقرأ من الليل في المسجد فقال رحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية أسقطتها من سورة كذا وكذا وعند البخاري في رواية كنت أسقطتهن. وقوله: (وفي رِوَايةٍ في الصّحِيح الخ) أخرجه مسلم مختصرًا وأخرجه البخاري بنحو الحديث المذكور قبله قال فيه أنسيتها. قوله: (سَمِعَ رَجُلا يَقْرأُ) قال المصنف في المبهمات قال الخطيب تبعًا لعبد الغني كما قال الحافظ هذا الرجل عبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري اهـ. قال الحافظ بعد أن أخرج عن عائشة قالت تهجد النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيتي وتهجد عباد بن بشر في المسجد فسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - صوته فقال يا عائشة هذا عباد بن بشر اللهم ارحم عبادا وقال بعد تخريجه هذا حديث حسن هذا الرجل خرجه محمد بن نصر في كتاب قيام الليل وأشار البخاري في الصحيح إلى هذا الحديث

"كُنْتُ أُنْسِيتُها". ـــــــــــــــــــــــــــــ وكأنه أشار بها إلى تسمية المبهم في الرواية السابقة وقد قيل أنه غيره ثم أخرج عن عائشة أيضًا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع قارئًا يقرأ فقال صوت من هذا قالوا عبد الله بن يزيد قال رحمه الله لقد أذكرني آية كنت أنسيتها حديث غريب من هذا الوجه أخرجه عبد الغني في كتاب المبهمات بعد أن أخرج حديث عائشة السابق ثم قال الرجل المذكور عبد الله بن يزيد الخطمي ثم ساق هذا الحديث وتبعه عليه الخطيب في مبهماته فإنه بعد أن خرج حديث عائشة الأول أخرج هذا الحديث أيضًا وزاد في المتن يقرأ في المسجد وقال فيه اذكرني آيات كنت أسقطتهن من سورة كذا وكذا وقال فيه عبد الله بن يزيد الأنصاري قال الحافظ بعد أن أخرجه من طريق عائشة ما لفظه وهذا السند لو صح لكان تفسيره بعبد الله بن يزيد أولى من تفسيره بعباد بن بشر لأنه ليس في نص عباد زيادة عن الترحم بخلاف هذا ففيه زيادة الأذكار وما معه لكن عبد بن سلمة راويها ضعيف جدًّا وقد خالفه حماد بن سلمة وهو أحد الأثبات فروى عن أبي جعفر الخطمي أنه قال الرجل المذكور في تلك الرواية عبد بن يزيد الخطمي بن عبد العزيز البغوي وفي منتخب المسند كذا ذكره عن أبي جعفر مقطوعًا فكأن عبد الله ركب ذلك الإسناد عمدًا أو غلطًا وكأن هذا عمدة من جزم بأنه الخطمي وفيه نظر لأن الخطمي مختلف في صحبته فنفاها أصلًا الزبيري وقال الأثرم قلت لأحمد له صحبة صحيحة قال أما صحيحة فذاك شيء يرويه أبو بكر بن عياش قال ابن عباس قال فيه سند عنه سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس ذلك بشيء وقال أبو داود سمعت يحيى بن معين يقول يقولون له رؤية وقال أبو حاتم ولد على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وروى عنه قال الحافظ روايته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صحيح البخاري وروايته عن غير واحد من الصحابة في الصحيحين وغيرهما وقد فرق ابن منده بين عبد الله بن يزيد الخطمي وعبد الله بن يزيد القاري من أجل هذا الاختلاف لأن من كان صغيرا في ذلك الزمان يبعد أن تقع له القصة المذكورة لكن ذكر ابن البرقي أن الخطمي شهد الحديبية وقال الدارقطني له ولأبيه صحبة وعلى هذا فلا بعد والله أعلم، اهـ. قوله: (كنت أنسيتها) قال المصنف في التبيان في الصحيحين عن عائشة كنت أسقطتها وفي

فصل: اعلم أن آداب القارئ والقراءة لا يمكن استقصاؤها في أقل من مجلدات، ولكنا أردنا الإشارة إلى بعض مقاصدها المهمات بما ذكرناه من هذه الفصول المختصرات، وقد تقدم في الفصول السابقة في أول الكتاب شيء من آداب الذاكر والقارئ، وتقدم أيضًا في أذكار الصلاة جمل من الآداب المتعلقة بالقراءة، وقد قدمنا الحوالة على كتاب "التبيان في آداب حملة القرآن" لمن أراد مزيدًا، وبالله التوفيق، وهو حسبي ونعم الوكيل. ـــــــــــــــــــــــــــــ رواية في الصحيح كنت أنسيتها وأما ما رواه ابن أبي داود عن أبي عبد الرحمن السلمي التابعي الجليل أنه لا يقال أسقطت آية كذا بل أغفلت فخلاف ما ثبت في الحديث الصحيح فالاعتماد على الحديث وهو جواز أسقطت وعدم الكراهة فيه أولى اهـ، وقال في شرح مسلم وفي الحديث دليل على جواز النسيان عليه - صلى الله عليه وسلم - فيما قد بلغه إلى الأمة قال القاضي عياض جمهور المحققين على جواز النسيان عليه - صلى الله عليه وسلم - ابتداء فيما ليس طريقه البلاغ واختلفوا فيما طريقه البلاغ والتعليم ولكن من جوزه قال لا يقر عليه لا بد أن يتذكره أو يذكره واختلفوا هل من شرط ذلك الفور أم يصح على التراخي قبل وفاته - صلى الله عليه وسلم - وأما نسيان ما بلغه - صلى الله عليه وسلم - كما في هذا الحديث فيجوز قال وقد سبق بيان سهوه في الصلاة وقال بعض الصوفية ومتابعوهم لا يجوز السهو عليه أصلًا في شيء وإنما يقع منه صورته ليسن وهذا مناقض مردود لم يقل به أحد ممن يقتدى به إلَّا الأستاذ أبو المظفر الإسفرايني من شيوخنا فإنه مال إليه ورجحه وهو ضعيف متناقض اهـ. قوله: (وَقَد قدَّمنا الحَوالة الخ) أي ففيه ما يملأ عين الطالب ويظفر منه بنيل سائر المطالب وكذا كتاب التذكار في أفضل الأذكار للإمام المفسر المحدث القرطبي المالكي ففيه فوائد كثيرة وآداب القارئ والقراءة وبين الكتابين كالعموم والخصوص الوجهي.

فصل: اعلم أن قراءة القرآن آكد الأذكار كما قدمنا، فينبغي المداومة عليها، فلا يخلي عنها يومًا وليلة، ويحصل له أصل القراءة بقراءة الآيات القليلة. وقد روينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ قرأ في يَوْمٍ ولَيْلَةٍ خَمْسينَ آيَةً لَمْ يكْتَبْ مِنَ الغافِلينَ، ومَنْ قرأ مائَةَ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ القَانِتِينَ، ومَنْ قَرأ مائَتي آيَةٍ لَمْ يُحاجَّه القُرآنُ يَوْمَ القِيامَةِ، ومَنْ قَرأ خَمْسَمائَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل قوله: (وقد روينا في كتابِ ابن السني الخ) قال الحافظ بعد تخريجه سنده ضعيف روي لنا بعضه من وجه آخر بسند صحيح ثم أخرجه من حديث تميم الداري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال من قرأ بمائتي آية في ليلة كتب له قنوت ليلة هذا حديث حسن صحيح أخرجه عبيد بن أحمد في مسند أبيه وأخرجه النسائي في اليوم والليلة قال وأخرجه سعيد بن منصور في مسند نصر في كتاب قيام الليل عن فضالة بن عبيد وتميم الداري قالا قال رسول الله - رضي الله عنه - فذكر الحديث مطولًا وزاد في أوله من قرأ بعشر آيات وسيأتي ذكرها بعد وقال بثمانين بدل مائتين وقال بدل خمسمائة ألف آية وإسماعيل بن عياش فيه مقال إلّا أن روايته عن الشاميين مقبولة وهذا منها وقد تابعه عليه محمد بن حمزة أحد رجال الصحيح إلَّا أنه وقفه عليهما ومثله لا يقال رأيا فهو في حكم المرفوع قالا من قرأ في ليلة بعشر آيات كتب من المصلين وقالا من قرأ في ليلة بخمسين آية كتب من المجاهدين وله شاهد مرسل بسند صحيح أخرجه الدارمي وشواهد أخر يأتي بعضها اهـ، ومن قرأ في ليلة بمائة آية كتب من القانتين ومن قرأ في ليلة بألف آية كتب له قنطار من الأجر القنطار خير من الدنيا وما فيهما. قوله: (ومَنْ قَرأَ مِائَتيْ آيةٍ الخ) أي لم يحاجه من جهة التقصير منه فيه بل من جهة عدم العمل به أن لم

كُتِبَ لهُ قِنْطار مِنَ الأَجْرِ" وفي رواية: "مَنْ قرَأ أرْبَعِينَ آيَةً" بدل "خمسين" وفي رواية "عِشرينَ" وفي رواية عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَرأ عَشْرَ آياتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغَافِلِينَ "وجاء في الباب أحاديث كثيرة بنحو هذا. وروينا أحاديث كثيرة في قراءة سور في اليوم والليلة، منها: يس، وتبارك الملك، والواقعة، والدخان. ـــــــــــــــــــــــــــــ يعمل به لما في الحديث أنه يقول في مخاصمته لبعض حفاظه قام عني ولم يعمل بي فيفهم منه أنه يخاصم من جهتين في التقصير في تعهده لأنه يؤدي لنسيانه وفي العمل به لأن فيه استهتارا بحقه. قوله: (كُتِبَ لهُ قِنْطَارٌ مِنَ الأجْرِ) في المشكاة من رواية الدارمي حديث الحسن مرسل قالوا وما القنطار يا رسول الله قال اثنا عشر ألفا قال ابن حجر أي من الأرطال وفيه أن هذا البيان يتوقف على توقيف والله تعالى أعلم وفي التذكار من حديث ابن عباس مرفوعًا من قرأ في ليلة مائة آية لم يكتب من الغافلين ومن قرأ أربعمائة آية أصبح وله قنطار من الأجر القنطار مائة مثقال المثقال عشرون قيراطًا القيراط مثل أحد اهـ. قوله: (وفي رِوايَة) أي لابن السني في حديث أنس المذكور. قوله: (أربعين) بدل خمسين وسنده فيه يزيد الرقاشي عن أنس ويزيد ضعيف وفي التذكار من حديث عبادة بن الصامت من قرأ ثلاثين آية لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين. قوله: (وفي روايةٍ) أي في حديث أنس أيضًا عند ابن السني وفي سندها يزيد الرقاشي أيضًا. قوله: (عِشْرِينَ آية) أي بدل خمسين آية والباقي سواء في باقي رواياته عند ابن السني. قوله: (وفي رِوايةٍ) أي لابن السني وسنده حسن وأخرجها أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين لفظ أبي داود وأخرج حديثه هذا ابن خزيمة في صحيحه وابن حبان والحديث حسن في الجملة لشواهده وأخرج الحافظ عن أبي سعيد الخدري قال من قرأ في ليلة بعشر آيات كتب من الذاكرين ومن قرأ في ليلة بمائة آية كتب من القانتين ومن قرأ

فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَرَأ (يس) في يومٍ وَلَيْلَة ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ غُفِرَ لَهُ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بخمسمائة إلى الألف أصبح وله قنطار من الأجر موقوف صحيح وقال أخرجه الطبراني في الأوسط من وجه آخر عن أبي سعيد مرفوعًا لكن من رواية عطية وهو العوفي ضعيف. تنبيه ظاهر عموم الأخبار حصول كل مرتبة من المراتب المذكورة فيها بقراءة ذلك القدر من الآيات كل يوم أو ليلة سواء كررها بعينها أو قرأ غيرها ولا يتوقف ذلك على كون المأتي به في الزمن الثاني غير المأتي به في الأول والله أعلم. قوله: (فعن أبي هُريرةَ الخ) رواه كذلك ابن السني قال المنذري في الترغيب ورواه مالك وابن حبان في صحيحه اهـ. قال الحافظ بعد تخريجه الحديث من طريق الطبراني حديث غريب وأخرجه الحافظ كذلك وزاد في آخره تلك الليلة من طريق الدارمي وقال حديث حسن أخرجه ابن مردويه في تفسيره وتمام الرازي في فوائده وابن حبان في صحيحه لكن خالفه في اسم الصحابي فقال عن جندب بدل أبي هريرة وأخرجه الضياء المقدسي في المختارة من طريق صحيح ثم قال ابن حبان كذا قال عن جندب وما أظنه إلَّا وهما ثم ذكر رواية محمد بن نصر من تفسير ابن مردويه وكأنه لم يستحضر طريق الدارمي ولا تمام فهؤلاء ثلاثة حفاظ خالفوا ابن حبان لكن لا أدري هل الوهم فيه منه أو من شيخه وقد أخرجه ابن السني وابن مردويه من وجه آخر من طرق عن أبي هريرة وأخرجه الدارمي أيضًا من رواية سليمان التيمي أنه بلغه عن الحسن وسيأتي بعد هذا من رواية أبي المقدام عن الحسن وأخرجه الدارمي أيضًا عن أبي رافع مقطوعا ومئله لا يقال رأيا فله حكم المرفوع وأخرجه أبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن مسعود مرفوعًا مثل الأول وفي سنده أبو مريم فإن كان الجامع فهو ضعيف جدًّا اهـ. أورده في الجامع الصغير بهذا اللفظ وزاد في آخره فاقرءوها عند موتاكم وقال أخرجه البيهقي عن معقل بن يسار. قوله: (غُفِرَ لهُ) هو بصيغة المجهول والمراد صغائر الذنوب المتعلقة بحقوق الله سبحانه ثم موتاكم قيل يحتمل الحقيقة وقراءتها عليهم ليحصل لهم ثوابها أو ليستأنسوا بقراءتها

وفي رواية له: "مَنْ قَرَأ سُورَةَ (الدخان) في لَيلةٍ أصْبَحَ مَغْفُورًا لهُ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أو ليلقنوا معانيها من تذكر مبانيها وهو ظاهر الخبر وأخذ به ابن الرفعة تبعًا لبعضهم ويحتمل المجاز أي من حضره الموت أي مقدماته فهو من مجاز المشارفة ورجحه ابن حبان بل قصر الخبر عليه وقال أنه المراد قال لأن الميت لا يقرأ عليه قال العلقمي في شرح الجامع ولو قرئت قبل وبعد لكان أولى عملًا بالقولين اهـ. قال الرازي وقرئت عليه أي المحتضر لأن اللسان حينئذ ضعيف القوة والأعضاء ساقطة المنفعة لكن القلب قد أقبل على الله تعالى بكليته فيقرأ عليه ما يزداد به قوة قلبه وتشديد تصديقه بالأصول فهو إذن عمله أهـ، وقيل الحكمة في قراءتها لما فيها من الآيات المتعلقة بالموت والبعث فإذا قرئت عنده تجدد له ذكر بتلك الأحوال وقيل يحتمل أن ذلك لخاصية فيها وقد قيل أنها لما قرئت له وروي مرفوعًا أن من قرأها خائفا أمن أو جائعا شبع أو عار كسي أو عاطش سقي في خلال كثير رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده نقله ابن الجزري وفي الحرز قيل في سنده نظر لكن يشهد له كونه - صلى الله عليه وسلم - ليلة اجتمع النفر على قتله فخرج وهو يقرأ الآيات من أول يس وذر عليهم التراب الحديث مع أن الضعيف يعمل به في الفضائل اتفاقًا اهـ. قوله: (وفي رواية) عن أبي هريرة أيضًا رواه عنه ابن السني وأبو المقدام ضعيف قال الترمذي القول عنه منكر الحديث وفيه التقييد بليلة الجمعة ولم ينبه على ذلك الحافظ أورده كذلك في الترغيب من جملة حديث رواه الدارقطني وهو مقيد عنه في هذه الرواية بهذا اللفظ بليلة الجمعة نعم ورد عند الترمذي مطلقًا عن التقييد لكن فيه أنه أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك وأخرجه الترمذي والبيهقي في الشعب عنه رضي الله عنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك، قوله في ليلة أي أي ليلة كانت سواء قرأها فيما قبلها أو فيما بعدها أم لا وقوله يستغفر له الخ. أي يدعون له بالمغفرة قال في فتح الإله أي دائمًا نظير قولهم فلان يقري الضيف أو في صبح تلك الليلة فقط وهذا هو التحقيق والزائد عليه محتمل وفضل الله أوسع من هذا قال وخصت الدخان

وفي رواية عن ابن مسعود رضي الله عنه، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ قَرَأ سُورَةَ {الوَاقِعَةِ} في كُلِّ لَيلَةٍ لَمْ تُصِبْهُ فَاقَةٌ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بذلك لافتتاحها بمقام إنزال القرآن ليلة القدر وأنه رحمة بالغة أعلى مراتب الشرف ثم مقام المتولي عنه - صلى الله عليه وسلم - وذكر عقابهم كنظرائهم ثم بذكر ثواب المؤمنين ثم ختمها بما يطابق ما ابتدأها به الدالين على غاية الرحمة بهذه الأمة ومنها اثابة قارئها بما ذكر وأما تخصيص الغفران بقراءتها ليلة الجمعة فلافتتاحها بمدح ليلة القدر التي هي من خصائص هذه الأمة كما أن ليلة الجمعة ويومها من خصائصها أيضًا فالمتنبه لقراءتها ليلة الجمعة على ذلك غفر له اهـ. وقوله: (وفي رواية الخ) رواه ابن السني عنه وزاد في آخره أبدا وكان ابن مسعود يأمر بناته بقراءتها كل ليلة ورواه عنه كذلك البيهقي في شعب الإيمان وأخرج الحافظ عن أبي طيبة قال مرض عبد الله بن مسعود فعاده عثمان فقال له ما تشتكي فقال ذنوبي قال ما تشتهي قال رحمة ربي قال ألا أدعو لك الطبيب قال الطبيب أمرضني قال ألا آمر لك بعطاء قال لا حاجة لي فيه قال يكون لبناتك قال أتخشى على بناتي الفقر وقد أمرت بناتي أن يقرأن في كل ليلة سورة الواقعة فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبدًا حديث غريب أخرجه ابن وهب في جامعه وابن أبي داود وعلي بن سعيد العسكري ثواب القرآن من طريق ابن وهب وأخرجه الحارث بن أبي أسامة وأبو يعلى الموصلي في مسنديهما وابن السني في عمل اليوم والليلة والبيهقي في الشعب وابن عبد البر في التمهيد وابن مردويه والثعلبي في التفسير كلهم بأسانيد تدور على السري بن يحيى واختلفوا في شيخه فقيل عن شجاع عن أبي طبية وقيل عن أبي شجاع عن أبي طيبة والثاني هو المعتمد والأكثر على أن أبا طيبة بفتح المهملة وسكون التحتية وبالموحدة وضبطه بعضهم بفتح المهملة وتقديم الموحدة والأول هو المعتمد وهو سليمان بن عيسى الجرجاني ونقل ابن الجوزي أن الإمام أحمد سئل عن أبي شجاع وأبي ظبية في هذا الحديث فقال لا أعرفهما وروى ابن الجوزي الحديث كذلك وأما البيهقي فقال أبو ظبية شيخ مجهول فالحديث ضعيف

وعن جابر رضي الله عنه: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا ينام كل ليلة حتى يقرأ {الم تنزيل} الكتاب، و (تبارك) الملك". ـــــــــــــــــــــــــــــ عنده لذلك والذي نرجح أن ضعفه بسبب الانقطاع فإن أبا طيبة لم يدرك ابن مسعود وأقل ما بينهما راويان فيكون الحديث معضلا ولم أجد هذا المتن شاهدًا إلّا ما جاء عن سليمان التيمي قال قالت عائشة رضي الله عنها أتعجز إحداكن أن تقرأ سورة الواقعة وهذا مع ثبوته موقوفًا منقطع السند وأخرج أبو الشيخ في الثواب من حديث أنس يرفعه من قرأ سورة الواقعة وتعلمها لم يكتب في الغافلين ولم يفتقر هو ولا أهل بيته وسنده ضعيف جدًّا وأخرج أبو بكر بن بلال من حديث ابن عباس رفعه من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة سنده أيضًا ضعيف جدًّا هـ، وأخرجه في مسند الفردوس من حديث ابن عباس قال في فتح الإله كأن المراد أن قارئها بسبب قراءتها وتأمل ما فيها من أن مسبب الأسباب وموجد المسببات هو الله تعالى وحده لا شريك له بشهادة أم نحن الخالقون أم نحن الزارعون أم نحن المنزلون أم نحن المنشئون يحصل له غنى النفس المسبب عن التوكل المفاد من تلك الآيات إذ هو مباشرة الأسباب مع شهود المسبب ومن حصل له غنى النفس حصل له الغنى المطلق عن الناس والافتقار الحقيقي إلى الله تعالى فلا تصيبه فاقة إليهم أبدا اهـ. قوله: (وَعَنْ جابرٍ الخ) قال الحافظ بعد تخريجه حديث غريب من حديث أبي الزبير عن جابر فيه علتان عنعنه وفي الجامع الصغير رواه كذلك أحمد في مسنده والترمذي والنسائي والحاكم عن جابر ورواه عنه ابن السني وزاد قال يعني جابر وقال طاوس تفضلان كل سورة من القرآن بستين حسنة. قوله: (تنزيلُ الكتَاب) هو بضم اللام على الحكاية. قوله: (وَتَبَاركَ الملكَ) بالرفع على الحكاية أو على خبر مبتدأ محذوف أو بالنصب قال في الحرز ويجوز الجر على الإضافة اهـ، واحترز به عن تبارك الفرقان ثم قوله "لا ينام الخ" قال في فتح الإله أي لا يدري النوم إذا دخل وقته حتى يقر الخ. قال وحملناه على ما ذكر ليفيد ما قرره الأئمة أخذا من أنه يسن قراءة هاتين السورتين مع سور أخر قبيل النوم وخصا بما ذكر في الجزاء لأن الأولى مسوقة للبرهان على صدق القرآن وواسع ما أنعم به على الإنسان من مبدئه إلى استقراره في

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ قَرأ في ليلة {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرضُ} [الزلزلة: 1] كانَتْ لهُ كعِدْلِ نصْفِ القُرآن، ومَنْ قَرأ ({قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} [الكافرون: 1] كانَتْ لَهُ كَعِدْلِ رُبعْ القُرآن، ـــــــــــــــــــــــــــــ أحد المستقرين مع تعداد ما لكل منهما المبين لعدم استوائهما وذلك كله موجب لدوام الشرك والاستعداد للقاء بالعمل الصالح منه بما عند النوم ليقع هو ثم اليقظة منه على أكمل الهيئات وأعلى مراتب الاستعدادات وأيضًا فقد نص فيها على مدح قوم تتجافى جنوبهم عن المضاجع مع وصفهم بأكمل الصفات وجزاهم بأعالي الدرجات مما لا يحيط به إلّا المتفضل به فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين وذلك حامل أي حامل لمريد النوم على أنه إذا استيقظ أثناء ليله تطهر وصلى ودعا خوفًا وطمعا ثم اتفق مما رزقه الله من النعم الظاهرة والأحوال الباطنة ليحوز فضيلة الوراثة المحمدية. وأما تبارك فقد ورد أنها شفعت لقارئها وعند الترمذي أنها المانعة المنجية من عذاب الله أي في القبر كما يدل رواية هي المانعة هي المنجية من عذاب القبر وخصت بذلك لافتتاحها وختمها بالماء الذي هو سبب الحياة فانتجت الشفاعة التي هي سبب الحياة الكاملة للمشفوع له وأيضًا افتتحها بعظائم عظمته ثم بباهر قدرته وإتقان صنعته ثم بذم من نازعه في ذلك وأعرض عنه ثم بذكر عقابهم وماله عليهم من النعم ثم ختمها بما اختصها به من بين سائر السور وهو الأنعام العام بالماء المعين الذي هو سبب الحياة المناسب لذلك كله المعافاة من سوء العطية بتشفيع هذه السورة في قارئها وجعلها مانعة عنه منجية له. قوله: (وَعَنْ أَبِي هريرةَ الخ) أخرجه عنه ابن السني وفي سنده راو شديد الضعف ثم أخرج الحافظ عن أنس رضي الله عنه وروى الترمذي والحاكم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس رضي الله عنهما إذا زلزلت تعدل نصف القرآن و ({قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} [الكافرون: 1] تعدل ربع القرآن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1] أَحَد تعدل ثلث القرآن وفي شرح الجامع الصغير للعلقمي قال الحافظ ابن حجر صحح الحاكم حديث ابن عباس وفي سنده عثمان بن المغيرة وهو ضعيف عندهم اهـ، وعزا في المشكاة تخريجه باللفظ المروي عن ابن عباس إلى أنس بن مالك أيضًا وأنه كذلك عند الترمذي. قوله: (مَنْ قرأَ إِذَا زُلزِلَت الخ) قال التوربشتي والبيضاوي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يحتمل أن يقال المقصود الأعظم بالذات من القرآن بيان المبدأ والمعاد وإذا زلزلت مقصورة على ذكر المعاد مستقلة ببيان أحواله فكانت كعدل النصف وجاء في الحديث الآخر أنها ربع القرآن وتقديره أن يقال القرآن يشتمل على تقرير التوحيد والنبوات وبيان أحكام المعاش وأحكام المعاد وهذه السورة مشتملة على الأخير من الأربع وي {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} [الكافرون: 1] محتوية على القسم الأول منها فيكون كل واحدة منهما كأنه ربع القرآن وفارقت الكافرون (قُل هُوَ اللَّهُ أَحَد) مع أن يسمى سورة الإخلاص لأن قل هو الله أحد اشتملت من صفات الإخلاص على ما لم يشتمل عليه سورة الكافرون وأيضًا فالتوحيد إثبات الإلهية والتقديس ونفي الهية ما سواه وقد صرحت الإخلاص بالإلهية والتقديس ولوحت إلى نفي عبادة غيره والكافرون صرحت بالنفي ولوحت بالإثبات والتقديس فكان بين المرتبتين من التصريحين والتلويحين ما بين الربع والثلث ثم هذه الرواية تبين رواية أن إذا زلزلت تعدل نصف القرآن فإن المراد بها انها تعدل ذلك قال الطيبي ومنعهم من حمل المعادلة على التسوية لزوم تفضيل إذا زلزلت على الإخلاص أي بفرض صحة حديث أن الزلزلة تعدل نصف القرآن وإلّا فأحاديثها ضعيفة بخلاف أحاديث سورة الإخلاص قال في شرح المشكاة فإن فرض صحة حديث الزلزلة وإن المراد الثواب قلنا بقضيته من تفضيلها على تلك ولا محذور لأن الثواب من محض فضله وجوده فيخص بزيادته ما شاء من الأعمال والأقوال ثم لا يلزم من كون السورة تعدل الربع أو النصف مثلًا مساواتها له في الثواب والّا لحصل التناقض إلَّا أن يجاب أنه كان يخبر بالقليل من الثواب ثم يزاد في كرامة أمته وثوابهم لأجله فيخبر به ئانيا كما قيل بمثله في حديثي صلاة الجماعة بخمس وعشرين وسبع وعشرين قال التوربشتي نحن وإن سلكنا هذا المسلك لمبلغ علمنا نعتقد ونعترف أن بيان ذلك على الحقيقة إنما يتلقى من قبل الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإنه هو الذي ينتهي إليه في معرفة حقائق الأشياء والكشف عن خفيات العلوم فأما القول الذي نحن بصدده ونحوم حوله على مقدار فهمنا فإن سلم من الخلل والزلل لا يبعد عن ضرب من

ومَنْ قَرَأ ({قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1]، كانَتْ لَهُ كَعدْلِ ثُلُثِ القُرآنِ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الاحتمال اهـ، وسيأتي لهذا مزيد. قوله: (ومَنَ قرأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} الخ) أي كانت قراءتها كعدل ثلث القرآن قال المصنف نقلًا عن الماوردي القرآن على ثلاثة أقسام قسم يتعلق بالقصص وقسم بالأحكام وقسم بصفات الله تعالى والإخلاص متمحضة لها فكانت بمثابة الثلث وقيل أن ثواب قراءتها مضاعفًا يعدل ثواب قراءة ثلثه بلا تضعيف اهـ. قال العلقمي في شرح الجامع نقلًا عن الحافظ ابن حجر إن قول من قال أنه بغير تضعيف دعوى بغير دليل يؤيد الإطلاق حديث مسلم قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن اهـ. قيل فعلى الأول لا يلزم من تكريرها استيعاب القرآن وختمه ويلزم على الثاني اهـ، وبيان اللزوم على الثاني أن من قرأ الإخلاص ثلاثين مرة يكون كمن قرأ القرآن مع المضاعفة إذ كل ثلاث مرات تعدل ختمة فمن قرأها ثلاثين مرة كأنه قرأ القرآن عشر مرات بلا مضاعفة وهي بمنزلة قراءته مرة مع المضاعفة ويلزم عليه مساواة قليل العمل لكثيره في حصول الثواب قال جمع ويشهد لكونها كعدل الثلث في الثواب ظاهر الحديث والأحاديث الواردة في أن إذا زلزلت تعدل النصف وكلا من النصر والكافرون يعدل الربع يؤيد ذلك لكن تعقب ابن عقيل ذلك وقال لا يجوز أن يكون المعنى فله أجر ثلث القرآن لقوله من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات اهـ، ورد بأن معنى ذلك فله أجر ثلث القرآن بلا مضاعفة بل أو معها ولا بدع في أن الله تعالى يجعل في الأحرف القليلة من الثواب ما لم يجعله في الكثيرة ألا ترى أن الصلاة الواحدة في كل من المساجد الثلاثة أفضل من أضعافها في غيرها من بقية المساجد "والحاصل" أن الأصل أن العمل الكثير أكثر ثوابًا من العمل القليل إلّا إن صح عن الصادق أن ثواب القليل أكثر فإن لم يصح عنه التصريح بذلك بل احتمل كلامه ذلك وغيره كما في المعادلة هنا قلنا الأصل أن ذا العمل الكثير أكثر ثوابًا فلا يعدل عنه إلَّا بصريح أو ظاهر قوي وأما مع تساوي الاحتمالين فلكل من التمسك بالأصل والتوقف وجه ومن ثمة قال ابن عبد البر السكوت في هذه المسألة أفضل من الكلام فيها وأسلم ثم أسند إلى أحمد أنه سئل كونها ثلث القرآن فلم يبد فيه شيئًا وقال إسحاق بن راهويه معناه أن الله تعالى لما فضل كلامه على سائر الكلام جعل

وفي رواية: "مَنْ قَرَأ آية الكُرْسِي، وأوَّل (حَمَ) عُصِمَ ذلكَ اليَوْمَ مِنْ كلِّ سُوءِ". والأحاديث بنحو ما ذكرنا كثيرة، وقد أشرنا إلى المقاصد، والله أعلم بالصواب، وله الحمد والنعمة، وبه التوفيق والعصمة. ـــــــــــــــــــــــــــــ لبعضه أيضًا في الثواب لمن قرأه تحريضًا على تعلمه لا أن من قرأ قل هو الله أحد ثلاث مرات كان كمن قرأ القرآن جميعه هذا لا يستقيم ولو قرأها مائتي مرة اهـ. قال ابن عبد البر فهذان إماما السنة ما قاما ولا قعدا في المسألة اهـ. قال في فتح الإله وقد مر أن ظاهر الحديث أنها تعدل الثلث في الثواب وأنه لا محذور فيه سيما أن حمل على أنها تعدله بلا مضاعفة والثواب محض فضل المنعم الوهاب اهـ، وقيل المراد من عمل بما تضمنته من الإخلاص والتوحيد كان كمن قرأ ثلث القرآن بلا ترديد وقيل غير ذلك. قوله: (وفي رِوَاية) أي عن أبي هريرة رواها عنه ابن السني كتابه عمل اليوم والليلة وقال الحافظ بعد تخريجه حديث غريب وقد سبق هذا الخبر والكلام عليه أواخر باب أذكار المساء والصباح. قوله: (والأحاديثُ كثيرة الخ) تقدم منها في باب القول عند الصباح والمساء حديث أبي هريرة المذكور وحديث ابن عباس في آية الروم وحديث أبي الدرداء في آخر براءة وحديث معقل بن يسار في آخر الحشر وتقدم منها في باب ما يقول إذا أراد النوم واضطجع حديث عائشة في المعوذات وحديث أبي مسعود في الآيتين من آخر البقرة وحديث العرباض بن سارية في المسبحات وحديث فروة بن نوفل في الكافرون وحديث عائشة في بني إسرائيل والزمر وحديث علي في آية الكرسي وحديثه في ثلاث من سور البقرة ومما يناسبه ما أخرجه الدارمي عن الشعبي عن ابن مسعود من قرأ عشر آيات من سورة البقرة لم يدخل ذلك البيت شيطان تلك الليلة أربع آيات من أولها وآية الكرسي وآيتين بعدها وثلاث آيات من آخرها قال الحافظ موقوف رجاله ثقات لكن في سنده انقطاع بين الشعبي وابن السني وقد روى الترمذي أيصًا بسند موصول إلى المغيرة بن أسقع وكان من أصحاب ابن مسعود ومثله لا يقال من قبل الرأي فله حكم الرفع وأخرج الحافظ من طريق الدارمي عن النعمان بن بشير قال إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

كتاب حمد الله تعالى

كتاب حمد الله تعالى قال الله تعالى: ({قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59] وقال تعالى: ـــــــــــــــــــــــــــــ قال إن الله كتب كتابًا قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام فأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة لا يقرآن في بيت ثلاث ليال فيقربه شيطان وقال الحافظ حديث حسن أخرجه أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم وصححه وفي تصحيحه نظر لاختلاف فيه وقع على أبي قلابة راويه بينه النسائي وسيأتي ذكر سورة الكهف فيما يشرع يوم الجمعة وذكر سور وآيات أخر في كتاب الجنائز وآداب للسفر وركوب السفينة وعند الولادة والله أعلم. كتاب حمد الله تعالى الحمد اللفظي لغة الثناء باللسان على الجميل على جهة التعظيم وعرفًا فعل ينبيء عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعمًا فبين الحمدين من النسب الأربع عموم وخصوص وجهي وتحقيق الكلام على قيود التعريفين ومحترزاتها فيه طول وقد أفرد بالتأليف وذكره خارج عن عرض هذا الجمع والترصيف. قوله: { ... عَلي عِبَادِهِ الذِين اصطَفى} [النمل: 59] قال مقاتل هم الأنبياء الذين اختارهم الله تعالى لرسالته وقال ابن عباس في رواية أبي مالك وبه قال السدي هم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - الذين اصطفاهم الله لمعرفته وطاعته وقيل أنهم الذين آمنوا به ووحدوه رواه عطاء عن ابن عباس أيضًا وقيل انهم أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - قاله ابن السائب ومعنى عليهم انهم سلموا مما عذب به الكفار. قوله: (وقُلِ الحمدُ لله) أي قل يا محمد لمن ضل الحمد لله الذي وفقنا لقبول ما امتنعتم من قبوله وفي النهر أمر أن يقول ذلك - صلى الله عليه وسلم - فيحمد ربه علي ماخص به من شرف النبوة والرسالة اهـ. قوله: {سَيُرِيكُمْ} [النمل: 93] قال في زاد المسير ومعنى يريكم فيه قولان أحدهما في الدنيا ثم فيها ثلاثة أقوال أحدها أن منها الدجال وانشقاق القمر وقد أراهم ذلك رواه أبو صالح عن ابن عباس وقيل سيريكم آياته في السماء وفي أنفسكم وفي الرزق قاله مجاهد وقيل القتل ببدر قاله مقاتل والثاني سيريكم آياته في

{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ} [النمل: 93]، وقال تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} [الإسراء: 111] وقال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] وقال تعالى: {وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152]، والآيات المصرحة بالأمر بالحمد والشكر وبفضلهما كثيرة معروفة. ـــــــــــــــــــــــــــــ الآخرة فتعرفونها على ما قاله في الدنيا قاله الحسين اهـ. قوله: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} [الإسراء: 111] لما ذكر تعالى أنه واحد وإن تعددت أسماؤه أمره تعالى أن يحمده على ما أنعم عليه مما آتاه من شرف النبوة والرسالة والاصطفاء ووصف نفسه سبحانه بأنه لم يتخذ ولدا فيعتقد تكثره بالنوع وكان ذلك ردا على اليهود والنصارى والعرب الذين عبدوا الملائكة واعتقدوا أنهم بنات الله ونفى أولًا الولد خصوصًا ثم نفى الشريك في الملك وهو أعم من أن ينسب إليه ولد فيشركه في ملكه أو غيره ولما نفى الولد ونفى الشريك نفى الولي وهو الناصر وهو أعم من أن يكون ولدًا أو شريكًا أو غير ذلك ولما كان اتخاذ الولد قد يكون للانتصار والاعتزاز له والاحتماء من الذل وقد يكون بالتفضل والرحمة إلى من والى من عباده الصالحين كان للنفي لمن ينتصر به من أجل المذلة إذ كان مورد الولاية يحتمل هذين الوجهين فنفى الجهة التي تكون لأجل النقص الولد والشريك بأنهما نفيًا على الإطلاق كذا في النهر لأبي حيان. قوله: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] أي لئن شكرتم نعمتي لأزيدنكم وسكت عن بيان الزيادة هل هي من نوع المحمود أو غيره أو منهما وعن بيان محلها فاحتمل كونها في الدنيا أو الآخرة أو فيهما ثم الآية جارية على ما عهد في القرآن من إسناد الخير إليه سبحانه وإذا ذكر الشر عدل عن نسبته إليه سبحانه ألا تراه قال في النعم لأزيدنكم فأسند الزيادة إليه وفي النقم إن عذابي لشديد ولم يقل في التركيب لأعذبنكم. قوله: " {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] الذكر كما سبق يكون باللسان من التسبيح والتحميد وبالقلب كالفكر في صفاته تعالى والاعتبار بمخلوقاته وذكر الله عباده الصالحين الذاكرين مجازاتهم على ذكرهم. قوله: {واشكروا لي} أي ما أنعمت به عليكم وعدي هنا باللام وجاء معدى بغير اللام قال. وهلا شكرت القوم إذ لم تقاتل قوله: (ولا تَكفُرُونِ) أي لا تجحدون نعمتي، أن قلت الترجمة معقودة للحمد فما وجه ذكر الآيتين المفيدتين لطلب الشكر،

وروينا في "سنن أبي داود"، و"ابن ماجه"، و"مسند أبي عوانة الإسفراييني" المخرج على "صحيح مسلم" رحمهم الله، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ قلنا العيب نقص ما اشتملت عليه عما تقتضيه أما الزيادة على ما تفيده فلا وثانيا فالحمد والشكر متقاربان وفي بعض المواد يتضادان وقد ورد في الحديث الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبدًا إلّا بحمده. قوله: (وَرَوَينَا في سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ الخ) هذا ومما زاد أبو عوانة على مسلم ورواه البيهقي في السنن أيضًا كما في الجامع الصغير قال القاضي تاج الدين السبكي في الطبقات الكبرى ما ملخصه هذا الحديث أخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وقضى ابن الصلاح بأنه حسن محتجا بأن رجاله رجال الصحيحين سوى قرة فإنه لم يخرج له لمموى مسلم في الشواهد مقرونًا بغيره وليس لها حكم الأصول وقد قال الأوزاعي ما أحد أعلم بالزهري منه وقال يزيد بن الشحط أعلم الناس بالزهري قرة بن عبد الرحمن قلت قال السخاوي وثق ابن حبان قرة ونقل عن الأوزاعي أنه كان يقول ما أحد أعلم بالزهري منه ثم تعقبه بأنه ليس يحكم به على الإطلاق، قلت لكن أورد ابن عدي بسنده إلى قرة قال لم يكن للزهري كتاب إلّا كتاب فيه نسب قومه وكان الأوزاعي يقول ما أحد أعلم بالزهري من ابن جرير قال شيخنا فظهر من هذه القصة أن مراد الأوزاعي أنه أعلم بحال الزهري من غيره لا فيما يرجع إلى ضبط الحديث قال وهذا هو اللائق والله الموفق اهـ. قال الشيخ تاج الدين السبكي وقد قال الدارقطني إن محمد بن كثير رواه الأوزاعي عن الزهري ولم يذكر قرة وكذا حدث به خارجة بن مصعب ومبشر بن إسماعيل عن الأوزاعي عن الزهري لم يذكرا قرة فلعل الأوزاعي سمعه من قرة عن الزهري ومن الزهري فحدث به مرة كذا ومرة كذا، قلت قال السخاوي بعد كلام ساقه فهؤلاء سبعة أنفس من رجال الصحيحين إلَّا عبد الحميد كاتب الأوزاعي فلم يخرجا له لكن وثقه أحمد وأبو زرعة في آخرين وتكلم فيه بكلام يسير كل هؤلاء رواه عن الأوزاعي بإثبات قرة ورواه مبشر وخارجة ومحمد بن كثير بإسقاط قرة ويمكن الجمع بأن الأوزاعي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رواه عن الزهري من صحيفته مناولة وسمعه من قرة عنه سماعًا اهـ. قال التاج السبكي وقد رواه محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه فلعل الزهري سمعه من أبي سلمة عن أبي هريرة ومن ابن كعب عن أبيه ورواه محمد بن كثير المصيصي عن الأوزاعي عن يحيى الزهري عن سلمة عن أبي هريرة فظن بعض المحدثين أنه يحيى بن أبي كثير أحد الأئمة من شيوخ الأوزاعي وليس كذلك فإن يحيى المشار إليه هو قرة بن عبد الرحمن قال ابن حبان كان إسماعيل بن عياش يقول أن اسمه يحيى وقرة لقب، قلت قال السخاوي وفيه نظر من وجهين أحدهما ضعف الطريق إلى إسماعيل كما أشار إليه ابن حبان الثاني أنه يلزم منه أن يكون من رواية قرة عن أبي سلمة ولا متابع له على ذلك وعندي أن ذكر يحيى في السند وهم ويتأيد بالرواية التي أشار إليها الدارقطني اهـ، وقال الحافظ بعد تخريجه حديث الباب أنه حديث حسن أخرجه ابن ماجة وأبو عوانة في صحيحه قال السخاوي في جزئه وهذا الحديث تبع أن الصلاح على تحسينه الإمام النووي في أذكاره وشيخ شيوخنا العراقي وادعى بعضهم صحته اهـ، قلت غفل عن ذكر شيخه الحافظ ابن حجر فيمن حسنه قال التاج السبكي وقد روى بلفظ كل أمر وبلفظ كلام وبإثبات ذي بال وحذفه وجاء في موضع يبدأ ويفتتح وموضع بالحمد لله وبحمد الله والصلاة علي وبذكر الله وببسم الله الرحمن الرحيم وموضع أقطع أجذم وأبتر والأمر في ذلك قريب والأثبت إسناد إثبات ذي بال والمعنى أنه مهتم به يعني بحاله ملقى إليه بال صاحبه وأما الحمد والبسملة فجائز أن يعني بهما ما هو الأعم منهما وهو ذكر الله تعالى والثناء عليه على الجملة إما بصفة الحمد أو غيرها ويدل على ذلك رواية ذكر الله تعالى وحينئذِ فالحمد والذكر والبسملة سواء وجائز أن يعني خصوص الحمد وخصوص البسلمة وحينئذٍ فرواية الذكر أعم فيقضى بها على الروايتين الأخيرتين لأن المطلق إذا قيد بقيدين متنافيين لم يحمل على واحد منهما ويرجع إلى أصل الإطلاق وإنما قلت أن خصوص الحمد والبسملة متنافيان لأن البداءة إنما تكون بواحد ولو وقع الابتداء بالحمد لما وقع بالبسملة وعكسه، ويدل على أن المراد الذكر فيكون الرواية المعتبرة أن غالبية الأعمال الشرعية غير مفتتحة بالحمد كالصلاة فإنها

"كل أمْر ذي بالٍ لا يُبدأُ فِيهِ بِالحَمْدُ لِلهِ فَهُوَ أقْطَعُ". ـــــــــــــــــــــــــــــ مفتتحة بالتكبير والحج وغير ذلك اهـ. قوله: (كلُّ أَمرٍ الخ) رواه بهذا اللفظ الرهاوي في خطبة الأربعين والأمر المراد به الشيء وذي بمعنى صاحب وتفارقه في أنها تضاف إلى من له شرف وخطر وصاحب أعم منها فيضاف لذلك وغيره وهذا سر قوله تعالى في موطن وذا النون وفي آخر ولا تكن كصاحب الحوت فما اختير في الآيتين ليس لمجرد التفنن بل مقاما حالي النبي يونس على نبينا وعليه وعلى سائر النبيين الصلاة والسلام اقتضى أن يعبر عنه في إحداهما بلفظ صاحب مضافًا للحوت وفي أخرى بلفظ ذا مضافًا إلى النون، والبال المراد به هنا الخطر والشأن والشرف أي كل أمر له شأن يهتم به شرعًا فخرج المكروه والحرام فلا يشرع بدؤهما بتسمية ولا حمد ويبدأ بالبناء للمفعول كما هو المشهور رواية ويجوز دراية أن يقرأ على صفة المعلوم للمخاطب والضمير عام لكل من يصلح للخطاب على حد ولو ترى ثم هذه الجملة صفة لأمر تالية للصفة المفردة على عكس قوله تعالى وهذا ذكر أنزلناه مبارك ولا يجوز جعل الجملة حالًا وإن أجاز سيبويه وقوع الحال من المبتدأ لأن ذلك يمنع دخول الفاء في الخبر على أن المعنى يأتي ذلك أيضًا والظرفان متعلقان بقوله يبدأ أولهما نائب الفاعل والآخر مفعول به بواسطة حرف الجر وقوله فهو أقطع أي كل أمر وكثيرًا ما يرجع الضمير للمضاف إليه وفيه كلام في المطول وجملة هو أقطع خبر كل ودخلت الفاء لتضمين المبتدأ معنى الشرط وكونه نكرة موصوفة بفعل أعني لا يبدأ فإن جملة لا يبدأ وقعت في الاصطلاح وصف أمر وإن كان المعنى على سلب وصف هو المبتدأ بالحمد عن الأمر لا على إثباته وصفًا له وليس هو ضمير فصل لأن شرطه أن يكون الخبر معرفة أو أفعل من كذا وكلاهما منتفيان عن قوله أقطع أما التعريف فظاهر وأما الثاني فإن أقطع ليس للتفضيل بل هو صفة مشبهة كأعمش وأعرج أي فهو منقطع كذا لخصته من شرح حديث البسملة لوالد شيخنا العلامة جمال الدين العصامي، ثم قوله بالحمد لله إن كانت الرواية فيه بالرفع فيقتضي تعين

وفي رواية: "بحمد الله". وفي رواية: "بِالحَمْدِ فهو أقطع". وفي رواية: "كلُّ كلام لا يُبْدَأُ فِيهِ بالحَمْدُ لِلهِ فَهُوَ أجْذَمُ". وفي رواية: "كل أمْرٍ ذِي بالٍ لا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرحِيمِ فَهُوَ أقْطَعُ" روينا هذه الألفاظ كلها في كتاب "الأربعين" للحافظ عبد القادر الرهاوي، وهو حديث حسن، ـــــــــــــــــــــــــــــ هذه الجملة أو بالجر فيوافق باقي الروايات الآتية في حصوله بما يدل على الحمد سواء كان بتلك الجملة أو غيرها. قوله: (وفي رِوَايةِ بحمدِ الله) رواه البزار كذلك ولفظه كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله أقطع قال الحافظ أخرجه النسائي في اليوم والليلة والدارقطني. قوله: (وفي رِوَايةٍ بالحمدِ) أي بحذف لله رواه كذلك ابن ماجة في خطبة النكاح من سننه ولفظه كل أمر ذي بال "لا يبدأ فيه بالحمد أقطع وهو كذلك في مصنف ابن أبي شيبة ورواه بهذا اللفظ أبو عوانة في خطبة صحيحه أيضًا وزاد فهو أقطع ورواه الرهاوي في خطبة الأربعين بلفظ ابن ماجة إلّا أنه بالحمد ورواه البيهقي في الشعب في الباب الثالث والثلاثين منها ولفظه كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله أقطع. قوله: (رِوَاية كلُّ كلام الخ) رواه كذلك أبو داود في باب الهدى في الكلام من كتاب الأدب في سننه فقال حدثنا توبة قال زعم الوليد أي عن الأوزاعي عن قرة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة ولفظه كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة من سننه الكبرى والدارقطني في أول الصلاة من سننه والرهاوي في خطبة الأربعين له من طريقين وأخرجه ابن حبان أيضًا في موضعين من كتابه كتاب الأنواع واليوم مسلم وترجم له بترجمتين متغايرتين فنظر فيها التاج السبكي. قوله كل أَمر ذِي بالٍ لا يُبدأُ فيهِ ببسم الله الرحمن الرحيم الخ) قال السخاوي هذا حديث غريب أخرجه الخطيب هكذا في كتابه الجامع لأخلاق الراوي والسامع ومن طريقه أخرجه الرهاوي في خطبة الأربعين له وقال الحافظ في سنده ضعف وسقط بعض رواته. قوله: (وَرَوَينَا هذهِ الألْفَاظَ الخ) قد ذكرنا من خرج كل رواية زيادة على تخريج الرهاوي ولخصت ذلك

وقد روي موصولًا كما ذكرنا، وروي مرسلًا، ورواية الموصول جيدة الإسناد، وإذا روي الحديث موصولًا ومرسلًا، فالحكم للاتصال عند جمهور العلماء، لأنها زيادة ثقة، وهي مقبولة عند الجماهير، ومعنى "ذي بال": ـــــــــــــــــــــــــــــ من تحرير المقال للسخاوي وهو جزء لطيف تتبع فيه طرق الحديث واختلاف ألفاظه ورواياته ورواته بما حاصله ما أشرنا إليه في بيان الرواة وألفاظ رواياتهم وسكت عن ذكر الأسانيد لما قدمت في ذلك أول الكتاب إلَّا أن في كلام السخاوي مخالفة لكلام شيخه الحافظ في مواضع من أماليه على هذا الحديث والله أعلم بالصواب. قوله: (وقَدْ رُوي موصولًا الخ) قال الحافظ السخاوي رواه يونس بن يزيد وعقيل بن خالد الأبيان وشعيب بن أبي حمزة وسعد بن عبد العزيز عن الزهري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا كما أشار إليه أبو داود في سننه وتبعه البيهقي وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة عن قتيبة بن سعد حدثنا الليث عن عقيل وكذا أخرجه من حديث غير عقيل فقال أخبرنا عن ابن حجرة حدثنا الحسن يعني ابن عمرو وهو أبو المليح عن الزهري قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل كلام لا يبدأ فيه بذكر الله فهو أبتر ورواه وكيع عن الأوزاعي عن الزهري كذلك. وصحح جهبذ العلل والحيل أبو الحسن الدارقطني من طرق هذا الحديث هذه الرواية المرسلة وهو موافق لما نقله الخطيب عن أكثر أصحاب الحديث من تقديم الإرسال على الوصل فيما إذا اختلف الثقات في وصل أو إرسال الحديث بأن رواه بعضهم موصولًا وبعضهم مرسلًا وقيل الحكم للأكثر وقيل للأحفظ وكلاهما اتصف به من أرسل هذا الحديث لكن صحح الخطيب أن الحكم لمن وصل ونقل ابن الصلاح تصحيحه عن أهل الفقه وأصوله وعزاه النووي أيضًا للمحققين من أصحابه وتعقب ذلك ابن دقيق العيد بأنه ليس قانونا مطردا قال وبمراجعة أحكامهم الجزئية تعرف صواب ما نقول وكذا قال ابن سيد الناس وبه جزم العلائي فقال كلام المتقدمين في هذا الفن عبد الرحمن ابن مهدي ويحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل والبخاري وأمثالهم يقتضي أنهم لا يحكمون في هذه المسألة بحكم كلي بل علمهم في ذلك دائر مع الترجيح بالنسبة

أي: له حال يهتم به، ومعنى أقطع: أي ناقص قليل البركة، وأجذم: بمعناه، وهو بالذال المعجمة وبالجيم. قال العلماء: فيستحب البداءة بالحمد لله لكل مصنف، ودارس، ومدرس، وخطيب، وخاطب، وبين يدي سائر الأمور المهمة. قال الشافعي رحمه الله: أحب أن يقدم المرءُ بين يدي خطبته وكل أمر طلبه: حمد الله تعالى، والثناء عليه سبحانه وتعالى، والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى ما يقوى عند أحدهم في كل حديث اهـ، ويستشكل المذهب الآخر بهذا الحديث حيث اتحد تخريجه ورواه جماعة من الحفاظ الأثبات على وجه ورواه من هو دونهم في الضبط والإتقان والعدد على وجه مشتمل على زيادة في السند فكيف يقبل زيادتهم وقد خالفهم من لا يغفل مثلهم عنها لحفظهم وكثرتهم والفرض أن شيخهم الزهري ممن يجمع حديثه ويعتني بمروياته بحيث يقال أنه لو رواها لسمعها منه حفاظ أصحابه ولو سمعوها لرووها ولما تطابقوا على تركها، قال شيخنا والذي يغلب على الظن في هذا وأمثاله تغليط راوي الزيادة اهـ، وفي سؤالات السلمي أن الدارقطني سئل عن الحديث إذا اخخلف فيه الثقات قال ينظر ما اجتمع عليه ثقتان فيحكم بصحته أو من جاء بزيادة فتقبل من متقن ويحكم لأكثرهم حفظًا وثبتًا على من دونهم اهـ، وبهذا يجاب عن قول المصنف الشيخ الإمام نفع الله به وإذا روي الحديث الخ. أي فإن محل ذلك عند تساوي الطريقين حفظًا وثبتًا وإلا فيقدم الأحفظ، الأثبت في أي الطريقين كان والله أعلم. وقوله: (أَي له حال يُهتمُّ به) أي عند أهل الشرع واستغنى عن ذلك لكونه واضحًا معلومًا فإن الكلام في الشرع. وقوله: (ناقص قليل البركة) يحمل أن يقرأ ناقص بحذف التنوين فيكون المضاف إليه محذوفًا لدلالة الثاني عليه ويحتمل أن يكون منونًا ويكون قوله قليل البركة بيان للنقص أي أن نقصه بقلة بركته. وقوله: (لكل مصنف) أي في علم شرعي أو آلته ولو مباحًا كالعروض أما العلم المحرم كالشعبذا والرمل ونحوهما فيكره التسمية فيه وكذا يكره في المكروه. قوله: (ودارس) أي للعلم. قوله: (وخاطب) أي للنكاح. قوله: (خطبته) بكسر الخاء. وقوله: (وكل أمر) بالجر عطف على خطبته. قوله: (والصلاةَ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -)

فصل

فصل: اعلم أن الحمد مستحب في ابتداء كل أمر ذي بال كما سبق، كما يستحبُّ بعد الفراغ من الطعام والشراب، والعطاس، وعند خِطبة المرأة -وهو طلب زواجها- وكذا عند عقد النكاح، وبعد الخروج من الخلاء، وسيأتي بيان هذه المواضع في أبوابها بدلائلها، وتفريع مسائلها إن شاء الله تعالى، وقد سبق بيان ما يقال بعد الخروج من الخلاء في بابه، ويستحب في ابتداء الكتب المصنفة كما سبق، وكذا في ابتداء دروس المدرسين، وقراءة الطالبين، سواء قرأ حديثًا أو فقهًا أو غيرهما، وأحسن العبارات في ذلك: الحمد لله رب العالمين. ـــــــــــــــــــــــــــــ أي لقوله تعالى: ({وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4]، قال الشافعي في خطبة كتاب الأم ومنها نقلت أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: (وَرَفَعنَا لَكَ ذكرَكَ) أي لا أذكر إلَّا ذكر وأشهد أن لا إله إلَّا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله يعني والله أعلم ذكره عند الإيمان بالله والآذان ويحتمل ذكره عند تلاوة القرآن وعند العمل بالطاعة والوقوف عن المعصية اهـ، وسبق في كلام التاج بعد طرق الحديث لا يبدأ بحمد الله والصلاة علي والله أعلم. فصل اعلم أن الحمد مستحب في ابتداء كل أمر ذي بال قال في شرح مسلم قبيل كتاب آداب الطعام قال أصحابنا يستحب أن يذكر اسم الله تعالى على كل أمر ذي بال وكذلك يحمد الله تعالى في أول كل أمر ذي بال للحديث الحسن المشهور فيه. قوله: (بعْدَ الفراغ مِنَ الطعَام والشراب) أي لخبر مسلم إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها. قوله: (والعُطَاس) بضم العين المهملة مصدر عطس وهو مقيس في مصدر فعل إذا كان للأدواء كسعل سعالًا وزكم زكامًا ومشى بطنه مشاء. قوله: (وَعندَ خِطْبةِ المرأَةِ) بكسر الخاء المعجمة أي طلب تزوجها فيسن أن يأتي بخطبة متوجة بالحمد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يأتي. قوله: (وأَحسنُ العبَاراتِ الخ) إذ هي فاتحة الكتاب العزيز

فصل

فصل: حمد الله تعالى ركن في خطبة الجمعة وغيرها، لا يصحُّ شيء منها إلا به، وأقل الواجب: الحمد لله، والأفضل أن يزيد من الثناء، وتفصيله معروف في كتب الفقه. ويشترط كونها بالعربية. فصل: يستحبُّ أن يختم دعاءه بالحمد لله رب العالمين، وكذلك يبتدئه بالحمد لله، قال الله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ} [يونس: 10]، وأما ابتداء الدعاء بحمد الله وتمجيده، فسيأتي دليله من الحديث الصحيح قريبًا في "كتاب الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" إن شاء الله تعالى. ـــــــــــــــــــــــــــــ وآخر دعوى أهل الجنة وهي لكونها جملة اسمية دالة على ثبوت ذلك واستمرار الدوام له سبحانه وتعالى أبلغ من الجملة الفعلية الدالة على التجدد والحدوث وكأن هذا من حكم افتتاح الكتاب العزيز بذلك أي الإشارة إلى أنه المحمود في الأزل وفيما لا يزال وفي قوله رب العالمين أي مربيهم بنعمة الإيجاد ثم بنعمة التسمية والإمداد تحريض وحث للمتقنطين على القيام بحمده وشكره كل وقت وحين. فصل قولهء: (وأَقل الواجبِ الحمدُ لله) المراد لفظ الله ولفظ حمده فيحصل بقول الحمد وأحمد الله ونحمد أو أحمد أو لله الحمد لا بنحو الحمد للرحمن ولا بنحو الشكر لله. قوله (ويشترط كونُها) أي أركانها بالعربية أي وإن لم يفهمها القوم وذلك لاتباع السلف والخلف فإن أمكن تعلمها وجب على الجميع على سبيل فرض الكفاية فيسقط بتعلم واحد فإن لم يفعل عصوا ولا جمعة لهم فإن لم يمكن تعلمها ترجم بلغته فإن لم يحسن أن يترجم فلا جمعة، فإن قلت ما فائدة الخطبة بالعربية إذا لم يعرفها القوم قلت أجيب بأن فائدتها العلم بالوعظ من حيث الجملة ولذا صحت الجمعة فيما إذا سمع الأربعون الخطبة وإن لم يفهموا معناها. فصل قوله: (وآخرُ دَعواهُمْ الخ) قال الزجاج أعلم الله تعالى أنهم يبتدئون بتعظيمه وتنزيهه ويختمون بشكره والثناء عليه ثم الدعوى مصدر كالدعاء قال الواحدي في سورة الأعراف والدعوى اسم يقوم مقام الادعاء والدعاء حكى سيبويه اللهم أشركنا في صالح دعوكما المسلمين اهـ. قوله: (أتى الحمدُ لله الخ) أن مخففة

فصل: يستحب حمد الله تعالى عند حصول نعمة، أو اندفاع مكروه، سواء حصل ذلك لنفسه، أو لصاحبه، أو للمسلمين. روينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه، "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتيَ ليلة أُسْرِيَ به بقدحين من خمر ولبن فنظر إليهما، فأخذ اللبن، فقال له جبريل - صلى الله عليه وسلم -: الحمد لله الذي هداك للفطرة، لو أخذت الخمر غوت أمتك". ـــــــــــــــــــــــــــــ من الثقيلة واسمها ضمير شأن محذوف وجملة الحمد لله الخ. خبر أن وأن وخبرها خبر عن آخر وقرئ أن بالتشديد وزعم صاحب النظم أن أن زائدة والحمد لله خبر وآخر دعواهم قال في النهر وهو مخالف لنص النحويين اهـ. قوله: (وتمجيدهِ) المجد العظمة ونهاية الشرف هذا هو المشهور كذا في شرح مسلم للمصنف. فصل قوله: (يُستحَبُّ حمدُ الله الخ) لأن ذلك من شكر النعمة وشكر النعم سبب لزيادتها ودوامها ولذا استحب سجود الشكر عند حدوثها بشرطه. قوله: (رَوَينَا في صحيح مُسلم) قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث صحيح متفق عليه وعجب من اقتصار الشيخ على مسلم فقد أخرجه البخاري في أول كتاب الأشربة بتمامه وأخرجه أيضًا باختصار وأخرجه مسلم في الأشربة وفي الإيمان وأخرجه النسائي وغيره. قوله: (أُتِي ليلةَ أُسْرِيَ بهِ بقدَحَينِ مِنْ خَمْرٍ ولبَنٍ الخ) في صحيح مسلم أن ذلك بأيلياء. قال المصنف في شرحه: وهو بالمد والقصر ويقال بحذف الباء الأولى ثم في هذه الرواية محذوف تقديره أتي بقدحين فقيل له اختر أيهما شئت كما جاء مصرحا به وقد ذكره مسلم في كتاب الإيمان أول الكتاب فألهمه الله تعالى اختيار اللبن لما أراد سبحانه وتعالى من توفيق أمته واللطف بها ولله الحمد والمنة. قول جبريل "أصبت الفطرة" قيل في معناه أقوال: المختار منها أن الله تعالى أعلم جبريل أن اختبار اللبن كان كذا، وأما الفطرة فالمراد بها هنا الإسلام والاستقامة كذا في كتاب الأشربة، وفي باب الإسراء منه معناه والله أعلم اخترت علامة الإسلام والاسنقامة وجعل اللبن علامة لكونه سهلًا طيبًا طاهرًا سائغًا للشاربين. وأما الخمر فإنها أم الخبائث وجالبة لأنواع الشر في الحال والمآل والله أعلم. قوله: (غَوَتْ أُمَّتُكَ) معناه ضلت وانهمكت في الشر اهـ.

فصل: روينا في كتاب الترمذي وغيره عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا مَاتَ وَلَدُ العَبْدِ قال اللهُ تَعَالى لِمَلائِكَتِهِ: قَبَضتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَبَضْتُم ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟ فَيَقُولُون: نَعَمْ؟ فيَقُولُ: فماذَا قال عَبْدي؟ فيَقُولونَ: حَمِدَكَ وَاسْترْجَع، فَيَقُول الله تعالى: ابْنُوا لِعَبْدي بَيتا في الجَنَّةِ، وسَمُّوهُ بَيتَ الحَمْدِ" قال الترمذي: حديث حسن. والأحاديث في فضل الحمد كثيرة مشهورة، وقد سبق في أول الكتاب جملة من الأحاديث ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل قوله: (رَوَينَا في كتَابِ الترمذِيِّ الخ) وأحمد وابن حبان في صحيحه أيضًا. وقال الحافظ: الحديث حسن وقال الترمذي فيه حسن غريب واختلف في توثيق أبي سنان أحد رواته وتضعيفه واعتمد ابن حبان توثيقه فأخرج الحديث في صحيحه والله أعلم. قوله: (قَال الله تَعَالى لملائكتِهِ الخ) أي تنبيهًا لهم على عظيم فضل ثواب الصابرين وإلّا فهو غني عن هذه المسألة فقد أحاط علمه بكل شيء. قوله: (فَيقُول قَبضتمْ ثمرةَ فُؤَادِهِ الخ) القول فيه التنبيه على عظيم صبره لعظيم مصابه وترقى من قوله ولد عبدي أي فرع شجرته إلى ثمرة الفؤاد المكنى بها عن الولد لكونه بمنزلة خلاصة الخلاصة إذ القلب خلاصة البدن وخلاصته اللطيفة الموضوعة فيه من كمال الإدراكات والعلوم التي خلق لها وشرف بشرفها فلشدة شغف هذه اللطيفة بالولد صار كأنه ثمرتها المقصود منها فبين هذا الترقي وجه عظمة هذا المصاب وعظمة الصبر عليه مع ذلك. قال في النهاية، سمي الولد ثمرة لأن الثمرة ما تنتج الشجرة والولد نتيجة الأب اهـ. ثم إن المصاب ترقى من مرتبة الصبر إلى مقام الحمد كما أخبرت عنه الملائكة. قوله: (حَمِدَكَ واسْتَرْجَعَ) أي قال الحمد لله إنا لله وإنا إليه راجعون يقال منه رجع واسترجع. قوله: (ابْنُوا لِعبدِي بيتًا في الجنّةِ الخ) قال العلماء لما عظم على المصاب المصيبة ومع ذلك لم يعدها مصيبة من كل وجه بل من وجه فاسترجع ونعمة من وجه آخر فحمد ناسب أن يقال بالحمد حتى يسمى محله به. وفي الخبر الجمع بين الحمد والاسترجاع وما روي عن داود - عليه السلام - من أنه يقول في المصيبة هذا موضع استرجاع وللحمد مكان محمول

الصحيحة في فضل: سبحان الله والحمد لله ونحو ذلك. فصل: قال المتأخرون من أصحابنا الخراسانيين: لو حلف إنسان ليحمدن الله تعالى بمجامع الحمد -ومنهم من قال: بأجَلِّ التحاميد- فطريقه في ـــــــــــــــــــــــــــــ على المصيبة الدينية والجمع بينهما على المصيبة الدنيوية والله أعلم. فصل قوله: (قَال المتأخرونَ مِنْ أصحابِنا الخ) قال من الأصحاب المذكورين القاضي حسين وتبعه المتولي، وإمام الحرمين وتبعه الغزالي وذكره الرافعي في الشرح الكبير. قوله: (ومِنهُمْ مَنْ قَال بأَجل التحاميدِ) نقله في الروض عن المتولي والتحاميد جمع تحميد مصدرحمد المضاعف. قوله: (فَطرِيقهُ في بِرِّ يَمينِهِ الخ) قال الرافعي في الشرح الكبير إن جبريل علمه لآدم عليهما السلام وقد قال علمتك مجامع الحمد وقال الحافظ قال ابن الصلاح هذا حديث منقطع الإسناد وحدث به الرافعي في أماليه جل رجاله ثقات عن محمد بن النضر الحارثي قال قال آدم يا رب شغلتني بكسب يدي فعلمني شيئًا فيه مجامع الحمد والتسبيح فأوحى الله تبارك وتعالى إليه يا آدم إذا أصبحت فقل ثلاثًا وإذا أمسيت فقل ثلاثًا الحمد لله رب العالمين حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده فذلك مجامع التحميد والتسبيح لكن محمد بن النضر لم يكن صاحب حديث ولم يجئ عنه شيء مسند، وقد روى عنه من كلامه جماعة منهم عبد الله بن المبارك وعبد الرحمن بن مهدي وأبو أسامة حماد بن أسامة وقال كان من أعبد أهل الكوفة، وأبو نضر راوي الأثر عن محمد بن النضر اسمه عبد العزيز. وجاء عن محمد بن النضر في التحميد أثر آخر ثم أخرجه الحافظ من طريق أبي نعيم في الحلية عن محمد بن عيسى قال جاء رجل إلى محمد بن النضر فسأله عن تحميد الرب فقال سبحان ربي العظيم وبحمده حمدًا خالدًا بخلوده حمدًا لا منتهى له دون علمه حمدًا لا أمد لدون مشيئته حمدًا لا جزاء لقائله دون رضاه قال أبو نعيم كان محمد بن النضر أعبد أهل الكوفة ولم يكن الحديث شأنه وإنما كانوا يكتبون عنه من كلامه ثم ساق إليه عدة آثار وحديثين مرفوعين رواهما عن الأوزاعي بغير سند من الأوزاعي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ويستفاد من ذلك معرفة طبقته وإن شيوخه من أتباع التابعين ولعله بلغه الأثر الأول عن بعض والله أعلم. اهـ، وفي الإمداد لابن

بَرِّ يمينه أن يقول: الحمد لله حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، ومعنى يوافي نعمه: أي يلاقيها فتحصل معه، ويكافئ، بهمزة في آخره: أي يساوي مزيد نعمه، ومعناه: يقوم بشكر ما زاده من النعم والإحسان. قالوا: ولو حلف ليثنينَّ على الله تعالى أحسن الثناء، فطريق البَر أن يقول: لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وزاد بعضهم في آخره: ذلك الحمد حتى ترضى. وصوّر أبو سعد المتولي المسألة فيمن حلف: ليثنين على الله تعالى بأجل الثناء وأعظمه، وزاد في أول الذكر: سبحانك. وعن أبي نصر التمار عن محمد بن النضر رحمه الله تعالى قال: قال آدم - صلى الله عليه وسلم -: يا رَب شَغَلْتَني بِكَسْب يَدي، فعَلِّمْنِي شَيْئًا فيهِ مَجامِعُ الحَمْدِ وَالتَّسْبِيح، فأوحى اللَّهُ تبارك وتعالى إليه: يا آدَمُ إذَا أصْبَحتَ فَقُلْ ثَلاثًا، وإذَا أمْسَيْتَ فَقُلْ ثَلاثًا: الحَمْدُ لَلهِ رَب العَالمِينَ حَمْدًا يوافِي نِعَمَهُ ويكَافِئُ مَزِيدَهُ، فَذلِكَ مَجَامِعُ الحَمْدِ والتسْبيحِ والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ حجر بعد ذكر المسألة وما ذكر عن جبريل رواه ابن الصلاح بإسناد معضل تارة وضعيف منقطع أخرى ومن ثم قال في الروضة ليس لهذه المسألة دليل معتمد أي من الأحاديث وإلا فدليله من حيث المعنى ظاهر وفي التحفة ولو قيل يبر بيا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك لكان أقرب بل ينبغي أن يتعين لأنه أبلغ معنى وصح به الخبر اهـ. قال ابن عطية في شرح الإرشاد قال الزركشي روي في سبل الخيرات أن رجلًا حج وأخذ بحلقة الباب وقال الحمد لله بجميع محامده ما علمت منها وما لم أعلم على جميع نعمه ما علمت منها وما لم أعلم مدى خلقه كلهم ما علمت منهم وما لم أعلم ثم جاء العام الثاني وهم أن يقولها فناداه ملك قد أتعبت الحفظة من العام الأول إلى الآن لم يفرغوا مما قلت ولا شك أن في هذا زيادة فينبغي أن لا يبر إلّا به اهـ قوله: (يُوافي نِعمَهُ أَي يُلاقِيهَا فتحصُلُ معهُ) بمعنى أن الحمد يفي بالنعم ويقوم بحقوقها. قوله: (وزَادَ بعضهمْ) هو إبراهيم

كتاب الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

كتاب الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]. والأحاديث في فضلها والأمر بها أكثر من أن تحصر، ولكن نشير إلى أحرف من ذلك تنبيهًا على ما سواها وتبركًا للكتاب بذكرها. ـــــــــــــــــــــــــــــ المروزي كما في الروضة عن أبي نصر كما تقدم الكلام على مسند هذا الذكر "ونصر" بالصاد المهملة "والتمار" بالمثناة الفوقية وتشديد الميم آخره راء مهملة "والنضر" والد محمد بالضاد المعجمة. كتاب الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله: (قال الله تَعَالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] قد تكلم العلماء المؤلفون في فضل الصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الآية واستنبطوا منها جملًا من الفوائد ودررًا من الفلائد ورأيت أن ألخص مما ذلك شيئًا تتم به الفائدة وتعظم به الصلة العائدة أما سبب نزولها فأخرج الواحدي عن كعب بن عجرة قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - قد عرفنا السلام عليك فكيف الصلاة نزلت وقال القسطلاني ولم أقف على هذا الحديث بهذا اللفظ لغيره وروي أن هذه الآية الشريفة نزلت في الأحزاب بعد نكاحه - صلى الله عليه وسلم - لزينب بنت جحش وبعد تخيير أزواجه قال الحافظ أبو ذر الهروي إن الأمر بالصلاة والتسليم عليه - صلى الله عليه وسلم - وقع في السنة الثانية من الهجرة قيل في ليلة الإسراء وقيل شهر شعبان، شهر الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - لأن آية الصلاة: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ} الآية نزلت فيه ذكره ابن أبي الصيف اليمني في فضل ليلة النصف من شعبان اهـ. ووجه مناسبتها لما قبلها أنها كالتعليل له لاشتماله على أمر أصحابه خصوصًا وأمته عمومًا بتعظيم حرمته ولزوم الأدب معه ظاهرًا وباطنًا وبالانقياد له وبالنهي عن فعل ما يخل بتعظيمه واحترامه إلى قيام الساعة فكأن قائلًا يقول ما سبب هذا الشرف العظيم الذي لم يعهد له نظير فقيل سببه ما فضل الله به عليه بقوله إن الله وملائكته

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يصلون على النبي الآية إعلامًا منه تعالى لعباده حتى يتم انقيادهم لما أمروا به ونهوا عنه بذكرهم لهذه المنزلة الرفيعة لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - عنده من أنه يصبي عليه هو وملائكته ثم أمرنا معشر المؤمنين بالصلاة عليه والتسليم ليجتمع الثناء عليه من أهل العالم العلوي والسفلي. والصلاة لغة الدعاء وتقدم الخلاف في أن إطلاق الصلاة على الشرعية هل هي حقيقة شرعية أو مجاز شرعي أولًا ولا والقول بأنها مشتقة من الصلوين وإن قال به المصنف كالزمخشري سبق تضعيفه وقدره الفخر الرازي بأن القول به يفضي إلى طعن عظيم في كون القرآن حجة لأن لفظ الصلاة من أشد الأشياء شهرة وأكثرها دورانًا على ألسنة المسلمين وهذا الاشتقاق من أبعل الأشياء شهرة فيما بين أهل النقل فلو جوزنا أنه يسمي الصلاة لما ذكر ثم أنه خفي واندرس حتى صار بحيث لا يعرفه إلَّا الآحاد لجاز مثله في سائر الألفاظ وبتجويزه ينتفي القطع بأن مراد الله منها معانيها المتبادر الفهم إليها لاحتمال أنها كانت في زمنه - صلى الله عليه وسلم - موضوعة لمعانٍ أخر وكان مراد الله تعالى تلك المعاني إلَّا أنها خفيت في زمننا واندرست كما وقع مثله في هذه اللفظة ولما كان ذلك باطلًا بالإجماع علمنا أن الاشتقاق المذكور باطل مردود اهـ. قيل والحق أن ما ذكر لا يلزم الزمخشري لأن المشتق قد يشتهر اشتهارًا ما ويخفى المشتق منه إذ لا تلازم بينهما في الاشتهار لأن الاشتقاق لأمر اعتباري لا يعرفه إلَّا أهل الصناعة. وأما تبادر معنى اللفظ فأمر بديهي يعرفه الخاص والعام بالسليقة من غير تكلف فلا يلزم على كلام الزمخشري بما التزم به غاية ما فيه أن شأن المعنى الحامل على الاشتقاق أو المقتضى له الاطراد والدعاء هو الأمر الظاهر المطرد فكأن اعتباره في الاشتقاق أولى. ثم أن الصلاة من الله تعالى وملائكته والمؤمنين وقع فيها اختلاف طويل فقيل معنى صلاة الله عليه ثناؤه عليه عند ملائكته ومعنى صلاة الملائكة دعاؤهم له ورجح بأن فيه استعمال لفظ الصلاة في حقه تعالى وحق الملائكة والمؤمنين بمعنى واحد فمعنى صلاة الله عليه ثناؤه وتعظيمه له بين ملائكته وصلاة الملائكة وغيرهم طلب ذلك له من ربه أي طلب زيادته لوجود أصله بنص الآية وعلى هذا يحمل قول ابن عباس معنى صلاة الملائكة الدعاء بالبركة أي الزيادة وبه يتضح قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} [الأحزاب: 43] فصلاته تعالى رحمته وصلاتهم سؤالهم إياها لعباده

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعنى اللهم صل على محمد عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وإبقاء شريعته وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وإجزال أجره ومثوبته وإبداء فضله للأولين والآخرين بالمقام المحمود وتقديمه على كافة المقربين الشهود، ولا ينافي تفسيرها بالتعظيم عطف آله وصحبه عليه في ذلك لأن تعظيم كل أحد بحسب ما يليق به. وقيل معنى صلاة الله مغفرته وصلاة الملائكة الاستغفار ويمكن رجوعه لما قبله بجعل المغفرة نوعًا من أنواع التعظيم والاستغفار نوع من أنواع ذلك الدعاء واقتصر عليها للاهتمام بها، وقيل معنى صلاة الله تعالى رحمته وصلاة الملائكة رقة تبعث على استدعاء طلب الرحمة والثاني يرجع لما مر أنها منهم الدعاء، والأول: إن أريد بالرحمة فيه المقرونة بالتعظيم رجع لما مر أيضًا أنها من الله ثناؤه عليه وتعظيمه فيكون القولان متحدين بالحقيقة والخلاف في اللفظ فقط إذ لا يسمع أحد القول بأن صلاته تعالى أو رحمته بأمته بمعنى صلاته ورحمته للمؤمنين لأن القدر اللائق به من ذلك أرفع وأجل وهذا الأجل الأرفع فيه من الخصوص ما ليس في مطلق الرحمة فخص باسم الصلاة وخص اسمها باستعمال الأنبياء تمييزًا له ولهم بشرفه وشرفهم، وإن أريد بها مطلق الرحمة بوجه الاعتراض عليه بأن الله تعالى غاير بينهما في أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة والصحابة فهموا المغايرة لسؤالهم عن معنى الصلاة في الآية مع أنهم علموا السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فلو اتحدتا لما سألوا عن الصلاة لقال لهم النبي قد علمتم الصلاة بعلومكم الدعاء بالرحمة، وأيضًا فقد أجمعوا على جواز الترحم على الأنبياء واختلفوا على أقوال شتى في الصلاة على غير الأنبياء فهذا صريح في مغايرتهما، وعلى كون المراد بها الرحمة المقرونة بالتعظيم فيجاب عما أورد على الوجه المذكور بأن لا مانع من أن الصلاة رحمة خاصة فلما فيها من الخصوص غوير بينهما بالعطف وفي كلام الزمخشري تصريح بما يؤول إليه وبأنه إنما احتاج الصحابة إلى السؤال عن كيفيتها ليحيطوا بذلك الخصوص، ولا يرد عليه إجماعهم على جواز الترحم على غير الأنبياء واختلافهم في جواز الصلاة لما تقرر من أن الصلاة أخص ففيها معنى زائد على مطلق الرحمة فجازت مطلقًا اتفاقًا وامتنعت الصلاة على غير الأنبياء على قول رعاية لذلك المعنى لأخص ومن ثم وجبت بعد التشهد مع اشتماله على الدعاء بالرحمة، وهذا إن تأملته يظهر لك أن لا خلاف في الحقيقة بينه وبين

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القول بأنها من الله الثناء عليه - صلى الله عليه وسلم - وتعظيمه، وفي شرح المشكاة لابن حجر بعد أن أورد الصلاة بمطلق الرحمة بما سبق ما لفظه نعم قد تأتي الصلاة من الله بمعنى الرحمة كما في قوله تعالى هو الذي يصلي عليكم وملائكته وحينئذٍ فالصلاة من الله على الأنبياء تختص بالرحمة المقرونة بالتعظيم وعلى غيرهم لا تختص بذلك بل قد يكون منها ما هو مقرون بنوع تعظيم وقد لا بحسب مراتب المؤمنين ومما يؤيد ذلك أن من المعلوم أن القدر الذي يليق بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من الرحمة أرفع مما يليق بغيره اهـ. وفي الشفاء للقاضي عياض نقلًا عن أبي بكر القشيري الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - من الله تشريف وزيادة تكرمة وعلى من دون النبي - صلى الله عليه وسلم - رحمة وبهذا التقرير يظهر الفرق بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين سائر المؤمنين في قوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56]، مع قوله قبل ({هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} [الأحزاب: 43]، ومن المعلوم أن القدر الذي يليق به من ذلك أرفع مما يليق بغيره والإجماع منعقد على أن في هذه الآية من تعظيم شأن النبي - صلى الله عليه وسلم - والتنويه به ما ليس في غيرها اهـ. ملخصًا، ويحصل من خلاصة هذا المقال أن لا مخالفة بين الثلاثة الأقوال في تعظيمه - صلى الله عليه وسلم - والرحمة والاستغفار. وأما صلاة الملائكة فقيل الدعاء وقال ابن عباس فيما علقه عنه البخاري الدعاء بالبركة وقال المبرد هو رقة تبعث على استدعاء الرحمة وهو معنى قول غيره رقة ودعاء وقيل الاستغفار ولا مخالفة في الحقيقة بين هذه الأقوال كما هو ظاهر لأنها منهم بمعنى الدعاء الشامل للدعاء بالبركة أو المغفرة اللائقة بمقامه - صلى الله عليه وسلم - وبغيرهما من سائر المراتب اللائقة به - صلى الله عليه وسلم - والباعث عليها منهم ما ركبه الله فيهم من الرقة والمعرفة بحقوقه - صلى الله عليه وسلم - هو ومن خصص الدعاء بالبركة أو المغفرة لم يرد أنهم لا يدعون له بغير ذلك إذ لا دليل له على هذا الحصر وإنما أراد النص على أظهر مقاصد الدعاء عنده، فاجتمعت الأقوال واتضح المراد منها وهو أنهم يطلبون له - صلى الله عليه وسلم - من ربه من مزيد الثناء عليه وتعظيمه والإفضال عليه من بركته ومغفرته وغيرهما من المراتب العلية ما يليق بباهر كماله وعلى حاله - صلى الله عليه وسلم - وشرف وكرم. وأما صلاة مؤمني الإنس والجن عليه فهي بمعنى الدعاء أي طلب ما ذكر له من الله سبحانه. وإذا عرفت ذلك فعامة القراء

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على نصب الملائكة عطفًا على اسم إن قيل يصلون خبر عنهما وقيل عن الثاني وخبر الجلالة محذوف لدلالة يصلون عليه ورجح بتغاير معنى الصلاتين وظاهر كلام أبي حيان ترجيح الأول وعليه فترد حجة الثاني بأنه لا نظر للتغاير مع استعمال لفظ الصلاة للقدر المشترك كما مر بيانه وأيده بعضهم بقوله الصواب عندي أن الصلاة لغة بمعنى واحد هو العطف ثم بالنسبة إليه تعالى الرحمة وإلى الملائكة الاستغفار وإلى الآدميين دعاء بعضهم لبعض اهـ، وعليه فلا ينافي قوله - صلى الله عليه وسلم - لمن قال من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوي بئس خطيب القوم أنت قل ومن يعص الله ورسوله، وذلك لأن حكمة التشريك هنا أن هذا قول من الله شرف به الملائكة فلا يتوهم منه نقص ألبتة ومن ثم جمع نفسه - صلى الله عليه وسلم - مع ربه في قوله لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأما الخطيب فمنصبه قابل للزلل فنطقه بهذه العبارة ربما يتوهم منه لنقصه أنه جمع بينهما في الضمير لتساويهما عنده، وقرئ بالرفع وعليه فيحتمل أنه عطف على محل اسم أن ويصلون خبر عنهما وأن يكون يصلون خبر للملائكة وخبر الجلالة محذوف وهو مذهب البصريين لما مر ولئلا يتوارد عاملان على معمول واحد ولئلا يلزم الاشتراك والأصل عدمه ولأنا لا نعرف في العربية فعلًا واحدًا يختلف معناه باختلاف المسند إليه إذا كان الإسناد حقيقة وبما قدمناه من وضعها للقدر المشترك يرد الأخيران إذ لا اشتراك حينئذ ولا اختلاف باختلاف المسند إليه. ثم عبر بالجملة الاسمية المفيدة للدوام والاستمرار لتدل على دوام صلاة الله وملائكته على نبيه - صلى الله عليه وسلم - وهذه قرينة باهرة لم توجد لغيره - صلى الله عليه وسلم - وإن وجد أصل الصلاة لإبراهيم وآله كما يفيده حديث التشهد المراد على من زعم أنه ليس في القرآن ولا غيره فيما علم صلاة من الله على غير نبينا - صلى الله عليه وسلم - وفي هذا بلوغ أي بلوغ للمؤمنين بأنهم ينبغي لهم إدامة الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - تأسيًا بالله وملائكته في ذلك، وكما أفاد الجملة لكونها اسمية كذلك تفيد التجدد نظرًا لخبرها كما قالوا حكمة العدول عن الله مستهزئ بهم قصد استمرار الاستهزاء وتجدده وقتًا فوقتًا، وهذا أتم من تشريف آدم بأمر الملائكة بالسجود لاختصاصه بالملائكة والصلاة شاركهم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى فيها وسجودهم كان تأدبًا وأمرهم بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - كان توقيرًا له وتعظيمًا وأيضًا فذاك وقع مرة وانقطع وهذا دائم إلى يوم القيامة وأيضًا فالسجود لآدم إنما كان لما بجبهته من نور نبينا - صلى الله عليه وسلم - قاله الرازي، واكتفى بهذا التأكيد في جانب الصلاة أي بأن واسمية الجملة والإعلام بأنه تعالى وملائكته يصلون عن ذكر المصدر وأكد التسليم بالمصدر لفقد ذلك فيه فحسن تأكيده بالمصدر إذ ليس ثم ما يقوم مقامه إلى هذا يؤول قول ابن القيم التأكيد فيهما وإن اختلفت جهته فإنه تعالى أخبر في الأول بصلاته وملائكته مؤكدًا له بأن وبالجمع المفيد للعموم في الملائكة وفي هذا من تعظيمه - صلى الله عليه وسلم - يوجب المبادرة إلى الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - من غير توقف على أمر موافقة لله وملائكته في ذلك وبهذا استغنى عن تأكيد يصلي بالمصدر ولما خلا السلام عن هذا الأمر وجاء في حيز الأمر حسن تأكيده بالمصدر تحقيقًا للمعنى وإقامة لتأكيد الفعل مقام تكريره وحينئذ كما حصل التكرار في الصلاة خبرًا وطلبًا حصل التكرير في السلام فعلًا ومصدرًا وأيضًا فهي مقدمة عليه لفظًا والتقديم يفيد الاهتمام فحسن تأكيد السلام لئلا يتوهم قلة الاهتمام به لتأخره وأضيفت إلى الله وملائكته دونه وأمر المؤمنين بهما لأن له معنيين التحية والانقياد فأمرنا بهما لصحتهما منا ولم يضف هو لله ولا لملائكته حذرًا من إيهام أنه فيهما بمعنى الانقياد المستحيل في حقهما وقد يقال أيضًا الصلاة منهما متضمنة للسلام بمعنى التحية الذي لا يتصور منهما غيره فكان في إضافة الصلاة إليهما استلزام لوجود السلام منهما بهذا المعنى وأما الصلاة منا فهي وإن استلزمت التحية أيضًا إلّا أنا مخاطبون بالانقياد وهي لا تستلزمه فاحتيج إلى التصريح به فينا لأن الصلاة لا تغني عن معنييه المتصورين في حقنا المطلوبين منا وهذا أولى مما قبله لأن ذاك يرد عليه سلام على إبراهيم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم ولا يرد هذان على ما ذكرته فتأمله. وبما تقرر من كون السلام يأتي بمعنى التحية وهو المراد من سلام الله سبحانه على أنبيائه اندفع استشكال سلام الله عليهم بأنه دعاء وهو لا يتصور من الله تعالى لأنه الطلب والله سبحانه مدعو ومطلوب لا داع وطالب وحكمة مجيء السلام منه تعالى منكرًا مع كون التعريف في حق العبد أفضل بل واجب في سلام التحلل من الصلاة أن في صدوره منه

روينا في "صحيح مسلم" عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ صَلَّى عَلي صَلاة صَلى اللهُ عَلَيْهِ بِها عَشرًا". ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى على من مر غاية التعظيم والتشريف لهم فلم يحتج لمؤكد بخلافه من العبد فلم يعرف به ما يغني عن طلب تأكيده بالتعريف فكان أولى في حقه بل يلزمه فيما مر للاتباع مع عدم قيام المنكر مقام المعرف ويأتي السلام بمعنى السلامة مك النقائص وهي العصمة وبمعنى السلام الذي هو اسم من أسمائه تعالى فمعنى السلام على محمد - صلى الله عليه وسلم - على الأول اللهم سلمه من النقائص وعلى الثاني حفظ السلام أي الله عليه أي اللهم احفظه فهو على حذف مضاف ومعناه على أنه بمعنى الانقياد اللهم صير العباد منقادين له أي مذعنين له ولشريعته وتقدم في آخر أذكار التشهد حكمة الصلاة من العباد عليه - صلى الله عليه وسلم - وأنها تعود إلى الأمة بتكثير الثواب إليه - صلى الله عليه وسلم - بزيادة الترقيات في الفيوض الإلهية والله سبحانه وتعالي أعلم. قوله: (رَوَيْنَا في صحيح مُسلم الخ) أي في الحديث الذي رواه في إجابة المؤذن في آخره ثم صلوا علي فإنه من صلى عليَ الخ. قوله: (مَنْ صَلى علي الخ) أي اسأل الله أن يرحم نبيه - صلى الله عليه وسلم - رحمة مقرونة بغاية التعظيم اللائق به لما مر أنه الأصح في معنى صلاته تعالى على أنبيائه. قوله: (صَلَى الله عليْهِ) أي رحمه لما مر أن هذا معنى صلاة الله على غير الأنبياء لكنها رحمة جامعة واسعة تتفاوت الناس فيها بتفاوت مراتبهم فصلى فيهما من باب المشاكلة لأنه متفق لفظًا مختلف معنى ويصح اتفاقهما معنى أيضًا تخصيصًا للصلاة في القسمين بالرحمة المقرونة بالتعظيم للمصلي بين الملائكة تشريفًا لقدره وتنويهًا بذكره لكنها تختلف باختلاف مراتب الأنبياء ثم من دونهم وفي كلام المصنف كالقاضي عياض التصريح بذلك حيث قال معنى صلى عليه أي رحمه وضعف أجره كقوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]، وقد يكون الصلاة على وجهها وظاهرها كلامًا يسمعه الملائكة تعظيمًا للمصلي وتشريفًا له كما جاء وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وفي مسالك الحنفاء نقلًا عن الإمام تضاعفت الصلاة لأنها ليست حسنة واحدة بل حسنات إذ بها تجديد للايمان بالله تعالى أولًا ثم بالرسول ثانيًا ثم تعظيمه ثالثًا ثم بالعناية بطلب الكرامة له رابعًا ثم تجديد الإيمان باليوم الآخر خامسًا ثم بذكر الله سادسًا وعند

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر الصالحين تنزل الرحمة ثم تعظيمًا له بنسبتهم إليه سابعًا ثم بإظهار المرأة لهم ثامنًا ثم بالابتهال والتضرع في الدعاء تاسعًا ثم بالاعتراف عاشرًا بأن الأمر كله لله وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن جل قدره فهو محتاج إلى رحمة ربه، فهذه عشر حسنات سوى ما ورد الشرع من أن الحسنة بعشر أمثالها وسبق في باب إجابة المؤذن الجواب عما يقال أن القرآن نطق بأن الحسنة بعشر أمثالها. فما أفاده الخبر زيادة على ذلك بما حاصله أن في الخبر أعظم فائدة إذا القرآن اقتضى تضاعف الحسنة بعشر أمثالها والصلاة منها فاقتضى القرآن أن يعطى بذلك عشر درجات في الجنة، وأفاد الحديث الإخبار بأنه تعالى يصلي على من صلى على نبيه - صلى الله عليه وسلم - عشرًا وذكر الله للعبد أعظم من الحسنة مضاعفة وتحقيق ذلك أن الله تعالى لما لم يجعل جزاء ذكره إلَّا ذكره كذلك جعل جزاء ذكر نبيه - صلى الله عليه وسلم - ذكره اهـ. وما أحسن قول الشيخ العلامة برهان الدين بن أبي شريف نفع الله به من صرف فكره، واعمل الفكرة، تواردت عليه رسل المسرة بما أتحفه مولاه من المبرة وسره. يا لها بشارة تخللت من العروق المسالك. اين صلاة العبد من صلاة الملك فكيف والعبد يصلي مرة والله تعالى يصلي عشرًا، فكم مولاه أجرى له ثوابًا عميمًا وأجرًا اهـ. ومع ذلك فلم يقتصر على ذلك بل ضم إليها رفع عشر درجات وحط عشر سيئات وكتابة عشر حسنات وكن له كعتق عشر رقاب ومن علامة صلاة الله تعالى على عبده أن يرضيه بأنوار الإيمان ويحليه بحلية التوفيق ويتوجه بتاج الصدق ويسفط عن نفسه الأهواء والإرادات الفاسدة ويبدله به الرضا بالمقدور. وذكر البيهقي وغير أن مظالم العباد وإنما توفي من أصول الحسنات أما التضعيف أي ما زاد على الواحد بالنسبة لكل حسنة فمدخر للعبد حتى يدخل الجنة فيعطى ثوابه وهي فائدة جليلة أن عضدها خبر صحيح ثم العشر أقل ما ورد في جزاء الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - والله يضاعف لمن يشاء فلا ينافي الأحاديث التي فيها الزيادة على ذلك ثم يحتمل أن يكون ذلك الاختلاف لاختلاف أحوال المضاف ويحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - أخبر بالقليل أولًا ثم تفضل الله عليه وزاد فأخبر به والله أعلم. تنبيه نقل القاضي عياض أن هذا لمن صلى عليه - صلى الله عليه وسلم - محتسبًا مخلصًا قاضيًا بذلك حقه إجلالًا لمكانه وحبًّا فيه لا لمن

وروينا في "صحيح مسلم" أيضًا، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ صلى عليَّ واحدَةً صلى اللَّهُ علَيهِ عَشْرًا". وروينا في كتاب الترمذي، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أوْلى النَّاسِ بي يومَ القيامَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قصد بذلك مجرد الثواب أو رجاء الإجابة لدعائه أو الحظ لنفسه ثم قال وهذا عندي فيه نظر والله أعلم. قوله: (وَرَوَينَا في صَحِيحِ مُسلم الخ) وكذا رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح والنسائي وابن حبان في صحيحه وفي بعض ألفاظ الترمذي كذا ابن حبان عن أبي يعلى من صلى عليّ مرة كتب الله له عشر حسنات وفي لفظ ومحا عنه عشر سيئات وهي عند أحمد بسند رجاله رجال الصحيح غير ربعي بن إبراهيم وهو ثقة مأمون، في القول البديع وفي أمالي شيخه الحافظ بعد تخريج حديث الباب قال الترمذي حديث حسن صحيح وقال أي الترمذي قبل تخريجه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه قال من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه بها عشرًا وكتب له عشر حسنات قال كنا يعني العراقي يجهل أن يكون إشارة إلى حديث آخر غير حديث أبي هريرة وإن كانت هذه الألفاظ مروية عن أبي هريرة لكن لم تأت مجموعة قال الحافظ الرواية التي فيها لفظ بها جاءت من وجهين آخرين عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة وجاء عن العلاء من وجه آخر بلفظ كتب الله الخ. لكن ليس معطوفًا على ما قبله ولفظه من حديث أبي هريرة مرفوعًا من صلى علي واحدة كتب له بها عشر حسنات أخرجه الحافظ ثم أخرجها من طريق الغريابي هكذا ابن حبان فالذي يظهر أن هذا اختلاف على العلاء فإن أمكن الجمع بأن تجعل الحسنات تفسير الصلاة وإلّا فالرواية التي فيها صلوات أرجح لاتفاق ثلاثة عليها وهم حفاظ واقتصار مسلم عليها بخلاف الرواية الأخرى فانفرد بها راو صدوق إلّا أنه ليس من أهل الإتقان وإن ثبتت الرواية بالجمع بينهما يحمل أنه كان تامًّا عند العلاء فحدث ببعضه مرة وبالبعض الآخر أخرى وسيأتي قريبًا بهذا المعنى أحاديث من رواية غير أبي هريرة. قوله: (أَوْلى الناسِ بِي الخ) هكذا هو في النسخ المصححة من الأذكار والذي في الترمذي إن أولى الناس بي الخ. قال السيوطي قال ابن حبان

أكْثَرُهُمْ عليّ صَلاةً" قال الترمذي: حديث حسن. قال الترمذي: وفي الباب عن ـــــــــــــــــــــــــــــ أي أقربهم مني في القيامة قال فيه بيان أن أولاهم به - صلى الله عليه وسلم - أهل الحديث إذ ليس من هذه الأمة قوم أكثر صلاة عليه منهم وقال الخطيب البغدادي قال لنا أبو نعيم هذه منقبة شريف يختص بها رواة الآثار ونقلتها لأنه لا يعرف لعصابة مع العلماء من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر مما يعرف لهذه العصابة نسخًا وذكرًا وكذا قال غيره في ذلك بشارة عظيمة لهم لأنهم يصلون عليه - صلى الله عليه وسلم - قولًا وفعلًا نهارًا وليلًا وعند القراءة والصلاة فهم أكثر الناس صلاة وأخرج الحافظ عن سفيان الثوري لو لم يكتب لصاحب الحديث فائدة إلَّا الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي عليه ما دام في الكتاب قال الشيخ أبو طالب المكي أقل الإكثار ثلاثمائة وقال غيره لعله ممن يرى القول المحكى بالتواتر أنه أقل ما يحصل بثلاثمائة وتسعة عشر وألغى الكسر اهـ. قال الشيخ ابن حجر الهيتمي وأقول الظاهر أن الإكثار لا يحصل إلّا بتفريغ أكثر أوقات العبادة لها كما قيل في قوله تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب: 35] ويحتمل ضبط ذلك بأن يظهرها حتى يعرف بها بين يدي الناس اهـ. قوله: (وقَال حدِيث حَسَنٌ) قال السخاوي في القول البديع بعد حكايته ما لفظه وفي سنده موسى بن يعقوب الزمعي قال الدارقطني أنه تفرد به قلت وقد اختلف عليه فيه فقيل عن عبد الله بن شداد عن ابن مسعود بلا واسطة هكدا رواه الترمذي والبخاري في تاريخه الكبير وابن أبي عاصم وكذا هي عند أبي الحسين الزيني في مشيخته من الطريق التي أخرجها الترمذي وقيل عن عبد الله بن شداد عن أبيه عن ابن مسعود وهكذا أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة ومن طريقه رواه ابن حبان في صحيحه وأبو نعيم وابن بشكوال وهكذا رواه ابن أبي عاصم أيضًا في فضل الصلاة وابن عدي في كامله والدينوري في مجالسته والدارقطني في الأفراد والتيمي في الترغيب وابن الجراح في أماليه وأبو النمر ابن عساكر من طريق أبي الطاهر الذهلي وغيرهم وهذه الرواية أكثر وأشهر والزمعي قال فيه النسائي ليس بالقوي لكن وثقه ابن معين فحسبك به وكذا وثقه أبو داود وابن حبان وابن عدي وجماعة وأشار البخاري في التاريخ أيضًا إلى أن الزمعي رواه عن ابن كيسان عن عتبة بن عبد الله بن مسعود والله أعلم اهـ. قوله: (قَال الترمِذِيُّ وفي البَاب الخ) وسيأتي ترجمة ابن عوف وعامر بن ربيعة وعمار وأبي طلحة في أحاديث تروى عنهم إن

عبد الرحمن بن عوف، وعامر بن ربيعة، وعمار، وأبي طلحة، وأنس، وأبي بن كعب، رضي الله عنهم. وروينا في سنن أبي داود، والنسائي، وابن ماجه ـــــــــــــــــــــــــــــ شاء الله تعالى وتقدمت ترجمة الباقين. قوله: (وَرَوَينَا في سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ الخ) أي واللفظ لأبي داود كما في السلاح ورواه الحاكم في المستدرك من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه ولفظه فإنه ليس يصلي علي أحد يوم الجمعة إلَّا عرضت علي صلاته وفي الجامع الصغير ورواه أحمد وابن حبان والحاكم في صحاحهم وقال هذا صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ولذا قال الحافظ المنذري وله علة دقيقة أشار إليها البخاري وغيره من النقاد اهـ. قال ميرك العلة المشار إليها هي أن كل من أخرج هذا الحديث أخرجه من طريق ابن علي بن الوليد الجعفي الكوفي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الأشعث الصغاني عن أوس بن أوس وبعد تأمل هذا الإسناد لم يشك في صحته لثقة رواته وشهرتهم وقبول أحاديثهم وقال البخاري حسين الجعفي لم يسمع من عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وإنما سمع من عبد الرحمن بن يزيد بن تميم وهو محتج به فلما حدث به حسين غلط في اسم الجد وقال ابن جابر وقال غير واحد من الحفاظ إن ابن تميم ضعيف عندهم له مناكير وهو شيخ حسين في هذا الحديث اهـ، ونقل الحافظ أن ابن أبي حاتم أعله بذلك ورده الدارقطني بأن سماع حسين بن علي الجعفي من عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثابت وإليه جنح الخطيب والعلم عند الله اهـ. قال القسطلاني في مسالك الحنفاء وأجيب بأن حسينًا الجعفي قد صرح بسماعه من عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ففي صحيح ابن حبان التصريح من حسين بأنه سمعه من عبد الرحمن وأما قولهم أنه ظنه ابن جابر وإنما هو ابن تميم فغلط في اسم جده فبعيد فإنه لم يكن ليشتبه على حسين هذا بهذا مع ثقته وعلمه بهما وسماعه منهما وقال الدارقطني في كلامه على أبي حاتم في الضعف أما قوله حسين الجعفي روي عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم فخطأ إذ الذي يروي عنه حسين هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وأبو أسامة يروي عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم فيغلط في اسم جده اهـ. ثم للحديث شواهد حديث أبي هريرة وأبي الدرداء وأبي مسعود الأنصاري

بالأسانيد الصحيحة عن أوس بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن مِنْ أفْضَلِ أيَامِكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فأكثِروا عَليَّ منَ الصَّلاةِ فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأبي أمامة وأنس بن مالك وغيرهم ثم بين طرق تلك الشواهد والله أعلم، وقال ابن حجر الهيتمي في الدر من قال إن الحديث منكر أو غريب لعلة خفية به فقد استروح لأن الدارقطني ردها اهـ، وفي شرح المشكاة فقول أبي حاتم أنه منكر وابن العربي أنه لم يثبت وأبي اليمن أنه غريب مردود بما ذكر أي من انتفاء علته. قوله: (بالأَسَانيدِ الصحِيحَةِ) نظر فيه الحافظ بأنه يوهم أن للحديث في السنن الثلاثة طرقًا إلى أوس وليس كذلك كما عرفت إذ مداره عندهم وعند غيرهم على الجعفي تفرد به عن شيخه وكذا من فوقه وكأن الشيخ قصد بالأسانيد شيوخهم خاصة اهـ. تنبيه وقع هذا الحديث عن ابن ماجة هكذا على الصواب عن أوس بن أوس في كتاب الجنائز ووقع له فيه وهم في كتاب الصلاة أخرجه عن شداد بن أوس نبه عليه المزي وغيره. تنبيه اختصر الشيخ من المتن ولفظه عند رواته قال - صلى الله عليه وسلم - من أفضل يومكم يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه الخ. والباقي سواء. في: (عَن أَوْسِ أبنِ أَوسٍ) قال في أسد الغابة وقيل ابن أبي أوس عداده في أهل الشام روى عنه أبو الأشعث الصغاني وعبد الله بن جرير قال في السلاح وليس لأوس هذا في الكتب الستة سوى هذا الحديث وحديث من غسل يوم الجمعة واغتسل رواه الأربعة اهـ، وزاد المصنف في التهذيب حديثًا في الصيام. قوله: (إِن مِنْ أَفضَلِ أَيامِكُم يومَ الجمعةِ) تتمته كما في أبي داود وغيره فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه الخ. قال العلقمي نقلًا عن البيضاوي لا شك أن خلق آدم فيه يوجب له شرفًا ومزية وكذا وفاته فإنه سبب لوصوله إلى الجناب الأقدس والخلاص من النكبات وكذا قيام الساعة لأنه من أسباب توصل أرباب الكمال إلى ما أعد لهم من النعيم المقيم قال الراغب الموت أحد الأسباب الموصلة إلى النعيم فهو وإن كان في الظاهر فناء واضمحلالًا لكن في الحقيقة ولادة ثانية وهو باب من أبواب الجنة منه يتوصل إليها ولو لم يكن إلَّا المنة من الله تعالى به

فإن صلاتكُمْ مَعْرُوضةٌ عليَّ، فقالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك ـــــــــــــــــــــــــــــ على الإنسان قال تعالى خلق الموت والحياة قدم الموت على الحياة تنبيهًا على أنه يتوصل منه إلى الحياة الحقيقية وعده علينا من الآلاء في قوله تعالى: (كلُّ مَن عَلَيهَا فَانٍ) [الرحمن: 26] اهـ. قوله: (فإِنَّ صلاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عليَّ) قال ابن حجر الهيتمي في الدر المنضود وقد علم من هذه الأحاديث أنه - صلى الله عليه وسلم - يبلغ الصلاة والسلام عليه إذا صدرا من بعد ويسمعهما إذا كانا عند قبره الشريف بلا واسطة سواء ليلة الجمعة وغيرها وأفتى النووي فيمن حلف بالطلاق الثلاث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسمع الصلاة عليه بأنه لا يحكم بالحنث للشك في ذلك والورع أن يلتزم الحنث وما قيل من أن رده - صلى الله عليه وسلم - مختص بسلام زائره مردود بعموم الأحاديث فدعوى التخصيص تحتاج لدليل وأيضًا ففي الخبر الصحيح ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن ومن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلَّا عرفه ورد - عليه السلام - فلو خص رده - صلى الله عليه وسلم - بزائره لم يكن له خصوصية به لما علمت من مشاركة غيره له في ذلك قال أبو اليمن ابن عساكر وإذا جاز رده - صلى الله عليه وسلم - على جميع من يسلم عليه من الزائرين جاز رده على من يسلم من جميع الآفاق من جميع أمته اهـ. لكن في الحرز لا خفاء في أن حديث أن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام يدل على أن الصلاة مطلقًا معروضة عليه فالجمع بينه وبين حديث الجمعة بأن يوم الجمعة لمزيد الفضيلة تعرض عليه من غير واسطة كما فرق به بين الصلاة عند الروضة الشريفة وسائر البقاع المنيفة فقد أخرج أبو الشيخ في كتاب ثواب الأعمال بسند جيد مرفوعًا من صلى عليّ عند قبري سمعته ومن صلى علي نائيًا بلغته وأبعد الحنفي في قوله إن هذه الملائكة إنما يعرض عليه يوم الجمعة وكذا الحال في رد الروح عليه ورده السلام على أنه يمكن أن يقال أنه ليس من قبيل العرض هـ. وبعده لا يخفى وما جمع به في الحرز يحتاج لمستند والفرق بين المقيس والمقيس عليه واضح لظهور مستنده في المقيس عليه من الأخبار الجيدة الصريحة في ذلك ولا كذلك المقيس والله أعلم، ويمكن أن يقال والله أعلم، بحقيقة الحال إن للصلاة يوم الجمعة عرضًا خاصًّا لا يعلم كنهه ولا كذلك عرض باقي الأيام والفرق شرف يوم الجمعة على باقي الأيام والحديث يدل لذلك والله أعلم. قوله: (قالُوا وكيفَ تُعرَضُ صلاتُنا عليك الخ) قال القسطلاني في المسالك إن قلت إقراره - صلى الله عليه وسلم - السائل

وقد أرَمْتَ؟ قال: يقول بليت: إن اللهَ حَرَّمَ على الأرْضِ أجْسادَ الأنْبِياءِ". قلت: أرمت بفتح الراء وإسكان الميم وفتح التاء المخففة. قال الخطابي: أصله: أرممت، فحذفوا إحدى الميمين، وهي لغة لبعض العرب، كما قالوا: ظلت أفعل كذا: أي ظللت، في نظائر لذلك. وقال غيره: إنما هو أرَمَّت بفتح الراء والميم المشددة وإسكان التاء: أي: أرمَّت العظام، وقيل: فيه أقوال أخر، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ على هذا السؤال يدل على أن جسده يأكله التراب وإلَّا فكان يجيبه بأني لم أرم اهـ. قلت وفيه نظر فإن رده بقوله إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء قال الترمذي الحكيم وقد ترأت الأرض عنهم فلم تتبعهم بما أكلوا منها لأنهم تناولوه بالحق والعدل فبالنبوة مروا في هذا الأمر والنبوة من الحق والعدل فخلفاء النبيين من أعطى الحق والعدل كذلك ليس للأرض عليهم سلطان دليله حديث جابر لما نقلوا شهداء أحد عن قبورهم نحوًا من أربعين سنة فأخرجوا رطابًا ينثنون حتى أصابت المسحاة قدم حمزة رضي الله عنه فانبعث الدم طريًّا فإذا كان هذا حال الشهداء في قبورهم فانظر ما حال الصديقين فإنهم أعلى منهم اهـ. قال القسطلاني: إن قلت ما وجه تعلق قوله فإن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء والبلاغ بعد الموت لا تعلق له بالأجساد أجيب بأنه لما كان الكلام لبيان ما اختص به في الموت من البلاغ أورد فيه ببيان خصوصية أخرى له ولغيره من الأنبياء هي أن الأرض لا تأكل أجسادهم اهـ. قوله: (وقَال غيرُهُ إِنما هُو أَرَمَّتْ الخ) قال في النهاية وكثيرًا ما تروى هذه اللفظة بتشديد الميم وهي لغة ناس من بكر بن وائل وقال الحربي كذا يرويه المحدثون بالتشديد وفتح التاء ولا أعرف وجهه والصواب أرمت بسكونها فتكون التاء لتأنيث العظام لكن سيأتي أن ناسًا من بكر بن وائل يقولون ردت بتشديد الدال مع تاء الفاعل وفيه أقوال أخر منها أنه أرمت بتشديد التاء على أنه أدغم أحد الميمين فيها قال في النهاية وهذا قول ساقط لأن الميم لا تدغم في التاء أبدًا ومنها أنه يجوز أرمت بضم الهمزة من قولهم أرمت الإبل تأرم إذا تناولت العلف وقلعته من الأرض كذا في النهاية وفي نسخة صحيحة من

وروينا في "سنن أبي داود" في آخر كتاب الحج في باب زيارة القبور بالإسناد الصحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ـــــــــــــــــــــــــــــ السلاح مقابلة بأصل المؤلف مرارًا وحكى فيه ابن دحية فتح الهمزة وكسر الراء من قولهم أرمت الإبل تأرم إذا تناولت العلف اهـ، ولعله جاء بالبناء للفاعل والمفعول فنقل كل منهما أحد الوجهين وسكت على الثاني وفي النهاية بعد حكاية هذه الأقوال وأصل هذه الكلمة من رم الميت وأرم إذا بلي والرمة العظم البالي والفعل الماضي من أرم للمتكلم والمخاطب أرمت وأرمت بإظهار التضعيف وكذا كل فعل مضعف فإنه يظهر فيه التضعيف معهما لأن تاء الفاعل متحركة لا يكون قبلها إلا ساكن فإذا سكن ما قبلها وهي الميم الثانية والأولى ساكنة للإدغام فيلتقي الساكنان ولا يجوز الجمع بينهما ولا تحريك الثاني لأنه وجب سكونه لأجل تاء الفاعل فلم يبق إلّا تحريك الأول وحيث حرك ظهر التضعيف والذي جاء في هذا الحديث بالإدغام وحيث لم يظهر التضعيف فيه على ما جاء في الرواية احتاجوا أن يشددوا التاء ليكون ما قبلها ساكنًا حيث تعذر تحريك الميم الثانية أو يتركوا القياس في التزام ما قبل تاء الفاعل فإن صحت الرواية ولم تكن محرفة فلا يمكن تخريجه إلّا على لغة بعض العرب فإن الخليل زعم أن ناسًا من بكر بن وائل يقولون ردت وكذلك مع جماعة المؤنث يقولون ردن ومرن يريدون رددت ومررن وأرددن وأمررن فكأنهم قدروا الإدغام قبل دخول التاء والنون فيكون لفظ الحديث أرمت بتشديد الميم وفتح التاء والله أعلم. قوله: (وَرَوَينَا في سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) قال الحافظ بعد تخريجه حديث حمسن وفي معنى حديث أبي هريرة هذا علي بن الحسين وهو حسن الإسناد قال الحافظ وللحديث شاهد من رواية الحسن بن علي رضي الله عنهما أخرجه إسماعيل بن إسحاق القاضي في كتاب فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وقولها أخرج ما قبله وأخرج حديث الحسن بن أبي عاصم والطبراني من وجه آخر وقال السخاوي في القول البديع في الكلام على حديث الباب ورواه أحمد في مسنده وابن قيل في حزبه المروي هنا وصححه النووي في الأذكار اهـ. أي بقوله بالإسناد الصحيح وإذا قال ذلك الحافظ الناقد

"لا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا، وَصَلوا عليّ، فإن صَلاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حيثُ كنْتُمْ". ـــــــــــــــــــــــــــــ في السند ولم يعقب المتن بشيء كان ذلك الحكم جاريا في المتن. قوله: (لَا تجْعلوا قبْري عيدا الخ) قال في السلاح يحتمل أن يكون المراد الحث على كثرة زيارته ولا تجعلوا كالعيد الذي لا يأتي في العام إلّا مرتين ويؤيد هذا قوله - صلى الله عليه وسلم - لا تجعلوا بيوتكم قبورًا ولا تجعلوا قبري الخ. أي لا تتركوا الصلاة في بيوتكم حتى تجعلوها كالقبور التي لا يصلى فيها اهـ، ونظر فيه السخاوي وتلميذه القسطلاني واستظهر أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما أشار بذلك إلى ما في الحديث الآخر من نهيه عن اتخاذ قبره مسجدًا ويكون المراد بقوله لا تجعلوا قبري عيدًا أي من حيث الاجتماع عنده للهو والزينة والرقص وغيرها من المحدثات التي تعمل في الأعياد وذكر بعض شراح المصابيح ما نصه في الكلام حذف تقديره لا تجعلوا زيارة قبري عيدًا ومعناه النهي عن الاجتماع لزيارته - عليه السلام - اجتماعهم للعيد وقد كانت اليهود والنصارى يجتمعون لزيارة قبور أنبيائهم ويشتغلون باللهو والطرب فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته عن ذلك وقيل يحتمل أن يكون نهيه عليه الصلاة والسلام لدفع المشقة عن أمته أو الكراهة أن يتجاوزوا في تعظيم قبره غاية التجاوز، والحث على زيارة قبره الشريف قد جاء في عدة أحاديث لو لم يكن منها إلَّا وعد الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - بوجوب الشفاعة لكان كافيًا في الدلالة على ذلك وقد اتفق الأئمة من بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - إلى زماننا هذا على أن زيارته - صلى الله عليه وسلم - من أفضل القربات اهـ. وفيما نظرا به نظر إذ لا يلزم من ظهور ما ذكراه واستشهدا عليه بكلام شارح المصابيح بطلان الاحتمال الذي أشار إليه صاحب السلاح بل هو احتمال وجيه ولذا قدمه ابن حجر الهيتمي في شرح المفصلاة في الأقوال في معنى الحديث وزاد وقيل العيد اسم من الاعتياد يقال عاده واعتاده وتعوده صار له عادة أي لا تجعلوا قبري محلًا لاعتياد المجيء إليه متكررًا تكريرًا كثيرًا بحيث يؤدي إلى الملل وسوء الأدب وسقوط الإعظام والإجلال بالظاهر والباطن ومن لم يقدر على ذلك فليصل عليّ فإن فيها كفاية عن ذلك كما رمز لذلك - صلى الله عليه وسلم - بقوله عقب النهي وصلوا عليّ الخ. قوله: (فإِن صَلاتَكمْ تَبلُغُني حيث كُنتُمْ) قال في المسالك قال القاضي البيضاوي وذلك لأن النفوس القدسية إذا تجردت عن العلائق البدنية عرجت واتصلت بالملأ الأعلى ولم يبق لها حجاب فترى الكل كالمشاهد بنفسها أو بأخبار الملك لها وفيه

وروينا فيه أيضًا بإسناد صحيح، عن أبي هريرة أيضًا، أن رسول الله ـــــــــــــــــــــــــــــ سر يطلع عليه من تيسر له اهـ، وفي شرح المشكاة لابن حجر بعد أحاديث أوردها في معنى حديث أبي هريرة يؤخذ من هذه الأحاديث أنه - صلى الله عليه وسلم - حي على الدوام لأنه يستحيل عادة أن يخلو الوجود كله من واحد يسلم عليه في ليل أو نهار وقد أجمعوا على أنه - صلى الله عليه وسلم - حي يرزق في قبره وأن جسده الشريف لا تأكله الأرض وأن روحه القدسية لما تجردت عن العلائق الدنيوية صار لها قوة العروج والاتصال بالملأ الأعلى فارتفعت جميع حجبها الحسية فترى جميع ما يصل إليها من الأمة من صلاة وسلام وغيرهما كالمشاهد وتبليغ الملك لذلك إنما هو لمزيد التشريف والتكريم والإجلال والتعظيم ألا ترى إلى ملوك الدنيا تعرض عليهم الهدايا في الملأ وإن علموا بها في السر إظهارًا لعظمتهم وقد يكون فيه إظهار لعظمة المهدي فكذا ما نحن فيه اهـ. قال الحافظ قد تقدم في حديث عمار الذي أشار إليه الترمذي وأخرجه البزار وغيره بيان من يبلغه ذلك - صلى الله عليه وسلم - وتقدم ذكر شاهده، في معنى حديث عمار حديث لأبي أمامة أخرجه الطبراني من رواية مكحول عنه قال قال - صلى الله عليه وسلم - من صلى علي صلى عليه ملك يبلغنيها وفي حديث لابن مسعود أخرجه أحمد والنسائي والدرامي وصححه ابن حبان والحاكم من رواية ذادان عنه قال قال - صلى الله عليه وسلم - إن لله ملائكة سياحين يبلغونني عن أمتي السلام ويجمع بينه وبين حديث عمار بأن الملك الموكل يخبر السياحين اهـ. وفي كتاب مفاخر الإسلام لابن صعد التلمساني عن علي رضي الله عنه من جملة حديث مرفوعًا ماذا قال اللهم صلي على محمد قال الملك الذي عند رأسي يا محمد إن فلانًا يصلي عليك فأقول صلى الله عليه كما صلى علي وخرج الحافظ ابن عبد البر بسند فيه ابن لهيعة عن عبد الرحمن بن وردان قال - صلى الله عليه وسلم - والذي نفسي بيده ما منكم من أحد يسلم علي إذا أنا من إلَّا جاء جبريل فيقول يا محمد هذا فلان وابن فلان فيرفع له في النسب حتى أعرفه فأقول نعم فيقول هو يقرأ عليك السلام ورحمة الله وبركاته فأقول - عليه السلام - ورحمة الله وبركاته اهـ. قوله: (وَرَوَينَا فيهِ أيْضا الخ) ورواه أحمد وأبو داود والبيهقي في الدعوات والطبراني وعباس الرفقي ومن طريقه أبو اليمن ابن عساكر وسنده حسن بل صححه في الأذكار وغيره وفيه نظر كذا في القول البديع للسخاوي ووجهه أن

- صلى الله عليه وسلم - قال: "ما منْ أحَدٍ يسلم عليّ إلا رَدّ اللَّهُ عَلي رُوحي حَتى أرُد علَيهِ السلام". ـــــــــــــــــــــــــــــ إسناد أبي داود ينتهي إلى يزيد بن عبد الله وهو ابن قسيط الليثي المدني، قال ابن القيم سألت شيخنا يعني ابن تيمية عن سماع زيد بن عبد الله من أبي هريرة فقال ما كأنه أدركه وهو ضعيف ففي سماعه منه نظر اهـ. وتعقبه القسطلاني في المسالك قال الحافظ بعد تخريجه الحديث أنه حديث غريب أخرجه أحمد وأبو داود ورجاله رجال الصحيح إلّا أبا صخر فأخرج له مسلم وحده وقد اختلف فيه قول ابن معين ثم في ابن قسيط مقال توقف فيه مالك فقال في حديث آخر من روايته خارج الموطأ ووصله ليس بذاك اهـ، وانفراده بهذا عن أبي هريرة يمنع من الجزم بصحته اهـ. لكن نقل القسطلاني في المسالك توثيقه عن جماعة منهم ابن معين فقال ليس به بأس وابن سعد فقال كان كثير الحديث ونقل ذلك عن مذهب التهذيب ثم رأيته في الكاشف قال يزيد بن عبد الله بن قسيط الليثي عن أبي هريرة وعنه مالك وثقه النسائي وهو يؤيد ما نقله القسطلاني وبه يقوى القول بصحة الحديث لانتفاء العلة المذكورة والله أعلم. قال الحافظ ذكر الشيخ الموفق ابن قدامة في معنى هذا الحديث وفيه زيادة بعد قوله - صلى الله عليه وسلم - من سلم عليّ "عند قبري" ولم أرها في شيء من طرق الحديث والعلم عند الله اهـ. ثم هذا الحديث لم يخرجه من أصحاب الكتب الستة غير أبي داود فقول الشيخ تاج الدين الفاكهاني في كتابه الفجر المنير روينا في الترمذي وذكره سهو نبه عليه القسطلاني في المسالك ثم لفظ أبي داود رد الله علي. قوله: (إلا ردَّ الله عَلي رُوحِي) أي نطقي ثم لفظ أبي داود رد الله عليّ ولفظ رواية البيهقي وأحمد رد الله إلي بالهمزة بدل العين وهو ألطف وأنسب إذ بين التعديين فرق لطيف فإن رد تعددى بعلى في الإهانة وبإلى في الإكرام قال في الصحاح ورد عليه الشيء إذا لم يقبله وكذلك إذا خطأه ورد إليه جوابًا أي رجع ناسيًا ثم أثبت ومن الأول يردوكم على أعقابكم ومن الثاني يردون إلى عالم الغيب والشهادة، لما جاء من النصوص والإجماع على أن أنه - صلى الله عليه وسلم - حي في قبره على الدوام لكن لا يلزم من حياته النطق فالله سبحانه وتعالى يرد عليه النطق عند سلام كل مسلم عليه وعلاقة المجاز أن النطق من لازمه وجود الروح كما أن الروح من لازمه وجود النطق بالفعل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والقوة فعبر - صلى الله عليه وسلم - بأحد المتلازمين عن الآخر وكون النطق يعاد عند سلام المسلم ألا يلزم منه منعه منه فيما عدا ذلك وبه يرد ما يقال إن ظاهر هذا الجواب أنه - صلى الله عليه وسلم - مع كونه حيًّا في البرزخ يمنع عنه النطق في بعض الأوقات ويرد عليه عند سلام المسلم عليه: لأن حال النطق عند فقد المسلم عليه، وإن كان لا يكون ذلك لعدم خلو زمن من مصل عليه - صلى الله عليه وسلم - في سائر الأقطار، مسكوت عنه لا أنه مجزوم بمنعه من النطق حينئذ حتى يقال أنه - صلى الله عليه وسلم - ممنوع من النطق بعض الأحيان وذلك ما لا يليق بعلي ذلك الشأن والله أعلم. لا يقال الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون ومن لازم صلاتهم نطقهم فكيف يرد النطق حينئذٍ لأنا نقول لا يلزم من الصلاة النطق العادي المتضمن لخطاب الآدمي قيل ونظير تأويل الروح بالنطق هنا تأويل الغين في أنه ليغان على قلبي فاستغفر الله قالوا ليس المراد وسوسة ولا ذنبًا وإن كان أصل الغين ما يغشى القلب ويغطيه إنما أشار - صلى الله عليه وسلم - إلى ما يحصل له من نوع فترة عن دوام الشهود والذكر وما كلفه من أعباء الرسالة وأداء الأمانة فكان حينئذ يستغفر ليزداد علوًا وقربًا وشهودًا وحبًّا وقال بعض العارفين أنه غين أنوار لا غين أغيار أي أنه كان يغشى قلبه الشريف من أنوار الشهود والقرب ما يخرجه عن عاداته وهو المشار إليه بلي وقت لا يسعني فيه غير ربي فإذا زال عنه ذلك الاستغراق تجلت عليه مظاهر الجلال فخضع واستغفر، وقيل المراد بالروح النطق وبالرد الاستمرار من غير مفارقة بل كنى به عن مطلق الصيرورة ففي الحديث على هذا مجازان مجاز استعارة تبعية في لفظ رد ومجاز مرسل في لفظ الروح وقال في تخريجه يمكن أن يؤول رد الروح بحضور الفكر كما قالوا في قوله يغان على قلبي والعلم عند الله اهـ. وأجاب البيهقي بأن معنى رد روحه عودها بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - لرد سلام من يسلم عليه واستمرت في جسده الشريف لا أنها تعاد ثم تنزع ثم تعاد وقيل المراد ظاهره لكنه بدون نزع ولا مشقة وقيل المراد برد روحه الشريفة التفرغ من الشغل وفراغ البال مما هو بصدده في البرزخ من النظر في أعمال أمته والاستغفار لهم من السيئات والدعاء بكشف البلاء عنهم وقال بعضهم هذا إخبار منه - صلى الله عليه وسلم - عما بعد وفاته ورقي روحه الشريفة إلى أقصى درجاته فتعرض أمور أمته السارة له عليه كما يعرض على الملك أمور رعيته ولعل المعنى فيه كما في شرح المشكاة أي للطيبي أن روحه السعيدة المقدسة في شأن ما في الحضرة الإلهية فإذا بلغه سلام أحد من الأمة رد الله تعالى عليه

باب أمر من ذكر عنده النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة عليه والتسيم - صلى الله عليه وسلم -

باب أمر من ذكر عنده النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة عليه والتسيم - صلى الله عليه وسلم - روينا في كتاب الترمذي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ـــــــــــــــــــــــــــــ روحه من تلك الحال إلى رد السلام على من سلم عليه وكذلك كان شأنه - صلى الله عليه وسلم - وعادته في الدنيا يفيض على أمته من سحائب الوحي الإلهي ما أفاضه الله منه عليه ولا يشغله هذا الشأن وهو شأن إفاضة الأنوار القدسية على أمته عن شأنه بالحضرة الإلهية فقد أقدره الله تعالى على كمال شهود الجمع في عين الفرق من غير أن يشغله شأن عن شأن وكذلك يكون كذلك يكون - صلى الله عليه وسلم - عند إعطائه المقام المحمود فهو دائم الإمداد لأمته في الدنيا والبرزخ في العقبى جزاه الله عنا أفضل ما جزى نبينا عن أمته، ومثل هذا جواب المتقي السبكي رحمه الله بقوله يحتمل أن يكون ردًّا معنويًّا وأن تكون روحه الشريفة بشهود مشتغلة بالحضرة الإلهية والملأ الأعلى عن هذا العالم فإذا سلم عليه أقبلت روحه الشريفة على هذا العالم لتدرك سلام من يسلم عليه ويرد عليه اهـ. وقد أجيب عنه بأجوبة أخرى أودعها الحافظ السيوطي في جزء وارتضى منها قوله رد الله علي روحي جملة حالية قال وقاعدة العربية أن جملة الحال إذا وقعت فعلًا ماضيًا قدر فيها قد لا سيما وقد أخرج البيهقي الحديث في حب الأنبياء بلفظ وقد رد الله على روحي والجملة ماضوية سابقة على السلام الواقع من كل أحد وحتى ليست تعليلية بل مجرد حرف عطف بمعنى الواو فصار تقدير الحديث: ما من أحد يسلم علي إلّا قد رد الله عليّ روحي قبل ذلك وأرد عليه قال وإنما جاء الإشكال من ظن أن جملة رد الله علي بمعنى الحال أو الاستقبال وظن أن حتى للتعليل وليس كذلك وبهذا التقرير ارتفع الإشكال من أصله اهـ. باب أمر من ذكر عنده النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة عليه والتسيم - صلى الله عليه وسلم - قوله: (رَوَيَنَا في كِتابِ الترْمذِي الخ) أي رواه الترمذي هكذا مختصرًا واللفظ له

"رَغِمَ أنْفُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ورواه ابن حبان في صحيحه وقال الترمذي حسن غريب من هذا الوجه. قال: وروي عن بعض أهل العلم قال إذا صلى الرجل على النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة في المجلس أجزأ عنه ما كان في ذلك المجلس كذا في السلاح وقال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن صحيح وقول الترمذي أنه غريب أراد بالغرابة تفرد عبد الرحمن بن إسحاق عن شعيب بن أبي سعيد المقري به وأما ربعي بن إبراهيم أخو إسماعيل بن إبراهيم يعني ابن علية الراوي له عن عبد الرحمن فقد توبع عليه وخرجه البخاري في الأدب المفرد وابن حبان والحاكم من رواية بشر بن المفضل وأخرجه ابن أبي عاصم من رواية يزيد بن زريع كلاهما عن عبد الرحمن وتوبع سعيد عن أبي هريرة وخرجه ابن خزيمة في كتاب الصيام من صحيحه وفي سنده راو مختلف فيه إلّا أنه اعتضد وأخرجه ابن حبان في صحيحه والدارقطني في الأفراد عن أبي هريرة من فعل كذا في الأمور الثلاثة فدخل النار فأبعده الله. قال الترمذي بعد تخريج الحديث وفي الباب عن أنس وجابر قال الحافظ حديث أنس بنحوه أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو بكر بن أبي شيبة والبزار وحديث جابر بن عبد الله لفظه مختصرًا ويأتي قريبًا في آخر الباب ووجد الحديث من حديث جابر بن سمرة وعبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وكعب بن عجرة وعبد الله بن عباس ومالك بن الحويرث وعبد الله بن الحارث كملوا عشرة أما حديث جابر بن سمرة فأخرجه البزار والدارقطني في الأفراد وحديث عمار ولفظه كالذي قبله رغم أنف رجل وحديث كعب بن عجرة أخرجه البخاري في الأدب المفرد والطبراني وحديث مالك بن الحويرث أخرجه ابن حبان في صحيحه والطبراني وحديث عبد الله بن الحارث أخرجه البزار وابن أبي عاصم وفي حديث هؤلاء الأربعة فأبعده الله أو بعده ولم يقولوا رغم أنف وساقوا الأمور الثلاثة بألفاظ مختلفة انتهى من جملة حديث وله طرق كثيرة بعضها صحيح وبعضها حسن وبعضها ضعيف كذا في شرح المشكاة لابن حجر والحديث عند الحاكم في المستدرك. قوله: (رَغِمَ أَنفُ

رجلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فلمْ يُصَل عَليّ" قال الترمذي: حديث حسن. ـــــــــــــــــــــــــــــ رَجلٍ الخ) يقال بكسر الغين وفتحها لغتان حكاهما الجوهري وذكرهما المصنف في شرح مسلم لكن قيل روايتنا هنا بالكسر، رغمًا بتثليث رائه ومعناه لصق بالرغام وهو التراب وأرغم الله أنفه أي ألصقه به. وهذا من النبي - صلى الله عليه وسلم - دعاء مؤكد على من قصر في ذلك، قال القرطبي: يحتمل أن يكون معناه صرعه الله لأنفه فأهلكه وهذا إنما يكون في حق من لم يقم بما يجب عليه وأن يكون بمعنى أذله الله لأن من ألصق أنفه الذي هو أشرف أعضائه بالتراب الذي هو موطئ الأقدام أخس الأشياء فقد انتهى من الذل إلى الغاية القصوى قال ولهذا يصلح أن يدعى به على من فرط في متأكدات المندوبات ولمن فرط في الواجبات، ذكر ذلك في حديث بر الوالدين من شرحه على مختصر مسلم وسببه أن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - كناية عن تعظيمه وتبجيله فمن عظمه عظمه الله ورفع قدره ومن لا أذله الله وأهانه لتهاونه بأمر الواسطة الكريمة من غير مشقة أصلًا تحصل له لو صلى عليه وتضييعه ما أعده الله له في صلاته له من مقابلة الواحدة عشرًا بل سبعين بل ألفًا وكذا ملائكته مع ما فيه من عشر حسنات ومحو عشر سيئات ورفع عشر درجات وثواب عتق عشر رقاب فمن فرت هذه المغانم حقيق بأن يضرب عليه الذلة والهوان وأن يبوء بغضب الله تعالى ومقته وطرده. قيل ويخشى على الكاتب إذا رمز للصلاة بصورة صلعم أن يندرج في هذا القبيل لتهاونه وقلة أدبه. قال ابن صعد التلمساني في كتابه مفاخر أهل الإسلام إن قيل ما معنى اشتراك تارك الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - وتارك حق رمضان وتارك بر والديه في عقوبة متحدة هي الهلاك وما في معناه من البعد والهوان فالجواب أن العقوبة اتحدت لاتحاد الجناية إذ المتروك في الثلاثة شيء واحد هو تعظيم الله تبارك وتعالى بيان ذلك أن شهر رمضان هو شهر الله الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس الخ. فمن عظمه وقام بحقه إيمانًا واحتسابًا فقد عظم الله واختص بمزية الغفران والفاء في قوله

وروينا في كتاب ابن السني بإسناد جيد، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلْيُصَلِّ عَليّ، فإنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فلم يغفر له معناها الاستبعاد أي بعيد ممن اتصف بالعقل والإيمان أن يجد سبيلًا إلى تعظيمه فيخالف ذلك إلى انتهاك حرمته وابتذال حقه فإن فعل وترك القيام بواجبه استحق من الله تعالى البعد والذل والهوان وكذا بر الوالدين لأن برهما هو تعظيمهما وتوفيرهما وذلك مستلزم لتعظيم الله وتنزيهه إذ قرن تعالى الإحسان إليهما بتوحيده وعبادته فقال وقضى ربك ألا تعبدوا إلَّا إياه وبالوالدين إحسانًا ومعنى الفاء في فلم يدخلاه الجنة الاستبعاد أيضًا أي بعيد من أهل الإحسان إليهما لا سيما في حال كبرهما إذ الغرض في القيام بحقهما والتحفي بشأنهما فإن حرم ذلك بأن أهانهما واستصغر حقهما صار من أهل الجنايات فاستوجب الحرمان والبعد من جميع الخيرات، وأما الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فهي عبارة عن طلب تعظيمه وإجلاله من الله تعالى وهو في الحقيقة تعظيم لله قال تعالى من يطع الرسول فقد أطاع الله فمن عظم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة عليه عند ذكره وأظهر تبجيله ورفعة قدره استحق من الله التعظيم وعلو المكانة ومن استخف بما أبانه الله وأرشده إليه من باهر فضله وإثارة بدره وبركة الصلاة عليه عند سماع ذكره فقد استوجب الطرد والخزي والإهانة وكان خليقًا بعقاب البعد والخوف أن لم يصل عليه - صلى الله عليه وسلم - فيفوز بالظفر والأمانة وقوله "فلم يصل عليه" الفاء معناها الاستبعاد أيضًا أي بعيد من معتقد الإيمان أن يتمكن من إجراء كلمات معدودات على لسانه يتوجب بهن عشر صلوات من الله عزّ وجّل وكفى به فائدة إلى غير ذلك من رفع الدرجات ثم يتعمد ترك ذلك حتى يفوته هذا الخير الكثير فيكون بالذل والغضب والبعد جدير اهـ. قوله: (وَرَوَيَنا في كتابِ ابن السني الخ) أورده في الجامع الصغير بهذا اللفظ من حديث أنس وعزا تخريجه للنسائي وبجانبه علامة الصحة قال الحافظ أخرجه النسائي آخر فضائل القرآن وكأن المصنف خفي عليه ذلك لكونه ذكره في غير مظنته فنقله من جهة ابن السني ووصف السند بالجودة كأنه بالنظر إلى رجاله بأنهم موثقون لكن في السند انقطاع وفي القول البديع بعد إيراده الحديث

مَنْ صَلَّى عَليَّ مَرَّةً، صَلى الله عَز وَجَل عَلَيهِ عَشْرًا". وروينا فيه بإسناد ضعيف عن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَل عَليّ فَقَدْ شَقِيَ". وروينا في كتاب الترمذي، عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله ـــــــــــــــــــــــــــــ أخرجه أحمد وأبو نعيم والبخاري في الأدب المفرد وهو عند الطبراني في الأوسط دون قوله ومن صلى عليَّ الخ، ورجاله رجال الصحيح وفي رواية من صلى علي واحدة صلى الله بها عليه عشر صلوات وحطت عنه عشر سيئات ورفعت له عشر درجات أخرجها النسائي وابن حبان في صحيحه وابن أبي شيبة وليس عندهما ورفعت الخ. أخرجه الحاكم بلفظ من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحط عنه عشر خطيئات ورواه الطبراني في الأوسط والصغير بلفظ من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرًا ومن صلى علي عشرًا صلى الله عليه مائة ومن صلى علي مائة كتب الله بين عينيه براءة من النفاق وبراءة من النار وأسكنه يوم القيامة مع الشهداء وفي سنده إبراهيم بن سالم بن شبل الهجمي قال المنذري لا أعرفه بعدالة ولا جرح وكذا قال التيمي نحوه اهـ، ومنه يعلم أن الحديث بلفظه الذي أورده المصنف لم يخرجه النسائي فقول الجامع الصغير أخرج النسائي مراده أصل الحديث لا بخصوص هذا اللفظ والله أعلم. قوله: (وَرَوَينا فيه إلخ) في إسناده الفضل بن منتشر وهو ضعيف على الأظهر قال الحافظ وللحديث طريق أخرى أخرجها الطبراني مختصرة من حديث جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال قال لي جبريل من ذكرت عنده فلم يصل عليك فقد شقي. قلت قال في القول البديع الحديث عند الطبراني بلفظ شقي عبد ذكرت عنده فلم يصل علي وفي المسالك للقسطلاني عند ابن أبي عاصم مرفوعًا أيضًا مختصرًا أتاني جبريل فقال شقي امرؤ أو تعس امرؤ ذكرت عنده فلم يصل عليك. قوله: (وَرَوينا في كتاب الترمذي الخ) وكذا رواه من حديث على النسائي وابن بشكوال من طريق والبخاري في تاريخه وسَعيد بن منصور في سننه والسراج عن قتيبة والبيهقي في الشعب وإسماعيل القاضي والخليعي وقال الترمذي حسن صحيح وزاد في نسخة غريب وأخرجه من حديث

- صلى الله عليه وسلم -: "البَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ، فَلَمْ يُصَلِّ عَليّ"، قال الترمذي: حديث حسن صحيح. ـــــــــــــــــــــــــــــ الحسين بن علي رضي الله عنهما أحمد في مسنده والنسائي في سننه الكبرى والبيهقي في الدعوات والشعب وابن أبي عاصم في الصلاة له والطبرالي في الكبير والتيمي في الترغيب وابن حبان في صحيحه وقال هذا أشبه شيء بما روي عن الحسين والحاكم وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وله شاهد عن سعيد المقبري عن أبي هريرة وأخرجه الحاكم من طريق علي بن الحسين عن أبي هريرة أيضًا والبيهقي في الشعب ولفظه البخيل كل البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي وأخرجه من حديث أخيه الحسن بن علي رضي الله عنهما مرفوعًا بلفط بحسب امرئ من البخل أن أذكر عنده فلا يصلي علي رواه قاسم بن أصبغ وابن أبي عاصم وإسماعيل القاضي وغيرهم. قلت وقد اختلف في إسناد هذا المتن كما ترى وأيضًا فقد أرسله بعضهم بحناف التابعي والصحابي معًا ورواه الدراوردي عن عمارة عن عبد الله بن علي بن الحسين قال علي منقطعًا وأشار الدارقطني إلى أن الرواية التي وقع فيها من مسند الحسين بالتصغير أشبه بالصواب اهـ، وقد أطنب إسماعيل القاضي في فضل الصلاة له في تخريج طرق هذا الحديث وبيان اختلاف فيه من حديث علي وابنيه الحسن والحسين رضي الله عنهم وأخرجه أيضًا من طريق عبد الله بن علي بن الحسين عن أبيه مرفوعًا وكذا أخرجه البخاري في التاريخ أيضًا وفي الجملة فلا يقصر هذا الحديث عن درجة الحسن كذا في القول البديع للسخاوي. قوله: (البخيل إلخ) قال في القول البديع البخل إمساك ما تقتني عمن يستحقه اهـ. قال ابن حجر في شرح المشكاة وهو - صلى الله عليه وسلم - يستحق على أمته وجوبًا أو ندبًا على الخلاف فيه أن يصلوا عليه مطلقًا ومقيدًا فمن أمسك منهم عن ذلك كان أشر الممسكين وأشح البخلاء المحرومين فيخشى عليه المقت والبوار وأن يكون من أهل العار والشنار أجارنا الله من ذلك بمنه آمين، وقال الفاكهاني هذا أقبح بخل وأسوأ شح لم يبق بعده إلّا البخل بكلمة الشهادة أعادنا الله وجميع المؤمنين قال وهو يقوي قول من قال بوجوب الصلاة عليه كلما ذكره وإليه أميل اهـ.

ورويناه في كتاب النسائي من رواية الحسين بن عليّ رضي الله عنهما، عن النبي ـــــــــــــــــــــــــــــ وعرف البخيل بالألف واللام على معى أنه البخيل الكامل في البخل على ما يقتضيه تعريف المبتدأ. قلت ويدل له رواية البخيل الخ، والتعريف في البخيل للجنس فهو محمول على الكمال واقتضى غايته وقد جاء ليس البخيل من بخل بماله ولكن البخيل من بخل بمال غيره وأبخل منه من أبغض الجود حتى لا يجاد عليه فمن لم يصل عليه - صلى الله عليه وسلم - إذا ذكر عنده منع نفسه من أن يكتال بالمكيال الأوفى فهل تجد أحدًا أبخل من هذا نقله القسطلاني في المسالك عن شارح المشكاة، قال الحافظ وهذا الحديث وما بعده استدل به لمن قال بوجوب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - كلما ذكر والذي نقله الترمذي عن بعض أهل العلم ونقله عنه المصنف هنا من الاكتفاء بالصلاة عليه مرة في المجلس أقرب اهـ. فإنه يصدق عليه أنه لم يبخل ولم يجف والله أعلم وجاء خبر مرفوع يؤيد هذا القول أخرجه النسائي وابن أبي عاصم عن أبي سعيد الخدري قال قال - صلى الله عليه وسلم - لا يجلس قوم مجلسًا لا يصلون على النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة أخرجه أحمد والترمذي ولفظه ما جلس قوم مجلسًا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة وصالح مولى التؤمة الذي رواه عن أبي هريرة ضعيف لكن حسن الترمذي الحديث لشاهده عند النسائي عن جابر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما اجتمع قوم فتفرقوا عن غير ذكر الله وصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - إلَّا قاموا عن جيفة ورجاله رجال الصحيح. قوله: (وَرَوَينَا في كِتَابِ النسائِي من رِوايةِ الحسيَنِ) أي مصغر كبر الحسن وتقدم من خرجه من حديثه قال الحافظ هو وحديث علي المذكور قبله حديث واحد بسند واحد عند الترمذي والنسائي وابن السني وعند أحمد وابن أبي عاصم وابن حبان والحاكم من رواية عمارة بن غزية عن عبد الله بن علي بن الحسين بن علي عن أبيه عن جده نعم وقع في رواية للترمذي التصريح بذكر علي أما الرواية الأولى فقال الحافظ بعد تخريجها من طرق منها عن الطبراني ومنها عن الحاكم وغيرهما عن عمارة بن غزية عن عبد الله بن علي بن الحسين عن علي عن أبيه عن جده عن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال البخيل من ذكرت عنده فلم يصل عليّ حديث حسن أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن السني وابن حبان ولم أو في شيء من رواياتهم التصريح بتسمية راوي الحديث ويحتمل أنه الحسين إن كان الضمير لعبد الله أو علي إن كان الضمير لوالد عبد الله والعلم عند الله سبحانه، وأما الرواية المصرحة بعلي بن أبي طالب في هذا الحديث فأخرجها الحافظ من طريقين عن غرية أنبأنا عبد الله بن علي بن الحسين قال قال علي بن أبي طالب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن البخيل الذي إذا ذكرت عنده لم يصل علي أخرجه البخاري في التاريخ والترمذي والنسائي في الكبرى وأما الرواية المصرحة بالحسين فأخرجها الحافظ من طريق عمرو بن أبي عمرو عن علي بن الحسين عن أبيه قال قال - صلى الله عليه وسلم - إن البخيل لمن ذكرت عنده فلم يصل على رجال هذا الإسناد رجال الصحيح وهو موصول بخلاف الذي قبله فإن عبد الله بن علي لم يدرك غزية لا الأعلى ولا الأدنى لكن رجح إسماعيل الماضية أولًا التي هي تحتمله وذكر لراويها متابعات وذكر الحافظ اختلاف آخر في سند الحديث فأخرج من طريق أخرى عن غزية عن عبد الله بن علي بن الحسين أنه سمع أباه يقول قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره هكذا أخرجه البخاري في التاريخ قال الدارقطني في العلل بعد أن ذكر الاختلاف: رواية سليمان عن عمارة أي المذكورة أولًا أشبه بالصواب وللحديث شاهد من حديث أبي ذر قال قال - صلى الله عليه وسلم - إن أبخل الناس من ذكرت عنده فلم يصل عليّ، قال الحافظ بعد إخراجه عن عوف بن مالك عن أبي ذر حديث غريب فيه رواية صحابي عن صحابي ورجاله رجال الصحيح غير المبهم فيه رواه الحارث بن أبي أسامة وله شاهد آخر من مرسل الحسن البصري أخرجه سعيد بن منصور ورواته ثقات وأخرج عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن قتادة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن من الجفاء أن أذكر عند رجل فلا يصلي علي هكذا أخرجه مرسلًا ورواته ثقات. والحسين هو ابن علي بن أبي طالب ابن فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو عبد الله سبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وريحانته ويشبهه من الصدر إلى ما أسفل منه أذن - صلى الله عليه وسلم - في أذنه لما ولد وهو سيد شباب أهل الجنة وخامس أهل الكساء سماه

- صلى الله عليه وسلم -. قال الإمام أبو عيسى الترمذي عند هذا الحديث: يروى عن بعض أهل العلم قال: إذا صلى الرجل على النبي - صلى الله عليه وسلم - مرَّة في المجلس أجزأ عنه ما كان في ـــــــــــــــــــــــــــــ علي رضي الله عنه حربًا فقال - صلى الله عليه وسلم - بل هو حسين أسند الدولابي إلى عمران بن سليمان قال الحسن والحسين من أسماء الجنة لم يكونا في الجاهلية وأسند أيضًا عن الليث بن سعد ولدت فاطمة الحسين في ليالٍ خلون من شعبان سنة أربع وقال جعفر بن محمد لم يكن بين الحمل بالحسين بعد ولادة الحسن إلَّا طهر واحد، وقال قتادة ولد الحسين بعد الحسن بسنة وعشرة أشهر فولدته لست سنين وخمسة أشهر ونصف من الهجرة قتل شهيدًا بكربلاء يوم الجمعة وقيل يوم السبت يوم عاشوراء سنة إحدى وستين وله ست وخمسون سنة أخرج في أسد الغابة عن يعلى بن مرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينًا حسين سبط من الأسباط أورده السيوطي في الجامع الصغير وزاد فيه الحسن والحسين سبطان من الأسباط، وقال أخرجه البخاري في الأدب المفرد والترمذي وابن ماجة والحاكم عن يعلى بن مرة وأخرج في أسد الغابة عن علي رضي الله عنهما قال الحسن أشبه برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بين الصدر إلى الرأس والحسين أشبه برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان أسفل من ذلك وقد ذكرت ما ورد من الآثار في شبهه بالمصطفى المختار في مؤلفي تحفة الشرفا فيمن حاز بشبه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - شرفًا وأخرج في أسد الغابة عن الأوزاعي عن شداد بن عبد الله عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، والله لا أزال أحب عليًّا وفاطمة بعد أن سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول فيهم ما قال لقد رأيتني ذات يوم وقد جئت النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيت أم سلمة فجاء الحسن فأجلسه على فخذه اليمنى وقبله ثم جاء الحسين فأجلسه على فخذه البسرى وقبله ثم جاءت فاطمة فأجلسها بين يديه ثم دعا بعلي ثم قال إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا قال شداد بن عبد الله قلت لواثلة ما الرجس قال الشك في الله تعالى قال أبو أحمد العسكري يقال إن الأوزاعي لم يرو في الفضائل حديثًا غير هذا والله أعلم وكان الحسين رضي الله عنه فاضلًا كثير الصوم والصلاة والصدقة وأفعال الخير جميعها حج حجات كثيرة ماشيًا ومناقبه كثيرة وفضائله شهيرة رضي الله عنه. قوله: (قَال أَبُو عِيسْى الترمذي الخ) تقدم

باب صفة الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

ذلك المجلس. باب صفة الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قدمنا في كتاب أذكار الصلاة صفة الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يتعلق بها، وبيان أكملها وأقلها. وأما ما قاله بعض أصحابنا وابن أبي زيد المالكي من استحباب زيادة على ذلك وهي: "وارْحَمْ مُحَمدًا وآل مُحَمّدٍ" فهذا بدعة لا أصل لها. ـــــــــــــــــــــــــــــ ما يفيده في كلام الحافظ في القولة السابقة، في المسالك للقسطلاني وعن الأوزاعي في الكتاب يكون فيه ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - مرارًا قال إن صليت عليه مرة واحدة أجزأك وفي بعض شروح الهداية لو كرر اسم الله تعالى في مجلس واحد كفاه ثناء واحد وكذا لو كرر اسمه - صلى الله عليه وسلم - في مجلس كفاه أن يصلي عليه مرة على الصحيح وقال الحليمي إذا قلنا بوجوب الصلاة كلما ذكر فإن الحد المجلس وكان مجلس علم أو رواية سنن احتمل أن يقال الغافل عن الصلاة عليه كما جرى ذكره إذا ختم بها المجلس أجزأه لأن المجلس إذا كان معقودًا لذكره كان حاله واحدًا كالذكر المتكرر وإن لم يكن المجلس كذلك فإن رأى أنه كلما ذكر يصلى عليه ولا أرخص في تأخير ذلك إذ ليس ذكره بأقل من حق العاطس، قال: ومن ترك الصلاة عليه عند ذكره ثم صلى عليه في المستقبل بعد التوبة والاستغفار رجونا أن يكفر عنه ولا يطلق عليه اسم القضاء قال القسطلاني وما فرق به الحليمي فرق حسن اهـ. باب صفة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: (وأَمّا مَا قالهُ بعضُ أَصحابنَا الخ) قال به أيضًا بعض المالكية والحنفية كما في الدر المنضود وأسندوا في ذلك لورود الإتيان بها في التشهد أحاديث وأسانيدها ضعيفة أي والضعيف يعمل به في فضائل الأعمال وسيأتي ما فيه. وقوله (وارحَمْ محمدًا وآل محمد الخ) عبارة الرسالة اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وارحم محمدًا وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد كما صليت ورحمت وباركت على

وقد بالغ الإمام أبو بكر بن العربي المالكي في كتابه "شرح الترمذي" في إنكار ذلك وتخطئة ابن أبي زيد في ذلك وتجهيل فاعله، قال: لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كيفية الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -، فالزيادة على ذلك استقصار لقوله، واستدراك عليه - صلى الله عليه وسلم -، وبالله التوفيق. ـــــــــــــــــــــــــــــ إبراهيم قال الصيدلاني من أئمتنا ومن الناس من يزيد وارحم محمدًا وآل محمد كما ترحمت أو رحمت على إبراهيم وهذا لم يرو وهو غير صحيح إذ لا يقال رحمت عليه بل رحمته وبأن الترحم فيه معنى التكلف والتصنع فلا يحسن إطلاقه في حق الله تعالى وحكاه الرافعي وسكت عليه وكذا أنكره ابن عبد البر في الاستذكار واعترض بأن قوله لا يقال الخ. مردود بما نقله الطبراني عن الصغاني ورده صاحب القاموس بأنه تصحيف ووهم وتقول على الصغاني بما لم يقله والذي قاله إنما هو رحمت بالتشديد وأما رحمت عليه بكسر الحاء المخفف لم يقله أحد من أئمة اللغة المشاهير فيما علمناه وإن صح به نقل فهو في غاية الشذوذ والضعف والذي حكاه الصغاني عن بعض أئمة اللغة المتقدمين أنه قال قول الناس ترحمت عليه خطأ ولحن وإنما الصواب رحمت عليه بتشديد الحاء ترحيمًا اهـ. نعم نقل ابن يونس عن الجوهري أن ذلك يقال لي ردًّا لقول الصيدلاني أنه لا يقال وقال بعضهم دعوى أن الرحمة ضمنت معنى الصلاة فعديت بعل وكذا قوله أن الترحم فيه معنى التكلف الخ. فنقض بالمتكبر والمتفضل لكن في شرح المشكاة لابن حجر أن قلت ما المانع من أن الرحمة ضمنت معنى الصلاة فعديت بما تعدى به وأن التاء في ترحمت ليست للتكلف بل للتفرد والتخصيص كما في تكبر أو زائدة محصة كما في واستقر. قلت دعوى التضمين وأن التاء لما ذكر إنما يصار لتكلفهما إن ورد عمن يعتد به فحينئذٍ يحتاج لتأويله بما ذكر وأما في نحو الألفاظ المبتدعة فلا ينبغي أن يتكلف لصحتها بمثل هذا التكلف اهـ. قوله: (وقَدْ بَالغَ الإمامُ أبُو بكرِ بنُ العرِبي الخ) ووافقه بعض الحنفية وانتصر لهم بعض المتأخرين ممن جمع بين الفقه والحديث فقال ولا يحتج

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالأحاديث الواردة في زيادتها فإنها كلها واهية جدًّا إذ لا يخلو سندها من كذاب أو متهم بالكذب ويؤيده ما ذكره السبكي أن محل العمل بالحديث الضعيف ما لم يشتد ضعفه وبذلك يرد على من أيد الأخذ من تلك الروايات بأنها ضعيفة والضعيف يعمل به في الفضائل نعم حديث أبي هريرة مرفوعًا من قال اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وترحم على محمد وعلى آل محمد كما رحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم شهدت له يوم القيامة وشفعت سنده رجاله رجال الصحيح إلَّا واحدًا فلم يعرف فيه جرح ولا تعديل وقد ذكره أبو حبان في الثقات على قاعدته ومن ثم قال غيره أنه حديث حسن. ثم اختلف العلماء في الدعاء له - صلى الله عليه وسلم - بالرحمة لأنه يجل منصبه عن الدعاء بها قال ابن دحية ينبغي لمن ذكره - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي ولا يجوز أن يترحم عليه لآية لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم الآية وإن كانت الصلاة بمعنى الرحمة فكأنه خص بذلك تعظيمًا له اهـ. ونقل مثله عن ابن عبد البر في الاستذكار ووجهه بعض الحنفية بأن الرحمة إنما تكون غالبًا عن فعل ما يلام عليه ونحن أمرنا بتعظيمه ومقتضى قول الولي أبي زرعة الحافظ العراقي في فتاويه بعد أن ذكر كلام من منع وكلام ابن أبي زيد ولعل المنع أرجح لضعف الأحاديث التي استند إليها المحجوز اهـ. حرمته مطلقًا فيوافق ما قبله ومقتضى كلام بعض من تأخر عنه الحرمة أن ذكرها استقلالًا كقال النبي رحمه الله لا تبعًا حيث قال والجواب عن الأحاديث المشار إليها وإن صحح الحاكم إسناد بعضها أن الرحمة وقعت فيها على سبيل التبعية للصلاة والبركة ولم يرد ما يدل على وقوعها مفردة ورب شيء يجوز تبعًا لا استقلالا ألبتة قيل وعبارة الشافعي في خطبة رسالته - صلى الله عليه وسلم - ورحم وكرم يقتضي ذلك أيضًا وبه أخذ جمع بل نقله القاضي عياض في الإكمال عن الجمهور. وقال القرطبي وهو الصحيح وحرم لعدم جوازه يعني منفردًا الغزالي فقال لا يجوز ترحم أي بالتاء نعم ظاهر قول الأعرابي فيما رواه البخاري اللهم ارحمني وارحم محمدًا ولا ترحم معنا أحدًا وتقريره - صلى الله عليه وسلم - له الجواز ولو بدون انضمام صلاة أو سلام إليها وهو الذي يتجه وتقريره خاص فيقدم على

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العموم الذي اقتضته الآية على أنه ليس في الآية ما يمنع ذلك لأنه - صلى الله عليه وسلم - صح عنه في أدعيته كثرة الدعاء لنفسه بالرحمة وعلمنا أن الدعاء بالرحمة له مما يليق بقوله في التشهد السلام أيها النبي ورحمة الله وزعم أنها لا تكون غالبًا إلّا على ما يلام عليه ممنوع وأي دليل لذلك بل الأدلة قاضية برده ولا ينافي الدعاء بالرحمة أنه عينها بنص وما أرسلناك إلَّا رحمة للعالمين لأن كونه كذلك من جملة رحمة الله وتفضله إذ هي في حقه تعالى بمعنى إرادة الخير للعبد وإقداره عليه وهو قوله أجزل الخلق حظًّا من تلك الإرادة وذلك الأدب وحصول ذلك لا يمنع طلب الزيادة له إذ فضل الله لا يتناهى والكامل يقبل الكمال وينبغي حمل قول من قال لا يجوز ذلك على أن مرادهم نفي الجواز المستوي الطرفين فيصدق بأن ذلك مكروه أو خلاف الأولى وقال الحافظ سبق إلى انكار إطلاق الرحمة عليه - صلى الله عليه وسلم - من الفقهاء الشافعية الصيدلاني حكاه عنه الرافعي ولم يتعقبه ومن المحدثين المالكية ابن عبد البر في الاستذكار وليس بجيد منهم فإنها وردت من حديث أبي هريرة. قلت وتقدم لفظه وهو حديث حسن أخرجه أبو جعفر الطبري ومن حديث ابن مسعود مرفوعًا ولفظه إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت ورحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، قال الحافظ: رجاله رجال الصحيح إلَّا اثنين فذكر أحدهما ابن حبان في ثقاته والآخر لم يعرف الحافظ اسمه ولا حاله ومن حديث ابن عباس بسند فيه ضعف وتابعه الراوي عن ابن عباس منهم ومن حديث أبي هريرة قال قلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك قال قولوا اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم إنك حميد مجيد قال الحافظ أخرجه المعمري وإسماعيل القاضي وفي سنده راوٍ ضعيف فهذه أحاديث يشد بعضها بعضًا أقواها أولها يدل مجموعها على أن للزيادة أصلًا ويستفاد من حديث ابن مسعود جواب صاحب الشفاء حيث أنكر أن يكون ذكر الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد ورد عن ابن مسعود وجاء عن أبي هريرة من طرق أخر بسند ضعيف بلفظ أنه قيل له

فصل: إذا صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - فليجمع بين الصلاة والتسليم، ولا يقتصر على أحدهما. فلا يقل: "صلى الله عليه" فقط، ولا "عليه السلام" فقط. ـــــــــــــــــــــــــــــ أمرنا الله بالصلاة عليك فكيف الصلاة عليك قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وارحم محمدًا وآل محمد كما رحمت على إبراهيم وآل إبراهيم، والسلام كما قد علمتم والحديث يؤيده شاهد من حديث ابن مسعود موقوفًا وهو حديث حسن أخرجه عبد بن حميد في التفسير وابن ماجة والمعمري، قال الحافظ: أخرج الحاكم حديثًا مسلسلًا يقول كل من رواته "وعدهن في يدي" إلى أن انتهى إلى علي عن النبي عن جبريل فقال: هكذا نزلت من عند رب العزة عز وجل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم وبارك فذكر مثله اللهم وترحم فذكر مثله. أخرجه الحاكم مسلسلًا هكذا في نوع المسلسل من كتابه علوم الحديث قال وفي سنده ثلاثة من الضعفاء على الولاء نسب أحدهم إلى وضع الحديث والآخر اتهم بالكذب والثالث متروك وقد وقع لي مسلسلًا ولكن لا أرويه لاعتمادي أنه موضوع وقد أخرجه صاحب الشفاء من طريق الحاكم وحدث به ابن العربي هكذا مسلسلًا أخرجه عنه ابن عبد البر في كتاب الإعلام بفضل الصلاة والسلام فأما أنه لم يستحضره لما أنكر الزيادة أو لم يعتد بها والعلم عند الله تعالى اهـ. فصل قوله: (فَليجْمَعْ بين الصلاةِ والتسليم الخ) قال المصنف في شرح مسلم وقد تضمن نص العلماء أو من نص منهم على كراهة الاقتصار على الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - من غير تسليم والله أعلم. قال القسطلاني وكذا صرح ابن الصلاح بكراهة الاقتصار على السلام فقط وعبارة شيخه السخاوي قال ابن الصلاح: ويكره الاقتصار على قوله - عليه السلام - يعني للنبي عنه مطلقًا وأنها كما جرت به عادة العرب تحية الموتى لأنهم لا يتوقع منه جواب فجعلوا السلام عليهم كالجواب اهـ. وقضيتها أن المكروه عنده من صيغ إفراد السلام عليه فقط والله أعلم. قال الحافظ ابن حجر: أن كان فاعل أحدهما يقتصر عليه دائمًا فيكره له

فصل: يستحب لقارئ الحديث وغيره ممن في معناه إذا ذُكِر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرفع صوته بالصلاة عليه والتسليم، ولا يبالغ في الرفع مبالغة فاحشة. وممن نصّ على رفع الصوت: الإمام الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي وآخرون، وقد نقلته من علوم الحديث. وقد نص العلماء من أصحابنا وغيرهم أنه ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك من جهة الإخلال بالأمر الوارد بالإكثار منهما والترغيب فيهما وإن كان يصلي تارة ويسلم أخرى من غير إخلال بواحد منهما فلم أقف على دليل يقتضي علة الكراهة لكنه خلاف الأولى إذ الجمع بينهما مستحب لا نزاع فيه، قال: ولعل النووي اطلع على دليل لذلك. إذا قالت حزام فصدقوها اهـ. واعترض على المصنف بأن تعليم السلام في التشهد قبل تعليم الصلاة فقد أفرد السلام عنها ويرد بأن الإفراد في ذلك الزمن لا حجة فيه لأنه لم يقع منه - صلى الله عليه وسلم - قصدًا كيف والآية ناصة عليهما وإنما يحتمل أنه علمهم السلام وظن أنهم يعلمون الصلاة فسكت عن تعليمهم إياها فلما سألوه عن تعليمها أجابهم بذلك نعم الحق أن المراد بالكراهة خلاف الأولى إذ لم يوجد هنا مقتضاها من النهي المخصوص وما وقع في الأم وغيرها من الإفراد لأنا تقول هو وإن صرح به الزين العراقي وغيره فيه نظر فقد وقع كذلك من الشافعي وغيره وهو يرد على من ادعى كراهة ذلك. تنبيه في كتاب القسطلاني والدر المنضود وغيرهما نسبة كراهة إفراد الصلاة عن السلام إلى الأذكار وأنه تمسك في ذلك بورود الأمر بهما معًا في الآية ولم أر ذلك فيه هنا وإنما عبارته هنا مجملة وليس فيها تعرض لكراهة ولا لحرمة نعم العبارة تحتمل ذينك وخلاف الأولى نعم صرح بنقل الكراهة في شرح صحيح مسلم وقد أحسن ابن الجزري في مفتاح الحصين حيث قال: قول النووي وقد تضمن نص العلماء أو من نص منهم، فلم ينسب ذلك للأذكار ونسبه السيوطي في شرح التقريب إليه في شرح مسلم وغيره ولم ينسبه إلى الأذكار والله أعلم بحقيقة الحال. فصل قوله: (يستحب لقارئِ الحدِيثِ وغيرِه) أي كالمملي والمستملي. قوله: (ولا يتابع الخ) أي لأنه ربما يذهب الخشوع. قوله: (وقَدْ نَص العلماءُ الخ)

باب استفتاح الدعاء بالحمد لله تعالي والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -

يستحب أن يرفع صوته بالصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، في التلبية، والله أعلم. باب استفتاح الدعاء بالحمد لله تعالي والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - روينا في سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: سمع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم رجلًا يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى، ولم يصلِّ على النبي ـــــــــــــــــــــــــــــ أي ويكون رفع الصوت بها دونه بالتلبية، وعبارة الروضة في باب صلاة الجمعة إذا قرأ الإمام في الخطبة إن الله وملائكته يصلون على النبي جاز للمستمع أن يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويرفع بها صوته اهـ. قال الأذرعي: وليس المراد الرفع البليغ كما يفعله بعض العوام فإنه لا أصل له بل هو بدعة منكرة وناقش في شرح الروض في إباحة الجهر بذلك حال الخطبة ونقل عن بعضهم كراهته حينئذٍ. باب استفتاح الدعاء بالحمد لله تعالى والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -/رمز> قوله: (رَوَينَا في سُننِ أبِي دَاوُدَ) أي واللفظ له. قوله: (والترمذي) أي وقال صحيح. قوله: (والنسائي) قال في السلاح وزاد فيه فسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا يصلي فحمد الله وحده وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال - صلى الله عليه وسلم - ادع تجب وسل تعط وأخرج هذه الزيادة الترمذي من طريق آخر وحسنها وكذا روى الحديث الحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولا يعرف له علة وله شاهد صحيح على شرطهما اهـ، وقال الحافظ تقدم هذا الحديث في أواخر باب الأذكار بعد الصلاة، وذكر المصنف أن ابن السني خرجه بسند ضعيف وكأنه لم يستحضر إذ ذاك أنه في أبي داود وغيره وقدمت ذلك هناك وأن الترمذي وابن خزيمة وغيرهما صححوه اهـ. قوله: (يدعُو في صلاتِهِ) أي في التشهد الأخير كما سبق في باب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بدليله وظاهر المصنف وإيراده الخبر في هذا الباب أن المراد بالصلاة فيه الدعاء وسبق في ذلك الباب ما فيه. قوله: (لم يحمد الله) قال العلماء: التحميد الثناء بجميع الفعال، والتمجيد الثناء بصفات الجمال، والثناء عليه يجمع ذلك كله. قال القسطلاني في قوله عجل هذا: الإشارة إلى أن من شرط السائل أن يتقرب إلى المسؤول منه قبل طلب الحاجة

صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "عَجلَ هَذَا، ثم دعاه فقال له أو لغيره: إذا صَلى أحَدُكُم فَلْيَبْدأ بِتَحْمِيدِ ربهِ سُبْحانَهُ وَالثنَاءِ عَلَيه، ثم يُصَلّي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم يَدعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وروينا في كتاب الترمذي ـــــــــــــــــــــــــــــ بما يوجب لديه الزلفى ويتوسل بشفيع له بين يديه ليكون أطمع في الإسعاف فمن عرض السؤال قبل الوسيلة فقد استعجل قاله القاضي البيضاوي، وقال غيره إنما تقدم الصلاة عليه لأن من أتى باب الملك لا بد له من التحفة بخاصة وأخص خواصه هو النبي - صلى الله عليه وسلم - وتحفته الصلاة عليه ولأن تقديمها على الدعاء أقرب إلى الإجابة لأن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - مستجابة وما مع الدعاء المستجاب يرجى أن يستجاب لأن الكريم بعد إجابته بعض المسؤولات لا يرد باقيها اهـ. قلت وفي السلاح حكى الطرطوسي عن أبي سليمان الداراني، إذا سألت الله حاجة فابدأ بالصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - ثم ادع بما شئت ثم اختم بالصلاة عليه فأنا لله سبحانه يكرمه ويقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يدع ما بينهما اهـ. قوله: (عَجِلَ هذَا) هو بكسر الجيم الخفيفة من باب تعب تعبًا أي أسرع في دعاء التشهد يقال منه عجل عجلة إذا أسرع فهو عاجل قال تعالى حكاية عن موسى وعجلت إليك وفي الحديث ذم العجلة والإسراع في شيء من الصلاة لأنها تمسكن وتواضع وطمأنينة. قوله: (فَقَال له أَو لغيرِهِ) يحتمل أن يكون أو بمعنى الواو كما هو في بعض النسخ ومنه قوله تعالى: وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون وعليه فيكون الخطاب له ولغيره ويدل عليه ضمير الجمع بعده. قوله: (والتثاءِ عليْهِ) عطفه على التحميد من عطف العام على الخاص لما تقرر آنفًا أن الثناء أعم من التحميد والتمجيد. قوله: (وَرَوَينا في كِتَاب الترمِذي الخ) قال الحافظ أخرجه موقوفًا وفي سنده أبو قرة الأسدي لا يعرف اسمه ولا حاله وليس له عند الترمذي ولا أصحاب السنن إلَّا هذا الموقوف وهو من رواية النضر بن إسماعيل عنه وقد رواه معاذ بن الحرث عن أبي قرة مرفوعًا أخرجه الواحدي ومن طريقه عبد القادر الرهاوي في الأربعين وفي سنده أيضًا من لا يعرف رجاله نحوه موقوفًا ومرفوعًا عن علي رضي الله عنه فأخرج المرفوع البيهقي ولفظه قال قال - صلى الله عليه وسلم - الدعاء محجوب عن الله حتى يصلى على النبي محمد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وآل محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو حديث غريب في سنده ضعيفان وأخرجه الواحدي موقوفًا قاله الحافظ وأخرجه الطبراني في الأوسط موقوفًا وأخرج الحافظ من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي عن سعيد بن المسيب قال ما من دعوة لا يصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - قبلها إلّا كانت معلقة بين السماء والأرض اهـ، وفي المسالك للقسطلاني: قوله حتى تصلي على نبيك يحتمل أن يكون من كلام عمر فيكون موقوفًا وأن يكون نافلًا كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وحينئذٍ ففيه تجريد جرد - صلى الله عليه وسلم - من نفسه نبيًّا وهو هو وعلى التقديرين الخطاب عام لا يختص بمخاطب دون مخاطب والمعنى لا يرفع الدعاء إلى الله تعالى حتى يستصحب الرافع معه يعني أن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - هي الوسيلة إلى الإجابة. قال الحكيم: إنما شرعت الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - في الدعاء لأنه علمنا الدعاء بأركانه وآدابه فيقتضي بعض حقه عند الدعاء اعتدادًا بالنعمة. ثم أن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند الدعاء على مراتب ثلاثة "إحداها" أن يصلى عليه - صلى الله عليه وسلم - قبل الدعاء بعد حمد الله عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إذا أراد أحدكم أن يسأل الله شيئًا فليبدأ بمدحه والثناء عليه بما هو أهله ثم يصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يسأل فإنه أجدر أن ينجحه أو يصيب رواه عبد الرزاق والطبراني في الكبير من طريقه ورجاله رجال الصحيح والمدح والحمد اخوان إذ مدلول كل منهما الثناء الحسن الجميل على قصد التبجيل لأن المادح يعظم شأن الممدوح. فإن قلت إذا كان المدح هو الثناء فما فائدة قوله والثناء عليه. قلت المراد به ثناء خاص ولهذا قال بما هو أهله من عطف الخاص على العام. المرتبة الثانية: أن يصلى عليه - صلى الله عليه وسلم - أول الدعاء وآخره ويجعل حاجته متوسطة بينهما قال الغزالي عن أبي سليمان الداراني إنما استحب الدعاء بين الصلاتين لأنها لا ترد والكريم لا يناسبه قبول الطرفين ورد الوسط ونقل الزركشي في كتاب الأزهية في أحكام الأدعية عن بعض شيوخه استشكال ذلك بأن قول اللهم صلِّ عليه - صلى الله عليه وسلم - دعاء والدعاء متوقف على القبول وفيه نظر اهـ، وفي حديث ذكره القاضي عياض في الشفاء الذي بين الصلاتين لا يرد ومعناه الدعاء الواقع بشروطه وآدابه الموافق للأقدار السابقة في علم الله المهيأ له الأسباب عند إرادة وقوعه. وحديث "الأعمال فيها المقبول والمردود إلَّا الصلاة علي فإنها مقبولة غير مردودة" قال الحافظ: أنه مردود ومرة أنه ضعيف جدًّا. المرتبة الثالثة: الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصليَ على نبيك - صلى الله عليه وسلم -. قلت: أجمع العلماء على استحباب ابتداء الدعاء بالحمد لله تعالى والثناء عليه، ثم الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك تختم الدعاء بهما، والآثار في هذا الباب كثيرة معروفة. ـــــــــــــــــــــــــــــ أول كل دعاء وآخره ووسطه عن جابر رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تجعلوني كقدح الراكب أن الراكب إذا علق معاليقه أخذ قدحه فملأه الماء فإن كان له حاجة في الوضوء توضأ وإن كان له حاجة في الشرب شرب وإلّا أهراق ما فيه اجعلوني في أول الدعاء وفي أوسط الدعاء وفي آخر الدعاء رواه البزار في مسنده والبيهقي في شعبه وأبو نعيم في حليته ومن طريقه عبد الرزاق في جامعه كلهم من طريق موسى بن عبيدة الزيدي وهو ضعيف ورواه ابن عيينة في جامعه من طريق يعقوب بن يزيد بن طلحة يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - بلفظ: لا تجعلوني كقدح الراكب اجعلوني في أول دعائكم وأوسطه وآخره وهو مرسل أو معضل قال شيخنا يعني السخاوي: فإن كان يعقوب أخذه من غير موسى تقوت به رواية موسى والعلم عند الله تعالى انتهى كلام القسطلاني وبهذا الكلام يعلم أن المصنف رحمه الله تعالى سكت هنا عن بيان المرتبة الثالثة من استحباب ذلك في الأوسط والآخر والله أعلم. قوله: (والآثارُ في البَاب كثيرة معْرُوفة). قال الحافظ: كأنه أراد ما جاء عن السلف في ذلك أما الأحاديث المرفوعة فقليلَة جدًّا لا أعرف فيها إلّا واحدًا صحيحًا حديث فضالة بن عبيد المذكور آنفًا، أما حديث الحاكم عن عبد الله بن أبي أوفى قال قال - صلى الله عليه وسلم - من كانت له حاجة إلى الله عزّ وجّل فليتوضأ فيحسن وضوءه ثم يصلي ركعتين ثم ليحمد الله وليحسن الثناء عليه وليصل على النبي - صلى الله عليه وسلم - الحديث فضعيف هذا وفيه فايد أبو الوفاء متفق على ضعفه نعم يدخل في هذا الباب حديث جابر قال قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تجعلوني كقدح الراكب فإن الراكب إذا علق معاليقه أخذ قدحه فملأه من الماء فإذا كانت له حاجة في الوضوء توضأ وإذا كانت له حاجة في الشرب شرب وإلا اهراق ما فيه واجعلوني

باب الصلاة على الأنبياء وآلهم تبعا لهم صلى الله عليهم وسلم

باب الصلاة على الأنبياء وآلهم تبعًا لهم صلى الله عليهم وسلم أجمعوا على الصلاة على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك أجمع من يعتدُّ به على جوازها واستحبابها على سائر الأنبياء والملائكة استقلالا. ـــــــــــــــــــــــــــــ في أول الدعاء وفي وسط الدعاء وفي آخر الدعاء. قال الحافظ بعد تخريجه من طريقين حديث غريب أخرجه عبد الرزاق في جامعه والبزار في مسنده انفرد به موسى بن عبيد وقد ضعفه جماعة من قبل حفظه وشيخه لا يعرف له إلَّا هذا الحديث وذكره ابن حبان في الضعفاء من أجل هذا الحديث وقال البخاري في ترجمته لم يثبت حديثه وأخرج سفيان الثوري في جامعه عن يعقوب بن زيد بن طلحة يبلغ به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لا تجعلوني كقدح الراكب اجعلوني أول دعائكم وأوسطه وآخره قال الحافظ سنده معضل أو مرسل وإن كان يعقوب أخذه عن غير موسى تقوت رواية موسى والله أعلم. باب الصلاة على الأنبياء وآلهم تبعًا لهم صلى الله عليهم وسلم أجمعوا على الصلاة على نبينا - صلى الله عليه وسلم - وعلى وجوبها له على الأمة واختلفوا في القدر الواجب له منها على نحو عشرة أقوال أصحها عند الشافعي أنه بعد التشهد الأخير قبل السلام. قوله: (وكَذلك أَجْمَعَ مَنْ يعتد بِهِ عَلَى جوازِهَا واستِحْبابِهَا عَلَى سائِرِ الأنْبِيَاءِ والملائِكَةِ استِقْلالًا) كتب الطاهر الأهدل بهامش أصله اكتفي هنا بالإجماع على استحباب الصلاة على الأنبياء والحجة في ذلك أيضًا الحديث الصحيح اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وما ثبت في شعب الإيمان للبيهقي ومسند البزار ومنه ما أخرجه صاحب النجم في كتابه وذكره عياض عن مسند عبد الرزاق عن أبي هريرة اهـ، وحديث أبي هريرة هو قوله - صلى الله عليه وسلم - صلوا على أنبياء الله ورسله فإن الله بعثهم كما بعثني - صلى الله عليه وسلم - تسليمًا كثيرًا وقال الحافظ بعد إخراج الحديث المذكور حديث غريب وجاء بلفظ صلوا على الأنبياء كما تصلون عليّ فإنهم بعثوا كما بعثت ويستفاد من الرواية الأولى الصلاة على الملائكة لدخولهم في الرسل ومن الثانية الصلاة على الآل تبعًا لدخولهم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مع قوله كما تصلون عليّ وقد علمهم الصلاة عليه اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، ووجدت في تاريخ أصبهان لأبي نعيم عن أنس، رفعه: إذا سلمتم علي فسلموا على المرسلين فإنما أنا رسول من المرسلين قال الحافظ سنده حسن لكن أخرجه عبد بن حميد في تفسيره عن قتادة مرسلًا وهو قوي اهـ. قال في القول البديع بعد ذكره حديث أبي هريرة أخرجه العدني وأحمد بن منيع والطبراني وإسماعيل القاضي ورويناه في فوائد العيسوي والترغيب للتيمي وفي سنده موسى بن عبيدة وإن كان ضعيفًا فحديثه يستأنس به ورواه الطبراني من حديث ابن عباس بهذا اللفظ ونقل السخاوي أن جماعة آخرين أخرجوه وقوله "أن الله تعالى قد بعثهم كما بعثني" تعليل لهذا الحكم وهذا ينبغي ألا يختلف فيه لقيام الأدلة المتفق عليها بين أئمة الأصول ولا يخالفه منقول ولا معقول يستلوح منه معنى لا تخصوني بها دونهم وعن أنس مرفوعًا إذا سلمتم علي فسلموا على المرسلين قال السخاوي نقلًا عن المجد الفيروزآبادي إن إسناده صحيح محتج برجاله في الصحيحين والله تعالى أعلم قلت وتقدم عن الحافظ تحسينه وقول المصنف من يعتد به يجوز أن يشار به إلى ما نقل عن مالك من أنه لا يصلى إلا على محمد - صلى الله عليه وسلم - قيل وهو غير معروف عن مالك أنه إنما قال أكره الصلاة على غير الأنبياء وما ينبغي لنا أن نتعدى ما أمرنا به اهـ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما لا يصلي الصلاة على أحد إلَّا على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن يدعي للمسلمين والمسلمات بالاستغفار رواه إسماعيل القاضي ثم أراد بقوله لا يصلي الصلاة الخ. أنه لا يصلى إلَّا على نبينا دون سائر الأنبياء هو خلاف إجماع من يعتد به وتعارضه الرواية الأخرى عنه لا ينبغي الصلاة على أحد إلّا على النبيين ويحتاج إلى الجمع أو معرفة السابق واللاحق من الروايتين وإنما أريد من باقي الأمة وهو ظاهر قوله ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالاستغفار موافقة الجمهور وما روي عنه أيضًا وعن سفيان الثوري يكره أن يصلى على غير النبي - صلى الله عليه وسلم - رواه البيهقي قال القسطلاني وهذا أي تخصيص الصلاة والسلام بنبينا - صلى الله عليه وسلم - دون سائر النبيين خلاف إجماع من يعتد به ولا مأخذ له من كتاب أو سنة أما الكتاب فقال تعالى وسلام على عباده الذين اصطفى وقال عزّ وخل سلام على المرسلين وسلام في معنى الصلاة

وأما غير الأنبياء، فالجمهور على أنه لا يصلى عليهم ابتداءً، فلا يقال: أبو بكر - صلى الله عليه وسلم -. واختلف في هذا المنع، فقال بعض أصحابنا: هو حرام، وقال أكثرهم: مكروه كراهة تنزيه، وذهب كثير ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما السنة فقد علم هو الصلاة عليه كما صلى الله على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وهم الأنبياء ثم ما المانع من ذلك من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس وهم المشاركون له في وصف النبوة والإرسال والهداية والإنقاذ من الضلالة وقد سماهم الله تعالى أولي العزم فكيف لا يجوز الصلاة عليهم وأما رواية ابن عباس فيجوز حملها على معنى لا تجوز الصلاة على غير المتصف بالنبوة ويعضده قوله في الرواية الأخرى لا ينبغي الصلاة على أحد إلَّا على النبيين وأما قول مالك فتأوله أصحابه بمعنى أنا لا نتعبد بالصلاة على الأنبياء كما تعبدنا بالصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - اهـ، وقضية ما حمل عليه كلام مالك أن تكون الأحاديث الواردة بطلب الصلاة والسلام عليهم محمولة على الإباحة وفيه بعد والأقرب استحبابها عليهم كما صرح به المصنف ونقل فيه الإجماع وإيجابها له - صلى الله عليه وسلم - علينا وفي محل الواجب منها له أقوال تقدمت الإشارة إليها والله أعلم. قال الحافظ ابن حجر لا نعرف في الصلاة على الملائكة حديثًا نصًّا إنما يؤخذ ذلك من حديث صلوا على أنبياء الله ورسله إن ثبت لأن الله تعالى سماهم رسلًا. قوله: (أما غيرُ الأنْبياء فلا يصلى عَلَيهِمُ ابْتِداء) قال الحافظ جاء في ذلك حديث موقوف عن ابن عباس قال لا يصلى على أحد إلّا على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالاستغفار قال الحافظ بعد تخريجه هذا موقوف صحيح أخرجه الطبراني ولفظه لا ينبغي الصلاة على أحد إلَّا على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكر ما بعده أخرجه ابن أبي شيبة عن عثمان بلفظ لا أعلم الصلاة من أحد إلَّا على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخرجه الحافظ عن جعفر بن برقان قال كتب عمر بن عبد العزيز يعني إلى بعض عماله: أما بعد فإن بعض من قبلك التمسوا الدنيا بعمل الآخرة وإن ناسًا أحدثوا من الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل ما للنبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا جاءك كتابي هذا فمرهم أن تكون صلاتهم على النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة ودعاؤهم

منهم إلى أنه خلاف الأولى وليس مكروهًا، والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة تنزيه لأنه شعار أهل البدع، وقد نهينا عن شعارهم. والمكروه هو ما ورد فيه نهي مقصود. قال أصحابنا: والمعتمد في ذلك أن الصلاة صارت مخصوصة في لسان السلف بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، كما أن قولنا: عزَّ وجلَّ، مخصوص بالله سبحانه وتعالى، فكما لا يقال: محمد عزَّ وجلَّ -وإن كان عزيزًا جليلًا- لا يقال: أبو بكر أو علي - صلى الله عليه وسلم - وإن كان معناه صحيحًا. واتفقوا على جواز جعل غير الأنبياء تبعًا لهم في الصلاة، فيقال: اللهم صلِّ على ـــــــــــــــــــــــــــــ للمسلمين عامة ويتركوا ما سوى ذلك. وهذا سند للأثر صحيح اهـ. ثم المراد أن ذلك يكره إذ كان استقلالًا أما لو قيل صلى الله على آل محمد فقال ابن القيم أنه جائز ويكون - صلى الله عليه وسلم - داخلًا في آله فالإفراد وقع لفظًا على النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني فلم يفرد بالاستقلال فلذا لم يمنع. وقيل إن ذلك أيضًا مما يمنع حتى تقدم عليه الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -. قوله: (والصحِيحُ الذِي عليْهِ الأكثرونَ أَنه مَكْروهٌ) نقل السخاوي وغيره عن المصنف أنه قال إن الصلاة على غير الأنبياء على سبيل الاستقلال خلاف الأولى ولعله في غير هذا الكتاب والله أعلم، وقال ابن حجر في الدر المنضود مذهبنا أنه خلاف الأولى اهـ. وظاهر كلام القاضي عياض في الشفاء اختيار حرمة إفراد غير النبيين بها واستدل لذلك بما نازعه في كل دليل منه ابن اقبرس في شرحه ثم استوجه ابن اقبرس ما قاله المصنف من الكراهة التنزيهية. قوله: (وَقَدْ نُهينَا عَنْ شِعَارِهِم) أي مما لم يرد طلبه من الشرع وإلا فما طلبه الشرع واتخذوه شعارًا كالتختم بالفضة ونحوه باقٍ على طلبه يقتضي. قوله: (والمكروهُ الخ) أي سواء كان النهي عن فرد مخصوص أو عن قاعدة تحتها مسائل عديدة. قوله: (واتفقوا) أي أصحابنا وإلا فقد نقل عن مالك لا يجوز إلَّا على النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة أي سواء كان تبعًا أو استقلالًا كما يؤذن به مقابلة قوله بالقول المفصل بين أن يكون تبعًا واستقلالًا وقد تقدم تأويل ما ذكر عن مالك بما يوافق الجمهور وعلى

محمد وعلى آل محمد، وأصحابه، وأزواجه وذرّيته، وأتباعه، للأحاديث الصحيحة في ذلك، وقد أُمرنا به في التشهد، ولم يزل السلف عليه خارج الصلاة أيضًا. وأما السلام، فقال الشيخ أبو محمد الجوينيُّ من أصحابنا: هو في معنى الصلاة، فلا يستعمل في الغائب، فلا يفرد به غير الأنبياء، فلا يقال: عليّ - عليه السلام -، وسواء في هذا الأحياء والأموات. وأما الحاضر، فيخاطب به فيقال: سلام عليك، أو: سلام عليكم، أو: السلام عليك، أو: عليكم، وهذا مجمع عليه، وسيأتي إيضاحه في أبوابه إن شاء الله تعالى. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك حمله القاضي عياض في الشفاء وحكي عن أبي حنيفة وجمع جوازها تبعًا، ومنها استقلالًا. قوله: (وَعَلَى آل محمد) أتى بعلى لأنه الوارد في الخبر كما مر وبه يرد على الشيعة كراهة الفصل بها بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله وينقلون فيه حديثًا موضوعًا من فرق بيني وبين آلي بعلى لم تنله شفاعتي وأضاف الآل إلى الاسم الظاهر لأنه الأفصح اتفاقًا وإضافته إلى المضمر جائزة، قال عبد المطلب. وانصر على آل الصليب ... وعابديه اليوم آلك وتقديم الآل مع أن في الصحب من يفضله لأن الصلاة على الآل بطريق النص وعلى الصحب بطريق القياس وهو وإن كان أولويًّا إلَّا أنه الأصل لكونه منصوصًا عليه. قوله: (وَقَدْ أمِرْنَا) أي بجعل غير الأنبياء تبعًا لهم أو بالصلاة على غيرهم صلى الله عليهم وسلم تبعًا. قوله: (في التَّشهُدِ وغيره) وعبر في الروضة بمثل ما عبر هنا فقال الإسنوي هذا الكلام مشعر باستحباب الصلاة على الأصحاب وذكر يعني الرافعي في أوائل كتابه المسمى بالتذنيب نحوه أيضًا وكذا رأيت في شرح المختصر للداودي وهو المعروف بالصيدلاني فقال وأما نحن فإنما نصلي على غير النبي - صلى الله عليه وسلم - تبعًا فنقول اللهم صل على سيدنا محمد وآله وأزواجه وأصحابه وأتباعه وأهل ملته وعلينا معهم هذا لفظه وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في الفتاوى الموصلية لا يستحب أن يذكر منهم إلَّا من صح ذكره وهم الآل والأزواج والذرية بخلاف من عداهم صحابيًّا كان أو غيره هذا كلامه اهـ. كلام الإسنوي. قوله: (أمّا السَّلامُ الخ) قال في

فصل

فصل: يستحبُّ الترضي والترحمُ على الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والعباد وسائر الأخيار فيقال: رضي الله عنه، أو رحمه الله، ونحو ذلك، وأما ما قاله بعض العلماء: إن قوله: رضي الله عنه مخصوص بالصحابة، ويقال في غيرهم: رحمه الله فقط، فليس كما قال، ولا يوافق عليه، بل الصحيح الذي عليه الجمهور استحبابه، ودلائله أكثر من أن تحصر. فإن كان المذكور صحابيًّا ابن ـــــــــــــــــــــــــــــ الدر المنضود السلام كالصلاة فيما ذكر إلّا إذا كان تحية محي عن غائب وفرق آخرون بأنه شرع في كل مؤمن بخلافها وهو فرق بالمدعى فلا يقبل ولا شاهد في السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين لأنه وارد في محل مخصوص وليس غيره في معناه على أنه تبع لا استقلال وحقق بعضهم فقال ما حاصله مع الزيادة عليه: السلام الذي يعم الحي والميت هو ما يقصد به التحية كالسلام عند تلاوة أو زيارة قبر وهو مستدع للرد وجوب كفاية أو عين بنفسه في الحاضر ورسوله أو كتابه في الغائب وأما السلام الذي يقصد به الدعاء منا بالتسليم من الله تعالى على المدعو له سواء كان بلفظ غيبة أو حضور فهذا هو الذي اختص به - صلى الله عليه وسلم - عن الأمة فلا يسلم على غيره إلّا تبعًا كما أشار إليه المتقي السبكي في شفاء الغرام وحينئذٍ فقد أشبه قولنا - عليه السلام - قولنا عليه الصلاة من حيث إن المراد - عليه السلام - من الله تعالى ففيه إشعار بالتعظيم الذي في الصلاة من حيث الطلب لأن يكون المسلم عليه الله تعالى كما في الصلاة وهذا النوع من السلام هو الذي جوز الحليمي كون الصلاة بمعناه اهـ. فصل قوله: (فإِن كانَ المذْكُور صحابيًّا ابْنَ صحابي الخ) سكت عما إذا كان صحابيًّا ابن صحابيين كعائشة وغيرها من أولاد أبي بكر الصديق بن أبي قحافة لقلته بالنسبة لما قبله وأقل منه أربعة صحابة متناسلون بل لا يوجد ذلك إلَّا للصديق قيل وزيد مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد نظم ذلك الحافظ السيوطي وأورده في كتابه قلائد الفوائد فقال:

فصل

صحابي قال: قال ابن عمر رضي الله عنهما، وكذا ابن عباس، وابن الزبير، وابن جعفر، وأسامة بن زيد ونحوهم لتشمله وأباه جميعًا. فصل: فإن قيل: إذا ذكر لقمانُ ومريم، هل يصلى عليهما كالأنبياء، أم يترضى كالصحابة والأولياء، أم يقول: عليهما السلام؟ فالجواب: أن الجماهير من العلماء على أنهما ليسا نبيين، وقد شذَّ من قال: نبيان، ولا التفات إليه، ولا تعريج عليه، وقد أوضحت ذلك في كتاب "تهذيب الأسماء واللغات" فإذا عُرف ذلك، فقد قال بعض العلماء كلامًا يفهم منه أنه يقول: قال لقمان أو مريم ـــــــــــــــــــــــــــــ ليس في الصحب من أبوه ونجله ... وحفيده صحب سوى الصديق ثم زيد مولى النبي المسمى ... في الكتاب العزيز عند فريق قيل أيضًا ولم يمت من إمام ... وأبوه يعيش غير عتيق فصل قوله: (الجمَاهيرَ منْ العُلماء الخ) قال ابن النحوي الأنصاري في كتاب السول في خصائص الرسول: الخلاف في نبوة مريم شهير. قال القرطبي روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: في النساء أربع نبيات حواء واسية وأم موسى ومريم بنت عمران قال: والصحيح أن مريم كانت نبية لأن الله تعالى أوحى إليها بواسطة الملك كما أوحى إلى سائر الأنبياء اهـ، واختار ذلك أيضًا شيخه في المفهم بشرح مسلم وقد ذهب الأشعري إلى عدم اشتراط الذكورة في النبوة وقد حكى الخلاف في نبوة أربع: مريم وآسية وسارة وهاجر، قال العز بن جماعة في شرح يقول العبد وأما لقمان فنقل الإمام أبو حسن الثعلبي اتفاق العلماء على أن لقمان كان حكيمًا ولم يكن نبيًّا إلَّا عكرمة فإنه قال أنه كان نبيًّا وتفرد بهذا القول اهـ. كذا نقله في شرح مسلم والصحيح ما أشار إليه المصنف هنا بناء على أن شرط كل من النبي والرسول أن يكون ذكرًا يبرز إلى الناس ويؤخذ عنه. قوله: (فإِذَا عُرِف ذَلِك الخ)

كتاب الأذكار والدعوات للأمور العارضات

صلى الله على الأنبياء وعليه أو وعليهما وسلم، قال: لأنهما يرتفعان عن حال من يقال: رضي الله عنه، لما في القرآن مما يرفعهما، والذي أراه أن هذا لا بأس به، وأن الأرجح أن يقال: رضي الله عنه، أو عنها، لأن هذا مرتبة غير الأنبياء، ولم يثبت كونهما نبيين. وقد نقل إمام الحرمين إجماع العلماء على أن مريم ليست نبية -ذكره في "الإرشاد"- ولو قال: عليه السلام، أو: عليها، فالظاهر أنه لا بأس به، والله أعلم. كتاب الأذكار والدعوات للأمور العارضات اعلم أن ما ذكرته في الأبواب السابقة يتكرر في كل يوم وليلة على حسب ما تقدم وتبيّن. وأما ما أذكره الآن، فهي أذكار ودعوات تكون في أوقات لأسباب عارضات، فلهذا لا ألتزم فيها ترتيبًا. باب دعاء الاستخاره روينا في "صحيح البخاري" عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كان ـــــــــــــــــــــــــــــ أي ففيه إطلاق الصلاة عليه أو عليها تبعًا للأنبياء. قوله: (وَقَدْ نَقَلَ إِمامُ الْحَرَمَينِ إِجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ) أي جماهير العلماء لما تقدم من حكاية الخلاف والله أعلم. كتاب الأذكار والدعوات للأمور العارضات باب دعاء الاستخارة أي سؤال خير الأمرين من الفعل والترك من الخير ضد الشر. قوله: (وَرَوَيْنَا في صحيح البُخَارِي الخ) وكذا رواه أصحاب السنن الأربعة وفي إحدى روايات النسائي وأشهد بك بقدرتك وفي أخرى واقدر لي الخير حيث كنت ثم ارضني بقضائك ورواه ابن حبان في صحيحه من غير شك فقال خيرًا لي في ديني ومعادي ومعاشي وعاقبة أمري فقدره لي ويسره لي وبارك لي فيه وإن كان شرًّا لي في ديني ومعادي ومعاشي وعاقبة أمري

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فاصرفه عني واصرفني عنه وقدر لي الخير حيث كان ورضني به ورواه من حديث أبي هريرة كذلك ولفظه خيرًا لي في ديني وخيرًا لي في معيشتي وخيرًا لي في عاقبة أمري فقدره لي وبارك لي فيه وإن كان غير ذلك خيرًا لي فاقدر لي الخير حيثما كان ورضني بقدرك ورواه أيضًا من حديث أبي سعيد الخدري وفيه خيرًا لي في معيشتي ويسر لي وأعنى عليه وإن كان كذا وكذا الأمر الذي يريد شرًّا لي في ديني ومعيشتي وعاقبة أمري فاصرفه عني واقدر لي الخير أينما كان ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم كذا في السلاح ويأتي بسط في كلام الحافظ، وأخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الدعاء وقال الترمذي صحيح غريب لا نعرفه إلّا من حديث عبد الرحمن أي ابن أبي الموالي وهو الراوي له عن محمد بن المنكدر عن جابر، وابن أبي الموالي مدني ثقة وقال البزار لا يروى عن جابر إلَّا بهذا الإسناد وقال الدارقطني في الأفراد هو غريب تفرد به عبد الرحمن وهو صحيح وقال أبو أحمد بن عدي في الكامل بعد أن نقل عن الإمام أحمد أنه سئل عن عبد الرحمن فقال لا بأس به روى حديثًا منكرًا في الاستخارة انتهى كلام الإمام أحمد: عبد الرحمن مستقيم الحديث والذي أنكر عليه في الاستخارة رواه غير واحد من الصحابة اهـ، وكأنه فهم من قول أحمد أنه منكر تضعيفه وهو المتبادر لكن اصطلاح أحمد إطلاق هذا للفظ على المفرد المطلق ولو كان رواية ثقة وقد جاء عنه ذلك في حديث الأعمال بالنيات فقال في رواية محمد بن إبراهيم التيمي روى حديثًا منكرًا ووصف محمدًا مع ذلك بالثقة وقد نقل ابن الصلاح مثل هذا عن البرزنجي وأشار ابن عدي إلى أن الحديث جاء له شاهد أو أكثر وقد سمى الترمذي من الصحابة الذين رووه اثنين فقال وفي الباب عن ابن مسعود وأبي أيوب زاد شيخنا يعني الزين العراقي في شرحه وعن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وأبي هريرة وأبي سعيد "فحديث ابن مسعود" أخرجه عن علقمة عن عبد الله بن مسعود الطبراني في المعجم الصغير ولفظه قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا الاستخارة فذكر نحو حديث جابر لكن لم يذكر صلاة الركعتين وقال في آخره فإن كان هذا الأمر خيرًا لي في ديني ودنياي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعاقبة أمري فقدره لي وإن كان غير ذلك خيرًا لي في ديني فاقدر لي الخير حيث كان واصرف عني الشر حيث كان ورضني بقضائك، قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الطبراني المذكورة وقال الطبراني لم يروه عن الحكم إلَّا المسعودي. قال الحافظ قلت خص المسعودي لأنه أفرده في المعجم الكبير عن أبي حنيفة عن حماد وكلا الروايتين من طريق إسماعيل بن عياش وروايته عن غير الشأميين ضعيفة وهذا منها والمسعودي بن عبد الرحمن كوفي صدوق لكنه اختلط وقد جاء الحديث من وجهين عن آخرين عن إبراهيم النخعي أحدهما من رواية صالح بن موسى الطلحي عن الأعمش عنه أخرجه الطبراني في كتاب الدعاء وساقه نحو الأول لكن زاد في آخره ثم يعزم وصالح ضعيف، والثاني رويناه أيضًا في الدعاء في الأول من أمالي المحاملي الأصبهانية كلاهما من طريق فضيل بن عمر بن إبراهيم لكن خالف في أوله فجعله من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي إذا استخار الله في مد يده في قوله اللهم إني أستخيرك فذكر الحديث بنحوه وفي سنده عبد الرحمن بن أبي ليلى صدوق في حفظه ضعف اهـ. وحديث أبي أيوب قال إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال اكتم الخطبة ثم توضأ فأحسن وضوءك ثم صل ما كتب الله الكريم أحمد ربك ومجده ثم قل اللهم إنك تقدر ولا أقدر إلى قوله علام الغيوب فإن رأيت لي في فلانة تسميها باسمها خيرًا في ديني ودنياي وآخرتي فاقض لي بها قال الحافظ بعد تخريجه من طرق هذا الحديث حسن من هذا الوجه صحيح شواهده أخرجه ابن خزيمة وابن حبان عن ابن خزيمة والحاكم "وحديث ابن عباس" أخرجه الطبراني في الكبير وفي كتاب الدعاء ولفظه مثل لفظ جابر إلَّا الركعتين وفي الآخر اللهم ما قضيته علي من قضاء فاجعل عاقبته لي خيرًا وفي سنده هانئ بن عبد الرحمن بن أبي عبلة وهو ضعيف جدًّا "وحديث عبد الله بن عمر" جاء ابن عباس بإسناد واحد ولفظ واحد وهو الإسناد واللفظ المذكور لحديث ابن عباس عند من ذكر وجاء

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُعلمنا الاستِخارة في الأمور كلها، كالسورة من القرآن، يقول: إذا هَمّ أحدُكمْ بالأمر ـــــــــــــــــــــــــــــ من طريق أخرى أخرجها الطبراني في الأوسط قال علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الاستخارة في الأمور كلها يقول إذا همّ أحدكم فذكره وفي آخره خيرًا لي في الأمور كلها وفي سنده الحكم بن عبد الله الأيلي بفتح الهمزة وسكون التحتية بعدها لام ضعيف جدًّا "وحديث أبي هريرة" قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أحدكم أمرًا فليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك اهـ. فذكر نحو حديث جابر قال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن أخرجه ابن عدي في الكامل وابن حبان في صحيحه وقال ابن عدي بعد أحاديث سئل ابن عبد الرحمن بن عدي بن يعقوب أي رواية مثالين غير محفوظ "وحديث أبي سعيد الخدري". قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الطبراني في كتاب الدعاء ومن طريق أخرى أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الدعاء وابن حبان في صحيحه اهـ، وسبق في كلام السلاح ما خالفت رواية أبي سعيد فيه رواية جابر والله أعلم. قوله: (في الأمور كلها) أي التي يريد التلبس بها مباحة كانت أو عبادة لكنها في الثاني بالنسبة لإيقاع العبادة في ذلك الوقت الذي عزم على إيقاعها فيه لا بالنسبة لأصل فعلها لأنه خير البتة ويؤخذ من قولنا لكنها الخ. أنه لا استخارة في الواجب المضيق وهو ظاهر إذ الاستخارة طلب خير الأمرين من الفعل الآن والترك وهذا إنما يتصور في الموسع دون المضيق إذ لا رخصة في تأخيره. قوله: (كالسورةِ منَ القُرآنِ) أي كتعليمه للسورة من القرآن ففيه غاية الاعتناء بشأن صلاة الاستخارة ودعائها لعظيم نفعه وعموم جدواه. قوله: (يَقولُ) الجملة تفسير لقوله يعلمنا. قوله: (إذَا همّ أَحَدُكمْ بالأَمْرِ) أي إذا قصد الأمر المهم المخير بين فعله وتركه وتردد في أنه خير في ذاته أو في إيقاعه في ذلك الوقت هم، وفي تأخيره عنه قال العارف بالله تعالى ابن أبي جمرة ترتيب الوارد على القلب على مراتب الهمة ثم اللمة ثم الخطرة ثم النية ثم الإرادة ثم العزيمة فالثلاثة الأول لا يؤاخذ بها الإنسان بخلاف الثلاثة الأخيرة فقوله إذا هم بشيء إلى أن الأول ما يرد على القلب

فليَركَع رَكعَتَين مِنْ غيرِ الفَريضَةِ، ثمّ ليَقُلِ: اللهُم إني أستَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فينبغي أن يستخير فيطلب الخير ليظهر له ببركة الصلاة والدعاء ما هو الخير بخلاف ما إذا تمكن عنده الأمر وقويت عزيمته فيه فإنه يصير ذا ميل إليه وحب له فيخشى أن يخفى عليه وجه الأرشدية لغلبة الميل إليه. قال ويحتمل أن يكون المراد بالهم العزيمة لأن الخواطر لا تثبت فلا يستخير إلَّا على ما يقصد التصميم على فعله وإلا استخار في كل خاطر ولا يستخير فيما لا يعبأ به فيضيع عليه أوقاته اهـ. وقال في الحرز الأولى اختيار الأوسط بين الخطرة والعزيمة وهو الإرادة ويؤيده ما رواه الطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود إذا أراد أحدكم أمرًا. قوله: (فَلْيرْكَع ركعَتيْنِ) أي فليصل والأمر للندب والتقييد بالركعتين لبيان أقل ما يحصل به لا يحصل بركعة وإن شملها خبر ثم صل ما كتب لك فقد استنبط العلماء معنى خصصه بغيرها ولا بخصصه حديث جابر لأنه من ذكر بعض أفراد العلة الذي هو ما كتب لك وهو لا يخصص ثم الإتيان بالدعاء عقب الصلاة هو الأكمل وإلا فتحصل الاستخارة بالدعاء إن تعذرت عليه الصلاة أي أو لم يردها وكمالها بركعتين غير الفريضة بنيتها والدعاء عقبها ثم بالدعاء عقب أي صلاة كانت مع نيتها وهو أولى أو بغير نيتها كما في التحية ثم الدعاء المجرد فلها ثلاث مراتب. قوله: (مِن غَيرِ الفَرِيضةِ) بيان للأكمل وإن صلى فريضة أو نافلة مثلًا فإن نوى بها الاستخارة حصل فضل سنة صلاة الاستخارة وإن لم ينوها سقط عنه أصل الطلب وفي حصول الثواب خلاف وذلك لأن القصد هنا حصول ذلك الذكر عقب صلاة لتعود بركتها عليه وسكت في الخبر عن تعيين وقتها فجرى جمع على جوازها جميع الأوقات وآخرون منهم الشافعية على المنع منها وقت الكراهة بغير الحرم المكي لتأخر سببها. قوله: (ثُم لْيَقل) أي عقب الصلاة مستقبل القبلة رافعًا يديه بعد الحمد والصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - كما سيأتي لأَنهما سنتان في أول كل دعاء ووسطه وآخره. قوله: (أَسْتَخيركَ بِعلْمِكَ) أي أسأل منك أن تشرح صدري لخير الأمرين بسبب علمك كليات الأمور وجزئياتها إذ لا يحيط بخير الأمرين على

وأستَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِك، وأسألُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيم، فإنَّكَ تَقْدِرُ ولا أقدِرُ، وتَعْلمُ ولا أعْلمُ، وأنتَ عَلّامُ الغُيُوبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ حقيقته إلَّا من علمه كذلك وليس ذلك إلّا إليك فلا يطلب من غيرك. قوله: (وَأَسْتَقدِرُكَ بِقُدْرتِكَ) أي أسأل منك أن تقدرني على خير الأمرين وأن تقدر لي الخير أو قدره بسبب أنك القادر الحقيقي إذ لا يمكن أحدًا أن يعمل عملًا إلَّا إذا قدرته وجوز بعضهم كون الباء فيها للاستعانة على حد بسم الله مجريها ومرساها أي أسأل خيرك مستعينًا بعلمك فإني لا أعلم فيم خيري وأسأل منك القدرة مستعينًا بقدرتك إذ لا حول ولا قوة إلَّا بك، واستبعد، والفرق بينها وبين الآية واضح ويحتمل كونها للقسم مع الاستعطاف والتذلل كما في رب بما أنعمت علي. قوله: (وأَسأَلُكَ مِن فَضْلِكَ العَظِيم) أي أسألك ما ذكر طالبا من فضلك العظيم الذي تفضلت به على العباد وهذا إطناب وتأكيد لما قبله ومقام الدعاء حقيق بذلك أن الله يحب الملحين في الدعاء وقيل من فيه للسببية أي سبب السؤال إنما هو محض جودك والإفضال لا الاعتماد على شيء من صالح الأعمال أو سنين المقامات والأحدال بل الاعتماد على محض الفضل والإحسان والله أعلم. قوله: (فَإِنَّكَ) علة لذكر سبية العلم والقدرة. قوله: (تَقْدِرُ) هو بكسر الدال رواية أي تقدر على سائر الممكنات المتعلق بها إرادتك. قوله: (وتَعلَمُ) أي كل شيء جزئي وكلي وغيرهما ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير. قوله: (علَّامُ الغُيوب) بكسر الغين وضمها كل ما غاب عن العيون سواء كان محصلًا في القلوب أو لا كذا في النهاية فلا يشذ عن علمه شيء من الغيوب ولا يحيط أحد من الخلق بشيء منها إلَّا بتخصيصه بالاطلاع على جزئيات قليلة منها وكأن حكمة تقديم القدرة أولًا وثانيًا عن العلم عكس الأول أن الباعث على الاستخارة شهود أن علمه تعالى محيط بسائر الكليات والجزئيات فكان تقديم العلم ثم أنسب ولما فقد وقع سؤال القصة وشهود القدرة على المسؤول أكمل من شهود العلم به إذ هي المتكفلة بنيل المطلوب فقدم في كل من المقامين ما هو أنسب به وإن احتيج إلى شهود العلم والقدرة في كلا المقامين.

اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أن هذا الأمرَ خَير لي في دِيني ومَعاشي وعاقِبَةِ أمري -أو قال: عاجلِ أمري وآجلِهِ- ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (إِن كنتَ) قيل معناه إنك تعلم فأوقع الكلام موقع الشك على معنى التفويض إليه والرضا بعلمه فيه وهذا النوع يسميه أهل البلاغة تجاهل العارف ومزج الشك باليقين وقال في الحرز لا خفاء في أنه غير مناسب للترديد الذي بني أمره على معرفة الله تعالى وجهل العبد به فالظاهر أن الشك بالنظر إلى المستخير لأنه ليس بمعين عنده بل هو متردد في أن علم الله سبحانه هل هو يكون الأمر خيرًا أو شرًّا لا في أصل العلم لأنه من المعلوم بالضرورة من الدين. قوله: (الأَمرَ) اللام فيه للعهد الذهني أي الأمر المتردد فيه من حج أو غيره ومن ثم يسن تسميته كما سيأتي آخر الحديث. قوله: (في دِيني وَمَعَاشي) أي بأن لا يترتب عليه ضرر ديني أو دنيوي فقدم المديني لأنه أهم المهمات وفي الصحاح العيش الحياة وقد عاش الرجل معاشًا ومعيشًا وكل منهما يصلح أن يكون مصدرًا وإن يكون اسمًا مثل سحاب وحبيب وقال ميرك يحتمل أن يكون المراد بالمعاش الحياة ويحتمل أن يكون المراد ما يعاش فيه ووقع في حديث أبي مسعود عند الطبراني في الأوسط في ديني ودنياي وفي حديث أبي أيوب عنده أيضًا في الكبير في دنياي وآخرتي. قوله: (أَو قَال عَاجِل أمرِي وآجلهِ) العاجل أمر الدنيا والآجل من أمر الآخرة وقال ابن الجزري أو في الموضعين للتخيير أي أنت مخير إن شئت قلت عاجل أمري وآجله وإن شئت قلت معاشي وعاقبة أمري اهـ. وقال الحافظ العسقلاني الظاهر أنه شك من الراوي هل قال - صلى الله عليه وسلم - وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله وإليه ذهب القوم حيث قالوا هي على أربعة أقسام خير في دينه دون دنياه وهو مقصود الإبدال وخير في دنياه فقط وهو حظ حقير وخير في العاجل دون الآجل وبالعكس وهو أولى والجمع هو الأفضل ويحتمل أن يكون الشك في أنه - صلى الله عليه وسلم - قال في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال بدل هذه الألفاظ الثلاثة في عاجل أمري وآجله ولفظة في المعادة في قوله في عاجل أمري ربما تؤكد هذا وعاجل الأمر يشمل الدنيوي والديني والآجل

فاقْدُرهُ لي وَيسرهُ لي، ثمّ بارِكْ لي فِيهِ، وإنْ كُنتَ تَعْلمُ أن هذا الأمرَ شَرٌّ لي ـــــــــــــــــــــــــــــ يشملهما العاقبة اهـ. وفي الحرز لا شك أن أو في الحديث ليس من كلام النبوة المفيد للتخيير إنما استفيد التخيير من وقوع شك الراوي في التعبير اهـ، وهو بيان للتخيير في كلام ابن الجزري وفيه بعد من عبارته أحوج إليه تحقق أنها ليست من كلام النبوة والقول بالتخيير لأجل الشك في اللفظ الوارد هو خلاف ما تقدم عن المصنف في أذكار الصلاة وغيره من أنه يندب الجمع بين كثيرًا بالمثلثة والموحدة في قوله ظلمًا كثيرًا ونحوه مما شك رواته في لفظ الذكر الوارد لوقوع الشك في أيهما الوارد فلا يتحقق الإتيان بالوارد إلَّا بجمعها واعترض بما سبق رده أنه يندب الجمع بين المشكوك فيه ليتحقق الإتيان بالوارد والزيادة عليه للتحقق غير منافية للاتباع والأمر بتكريره مرتين بكل مرة لا حاجة إليه. قوله: (فاقدِرْهُ) قال ابن الجزري هو بوصل الهمزة وضم الدال أي اقض لي به وهيئه اهـ. وهو كذلك في النهاية والمفهوم من القاموس أنه بضمها وكسرها وسيأتي فيه مزيد وقيل معناه اجعله مقدورًا لي به ونجزه لي. قوله: (ويسرْهُ لي) عطف تفسير لما سيأتي بيانه أي أسألك أن تجعله مقدورًا ميسرًا علي مسهلًا لي أو أخص إذ المقدر قد يكون معه نوع مشقة. قوله: (ثُم بارك لي فيهِ) أي ثم بعد حصوله بارك لي فيه بنمو أو نمو أثاثه وسلامتها من جميع القواطع والمحن وحكمة ثم هنا أن في حصول المسئول نوع أثر الخير غالبًا. قوله: (أَن هَذَا الأَمرَ) يؤخذ منه طلب تسميته في الجانبين وإن كان ظاهر عبارة إيضاح المناسك وغيره أنه يكتفي بعود الضمير على ما مر ولا يسمي حاجته ثانيًا اكتفاء بما سبق والأول لظاهر عموم الخبر السابق أكمل. قوله: (في ديِني ومعَاشِي الخ) قال بعض المحققين ينبغي التفطن لدقيقة هي أن الواو في المتعاطفات التي بعد خير على بابها وفي التي بعد شر بمعنى أو لأن المطلوب يسره لا بد أن يكون كل من أحواله المذكورة من الدين وما بعد خيرًا والمطلوب صرفه يكفي فيه أن يكون بعض أحواله المذكورة شرًّا وفي إبقاء الواو على حالها

في دِيني ومَعاشي وعاقِبَةِ أمرِي -أو قال: عاجِلِ أمري وآجِلِهِ- فاصرِفْهُ عني أو اصرفني عنه، واقْدُرْ ليَ الخيرَ حَيثُ كانَ ثم رَضِّني بهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه إيهام لأنه لا يطلب صرفه إلَّا أن كانت جميع أحواله لا بعضها شرًّا وليس مرادًا كما هو واضح اهـ، وتعقبه بعض المتأخرين بقوله لا شك أن العاقل يطلب حصول ما فيه الخيرية من جميع الوجوه المذكورة صرف ما فيه الشرارة من جميعها أيضًا فطلب حصول الأول وصرف الثاني صريح عبارة الحديث وبقي ما فيه الخيرية من وجه والشرارة من وجه فالظاهر أن الحكم للغالب منهما فإن استهلك الشر بالنسبة لما فيه من الخبر والنفع فواضح أن الفعل يطلب حصوله وكذلك أن استهلك الخير بالنسبة لما فيه من الشر فالظاهر أنه يطلب صرفه وكذلك إذا تعارض الخير والشر فالاعتناء بجانب الدفع أكثر فهو مطلوب الصرف ولعله أشار إلى هذه الصورة إجمالًا بقوله واقدر لي الخير حيث كان ويؤيد هذا الاحتمال قوله ثم أرضني به وذلك أنه لما كان في المطلوب شرارة من وجه كان مظنة ألا تطمئن إليه النفس وترضى به فظهر أن قوله أو المطلوب صرفه يكفي فيه أن يكون بعضه شرًّا في حيز المنع وعلى ما ذكرنا فالواو على معناها في الموضعين وليس بمعنى أو اهـ. قوله: (فاصرفه عني) زاد في بعض روايات البخاري واصرفني عنه كما في المشكاة قال شارحها صرح به للمبالغة والتأكيد لأنه يلزم من صرفه عنك صرفك عنه وعكسه ويصح كونه تأسيسًا بأن يراد بقوله فاصرفه عني لا تقدرني عنه وبقوله واصرفني عنه لا تبق في باطني اشتغالًا به. قوله (واقْدِر لي الخَيرَ) أي ما فيه الثواب والرضا منك على فاعله واقدر ضبطه الأصيلي بضم الدال وكسرها. قوله: حيثُ كَانَ للتعميم في الأمكنة والأزمنة والأحوال وكان حكمة تركه هنا "ويسره لي" أن الخير العام لا بد في حصوله من مشقة وتعب غالبًا ودائمًا بخلاف ما سبق فإنه خير خاص وانتفاء المشقة عنه كثير. قوله: (رضني به) أي ثم بعد حصول المسئول وبلوغ السول والإتيان بثم ليغاير ما مر ورضني دعاء من الترضية وفي رواية للبخاري

قال: ويُسَمِّي حاجَتَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أرضني من الإرضاء وهما بمعنى ولذا لم يسن جمع بينهما ومثله الشك في الرواية في بحث الأذكار بين المترادفين فيكفي أحدهما في الإتيان بالذكر الوارد أي اجعلني راضيا بنعمك فلا أزدري منها شيئًا ولا أحسد أحدًا من خلقك فاندرج في سلك الراضين الذين أثنيت عليهم بقولك رضي الله عنهم ورضوا عنه، قال الشيخ شهاب الدين القرافي في قواعده أنواع البروق: من الدعاء المحرم المرتب على استئناف المسألة كمن يقول اقدر لي الخير لأن الدعاء بعضه اللغوي إنما يتناول المستقبل دون الماضي لأنه طلب ولا طلب في الماضي والحال فيكون مقتضى هذا الدعاء أن يقع تقدير الله سبحانه في المستقبل في الزمان والله سبحانه وتعالى يستحيل عليه استئناف التقدير بل وقع جمعه في الأزل فيكون هذا الدعاء مقتضى مذهب من يرى أن لا قضاء وإن الأمر أنف كما أخرجه مسلم عن الخوارج وهو فسق بإجماع. فإن قلت قد ورد الدعاء بلفظ اقدر في حديث الاستخارة فقال فيه واقدر لي الخير حيث كان قلت متعين أنه يعتقد أن التقدير أريد به التيسير على سبيل المجاز فالداعي إذا أراد هذا المجاز جاز وإنما يحرم الإطلاق عند عدم النية اهـ، وفي الحرز الأظهر إنما يحرم إذا أراد تغير التقدير أو استئناف التقدير لا عند عدم النية لا سيما وقد ورد هذا الدعاء في السنة وليس كل واحد يطلع على هذه الدقيقة فبمجرد عدم النية لا يتحقق الحرمة هذا وقد يقال معنى اقدر لي الخير أظهر تقديرك الخير من هذين الأمرين لينكشف لي الخير والشر ولا يبعد أن يكون مثل هذا الأمر معلقًا بدعاء العبد فيقع على مقتضاه فإن القدر جزئيات لكليات القضاء أو بالعكس على خلاف فيه كما حقق في قوله تعالى يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب والله أعلم بالصواب. قوله: (ويسمى حاجتَهُ) فاعل قال ضمير يعود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأعاد لفظ قال لطول الكلام وقد وقع مثله في التنزيل قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [البقرة: 89]، وقال تعالى: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} [المؤمنون: 35]، ويسمى

قال العلماء: تستحب الاستخارة بالصلاة والدعاء المذكور، وتكون الصلاة ركعتين من النافلة، والظاهر أنها تحصل بركعتين من السنن الرواتب، وبتحية المسجد وغيرها من النوافل، ويقرأ في الأولى بعد الفاتحة: ({قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وفي الثانية: {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، ولو تعذرت عليه الصلاة استخار بالدعاء. ـــــــــــــــــــــــــــــ معطوف على فليقل لأنه في معنى الأمر أو حال من فاعله أي فليقل ذلك مسميًا والمراد أنه يقول اللهم أن كنت تعلم أن هذا الأمر وهو الحج أو السفر مثلًا وكأن حكمة تسميته قصر النفس على طلب شيء مخصوص حتى لا يغفل عنه أو لا يخطر بها غيره فيختل خشوعها وينبهم مطلوبها والجمع بين هذا الأمر وتفسيره مع حصول المقصود بأخصر منه كان يقول أن كنت تعلم أن هذا الحج مثلًا للإطناب الأنسب بالدعاء وفيه الإجمال ثم التفصيل الأوقع في النفس الدال على مزيد الاعتناء بالمطلوب. قوله: (يُسْتَحَبُّ الاستخارةُ بالصلاةِ والدعاءِ) الواو فيه على بابها بعد الصلاة المعهودة وهي الركعتان كما هو الأفضل فإن تعذرت عليه الصلاة أو لم يردها وتركه الأفضل لا يمنعه من المفضول استخار بالدعاء. قوله: (والظاهرُ أَنها تحصُلُ بركعتين الخ) محله كما هو واضح إذا تقدم الهم بالأمر على الشروع في فعل الصلاة لأنه لا يخاطب بصلاة الاستخارة الخ أما من شرع في الصلاة ثم هم بأمر فلا يحصل له بتلك الصلاة صلاة الاستخارة الخ قال ابن حجر الهيتمي والمراد بحصولها بما ذكر سقوط الطلب أما حصول الثواب فلا بد فيه من النية قياسًا على تحية المسجد اهـ، وخالفه جمع من المتأخرين كما تقدمت الإشارة إليه ومثل النافلة فيما ذكر الفريضة كما سبق إيضاحه في الكلام على الحديث والله أعلم. قوله: (ويقْرأُ في الأُولى بعدَ الفاتحةِ ({قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وفي الثانيَة (قُل هُوَ اللَّهُ أَحَد) قال الحافظ الزين العراقي لم أجد في شيء من طرق الحديث تعيين ما يقرأ في ركعتي الاستخارة لكن ما ذكره النووي مناسب لأنهما سورتا الإخلاص فناسب الإتيان بهما في صلاة المراد منهما إخلاص الرغبة وصدق التفويض وإظهار العجز وسبق إليه الغزالي

ويستحب افتتاح الدعاء المذكور وختمه بالحمد لله والصلاة والتسليم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم إن الاستخارة مستحبة في جميع الأمور كما صرح به نص هذا الحديث الصحيح، وإذا استخار مضى بعدها لما ينشرح له صدره، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو قرأ ما وقع فيه ذكر الخيرة كآية القصص وآية الأحزاب لكان حسنًا اهـ. قال الشيخ أبو الحسن البكري وقد استدل بورود قراءتهما في مواضع كثيرة من صلاة النفل فيلحق ما هنا بها اهـ. وقال الحافظ ابن حجر الأكمل أن يقرأ قبل سورة الكافرون آية القصص {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} إلي {ترجعون} [القصص: 68 - 70] وقبل سورة الإخلاص آية الأحزاب ({وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ} إلى قوله {مبينًا} [الأحزاب: 36] لأنهما مناسبتان كالسورتين وإن لم يرد اهـ. وعن بعضهم الاقتصار على الآيتين عوض السورتين ونقل شارح الأنوار السنية عن الشاطبي أنه يقرأ في الأولى بعد الفاتحة وعنده مفاتح الآية وفي الثانية بعد الفاتحة آية القصص وقال وليكن ذكره في ركوعه وسجوده ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم اهـ. والإتيان بالحوقلة مناسبة لما فيه من كل التفويض لكن لم أر أحدًا من أصحابنا ذكره والله أعلم، وفي كتاب أذكار الصلاة من أمالي الحافظ ابن حجر على هذا الكتاب قال قرأت في كتاب جمعه الحافظ أبو المحاسن عبد الرزاق الطبسي بفتح المهملة والموحدة بعدها سين مهملة فيما يقرأ في الصلوات أن الإمام أبا عثمان الصابوني ذكر في أماليه بسنده أن زين العابدين كان يقرأ في ركعتي الاستخارة سورة الرحمن وسورة الحشر قال الصابوني وأنا أقرأ فيهما في الأولى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] لأن فيها ونيسرك لليسرى وفي الثانية {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] لأن فيها {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)} [الليل: 7] ولم يذكرا مناسبة لما كان يقرأ به زين العابدين فيهما. قال الحافظ ويجوز أن يكون لحظ في الأولى قوله تعالى كل يوم هو في شأن وفي الثانية الأسماء الحسنى التي في آخرها ليدعو بها في الأمر الذي يريده والعلم عند الله اهـ. قوله: (ويستحبُّ افتتاحُ الدُّعَاءِ الخ) وكذا يستحب ذلك في وسط الدعاء للتصريح به في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في خبر الطبراني وقياسًا أو، يا في حمد الله. قوله: (وإذَا اسْتخار، الخ) فإن لم ينشرح صدره لشيء فالذي يظهر أن يكرر الاستخارة

والله أعلم. وروينا في كتاب الترمذي بإسناد ضعيف، ضعفه الترمذي وغيره، عن أبي بكر رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد الأمر قال: "اللَّهُم ـــــــــــــــــــــــــــــ بصلاتها ودعائها حتى ينشرح صدره لشيء وإن زاد على السبع والتقييد بها في خبر أنس الآتي جري على الغالب إذ انشراح الصدر لا يتأخر عن السبع على أن سند الخبر غريب كما سيأتي ومن ثم قيل الأولى أن يفعل بعدها ما أراد أي وإن لم ينشرح صدره إذ الواقع بعدها هو الخير كما سيأتي عن ابن عبد السلام ويؤيده أن أن في خبر أقوى من ذاك بعد دعائها ثم يعزم على ما استخار عليه وفيه نظر إذ ما يلقى في النفس نوع من الإلهام الموافق للشرع فاعتماده والتعويل عليه أولى ومن لم يعتد عن انشراح صدر نشأ عن هوى وصل إلى الفعل قبل الاستخارة وقيل محمول على من لم يظهر له شيء أو ظهر وأراد التقوية فلو تعارضت الأشياء عنده في قلبه عمل بما بعد المرة السابعة. قال ابن جماعة ينبغي أن يكون المستخير قد جاهد نفسه حتى لم يبق لها ميل إلى فعل ذلك الشيء ولا إلى تركه ليستخير لله تعالى وهو مسلم له ذلك فإن تسليم القياد مع ميل إلى أحد الجانبين جناية في الصدق وأن يكون دائم المراقبة لربه سبحانه من أول صلاة الاستخارة إلى آخر الدعاء فإن من التفت عن ملك يناجيه حقيق بطرده ومقته وإن يقدم على ما انشرح صدره له فإن توقف ضعف وثوق منه بخيرة الله تعالى اهـ. قوله: (وَرَوَيْنا في كِتَابِ الترْمذِي) قال الحافظ بعد تخريجه حديث غريب أخرجه الترمذي والبزار وقال الترمذي غريب وزنفل بزاي ونون وفاء ولام بوزن جعفر وهو أبو عبد الله ويقال له العزفي بفتح العين المهملة والزاي بعدها فاء نسبة إلى سكنه وهو الراوي للخبر عن ابن أبي مليكة عن عائشة عن الصديق رضي الله عنهما ضعيف تفرد بهذا الحديث قال البزار لا نعلمه يروى إلَّا بهذا الإسناد ولا يتابع زنفل عليه وقال الدارقطني في الأفراد وتفرد به زنفل وقال ابن عدي لم يروه إلّا زنفل ونقل تضعيفه عن جماعة وأخرج ابن أبي الدنيا بسند قوي إلى ابن مسعود أنه كان ينكر على من يدعو مقتصرًا على قولهم اللهم خِرْ لي ولا بأس أن يزيد فيهما مع عافيتك ورحمتك اهـ.

خِرْ لي واخْتر لي". وروينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا أنس، إذا هَمَمْتَ بأمْرٍ فاسْتَخِرْ رَبَكَ فيهِ سَبْعَ مراتٍ، ثم انْظُرْ إلى الذي سَبَقَ إلى قَلْبِكَ، فإن الخَيرَ فيهِ". إسناده غريب، فيه من لا أعرفهم. ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ينبغي ضم هذا الدعاء إلى دعاء الاستخارة السابق. قوله: (وَرَوَينَا في كِتَاب ابنِ السنِّي) قال الشيخ أبو الحسن البكري في شرح مختصره إيضاح المناسك ورواه الديلمي في مسند الفردوس. قوله: (فاستَخُرْ ربكَ فيهِ سبع مرات) تقدم إن التقييد بالسبع جري على الغالب من ظهور انشراح الصدر بعدها وأنه يزيد عليها إن لم يظهر له شيء ولو فرض أنه لم ينشرح صدره لشيء وإن كرر الصلاة فإن أمكن التأخر أخر وإلا شرع فيما يسر له فإنه علامة الإذن والخير إن شاء الله تعالى. قوله: (إِسنادُهُ غَريب فيهِ مَنْ لَا أَعرِفُهُمْ) مثله في منسك ابن جماعة. قال الحافظ سند الحديث عند ابن السني حدثنا أَبو العباس بن قتيبة حدثنا عبد الله بن المؤمل الحميري حدثنا إبراهيم عن البراء بن النضر عن أنس عن أبيه عن جده فأما أبو العباس فاسمه محمد بن الحسن هو ابن أخي بكار بن قتيبة قاضي مصر وكان ثقة أكثر عنه ابن حبان في صحيحه وأما النضر فأخرج له الشيخان وأما الحميري فلم أقف على ترجمته لكن قال شيخنا يعني الحافظ الزين العراقي في شرح الترمذي متعقبًا على قول النووي هم معروفون لكن فيهم راو معروف بالضعف الشديد وهو إبراهيم بن البراء فقد ذكره العقيلي في الضعفاء وابن حبان وغيرهم وقالوا أنه كان يحدث بالأباطيل عن الثقات زاد ابن حبان لا يحل ذكره إلَّا على سبيل القدح فيه قال شيخنا فعلى هذا فالحديث ساقط والثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دعا دعا ثلاثًا قلت أخرجه البخاري من حديث أنس قال شيخنا وما ذكره قبل أنه يمضي لما ينشرح له صدره كأنه اعتمد فيه على هذا الحديث وليس بعمدة وقد أفتى ابن عبد السلام بخلافه فلا تتقيد ببعد الاستخارة بل مهما فعله فالخير فيه ويؤيده ما وقع في آخر حديث ابن مسعود في بعض طرقه ثم يعزم قلت قد بينتها

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيما تقدم وإن راويها ضعيف لكنه أصلح حالًا من راوي هذا الحديث انتهى كلام الحافظ. انتهى أول فصل من كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النووية وهذا (الجزء الثالث)

أبواب الأذكار التي تقال في أوقات الشدة وعلى العاهات باب دعاء الكرب والدعاء عند الأمور المهمة

بسم الله الر حمن الرحيم أبواب الأذكار التي تقال في أوقات الشدة وعلى العاهات باب دعاء الكرب والدعاء عند الأمور المهمة روينا في "صحيحي البخاري ومسلم " عن ابن عباس رضي الله عنهما، ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (أَبوابُ الأذكارِ التي تقال في أَوقاتِ الشِّدةِ وعَلَى العاهَاتِ بابُ دعاءِ الكْرب) في المصباح كربه الأمر كربًا شق عليه حتى ملأ صدره غيظًا ورجل مكروب مهموم والكربة اسم منه وَالجمع الكرب مثل غرفة وغرف نقله العلقمي وفي الصحاح الكربة الغم الذي يأخذ بالنفس ونقل الواحدي إنه أشد الغم وقال الحافظ العسقلاني الكرب بفتح الكاف وسكون الراء بعدها موحدة هو ما يدهوه من الأمر مما يأخذ بنفسه فيغمه ويحزنه نقله ميرك وسيأتي ما فيه. قوله: (والدُّعاءِ عند الأمور المُهِمَّةِ) قال في الصحاح الهم الحزن والجمع الهموم وأهمك الأمر أقلقك وأحزنك يقال همك ما أهمك والمهم الأمر الشديد اهـ. قوله (رَوَيْنا في صحيحَي البُخَاري ومُسلم) أي وكذا رواه من أصحاب السنن من عدا أبا داود وفي بعض روايات البخاري لا إله إلَّا الله العليم الحليم لا إله إلَّا هو رب العرش العظيم لا إله إلّا هو رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم ورواه أبو عوانة في صحيحه وزاد ثم يدعوا كذا في السلاح قال الحافظ وجاء عن ابن عباس أيضًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال كلمات الفرج لا إله إلَّا الله الحليم العظيم لا إله إلَّا هو الحليم الكريم لا إله إلَّا هو رب السموات السبع ورب العرش الكريم أخرجه ابن خزيمة وهو عند أبي نعيم في المستخرج من طريق ابن خزيمة لكن لم يسق لفظه، وجاء عن ابن عباس من وجه آخر مثل اللفظ الذي أورده في الكتاب وزاد في آخره اللهم اصرف عني شره أخرجه البخاري في الأدب المفرد وسنده حسن وللزيادة شاهد من وجه كذا مسند أيوب السختياني قال كتب إلي أبو قلابة

أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند الكرب: "لا إله إلا اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أن أتعلم هذه الكلمات وأعلمهن ابنه لا إله إلا الله العظيم الحليم فذكر مثل رواية الكتاب وزاد سبحانك يا رحمن ما شئت أن يكون كان وما لم يشأ لم يكن لا حول ولا قوة إلّا بالله أعوذ بالله الذي يمسك السموات السبع ومن فيهن أن يقعن علي الأرض إلَّا بإذنه ومن الشر كله في الدنيا والآخرة قال الحافظ بعد تخريجه هذا موقوف على أبي قلابة صحيِح الإسناد واسمه عبد الله بن يزيد الجرمي من فقهاء التابعين ولعله أخذه عن ابن عباس اهـ. قوله: (أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول الخ. قال الطبري كان السلف يدعون بهذا الدعاء ويسمونه دعاء الكرب فإن قيل كيف يسمى هذا دعاء وليس فيه من معنى الدعاء شيء وإنما هو تعظيم لله تعالى وثناه عليه فالجواب أن هذا يسمى دعاء لوجهين أحدهما إنه يستفتح به الدعاء ومن بعده يدعو بما شاء قلت وقد جاء هذا مصرحًا به في بعض الطرق أخرجه أبو عوانة وثانيهما قول ابن عيينة وقد سئل عن هذا فقال أما علمت إن الله تعالى يقول من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل مما أعطي السائلين وقد قال أمية بن أبي الصلت: إذا أثني عليك المرء يومًا ... كفاه من تعرضه الثناء قال القرطبي المفهم بعد نقله وهذا كلام حسن تتميمه إن ذلك لنكتتين إحداهما كرم المثنى عليه فإنه اكتفى بالثناء عن السؤال لسهولة البذل عليه وللمبالغة في كرم الخلق وثانيتهما إن المثني لما آثر الثناء الذي هو حق المثنى عليه على حق نفسه الذي هو حاجته بودر إلى قضاء حاجته من غير احواج إلى من له السؤال مجازاة له على ذلك الإيثار والله أعلم اهـ، والفرق بين النكتتين إنه على الأول متعرض للسؤال وعلى الثاني مفوض وليس متعرضًا ولا شك إن الثاني حال أكمل وفي القيام بما يجب للربوبية أجمل كما قال من قال: وكلت إلى المحبوب أمري كله ... فإن شاء أحياني وإن شاء أتلفا قوله: (عِنْدَ الكربِ) قال ابن حجر الهيتمي في شرح المشكاة الظاهر إن المراد به هنا الحال التي تقلق النفس وتوجب كبير همها وضيقها لأمر دنيوي وكذا ديني

العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إله إلا اللهُ رَب العَرْشِ العَظِيمِ، لا إلهَ إلا اللهُ رَب السموَاتِ وَرَبُّ الأرض رَب العَرْشِ الكَرِيمِ". وفي رواية لمسلم: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا حَزَبَه أمرٌ قال ذلك" قوله "حزبه أمر" أي نزل به أمر مهم، أو أصابه غم. وروينا في كتاب الترمذي، عن أنس رضي الله عنه، عن ـــــــــــــــــــــــــــــ كخوف مزعج يخشى منه الناس وطمع يخشى معه أمن المكر وغيرهما مما يخشى أن يؤدي إلى مذموم اهـ. قوله: (العظيمُ) أي ذاتا وصفة فلا يتعاظمه مسؤول وإن عظم ومنه إزالة الكرب الذي لا يزيله غيره. قوله: (الحَليمُ) أي على من قصر في خدمته فلا يعاجله بعقوبته بل يكشف السوء بمنه ورحمته. قوله: (العرشِ العظيمِ) بالجر ويجوز رفعه وسيأتي وجههما ومن وسعت ربوبيته العرش الذي وسع المخلوقات بأسرهم جدير بأن يزيل الكروب ويرفع اللغوب. قوله: (رب العرشِ الْكريمِ) وفي بعض نسخ الحصين ورب بزيادة واو العطف ثم الكريم بالجر أو الرفع قال الحافظ العسقلاني نقل ابن التين عن الداودي أنه رواه برفع العظيم وكذا برفع الكريم على أنهما نعتان للرب والذي ثبت في رواية الجمهور الجر على أنهما نعتان للعرش وكذا قرأه الجمهور في قوله تعالى: (رَبُّ العَرشِ العظِيم) [التوبة: 129] ورب العرش الكريم بالجر وقرأ ابن محيض بالرفع فيهما وجاء ذلك عن ابن كثير وأبي جعفر المديني أيضًا وأعرب بوجهين أحدهما ما تقدم، الثاني أن يكون نعتًا لعرش ورفعه على القطع على إضمار مبتدأ محذوف للمدح ورجح بحصول توافق الروايتين ورجح أبو بكر الأصم الأول لأن وصف الرب بالعظيم أولى من وصف العرش به وفيه نظر لأن وصف ما يضاف للعظيم أقوى في تعظيم العظيم وقد نعت الهدهد عرش بلقيس بأنه عرش عظيم ولم ينكر عليه سليمان - عليه السلام -. قوله: (وفي رِواية لمسلم أَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذَا حزَبَهُ أَمرٌ قَال ذَلِكَ) قال الحافظ بعد تخريجه: فذكره مثل رواية الصحيحين لكن قدم الكريم على العظيم وزاد في آخره ثم يدعو، وقال: أخرجه مسلم وأبو عوانة والنسائي. وقوله: (حَزَبهُ) قال القرطبي هو بالحاء المهملة والزاي والباء الموحدة أي المفتوحات وكذا في شرح المصنف على مسلم قال أي نابه وألم به أمر شديد. قوله: (وَرَوَينَا في كِتاب الترمذِيُّ الخ) أورد في الحصين من حديث

النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه كان إذا كربه أمر قال: "يا حَيُّ يا قَيومُ، بِرَحْمَتِكَ أسْتَغِيثُ" قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. وروينا فيه عن أبي هريرة رضي الله عنه، ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن مسعود، وقال: أخرجه النسائي والحاكم في المستدرَك وفي السلاح بعد إيراده من حديث ابن مسعود أيضًا رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد ورواه الترمذي من حديث أنس والنسائي من حديث ربيعة بن عامر وكذا اقتصر في الجامع الصغير على عزو تخريج حديث أنس للترمذي فقط وبه يعلم ما في قول المصنف الآتي قال الحاكم الخ. كما سيأتي ما فيه عن الحافظ وما في الحصين المهم الموهم أن حديث أنس عند النسائي أيضًا وقال الحافظ بعد تخريج الحديث الكتاب عن طريق الرقاشي عن أنس قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كربه أمر قال يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث قال وبإسناده قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظوابيا ذا الجلال والإكرام، قال أبو عيسى هذا حديث غريب. قلت إن كان الرقاشي هو يزيد فضعيف لسوء حفظه وإن كان أبان فهو متروك متهم بالكذب، قال الحافظ وقد وقع لنا بعضه من حديث يزيد الرقاشي ثم أخرجه الحافظ من طريق الطبراني في كتاب الدعاء عن يزيد الرقاشي عن أنس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألظوا بياذا الجلال والإكرام وكذا أخرجه أبو أحمد في الكامل فقوي إنه يزيد وبه جزم المزي، قال الحافظ: وقد وقع لنا حديث أنس من وجه آخر أقوى من هذا لكنه مختصر ثم أخرجه من طريقين عن معتمر بن سليمان التيمي عن أبيه عن أنس رضي الله عنه قال كان من دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا حي يا قيوم وقال بعد حديث صحيح أخرجه ابن خزيمة وله شاهد حسن من حديث علي رضي الله عنه. قلت وسيأتي ذكره آخر باب ما يقال في المساء والصباح أخرجه البزار عن محمد بن المثنى وقال لا يروى عن علي إلا بهذا الإسناد وأخرجه أبو يعلى والحاكم اهـ. كلام الحافظ. قوله: (برحمتكَ أَستغِيثُ الخ) قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد، قال الحافظ هذا يوهم أن الحاكم صحح الحديث من رواية الرقاشي عن أنس وليس كذلك إنما قال الحاكم ذلك في حديث لأنس غير هذا، وفي حديث لابن مسعود مثل هذا،

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أهمَّه الأمر رفع رأسه إلى السماء فقال: "سُبْحانَ اللهِ العَظِيمِ، وإذا اجتهد في الدعاء قال: يا حَيُّ يا قَيُّومُ". وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن ـــــــــــــــــــــــــــــ أما حديث أنس الذي فيه كلامه فتقدم الكلام أواخر باب ما يقال عند الصباح والمساء وفيه إن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم ابنته فاطمة رضي الله عنها إن تقول ذلك وزيادة عليه ونسبه الشيخ هناك لابن السني ولم يذكر الحاكم وقد استوفينا الكلام عليه ثمة وذكرنا إن الحديث عند النسائي وغيره، وحديث ابن مسعود فلفظه كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل به هم أو غم يقول يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث قال الحافظ هذا حديث غريب أخرجه أبو علي التنوخي في كتاب الفرج بعد الشدة وأخرجه الحاكم من رواية الوضاح بن يحيى عن النضر بن إسماعيل البجلي عن عبد الرحمن بن إسحاق عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود يعني عن أبيه عن جده عبد الله وتعقبه الذهبي لأن الوضاح وشيخه وشيخ شيخه ليس بعمدة قلت لم ينفرد به الوضاح وأما شيخه النضر فضعيف وكذا شيخ النضر عبد الرحمن بن إسحاق وهو الواسطي وليس هو المدني ذاك صدوق وهما في طبقة واحدة اهـ. كلام الحافظ. قوله: (أي في كِتَابِ الترمذِي الخ) أخرج الحافظ عن أبي هريرة قال فذكر أحاديث فيها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا اجتهد في الدعاء قال يا حي يا قيوم قال وشد المذكور قبله إلى أبي هريرة إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أهمه الأمر نظر إلى السماء وقال سبحان الله العظيم وأخرجه الحافظ من طريق أخرى وذكر الحديثين مثله سواء وقال حديث غريب أخرجه الترمذي وجمعهما في سياق واحد واستغربه ورجاله ثقات إلَّا إبراهيم بن الفضل مولي بني مخزوم فإنهم اتفقوا على ضعفه وقال البخاري منكر الحديث وقد قال من قلت فيه منكرًا لحديث لا تحل الرواية عنه اهـ. قوله: (قالَ الحافظ بعْدَ تخريجه) ورواه البخاري من رواية عبد الوارث بدون الزيادة الموقوفة على أنس وأخرجه مسلم والنسائي في الكبري بتلك الزيادة المذكورة عن أنس بأتم مما ذكره المصنف فأخرج عن ثابت البناني أنهم قالوا لأنس بن مالك ادع لنا بدعاء فقال اللهم {آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201]، فقالوا له زدنا فأعادها

أنس رضي الله عنه قال: كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُم آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً، وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وقِنَا عَذَابَ النَّارِ" زاد مسلم في روايته قال: وكان أنس إذا أراد أن يدعوَ بدعوة دعا بها، فإذا أراد أن يدعوَ بدعاءِ دعا بها فيه. وروينا في سنن النسائي، وكتاب ابن السني، ـــــــــــــــــــــــــــــ فقال ما تريدون سألت الله لكم خير الدنيا والآخرة قال أنس وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يدعو بها أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وابن حبان قال الحافظ ووقع لنا بعلو في مسند أبي داود الطيالسي ثم أخرجه من طريق عن أنس قال كان - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول اللهم {آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201]، قال شعبة فذكرته لقتادة فقال كان أنس يدعو بها أخرجه أحمد ومسلم وغيرهما ولم يذكر مسلم أثر قتادة اهـ. قوله: (في الدنيا حسنةً) أي طاعة وقناعة وفي الآخرة حسنة أي مغفرة ورحمة وشفاعة وفوزًا ونجاة وجنة عالية وقد يراد بالنكرة العموم لكونها في سياق الدعاء على أن النكرة قد يراد بها العموم وإن لم يتقدم له مقتض نحو علمت نفس ما أحضرت. قوله: (وقِنَا عذَابَ النار) أي احفظنا واسترنا منه ومما يقرب إليه ونقل على الإسناد لأبي الحسن البكري أن في الآية للمفسرين نحو ثلاثمائة قول في تعيين المراد بالحسنتين وأحسنها {فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [البقرة: 201]، أي اتباع الأولى {وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً} [البقرة: 201] أي الرفيق الأعلى {وَقنا عَذَابَ النار} [البقرة 201] أي حجاب المولى اهـ، ولجمع هذه الدعوة للخيرات كانت أكثر دعائه - صلى الله عليه وسلم - ثم قوله في الدنيا متعلق بآتنا أو بمحذوف على أنه حال من حسنة لأنه كان في الأصل صفة لها فلما قدم عليها انتصب حالًا والواو في قوله {وَفِي الآخرة حسنةً} [البقرة: 201] عاطفة شيئين على شيئين متقدمين ففي الآخرة عطف على في الدنيا بإعادة العامل وحسنة على حسنة والواو تعطف شيئين فأكثر على شيئين فأكثر تقول اعلم زيد بكرًا فاضلًا وبكرا خالدًا صالحًا وسيأتي زيادة بسط بنقله بعض الأقوال في المراد من الحسنتين في كتاب الحج إن شاء الله تعالى. قوله: (وَرَوينا في سنن النسائي وكتَاب ابنِ السني الخ) قال الحافظ بعد تخريجه حديث صحيح أخرجه أحمد والنسائي وابن حبان وابن السني عن النسائي وللنسائي فيه

عن عبد الله بن جعفر، عن علي رضي الله عنهم قال: لَقنني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هؤلاء الكلمات، وأمرني إن نزل بي كرب أو شدّة أن أقولها: "لا إلهَ إلّا اللهُ الكَريمُ العَظِيمُ، سُبحانَهُ، تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ العَرْش العَظِيم، الحَمْدُ للهِ رَب العالمينَ" وكان عبد الله بن جعفر يلقنها وينفث بها على الموعوك، ويعلمها المغتربة من بناته. قلت: الموعوك: المحموم، وقيل: هو الذي أصابه مغث الحمى. والمغتربة من النساء: التي تُزوَّج إلى غير أقاربها. وروينا في "سنن أبي داود" ـــــــــــــــــــــــــــــ طرق أخرى لم يذكرها ابن السني وزاد الطبراني من طريق عبد الله بن الحسن عن عبد الله بن جعفر اللهم اغفر لي اللهم ارحمني اللهم تجاوز عني وأخبرني عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علمني هؤلاء الكلمات وأخرجه النسائي قال الحافظ وكان الأنسب أن يذكر حديث على عقب حديث ابن عباس الذي في أول الباب لأنه يلائمه لكن الأمر فيه سهل. قوله: (عن عبدِ الله جعفر) بن أبي طالب هو أبو جعفر القرشي الهاشمي يكنى أبا جعفر أمه أسماء بنت عميس ولدته بأرض الحبشة وهو أول مولود من المسلمين ولد بها توفي بالمدينة سنة ثمانين عن سبعين سنة وكان عبد الله كريمًا جوادًا ظريفًا حليمًا عفيفًا سخيًّا سمي بحر الوجود ويقال إنه لم يكن في الإسلام أسخى منه وعوتب في ذلك فقال إن الله عودني عادة وعودت الناس عادة وأخاف إن قطعتها قطعت عني وأخباره في الجود شهيرة وفضائله كثيرة روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسة وعشرون حديثًا اتفقا منهما على اثنين كذا في المبهم. قوله: (وَروَينَا في سُنن أبي دَاودَ الخ) وكذا رواه ابن حبان والطبراني وابن أبي شيبة عن أبي بكرة الثقفي زاد من عدا الطبراني لا إله إلّا أنت وهي عند ابن السني عنه أيضًا وقال الحافظ بعد تخريجه عنه لكن بلفظ قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دعاء المضطر اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلَّا أنت هذا حديث حسن أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي في اليوم والليلة

عن أبي بكرة رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "دعَواتُ المَكْرُوب: اللهُم رَحمَتَكَ أرجُو فلا تَكِلْني إلى نَفْسِي طَرْفَةَ عَين، وأصْلِح لي شأني كُلَّهُ، لا إلهَ إلا أنْت". وروينا في سنن أبي داود، وابن ماجه، عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها، قالت: قال لي ـــــــــــــــــــــــــــــ وابن حبان في صحيحه اهـ. قوله: (فصل) بالنصب أي الرحمات الخاصة والتقديم للقصر أي لا أرجو سوى رحمتك. قوله: (تكلني) أي تدعني وتتركني إلى نفسي أي اختيارها فضلًا عن غيرها. قوله (طرْفَة عينٍ) أي قدر ذلك هو أقل ما كان وزاد في رواية ولا أقل من ذلك وذلك لأنك إن تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضعف وعوزة وذنب وخطيئة. قول: (شأني) بسكون الهمزة ويجوز إبدالها ألفًا أي أمري (كله) أي جمغ جزئياته قال ابن الجزري الشأن الأمر والحال والخطب. قوله. (ورَوَينا في سنَن أَبِي دَاوُدَ) وكذا رواه النسائي وابن أبي شيبة والطبراني كلهم عن أسماء ورواه في كتاب الدعاء من غير تكرار الجلالة وفيه أن ذلك مكرر ثلاثًا وزاد في كتاب الدعاء له وكان ذلك آخر كلام عمر بن عبد العزيز عند الموت وقال الحافظ بعد تخريج الحديث حديث حسن أخرجه أحمد وأبو داود الخ. قوله: (عَنْ أَسماءَ بنتِ عُمَيس رضي الله عنها) أمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث الكنانية وهي أخت أم المؤمنين ميمونة وأخَت أم الفضل امرأة العباس وأخت اخواتها لأمهن وكن تسع أخوات لأم وقيل عشر أخوات أسلمت قديمًا وهاجرت إلى الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب فولدت له بها عبد الله ومحمدًا وعوفًا ثم هاجرت إلى المدينة فلما قتل عنها جعفر تزوجها أبو بكر الصديق رضي الله عنه فولدت له محمدًا ثم مات عنها فتزوجها علي بن أبي طالب فولدت له يحيى لا خلاف في ذلك وقال الكلبي إن عون بن علي منها ولم يقله غيره وقيل أسماء تزوجها حمزة ابن عبد المطلب فولدت له بنتًا ثم تزوجها بعده شداد بن الهادي ثم تزوجها جعفر وهذا ليس بشيء إنما التي تزوجها حمزة سلمى بنت عميس أخت أسماء وكانت أسماء من أكرم الناس أصهارًا فمن أصهارها النبي - صلى الله عليه وسلم - وحمزة والعباس رضي الله عنهما وغيرهم وروي عن أسماء عمر بن الخطاب وابن عباس وابنها عبد الله والقاسم

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ تَقُولِهن عِنْدَ الكَرْب -أو في الكرب- اللهُ الله ربي لا أُشْرِكُ بهِ شَيئًا". وروينا في كتاب ابن السني، عن قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قرأ آيَة الكُرسيِّ وخَواتِيمَ سورَةِ البقَرَةِ عِنْدَ الكَرْبِ، أغاثَهُ اللهُ عَز وجَلَّ". وروينا فيه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إني لأعْلَمُ كَلِمَةً لَا يَقُولُهَا مَكْرُوبٌ إلا فُرِّجَ عنهُ: كَلِمَةُ أخي يونُسَ - صلى الله عليه وسلم -، {فَنَادَي في الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بن محمد وعبد الله بن شداد بن الهاد وهو ابن اختها روي لها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قيل ستون حديثًا خرج عنها الأربعة. قوله: (الله الله) بالرفع فيهما على أن الأول مبتدأ والثاني تأكيد وخبر الأول قوله ربي وقيل الخبر قوله لا أشرك به وربي عطف بيان على الاسم ووقع في النسخ الأصلية من الحصين بالسكون فيهما على الوقف أو على سبيل التعداد واعترض في الحرز الوجه الأخير بأن التعداد لطلب المغايرة حقيقة كزيد عمرو أو مقدرة كقولهم باب باب والذي في كثير من الأصول المعتمدة أنه بالرفع فيهما وبه يعلم أن قول الحنفي الرواية فيه بالسكون وقع من غير تحرير. قوله: (لَا أُشركُ بهِ شيئًا) أي بعبادته ويحتمل أن يراد ولا أشرك بسؤاله واحدًا غيره كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا} [الجن: 20]. قوله: (وَرَوَينَا في كِتَابِ ابنِ السني) قال الحافظ أخرجه من رواية زياد بن علاقة بكسر المهملة وتخفيف اللام وبالقاف عن أبي قتادة وما أظنه سمع منه وفي السند من لا يعرف اهـ. قوله: (وَرَوَينَا فيه الخ) قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث غريب أخرجه ابن السني عن أبي يعلى ورجاله رجال الصحيح إلّا عمرو بن الحصين فإنه ضعيف جدًّا قال أبو حاتم الرازي ذاهب الحديث جدًّا كتبت عنه ثم تركته وقال ابن عدي مظلم الأمر في الحديث روي عن الثقات ما ليس من حديثهم اهـ، ولم أر هذا الحديث في مسند أبي يعلى فكأنه أعرض عنه عمدًا اهـ. قوله: (لا أعلمُ كلِمَةً) المراد بها معناها اللغوي من الجمل المفيدة. قوله: {أَن لا إِلَهَ إلَّا أَنت} [الأنبياء: 87] أن فيه مفسرة لما تضمنه النداء وكلمة التوحيد مكنسة الأغيار مشرقة للقلب

الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87]، ورواه الترمذي عن سعد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دَعْوَةُ ذِي النونِ إذْ دَعا رَبّهُ وهوَ في بَطْنِ الحُوتِ: لا إلهَ إلا أنتَ سُبْحانَكَ إني كنْتُ مِنَ الظالِمِينَ، لَمْ يَدْعُ بها رَجُل مُسْلِمٌ في شَيءٍ قَطُّ إلا اسْتَجَابَ لَهُ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بأنواع الأنوار وإذا استنار القلب زال عنه الكرب. قوله: (سُبحانَكَ) [الأنبياء: 87] أي أنزهك عن أن يعجزك شيء. قوله {إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] أي لنفسي فمن المبادرة إلى التقصير ونقل القرطبي في التفسير إنه قيل إن هذه الكلمة هي الاسم الأعظم. قوله: (وروى الترمذِي) قال في السلاح اللفظ له ورواه النسائي والحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد كلهم من حديث سعيد وزاد فيه من طريق آخر فقال رجل يا رسول الله هل كانت ليونس خاصة أم للمؤمنين عامة فقال - صلى الله عليه وسلم - ألا تسمع إلى قوله تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)} [الأنبياء: 88] قال القرطبي شرط الله لمن دعاه أنْ يجيبه كما أجابه وينجيه كما نجاه وهو قوله سبحانه: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)} [الأنبياء: 88] اهـ، وزاد في الجامع الصغير فعزا تخريج حديث سعيد إلى أحمد والبيهقي في شعب الإيمان والضياء وقال الحافظ بعد تخريج الحديث إنه حديث حسن إلى أن قال وقال الترمذي أن بعضهم أرسله قال الحافظ وقد وجدت له عن سعد طريقين آخرين أحدهما مختصرًا أخرجه أبو يعلى وابن أبي عاصم والثاني مطول أحْرجه الحاكم وفي الحصين رواه أحمد والبزار وأبو يعلى عن عثمان بن عفان. قوله: (دعوةُ ذِي النُّونِ) قال القرطبي في التفسير ليس هذا صريح دعاء إنما هو مضمون قوله: {إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87]، فاعرف بالظلم فكان تلويحًا اهـ، وسبقه إلى ذلك شيخه في المفهم فائدة في شرح الأنوار السنية روي إنه من قال أربعًا آمن من أربع من قال لا حول ولا قوة إلَّا بالله آمن مِن الآفات، ومن قال: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173] آمن من الغم انتهى. قوله: (إلا استجابَ لَهُ) وفي رواية ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء إلَّا استجيب له قال في الحرز وهو مستنبط من قوله تعالى ليونس: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 88] وكذلك ننجي المؤمنين اهـ، وقد سبق نحوه في رواية للحاكم والله أعلم.

باب ما يقوله إذا راعه شي أو فزع

باب ما يقوله إذا راعه شي أو فزع وروينا في كتاب ابن السني، عن ثوبانَ رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا راعه شيء قال: "هُوَ اللهُ، اللهُ رَبي لا شَرِيكَ لهُ". وروينا في سنن أبي داود، والترمذي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعلمهم من الفزع كلمات: أعُوذ بِكَلِماتِ اللهِ التَّامةِ مِنْ غَضَبهِ وشَرِّ عِبادِه، ومِنْ هَمَزَاتِ الشَّياطِينِ، وأنْ يَحْضُرُون"، وكان عبد الله بن عمرو يعلمهنَّ من عقل من بنيه، ومن لم يعقل كتبه فعلقه عليه. قال الترمذي: حديث حسن. باب ما يقول إذا أصابه همّ أو حزن روينا في كتاب ابن السني، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال ـــــــــــــــــــــــــــــ باب ما يقول إذا راعه شيء أو فزع قوله: (وَرَوَينَا في كِتَاب ابن السني) قال الحافظ بعد تخريجه من طرق منها عن الطبراني في كتاب الدعاء إلَّا أنه قال قال الطبراني في روايته لا شريك له وقال غيره لا أشرك به ما لفظه هذا حديث حسن أخرجه النسائي وابن السني عن النسائي وعجبت من الشيخ في اقتصاره على ابن السني مع كونه إنما رواه عن النسائي اهـ. قوله: (هو الله الله ربي لَا شريكَ لهُ) يحتمل أن يكون الضمير للشأن ولفظ الجلالة مبتدأ وربي خبره والجملة خبر ضمير الشأن ويحتمل أن يكون الجلالة عطف بيان لهو وربي خبره وأن يكون هو الله مبتدأ وخبر وربي لا شريك له جملة أخرى أتى بها للتنبيه على وجه قصور الأمور عليه سبحانه إذ هو المصلح لأحوال عبيده ولا شريك له في ملك ولا يطلب الخير إلّا من إحسانه وفضله وامتنانه ولا يدفع الضير إلَّا به وحديث عبد الله بن عمر وسبق الكلام عليه في باب ما يقول إذا كان يفزع في منامه. باب ما يقول إذا أصابه هم أو حزن بضم فسكون وبفتحتين ومثله في ذلك بخل وبخل وسبق في حديث أعوذ بك من الهم والحزن الفرق بينهما بما حاصله أن الهم يكون في الأمر المتوقع والحزن فيما قد وقع قوله: (وَرَوَينا في كِتاب ابن السّني الخ)

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أصَابهُ هَمٌّ أو حَزَنٌ فَلْيَدْعُ بِهذِهِ الكَلِماتِ، يَقُولُ: اللهم أنا عَبْدُك، ابْنُ عَبْدِكَ، ابنُ أَمَتِكَ، في قَبْضَتِكَ، ناصِيَتي بِيَدِك، ماضٍ في حُكْمُكَ، عَدل في قَضَاؤْكَ، أسألُكَ بكُلِّ اسْم هوَ لَكَ، سَمَّيتَ بِه نَفْسَكَ، أو أنزَلْتَهُ في كِتابِكَ، أوْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الحافظ بعد تخريجه حديث غريب اهـ، وفي الحصين بعد إيراد الذكر رواه ابن حبان والحاكم وأحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني وابن أبي شيبة كلهم عن ابن مسعود ولفظه ما قال عبد إذا أصابه هم أو حزن اللهم اني عبدك الخ. إلَّا أذهب الله همه وجعل مكان حزنه فرحًا قال في السلاح واللفظ لابن حبان قال الحافظ ذكر ابن السني عقب حديث أبي موسى أي المذكور هنا عن ابن مسعود نحوه وحديث ابن مسعود أثبت سندًا وأشهر رجالًا وهو حديث حسن وقد صححه بعض الأئمة فعجيب من عدول الشيخ عن القوي إلى الضعيف اهـ. قلت ممن صححه الحاكم فقال إنه صحيح الإسناد إذ سلم من إرسال محمد بن عبد الله فإنه اختلف في سماعه من أبيه وتعقبه الذهبي بأن في سنده أبا سلمة الجهني ما روي عنه الأفضيل بن مرزوق ولا يعرف اسمه ولا حاله قال الحافظ لكنه لم ينفرد به وذكره مع ذلك ابن حبان في الثقات وقال الحافظ بعد تخريجه حديث ابن مسعود حديث حسن أخرجه أبو يعلى والحاكم ثم ذكر كلامه في تصحيحه وما فيه ثم فرحا قيل هو بالمهملة وهو الملائم لمقابلته بالحزن وقيل بالجيم قال في الحرز والظاهر إنه تصحيف وفيه نظر إذ كون الملائم لما سبق الحاء المهملة لا يقتضي إبطال الجيم فتأمله والله أعلم. قوله: (ابنُ أَمتِكَ) قال في الحرز وقع في نسخة وابن أمتك بالعطف أي وابن جاريتك ومملوكتك. فوله: (ناصِيَتي بيدِكَ) الناصية مقدم الرأس وهي هنا كناية عن كمال قدرته وإشارة إلى أن إحاطته على وفق إرادته. قوله: (ماض) أي نافذ. وقوله: (في) بتشديد الياء أي في حقي (حكمك) إذ لا مانع لما قضيت وقال في الحرز المعنى سابق في شأني حكمك الأزلي الذي لا يبدل ولا يحول. قوله: (عدل فيَّ قضاؤُك) أي ما قضيت به على فهو عدل لأجور فيه ولا ظلم. قوله: (هوَ لَكَ) أي ثابت لك. قوله: (سميتَ بهِ نَفسَكَ) هو أعم من. قوله: (أَو أَنزَلتَه في كتابكَ) أي القرآن وسائر كتبك المنزلة (أَو علمتَهُ أَحدًا منِ خلقِكَ) من الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين والأولياء والعارفين

باب ما يقوله إذا وقع في هلكة

عَلَّمْتَهُ أحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أو اسْتأثَرت بِهِ في عِلْم الغَيب عِنْدَكَ أنْ تَجْعَلَ القُرآنَ نُورَ صَدْرِي، ورَبِيعَ قَلبي، وجَلاءَ حُزني، وذهَابَ هَمِّي"، فقال رجل من القوم: يا رسول الله إن المغبونَ لمن غبن في هؤلاء الكلمات، فقال: "أجَلْ فَقُولُوهُنَّ وعَلِّمُوهُنَّ، فإنهُ مَنْ قالهُن التِماسَ ما فِيهِن أَذْهَبَ اللهُ تعالى حُزْنَهُ، وَأطال فَرَحَهُ". باب ما يقوله إذا وقع في هلكة روينا في كتاب ابن السني عن عليٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ـــــــــــــــــــــــــــــ (أَو استأْثرتَ) أي اخترته واصطفيته في علم الغيب الذي لا يعلمه إلَّا أنت وعندك عندية مكان قال في القاموس رجل يستأثر على أصحابه أي يختار لنفسه أشياء حسنة والاسم الأثرة محركة واستأثر بالشيء استبد به وخص به نفسه وقال ابن الجزري الاستئثار الانفراد بالشيء أي انفردت بعلمك عندك لا يعلمه إلَّا أنت ثم هو عند ابن مسعود بالواو العاطفة وهي فيه بمعنى أو التي للتنويع وكذا في الحصين والسلاح أما نسخ الأذكار فبأو والله أعلم. قوله: (أَنْ تجعلَ القرآنَ) زاد في بعض نسخ الحصين في رواية ابن مسعود العظيم وكذا قال الحافظ إنه عند بعض الرواة عنه وأن ومدخولها ثاني مفعولي أسأل ونور صدري ثاني مفعولي جعل. قوله: (نور صَدْرِي) أي تشرف في قلبي نوره فأميز الحق من غيره. قوله: (وَرَبيعَ قَلبي) أي متنزهه ومكان رعيه وانتفاعه بأنواره وأزهاره وأشجاره وثماره المشبه بها أنواع العلوم والمعارف وإضاءة الحلم والأحكام واللطائف وقال ابن الجزري أي راحته. قوله: (وجَلاءَ حُزْني) بكسر الجيم والمد أي إزالته وكشفه من جلوت السيف جلا بالكسر أي صقلته ويقال جلوت همي عني أي أذهبته ووقع في بعض نسخ الحصين بفتح الجيم قال في الحرز فهو جلاء القوم عن الموضع لأنه ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء والمعنى اجعله سبب تفزقة حزني وجمعية خاطري اهـ. قوله: (وذَهابَ هَمِّي) أي الهم الذي لا ينفعني ويفرقني لا يجمعني. قوله: (أَجَلْ) هو بفتحتين بمعنى نعم كذا في النهاية. قوله: (وأَطَال فرَحَهُ) بالحاء المهملة فيما وقفت عليه من الأصول المصححة وهو الملائم لمقابلته بالحزن والله أعلم. باب ما يقول إذا وقع في هلكة بفتحات. قوله: (وَرَوَينا في كِتَابِ ابن السني الخ) قال الحافظ بعد تخريجه من طريق

باب ما يقول إذا خاف قوما

"يا عَلِيُّ ألا أُعَلِّمُكَ كَلِمات إذا وَقَعْتَ في وَرْطَةٍ قُلْتَها؟ " قلتُ: بلى، جعلني الله فداك، قال: "إذا وقَعْتَ في وَرْطَةٍ فَقُلْ: بِسْم اللهِ الرحمنِ الرَحِيم، ولا حَولَ ولا قُوّةَ إلا باللهِ العَلي العَظِيمِ، فإن اللهَ تعالى يَصْرِفُ بِها ما شَاءَ مِنْ أنواعِ البَلاءِ". قلت: الورطة بفتح الواو وإسكان الراء: وهي الهلاك. باب ما يقول إذا خاف قومًا روينا بالإسناد الصحيح في سنن أبي داود، والنسائي، عن أبي موسى الأشعري ـــــــــــــــــــــــــــــ الطبراني في كتاب الدعاء هذا حديث غريب وفي سنده عمرو بن بشر وهو ضعيف اتفقوا على توهينه وهو يروي الحديث عن أبيه وهو بكسر المعجمة وسكون الميم بعدها راء لم أر له ذكرًا في كتب الجرح والتعديل اهـ. قوله: (جَعلنِي الله فِداءَكَ) فيه التفدية والأصح جوازها وكذا جواز فداك أبي وأمي كما سيأتي في آواخر الكتاب. فصل له: (في ورطة) قال في النهاية الورطة الهوة العميقة في الأرض ثم أستعير للناس إذا وقعوا في بلية يعسر المخرج منها وفي المصباح الورطة الهلاك وأصلها الوحل تقع فيه الغنم فلا تقدر على التخلص وقيل أصلها أرض مطمئنة لا طريق فيها يرشد إلى الخلاص وتورطت الغنم وغيره إذا وقعت في الورطة ثم استعملت في كل شدة وأمر شاق وتورط في الأمر فلان واستورط إذا ارتبك فلم يسهل له المخرج وقال الجوهري الورطة الهلاك وأصل الورطة أرض مطمئنة لا طريق فيها. قوله: (ولا حولَ ولا قوةَ إِلَّا بالله) سبق الكلام على هذه الجملة أول الكتاب وفي باب فضل الذكر وفي إجابة المؤذن في الترمذي عن مكحول من قال لا حول ولا قوة إلَّا بالله ولا ملجأ من الله إلّا إليه كشف عنه سبعون بابًا من الضر أدناها الفقر وفي حديث آخر من قال في كل يوم مائة مرة لا حول ولا قوة إلَّا بالله لم يصبه فقر أبدًا وفي حديث أبي هريرة عند الحاكم كان دواء من تسعة وتسعين داء أيسرها الهم قاله الترمذي لأن العبد إذا قال لا حول ولا قوة إلَّا بالله تبرأ من الأسباب وتخلى من وبالها فجاءته القوة والعصمة وجاءه الغياث والرحمة. باب ما يقول إذا خاف قومًا قوله: (رَوَيَنَا الخ) وكذا رواه الحاكم وابن حبان

رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خاف قومًا قال: "اللهُم إنا نَجْعَلُكَ في نُحُورِهِمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ في صحيحيهما واللفظ سواء كما في السلاح وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين وفي لفظ ابن حبان كان إذا أصاب قومًا الخ، وفي الجامع الصغير رواه أحمد والبيهقي في السنن الخ. من حديث أبي موسى بهذا اللفظ ورواه في الحصين من حديث البراء وقال أخرجه أبو عوانة ولفظه إذا خاف قال اللهم إني أجعلك في نحورهم وأعوذ بك من شرورهم وقال الحافظ بعد تخريج حديث الكتاب حديث حسن غريب ورجاله رجال الصحيح لكن قتادة مدلس ولم أره عنه إلّا بالعنعنة ولا رواه عن أبي موسى إلّا ابنه أبو برزة ولا عن ابنه إلَّا قتادة وهو عن قتادة ظن أن هشامًا والد معاذ تفرد به عن قتادة قال الحافظ وقد وجدنا له متابعًا وهو عمران القطان أخرجه أحمد عن علي بن عبد الله بن المديني وأخرجه أبو داود والنسائي عن محمد بن المثنى وأخرجه النسائي أيضًا عن أبي قديمة عبيد الله بن سعد السرخسي عن معاذ بن هشام وأخرجه ابن حبان من طريق إسحاق بن أبي إسرائيل والحاكم من طريق مسدد كلاهما عن معاذ عن عمران القطان قلت وأخرجه الحافظ من طريق أبي داود الطيالسي عن عمران القطان عن قتادة عن أبي برزة عن أبيه إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دعا على قوم قال اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم أخرجه الإمام أحمد عن سليمان أبي داود وهو أبو داود الطيالسي قلت فذكر الحافظ بكنيته والإمام أحمد باسمه قال الحافظ وقد وجدت له راويًا ثالثًا عن قتادة ثم أخرجه الحافظ بسنده إلى الحجاج بن الحجاج عن قتادة عن أبي برزة بن أبي موسى فذكر اللفظ مثل الأول أي اللفظ المذكور في حديث معاذ وهو المذكور في الكتاب لكن قال وندرأ بك في نحورهم أخرجه أبو بكر الخرائطي في مكارم الأخلاق وهو غريب عن حجاج تفرد به طاهر بن خالد عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان عنه وكلهم موثقون اهـ. قوله: (إِنا نجعلك) هو على حذف مضاف كما لا يخفى أي نجعل قدرتك وقيل معنى نجعلك. قوله: (في نحورِهم) أي حائلًا بيننا ودافعًا عنا أي فهو كناية عن الاستعانة به في دفعهم إذ

باب ما يقول إذا خاف سلطانا

وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ". باب ما يقول إذا خاف سلطانًا روينا في كتاب ابن السني، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله ـــــــــــــــــــــــــــــ لا حول ولا قوة لنا إلَّا به سبحانه وأصله جعلت فلانًا في نحر العدو أي مقابلته ليحول بيني وبينه ويدفعه عني وخص النحر بالذكر لأن العدو يستقبل به عند التصاف للقتال وللتفاؤل بأن المؤمنين ينحرونهم عن آخرهم والمعنى نسألك أن تصدهم وتدفع شرورهم وتكفينا أمورهم وقيل نسألك أن تتولانا في الجهة التي يريدون أن يأتوا لنا منها. قوله: (ونعوذُ بكَ من شرُورِهم) هو كالعطف التفسيري. فائدة روى أبو نعيم في المستخرج على مسلم عن البراء بن عازب في حديث الهجرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا على مالك بن سراقة بن جعشم حين اتبعه وأبا بكر رضي الله عنه فقال اللهم اكفنا بما شئت فساخت به فرسه في الأرض إلى بطنها قال في السلاح وقد أسلم سراقة. باب ما يقول إذا خاف سلطانًا أي ذا سلطنة وترجم في السلاح إذا خاف سلطانًا ونحوه قوله: (رَوَيَنَا في كِتَابِ ابنِ السّنّي الخ) قال الحافظ أخرجه من رواية محمد بن الحارث الحارثي أحد الضعفاء عن محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني بفتح الموحدة وسكون التحتانية وفتح اللام وتخمف الميم وبعد الألف نون عن أبيه عن ابن عمر محمد بن عبد الرحمن اتفقوا على تضعيفه واتهمه بعضهم بالكذب وذكر ابن حبان أن محمد بن الحارث روى عنه نسخة موضوعة مشبهة بما هي حديث. قال الحافظ وقد وقع لي هذا الحديث بزيادة فيه كثيرة ونقصان يسير من أول حديث ابن مسعود ومن حديث ابن عباس وسند كل منهما أولى بالذكر من هذا أما حديث ابن مسعود فقال عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا تخوفت من أحد شيئًا فقل اللهم رب السموات السبع وما فيهن ورب العرش العظيم ورب جبريل وميكائيل وإسرافيل كن لي جارًا من عبدك فلان وأشياعه أن يطغوا عليّ وأن يفرطوا عليّ عزَّ جارك وجلّ ثناؤك ولا إله إلَّا أنت ولا حول ولا قوة إلَّا بك هذا حديث حسن رواته موثقون وفيهم أئمة في سنده انقطاع لأن عبيد الله بن عبد الله بن عقبة

باب ما يقول إذا نظر إلي عدوه

- صلى الله عليه وسلم -: "إذا خِفْتَ سُلطانًا أو غَيرَهُ فقُلْ: لا إلهَ إلا اللهُ الحَلِيمُ الكريمُ، سبْحانَ اللهِ رَب السمواتِ السبْعِ ورَب العَرْشِ العَظِيمِ، لا إلهَ إلا أنْتَ، عَز جارُكَ، وجل ثناؤُكَ". ويستحب أن يقول ما قدمناه في الباب السابق من حديث أبي موسى. باب ما يقول إذا نظر إلي عدوه ـــــــــــــــــــــــــــــ بن مسعود لم يسمع من عم أبيه عبد الله بن مسعود ولا أدركه لكن للحديث طريق آخر يعضده ثم أخرجه من طريق الطبراني قال حدثنا عبد الله بن مسلم والعباس بن الحسن الرازيان قالا حدثنا سهيل بن عثمان حدثنا جنادة بن مسلم وجنادة بضم الجيم وتخفيف النون وأبوه بفتح المهملة وسكون اللام ضعفه بعضهم وأخرج له ابن خزيمة في صحيحه وذكره ابن حبان في الثقات عن عبيد الله بن عمر عن عتبة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن جده عن عبد الله بن مسعود وهو جد أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إذا تخوف أحدكم السلطان فليقل فذكره لكن لم يقل فيه وما فيهن ولا رب جبريل وميكائيل وإسرافيل وقال من فلان وأتباعه من الجن والإنس وقال في آخره ولا إله غيرك ورجال سنده ثقات إلَّا جنادة فاختلف فيه كما تقدم وأخرجه الحافظ من طريق ثالث إلَّا أنه موقوف على قائلها وسنده صحيح وقد أخرجه البخاري في الأدب المفرد وحديث ابن عباس سيأتي الكلام عليه آخر الباب. قوله: (أو غيره) من ظالم ونحوه. قوله: (فقل الخ) كان من حكمة دفع من ذكر بقوله هذا الذكر ما سبق من أن الشغل بالثناء عن السؤال سبب لبلوغ المنال والله أعلم. قوله: (ويُستحب أَن يقولَ الخ) وما في معناه من الأخبار المرفوعة وسكت المصنف عن آثار وردت في الباب عن ابن عباس والشعبي وأبي مجلز من طرق متعددة لأنها موقوفة على قائلها نعم حديث ابن عباس رواه البخاري في الأدب المفرد والطبراني في الدعاء وفي الكبير والأصبهاني في الترغيب عنه مرفوعًا ولفظه إذا أتيت سلطانًا مهيبًا تخاف أن يسطو بك فقل الله أكبر أعز من خلقه جميعًا الله أعز مما أخاف وأحذر أعوذ بالله الذي لا إله إلَّا هو الممسك السموات السبع أن تقع على الأرض إلَّا بإذنه من شر عبده فلان وجنوده وأتباعه وأشياعه من الجن والإنس اللهم كن لي جارًا من شرهم جل ثناؤك وعر جارك وتبارك اسمك ولا إله غيرك ثلاث مرات

باب ما يقول إذا عرض له شيطان أو خافه

روينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي الله عنه قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة، فلقي العدوَّ، فسمعته يقول: "يا مالِكَ يَوْمِ الدينِ إياكَ أعْبُدُ وإياكَ أسْتَعِينُ" فلقد رأيت الرجال تصرَع، تضربها الملائكة من بين أيديها ومن خلفها. ويستحب ما قدمناه في الباب السابق من حديث أبي موسى. باب ما يقول إذا عرض له شيطان أو خافه قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (رَوَيَنَا) الخ، قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الطبراني في كتاب الدعاء وغيره مرارا. قوله: (عَنْ أنس) عن أبي طلحة حديث غريب أخرجه ابن السني لكن سقط من روايته عن أبي طلحة ولا بد منه قال الطبراني ولا يروى عن أبي طلحة إلَّا بهذا الإسناد ثم تكلم في رجال إسناده. قوله: (تضربها الملائكةُ الخ) فائدة قيل لم تقاتل الملائكة معه - صلى الله عليه وسلم - إلّا في بدر وحنين أما باقي المغازي فكانت تشهدها من جملة الإمداد من غير قتال لكن في صحيح مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص ما يقتضي أن الملائكة قاتلت في يوم أحد أيضًا والله أعلم. قوله: (من بينِ أَيديهم الخ) في نسخة أيدينا وخلفنا. قوله: (ويُستحَبُّ مَا قدمناهُ الخ) أورده فيما يقول إذا خاف قومًا وأورد صاحب السلاح في باب ما يقال عند القتال عن البراء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين نزل عن بغلته فدعا واستنصر وهو يقول أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب اللهم أنزل نصرك، مختصرًا رواه مسلم والترمذي والنسائي وعن أنس كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا غزا قال اللهم أنت عضدي ونصيري بك أحول وبك أصول وبك أقاتل رواه داود واللفظ له والترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحه وقال الترمذي حسن غريب وفي رواية للنسائي من حديث صهيب رب بك أقاتل وبك أصول ولا حول ولا قوة إلَّا بك، أحول أتحرك وأصول أسطو وغير ذلك اهـ، وسيأتي في أذكار الجهاد في باب الدعاء منه هذا الحديث باللفظ الوارد عند أبي داود وقد أورد في الحصين وغيره أذكارًا في هذا المقام يأتي بعضها إن شاء الله تعالى في كتاب الجهاد. باب ما يقول إذا عرض له شيطان أو خافه قوله: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ} [الأعراف: 200] أصل النزغ الحركة الخفية المراد به هنا الوسوسة والمعنى فإن يوسوسك الشيطان

عَلِيمٌ} [الأعراف: 200] وقال تعالى: ({وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} [الإسراء: 45] فينبغي أن يتعوذ ثم يقرأ من القرآن ما تيسر. وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي، فسمعناه يقول: أعُوذُ باللهِ مِنْكَ، ثم قال: ألْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللهِ ثلاثًا، وبسط يده كأنه يتناول شيئًا، فلما فرغ من الصلاة قلنا: يا رسول الله سمعناك تقول في الصلاة شيئًا لم نسمعك تقوله قبل ذلك، ورأيناك بسطت يدك، قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ بوسوسة فاستعذ بالله أي اطلب النجاة من تلك الوسوسة بالله ولا تطعه إنه هو السميع لدعائك العليم بما عرض له. قوله: {حِجَابًا مستُوَرًا} [الإسراء: 45] قال الكواشي ذا ستر أو مستورًا بحجاب آخر من قدرة الله تعالى فلا يراه كالحائل بين الفرث والدم واللبن حقيقته غير مشاهدة وإذا لم يروا الحجاب فلا يرون المحتجب به أو مستورًا بمعنى سائر بعضهم من تحصن بالحق فهو في حصن حصين والمضيع لوقته من تحصن بعلمه أو بنفسه فيكون هلاكه في موضع أمنه وفي تفسير الواحدي الوسيط أنزلت في قوم كانوا يؤذون النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قرأ القرآن قال الكلبي هم أبو سفيان والنضر بن الحارث وأبو جهل وأم جميل امرأة أبي لهب حجب الله رسوله عن أبصارهم عند قراءة القرآن وكانوا يأتون ويمرون به ولا يرونه. قوله: (وَرَوَيْنَا في صحيح مُسْلم الخ) قال الحافظ بعد تخريجه من طريق أبي نعيم في المستخرج هذا حديث صحيح روَاه مسلم والنسائي وابن حبان. قوله: (أَعُوذُ بالله مِنْكَ) قال المصنف في شرح مسلم قال القاضي عياض هذا وقوله: (ألْعَنُكَ بِلعنةِ اللهِ) دليل لجواز الدعاء لغيره وعلى غيره بصيغة المخاطبة خلافًا لابن شعبان من أصحاب مالك في قوله إن الصلاة تبطل بذلك قلت وكذا قال أصحابنا تبطل الصلاة بالدعاء لغيره بصيغة المخاطبة كقوله للعاطس يرحمك الله ولمن سلم عليه وعليك السلام وأشباهه والأحاديث السابقة في السلام على المصلي يؤيد ما قال أصحابنا فيتأول هذا الحديث أو يحمل على أنه كان قبل تحريم الكلام في الصلاة أو على غير ذلك اهـ. قوله: (وبَسَط يدَهُ الخ) دليل على جواز العمل القليل في الصلاة. قوله: (إنَّ عدو الله ألخ) فيه دليل على إن الجن موجودون وأنه

إن عَدُوّ اللهِ إبْلِيسَ جاءَ بشِهابٍ مِنْ نارٍ لِيَجْعَلَهُ في وَجْهِي، فَقُلْتُ: أَعُوذُ باللهِ مِنْكَ ثلاثَ مَراتٍ، ثم قُلْتُ: ألْعَنُكَ بِلَعْنةِ اللهِ التَّامةِ، فاسْتأخَرَ ثلاثَ مَرَّاتٍ، ثم أرَدْتُ أنْ آخُذَهُ، واللهِ لولا دَعْوَةُ أخي سُليمان لأصْبَحَ مُوثَقًا تلْعَبُ بهِ ولدانُ أهْلِ المَدِينَةِ". قلت: وينبغي أن يؤذن أذان الصلاة، فقد روينا في "صحيح مسلم" عن سهيل بن أبي صالح أنه قال: أرسلني أبي ـــــــــــــــــــــــــــــ يراهم بعض الآدميين وأما قوله تعالى. {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: 27] فمحمول على الغالب ولو كانت رؤيتهم محالًا ما قال - صلى الله عليه وسلم - ما قال من رؤيته ومن إنه كان يوثقه ليلعب به ولدان أهل المدينة قال القاضي وقيل إن رؤيتهم على خلقتهم وصورهم الأصلية ممتنعة لظاهر الآية إلَّا الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ومن خرقت له العادة وإنما يراهم بنو آدم في صور غير صورهم كما جاء في الآثار قال المصنف هذه دعوى مجردة فإن لم يصح لها مستند فهي مردودة قال الإمام أبو عبد الله المأزري الجن أجسام لطيف روحانية فيحتمل إنه تصور بصورة يمكن ربطه معها ثم يمنع أن يعود على ما كان عليه حتى يأتي اللعب به وإن خرقت العادة أمكن غير ذلك اهـ، وآخر كلامه إلى ما قاله القاضي فتأمله. قوله: (بِشِهَاب) هو الشعلة في مفردات الراغب والصحاح الشهاب الشعلة الساطعة من النار الموقودة. قوله: (بلَعنَة الله التّامَّة) قال القاضي يحتمل تسميتها التامة أي لا نقص فيها ويحتمل الواجبة له المستحقة عليه أو الموجبة عليه العقاب سرمدًا اهـ، وقال ابن الجوزي في كشف المشكل أشار بتامة إلى دوامها. قوله: (والله لوْلا دعْوةُ أَخي سُليْمانَ الخ) فيه جواز الحلف من غير استحلاف لتفخيم ما يخبر به الإنسان وتعظيمه والمبالغة في صحته وصفته وقد كثرت الأحاديث بمثل ذلك ودعوة سليمان هي قوله: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35]، ففيه الإشارة إلى أن هذا مختص به فامتنع نبينا - صلى الله عليه وسلم - من ربطه لأنه لما تذكر دعوة سليمان ظن إنه لا يقدر على ذلك أو تركه تواضعًا وتأدبًا. قوله: (ولْدَانُ أهْلِ المَدِينَةِ) أي صبيانهم. قوله: (وَرَوَيَنا في صحَيح مُسِلم) قال الحافظ بعد تخريجه وأصله في الصحيحين بدون القصة من حديث أبي هريرة قلت وقد تقدم في باب الأذان. قوله: (عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صالح) هكذا هو في بعض النسخ بالتصغير

باب ما يقول إذا غلبه أمر

إلى بني حارثة ومعي غلام لنا أو صاحب لنا، فناداه مناد من حائط باسمه، وأشرف الذي معي على الحائط فلم ير شيئًا، فذكرتَ ذلك لأبي، فقال: لو شعَرت أنك تَلْقَى هذا لم أُرْسِلْكَ، ولكن إذا سمعت صوتًا فناد بالصلاة، فإني سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الشيْطانَ إذا نُودِيَ بالصلاةِ أدْبَرَ". باب ما يقول إذا غلبه أمر روينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المُؤمِنُ القَويُّ خَيْرٌ وأحَبُّ إلى اللهِ تعالى منَ المُؤمِنِ الضعِيفِ، وفي كُل ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذا هو في السلاح وهو الصواب وفي بعضها بالتكبير وهو تابعي اسمه ذكوان صدوق تغير حفظه بآخره روي له البخاري مقرونًا وتعليقًا مات في خلافة المنصور كذا في التقريب للحافظ ابن حجر. قوله: (إِلى بَنِي حارِثةَ) هو بالحاء المهملة والراء والثاء المثلثة وهو حارثة بن حارث الخزرج بطن من الأنصار. قوله: (الحَائِطِ) هو البستان من النخل إذا كان عليه حائط أي جدار وجمعه حوائط كذا في النهاية. قوله: (لوْ شعَرْتُ) بفتح العين من باب نصر أي لو وقع ذلك في إداركي وبالي. قوله: (فَنادِ بالصلاةِ) أي فأت بالألفاظ المشروعة للنداء بها وهي كلمات الأذان وسبق في باب فضيلة الأذان الحكمة في إدبار الشيطان عند سماع الأذان. باب ما يقول إذا غلبه أمر قوله: (رَوَيْنَا في صَحيحِ مُسلِم) ورواه النسائي وابن ماجة كما في السلاح وابن السني كما في الحصين كلهم من حديث أبي هريرة وزاد الحافظ فيمن خرجه فذكر ابن أبي شيبة وأبا عوانة وأخرجه الحافظ من طريق آخر قال وفيه خير وأفضل وأحب وليس عنده واستعذ بالله وقال في روايته فإن غلبك أمر وقال فيها وما شاء صنع واللو فإن اللو والباقي سواء ثم قال الحافظ بعد تخريجه أخرجه أحمد والنسائي في الكبري وأخرجه ابن السني عن أبي يعلى. قوله: (المُؤمنِ القَويُّ) أي المؤمن الكامل الإيمان أي القوي البدن

خَيْر، احْرِصْ على ما يَنْفَعُكَ، واسْتَعِنْ بالله ولا تَعْجِزَنَّ، وإنْ أصابَكَ شَيء فَلا تَقُلْ: لو أني فَعَلْتُ كانَ كذَا وكذَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ والنفس الماضي للعزيمة الذي يصلح للقيام بوظائف العبادات من الصوم والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على ما يصيبه في ذلك وغير ذلك مما يقوم به الدين وينتهض به كلمة المسلمين (خير وأَحَب) أي فهذا هو الأفضل الأكمل أما من لم يكن كذلك من المؤمنين ففيه خير من حيث كونه مؤمنًا قائمًا بالصلاة مكثرًا لسواد المؤمنين ولذا قال - صلى الله عليه وسلم - وفي كل خير أي في كل من القوي والضعيف خير لكن فات الأخير من المقام الأفخر حظ كبير. قوله: (أحرصْ عَلَى مَا يَنفعُكَ الخ) احرص بكسر الراء ويعجز بكسر الجيم وحكي فتحها والمراد استعمل الحرص والاجتهاد في تحصيل ما تنتفع به من أمر دنياك وصيانة عيالك ومكارم أخلاقك ولا تفرط في طلب ذلك ولا تتأخر عنه متكلًا على القدر فتنسب للتقصير وتلام على التفريط شرعًا وعادة ومع أنها الاجتهاد نهايته وإبلاغ الحرص غايته فلا بد من الاستعانة بالله والتوكل عليه والالتجاء في سائر الأمور إليه فمن سلك هذين الطريقين حصل على خير الدنيا والآخرة كذا في المفهم للقرطبي ثم هو في نسخ الأذكار بنون التوكيد المشددة من قوله ولا يعجزن وفي نسخة المصنف في شرحه بحذفها وكذا هو في المفهم. قوله: (وإنْ أَصَاببكَ شَيْءٌ فلا تقُلْ لوْ أَنِّي فعلْتُ كذَا كانَ كذَا وكذَا) يعني إن الذي يتعين بعد وقوع المقدور التسليم لأمر الله تعالى والرضا بما قدره والأعراض عن الالتفات لما مضى وفات فإن افتكر فيما فاته من ذلك قال لو أني فعلت كذا جاءته الوساوس من الشيطان ولا يزال به حتى يفضي به إلى الحيران لتعارض توهم التدبير سابق المقادير وهذا هو عمل الشيطان الذي نهى عنه - صلى الله عليه وسلم - وقال فإن لو تفتح عمل الشيطان قال القاضي عياض قال بعض العلماء هذا النهي إنما هو لمن قاله معتقدًا ذلك حتمًا وإنه لو فعل ذلك لم يفقه قطعًا فأما من أسند ذلك إلى مشيئة الله تعالى وأنه لن يصيبه إلّا ما شاء الله تعالى فليس من هذا واستدل بقول الصديق في الغار لو إن أحدهم رفع رأسه لرآنا قال القاضي وهذا لا حجة فيه لأنه إنما أخبر عن مستقبل وليس فيه دعوى لرد قدر بعد وقوعه كذا جميع ما ذكره البخاري في باب ما يجوز من اللو فكله مستقبل لا اعتراض فيه على أحد فلا كراهة فيه

ولَكِنْ قُلْ: قدرَ اللهُ وما شاءَ فَعَلَ فإنَّ "لَوْ" تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ". وروينا في سنن أبي داود، عن عوف بن مالك رضي الله عنه، "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بين رجلين، فقال المقضى عليه لما أدبر: ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه إنما أخبر عن اعتقاده فيما كان يفعل لولا المانع وعما هو في قدرته فأما ما ذهب فليس في قدرته قال القاضي والذي عندي في هذا الحديث أن النهي على ظاهره وعمومه لكن نهى تنزيه لما يدل عليه قوله فإن لو تفتح عمل الشيطان أي يلقى في القلب معارضة القدر ويوسوس به الشيطان وقال المصنف في شرح مسلم الظاهر أن النهي عن إطلاق ذلك فيما لا فائدة فيه فيكون نهي تنزيه لا تحريم وأما من قال تأسفا على ما فات من طاعة الله تعالى وما هو متعذر عليه من نحو ذلك فلا بأس به وعليه يحمل أكثر الاستعمال الموجود في الأحاديث اهـ. وفيه باب الاستثناء في اليمين كل ما يكون من لو ولولا مما يخبر به الإنسان عن قلة امتناعه من فعله مما يكون فعله في قدرته فلا كراهة فيه لأنه أخبار حقيقة عن شيء بسبب شيء أو حصول شيء لامتناع شيء وتأتي لولا غالبًا لبيان السبب الموجب أو المنافي فلا كراهة في كل ما كان من هذا إلّا أن يكون كاذبا في ذلك كقول المنافقين: ({قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ)} [آل عمران: 167]، والله أعلم. قوله: (ولكِنْ قُلْ قدَّرَ الله) ضبط بالإضافة إلى الله على إنه جملة اسمية أي هذا قدر الله، ويؤيده إنه روي بقدر الله وضبط برفع الجلالة على إن الجملة فعلية. قال في الحرز وهو الأصح الملائم لقوله وما شاء فعل والقدر بفتح الدال عبارة عما قضاه الله وحكم به من الأمور. قوله: (وَرَوَيَنَا في سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ الخ) كذا اقتصر على عزوه إلى أبي داود في الجامع الصغير قال في السلاح رواه أبو داود والنسائي زاد في الحصين وابن السني كلهم عن عوف، وقال الحافظ بعد تخريجه عن سيف الشامي عن عوف بن مالك قال: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين رجلين فقال المقضى عليه: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)} [آل عمران: 173]، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - علي بالرجل يعني نجا فقال إن الله يحمد على الكيس ويلوم على العجز فإن غلبك الشيء أو قال الأمر فقل: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ]، ثم قال بعد تخريجه هذا حديث حسن أخرجه أبو داود والنسائي وفي سنده سيف الشامي وثقه العجلي وما

باب ما يقول إذا استصعب عليه أمر

حَسْبِيَ اللهُ ونعْمَ الوَكِيلُ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن اللهَ تَعالى يَلُومُ على العَجْزِ، ولَكِنْ عَلَيكَ بالكَيسِ، فإذَا كَلَبَكَ أمْر فَقُلْ: حَسْبِيَ الله ونِعْمَ الوَكِيلُ". قلت: الكَيْس بفتح الكاف وإسكان الياء، ويطلق على معان: منها الرفق، فمعناه والله أعلم: عليك بالعمل في رفق بحيث تطيق الدوام عليه. باب ما يقول إذا استصعب عليه أمر روينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللهُم لا سَهْلَ إلا ما جَعَلْتَهُ سَهْلًا، وَأنتَ تَجْعَلُ الحَزْنَ إذَا شِئْتَ سَهْلًا". قلت: الحَزْن بفتح الحاء المهملة وإسكان الزاي: وهو غليظ الأرض وخَشِنُها. ـــــــــــــــــــــــــــــ عرفت اسم أبيه وباقي رجاله من رواة مسلم وفي عنعنته بقية لكن من روايته عن شامي. قوله: (عَلَى الْعجزِ) قال العلقمي نقلًا عن ابن رسلان العجز في الأصل عدم القدرة على الشيء فليس للعبد تأثير في القدرة بل القدرة في الحقيقة لله والعجز عند المتكلمين صفة وجودية قائمة بالعاجز تضاد القدرة والتقابل بينهما تقابل الضدين ومع هذا فالله يلوم على العجز وهو عدم الداعية الحادثة التي يسمى بها مكتسبًا وإن كانت القدرة لله تعالى أهـ. وفي النهاية العجز ترك ما يجب فعله من أمور الدين والدنيا اهـ. قال في كشف المشكل العجز إنما يقع من سوء التدبير وقلة العقل وقال في المفهم العجز التثاقل عن المصالح حتى لا تحصل أو تحصل على غير الوجه المرضي والكيس نقيض ذلك وهو الجد والتشمير في تحصيل المصالح على وجوهها اهـ. باب ما يقول إذا استصعب عليه أمر أي ما يقوله إذا صعب عليه واشتد أمر وأراد تسهيله وتيسيره قوله: (رَوَينَا في كِتَاب ابنِ السني الخ) وكذا رواه ابن حبان في صحيحه كما في السلاح والحصن وقال الحافظ بعد تخريج الحديث هذا حديث صحيح أخرجه ابن السني وأخرجه ابن حبان. قوله: (إِذَا شِئْتَ) أي إذا أردت تسهيله وفي رواية ابن حبان تجعل الحزن سهلًا إذا شئت. قوله: (الْحزْنَ الخ) ضده السهل من كل شيء.

باب ما يقول إذا تعسرت عليه معيشته

باب ما يقول إذا تعسرت عليه معيشته روينا في كتاب ابن السني، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال "ما يَمْنَع أحَدَكمْ إذا عَسُرَ عَلَيهِ أمْرُ مَعِيشَتِهِ أنْ يَقُولَ إذا خَرَجَ مِنْ بَيتِهِ: بِسْم اللهِ على نفسي ومالي ودِيني، اللهُم رضني بِقَضائِك، وبارِكْ لي فيما قُدّرَ لي ـــــــــــــــــــــــــــــ باب ما يقوله إذا تعسرت عليه معيشته أي عسر عليه ما يكون منه معاشه وبه انتعاشه وقد ألف الجلال السيوطي في هذا المعنى مؤلفًا سماه حصول الرفق بوصول الرزق. قوله: (وَرَوْينا في كِتَاب ابنِ السُّني الخ) عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ما يمنع أحدكم إذا غلبه أمر معيشته أن يقول إذا خَرج من بيته بسم الله على نفسي وديني ومالي اللهم رضني بقضائك وبارك فيما قدر لي منه حتى لا أحب تأخير ما قدمت ولا تعجيل ما أخرت هذا حديث غريب أخرجه ابن السني وابن عدي في الكامل وفي سند الحديث عيسى بن ميمون ضعيف جدًّا. قال الغلاس والنسائي متروك وقال ابن عدي عامة ما يرويه لا يتابع عليه اهـ. قوله: (باسْم الله عَلَى نَفْسي وديني) أي أستعين به على إصلاح ذلك وقدم المال على الدين لكونه به المعاش الذي يترتب على سهولته سلامة الدين غالبًا وأيضًا فالمقام له فقدم اهتمامًا بشأنه وإن كان الدين أهم وعليه المعول والله أعلم. قوله: (رضني بقضائِكَ) القضاء بمعنى القدر يجب الإيمان به والرضا بحلوه ومره وبمعنى المقضى به منه ما يطلب الرضا به وهو ما يتعلق بالإنسان أو على خلاف هواه فيرضى به لكونه قضاء الرحمن وهو أرحم بالإنسان وما أحسن ما قيل في هذا الشأن. يا أيها الراضي بأحكامنا ... لا بد أن تحمد عقبى الرضا فوض إلينا وأت مستسلمًا ... فالنعمة العظمى لمن فوضا لا ينعم المرء بمحبوبه ... حتى يرى الراحة فيما قضى ومنه ما يحرم الرضا به كالعصيان بل منه ما يكون الرضا به كفرًا كالراضي بالكفر والله أعلم. قوله: (وباركْ لي فيما قُدّر لي) هو بالبناء للمفعول وفي نسخة قدرت والمراد البركة فيه إما باعتبار ريعه وربحه ومزيد نمائه ونفعه وإما باعتبار ذاته بأن يحصل

باب ما يقول لدفع الآفات

حتَّى لا أُحِب تَعْجِيلَ ما أَخرْتَ ولا تأخِير ما عَجلْتَ". باب ما يقول لدفع الآفات روينا في كتاب ابن السني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أنْعَمَ اللهُ عَز وجَل على عَبْدٍ نِعْمَةَ في أهْلِ ومالٍ وَوَلَدٍ فقال: ما شاءَ اللهُ لا قوة إلا بالله، فَيَرَى فِيها آفَةَ دُونَ المَوْتِ". ـــــــــــــــــــــــــــــ به الأجزاء التام وبلغة المراد والمرام. قوله: (حتَّى لا أُحِبّ الخ) لما سبقه من الرضا بالقضاء، والله أعلم. باب ما يقول لدفع الآفات قوله: (رَوَيْنَا في كِتَاب ابنِ السني إلخ) وفي الجامع الصغير للسيوطي بعد ذكر الحديث عن أنس رواه عبد الرزاق في الجَامع والبيهقي في الشعب عن أنس وبجانبه علامة الضعف. قوله: (مَا شَاء الله) ما فيه شرطية مفعول مقدم لشاء وجوابها محذوف أي ما شاء الله كان ويجوز أن يكون موصولة محذوفة الخبر أي الذي شاء الله كائن ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره الأمر الذي شاء الله. قوله: (لا قوةَ إلا بالله) قال ابن الجزري في زاد المسير الاختيار فيه النصب بغير تنوين على النفي كقوله: (لَا رَيب فِيه) [آل عمران: 9] ولجوز الرفع بالابتداء والخبر بالله والمعنى لا يقوي أحد في بدنه ولا في ملك يده إلّا بالله تعالى ولا يكون له إلَّا ما شاء الله اهـ. قوله: (فيَرَى) معطوف على قوله فقال وهما مستقبلان من حيث المعنى وإن اختلفا في الصيغة من حيث المبنى. قوله: (آفة) قال العلقمي قال الجوهري الآفة العاهة وقد أئف الزرع على ما لم يسم فاعله أي أصابته آفة فهو مؤوف على وزن معوف اهـ، وفي المصباح الآفة عرض يفسد ما يصيبه وهي العاهة والجمع آفات وأيفد الشيء بالبناء للمفعول أصابته الآفة وشيء مؤوف وزان رسول والأصل مؤوف على مفعول لكن استعمل على النقص حتى لا يوجد منه ذوات الواو مفعول على النقص والتمام معًا إلّا حرفان ثوب مصون ومصون ومسك مذوق ومذووق وهذا هو المشهور عن العرب ومن الأئمة من طرد ذلك في جميع الباب ولم يقبل منه انتهى.

باب ما يقول إذا أصابته نكبة قليلة أو كثيرة

باب ما يقول إذا أصابته نكبة قليلة أو كثيرة قال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157].367 - وروينا في كتاب ابن السني عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لِيَسْترجِعْ ـــــــــــــــــــــــــــــ باب ما يقول إذا أصابته نكبة قليلة أو كثيرة النكبة بإسكان الكاف ما يصيب الإنسان من الحوادث كذا في النهاية قوله: (وبشر الصابرين) [البقرة: 155] أي بالجنة. قوله: (الذين) [البقرة: 156] منصوب نعتًا أو مقطوع أو مرفوع قطعًا أو استئنافًا على تقدير سؤال من الصابرين قيل هم الذين. قوله: (مُّصِيبَةٌ) [البقرة: 156] اسم فاعل من أصاب وصار اختصاصه بالمكروه قال ابن الجزري في تفسيره قال الغراء وللقرب في المصيبة ثلاث لغات ص صيبة ومصابة ومصوبة وحكى الكسائي إنه سمع أعرابيًّا يقول جبر الله مصوبتك قلت في الصحاح المصيبة واحدة المصائب والمصوبة بضم الصاد مثل المصيبة وأجمعت العرب على جمع المصائب وأصله الواو كأنهم شبهوا الأصلي بالزائد ويجمع أيضًا على مصاوب وهو الأصل اهـ قوله: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ} [البقرة: 157] توطينا لأنفسهم على تحمل ما يقع بهم قال سعيد بن جبير لفد أعطيت هذه الأمة عند المصيبة شيئًا لم تعطها الأنبياء قبلهم ولو أعطيه الأنبياء لأعطيها يعقوب إذ يقول يا أسفا على يوسف. قوله: {إِنَّا لله} [البقرة: 156] إقرار بالملك والعبودية لله فهو المتصرف فينا بما يريد. قوله: {وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] إقرار بالبعث على مصيبة الموت التي هي أعظم المصائب وسيأتي مزيد في ذلك إن شاء الله تعالى في باب من يقول من مات له ميت. قوله: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ} [البقرة: 157] أي ثناء كثير ورحمة والعطف يشعر بالمغايرة وارتفع صلوات بالثناء عليه لأن الجار قد اعتمد قال عمر بن الخطاب نعم العدلان نعم العلاوة أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدين. قوله: (وروَينَا في كِتَاب ابْنِ السُّني الخ) قال الحافظ بعد تخريجه حديث غريب في سنده من ضعف وله شاهد من مرسل أَبي إدريس الخولاني وهو في فوائد هشام بن عمار ورجال إسناده من رواة الصحيح وقد أخرجه ابن السني أيضًا وفيه قصة وله شاهد موصول عن أبي أمامة قال خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانقطع شسعه فقال: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156]، فقال له رجل لشسع فقال - صلى الله عليه وسلم - أنها مصيبة قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث غريب أخرجه الطبراني عن أبي أمامة بمعناه وسنده ضعيف أيضًا وله شاهد موقوف أخرجه ابن المنذر في التفسير عن عبد الله بن خليفة إن عمر بن الخطاب انقطع شسعه فقال:

باب ما يقول إذا كان عليه دين عجز عنه

أحَدُكُمْ في كل شَيءٍ حَتَّى في شِسْع نَعْلِهِ، فإنَّها مِنَ المَصَائِب" قلت: الشسْع بكسر الشين المعجمة وإسكان السين المهملة، وهو أحد سيور النعل التي تشدُّ إلى زمامها. باب ما يقول إذا كان عليه دين عجز عنه روينا في كتاب الترمذي، عن علي رضي الله عنه، أن مكاتبًا جاءه فقال: إني عجزت عن كتابتي فأعِنِّي، قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لو كان عليك مثل جبل دينًا أدَّاه الله عنك ـــــــــــــــــــــــــــــ {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] في ذلك فقال ما ساءك فهو مصيبة وسند هذا الموقوف صحيح وهو كلفظ المرسل لكن في آخر المرسل فقال - صلى الله عليه وسلم - كل شيء ساء المؤمن فهو مصيبة اهـ. قوله ليسترجع أي ليقل: (إِنَّا لِله وإنّا إليه رَاجِعُونَ) [البقرة: 156]. قوله: (في كُل شَيْءٍ) يصيبه ويهمه والتنكير للتعميم. قوله: (الشِّسْعُ) الخ قال في النهاية الشسع أحد سيور النعل وهو الذي يدخل بين الأصبعين ويدخل طرفه في الثقب الذي في صدر النعل المشدود في الزمام والزمام السير الذي يعقد فيه الشسع. باب ما يقول إذا كان عليه دين عجز عنه قوله: (رَوَيَنَا في كتابِ ابْنِ السُّني) قال في السلاح ورواه الحاكم في المستدرك وعنده اللهم اكفني اهـ، ووقع في نسخة من الحصين اكفني من الكف أي امنعني واحفظني بحلالك الخ، وفي رواية يقول بعد صلاة الجمعة سبعين مرة اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وبطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمن سواك اهـ. قال الحافظ بعد تخريج حديث الباب حديث حسن غريب أخرجه الترمذي والحاكم. قوله: (مثلُ جبلٍ دينًا) كذا في النسخ المصححة من الأذكار ووقع في نسخة منه مثل جبل أحد وهو غير معروف وفي نسخة أخرى مثل جبل صبير وهكذا هو في بعض نسخ الترمذي وأورده كذلك في السلاح وقال

باب ما يقوله من بلي بالوحشة

قال: قل: "اللهُم اكْفِني بحلالِكَ عنْ حَرَامِكَ، وأغْنِني بِفضلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ" قال الترمذي: حديث حسن. وقد قدمنا في باب ما يقال عند الصباح والمساء حديث أبي داود، عن أبي سعيد الخدري، في قصة الرجل الصحابي الذي يقال له: أبو أمامة، وقوله: "هموم لزمتني وديون". باب ما يقوله من بَلِيَ بالوحشة روينا في كتاب ابن السني، عن الوليد بن الوليد رضي الله عنه، يا رسول الله، إني أجد وحشةً، قال: "إذَا أخَذْتَ مَضْجَعَكَ فَقُلْ: أعُوذُ بكَلِماتِ اللهِ التامات ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه صبير بمهملة ثم موحدة ثم مثناة تحتية هكذا وجدته في غير ما نسخة من الترمذي وقد قال الصاغاني في العباب في مادة صبر بالصاد والتحتية والصبير جبل على الساحل بين سيراف وعمان اهـ، وفي النهاية من فعل كذا وكذا كان له خير من صبير ذهبا هو اسم جبل باليمن وقيل إنما هو مثل جبل صير بإسقاط الباء الموحدة وهو جبل لطيئ وهذه الكلمة في حديثين لعلي ومعاذ أما علي فهو صير وأما معاذ فصبير كذا فرق بينهما بعضهم اهـ. قال العلقمي فالذي هنا بحذف الباء وهو جبل طي لأنه حديث علي اهـ. قوله: (اللَّهُم اكفِني) بهمزة وصل وكسر الفاء من كفا كفاية وكفاك الشيء يكفيك على ما في الصحاح. باب ما يقول من بلي بالوحشة قال ابن خالويه الوحشة وقوع شيء من الخوف في القلب وهو الإيحاش اهـ. قوله: (وَرَوَينا في كتاب ابن السني ألخ) قال الحافظ تقدم تخريجه في باب ما يقول إذا قلق في فراشه فلم ينم من حديث الوليد وفي باب ما يقول إذا فزع في منامه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده اهـ. عن الوليد بن الوليد رضي الله عنه هو أخو خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي شهد بدرا مشركا فأسره عبد الله بن جحش وقيل سليط المازني الأنصاري فقدم في فدائه أخواه خالد وهشام وكان هشام شقيق الوليد فمنع ابن جحش حتى افتكاه بأربعة آلاف درهم فجعل خالد لا يبلغ ذلك

من غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وشَرِّ عِبادِهِ، وَمِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ وأنْ يَحْضُرُونِ، فإنها لَا تَضُركَ أوْ لا تقربك". وروينا فيه عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: "أتى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ يشكو إليه الوحشة، فقال: "أكثِرْ مِنْ أنْ تَقُولَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ فقال له هشام ليس بابن أمك والله لو أبي فيه إلَّا كذا وكذا لفعلت، ويقال إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لابن جحش لا تقبل في فدائك إلَّا شكلة أبيه وكانت الشكلة قصقاصة وسيفًا وبيضة فأبى ذلك خالد وأجاب هشام فأقيصت الشكلة بمائة دينار فسلماها إلى ابن جحش فلما افتدى أسلم فقيل له هل لا أسلمت قبل أن تفتدي قال كرهت أن يظنوا بي أني جزعت من الأسار فحبسوه بمكة وكان - صلى الله عليه وسلم - يدعو له فيمن دعا له من المستضعفين المؤمنين بمكة ثم أفلت من إسارهم ولحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشهد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عمرة القضية وقيل إن الوليد لما أفلت من مكة سار على رجليه ماشيًا فطلبوه فلم يدركوه وبليت أصابعه فمات عند بئر أبي غنية على ميل من المدينة قال مصعب والصحيح إنه شهد عمرة القضية ولما شهد العمرة مع رسول الله فصل خرج خالد فارًّا ليلًا يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بمكة فقال - صلى الله عليه وسلم - للوليد لو أتانا خالد لأكرمناه وما مثله سقط عليه الإسلام فكتب الوليد بذلك إلى خالد فوقع الإسلام في قلبه وكان سبب هجرته ولما توفي الوليد قالت أم سلمة مكية وهي ابنة عمه: يا عين فابكي للوليـ ... د بن الوليد بن المغيره قد كان غيثًا في السنـ ... ـين ورحمة فينا وسيره ضخم الدسيعة ماجد ... يسمو إلى طلب الوثيره مثل الوليد بن الوليـ ... ـد أبي الوليد كفى العشيره قال في أسد الغابة وأخرج حديثه المذكور في الأصل وقال في آخره فإنه لا يضرك وبالحري ألا يقريك فقالها فذهب ذلك عنه وقال أخرجه الثلاثة يعني ابن منده وأبو نعيم وابن عبد البر والحديث سبق الكلام عليه في باب ما يقول إذا كان يفزع من منامه من حديث ابن عمر قوله: (وَرَوَيَنَا فيهِ عَنِ البَرَاءِ الخ) قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث غريب وسنده ضعيف أخرجه ابن السني عن محمد بن أبان وهو جعفي كوفي ضعفوه وشيخه درمك بمهملتين وزن جعفر وهو ابن عمر وقال أبو حاتم الرازي مجهول وذكره العقيلي في كتاب الضعفاء وأورد له الحديث وقال لا يتابع عليه ولا يعرف

باب ما يقول من بلي بالوسوسة

سبْحانَ المَلِكِ القُدُّوسِ ربّ المَلائِكَةِ والرُّوحِ، جُلِّلتِ السمواتُ والأرْضُ بالعِزَّةِ والجَبَرُوتِ"، فقالها الرجل، فذهبت عنه الوحشة". باب ما يقول من بلي بالوسوسة قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 36]، ـــــــــــــــــــــــــــــ إلا به، ودرمك رواه عن أبي إسحاق عن البراء اهـ. قوله: (رب الملائكةِ) بالجر على الاتباع كما هو المضبوط في الأصول المصححة ويجوز من حيث العربية رفعه ونصبه على القطع بتقدير مبتدأ في الأول وعامل ناصب في الأخير. قوله: (جُللتِ) هو بالجيم ثم اللام المشددة. قوله: (والجبرُوتِ) فعلوت من الجبر هو القهر فتاؤه زائدة وسبق الكلام على معظم ألفاظ الذكر في أذكار السجود. باب ما يقول من بلي بالوسوسة أي سواء كانت في الأمور الاعتقادية والأعمال البدنية وسواء كان منشأها من النفس أو من الشيطان وأصل الوسوسة الصوت الخفي وتطلق على حديث النفس والوسواس بمعناها كالزلزال والزلزلة وسمي به الشيطان في سورة الناس مبالغة كأنه نفسه وسوسة لشدة تمكنه من الآدمي ومقابلها الإلهام لأن ما يخطر بالقلب إن دعا لرذيلة فالوسوسة أو لطاعة فالإلهام فهو ما يقع من ذلك في القلب ويثلج له الصدر والأصح إنه ليس بحجة من غير المعصوم لأنه لا ثقة بخواطره ثم هي إما ضرورية وهو الخاطر الذي يقع في القلب من غير اختيار مع العجز عن دفعه وهذه معفو عنها في جميع الأمم بنص ({لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إلا وُسْعَهَا] [البقرة: 233] وإما اختيارية وهي ضد ذلك فإن كان ذلك الخاطر في ضميره من غير ترجيح لجانب الفعل أو الترك مع قدرته على دفعه فهذه معفو عنها اتفاقًا لهذه الأمة خاصة وأولى منها بالعفو ما يسبقها الهاجس والواجس ومحل العفو عن ذلك حيث لم يقع عزم مصمم على العمل بمقتضى ذلك الخاطر وإلا ففيه خلاف فكثير من الفقهاء والمحدثين رأوا إنه عفو أيضًا بظاهر حديث إن الله يتجاوز لأمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل به أو تتكلم وقال الباقلاني يؤخذ به فيأثم على تصميمه ويحمل نحو قوله - صلى الله عليه وسلم - إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه فإن عملها فاكتبوها سيئة على إن هذا فيمن هم ولم يصمم وقال القاضي عياض عامة السلف وأهل الفقهاء

فأحسن ما يقال ما أدبنا الله تعالى به وأمرنا بقوله. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول االله - صلى الله عليه وسلم -: "يأتي الشيطَانُ أحَدَكمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حتى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فإذا بَلَغَ ذلكَ فَلْيَسْتعِذْ باللهِ وَلْيَنْتَهِ". ـــــــــــــــــــــــــــــ والمحدثين على هذا للأحاديث أي والآيات الدالة على المؤاخذة بأعمال القلوب وقد تظاهرت نصوص الشرع وإجماع العلماء على تحريم الحسد واحتقار المسلم وإرادة المكروه وغير ذلك من أعمال القلوب وعزمها المستقر ومعنى المؤاخذة بالعزم المصمم أن نفس العزم سيئة يؤاخذ بها مطلقًا أما السيئة المعزوم عليها فإن عملت كتبت عليه وإن تركها إجلالا لله تعالى أو إجلالًا وخشية كتبت له حسنة إلّا في تركها بذلك غاية المجاهدة لنفسه الأمارة بالسوء وزعم أن تركها ولو حياء من الناس يكتب به حسنة رد بأنه لا وجه له كذا يؤخذ من فتح الإله قوله: (فأحسنُ مَا يقالُ فيهِ الخ) أي التعوذ الذي أدبنا الله به وأمرنا بقوله في هذا المقام. تموله: (وَرَوَيَنَا في صحيحَي البخارِي ومسلم) قال في السلاح ورواه أبو داود والنسائي ولفظ مسلم والنسائي فليستعذ بالله ولينته اهـ، وظاهره أنَّ ذكر الجلالة من إفراد مسلم عن البخاري. قوله: (يأْتِي الشيطانُ) أي إبليس أو أحد أعوانه. قوله: (فيقولُ) أي في سر ذلك الموسوس له وضميره. شوله: (حتى تقول الخ) أي غاية قوله ينتهي إلى أن يقول له ما يريد أن يوقعه به في الكفر من قوله من خلق ربك. قوله: (فإِذَا بلغَ ذلك) أي فإذا بلغ الإنسان ذلك الخاطر القبيح هو قول من خلق ربك الضمير يعود للإنسان واسم الإشارة للقول المفهوم من يقول. قوله: (فليستعِذ بالله) أي من الشيطان الرجيم الذي أوقعه في قبح هذا المقال فيقول بلسانه أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ملتجئًا إلى الله تعالى بسره إن يدفع عنه كيده وشره فإن كيد الشيطان مع اللحظ الإلهي لا أضعف منه قال تعالى: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76]. قوله: (ولْينْته) هو من الانتهاء افتعال من النهي أي لينته عن الوقوف مع هذا الخاطر والتفكر فيه وإن الشيطان إنما أوقعه فيه رجاء أن يقف معه ويتمكن في نفسه فيحصل لها شك أو ريب في تنزيه الله عن كل سمة من سمات الحدثان وإن دقت وخفيت فمن تنبه وكف عن الاسترسال مع ذلك الخاطر

وفي رواية في الصحيح قال: "لا يزالُ النَّاسُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويشغل نفسه عنه فقد خلص ومن لا فقد ارتبك ويخشى عليه مزلة القدم والهوى إلى قعر جهنم قال ميرك فإن لم يزل التفكر بالاستعاذة فليقم وليشتغل بأمر آخر اهـ، وهو يومئ إلى أن الواو على بابها وإنه مأمور بكل من الأمرين قال الإمام أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي في كتاب الحجة في بيان المحجة أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالكف والانتهاء عن المحاججة والمناظرة في شأن الرب عزّ وخل بالعقول واجتناب ما يورث شبهة في القلوب والاستعاذة بالله ليعصمه فلا يتسلط الشيطان عليه فلا يضله اهـ. قال ابن حجر في شرح المشكاة وأمر بذينك دون الاحتجاج والتأمل لأمرين أحدهما إن العلم باستغناء الله عن المدبر والموجد بل عن أدنى افتقار لغيره أمر ضروري لا يقبل الله احتجاجا ولا مناظرة له ولا عليه إنما ذلك شيء يلقيه الشيطان إما ليحجك إن جادلته لأنه مسلط على القلوب بإلقاء الوساوس عليها ليختبر إيمانها، ووساوسه غير متناهية فمتى عارضته بمسلك وجد مسلكًا آخر إلى ما يريده من المغالطة والتشكيك وإما ليضيع وقتك ويكدر عيشك إن استرسلت معه وإن حججته فلا مخلص لك من الأعراض عنه جملة إلّا الالتجاء إلى الله تعالى بالاستعاذة منه كما قال عز قائلا: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف: 200]، ثانيهما إن الغالب في موارد هذا الخاطر ونحوه إنه إنما ينشأ من ركون النفس وعدم اشتغالها بالمهمات المطلوبة منها فهذا لا يزيده فكره في ذلك إلّا الزيغ عن الحق فلا علاج له إلّا الالتجاء لحول الله وقوته والاعتصام من عدوه بمجاهدة نفسه ورياضتها واشتغالها بما لا يبقى فيها مسًّا لخطور غير الله ليزول بلادتها وتصفي عن قبائح كدوراتها قال الخطابي لو أذن - صلى الله عليه وسلم - في محاجته لكن الجواب سهلًا لكل موحد أي بإثبات البراهين القاطعة على أن لا خالق له تعالى وإبطال التسلسل ونحوه كاستحضار إن جميع المخلوقات داخلة تحت اسم الخلق فلو جاز إن يقال من جميع الخالق لأدى إلى ما لا يتناهى وهو باطل. قوله: (وفي روايةٍ) هي في الصحيحين كما في المشكاة لكن في السلاح والحصن عزو فليقل آمنت بالله الخ لمسلم فقط وفي تخريج الحافظ ابن حجر بعد سوق سنده إلى هشام بن عروة عن أبيه عن أبي هريرة ما لفظه أخرجه مسلم

يَتَسَاءلُونَ حتى يُقال: هذا خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللهَ؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذلِكَ شَيئًا فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ باللهِ ورُسُلِهِ". وروينا في كتاب ابن السني، عن عائشة رضي الله عنها، ـــــــــــــــــــــــــــــ وابن ماجة والنسائي ولم يستخرجه البخاري من رواية هشام بن عروة لاختلاف وقع فيه عليه في صحابيه. قوله: (يتساءَلونَ) أي يسأل بعضهم بعضًا عن العلوم والموجودات قيل ويحتمل أن يقع التساؤل بين الشيطان والإنسان أو النفس وظاهر اللفظ يأبى ذلك التساؤل إن يقال هذا خلق الله الخلق الخ. فهذا مبتدأ خبره محذوف أي هذا كله معروف أو مقرر ومسلم وجملة خلق ومعمولاها بيان لما قبلها وهي مرتبة على ما قبلها كما أشرنا إليه ولحتمل أن يكون جملة خلق الله الخ. هي الخبر بتقدير إن الأصل هذا القول خلق الله فحذف القول وأقيم مقامه خلق الله ويجوز أن يكون هذا مفعول يقال وما بعده بيان له والتقدير حتى يقال هذا القول هذا خلق الله الخلق الخ، وهذا القول فيه ركة والأولى من الوجوه أولها أشار إليه في فتح الإله. قوله: (فَمنْ وجدَ مِنْ ذلِكَ القول شيئًا) أي بأن تكلم به أو خطر في ضميره. قوله: (فليقل) أي فورًا من حينه آمنت بالله ورسله متداركًا ذلك القول الذي هو كف ويستفاد منه مع ما قبله ومن خبر ابن السني الآتي بعده استحباب التعوذ والانتهاء عن التفكر وقول آمنت بالله ورسله ثلاثًا وعبر في الحسن بأو ومحل الواو فيما ذكر وظاهره إن المطلوب أحد ذلك وسبق ما فيه. قوله: (وَرَوَيَنَا في كِتَابِ ابنِ السني الخ) قال الحافظ ابن حجر أخرجه من وجهين مختصرًا وهذا لفظه وهو من رواية عبيد بن واقد القيسي عن ليث وهو ابن أبي سليم عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وليث والراوي عنه أضعف منه والمطول قال الحافظ بعد تخريجه عن هشام بن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول من خلق السموات فيقول الله فيقول من خلق الأرض فيقول الله فيقول من خلق الله فإذا كان ذلك فليقل آمنت بالله وبرسله وزاد أحمد في روايته فإن ذلك يذهب عنه وأخرجه البزار وقال رواه غير واحد عن هشام فقالوا عن أبي هريرة بدل عائشة وكذا قال الدارقطني الصواب رواية من قال عن أبي هريرة قال الحافظ وصحح ابن حبان الطريقين فأخرجه من رواية مروان عن معاوية عن هشام بن عروة موافقا لرواية ابن الضحاك وأخرجه

قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ وَجَدَ مِنْ هذا الوَسْوَاسِ شيئًا فَلْيَقُلْ: آمَنا باللهِ وبرُسُلِهِ ثلاثًا، فإن ذلِكَ يَذْهَبُ عَنه". وروينا في "صحيح مسلم" عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها عليَّ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ذلك شَيطانٌ يُقالُ لهُ: خِنْزَب، فإذا أحْسَسْتهُ فَتَعَوَّذْ بالله مِنْهُ واتْفُلْ عَنْ يَسارِكَ ثَلاثًا" ففعلت ذلك فاذهبه الله عني. قلت: خنزب بخاء معجمة ثم نون ساكنة، ثم زاي مفتوحة ثم باء موحدة، واختلف ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن السني من طريق سفيان الثوري عن هشام وكذلك أخرجه الدارقطني في غرائب مالك من طريق مالك وابن أبي الزناد عن هشام وقيل فيه عن مالك من حديث عبد الله بن عمرو بدل عائشة وهو في الأوسط للطبراني وقيل فيه عروة عن خزيمة بن ثابت وهو عند أحمد من رواية أبي الأسود عن عروة والذي اتفقا عليه في الصحيحين أصح والله أعلم اهـ. قوله: (وَرَوَيَنَا في صحيح مسلم الخ) ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه وذكر الحافظ بعد تخريجه إنه خرجه أحمد أيضًا. قوله: (عنْ عثمانَ بن أَبِي العاص) هو الثقفي الطائفي قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - في وقد ثقيف سنة تسع واستعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - عليهم وعلى الطائف وكان أحدث القوم سنًّا وأقره عليها أبو بكر وعمر واستعمله عمر أيضًا على عمان والبحرين روي له فيما قيل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تسعة عشر حديث أخرج مسلم عنه ثلاث أحاديث ولم يخرج عنه البخاري وخرج عنه الأربعة روى عنه ابن المسيب في آخرين نزل البصرة ومات بها في زمن معاوية سنة إحدى وخمسين. قوله: (قَدْ حال) بالحاء المهملة أي جعل بيني وبين كمال الصلاة والقراءة حاجزًا من وسوسته المانعة من تروح العبادة وسرها وهو الخشوع. قوله: (وقراءَتي) أي وحالت بيني وبين قراءتي أي في الصلاة أو مطلقًا. قوله: (ذاكَ) أي الذي يلبس على الناس بينك وبين عبادتك. قولهْ (وأتْفُل) بضم الفاء وتكسر والإشارة به إلى كراهة ما جاء به ونفرته منه رغمًا للشيطان وتبعيدًا له وإنما كان على جهة اليسار لأنه لا يأتي الشيطان إلَّا من جهتها المنسوب إليه المعاصي وكذا يدخل صاحبه في أصحاب الشمال وكان ثلاثًا مبالغة في التنفير والتبعيد والله أعلم. قوله: (ثم زاي مفتوحَةٍ) بدأ في الحرز بحكاية كسر الخاء المعجمة والزاي ثم

العلماء في ضبط الخاء منه، فمنهم من فتحها، ومنهم من كسرها، وهذان مشهوران، ومنهم من ضمها، حكاه ابن الأثير في "نهاية الغريب"، والمعروف: الفتح والكسر. وروينا في "سنن أبي داود" بإسناد جيد، عن أبي زميل، قال: قلت لابن عباس: ما شيء أجده في صدري؟ قال: ما هو؟ قلت: والله لا أتكلم به، فقال لي: أشيء من شك؟ وضحك وقال: ما نجا منه أحد حتى أنزل الله تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال وفي نسخة بفتح الزاي وفي القاموس الخنزوب بالضم والخنزاب بالكسر الجري على الفجور وخنزب بالفتح شيطان اهـ، والظاهر إن مراده بالفتح فتح الخاء والزاي اهـ، وقال ابن الجزري بكسر الخاء والزاي هذا هو المحفوظ وروي بالضم وهو لقب والخنزب في الأصل قطعة لحم منتنة اهـ. قوله: (منْ فتحها) أي مع فتح الزاي حكاه القاضي عياض وتقدم ظاهر كلام القاموس. قوله: (ومنهمْ مَنْ كَسَرهَا) يحتمل أن يكون مع كسر الزاي أيضًا وتقدم عن ابن الجزري إنه المحفوظ أي رواية ويحتمل أن يكون مع فتحها. قوله: (وَرَوَيَنا في سُننِ أَبِي دَاوُدَ) قال الحافظ في أواخر كتاب الأدب وهو في آخر كتاب السنن وأخرجه ابن أبي حاتم في التفسير ورجاله موثقون أخرج لهم مسلم لكن في عكرمة مولى ابن عباس فيه مقال والنضر بن محمد الراوي للحديث عن عكرمة له غرائب وهذا المتن شاذ وقد ثبت عن ابن عباس من رواية سعيد بن جبير ومن رواية مجاهد وغيرهما عنه ما شك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا سأل أخرجه عبد ابن حميد والطبراني وابن أبي حاتم بأسانيد صحيحة وجاء من وجه آخر مرفوعًا من لفظه - صلى الله عليه وسلم - قال لا أشك ولا أسأل أخرجوه من رواية سعيد ومعمر وغيرهما عن قتادة قال ذكر لنا وفي لفظ بلغنا فذكره وسنده صحيح اهـ. قوله: (بإسنادٍ جيد) وقال الزركشي في حواشي ابن الصلاح وقع في عبارة بعضهم كالترمذي في الطب من جامعه الجيد ومراده الصحيح اهـ. قوله: (عَنْ أَبِي زَميلَ) بضم الزاي مصغر آخره لام كما قال الحافظ اسمه سماك بن الوليد الحنفي احتج به مسلم كذا في السلاح قال الحافظ في التخريج سماك بكسر المهملة وتخفيف الميم آخره كاف. قوله: (فإنْ كنْتَ في شك الخ) في الكشاف إذا قيل كيف قال لرسول

أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ... } الآية [يونس: 94] فقال لي: إذا وجدت في نفسك شيئًا، فقل: هُوَ الأوَّلُ، والآخِرُ، والظاهِرُ والباطِنُ وَهُوَ بِكُل شَيْء عَلِيم. وروينا بإسنادنا الصحيح، في رسالة الأستاذ أبي القاسم القشيري رحمه الله؛ عن أحمد بن عطاء الرُّوذَباري السيد الجليل رضي الله عنه، قال: كان لي استقصاء في أمر الطهارة، وضاق صدري ليلة لكثرة ما صببت من الماء ولم يسكن قلبي، فقلت: يا رب عفوك عفوك، فسمعت هاتفًا يقول: العفو في العلم، فزال عني ذلك. وقال بعض العلماء: يستحب قول: "لا إله إلا اللهُ " لمن ابتلي بالوسوسة في الوضوء، أو في الصلاة أو شبههما، فإن الشيطان إذا سمع الذكْر خنس، أي تأخر وبَعُدَ، و"لا إله إلا الله" رأس الذِّكْر ولذلك اختار السادة الأجِفَةُ من صفوة هذه الأمة أهلُ تربية السالكين، وتأديب المريدين، قول: "لا إله إلا الله"، لأهل الخلوة، وأمروهم بالمداومة عليها، وقالوا: أنفع علاج في دفع الوسوسة الإقبال على ذِكْر الله تعالى والإكثار منه. وقال السيد الجليل أحمد بن أبي الحواري -بفتح الراء وكسرها- شكوت إلى أبي سليمان الداراني الوسواس، ـــــــــــــــــــــــــــــ الله - صلى الله عليه وسلم - فإن كنت في شك الآية مع قوله في الكفرة: {وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} [هود: 110] قلت فرق عظيم بين قوله: {وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} [هود: 110] بإثبات الشك لهم على سبيل التأكيد والتحقيق وبين قوله فإن كنت في شك بمعنى الفرض والتمثيل كأنه قيل فإن وقع لك شك مثلًا وجعل الشيطان خيالًا منه تقديرًا أو الغرض وصف الإخبار بالرسوخ في العلم لصحة ما أنزل الله إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشك اهـ. قوله: (الرُّوذَباري) بضم الراء المهملة وفتح الذال المعجمة بينهما واو ساكنة وبعد الذال موحدة ثم راء مهملة بعد الألف. قوله: (عفوَكَ) أي اعف أو أسألك عفوك. قوله: (وهذَا مَا يُؤيدُ ما قاله بعض الأئمةِ الخ) وسبب ذلك أن الشيطان يقول لمن أيس من إغوائه فتكدر عليه بالوسوسة لعجزه من إغوائه أما من يقدر عليه فلا يقتصر بهم على الوسوسة بل يأتيهم من حيث شاء ويتلاعب بهم كيف أراد.

باب ما يقرأ على المعتوه والملدوغ

فقال: إذا أردت أن ينقطع عنك، فأيّ وقت أحسست به فافرح، فإنك إذا فرحت به انقطع عنك، لأنه ليس شيء أبغض إلى الشيطان من سرور المؤمن، وإن اغتممت به زادك قلت: وهذا مما يؤيد ما قاله بعض الأئمة: إن الوسواس إنما يبتلى به من كمُل إيمانه، فإن اللص لا يقصد بيتًا خَرِبًا. باب ما يقرأ على المعتوه والملدوغ روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: انطلق نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفرة سافروها، حتى نزلوا على حي من أحياء العرب، فاستضافوهم، فأبَوْا أن يضيفوهم، فلُدِغَ سيد ذلك الحي، فسعَوْا له بكل شيء، لا ينفعُه شيء فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهْطَ الذين نزلوا لعلهم أن يكونَ عندهم بعضُ شيء، فأتَوْهم فقالوا: يا أيها الرهط؟ إن سَيدَنا لُدِغَ، وسَعَيْنا له بكل شيء، لا ينفعُه شيء، فهل عند أحد منكم من شيء؟ قال بعضهم: إني والله لأرقي، ولكن والله لقد استضَفْناكم فلم تضيفونا، فما أنا برَاقي لكم ـــــــــــــــــــــــــــــ باب ما يقرأ على المعتوه والملدوغ بالغين المعجمة وسبق في أذكار المساء والصباح الفرق بين اللذع بالذال المعجمة فالعين المهملة واللدغ بالدال المهملة فالغين المعجمة بما حاصله إن الأخير خاص بذوات السموم من عقرب وحية ونحوهما. قوله: (وَرَوَينا في صحيحَي البخاري ومسلم) وكذا رواه الأربعة وفي رواية للترمذي فقرأت عليه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الفاتحة: 2] سبع مرات كذا في السلاح وزاد الحافظ فذكر فيمن أخرجه الإمام أحمد مختصرًا وكذا رواه مسلمِ وفي هذه الرواية زيادة قال رسول الله من أكل برقية باطل فقد أكل برقية حق. قوله: (لا ينفعهُ شيء) استئناف. قوله: (إِن سيدَنَا لُدِغ) في رواية للبخاري أي سيد الحي سليم من أسماء الأضداد ويقال للديغ سليم تفاؤلا بسلامته وقيل مستسلم لما به اهـ. قوله: (فَقَال بعضُهُم) هو أبو سعيد الخدري مصرحا به في الترمذي والنسائي وابن ماجة. قوله: (إِنِّي لأَرقِي) مضارع

حتىِ تجعلوا لنا جعلًا، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يَتْفُلُ عليه ويقرأ: ({الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ (2)} [الفاتحة: 2] فكأنما نَشِط من عقال، فانطلقْ يمشي وما به قَلْبَةٌ، فأوفَوْهم جُعْلَهم الذي صالحوهم عليه، وقال بعضهم: اقسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتيَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فنذكرَ له الذي كان، فننظرَ الذي يأمرنا، فقدِموا على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكروا له، فقال: "وما يُدْرِيكَ أنها رُقْيَة"؟ ثم قال: "قَدْ أصَبْتُمْ، اقْسِمُوا واضْرِبُوا لي مَعَكمْ سَهْمًا"، ـــــــــــــــــــــــــــــ رقى من الرقية في كشف المشكل لابن الجوزي رقيت بكسر القاف إذا صعدت وبفتحها من الرقية. قوله: (يتْفُلُ) بضم الفاء وكسرها وسبق بيان مذاهب العلماء في التفل والنفث. قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ (2)} [الفاتحة: 2] المراد جميع السورة كما جاء مصرحًا به في رواية في الصحيحين قال فجعل الرجل يقرأ بأم القرآن. قوله: (نَشِطَ) هكذا وقع في الرواية وأكثر اللغة على أن نشط وأنشط بمعنى حل وقد جاء في بعض اللغات نشط بمعنى حل وهو المراد بهذا الحديث ذكره ابن الجوزي. قوله: (وما يُدريكَ أنها رُقْيَة ثُمّ قَال قَدْ أَصبتُمْ اقسموا واضربُوا لي معكُمْ سهْمًا) وفيه مسائل، الأولى فيه التصريح بأن الفاتحة رقية ويستحب أن يرقى بها على اللديغ ونحوه من أصحاب العاهات وتقدم كلام القاضي عياض في ذلك وحكم الرقية أنها إن كانت من كلام الكفار أو من الرقى المجهولة أو الشيء بغير العربية أو ما لا يعرف معناها فهي المذمومة لاحتمال أن معناها كفر أو قريب منه أما في الرقي بآيات الكتاب العزيز والأذكار المعروفة فلا نهي فيها بل هو سنة ولهذا يجمع بين أحاديث ذم الرقى وأحاديث طلبها ومنهم من قال في الجمع بين ذلك أن المدح في ترك الرقى للأفضلية وبيان التوكل والذي في فعل الرقي والإذن فيها لبيان الجواز مع إن تركها أفضل ولهذا قال ابن عبد البر عمن حكاه قال المصنف والمختار الأول وقد نقلوا الإجماع على جواز الرقى بالآيات وأذكار الله تعالى قال الإمام المازري جميع الرقى جائزة إذا كانت بكتاب الله تعالى أو بذكره ومنهي عنها إذا كانت باللغة العجمية أو بما لا يدري معناه ولم يرد من طريق صحيح لجواز أن يكن فيه كفر واختلف في رقية أهل الكتاب فجوزها الصديق رضي الله عنه وكرهها مالك خوفًا أن يكون مما بدلوه ثم شرط الرقية مع ما ذكر

وضحك النبي - صلى الله عليه وسلم -. هذا لفظ رواية البخاري، وهي أتمُّ الروايات. وفي رواية: "فجعل يقرأ أمَّ الكتاب ويجمع بزاقه ويتفُلُ، فَبَرأ الرجل". وفي رواية: "فأمر له بثلاثين شاة". قلت: قوله: "وما به قَلَبَة"، وهي بفتح القاف واللام والباء الموحدة. أي: وجع. وروينا في كتاب ابن السني، عن عبد ـــــــــــــــــــــــــــــ ألا يعتقد أن الرقية تؤثر بذاتها بل بتقدير الله سبحانه، الثانية قوله أصبتم فيه دليل على جواز الأجرة على الرقية بالفاتحة والذكر وإنها حلال لا كراهة فيها وكذا الأجر على تعليم القرآن وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد وآخرين من السلف ومن بعدهم ومنعها أبو حنيفة في تعليم القرآن وأجازها في الرقية الثالثة قوله اقسموا هذه القسمة من باب المروآت والتبرعات ومواسات الأصحاب والرفاق وإلَّا فجميع الشياه ملك الراقي مختص به لا حق للباقين فيها عند التنازع فقاسمهم تبرعًا وجودًا ومروءة الرابعة قوله واضربوا لي معكم سهمًا قاله تطيبيًا لقلوبهم ومبالغة في تعريفهم إنه حلال لا شبهة فيه وقد فعل ذلك في حديث العنب وفي حديث أبي قتادة في حمار الوحش كذا يؤخذ من شرح مسلم للمصنف. قوله: (فأَمَرَ لهُ بثلاثِينَ شَاةَ) قال الحافظ بعد تخريجه عن أبي سعيد الخدري قال بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية ثلَاثين راكبًا فنزلنا بقوم من العرب زاد بعض الرواة ليلًا فسألناهم أن يضيفونا فأبوا فلدغ سيدهم فأتونا فقالوا فيكم أحد يرقي من العقرب قال قلت نعم ولكن لا أفعل حتى تعطونا شيئًا فقالوا إذا طلق فإنا نعطيكم ثلاثين شاة فجعلت أقرأ عليه فاتحة الكتاب وأمسح المكان الذي لدغ حتى برأ وفي رواية فقرأت عليه الحمد سبع مرات فبرأ فقبضنا الغنم فعرض في أنفسنا منها فكففنا حتى أتينا النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرنا ذلك له فقال إني علمت أنها رقية اقسموها واضربوا لي معكم سهمًا أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة وروى أيضًا أحمد والدارقطني عن أبي سعيد قال بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثا وكنت فيه فأتينا على قرية فاستطعمناهم فأبوا أن يطعمونا فأتى رجل فقال يا معشر العرب أفيكم أحد يرقي قلنا وما ذاك قال ملك القرية يموت فانطلقت معه فرقيته بفاتحة الكتاب أرددها عليه مرارا حتى عوفي فبعث إلينا النزاع وبعث إلينا الشياه فأكلنا الطعام وأبوا أن يأكلوا الغنم حتى أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرناه الخ. فقال وما يدريك أنها رقية قلت يا رسول الله ألقى في روعي قال فكلوا واطعمونا من الغنم اهـ. قوله (وروينا في كتاب ابن السني)

الرحمن بن أبي ليلى، عن رجل، عن أبيه، قال: "جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ـــــــــــــــــــــــــــــ إلخ أورده في السلاح والحصن من حديث أبي بن كعب وقالا رواه الحاكم في المستدَرك وابن ماجة بمعناه قال الحاكم صحيح زاد في الحصين ورواه أحمد وليس فيه قوله وآيتين من وسطها الخ. بل قال فيه: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163] وترك ما بعده وقال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث غريب أخرجه ابن السني عن أبي يعلى الموصلي ثنا زحمويه بفتح الزاي وسكون المهملة واسمه زكريا بن يحيى قال حدثنا صالح بن عمر حدثنا أبو جبان الكلبي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل عن أبيه جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث وأبو جبان بفتح الجيم والنون الخفيفة وآخره موحدة واسمه يحيى بن أبي حية بفتح المهملة وتشديد التحتية وهو ضعيف ومدلس وصالح الراوي فيه مقال وقد خولف عن شيخه في سنده فإن ظاهره إن صحابي هذا الحديث لم يذكر اسمه ولا كنيته وبين غيره خلاف ذلك ثم ساق سندًا ينتهي إلى عبدة بن سليمان ثنا أبو جبان عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه أبي ليلى رضي الله عنه قال كنت جالسًا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه أعرابي فقال لي إن لي أخًا وجعًا الخ. فذكر الحديث نحوه وزاد بعد قوله والمعوذتين فقام الأعرابي وقد برأ ليس به بأس ووقع في روايته وأول آيات من البقرة وآية من وسطها [وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ] [البقرة: 163] وقال فيه وآيتين من خاتمتها وآية من آل عمران قال أحسبها {شَهِدَ اللَّهُ} [آل عمران: 18] وآية من الأعراف وآية من المؤمنين {وَمَن يدع مع الله} [المؤمنون: 117] والباقي سواء قال الحافظ فبين عبدة بن سليمان وهو حافظ متفق على تخريج حديثه في الصحيح إن صحابي الحديث هو أبو ليلى والد عبد الرحمن وتابعه محمد بن مسروق عن أبي جبان أخرجه الطبراني في كتاب الدعاء فعلى هذا فالضمير في قوله عن أبيه في الرواية الأولى أي رواية ابن السني يعود لعبد الرحمن قلت بدلًا من قوله عن رجل بإعادة الجار ولا يعود الضمير منه للرجل الذي لم يسم فتتفق الروايتان لكن يسقط الرجل الذي لم يسم من الرواية الثانية وكأنه من تدليس ابن جبان إذ هو ضعيف مدلس فجوده مرة وسواه أخرى قال وقد ظهر من رواية أخرى إنه دلسه عن عبد الرحمن أيضًا ثم ساق الحافظ

إن أخي وَجِع، فقال: وَما وَجَعُ أخِيكَ؟ قال: به لمم، قال: فابْعَثْ بِه إليَّ، فجاء فجلس بين يديه، فقرأ عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -: فاتحة الكتاب، وأربع آيات من أوَّل سورة البقرة، وآيتين من وسطها، {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ... } حتى فرغ من الآية [البقرة: 163، 164] وآية الكرسي، وثلاث آيات من آخر سورة البقرة، وآية من أوَّل سورة آل عمران، و ({شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا هُوَ ... }، إلى آخر الآية [آل عمران: 18]، وآية من سورة [الأعراف: 54]: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خلَقَ السَّمَاواتِ وَألْأَرْضَ ... }، وآية من سورة [المؤمنين: 116] {فَتَعَالى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}، وآية من سورة [الجن: 3] ({وَأَنَّهُ تَعَالى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا} وعشر آيات من سورة الصافات من أوّلها، وثلاثًا من آخر سورة الحشر، و ({قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} والمعوّذتين". قلت: قال أهل اللغة: اللمم: طرف من المجنون يلمّ بالإنسان ويعتريه. وروينا في "سنن أبي داود" بإسناد صحيح، عن ـــــــــــــــــــــــــــــ سنده اهـ. كلام الحافظ وأبو ليلى والد عبد الرحمن أنصاري اختلف في اسمه فقيل يسار بن نمير وقيل أوس بن خولي وقيل داود بن بلال وقيل بلال بن بليل أنصاري أوسي صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وشهد أحدًا وما بعدها من المشاهد ثم انتقل إلى الكوفة وله بها دار وشهد هو وابنه على جميع مشاهد علي رضي الله عنه. قوله: (جاءَ رجلٌ) في رواية أبي إنه أعرابي. قوله: (وأَربعَ آياتٍ منْ أَولِ سُورة البقرةِ) تمامها (هم المفلِحُونَ) [البقرة: 5]. قوله: (وآيةَ منْ سُورةِ المؤمِنينَ) قال في السلاح والحصن في حديث أبي وآخر سورة المؤمنين [فَتَعَالَى اللهُ المَلكُ الحَقُّ] [المؤمنون 116] اهـ، وظاهره بل صريحه إنه إلى آخر السورة وقضية ما هنا يخالفه والله أعلم. قوله: (وعَشرَ آياتٍ منْ سُورةِ الصافاتِ) قال في الحصين إلى لازب. قوله: (وأنه تعالى جد ربنا) بيان للآية من سورة الجن فهو خبر مبتدأ محذوف أي هي إنه تعالى الخ. كذا قوله وآية من سورة الأعراف الخ. قوله: (والمعوِّذتين) بكسر الواو وتفتح. قوله: (وقَال أَهلُ اللغَةِ) الخ. نقله في السلاح عن الهروي عن شمر. قوله: (وَرَوَيَنَا في سنَنِ أَبِي دَاوُدَ بإسنادٍ صحيحٍ) قال الحافظ بعد تخريجه هذا

خارجة بن الصلت، عن عمه، قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأسلمت، ثم رجعتُ فمررتُ على قوم عندهم رجلٌ مجنون موثَقٌ بالحديد، فقال أهله: إنا حُدِّثنا أن صاحبك هذا قد جاء بخير، فهل عندك شيء تداويه؟ فرقيتُه بفاتحة الكتاب، فَبَرَأ، فأعطَوني مائة شاة، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته، فقال: "هَلْ إلَّا هَذا" وفي رواية: "هَلْ قُلْتَ غَيرَ هذا؟ " قلت: لا، قال: "خُذها فَلَعَمْرِي لَمَنْ أكلَ بِرُقْيَةٍ باطِلٍ، قدْ أكلْتَ بِرُقْيَةِ حَقٍّ". وروينا في كتاب ابن السني بلفظ آخر، وهي رواية ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث حسن أخرجه أبو داود وابن حبان والحاكم. قوله: (خارجَة بْنِ الصَّلتِ) خارجة اسم فاعل مؤنث بالتاء من الخروج والصلت بفتح الصاد المهملة وإسكان اللام آخره مثناة فوقية وهو البرجمي بضم الموحدة وسكون الراء المهملة وضم الجيم قال في السلاح وهو تيمي قال الحافظ ابن حجر في التقريب إنه مقبول من كبار التابعين. قوله: (مجنون) المجنون زوال الشعور مع بقاء القوى في الأعضاء ثم إن المصنف وصاحب السلاح والحصن عقدوا ترجمة ما يقال للمعتوه وأوردوا فيه هذا الخبر وأورد فيه صاحب السلاح حديث أبي السابق وكأنه قام عندهما ما يدل على أن المراد من المجنون في الخبر المعتوه ويقويه إنه ورد في الحديث الآتي عند ابن السني أو إن المراد بالمعتوه في الترجمة المجنون بأنواعه وفي النهاية المعتوه المجنون المصاب بعقله وقد عنه فهو معتوه قال بعض العلماء المعتوه من كان قليل الفهم مختلط الكلام فاسد التدبير إلّا إنه لا يضرب ولا يشتم كالمجنون والمجنون بخلافه وقيل العاقل من يستوي كلامه وأفعاله إلَّا نادرًا والمجنون ضده والمعتوه من يستوي ذلك منه وقيل المجنون من يفعل لا عن قصد مع ظهور الفساد نقله في الحرز. قوله: (هَلْ إِلَّا هذا) أي هل قلت إلّا هذا كما بينته الرواية المذكورة بعده. قوله: (برُقْيةِ الخ) بضم الراء. قوله: (وَرَوَيَنا في كِتَابِ ابْنِ السني) إلى آخره وفيه زيادة أي عند ابن وهب أحد رواته جئتم من عند أهل الخير كتاب بخير فهل عندكم من دواء أو رقية الخ. والباقي سواء خرجه أحمد وأبو داود والنسائي في الكبرى والدارقطني والحاكم والكل من طريق بينها الحافظ في التخريج. قوله

أخرى لأبي داود، قال فيها: عن خارجة عن عمه قال: أقبلنا من عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأتينا على حي من العرب فقالوا: عندكم دواء، فإن عندنا معتوهًا في القيود، فجاؤوا بالمعتوه في القيود، فقرأت عليه فاتحة الكتاب ثلاثة أيام غدوة وعشية، أجمعُ بزاقي ثم أتفل، فكأنما نشط من عقال، فأعطوني جعلًا، فقلت: لا، فقالوا: سل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسألته فقال: "كُلْ فَلَعَمْري مَنْ أكلَ بِرُقْيَةِ باطِلٍ، لقَدْ أكلْتَ بِرُقْيَةِ حَقٍّ". قلت: هذا العُم اسمه عِلاقة بن صُحَار، وقيل: اسمه عبد الله. وروينا في كتاب ابن السني، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنه ـــــــــــــــــــــــــــــ (غُدْوة) بضم أوله أي بكرة وصباحًا. قوله: (وَعَشيَّة) أي عشاء ومساء أي في وقتين من ثلاثة أيام فالمراد طرفاها والتقدير ثلاثة أيام ولياليها فالمراد بالعشية أول الليل وقوله غدوة وعشية بيان للمراد باليوم والليلة أي بعض كل منهما قوله اجمع بزاقي أي المتبرك بالقرآن. قوله: (ثُمَّ أتْفُلُ علَيهِ) أي بقصد جنيه ولا يبعد جواز ذلك للتداوي أو المعنى اتفل بزاقي على الأرض تنفيرًا للجن. قوله: جُعْلًا بضم الجيم اسم مصدر والمصدر الجعل بالفتح يقال جعلت كذا جعلا وجعلا وهو الأجرة على الشيء فعلًا أو قولًا كذا في النهاية وقد ورد عند أبي داود وابن حبان قال فأعطوني مائة شاة فقلت لا أي لا آخذه. قوله: (كلْ) أي خذ الجعل وكل منه. قو له: (عِلاقةُ بْنُ صُحارِ) وقيل عبد الله قال في الحرز علاقة بكسر العين المهملة قلت وآخره قاف بعدها هاء وفي السلاح صار بضم الصاد وبالحاء المهملتين وفي أسد الغابة هو عم خارجة بن الصلت وذكر قولًا إن اسمه العلاء وإنه السليطي من بني سليط قال واسمه كعب بن الحارث بن يربوع التيمي السليطي ذكره ابن شاهين وقال قال ابن أبي خيثمة أخبرت باسمه عن أبي عبيد القاسم بن سلام وقال المستغفري علاقة بن شجار قاله علي بن المديني يعني السليطي قال ويقال صحار وحكاه أيضًا عن أبي خيثمة عن أبي عبيد قال اسم عمر خارجة عبد الله بن عثمان بن عبد قيس بن خفاف من بني عمرو بن حنظلة من البراجم وحكى عن خليفة قال علاقة شجار بخط أبي يعلى السبيعي قال وقال البرذعي بن شجار بالتخفيف أخرجه هكذا أبو موسى والله أعلم اهـ. كلام اابن الأثير. قوله: (وَرَوَينَا في كِتَابِ ابْنِ السُّني عَنْ عبد الله بن مسعُود)

باب ما يعوذ به الصبيان وغيرهم

قرأ في أذن مبتلى فأفاق، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما قَرأتَ في أُذنِهِ؟ " قال: قرأت ({أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} [المؤمنون: 115]، حتى فرغ من آخر السورة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو أن رَجُلًا موقِنًا قرَأ بِها على جَبَلٍ لَزَال". باب ما يعوذ به الصبيان وغيرهم روينا في "صحيح البخاري" رحمه الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُعوِّذ الحسن والحسين: "أُعِيذُكُما بكَلِمَاتِ الله التامّةِ، مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ أخرجه الثعلبي كما سبق في باب ما يقال في المساء والصباح وفي كتاب التذكار في أفضل الأذكار للقرطبي أسنده الثعلبي والوائلي عن ابن مسعود وقال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث غريب أخرجه ابن السني عن أبي يعلى الموصلي وأخرجه الطبراني في الدعاء وابن أبي حاتم في التفسير. باب ما يعوذ به الصبيان وغيرهم قوله: (وَرَوَيَنَا في صَحيح البُخَارِي) الخ. قال ورواه أصحاب السنن الأربعة ولفظ أبي داود والترمذي والنسائي أعيذكما ولفظ البخاري وابن ماجة أعوذ بكلمات الله الخ. لكن في المشكاة عن وأعيذكما إلى البخاري كما صنع المصنف هنا ولعله روي عنده بالوجهين والله أعلم. زاد الحافظ في التخريج وأخرجه أحمد ثم راجعت صحيح البخاري في أحاديث الأنبياء فرأيته أورده باللفظ الذي ذكره عنه في السلاح وقد اقتصر المزي في الأطراف على أن البخاري أخرجه في محل آخر منه والله أعلم. قوله: (أَعِيذكمَا) الخ بيان للكلمة المعوذ بها المدلول عليها بقوله يعوذ الحسن والحسين ومعنى أعيذكما أعصمكما وأحفظكما. قوله: (بكَلِمَاتِ الله التامّةِ) قال التوربشتي الكلمة في لغة العرب تقع على كل جزء من الكلام اسما كان أو فعلًا أو حرفًا وتقع على الألفاظ المبسوطة وعلى المعاني المجموعة والكلمات ها هنا محمولة على أسماء الله الحسنى وكتبه المنزلة لأن الاستعاذة إنما تكون بها ووصفها بالتامة لخلوها عن النواقص والعوارض بخلاف كلمات الناس فإنهم متفاوتون في كلامهم على حسب تفاوتهم في العلم واللهجة وأساليب القول فما منهم من أحد إلَّا وقد يوجد فوقه آخر إما في معنى أو في معاني كثيرة ثم إن أخذهم قلما يسلم من معارضة أو خطأ أو نسيان أو العجز

كُل شَيطانٍ وهامّة، وَمِنْ كُل عَينٍ لامّةٍ، ويقول: إن أباكُما كانَ يُعَوِّذُ بِهَا إسماعِيلَ وإسْحاقَ صلى الله عليهم أجمعين وسلم". قلت: قال العلماء: الهامّة بتشديد الميم: ـــــــــــــــــــــــــــــ عن المعنى الذي يراد وأعظم النقائص التي هي مقترنة بها أنها كلمات مخلوقة تكلم بها مخلوق مفتقرة إلى الأدوات والمخارج وهذه نقيصة لا ينفك عنها كلام مخلوق وكلمات الله تعالى متعالية عن هذه القوادح فهي لا يلحقها نقص ولا يعتريها اختلال واحتج الإمام أحمد بها على القائلين بخلق القرآن فقال لو كانت كلمات الله مخلوقة لم يعذبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ لا تجوز الاستعاذة بمخلوق واحتج أيضًا بقوله التامة فقال ما من مخلوق إلَّا وفيه نقص وقيل المراد بكلماته معلوماته وأقضيته النافذة وشؤونه الكاملة ووصفها بالتامة لتنزيهها عن كل سمت من سمات النقص لأنها إنما تقع على قوانين الحكمة والإتقان الناشئة عن مظهر الإرادة والقدرة الباهرة على كل ممكن فلا يعتريها نقص ولا يطرقها اختلاف وخلف. قوله: (كل شيْطَانٍ) أي جني أو إنسي. قوله: (وَهَامَةٍ) هي بتشديد الميم كل دابة ذات سم يقتل والجمع الهوام وأما ما له سم ولا يقتل كالعقرب والزنبور فهو السامة وقد تطلق الهامة على كل ما يدب على الأرض مطلقًا كالحشرات ومنه أيؤذيك هوام رأسك ذكره الطيبي عن النهاية. قوله: (وَمِنْ كل عينٍ لامّةٍ) بتشديد الميم أيضًا أي جامعة للشر على المعيون من لمه إذا جمعه أو يكون بمعنى ملمة أي منزلة قال الطيبي قال في الصحاح العين اللامة هي التي تصيب بسوء واللمم طرف من المجنون ولامة أي ذات لمم وأصلها من ألممت بالشيء إذا نزلت به وقيل لامة لازدواج هامة والأصل ملممة لأنها فاعل الممت اهـ، وفي القاموس الملم الشديد من كل شيء وألم باشر اللمم وبه نزل كلم والتم، والعين اللامة المصيبة بسوء وهي كل ما يخاف من فزع وشر واللمة الشدة اهـ، وفي المرقاة شرح المشكاة قيل وجه إصابة العين إن الناظر إذا نظر إلى شيء واستحسنه ولم يرجع إلى الله وإلى رؤية صنعه قد يحدث الله في المنظور عليه علة بجناية نظره على غفلة ابتلاء لعباده ليقول الحق إنه من عند الله وغيره من غير اهـ. قوله: (إِن أَباكما) أراد به الجد الأعلى وهو إبراهيم - عليه السلام - وفي قوله كان يعوذ بها الخ. إشارة إلى أن الحسن والحسين رضي الله عنهما منبع ذريته - صلى الله عليه وسلم - كما أن إسماعيل وإسحاق معدن ذرية إبراهيم وقد تكلمت على ما يتعلق بسيدنا إسماعيل من الفضائل وما في

باب ما يقال على الخراج والبثرة ونحوهما

وهي كل ذات سم يقتل كالحية وغيرها، والجمع: الهوام، قالوا: وقد يقع الهوام على ما يدب من الحيوان وإن لم يقتلِ كالحشرات. ومنه حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه "أيُؤذيكَ هَوَامُّ رأسِكَ؟ " أي: القمل، وأما العين اللَّامّةُ بتشديد الميم: وهي التي تصيب ما نظرت إليه بسوء. باب ما يقال على الخرّاج والبثرة ونحوهما في الباب حديث عائشة الآتي قريبًا في باب ما يقوله المريض ويقرأ عليه. روينا في كتاب ابن السني، عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: "دخل ـــــــــــــــــــــــــــــ اسمه من اللغات وغير ذلك من الفوائد في أوائل كتاب در القلائد فيما يتعلق بزمزم وسقاية العباس من الفوائد. قوله: (وقد يقعُ الهوامُ) الخ أي وإن لم يكن من ذوات السموم فهو أعم إطلاقاته إما ذو السم الذي لا يقتل كالعقرب والزنبور فسمى على الإطلاق سامة وعلى الثاني هامة. قوله: (ومنه حديث كعب بن عجرة) الخ. هو طرف من حديث مخرج في الصحيحين روايته في سبب نزول قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196] من رأسه كذا في التخريج للحافظ. باب ما يقال على الجرح جمع جراحة بكسر الجيم أيضًا كما في الصحاح وفيه أيضًا جرجه جرحًا والاسم الجرح بالضم والجمع جروح ولم يقولوا أجراح إلَّا ما جاء في الشعر اهـ، ويجوز أن يقرأ الخراج في الترجمة بضم الخاء المعجمة وتخفيف الراء والجيم من آخره ويكون عطف البثرة عليه كالعطف التفسيري غير أني لم أره في شيء من النسخ والبثرة بفتح الموحدة وإسكان المثلثة ونحوهما أي كالنفاطات قوله: (في الباب حدِيثُ عائِشةَ الخ) هو قولها كان إذا اشتكى الإنسان الشيء منه الخ. قوله: (وَرَوَيَنَا في كِتَابِ ابْنِ السني) الخ. قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الإمام أحمد بن حنبل وغيره بسنده إلى مريم بنت إياس بن البكير صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه دخل عليها فقال هل عندك ذريرة قالت نعم فدعا بها فوضعها على بثرة بين أصابع رجله وفي رواية لبعض رواته بين أصبعين من أصابع

على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد خرج في أصبعي بثرة، فقال: عِندَكِ ذَرِيرَةٌ؟ فوضعها عليها وقال: قُولي: اللهُم مُصَغِّرَ الكَبِيرِ ومُكَبِّرَ الصَّغِيرِ صَغِّر ما بي، فطفئت". قلت: البثرة بفتح الباء الموحدة وإسكان الثاء المثلثة، وبفتحها أيضًا لغتان: وهو خراج صغار ويقال: بثر وجهه وبثر بكسر الثاء وفتحها وضمها ثلاث لغات. وأما الذريرة: فهي فتات قصب من قصب الطيب يجاء به من الهند. ـــــــــــــــــــــــــــــ رجليه ثم قال اللهم مطفئ الكبير ومكبر الصغير وفي رواية مطفئ الصغير ومصغر الكبير أطفئها عني فطفئت حديث صحيح أخرجه النسائي في اليوم والليلة وأخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد وهو كما قال فإن رواته من أحمد إلى منتهاه من رواة الصحيحين إلَّا مريم بنت إياس بن البكير صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد اختلف في صحبتها وأبوها وأعمامها من كبار الصحابة ولأخيها محمد رؤية، وأشار الحاكم إلى أن الزوجة المبهمة زينب بنت جحش وأخرجه ابن السني وخالف في سياق المتن ظاهره واتفاق الأئمة على خلاف روايته دال على إنه وقع له في سنده وهم فإنه قال بنت أبي كثير وعجب من عدول الشيخ عن التخريج من كتاب النسائي مع تشدده وعلوه إلى كتاب ابن السني مع تساهله ونزوله اهـ. قوله: (البَثْرة الخ) قال في التهذيب نقلًا عن الصحاح البشر والبثور خراج صغار واحدتها بثرة وقد بثر وجهه بثرًا أي كنصر ينصر نصرًا وكذلك بثر وجهه بالكسر والضم ثلاث لغات وقال صاحب المحكم البشر والبثر خراج صغار وخص بعضهم به الوجه ببثر بثرًا وهو وجه بثر بين البشر وبثر يبثر بثرًا قال الأزهري البثور مثل الجدري يقيح على الوجه وغيره من بدن الإنسان واحدها بثرة اهـ. قوله: (خُراجٌ) بضم الخاء المعجمة وتخفيف المهملة آخره جيم وهو القرحة في الجسد كذا في التهذيب للمصنف وهو صريح في أن الخراج مفرد وحينئذٍ فكان حقه أن يقول هنا وهو خراج صغير كما عبر به في التهذيب لكن في المغرب الخراج بالضم البشر واحده خراجة وقيل هو كل ما يخرج على الجسد من دمل ونحوه اهـ، وبه يتضح قوله هنا الصغار والله أعلم.

كتاب أذكار المرض والموت ومما يتعلق بهما

كتاب أذكار المرض والموت ومما يتعلق بهما باب استحباب الإكثار من ذكر الموت روينا بالأسانيد الصحيحة في كتاب الترمذي، وكتاب النسائي، وكتاب ابن ماجه وغيرها، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب أذكار المرض والموت ومما يتعلق بهما مما يقوله من يتولى أمر الميت من غسل وكفن وصلاة وإدخال قبر وغير ذلك مما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى قوله والنسائي قلت وزاد في روايته فإنه لا يذكر في كثير إلَّا قلله ولا قليل إلا كثره أي كثير من الأمل إلَّا قلله ولا قليل من العمل إلا كثره أو من العيش إلا كثره قوله: (وغيْرِها) في الجامع الصغير أكثر من ذكر هاذم اللذات رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وأبو نعيم في الحلية والحاكم في المستدرك والبيهقي في الشعب عن عمر بلفظ أكثروا ذكر هاذم اللذات فلا يكون في شيء إلَّا قلله ولا في قليل إلَّا أجزله ورواه البيهقي في الشعب وابن حبان عن أبي هريرة بلفظ أكثروا من ذكر هاذم اللذات فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش إلَّا وسعه عليه ولا ذكره في سعة إلَّا ضيقها عليه ورواه البزار بهذا اللفظ عن أنس وفي المشكاة أكثروا ذكر هاذم اللذات الموت رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وشرح على ذلك العلقمي أي بحذف يعني وقال ابن حجر الموت بالحركات بتقدير هو أو أعني أو عطف بيان أو بدل من هاذم اهـ، وقال الحافظ الحديث حسن ومدار كل طرق الحدث كلها عند كل ممن ذكره المصنف على محمد بن عمرو بن علقمة وليس هو من شرط الصحيحين إذا انفرد ففي قول الشيخ الأسانيد الصحيحة عن أبي هريرة نظر من وجهين وأما تصحيح ابن حبان والحاكم فهو على طريقهما في تسمية ما يصلح للحجة صحيحًا وأما على طريق من يفصل بين الصحيح والحسن كالشيخ يعني المصنف فلا، فقد ذكر هو في مختصريه لابن الصلاح حديث محمد بن عمرو هذا مثالًا للحديث الحسن وإنه لما توبع جاز وصفه بالصحة وهنا لم يتابع ومن ثم قال الترمذي هنا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حسن فقط وقد قال في المثال الذي ذكره حيث توبع حسن صحيح ولولا قول الشيخ هنا عن أبي هريرة لاحتمل أن يكون أشار إلى شواهده فقد قال الترمذي وفي الباب عن أبي سعيد قلت وفيه أيضًا عن عمر وأنس وابن عمر اهـ. ثم خرج الحافظ من طريق كل من الصحابة المذكورين وتقدم عن الجامع بيان من خرج الحديث من طريق كل منهم إلَّا أن الحافظ بين مراتب كل منها فقال بعد تخريجه من حديث عمر بلفظ أكثروا من ذكر هاذم اللذات قلنا يا رسول الله وما هاذم اللذات قال الموت قال أبو نعيم حديث غريب من حديث مالك تفرد به راويه عن جعفر بن محمد بن الحسين عن عبد الملك بن بديل عن مالك تفرد به عبد الملك وهو ضعيف وضعفه الخطيب في الرواية عن مالك وقال أبو هشام الجزري وقال بعد تخريج حديث أنس بلفظ مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوم في المسجد وهم يضحكون ويمرحون فقال أكثروا من ذكر هاذم اللذات هذا حديث حسن أخرجه البزار وقال تفرد به مؤمل بن إسماعيل وقال قال الطبراني وهو بوزن محمد صدوق لكن وصفوه بكثرة الخطأ وقد ذكره ابن أبي حاتم في كتاب العلل إنه سأل أباه عن حديث رواه أحمد بن محمد بن أبي برة فذكر هذا الحديث فقال باطل لا أصل له وابن أبي برة صدوق لكنهم وصفوه بسوء الحفظ في الحديث وهو أحد الأئمة في القرآن ولعل أبا حاتم استنكره لرواية ضعيف الحفظ عن مثله وقد توبع كما ترى فما بقي إلَّا تفرد مؤمل وهو معتضد لشواهده وقال بعد تخريج حديث ابن عمر ولفظه قال كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عاشر عشرة فذكر حديثًا طويلًا وفيه فقال فتى يا رسول الله أي المؤمنين أفضل قال أحسنهم خلقًا قال فأي المؤمنين أكيس فقال أكثرهم للموت ذكرًا وأحسنهم له استعدادًا الحديث بطوله حديث حسن أخرج ابن ماجة طرفًا منه والضياء في المختار والطبراني. الحاكم في المستدرك وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الزهد طرفًا منه أما حديث أبي سعيد الذي أشار إليه الترمذي فإنه هو أخرجه موصولًا في أثناء حديث في فتنة القبر وفيه دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مصلاه فرأى ناسًا كأنهم يكسرون فقال أما إنكم لو أكثرتم ذكر هاذم اللذات الموت لشغلكم عما أرى فأكثروا ذكر هاذم اللذات الموت وهو عنده من طريق عبيد الله بن الوليد الوصافي عن عطية

باب استحباب سؤال أهل المريض وأقاربه عنه

"أكْثِرُوا ذكْرَ هَادِمِ اللذات" يعني الموت، قال الترمذي: حديث حسن. باب استحباب سؤال أهل المريض وأقاربه عنه وجواب المسؤول ـــــــــــــــــــــــــــــ عن أبي سعيد وعطية والراوي عنه ضعيفان اهـ. ملخصًا. قوله: (هَاذِم اللذاتِ) قال ابن الملقن في تخريج أحاديث الشرح الكبير هو بالذال المعجمة ليس إلَّا والهذمَ القطع قال الجوهري الهاذم بالمعجمة القاطع وكذا ذكر السهيلي في روضه في غزوة أحد عند ذكر قتل وحشي حمزة أن الرواية بالمعجمة وأما المهملة فمعناها المزيل للشيء من أصله وليس مرادًا هنا لكن في شرح المشكاة هاذم بالمعجمة أي قاطعها وبالمهملة أي مزيلها من أصلها وعليه فهو استعارة تبعية أو بالكناية شبه وجود اللذات ثم زوالها بذكر الموت ببنيان مرتفع هدمته صدمات هائلة حتى لم يبق منه شيء اهـ. زاد الطيبي ثم أمر المنهمك فيها بذكر الهاذم لئلا يستمر على الركون إليها والاشتغال عما يجب عليه من الفرار إلى دار القرار اهـ. ونقل الطاهر الأهدل فيما رأيت بخطه أن الفيروذباذي سئل عن ذلك فقال إنه بالمهملة أشهر وبالمعجمة أرجح وقال ميرك صحح الطيبي بالدال المهملة حيث قال شبه وجود اللذات الخ. وقال الشيخ ابن الجزري يروى بالمهملة أي دافعها أو مخربها وبالمعجمة أي قاطعها واختاره جمع من مشايخنا وهو الذي لم يصحح الخطابي غيره وجعل الأول من غلط الرواة والله أعلم. قوله: (يَعني المَوتَ) هو عدم الحياة عما من شأنه أن يكون حيًّا وقيل إنه عرض يضادها لقوله تعالى: {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك: 2] ورد بأن المعنى قدر والعدم يقدر وأخذ أئمتنا من هذا الحديث وأمثاله إنه يستحب لكل أحد من صحيح وغيره ذكر الموت بقلبه ولسانه وإلَّا فبقلبه والإكثار منه حتى يكون نصب عينيه فإن ذلك أحرز عن العصيان وادعى إلى الطاعة كما يدل عليه رواية النسائي فإنه لا يذكر في كثير أي من أمل إلَّا قلله ولا في قليل إلَّا كثره وزيادة ابن حبان فإنه ما ذكره أحد في ضيق أي النفس من شحها بأمر ديني أو دنيوي إلّا وسعه أي لأنه يوجب لها الخروج عن مألوفاتها لعلمه إنه مفارق لها ولا ذكره في سعة أي من الدنيا وغرورها إلَّا ضيقها أي أوجب الأعراض عنها والتقلل منها بأدنى كفاية. باب استحباب سؤال أهل المريض وأقاربه عنه

باب ما يقوله المريض ويقال عنده ويقرأ عليه وسؤاله عن حاله

روينا في "صحيح البخاري" عن ابن عباس رضي الله عنهما، "أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، خرج من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وجعه الذي توفي فيه، فقال الناس: يا أبا حسن! كيف أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أصبح بحمد الله بارئًا". باب ما يقوله المريض ويقال عنده ويقرأ عليه وسؤاله عن حاله روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن عائشة رضي الله عنها "أن رسول ـــــــــــــــــــــــــــــ وجواب المسؤول وفي نسخة السؤال قوله: (وَرَوَيَنا في صَحيحِ البُخاري) قال الحافظ هو طرف من حديث أخرجه البخاري في الاستئذان وفي أواخر المغازي من وجهين عن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن عباس أخبره فذكره وزاد بعد قوله بحمد الله بارئًا فقال العباس والله إني لأرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيتوفى من وجعه هذا وإني لأعرف في وجوه بني عبد المطلب عند الموت الحديث وفيه إشارة العباس على أن يسأل فيّ من الخلافة وامتناع عليّ منه ذكره الحافظ. قوله: (كَيْف أصبحَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -) قال ابن حجر في شرح المشكاة فيه أن العبادة إذا تعسرت لعارض كغلبة المريض أو اشتغاله باستعماله دواء يسن السؤال عن حاله ممن يعلمه وهذا وإن لم يصرح به أئمتنا لكن ظاهر المعنى لأن المريض إذا بلغه ذلك يسر به اهـ. قوله (أَصبْحَ بِحَمْدِ الله) أي مقرونًا بحمده أو ملتبسًا بموجب حمده وشكره. قوله: (بارئًا) اسم فاعل من البرء خبر بعد خبر أو حال من ضمير أصبح ويجوز عكسه والمعنى قريبًا من البرء بحسب ظنه أو للتفاؤل أو بارئًا من كل ما يعتري المريض من قلق وغفلة وسيأتي في باب النياحة كلام نفيس في برأ وفي إنه ينبغي لمن يسأل عن المريض أن يجيب بما يشعر برضى المريض بما هو فيه عن الله تعالى وإنه مستمر على حمده وشكره لم يغيره عن ذلك شدة ولا مشقة وبما يؤذن بخفة مرضه أو بقرب عافيته قال ابن حجر أيضًا وهذا وإن لم يصرح به أصحابنا لكنه واضح. باب ما يقوله المريض (وفي نسخة ما يقول بإسقاط الضمير ويقال ويقرأ عليه وسؤاله عن حاله)، قوله: (رَوَيَنَا في صَحيح البُخَاري الخ) قال الحافظ بعد ذكره إلى قوله يفعل ذلك ثلاثًا سبق من

الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوى إلى فراشه جمع كفيه ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما: (قُل هُوَ اللهُ أَحَدٌ) و (قُل أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلِق) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات، قالت عائشة: فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به". وفي رواية في الصحيح: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينفث على نفسه في المرض الذي توفي فيه بالمعوِّذات، قالت عائشة: فلما ثقل، كنت أنفث عليه بهن وأمسح ـــــــــــــــــــــــــــــ المصنف في باب ما يقوله إذا أراد النوم إيراد هذا الحديث ونسبته للصحيحين أيضًا ولم يقع بهذا اللفظ في صحيح مسلم ولا عنده في شيء من طرقه وكان يفعل ذلك ثلاث مرات وقد قال أسندته فيما مضى من طريق عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة وهو عند البخاري وأصحاب السنن من طريق المفضل بن فضالة عن عقيل بهذا اللفظ ثم أخرجه الحافظ عن عقيل بهذا السند وباللفظ إلَّا إنه قال كان إذا أراد النوم بدل قوله كان إذا أوى إلى فراشه وقال وسائر جسده بدل قوله وما أقبل عليه من جسده وحذف في هذه الرواية ما بعد جسده من الحديث وأخرجه هكذا أحمد اهـ. قوله: (فَلمّا اشْتكَى) أي مرض وهو لازم وقد يأتي متعديًا فيكون التقدير وجعًا. قوله: (وفي روَايةٍ) هي مقررة في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينفث على نفسه في المرض الذي توفي فيه بالمعوذات قلت هذه رواية معمر أخرجها البخاري في الطب وليست في مسلم وفيها زيادة ستذكر بعد اهـ. قوله: (بالمعَوِّذَاتِ) قال في المرقاة بكسر الواو وقيل بفتحها أي قرأها على نفسه ونفث الريح على بدنه وأراد المعوذتين وكل آية تشبههما مثل وإن يكاد وإني توكلت على الله أو أطلق الجمع على التثنية مجازًا ومن ذهب إلى أن أقل الجمع اثنان فلا يرد عليه قال الطيبي أراد المعوذتين فيكون مبنيًّا على أن أقل الجمع باعتبار الآيات وقال العسقلاني يعني الحافظ وهما والإخلاص على طريق التغليب وهو المعتمد وقيل والكافرون أيضًا اهـ، وفي الحرز فلا منع من الجمع وهو أولى وبالإجابة أحرى لاشتراك الأربعة في البداءة يقل فكان الأولين بمنزلة الحمد والثناء الناشئ عن الإخلاص والأخيرتين

بيد نفسه لبركتها". وفي رواية: "كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوّذات وينفث". قيل للزهري أحد رواة هذا الحديث: كيف ينفث؟ فقال: ينفث على يديه ثم يمسح بهما وجهه. قلت: وفي الباب الأحاديث التي تقدمت في باب ما يقرأ على المعتوه، وهو قراءة الفاتحة وغيرها. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" وسنن أبي داود وغيرها، عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: كان إذا اشتكى الإنسان الشيء منه، أو كانت قَرْحَة أو جَرْح، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - بأصبعه هكذا، ووضع سفيان بن عيينة الراوي سبّابته بالأرض، ثم رفعها وقال: "بِسْمِ اللهِ تُرْبَةُ أرْضِنا ـــــــــــــــــــــــــــــ لمحض الدعاء وطلب الإخلاص اهـ. قوله: (وفي روَايةٍ) كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات قال الحافظ هذه الرواية التي اتفق البخاري ومسلم على تخريجها فأخرجها البخاري في فضائل القرآن ومسلم ومدار الحديث عندهما على مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة. قوله: (قيلَ للزّهْرِي الخ) قال الحافظ كلامه يوهم أن أثر الزهري في الرواية الأخيرة وهي رواية مالك المتفق عليها وليس كذلك إنما هو في الرواية التي قبلها وهي التي انفرد بها البخاري وأخرجها في كتاب الطب عن معمر اهـ. قوله: (وغيْرِها) أي كأحمد كما قال الحافظ وابن ماجة قال ميرك انفرد البخاري بقوله بإذن ربنا وفي رواية له بإذن الله قال في المرقاة ولهذا نسب الحديث في الحصين إلى مسلم فقط. قوله: (الشيءَ) بالنصب قال في المرقاة مفعول أي العضو والضمير في منه يعود للإنسان أي من جسده. قوله: (قُرْحة) هو بفتح القاف وضمها ما يخرج من الإنسان مثل الدمل ونحوه. قوله: (جُرْحٌ) هو بالضم كالجراحة بالسيف. قوله: (وَوَضعَ سُفيانُ بْنُ عُيينةَ سَبابَتهُ بالأَرْض) أي حتى يعلق بها شيء منها. قوله: (باسم الله) أي أتبرك به ويجوز أن يكون متعلقًا بقوله يشفى أَي بحذف اللام كما في النسخ وفي المشكاة بزيادة لام كي أي قال - صلى الله عليه وسلم - باسم الخ. ليشفي سقيمًا. قوله. (تربةُ أَرْضِنَا) أي هذه تربة أرضنا ممزوجة بريق بعضنا

بِرِيقَةِ بَعْضِنا يُشْفى بِهِ سَقِيمُنا ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا يدل على إنه كان يتفل عند الرقية قال القرطبي فيه دلالة على جواز الرقي من كل الآلام وأن ذلك أمر فاشيًا معلومًا بينهم قال ووضع النبي - صلى الله عليه وسلم - سبابته بالأرض ووضعها عليه أي على محل الألم من بدنه يدل على استحباب ذلك عند الرقي قال المصنف قالوا المراد بأرضنا جملة الأرض وقيل أرض المدينة خاصة لبركتها والأصح الأول ولا يخص أيضًا ببزاقه - صلى الله عليه وسلم - وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذ من ريق نفسه على أصبعه السبابة ثم يضعها على التراب فيعلق بها منه فيمسح بها على الموضع الجريح والعليل ولتلفظ بهذه الكلمات حال المسح قال في المرقاة قال التوربشتي الذي يسبق إلى الفهم من صنيعه ذلك ومن قوله هذا أن تربة أرضنا إشارة إلى قطرة آدم - عليه السلام - وريقة بعضنا إشارة إلى النطفة التي خلق منها الإنسان فكأنه يتضرع بلسان الحال ويعرض بفحوى المقال إنك اخترعت الأصل الأول من طين ثم أبدعت بنيه من ماء مهين فهين عليك أن تشفى من كان هذا شأنه وتمن بالعافية على من استوى في ملكك حياته ومماته وقال القاضي قد شهدت المباحث الطبية على أن الريق له مدخل في التصحيح وتبديل المزاج ولتراب الوطن تأثير في حفظ المزاج الأصلي ورفع نكاية المضرات ولذا ذكر في تفسير المسافرين إنه ينبغي أن يستصحب المسافر تراب أرضه إن عجز عن استصحاب مائة حتى إذا ورد ماء غير ما اعتاده جعل شيئًا منه في سقائه وشرب الماء منها ليأمن من تغير مزاجه ثم إن الرقي والعزائم لها آثار عجيبة تتقاعد العقول عن الوصول إلى كنهها اهـ. قال الطيبي تربة أرضنا خبر مبتدأ محذوف أي هذه والباقي بريقة متعلق بمحذوف خبر ثانٍ أو حال العامل فيها معنى الإشارة أي قال النبي - صلى الله عليه وسلم - مشيرًا بإصبعه باسم الله هذه تربة أرضنا معجونة بريقة بعضنا وإضافة تربة أرضنا وريقة بعضنا تدل على الاختصاص وإن تلك التربة والريقة كل واحدة منهما تختص بمكان شريف بل بذي نفس شريفة قدسية طاهرة عن الأوصار لفعله - صلى الله عليه وسلم - اهـ، والأظهر كما سبق شمول ذلك لكل أرض ولكل ريق كما سبق بيانه بالتحقيق. قوله: (يُشْفى سَقيمُنا) قال الحافظ العسقلاني ضبط بضم أوله على البناء للمجهول وسقيمنا بالرفع وبفتح أوله على أن الفاعل مقدر وسقيمنا بالنصب على المفعولية ثم الجملة خبرية مبنى دعائية معنى.

بإذْنِ رَبنا". وفي رواية: "تُرْبَةُ أرْضِنا، وَرِيقَةُ بَعْضِنا". قلت: قال العلماء: معنى بِريقَة بعضنا: أي ببصاقه، والمراد: بصاق بني آدم. قال ابن فارس: الريق ريق الإنسان وغيره، وقد يؤنث فيه فيقال: ريقة. وقال الجوهري في "صحاحه": الريقة أخصُّ من الريق. وروينا في "صحيحيهما" عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعوِّذ بعضَ أهله، يمسح بيده اليمنى ويقول: "اللهُم رَب النّاسِ أذْهِب الباسَ، اشْفِ أنْتَ الشَّافي، ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (بإِذنِ ربنَا) أي بأمره على الحقيقة سواء كان بسبب دعاء أو دواء أو بغيره وهذه الجملة مما انفرد بها البخاري كما سبق في كلام ميرك وقوله ووضع سفيان الخ. نبه الحافظ على أن هذا وقع عند مسلم فقط ولفظه وضع سفيان من رواية ابن أبي عمر ولفظه قال فيه يقول بزاقه بأصبعه الحديث وأخرجه ابن حبان بسنده إلى سفيان أيضًا اهـ. قوله: (وفي رِوايةٍ الخ) قال الحافظ هي رواية الفضل بن صدقة عن سفيان بن عيينة اهـ، وعلى سفيان مدار هذا الحديث وقد أخرجه الحافظ من طرق عن سبعة من أصحاب ابن عيينة عنه قال حدثنا عبد ربه بن سعيد عن عمر عن عائشة فذكره وقال بعد تخريجه وإنه في الصحيحين وأبي داود والنسائي وأبي عوانة وابن حبان وأخرجه الحاكم فوهم في استدراكه اهـ، وقال في المرقاة وفي رواية للجماعة إلّا الترمذي وريقة بعضنا فيكون التقدير ومزجت إحداهما بالأخرى اهـ، وما ذكره تقدير معنى لا تقدير إعراب إذ الظاهر فيه أن الواو بمعنى مع فهو نظير كل صانع وصنعته وتقدير ذلك كما صرحوا به كل صانع مقرون وصنعته فكذا فيما نحن فيه فتأمله. قوله: (وَرَوَينَا في صحيحيْهما الخ) قال في السلاح ورواه النسائي بحمد الله بارئًا. قوله: (يمسحُ بيَدِه اليُمنَى) أي يمسح - صلى الله عليه وسلم - المريض بيده اليمنى ويؤخذ منه أن ذلك سنة قاله ابن حجر في شرح المشكاة. فصل له: (ويقُولُ رَب النّاسِ) أي يقول داعيًا ربه بحذف حرف النداء يا رب الناس. قوله: (البأسَ) بالموحدة والهمزة وإبدال الهمزة هنا أنسب مراعاة للسجع في قوله رب الناس قال الحافظ العسقلاني البأس بغير همزة للازدواج فإن أصله الهمز والبأس التعب والمشقة اهـ، وفي المرقاة إنه شدة المرض. قوله: (أشْفِ أَنتَ الشَّافي)

لا شِفَاءَ إلا شفَاؤكَ شفَاءً لا يُغَادِرُ سَقمًا". ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يقل وأنت الممرض أدبًا كما قيل في قوله تعالى: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يشَفِين) [الشعراء: 80] ولما لم يفهم كل أحد هذا المعنى صرح الصديق بهذا المعنى فقال الذي أمرضني يشفيني وفي رواية للبخاري واشف وفي أخرى اشفه وأنت الشافي قال الحافظ العسقلاني كذا لأكثر الرواة بالواو ورواه بعضهم بحذفها قلت وقد بين الحافظ في أماليه على الأذكار إنه عند الشيخين من طريق سفيان الثوري ثنى سليمان هو الأعمش عن مسلم بن صبيح بالتصغير عن مسروق عن عائشة فذكر الحديث وفيه اشف أنت الشافي من غير واو ثم أخرجه الحافظ من طريق جرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر عن أبي الضحى وهو مسلم بن صبيح عن مسروق عن عائشة وفي روايته وأنت الشافي بزيادة واو قال الحافظ وأخرجه مسلم اهـ، والضمير في قوله في الرواية السابقة اشفه للعليل أو هي هاء السكت ومن هذا الخبر الصحيح يؤخذ إطلاق الشافي عليه سبحانه لا من كونه لا يوهم نقصًا أو من كون أصله في القرآن واردًا خلافًا لما في المرقاة لأن ذينك الأصلين خلاف المختار عزو من يقول الأسماء توقيفية والله أعلم واستشكل الدعاء للمريض بالشفاء مع إنه كفارة للذنوب وثواب وأجيب بأن الدعاء عبادة ولا ينافي الثواب والكفارة لحصولهما بأول المرض والصبر عليه والداعي بين حسنتين إما يحصل له مقصوده أو يعوض عنه بجلب نفع أو دفع ضر وكل من فضل الله. قوله: (لَا شِفَاءَ إلَّا شِفاؤُكَ) هذا مؤكد لقوله أنت الشافي قال الحافظ العسقلاني قوله لا شفاء بالمد مبني على الفتح والخبر محذوف والتقدير لنا أوله وقوله إلّا شفاؤك بالرفع على إنه بدل من موضع لا شفاء ووقع في رواية للبخاري لا شافي إلّا أنت وفيه إشارة إلى أن كل ما يقع من الدواء والتداوي لا ينجع إن لم يصادف تقدير الله فقال الطيبي قوله لا شفاء إلا شفاؤك خرج مخرج الحصر تأكيدًا لقوله أنت الشافي لأن خبر المبتدأ إذا كان معرفًا باللام أفاد الحصر لأن تدبير الطبيب ونفع الدواء لا ينجع في المريض إذا لم يقدر الله الشفاء. قوله: (شفَاءِ لَا يغادِرُ سقمًا) هو تكميل لقوله اشف والجملتان معترضتان بين الفعل والمفعول المطلق وقوله لا يغادره بالغين المعجمة أي لا يترك وسقمًا بفتحتين أو بضم فسكون مرضًا والتنكير في سقمًا للتقليل قال الحافظ العسقلاني قوله

وفي رواية: كان يرقي يقول: "امْسَحِ الباسَ رَب النّاسِ، بِيَدِكَ الشفاءُ، لا كاشِفَ لَهُ إلَّا أنْتَ". وروينا في "صحيح البخاري " عن أنس رضي الله عنه، أنه قال لثابت رحمه الله: ألا أرقيك برُقْيَة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: بلى، قال: "اللهُم رَب النّاسِ، مُذْهِبَ الباسِ، اشْفِ أنْتَ الشَّافِي، لا شَافِيَ إلَّا أنْتَ، شِفَاءَ لا يُغَادِرُ سَقَمًا". قلت: معنى لا يغادر: لا يترك، ـــــــــــــــــــــــــــــ شفاء منصوب بقوله اشف ويجوز الرفع على إنه خبر مبتدأ محذوف أي هذا أو هو وفائدة التقييد إنه قد يحصل الشفاء من ذلك المرض فيخلفه مرض آخر يتولد منه مثلًا فكان يدعو بالشفاء المطلق لا بمطلق الشفاء قال الطبري بعد سياقه الحديث فيه من الفقه إن الرغبة إلى الله تعالى في صحة الجسد أفضل للتعبد وأصلح له من الرغبة إليه في البلاء وذلك إنه - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو للمرضى بالشفاء من عللهم فإن قلت ما وجه دعائه لمن دعا له بالشفاء وقد تظاهرت عنه - صلى الله عليه وسلم - الأخبار إنه قال يومًا لأصحابه من أحب أن يصح ولا يسقم قالوا نحو يا رسول الله قال - صلى الله عليه وسلم - أتحبون أن تكونوا مثل الحمر الضالة وتغير وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا بلى يا رسول الله قال فوالذي نفس أبي القاسم بيده إن الله ليبتلي المؤمن وما يبتليه إلا لكرامته وإلا أن له عنده منزلة لا يبلغها بشيء من عمله دون أن يبلغ من البلاء ما يبلغه تلك المنزلة فالجواب لعله - صلى الله عليه وسلم - خاطب أصحابه بذلك وأراد غيرهم كمن قل عمله وكمن اقترف على نفسه الآثام فكره له أن يختار لنفسه لقاء ربه وموافاته بإجرامه غير ممتحن ولا متطهر من الأدناس فلا تضاد بين الأخبار والله أعلم. قوله: (وفي رِوايةٍ كانَ يَرْقي) هي للشيخين والنسائي كما أفاده في السلاح وفي التخريج وأخرج ابن حبان وأخرجه الحافظ من طريق أخرى عن عائشة قال وفيها زيادة إنه - صلى الله عليه وسلم - قال ألا أرقيك برقية جاءني بها جبريل - عليه السلام - بسم الله لا بأس اشف رب النّاس اشف أنت الشافي لا شفاء إلّا شفاؤك ولم يذكر من خرجه من أصحاب الكتب المشهورة. قوله: (لَا كاشِفَ لهُ) أي للبأس ثم حديث أنس الكلام في الحديث قبله يجري فيه فاكتفى بذلك والله أعلم واشف بكسر الهمزة للوصل، تحذف في الدرج فيه وفيما قبله. قوله: (يُغادِرُهُ)

والبأس: الشدَّة والمرض. وروينا في "صحيح مسلم" رحمه الله، عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه، أنه شكا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعًا يجده في ـــــــــــــــــــــــــــــ بالغين المعجمة. قوله: (والبَأْسُ) أي بالهمزة والأجود، في الخبر تركه للازدواج. قوله: (في صحيحِ مُسْلم) قال في السلاح رواه الجماعة إلّا البخاري ولفظه وقل سبع مرات أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر زاد أبو داود والترمذي والنسائي قال فقلت ذلك فأذهب الله ما كان بي فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم وأخرجه مالك في الموطأ ولفظه إنه أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال عثمان وبي وجع قد كاد يهلكني قال فقال لي امسح بيمينك سبع مرات وقل أعوذ بعز الله وقدرته من شر ما أجد قال فقلت ذلك فأذهب الله ما كان بي فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم وأخرجه الترمذي أيضًا من حديث أنس ولفظه فضع يدك حيث تشتكي ثم قل بسم الله أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد من وجعي هذا ثم ارفع يدك ثم أعد ذلك وترًا اهـ، وبه يعلم أن اللفظ عند مسلم باسم الله ثلاث مرات وقل سبع مرات أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر أما أعوذ بعزة الله وقدرته فعند مالك في الموطأ لكن بإسقاط قوله وأحاذر ورواه ابن أبي شيبة كذلك في مصنفه كما في الحصين لكن في المشكاة عز والحديث باللفظ الذي في الأذكار إلّا إنه قال وقل سبع مرات أعوذ بعزة الله الخ. إلى مسلم قال في المرقاة نقلًا عن ميرك ورواه الأربعة اهـ، ولعله روى اللفظين عند الجماعة وقال الحافظ تخريجه باللفظ الذي ذكره المصنف إلَّا إنه قال على الذي يألمك بزيادة ضمير المفعول والباقي سواء ما لفظه هذا حديث صحيح رواه مسلم والنسائي في الكبرى وأخرجه ابن حبان ومالك في الموطأ فلم يذكر التسمية ولا وأحاذر وزاد في آخره قال ففعلت فأذهب الله عني ما كان فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم وأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن طريق مالك وأخرجه ابن ماجة من طريق مالك وذكر نحو رواية مالك اهـ، ملخصًا. قوله: (شَكَى إِلى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - الخ) يؤخذ منه ندب شكاية ما بالإنسان على سبيل الإخبار بالواقع من غير ضجر ولا تبرم إلى من يتبرك به رجاء لبركة

جسده، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ضَعْ يَدِكَ على الذي تألمُ مِنْ جَسَدِكَ، وقُلْ: بِسْمِ اللهِ ثَلاثًا، وقُلْ سَبْعَ مراتٍ: أعُوذُ بعِزةِ اللهِ وقُدْرَتِهِ مِنْ شَر ما أجِدُ وأُحاذِر". وروينا في "صحيح مسلم" عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: عادني النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "اللهُم اشْفِ سَعْدًا، اللهُم اشْفِ سَعْدًا، اللهُم اشْفِ سَعدًا". وروينا في سنن أبي داود، والترمذي، بالإسناد الصحيح عن ابن عباس ـــــــــــــــــــــــــــــ دعائه. قوله: (علَى الذي يألم) بالتحتية وفي رواية الحافظ بزيادة ضمير المفعول أي على الموضع الذي يوجع. وقوله: (بعزةِ الله) أي بغلبته وقوته. وقوله (ما أَجدُ) أي من الوجع. قوله: (وأُحاذر) أي أخاف وأحذر وهو مبالغة أحذر قال الطيبي تعوذ من وجع هو فيه ومما يتوقع حصوله في المستقبل من الحزن والخوف فإن الحذر هو الاحتراز عن مخوف. قوله: (وَرَوَينَا في صحِيح مُسلم الخ) هو طرف من حديث انفرد بإخراجه مسلم في كتاب الوصية وأخرجه عن ثلاثة من ولَد سعدَ عن أبيهم رضي الله عنه وزاد في أحد طرق الحديث عنده أن سعدًا قال فادع الله أن يشفيني واتفق الشيخان على إخراج حديث سعد في الوصية من رواية عامر بن سعد عن أبيه بدون هذه الزيادة وأخرجه البخاري من رواية عائشة بنت سعد عن أبيها وفيه هذه الزيادة مختصرة قال فيها اللهم اشف سعدًا ولم يكرر ذكره الحافظ. قوله: (وَرَوَيْتَا في سنَنِ أَبِي دَاوُدَ والترْمذي) قال في الحصين ورواه النسائي أي في السنن الكبرى كما قاله الحافظ في عمل اليوم والليلة كما نقله في المرقاة عن ميرك قال ورواه ابن حبان والحاكم وابن أبي شيبة في مصنفه كلهم عن حديث ابن عباس وقال الحافظ بعد تخريجه الحديث هذا حديث حسن وأخرجه أحمد وقال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلَّا من حديث المنهال بن عمر وقلت فيه مقال والأكثر على توثيقه والراوي عنه يزيد أبو خالد الدالاني مختلف فيه وثقه أحمد وابن معين وجماعة وضعفه ابن سعيد والحربي وابن حبان وأفرط وتوسط ابن عدي فقال لين الحديث ومع لينه يكتب حديثه قلت ولم ينفرد به بعد رواه الحجاج بن أرطأة عن المنهال أخرجه النسائي والحجاج فيه مقال لكن يكتب حديثه في المبايعة وقد رواه الأشجعي وهو ثقة عن شعبة عن شيخ آخر غير الدالاني

رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ عادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أجَلُهُ، فَقال عِنْدَهُ: سَبْعَ مَراتٍ: أسألُ اللهَ العَظِيمَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ أن يَشْفيكَ، إلَّا عافاهُ الله ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن كان محفوظًا فلشعبة فيه شيخان ثم أخرجه الحافظ من طريقين عن شعبة عن ميسرة بن حبيب عن المنهال بن عمر وقد ذكر الحديث وقال في أوله من دخل على مريض وفي آخره إلّا شفاه الله أخرجه النسائي ورواه عبد ربه بن سعيد الأنصاري أحد الثقات عن المنهال فزاد في السند رجلًا أو رجلين وخالف في سياق المتن فقال حدثنا المنهال عن ابن جبير وزاد بعده عبد الله بن الحارث عن ابن عباس قال كان - صلى الله عليه وسلم - إذا عاد المريض جلس عند رأسه ثم قال أسأل الله العظيم فذكره لكن قال في آخره إن كان في أجله تأخير برأ من وجعه ذلك أخرجه النسائي في الكبرى وابن حبان في صحيحه فأما النسائي فوقع في روايته حدثنا المنهال بن عمرو ومرة سعيد بن جبير هذا في النسخ المعتمدة وفي بعضها عن سعيد كما في رواية هارون وأما رواية ابن حبان فهي بغير زيادة قال المنهال بن عمرو أخبرني سعيد بن جبير ومع هذا الاضطراب يتوقف في تصحيحه وقد سبق إلى ذلك ابن حبان كما ذكرت والحاكم اهـ. ملخصًا. قوله: (لمْ يَحضره أجله) أي انتهاء عمره. قوله: (العَظيم) أي في ذاته وصفاته. قوله: (رَب العرْش العَظيم) بدل أو بيان والتخصيص للتشريف والتكريم والعظيم بالجر على أنه صفة العرش. قوله: (أَن يَشْفِيك) مفعول ثاني. قوله: (إِلَّا عَافَاهُ الله) استثناء من من الشرطية العامة فكأنه قال ما عاد أحد مريضًا وقال كذا إلَّا عافاه الله من ذلك المرض والحصر غالبي أو نسبي على شروط لا بد من تحققها كذا في الحرز وفي حاشية سنن أبي داود للسيوطي دخول إلَّا من تحريف الرواة فإنه ليس محل دخولها لأنها لا تدخل في جواب الشرط لا تقول من جاءني إلَّا أكرمته وكأن ذلك من الربيع بن يحيى الراوي عن شعبة فقد رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة من طريق محمد بن جعفر عن شعبة بلفظ ما من مسلم يعود مريضًا لم يحضر أجله فيقول سبع مرات أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلَّا عوفي وهذا محل دخول إلّا اهـ، وإذا صحت الرواية بإلا مع من الشرطية

سُبْحانَهُ وتعالى مِنْ ذلِكَ المَرَضِ"، قال الترمذي: حديث حسن. وقال الحاكم أبو عبد الله في كتابه "المستدرك" على الصحيحين: هذا حديث صحيح على شرط البخاري. قلت: يشفيك بفتح أوله. وروينا في "سنن أبي داود" عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذَا جاءَ الرَّجُلُ يَعُودُ مَرِيضًا فَلْيَقُلْ: اللهُم اشْفِ عَبْدَكَ يَنْكأُ لَكَ عَدُوًّا، أوْ يَمشِي لَكَ إلى صَلاةٍ"، لم يضعفه أبو داود. قلت: ينكأ بفتح أوله وهمز آخره، ومعناه: يؤلمه ـــــــــــــــــــــــــــــ فيكون وجهه ما أشار إليه في الحرز قوله: (يَشْفِيك الخ). قال تعالى: ({وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80] ونبه على الياء الأولى لمكان الإلباس بمضارع أشفي وإن كان المقام لا يقبله وسكت عن الياء التي هي لام الفعل لأن فتحها لا يخفى على مبتدئ في النحو لوجود الناصب وهو أن وإهمالها لغة نادرة لا يخرج عليها فصيح الكلام إلَّا إذا ألجأت الضرورة لذلك والله أعلم. قوله: (وَرَوَيْنَا في سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) وروي هذا الذكر من حديث ابن عمرو بن العاص بن حبان والحاكم في مستدركه كما في الحصين وقال الحافظ بعد تخريج الحديث هذا حديث حسن. قوله: (ينكأُ) سيأتي ضبطه في الأصل وهو فيما وقفت عليه مرفوع وفي المفاتيح شرح المصابيح للجزري هو مرفوع غير مجزوم اهـ، وقال المظهري مجزوم لأنه جواب الأمر ويجوز أن يكون مرفوعًا تقديره اللهم اشف عبدك فإنه ينكأ لك عدوًا أي يغزو في سبيلك. قوله: (إِلى صَلاةٍ) في رواية المشكاة إلى جنازة قال في المرقاة أي اتباعها للصلاة لما جاء في رواية إلى صلاة وهذا توسع سائغ قال الطيبي ولعله جمع بين النكاية وتشييع الجنازة لأن الأول كدح في إنزال العقاب على عدو الله والثاني سعى في إيصال الثواب إلى ولي الله اهـ. قال في المرقاة أو لأن المقصود من المرض إما كفارة الذنوب ورفع الدرجات أو تذكير بالموت والآخرة والعقاب وهما حاصلان له بالعملين المذكورين اهـ. قوله: (لمْ يُضعِّفهُ أَبُو دَاوُدَ) قال الحافظ حيي بمهملة مضمومة وتحتيتين مصغرًا وهو أحد رواته مختلف فيه ولم يترك حديثه وقد تفرد بهذا الحديث اهـ. قوله: (وهمزِ آخرِه) قال في المفاتيح نقلًا عن النهاية يقال نكيت العدو أنكى

ويوجعه. وروينا في كتاب الترمذي، عن علي رضي الله عنه، قال: كنت شاكيًا، فمر بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أقول: اللهُم إن كان أجَلِي قد حضر فأرحني، وإن كان متأخرًا فارفعه عني، وإن كان بلاءً فصبِّرني، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كَيْفَ ـــــــــــــــــــــــــــــ نكاية فإنا ناك إذا أكثرت فيهم بالجرح والقتل فوهنوا لذلك وقد يهمز لغة ويقال نكأت القرحة أنكوها إذا قشرفها اهـ. قال في الحرز ولا يخفى أن إيراد المصنف قول صاحب النهاية هذا يوهم أن نكأ من المعتل وقد يهمز فيعتبر الضبط بالوجهين والهمز يكون ضعيفًا بالنسبة إلى الناقص وهو غير صحيح إذ اتفق النسخ المعتبرة والأصول المصححة المعتمدة على كتابته بالألف وضبطه بالهمز على خلاف في رفعه وجزمه فلو كان من الياء الناقص كما ذكره صاحب النهاية لكان يكتب بالياء ثم رأيت القاموس ذكر في الياء نكأ العدو وفي العدو نكاية قتل وجرح وفي الهمز نكأ العدو ينكأهم وحاصله لغتان والحديث من المهموز ورفعه أقوى لقوله ويمشي وفي رواية أو يمشي لك بالرفع قال الطيبي وتبعه ميرك جاء بإثبات الياء وتقديره وهو يمشي اهـ، وهو توجيه لرفع المعطوف مع جزم المعطوف عليه وهو أحسن من قول صاحب المرقاة وعلى تقدير الجزم فهو وارد على قراءة من يتقي ويصبر فتأمل. قوله: (وَرَويْنَا في كِتَابِ التِّرْمَذِي) في الحصن بعد إيراد اللهم اشفه أو اللهم عافه رواه الترمذي والحاكم وابن حبان كلهم عن علي وفي السلاح صحيح يعني الحديث صحيح على شرط الشيخين ولفظ الحديث للترمذي ولفظ الحافظ اللهم اشفه اللهم عافه ولفظ النسائي اللهم اشفه اللهم اعفه اهـ. أي بقطع الهمزة وكسر الفاء من أعفي يعفى يقال أعفى بمعنى عوفي كما في الحرز وقال الحافظ بعد تخريج الحديث هذا حديث صحيح أخرجه الإمام أحمد والترمذي والنسائي في الكبرى والحاكم وابن حبان قال الترمذي حديث حسن صحيح لا يعرف إلَّا من رواية عبد الله بن سلمة بكسر اللام وهو تابعي روي الحديث عن علي رضي الله عنه قلت وهو صدوق ذكره البخاري في الضعفاء وقال لا يتابع على حديثه ونقل عن شعبة عن عمرو بن مرة إنه قال في حقه يعرف وينكر كان قد كبر وكان اعتماد من

قُلْتَ"؟ فأعاد عليه ما قاله، فضربه برجله وقال: "اللهُم عافهِ -أو اشْفهِ-" شك شعبة، قال: فما اشتكيت وجعي بعدُ. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وروينا في كتابي الترمذي وابن ماجه، عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما، أنهما شهدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "مَنْ قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ واللهُ أكبَرُ، صَدّقَهُ رَبُّهُ، فقال: لا إلهَ إلَّا أنا وأنا أكْبَر، وإذَا قال: لا إلهَ إلَّا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لهُ، قال: يَقُولُ: لا إلهَ إلا أنا وَحْدِي لا شَرِيكَ لي، وإذَا قال: لا إلهَ إلا اللهُ لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ، قال: لا إلهَ إلا أنا ليَ المُلْكُ وليَ الحَمْدُ، وإذَا قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ وَلا حَوْلَ ولا قوّةَ إلَّا بالله، قال: لا إلهَ إلا أنا وَلا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلَّا بي" وكان يقول: "مَنْ قالها فِي مَرَضِهِ ثُمَّ ماتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ صححه على تحديث شعبة به فهو من قبيل ما يعرف لا ما ينكر والعلم عند الله اهـ. قوله: (وروينا في كتاب الترْمذِي الخ) قال في السلاح واللفظ للترمذي ورواه النسائي والحاكم وابن ماجة وابن حبان في صحيحيهما وفي رواية للنسائي عن أبي هريرة وحده مرفوعًا من قال لا إله إلَّا الله والله أكبر لا إله إلَّا الله وحده لا إله إلَّا الله لا شريك له لا إله إلَّا الله له الملك وله الحمد لا إله إلَّا الله لا حول ولا قوة إلَّا باللهِ يعتدهن خمسًا بأصابعه ثم قال من قالهن في يوم أو ليلة أو شهر ثم مات في ذلك اليوم أو تلك الليلة أو في ذلك الشهر غفر له ذنبه اهـ، وقال الحافظ بعد تخريج الحديث بنحو ما ذكره المصنف هذا حديث حسن أخرجه النسائي في الكبرى وابن ماجة ورواه الترمذي والحاكم ولم يذكر النسائي أبا سعيد ولم يصرح برفعه وأخرجه ابن حبان اهـ، ملخصًا. قوله: (لَا إِلَهَ إلا الله لَهُ المُلْكُ ولهُ الحَمْدُ) قال في الحرز عدت الجملتان بمنزلة واحدة لتلازمهما وعدم انفكاكهما ولذا لم يقل لا إله إله إلا الله له الملك وله الحمد ثم اكتفى بهما عن قوله: ({وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [هود: 4] اهـ. قوله: (وكانَ يَقُول الخ) أخرج الحافظ الحديث من طريق حمزة الزيات ومن طريق إسرائيل كلاهما عن أبي إسحاق عن الأعرابي عن مسلم عن أبي

لَمْ تَطْعَمْهُ النارُ" قال الترمذي: حديث حسن. وروينا في "صحيح مسلم" وكتب الترمذي، والنسائي، وابن ماجه بالأسانيد الصحيحة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ـــــــــــــــــــــــــــــ هريرة وأبي سعيد مرفوعًا ثم قال بعد سياق الحديث بنحو ما ذكره المصنف هذا لفظ حمزة ورواية إسرائيل أخصر وزاد في رواية حمزة وعن أبي جعفر الأغر مثل رواية أبي إسحاق إسرائيل وزاد من قاله في مرضه ثم مات لم يدخل النار وفي رواية إسرائيل قال أبو إسحاق قال الأغر شيئًا لم أفهمه فقلت لأبي جعفر ماذا قال قال من رزقهن عند موته لم تمسه النار اهـ. قوله: (لمْ تَطْعمهُ النارُ) أي لم تأكله واستعير الطعم للإحراق مبالغة كأن الإنسان طعامها تتقوى وتتغذى به ثم تطعمه بفتح الفوقية والنار فاعلة ووقع في نسخة الجلال من الحصن لم يطعمه النار بصيغة المعرف المذكر من الإطعام فيكون ضمير الفاعل لله والنار منصوبًا على المفعولية. قوله: (بالأَسَانيدِ الصَّحيحَةِ) تعقبه الحافظ بأن الحديث عند جميع من ذكرهم الشيخ عن بشر بن هلال الصواف عن عبد الوارث بن سعد عن عبد العزيز بن صهيب ثنا أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري وليس له عندهم إلَّا إسناد واحد فقول الشيخ بالأسانيد الصحيحة فيه ما فيه قال ثم أخرجه النسائي في الكبرى عن عمران بن موسى عن عبد الوارث وأخرجه أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه وأخرجه الطبراني في الدعاء عن معاذ بن المثنى عن مسند عبد الوارث فمداره على عبد الوارث وقد تابع شيخه داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد أخرجه كذلك عبد بن حميد وأخرجه البزار من طريق محمد بن عبد الرحمن الطغاوي عن داود وقال تابعه أبو شهاب ورواه غير واحد عن داود عن أبي نضرة عن جابر وقال الترمذي بعد تخريجه هذا حديث حسن صحيح وفي الباب عن أنس وعائشة زاد شيخنا العراقي في شرحه وفيه عن أبي هريرة وعبادة بن الصامت (قلت) وفيه أيضًا عن عمر وعمار وميمونة أم المؤمنين وجابر رضي الله عنهم أما حديث أنس فأخرجه الطبراني في الدعاء وأما حديث عائشة فأخرجه مسلم وفي آخر الحديث ومن شر حاسد إذا حسد ومن كل ذي عين وأما حديث أبي هريرة فأخرجه وابن ماجة والحاكم في المستدرك وفي آخره من كل داء فذكر {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)} [الفلق: 4 - 5]، وفيه إنه كرر فيه ثلاث

"أن جبريل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا محمدُ، اشْتَكَيْتَ؟ قال: نعم، قال: بِسْمِ اللهِ أرْقِيكَ، مَنْ كُل شَيْء يُؤذِيكَ، مِنْ شَر كل نَفْسٍ أوْ عَيْنٍ حاسِدٍ، اللهُ يَشْفِيكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ مرات وفي سنده عاصم بن عبيد الله وهو صدوق ضعفوه من قبل حفظه وهذا مما تساهل فيه الحاكم وأما حديث عبادة بن الصامت فأخرجه وفي آخره من كل أذى يؤذيك من كل حاسد إذا حسد ومن كل عين والله يشفيك وقال الحافظ حديث حسن أخرجه وابن ماجة وأخرجه أحمد من طريق أخرى عن عبادة بن الصامت وأما حديث ابن عمر فأخرجه الطبراني في الدعاء وفي سنده ضعف وأما حديث عمار فأخرجه الحافظ عن عمار بن ياسر إنه دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يوعك فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا أعلمك رقية علمنيها جبريل قال بلى يا رسول الله قال فعلمه بسم الله أرقيك والله يشفيك من كل شيء يعنيك خذها فليهنيك هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه أخرجه الطبراني في الدعاء وكذا الدارقطني في الأفراد وقال غريب من حديث محمد بن الحنفية عن عمار تفرد به ميسرة عن المنهال بن عمرو وما رواه عنه إلَّا فضيل (قلت) وهو صدوق أخرج له مسلم وفيه مقال وأما حديث ميمونة فأخرجه أحمد والنسائي في الكبرى وابن حبان في صحيحه كلهم من رواية عبد الرحمن بن السائب ابن أخي ميمونة قال قالت لي ميمونة يا بن أخي ألا أعلمك رقية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قلت) بلى قالت باسم الله أرقيك والله يشفيك من كل داء فيك وفي الحديث قصة أخرى وأما حديث جابر فذكره البزار في الكلام على حديث أبي سعيد كما تقدم اهـ. كلام الحافظ ملخصًا. قوله: (اشتكَيت) بفتح الهمزة والاستفهام على بابه بدليل الجواب وقال ابن حجر في شرح المشكاة إنه للتقرير واعترضه في المرقاة بأنه لو كان للتقرير لما احتاج إلى جواب ثم لا يلزم من إتيان جبريل إليه اطلاعه على ما لديه - صلى الله عليه وسلم -. قوله: (أَرْقيكَ) بفتح الهمزة وكسر القاف من الرقية له أعيذك. قوله: (يُؤْذِيكَ) بالهمزة ويجوز إبداله واوًا. قوله: (مِن شَرِّ كلِّ نَفْسٍ أَوْ عَينٍ حاسِدٍ) بتنوين نفس وعين وقيل بإضافتهما وفي الحرز الأظهر أن ينون الأول ويضاف الثاني ليلائم قوله حاسد إلَّا أن راد به ذات حسد اهـ، وأو يحتمل أن تكون للشك والأظهر أنها للتنويع قيل يحتمل أن يراد بالنفس نفس الأذى ويحتمل أن يراد بها العين فإن

بِسْمِ اللهِ أرْقِيكَ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وروينا في "صحيح البخاري" عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على أعرابي يعوده، قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ النفس تطلق على العين يقال رجل منفوس إذا كان يصيبه النّاس بالعين ويكون قوله أو من عين حاسد من باب التوكيد بلفظ مختلف أو شك من الراوي كذا نقله ميرك عن التصحيح وعلى الأظهر فالمستعاذ منه النفس الخبيثة والعين ذات الحسد. قوله: (باسْم الله أَرْقِيكَ) قيل كرره للمبالغة وبدأ به وختم إشارة الله إنه لا نافع إلَّا هو وفيه من صنيع البديع رد المقطع على المطلع. قوله: (وَرَوينَا في صحيح البُخَارِي) هو طرف من حديث رواه البخاري آخره فقال لا بأس طهور إن شاء الله قال يعني الأعرَابي قلت طهور بل حمى تفور أو تثور على شيخ كبير تزيره القبور فقال - صلى الله عليه وسلم - فنعم إذًا أخرجه البخاري هكذا في علامات النبوة وأعاده في مقدمة الطب ولفظه دخل علي رجل يعوده فقال لا بأس الخ، ولم يذكر قوله وكان إذا دخل الخ، وأخرجه في التوحيد كذلك لكن فيه دخل علي أعرابي وفيه فقال الأعرابي وزاد فيه عليك بعد قوله لا بأس وهو عند النسائي وزاد فيه الإسماعيلي على عظم شيخ كبير وقد استشكل إيراد البخاري له في علامات النبوة وجوابه إنه أشار إلى زيادة وقعت في بعض طرقه وذلك ما أخرجه أبو نعيم في الصحابة وابن منده وغيرهما عن شرحبيل الجعفي رضي الله عنه قال كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء أعرابي طويل ينتفض فقال يا رسول الله شيخ كبير به حمى تفور تزيره القبور فقال - صلى الله عليه وسلم - به حمى تفور وهي له كفارة وطهور فأعادها فقال له - صلى الله عليه وسلم - أما إذا أثبت فهو كما يقول وما قضى الله فهو كائن فما أمسى من الغد إلَّا ميتًا وقال الحافظ يعد تخريجه حديث حسن غريب ثم أشار إلى اختلاف في سنده بين رواته وأن عند بعضهم زيادة فأعادها ثلاثًا والحديث من مرسل زيد بن أسلم أخرجه عبد الرزاق اهـ. قال في السلاح

وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل على من يعوده قال: "لا بأسَ طَهُور إنْ شاءَ اللهُ". وروينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على أعرابي يعوده وهو محموم، فقال: "كَفَّارَةٌ وَطَهُور". وروينا في كتاب الترمذي، وابن السني، عن أبي أُمامة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: تمَامُ عِيادَةِ المَريضِ أنْ يَضَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والحصن رواه النسائي قال ميرك في عمل اليوم والليلة. قوله: (وكانَ الخ) أي من عادته - صلى الله عليه وسلم - أن يقول ذلك إذا عاد إنسانًا. قوله: (لَا بأسَ) أي بالهمز وإبداله ألفًا. قوله: (طَهُورٌ) بفتح أوله ويجوز ضمه وهو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هذا أو مرضك مطهر للذنوب مكفر للعيوب واقتصر عليه بناء على الأغلب الأكثر وإلا فقد يكون سببًا لرفع الدرجات في العقبى ولعلو المقامات في الدنيا لأن الرياضات نتيجة الحالات والكشوفات كذا في الحرز. قوله: (إِنْ شَاءَ الله) أتى به للتبرك أو للتفويض أو للتعليق فإن كونه طهورًا مبني على كونه صبورًا شكورًا. فائدة من أصيب وصبر حصل له ثوابان غير تكفير الذنوب لنفس المصيبة وللصبر عليها ومنه كتابة مثل ما كان يعمل من الخير صحيحًا ومن انتفى صبره لعذره كجنون فكذلك أما من انتفى صبره لنحو جزع فلا يحصل له من الثوابين شيء وقد بسط الكلام على هذا المقام ابن حجر الهيتمي في شرح المنهاج بما هذا حاصله. قوله: (وَرَوَيْنَا في كِتَاب ابْنِ السنى الخ) قال الحافظ اختصره أيضًا ثم أخرجه الحافظ عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على أعرابي وهو محموم فقال كفارة وطهور فقال الأعرابي حمى تفور على شيخ كبير تزيره القبور فقام - صلى الله عليه وسلم - وتركه ثم قال هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه أخرجه أحمد عن عفان عن حماد وأخرجه ابن السني عن أبي يعلى اهـ. قوله: (كفارة) أي مرضك مكفر لما جنيت من الذنوب وطهور من ذلك. قوله: (وَرَوَيْنَا في كِتَابَي الترمِذِي وابْنِ السنى الخ) أخرجه الحافظ عن أبي أمامة رضي الله عنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عائد المَريض يخوض في الرحمة ومن تمام عيادة المريض أن يضع أحدكم يده على وجهه أو على يده فيسأله كيف هو وتمام تحيتكم المصافحة وقال الحافظ هذا حديث غريب من هذا الوجه أخرجه الترمذي أخصر منه وقال هذا إسناد ليس بذاك وعبيد بن زحر

أحَدُكُمْ يَدَهُ على جَبْهَتِهِ أوْ على يَدِهِ فَيَسألَهُ كَيفَ هُوَ؟ " هذا لفظ الترمذي. وفي رواية ابن السني: "مِنْ تَمام العِيادَةِ أنْ تَضَعَ يَدَكَ على المَرِيضِ فَتَقُولَ: كَيفَ أصْبَحْتَ، أوْ كَيفَ أمْسَيتَ؟ " قال الترمذي: ليس إسناده بذاك. وروينا في كتاب ابن السني، ـــــــــــــــــــــــــــــ بفتح الزاي وسكون الحاء المهملة بعدها راء ثقة وشيخه علي بن زيد الألهاني بفتح الهمزة وسكون اللام ضعيف وشيخه القاسم كني أبا عبد الرحمن وهو شامي ثقة قلت واختلف في توثيقه وكذا في توثيق ابن زحر وأفرط ابن حبان فقال إذا اجتمع في الإسناد ابن زحر وعلي بن يزيد والقاسم فذاك مما عملت أيديهم اهـ. قوله: (هَذَا لَفْظُ الترمِذي) أي من جملة حديث كما عرفت. قوله: (وفي رِواية ابْنِ السنى) قال الحافظ ليس فيها زيادة سوى قوله كيف أصبحت كيف وهي عنده من طريق يحيى بن سعيد المدني وليس هو الأنصاري بل هو راو ضعيف وليس في روايته أول الحديث ولا آخره ثم ساق الحافظ شاهدًا من حديث أبي هريرة قال عاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا من أصحابه به وجع وأنا معه فقبض يده فوضعها على جبهته وكان يرى ذلك من تمام عيادة المريض وقال إن الله عزّ وجّل قال هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن لتكون حظه من النار في الآخرة قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث غريب أخرج ابن ماجة بعضه وأخرجه ابن السني بتمامه ورجاله ثقات إلَّا عبد الرحمن بن يزيد بن تميم فإنه ضعيف وقد تفرد بوصله ورفعه وخالفه سعيد بن عبد العزيز فرواه عن إسماعيل بن عبيد الله من قول كعب الأحبار ولأصل وضع اليد على المريض شاهد إنه من حديث عائشة في الصحيحين ومن حديث سعد بن أبي وقاص في البخاري اهـ. قوله: (أَنْ يَضَعَ أحدكمْ يَدَهُ الخ) قال ابن حجر الهيتمي في كتاب الإفادة فيما جاء في المرض والعيادة حكمة وضع اليد تأنيسه ومعرفة شدة الألم ليدعو له أو يرقيه ويتأكد لعارف بالطب يرى انهم يثقون به وضع يده على ما يدرك به العلة وهو النبض إن كانت العلة باطنة أو على محلها إن كانت ظاهرة واحتاج لمسها ثم يصف له ما يناسبها أو يسأله أو من عنده عن حاله من غير إكثار ولا إضجار ويجيب هو أو من عنده بنحو أصبحت بخير الحمد لله اهـ. قوله: (وَرَوَيْنَا في كِتَاب ابْنِ السني)

عن سلمان رضي الله عنه قال: "عادني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا مريض ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في الحصين ورواه الحاكم عن سلمان في كتاب الدعاء من المستدرك قال الحافظ في التخريج بعد تخريجه الحديث هذا حديث غريب أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه وقال الذهبي في مختصره سنده جيد وليس كما قال وقد تم الوهم فيه عليه وعلى الحاكم قبله فقد سقط من سنده بين شعيب وأبي هاشم راو وذلك الراوي هو أبو خالد كما جاء في رواية لابن السني وأبو خالد وهو عمرو بن خالد، الواسطي ضعيف جدًّا كذبه أحمد وابن معين وغيرهما وباقي رجال سنده ثقات وأخرجه الطبراني في الكبير من وجه آخر عن عمرو بن خالد المذكور اهـ. قوله: (عَنْ سَلمَانَ الفارسي) الصحابي الكبير أحد الذين اشتاقت لهم الجنة والفارسي نسبة لفارس إما لكونه منها أو من أصبهان وهي منها أو لغير ذلك يقال سلمان الخير سئل عن نسبه فقال أنا ابن الإسلام أدرك حواري عيسى وقرأ الكتابين وسئل علي رضي الله عنه فقال علم العلم الأول والعلم الآخر وهو بحر لا ينزف وهو منا أهل البيت له اليد الطولى في الزهد مع طول عمره المستلزم لزيادة الحرص والأمل بشهادة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فقد عاش مائتين وخمسين أو ثلاثمائة وخمسين سنة وكان عطاؤه خمسة آلاف وكان يفرقه ويأكل من كسب يده يعمل الخوص وكان مجوسيًّا صحب جماعة من الرهبان فأخبره آخرهم عند وفاته بظهور النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحجاز فقصده مع أعراب فغدروه فباعوه بوادي القرى ليهودي فقدم به المدينة فكان بها حتى قدمها المصطفى وتعرف فيه العلامات التي وصفها الراهب فَآمن من قال الطبراني في أكبر معاجمه وإسلامه بالمدينة أثبت من قول من قال إنه آمن بمكة وكاتب أهله على ثلاثمائة نخلة يعمل فيها حتى تثمر وأربعين أوقية من الذهب فغرس عصييه بيده المباركة الكل وقال أعينوا أخاكم فأعانوه حتى أدى كل ما عليه وأول مشاهده مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخندق وهو الذي أشار بحفره ولم يتخلف بعده عن مشهد ولما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخندق تخاصم فيه المهاجرون والأنصار كل يدعيه فقال - صلى الله عليه وسلم - سلمان منا أهل البيت آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين أبي الدرداء روي له عنه - صلى الله عليه وسلم - فيما قيل ستون حديثًا انفرد البخاري بأربعة أحدها مسند وانفرد مسلم بثلاثة أحاديث مسندة وخرج عنه الأربعة وغيرهم توفي في خلافة عثمان

باب استحباب وصية أهل المريض ومن يخدمه بالإحسان إليه واحتماله والصبر على ما يشق من أمره وكذلك الوصية بمن قرب سبب موته بحد أو قصاص أو غيرهما

فقال: يا سَلْمانُ شَفَى اللهُ سَقَمَكَ، وغَفَرَ ذَنْبَكَ، وعَافَاكَ في دِينِكَ وَجسْمِكَ إلى مُدَّةِ أجَلِكَ". وروينا فيه عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: مرضت فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعوّذني فعَوّذني يومًا، فقال: "بسم اللهِ الرحمَنِ الرحِيم، أُعِيذُكَ باللهِ الأحَدِ الصمَدِ الّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد، مِنْ شَر مَا تَجدُ"، فلما استقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائمًا قال: "يا عُثمانُ تَعَوَّذْ بِهَا فما تَعَوَّذْتُمْ بِمِثْلِها". باب استحباب وصية أهل المريض ومن يخدمه بالإحسان إليه واحتماله والصبر على ما يشق من أمره وكذلك الوصية بمن قرب سبب موته بحدٍّ أو قصاص أو غيرهما روينا في "صحيح مسلم" عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما، أن ـــــــــــــــــــــــــــــ بالمدائن سنة خمس وثلاثين على الأكثر وقيل سنة اثنين وما ترك شيئًا يورث عنه رضي الله عنه قوله: (يا سلْيمَانُ) عبر بدله في الحصين بقوله يا فلان قال شارحه إنه نقل بالمعنى إذ المراد بالخطاب العام أي سليمان وغيره من المرضى والله أعلم. قوله: (سَقَمكَ) بفتحتين وضم فسكون أي مرضك. قوله: (وجسْمِكَ) أي بدنك. قوله: (إلى مدَّةِ أَجلِكَ) أي نهاية عمرك. قوله: (وَرَوَيْنَا فيهِ الخ) أخرجه أبو يعلى في مسنده الكبير وفي سنده ضعف أشار إليه الحافظ. قوله: (استقَلّ قائمًا) أي ارتفع من مجلسه قائمًا للانصراف. قوله: (تَعوذْ بهَا) أي بهذه الكلمات وفي نسخة بهما والظاهر إنه من تصحيف الكتاب فالذي في أصل صحيح من كتاب ابن السني بها بضمير الواحدة الغائبة. باب استحباب وصية أهل المريض (ومن يخدمه بالإحسان إليه واحتماله والصبر على ما يشق من أمره وى لك الوصية بمن قرب سبب موته بحد أو قصاص أو غيرهما) أقول الأولى الوصية بمن قرب موته بسبب حد أو قصاص الخ. لأن السبب هو المقتضي للحد أو للقصاص والقريب إنما هو موته المسبب عما يقتضي ذلك والله أعلم. قوله: (وَرَوَيْنَا في صَحِيحِ مُسْلم الخ) قال الربيع في تيسير الأصول أخرجه الخمسة إلَّا البخاري قال الحافظ وأخرجه أحمد. قوله: (عَنْ عِمران بْنِ حصِينِ) هو أبو نجيد بنون وجيم مصغر عمران بن حصين بحاء وصاد

امرأة من جهينة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي حبلى من الزنى، فقالت: يا رسول الله أصبتُ حدًّا فأقمه عليّ، فدعا نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وليَّها فقال: "أحْسِنْ إلَيها فإذا وَضَعَتْ فأتِني بِهَا، ففعل، ـــــــــــــــــــــــــــــ مهملتين ثم تحتية ثم نون مصغر ابن عبيد بن خلف بن سلول بفتح المهملة وضم اللام الخزاعي الكعبي الصحابي الجليل أسلم عام خيبر سنة سبع هو وأبو هريرة معًا وغزا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوات وبعثه عمر بن الخطاب إلى أهل البصرة ليفقههم وكان الحسن البصري يحلف ما قدم عليهم رجل خير لهم منه وكان مجاب الدعوة كثير العلم أبيض الرأس واللحية يلبس الثياب الحسنة واعتزل الفتنة وكانت الملائكة تسلم عليه فلما اكتوى تركته فلما ترك الكي عادت تسلم عليه الملائكة قال ابن سيرين سقى بطنه ثلاثين سنة وكان يعرض عليه الكي فيأبى وينهى عن الكي حتى كان قبل موته بسنتين فاكتوى ثم ترك ولي القضاء أيامًا لابن عامر فقضى على رجل بشيء فقال له والله لقد قضيت علي بجور وقال شهد علي بالزور قال وما قضيت عليك فهو في مالي والله لا أجلس مجلسي هذا أبدًا روي له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما قيل مائة وثمانون حديث اتفق الشيخان منها على ثمانية وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بتسعة روي عنه إنه قال ما مسست ذكري بيميني منذ بايعت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأوصى لأمهات أولاده بوصايا وقال من صرخ على منهن فلا وصية لها ومات بالبصرة سنة اثنين وخمسين وقيل سنة ثلاث واختلف في إسلام أبيه والصحيح إنه أسلم هو وأبوه معًا وذكره البخاري وغيره في الصحابة وحديث إسلام أبيه أخرجه الترمذي في الدعوات من جامعه وصححه ابن حبان والحاكم وذكره أبو الحسن المرادي في جملة العميان من الصحابة رضي الله عنهم كذا في العمدة للقلقشندي. قوله: (امْرأَةً مِنْ جُهينةَ) بضم الجيم وفتح الهاء بعدها مثناة تحتية ساكنة ثم نون ثم هاء اسم قبيلة في بعض طرق مسلم امرأة من غامد قال المصنف في شرحه وغامد بالغين المعجمة ودال مهملة بطن من جهينة. قوله: (أَحِسنْ إليْهَا) قال المصنف هذا الإحسان أي الأمر به له سببان أحدهما الخوف عليها من أقاربها أن تلحقهم المغيرة ولحاق العار بهم أن يؤذوها فأوصى بالإحسان إليها تحذيرًا من ذلك والثاني رحمة لها إن قد تابت وحرض على الإحسان إليها لما في قلوب النّاس من النفرة من مثلها وإسماعها الكلام المؤذي فنهى عن ذلك كله. قوله: (فإِذَا وَضَعَتْ الخ) فيه إنه لا يرجم الحبلى حتى تضع

فأمر بها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فشُدَّت عليها ثيابُها، ثم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها". ـــــــــــــــــــــــــــــ سواء كان حملها من زنا أو غيره وكذا لو كان حدها الجلد لا تجلد حتى تضع بالإجماع وفيه أن الرجم للمرأة أيضًا إذا كانت محصنة كالرجل وهذا الحديث محمول على أنها كانت محصنة لأن الأحاديث متطابقة على إنه لا يرجم غير المحصن ثم لا يرجم غير المحصن ثم لا ترجم الحامل بل بعد وضع الحمل حتى يسقى ولدها اللبن ويستغني عنها بلبن غيرها وفيه أن الحمل يعرف ويحكم به وهذا هو الصحيح أشار إلى ذلك كله المصنف في شرح مسلم. قوله: (فَشُدَّتْ عَلَيْهَا ثيابُها) كذا في الأذكار بالدال المهملة وكذا أورده الربيع وقال رواه الخمسة إلّا البخاري وهو بضم الشين المعجمة مبني للمجهول وثيابها نائب الفاعل قال المصنف في شرح مسلم فشكت عليها ثيابها أي بتشديد الكاف هكذا هو معظم النسخ وفي بعضها فشدت بالدال بدل الكاف وهو معنى الأول وفي الحديث استحباب جمع ثيابها عليها وشدها بحيث لا تنكشف في تقلبها وتكرار اضطرابها واتفق العلماء أنها لا ترجم إلَّا قاعدة أما الرجم فجمهورهم على أنه يرجم قائمًا وقال مالك قاعدًا وقال غيره يتخير الإمام بينهما. قوله: (ثم أَمَرَ بهَا) يحتمل أن يكون بالبناء للمفعول وسكت عن ذكر الفاعل للعلم به وكذا رأيته في أصل مصحح من الأذكار ويحتمل أن يكون بالبناء للفاعل وضمير الفاعل يعود للنبي - صلى الله عليه وسلم - كذا رأيته في أصل معتمد من تيسير الأصل للديبع قال المصنف فيه دلالة المذهب الشافعي ومالك وموافقيهما إنه لا يلزم الإمام حضور الرجم وكذا لو ثبت بشهود لم يلزمهم الحضور وقال أبو حنيفة وأحمد يحضر الإمام وكذا الشهود إن ثبت ببينة ويبدأ الإمام بالرجم إذا ثبت بالإقرار ويبدأ الشهود إن ثبت بالبينة وحجة غيرهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحضر أحدًا ممن رجم اهـ. قوله: (ثمّ صلَّى عَلَيْهَا) هذه الرواية صريحة في أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى عليها وتتمته عند مسلم وغيره ممن ذكر فقال عمرًا تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت فقال - صلى الله عليه وسلم - لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله عزَّ وجلَّ وفي رواية لمسلم ثم أمر بها فصلى عليها بالبناء للمفعول عند الطّبري وبالبناء للفاعل عند جماهير رواة مسلم قاله القاضي عياض قال وفي رواية ابن أبي شيبة وأبي داود ثم أمرهم أن يصلوا عليها واختلف العلماء في الصلاة على المرجوم فكرهها مالك وأحمد للإمام وأهل الفضل دون باقي النّاس قالا ولا يصلي عليه الإمام وأهل

باب ما يقول من به صداع أو حمى أو غيرهما من الأوجاع

باب ما يقول من به صداع أو حمى أو غيرهما من الأوجاع روينا في كتاب ابن السني عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعلِّمهم من الأوجاع كلها، ومن الحمى أن يقول: "بِسْم اللهِ الكَبِيرِ، نَعُوذُ بالله العَظِيمِ منْ شَرِّ عِرْقٍ نَعّارٍ ومِنْ شَرِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الفضل وقال الشافعي وآخرون يصلي عليه الإمام وأهل الفضل وغيرهم فالخلاف في الإمام وأهل الفضل أما غيرهم فاتفقوا على أنهم يصلون وبه قال جماهير العلماء قال فيصلى على الفساق المقتولين في المحاربة وغيرها واحتج الجمهور بهذا الحديث وفيه دلالة للشافعي في استحباب صلاة الإمام وأهل الفضل على المرجوم كما يصلي عليه غيرهم وأجاب عنه أصحابه بضعف رواية الصلاة لكون أكثر لم يذكرها أو يتأول صلى عليها أمر بالصلاة أو دعا فسمي صلاة على مقتضاها في اللغة وهذان الجوابان فاسدان أما الأول فإن هذه الزيادة ثابتة في الصحيح وزيادة الثقة مقبولة وأما الثاني فهذا التأويل مردود لأن التأويل إنما يصار إليه إذا اضطرت الأدلة الشرعية إلى ارتكابه وليس هنا شيء من ذلك فوجب حمله على ظاهره والله أعلم. كذا في شرح مسلم للمصنف ثم حديث الباب إنما هو في الوصية بمن قرب موته لوجود سببه أما الوصية بالصبر على المريض فبالقياس الأولوي لأنه إذا أمر بالإحسان إلى من جنى لتوبته فغير الجاني أولى والله أعلم. باب ما يقول من به صداع أو حمى أو غيرهما من الأوجاع قوله: (وَرَوَيْنَا في كِتَاب ابْنِ السني الخ) قال في الحصين والسلاح رواه الحاكم زاد في الحصين وابن أبي شيبة قال الحافظ أخرجه أحمد وابن أبي شيبة قال السيوطي في الجامع الصغير وأخرجه أحمد في مسنده قال الحافظ ويتعجب من الشيخ في اقتصاره في نسبته إلى ابن السني انتهى. قوله: (الْكَبيرِ) أي العالي الشأن. قوله: (العَظِيم) أي العظيم الحجة والبرهان هو في الأذكار نعوذ بالنون وكذا في السلاح وفي الحصين والجامع الصغير أعوذ بالألف قال في الحرز رواية الحاكم نعوذ أي بالنون قلت وكذا رواية ابن السني وعلى رواية الحاكم اقتصر صاحب السلاح كما اقتصر المصنف على رواية ابن السني قال في الحرز وأعوذ رواية ابن أبي شيبة قلت ولعلها رواية أحمد أو الترمذي وإلا فالسيوطي أورده بالألف ولم يرمز في مخرجيه لابن أبي شيبة والله أعلم. قوله: (نعار) هو بفتح النون وتشديد العين

باب جواز قول المريض أنا شديد الوجع أو موعوك، أو أرى إساءة ونحو ذلك، وبيان أنه لا كراهة في ذلك إذا لم يكن شيء من ذلك على سبيل التسخط وإظهار الجزع

حَرِّ النارِ". وينبغي أن يقرأ على نفسه الفاتحة، وقل هو الله أحد، والمعوِّذتين وينفث في يديه كما سبق بيانه وأن يدعو بدعاء الكرب الذي قدمناه. باب جواز قول المريض أنا شديد الوجع أو موعوك، أو أرى إساءةً ونحو ذلك، وبيان أنه لا كراهة في ذلك إذا لم يكن شيء من ذلك على سبيل التسخط وإظهار الجزع وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ـــــــــــــــــــــــــــــ وبالراء المهملتين صفة عرف قال في السلاح قال الصغاني في العباب نعر العرق ينعر فيهما بالفتح أي فار بالدم فهو عرف نعار ونعور وقال الفراء ينعر بالكسر أكثر اهـ. وقال ابن الجزري جرح نعار إذا صوت ومد عند خروجه وفي المستصفى لابن معين القريظي يروى يعار بالتحتية واليعار السيل والذي يصيح مأخوذ من يعار الغنم وهو أصواتها وفي ضياء العلوم نعرت الشجة إذا انفتحت بالدم وقيل بالغين المعجمة واليعار بالتحتية صوت المعز اهـ. قوله: (حرِّ النَّارِ) أي نار كانت قيل ولا يبعد أن يراد نار كل عرق نعار. باب جواز قول المريض أنا شديد الوجع أو موعوك أي محموم أو وارأساه أو نحو ذلك أي من سائر الأسقام التي يحصل منها الآلام قال الرازي في كتاب أحكام القرآن مما يدل على الجواز قول الله تعالى حكاية عن موسى - عليه السلام - {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف: 62] فدل على أن إظهار مثل هذا القول عندما يلحق الإنسان من نصب أو مشقة في سعي ليس شكاية مكروهة اهـ. قوله: (وبيان أَنه لَا كَرَاهةَ في ذَلِكَ) أي ما لم يكثر منه إلَّا في الروضة للمصنف يكره للمريض كثرة الشكوى أي ما لم يكثر منه ونقل في شرح الروض مثله عن المجموع وقال فلو سأله طبيب أو قريب له أو صديق أو نحوه عن حاله فأخبره بالشدة التي هو فيها لا على صورة الجزع فلا بأس وفي المجموع الصواب إنه لا يكره الأنين إن صرح بكراهته جماعة لأنه لم يثبت نهي مقصود بل في البخاري أنّ عائشة قالت وارأساه الحديث ولكن الإشغال بالتسبيح أولى منه فهو بخلاف الأولى ولعله مرادهم انتهى. قوله (وَرَوَيْنَا في صحِيحَي الْبُخَارِي وَمُسْلمٍ الخ) قال الحافظ أخرج الحديث أحمد والشيخان من

قال: دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يوعك، فمسسته فقلت: إنك لتوعك وعكًا شديدًا، قال: "أجَلْ كما يُوعَكُ رَجُلانِ مِنْكُمْ". وروينا في "صحيحيهما" عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: جاءني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعودني من وجع ـــــــــــــــــــــــــــــ طرق ثم بينها قال في المرقاة ورواه النسائي. قوله: (يَوعَكَ) بضم الياء التحتية وفتح العين المهملة بالبناء للمجهول والوعك حرارة الحمى وألمها وقد وعكه المرض وعكًا ووعكه فهو موعوك أي اشتد به. قوله: (فَمَسِسْتهُ) في الصحاح مسست الشيء بالكسر أمسه هي اللغة الفصحى وحكى أبو عبيدة مسست بالفتح أمسه بالضم. قوله: (وَعْكًا) هو بسكون العين. قوله: (لأوعَكُ) بالبناء للمفعول أي لياخذني الوعك. قوله: (كَمَا يوعَكُ رَجُلان مِنْكُمْ) وتتمة الحديث فقلت ذلك لأن لك أجرين فقال أجل ثم قال ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلَّا حط الله سيئاته وفي رواية الحافظ إلَّا حط الله خطاياه عنه كما يحط عن الشجرة ورقها وسكت المصنف عن هذه التتمة لعدم تعلقها بغرض الباب وذكرتها لما فيها من التبشير بعظيم الثواب، ثم هل الثواب على المصيبة نفسها وإن قارنها جزع فيأثم على الجزع ويثاب عليها لاختلاف الجهة أو على الصبر عليها الصواب الثاني كما تقدمت الإشارة إلى ذلك والأول بعيد من نصوص الكتاب والسنة الدالة على أن الجزع الذي من التبرع بالقضاء يمنع الثواب وأخرج ابن سعد في الطبقات والبخاري في الأدب وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبي سعيد قال دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو محموم فوضعت يدي فوق القطيفة فوجدت حرارة الحمى فوق القطيفة فقلت ما أشد حماك يا رسول الله قال إنا كذلك معشر الأنبياء يضاعف علينا الوجع ليضاعف لنا الأجر قلت أي النّاس أشد بلاء قال الأنبياء ثم الصالحون وإن كان الرجل وفي رواية النبي ليبتلى بالفقر ما يجد إلّا العباء فيجرها فيلبسها وإن كان أحدهم ليبتلى بالقمل حتى يقتله القمل وكان ذلك أحب إليهم من العطاء إليكم أورده القارئ في المرقاة. قوله: (وَرَوَيْنَا في صَحِيحَيْهِمَا) قال الحافظ أخرجه أحمد وله في الصحيحين طرق بألفاظ مختلفة يزيد بعض الرواة على بعض وكذا رواه الأربعة. قوله: (جاءَنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَعودُني الخ) أي في عام حجة الوداع كما في مسلم وغيره وفيه استحباب عيادة المريض وإنها مستحبة للإمام كاستحبابها للآحاد وقوله: (مِنْ وجَع)

اشتد بي، فقلت: بلغ بي ما ترى، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنتي ... وذكر الحديث. وروينا في "صحيح البخاري" عن القاسم بن محمد، قال: قالت عائشة رضي الله ـــــــــــــــــــــــــــــ قال إبراهيم الحربي الوجع اسم لكل مرض وقوله: (اشَتَدَّ بِي) في رواية لمسلم أشفيت منه على المَوت أي قاربته وأشرفت عليه يقال أشفي عليه وأشاف قاله الهروي وقال ابن قتيبة لا يقال أشفي إلّا في الشر وفي الحديث جواز ذكر المريض ما يجده لغرض صحيح من مداواة أو دعاء صالح أو وصية أو استفتاء عن حاله ونحو ذلك وإنما يكره من ذلك ما كان على وجه السخط ونحوه فإنه قادح في أجر مرضه قاله المصنف في شرح مسلم ومثل السخط في الكراهة ما إذا كثر منه كما تقدم عن الروضة وإن افترقا في قدح السخط في الأجر دون الإكثار. قوله: (ذُو مالٍ) فيه دليل على إباحة جمع المال لأن هذه الصيغة لا تستعمل في العرف إلَّا في المال الكثير. قوله: (لا يرثُني إلا ابنة لي) أي لا يرثني من الأولاد وإلا فقد كان له عصبة وقيل معناه لا يرثني من أصحاب الفروض إلّا ابنة لي. قوله: (وَرَوَينَا في صَحِيحِ الْبُخَارِي الخ) قال الحافظ حذف الشيخ منه بعد قولها وارأساه فقال - صلى الله عليه وسلم - ذاك لو كان وأنا حي فاستغفر لك وأدعو لك الحديث فقالت عائشة واثكلياه والله لأظنك تحب موتي ولو كان ذلك لظللت آخر يومك معرسًا ببعض أزواجك فقال - صلى الله عليه وسلم - بل أنا وارأساه الحديث وقول الشيخ إن الحديث بهذا اللفظ مرسل يريد أن القاسم بن محمد ساق قصة ما أدركها ولا قال إن عائشة أخبرته بها لكن اعتمد البخاري على شهرة القاسم لصحبة عمته وكثرة روايته عنها وهي التي. تولت تربيته بعد موت أبيه حتى ماتت وقد قال ابن عبد البر العبرة باللقاء والمجالسة لا بالألفاظ يعني في الاتصال وهذا الحديث مشهور عن عائشة من طريق آخر أخرجه أحمد والنسائي في الكبرى عنها قالت دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اليوم الذي بدئ فيه يعني بالوجع فقلت وارأساه فقال وددت لو كان ذاك وأنا حي فهيأتك ودفنتك فقلت كذا كأني بك في ذلك اليوم عروسًا ببعض نسائك فقال أنا وارأساه ادعي لي أباك وأخاك وأخرجه مسلم مقتصرًا منه على قوله ادعي لي أباك وأخاك إلى آخر الحديث ولم يذكر ما قبله وكذا أخرجه أبو يعلى وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة من طريق أخرى عن عائشة قالت رجع إلي النبي - صلى الله عليه وسلم - من

باب كراهية تمني الموت لضر نزل بالإنسان وجوازه إذا خاف فتنة في دينه

عنها: وارأساه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بَلْ أنا وارَأساهُ ... " وذكر الحديث بهذا اللفظ مرسل. باب كراهية تمني الموت لضر نزل بالإنسان وجوازه إذا خاف فتنة في دينه روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أنس رضي الله عنه، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ـــــــــــــــــــــــــــــ البقيع وأنا أجد صداعًا في رأسي وأنا أقول وارأساه فقال بل أنا وارأساه فقال ما ضرك لو من قبلي فذكر الحديث قلت هو قوله فغسلتك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك قال الدميري في الديباجة رواه أحمد وابن حبان والدارمي والدارقطني والبيهقي كلهم بإسناد فيه محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عيينة والأكثرون أن حديثه حسن إذا قال حدثني وإذا عنعن لا يحتج به لكن مال ابن الجوزي إلى صحته وكان هذا الخروج إلى البقيع آخر يوم من صفر آخر أو أول يوم من ربيع اهـ. قوله: (بَل أَنَا وَارَأْسَاهُ) اضراب أي دعي ما تجدينه من وجع رأسك واشتغلي بي فإنك لا تموتين في هذا المرض وتعيشين بعدي. قوله: (وَارَأْسَاهُ) فيه رد لقول جمع من أئمتنا بكراهة تأوه المريض نعم إن أرادوا إنه خلاف الأولى اتجه لأنه لا يدل على ضعف اليقين ويشعر بالسخط ويورث شماتة الأعداء ولا بأس اتفاقًا بإخبار صديق وطبيب إذ لا نظر لعمل اللسان فكم من ساكت ساخط وشاك راضٍ. باب كراهة تمني الموت لضر ينزل بالإنسان وجوازه أي إباحته (إِذَا خَافَ فِتْنَةً في دِيِنِهِ) قال بعضهم لا يتمنى الموت إلا ثلاثة رجل جاهل بما بعد الموت ورجل لا يصبر على المصائب فهو هارب من قضاء الله ورجل أحب لقاء الله تعالى. قوله: (رَوَيْنَا في صَحِيحي الْبُخَارِي وَمُسْلمٍ الخ) أخرجاه وأحمد بهذا اللفظ وأخرج الحافظ من طريق أخرى عن شعبة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس فذكر مثله وقال أخرجه أبو عوانة في صحيحه وأخرجه الحافظ من طريق أبي نعيم إلى إسماعيل بن إبراهيم ثنا عبد العزيز بن صهيب لكن قال متمنيًا بدل قوله فاعلًا أخرجه مسلم وأخرجه أبو داود والترمذي

"لا يَتَمَنَّيَنَّ أحَدُكُمُ المَوْتَ مِنْ ضُرٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وابن ماجة من طريق عبد الوارث بن سعيد عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بلفظ لا يدعون أحدكم بالموت لضر نزل به في الدنيا قلت ورواه ابن السني أيضًا قال الحافظ وأصل النهي عن تمني الموت مطلقًا ورد في عدة أحاديث في الصحيحين عن خباب بمعجمة وبموحدتين الأولى ثقيلة، لولا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به وفي بعض طرقه إنه كان ابتلي في جسده وفي البخاري من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لا يتمنين أحد الموت إما محسنًا فلعله يزداد وإما مسيئًا فلعله يستعتب عن مسلم من وجه آخر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يتمنين أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه إنه إذا مات انقطع عمله ولا يزيد المؤمن عمره إلَّا خيرًا وعند البزار من حديث جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لا تمنوا الموت فإن هول المطلع شديد وإن من السعادة أن يطول عمر العبد حتى يرزقه الله الإنابة وورد الدعاء المذكور مجردًا عن التمني في حديث عمار أخرجه النسائي عن قيس بن عباد بضم المهملة وتخفيف الموحدة قال صلى بنا عمار بن ياسر ثم قال لقد دعوت فيها بما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو به اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا علمت أن الوفاة خير إليّ وأما ما ذكره الشيخ من الاستثناء ففي الموطأ عن عمر لما قفل من الحج قال اللهم ضعفت قوتي وكبرت سنين وكثرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مقصر فما انسلخ الشهر حتى قتل فهذا أصل في جواز تمني الموت كمن خشي نقصًا في دينه اهـ. قلت وقد أخرج الحافظ حديث عمر المذكور من طريق آخر عن سعيد بن المسيب أن عمر لما نفر من مني أناخ بالبطحاء ثم كوم كومة فألقى عليها طرفًا من ردائه ثم استلقى ورفع يديه إلى السماء فقال اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مفرط ولا مضيع فما انسلخ ذو الحجة حتى طعن وقال الحافظ أخرجه ابن سعد في الطبقات ويدل لما قاله المصنف قوله - صلى الله عليه وسلم - وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون. قوله: (مِنْ ضر) هو بضم الضاد المعجمة أي من أجل ضرر مالي أو بدني أصابه فإن تمني الموت لذلك يدل على الجزع من البلاء وعدم الرضا بالقضاء فقد يكون له في ذلك الضرر الدنيوي نفع أخروي من

أصَابَهُ، فإنْ كانَ لَا بُد فاعِلًا فَلْيَقُلْ: اللهُم أحْيِنِي ما كانَتِ الحَيَاةُ خَيرًا لي، وتَوَفني إذا كانَتِ الوَفَاةُ خَيرًا لي". قال العلماء من أصحابنا وغيرهم: هذا إذا تمنى لضرٍّ ونحوه، فإن تمنَّى الموت خوفًا على دينِه، لفساد الزمان ونحو ذلك، لم يكره. ـــــــــــــــــــــــــــــ غفر السيئات وإعلاء الدرجات وقد يكون له في المرض نفع من جهة إنه يمتنع به من العصيان. قوله: (لَا بُدَّ) أي البتة ولا محالة ولا فراق. قوله (فاعلًا) أي لتمني الممات. قوله: (فَلْيقُلِ الخ) فلا يتمناه مطلقًا بل يقيده تسليمًا وتفويضًا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي بأن يغلب فيها الطاعة على العصيان والحضور على الغفلة وتوفني أي امتني إذا كانت الوفاة خيرًا لي أي من الحياة بأن انعكس الأمر السابق. قوله: (فإِنْ كَانَ خَوفًا عَلَى دِينِهِ الخ) أي بل يندب ونقله المصنف عن الشافعي وعمر بن عبد العزيز وكذا يسن تمني الشهادة في سبيل الله لأنه صح عن عمر وغيره بل صح عن معاذ إنه تمناه في طاعون عمواس قال في المرقاة ومنه يؤخذ ندب تمني الشهادة ولو بنحو طاعون وفي مسلم من طلب الشهادة صادقًا أعطيها ولو لم تصبه اهـ، وروى مسلم وأصحاب السنن الأربعة من حديث سهيل بن حنيف مرفوعًا من سأل الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه قلت وهذا الحديث سيأتي في كتاب الجهاد، وفي الحرز واختلف الصوفية في أنه هل الأفضل طلب الحياة لما ورد طوبى لمن طال عمره وحسن عمله ولرجاء أن يتوب الله عليه في آخر عمره ويحسن عمله ويحصل أمله، أو طلب الموت نظرًا إلى الشوق إلى الله تعالى وحصول لقائه لما ورد من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه وخوفًا من التغيير ولحوق المحن والوقوع في الفتن والمختار التفويض والتسليم لما يدل عليه الحديث الشريف اهـ، وفي شرح المنهاج لابن حجر ما ينافي مفهومه في مجرد تمنيه والذي يتجه إنه لا كراهة لأن عليها إنه مع الضر يشعر بالتبرم بالقضاء بخلافه مع عدمه لأنه حينئذٍ دليل على الرضا لأن من شأن النفوس النفرة عن الموت فتمنيه لا لضر دليل على محبته الآخرة بل أحب لقاء الله فيدل على تمنيه محبة للقاء الله كهو ببلد شريف بل أولى اهـ. وقد يعارض ما استدل به للاستحباب حديث أبي هريرة مرفوعًا لا يتمنى أحدكم الموت إما محسنًا فلعله يزداد وإما مسيئًا فلعله يستعتب فلذا كان الراجح إن التفويض والتسليم أسلم.

باب استحباب دعاء الإنسان بأن يكون موته في البلد الشريف

باب استحباب دعاء الإنسان بأن يكون موته في البلد الشريف روينا في "صحيح البخاري" عن أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنها، قالت: قال عمر رضي الله عنه: اللهُم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: أنى يكون هذا؟ قال: يأتيني الله به إذا شاء. باب استحباب تطييب نفس المريض ـــــــــــــــــــــــــــــ باب استحباب دعاء الناس في البلد الشريف وأشرف الأماكن كبلدان المساجد الثلاثة وأشرفها مكة ثم المدينة ثم بيت المقدس قال بعضهم وينبغي أن يلحق بها محال الصالحين وبحث بعضهم إن الدفن بالمدينة أفضل منه بمكة لعظم ما جاء فيه بها وكلام الأئمة يرده قوله: (رَوَيْنَا الخ) قال الحافظ أخرجه البخاري تعليقًا فقال قال يزيد بن زريع فذكره ووصله آخر عن يزيد بن أسلم عن أبيه عن حفصة اهـ، وفي الحرز ورواه أبو زرعة في كتاب العلل. تنبيه ما جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - من قوله الحقني بالرفيق الأعلى ليس تمنيًا للموت غايته إنه يستلزم كذلك والمنهي ما يكون هو المقصود لذاته أو النهي هو المقيد وهو ما يكون من مرض أصابه وهذا ليس منه بل للإشتياق إليهم لا يقال قوله الحقني تمن للموت لأنا نقول قوله - صلى الله عليه وسلم - بعد علمه إنه ميت في يومه ورؤية الملائكة المبشرة له عن ربه بالسرور الكامل ولذا قال لفاطمة لا كرب على أبيك بعد اليوم فكانت نفسه مفرغة للحاق بكرامة الله وسعادة الأبد فكان ذلك خيرًا له من كونه في الدنيا وكذا أمر أمته حيث قال فليقل اللهم توفني ما كانت الوفاة خيرًا لي قاله الكرماني في شرح البخاري. قوله: (قَال يأتيِني الله بِهِ إِذَا شاءَ) أي وقد فعل الله به قتله أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة كافر مجوسي وكان عبدًا روميًّا وقيل كان أصبهانيًّا أزرق العين مسترخي الجفن جريئًا فأدركت عمر الشهادة والوفاة بالمدينة النبوية فأعطي مراده وكانت دعوته مستجابة رضي الله عنه قال مالك لا أرى عمر دعى ما دعا به، من الشهادة إلَّا خاف التحول من الفتن نقله القرطبي في التذكرة. باب استحباب تطييب نفس المريض أي بالتنفيس له في أجله ليكون ما في الباب من الحديث على طبق الترجمة

روينا في كتاب الترمذي، وابن ماجه بإسناد ضعيف، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذَا دَخَلْتُمْ على مَريض فَنَفِّسُوا لَهُ في أجَلِهِ، فإنَّ ذلكَ لا يَرُدُّ شيئًا ويُطَيِّبُ نَفسَهُ". ويغني عنه حديث ابن عباس السابق ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (وَرَوَيْنَا في كتَابِ ابْنِ السني وابْنِ مَاجَة) قال الحافظ وكذا أخرجه ابن عدي في الكامل وقال روى عقبة بن خالد عن موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي أحاديث مناكير هذا منها كذا قال وقاله أبو حاتم الرازي الجناية فيها من موسى بن محمد ولا ذنب لعقبة فيها قلت وعقبة من رجال الصحيح وموسى ضعفوه ولم أجد فيه لأحد توثيقًا ولحديث الباب شاهد أشد ضعفًا منه من حديث جابر يأتي في طلب العواد الدعاء من المريض اهـ. كلام الحافظ قلت ولفظ حديث جابر المشار إذا دخل أحدكم على مريض فليصافحه وليضع يده على جبهته ويسأله كيف هو ولينفس له في أجله وليسأله أن يدعو له فإن دعاءه كدعاء الملائكة رواه البيهقي من جملة حديث فيه آداب العيادة وفي سنده من نسبة أبو حاتم إلى وضع الحديث اهـ، وقال السيوطي في الجامع الكبير رواه البيهقي في الشعب وضعفه عن أبي سعيد اهـ. قوله: (فنَفِّسُوا لهُ في أجلِهِ) أي أذهبوا حزنه فيما يتعلق بأجله بأن تقولوا لا بأس طهور أو يطول الله عمرك أو يشفيك أو يعافيك أو وسعوا له في أجله فينفس عنه الكرب والتنفيس التفريج ويؤيد الأول قول المصنف الآتي ويغني عنه حديث ابن عباس السابق الخ، وقال الطيبي أي طمعوه في طول عمره واللام للتأكيد. قوله: (في أجلِهِ) متعلق بنفسوا مضمنًا معنى التضمين أي طمعوه في طول أجله نقله العلقمي عن الحافظ السيوطي. قوله: (ذَلِكَ) أي تنفيسكم له. قوله: (لَا يُردُّ شَيئًا) أي من القضاء والقدر قال الطيبي أي لا بأس عليك بتنفيسك له. قوله: (ويُطيِّبُ نَفْسهُ) هو بتشديد الياء التحتية وفي نسخة من المشكاة يطيب ما بنفسه أي فيخف ما يجده من الكرب والباء على تلك النسخة للظرفية ويحتمل أن يكون للتعدية وفاعل يطيب ضمير راجع إلى اسم إن ويساعد الأول رواية المصابيح ويطيب نفسه قيل لهارون الرشيد وهو عليل هون عليك وطيب نفسك فإن الصحة لا تمنع من الفناء والعلة لا تمنع من البقاء فقال والله لقد طيبت نفسي وروحت قلبي وفي الإفادة لابن حجر الهيتمي ومن سنن العيادة

باب الثناء على المريض بمحاسن أعمال ونحوها إذا رأى منه خوفه ليذهب خوفه ويحسن الظن ويحسن ظنه بربه سبحانه وتعالى

في باب ما يقال للمريض: "لا بأسَ طَهُورٌ إنْ شاءَ اللهُ". باب الثناء على المريض بمحاسن أعمال ونحوها إذا رأى منه خوفه ليذهب خوفه ويحسن الظن ويحسن ظنه بربه سبحانه وتعالى ـــــــــــــــــــــــــــــ أن ينفس له في أجله أي يطمعه في العافية وطول الحياة ويتفه أمر ذلك المرض عنده لأمره - صلى الله عليه وسلم - بالتنفيس وفي إدخال السرور على قلب المسلم من الثواب ما لا يخفى ومن التأثير العجيب لإشفائه ما لا يخفى عظيم وقعه وسرعة نفعه لأن الحرارة الغريزية تقوى بذلك فيقوى القلب والأعضاء الباطنة فتساعده الطبيعة على دفع العلة ويتأكد التنفيس ممن يعتقد المريض صلاحه لأن المقصود منه طيب النفس وهي له من مثل ذلك الرجل أسر وأطيب اهـ، وفي شرح المشكاة لم أر لأصحابنا تصريحًا بندب ما في هذا الحديث من التوسع له في أجله بما لا جرم فيه ولا كذب والندب واضح لما تقرر أن فيه دواءً نافعًا للمريض ولا يقال لعلهم تركوا العمل به لغرابة الحديث لما سبق إن الحديث الضعيف يعمل به في الفضائل إجماعًا على أن الغرابة قد تجامع الصحة فلا يلزم من كونه غريبًا كونه ضعيفًا وقد استدرك جماعة من أئمتنا على باقيهم أنهم أهملوا سننًا جاءت في السنة ولم يذكروها، منها الاستياك عند قرب النزع وحديثه في الصحيحين ومنها التطيب لأجل الملائكة جاء فعله عن سلمان ومنها لبس الثياب النظيفة الطاهرة وجاء عن فاطمة وأبي سعيد اهـ. باب الثناء على المريض بمحاسن أعماله ونحوها إذا رؤي منه خوف ليذهب خوفه ويحسن ظنه بربه سبحانه وتعالى قال الأشرف الخوف والرجاء كالجناحين للسائرين إلى الله سبحانه وتعالى لكن في الصحة ينبغي أن يغلب الخوف ليجتهد في الأعمال الصالحة وإذا جاء الموت وانقطع العمل ينبغي الرجاء وحسن الظن بالله تعالى ولأن الوفادة حينئذٍ إلى ملك كريم رؤوف رحيم وما أحسن قول من قال: إذا أمسى فراشي من تراب ... وصرت مجاور الرب الكريم فهنوني أحبائي وقولوا ... لك البشرى قدمت على كريم قال العلماء ويسن لجلساء المريض والمحتضر أن يحدثوه بأحاديث الرجاء ليموت وهو

روينا في "صحيح البخاري" عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين طعن وكأنه يُجزِّعه: يا أمير المؤمنين! ولا كل ذلك، قد صحبتَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأحسنت صحبته، ثم فارقك وهو عنك راض، ثم صحبت المسلمين فأحسنت صحبتهم، ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون ... ـــــــــــــــــــــــــــــ حسن الظن باللهِ سبحانه قوله: (وَرَوَيْنَا في صحِيحِ البخاري) أي من جملة حديث عن ابن عباس أوله قال لما طعن عمر كنت قريبًا منه فمسست بعض جسده فقلت جسد لا تمسه النار أبدًا فنظر إليّ نظرة كنت أرثى له منها فقال وما علمك بذلك فقلت صحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأحسنت صحبته إلى آخر الحديث وتتمته قال أما ما ذكرت من صحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذلك منّ من الله علي به وكذا قال في أبي بكر وأما ما ذكرت من صحبتكم فلو أن لي ما في الأرض لافتديت به من عذاب الله قبل أن أراه أخرجه البخاري تعليقًا ووصله في موضع آخر بمعناه وأخرج ابن سعد من وجه صحيح عن ابن عباس قال لمن طعن عمر أثنيت عليه فقال بأي شيء تثني عليّ بالإمرة أو بغيرها قلت بكل قال ليتني أخرج منها كفافا لا أجرا ولا وزرًا ولهذا الكلام الأخير شاهد من كلام ابن عمر عن عمر أخرجه البخاري كذا ذكره الحافظ. قوله: (يُجزّعه) أي يزيل عنه الجزع وهو بضم المثناة التحتية وتشديد الزاي ورواه الجرجاني فكأنه جزع وهذا يرجع إلى حال عمر وبه يصح المعنى. قوله: (ولا كل ذَلِكَ) هذا ما في الأذكار وعزاه الكرماني بهذا اللفظ إلى رواية غير البخاري وقال معناه لا يتابع ما أنت فيه الجزع ورواية البخاري التي شرح عليها الكرماني بلا كل ذلك قال هذا دعاء أي لا يكون ما يخاف منه من العذاب أو نحوه ولا يكون الموت بهذه الطعنة وفي بعض روايات البخاري ليس كل ذلك. قوله: (ثُمَّ صَحِبْتَ المسلمينَ) كذا في الأذكار ومثله في الأمالي للحافظ وعزاه لرواية البخاريِ لكن الذي رأيت في البخاري ثم صحبتهم وفي نسخة ثم صحبت صحبتهم فأحسنت صحبتهم قال الزركشي والثانية للمروزي والجرجاني والأولى عند غيرهما وصحبتهم بفتح الصاد والحاء يعني أصحاب النبي

وذكر تمام الحديث. وقال عمر رضي الله عنه: ذلك من مَنِّ الله تعالى. روينا في "صحيح مسلم" عن ابن شماسة -بضم الشين وفتحها- قال: حضرنا عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو في سياقة الموت، فبكى طويلًا، وحول وجهه إلى الجدار فجعل ابنه يقول: يا أبتاه، أما بشَّرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا؟ أما بشرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا؟ فأقبل بوجهه فقال: إن أفضل ما نعدُّ: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول ـــــــــــــــــــــــــــــ - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر أو تكون صحبتهم زائدة والوجه ثم صحبتهم وهي رواية المروزي والجرجاني قاله عياض. قوله: (ذَلِكَ) أي حسن صحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - ورضاه وحسن صحبة الصديق والمسلمين منّ من الله أي منة الله أي نعمته الجسيمة وعطيته الفخيمة قال عمر كما في البخاري وأما ما ترى من جزعي فإنما هو لأجلك وأجل أصحابك والله لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من عذاب الله عز وخل قبل أن أراه قال الكرماني أي إن جزعه لما شعر من فتن تقع بعده في أصحابه وقوله طلاع بكسر الطاء المهملة وتخفيف اللام المملوء اهـ. قوله: (رَويَنَا في صَحِيح مُسلم) قال الحافظ بعد تخريج الحديث بطوله هذا حديث أخرجه أحمد وابن سعد وابن خزيمة قال الحافظ ورويناه في كتاب الزهد لعبد الله بن المبارك بالسند الذي في مسلم وسمي ابن شماسة عبد الرحمن وسمي ابن عمرو عبد الله وساق المتن بنحوه وأخرج ابن سعد بسند قوي في رواية أبي حرب بن أبي الأسود أن عبد الله بن عمرو حديثه إن أباه أوصاه فذكر وصية فيها فإذا أنت حملتني على السرير فامشِ بي مشيا بين المشيين وإذا أنت وضعتني في القبر فسن علي التراب سنًّا ثم قال اللهم أمرتنا فتركنا ونهيتنا فركبنا اللهم لا بريء فاعتذر ولا عزيز فانتصر ولكن لا إله إلَّا أنت فما زال يقولها حتى مات رحمه الله اهـ. ملخصًا. قوله: (سيَاق الموتِ) بكسر السين ويقال بحذف الياء كذا أورده في حديث عمر وأصله سواق قلبت واوه ياء لكسر السين قبلها قال في النهاية والسوق والسياق مصدران من ساق يسوق والمراد منه النزع لأن روحه تساق لتخرج من بدنه. قوله: (فجعَلَ ابْنُهُ) هو عبد الله. قوله: (نعدُّ) بضم النون وكسر العين هذا هو الصواب قال في كشف المشكل وبعضهم يقرأه بالمثناة الفوقية المفتوحة والصواب إنه بالنون وكسر

الله ... ثم ذكر تمام الحديث. وروينا في "صحيح البخاري" عن القاسم بن محمد بن أبي بكر رضي الله عنهم، أن عائشة رضي الله عنها اشتكت، فجاء ابن عباس رضي الله عنهما، فقال: يا أمَّ المؤمنين! تقدَمين على فرطِ صدقِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ـــــــــــــــــــــــــــــ العين اهـ. قوله: (رَوَيْنَا في صَحِيح الْبُخَاريِّ عَنْ الْقَاسم بنْ محمد) قال الحافظ رواه البخاري في المناقب. قوله: (فَرْطِ صدقٍ) في النهاية حديث أنا فرطكم على الحوض أي متقدمكم إليه يقال فرط يفرط فهو فارط إذا تقدم وسبق القوم ليرتاد لهم الماء ويهيئ لهم الدلاء والأرشية وأضاف الفرط المراد به النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر رضي الله عنه إلى صدق وصفا لهما ومدحًا اهـ. قوله: (رَسُولِ الله) بالجر عطف بيان لفرط أو بدل منه ويجوز رفعه ونصبه على القطع. قوله: (وَرَوَاهُ الْبُخَارِي) أيضًا من رواية ابن أبي مليكة رواه هكذا في تفسير سورة النور عن محمد بن المثنى عن يحيى القطان عن عمرو عن سعيد بن أبي حسين عن ابن أبي مليكة إن ابن عباس فذكره وأخرجه ابن سعد في الطبقات عن عمرو بن سعيد عنه وحذف الشيخ منه ودخل ابن الخ. وزاد في آخره ولم أكن أحب أن أسمع اليوم أحدًا يثني علي قاله الحافظ ثم أخرج الحافظ الحديث عن عبد الله بن عثمان بن جثيم بضم المعجمة وفتح المثلثة وسكون التحتية وفي حديثه زيادة ذكوان في السند بين أبي مليكة وبين ابن عباس وزيادة في المتن قال الحافظ عن ابن أبي مليكة عن ذكوان مولى عائشة إنه استأذن لابن عباس على عائشة وهي تموت وعندها ابن أختها عبد الله بن عبد الرحمن فقال هذا ابن عباس يستأذن عليك وهو من حب نبيك فقالت دعني من ابن عباس ومن تزكيته فقال لها إنه قارئ لكتاب الله فقيه في دين الله فأذني له فليسلم عليك وليودعك قالت فأذن له إن شئت فأذن له فدخل ثم سلم وجلس فقال بشرى لك يا أم المؤمنين فوالله ما بينك وبين تلقي الأحبة محمدًا وحزبه إلَّا أن تفارق روحك جسدك قالت وأيضًا فقال كنت أحب أزواج رسول الله إليه ولم يكن يحب إلّا طيبًا وأنزل الله عزّ وجّل براءتك من فوق سبع سموات فليس في الأرض مسجد إلّا وهو يتلى فيه وسقطت قلادتك فاحتبس النبي - صلى الله عليه وسلم - على ابتغائها أو قال على طلبها حتى أصبح القوم على غير ماء فأنزل الله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]، الآية وكان ذلك رخصة للناس عامة في سببك والله إنك لمباركة

باب ما جاء في تشهية المريض

وأبي بكر رضي الله عنه. ورواه البخاري أيضًا من رواية ابن أبي مليكة، أن ابن عباس استأذن على عائشة قبل موتها وهي مغلوبة، قالت: أخشى أن يثنَى عليَّ، فقيل: ابن عمِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من وجوه المسلمين، قالت: ائذنوا له، قال: كيف تجدينَكِ، قالت: بخير إن اتقيتُ، قال: فأنت بخير إن شاء الله: زوجةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم ينكح بكرًا غيرك ونزل عذرك من السماء. باب ما جاء في تشهية المريض روينا في كتابي ابن ماجه وابن السني بإسناد ضعيف، عن أنس رضي الله عنه، ـــــــــــــــــــــــــــــ فقالت دعني يا ابن عباس من هذا فوالله لوددت أني كنت نسيًا منسيًّا وأخرجه أحمد وابن سعد أيضًا من حديث أبي جثيم وهو صدوق في حفظه سيئ وعمر بن سعيد أي راوي الطريق الأخرى أثبت منه ولعل ابن أبي مليكة حضر القصة وثبته فيها ذكوان فحدث بما حفظ عنها بغير واسطة فحمله عنه عمرو بن سعيد انتهى كلام الحافظ. قوله: (ابْن أبِي مُلَيْكَةَ) هو بضم الميم وفتح اللام وإسكان التحتية بعدها كاف مفتوحة ثم هاء وقد بينت بعض حاله في كتاب فضل زمزم. قوله: (مغلوبَة) أي في حفور الموت. قوله: (يُثْنَى عَليَّ) بضم المثناة التحتية وإسكان المثلثة ثم نون ثم ياء مضارع أثنى أي قال أوصاف الجميل فإنما خشيت من ذلك لئلا يشغل بعض ذلك عما هي فيه من كمال التوجه وحسن الاستعداد للقاء الله عزّ وجّل أو أنها لما عندها من الكمال لم تر لنفسها شيئًا من الفضائل والأعمال. قوله: (ونَزَلَ عذْرُكَ) أي براءتك من السماء أي في القرآن. باب ما جاء في تشهية المريض قوله: (رَوَيْنَا في كِتَابِ ابنِ السُّنيِّ وابنِ مَاجَة) قال الحافظ بعد تخريجه عن الأعمش وقال يحدث عن رجل عن أنس رضي الله عنه قال دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث ثم قال حديث غريب أخرجه ابن السني وابن ماجة وسمي ابن شيخ الأعمش فيه فقال عن يزيد الرقاشي وهو ضعيف وكذا الذي سماه وهو شيخ ابن ماجة واسمه سفيان بن وكيع ضعيف وذكر ابن ماجة قبل حديث أنس حديثًا لابن عباس في المعنى وسنده

قال: "دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - على رجل يعوده، فقال: هَلْ تَشْتَهِي شَيئا؟ تَشْتَهِي كَعْكا؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ أصلح من هذا وعجبت للشيخ كيف أغفله وترجمته تقتضي ذكره عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد رجلًا من الأنصار فقال ما تشتهي قال أشتهي خبز بر فقام رجل فانطلق فجاء بكسرة من خبز بر فأطعمها النبي - صلى الله عليه وسلم - إياه وقال إذا اشتهى مريض أحدكم شيئًا فليطعمه قال الحافظ بعد تخريجه وفي سنده ضعف إذ ابن هبيرة العقيلي لا يتابع عليه (1) ولا يعرف إلَّا به وأخرجه ابن ماجة وللحديث شاهد عن عمر أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب المرض والكفارات لكنه موقوف ولفظه إذا اشتهى مريضكم الشيء فلا تحموه فلعل الله إنما شهاه ذلك ليحصل شفاؤه فيها اهـ. كلام الحافظ. قوله: (فَقَال هَلْ تَشْتَهِي شَيْئا) قال العلقمي في شرح الجامع الصغير قال الموفق عبد اللطيف هذا الحديث فيه حكمة طيبة تشهد بقانون شريف ذكره هي أن المريض إذا تناول ما يشتهيه وإن كان يضر قليلًا كان أنفع وأقل ضررا مما لا يشتهيه وإن كان نافعا ولا سيما إذا كان ما يشتهيه غذاء فإن المشتهى كثيرًا ما يكون فيه الشفاء عنده ولا سيما إن انبعث إليه النفس بصدق شهوة وصحة قوة ولا سيما إن كان غذاءً ملائمًا كالخبز والكعك فكلاهما جاء في الحديث ولا سيما إن كان صناعة الطب لا تنكره فطالما رأيت وسمعت مرضى يشتهون أشياء ينكرها الطبيب فيتناولها المريض فيعقبها الشفاء وما ذاك إلّا لعجز البشر عن علم كل ما في الطبيعة فينبغي للطبيب الكيس أن يجعل شهوة المريض من جملة أدلته على الطبيعة وما يهتدي به إلى طريق علاجها فسبحان المستأثر بعلم الغيب اهـ، ولا ينافي حديث الباب حديث علي رضي الله عنه لما أكل من الدوالي المعلقة من الرطب فنهاه - صلى الله عليه وسلم - كما في الشمائل وغيره لأن حديث الباب وما في معناه محمول على ما إذا اشتدت شهوة المريض ومالت الطبيعة لشيء وتناول منه القليل فلا مضرة حينئذٍ لتلقي المعدة والطبيعة لذلك الشيء بالقبول فصدق الشهوة والمحبة تدفع ضرره وما في حديث علي ليس كذلك لأن عليًّا كان يكثر من أكل تلك الفاكهة والإكثار منها مضر فلذا لم يأمره بالكفاف لما أكل منه يسيرًا ونهاه عن أن يأكل منه كثيرًا

قال: نعم، فطلبه له". وروينا في كتابي الترمذي، وابن ماجه، عن عُقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُكْرِهُوا مَرْضَاكُمْ على الطعَامِ، فإنَّ اللهَ يُطْعِمُهُمْ ويَسْقِيهِمْ". قال الترمذي: حديث حسن. ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه يخاف من كثرته أن يعود عليه المرض بسببه والله أعلم. قوله: (وَرَوَيْنَا في كِتَابِ الترْمِذيِّ الخ) قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث غريب من هذا الوجه وهو حسن لشواهده أخرجه ابن أبي شيبة في مسنده ورواه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم وليس كما قال فإن بكر بن قيس أحد رواته ليس على شرط مسلم عينا ولا مثلًا بل الأكثر على تضعيفه ضعفه البخاري وأبو زرعة الرازي وأبو داود وقال ابن عدي تفرد به وعامة ما يرويه لا يتابع عليه وقال العجلي لا بأس به وبعضهم يضعفه اهـ. قال الحافظ وللمتن شاهد ذكر ما يتيسر منها ثم أخرج من طرق محمد بن العلاء قال بعض الرواة فيه المدني وقال بعض: النبقي بفتح النون والموحدة ثم قاف عن الوليد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب فإن الله يطعمهم ويسقيهم وقال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث غريب من هذا الوجه أخرجه البزار وقال لا يروى عن عبد الرحمن إلَّا بهذا الإسناد وقال الطبراني تفرد به محمد بن العلاء اهـ، وأخرجه الحاكم في الطب من المستدرك من وجه آخر عن إبراهيم بن المنذر عن ابن العلاء بهذا السند وقال صحيح الإسناد ورواته مدنيون وعندنا فيه حديث محمد بن الوليد اليشكري الذي تفرد به عن مالك عن نافع اهـ، وأما قوله رواته مدنيون فيريد من ابن المنذر فصاعدا وأما تصحيحه ففيه نظر فإن الوليد لم يترجم له البخاري ولا ابن أبي حاتم ولا غيرهما ممن صنف في الثقات ولا الضعفاء ولم يجد عنه راويًا إلّا محمد بن العلاء وهو مستور روى عنه جماعة من المدنيين والغرباء ولم أر من أفرد له ترجمة إلَّا الدارقطني في ذيله عن تاريخ البخاري ولم يزد في ترجمته على ما في هذا الحديث لكنه قال محمد بن العلاء بن أبي نبقة ووقع في المعجم الكبير للطبراني في حديث آخر بهذا السند محمد بن العلاء بن الحسين النبقي المطلبي وكذا ذكر أبو الوليد الفرضي الأندلسي في المشتبه وأفاد إلى إنه منسوب إلى ابن أبي نبقة بكسر الموحدة وسكونها قال واسمه عبد الله بن علقمة بن المطلب بن عبد مناف وأما رواية محمد بن الوليد التي

باب طلب العواد الدعاء من المريض

باب طلب العوّاد الدعاء من المريض روينا في سنن ابن ماجه، وكتاب ابن السني بإسناد صحيح أو حسن، عن ـــــــــــــــــــــــــــــ أشار إليها الحاكم فنسبه إلى جده محمد بن عمر بن الوليد اليشكري أخرج حديثه الدارقطني في غرائب مالك والخطيب في الرواة عن مالك وقال تفرد به وكأنه تبع الحاكم وقد ذكر البيهقي في الشعب عقب حديث عقبة بن عامر الذي ذكرته أولًا أن اليشكري وعلي بن قتيبة روياه عن مالك ورواية ابن قتيبة أخرجها الدارقطني أيضًا وابن عدي ولم ينفردا به عن مالك فقد أخرجه الدارقطني أيضًا والعقيلي في الضعفاء من رواية عبد الوهاب بن نافع عن مالك وأخرجه الدارقطني أيضًا من رواية عبد الملك بن بديل ومن رواية عبد الملك بن مهران ومن رواية خراش بن الدحداح بشين وخاء معجمتين ودال وحاءين مهملات قال الدارقطني ثلاثتهم عن مالك قال الدارقطني كل هؤلاء الذين رووا عن مالك ضعفاء وقال ابن عدي هذا باطل عن مالك وكذا أشار إليه الدارقطني في موضع آخر وفي الباب أيضًا عن جابر أخرجه أبو نعيم في الحلية وفي سنده مقال اهـ. حديث حسن وفي المجموع ليس كما قال الترمذي فقد ضعفه البيهقي وغيره اهـ، ويدل عليه قول المصنف هنا في بعض النسخ وفي إسناده بكر الخ، وتقدم في كلام الحافظ الجمع بين تضعيف البيهقي وتحسين الترمذي بأن الأول باعتبار ذاته والثاني باعتبار شواهده. باب طلب العوّاد الدعاء من المريض قوله: (بإسْنَادٍ صَحِيح أَو حسنٍ) قال ميرك بعد ايراده من حديث ابن ماجة ما لفظه رواته ثقات مشهورون إلّا أن ميمون بن مهران لم يسمع من عمر كذا في الديباجة للدميري قلت الذي رأيته فيها لم يدرك عمر قال العلقمي فهو مرسل تابعي من الطبقة الرابعة قال فيه شيخ أصله كوفي نزل الكوفة ثقة فقيه ولي الجيزة لعمر بن عبد العزيز وكان يرسل فيقال فيه مرسل صحيح أو حسن اهـ. (قلت) والإسناد يعبر به عن السند بل هما بمعنى عند بعضهم قال السيوطي في ألفيته في علم الأثر. والسند الإخبار عن طريق ... متن والإسناد لدى فريق لكن قال الحافظ بعد قول الشيخ لكن ميمون الخ. ما لفظه فلا يكون صحيحا ولو اعتضد

باب وعظ المريض بعد عافيته وتذكيره الوفاء بما عاهد الله تعالى عليه من التوبة وغيرها

ميمون بن مهران، عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دَخَلْتَ عَلَى مَرِيضٍ فَمُرْهُ فَلْيَدْعُ لَكَ، فإن دُعاءَهُ كَدُعَاءِ المَلائِكَةِ". لكن ميمون بن مهران لم يدرك عمر. باب وعظ المريض بعد عافيته وتذكيره الوفاء بما عاهد الله تعالى عليه من التوبة وغيرها قال الله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: 34]، وقال تعالى: ـــــــــــــــــــــــــــــ لكان حسنًا لكن لم نجد له شاهدًا يصلح للاعتبار فقد جاء من حديث أنس وأبي امامة وجابر وفي سند كل منها من نسب إلى الكذب ثم في سند ميمون علة خفية تمنع من الحكم بصحته وحسنه وذلك أن ابن ماجة أخرجه عن جعفر بن مسافر وهو شيخ وسط قال فيه أبو حاتم شيخ والنسائي صالح وابن حبان في الثقات إنه يخطئ وشيخه فيه كثير بن هشام ثقة من رجال مسلم وهو يرويه عن جعفر بن برقان وهو من رجال مسلم أيضًا لكنه مختلف فيه الراجح إنه ضعيف في الزهري خاصة وهذا من حديثه عن غير الزهري وهو ميمون وأخرجه ابن السني من طريق الحسن بن عرفة وهو أقوى من جعفر بن مسافر عن كثير بن هشام فأدخل كثير وجعفر بن برقان عيسى بن إبراهيم الهاشمي وهو ضعيف جدًّا نسبوه إلى الوضع فهذه علة قادحة تمنع من الحكم بصحته لو كان متصلا وكذا بحسنه اهـ. قوله: (فمرْهُ فَلْيدْعُ لك) فيه استحباب طلب الدعاء من المريض لأنه مضطر ودعاؤه أسرع إجابة من غيره، ففي السنة أقرب الدعاء إلى الإجابة دعوة المضطر وقال الطيبي لأنه خرج عن الذنوب. قوله: (فإِن دعاءَهُ كدُعَاءِ الملائِكَةِ) قال في المرقاة لأنه أشبههم في التنقي من الذنوب أو في دوام الذكر والدعاء والتضرع واللجأ. قوله: (لَكِنْ مَيْمُون الخ) أي فهو مرسل علمت حاله. باب وعظ المريض بعد عافيته وتذكيره الوفاء بما عاهد الله تعالى من التوبة وغيرها الوعظ النصح والتذكير بالعواقب. قوله: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} أي إذا عاهدتم كل أحد فوفوا بعهده {إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا}

{وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ... } الآية. [البقرة: 177]، والآيات في الباب كثيرة معروفة. وروينا في كتاب ابن السني، عن خوَّات بن جبير رضي الله عنه، قال: مرضت، فعادني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه وقيل يسأل عنه حقيقة توبيخًا لناكثه كسؤال الموؤدة لم قتلت توبيخًا لقاتلها وفي النهر ظاهره إن العهد هو المسؤول من المعاهد أن يفي به ولا يضيعه وقيل هو على حذف مضاف أي ذا العهد كان مسؤولًا إن لم يف به واسم كان مضمر يعود على العهد أو على ذي العهد ومسؤولًا خبر كان وفيه ضمير المفعول أي مسؤولا أي عدم الإيفاء به اهـ. قوله: (والموفونَ بعهدْهِمْ إِذَا عَاهَدُوا) قال الكواشي أي عاهدوا الله أو مما عهد إليهم من أمر الله ونواهيه أو المراد العقود والأمانات التي بين النّاس من ودائع وأسرار وبضائع وقال الربيع بن أنس من أعطي عهد الله ثم نقضه فالله منتقم منه ومن أعطى ذمة الله ورسوله ثم غدر فالنبي خصمه يوم القيامة. قوله: (وَرَوَيْنَا في كِتَاب ابنِ السنِّي الخ) قال الحافظ بعد تخريجه حديث غريب أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب المرض والكَفارات وابن شاهين في كتاب الصحابة وابن قانع كلهم ينتهون إلى محمد بن الحجاج المصغر سكتوا عنه وهي عبارة عنده عن الترك قال ابن عدي والضعف على حديثه بين قال الحافظ وجدت له متابعا في شيخه خوات بن صالح بن جبير عن أبيه عن جده وخوات وأبوه ذكرهما ابن حبان في الثقات والتابع أخرجه الحافظ ابن عبد الله بن إسحاق الهاشمي قال حدثنا خوات بن صالح بن خوات عن أبيه عن جده فذكره قال الحافظ بعد ذكره من طريق موسى بن زكريا شيخ الطبراني فيه مقال لكن لم ينفرد به فقد أخرجه ابن قانع وأخرج السراج في تاريخه حديثًا آخر نسب فيه عبد الله بن إسحاق المذكور فقال عبد الله بن الفضل بن يحيى القطيعي بن العباس بن ربيعة بن الحارث عن عبد المطلب وهكذا نسبه ابن شاهين وابن قانع في روايته لهذا الحديث وذكره العقيلي في كتاب الضعفاء ونسبه كذلك وأورد له الحديث المذكور وقال لا يتابع عليه وكأنه لم يعتد برواية محمد بن الحجاج لشدة ضعفه اهـ. قوله: (عَنْ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرِ) هو الأنصاري يكنى أبا عبد الله وقيل أبو صالح أحد فرسان النبي - صلى الله عليه وسلم - شهد هو وأخوه عبد الله بن جبير بدرَ وقال موسى بن عقبة إنه خرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر فلما بلغ الصغراء أصاب ساقه حجر فرجع فضرب

باب ما يقول من أيس من حياته

"صَحَّ الجِسْمُ يا خَوَّاتُ، قلت: وجسمكَ يا رسول الله، قال: فَفِ اللهَ بمَا وَعَدْتَهُ، قلت: ما وعدتُ اللهَ عزّ وجَل شيئًا، قال: بَلى إنهُ ما مِنْ عَبْدٍ يَمْرَضُ إلَّا أحْدَثَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيرًا فَفِ اللهَ بِمَا وَعَدْتَهُ". باب ما يقول من أيس من حياته روينا في كتابي الترمذي، وسنن ابن ماجه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: رأيت ـــــــــــــــــــــــــــــ له - صلى الله عليه وسلم - بسهمه مع أصحاب بدر قال ابن الأثير روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف وما أسكر كثيره فقليله حرام توفي بالمدينة سنة أربعين قال في التقريب أو بعدها وعمره أربع وتسعون وكان يخضب بالحناء والكتم قال الحافظ ابن حجر في التقريب خرج عنه البخاري في الأدب المفرد ومن لطيف ما يروى له معه - صلى الله عليه وسلم - وذلك ما رواه جمع عنه قال نزلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمر الظهران فخرجت من خبائي فإذا نسوة يتحدثن فرجعت فأخرجت حلة لي من عيبتي فلبستها ثم جلست اليهن وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قبته فقال يا عبد الله ما يجلسك فقلت يا رسول الله جمل لي شرد أبتغي له قيدًا فمضى وتبعته فألقى ردائه ودخل فقفى حاجته وتوضأ ثم جاء فقال ما فعل شراد جملك ثم ارتحل فجعل لا يلحقني في منزل إلّا قال يا عبد الله ما فعل شراد جملك إلى أن قال فقلت والله لاعتذرن إليه فقال لي يومًا فقلت والذي بعثك بالحق ما شرد ذلك الجمل منذ أسلمت. قوله: (صَحً الْجسمُ يا خوّاتُ) الجملة تحتمل أن تكون خبرية ويؤيده قوله قف لله الخ، ويحتمل أن تكون دعائية أي زاد صحة وعافية. قوله: (مَا مِنْ عَبْدٍ) أي مؤمن قال الطيبي إذا مرض العبد المؤمن ثم عوفي تنبه وعلم أن مرضه كان سببًا عن الذنوب الماضية فيندم اهـ. أي ويعزم على ألا يعود لذلك ولا يقدم على ما هنالك. باب ما يقول من أيس من حياته قوله: (رَوَيْنَا في كِتَاب الترْمِذيِّ الخ) قال في المرقاة قال ميرك ورواه النسائي في عمل اليوم والليلة قال الحافظ اللفظ الذي ذكره الشيخ الترمذي لم أره بلفظ عمران في غير الترمذي مع أن الحاكم وقال الحافظ بعد تخريجه الحديث عن ابن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سرجس بفتح المهملة وسكون الراء وكسر الجيم بعدها سين مهملة عن القاسم عن عائشة قالت رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يموت وعنده قدح فيه ماء فيدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول اللهم أعني على سكرات الموت هذا حديث غريب من هذا الوجه بهذا اللفظ وابن سرجس اسمه موسى شيخ مدني مقل لم يذكروا فيه جرحًا ولا تعديلًا وقد خالفه في لفظه عبد الرحمن بن القاسم وهو شيخ موسى فيه فذكره بلفظ مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين حاقنتي وذقني فلا أكره شدة الموت لأحد أبدًا بعد ما رأيت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الحافظ فإن كان حفظه استفيد من روايته بيان الشدة المذكورة في حديث عبد الرحمن، وعبد الرحمن متفق على عفته ودينه وفقهه أخرج حديثه المذكور البخاري من رواية الليث بن سعد عن يزيد وهو ابن عبد الله بن الهاد عن موسى وأخرجه أحمد عن منصور بن سلمة عن الليث عن يزيد بن الهاد وعن هاشم بن القاسم عن الليث عن يزيد بن عبد الله بن أسامة وأسامة هو الهاد فيما قيل وقيل الهاد لقب (شداد) وهو والد عبد الله له صحبة ولابنه عبد الله رؤية فنسب عبد الله لجده كما نسب يزيد لجد أبيه في رواية منصور وأخرجه الترمذي عن قتيبة عن الليث فقال عن ابن الهاد ولم يسمه وخالف الجميع ابن ماجة وخرجه عن أبي بكر بن أبي شيبة بالإسناد المذكور أولًا قال عن يزيد بن أبي حبيب وكأنه نسبه من قبل نفسه لكونه مضريًّا والليث مضري وقد أخرجه ابن أبي شيبة في مسنده ومصنفه كما أخرجه أحمد لم ينسب يزيد وكذا أخرجه ابن سعد في الطبقات وأخرجه الحاكم في تفسير سورة ق عن قتيبة عن الليث عن يزيد بن عبد الله بن الهاد وأخرجه أبو يعلى في مسنده وأبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب المرض والكفارات عن رشدين بكسر المهملة والدال المهملة بينهما شين معجمة ابن سعد وهو مصري عن يزيد بن الهاد قال الحافظ ووجدت لرواية موسى شاهدًا مرسلًا أخرجه ابن سعد من طريق جعفر الصادق عن أبيه أبي جعفر الباقر قال لما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الموت دعا بقدح فيه ماء فجعل يمسح وجهه بيده فذكر مثله وفي رواية أخرى اللهم أعني على الموت وهونه عليّ ووقع ذكر سكرات الموت في حديث آخر لعائشة أخرجه البخاري من طريق ذكوان مولى عائشة عن عائشة قالت من نعمة الله علي أن رسول

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في الموت، وعنده قَدَحٌ فيه ماء، وهو يُدْخِلُ يده في القدح، ثم يمسح وجهه بالماء، ثم يقول: "اللَّهُمَّ أعِنِّي عَلى غَمَرَاتِ المَوْتِ، أو سَكَرَات المَوْتِ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الله - صلى الله عليه وسلم - توفي في بيتي وفي نوبتي وبين سحري ونحري الحديث وفيه وبين ركوة أو علبة فيها ماء فجعل يدخل يده فيمسح بها وجهه ويقول إن للموت سكرات هذا آخر الحديث في البخاري فإن كانت رواية موسى محفوظة احتمل إنه قال ذلك بعد هذا ثم وجدت الحديث من طريق ابن وهب عن الليث عن ابن الهاد وابن وهب أعلم بالليث من غيره اهـ. قوله: (وهُوَ بالموتِ) أي مشغول أو ملتبس به والأحوال بعدها متداخلات. قوله: (يمْسَحُ وجهَهُ لي المَاءِ) قيل فعل ذلك تبريد الحرارة الموت وقيل دفعا للغشيان وكربه وقيل زيادة في وضاءة وجهه عند التوجه إلى ربه. قوله: (غَمَراتِ) هي جمع غمرة قال في المصباح الغمرة الشدة ومنه غمرات الموت لشدته وقال الراغب حالة تعرض بين المرء وقلبه وأكثر ما يستعمل ذلك في الشراب وقد يعتري من الغضب والعشق ولد من حب الدنيا والألم والنعاس والغشي الناشئ عن الألم وقد يحصل من الخوف وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى. قوله: (وسكَراتِ الموتِ) أتى بالمظهر موضع المضمر تفظيعًا وتخويفا والسكرات بفتحات جمع سكرة بفتح فسكون شدة الموت في القاموس سكرة الموت شدته وغشيته وغمرة الشيء شدته ومزدحمه اهـ. قال في الحرز الظاهر أن يراد بإحداهما هنا الشدة وبالأخرى ما يترتب عليها من الدهشة والحيرة الموجبة للغفلة قال القاضي في تفسير قوله تعالى: (وَجاءَت سَكرَةُ المَوت بِالحَقِّ) [ق: 19] أن سكرته شدته الذاهبة بالعقل اهـ. فائدة قال القرطبي في تشديد الموت على الأنبياء فائدتان إحداهما تكميل فضائلهم ورفع درجاتهم وليس ذلك نقصًا ولا عذابًا بل هو كما جاء إن أشد النّاس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل والثانية أن يعرف الخلق مقدار ألم الموت فقد يطلع الإنسان على بعض الموتى ولا يرى عليه حركة ولا قلقا ويرى سهولة خروج روحه فيظن الأمر سهلا ولا يعرف ما الميت فيه فلما ذكر الأنبياء الصادقون شدة الموت مع كرامتهم على الله سبحانه قطع الخلق بشدة الموت الذي يقاسيه الميت مطلقًا لإخبار الصادق عنه ما خلا الشهيد قتيل الكفار على ما ثبت في الحديث اهـ. قال الشعراني في كتاب الأخلاق عن بعضهم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما أحب تخفيف طلوع روحي وأنا أحب التشديد لأنه آخر عمل يثاب عليه المؤمن وما رواه كعب الأحبار من أن يعقوب - عليه السلام - لما جاء البشير قال له يعقوب ما عندي شيء أكافئك به ولكن هون الله عليك سكرات الموت فمحمول على من يخاف عليه السخط إذا شدد عليه اهـ، وقد ألف العارف بالله تعالى الشيخ شمس الدين محمد ابن الشيخ أبي الحسن البكري الصديقي فيما حصل لنبينا - صلى الله عليه وسلم - في هذا المعنى مؤلفًا سماه القول الأجل في حكمة كرب المصطفى عند حلول الأجل وهو الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى هذا ما دعت إليه حاجة السائل عن وجه الحكمة فيما نزل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شدة الكرب في سكرات الموتى حتى قال واكرباه وقال لا إله إلّا الله أن للموت سكرات ويجعل يمسح وجهه بالماء، فأقول لا شك أن مزاجه الشريف النبوي من الاعتدال بالوصف الأعظم والحال الأكرم فلا جرم يكون إحساسه بالآلام أكثر ووجدانه لآثاره أكبر ومن ثم قال إني لأوعك كما يوعك رجلان منكم وإذا اعتدلت كفتا ميزان فحصل في واحدة منهما أيسر شيء ظهر الميل هذا مع ما ينضم إلى ذلك المزاج الشريف من قوة تشبث الحياة الإنسانية به كيف وهو كمادتها الأصلية وقوام حقيقتها العلية فإذا أحست بالترحال عن روضة جسمه المقدسة وخطيرة ذاته المكرمة عز عليها ذلك بما يظهر به مثل ما وقع له - صلى الله عليه وسلم - مع ما ينضم لذلك من أن الله تعالى إذا أجرى مثل ذلك الوصف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ذلك مسلاة لما تنازله أمته من تلك الشدائد ومحسمة لعرق القلق المتزايد فإنه وهو حبيب الله وأعز خلقه عليه جعل رد روحه عليه على هذه الصورة ليسهل على كل أحد حال نفسه في ذلك مع ما ينضم إلى ذلك من أن الله جعله طاويًا لأفذاذ أمته في حقيقته الشريفة بل لأفذاذ الكائنات ضرورة إنه سبب قيامها وملاك قوامها وسابق عليها والحق ناظر من مقلة جنابه الشريف إليها وأنه علته الأصلية ومنشأ وجوداتها الفرعية فإن الكون على جواهره وأعراضه مستمد من حضرته وهو سار فيه سريان حكمة الله تعالى في خليقته وبراهين ذلك تضيق به الطوامير والصحف فنشأ من ذلك أن فراق روحه الشريفة كأنه فراق كل روح لكل جسد وكل حياة لكل حي من كافة ما دارت عليه منطقة الوجود وأحاط

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ به اسم الموجود فإذا حيث لم يحصل له الكرب المشهود والحال ما سطرناه أمر جلل وشرر من غرر وغيض من فيض وقل من جل مع ما ينظر إلى ذلك مما يحمله - صلى الله عليه وسلم - مما نازله في ذلك الوقت شدة أعبأ هذا الأمر عما ذكر منظورًا في ذلك إلى خصوص أمته بتكليف تحمل قوة هذا الأمر عنهم أو ما سمعت الله تعالى يقول: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} [التوبة: 128] وأصرح من ذلك عليه ما عنتم ما معربة مبتدأ وخبرًا بجعل الوقف على عزيز كما قال به كثير وما جاء في السنة إذا حمي الوطيس اتقينا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع ما ينضم إلى ذلك مما يستدل له بالعادات المستقرة لمن فوض الملك إليه أمر مملكة من الممالك واستحفظ عليها واستخلف فيها ثم أراد نقله عنها يستعرض عند ذلك جميع ما أحاط به نظره من أموره أيام ولايته عليها ويستعد لما يسأل عنه من أمورها ليكون على أهبة لما يطلب منه هذا مع كثرة وفود رسل الملائكة إليه بنقله إلى المملكة الأخرى فيصير بين أمرين من رعاية أحوال الوافدين ورعاية ما سبق شرحه وانظر أي مملكة كان فيها وأي دارة واسعة كان متوليًا عليها مع ما انضم إلى ذلك مما هو فذلكة القضايا وريده محض هذه الأسقية من أن الله تعالى اتحف رسوله - صلى الله عليه وسلم - ذلك الوقت بتنزلات أحدية وتجليات صمدية وأسرار كانت مستكنة في غيابة قدس الذات ومشاهدات كانت متبرقعة بالأسماء والصفات ولا شك في نقل أعبأ تلك التنزلات وعظيم ما يستطرق من تلك الفاتحات أو ليس كان يعالج من التنزيل شدة أو ليست الصديقة قالت ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد وإن جبينه ليتفصد عرقا كيف والله تعالى يقول: {سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5]، فموته الذي هو الحياة الأبدية بالإفاضة الإلهية له سكرات مشاهدات تبرز لأجل ضرورة ضيق نطاق الجثمان عن محض عالم العيان بسورة سكرات مجاهدات مع ما ينضم إلى ذلك من إحساسه - صلى الله عليه وسلم - باللقاء الخاص به سبحانه على ما عنده من مزيد الخشية وعظيم الهيبة ووافر الإجلال وزان معرفته بربه ومناسب حاله في العبودية في حظرات قربه فلهذه المعرفة وهذا الاستشعار أدركه من ملاحظة ذلك الجلال وادكار من الملك المتعال ظهر به عليه ما ظهر ولذلك قال أنا أعرفكم وأخوفكم منه مع ما ينضم إلى ذلك بين استطارة الشوق إلى خصوص ذلك اللقاء الروحي الحامل على مفاخرة الإسراع لذلك اللقاء السبوحي حتى يريد أن يخرج نفسه إخراجًا ويدرجها بسرعة في غيب ذلك القرب الخاص إدراجًا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فلا جرم ينشأ من ذلك من قهر عالم الطبيعة وضغط حصص مزاج البشرية ما يقوي به الانتقال ويظهر به سلطان الحال ومن هنا وصف - صلى الله عليه وسلم - المؤمن بأنه عند حضور أجله تتهوع نفسه وقال أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه والمنافق يبتلع نفسه وقال كره لقاء الله فكره الله لقاءه مع ما ينضم إلى ذلك من تعلق أهل عالم الدنيا ممن له نصاب إلى حضرته العلية بل من كل ما له تلق من تلك الإمدادات المحمدية ببقائه في هذا الوجود ومد أمد حياته التي هي حياة كل موجود وهو - صلى الله عليه وسلم - ذو المرآة التي لا أسطع من شعاع ضيائها ولا أبدع من صقالة صفائها لتنطبع تلك التعلقات من حضرته الشريفة بمرآتها ومقتضى ما ذكر في هذا الانطباع وتعلق هذا العالم باذيا له نقيض حالة ترحاله وانتقاله فيتقابلا على طرفي نقيض لا على إن الله تعالى يقهر أمره أمر وإنما هو على إعطائه تعالى الأشياء مقتضاها وإظهار سلطنة حبيبه بقوة تعلق الكائنات بما منح من تلك المرتبة الشريفة وإعطائه مع ما ينضم إلى ذلك من إجراء الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - على أوصاف العبودية التي هي أشرف الأوصاف وأجل محاسن محامد الاتصاف أو ليس قد خيره الله بين أن يكون نبيًّا ملكًا أو نبيًّا عبدا فاختار أن يكون نبيًّا عبدًا وقال أجوع يومًا وأشبع يومًا وآكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد ومقتضى مزاج العبودية عدم الإرفاه بل منازلة المكاره ومعاناة الشدائد في جنب أوامر السيد وما جاء إنه بكى على ولده وقال إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن فإبقاء هذه الحصة البشرية المدركة لهذه الآلام تحقيقًا لما أحب وشرفه به من أوصاف العبودية ورام فإنها مجلبة الضراعة ومراعاة الافتقار إلى الحق ووازع الانكسار بين يديه وبها يظهر سلطان الربوبية ويقوم نواميس الألوهية والله أعلم. انتهت الرسالة وفي كتاب الأخلاق للشعراني سمعت سيدي علي الخواص رحمه الله تعالى يقول يسهل الله تعالى على العبد طلوع روحه بقدر ما ذاق من الغصص في مرضاة الله عزّ وجل فقلت له إن الأنبياء أكثر النّاس بلاء ومع ذلك فقد ورد أن أحدهم يشدد عليه المرض وغيره فقال تشديد المرض على الأكابر قد يكون تعظيمًا لأجورهم لا لعلاقة دنيوية تجذبهم إليها بل لا يجوز حملهم على ذلك وبعضهم يصعب عليه روحه لأجل تلامذته فيريد عدم الخروج من الدنيا حتى يكلمهم ويرشدهم إلى كمال مقام المعرفة ولولا ذلك

وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو مستند إليَّ يقول: "اللهُم اغْفِرْ لي، وارْحَمْنِي، وألْحِقْنِي بالرَّفِيقِ الأعْلَى". ـــــــــــــــــــــــــــــ لكان أسرع الناس خروجًا لروحه طلبًا للقاء الله عزّ وجل اهـ. قوله: (وَرَوَيْنَا في صحيحَي البُخَارِيّ ومُسْلم الخ) ورواه الترمذي كما في السلاح قال الحافظ بعد تخريجه من طريق أبي نعيم في المستخرج وطريق غيره وأخرجه الإسماعيلي وابن حبان وأخرجه البخاري من طريق في صحيحه وأخرجه الترمذي والنسائي ولم أره في شيء من الموطآت ولا في هذه الكتب التي ذكرتها بلفظ الإسماعيلي ولا في آخره ولا ذكره ابن عبد البر في التمهيد ولا القاضي ولا الحميدي في الجمع بين الصحيحين فلعلها وقعت في بعض النسخ من مسلم ثم رأيتها في رواية القلانسي عن مسلم ورأيتها في رواية النسفي عن البخاري لكن ضرب عليها من النسخ المعتمدة وقد ثبتت هذه اللفظة في طرق أخرى عن عائشة فأخرج البخاري في صحيحه عن عروة بن الزبير عنها قالت لما مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المرض الذي مات فيه جعل يقول في الرفيق الأعلى وللبخاري ومسلم من طريق الزهري عن عروة عنها في حديث طويل في الوفاة فلما اشتكى وحضره القبض ورأسه في حجري غشي عليه فلما أفاق شخص بصره نحو سقف البيت ثم قال اللهم الرفيق الأعلى ولها من رواية القاسم عنها في حديث طويل ثم رفع يده ثم قال الرفيق الأعلى ثلاثًا ثم قضى وللبخاري في رواية يزيد بن الهاد الماضية قبيل هذا الباب إن للموت سكرات ثم نصب يده فجعل يقول في الرفيق الأعلى فزاد في رواية سعيد بن المسيب فكان آخر كلمة تكلم بها ورواه أبو بردة بن موسى الأشعري عنها بزيادات أخرى قال قالت أغمي على رسول الله ورأسه في حجري فجعلت أمسح وجهه وأدعو له بالشفاء فقال لا بل أسأل الله الرفيق الأعلى مع جبريل وميكائيل واسرافيل قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث صحيح فيه طرق أخرى أخرجه النسائي وابن حبان في صحيحه اهـ. قوله: (وأَلْحِقْنِي بالرفِيقِ الأَعلَى) قيل المراد به الملائكة المقربون والعباد الصالحون بالمعنى الأعم وهو الوجه الأتم المناسب لما جاء: توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين وفي السلاح الرفيق الأعلى قيل هم الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون المذكورون في قوله

ويستحبُّ أن يكثر من القرآن والأذكار، ويكره له الجزعُ، وسوءُ الخلق، والشَّتْمُ، والمخاصمةُ، والمنازعةُ في غير الأمور الدينية. ويستحب أن يكونَ شاكرًا لله تعالى بقلبه ولسانه، ويستحضر في ذهنه أن هذا الوقت آخر أوقاته من الدنيا، فيجتهدُ على ختمها بخير، ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى: {وحسن أولئك رفيقا} [النساء: 69] يؤيده ما جاء في الحديث الصحيح مبينا فجعل يقول مع الذين أنعمت عليهم من النببين والصديقين الخ، والحديث يفسر بعضه بعضًا اهـ. قلت وفي رواية الصحيح للبخاري من طريق إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عمرو عن أبيه عن عائشة قالت فلما كان مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي قبض فيه أخذته فيه بحة شديدة فسمعته يقول مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين الخ، ومعنى كونه رفيقا لقاؤهم على طاعة الله وارتفاق بعضهم ببعض وفي الحرز عن بعضهم إن هذا هو المعتمد وعليه اقتصر أكثر الشراح كذا نقله ميرك عن الشيخ ونكتة الإتيان بهذه الكلمة مفردة الإشارة إلى أن أهل الجنة يدخلونها على قلب رجل واحد نقله في الحرز عن السهيلي وصح أن هذا أيضًا آخر كلام أبي بكر رضي الله عنه وقال ابن الجزري قيل المراد به جماعة النبيين الذين يسكنون أعلا عليين اسم جاء على فعيل ومعناه الجماعة كالصديق والخليط يقع على الواحد والجمع وقيل معناه أي بالله تعالى يقال الله رفيق بعباده من الرفق والرأفة، فهو فعيل بمعنى فاعل اهـ، والرقيق من أسمائه تعالى كما أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن مغفل رفعه إن الله رفيق يحب الرفق والحديث عند مسلم عن عائشة والأعلى يحتمل أن يكون صفة مكان وأن يكون صفة فعل وقال الجوهري المراد منه الجنة ويؤيده ما وقع عند ابن إسحاق الرفيق الأعلى الجنة قال في الحرز أما بالنسبة إليه - صلى الله عليه وسلم - فالأولى أن يراد بالرفيق الأعلى فيه المولى أو وجه ربه الأعلى إذا ثبت إن هذا منه عليه الصلاة والسلام آخر كلامه كما إنه أول من قال بلى في جواب {أَلَسْتُ بَربكم} [الأعراف: 172] في الميثاق. قوله: (ويستحبُّ أَنْ يُكْثِرَ منَ الْقُرْآنِ الخ) أي وغير ذلك من عمل الأبرار قاصدًا به وجه الله سبحانه مخلصًا فيه لينال من مولاه رضوانه. قوله: (شَاكرًا لله تعَالى بقلْبهِ وَلِسَانهِ) شكرًا على تأهيله لمقام الابتلاء

ويبادر إلى أداء الحقوق إلى أهلها: من ردِّ المظالم والودائع والعواري، واستحلال أهله: من زوجته، ووالديه، وأولادِه، وغلمانِه، وجيرانِه، وأصدقائِه، وكلِّ من كانت بينه وبينه معاملة أو مصاحبة، أو تعلق في شيء. وينبغي أن يوصيَ بأمور أولاده إن لم يكن لهم جدٌّ يصلح للولاية، ويوصي بما لا يتمكن من فعله في الحال، من قضاء بعض الديون ونحو ذلك. وأن يكون حسن الظنِّ بالله سبحانه وتعالى أنه يرحمه، ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي يكون لأرباب الكمال كما ورد في الصحيح أشدكم بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل وفي حديث أبي داود فقال رجل يا رسول الله ما الأسقام والله ما مرضت قط فقال قم عنا فلست منا وفي بعض الروايات من سره أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا لو كان الله يريد به خيرًا لطهر به جسده وفي حديث آخر إن الله يكره العفريت النفريت الذي لا يرزأ في ولده ولا يصاب في ماله وأورده في المرقاة ولا ينافي ذلك سن طلب العافية كما ورد في الأخبار لأن المراد العافية على ما يريد المولى لعبده بما فيه نهاية إسعافه ووده كما سبق عن العارف أبي العباس المرسي. قوله: (ويبادرَ إلى أَدَاءِ الحقَوقِ) بالرفع على الاستئناف إذ تجب المبادرة لرد المظالم والتخلية بين الوديع أو نائبه بشرطه والوديعة ورد العارية إذا طلبها المالك أو بالنصب عطفًا على أن يكثر فيكون الاستحباب باعتبار المجموع وإن كان بعض أفراده واجبًا وطلبت لأنه نزل به مقدمات الموت. قوله: (منْ رَدِّ المظَالم) بيان للحقوق والمراد بردها الخروج منها ليتناول رد الأعيان وقضاء نحو الصلاة وقد صرح السبكي بأن تاركها ظالم لجميع المسلمين وقضاء دين لم يبرأ منه والتمكين من استيفاء حد أو تعزير لا يقبل العفو أو يقبله ولم يعف عنه. قوله: (واستحْلالِ أَهلهِ الخ) أي وجوبا فيما علم إنه عليه وندبًا فيما لا يعلمه وكون المجهول لا يصح التحليل منه عندنا بالنسبة للأمور الدنيوية أما الأمور الأخروية فيحتمل الصحة مطلقًا لأن المدار فيها على الرضا وإن لم يعتد به ظاهرًا أخذا من قولهم في المعاطاة في البيوع ونحوها لا مطالبة بالمأخوذ بها في الآخرة وإن أخذت بعقد فاسد لأنها أخذت بالرضا من صاحبها ويحتمل الفرق. قوله: (وأَنْ يكونَ حَسَنَ الظن بالله تَعَالى) أي يظن أن

ويستحضر في ذهنه أنه حقير في مخلوقات الله تعالى، وأن الله تعالى غنيٌّ عن عذابه وعن طاعته، وأنه عبده، ولا يطلب العفو والإحسان والصفح والامتنان إلا منه. ويستحب أن يكون متعاهدًا نفسه بقراءة آيات من القرآن العزيز في الرجاء، ويقرؤها بصوت رقيق، أو يقرؤها له غيره وهو يستمع. وكذلك يستقرئ أحاديث الرجاء، وحكايات الصالحين وآثارهم عند الموت، وأن يكون خيره متزايدا، ويحافظ على الصلوات، واجتناب النجاسات، وغير ذلك من وظائف الدِّين، ويصبر على مشقة ذلك، وليحذر من التساهل في ذلك، فإن من أقبح القبائح أن يكون آخر عهده من الدنيا التي هي مزرعة الآخرة التفريط فيما وجب عليه أو ندب إليه. ـــــــــــــــــــــــــــــ الله تعالى يغفر له ما جناه ويرجو ذلك ويتدبر الآيات والأحاديث الواردة في كرم الله تعالى وما وعد به أهل التوحيد وما ينشره لهم من الرحمة يوم القيامة ففي الحديث الصحيح لا يموت أحدكم إلّا وهو يحسن الظن بالله وفي الحديث القدسي أنا عند حسن ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء قال المصنف في شرح المهذب بعد تفسير تحسين الظن بما ذكر هذا هو الصواب الذي قاله جمهور العلماء وشذ الخطابي فذكر معه تأويلين آخرين معناه حسنوا أعمالكم حتى يحسن ظنكم بربكم فمن حسن عمله حسن ظنه ومن ساء عمله ساء ظنه وهذا تأويل باطل اهـ. قوله: (بقراءَةِ آياتٍ الخ) ومنها "ورحمتي وسعت كل شيء"، . قوله: (وكَذلِكَ يَستقرئ أحَادِيثَ الرجاء) أي يتتبعها قال المؤلف وقد تتبعت الأحاديث الصحيحة في الخوف والرجاء فوجدت أحاديث الرجاء أضعاف أحاديث الخوف مع ظهور الرجاء فيهما قال في المرقاة ولو لم يكن إلّا حديث واحد هو سبقت أو غلبت رحمتي غضبي لكفي دليلًا على ترجيح الرجاء ويعضده ورحمتي وسعت كل شيء بل المشاهد في عالم الوجود غلبة آثار الرجاء على آثار الخوف واتفق الصوفية على أن العبادة على وجه الرجاء أفضل منه على وجه الخوف وأن الأول عبادة الأحرار والثاني طاعة العبيد ولذا قال - صلى الله عليه وسلم - أفلا أكون عبدًا شكورًا. قوله: (ويحَافِظَ عَلَى الصَّلواتِ) أي الفرائض والرواتب كما يدل

وينبغي له أن لا يقبل قول من يخذُلُه عن شيء مما ذكرناه، فإن هذا مما يبتلى به، وفاعل ذلك هو الصديق الجاهل العدوُّ الخفيُّ، فلا يقبَل تخذيلُه، وليجتهد في ختم عمره بأكمل الأحوال. ويستحبُّ أن يوصيَ أهلَه وأصحابَه بالصبر عليه في مرضه، واحتمال ما يصدر منه، ويوصيهم أيضًا بالصبر على مصيبتهم به، ويجتهد في وصيتهم بترك البكاء عليه، ويقول لهم: صحَّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "المَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكاءِ أهْلِهِ عَلَيْهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه آخر كلامه. قوله: (وَلْيجتْهِدْ في ختم عُمُره بأكمل الأَحوالِ) أي من الصدق والإخلاص والتنقي عن سائر الرذائل والأدناس وسلامة الصدر مما يتعلق بأحد من الناس ليرتفع عنه بذلك كل بأس والله أعلم. قوله: (وَيُسْتَحبُّ أَنْ يُوصي أَهلَه وأَصْحَابَه بالصبرِ عَلَيْهِ) أي على خدمته أو على ما يبدو منه من سوء الخلق ونحوه وعلى الثاني قوله واحتمال الخ. كالتفسير لما قبله وعلى الأول فهو مغاير وبه يترجح الأول لما فيه من التأسيس الذي هو خير من التأكيد. قوله: (صحَّ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنه قَال الميتُ يعذَّبُ ببكَاء أَهلِه عَلَيهِ) وفي رواية ليعذب قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث صحيح رواه الترمذي ورواه مسلم عن ابن عمر بلفظ إن الميت يعذب ببكاء الحي ولم يذكر عمرو وأخرجه الشيخان من رواية عمرو عن ابن عمر ومن رواية عبد الله ابن أبي مليكة عن ابن عمر عن عمر ولفظهما كرواية ابن شهاب أي يعذب الميت ببكاء أهله عليه وأخرجه مسلم من رواية نافع عن ابن عمر أن حفصة بنت عمر بكت على عمر فقال ألم تعلمي يا بنية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه وأخرجه الشيخان من رواية أبي موسى الأشعري عن عمر بلفظ إن الميت ليعذب ببكاء الحي عليه ومن رواية ابن عباس عن عمر بلفظ إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه وفي هذا إشارة إلى أن بعض البكاء لا وعيد فيه وقد فسر ما فيه الوعيد بما اقترنت به نياحة ونحو ذلك وفيه أحاديث صحيحة والعلم عند الله اهـ، ورواه ابن ماجة من حديث عمر وسيأتي بيان الخلاف في تأويل هذا الخبر وأمثاله في باب تحريم النياحة

فإياكم - يا أحبائي - والسَّعيَ في أسباب عذابي". ويوصيهم بالرفق بمن يخلِّفه من طفل وغلام وجارية وغيرهم، ويوصيهم بالإحسان إلى أصدقائه ويعلِّمهم: أنه صحَّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إنَّ مِنْ أبرِّ البِرِّ أنْ يصِلَ الرَجُلُ أهْلَ وُدِّ أبيه". وصحَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر الحافظ في تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب إنكار عائشة على عمرو بن عمر هذا الحديث. قال الحافظ في أمالي الأذكار وجاء عن عمر التعبير بالبكاء عن ابن عمر قال قال عمر لا تبكوا على موتاكم فإن الميت يعذب ببكاء أهله عليه قال الحافظ بعد تخريجه هذا موقوف صحيح وجاء عنه بلفظ النياحة قال الحافظ بعد تخرجيه هذا حديث صحيح أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وفي رواية بعضهم بما ينح عليه وجاء عنه تقييد النهي بما إذا اقترن بالبكاء نوح أو غيره وهذا المعتمد عن شقيق بن سلمة قال لما مات خالد بن الوليد اجتمع نسوة بني المغيرة يبكين عليه فقيل لعمر أرسل اليهن فانههن فقال ما عليهن إن يهرقن دموعهن على أبي سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة قال الحافظ بعد تخريجه هذا موقوف صحيح أخرجه ابن سعد في الطبقات عن أبي معاوية وعن وكيع وزاد قال وكيع النقع الشق واللقلقة رفع الصوت وأخرجه أبو عبيد في غريب الحديث وحكي في تفسير النقع مثل ما تقدم وقيل هو وضع التراب على الرأس، وقيل رفع الصوت، وعن النسائي قال هو صنع الطعام لأجل الميت ورجح الثاني أبو عبيد وغيره ولم يحكوا في تفسير القلقلة خلافًا وسيأتي الكلام على النياحة بعد أبواب وعن أنس إن عمر رضي الله عنه لما طعن عولت عليه حفصة فقال يا حفصة أما سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول المعول عليه يعذب أخرجه مسلم قال أهل اللغة عول إذا بكى بصوت وأعول لغة فيه وهي اشهر اهـ. كلام الحافظ ملخصًا قوله: (فَإيَّاكُمْ) أي فأحذركم البكاء فحذف العامل وانفصل الضمير. قوله: (والسَّعيَ) بالنصب عطف على إياكم. قوله: (صحَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّه قَال إِن منْ أَبَرِّ البر الخ) رواه مسلم في صحيحه هكذا وروه فيه أيضًا بحذف من وفي الجامع الصغير رواه كذلك أحمد في مسنده والبخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي كلهم عن ابن عمر وقال العلقمي في شرحه رواية أبي داود إن أبر البر صلة المرء أهل ود أبيه وعليه فأهل منصوب معمول صلة الذي هو مصدر يعمل عمل الفعل ويقدر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بأن والفعل ويدل عليه رواية مسلم إن يصل والود بضم الواو وقال في المصباح وددته أوده من باب تعب ودًّا بفتح الواو وضمها أحببته والاسم المودة اهـ، وقال ولده في التقريب وددت الشيء بالكسر ودًّا بهما مثلها أحببته انتهى (قلت) وفي كتاب المثلث لابن السيد البطليوسي إن الود من المودة مثلث اهـ، وفي رواية مسلم ومن ذكر زيادة بعد إن يولي أي بضم التحتية وتشديد اللام المكسورة أي بعد موته ففي الحديث فضيلة مودة أصدقاء الأب والإحسان إليهم وإكرامهم وهو متضمن لبر الأب وإكرامه ولا ينقطع ذلك بعد موت الأب بل يستمر إكرام صديقه بعد وفاته كإكرامه حال حياته ويلتحق به أصدقاء المشايخ إذ هم في معنى الآباء أعظم حرمة قال عن أبي أسيد بضم الهمزة وفتح السين المهملة وسكون التحتية واسمه مالك بن ربيعة الساعدي قال بينما أنا جالس عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل من الأنصار فقال هل بقي من بر والدي شيء بعد موتهما قال نعم خصال أربع الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما بعد موتهما وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا رحم لك إلَّا من قبلهما قال هذا الذي بقي علي قال نعم قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث حسن رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وابن حبان والحاكم في صحيحيهما وأخرج الحافظ عن ابن عمر إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال احفظ ود أبيك لا تقطعه فيطفئ الله نورك قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث صحيح أخرجه البخاري في الأدب المفرد قال الطبراني لم يروه عن عبد الله بن دينار إلا خالد بن يزيد قلت وهو من رجال الصحيح وأخرجه البيهقي في الشعب من طريق البخاري وأخرج له شاهدًا مرسلًا من رواية ابن أبي مليكة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخرج البخاري في الأدب المفرد من حديث عبد الله بن سلام قصة قال فيها فوالذي بعث محمدًا بالحق إنه لفي كتاب، لا تقطع من كان يصل أبوابك فيطفئ بذلك نورك وأخرج الطبراني في الأوسط أيضًا من حديث أنس رفعه إن من البر أن تصل صديق أبيك وسنده ضعيف وأخرج الحافظ أبو يعلى في مسنده الكبير من طريق ثابت البناني عن أبي هريرة عن أبي موسى الأشعري قال أتيت المدينة فجاءني عبد الله بن عمر فقال أتدري لم جئتك قلت لا قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول من أحب أن يصل أباه في قبره فليصل إخوان أبيه بعده وإنه كان بين عمر أبي وبين أبيك إخاء

أن رسول - صلى الله عليه وسلم -: "كان يكرم صواحبات خديجة رضي الله عنها بعد وفاتها". ويستحبُّ استحبابًا مؤكَّدًا أن يوصيَهم باجتناب ما جرت العادة به من البدع في الجنائز، ـــــــــــــــــــــــــــــ وود فأحببت أن أصل ذلك وأخرج ابن حبان في صحيحه وأخرج الحافظ عن محمد بن طلحة عن أبيه أن أبا بكر الصديق قال لرجل من العرب كيف سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في الود قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الود يتوارث والعدواة تتوارث وفي رواية الطبراني الود والعداوة يتوارثان وقال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث غريب أخرجه البغوي في معجم الصحابة والبخاري في التاريخ وابن أبي عاصم في الوحدان والحاكم كلهم عن عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي بضم الميم وفتح اللام وتخفيف التحتية منسوب لجده الأعلى وهو ضعيف لم أر فيه توثيقًا لأحد قال الذهبي في مختصره للمستدرك المليكي واهي السند فيه انقطاع يعني بين طلحة وأبي بكر وأخرجه الحاكم أيضًا من طريق يوسف بن عطية عن المليكي وهو أضعف من المليكي وزاد في روايته بعد قوله عن أبيه عن عبد الرحمن بن أبي بكر وكأنه أراد أن يوصل السند لكن الزيادة من مثله لا يعتد بها قال الذهبي يوسف بن عطية هالك والطريق الأولى هي الراجحة مع ضعفها وأرجح منها ما أخرجه البخاري في الأدب المفرد من طريق أبي بكر بن حزم أظن إنه أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري نسب إلى جد أبيه عن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الود يتوارث وأخرج الطبراني من حديث رافع بن خديج الأنصاري قال قال رسول الله الود الذي يتوارث في أهل الإسلام وفي سنده الواقدي اهـ كلام الحافظ. قوله: (وأَنَّه كَانَ يُكرِم صَواحبَاتِ خَدِيجَةَ الخ) وأخرج الحافظ عن أنس رضي الله عنه قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتي بالشيء يقول اذهبوا به إلى فلانة فإنها كانت صديقة لخديجة اذهبوا به إلى بيت فلانة فإنها كانت تحب خديجة وقال هذا حديث حسن أخرجه البزار وابن حبان والحاكم ورجال السند من رجال البخاري في الصحيح لكن لم يخرج لمبارك بن فضالة إلّا متابعه وهو صدوق كان يوصف بالتدليس وقد رواه بالعنعنة وذكر البزار إنه تفرد به لكن يعتضد بحديث عائشة ما عزت على امرأة ما عزت على خديجة وما لي أن أكون أدركتها وما ذاك إلَّا لكثرة. ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياها وإن كان

ويؤكد العهد بذلك. ويوصيهم بتعاهده بالدعاء وأن لا ينسَوه لطول الأمد. ويستحبُّ له أن يقول لهم في وقت بعد وقت: متى رأيتم مني تقصيرًا في شيء فنبهوني عليه برفق، وأدُّوا إليَّ النصيحة في ذلك، فإني معرَّض للغفلة والكسل والإهمال فإذا قصرت فنشِّطوني، وعاونوني على أهبة سفري هذا البعيد. ودلائل ما ذكرته في هذا الباب معروفة مشهورة، حذفتها اختصارًا، فإنها تحتمل كراريس. وإذا حضره النزع، فليكثر من قول: لا إله إلَّا اللهُ، ليكون آخر كلامه. فقد روينا في الحديث المشهور في "سنن أبي داود" وغيره، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ـــــــــــــــــــــــــــــ ليذبح الشاة فيتبع بها صدائق خديجة يهديها لهن متفق عليه وأخرجه الحافظ من طريق أحمد بن حنبل قال وهي أتم من الرواية السابقة وقال في روايته ولقد هلكت قبل أن يتزوجني بثلاث سنين وأخرج الحافظ الحديث من طريق أبي نعيم في مستخرجه فذكر نحو الرواية السابقة وقال في روايته ما عزت عليّ امرأة من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال وإني لم أدركها وكان إذا ذبح الشاة قال اذهبوا بها إلى أصدقاء خديجة أخرجه مسلم وأخرجه أبو عوانة عن مسلم والترمذي والإسماعيلي وقال في روايته وربما ذبح الشاة فيقطعها أعضاء ثم يبعثها إلى صدائق خديجة وأخرجه أبو عوانة من رواية الدراوردي فيتتبع بأعضائها صدائق خديجة وخرجه البخاري من طريق الليث عن هشام بلفظ فيهدي في خلائلها ما يشبعهن ولبعض الرواة عن الفربري ما يشبعهن وهي رواية عند أبي عوانة والإسماعيلي وفي رواية للبخاري زيادة هي يؤتيها وربما قلت له كأن لم يكن في الدنيا امرأة إلَّا خديجة فيقول أنها كانت وكان لي منها ولد اهـ. قال المصنف وفي هذا كله دليل لحسن العهد وحفظ الود ورعاية حرمة الصاحب والعشير في حياته ووفاته وإكرام أهل ذلك الصاحب اهـ، وفي الحديث عن عائشة أن حسن العهد من الإيمان قال في الجامع الصغير رواه الحاكم. قوله: (ويؤكدَ عليهم العهدَ بذلِكَ) أي بالإتيان بجميع ذلك المذكور مما طلب منهم فعله أو تركه. قوله: (برفقٍ) أي ليكون أدعى للقبول وبلوغ المأمول. قوله: (وإذَا حضَرَهُ النزعُ) أي داخل المريض النزع، فالنزع منصوب والفاعل ضمير يعود للمريض. قوله: (في سننِ أَبِي دَاوُد) قال ابن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حجر في شرح المشكاة وسنده صحيح وقال الحافظ في أماليه بعد تخريج الحديث هذا حديث حسن غريب أخرجه أحمد ورواته من رجال الصحيح إلَّا صالح بن غريب بفتح المعجمة وكسر الراء بعدها تحتية فموحدة فإنه روى عنه جماعة ولم أر للمتقدمين فيه جرحًا ولا تعديلًا إلَّا أن ابن حبان ذكره في الثقات على قاعدته فيمن لم يجرح ولم يرو ما ينكر وقد ورد للحديث متابع وشاهد فأخرج أبو نعيم في الحلية من طريق مكحول عن معاذ نحو هذا ولفظه من كان آخر كلامه عند الموت لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له هدمت ما كان قبلها من الذنوب والخطايا الحديث قال الحافظ وسأذكر بقيته في الكلام على الحديث الذي بعده وفي سنده ضعيف بين مكحول ومعاذ وأخرج أحمد من حديث حذيفة مثل الرواية الأولى لكن زاد ختم له بها ورجاله رجال الصحيح إلَّا عثمان البتي فهو صدوق مختلف في الاحتجاج به وله شاهد عن أبي هريرة أخرجه ابن حبان ولفظه مثل معاذ في الأولى سواء وزاد أصابه قبل ذلك ما أصابه قال الحافظ وسأذكر الكلام عليه في الحديث الذي بعده وفي الباب عن جابر وابن عباس يأتيان أيضًا وقال في الكلام على حديث أبي هريرة بعد تخريجه بلفظ لقنوا موتاكم لا إله إلَّا الله وقال زاد الذهلي في روايته فإنه من كان آخر كلامه عند الموت لا إله إلّا الله دخل الجنة يومًا من الدهر أصابه قبل ذلك ما أصابه أخبرني بهذه الزيادة شيخنا الحافظ يعني العراقي ثم ذكر سنده إلى أبي نعيم في الحلية وساق إسناده إلى أبي هريرة مرفوعًا قال فذكر مثله لكن لفظه من قال لا إلَّا الله دخل الجنة يومًا من دهره أصابه قبل ذلك ما أصابه به قال أبو نعيم غريب تفرد به عمرو بن خالد عن عيسى بن يونس عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر كذا قال في ترجمة الثوري وقال في ترجمة منصور بن المعتمر بعد أن أورده من وجه آخر عن عمرو بن خالد غريب من حديث الثوري لم يثبت إلَّا من هذا الوجه (قلت) لم يتفرد به عيسى فقد أخرجه محمد بن إسماعيل عن سفيان أيضًا وقد توبع الثوري أخرجه البزار من رواية أبي عوانة عن منصور وقال رواه الثوري عن منصور وقد توبع منصور في روايته له عن هلال بن يساف بالمثناة التحتية وتخفيف المهملة آخره فاء فرواه وتوبع الأعرابي شيخ هلال في روايته عن أبي هريرة فأخرجه الحافظ من طريق الطبراني في المعجم الصغير عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قال لا إله إلَّا الله

"مَنْ كانَ آخِرَ كلامِهِ لا إلهَ إلَّا اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ دخل الجنة يومًا من دهره ولو بعد ما يصيبه العذاب قال الطبراني لم يروه عن موسى الصغير إلّا حفص الفاخري بمعجمتين تفرد به الحسين بن علي الصداي بضم الصاد وتخفيف الدال عن أبيه (قلت) الحسين من شيخ الترمذي والنسائي وثقوه وأبوه أخرج له النسائي وقال أحمد لا بأس به ولينه أبو حاتم وحفص هو ابن سليمان الكوفي القارئ صاحب عاصم إمام في القراءات لكن ضعفوه في الحديث من قبل حفظه وموسى الصغير بن مسلم الكوفي ثقة عندهم وأخرجه الحافظ عن موسى بن رودان عن أبي هريرة عن رسول الله قال أكثروا من شهادة أن لا إله إلَّا الله وحده قبل أن يحال بينكم وبينها ولقنوا بها موتاكم قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث حسن غريب أخرجه الطبراني في كتاب الدعاء وأخرجه غيره وزاد فإنها تهدم الخطايا كما يهدم السيل البنيان قالوا فكيف هي للأحياء قال أهدم وأهدم قال الحافظ وروينا في فوائد أبي عمرو بن حمدان بسند رواه عن أبي سلمة بن عبد الزهري عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقنوا موتاكم لا إله إلَّا الله فإنها خفيفة في اللسان ثقيلة في الميزان وأخرجه الحافظ عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقنوا موتاكم لا إله إلّا الله ولا تملوهم وقال بعد تخريجه هذا حديث غريب أخرجه تمام الرازي في فوائده وفي سند الحديث ضعيفان هما محمد بن عيسى بن ديان وشيخه محمد بن الفضل بن عطية وأخرجه أبو الشيخ في كتاب الثواب من وجه آخر عن ابن سيرين وزاد بعد ولا تملوهم فإنهم في سكرات الموت وسنده أضعف من الذي قبله قال الحافظ وأخرج ابن عدي في ترجمة عكرمة بن إبراهيم من روايته عن أبي رزين الأسدي عن أبي هريرة وضعف عكرمة ولفظه كالأول وزاد فإنه من كانت آخر كلامه في الدنيا دخل الجنة فهذه طرق لحديث أبي هريرة فيها زيادات كما عرفتها اهـ ملخصا. قوله: (مَنْ كَانَ آخرُ كَلامِهِ) برفع آخر وقيل بنصبه وقوله لا إله إلّا الله محله النصب أو الرفع على الخبرية أو الاسمية وقضية كلام أئمتنا والخبر إنه لو قالها ثم مات ولم يتكلم بعدها كانت آخر كلامه وإن طال الفصل وخالف ذلك بعضهم فقال إذا طال الفصل سن إعادتها

دَخَلَ الجنةَ". قال الحاكم أبو عبد الله في كتابه "المستدرك" على الصحيحين: هذا حديث صحيح الإسناد. وروينا في "صحيح مسلم" وسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي وغيرها، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه والأول أصح ولو قالها ثم أتى بكلام دنيوي سن له إعادتها لتكون آخر كلامه ولو أتى بذكر غيرها على خلاف فيه والمراد بالكلام هنا كما قاله بعض أئمتنا اللساني والنفساني لرواية وهو يعمل لا يقال قد يتكلم الكافر بلا إله إلّا الله عند الموت ولا ينفعه ذلك لأنا نقول البحث إنما هو في المسلم أما الكافر فقد علم وأشعر في النفوس إنه لا ينفعه النطق بالشهادتين إلا قبل المعاينة فلم يحتج للاحتراز عنه فإن أريد في الخبر ما يشمله كان المراد بلا إله إلا الله كلمة التوحيد أي الشهادتان بالنسبة للكافر بشرطه وكلمة التوحيد المتضمنة للنبوة والبعث وغيرهما للمؤمن والله أعلم. قوله: (دَخَلَ الجنَّةَ) أي إما قبل العذاب دخولًا خاصًّا أو بعد أن عذب بقدر ذنوبه والأول أظهر ليتميز به عن غيره من المؤمنين الذين لم يكن آخر كلامهم هذه الكلمة وفي شرح مسلم للمصنف ويجوز في حديث من كان آخر كلامه لا إله إلا الله أن يكون خصوصًا لمن كان هذا آخر نطقه وخاتمة لفظه وإن كان قبل مخلصًا فيكون سببًا لرحمة الله إياه ونجاته من النار وتحريمه بخلاف من لم يكن آخر كلامه ذلك من الموحدين قال المصنف بعد نقله مع جملة كلام عن القاضي وهو في غاية الحسن اهـ. قوله: (قَال الحاكِم) صحيح الإسناد هذا من الحاكم على قاعدته في تصحيح الحسن وقد أخرجه من وجهين عن أبي عاصم. قوله: (وغيرِهَا) أي كابن ماجة قال الحافظ ورواه أبو عوانة وفي الجامع الصغير رواه أحمد ومسلم والأربعة عن أبي سعيد ورواه مسلم وابن ماجة عن أبي هريرة ورواه النسائي عن عائشة قال الحافظ قال الترمذي بعد تخريجه حديث أبي سعيد وفي الباب عن أبي هريرة وأم سلمة وعائشة وجابر وسعدي المرية اهـ. قال الحافظ وقد ذكرنا حديث أبي هريرة وحديث أم سلمة أخرجه الترمذي في الباب لكن ليس فيه التلقين صريحًا وإنما فيه الأمر بأن لا يقال عند الميت إلّا الخير وأخرج سعيد بن منصور بسند صحيح عن أم الحسن البصري قالت كنت عند أم سلمة فجاء إنسان فقال إن فلانًا بالموت فقالت انطلق فإذا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رأيته احتضر فقل السلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وأورده في باب تلقين الميت وحديث عائشة أخرجه النسائي عنها مثل حديث أبي سعيد ورواته رواة الصحيح لكن أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة من طريق آخر عن منصور ابن صفية أحد رواته في الطريق الأولى ولم يرفعه وحديث جابر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقنوا موتاكم لا إله إلا الله قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث غريب من هذا الوجه أخرجه البزار وعبد الوهاب بن مجاهد ضعفوه لكن يكتب حديثه في المتابعات وحديث سعدي المرية ظاهر إيراد الترمذي إنه من حديثها وليس كذلك إنما هو من روايتها عن زوجها طلحة وعن عمر أخرجه أحمد في مسند طلحة وأبو يعلى في مسند عمر ثم أخرج الحافظ عن يحيى بن طلحة عن أمه سعدى المرية قالت مر عمر بطلحة بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال ما لي أراك كئيبًا أتسؤك ابنة عمك قال لا ولكن سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد عند الموت إلَّا كانت نورًا لصحيفته وإن جسده وروحه ليجدان لها روحًا عند الموت فقال أنا أعلمها هي التي أراد عمه عند الموت علم كلمة أنجي له منها لأمره بهذا هذا حديث حسن رواته موثوقون لكن اختلف فيه على الشعبي فرواه شعبة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي فأبهم يحيى بن طلحة أخرجه أبو يعلى أيضًا ورواه مجاهد عن الشعبي عن جابر عن عمر أخرجه أبو يعلى أيضًا وبعض الرواة عنه أسقط سعدى فقال عن يحيى بن طلحة قال رأى عمر طلحة حزينًا فقال مالك فقال سمعت رسول الله فذكر الحديث بنحوه وفيه إلا نفس الله كربته وأشرق لونه ورأى ما يسره وما منعني أن أسأله عنها إلَّا القدرة عليها حتى مات فقال عمر إني لأعلمها فذكره أخرجه أحمد وأبو يعلى قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي ومما لم يذكره الترمذي عن أنس وحذيفة وواثلة بن الأسقع وشداد بن أوس قال الحافظ في الباب مما لم يذكراه جميعًا عن عمر وطلحة كما أسلفناه وعن أبي بكرة ومعاذ بن جبل وابن عباس وأبي أمامة وعبد الله بن مسعود وابن جعفر وعلي وابن عمر وجد عطاء بن السائب واسمه زيد وقيل مالك وصحابي غير مسمى ومن مرسل قتادة وغيره ومن الموقوف على جماعة من التابعين ثم بين الحافظ من خرج حديث كل من المذكورين وأطال فيه النفس في نحو نصف كراس فليراجعه من أراد وحاصل كلامه في حديث معاذ وهو الذي نقلناه عن الحافظ فيما تقدم إنه

"لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لا إلهَ إلَّا الله" قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ورويناه في "صحيح مسلم" أيضًا من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال العلماء: فإن لم يقل هو: "لا إله إلا الله" لقَّنَهُ من حضره، ويلقِّنه برفق مخافةَ أن يضجر فيردَّها، وإذا قالها مرَّة لا يعيدها ـــــــــــــــــــــــــــــ يتم الكلام عليه في الكلام على هذا الحديث فقال حديث معاذ أخرجه سعيد بن منصور وأبو يعلى في الكبير وأبو نعيم في الحلية كلهم من طريق مكحول عنه متصلًا بالحديث المذكور في الباب الذي قبله بعد قوله هدمت ما كان قبلها من الخطايا فلقنوها موتاكم قيل يا رسول الله كيف هي للأحياء قال هي أهدم وأهدم وقد تقدم الكلام على سنده. قوله: (لقِّنوا مَوْتَاكم الخ) أي ذكروا من حضره الموت منكم بأن نزلت به مقدماته سماه باعتبار ما يؤول إليه مجازًا لكن التلقين فيه محمول على حقيقته بخلاف ما أريد منه التلقين بعد الدفن فإنه وإن كان موتاكم فيه استعمل في حقيقته إلَّا أن التلقين يكون فيه مجازًا وقد صرح ابن حبان وغيره من أئمة الحديث بأن المراد بالموتى ما في الخبر من حضرهم الموت وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال افتحوا على صبيانكم أول كلمة بلا إله إلَّا الله ولقنوهم عند الموت لا إله إلَّا الله فإن من كان أول كلامه لا إله إلَّا الله ثم عاش ألف سنة ما سئل عن ذنب واحد، أي لقنوا من حضره الموت بكلمة التوحيد أر بكلمتي الشهادة بتفصيله المار بما في الحديث قبله بأن يتلفظوا بها أو بهما عنده لا أن يأمروه بها: لئلا يقول لا أقولها فيكفر، على ما أطلقه بعض الأئمة ولا يلح بها عليه فلا يزيد على مرة وقال آخرون على ثلاثة فإن كررت ثلاثًا ولم يطق النطق لم تكرر عليه بل كان اعتقاده قائمًا مقام نطقه ذكره ابن الجزري ثم ظاهر الخبر يقتضي وجوب ذلك وبه قال بعضهم بل نقل بعض المالكية الاتفاق عليه ويجاب بأن المعنى وهو عدم ترتب المفسدة على تركه يقتضي إنه مندوب لا غير. قوله: (وَرَوَيْنَا في صحيحِ مسلم) كذا في النسخة التي وقت عليها بحذف ضمير المفعول والمراد ورويناه أي خبر من كان آخر كلامه لا إله إلّا الله الخ. عن أبي هريرة أخرجه مسلم وقد تقدم عن الجامع إن ابن ماجة أخرجه من حديث أبي هريرة أيضًا وكذا

باب ما يقوله بعد تغميض الميت

عليه، إلا أن يتكلم بكلام آخر. قال أصحابنا: ويستحبُّ أن يكون الملقِّن غير مُتَّهَم، لئلا يُحْرِجَ الميتَ ويتَّهمَه. واعلم أن جماعة من أصحابنا قالوا: نلقن ونقول: "لا إله إلا الله محمد رسول الله". واقتصر الجمهور على قول: "لا إله إلا الله"، وقد بسطتُ ذلك بدلائله وبيان قائليه في "كتاب الجنائز" من "شرح المهذَّب". باب ما يقوله بعد تغميض الميت روينا في "صحيح مسلم" عن أمِّ سلمة -واسمها هند رضي الله عنها- قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أبي سلمة، وقد شَقَّ بَصَرُهُ، فأغمضه ثم قال: "إن الرُّوح إذا ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكره الحافظ قال ولحديث أبي هريرة طرق تشتمل على زيادات ثم ساقه من خمسة طرق وتقدم تلخيصها في آخر الكلام على حديث معاذ. قوله: (إلَّا أنْ يتكلم الخ) أي بكلام دنيوي وكذا بذكر غيرها على خلاف فيه. قوله: (ولْيَكن غير متهم) وفي نسخة وارث متهم أي إن حضر غيره فإذا حضر وارث منهم بنحو إرث أو عداوة فالوارث أولى لقولهم لو حضر وارثه قدم أشفقهم. قوله: (لئلا يُحرجَ) بإسكان الحاء أي يوقعه في الحرج وذلك إنه قد يمتنع من ذلك لاتهام ملقنه فيفوت عليه هذا الخير. قوله: (واعْلم أَن جمَاعة من أصْحَابِنَا الخ) وعللوا ذلك بأن القصد موته على الإسلام ولا يسمى مسلمًا إلَّا بها ورد بأنه مسلم وإنما القصد ختم كلامه بلا إله إلَّا الله ليحمل له ذلك الثواب ويلزم من قول لا إله إلَّا الله الاعتراف بالشهادة الأخرى فينبغي الاقتصار على لا إله إلَّا الله لظاهر الخبر أما الكافر فيلقنهما قطعًا مع لفظ أشهد لوجوبه عليه إذ لا يصير مسلمًا إلَّا بذلك بشرطه السابق. باب ما يقوله بعد تغميض الميت قوله: (وَرَوَيْنَا في صَحيحِ مُسلم الخ) قال فيِ السلاح ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجة زاد في الجامع الصغير وأحمد في مسنده. قوله: (عَلَى أبِي سلمَةَ) تقدم بيان عام وفاته وسبب مماته في ترجمة أم المؤمنين أم سلمة في باب ما يقول حال خروجه من بيته وهو من السابقين الأولين أسلم بعد عشرة أنفس وهاجر الهجرتين وسيأتي بسط لذكر فضائله إن شاء الله تعالى. قوله: (إِنَّ الرّوحَ) هي مؤنثة وقد تذكر، والمختار الوقوف عن التكلم في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حقيقتها إلَّا أن وصفها أن الحياة تذهب بذهابها قال المصنف وهي أجسام متخللة في البدن وليست أعراضًا ومعنى قوله إن الروح إذا قبض تبعه البصر معناه إذا خرج الروح من الجسد تبعه البصر ناظرًا أين يذهب قال الجلال السيوطي في فهم هذا دقة فإنه يقال إن البصر إنما يبصر ما دام الروح في البدن فإذا فارقه تعطل الإبصار كما تعطل الإحساس قال والذي ظهر لي فيه بعد النظر بثلاثين سنة أن يجاب بأحد أمرين أحدهما إن ذلك بعد خروج الروح من أكثر البدن وهي باقية في الرأس والعينين فإذا خرج من الفم أكثرها ولم يخرج باقيها نظر البصر إلى القدر الذي خرج وقد ورد أن الروح على مثال البدن وقدر أعضائه فإذا خرج بقيتها من الرأس والعين فيكون المراد إذا قبض إذا شرع في قبضه ولم ينته قبضه، الثاني أن يحمل ما ذكره كثير من العلماء إن الروح لها اتصال بالبدن وإن كانت خارجة فترى وتسمع وترد السلام ويكون هذا الحديث من أقوى الأدلة على ذلك والله أعلم. بمراد نبيه - صلى الله عليه وسلم - اهـ، وفي كلا الجوابين بعد أما الأول فإنه مجاز والأصل عدمه وأما الثاني فإنما فيه بقاء إدراك الروح بعد مفارقة الجسد لإبقاء إدراك البصر بعد مفارقة الروح الذي الكلام فيه والله أعلم. قال في المرقاة إن الروح إذا قبض تبعه البصر أي في الذهاب فهو علة الإغماض أي لم يبق لانفتاح بصره فائدة لذهاب البصر وقيل إن جملة الروح الخ. علة للشق أي إن المحتضر يتمثل له الملك المتوفى روحه فينظر إليه شزرًا ولا يرتد طرفه حتى تفارقه الروح وتضمحل بقايا قوى البصر ويبقى البصر على هيئته نقله عن الطيبي ثم قال ويعضده ما روى أبو هريرة إنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألم تروا إن الإنسان إذا مات شخص بصره قالوا بلى قال فذلك حين يتبع بصره نفسه أخرجه مسلم وغير مستنكر من قدرة الله سبحانه أن يكشف له عن الغطاء ساعتئذٍ حتى يبصر ما لم يكن يبصر قلت ويؤيده فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد اهـ، وحاصله إنه لا منافاة بين زوال إدراك البصر بالموت وما ورد في الخبر فمن الجائز الإدراك لذلك فقط ومستند هذا الاحتمال الخبر المذكور والله أعلم، وفي التحفة لابن حجر الهيتمي يحتمل أن المراد من قوله تبعه البصر إن القوة الباصرة تذهب عقب خروج الروح فحينئذٍ تجمد العين ويقبح منظرها ويحتمل إنه يبقى فيه عقب خروجها

قُبِضَ تَبَعَهُ البَصَرُ"، فَضجَّ ناس من أهله، فقال: "لا تَدْعُوا على أنْفُسِكُمْ إلَّا بِخَير، فإن المَلائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ على ما تَقُولُونَ"، ثم قال: "اللهُم اغْفِرْ لأبي سَلَمَةَ، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ في المَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ في عَقِبِهِ في الغابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنا وَلَه يا رَبَّ العالمِينَ، وَافْسَحْ لهُ في قَبْرِهِ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ". قلت: قولها: "شقَّ" هو بفتح الشين، و"بصره" برفع الراء فاعل شقَّ، هكذا الرواية فيه باتفاق الحفاظ وأهل الضبط. قال صاحب الأفعال: ـــــــــــــــــــــــــــــ شيء من بخارها الغريزي فيشخص به ناظرًا أي يذهب بها ولا بعد في هذا لأن حركته حينئذٍ قريبة من حركة المذبوح ويحكم على الإنسان مع وجودها بسائر أحكام الموتى اهـ. قوله: (فَضجّ) بالضاد المعجمة والجيم المشددة أي رفع الصوت بالبكاء وصاح. قوله: (لَا تدْعُوا عَلَى أَنفسِكم إلا بخير) قال المظهري أي لا تقولوا شرًّا ولا ويلًا أو الويل لي وما أشبه ذلك وهذا أولى مما قيل معناه لا تتكلموا في حق الميت بما لا يرضاه الله فيرجع تبعته عليكم فكأنهم دعوا على أنفسهم بدليل إنه قال بعده فإن الملائكة يؤمنون أي يقولون على دعائكم آمين ومعناه استجب فينبغي أن لا يكون الدعاء إلَّا بخير. قوله: (في المهدِيِّين) بتشديد الياء الأولى الذين هداهم الله للإسلام سابقًا والهجرة إلى خير الأنام عليه الصلاة والسلام لاحقًا وفي النهاية وقد استعمل من الأسماء حتى صار كالأسماء الغالبة. قوله: (وَأَخلفهُ) بهمزة الوصل وضم اللام من خلف يخلف إذا قام مقام غيره بعده في رعاية أمره وحفظ مصالحه أي كن خلفًا وخليفة له في عقبه بكسر القاف قال الطيبي أي في أولاده قيل والأظهر من يعقبه ويتأخر عنه من ولد وغيره فلذا أبدل منه قوله في الغابرين حال من عقبه أي أوقع خلافتك في عقبه كائنين في جملة الباقين من النّاس. قوله: (لنَا) يصح أن يكون النون لتعظيم ذاته الشريفة أوله ولغيره من الصحابة والأمة. قوله: (وافسحْ له في قبرِه) أي وسع له فيه دعاء بعدم الضغطة. قوله: (ونَوِّر له) أي في قبره أراد به رفع الظلمة. قوله: (شَقّ بصره الخ) قال السيد الشريف في حواشي المشكاة نقلًا عن الطيبي يقال شق بصره إذا نظر إلى شيء لا يرتد إليه طرفه. قوله: (بفتح الشينِ) قال المصنف والشين مفتوحة بلا خلاف قال الطيبي وضم الشين منه غير مختار. قوله: (وبصره برفع الراءِ الخ) قال المصنف وضبطه بعضهم بفتح الراء وهو صحيح أيضًا أي من حيث المعنى وإلا

باب ما يقال عند الميت

يقال شقَّ بصرُ الميت، وشقَّ الميتُ بصرَه: إذا شخص. وروينا في سنن البيهقي بإسناد صحيح عن بكر بن عبد الله التابعي الجليل قال: إذا أغمضت الميت فقل: بسم الله، وعلى مِلَّةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإذا حملته فقل: بسم الله، ثم سبِّح ما دمت تحمله. باب ما يقال عند الميت روينا في "صحيح مسلم" عن أمّ سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا حَضَرْتُمْ المَرِيضَ أو المَيِّتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فقد نقل المصنف هنا اتفاق الحفاظ وأهل الضبط على أن الرواية بضم الراء على إنه إنما يستقيم على ما نقله عن صاحب الأفعال من إنه يقال أيضًا شق الميت بمره أما على ما نقله الجوهري والسيوطي وغيرهما عن ابن السكيت إنه لا يقال شق الميت بصره بل يقال شق بصر الميت وهو الذي حضره الموت وصار ينظر إلى الشيء لا يرتد طرفه فلا يستقيم فتأمله والله أعلم. قوله: (وَرَوَيْنَا في سُنَنِ البيهقِى الخ) قال المصنف في المجموع لم أر لأصحابنا كلامًا فيما يقال حال إغماضه ويستحسن ما رواه البيهقي الخ، وقال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث موقوف على بكر بن عبد الله أخرجه عبد الرزاق والبيهقي. قوله: (فإن احتملَتْهُ الخ) في الحصن روي هذا اللفظ عند الحمل ابن أبي شيبة في مصنفه من قول ابن عمر وبكر بن عبد الله المزني التابعي وفي السلاح إن ابن عمر سمع رجلًا يقول ارفعوا على اسم الله فقال لا يقال ارفعوا على اسم الله فإن اسم الله لا يرفع عليه شيء ولكن قل ارفعوا بسم الله. باب ما يقال عند الميت قوله: (وَرَوَيْنَا في صحيح مسلم الخ) وكذا رواه الأربعة عن أم سلمة كما في الحصن وغيره وقوله هكذا وقع في مسلم إذا حضرتم المريض أو الميت على الشك ورويناه في سنن أبي داود الميت بغير شك وهي رواية سفيان الثوري عن الأعمش عند أبي داود والطبراني ويحتمل أن تكون أو للتنويع فقد رواه أبو حذيفة عن الثوري بلفظ إذا حضرتم المريض

فَقُولُوا خَيرًا، فإنَّ الملائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ على مَا تَقُولُونَ"؟ قالت: فلما مات أبو سلمة أتيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلتُ: يا رسول الله إن أبا سلمة قد مات، قال: قُولي: "اللهُم اغْفِرْ لي وَلَهُ، وَأَعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبَى حَسَنَةً"، فقلت ذلك، فأعقبني الله مَن هو خير لي منه: محمدًا - صلى الله عليه وسلم -. قلت: هكذا وقع في "صحيح مسلم"، وفي الترمذي: "إذا حَضَرْتُمُ المَرِيضَ أو المَيِّتَ" على الشكِّ. وروينا في سنن أبي داود وغيره: "الميت" من غير شك. وروينا في سنن أبي داود، وابن ماجه، عن معقل بن يسار الصحابي رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اقْرَؤوا يس على مَوْتَاكُمْ". قلت: إسناده ضعيف، ـــــــــــــــــــــــــــــ رويناه في الغيلانيات هكذا مقتصرًا على المريض ورواه عبيد الله بن موسى عن الأعمش مقتصرًا على الميت وأخرجه كذلك البيهقي من وجهين عن عبيد الله بن موسى اهـ. وقوله (فَقولُوا خيرًا) أمر ندب وتعليم لما يقال عند المريض أو الميت من الدعاء والاستغفار وطلب اللطف به والتخفيف فالمراد خير لمن يحضرون عنده من مريض أو ميت وقيل قولوا خيرًا لكم وقولوا خير للمحتضر أي قولوا له لا إله إلَّا الله إذ هي خير ما يقال له قالوا يستحب أن يحضر الميت الصالحون وأهل الخير ليذكروه ويدعوا له ولمن يخلفه فينتفع بذلك الميت ومن يصاب به ومن يخلفه. قوله: (وأَعقِبنِي) هو من الأعقاب أي أبدلني وعوضني منه عقبى على وزن بشرى حسنة بالنصب صفة عقبى المنصوب مفعولًا مطلقًا أي بدلًا صالحًا. قوله: (فأو للشَّكِّ) إن أريد بالميت من يؤول إلى الموت فهو المريض فأو للشك أما إن أريد بالميت حقيقة أي ما يقابل الحي فأو للتنويع وإطلاق المصنف أنها للشك محمول على الطريق الأول قال في المرقاة ولا وجه لما جزم ابن حجر من أنها للشك والمراد من الثاني هو الأول اهـ، وفيه إنه لا وجه لقوله لا وجه لأنه حيث كان مآل اللفظين لمعنى واحد تبين أن أو للشك في تعيين اللفظ الوارد منهما كما إنه إذا اختلفا معنى كانت أو للتنويع. قوله: (وَرَوَيْنَا في سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ اهـ) ورواه أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم وقال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث غريب. قوله: (اقرَؤوا عَلَى موتَاكم) قال ابن حبان المراد

فيه مجهولان، لكن لم يضعفه أبو داود. وروى ابن أبي داود عن مجالد عن الشعبي قال: كانت الأنصار إذا حضروا الميت قرؤوا عنده سورة البقرة. مجالد ضعيف. ـــــــــــــــــــــــــــــ من حضره الموت لأن الميت لا يقال يقرأ عليه وذلك لأن اللسان حينئذٍ ضعيف القوة والأعضاء ساقطة المنفعة لكن القلب قد أقبل على الله تعالى بكليته فيقرأ عليه ما يزداد به قوة قلبه ويشتد تصديقه بالأصول فهو إذن عمله اهـ. قال العلقمي قوله من حضره الموت يعني مقدماته وقيل الحكمة في قراءتها أن أحوال القيامة والبعث مذكورة فيها فإذا قرئت عنده تحدد له ذكر تلك الأحوال وأخذ ابن الرفعة بظاهر الخبر فصحح أنها إنما تقرأ بعد موته قلت لو قال قبل وبعد لكان أولى عملًا بالقولين اهـ. قوله (فيه مجهولانِ) قال الحافظ هما أبو عثمان وأبوه أما أبو عثمان فذكره ابن حبان في الثقات وصحح حديثه هو والحاكم لكن تساهلا فيه وأما ابن حبان فوثق أبا عثمان على قاعدته فيمن روي عنه ثقة وروي عن ثقة ولم يأت بمنكر سواء انفرد بالرواية عنه واحد أم لا وليس العمل على هذا عند غيره ومع ذلك فعلى ابن حبان فيه درك آخر وهو سقوط الواسطة بين أبي عثمان ومعقل من روايته إذا ظهر من رواية غيره أن بينهما رجلًا مجهولًا لم يسم ولم ينسب ولم يوثق فهو على خلاف قاعدته في توثيق وأبو عثمان وتصحيح الحديث وأبي عثمان هذا ليس هو بالنهدي كما صرح به جمع من رواته عنه وأما الحاكم فتساهل في تصحيحه لكونه من فضائل الأعمال وعلى هذا يحمل سكوت أبي داود والعلم عند الله اهـ. قوله: (وَرَوَى ابن أَبِي دَاوُدَ) اسمه عبد الله وكنيته أبو بكر وهو بها أشهر وكان من كبار الحفاظ وأبوه صاحب السنن اعتنى به وسمعه من كثير من مشياخه في حال صغره وهذا الأثر أخرجه في كتاب شريعة القارئ بسند تردد في سماعه له من شيخه بسنده إلى مجالد وهو بضم الميم وتخفيف الجيم وهو ضعيف كما قال الشيخ لكنه لم يترك بل وصفه مسلم بالصدق وأخرج له في المتابعات والذين أشار إليهم الشعبي يحتمل أن يكونوا من الصحابة ومن التابعين قاله الحافظ ثم أخرج الحافظ عن طلحة بن مصرف قال دخلت

باب ما يقوله من مات له ميت

باب ما يقوله من مات له ميت روينا في "صحيح مسلم" عن أمِّ سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ على خيثمة يعني ابن عبد الرحمن وهو مريض فقلت إني أراك اليوم صالحًا قال نعم قرئ عندي القرآن وكان يقول إذا قرئ عند مريض القرآن وجد بذلك خفة، هذا أثر صحيح وخيثمة تابعي كبير وطلحة تابعي صغير أخرجه ابن أبي داود وأخرج ابن أبي داود أيضًا من طريق خالد بن معدان وهو من ثقات التابعين إنه كان يقرأ عند الميت إذا كان في النزع آخر الصافات وقد تقدم عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء من هذا قلت ذكرناه في الكلام على حديث أبي سعيد لقنوا موتاكم قال الحافظ ووجدت لحديث معقل شاهدًا عن صفوان بن عمر وعن المشيخة أنهم حضروا غضيف بن الحارث حين اشتد سوقه فقال هل فيكم أحد يقرأ يس قال فقرأها صالح بن شريح السكوني فلما بلغ أربعين آية منها قبض فكان المشيخة يقولون إذا قرأت عند الميت خفف عنه بها هذا موقوف حسن الإسناد وغضيف بمعجمتين وفاء مصغر صحابي عند الجمهور، والمشيخة الذين نقل عنهم لم يسموا لكنهم ما بين صحابي وتابعي كبير ومثله لا يقال بالرأي فله حكم الرفع وأخرج ابن أبي شيبة من طريق أبي الشعثاء جابر بن زيد وهو من ثقات التابعين إنه يقرأ عند الميت سورة الرعد وسنده صحيح اهـ. كلام الحافظ. باب ما يقوله من مات له ميت قوله: (رَوَيْنَا في صَحيحِ مُسلم الخ) قال في السلاح انفرد به مسلم أي عن باقي الستة وإلا فقد أخرجه أبو عوانة كما قال الحافظ. قوله: (مُصيبةٌ) أي سواء كانت عظيمة أو صغيرة كما يؤذن به وقوع النكرة في سياق النفي المؤذن بالعموم وفي المصباح الشدة النازلة وجمعها على المشهور مصائب قالوا والأصل مصاوب قال الأصمعي قد جمعت على لفظها بالألف والتاء فقيل مصيبات قال وأرى أن جمعها على مصائب من كلام أهل الامصار وقال بعضهم المصيبة هي التي تصيب الإنسان من نكبة ونحوها قال الواحدي ولا يقال فيما يصيب بخير مصيبة وسبق بعض

إنا لِلهِ وإنَّا إلَيهِ رَاجِعُونَ، اللهم أجُرْني في مُصِيبَتي، وأخْلِفْ لي خَيْرًا مِنْهَا، إلا آجَرَهُ اللهُ تَعَالى في مُصِيبَتِهِ وأخْلَفَ لَهُ خَيْرا مِنْها"، قالت: فلما توفي أبو سلمة، قلت كما أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخلف الله تعالى لي خيرًا منه: ـــــــــــــــــــــــــــــ الفوائد المتعلقة بالآية في باب ما يقول إذا أصابته نكبة. قوله: (إنَّا لله) أي نحن وأهلونا وأموالنا عبيد لله يصنع فينا ما يشاء أي ومن ظن نفسه على هذا المعنى سهل عليه ما فقده وأصابه قال الطيبي أما التلفظ بذلك مع الجزع قبيح وسخط للقضاء اهـ، وتعقبه في المرقاة بأن ذلك من خلط العمل الصالح بالعمل السوء كالاستغفار مع الإصرار اهـ، وما قاله الطيبي طيب. قوله: (وإِنَّا إِليهِ) أي إلى انفراده بالحكم كما كان أول مرة راجعون وهو إقرار بالبعث والنشور وقال أبو بكرٍ الوراق إنَّا لله إقرار له بالملك وإنّا إليه راجعون إقرار على نفسه بالهلكة نقله العلقمي. قوله: (اللَّهمَّ أجُرْني) بسكون الهمزة وضم الجيم ونقل القاضي عياض عن أهل اللغة إنه مقصور لا يمد وبمد الهمزة وكسر الجيم قال الطيبي أجره يأجره إذا أثابه وأعطاه الأجر كآجره اهـ. قال ابن حجر بضم الجيم وكسرها يعني مقصورة بالوجهين وهو كذلك في القاموس قال في المرقاة لكن الكسر مع القصر غير موجود في النسخ اهـ، ومعنى أجره الله أي أعطاه أجره وجزاء صبره ووقع لابن ملك في شرح المشارق إنه قال هو بهمزة وصل وهذا منه كما في المرقاة سهو لأن الهمزة الموجودة فاء الفعل وهمزة الوصل سقطت في الدرج. قوله: (وأَخْلِفْ لي خيرًا منْهَا) أي اجعل لي خلفًا مما فات عني في هذه المصيبة وأخلف بهمزة قطع وكسر اللام يقال لمن ذهب له ما لا يتوقع حصول مثله بأن ذهب له والد خلف الله عليك منه بغير ألف أي كان الله خليفة منه عليك ويقال لمن ذهب له مال أو ولد أو ما يتوقع حصول مثله أخلف الله عليك أي رد الله عليك مثله. قوله: (فلمَا تُوُفِّي أَبو سَلَمَةَ) هو زوجها عبد الله بن عبد الأسد المخزومي سبق عام وفاته قال أبو نعيم إنه أول من هاجر إلى المدينة وذكره أصحاب المغازي ثم هاجر إلى الحبشة فهو أول من هاجر بالظعينة إلى أرض الحبشة ثم إلى المدينة وكان أخا النبي - صلى الله عليه وسلم - من الرضاع وابن عمته توفي شهيدًا عام أحد كما تقدم في باب ما يقول إذا خرج من بيته في ترجمة

رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -. وروينا في سنن أبي داود، عن أمِّ سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذَا أصَابَ أحَدَكُمْ مُصِيبَةٌ فَلْيَقُلْ: إنَّا لِلهِ وَإنَّا إلَيهِ رَاجِعُونَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها. قوله: (رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -) هو في نسخة مصححة مضبوط بالرفع على إنه خبر لمحذوف والنصب وجهه ظاهر أي بدلًا من خيرًا لا عطف بيان لما في المعنى من شرط توافق المعطوف والمعطوف عليه عطف بيان في التعريف والتنكير ويؤيد الثاني أنها جاء عنها في رواية لمسلم وهي عند أبي داود والنسائي فأخلف الله لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قوله: (وَرَوَينَا في سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ الخ) قال الحافظ أخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان وأخرج النسائي وابن خزيمة والطحاوي والحاكم من طرق أخرى وأخرجه ابن حبان عن ابن خزيمة وإنما لم يخرج مسلم هذه الطريق مع إخراجه الحديث الأول والقصد واحد لاختلاف وقع في هذه الطريق على بعض رجالها ثم إن النسائي وقع عنده الحديث في طريق أم سمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير واسطة وهي رواية الشيخ عنها في الكتاب فقال عنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الحافظ يمكن الجمع بأن تكون أم سلمة سمعته من أبي سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم لما مات أبو سلمة وأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تقوله لما سألته تذكرت ما كان أبو سلمة حدثها به فكانت تحدث به على الوجهين ويؤيد هذا الحمل أن في سياق الحديثين اختلافًا لفظًا وزيادة ونقصًا ثم أيده برواية أخرى أخرجها هو عن ابن أبي سلمة أن أبا سلمة جاء إلى أم سلمة فقال لقد سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثًا هو أحب إليّ من كذا وكذا سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إنه لا يصيب أحدًا مصيبة فيسترجع ثم يقول فذكر الحديث قال الحافظ بعد إخراجه من طريق أبي يعلى وغيره وأخرجه ابن منده في المعرفة من طريق آخر عن ابن أبي سلمة قال قالت أم سلمة جاء أبو سلمة فقال فذكر الحديث بنحوه وقال فيه أحب إليّ من الدنيا جميعًا وأخرجه أبو داود عن أم سلمة فذكره مختصرًا وللحديث شاهد عن ابن عباس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من استرجع عند المصيبة

اللَّهُمَّ عِندَكَ أحْتَسِبُ مُصِيبَتي فأجُرْنِي فِيها، وأَبْدِلني بِها خَيرًا مِنها". وروينا في كتاب الترمذي وغيره، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذَا ماتَ وَلَدُ العَبْدِ قال اللهُ تعالى لمَلائكتِه: قبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: فَمَاذَا قال عَبْدِي؟ فيَقُولُون: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ، فَيَقُولُ اللهُ تَعَالى: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الحَمْدِ" قال الترمذي: حديث حسن. وفي معنى هذا، ما رويناه في "صحيح البخاري" عن أبي هريرة رضي الله عنه، ـــــــــــــــــــــــــــــ جبر الله مصيبته وأحسن معونته وجعل له خلفًا صالحًا يرضاه قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث حسن أخرجه ابن أبي حاتم ورجاله موثقون إلّا علي بن أبي طلحة لم يلق ابن عباس اهـ، وفي الجامع الصغير ورواه الحاكم أيضًا عن أم سلمة ورواه الترمذي وابن ماجة عن أبي سلمة. قوله: (اللَّهمَّ عِنْدَكَ أَحتَسبُ مُصيبَتي) أي أدخر ثواب مصيبتي في صحائف حسناتي قال الحسن الحمد لله الذي أجرنا على ما لا بد لنا منه. قوله: (فأْجُرني) قال العلقمي بسكون الهمزة وضم الجيم وكسرها أي ائتني بالأجر والثواب فيها وقال شيخنا فأجرني بالمد والقصر فالأول من آجر والثاني من أجر اهـ. قلت وسبق لهذا مزيد في الحديث قبله. قوله: (وغَيرِهِ) قال في السلاح ورواه ابن حبان في صحيحه زاد في الحصين وابن السني كلهم عن أبي موسى ولفظ الكتاب للترمذي وسبق الكلام على تخريجه في كتاب حمد الله تعالى. قوله: (ولَدُ العبدِ) أي من ولد أو بنت أو حفيد أو سبط. قوله: (لِملائِكَتِهِ) أي الموكلين بقبض الأرواح. قولط: (قَبَضتُم ولَدَ عَبدِي) أي زوجه والاستفهام مقدر في الكلام. قوله: (ثَمَرَة فؤَادِه) بالمثلثة أي نهاية نتيجة توجه قلبه وقطعة كبده وحب لبه. قوله: (حَمِدَكَ) بكسر الميم أي قال الحمد لله. قوله: (وَاسترْجع) أي قال: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] قوله: (فَيقولُ ابنُوا) بهمزة وصل وسكون الموحدة وضم النون أمر للجماعة من البناء. قوله: (بيتًا) قال في الحرز أي قصرًا عظيمًا وكأن التعظيم استفيد من سياق الكلام واقتضاء المقام. قوله: (بَيتَ الحمد) بالإضافة وهي بمعنى اللام واللام في الحمد للعهد الذهني أي بيتًا لحمده على فقده ولده. قوله: (وفي مَعنى هَذَا مَا روينَاهُ الخ) قال الحافظ يريد الاحتساب

باب ما يقوله من بلغه موت صاحبه

أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يَقُولُ الله تَعالى: ما لِعَبْدِي المُؤمِنَ عِندِي جَزَاءٌ إذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أهْلِ الدنْيا ثمَّ احْتَسَبَهُ إلَّا الجَنَّةَ". باب ما يقوله من بلغه موت صاحبه روينا في كتاب ابن السني، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المَوْتُ فَزَغٌ، فإذا بَلَغَ أحَدَكُمْ وَفَاةُ أخِيهِ فَلْيَقُلْ: إنَّا لِلهِ وَإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، وإنَّا إلى رَبنا لَمُنْقَلِبُونَ، اللهُم اكْتُبْهُ عِنْدَكَ فِي المُحْسِنِينَ، وَاجْعَلْ كِتَابَهُ في علِّيِّينَ، وَاخْلُفْهُ فِي أهْلِهِ في الْغَابِرِينَ، وَلَا تَحْرِمْنا أجْرَهُ ولا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ". ـــــــــــــــــــــــــــــ المذكور في حديث أبي هريرة الاسترجاع والحمد في حديث أبي موسى والجامع بينهما التسليم لأمر الله والحديث المذكور من غرائب الصحيح أخرجه في كتاب الرقاق من طريق عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة. قوله: (صَفِيَّه) بالصاد المهملة المفتوحة وكسر الفاء وتشديد التحتية قال في كشف المشكل والمراد به المصطفى كالولد والأخ وكل محبوب مؤثر وفي النهاية صفي الرجل الذي يصافيه الود يخلصه له فعيل بمعنى فاعل أو مفعول اهـ. باب ما يقوله من بلغه موت صاحبه قوله: (رَوَينا في كتاب ابنِ السّني الخ) قال الحافظ بعد تخريجه حديث غريب أخرجه ابن السني وفي سنده قيس بن الربَيع وهو صدوق لكنه تغير في الآخر ولم يتميز فما انفرد به يكون ضعيفًا اهـ. قوله: (فزَعٌ) بالفاء والزاي المفتوحتين مصدر فزع بكسر الزاي والفزع في الأصل الخوف كما في النهاية وهو إما على تقدير مضاف أي ذو فزع أو مؤول باسم الفاعل أو هو باقٍ على ظاهره مبالغة نحو زيد عدل. قوله: {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف: 14] أي راجعون إلى الدار الآخرة وفيه ندب التذكير والاعتبار بموت الأقران والإخوان وأهل الديار قال بعض العارفين رحمهم الله: وإن افتقادي واحدًا بعد واحد ... دليل على إن لا يدوم خليل قوله: (من المحسنين) أي في الأعمال والأحوال وباقي الذكر سبق

باب ما يقوله إذا بلغه موت عدو الإسلام

باب ما يقوله إذا بلغه موت عدو الإسلام روينا في كتاب ابن السني، عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله، قد قتل الله عزّ وجل أبا جهلٍ، فقال: "الحَمْدُ لِلهِ الذِي نَصَرَ عَبْدَهُ وأعَزَّ دِينَهُ". باب تحريم النياحة على الميت والدعاء بدعوى الجاهلية أجمعت الأمةُ على تحريم النياحة على الميت والدعاء بدعوى الجاهلية، والدعاء بالويل ـــــــــــــــــــــــــــــ الكلام على بعضه في الباب قبله ويأتي باقيه في أذكار الصلاة على الميت. قوله: (بابُ ما يقولُه إِذَا بَلَغَهُ موتُ عدو الإسلام) أي من الكفار أو الخوارج أو غيرهم من أرباب الابتداع المفسدين للدين. قوله: (رَوَيَنا في كتاب ابنِ السُّني عَن ابن مسعودٍ الخ) أخرج الحافظ الحديث عن ابن مسعود قال قلت يا رسول الله إن الله قد قتل أبا جَهل قال الحمد لله الذي أعز دينه ونصر عبده قال وقال مرة وصدق وعده قال الحافظ هذا حديث غريب أخرجه النسائي في كتاب السيرة ولم يخرجه ابن السني عن النسائي وإنما أخرجه في عمل اليوم والليلة من طريق علي بن المديني عن أمية بن خالد ورجاله رجال الصحيح لكن أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه وأخرجه أحمد أيضًا وسياقه أتم ولفظه الحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده الحديث وفي آخره فقال هذا فرعون هذه الأمة اهـ. قوله: (نصَر عبدَه) أي النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو عام أريد به خاص نظير قوله أم يحسدون الناس فالمراد بالناس محمد - صلى الله عليه وسلم -. باب تحريم النياحة على الميت والدعاء بدعوى الجاهلية قوله: (النياحَةِ) بكسر النون ويقال النوح هو رفع الصوت بالندب أي بتعديد شمائله نحو واكهفاه واجبلاه وهو حرام وإن لم يكن معه بكاء. قوله: (عَلَى تحريم النياحَةِ) لما صح في النياحات من التغليظات الشديدة الآتي بعضها ومن ثم كان كبيرة. قوله: (والدعاءِ بالويلِ والثُّبورِ) بمثلثة ثم موحدة أي الهلاك أي وما في معناه من نحو واكهفاه واجبلاه وعطف الدعاء بالويل على الدعاء بدعوى الجاهلية عطف تفسيري إن فسرت دعوى

والثبور عند المصيبة. روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَيسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الخُدُودَ، وَشقَّ الجُيُوب، وَدَعا بِدَعْوَى الجاهِلِيَّةِ" وفي رواية لمسلم: "أوْ دَعا أوْ شَقَّ" بأو. وروينا في "صحيحيهما" عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ـــــــــــــــــــــــــــــ الجاهلية في الأخبار بذلك قال المصنف في شرح مسلم دعوى الجاهلية النياحة وندب الميت والدعاء بالويل ونحوه ويحتمل أن يكون العطف للمغايرة وتفسير دعوى الجاهلية بمثل واكهفاه واجبلاه من الندب ويكون الدعاء بالويل والثبور خارجًا عنها وظاهر كلام ابن الجوزي في كشف المشكل ذلك والله أعلم والمراد بالجاهلية ما قبل الإسلام سموا بذلك لكثرة جهالاتهم. قوله: (رَوَينا في صحيحَي البخاري ومسلم الخ) ورواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة كلهم عن ابن مسعود كذا نقله في الجامع الصغير. قوله: (ليسَ منَّا) أي من أهل هدينا وطريقتنا وهذا وإن لم يقتض بوضعه الخرمة بدليل ليس منا من استنجى من الريح إلّا أنها معلومة من الخارج. قوله: (مَنْ لطمَ الخَدُودَ الخ) جمع خد وجمع هنا وإن كان للإنسان خدان فقط باعتبار إرادة الجمع فيكون من مقابلة الجمع بالجمع أو على حد قوله تعالى: {وَأَطْرَافَ النَّهَارِ} [طه: 130] فإن له طرفين كما إن للإنسان خدين وخص الخد بالذكر لأنه الواقع منهن وإلا فضرب باقي الوجه كذلك إذ هو أشرف ما في الإنسان وقد أمرنا باتقاء ضربه وكذا يحرم ضرب الرأس والصدر وخمش الوجه بالأظافير. قوله: (وفي روايةٍ لمسلم أَو دَعا أَو شقَّ) قال الحافظ بعد تخريجه بلفظ ليس منا من لطم الخدود أو شق الجيوب أو دعا بدعوى الجاهلية ما لفظه أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة والحديث عند هؤلاء عن ثمان رجال كلهم يروونه عن الأعمش وقالوه كلهم بالواو إلَّا يحيى بن يحيى قال مسلم في روايته إياه عن يحيى بن يحيى وغيره قال يحيى أو شق أو دعا وقال أبو بكر وابن نمير ودعا وشق وأبو بكر هو ابن أبي شيبة ثم أخرجه مسلم من رواية أخرى بالواو نصًّا اهـ، ملخصًا. قوله: (وَرَويَنَا في صحيحيهمَا الخ) قال القلقشندي في شرح العمدة أخرجه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجة والبزار وأبو يعلى والطبراني وابن حبان والإسماعيلي

برئ من الصالقة والحالقة والشاقَّة. قلت: الصالقة: التي ترفع صوتها بالنياحة، والحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة، والشاقة: التي تشق ثيابها عند المصيبة، وكل هذا حرام ـــــــــــــــــــــــــــــ وأبو عوانة والبرقاني وأبو نعيم كلهم والبيهقي وغيرهم. قوله: (بِريءَ) بكسر الراء يبرأ بفتحها واسم الفاعل برئ بالمد وبارئ وبراء قال الجوهري يقال برئت منك ومن الديون والعيوب براءة وبرئت من المرض برأ بالضم وأهل الحجاز يقولون برأت من المرض برأ بالفتح وأصبح فلان بارئًا من مرضه وبرئت من كذا وأنا براء منه وخلاء منه لا يثنى ولا يجمع فإذا قلت بريء ثنيت وجمعت وأنثت فقلت في الجمع برآء مثل فقيه وفقهاء وبراء مثل كريم وكرام وأبراء مثل شريف وأشراف وأبريآ مثل نصيب وأنصباء وبريؤون وامرأة بريئة وهن بريآت وبرايا ورجل بريء وبراء مثل عجيب وعجاب وقال ابن سيدة برئ وبرأ من المرض يبرأ ويبرأ أي بالفتح والضم فهو بارئ وقال اللحياني هذه لغة أهل الحجاز يقولون أنا منك براء قال الله تعالى حكاية عن إبراهيم {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} [الزخرف: 26] قال ولغة تيم وغيرهم أنا بريء والأنثى بريئة ولا يقال براة وأصل البراء الانفصال عن الشيء والبعد منه فكأنه توعد من فعل ذلك بأن لا يشفع فيه مثلًا أو أراد التباعد عنه وقت ذلك الفعل وهو الأقرب ولم يرد نفيه عن الإسلام ونظيره قوله فيما قبله ليس منا من لطم الخدود الخ، ووقع في بعض طرق الحديث عند أبي داود والنسائي ليس منا من سلق ومن حلق ومن خرق. قوله: (الصالقةُ) هو بالصاد المهملة والقاف وقد تبدل بالسين المهملة وقال ابن دقيق العيد الأصل السالقة بالسين. قوله: (التّي ترفعُ الخ) الصلق في الأصل لا يتقيد بكونه عند المصيبة بل هو رفع الصوت مطلقًا وهذا التفسير إنما هو باعتبار الواقع في الحديث وحكى ابن سيدة عن ابن الأعرابي أن الصلق ضرب الوجه. قوله: (الحالقَةُ) بالحاء المهملة في معنى الحلق قده وحرقه وقصه ونحو ذلك. قوله: (وكلُّ هَذَا حَرَامٌ) قالوا لأن هذه الأفعال تشعر بعدم الرضا بالقضاء والتسخط به فإن وقع التصريح بذلك لم يمتنع حمل النفي على الإخراج من الدين والحرمة في حق الرجال أشد وفي معنى هذه الأمور ما يفعله النسوة من نشر

باتفاق العلماء، وكذلك يحرم نشر الشعر ولطم الخدود وخمش الوجه والدعاءُ بالويل. وروينا في "صحيحيهما" عن أم عطية رضي الله عنها، قالت: أخذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في البيعة أن لا ننوحَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الشعور ولبس جلال الدواب والمآزر السود ونحو ذلك والله أعلم. قوله: (باتفَاقِ العلماءِ) لا غيره لما قاله بعض المالكية من أن النياحة ليست بحرام وإنما المحرم ما يصحبها من شق جيب ونحوه واستدل له قال المصنف وليس فيما قاله دليل صحيح. قوله: (وَرَويَنَا في صحيحيهمَا) قال الحافظ ورواه البخاري وأبو داود من طريق أخرى وأخرجه النسائي مختصرًا والطريقان صحيحان قال الحافظ وللحديث شاهد عن أنس رضي الله عنه قال أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - حين بايعهن أن لا ينحن الحديث هذا حديث حسن أخرجه البزار. قوله: (عَنْ أمّ عطيةَ) هي نسيبة بنون وسين مهملة بعدها تحتية ثم موحدة واختلفوا في ضبط النون والسين فقيل بفتح النون وكسر السين وعليه مشى ابن عساكر والمقدسي والمشهور إنه بصيغة المصغر وعليه مشى ابن ماكولا وابن الجوزي وطائفة وقالوا التي بفتح النون وكسر السين هي أم عمارة وقيل هي نبيشة بالشين المعجمة وبالتصغير حكاه ابن عبد البر وفي التنقيح لابن الجوزي لشينه بلام ونون ونقل ابن الملقن عن صحيح أبي عوانة في كتاب الزكاة تسميتها لنيبه بلام ثم فوقية ثم تحتية ثم موحدة ثم هاء وقال كذا رأيته بالخط وعن تاريخ ابن حبان إنه اسمها واختلف في اسم أبيها أيضًا فقيل كعب وقيل الحارث والأول اشهر وهي صحابية جليلة مشهورة سكنت البصرة وذكر ابن سعد إن أم عطية غزت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - سبع غزوات بتقديم السين وشهدت خيبرًا وكانت على ثقيل عندها وكانت تنتف إبطه وقال ابن عبد البر كانت تعد في أهل البصرة وكانت من كبار نساء الصحابة وكانت تغزو كثيرًا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وتمرض المرضى وتداوي الجرحى وشهدت غسل ابنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وكانت تغسل الميتات روي لها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما قيل أربعون حديثًا اتفقا منها على ستة وانفرد كل منهما بحديث قال القلقشندي ولم أقف على تاريخ وفاتها. قوله: (أَخَذَ علَيْنَا الخ) وفي صحيح مسلم أنها قالت فقلت يا رسول الله إلا آل فلان فإنهم أسعدوني في الجاهلية فلا بد لي أن أسعدهم فقال

وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اثْنَتانِ في النَّاسِ، هُما بِهِمْ كُفْرٌ: الطعْنُ في النَّسَبِ، والنِّيَاحَةُ على المَيِّتِ". وروينا في سنن أبي داود، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النائحة والمستمعة. واعلم أن النياحة: رفع الصوت بالندب، والندب: تعديد النادبة بصوتها محاسن الميت، وقيل: هو البكاء عليه مع تعديد محاسنه. ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلّا آل فلان قال المصنف في شرحه هذا محمول على الترخيص لأم عطية خاصة في آل فلان كما هو ظاهر ولا تحل النياحة لغيرها ولا لها في غير آل فلان كما هو صريح الحديث إن يخص من العموم ما شاء هذا صواب الحكم في هذا الحديث اهـ. قوله: (وَرَوَينَا في صحيح مُسلم) قال الحافظ وأخرجه ابن حبان والبزار بلفظ أربع في النّاس من أثر الجاهلية فذكرهما وزاد ومطرنا بنوء كذا والعدوى وأخرجه ابن حبان في صحيحه أيضًا عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ ثلاث هن من الكفر بالله النياحة وشق الجيوب والطعن في الأنساب وأخرجه أيضًا من طريق أخرى عن أبي هريرة بنحو ذلك اهـ، وأخرج مسلم من حديث أبي مالك الأشعري وهو بلفظ أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونه الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة قال السيوطي في الجامع الصغير رواه الثلاثة يعني أصحاب السنن ما عدى ابن ماجة وقال الحافظ بعد تخريجه الأحاديث التي ذكرناها ويجتمع من هذه الأحاديث التي ذكرناها ست أو سبع خصال والله أعلم. اهـ. قوله: (اثنتانِ في النّاسِ الخ) قيل فيه أقوال أصحها إن معناه هما من أعمال الكفرة وأخلاق الجاهلية والثاني إنه يؤدي إلى الكفر والثالث إنه كفر النعمة والرابع أن ذلك في المستحل وفي الحديث تغليظ تحريم الطعن في الأنساب والنجاحة وقد جاء في كل واحد منهما نصوص قاله في شرح مسلم والمراد بالطعن في الأنساب الوقوع في أعراض النّاس بالذم والغيبة ونحوهما ثم قوله في الثاني ثنتان مبتدأ وجاز الابتداء به لتخصيصه بقوله في النّاس وقوله كفر خبر عنه وقولهما أي الثنتان بهم أي في النّاس جملة معترضة بين المبتدأ والخبر تنبيهًا على ملازمتهما للناس ففيهما التحريض على التخلص منهما حسب الإمكان والله أعلم. قوله: (رَوَينَا في سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ الخ)

قال أصحابنا: ويحرم رفع الصوت بإفراط في البكاء. وأما البكاء على الميت من غير ندب ولا نياحة، فليس بحرام. فقد روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد سعد بن عبادة ومعه عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، فبكي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رأى القوم بكاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بَكَوْا، فقال: "ألا تَسْمَعُونَ أن اللهَ لا يُعَذِّبُ بِدَمْع العَينِ وَلَا بحُزْنِ القَلْب، وَلكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذا أوْ يَرْحَمُ"، وأشار إلى لسانه - صلى الله عليه وسلم -. وروينا في "صحيحيهما" ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث غريب أخرجه أبو داود عن إبراهيم بن موسى عن محمد بن ربيعة عن محمد بن الحسن بن عطية عن أبيه عن جده عن أبي سعيد وعطية والحسن ضعيفان وقد أخرجه البزار والطبراني من حديث ابن عباس وفي سنده ضعيفان أيضًا اهـ. قوله: (قَال أَصحَابُنَا الخ) نقله في المجموع عن امام الحرمين ثم نقل عن غيره إن محله إذا كان مختارًا قال فإن كان مغلوبًا عليه لم يؤخذ به لأنه غير مكلف. قوله: (مِنْ غيرِ ندبٍ ولا نياحةٍ) أي ولا إفراط في رفع صوت فليس بحرام بل نقل جماعة الإجماع على عدم تحريمه لكن الأولى تركه بعد الموت للخبر الصحيح فإذا وجبت فلا تبكين باكية أما قبله فمباح وفرق بأنه بعده أسف على ما فات بخلافه قبله. قوله: (وَروَينَا في صحيحَيِّ البُخَارِيِّ ومسلم) قال الحافظ ورواه أبو عوانة في صحيحه. قوله: (فبكى) أي لما دخل فوجده في غشية كما في الصحيح فسأل عنه فقال قد قضى فقالوا لا فبكى. قوله: (فَقَال الخ) أي لما بكي ورآهم بكوا معه خشى أن يتوهموا جواز البكاء بأنواعه مطلقًا فاحتاج إلى تفصيل ذلك واستنصتهم لأن البكاء شغلهم. قوله: (إِنما يعذِّبُ بهذا أَو يرحَم) أي فإن قال خيرًا رحم به وإن قال شرًّا كنوح عذب به وما أفهمه الخبر من جواز البكاء أي إذا خلا عن النوح ونحوه نقل بعضهم فيه الإجماع كما تقدم. قوله: (وَرَوَيَنَا في صحيحيهمَا) قال الحافظ هذا حديث صحيح

عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رُفِعَ إليهِ ابنُ ابنته وهو في الموت، ففاضت عينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ـــــــــــــــــــــــــــــ أخرجه أحمد وأخرجاه من طرق شتى عن أبي عثمان النهدي. قوله: (عَنْ أَسَامَة بنِ زيدٍ) يكنى أبا محمد وقيل أبو زيد جده حارثة بمهملة ثم راء بعدها مثلثة الكلبي الهاشمي الصحابي الجليل ابن الصحابي الجليل مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن مولاه وابن مولاته وحبه وابن حبه أمره - صلى الله عليه وسلم - على جيش فيه أبو بكر وعمر وهو ابن ثماني عشرة سنة وأردفه لما رجع من عرفة ولما دخل مكة عام الفتح وفي الصحيحين عن ابن عمر قال بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثًا أمر عليهم أسامة فطعن النّاس في إمارته فقال إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل وأيم الله إن كان لخليقا للإمارة وإن كان لمن أحب النّاس إليّ وإن هذا لمن أحب النّاس إليّ بعده وفي الترمذي عن ابن عمر أيضًا إن عمر فرض له ثلاثة آلاف ولأسامة ثلاثة آلاف وخمسمائة فقال عبد الله لأبيه لِمَ فضلت أسامة عليّ فوالله ما سبقني إلى مشهد فقال عمر لأن زيدًا كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أبيك وأسامة كان أحب إليه منك فآثرت حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حبي وروي إنه فرض لأسامة خمسة آلاف وقال - صلى الله عليه وسلم - لعائشة أحبيه فإني أحبه أخرجه الترمذي وفي البخاري إنه - صلى الله عليه وسلم - كان يأخذ أسامة والحسن بن علي ويقول اللهم إني أحبهما فأحبهما، وروي له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما قيل مائة وثمانية وعشرون حديثًا اتفقا على خمسة وانفرد البخاري بحديثين ومسلم بحديثين ومات رضي الله عنه بالمدينة وقيل بالجرف وحمل إلى المدينة سنة أربع وخمسين على الصحيح وقيل سنة أربعين وقيل سنة ثمان أو تسع وخمسين وكان له يوم مات النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرون سنة كذا في شرح العمدة للقلقشندي. قوله: (ابنُ ابْنَتِهِ) البنت هي زينب كما صرح به ابن أبي شيبة وصرح به غيره وابنها قيل هو علي بن أبي العاص ورد بأنه عاش حتى ناهز الحلم وهذا لا يقال له صبي عرفا بل لغة ويجاب بأن الوضع اللغوي يكفي هنا أو يقال إن الله نبه نبيه - صلى الله عليه وسلم - لأمر ربه وصبر ابنته ولم يملك مع ذلك عينيه من الرحمة والشفقة بأن عافا الله الابن من ذلك المرض وتخلص من تلك الشدة وعاش تلك المدة وقال بعض المحققين الصواب إنه إمامة بنت

فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: "هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَها اللهُ تعالى في قُلُوب عِبَادِهِ، وإنما يَرْحَمُ اللهُ تعالى مِنْ عِبَادِهِ الرُّحماءَ" قلت: الرحماء: روي بالنصب والرفع، ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي إمامة كما ثبت في مسند أحمد ولا ينافيه حياتها حتى تزوجها علي رضي الله عنه بعد فاطمة رضي الله عنها لأن قوله وهو في الموت أي في حال شديدة يتولد بعدها عادة إلَّا أنها شفيت من ذلك بعد اهـ، ونظر فيه بأنه كيف يحمل لفظ الابن على الابنة، وبأن الذي يتجه أنهما واقعتان واقعة لابن علي المذكور وواقعة لبنت أمامة المذكورة وعاشت بعد واحتمال ولد غيرهما جرى له ذلك مردود بقول الإخباريين أن زينب لم تلد سواها وقيل يحتمل أن يكون المراد من بنته فاطمة ومن ابنها محسن رضي الله عنهما قال الحافظ ابن حجر وهو أولى قال القارئ في شرح الشمائل في مسند البزار عن أبي هريرة نقل ابن لفاطمة فبعثت إلي النبي - صلى الله عليه وسلم - الحديث والابن المذكور محسن أو المراد عبد الله بن رقية بن عثمان رضي الله عنهما ففي الأسباب للميلادي إن عبد الله بن عثمان من رقية بنته مات في حجره - صلى الله عليه وسلم - وقال إنما يرحم الله من عباده الرحماء اهـ. قوله: (قَال لَهُ سَعدٌ) هو ابن عبادة كما في الصحيحين. قوله: (مَا هَذَا) أي ما الحامل على ما ظهر منك من الدمع فإنا مضطرون للسؤال عنه لنعلم سببه وحكمته. قوله: (هَذِهِ رحمةٌ) أي هذه الدمعة أثر رحمة تفيض من جوف القلب من غير تعمد من صاحبه ولا استدعاء أي وما كان كذلك لا مؤاخذة به إنما المنهي عنه ما قارنه ما دل على الجزع وعدم الرضا بالقضاء، أو هذه الدمعة تنشأ عن تأمل ما هو فيه من الشدة التي يترتب عليها من ثواب صبر نحو الأب أو رضاه ما تخفف عنه ما لاقاه من الوجل وحرارة الفقد والحزن بمقتضى الطبع البشري. قوله: (إِنَّما يرحم الله من عبادِهِ الرُّحماءَ) من فيه بيانية وهي حال من المفعول قدم عليه ليكون أوقع والرحماء جمع رحيم وهو من صيغ المبالغة ومقتضاه أن رحمة الله تختص بمن اتصف بالرحمة وتحقق بها بخلاف من فيه أدنى رحمة لكن ثبت في حديث ابن عمر وغيره الراحمون يرحمهم الرحمن والراحمون جمع راحم فيدخل فيه كل من كان فيه أدنى رحمة وقد ذكر الحوبي في كتابة ينابيع العلوم مناسبة للإتيان بلفظ الرحمن في حديث الباب بما حاصله أن لفظ الجلالة دال على العظمة وقد عرف بالاستقراء إنه حيث ورد يكون الكلام

فالنصب على أنه مفعول "يرحم" والرفع على أنه خبر "إن"، وتكون "ما" بمعنى الذي. وروينا في "صحيح البخاري" عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على ابنه إبراهيم رضي الله عنه وهو يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـــــــــــــــــــــــــــــ مسوقًا للتعظيم فلما ذكرها ناسب ذكر من كثرت رحمته وعظمت ليكون الكلام جاريًا على نسق التعظيم بخلاف الحديث الآخر فإن لفظه يدل على المبالغة في العفو فناسب أن يذكر معه كل ذي رحمة وإن قلت اهـ، وهو كما قال يستحق أن يكتب بماء الذهب في صفحات القلوب. قوله: (فالنصبُ الخ) أي وما كافة. قوله: (وَرَوَيْنَا في صَحِيح البُخَارِيِّ) قال الحافظ بعد تخريجه من طرق حديث أخرجه أحمد من طرق وأبو داود وأبو عوانة وابن حبان. قوله: (عَلَى ابنِهِ إِبراهِيمَ) أي دخل في دار ظئره أبي سيف القين وإبراهيم رضي الله عنه أمه مارية القبطية أهداها المقوقس القبطي صاحب مصر وإسكندرية إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولدت إبراهيم في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة وسر - صلى الله عليه وسلم - بولادته كثيرًا، ولد بالعالية وكانت قابلته أم رابع سلمى امرأة أبي رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوهب له عبدًا وحلق شعر إبراهيم وتصدق بزنته ورقًا وأخذوا شعره فدفنوه كذا قال الزبير ثم دفعه إلى أم سيف امرأة قين بالمدينة يقال له أبو سيف ترضعه وقال الزبير أيضًا أن الأنصار تنافسوا فيمن يرضعه وأحبوا أن يقرعوا مارية للنبي - صلى الله عليه وسلم - لميله إليها فجاءت أم بردة بنت المنذر بن زيد الأنصاري زوج البر بن أوس فكلمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أن ترضعه فكانت ترضعه بلبن ابنها في بني مازن بن النجار وترجع به إلى أمه وأعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم بردة قطعة من نخل وتوفي وهو ابن ثمانية عشر شهرًا قاله الواقدي وقيل ابن ستة عشر شهرًا وثمانية أيام وصلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ندفنه عند فرطنا عثمان بن مظعون ودفنه في البقيع قيل وغسله الفضل بن عباس ونزل في قبره هو وأسامة بن زيد وجلس - صلى الله عليه وسلم - على شفير القبر قال الزبير ورش على قبره الماء وعلّم على قبره بعلامة وهو أول قبر رش عليه الماء روى عنه - صلى الله عليه وسلم - إنه قال لو عاش إبراهيم لأعتقت أخواله ولوضعت الجزية

تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟ فقال: "يا ابْنَ عَوْفٍ إنها رَحْمَةٌ، ثم أتبعها بأخرى فقال: "إنّ العَينَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلا نَقُولُ إلَّا ما يُرْضِي ربَّنا، وإنَّا بِفِرَاقِكَ يا إبْراهِيمُ لَمَحْزُونُونَ" والأحاديث بنحو ما ذكرته كثيرة مشهورة. وأما الأحاديث الصحيحة: أن الميت ـــــــــــــــــــــــــــــ عن كل قبطي وورد من طرق ثلاثة من الصحابة لو عاش إبراهيم لكان نبيًّا وتأويله أن القضية الشرطية لا تستلزم الوقوع ولا يظن بالصحابة الهجوم على مثل هذا الظن وأما إنكار المصنف كابن عبد البر فلعدم ظهور هذا التأويل عندهما وهو ظاهر والله أعلم. قوله: (تَذْرِفانِ) هو بالذال المعجمة والراء المكسورة من ذرف بفتح الراء أي يجري دمعهما ويتقاطر من رقة القلب الناشئة من عظيم الرحمة منه لولده. قوله: (وأَنتَ) تبكي قيل الواو عاطفة التقدير النّاس يبكون على موتاهم وأنت تبكي أيضًا يا رسول الله فربما يتوهم من بكائك خلاف المراد. قوله: (إِنهَا رحمةٌ) أي الدمعة ناشئة عن الرحمة على ما سبق تقريره. قوله: (بأُخْرَى) أي بدمعة أخرى أو بكلمة أخرى أي أتبع الكلمة الأولى المجملة وهي قوله إنها رحمة بكلمة أخرى مفصلة هي قوله إن العين تدمع الخ. قال السيد السمهودي في فتاواه وهذا الأخير أرجح اهـ. قوله: (العينَ تدمَعُ) أي اضطرارًا ناشئًا عن قضية الجبلة البشرية أو اختياريًّا للتشريع وبيان إنه لا ينافي ذلك كمال الرضا والشهود. قوله: (القلبَ يَحْزَنُ) أي على فراق الأحباب بمقتضى الجبلة. قوله: (ولا نَقول إِلَّا مَا يُرْضي ربّنا) أي ومنه {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156]. قوله: (وَإنَّا بفرَاقِكَ الخ) بيّن به أن هذا لا ينافي الرضا ولا الحصر قبله لما تقرر إن الحزن أمر جبلي لا محذور فيه إنما المحذور فيما يكون معه عادة مما كان عليه الجاهلية ومن على طريقتهم. قوله: (والأحاديثُ بنحْو مَا ذكَرتُهُ الخ) أي كحديث جابر قال أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيد عبد الرحمن بن عوف فانطلق إلى ابنه إبراهيم فوجده يجود بنفسه فوضعه في حجره فبكى فقال له عبد الرحمن أتبكي وقد نهيت عن البكاء قال لا ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان وصوت عند نعمة ولولا إنه وعد حق وموعد صدق لحزنا عليه حزنًا هو أشد من هذا وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون

يُعذَّب ببكاء أهله عليه، فليست على ظاهرها وإطلاقها، بل هي مُؤوَّلة. واختلف العلماء في تأويلها على أقوال أظهرها -والله أعلم- أنها محمولة على أن يكون له سبب في البكاء، إما بأن يكون أوصاهم به، أو غير ذلك، وقد جمعتُ كل ذلك أو معظَمه في "كتاب الجنائز" من "شرح المهذب"، والله أعلم. قال أصحابنا: ـــــــــــــــــــــــــــــ أخرجه الترمذي مختصرًا والبيهقي بتمامه وحديث أسماء بنت يزيد الأنصارية لما نزل بإبراهيم ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل له فقال تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط أخرجه الطبراني سنده حسن وكذا حديث جابر وحديث ابن عباس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياكم ونعيق الشيطان فإنه مهما يكن من العين والقلب فمن الرحمة ومهما يكن من اليد واللسان فمن الشيطان أخرجه أبو داود والطيالسي وحديث ابن مسعود وقرظة بن كعب وثابت بن زيد رضي الله عنهم قالوا رخص لنا في البكاء على الميت من غير نياحة الحديث وفيه قصة أخرجه ابن أبي شيبة بسند قوي وأصله في النسائي اهـ. من كلام الحافظ. قوله: (يعذبُ ببكاءِ أهْلِه) قال في شرح المهذب أجمع العلماء على اختلاف مذاهبهم إن المراد بالبكاء في الأخبار البكاء بصوت أي بالمبالغة في رفعه أو نياحة لا مجرد دمع العين والله أعلم. قوله: (وقد جَمعْتُ كلَّ ذَلِكَ الخ) قال في شرح المهذب وقال طائفة هو محمول على من أوصى بالبكاء والنوح أو لم يوص بتركهما فمن أوصى بهما أو أهمل الوصية بتركهما يعذب بهما لتفريطه بإهمال الوصية بتركهما فأما من أوصى بتركهما فلا يعذب بهما إذ لا صنع له فيهما ولا تفريط منه وفي شرح مسلم وحاصل هذا القول إيجاب الوصية بتركهما ومن أهملها عذب بهما وقالت طائفة معنى الأحاديث أنهم كانوا ينوحون على الميت ويندبونه بتعديد شمائله ومحاسنه في زعمهم وتلك الشمائل قبائح في الشرع فيعذب بهما كما يقولون يا مرمل النسوان ومؤتم الولدان ومفرق الإخوان وغير ذلك مما يرونه شجاعة وفخرًا وهو حرام شرعًا اهـ، وزاد في شرح مسلم عن محمد بن جرير الطبري وغيره أن معناه إنه يعذب بسماعه بكاء أهله ويرق لهم قال عياض هو أولى الأقوال واحتجوا بحديث فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - زجر امرأة عن البكاء على ابنها وقال إن أحدكم إذا مات استعبر له صويحبه

ويجوز البكاء قبلَ الموت وبعدَه، ولكن قبله أولى. للحديث الصحيح: "فإذَا وَجَبَتْ فَلا تَبْكِيَنَّ باكِيَةٌ". وقد نصَّ الشافعي رحمه الله والأصحاب على أنه يكره البكاء بعد الموت كراهة تنزيه ولا يحرم، وتأوَّلوا حديث "فلا تَبْكِيَنَّ باكِيَةٌ" على الكراهة. ـــــــــــــــــــــــــــــ فيا عباد الله لا تعذبوا إخوانكم وقالت عائشة رضي الله عنها معنى الحديث إن الكافر أو غيره من أصحاب الذنوب يعذب في حال بكاء أهله عليه بذنبه لا ببكائهم عليه والصحيح من هذه الأقوال ما قدمناه أي إنه محمول على من أوصى بفعله أو أهمل الإيصاء بتركه اهـ. قوله: (ويَجوزُ البكاءُ قَبلَ المَوْتِ وبعدَهُ) قال في الروض وقبله أولى قال الإسنوي ومقتضاه طلب البكاء وبه صرح القاضي ونقله في المهمات عن ابن الصباغ ونظر فيه الزركشي والظاهر إن المراد إنه أولى بالجواز لأنه بعد الموت يكون أسفًا على ما فات اهـ، ولذا كان بعد الموت خلاف الأولى المجموع وقيل مكروه كما في الروضة وكلام بعضهم قد يفهم التحريم. قوله: (للحدِيثِ الصحيح) رواه الشافعي وغيره بأسانيد صحيحة كذا في شرح الروض قال الحافظ قاله - صلى الله عليه وسلم - في قصة عبد الله بن ثابت لما عاده فوجده قد غلب فصاح به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غلبنا عليك يا أبا الربيع فصاح النسوة وبكين فجعل جابر بن عتيك يسكتهن فقال - صلى الله عليه وسلم - دعهن فإذا وجبت فلا تبكين باكية قالوا يا رسول الله وما الوجوب قال الموت وقال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث صحيح أخرجه أبو داود وأخرجه النسائي وابن حبان في موضعين من صحيحه والحاكم اهـ، وفي طريق أخرى للحاكم عن ابن وهب عن مالك مخالفة في اسم الصحابي وسماه جبر بن عتيك بفتح الجيم وسكون الموحدة وأخرجه كذلك ابن ماجة ورجح الدارقطني قول من سمى الصحابي جبرًا. قوله: (وقَد نصَّ الشَافِعيُّ الخ) نقل المصنف في المجموع عن الجمهور إنه بعد الموت خلاف الأولى، قال السبكي وينبغي أن يقال إن كان البكاء لرقة على الميت وما يخشى عليه من عذاب الله وأهوال القيامة فلا يكون خلاف الأولى وإن كان للجزع وعدم التسليم للقضاء فيكره أو يحرم قال الروياني ويستثنى ما إذا غلبه البكاء فلا يدخل تحت النهي لانه مما لا يملكه البشر وينبغي أن لا يبكي بحضرة المحتضر.

باب التعزية

باب التعزية روينا في كتاب الترمذي، و"السنن الكبرى" للبيهقي، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أجْرِهِ" وإسناده ضعيف. وروينا في كتاب الترمذي أيضًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ باب التعزية قوله: (رَوَيْنَا في كِتَاب الترمِذِيِّ الخ) في المشكاة رواه الترمذي وابن ماجة، وقال هذا غريب لا نعرفه مرفوعًا إلَّا من حديث علي بن عاصم الراوي، قال ورواه بعضهم عن محمد بن سوقة أي بضم المهملة وسكون الواو بعدها قاف بهذا الإسناد موقوفًا أي على ابن مسعود قال ابن حجر في شرحه ومثله لا يقال من قبل الرأي له حكم المرفوع فساوى موقوفه ومرفوعه وقال الحافظ بعد التخريج هذا حديث غريب وأخرجه البزار وقال الترمذي حديث غريب إلّا من حديث علي بن عاصم وهو أكبر ما أنكر عليه. وروى بعضهم عن محمد بن سوقة فلم يرفعه وقال البيهقي بعد تخريجه من وجه آخر عن علي بن عاصم نحو ما قال الترمذي وزاد، وقد روي عن غيره. ثم ذكر الحافظ من رواه عن ابن سوقة غير علي بن عاصم وذكر من خرج كل رواية بما فيه طول. ثم قال بعد ذكر من خرج كل طريق من المتابعين لعلي بن عاصم في محمد بن سوقة، وهؤلاء كلهم متهمون بسرقة الحديث ولم يذكر الترمذي في الباب غيره كعادته وقد روي من حديث جابر بلفظه أخرجه ابن عدي ومن حديث غيره اهـ. قوله: (مَنْ عزَّى) من التعزية وهي لغة التصبير لمن أصيب بما يعز عليه وقد يطلق على الصبر على المكروه وشرعا الحمل على الصبر بوعد الأجر والتذكير بأن الأمور جميعها مرجعها لله تعالى وإن له ما أخذ وما أعطي والتحذير من الوزر بالجزع والدعاء للميت المسلم بالمغفرة ونحو ذلك. قوله: (مُصَابًا) أي بموت وغيره أي من حمل المصاب على التصبر والتأسف بمن أصيب بمثل مصيبته فصبر فللمعزي مثل أجر المصاب لدلالته على ذلك وقد ورد الدال على خير كفاعله. قوله: (إسنَادُه ضَعيفٌ) قال السيوطي في حاشيته على سنن ابن ماجة بل أورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال تفرد به علي بن عاصم عن محمد بن سوقة وقد كذبه شعبة ويزيد بن هارون ويحيى بن معين

عن أبي برزة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ عَزَّى ثَكْلَى كُسِيَ بُرْدًا فِي الجَنَّةِ". قال الترمذي: ليس إسناده بالقويِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ في آخرين وقال الترمذي بعد إخراجه فقال أكثر ما ابتلي به علي بن عاصم هذا الحديث نقموه عليه وقال البيهقي هذا الحديث مما أنكره النّاس على علي بن عاصم وكان أكثر كلامهم فيه بسببه ثم ذكر له متابعين قال الحافظ ابن حجر كل متابعيه أضعف منه بكثير وليس فيها رواية يمكن التعلق بها إلّا طريق إسرائيل ذكرها صاحب الكمال من طريق وكيع عنه ولم أقف بعد على إسنادها وقال الصلاح العلائي قد رواه إبراهيم بن مسلم الخوارزمي عن وكيع عن قيس بن الربيع صدوق متكلم فيه لكن حديثه يؤيد رواية علي بن عاصم ويخرج به عن أن يكون ضعيفًا واهيًا فضلًا عن كونه موضوعًا اهـ. قوله: (عَنْ أَبِي بَرْزة الأسلمي) بفتح الهمزة من ولد أسلم بن قصي اختلف في اسمه واسم أبيه فقيل خالد بن نضلة قاله بعض ولده، وقيل عبد الله بن نضلة، وقيل عبيد بن نضلة وهو الصحيح وقيل اسم أبيه عبد الله، وقيل عايذ بتحتية فذال معجمة، وقيل عمرو وأبوه برزة صحابي جليل مشهور أسلم وشهد غزوات. منها أحد وخيبر وفتح مكة، وهو قاتل عبد الله بن خطل الذي تعلق بأستار الكعبة يوم الفتح ولم يزل يغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى توفي - صلى الله عليه وسلم - فتحول إلى البصرة وله بها دار، وكان يقوم جوف الليل وهو شيخ كبير فيتوضأ ولا يوقظ أحدًا من خدمه ثم يصلي* روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قيل ستة وأربعون حديث اتفقا منها على حديثين وانفرد البخاري بحديثين ومسلم بأربعة، وكان مع معاوية بالشام وغزا خراسان * ومات رضي الله عنه بمرو، وقيل بالبصرة، وقيل بخراسان، وقيل بمفازة بين سجستان وهراة وقال ابن حبان الأشبه سنة أربعة وستين، وقيل ستين قبل موت معاوية قاله ابن عبد البر وآخرون، ، وقيل سنة خمس وستين ورجحه الحافظ ابن حجر. قوله: (ثكْلى) أي امرأة ثكلى. قال في النهاية الثكل فقد الولد وامرأة ثاكل وثكلى ورجل ثاكل وثكلان اهـ، ويندب تعزية المصاب كما سيأتي ولو نساء لكن لا يعزيهن إلا زوج أو ذو محرم ويحرم تعزية غيرهما

وروينا في سنن أبي داود، والنسائي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما حديثًا طويلًا فيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة رضي الله عنها: "ما أخْرَجَكِ يا فَاطِمَةُ مِنْ بَيْتِكِ؟ " قالت: أتيت أهل هذا الميت فترحَّمتُ إليهم ميِّتَهم أو عزَّيتُهم به". وروينا في سنن ابن ماجه، والبيهقي، بإسناد حسن، عن عمرو بن حزم رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أخاهُ بِمُصِيبَتِهِ إلا كَساهُ الله عَزَّ وَجلَّ مِنْ حُلَلِ الكَرَامَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال بعض أئمتنا للشابة دون العجوز البرزة قال في فتح الإله والذي يدل عليه كلام الأئمة أن التعزية للمرأة أو منها إن قارنها محرم كنظر أو خلوة أو كلام يخشى منه فتنة يحرم تعزيتها سواء الشابة والعجوز وإن لم يقترن به ذلك كرهت في الشابة وأبيحت في العجوز. قوله: (وَرَوَينَا في سننِ أَبِي دَاوُدَ والنسَائِي) زاد في الخلاصة وغيرهما بإسناد ضعيف قال الحافظ بعد تخريج الحديث هذا حديث حسن أخرجه أحمد والنسائي والحاكم وفي سنده ربيعة بن سيف مختلف فيه لينه البخاري، وقال النسائي لا بأس به وقال بعد تخريج حديثه ربيعة صدوق، وفي نسخة ضعيف كذا ذكر المزي في الأطراف وليس له في النسائي إلَّا هذا الحديث اهـ. تنبيه وقع في نسخ الأذكار تقديم حديث عبد الله بن عمرو الذي فيه القصة مع فاطمة على حديث عمرو بن حزم وتأخيره أنسب لمناسبة حديث عمرو بن حزم للحديثين المذكورين قبله في الباب لاشتمالهما على الترتيب في التعزية وإنما يستفاد من حديث عبد الله بن عمرو مشروعيتها للنساء والله أعلم. قوله: (عَنْ عَمْرِو بْنِ حَزمٍ) بالحاء المهملة والزاي ابن زيد بن لواذان الأنصاري الخزرجي نسبه في بني غنم بن مالك بن النجار، ومنهم من ينسبه في بني مالك بن جشم بن الخزرج، ومنهم من ينسبه لغير ذلك، يكنى أبا الضحاك أول مشاهده الخندق استعمله - صلى الله عليه وسلم - على أهل نجران، وهو بنو الحارث بن كعب وهو ابن سبع عشرة سنة بعد أن بعث إليهم خالد بن الوليد فأسلموا، وكتب له كتابًا فيه الفرائض والسنن والصدقات والديات. توفي بالمدينة سنة إحدى وقيل ثلاث

واعلم أن التعزية هي التصبير، وذكر ما يسلِّي صاحب الميت، ويخفِّف حُزْنَه، ويهوِّن مصيبَته، وهي مستحبَّة، فإنها مشتملة على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وهي داخلة أيضًا في قول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وهذا أحسن ما يستدلُّ به في التعزية. وثبت في الصحيح، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "وَاللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أخِيهِ". واعلم أن التعزية مستحبَّة قبل الدفن وبعدَه. قال أصحابنا: يدخل وقت التعزية من حين يموت، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل أربع وخمسين، قيل توفي في خلافة عمر بن الخطاب بالمدينة، والصحيح إنه توفي بعد الخمسين لأن محمد بن سيرين روى عنه إنه كلّم معاوية بكلام شديد لما أراد البيعة ليزيد روى عنه ابنه محمد، والنضر بن عبد الله السلمي كذا في أسد الغابة. قوله: (واعْلم أَن التعْزِية الخ) هذا معناها شرعًا وسبق معناها لغة في الحديث أول الباب. قوله: (وذِكْرُ مَا يُسَلى صَاحبَ المَيتِ) أي بوعد الأجر على الصبر على المصائب والتذكير بأن لله تعالى ما أعطى ولله ما أخذ والأمر كله لله وعظم كرم الله للقادم عليه ومزيد إحسانه إليه وقد رضي بقضائه وصبر نفسه على ابتلائه. قوله: (وهي مُسْتحَبةٌ) أي على سبيل التأكيد ويسن تعزية جميع أهل الميت ولو صغارًا أو نساءً بتفصيله السابق فيهن والسيد بمملوكه بل ويعزي كل من حصل له وجد بفقده بخلاف الشامت الفرح بالموت لأن المطلوب بالتعزية من التصبير الخ. منتف في حقه ويندب البداءة بأضعفهم عن حمل المصيبة وتخصيص أفضلهم بمزيد تلطف ودعاء. قوله: (عَلَى الأَمْرِ بالمعروُفِ) وهو الصبر على المصيبة والرضا بالقضاء. قوله: (والنهي عنِ المنكر) من التبرم والضجر من الأقدار والاعتراض على ذلك المقتضى لعظيم الأوزار. قوله: (وهَذًّا) أي اشتمالها على الأمر وعلى النهي عن المنكر ودخولها في التعاون على البر المأمور به بالآية الشريفة. قوله: (وثَبتَ في الصحِيح) أي من جملة حديث طويل رواه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة هو من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا

ويبقى إلى ثلاثة أيام بعد الدفن. والثلاثة على التقريب لا على التحديد، كذا قاله الشيخ أبو محمد الجويني من أصحابنا. قال أصحابنا: وتكره التعزية بعد ثلاثة أيام، لأن التعزية لتسكين قلب المصاب، والغالب سكونُ قلبه بعد الثلاثة، فلا يجدِّدُ له الحزنُ، هكذا قاله الجماهير من أصحابنا. وقال أبو العباس ابن القاص من أصحابنا: لا بأس بالتعزية بعد الثلاثة، بل يبقى أبدًا وإن طال الزمان، وحكى هذا أيضًا إمام الحرمين عن بعض أصحابنا، والمختار أنها لا تفعل بعد ثلاثة أيام إلا في صورتين استثناهما أصحابنا أو جماعة منهم، وهما إذا كان المعزِّي أو صاحب المصيبة غائبًا حال الدفن، واتفق رجوعه بعد الثلاثة، قال أصحابنا: التعزية بعد الدفن أفضل منها قبلَه، لأن أهل الميت مشغولون بتجهيزه، ولأن وحشتهم بعد دفنه لفراقه أكثر، هذا إذا لم ير منهم جزعًا شديدًا، فإن رآه قدَّم التعزية ليسكِّنهم، والله تعالى أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ والآخرة ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه الحديث. قوله: (ويَبْقى إِلى ثَلاثَةِ أَيامٍ) بعد الدفن وقيل ابتداؤها من الموت وهو ظاهر كلام الروضة وبه صرح جمع قال في شرح الروض والقول بأنه من الدفن مفرع على ابتداء التعزية منه أيضًا لا من الموت كما أفصح به الخوارزمي فقول النووي في المجموع وغيره وقتها من الموت إلى الدفن وبعدها بثلاثة أيام مراده به ما قلناه بدليل قوله بعد فذكرنا أن مذهبنا استحبابها قبل الدفن وبعده ثلاثة أيام وبه قال أحمد اهـ. لكن المتجه كما قال بعض المتأخرين ما في المجموع وغيره أنها من الدفن وإن صرح جمع بخلافه وأولوا عبارته بما تنبو عنه. قوله: (بعْدَ ثَلاثَةِ أَيامٍ) من الدفن كما علمت ما فيه. قوله: (والمخْتارُ أَنَّها لَا تُفعلُ بعْدَ الثَلاثَةِ الخ) قال المحب الطبري وارتضاه الإسنوي والظاهر ابتداؤها بعد القدوم بثلاثة أيام ويلحق بالغيبة المرض وعدم العلم كما صرح به ابن المقري في شرح الإرشاد ومثله الحبس كما بحثه الأذرعي قال ابن حجر في الامداد وينبغي أن يلحق بهذه ما يشبهها من

فصل: ويستحب أن يعم بالتعزية جميعَ أهل الميت وأقاربَه الكبارَ والصغار والرجال والنساء، إلا أن تكون امرأةٌ شابة، فلا يعزِّيها إلا مِحارمُها وقال أصحابنا: وتعزية الصلحاءِ والضعفاءِ على احتمال المصيبة والصبيانِ آكد. فصل: قال الشافعي وأصحابنا رحمهم الله: يكره الجلوس للتعزية قالوا: يعني بالجلوس أن يجتمعَ أهلُ الميت في بيت ليقصدهم من أراد التعزية، بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم ولا فرق بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها، صرح به المحاملي، ونقله عن نصِّ الشافعي رضي الله عنه، وهذه كراهة تنزيه إذا لم يكن معها مُحدَث آخر، فإن ضم إليها أمر آخر من البدع المحرَّمة كما هو الغالب منها في العادة، كان ذلك حرامًا من قبائح المحرَّمات، فإنه مُحدَث. وثبت في الحديث الصحيح: "أن كلَّ مُحْدَثٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالةٌ". فصل: وأما لفظ التعزية، فلا حَجْر فيه، فبأيِّ لفظ عزَّاه حصلت. ـــــــــــــــــــــــــــــ أعذار الجماعة فتبقى في ذلك إلى زوال المانع أي ويمتد بعده لثلاث اهـ. قوله: (جَميعَ أَهل المَيِّتِ) قال الزركشي المستحب التعزية لكل من يحصل عليه وجد حتى بالزوجة والصديق وتعبيرهم بالأهل جري على الغالب. قوله: (فَلَا يعزِّيهَا إلا مَحَارِمُها) أي أو من في معناهم من زوجها وعبدها الثقة وسبق تفصيل في تعزية الأجنبي وفي التحفة لابن حجر الشابة لا يعزيها إلَّا نحو محرم أي يكره ذلك كابتدائها السلام ويحتمل الحرمة وكلامهم إليها أقرب لأن في التعزية من الوصلة وخشية الفتنة ما ليس في مجرد السلامة أما تعزيتها له فلا شك في حرمتها عليه كسلامها اهـ، والأوجه ما سبق عنه في فتح الإله من التفصيل. قوله: (يُكْرهُ الجُلوسُ لِلتَّعْزِيةِ) قالوا لأنه محدث وهو بدعة ولأنه يجدد الحزن ويكلف المعزي وما ثبت عن عائشة من إنه - صلى الله عليه وسلم - لما جاء خبر قتل زيد بن حارثة وجعفر وابن رواحة جلس في المسجد يعرف في وجهه الحزن فلا نسلم أن جلوسه كان لأجل أن يأتوه النّاس فيعزوه فلم يثبت

واستحب أصحابنا أن يقول في تعزية المسلم للمسلم: أعْظَمَ اللهُ أجْرَكَ، وأحْسَنَ عَزَاءَكَ، وَغَفَرَ لِمَيِّتِكَ، وفي تعزية المسلم بالكافر: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك. وفي تعزية الكافر بالمسلم: أحسن الله عزاءَك، وغفرَ لميتك. وفي تعزية الكافر بالكافر: أخلف الله عليك. وأحسن ما يعزَّى به، ما روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: "أرسلت إحدى بناتِ النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه تدعوه وتخبرُه أنَّ صبيًّا لها أو ابنًا في الموت، فقال ـــــــــــــــــــــــــــــ ما يدل عليه. قوله: (وَاستحبَّ بعض أصحابنا) قال الحافظ ولم يذكر دليله من الأثر ثم أسند إلى أبي خالد الوالي بكسر اللام وتخفيف الموحدة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عزى رجلًا فقال يرحمه الله يأجرك قال الحافظ بعد تخريجه هذا مرسل حسن الإسناد أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمرو بن الزبير أنهما كانا يقولان في التعزية أعقبك منه عقبى صالحة كما أعقب عباده الصالحين قال الحافظ وسنده حسن ثم أخرج الحافظ عن الشافعي بسنده إلى جعفر الصادق عن أبيه عن جده قال لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجاءت التعزية فسمعوا قائلًا يقول إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفًا من كل هالك ودركًا من كل فإن فبالله فثقوا وإياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب أخرجه البيهقي قال وروي من وجه آخر عن جابر ومن وجه آخر عن أنس وأوردها في أواخر الدلائل فأما حديث أنس فوقع لنا بعلو في المعجم الأوسط ثم ذكر الحافظ من خرج حديث جابر وما فيه من المخالفة فراجعه اهـ. قوله: (وَأَحْسنَ عَزاءَكَ) بالمد أي جعل صبرك حسنًا وإنما قدم في التعزية الدعاء للمصاب لأنه المخاطب وليوافق قوله - صلى الله عليه وسلم - اللهم اغفر لحينا وميتنا فبدأ بالحي فخولف في تعزية الكافر بالمسلم تقديمًا للمسلم. قوله: (الكافر) ظاهر عبارته شمول الكافر فيها الحربي وغيره أن الحربي يعزى واختلف فيه فأطلق الجيلي وغيره إنه لا يعزى وهو قضية كلام الروضة وقال الشيخ أبو حامد لا يعزى بمعنى أنها تكره قال في شرح الروض وهو الظاهر إلّا أن يرجى إسلامه فينبغي ندبها أخذا من قول السبكي ينبغي إنه لا يندب تعزية الذمي بالذمي أو بالمسلم إلّا إذا رجي إسلامه تألفًا وفي المجموع عدم ندبها قال في المهمات وكلام جماعة منهم

للرَّسولِ: ارْجعْ إلَيْها فأخْبرْها أن لِلهِ تَعالى ما أخذَ، ولَهُ ما أعْطَى، وكُلُّ شَيءٍ عِنْدَهُ بأجَلٍ مُسَمَّى، فَمُرْها فَلْتَصْبرْ وَلْتَحْتَسِبْ ... " وذكر تمام الحديث. قلت: فهذا الحديث من أعظم قواعد الإسلام، المشتملة على مهمات كثيرة من أصول الدين وفروعه والآداب والصبر على النوازل كلِّها، والهموم والأسقام وغير ذلك من الأعراض، ومعنى: "إن لله تعالى ما أخذ"، أن العالم كلَّه ملْكٌ لله تعالى، فلم يأخذ ما هو لكم، بل أخذ ما هو له عندكم في معنى العارية، ومعنى: "وله ما أعطى" أن ما وهبه لكم ليس خارجًا عن مِلْكه، بل هو له سبحانه يفعل فيه ما يشاء، "وكل شيء عنده بأجل مسمى" فلا تجزعوا، فإن من قبضه قد انقضى أجله المسمَّى فمحال تأخُّره أو تقدُّمه عنه، فإذا علمتم هذا ـــــــــــــــــــــــــــــ صاحب التنبيه كالصريح في ندبها اهـ. أي مطلقًا وعبارة هذا الكتاب قريب من ذلك فإنه قال ويعزى الكافر وهو اسم جنس يشمل الحربي وغيره والله أعلم. قوله: (أَنَّ لله مَا أخَذَ) هو مقتبس من قوله تعالى: {إِنَّا لِلَّهِ} [البقرة: 156]، وجملة وله ما أعطى تأكيد مناسب للمقام وقدم ذكر الأخذ على الإعطاء وإن كان متأخرًا في الواقع لما يقتضيه المقام والمعنى أن الله إذا أراد أن يأخذه فهو الذي أعطاه فإن أخذه أخذ ماله فلا ينبغي الجزع إذا استعيد منه وما، فيه وفيما بعده مصدرية ويحتمل أن تكون موصولة والعائد محذوف فعلى الأول التقدير الأخذ والإعطاء وعلى الثاني لله الذي أخذ من الأولاد ما أخذ منهم وله ما أعطى منهم أو مما هو أعم من ذلك وكل شيء أي ما أخذه وأعطاه من الأعمار والأرزاق عنده أي كائن في علمه مكتوب عند ملائكته ملتبس بأجل مسمى معين لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه فغم الجزع حينئذٍ لا فائدة له بل هو سبب لفقد الثواب وعظم المصاب والجملة ابتدائية معطوفة على الجملة قبلها ويجوز في كل النصب عطفًا على اسم أن فيستحب التأكيد أيضًا عليه. قوله: (فلْتصْبِرْ) أي بأن تحتمل مرارة فقده من غير أن يظهر عليها شيء من أنواع الجزع. قوله: (ولْتحتَسبْ) أي تدخر ثواب فقده والصبر عليه عند الله وكل من تصبر وتحتسب أمر للغائبة المؤنثة قال في فتح الإله أو الحاضرة

كله، فاصبروا واحتسبوا ما نزل بكم، والله أعلم. وروينا في كتاب النسائي بإسناد حسن، عن معاوية بن قُرَّة بن إياس، عن أبيه رضي الله عنه. "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فَقَدَ بعض أصحابه، فسأل عنه، فقالوا: يا رسول الله! بُنَيُّهُ الذي رأيتَه هلك، فلقيه النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن بُنَيِّهِ، فأخبره أنه هلكَ فعزَّاه عليه ثم قال: "يا فُلانُ! أيُّما كانَ أحَبُّ إلَيكَ؟ أنْ تَمَتَّعَ بِهِ عُمُرَكَ أوْ لَا تأتِي غَدًا بابًا مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ نظير فبذلك فليفرحوا وعلى هذا فالمبلغ هذا اللفظ بعينه وعلى الأول المبلغ معناه ويؤخذ من الخبر ندب أمر ذي المصيبة بالصبر قبل وقوعها ليخف قلقه عند وقوعها اهـ، ولم يظهر قوله أو الحاضرة إذ لو كان للمؤنثة الحاضرة لتعين الإتيان بياء المخاطبة والله تعالى أعلم. قوله: (وَرَوَينَا في كِتَاب النَّسَائي الخ) ولفظه كان يختلف إليه رجل من الأنصار ومعه ابن له فقال له - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم أتحبه يا فلان قال نعم فأحبك الله كما أحبه قال ففقده النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأل عنه فقالوا يا رسول الله مات ابنه فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أما ترضى أن لا تأتي يوم القيامة بابًا من أبواب الجنة إلا جاء يسعى حتى يفتحه لك فقال رجل يا رسول الله أله وحده أو لكلنا قال بل لكلكم قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث صحيح أخرجه أحمد عن يزيد بن هارون ووكيع فرقهما عن شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه وأخرجه النسائي عن عمرو بن علي الغلاس عن يحيى بن سعيد القطان عن شعبة وهؤلاء متفق على التخريج لهم في الصحيحين وكذا معاوية بن قرة لم يبق إلَّا الصحابي فعجب من اقتصار الشيخ على تحسين سنده وقد صححه ابن حبان والحاكم وأخرجه ابن حبان من رواية وكيع والحاكم من رواية آدم ابن أبي إياس عن شعبة وله شاهد عند أحمد من رواية حسان بن كريب عن حوشب صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر نحوه وفيه أن الصبي كان كمأدب وفيه إنه فقده ستة أيام وفي آخره أتحب أن يكون كهلًا كأفضل الكهول أو يقال أدخل الجنة جزاء بما أخذ منك وشاهد آخر عند الطبراني من حديث ابن عمرو زاد فيه بعد قوله أحبك الله كما أحبه فقال إن الله أشد حبًّا لي منك وفي آخره أترضى أن يكون ابنك مع ابني إبراهيم يلاعبه تحت ظل العرش قال بلى اهـ. قوله: (عَنْ أَبِيهِ) أي قرة بضم القاف وتشديد الراء وهو ابن إياس المزني جد إياس بن معاوية بن قرة قاضي البصرة

أبْوَاب الجَنَّةِ إلَّا وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إلَيْهِ يَفْتَحُهُ لَكَ؟ " قال: يا نبيَّ اللهِ، بل يسبقني إلى ـــــــــــــــــــــــــــــ الموصوف بالذكاء وكان قرة يسكن البصرة روى شعبة عن أبي إياس معاوية بن قرة قال جاء أبي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو غلام صغير فمسح رأسه واستغفر له قال شعبة فقلت أله صحبة قال لا ولكنه كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن معاوية بن قرة عن أبيه قال أتيت رسول لله - صلى الله عليه وسلم - فقلت يا رسول الله أرني الخاتم قال أدخل يدك قال فأدخلت يدي في جربانه فجعلت ألمس انظر إلى الخاتم فإذا هو على نغض كقفه مثل البيضة فما منعه ذلك أن يدعو إليّ وإن يدي لفي جربانه قال أبو عمر قرة هذا قتلته الأزارقة وذلك أن عبد الرحمن بن عنبس وهو ابن عبد الله بن عامر بن كريز وكان في عسكر قرة بن إياس المزني وابنه معاوية فقتل قرة ذلك اليوم وقتل معاوية قاتل أبيه كذا في أسد الغابة لابن الأثير وفي النهاية حديث قرة المزني قال أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأدخلت يدي في جربانه الجربان بالضم أي للجيم والراء وتشديد الموحدة جيب القميص والألف والنون زائدتان اهـ. قوله: (إلا وجدتَه قدْ سبَقَكَ إِليهِ) قال القرطبي في التذكرة في هذا الخبر دليل على أن أطفال المسلمين في الجنة لأن الرحمة إذا نزلت بآبائهم بسببهم استحال أن يرحموا من أجل من ليس بمرحوم قال أبو عمر بن عبد البر هذا إجماع في إن أطفال المسلمين في الجنة ولم يخالف في ذلك إلا فرقة شذت فجعلهم في المشيئة وهو قول مهجور مردود بإجماع الحجة الذين لا يجوز مخالفتهم ولا يجوز على مثلهم الغلط والله أعلم. وأما حديث الشقي من شقي في بطن أمه فمخصوص بغير أطفال المسلمين أو من مات من أطفال المسلمين قبل الاكتساب فهو ممن سعد في بطن أمه ولم يشق بدليل الأحاديث والإجماع وأما حديث خلق الله الجنة وخلق لها أهلًا وهم في أصلاب آبائهم وكذلك النار فهو ساقط مردود بالإجماع ورواية طلحة بن يحيى ضعيف اهـ. قلت وفي تضعيف الخبر مع كونه في صحيح مسلم وغيره نظر من أن الخبر لا ينافي ما ذكر لما تقرر آنفًا من إمكان حمل من مات من أطفال المسلمين على من خلق للجنة وهم في أصلاب الآباء والله أعلم. قوله: (يَفْتحُهُ لكَ) أي لتدخل به أو معه وأنت في غاية من السرور بولدك فوق السرور بذلك الفوز بالنعيم المقيم قال الحافظ. قوله: (روى البيهقيُّ في منَاقِب

الجنة فيفتَحُها لي أحبُّ إليَّ، قال: "فَذلِك لَكَ". وروى البيهقي بإسناده في "مناقب الشافعي" رحمهما الله، أن الشافعي بلغه أن عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله مات له ابن فجزع عليه عبدُ الرحمن جزعًا شديدًا، فبعث إليه الشافعي رحمه الله: يا أخي عزِّ نفسك بما تعزّي به غيرك، واستقبح من فِعْلك ما تستقبحه من فعل غيرك، واعلم أن أمضَّ المصائب فَقْدُ سرورٍ، وحرمان أجرٍ، فكيف إذا اجتمعا مع اكتساب وزْر؟ فتناول حظَّك يا أخي إذا قَرُبَ منك قبل أن تطلبَه وقد نأى عنك، ألهمك الله عند المصائب صبرًا، وأحرزَ لنا ولك بالصبر أجرًا، وكتب إليه: إنِّي مُعَزِّيكَ لا أني على ثِقَةٍ ... مِنَ الخُلُودِ وَلكِنْ سُنَّةُ الدِّينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الشَّافعيِّ الخ) هو كما قال وقد ذكر الشيخ بعد آثارًا عن بعض الصحابة وعن التابعين بغير سند ولا نسبة لمخرج وبعضها في كتاب التعازي للمدائني بغير سند وبعضها في كتاب العزاء لأبي بكر بن أبي الدنيا بأسانيده فلم أر الإطالة بسوقها. قوله: (ابْن مَهْدِيّ) على وزن مرمى. قوله: (فَجَزِعَ لَهُ جَزَعًا شدِيدًا) قال البيهقي في مناقب الشافعي حتى امتنع من الطعام والشراب فبلغ ذلك الشافعي فكتب الخ. قوله: (عَزِّ نفسكَ) أي صبرها على مضي المصائب بما يصبر به غيرك من التأمل فيما جاء من الأحاديث بوعد الثواب وحسن المآب لمن صبر على مصيبته واحتسب مولاه في بليته. قوله: (واستقْبحْ الخ) أي فإن غيرك يستقبح ما صدر منك من القبيح وإن كان ربما يحسن القبيح ما قام بالإنسان من الميل لذلك الشيء والعنية به. قوله: (أمَضِّ) بفتح الميم وبالضاد المعجمة المشددة أي أوجع المصائب وآلمها. قوله: (وحرمانُ أَجرٍ) الواو على بابها بدليل إنه جاء في رواية أخرى عنه في محلها مع وبدليل قوله بعد فكيف إذا اجتمعا مع وزر أي فتجتمع عليه ثلاث مصيبات فقد السرور وحرمان الأجور واكتساب الوزر الناشئ عن فعل ما نهى عنه مما يدل على الجزع والتبرم من القدر. قوله: (فَتنَاوَلْ حظَّك) أي خذ حظك من الأجر بعظيم الصبر وحفظ اللسان والجنان عما لا يرضى المولى سبحانه. قوله: (وقد نَأَى عنكَ) لكونك كدرته بما فعلت بما يدل على الجزع المانع من الثواب الموجب لعظم المصاب. قوله: (وأَحرزَ) وفي نسخة وأجزل. قوله:

فَمَا المُعزِّي بِبَاقٍ بَعْدَ مَيِّتِهِ ... وَلا المُعَزَّي وَلَوْ عَاشَا إلى حِينِ وكتب رجل إلى بعض إخوانه يعزِّيه بابنه: أما بعد: فإن الولد على والده ما عاش حُزْن وفِتنةٌ، فإذا قدَّمه فصلاةٌ ورحمةٌ، فلا تجزع على ما فاتك من حُزْنه وفِتنته، ولا تُضيِّعْ ما عوَّضك الله من صلاته ورحمته. وقال موسى بن المهدي لإبراهيم بن سالم وعزَّاه بابنه: أسَرَّك وهو بليَّةٌ وفتنةٌ، وأحزنك وهو صلواتٌ ورحمة؟ ! . وعزَّى رجل رجلًا فقال: عليك بتقوى الله والصبر، فبه يأخذ المحتسب، وإليه يرجع الجازع. وعزَّى رجل رجلًا فقال: إنَّ من كان لك في الآخرة أجرًا، خير ممن كان لك في الدنيا سرورًا. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنه دفن ابنًا له وضحك عند قبره، فقيل له: ـــــــــــــــــــــــــــــ (ثِقَةٍ) بكسر المثلثة مصدر حذف فاؤه كعده أي لست على وثوق الخلود وفي نسخة على طمع والخلود المكث الطويل وذلك إن الإنسان خفي عليه وقت وفاته وزمن انصرام حياته. قوله: (حزْنٌ) أي إن كان له عاقًا وفي الأمور شاقًّا. قوله: (وفِتْنَةٌ) أي إن كان بضد ذلك فإنه ربما يفتتن بمحبته بمقتضى الطبع البشري ويتقاعد بها عن نيل على المقام من الطاعات السنية والمقامات العلية قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 28]، أي فلا يفتتن المرء بهما فيؤثر محبتهما على ما عند الله تعالى فيجمع المال ويؤثر حب الدنيا على طاعة الله عزّ وجل فإن الله عنده أجر عظيم. قوله: (فإِذَا قدَّمَهُ) بتشديد الدال أي إذا مات قبله واحتسب أجر مصيبته فيه عند ربه فهو له صلاة ورحمة قال تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 157]. قوله: (ولا تضيِّعْ) مضارع من التضييع أي لا تتسبب في ضياع ما عوضك الله به عند الصلوات والرحمة بأن تفعل ما يمنع الأجر ويجلب الوزر. قوله: (والصَّبرِ فيهِ) أي في فقد المصاب به المفهوم من المقام. قوله: (يأخذُ المحتسِبُ) بالرفع فاعل يأخذ وحذف مفعوله للتعميم أي يأخذ المحتسب من جزيل الصلاة ما أشار إليه قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 157]. قوله: (وإِليهِ) أي إلى الصبر يرجع الجازع لطول المدة وهون الشدة فتسلوا كما يسلوا البهائم ويذهب

أتضحك عند القبر؟ قال: أردتُ أن أُرغِمَ أنف الشيطان. وعن ابن جريج رحمه الله قال: من لم يتعزَّ عند مصيبته بالأجر والاحتساب، سلا كما تسلو البهائم. وعن حميد الأعرج قال: رأيت سعيد بن جبير رحمه الله يقول في ابنه ونظر إليه: إني لأعلم خير خَلَّة فيك، قيل: ما هي؟ قال: يموت فأحتسبه. وعن الحسن البصري رحمه الله، أن رجلًا جزع على ولده، وشكا ذلك إليه، فقال الحسن: كان ابنك يغيب عنك؟ قال: نعم كانت غيبتُه أكثر من حضوره، قال: فاتركه غائبًا، فإنه لم يغب عنك، غيبةُ الأجر لك فيها أعظم من هذه، فقال: يا أبا سعيد! هوَّنت عني وجْدي على ابني. وعن ميمون بن مهران، قال: عزَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ سروره وينعدم على تلك المصيبة لجزعه أجوره. قوله: (أْنْ أُرغِمَ أَنفَ الشَّيْطَانِ) بضم الهمزة مضارع أرغم يقال أرغم الله أنفه أي ألصقه بالتراب فهو كناية عن التحقير والاستقذار. قوله: (ابْنِ جُرَيجٍ) بجيم مضمومة بعدها راء مفتوحة ثم مثناة ساكنة ثم جيم. قوله: (مَنْ لمْ يَتعَزَّ عِنْدَ مُصِيبتِهِ بالأجرِ) أي من لم يتكلف من الصبر ومشقته عند نزول مصيبته ووجود صدقها بتذكر الأجر الذي وعد الله به من صبر واسترجع ووعده عزّ وجل لا يخلف. قوله: (سلا كَما تسلُوا البهائِم) أي نسي المصيبة وذهب عنه ألمها لتطاول الأزمان وتعاقب الليالي والأيام فيصير في ذلك كسلو البهائم التي ليس لها على مصائبها أجر والله أعلم، وقد عزى كلام ابن جريج هذا لعلي رضي الله عنه وعقده من قال: وقال علي في التعازي لأشعث ... وخاف عليه بعض تلك الملائم أتصبر للبلوى عزاء وحسبة ... فتؤجر أم تسلوا سلو البهائم قوله: (أَنَّ رجلًا جزع عَلَى ولدِهِ) أي لموته وعظم ألم فقده. قوله: (وشكَا ذلكَ) أي إلى أبي الحسن. قوله: (كَانَ ابنُك الخ) أي كان كما في نسخة. قوله: (فاتْرُكهُ غائبًا) أي فقدر إنه كان غائبًا متروكًا في غيبته لم يؤب من سفره فكما كنت صابرًا على فراقه في السفر فاصبر على فراق مماته وإن هذا الفراق أعظم ثوابًا لك وأجرًا. قوله: (وجْدِي) هو بفتح الواو وإسكان الجيم أي محبتي أو حزني فهو مشترك بين مصدري وجد على وزن فعل بمعنى أحب ومصدر فعل بالكسر معنى حزن كما في القاموس وغيره. قوله: (مَيمُونَ بنِ مهرَانَ)

رجل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه على ابنه عبد الملك رضي الله عنه، فقال عمر: الأمر الذي نزل بعبد الملك أمر كنا نعرفه، فلما وقع لم ننكره. وعن بشر بن عبد الله قال: قام عمر بن عبد العزيز على قبر ابنه عبد الملك فقال: رحمك الله يا بني فقد كنت سارًّا مولودًا، وبارًّا ناشئًا، وما أُحِبُّ أني دعوتك فأجبتني. وعن مسلمة قال: لما مات عبد الملك بن عمر كشف أبوه عن وجهه وقال: رحمك الله يا بنيَّ، فقد سُرِرتُ بك يوم بُشِّرتُ بك، ولقد عُمِّرتُ مسرورًا بك، وما أتت عليَّ ساعة أنا فيها أسرُّ من ساعتي هذه، أما والله إن كنت لتدعو أباك إلى الجنة. قال أبو الحسن المدائني: دخل عمر بن عبد العزيز على ابنه في وجعه فقال: يا بنيَّ كيف تجدك؟ قال: أجدني في الحقِّ، قال يا بنيَّ لأن تكون في ميزاني أحبُّ إليَّ من أن أكونَ في ميزانك، فقال: ـــــــــــــــــــــــــــــ ميمون بوزن مفعول بين ميمية تحتية ساكنة وآخره نون ومهران بكسر الميم وإسكان الهاء بعدها راء آخره نون. قوله: (بشرِ بنِ عبد الله) ضبطه الطاهر الأهدل بحاشية أصله إنه بالسين المهملة وهو الحلواني قال ووقع في بعض النسخ بالمعجمة يا بني بفتح الياء أو كسرها أو سكونها وسبق بيان وجوهها في باب ما يقول إذا دخل بيته. قوله: (فقَد سُررتُ بكَ) بالبناء للمفعول أي بمقتضى الطبع البشري أو الباعث الإيماني لما فيه من تكثير سواد الأمة المحمدية المباهي بكثرتها يوم القيامة سيد البرية - صلى الله عليه وسلم -. قوله: (أَمَا والله الخ) أما فيه للاستفتاح والقسم لتأكيد ما سبقه من كونه في تلك الساعة أسر به منه في سائر الساعات لكونه يدعوه للجنة كما ورد في من مات له فرط إنه لا يأتي بابًا من الجنة إلَّا وجده قد سبقه إليه فإن في قوله إن كنت بفتح الهمزة كما هو مضبوط في نسخة صحيحة فهي مصدرية ولام العلة محذوف ويحتمل أن تكون بكسر الهمزة وتكون إن بمعنى إذ أو تكون شرطية حذف جوابها لسبق ما يدل عليه وعليه فإما أن يقال إنها وضعت موضع إذا الموضوعة للتحقيق وإما أن يقال إن تحقيق هذا المقام موقوف على الصبر على جريان الأقدار والرضا بالقضاء وذلك قل لا يحصل فيفوته هذا المقام فحسن الإتيان بما لا يدل على الجزم والله أعلم. قوله: (في الحَقّ) أي الموت

يا أبت لأن يكون ما تحبُّ أحبُّ إليَّ من أن يكون ما أُحب. وعن جويرية ابن أسماء عن عمه أن إخوة ثلاثة شهدوا يوم تُسْتُرَ فاستُشهدوا، فخرجتْ أمُّهم يومًا إلى السوق لبعض شأنها، فتلقاها رجلٌ حضر تُسْتُرَ، فعرفتْه، فسألته عن أمور بَنِيها، فقال: استُشهدوا، فقالت: مقبلين، أو مدبرين، قال: مقبلين، قالت: الحمد لله، نالوا الفوزَ، وحاطوا الذِّمار، بنفسي هم وأبي وأمي. قلت: الذِّمار بكسر الذال المعجمة، وهم أهل الرجال وغيرهم مما يحق عليه أن يحميَه، وقولها: حاطوا: أي: حفظوا وَرَعَوا. ومات ابن الإمام الشافعي رضي الله عنه فأنشد: وما الدَّهرُ إلَّا هكذا فاصْطَبِر لهُ ... رَزِيَّةُ مالٍ أو فِرَاق حَبِيبِ قال أبو الحسن المدائني: مات الحسن والد عبيد الله بن الحسن، وعبيدُ الله يومئذ قاضي البصرة وأميرُها، فكثر من يعزِّيه، فذكروا ما يتبين به جزع ـــــــــــــــــــــــــــــ والحق يطلق على كل ثابت سواء كان عينًا كالجنة حق أو لا كالموت حق. قوله: (يا أَبتِ) الياء فيه عوض عن ياء المتكلم فيجوز فيه وفي أمت في النداء فتح الياء وكسرها والكسر أكثر في كلامهم لكن الفتح أقيس وسمع ضمها تشبيهًا بنحو ثبة وهبه وهو شاذ ولا يجمع بين ياء المتكلم والألف والتاء إلَّا في الضرورة فيقال يا أبتي أو الألف يا أبتا. قوله: (جُوَيْرِيَة) وهو على وزن تصغير جارية وهو ابن أسماء بن عبيد الضبعي توفي سنة ثلاث وسبعين كذا في التقريب للحافظ ابن حجر. قوله: (تُستَرَ) هو بضم التاء الأولى وفتح الثانية بينهما سين مهملة وقد تعجم آخره راء مهملة. قوله: (نالُوا الفوزَ) أي الموعود به في القرآن بقوله عزّ وجل {وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [النساء: 13].قوله: (رَزِيَّة مالٍ) الرزية بفتح الراء كسر الزاي بعدها تحتية بوزن فعيلة من الرزء وهو المصيبة بفقد ما يعز على الإنسان مأخوذ من الرزء وأصله النقص وبعد هذا البيت في نسخة بيت آخر هو قوله: وقد فارق النّاس الأحبة قبلنا ... وأعيا دواء الموت كل طبيب قوله وأعيا في تلميح إلى الحديث المرفوع تداووا فإن الله تعالى لم يضع داء إلَّا وضع

فصل في الإشارة إلى بعض ما جرى من الطواعين في الإسلام

الرجل من صبره، فأجمعوا على أنه إذا ترك شيئًا كان يصنعه فقد جزع. قلت: والآثار في هذا الباب كثيرة، وإنما ذكرتُ هذه الأحرف لئلا يخلوَ هذا الكتاب من الإشارة إلى طرف من ذلك، والله أعلم. فصل في الإشارة إلى بعض ما جرى من الطواعين في الإسلام: والمقصود بذِكْره هنا التصبُّر والتَّأسِّي بغيره، وأن مصيبة الإنسان قليلة بالنسبة إلى ما جرى على غيره. قال أبو الحسن المدائني: "كانت الطواعين المشهورة العظام ـــــــــــــــــــــــــــــ له دواء إلَّا السام يعني الموت قوله: (إِذَا تَرَكَ شيئًا الخ) بني ترك للفاعل إعلامًا بأن علامة الجزع إنما هو ترك شيء من عوائده على سبيل الاختيار أما إذا غلب عليه ولم يتمكن من فعل ذلك فلا يؤاخذ به لعدم تكليفه. فائدة قال الحافظ من ألفاظ التعزية ما ورد أن معاذ بن جبل مات ابن له فكتب إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعزيه من محمد رسول الله إلى معاذ بن جبل سلام عليك فإني أحمد إليك الله لا إله إلَّا هو أما بعد فأعظم الله لك الأجر وألهمك الصبر ورزقنا وإياك الشكر، فإن أنفسنا وأهلنا وأولادنا من مواهب الله الهنية وعواريه المستودعة وإن ابنك متعك الله به في غبطة وسرور وقبضه منك إلى أجر كثير الصلاة والرحمة والهدى إذا احتسبت فاصبر ولا يحبط أجرك جزعك فتندم واعلم أن الجزع لا يرد ميتًا ولا يدفع حزنًا وما يأتيك فكأن قد والسلام قال سليمان بن أحمد في رواية خليل لا يروى عن معاذ إلَّا بهذا الإسناد كذا قال وأخرجه الحاكم في المستدرك في ترجمة معاذ بن جبل وقال حسن غريب ومجاشع بن عمر وليس من شرط هذا الكتاب قال الحافظ قلت ذكره العقيلي في الضعفاء وجاء عن يحيى بن معين عدة أحاديث استنكرها وأخرج الحافظ القصة من وجه آخر بنحو ذلك وقال بعد تخريجه أخرجه أبو نعيم في ترجمة معاذ من الحلية وتكلم في محمد بن سعيد الشامي المشهور بالمصلوب بأنه قتل على الزندقة وصلب وقد أخرج له ابن ماجة والترمذي لكن صرح جماعة من الأئمة بتكذيبه. فصل في الإشارة إلى بعض ما جرى من الطاعون في الإسلام قال الجوهري الطاعون وزنه فاعول من الطعن عدلوا به عن أصله ووضعوه دالًا على الموت العام كالوباء ويقال طعن فهو مطعون وطعين إذا أصابه الطاعون

في الإسلام خمسة: طاعون شِيرُوَية بالمدائن في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة ستٍّ من الهجرة، ثم طاعون عَمَواس في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان بالشام، ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذا إذا أصابه الطعن بالرمح قال ابن عبد البر الطاعون غدة كغدة البعير تخرج في المراق والآباط قال غير واحد من أهل العلم وقد تخرج في الأيدي والأصابع وحيث شاء الله من البدن وهو وخز أعدائنا من الجن كما ثبت في الأحاديث الكثيرة وما قيل إنه لو كان من الجن كيف يقع في رمضان مع تصفيد الشياطين فيه وتسلسلهم يجاب عنه كالجواب عن وقوع المعاصي فيه وإن المراد تعطيلها عن معظم العمل فلا يصلون من الإنس إلى مثل ما يصلون إليه في غير رمضان وليس المراد إبطال عملها فيها بالكلية وأجيب بأجوبة أخرى أودعها الحافظ السيوطي مؤلفه في الطاعون قال الحافظ ابن حجر وغيره والطاعون أخص من الوباء فإن الوباء هو المرض العام فقد يكون بطاعون وقد لا يكون فكل طاعون وباء وليس كل وباء طاعونًا وقد ثبت في الحديث إن المدينة لا يدخلها الطاعون وقد دخلها الوباء ففي الصحيحين عن عائشة قدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله وأحاديث أخر بمعناه قوله: (شيْرُوْيَهْ) بكسر الشين المعجمة وإسكان التحتية وضم الراء بعدها واو ساكنة ثم ياء تحتية مفتوحة ثم هاء ويجوز فيه فتح الراء والواو وإسكان الياء وكسر الهاء وسبق جواز الوجهين وعلى الأول أكثر المحدثين فرارًا من لفظ وبه قال ابن حجلة في تأليفه في الطاعون وهذا أول طاعون وقع في الإسلام قال ولم أعلم كم مات فيه فأحكيه قال السيوطي ولم يمت فيه أحد من المسلمين. قوله: (ثم طاعونُ عَمَواس) هو بفتح العين المهملة والميم وقد تسكن وتخفيف الواو آخره سين مهملة قال المصنف اسم قرية بين الرملة وبيت المقدس نسب إليها لأنه بدا منها وقال سمي بذلك لأنه عم النّاس وتواسوا فيه حكاهما الحافظ عبد الغني المقدسي في ترجمة أبي عبيدة بن الجراح اهـ، وقيل لأنه عم وآسى وذكر سيف بن عمر عن شيوخه قالوا لما كان طاعون عمواس وقع مرتين لم ير مثلهما وطال مكثه وذلك إنه وقع بالشام في المحرم وصفر ثم ارتفع ثم عاد وفني فيه خلق كثير من النّاس وكان ذلك في زمن خلافة عمر رضي الله عنه سنة سبع عشراة وقيل سنة ثمان عشرة وفي هذه السنة أعني ثمان عشرة أجدبت الأرض فكانت الريح تسفي ترابًا كالرماد ويسمى عام الرماد وجعلت الوحوش تأوي إلى النّاس واستسقى فيها عمر

مات فيه خمسة وعشرون ألفًا، ثم طاعون في زمن ابن الزبير في شوَّال سنة تسع وستين مات في ثلاثة أيام في كلِّ يوم سبعون ألفًا، مات فيه لأنس بن مالك رضي الله عنه ثلاثة وثمانون ابنًا، وقيل: ثلاثةٌ وسبعون ابنًا، ومات لعبد ـــــــــــــــــــــــــــــ بالعباس رضي الله عنهما فسقوا. قوله: (ومَاتَ فيهِ خمسة وعشرونَ أَلفًا) قال السيوطي وقيل ثلاثون ألفًا. قوله: (ثم طَاعون في زمنِ ابنِ الزُّبيرِ الخ) هذا الطاعون وقع بالبصرة ويسمى طاعون الجارف وسمي بذلك لأنه جرف النّاس كما يجرف السيل الأرض فيأخذ معظمها. قوله: (في شوالِ سنةَ الخ) قال ابن كثير هذا هو المشهور الذي ذكر شيخنا الذهبي وغيره وقيل إنه وقع في سنة أربع وستين وبه جزم ابن الجوزي في المنتظم وقيل سنة سبعين، وقيل سنة ست وسبعين وقيل سنة ثمانين قال ابن كثير حكاه ابن جرير عن الواقدي وفي شرح مسلم للمصنف قال الحافظ ابن عبد البر في أول التمهيد مات أيوب السختياني في سنة اثنين وثلاثين ومائة في طاعون الجارف ونقل ابن قتيبة في المعارف عن الأصمعي إن طاعون الجارف كان في زمن ابن الزبير سنة سبع وستين وكذا قال أبوالحسين محمد بن علي بن أبي يوسف المدائني في كتاب المغازي إنه كان في سنة سبع وستين في شوال وكذا ذكر الكلاباذي في رجال البخاري معنى هذا فإنه قال ولد أيوب السختياني سنة ست وستين وفي قول إنه ولد قبل الجارف بسنة، قال القاضي عياض في هذا الموضع كان الجارف سنة تسع عشرة ومائة، وذكر الحافظ عبد الغني المقدسي في ترجمة عبد الله بن مطرف عن يحيى بن القطان قال مات مطرف بعد طاعون الجارف سنة اثنين وثمانين، وذكر في ترجمة يونس بن عبيد إنه رأى أنس بن مالك وإنه ولد بعد الجارف، ومات سنة سبع وثلاثين ومائة فهذه أقوال متعارضة فيجوز أن يجمع بينها أن كل طاعون من هذه يسمى جارفًا لأن معنى الجرف موجود فيها جميعها اهـ، ثم الذي وقفت عليه في شرح مسلم فيما نقله إنه على قول المدائني سنة سبع وستين بتقديم السين على الموحد، والذي وقفت عليه في نسخة الأذكار المصححة تسع وستين بتقديم المثناة على السين، ولعل. عنه قولين في ذلك أو أحدهما من تحريف الكتاب للكتاب. قوله: (في كلِّ يوم سبعونَ أَلفًا) أي على سبيل التقريب وإلغاء الكسر

الرحمن بن أبي بكرة أربعون ابنًا، ثم طاعون الفتيات في شوَّال سنة سبع وثمانين، ثم طاعون سنة إحدى وثلاثين ومائة في رجب، واشتدَّ في رمضان، وكان يحصى في سكة المرْبَدِ في كل يوم ألف جنازة، ثم خفَّ في شوَّال. وكان بالكوفة طاعون سنة خمسين، وفيه توفي المغيرة بن شعبة". هذا آخر كلام المدائني. وذكر ابن قتيبة في كتابه "المعارف" عن الأصمعي في عدد الطَّواعين نحو هذا، وفيه زيادة ونقص. قال: وسمي طاعونَ الفتيات، لأنه بدأ في العذارى بالبصرة، وواسط، والشام، والكوفة، ويقال له: طاعون الأشراف، لما مات فيه من الأشراف. قال: ولم يقع بالمدينة ولا مكة طاعونٌ قط. وهذا الباب واسع، وفيما ذكرتُه تنبيه على ما تركتُه، وقد ذكرتُ هذا الفصل أبسط من هذا في أول "شرح صحيح مسلم" رحمه الله، وبالله التوفيق. ـــــــــــــــــــــــــــــ الزائد على العقد، وإلا فقد قال كثير إنه توفي أول يوم منه من أهل البصرة سبعون ألفًا، وفي الثاني منه أحد وسبعون ألفًا، وفي الثالث منه ثلاثة وسبعون ألفًا. قوله: (ثم طاعونٌ سنةَ إِحدى وثلاثين ومَائةً) وقع ذلك بالبصرة يقال له طاعون مسلم بن قتيبة. قوله: (وكان بالكوفة طاعونٌ سنة خمسين الخ) كان وقوعه بالكوفة سنة تسع وأربعين فخرج عنها المغيرة بن شعبة فارًا، فلما ارتفع الطاعون رجع إليها فأصابه الطاعون فمات في سنة خمسين ذكره ابن كثير في تاريخه، قال ابن كثير في سنة ثلاث وخمسين مات زياد بن أبي سفيان مطعونًا. قوله: (المرْبَدِ) في الصحاح المربد الموضع الذي يحبس فيه الإبل وغيرها، ومنه سمي مربد المقبرة اهـ. قوله: (لأنه بَدَأ بالعذارَى)، وقال السيوطي سمي طاعون الفتيات لكثرة من مات فيه من النساء الشواب والعذارى. قوله: (ويقَالُ لهُ طَاعونُ الأشرَافِ الخ) قضية كلام السيوطي إن طاعون الفتيان غير طاعون الأشراف لأنه ذكر طاعون الفتيات وما يتعلق به، ثم قال طاعون الأشراف وقع والحجاج بواسط اهـ. قوله: (ولم يقعْ بالمدينةِ ولا بمكةَ) وأخرج الشيخان عن أبي هريرة قال قال رسول الله

باب جوز إعلام أصحاب الميت وقرابته بموته وكراهة النعي

باب جوز إعلام أصحاب الميت وقرابته بموته وكراهة النعي ـــــــــــــــــــــــــــــ - صلى الله عليه وسلم - "على أنقاب المدينة ملائكة لَا يدخلها الطاعون ولا الدجال"، وفي البخاري عن أنس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "المدينة يأتيها الدجال فيجد الملائكة فلا يدخلها، ولا يدخلها الطاعون إن شاء الله". قال بعضهم هذه معجزة له - صلى الله عليه وسلم - لأن الأطباء عن آخرهم عجزوا عن رفع الطاعون عن بلد بل عن قرية، وقد امتنع الطاعون من المدينة بدعائه وخبره هذه المدة المتطاولة ولا منافاة بين رفعه وبين كونه شهادة ورحمة لأنه وإن كان كذلك إلَّا إنه لما كان فاشيًا عن طعن الجن ناسب تطهير المدينة منه لتنزيهها عن دخول كفار الجن وشياطينهم إليها على أن سبب الرحمة لم ينحصر في الطاعون، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - ولكن عافيتك أوسع لي. قال ابن أبي حجلة مشيرًا إلى ذلك: مدينة شاعت أحاديث فضلها ... وصارت بها الركبان في كل بلدة فما روع الدجال ساكن أرضها ... ولا مات بالطاعون فيها بكبة وجزم ابن قتيبة في المعارف بأن مكة مشاركة للمدينة في ذلك فلم يدخلها الطاعون ونقله جماعة من العلماء وأقروه آخرهم المصنف هنا لكنه دخلها في الطاعون العام سنة تسع وأربعين وسبعمائة قال الحافظ ابن حجر فإن ثبت فلعله لما انتهك من حرمتها بسكنى الكفار فيها قال الجلال السيوطي ويدل للمشاركة ما أخرجه أحمد بسند جيد عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ومكة محفوفتان بالملائكة على كل ثقب منها ملك لا يدخلها الدجال ولا الطاعون اهـ. قال جدي الشيخ علان الصديقي البكري سبي آل الحسن رحمه الله تعالى في كتابه مثير شوق الأنام وقوله فإن ثبت يدل على عدم ثبوته ففي شفاء الغرام أن في سنة تسع وأربعين وسبعمائة كان الوباء الكثير بمكة ويفهم من كلام ابن حجر في خاتمة كتابه الموضوع في الطاعون أن عده فيما ذكر قول بعض من وصف عظيم شأنه والظاهر إن هذا الوصف تجوز وأطلق الطاعون على الوباء لوقوع كثرة الموت بكل منهما وصاحب شفاء الغرام مؤرخ محقق أدرى بشأن الواقعات من غيره والوباء غير ممتنع إنما الممتنع الطاعون الذي قال فيه - صلى الله عليه وسلم - إنه وخز أعدائكم من الجن اهـ، وهو من الحسن بمكان اهـ، والله أعلم. باب جواز إعلام أصحاب الميت وقرابته بموته للصلاة عليه ونحوها

روينا في كتاب الترمذي، وابن ماجه، عن حذيفة رضي الله عنه قال: إذا مِتُّ فلا تُؤذنوا بي أحدًا، إني أخاف أن يكون نعيًا، فإني سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن النَّعي. قال الترمذي: حديث حسن. وروينا في كتاب الترمذي، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إيَّاكُمْ وَالنَّعْيَ، فإن النَّعْيَ مِنْ عَمَلِ الجاهِلِيةِ". وفي رواية عن عبد الله ولم يرفعه. قال الترمذي: هذا أصح من المرفوع، وضعف الترمذي الروايتين. ـــــــــــــــــــــــــــــ والنعي بالنداء عليه بذكر مآثره والأول جائز لحديث النجاشي وغيره والأخير منهي عنه قال الجوهري النعي خبر الموت يقال نعاه ينعاه نعيا ونعيا بفتح النون وضمها وسكون العين ونعيا بفتح النون وكسر العين وتشديد التحتية ويطلق أيضًا على الناعي وهو الذي يأتي بخبر الميت وقال الهروي بسكون عين الفعل وبكسرها الميت ويجمع على نعايا كصفي وصفايا قوله: (إِذَا مِتُّ) يصح في فائه الكسر والضم وعلى الأول فيتعين كونه مبنيًّا للمجهول وعلى الثاني يحتمل أن يكون مبنيًّا للمجهول وجاء من باب بوع وأن يكون مبنيًّا للفاعل فإن القاعدة أن الفعل الأجوف إذا كانت عينه منقلبة عن واو وكان من فعل بفتح العين نقل منه إلى فعل بضمها ثم ينقل ضمة العين للفاء ثم تحذف العين لالتقاء الساكنين. قوله: (لَا تُؤذِنوا) من الإيذان وهو الإعلام. قوله: (فإِني أَخافُ أَنْ يكونَ نَعْيًا) وهذا مما يصلح مستندًا للقول لسد الذرائع. قوله: (إِياكُمْ والنَّعْيَ) هو بالنصب على التحذير وهو تنبيه المخاطب على محذور ليحترز منه كما قيل إياك والأسد وقوله إياكم مفعول بفعل مضمر وجوبًا تقديره اتقوا وتقدير الكلام اتقوا أنفسكم أن تنعوا. قوله: (وضَعفَّ الترمِذِيُّ الروايتَيْنِ) أي المرفوعة والموقوفة قال الحافظ مخرج الروايتين واحد فإن مدارها على أبي حمزة الأعور واسمه ميمون عن إبراهيم النخعي عن علقة عن ابن مسعود وأبي حمزة ضعيف عندهم والرواية المرفوعة عند الترمذي عن محمد بن حميد الرازي وهو من الحفاظ لكنهم ضعفوه والرواية الموقوفة من طريق سفيان الثوري عن أبي حمزة وقد رواه عبد الرزاق عن الثوري فوقفه على علقمة وكذا أخرجه مسدد في مسنده عن هشيم عن حصين بن عبد الرحمن عن إبراهيم وحصين من رجال الصحيح.

وروينا في "الصحيحين" أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعى النجاشي إلى أصحابه. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (وَرَوَيْنَا في الصَحيحيْن الخ) روياه من حديث أبي هريرة وأخرجه أيضًا مالك وأحمد وأصحاب السنن الأربعة وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان والإسماعيلي وأبو عوانة والدارقطني والبرقاني وأبو نعيم والبيهقي والبغوي وغيرهم كذا في شرح العمدة للقلقشندي وقال شيخه الحافظ ابن حجر والمذكرر هنا طرف الحديث وهو عن أبي هريرة إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر أربعًا قال الحافظ بعد تخريجه الحديث هذا حديث أخرجه البخاري وعند مسلم نعى لنا وعند البخاري من طريق آخر نعى النبي - صلى الله عليه وسلم - النجاشي لأصحابه. قوله: (نَعَى النَّجَاشِيُّ) هو بفتح النون واختار ثعلب كسرها ومشى عليه ابن دحية وابن السيد وتخفيف الجيم والشين المعجمة آخره تحتية فيها التخفيف والتشديد وقال صاحب مجمع البحرين التخفيف أعلى وأفصح وهو ملك الحبشة وورد في بعض طرق الحديث في الصحيحين النجاشي صاحب الحبشة والمشهور إن اسمه أصحمة بفتح وسكون المهملة ثم حاء مهملة مفتوحة وسمي كذلك في بعض طرق حديث جابر في الصحيحين وقيل أصمحة بتقديم الميم على الحاء حكاه الرافعي في شرح المسند وقيل حاؤه معجمة وكذا ينطق به الحبشة وحكاه الإسماعيلي وقال هو غلط وقيل صحمة بفتح الصاد وسكون الحاء وفتح المهملتين من غير همز حكاه عياض وقيل صمحة بتقديم الميم على الحاء قاله ابن أبي شيبة في مسنده نقلًا عن شيخه يزيد بن هارون وضعفه وقال المصنف إنه شاذ وكذا ما قبله وقيل أصحبة بالموحدة بل الميم ونقل الحاكم في المستدرك عن ابن إسحاق إن اسمه بصحمة بموحدة في أوله بدل الهمزة والذي حكاه الفاضي عياض وغيره عنه إن أصحمة ومعناه بالعربية عطية واسم أبيه بحري بفتح الموحدة وسكون الحاء وكسر الراء المهملتين وتشديد التحتية آخر الحروف وذكر مقاتل في نوادر التفسير أن اسم النجاشي مكحول بن صصه بصادين مهملتين وهو من سادات التابعين أسلم ولم يهاجر وعده ابن منده من الصحابة توسعا وذكره العسكري في كتاب الصحابة فيمن وجد في أيام النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يرو عنه شيئًا يقال إنه أول ملك أسلم وهاجر المسلمون إليه إلى الحبشة مرتين وهو يحسن إليهم ويتغالى في إكرامهم وفي تعظيم

وروينا في "الصحيحين" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في ميت دفنوه بالليل ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسل إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن أمية الضمري بكتابين أحدهما يدعوه فيه إلى الإسلام والثاني يطلب منه تزويجه بأم حبيبة بنت أبي سفيان أخت معاوية وكانت مهاجرة عنده فأخذ كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوضعه على عينيه ونزل عن سريره وجلس على الأرض وأسلم وحسن إسلامه وكتب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - جواب كتابه وزوجه أم حبيبة وأصدقها عنه من ماله أربعمائة دينار وقال لو كنت أستطيع أن آتيه لأتيته وقيل إن الذي كتب إليه - صلى الله عليه وسلم - نجاشي آخر وأسلم على يده عمرو بن العاص قبل أن يهاجر ويصحب النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان يلغز به ويقال صحابي كثير الحديث أسلم على يد تابعي ومات النجاشي في رجب سنة تسع بالحبشة وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بموته وقال مات اليوم رجل صالح وصلى عليه، وكان بينهما مسيرة شهر وصلى عليه وهو والصحابة ويلغز بهذا أيضًا فيقال تابعي صلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي أبي داود عن عائشة لما مات النجاشي كانوا يتحدثون أنهم لا يزالون يرون النور على قبره رحمه الله. فائدة ذكر المحب الطبري في أحكامه إن النجاشي مأخوذ من النجش وهو الآثارة، وقيل لمن يزيد في السلعة ناجش ونجاش، والنجاشي لقب لكل من ملك الحبش، ويقال لكل من ملك على المسلمين أمير المؤمنين ولمن ملك على الروم قيصر ولملك الترك خاقان ولملك الفرس كسرى ولملك مصر العزيز والمقوقس ولملك القبط فرعون ولملك اليمن تبع ولملك حمير القيل بفتح القاف وسكون التحتية، وقيل القيل وزير الملك ولملك الصابئة النمرود ولملك الهند دهمي ويعثور ولملك الزنج غابر ولملك اليهود القطيمون وصالح ولملك البربر جالوت ولملك اليونان بطليوس، ولمن ملك العرب من قبل العجم النعمان، ولملك فرغانة الاخشيد كذا نقل من شرح العمدة للقلقشندي. قوله: (وَرَوَيْنَا في الصحيحين) أي من حديث أبي قال إن أسود أو سوداء كان يقم المسجد فمات فدفن ليلًا فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال ما فعل ذلك الإنسان قالوا يا رسول الله مات فدفناه ليلًا قال أفلا آذنتموني به فدلوه على قبره فصلى عليه، ثم قال إن هذه القبور مظلمة على أهلها وإن لله ينورها بصلاتي، هذا لفظ حماد بن زيد، وفي رواية حماد بن سلمة بعد قوله به فدلوه على قبره فذهب فصلى عليه ثم قال إن هذه القبور مملوءة ظلمة الخ، والحمادان يرويان الحديث عن ثابت البناني

ولم يعلم به: "أفَلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ؟ ". قال العلماء المحققون والأكثرون من أصحابنا وغيرهم: يستحب إعلام أهل الميت وقرابته وأصدقائه لهذين الحديثين قالوا: النعي المنهي عنه إنما هو نعي الجاهلية، وكان من عادتهم إذا مات منهم شريف بعثوا راكبا إلى القبائل يقول: نعايا فلان، أو يا نعايا العرب: أي: هلكت العرب بمهلك فلان، ويكون مع النعي ضجيج وبكاء. وذكر صاحب "الحاوي" وجهين لأصحابنا في استحباب الإيذان بالميت وإشاعة موته بالنداء والإعلام، فاستحبَّ ذلك بعضهم للميت الغريب والقريب، لما فيه من كثرة المصلين عليه والدَّاعين له. وقال بعضهم: يستحبُّ ذلك للغريب، ولا يستحبُّ لغيره. قلت: ـــــــــــــــــــــــــــــ عن أبي رافع الصانع واسمه نفيع، قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث صحيح أخرجه الشيخان وأبو داود وابن حبان. قوله: (ولمْ يُعلَمُ بهِ) بالبناء للمجهول أي لم يعلمه أحد بوفاته. قوله: (أَفلا كنتم آذَنْتُمُونِي) بمد الهمزة أي أعلمتموني فيؤخذ منه ندب الإعلام بالموت للصلاة عليه ونحوها. قوله: (والنَّعْيُ المَنهِي عَنْهُ هُوَ نَعْيُ الجَاهِليةِ) أي كالنداء بموت الشخص مع ذكر مفاخرة نحو واكهفاه واجبلاه واكريماه، وقيل عدها مع البكاء عليه كما حكاه المصنف فيما تقدم في باب تحريم النياحة وجزم به في المجموع قال وليس منه وإن أشبهه قول فاطمة رضي الله عنها بعد موته - صلى الله عليه وسلم - يا أبتاه جنة الفردوس مأواه إلى جبريل ننعاه، ويكره مرثية الميت وهو الشعر فيه وعد محاسنه إن كانت بغير نحو الصيغة السابقة وإلَّا كانت ندبًا وذلك للنهي عنها لكنه حمل على ما يظهر فيه تبرم أو على فعله مع الاجتماع له أو على الإكثار منه أو على ما يجدد الحزن دون ما عدا ذلك لأن كثيرًا من الصحابة وغيرهم من العلماء ما زالوا يفعلونه، وقد قالت فاطمة رضي الله عنها: ماذا على من شم تربة أحمد ... أن لا يشم مدى الزمان غواليا صبت على مصائب لو أنها ... صبت على الأيام صرن لياليا وفي قواعد القرافي الفرق المائة كلام فيه الفرق بين النوح المحرم والرثاء المباح

باب ما يقال في حال غسل الميت وتكفينه

والمختار استحبابه مطلقًا إذا كان مجرد إعلام. باب ما يقال في حال غسل الميت وتكفينه يستحبُّ الإكثار من ذِكر الله تعالى، والدُّعاء للميت في حال غسله وتكفينه. قال أصحابنا: وإذا رأى الغاسلُ من الميت ما يعجبُه: من استنارةِ وجههِ، وطيبِ ريحهِ، ونحو ذلك، استحب له أن يحدّث النّاس بذلك، وإذا رأى ما يكره: من سواد وجه، ونتنِ رائحته، وتغيُّر عضو، وانقلابِ صورةٍ، ونحو ذلك، حرم عليه أن يحدِّث أحدًا به. واحتجوا بما رويناه في سنن أبي داود والترمذي، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ وكان عادتهم إذا مات منهم شريف بعثوا راكبا إلى آخره قال الحافظ أخرج سعيد بت منصور وعبد الرزاق من طريق حماد بن سلمان عن إبراهيم قال لا بأس إذا مات الرجل إن يؤذن به صديقه وأصحابه إنما يكره أن يطاف في المجالس فيقال انعي فلانًا فعل أهل الجاهلية ومن طريق عبد الله بن عون قلت لإبراهيم كانوا يكرهون النعي قال نعم قال ابن عون كان النعي إذا مات الرجل ركب رجل دابة فصاح في النّاس انعي فلانًا، وفي صحيح البخاري في قصة قتل أبي رافع اليهودي عن الذي قتله، وهو عبد الله بن عتيك لا أبرح حتى أعلم اني قتلته، قال فلما صاح الديك قام الناعي على السور أنعي أبا رافع تاجر أهل الحجاز ذكره قبل غزوة أحد اهـ. قوله: (والمختارُ اسْتِحبَابُهُ مُطلقا) أي للقريب وغيره. قوله: (إِذَا كان مجردَ إِعْلام) أي وقصد به كثرة المصلين كما في المجموع قال لما صح إنه - صلى الله عليه وسلم - فعله مرارًا اهـ. باب ما يقال في حال غسل الميت وتكفينه قوله: (وَإذَا رَأَى الغَاسلُ) مثله من يعينه في أحكامه الآتية من إظهار أو إخفاء ما سيأتي. قوله: (اسْتحبّ لهُ أَنْ يُحدِّثَ النَّاسَ بذَلِكَ) أي إن لم يكن ذا بدعة مشهورة وإلا فينبغي كتم المحاسن حينئذٍ لئلا تفتتن النّاس ببدعته، قال الأذرعي بل لا يبعد إيجاب الكتم عند ظن الاغترار بها والوقوع فيها بذلك وهو متجه. قوله: (حَرُمَ عَلَيْهِ أنْ يُحدِّثَ أَحَدًا بهِ) أي إلّا لمصلحة كما سيأتي عن صاحب البيان. قوله: (وَاحْتجُّوا بمَا رَوَيْنَاهُ في سُنن أَبِي دَاوُدَ الخ) في الجامع الصغير

"اذْكرُوا مَحَاسِنَ مَوْتاكُمْ وَكفوا عَنْ مَساويْهِمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ للسيوطي ورواه الحاكم في المستدرك والبيهقي عن ابن عمر وأخرجه الطبراني في الصغير، قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث غريب لم يروه عن عطاء إلَّا عمران بن أنس ولا عن عمران إلَّا معاوية بن هشام تفرد به أبر كريم محمد بن العلاء قال الحافظ معاوية من رجال مسلم، وفيه لين وشيخه ضعفه البخاري وغفل الحاكم فأخرجه من رواية أبي كريب عن معاوية بن هشام عن عطاء بن عمر وقال صحيح الإسناد، قال الحافظ وللحديث شاهد عند النسائي من حديث عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تذكروا هلكاكم إلا بخير وفي النهي عن سب الأموات أحاديث غير هذا. قوله: (اذْكُروا مَحاسنَ مَوْتاكُمْ)، قال العلقمي سيأتي في حرف لا لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء: معنى الحديث أن الميت إذا ذكرت مساويه إلى أولاده وأقاربه أو غيرهم ممن يتأذى بذلك أو يلحقه به عار ولا مصلحة في ذكره فإنه منهي عنه ومراعاته من محاسبن الأعمال ومكارم الأخلاق. فإن قيل هذا الحديث عام وهو مصرح بالنهي عن سب الأموات وقد ورد سبهم في الآيات {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1] وفي الأحاديث كالحديث الصحيح الذي أثنوا عليه شرًّا فقال وجبت ولم ينكر عليهم. قلنا الجواب أن عمومه مخصوص بحديث أنس حيث قال - صلى الله عليه وسلم - عند ثنائهم بالخير والشر وجبت وأنتم شهداء الله في الأرض ولم ينكر عليهم، قال شيخ مشايخنا وأصح ما قيل في ذلك إن أموات الكفار والفساق يجوز ذكر مساويهم والتنفير عنهم، وقد اجمع العلماء على جواز جرح المجروحين من الرواة أحياء وأمواتًا اهـ. قلت قوله والفساق هو محمول على من يرتكب بدعة بفسق يعزر عليها ويموت، أما الفاسق بغير ذلك فإن علمنا إنه مات وهو مصر على فسقه والمصلحة في ذكر مساويه جاز وإلَّا فلا هذا تحقيق الكلام فيه اهـ. لكن في فتح الإله النهي عن سب الأموات مخصوص بغير الكافر والمنافق والفاسق المتجاهر بفسقه فهؤلاء ينبغي سبهم إظهارًا لقبح ما كانوا عليه وتحذيرا من الاقتداء بهم في قول أو عمل ففي سبهم بهذا القصد فائدة أي فائدة لأن فيه نفع المسلمين وتنبيه الغافلين، وقد أخذ من هذا الحديث أئمتنا قولهم يحرم بلا غرض شرعي ذكر شيء من مساوي الميت بخلافه لغرض شرعي، وهو ما يبيح

ضعفه الترمذي. وروينا في "السنن الكبير" للبيهقي، عن أبي رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ غَسَّلَ ميَّتًا فَكَتَمَ عَلَيهِ غَفَرَ اللهُ لَهُ أرْبَعِينَ مَرَّة". ورواه الحاكم أبو عبد الله في "المستدرك" على "الصحيحين"، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، ثم إن جماهير أصحابنا أطلقوا المسألة كما ذكرتُه. وقال أبر الخير اليمنى صاحب "البيان" منهم: لو كان الميت مبتدِعًا مظهِرًا للبدعة، ورأى ـــــــــــــــــــــــــــــ غيبة الحي كتجاهرة بفسق أو بدعة حيث كان في الذكر مصلحة اهـ، وصريحه إنه لا يجوز ذكر مساوي فاسق غير مظهر فسقه لغير من يعلم حاله لأن المصلحة من الانزجار عن ذلك العمل أو الاعتقاد يحصل بذكر سب الأموات يجري مجرى الغيبة فإن كان أغلب أحوال المرء الخير وقد يكون منه الفلتة فالاغتياب له ممنوع وإن كان فاسقًا معلنًا فلا غيبة له، ويحتمل أن يكون النهي عن سب الأموات على عمومه فيما بعد الدفن، والمباح ذكر الرجل بما فيه قبل الدفن ليتعظ بذلك فساق الأحياء فإذا صار إلى قبره أمسك عنه لإفضائه إلى ما قدم نقله العلقمي والأول أظهر كما علم مما تقدم والله أعلم. قوله: (ضَعَّفهُ الترْمذِيُّ) عبارة المصنف للخلاصة رواه أبو داود والترمذي بإسناد ضعيف. قوله: (وَرَوَيْنَا في السُّنن الكبيرِ للْبيهقي الخ) قال الحافظ بعد هذا حديث حسن غريب وأخرجه الحاكم من وجهين ينتهيان إلى أبي عبد الرحمن المقري قال حدثنا سعيد بن أبي أيوب حدثني شرحبيل بن شريك عن علي بن رباح اللخمي قال سمعت أبا رافع قال هو مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال من غسل ميتا فكتم عليه مرة غفر الله له أربعين مرة ومن حفر له فأجنه أجرى عليه كأجر مسكن أسكنه إلى يوم القيامة، ومن كفنه كساه الله يوم القيامة من سندس وإستبرق الجنة وسند البيهقي والنهي إلى المقرئ بهذا السند. قوله: (أَرْبَعِينَ مَرَّة) أي غفر له بعدد هذه المرات ما يقع في تلك المرة من الزلة. قال بعضهم أربعين أي أربعين ذنبًا، وفي رواية للجوزي غفر له سبعين كبيرة، وفي حديث عند الطبراني عن أبي أمامة مرفوعًا من غسل ميتًا فستره، ستره الله من الذنوب أورده في الجامع. قوله: (مُظهرًا للْبدْعةِ) أي وقصد بذكرها انزجار النّاس عن مثل ذلك الاعتقاد وإلّا فيحرم لما فيه من استباحة عرض المسلم من

باب أذكار الصلاة على الميت

الغاسلُ منه ما يكره، فالذي يقتضيه القياس أن يتحدث به في النّاس ليكون ذلك زجرًا للناس عن البِدْعة. باب أذكار الصلاة على الميت اعلم أن الصلاةَ على الميت فرضُ كفاية، وكذلك غسلُه وتكفينُه ودفنُه، وهذا كلُّه مُجَمَعٌ عليه. وفيما يسقط به فرض الصلاة أربعة أوجه: أصحها عند أكثر أصحابنا: يسقط بصلاة رجل واحد، والثاني: يشترط اثنان، والثالث: ثلاثة، والرابع: أربعة: سواء صَلَّوا جماعةً أو فرادي. وأما كيفية هذه الصلاة، ـــــــــــــــــــــــــــــ غير غرض صحيح، أما غير مظهر البدعة ومثلها الفسق فلا يجوز ذكر ما يبدوا من حاله السيئ لغير من يعلم سوء حاله اهـ، والله أعلم. باب أذكار الصلاة على الميت قوله: (الصلاة عَلَى الميتِ الخ) إنما يجب ذلك في حق المسلم غير السقط والشهيد، أما الحربي فلا يجب فيه شيء من ذلك بل يجوز إغراء الكلاب على جيفته، وأما الذمي فيجب تكفينه ودفنه وفاء بذمته ويستحب غسله، وأما الشهيد المقتول في معركة الكفار فيحرم غسله والصلاة عليه والسقط إن بدت فيه أمارات الحياة فكتكبير في جميع الأمور الأربعة وإلا فإن لم يبلغ حد الروح غسل وكفن ودفن. قوله: (بصلاةِ رجلٍ واحد) المراد بالرجل فيه مقابل المرأة فيسقط بصلاة مميز ولو مع وجود مكلف، قال ابن حجر في التحفة ويحصل بفعل واحد وإن لم يحفظ الفاتحة وغيرها فوقف بقدرها ولو مع وجود من يحفظها فيما يظهر لأن المقصود وجود صلاة صحيحة من جنس المخاطبين وقد وجدت وسيأتي بسط لهذه المسألة في الكتاب في باب مستقل بذلك ومحل كونها لا تسقط إلا بصلاة رجل إن كان وإلا فلو لم يكن ثمة غير النساء توجه الفرض عليهن وسقط بفعل واحدة منهن وكذا يسقط بفعل صبي مميز أراده. قوله: (والثاني يُشترَطُ اثنانِ والثالثُ ثلاثة) دليلهما إنه - صلى الله عليه وسلم - قال صلوا على من قال لا إله إلَّا الله وأقل الجمع اثنان أو ثلاثة. قوله: (والرابعُ أَربعَةُ) أي كما يجب أي على هذا القول إن يحملها أربعة لأن ما دونه ازدراء بالميت. قوله: (سواءٌ صلوا فَرادَى أَو جماعَةً) أي على جميع هذه الأقوال ليست الجماعة

فهي أن يكبر أربع تكبيرات ولا بد منها، فإن أخل بواحدة، لم تصح صلاته، وإن زاد خامسة، ففي بطلان صلاته وجهان لأصحابنا، الأصح: لا تبطل، ولو كان مأمومًا فكبَّر إمامه خامسة، فإن قلنا: إن الخامسة تبطل الصلاة، فارقه المأموم، كما لو قام إلى ركعة خامسة، وإن قلنا بالأصح: إنها لا تبطل، لم يفارقه، ولا يتابعه على الصحيح المشهور، وفيه وجه ضعيف لبعض أصحابنا، أنه يتابعه، فإذا قلنا بالمذهب الصحيح: إنه لا يتابعه، فهل ينتظره ليسلِّم معه، أم يسلم في الحال؟ فيه وجهان، الأصح: ينتظره، وقد أوضحت هذا كله بشرحه ودلائله في "شرح المهذَّب". ويستحبُّ أن يرفع اليد مع كل تكبيرة. وأما صفة التكبير وما يستحبُّ فيه، وما يبطله، وغير ذلك من فروعه، فعلى ما قدَّمتُه في "باب صفة الصلاة" وأذكارها. وأما الأذكار التي تقال في صلاة الجنازة بين التكبيرات، فيقرأ بعد التكبيرة الأولى الفاتحة، ـــــــــــــــــــــــــــــ شرطًا في صحة صلاة الجنازة. قوله: (أَربعَ تكبيرات) أي بتكبير الإحرام إجماعًا. قوله: (الأصحُّ لا تبطلُ) وإن نوى بها الركنية وذلك لثبوته في صحيح مسلم ولأنه ذكر، وزيادته ولو ركنا لا تضر كتكرر الفاتحة بقصد الركنية إما سهوًا فلا يضر جزمًا ولا مدخل لسجود السهو في صلاة الجنازة. قوله: (ولا يتابعُهُ) أي ندبا لأن ما فعله غير مشروع عند من يعتد به لما تقرر من الإجماع ثم ظاهر عبارة المصنف إن الخلاف في جواز المتابعة وعدمها وصرح الغزالي في الوسيط وجماعة آخرون بأن الخلاف في الاستحباب نقله في التفقيه على السنة. قوله: (في الصحيح) عبر في المنهاج بقوله في الأصح ويحتمل إنه تردد في قوة الخلاف وضعفه فرأى قوته تارة فعبر بالأصح وضعفه أخرى فعبر بالصحيح. قوله: (الأصحُّ ينتظرُهُ) أي ندبا لتأكيد المتابعة. قوله: (ويستحبُّ أَنْ يرفَعَ اليد مع كل تكبيرةٍ) أي كما يرفعها في تكبيرة الإحرام فيكون راحتاه محاذيتين منكبيه وإبهاماه محاذيين شحمتي أذنيه ورؤوس أصابعه محاذية أعلاهما. قوله: (فيقرأُ بعد التَكبيرة الأُولَى الفاتحةَ) أي أو بدلها قال المصنف

وبعد الثانية يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبعد الثالثة: يدعو للميت، والواجب منه ما يقع عليه اسم الدعاء، وأما الرابعة، فلا يجب بَعْدَها ذِكْرٌ أصلًا، ولكن يستحبُّ ما سأذكره إن شاء الله تعالى. واختلف أصحابنا في استحباب التعوذ، ودعاء الافتتاح عقيب التكبيرة الأولى قبل الفاتحة، وفي قراءة السورة بعد الفاتحة على ثلاثة أوجه. أحدها: يستحبُّ الجميع، والثاني: لا يستحب، والثالث وهو الأصحُّ: أنه ـــــــــــــــــــــــــــــ في المنهاج قلت تجري الفاتحة بعد غير الأولى والله أعلم. قوله: (وبعدَ الثَانيةِ يُصلِّي عَلَى النبي - صلى الله عليه وسلم -) هذان على سبيل التحتم فيتعين بعد الثانية الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعد الثالثة الدعاء للميت ولا يجوز خلو محل ذلك عنه ولما عري الفرق بين الفاتحة وغيرها مما ذكر اختار التعبير بغير الفاتحة بعد التكبيرة الأولى وبه جزم المصنف في تبيانه وعبارته هنا توهم ذلك وانتصر له الأذرعي وغيره لكن بأن القصد بالصلاة الشفاعة والدعاء للميت والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيلة لقبوله ومن ثم سن الحمد قبل الصلاة فتعين محلهما الواردان فيه عن الخلف والسلف إشعارا بذلك بخلاف الفاتحة فلم يتعين لها محل بل يجوز خلو الأولى عنها وانضمامها إلى واحدة من الثلاث إشعار إبان القراءة دخيلة في هذه الصلاة ومن ثم لم يسن فيها السورة وظاهر تعين لدعاء للميت بأخروي لا بنحو اللهم احفظ تركته من الظلمة والطفل في ذلك كغيره قال ابن عبد السلام إن الأطفال لا يدعى لهم بتكفير السيئات بل برفع الدرجات لإفتقارهم إليها وروى مالك عن سعيد بن جبير إنه سمع أنسا يدعو للصبي في الصلاة عليه أن يعيذه الله من النار وليس هذا ببعيد لجواز أن يبتلى في قبره كما يبتلى في الدنيا أخذ ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي التحفة لابن حجر وكأن الطفل كالمكلف في وجوب الدعاء لأنه وإن قطع له بالجنة تزيد مرتبته فيها بالدعاء منها كالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم واستثنى الأذرعي غير المكلف وقوله الأشبه عدم الدعاء تعقب بأنه عجيب وبأنه باطل ولا يغني عنه قوله اللهم اجعله فرطًا لأنه دعاء باللام وهو لا يكفي إنه إذا لم لا يكف الدعاء بالعموم الذي مدلوله كلية محكوم بها على كل فرد

يستحبُّ التعوُّذُ دون الافتتاح والسورة. واتفقوا على أنه يستحب التأمين عقيب الفاتحة. وروينا في "صحيح البخاري" عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه صلى على جنازة، فقرأ فاتحة الكتاب وقال: لتعلموا أنها ـــــــــــــــــــــــــــــ مطابقة فأولى هذا اهـ، وفي قوله وإن قطع له بالجنة نظر لأن الخلاف في دخولهم الجنة ثابت بين أهل السنة وقد حكاه المصنف في شرح مسلم وإن كان المحققون على أنهم في الجنة كما تقدم نعم الخلاف في غير أولاد الأنبياء فقد تقرر الإجماع على كونهم في الجنة حكاه أبو عبد الله المازري. قوله: (ندب التَّعوذ) أي لأنه سنة للقراءة كالتأمين. قوله: (دونَ الافْتِتَاح والسورَةِ) وذلك لطولهما في الجملة قال ابن حجر في التحفة ندب الإتيان بهما إذا صلي على غائب أو قبر أي أخذا من تعليل عدم استحبابها بأنه لا حد لكلماتها فلو ندبا لأديا إلى تركه المبادرة المتأكدة وهذا منتف في الصلاة على الغائب أو القبر. قوله: (وَرَوَيْنَا في صَحيح الْبُخَارِي الخ) قال الحافظ وأخرجه أبو داود عن محمد بن كثير شيخ البخاري المذكور أنها من السنة وهكذا أخرجه البيهقي ووافق أبا داود في لفظه وأخرجه البخاري من طريق محمد بن بشار ولم يسق لفظه مسلم وأخرجه النسائي عن محمد بن بشار بسنده المذكور في البخاري وساق لفظه فقال عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال صليت خلف ابن عباس على جنازة فسمعته يقرأ بفاتحة الكتاب فلما انصرف أخذت بيده فسألته فقلت تقرأ فقال إنه من السنة أو من تمام السنة وقال حسن صحيح وقد روي مرفوعًا صريحًا عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث غريب أخرجه الترمذي وقال الترمذي ليس إسناده بذاك، إبراهيم بن عثمان هو أبو شيبة الواسطي منكر الحديث والصحيح عن ابن عباس قال الحافظ وللمرفوع شاهد أخرجه ابن ماجة من حديث أم شريك قالت أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب وفي سنده حماد بن جعفر العبدي وفيه لين عن شهر بن حوشب وفيه مقال قال الحافظ قال الشيخ في موضع من شرح المهذب إن ذكر الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عباس غريب قال الحافظ بعد إخراجه حديثه مرفوعًا وموقوفا وفيه ذكر الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -

سُنَّة، وقوله: سنة، في معنى قول الصحابي: من السُّنَّة كذا وكذا. جاء في "سنن أبي داود" قال: إنها من السُّنَّة، فيكون مرفوعًا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما تقرَّر وعُرف في كتب الحديث والأصول. قال أصحابنا: والسُّنَّة في قراءتها الإسرار دون الجهر، سواء صليت ليلًا أو نهارا، هذا هو المذهب الصحيح المشهور الذي قاله جماهير أصحابنا. وقال جماعة منهم: إن كانت الصلاة في النهار أسر، وإن كانت في الليل جهر. وأما التكبيرة الثانية، فأقل الواجب عقيبها أن يقولَ: اللهم صَل على مُحَمدٍ. ويستحبُّ أن يقول: وعلى آلِ مُحَمدٍ، ولا يجب ذلك عند جماهير أصحابنا. وقال بعض أصحابنا: يجب، وهو شاذ ضعيف، ويستحبُّ أن يدعوَ فيها للمؤمنين والمؤمنات إن اتَّسعَ الوقت له، نصَّ عليه الشافعي، واتفق عليه الأصحاب، ـــــــــــــــــــــــــــــ وبيان حال سند كل طريق ما لفظه ومع هذه الطرق لا يطلق في حديث ابن عباس الغرابة ثم قال الشيخ وروى الشافعي عن مطرف بن مازن عن معمر عن الزهري حديثًا فيه ذكر الصلاة على النبي وهو ضعيف أيضًا قال ابن معين مطرف كذاب اهـ. قال الحافظ في هذا الكلام نظر من أوجه. أحدها إن الشافعي احتج بمطرف فهو وإن ضعفه غيره حجة غير من يقلد الشافعي. الثاني إنه لم ينفرد به فقد رواه غيره كذلك ثم أخرج الحافظ من رواه كذلك الثالث إن الحديث هذا هو الحديث الآتي عن الزهري عن أبي أمامة من رواية يونس وشعيب والليث ولو ساق الشيخ عند الزهري فيه لزال الإشكال فإنه صرح فيه بأنه صحيح على شرط الشيخين كما سيأتي. الرابع قوله أيضًا يشير إلى ضعف حديث ابن عباس لأنه عطفه عليه وليس بضعيف على الإطلاق والعلم عند الله. قوله: (سُنةٌ الخ) معناه إنه وإن كان موقوفًا لفظًا على ابن عباس إلّا إنه مرفوع حكمًا فلا يمنع وقف لفظه من الاحتجاج به عند من يمنع الأخذ بقول الصحابي. قوله: (وإنْ كَانَ بالليل جهرَ) أي بالفاتحة فالخلاف فيها فقط كما بينه أول كلامه. قوله: (ويستَحبُّ أَنْ يقولَ وعَلَى آلِ محمدٍ) سكت المصنف عن بيان أفضل صيغ الصلاة هنا وفي التحفة وظاهر إن

ونقل المُزني عن الشافعي، أنه يستحبُّ أيضًا أن يحمدَ الله عزّ وجل، وقال باستحبابه جماعة من الأصحاب، وأنكره جمهورهم، فإذا قلنا باستحبابه، بدأ بالحمد لله، ثم بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم يدعو للمؤمنين والمؤمنات، فلو خالف هذا الترتيب، جاز، وكان تاركًا للأفضل. وجاءت أحاديث بالصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. رويناها في "سنن البيهقي"، ولكني قصدت اقتصار هذا الباب، إذ موضعُ بَسْطِه كُتُبُ الفقه، وقد أوضحتُه في "شرح المهذب". وأما التكبيرة الثالثة، فيجب فيها الدعاء للميت، وأقله ما ينطلق عليه الاسم، كقولك: رحمه الله، أو غفر الله له، أو اللهم اغفر له، أو ارحمه، أو ـــــــــــــــــــــــــــــ كيفية صلاة التشهد السابقة أفضل هنا أيضًا وكذا يستحب ضم السلام إلى الصلاة بما أفهمه قولهم إنما لم يحتج إليه في الصلاة لتقدمه في التشهد وهنا لم يتقدم فليس خروجًا من الكراهة ويفارق عدم سن السورة بأنه لا حد لكمالها فلو ندبت لأدى إلى ترك المبادرة للساعين بها. قوله: (ونَقلَ المُزَنيُّ) هو بضم الميم وفتح الزاي بعدها نون ثم تحتية مشددة قال الحافظ العسقلاني في مؤلفه في فضل الشافعي. المزني أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن عمرو بن إسحاق ولد سنة خمس وسبعين ومائة ولزم الشافعي لما قدم مصر وصنف المبسوط والمختصر من علم الشافعي واشتهر في الآفاق وكان آية في الحجاج والمناظرة عابدا عاملًا متواضعا غواصا على المعاني مات في شهر رمضان سنة أربع وستين ومائتين اهـ. قوله: (فإِذَا قلنَا باستحبابِه) أي وهو الأرجح. قوله: (وجَاءَتْ أَحادِيثُ بالصَّلاةِ عَلَى رسُول - صلى الله عليه وسلم -) قال الحافظ هي ثلاثة ليس فيها شيء مصرح برفعه وترجع في التحقيق إلى اثنين. قوله: (وقَدْ أَوْضَحتُه في شَرْحِ المهذبِ) عن ابن عباس إنه صلى على جنازة فأكثر ثم قرأ بأم القرآن فجهر بها ثم صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الشيخ في شرحه أما الرواية التي ذكرها عن ابن عباس بزيادة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد رواها البيهقي عن غير ابن عباس فرواها بإسناده عن عبادة وجماعة من الصحابة وعن أبي أمامة بن سهل قال الحافظ كأنه ما رآه من حديث ابن عباس وإلَّا لذكره وقد وقع لي عن ابن عباس مرفوعًا وموقوفًا وحديث عبادة أخرجه البيهقي من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة إنه سأل عبادة بن

الطف به، ونحو ذلك. وأما المستحبُّ فجاءت فيه أحاديث وآثار. فأما الأحاديث، ـــــــــــــــــــــــــــــ الصامت عن الصلاة على الميت فقال أنا والله أخبرك لتبتدأ فتكبر ثم تصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم تقول اللهم إنه عبدك فذكر الحديث موقوفًا وأما الرواية عن جماعة من الصحابة فأخرجه الحافظ ابن حجر عن الزهري قال أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف وكان من أكابر الأنصار وعلمائهم ومن أبناء الذين شهدوا بدرًا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إنه أخبره رجال من أصحاب رسول الله ك - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة على الجنازة أن كبر الإمام ثم يصلي على النبي ثم يخلص الدعاء للميت في التكبيرات الثلاثة ثم يسلم تسليمًا خفيفًا حين ينصرف والسنة إن يفعل من وراء الإِمام مثل ما فعل وأخبرني بذلك وسعيد بن المسيب يسمع فلم ينكر ذلك فذكرت الذي أخبرني لمحمد بن سويد الفهري فحدثني عن الضحاك بن قيس الفهري عن حبيب بن مسلمة الفهري في صلاة صلاها على ميت مثل الذي أخبر أبو أمامة قال الحافظ بعد تخريجه هذا الحديث صحيح لكنه موقوف وقد أخرجه الطبراني في مسند الشاميين عن الزهري من طريق آخر فذكر الحديث كما ذكرنا متنا وسندا إلَّا ما يتعلق بابن المسيب وزاد في أوله أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن ويصلى على النبي قال ابن شهاب وأخبرني محمد بن سويد عن الضحاك بن قيس بنحو ذلك هكذا أخرجه النسائي وقال الشيخ في شرح المهذب إسناده على شرط الشيخين يعني الأولى قال أبو أمامة هذا صحابي وقوله السنة كذا في حكم المرفوع وتعقبه شيخنا في شرح الترمذي بأن أبا أمامة له رواية من النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الحافظ ابن حجر قلت وقد صرح البخاري والبغوي وابن السكن بأنه لم يسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - فحكم مرسله مرسل كبار التابعين وقد قالوا إنه أدرك من حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - عامين فقط وقد ظهر من الروايتين السابقتين عن الزهري أن أبا أمامة حمله عن رجال من الصحابة فنقصت هذه الرواية الأخيرة عن الزهري ذكر شيوخ أبي أمامة كما سقط ذكر شيخ الضحاك وزيادة الثقة مقبولة ولا سيما إذا كان حافظا والراويان الأولان عن الزهري وهما يونس وشعيب أتقن من الثالث وهو الليث اهـ. قوله: (وأَما المستحبُّ) أي حيث لم يخش تغير الميت ذلك. قوله: (أَحادِيث) أي مرفوعة. قوله: (وآثارٌ) بالمثلثة أي غير مرفوعة. قوله:

فأصحها ما رويناه في "صحيح مسلم" عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جنازة فحفظتُ من دعائه وهو يقول: "اللهم اغْفِرْ لَهُ، وارْحَمْهُ، وعَافِهِ، وَاعْفُ عَنْهُ، وأكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مَدْخَلَهُ، واغْسِلْهُ بالمَاءِ والثلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الخَطَايا كما نَقَّيْتَ الثوْبَ الأبْيَضَ مِنَ الدَّنَس، وأبْدِلْهُ دَارًا خَيرًا مِنْ دَارِهِ، وأهْلا خَيْرًا مِنْ أهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيرًا مِنْ زَوْجِهِ، وأدْخِلْهُ الجَنَّةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (مَا رَوَيْناه في صحيح مسلم) قال في السلاح ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجة زاد الحافظ وأخرجه أحمد وهو ما سقَط منَ سماع السند قديمًا اهـ. قوله: (أغفِرْ لهُ) أي ذنوبه وارحمه أي برفع الدرجة زيادة على المغفرة وعافه من العذاب واعف عنه أي ما وقع له من تقصير في الطاعة وأكرمه هو دعاء من الإكرام والنزل بضمتين ما يهيأ للضيف من الطعام أي أحسن نصيبه من الجنة ووسع بكسر السين المهملة المشددة ومدخله بضم الميم وفتحها وباء معجمة وبهما قرئ قوله تعالى: {وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء: 31]، قال ابن الجزري بضم الميم يعني موضعا يدخل فيه وهو قبره الذي يدخله الله إليه قال ميرك لكن المسموع من أفواه المشايخ والمضبوط في الأصول أي من نسخ الحصن فتح الميم وكلاهما صحيح المعنى قال صاحب الصحاح المدخل الدخول وموضع الدخول أيضًا تقول دخلت مدخلا وتقول أدخلته مدخل صدق اهـ، ويجوز أن يكون بالضم موضع الإدخال وهو المناسب لهذا المقام. قوله: (واغسلهُ) بهمزة وصل أي غسل ذنوبه والبرد بفتحتين الغرض تعميم أنواع الرحمة والمغفرة في مقابل أصناف المعصية والغفلة. قوله: (ونقِّه) بتشديد القاف المكسورة من التنقية بمعنى التطهير والهاء فيه يحتمل أن تكون ضميرًا للميت وأن تكون هاء السكت وقوله من الخطايا أي من أثرها. قوله: (من الدنَسِ) بفتحتين أي الدرن قال ابن الجزري الدرن الوسخ. قوله: (وأَبدِلْهُ) بصيغة الدعاء من الأبدال أي عوضه دارًا من القصور أو من سعة القبور. قوله: (وَأَهْلا) أي من الغلمان والخدم. قوله: (وزَوْجًا) أي زوجة من الحور العين أو من نساء الدنيا وفي التحفة وظاهر أن المراد بالأبدال في الأهل والزوجة إبدال الصفات لا الذوات لقوله تعالى: (أَلحقنَا بِهِتم ذُريتهُمْ) [الطور: 21] ولخبر الطبراني وغيره

وَأعِذْهُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ أوْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ" حتى تمنيتُ أن أكونَ أنا ذلك الميت. وفي رواية لمسلم: "وَقِهِ فِتْنَةَ القَبْرِ وَعَذَابَ النارِ". وروينا في سنن أبي داود، والترمذي، والبيهقي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه صلى على جنازة، ـــــــــــــــــــــــــــــ أن نساء الجنة من نساء الدنيا أفضل من الحور العين ثم رأيت شيخنا قال وقوله أبدله زوجًا خيرًا من زوجة يصدق بتقديرها له إن لو كانت له وكذا في المزوجة إذا قيل أنها لزوجها في الدنيا يراد بإبدالها زوجًا خيرًا منه ما يعم إبدال الذوات وإبدال الصفات اهـ، وإرادته إبدال الذات مع فرض أنها لزوجها في الدنيا فيه نظر وكذا قوله إذا قيل كيف وقد صح الخبر به وهو أن المرأة الآخر أزواجها ولذا امتنعت أم الدرداء لما خطبت بعد موت أبي الدرداء ويؤخذ منه إنه فيمن مات وهي في عصمته ولم تتزوج بعده فإن لم تكن في عصمة أحدهم عند موته احتمل القول بأنها تخير أو أنها للثاني ولو مات أحدهم وهي في عصمته ثم تزوجت وطلقت ثم مات فهل هي للثاني أو للأول ظاهر الحديث أنها للثاني وقضية المذكور أنها للأول وإن الحديث محمول على ما إذا مات الأخير وهي في عصمته وفي حديث رواه جمع لكنه ضعيف، والمرأة منا ربما يكون لها زوجات في الدنيا فتموت ويموتان ويدخلان الجنة لأيهما هي قال لأحسنهما خلقًا كان عندها في الدنيا اهـ. قوله: (وأَعذْهُ) بصيغة الأمر من الإعاذة أي وخلصه من عذاب القبر وعذاب النار إما بعدم الإدخال فيها أي بإنجائه منها. قوله: (وفي روايةٍ لمسلم الخ) يجوز أن يكون المراد بفتنة القبر فتنة الممات كما صح عنه - صلى الله عليه وسلم - في فتنة القبر أنها كمثل أو أعظم من فتنة الدجال وعليه فلا يكون فيه مع قوله وعذاب القبر تكرار لأن العذاب مرتب على الفتنة وليس نفسها والمسبب غير السبب ولا يقال المقصود زوال عذاب القبر لأن الفتنة بعينها أمر عظيم أشار إليه ابن دقيق العيد. قوله: (وَرَوَيْنَا في سننِ أَبِي دَاوُدَ والترمِذِي والبَيْهقي) قال في الحصن وأخرجه النسائي وأحمد وابن حبان والحاكم في المستدرك كلهم عن أبي هريرة وقال الحافظ إن الحاكم قال بعد تخريجه إنه صحيح على شرط الشيخين وليس كما قال فقد

فقال: "اللهُم اغْفِرْ لِحَيِّنا وَميِّتِنا، وَصَغِيرِنا وكَبِيرِنا، وذَكَرِنا وأُنْثَانا، وشَاهِدِنا وغَائِبنا، اللَّهُم مَنْ أحْيَيتهُ مِنَّا فَأحْيِهِ عَلى الإسلامِ، وَمَنْ تَوَفَّيتَهُ مِنَّا فتوَفَّهُ عَلى الإيمان، اللَّهُمَّ لا تَحْرِمنا أجْرَهُ وَلا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ". قال الحاكم أبو عبد الله: هذا ـــــــــــــــــــــــــــــ نفى البخاري صحته اهـ. قوله: (أغفرْ لحيِّنا الخ) المراد بالشاهد فيه الحاضر قال التوربشتي سئل الطحاوي عن معنى الاستغفار للصغار مع إنه لا ذنب لهم فقال إن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل ربه أن يغفر لهم الذنوب التي فضيت لهم أن يصيبوها بعد الانتهاء إلى حال الكبر وقال ميرك كل من القرائن الأربع في هذا الحديث يدل على الشمول والاستيعاب فلا يحمل على التخصيص نظرًا إلى مفردات التركيب فكأنه قيل اللهم اغفر للمسلمين أجمعين فهي من الكنايات الرمزية يدل عليه جمعه في قوله اللهم من أحييته منا الخ. قال في الحرز لا كلام في إفادة العموم والشمول لكن المغفرة لا تقابل إلَّا بالمعصية وهي غير متحققة من نحو الأطفال فحمله المحقق على صغار يصيرون كبارًا يتصور منهم وقوع الذنب والأظهر أن يراد بصغيرنا الشبان وبكبيرنا الشيوخ فيرتفع الإشكال والله أعلم اهـ. وفي شرح المشكاة لابن حجر هذا الإشكال في غير محله لأنه مبني على مقدمة متوهمة هي أن طلب المغفرة تستدعي سبق ذنب وليس كذلك فإن الله تعالى قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر مع عصمته العلية وكان - صلى الله عليه وسلم - يستغفر في المجلس الواحد مائة مرة فالصواب إن طلبها لا يستدعي ذنبا بل قد تكون لنيل الدرجات ومحو التقصيرات وبه يعلم إنه لا يحتاج إلى جواب الطحاوي أن المسؤول لهم مغفرة ذنوب قضيت عليهم الخ. على أن في هذا من البعد والتكلف ما هو غني عن البيان اهـ. قوله: (فأَحيه عَلى الإِسلام) بقطع الهمزة من أحيه، والإسلام الاستسلام والإنقياد لأمرك ونواهيك. قوله: (توفّيته) بتشديد الفاء أي قبضت روحه. قوله: (فَتوفّه عَلَى الايمانِ) أي التصديق القلبي إذ لا نافع حينئذٍ غيره. قوله: (تَحرِمْنَا) بضم الفوقية وفتحها، أجره أي أجر الصلاة عليه أو أجر المصيبة به فإن المسلمين في المصيبة كالشيء الواحد. قوله: (ولا تفِتنَّا بعدَهُ) أي بتسليط الشيطان علينا حتى ينال

حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم". ورويناه في "سنن البيهقي" وغيره، من رواية أبي قتادة: ـــــــــــــــــــــــــــــ منا مطلوبه وفي السلاح والحرز إن هذا اللفظ عند النسائي وعند غيره ما عبر به في الحصين ولا تضلنا بعده وظاهر إيراد المصنف هنا خلاف ذلك وفي كلام الحافظ إشارة إليه فإنه بعد ذكر الحديث من طريق له إلى قوله فتوفه على الإسلام قال أخرجه النسائي ثم أخرجه بعد من طريق أخرى وقال بعد تمام السند فذكر مثله وزاد اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده ثم أخرجه من طريق الطبراني في الدعاء أيضًا وقال أخرجه أبو داود ففي اقتصاره على قوله ولا تضلنا وعدم ذكر ولا تفتنا في رواية أبي داود تأييد لما في السلاح والحرز. قوله: (وَرَويْنَاه في سُنن البيهقي وغيرِهِ منْ رِوَايةِ أَبِي قتادةَ (قال الحافظ بعد تخريجه عنه قال جاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على ميت فسمعته يقول اللهم اغفر لحينا الحديث قال يحيى بن كثير أحد رجال سند حديث أبي قتادة وحدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن بهذا وزاد اللهم من أحييته الخ. أخرجه النسائي في الكبرى وقال الترمذي سألت محمدًا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال أبو إبراهيم لا يعرف اسمه وأبوه له صحبة قلت فالذي يقال إنه عبد الله بن أبي قتادة فأنكر ذلك وقال أبو قتادة أسلمي وهذا أشهلي قلت فأي الروايات في هذا أصح اللهم اغفر لحينا وميتنا قال رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي إبراهيم الأشهلي في هذا أصح ورواية أبي سلمة عن أبي هريرة وعن أبي قتادة وعن عائشة ليست بصحيحة قال وأصح شيء في هذا الباب حديث عوف بن مالك قال الحافظ قلت ومع ذلك لم يخرجه في صحيحه لأن سنده على غير شرطه وإنما ضعف روايات يحيى للاضطراب فقد اختلف فيه على أبي سلمة هل هو عن أبي هريرة أو عن عائشة أو عبد الله بن سلام أو عبد الرحمن بن عوف قال وقد ذكرت الأول يعني حديث أبي هريرة وحديث عائشة أخرجه النسائي والحاكم وحديث عبد الله بن سلام أخرجه النسائي وحديث عبد الرحمن بن عوف أخرجه البزار واختلف فيه على يحيى ابن أبي كثير فقيل عن أبي سلمة وقيل عن أبي إبراهيم

ورويناه في كتاب الترمذي، من رواية أبي إبراهيم الأشهلي عن أبيه، وأبوه صحابي، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال الترمذي: قال محمد بن إسماعيل -يعني البخاري- أصحُّ الروايات في حديث: "اللهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنا وَمَيِّتِنا"، رواية أبي إبراهيم الأشهلي عن أبيه. قال البخاري: وأصحُّ شيء في الباب، حديث عوف بن مالك. ووقع في رواية أبي داود: "فأحْيِهِ على الإيمَانِ، وَتَوَفّهُ على الإسْلامِ". والمشهور في معظم كتب الحديث، "فأحْيِهِ على الإسْلام، وَتَوَفّهُ على الإيمَانِ" كما قدَّمناه. وروينا في سنن أبي داود، وابن ماجه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "إذا صَلَّيتُمْ عَلى المَيِّتِ فأخْلِصُوا لهُ الدُّعاءَ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل عن عبد الله بن أبي قتادة اهـ. قوله: (وَرَويْنَا في كتاب الترمذِي) وكذا رواه النسائي أيضًا كما نقله في السلاح. قوله: (عَنْ إبراهيمَ الأَشْهَلي عَنْ أَبيهِ) وانتهت روايته عند قوله وأنثانا قال الحافظ عن يحيى بن كثير راويه عن أبي إبراهيم قال يحيى وحدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن بهذا الحديث وزاد اللهم من أحييته منا إلى قوله ولا تضلنا بعده اهـ. قوله: (قيلَ اسم أَبِي إبرَاهِيم عبد الله بنْ قتَادَةَ) ولا يصح لأن أبا قتادة أسلمي وهذا أشهلي أشار إليه الحافظ في التقريب. قوله: (قال الترمذِيُّ الخ) عبادة الترمذي وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف وعائشة وأبي قتادة وجابر وعوف بن مالك وحديث أبي إبراهيم حسن صحيح وسمعت محمدًا يعني البخاري أصح الروايات في هذا حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي إبراهيم الأشهلي عن أبيه الخ. قوله: (ووَقَع في رِوَايَةَ أَبِي دَاوُدَ الخ) ظاهر عبارة السلاح إنه كذلك عند الحاكم وابن حبان ومعنى الرواية صحيح أيضًا مطابق للأول لأن الإيمان والإسلام وإن اختلفا مفهومًا فهما متحدان في الماصدق. قوله: (وَرَوَيْنَا في سُنن أَبِي دَاوُدَ الخ) قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الطبراني في كتاب الدعاء ما لفظه وأخرجه ابن ماجة قال ابن حجر في شرح المشكاة وصححه ابن حبان. قوله: (فأَخْلِصُوا لهُ الدُّعاءَ) أي لا تخصوا معه غيره بل خصوه بدعاء ففيه وجوب الدعاء للميت بخصوصه وأخذ أئمتنا من

وروينا في "سنن أبي داود" عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة على الجنازة: "اللهُم أنْتَ رَبُّهَا، وأنْتَ خَلَقْتها، وأنْتَ هَدَيْتَها للإسْلامِ، وأنْتَ قَبَضْتَ رُوحَها، وأنْتَ أعْلَمُ بِسِرها وَعَلانِيَتِها، جِئْنا شُفَعاءَ فاغْفِرْ لهُ". وروينا في سنن أبي داود، وابن ماجه، عن واثلة بن الأشقع رضي الله عنه، قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رجل من المسلمين، فسمعته يقول: "اللَّهُمَّ إن فُلانَ بنَ فُلانَةَ في ذِمَّتِكَ وَحَبْلِ جِوَارِكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الخبر أن الدعاء للميت بخصوصه بأمر أخروي أو ما يؤول إليه كاقضِ عنه دينه بعد التكبيرة الثالثة ركن لأنه المقصود الأعظم من الصلاة عليه وما قبله كالمقدمة له واستثناء بعضهم للطفل رد بأنه باطل إذ لو نظر لعدم تكليفه لم يصل عليه كما شذ به بعض السلف فلما وجبت الصلاة عليه لرفع درجاته وجب الدعاء له بذلك. قوله: (وَرَوَيْنَا في سَننِ أَبِي دَاوُدَ) وزاد في السلاح والحصن والنسائي وقال الحافظ بعد تخريجه من طريق الطبراني وفي الدعاء ما لفظه هذا حديث حسن وأخرجه النسائي في الكبرى. قوله: (وَأَنْتَ قبضتَ روْحَهَا) أي أمرت بقبضها قاله ابن الجزري فالإسناد مجازي وفيه إنه لا حاجة لذلك والأصل الحقيقة ولا مانع منها والله أعلم. قوله (وعلانيتهَا) هو بتخفيف المثناة التحتية. قوله: (فاغفِرْ لهُ) عند النسائي فاغفر لها وتأنيث الضمير باعتبار النفس أو الروح التي هي الأصل فيكون الضمير على وفق الضمائر السابقة والتذكير باعتبار الشخص قيل أو التذكير للرجل والتأنيث للمرأة على تقدير تعدد الواقعة الدال عليه اختلاف الرواية. قوله: (وَرَوَيْنَا في سننِ أَبِي دَاوُدَ وابْنِ ماجةَ الخ) قال الحافظ هذا حديث حسن. قوله: (اللَّهُمَّ هَذَا عَبدُك وابْنُ عبْدِكَ) ووقع في أثر عن إبراهيم النخعي عن سعيد بن منصور وفي حديث زيد بن ركانة وعند الطبراني اللهم عبدك وابن امتك. قوله: (فلانَ بن فلانٍ) بحذف ألف ابن في النسخة وإثباتها ووجد في بعض نسخ الحصين فلانًا بالتنوين وفلان الثاني منون في الجميع. قوله: (في ذِمْتِكَ) أي فعهدك من الإيمان كما يدل عليه قوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي} [البقرة: 40] أي ميثاقي. قوله: (وَحَبْلِ جِوارك) بفتح الحاء المهملة وإسكان الموحدة من جبل وكسر الجيم من جوارك أي أمانك كما يشير إليه قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} [آل عمران: 103]،

فَقِهِ فِتْنَةَ القَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ، وأنْتَ أهْلُ الوَفَاءِ وَالحَمْدِ فَاغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ". واختار الإِمام الشافعي رحمه الله دعاءً التقطه من مجموع هذه الأحاديث وغيرها فقال: يقول: اللهم هَذَا عَبْدُكَ وابنُ عَبْدِكَ، خَرَجَ مِن رَوْحِ الدُّنْيَا وَسَعَتِها، ومَحْبُوبِها وأحِبَّائِه فيها، إلى ظُلْمَةِ القَبْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الطيبي الحبل العهد والأمانة والذمة وحبل جوارك بيان لقوله ذمتك نحو أعجبني زيد وكرمه أي مات في كنف حفظك وعهد طاعتك وقال ابن الجزري أي خفارتك وطلب غفرانك وفي أمانك وقد كان من عادة العرب أن يخفر بعضهم بعضًا وكان الرجل إذا أراد سفرًا أخذ عهدًا من سيد كل قبيلة فيأمن به ما دام في حدودها حتى ينتهي إلى أخرى فيفعل مثل ذلك فهذا حبل الجوار أي ما دام مجاورًا أرضه قال في الحرز ويجوز أن يكون من الإجارة هو الأمان والنصرة. قوله: (فقهِ) بهاء الضمير وفي نسخة صحيحة من الحصن بهاء السكت أي فاحفظه. قوله: (فِتْنَةَ القبْرِ) أي اختباره أو عذابه. قوله: (أَهلُ الوَفاءِ) أي لقولك أوف بعهدكم. قوله: (وأَهلُ الْحْمدِ) أي بالتزكية والثناء والشكر والجزاء لمن ثبت على الإيمان وقام بحق القرآن والجملة حالية من فاعل قه أو استئنافية ويمكن أن يكون المعنى وأنت أهل الوفاء لقولك ادعوني أستجيب لكم وأهل الحمد أي اللائق به ليس إلَّا ومن كان كذلك لا يرد سؤال سائل. قوله: (فاغْفرْ) أي بمحو سيئاته. قوله: (وَارحَمْهُ) أي برفع درجاته. قوله: (واخْتارَ) الشافعي دعاء التقطه من مجموع هذه الأحاديث وغيرها قال الحافظ أكثره من غيره وبعضه موقوف على صحابي أو تابعي وبعضه ما رأيته منقولا فقوله خرج من روح الدنيا إلى قوله لاقيه لم أره منقولًا وكذا قوله اللهم نزل بك وأنت خير منزول به وكذا قوله ولقه برحمتك رضاك وكذا قوله وافسح له في قبره إلى قوله جنبيه لكن في أثر مجاهد عند عبد الرزاق ووسع عن جسده الأرض وكذا قوله ولقه الأمن برحمتك قال الحافظ فهذا لم أره منقولا اهـ. قوله: (وابْنُ عبْدِكَ الخ) هذا إنما يؤتى به في معروف الأب أما ولد الزنا فيقال فيه وابن امتك. قوله: (منْ رَوْحِ الدُّنيا وسَعتهَا) هو بفتح أوليهما المهملين أي نسيم ريحها واتساعها. قوله: (ومحْبُوبَهَا) قال في شرح الروض كذا وقع في نسخة من الروضة

ومَا هُوَ لاقِيهِ، كانَ يَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا أنْتَ، وأن مُحَمدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، وأنْتَ أعْلَمُ بِه، اللهم إنَّهُ نَزَلَ بِكَ وأنْتَ خَيْرُ مَنْزولٍ بِه، وأصْبَحَ فَقِيرًا إلى رَحْمَتِكَ، وأنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ، وَقَدْ جِئْناكَ رَاغِبِينَ إلَيْكَ، شُفَعاءَ لهُ، اللهم إنْ كانَ مُحْسِنًا فَزِدْ في إحْسانِه، وإنْ كانَ مُسِيئًا فتَجَاوَزْ عَنْهُ، وآتِهِ بِرَحْمَتِكَ رِضَاكَ، وَقِهِ فِتْنَةَ القَبْرِ وَعَذَابَهُ، وَافْسَحْ لَهُ في قَبْرِهِ، وَجَافِ الأرضَ عَنْ جَنْبَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذا هو في المجموع والمشهور ومحبوبه ثم هو بالجر ويجوز رفعه بجعل الواو للحال اهـ. وأتى بالجملة الحالية لبيان انقطاعه وذله. قوله: (ومَا هُو لاقِيهِ) أي من فتنة القبر من جزاء عمله إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر ووقع في أثر عن عمر عند أبي شيبة تخلى من الدنيا قال الحافظ وتركها لأهلها. قوله: (كَانَ يَشهدُ أَنْ لا إِلهَ إلا أَنتَ إلى قوله أَعْلمُ بهِ) وقع ذلك في حديث أبي هريرة موقوفًا عند مالك ومرفوعا عند أبي يعلى وابن حبان في صحيحه وعند الحارث لا نعلم إلّا خيرًا وأنت أعلم به. قوله: (إنهُ نَزلَ بكَ) أي ضيفك وأنت أكرم الأكرمين وضيف الكرام لا يضام وما أحسن ما يعزى إلى الشيخ عبد الكريم الرافعي. إذا أمسى فراشي من تراب ... وصرت مجاور الرب الكريم فهنوني أحبائي وقولوا ... لك البشرى قدمت على كريم قوله: (وأَنتَ خيْرُ منْزُولٍ بهِ) بتذكير الضمير يعود إلى الله سبحانه قال ابن حجر في التحفة وليحذر من تأنيث به في منزول به فإنه كفر لمن عرف معناه وتعمده اهـ. قوله: (وقَدْ جئْناكَ) أي قصدناك. قوله: (وقِه فِتْنةَ القبْرِ) هذا إلى قوله وعذابه رواه مسلم من حديث عوف بن مالك قاله الحافظ وذلك بأن تثبته في جواب المسألة. قوله: (وعذَابه) أي وقه عذابه المسبب عن فتنته وبعضه في حديث واثلة وسيأتي ذكر القبر وأسماؤه في باب جواز الدعاء على الظالم إن شاء الله تعالى. قوله: (وافْسَحْ) هو بفتح السين المهملة أي وسع. قوله: (وجفِ الأرْضَ) أي ارفعها عن جنبيه بفتح الجيم وسكون النون تثنية جنب كما هو عبارة الأكثرين وفي بعض نسخ الأم الصحيحة عن جثته بضم الجيم وفتح المثلثة المشددة قال في المهمات وهذا أحسن لدخول

وَلَقِّهِ بِرَحْمَتِكَ الأمنَ مِنْ عَذَابِكَ حَتَّى تَبْعَثَهُ إلى جَنَّتِكَ يا أرْحَمَ الراحِمِينَ، هذا نص الشافعي في مختصر المزني رحمهما الله. قال أصحابنا: فإنْ كان الميت طفلا دعا لأبويه فقال: "اللَّهُم اجْعَلْهُ لَهُما فَرَطًا، واجْعَلْهُ لَهُما سَلَفًا، واجْعَلهُ لَهُما ذُخْرًا، وثَقِّلْ به مَوَازِينَهُما، وأفرْغْ الصَّبْرَ على قُلُوبِهما، ولا تَفْتِنْهُما بَعْدَهُ، ولا تَحْرِمْهُما أجْرَهُ". هذا لفظَ ما ذكره أبو عبد الله الزبيري من أصحابنا في كتابه "الكافي"، وقاله الباقون بمعناه، وبنحوه قالوا: ويقول معه: "اللهم اغْفِر لِحَيِّنا وَمَيِّتِنا ... " إلى آخره. قال الزبيري: فإن كانت امرأة قال: "اللهُم هَذه أَمَتُكَ"، ثم ينسق الكلام، ـــــــــــــــــــــــــــــ الجنبين والظهر والبطن اهـ. ووقع في أثر مجاهد عند عبد الرزاق ووسع عن جسده الأرض وهو يؤيد ما بحثه الإسنوي. قوله: (ولقِه الأَمنَ منْ عذَابك) أي الشامل لما في القبر وما بعده وأعيد بإطلاقه بعد تقييده بما تقدم اهتماما بشأنه إذ هو المقصود من هذه الشفاعة. قوله: (حتَّى تَبعثهُ إِلى جنتكَ) أي مسوقا في زمرة المتقين إليها. قوله: (فَرَطًا) في الصحاح الفرط بالتحريك الذي يتقدم الواردة فيهيئ لهم الإرسان والدلاء ويمدر لهم الحياض ويستقي لهم فعل بمعنى فاعل مثل تبع بمعنى تابع يقال رجل فرط وقوم فرط أيضًا وفي الحديث أنا فرطكم على الحوض ومنه قيل للطفل الميت اللهم اجعله لنا فرطًا أي أجرًا يتقدمنا حتى نرد عليه اهـ، ويقال إنه جمع فارط بمعنى سابق ثم الظاهر إنه يقال فرطا لأبويه في غير ولد الزنا أما هو فينبغي أن يقال إنه فرطًا لأمه ويقول فيمن أسلم تبعًا لأحد أصوله اجعله فرطا لأصله المسلم ويحرم الدعاء بأخروي لكافر وكذا من شك في إسلامه ولو من والديه بخلاف من ظن إسلامه ولو بقرينة كالدار هذا هو المتجه من اضطراب كثير ذي ذلك. قوله: (ذُخْرًا) بالذال المعجمة شبه تقدمه لهما بشيء نفيس يكون أمامهما مدخرًا إلى حاجتهما له بشفاعته لهما كما صح. قوله: (وَأَفرِغَ الصَّبرَ عَلَى قُلوبِهمَا) هو بقطع همزة أفرغ وهذا لا يأتي إلَّا في حي. قوله: (ولا تَفتِنهُمَا بعْدَهُ الخ) هذا جار في الحيين والميتين إذ الفتنة يكنى بها عن العذاب وذلك لورود الدعاء لوالديه بالرحمة والعافية ولا يضر ضعف سنده لأنه في الفضائل. قوله: (ثُمَّ يُنْسُقُ الكَلامَ) بتحتية ثم نون فسين مهملة فقاف أي

والله أعلم. وأما التكبيرة الرابعة، فلا يجب بعدها ذِكْرٌ بالاتفاق، ولكن يستحبُّ أن يقول ما نصَّ عليه الشافعي رحمه الله في كتاب البويطي، قال: يقول في الرابعة: اللَّهُمَّ لا تحْرِمْنا أجْرَهُ ولا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ. قال أبو علي بن أبي هريرة من أصحابنا: كان المتقدِّمون يقولون في الرابعة: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201]. قال: وليس ذلك بمحكيٍّ عن الشافعي، فإن فعله كان حسنًا. قلت: يكفي في حسنه ما قدمناه في حديث أنس في باب دعاء الكرب، والله أعلم. قلت: ويحتج للدعاء في الرابعة ـــــــــــــــــــــــــــــ يجعل الكلام على ذلك النسق مرتبا وفي الروضة لو ذكر بقصد الشخص لم يضر وإن كان خنثى فقال الإسنوي المتجه التعبير بالمملوك أو نحوه والقياس إنه لو لم يعرف كون الميت ذكرًا أو أنثى أن يعبر بالمملوك ونحوه ويجوز أن يأتى بالضمائر منكرة على إرادة الميت أو الشخص ومؤنثة على إرادة لفظ الجنازة وأنه لو صلي على جمع معًا يأتي فيه ما يناسبه وإذا اجتمع ذكور وإناث فالأولى تغليب الذكور لأنه أشرف. قوله: (يُستَحبُّ أنْ يقولَ ما نصَّ عَلَيهِ الشَّافعيُّ الخ) فزاد في التنبيه في آخره اغفر لنا وله واستحسنه الأصحاب فقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - إنه كان يدعو في صلاة الجنازة بقوله اللهم لا تحرمنا أجره وفي رواية ولا تفتنا بعده ويستحب تطويل الدعاء بعد الرابعة لثبوت ذلك من فعله - صلى الله عليه وسلم - قيل وضابط التطويل إلحاقها بالثانية لأنها أخف الأركان قال ابن حجر في التحفة وهو تحكم غير مرضي بل ظاهر كلامهم إلحاقها بالثالثة أو تطويلها عليها ولو خيف تغير الميت أو انفجاره لو أتي بالسنن فالقياس كما قال الأذرعي الاقتصار على الأركان كان حسنًا أي مباحًا. قوله: (ويَكْفي في حُسْنهِ الخ) قال الحافظ ينبغي تقييده بأن لا يقصد التلاوة لما في حديث أبي أمامة بن سهيل ولا يقرأ إلَّا في التكبيرة الأولى اهـ. وقد علمت إن الصحيح جواز قراءة الفاتحة بعد أي تكبيرة شاء من الأربع ولا مانع من قصد الثلاثة بها. قوله: (ويُحتج لِلدُّعاءِ) أي لتطويله

بما رويناه في "السنن الكبير" للبيهقي، عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما، أنه كبر على جنازة ابنةٍ له أربع تكبيرات، فقام بعد الرابعة كقدر ما بين التكبيرتين يستغفر لها ويدعو، ثم قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع هكذا". في رواية: كبر أربعًا فمكث ساعة حتى ظننا أنه سيكبر خمسًا ثم سلم عن يمينه وعن شماله، فلما انصرف قلنا له: ما هذا؟ فقال: إني لا أزيدكم على ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع، أو هكذا صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال الحاكم أبو عبد الله: هذا حديث صحيح. ـــــــــــــــــــــــــــــ بشرطه السابق. قوله: (بِمَا في السُّنن الكَبير الخ) أخرجه الحافظ عن عبد الله بن أبي أوفى وكان من أصحاب الشجرة فماتت ابنته فخرج إلى جنازتها على بغلة له فجعل النساء يبكين فقال لا ترثين فإن رسول الله نهى عن المراثي لتفض إحداكن من عبرتها ما شاءت ثم تقدم فكبر أربعًا عليها ثم قام في الرابعة يدعو قال رسول الله مثل وأخرجه الحافظ من طريق الإِمام أحمد عن عبد الله المذكور قال فذكر الحديث نحوه وقال فيه فكبر عليه أربع تكبيرات ثم قام هنية فسبح به بعض القوم فلما انفتل قال أكنتم ترون أني أكبر الخامسة قالوا نعم قال فإن رسول الله كان إذا كبر الرابعة قام هنية قال الحافظ بعد تخريجه حديث غريب أخرجه ابن المنذر والطحاوي والحاكم والبيهقي وقال الحاكم إنه حديث صحيح قال الحافظ وليس كما قال فإن مداره على إبراهيم بن مسلم الهجري وهو ضعيف عند جميع الأئمة لم نجد فيه توثيقًا لأحد إلَّا قول الأزدي صدوق والأزدي ضعيف واعتذر الحاكم بعد تخريجه بقوله لم ينقم عليه بحجة وهذا لا يكفي في التصحيح اهـ. قوله: (وفي رِوَاية أُكبِّرَ أَرْبعا فمكَثَ سَاعةً) أخرج الحافظ عن إبراهيم الهجري قال أمنا عبد الله ابن أبي أوفى على جنازة ابنته فكبر أربعًا فمكث ساعة حتى ظننا إنه يكبر خامسة ثم سلم من يمينه وعن شماله فلما انصرف قلنا له ما هذا فقال إني لا أزيد على ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع وقال الحافظ بعد تخريجه أخرجه البيهقي.

باب ما يقوله الماشي مع الجنازة

فصل: وإذا فرغ من التكبيرات وأذكارها، سلم تسليمتين كسائر الصلوات، لما ذكرناه من حديث عبد الله بن أبي أوفى، وحكمُ السلام على ما ذكرناه في التسليم في سائر الصلوات، هذا هو المذهب الصحيح المختار، ولنا فيه هنا خلاف ضعيف تركتُه لعدم الحاجة إليه في هذا الكتاب. ولو جاء مسبوق فأدرك الإِمام في بعض الصلاة، أحرم معه في الحال، وقرأ الفاتحة ثم ما بعدها على ترتيب نفسه، ولا يوافق الإِمام فيما يقرؤه، فإن كبر، ثم كبر الإِمام التكبيرة الأخرى قبل أن يتمكَّن المأموم من الذِّكْر، سقط عنه كما تسقط القراءة عن المسبوق في سائر الصلوات، وإذا سلم الإِمام وقد بقي على المسبوق في الجنازة بعض التكبيرات، لزمه أن يأتيَ بها مع أذكارها على الترتيب، هذا هو المذهب الصحيح المشهور عندنا. ولنا قول ضعيف أنه يأتي بالتكبيرات الباقيات متواليات بغير ذِكْر، والله أعلم. باب ما يقوله الماشي مع الجنازة يستحبُّ له أن يكون مشتغلا بذِكْر الله تعالى، والفِكْر فيما يلقاه الميت، وما يكون مصيرُه، وحاصل ما كان فيه، وأن هذا آخر الدنيا ومصيرُ أهلها وليحذرْ كل الحذر من الحديث بما لا فائدة فيه، فإن هذا وقت فِكْر وذِكْر يَقْبُح فيه الغفلة واللهو والاشتغال بالحديث الفارغ، فإن الكلام بما لا فائدة ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل قوله: (كَسَائر الصلواتِ) أي فيما يجب ويندب فيه في سائر الصلوات من كيفيته وتعدده نعم يسن هنا زيادة وبركاته ولا يقتصر على تسليمة واحدة يجعلها تلقاء وجهه وإنه قال في المجموع إنه الأشهر. قوله: (معَ أذْكارِهَا) أي وجوبًا في الواجب وندبًا في المندوب. باب ما يقوله الماشي مع الجنازة قوله: (يُستحَبُّ أَنْ يكُونَ مشْتغِلا بِذكْر الله) أي من قراءة قرآن وثناء على الله سبحانه

فيه منهى عنه في جمجع الأحوال، فكيف هذا الحال. واعلم أن الصواب المختار ما كان عليه السلف رضي الله عنهم: السكوتُ في حال السير مع الجنازة، فلا يرْفَع صوتًا بقراءة، ولا ذِكْرِ، ولا غير ذلك، والحكمة فيه ظاهرة، وهي أنه أسكنُ لخاطره، وأجمعُ لِفِكْره فيما يتعلق بالجنازة، وهو المطلوب في هذا الحال، فهذا هو الحق، ولا تغترَّنَّ بكثرة من يخالفه، فقد قال أبو علي الفضيل بن عياض رضي الله عنه ما معناه: الزم طرق الهدى، ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة، ولا تغترَّ بكثرة الهالكين. وقد روينا في "سنن البيهقي" ما يقتضي ما قلتُه. وأما ما يفعله الجهلة من القراءة على الجنازة بدمشق وغيرها ـــــــــــــــــــــــــــــ ونحو ذلك ويكون ذلك سرًّا. قوله: (فَلَا يُرْفعُ صَوْتٌ بقرَاءة ولا ذِكْرِ الخ) لأن الصحابة كرهوا ذلك حينئذٍ رواه البيهقي وكره الحسن وغيره استغفروا الله لأَخيكم ومن ثم قال ابن عمر لقائله لا غفر الله لك ولكنه بدعة قبيحة لكن رأيت السيد طاهر الأهدل نقل بهامش أصله من هذا الكتاب في هذا المكان عن جده السيد حسين الأهدل ما لفظه اعلم وإن كانت السنة السكوت فقد اعتاد النّاس كثرة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ورفع أصواتهم بذلك فلا ينبغي أن ينهوا عن ذلك ويقال أنها بدعة مكروهة فإن المكروه ما ورد فيه نهي مقصود ولأن دواعيهم لا تتوفر على السكوت والفكر في أمر الموت بل يفيضون في حديث الدنيا بأهلها فيقعون في محذور أعظم من الذي يحاوله الناهي وقد قالوا إن الناهي يترك النهي عن المنكر إذا لزم عليه الوقوع في منكر أقوى منه اهـ، ونقله ابن زياد في فتاويه وقال بعد نقله وقد جرت العادة في بلدنا زبيد بالجهر بالذكر أمام الجنازة بمحضر من العلماء والفقهاء والصلحاء وقد عمت البلوى بما شاهدناه من اشتغال غالب المشيعين بالحديث الدنيوي وربما أداهم ذلك إلى الغيبة أو غيرها من الكلام المحرم فالذي اختاره أن شغل أسماعهم بالذكر المؤدي إلى ترك الكلام وتقليله أولى من استرسالهم في الكلام الدنيوي ارتكابًا لأخف المفسدتين كما هو القاعدة الشرعية وسواء الذكر والتهليل وغيرهما من أنواع الذكر والله أعلم. قوله: (فَهذَا هُو المطلُوبُ في هَذَا الحَالِ) أي إن أمكن وحصل وإلا فيشتغل بالذكر كما تقدم آنفًا. قوله: (وقَدْ رَوَيْنَا في سنَنِ البيهقي الخ) في الخلاصة عن قيس بن عبادة

باب ما يقوله من مرت به جنازة أو رآها

من القراءة بالتمطيط، وإخراج الكلام عن موضوعه، فحرام بإجماع العلماء، وقد أوضحتُ قبحه، وغلظ تحريمه، وفسق من تمكَّن من إنكاره، فلم ينكره في كتاب "آداب القراء" والله المستعان، وبه التوفيق. باب ما يقوله من مرت به جنازة أو رآها يستحبُّ أن يقول: سُبْحانَ الحَيِّ الَّذي لا يَمُوتُ. وقال القاضي الإمام أبو المحاسن الروياني من أصحابنا في كتابه "البحر": يستحبُّ أن يدعوَ ويقول: لا إلهَ ـــــــــــــــــــــــــــــ كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكرهون رفع الصوت عند الجنائز وعند القتال وعند الذكر رواه ابن المنذر والبيهقي اهـ. قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث موقوف صحيح أخرجه أبو داود والحاكم وأخرج البيهقي بسند قوي عن الأسود بن شيبان قال كان الحسن يعني البصري في جنازة النضر بن أنس فقال الأشعث بن سليم العجلي إني ليعجبني إن لا أسمع صوتًا في الجنازة فقال إن للخير لاهين وقد أورد في هذا المعنى أحاديث كثيرة وآثار عديدة أبو شامة في كتابه الباعث على إنكار البدع والحوادث. قوله: (منَ الْقرَاءَةِ بالتَّمْطِيطِ الخ) سبق بيان الخلاف في ذلك في كتاب التلاوة ونزيدك هنا فنقول قال المصنف في التبيان نقلًا عن الحاوي للماوردي القراءة بالألحان الموضوعة إن أخرجت لفظ القرآن عن صيغته بإدخال حركات فيه أو إخراج حركات منه أو قصر ممدود أو مد مقصور أو تمطيط يخفى به اللفظ فيلتبس به المعنى فهو حرام يفسق به القارئ ويأثم به المستمع لأنه عدل به عن نهجه القويم إلى الاعوجاج والله تعالى يقول: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الزمر: 28]، قال وإن لم يخرجه اللحن عن لفظه وقراءته على ترتيله كان مباحًا لأنه زاد بألحانه في تحسينه اهـ، وهذا القسم الأول من القراءة بالألحان المحرمة مصيبة ابتلي بها بعض العوام والجهلة والطغام الغشمة الذين يقرأون على الجنائز وفي المحافل بدمشق وهذه بدعة محرمة ظاهرة يأثم كل مستمع لها قال قاضي القضاة يعني الماوردي ويأثم كل قادر على إزالتها على النهي عنها إذا لم يفعل ذلك اهـ. كلام التبيان. باب ما يقوله من مرت به جنازة أو رآها قوله: (يُسْتحبُّ أَنْ يَقُولَ الخ) أو يقول سبحان الملك القدوس نقلها في المجموع عن

باب ما يقوله من يدخل الميت قبره

إلا اللهُ الحَي الَّذِي لا يَمُوتُ، فيستحبُّ أن يدعوَ لها ويثني عليها بالخير إن كانت أهلًا للثناء ولا يجازف في ثنائه. باب ما يقوله من يُدخل الميت قبره روينا في سنن أبي داود، والترمذي، والبيهقي، ـــــــــــــــــــــــــــــ البندنيجي وفي شرح الروض أسند الطبراني عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال من رأى جنازة فقال الله أكبر صدق الله ورسوله اللهم زدنا إيمانًا وتسليما كتب له عشرون حسنة وروى الطبراني أيضًا إن ابن عمر كان إذا رأى جنازة قال هذا ما وعد الله ورسوله وصدق الله ورسوله اللهم زدنا إيمانا الخ. قوله: (ويثني عَليهَا بالخَيرِ إِنْ كَانَتْ أَهْلا لِلثنَاءِ) أي ولم يترتب على ذلك محذور وإلّا فلا وقد سبق تفصيل ذلك. قوله: (ولا يُجازِفُ) بالجيم ثم الزاي بعد الألف من المجازفة وهي في الأصل مجهول القدر من مكيل ونحوه واستعير في الكلام المجاوز في الثناء والذم. باب ما يقوله من يريد أن يدخل الميت في قبره قوله: (رَوَيَنَا في سنَنِ أَبِي دَاوُدَ والترمذِي) قال المصنف في الخلاصة بأسانيد حسنة أو صحيحة وقال الترمذي حديث حسن قال البيهقي تفرد برفعه همام بن يحيى ووقفه غيره لكن همام ثقة حافظ فزيادته مقبولة وفي رواية الترمذي باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال الحافظ بعد تخريجه الحديث عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال همام كذا عندي قوله إذا وضعتم موتاكم في قبورهم فقولوا باسم الله وعلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا حديث صحيح أخرجه أحمد عن وكيع وقال بدل قوله في رواية همام كذا عندي في كتابي وفي روايته وعلى ملة رسول الله وقال الدارقطني وغيره تفرد برفعه همام ورواه هشام وشعبة مرفوعًا ثم أخرجه الحافظ موقوفًا من طريقهما عن أبي الصديق الناجي عن ابن عمر قلت وهذا سند المرفوع أيضًا قال الحافظ ولفظ هشام أن ابن عمر كان إذا وضع الميت قال بسم الله وعلى ملة رسول الله ولفظ شعبة إذا وضعتم الميت في القبر نحو رواية همام وكذا أخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع عن شعبة موقوفًا وأخرجه ابن حبان في القسم الثاني من صحيحه من رواية أبي داود عن شعبة به

وغيرها، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، كان إذا وضع الميت في القبر قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ مرفوعًا وما أظنه إلَّا وهمًا وأبو داود ما عرفت هل هو الطيالسي أو الحفري والأول أقرب لكن ما وجدته في مسنده وقد وقع لنا اللفظ الذي اقتصر عليه الشيخ من وجه آخر عن ابن عمر قال كان رسول الله إذا وضع الميت في قبره قال بسم الله وعلى ملة رسول الله وقال بعض رواته وعلى سنة رسول الله وزاد بعض رواته وفي سبيل الله قال الحافظ بعد تخريجه من طرق وأخرجه الترمذي ورواية ليث أي أحد الطرف التي خرج عنها الحافظ عند ابن ماجة قال الحافظ وليث بن أبي سليم وحجاج بن أرطأة ضعيفان من جهة سوء الحفظ ووصفا بالتدليس قال الترمذي روي عن ابن عمر من غير وجه ورواه أبو الصديق عنه مرفوعًا وموقوفًا قال الحافظ يشير به إلى ما تقدم وإلى ما روي عن سعيد بن المسيب قال حضرت ابن عمر صلى على جنازة فلما وضعها في اللحد قال بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله لما أخذ في تسوية اللبن قال اللهم اجرها من الشيطان ومن عذاب القبر اللهم جافي القبر عن جنبيها وصعد روحها ولقها منها رضوانًا قلت شيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم شيء قلته برأيك قال اني إذا لجريء على القول بل سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رواه الطبراني وزاد فلما سوى اللبن قام إلى جانب القبر ثم قال اللهم جاف الأرض الخ. وحماد بن عبد الرحمن ضعيف وقد تفرد به قال الحافظ ولم يذكر الترمذي من الباب غير حديث ابن عمر وفيه عن علي بن أبي طالب مرفوعًا عند البزار وموقوفًا عند ابن أبي شيبة وعن أبي أمامة عند أحمد وعن سمرة بن جندب عند الحارث بن أبي أسامة وعن واثلة بن الأسقع عند الطبراني وعن البياضي صحابي لم يسم عند الحاكم في المستدرك وأخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن خيثمة أحد كبار التابعين قال كانوا يستحبون فذكره اهـ. قوله: (وغيرِها) فرواه النسائي عن همام عن قتادة عن أبي الصديق الناجي عن ابن عمر مرفوعًا وابن حبان وقد علمت ما فيه في كلام الحافظ ولفظ الحديث في الكتاب لأبي داود وفي حديث الترمذي قال أبو خالد مرة بسم الله وعلى ملة رسول الله ومرة بسم الله وعلى سنة رسول الله وقال حسن غريب من هذا الوجه وفي رواية ابن حبان وإحدى روايات النسائي إذا وضعتم موتاكم

"بِسْمِ الله، وعلى سُنَّةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -". قال الترمذي: حديث حسن. قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله: يستحبُّ أن يدعوَ للميت مع هذا. ومن أحسن الدعاء، ما نصَّ عليه الشافعي رحمه الله في مختصر المزني قال: يقول الذين يُدخلونه القبر: اللهم أَسْلَمَهُ إلَيْكَ الأشِحَّاء مِنْ أهْلِهِ وَوَلَدِهِ، وَقَرَابَتِهِ وإخوَانِهِ، وَفارَقَ مَنْ كانَ يُحِبُّ قُرْبَهُ، وَخَرَجَ مِنْ سَعَةِ الدُّنْيا والحَيَاةِ إلى ظُلْمَةِ القَبْرِ وضِيقِهِ، وَنَزَلَ بِكَ وأنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ، إنْ عاقَبْتَهُ فَبذنْبٍ، وإنْ عَفَوْتَ عَنْهُ فَأنْتَ أهْلُ العَفْو، أنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ في القبر فقولوا ورواه الحاكم في المستدرك من طريق آخر أي غير طريق ابن عمر ولفظه الميت إذا وضع في قبره فليقل الذين يضعونه بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا في السلاح. قوله: (باسمِ الله) أي وضعته أو أدخلته أو دفنته. قوله: (وعَلَى ملّةِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -) سبق في خطبة الكتاب أن الملة والدين والشريعة والإسلام ألفاظ متحدة بالذات أي وضع إلهي سائق لذوي العقول باختيارهم المحمود لما فيه نفعهم دنيا وأخرى، مختلفة بالاعتبار فتسمى ملة من حيث أنها تملى وتكتب ودينا من حيث أنها تدان وشريعة من حيث الاجتماع عليها وإسلاما من حيث الاستسلام والانقياد لها والله أعلم. قوله: (وَيَقولُ الذِينَ يدْخِلُونهُ القبْرَ) أي كل واحد منهم لأن المقام للسؤال وطلب الرحمة والإفضال فناسب التكرار باعتبار القائلين في الحديث إن الله يحب الملحين في الدعاء وفي الإتيان بالموصول الموضوع للجمع تنبيه على استحباب كونهم عددًا ويستحب كونهم وترًا ويجزئ من يدعى ولو واحدًا. قوله: (الأَشِحاءُ) بفتح الهمزة وكسر الشين المعجمة وتشديد الحاء المهملة جمع شحيح وحذف صلته أي الأشحاء بإسلامه وقوله من ولده الخ. بيان للأشحاء في موضع الحال والصفة لأن أل فيما قبله للجنس. قوله: (وفارَق) أي وفارقه ليناسب ما قبله من قوله أسلمه إليك الأشحاء. قوله: (إِنْ عاقَبتَه فَبذَنب) وفي نسخة فبذنبه أي فذلك العقاب على سبيل العدل لكونه بسبب ذنبه لأجور فيه بوجه. قولَه: (فأَنتَ أَهْلُ العفْو) أي الكريم الذي يعفو عن العباد بمحض الفضل والإحسان. قوله: (أَنتَ غَنيٌّ عَنْ عذَابهِ) جملة مستأنفة كالتعليل

باب ما يقال بعد الدفن

وَهُوَ فَقِيرٌ إلى رَحْمَتِكَ، اللهم اشْكُرْ حَسَنَتَهُ، وَاغْفِرْ سَيئَتَهُ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَاب القَبْرِ، واجْمَعْ لَهُ بِرَحْمَتِكَ الأمْنَ مِنْ عَذَابِكَ، وَاكْفِهِ كُل هَوْلِ دُونَ الجَنّةِ، اللهُم اخْلُفْهُ في تَركَتِهِ في الغابِرِينَ، وَارْفَعْهُ في عِلِّيِّينِ، وَعُدْ عَلَيْهِ بِفَضْلِ رَحْمَتِكَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ". باب ما يقال بعد الدفن السُّنَّةُ لمن كان على القبر أن يحثيَ في القبر ثلاث حَثَيَاتٍ بيديه جميعًا من ـــــــــــــــــــــــــــــ لقوله فأنت أهل العفو. قوله: (أشكُرْ حَسنتَهُ) أي أثبت عليها أو اثنتين عليه لها في عالم الملكوت ولذكر الله أكبر وفي آخر الخبر القدسي ومن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه. قوله: (وأعِذهُ منْ عَذابِ القبْر) أي ومن سببه أي فتنة القبر كما يوميئ إلى ذلك عموم قوله بعده واجمع له برحمتك الأمن من جميع عذابك أي في قبره وفي معاده وقوله واكفه كل هول الخ. قوله: (في تَرِكَتِهِ) أي فيمن تركه من اللهل والولد. قوله: (وارْفعهُ) أي ارفع مقامه في مقام عليين أي أعلى درجات الجنة وهو في الأصح جمع واحده على مشتق من العلو للمبالغة. قوله: (وعُدْ) بضم العين من عاد يعود بمعنى تفضل ومنه قولهم عاد الله عليك بإحسانه وقال الشاعر: مرضت لله قوم ... ما منهم من جفاني عادوا وعادوا وعادوا ... على اختلاف المعاني باب ما يقول بعد الدفن قوله: (السنةُ لمَنْ كانَ عَلَى القبر) أي على شفير القبر كما عبر به في الأم وذلك للاتباع رواه ابن ماجة بسند جيد كما قاله البيهقي وقيده به جماعة واختار في التفقيه استحباب ذلك لمن حضر الدفن وإن لم يكن على شفير القبر ولما فيه من المشاركة في هذا الغرض كذا في شرح الروض وفي التفقيه ويستدل له بما روي أن المؤمن إذا مات غفر له ولمن غسله وكفنه

قبل رأسه. قال جماعة من أصحابنا: يستحبُّ أن يقول في الحثْية الأولى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} وفي الثانية {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} وفي الثالثة {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55]، ـــــــــــــــــــــــــــــ وصلى عليه ودفنه، وحثو التراب عليه من الدفن وأخرج الحافظ عن أبي أمامة الباهلي قال توفي رجل فلم تصب له حسنة إلّا ثلاث حثيات حثاها في قبر فغفر له أخرجه ابن المنذر في الكتاب الأوسط والبيهقي في الكبير وقال هذا موقوف حسن الإسناد وأخرج عن أبي هريرة قال صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جنازة فأكثر عليها أربعًا فحثى عليه من قبل رأسه قال الحافظ قال الطبراني لم يروه عن الأوزاعي إلَّا سلمة بن كلثوم تفرد به يحيى بن صالح قال الحافظ وهما ثقتان وكذا بقية رجاله وذكر ابن أبي حاتم أن أباه أعله ولم يذكر موضع العلة فيه ولا أعرف فيه إلَّا عنعنة ابن أبي كثير عن شيخه أبي سلمة والأوزاعي عن يحيى المذكور أخرجه ابن ماجة وأخرجه الحافظ عن أبي المنذر إن رجلًا جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله إن فلانا هلك فصل عليه فقال عمر يا رسول الله إنه رجل فاجر فلا تصل عليه فقال الرجل يا رسول الله ألم ترَ الليلة التي صحت فيها في الحرس فإنه كان فيهم فقام رسول الله حتى صلَّى عليه ثم تبعه حتى إذا جاء قبره قعد حتى إذا فرغ من دفنه حتى ثلاث حثيات الحديث هذا حديث غريب أخرجه أبو داود في المراسيل خارج السنن وأبو نعيم في المعرفة من وجه آخر وأبو المنذر لا يعرف اسمه ولا نسبه، ذكره في الصحابة مطين والطبراني وأبو نعيم وأخرج حديثه أحمد بن منيع في مسنده وأبو داود له في المراسيل تقتضي إنه لا صحبة له وقد أغفله أبو أحمد الحاكم في الكنى ومن تبعه كابن عبد البر والراوي عنه لا أعرف حاله وقد اختلف في اسمه فوقع عند أبي داود زياد وعند الباقين يزيد وفي الباب عن عامر بن ربيعة قال رأيت رسول الله حين دفن عثمان بن مظعون وصلى عليه فكبّر أربعًا وحثى في القبر ثلاث حثيات من تراب وهو قائم، الحديث قال البيهقي إسناده ضعيف وله شاهد من مرسل جعفر بن محمد عن أبيه أخرجه الشافعي من روايته في شأن إبراهيم ابن النبي وفيه وحثى بيديه جميعًا وفي مراسيل أبي داود من طريق عبد الله بن محمد عن أبيه نحوه لكن قال حثى بيده اهـ. قوله: (قَال جمَاعة منْ أصْحابِنَا) أي كالقاضي حسين والمتولي في آخرين وفي شرح

ويستحبُّ أن يقعد عنده بعد الفراغ ساعةً قدر ما تنحرُ جزورٌ ويقسم لحمها، ويشتغل القاعدون بتلاوة القرآن، والدعاء للميت، والوعظ، وحكايات أهل الخير، وأخبار الصالحين. روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن علي رضي الله عنه، قال: "كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول - صلى الله عليه وسلم -، فقعد ـــــــــــــــــــــــــــــ الروض بعد إيراده كذلك رواه الإِمام أحمد قال الحافظ حديث غريب ورواه البيهقي عن أبي أمامة قال لما وضعت أم كلثوم بنت رسول الله في القبر قال - صلى الله عليه وسلم - منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ثم قال بسم الله وفي سبيل الله الحديث وقال البيهقي سنده ضعيف وورد فيه موقوف عند سعيد بن منصور بسند صحيح عن عبد الله بن عمر إنه كان يحثي في القبر ثلاث حثيات يقول في الأولى بسم الله وفي الثانية الله أكبر وفي الثالثة الحمد لله رب العالمين اهـ. قال المحب الطبري ويستحب أن يقول في الأولى اللهم لقنه عند المسألة حجته وفي الثانية اللهم افتح أبواب السماء لروحه وفي الثالثة اللهم جاف الأرض عن جنبيه اهـ، وفي مختصر التفقيه ذلك عن الطويري والشيباني إلَّا إنه جعل ما ذكره المحب في الثانية، في الأولى وما ذكره في الأولى في الثانية. قوله: (ويُستَحبُّ أَنْ يَقعُدَ عِنْدَهُ) أي يستحب ذلك لمن حضر الدفن أو عقبه فقد روى أبو داود وغيره بإسناد جيد كما في المجموع عن عثمان بن عفان إنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا فرغ من دفن الرجل يقف عليه ويقول استغفروا لأخيكم واسألوا الله له التثبيت فإنه الآن يسأل. قوله: (والدُّعاءِ للْميّتِ) أي بغفر الذنوب ورفع الدرجات ونيل المطلوب. قوله: (وَرَوَيْنَا في صَحِيحيَ البُخَارِي ومُسْلم) قال الحافظ ورواه أحمد وأخرجه الأئمة الخمسة من طرق. قوله: (بقَيع الغَرْقَدِ) البقيع بالموحدة ثم القاف ثم التحتية ثم العين المهملة والبقيع من الأرض المكان المتسع ولا يسمى بقيعا إلَّا وفيه شجر أو أصولها والغرقد بالغين المعجمة ثم الراء ثم القاف آخره دال مهملة كبار العوسج كان ثابتًا بذلك المكان فقطع واتخذ مقبرة قال عمرو بن النعمان البياضي يرثي قومه، ونسب لرجل من خثعم: خلت الديار فصرت مسود ... ومن العناء تفردي بالسؤدد أين الذين عهدتهم في غبطة ... بين العقيق إلى بقيع الغرقد

وقعدنا حوله ومعه مخصرة"، فنكس، وجعل ينكت بمخصرته، ثم قال: ما مِنكُمْ مِنْ أحَدٍ إلا قد كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ ومَقْعَدُهُ مِنَ الجنَّةِ، فقالوا: يا رسول الله أفلا نَتَّكِلُ على كتابنا؟ فقال: اعْمَلوا فَكُل مُيَسرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ... " وذكر تمام الحديث. وروينا في "صحيح مسلم" عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: إذا دفنتموني أقيموا حول قبري قدر ما ينحر ـــــــــــــــــــــــــــــ بقيع الغرقد كان به شجر الغرقد قال الهروي هي من العضاة وقال ابن فارس العضاة من شجر السواك كالطاغ والعوسج اهـ. قوله: (ومعَهُ مِخصرَةٌ) هو بكسر الميم وإسكان الخاء المعجمة وفتح الصاد والراء المهملتين وهو كما في النهاية ما يختصره الإنسان بيده فيمسكه من عصا أو عكازة أو مقرعة أو قضيب وقد يتكئ عليه. قوله: (ينكثُ) وفي نسخة ينكث في الأرض في الصحاح ينكت في الأرض بقضيب أي يضرب ليؤثر فيها وفي النهاية ينكت الأرض بقضيب هو أن يؤثر فيها بطرفه فعل المفكر المهموم اهـ. قوله: (منْ أَحَدٍ) وفي رواية من نفس. قوله: (مقعدُه) وفي رواية منزله. قوله: (فكل مُيَسَّر لمَا خلِقَ لهُ) قال شارح الأنوار السنية قال ابن الجوزي الميسر للشيء المهيأ له المصرف فيه والتيسير التسهيل للفعل وإنما أراد أن يكونوا في عملهم الظاهر خائفين مما سبق به القضاء فيحسن السير بين العمل وقائد الخوف وقال القاضي يعني إذا سبق القضاء لمكان كل نفس من الدارين وما سبق به القضاء لا بد من وقوعه فأي فائدة في العمل فيدعه قال المازري هذا الذي انقدح في نفس الرجل من عدم فائدة العمل هو الذي لاحظه المعتزلة في التشنيع علينا في مسألة خلق الأعمال. قالوا إذا كانت المعصية من قبل الله وقضائه فكيف يعذب العبد عليها وإذا كانت الطاعة بفعله تعالى فكيف تطلب من العبد وأي فائدة في التكليف بفعل الغير والإنسان عندنا مكتسب بفعله غير مجبور عليه وقال القرطبي الذي انقدح في نفس هذا الرجل هو شبه النافين للقدر وأجابه - صلى الله عليه وسلم - بما لم يبق معه إشكال وتقرير جوابه عليه الصلاة والسلام إن الله تعالى غيب عنا المقادير وجعل الأعمال دلت على ما سبقت به مشيئته من ذلك العمل فأمرنا بالعمل فلا بد من امتثال أمره تعالى

جزوز، ويقسمُ لحمها حتى أستأنس بكم، وأنظرَ ماذا أراجع به رسل ربي. وروينا في "سنن أبي داود" والبيهقي بإسناد حسن، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال النووي الله تعالى مالك والمالك لا يسأل عما يفعل وهم يسألون وأيضًا فإن أفعاله تعالى غير معللة قال السمعاني سبيل معرفة هذا الباب التوقيف لا القياس والنظر ومن عدل فيه عن التوقيف ضل وحار ولم يصل إلى ما تطمئن به القلوب فإن القدر سر من أسرار الله تعالى ضربت دونه الحجب واختص سبحانه بعلمه وحجب قلوب الخلق عنه فلم يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب فالواجب أن نقف حيث حد لنا ولا نتجاوزه قال ابن خلف يعني الآبي الجواب أن يقال هب أن القضاء سبق بمكان كل من الدارين لكن استحقاق ذلك ليس لذاته بل موقوف على سبب هو العمل وإذا كان موقوفًا على سبب فقال - صلى الله عليه وسلم - اعلموا فكل ميسر ففعله سبب ما يكون له من جنة أوتار وقد بين ذلك بقوله أما أهل السعادة فييسرون إلى آخر الخبر وما يلي من الآيات وفي روضة التحقيق في قصة الصديق قال الشاعر: علمي بقبح المعاصي حين أوردها ... يقضي بأني محمول على القدر لو كنت أملك نفسي أو أدبرها ... ما كنت أطرحها في لجة الغرر كلفت نفسي أشياء ما قويت بها ... وكنت أمضي أفعالا بلا قدر وجاز في عدل ربي إن يعذبني ... فلم أشاركه في نفع ولا ضرر إن شاء نعمني أو شاء عذبني ... أو شاء صورني في أحسن الصور يا رب عفوك عن ذنب قضيت به ... عدلا عليّ فهب لي صفح مقتدر اهـ. كلام شرح الأنوار السنية قوله: (جزُورٌ) بفتح الجيم في النهاية والجزور البعير ذكرًا كان أو أنثى إلَّا إن اللفظة مؤنثة لقوله هذه الجزور إن أردت ذكرًا والجمع جزر ككتب وجزائر اهـ. قوله: (وَرَوَيْنَا في سننِ أَبِي دَاوُدَ الخ) ورواه الحاكم في المستدرك والبزار وأخرجه الحافظ وزاد بسنده ذلك إلى عثمان إنه كان إذا وقف على قبر بكى حتى تبتل لحيته فقيل له تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتبكي من هذا فقال إن رسول الله قال إن القبر أول منازل الآخرة فإن تنج منه فما بعده أيسر منه وإن لم تنج منه فما بعده أشد منه قال وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما رأيت منظرا إلَّا والقبر أفظع منه قال الحافظ بعد

عن عثمان رضي الله عنه، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا فرغ من دفن الميت، وقف عليه فقال: "استغفروا لأخِيكُمْ، واسألوا الله لهُ التَّثْبِيتَ فإتَهُ الآنَ يُسألُ". قال الشافعي والأصحاب: ـــــــــــــــــــــــــــــ تخريجه هذا حديث حسن فرقه الرواة ثلاثة أحاديث وأخرج أبو داود الأول منه أي الحديث المذكور في الكتاب الذي اقتصر عليه الشيخ وأخرجه البيهقي بتمامه وأخرج الترمذي الحديثين الآخرين وأخرجهما الحاكم وتكلم على ما يتعلق بهما ثم أخرج الحافظ عن ابن أبي مليكة قال رأيت ابن عباس لما فرغ من دفن عبد الله بن السائب وقام النّاس قام فوقف عند القبر فدعا له ثم انصرف وقال الحافظ بعد تخريجه هذا موقوف صحيح. قوله: (عَنْ عُثمَانَ) أي ابن عفان رضي الله عنه. قوله: (وقَف عَليهِ) أي على قبره. قوله: (اسْتغفروا لأَخِيكُمْ) أي اطلبوا المغفرة لذنوب أخيكم المؤمن. قوله: (التَّثبيتَ) أي إن يجعله الله ثابتًا على التوحيد في جواب مسألة الملكين وقال الطيبي اطلبوا له من الله أن يثبته على جواب الملكين وضمن سلوا الدعاء كما في قوله تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} [المعارج: 1] أي ادعوا له بدعاء التثبيت أي قولوا ثبته الله بالقول الثابت اهـ، وفي الحديث كما قال ابن الجزري دليل على إن الروح تعود إلى الجسد عقب الدفن للسؤال كما هو مذهب أهل السنة. قوله: (فإنه الآنَ) أي الزمان الذي نحن فيه أو قريب منه قال الواحدي الآن الوقت الذي أنت فيه وهو حدَ الزمانين حد الماضي من آخره والمستقبل من أوله قال وذكر الفراء في أصله قولين أحدهما أن أصله أو إن حذفت منه الألف وغيرت واوه إلى الألف ثم أدخلت عليه الألف واللام وهي ملازمة له غير مفارقة والثاني أصله آن ماضي يئين بني اسمًا لحاضر الوقت ألحق به أل وترك على بنائه وقال الفارسي الآن مبني لما فيه من مضارعة الحرف أي تضمنه معناه وهو مضمن معنى حرف التعريف قال والألف اللازم زائدتان ولا توحش من قولنا فقد قال بزيادته في نحو مررت بهم الجماء الغفير فنصب الجماء على الحال على نية إلقاء أل، سيبويه والخليل وأجاز الأخفش مررت بالرجل خير منك بناءً على أن أل زائدة قال أبو علي والقولان اللذان قالهما الفراء لا يجوز واحد منهما

فصل

يستحبُ أن يقرؤوا عنده شيئًا من القرآن، قالوا: فإن ختموا القرآن كلَّه كان حسنًا. وروينا في "سنن البيهقي" بإسناد حسن، أن ابن عمر استحبَّ أن يُقرأ على القبر بعد الدفن أوَّل سورة البقرة وخاتمتها. فصل: وأما تلقين الميت بعد الدفن، فقد قال جماعة كثيرون من ـــــــــــــــــــــــــــــ كذا في التهذيب للمصنف. قوله: (يُستَحبُّ أَن يَقْرؤُوا عِندَهُ شَيْئًا منَ الْقرْآنِ) أي ليصيبه من الرحمات الهاطلة على المجتمعين للقراءة والدعاء بينهم وينال بركة القرآن ويبعد عند سماع ذلك الشيطان قال تعالى {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} [الإسراء: 45]، والقصد إبعاد الشيطان خصوصًا في ذلك الزمان والمكان والله الموفق. قوله: (وَرَوَيْنَا في سنَن البيهقي) قال الحافظ بعد تخريجه بسنده إلى البيهقي قال حدثنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبوَ العباس بن يعقوب قال حدثنا العباس بن محمد قال سألت يحيى بن معين عن القراءة عند القبر فقال حدثني مبشر بن إسماعيل الحلبي عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه قال لبنيه إذا أنا مت فضعوني في قبري وقولوا بسم الله وعلى سنة رسول الله وسنوا علي التراب سنا ثم اقرأوا وعند رأسي أو سورة البقرة وخاتمتها فإني رأيت ابن عمر يستحب ذلك قال الحافظ بعد تخرجيه هذا موقوف حسن أخرجه أبو بكر الخلال وأخرجه من رواية علي بن موسى الحداد وكان صدوقا قال صلينا مع أحمد على جنازة فلما فرغ من دفنه حبس رجل ضرير يقرأ عند القبر فقال له أحمد يا هذا إن القراءة عند القبر بدعة فلما خرجنا قال له محمد بن قدامة يا أبا عبد الله ما تقول في مبشر بن إسماعيل قال ثقة قال كتبت عنه شيئًا قال نعم قال إنه حدثني عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه أنه أوصى إذا دفن أن يقرؤوا عند قبره فاتحة البقرة وخاتمتها وقال سمعت ابن عمر يوصي بذلك قال فقال أحمد ارجع فقل للرجل فليقرأ اهـ. قوله: (أَن ابْن عُمَر استَحبَّ الخ) ظاهر إيراده أنه موقوف على ابن عمر وقضية إيراد الحصن إنه نبّه عليه في الحرز والصواب إنه موقوف على ابن عمر رواه عند البيهقي وغيره. فصل قوله: (وأَمَا تلْقين الميِّتِ الخ) ووجه الاستحباب إن فيه تذكيرًا للميت قال تعالى

أصحابنا باستحبابه، وممن نصَّ على استحبابه: القاضي حسين في تعليقه، وصاحبه أبو سعد المتولي في كتابه "التتمة"، والشيخ الإِمام الزاهد أبو الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر المقدسي، والإمام أبو القاسم الرافعي وغيرهم، ونقله القاضي حسين عن الأصحاب. وأما لفظه: فقال الشيخ نصر: إذا فرغ من دفنه يقف عند رأسه ويقول: يا فلان بن فلان، اذكر العهد الذي خرجت عليه من الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبدُه ورسوله، وأن الساعة آتية لا ريبَ فيها، وأن الله يبعث من في القبور، قل: رضيت بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيًّا، وبالكعبة قبلةً، وبالقرآن إمامًا، وبالمسلمين إخوانًا، ربي الله، لا إله إلا هو، وهو ربُ العرش العظيم، هذا لفظ الشيخ نصر المقدسي في كتابه "التهذيب"، ولفظ الباقين بنحوه، وفي لفظ بعضهم نقص عنه، ثم منهم من يقول: يا عبد الله ابن أمة الله، ومنهم من يقول: يا عبد الله ابن حواء، ومنهم من يقول: يا فلان -باسمه- ابن أمة الله، أو يا فلان ابن حواء، وكله بمعنًى. وسئل الشيخ الإِمام أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله عن هذا التلقين، فقال في فتاويه: التلقين هو الذي نختاره ونعمل به، وذكره جماعة من أصحابنا الخراسانيين قال: وقد روينا فيه حديثًا من حديث أبي أمامة ليس بالقائم إسناده"، ولكن اعتضد بشواهد، وبعمل أهل الشام به قديمًا. قال: وأما تلقين الطفل الرضيع، فما له مستند ـــــــــــــــــــــــــــــ {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55] وأحوج ما يكون العبد إلى التذكير في هذا الحال قال العلماء ولا يعارض التلقين قوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22] وقوله تعالى {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80] نادى أهل القليب وأسمعهم وقال ما أنتم بأسمع منهم لكنهم لا يستطيعون جوابًا وقال في الميت إنه يسمع قرع نعالهم وأنكر بعض المالكية سماع الموتى ورد. قوله: (يا عَبدَ الله ابْن أَمَةِ الله) قال في شرح الروض وأنكر بعضهم

يعتمَد، ولا نراه، والله أعلم. قلت: الصواب: أنه لا يلقن الصغير مطلقًا، سواء كان رضيعا أو أكبر منه ما لم يبلغ ويصير مكلفا، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ يا ابن أمة الله لأن المشهور أن النّاس يدعون يوم القيامة بآبائهم كما نبه عليه البخاري في صحيحه ورد بأن هذا لا مجال للقياس فيه وقد ورد الندب هنا بالأم فليتبع على أنه في المجموع خبر فقال يقال يا فلان ابن فلان أو يا عبد الله ابن أمة الله ومحل الكلام في غير ولد الزنا والمنفي بلعانه وعند الطبراني في الكبير وفي الدعاء من حديث أبي أمامة إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره فليقم أحدكم على قبره ثم ليقل يا فلان ابن فلانة فإنه يسمعه ولا يجيب ثم يقول يا فلان ابن فلانة فإنه يستوى قاعدًا ثم يقول يا فلان ابن فلانة فإنه يقول أرشدنا يرحمك الله فليقل أذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلَّا الله وإن محمدًا عبده ورسوله {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج: 7] قال فإن منكرًا ونكيرا عند ذلك يأخذ كل منهما بيد صاحبه ويقول قم ما نصنع عند رجل قد لقن حجته فيكون الله تعالى حجيجه دونهما فقال رجل يا رسول الله فإن لم يعرف أمه قال فلينسبه إلى أمه حواء بيا فلان ابن حواء قال المصنف وهو ضعيف لكن أحاديث الفضائل يسامح فيها عند أهل العلم وقد اعتضد بشواهد من الأحاديث الصحيحة كحديث اسألوا الله له التثبيت ووصية ابن عمر والسابقين قلت وقال الحافظ بعد تخريج حديث أبي أمامة هذا حديث غريب وسند الحديث من الطريقين ضعيف جدًّا اهـ. قال بعضهم وقوله - صلى الله عليه وسلم - لقنوا موتاكم الخ. دليل عليه لأن حقيقة الميت من مات أما قبل الموت وهو ما جرى عليه الأصحاب فمجاز وقد سبق ما في ذلك وقد ألف الحافظ السخاوي جزءًا في التلقين نقل فيه عن أئمة من أئمة المذاهب الأربعة استحبابه وأطال في ذلك وتكلم فيه على حديث الباب وشواهده وبلغ فيه بضعة عشر شاهدا. قوله: (الصوابُ أنهُ لَا يلقنُ الصغِيرُ مُطلقًا سواءُ كانَ رضِيعًا أَوْ مُراهقًا الخ) وما نقل من أنه - صلى الله عليه وسلم - لقن ولده إبراهيم بعد دفنه فلم يثبت وروده وإن ذكره جمع تبعًا للتتمة وقد قال المتقي السبكي عقب عزوه له إليها في شرح المنهاج إنه غريب قال السخاوي والظاهر إنه لم يرد الغرابة المصطلح عليها ومثل الصبي في عدم التلقين مجنون لم يسبق له تكليف.

باب وصية الميت أن يصلي عليه إنسان بعينه أو أن يدفن على صفة مخصوصة وفي موضع مخصوص وكذلك الكفن وغيره من أموره التي تفعل والتي لا تفعل

باب وصية الميت أن يصلي عليه إنسان بعينه أو أن يدفن على صفة مخصوصة وفي موضع مخصوص وكذلك الكفن وغيره من أموره التي تفعل والتي لا تفعل روينا في "صحيح البخاري" عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت على أبي بكر رضي الله عنه يعني: وهو مريض، فقال: في كم كفنتم النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقلت: في ثلاثة أثواب، قال: في أيّ يوم توفِّيَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: يوم ـــــــــــــــــــــــــــــ باب وصية الميت أن يصلي عليه انسان بعينه أو أن يدفن على صفة مخصوصة أو موضع مخصوص وكذا الكفن وغيره من أموره التي تفعل والتي لا تفعل أي وصية من دنى من الموت فتسميته ميتًا مجاز مرسل علاقته الأول نحو {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36]، قوله: (رَوَينَا قوله صحيح البُخاري الخ) عقد البخاري عليه ترجمة "باب موت الاثنين" قال شارحه ابن المنير وقت الموت ليس لأحد فيه اختيار لكن في التسبب في حصوله مدخل كالرغبة إلى الله تعالى لقصد التبرك فمن لم يحصل له الإجابة أثيب على اعتقاده وكأن الخبر الذي ورد في فضل الموت يوم الجمعة لم يصح عند البخاري اهـ، وقال الحافظ بعد تخريج الحديث باللفظ المذكور هكذا أخرجه البخاري في أواخر الجنائز وأصل المرفوع منه متفق عليه من عائشة وأخرجه أبو يعلى وزاد فيه بعد قوله سحولية بجانية وأخرجه من طريق أخرى أو قال فيها فقلت لا تجعلها جددًا فقال لا اهـ. قوله: (وهُوَ مرِيضٌ) بدأ مرضه كما جاء عن عائشة أنه اغتسل يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة وكان يومًا باردًا فحم خمسة عشر يومًا ومات مساء ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة منه ثلاث عشرة. قوله: (في كَمْ كَفنتُمْ) معمول لكفنتم قيل ذكر لها أبو بكر ذلك بصيغة الاستفهام توطئة لها للصبر على فقده واستنطاقًا لها بما يعلم أنه يعظم عليها ذكره لما في بداءته لها بذلك من إدخال الغم العظيم عليها ولا يبعد أن يكون أبو بكر نسي ما سأل عنه مع قرب عهده. قوله: (يَوَم

الاثنين، قال: فأيُّ يوم هذا؟ قالت: يوم الاثنين، قال: أرجو فيما بيني وبين الليل، فنظر إلى ثوب عليه كان يمرَّض فيه، به رَدعْ من زعفران، فقال: اغسلوا ثوبي هذا وزيدوا عليه ثوبين، فكفنوني فيها، قلت: إن هذا خَلق، قال: إن الحي أحقُّ بالجديد من الميت، إنما هو للمهلة، فلم يتوفَّ حتى أمسى من ليلة الثلاثاء. ودفن قبل أن يصبح. قلت: قولها رَدع، بفتح الراء وإسكان الدال وبالعين المهملات: وهو الأثر. وقوله للمهلة، روي بضم الميم وفتحها وكسرها ثلاث لغات، والهاء ساكنة: وهو الصديد الذي يتحلل من بدن الميت. وروينا في "صحيح البخاري" أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لما جرح: إذا أنا قُبِضْتُ فاحملوني، ـــــــــــــــــــــــــــــ الاثنين) بالنصب أي توفي يوم الاثنين وقولها بعده يوم الاثنين بالرفع أي هذا يوم الاثنين. قوله: (أَرْجو فِيما بيني الخ) أي أرجو بقضاء الأمر فيما بقي من اليوم ليحصل التبرك بالموت في مثل اليوم الذي مات فيه - صلى الله عليه وسلم -.قوله: (فَكفِّنوني فِيهَا) أي في الثوبين المزيدين مع الثالث الخلق، وفي رواية أبي ذر أحد رواة كتاب البخاري فيها أي الثلاثة. قوله: (خلَقُ) بفتح الخاء المعجمة واللام أي غير جديد. قوله: (وهوَ الأثَر) أي قال شراح البخاري قوله به ردع أي لطخ لم يعمه كله وفي النهاية والأمر قريب. قوله: (للْمُهلةِ) روي بضم الميم وفتحها وكسرها قلت ثلاث لغات في النهاية إنما هو للمهل والتراب ويروى المهملة بضم الميم وكسرها، وحكي تثليثها القيح والصديد ومنه قيل للنحاس المهل ونقل ابن العز الحجازي في شرح البخاري عن ابن حبيب إنه بالكسر الصديد وبالفتح التمهل وبالضم عكر الزيت والمراد هنا الصديد اهـ. قوله: (الصَّدِيدُ) في الصحاح صديد الجرح الماء الرقيق المختلط بالدم قبل أن يغلظ. قوله: (وَرَوَيَنَا في صحيح البُخَارِي) قال الحافظ أخرجه البخاري من طرق مطولًا ومختصرًا وفي بعضها عن عائشة قالت كنتَ أريده لنفسي فلا وتر به اليوم على نفسي. قوله: (قَال) أي موصيًا

وقولوا: يستأذِن عمر، فإن أذِنَتْ لي -يعني عائشةَ- فأدخلوني، وإن ردَّتني فردُّوني إلى مقابر المسلمين. وروينا في "صحيح مسلم" عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، قال: قال سعد: الحدوا لي لحدًا، وانصبوا عليَّ اللَّبن نصبًا كما صُنِعَ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وروينا في "صحيح مسلم" عن عمر بن العاص رضي الله عنه أنه قال وهو في سياقة الموت: إذا أنا متُّ فلا تصحبْني نائحةٌ ولا نارٌ، فإذا دفنتموني، فشُنُّوا عليَّ التراب شنًّا، ـــــــــــــــــــــــــــــ لولده عبد الله. قوله: (ثُمَّ سلِّمَ الخ) أمره بالاستئذان بعد وفاته بعد أن جاءه وأخبرها برضاها بذلك في حياته خشية أن يعرض لها ما ترى معه المنع بعد وفاته. قوله: (وَرَوَيَنَا في صحيحِ مُسْلمٍ) قال الحافظ بعد تخريجه عن عبد الله بن جعفر عن إسماعيل ابن محمد بن سعد عن عامر بن سعد، وهو ابن أبي وقاص قال إذا أنا مت فألحدوا لي لحدا الحديث ما لفظه أخرجه مسلم بهذا السند وعبد الله بن جعفر هو المخرمي بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء بعد وفي طبقته عبد الله بن جعفر بن نجيح وهو ضعيف وهما معًا من أهل المدينة وأخرجه أحمد كذلك وأخرجه النسائي وابن ماجة من رواية أخرى عن عبد الله بن جعفر، وخالف الجميع عبد الرحمن بن مهدي فرواه عن عبد الله بن جعفر عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص فقال عن أبيه عن جده فتعارضت هنا الأكثرية والأحفظية فإن عبد الرحمن بن مهدي أحفظ الجمعة وكان مسلمًا رجح الأكثرية ولا يبدع أن يكون إسماعيل سمعه من أبيه وعمه، وقد أخرجه عن عبد الرحمن بسنده المذكور أيضًا اهـ. قوله: (فألْحِدُوا لي لحدًا) زاد الحافظ في التخريج ولا تشنوا وانصبوا على اللبن نصبًا واحثوا على التراب حثوا فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحد له. قوله: (في سِيَاقهِ الموْتِ) في نسخة بحذف الياء والسياق مصدر ساق وأصله سواق قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها كما في صيام وقيام، وسبق أن المراد بسياقة الموت الاحتضار ومبادئ خروج الروح. قوله: (مِت) بكسر الميم وضمها وسبق بيان وجهها. قوله: (ولا نارٌ) يكره إتباع

ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور، ويقسم لحمها حتى أستانسَ بكم، وأنظرَ ماذا أراجع به رسل ربي. قلت: قوله: شُنُّوا، روي بالسين المهملة وبالمعجمة، ومعناه: صُبُّوه قليلًا قليلًا. وروينا في هذا المعنى، حديث حذيفة المتقدِّم في "باب إعلام أصحاب الميت بموته"، وغير ذلك من الأحاديث، وفيما ذكرناه كفاية وبالله التوفيق. قلت: وينبغي أن لا يقلد الميت ويتابع في كل ما وصَّى به، بل يُعْرَضُ ذلك على أهل العلم، فما أباحوه فُعل، وما لا فلا. وأنا أذكر من ذلك أمثلة، فإذا أوصى بأن يدفن في موضع من مقابر بلدته، وذلك الموضع مَعْدن الأخيار، فينبغي أن يحافظ على وصيته، وإذا أوصى بأن يصلي عليه أجنبي، فهل يقدَّم في الصلاة على أقارب الميت؟ فيه خلاف للعلماء، والصحيح في مذهبنا: ـــــــــــــــــــــــــــــ الجنازة بالنار بمبخرة أو غيرها بالإجماع لأنه تفاؤل قبيح، ومن ثم قيل بحرمته وكذا عند القبر نعم الوقود عندها المحتاج إليه لا بأس به، ومن ثم حين التجمر عند الغسل للحاجة إليه. قوله: (ثُمَّ أَقيمُوا إلى آخره) فيه فوائد. منها إثبات عذاب القبر بعد الدفن بقدر ما ذكر وأن الميت يسمع ويأنس من داخل القبر ذكره المصنف في شرح مسلم. قوله: (شِنُّوا) روي بالسين المهملة. قلت وعليه اقتصر في النهاية. قوله: (فَمَا أباحُوهُ فعلَ) بالبناء للمجهول، وفي نسخة فعل بالبناء للفاعل وفاعله ضمير يرجِع إلى الفاعل المفهوم من فعل وكلا الوجهين في قوله يعرض للمذكرر قبله. قوله: (فإِذَا أَوْصى أن يُدْفنَ الخ) لما ورد في الحلية عن أبي هريرة مرفوعًا ادفنوا موتاكم بين قوم صالحين فإن الميت يتأذى بالجار السوء كما يتأذى الحي بالجار السوء، وفي الجامع الكبير للسيوطي وأخرجه الخليلي في مشيخته وقال غريب جدًّا عن أبي هريرة وأخرجه ابن عساكر عن علي وابن مسعود وابن عباس اهـ، قال الجلال السيوطي الأشهر في تفسير الصالح أنه القائم بما يجب عليه من حقوق الله تعالى وحقوق عباده وتتفاوت درجات اهـ. قوله: (معِدنُ الأَخيَار) أي مدفنهم ففيه استعارة مصرحة شبه مدفن من ذكر بالمعدن

أن القريب أولى، لكن إن كان الموصى له ممن ينسب إلى الصلاح أو البراعة في العلم مع الصيانة والذكْر الحَسَن، استحبَّ للقريب الذي ليس هو في مثل حاله إيثاره رعاية لحقّ الميت، وإذا أوصى بأن يدفن في تابوت، لم ننفذ وصيته إلا أن تكون الأرض رخوة أو ندية يحتاج فيها إليه، فتنفذ وصيته فيه، ويكون من رأس المال كالكفن. ـــــــــــــــــــــــــــــ من جامع النفاسة وهي مجردة لذكر الأخيار الملائم للمشبه أو استعارة مكنية شبه الأخيار بالجواهر الكامنة في المعادن تشبيهًا مضمرًا في النفس وأثبت ما هو من لوازمها وهو المعدن استعارة تخييلية والأخيار جمع خير بتخفيف الياء مخفف خير نظير ما قاله السمين غير إن أمواتًا جمع ميت مخفف ميت لأن أفعالًا لا يجمع عليه فيعل لكنه تعقبه شيخنا في شرح الشذور بأن فيه نظرًا لأن أفعالا إنما تنقاس جميعته إذا كان ثلاثيًّا كأقوال جمع قول وإذا كان ميت مخفف ميت المشدد فهو رباعي لا محالة فيكون جمعه كجمع ميت على خلاف القياس اهـ، وما ذكره جار فيما نحن فيه والله تعالى أعلم. قوله: (أَنّ القَريبُ أولى) أي ولا يسقط حقه بوصية الميت بها لغيره لأن الحق للقريب فلا يسقط بإسقاط غيره. قوله: (لكِنّ إِن كانَ الموصى الخ) فقد ورد أن أبا بكر أوصى أن يصلي عليه عمر فصلى، وعمر أوصى أن يصلي عليه صهيب فصلى، وعائشة أوصت أن يصلي عليها أبو هريرة فصلى وابن مسعود أوصى أن يصلي عليه الزبير فصلى، قال العلماء وهذا كله محمود على أن أولياءهم أجازوا الوصية. قوله: (وإذَا أَوصَى أَنْ يُدْفنَ في تابوت ولم تُنَفَّذُ وصيتهِ) أي لأنه بدعة. قوله: (رخوةً) بكسر الراء المهملة وفتحها. قوله: (أَو ندِية) هو بفتح النون وكسر المهملة وتخفيف التحتية ومثل الأرض الندية والرخوة في تنفيذ ما ذكر وعدم كراهة الدفن في التابوت إذا كان بالأرض سباع تحفر أرضها وإن أحكمت، أو تهرى الميت بحيث لا يضبطه إلَّا التابوت أو كانت امرأة لا محرم لها فلا كراهة في ذلك كله للمصلحة بل لا يبعد وجوبه في مسألة السباع إن غلب وجودها ومسألة النهري وتنفذ وصيته في جميع ما ذكر. قوله: (ويكُون منْ رَأَس المَالِ) في التحفة لابن حجر تنفذ وصيته من الثلث بما ندب فإن لم يوص فمن رأس المال إن رضوا ولا ينفذ

وإذا أوصى بأن ينقل إلى بلد آخر، لا تنفَّذُ وصيتُه، فإن النقل حرام على المذهب الصحيح المختار الذي قاله الأكثرون، وصرَّح به المحققون، وقيل: مكروه. قال الشافعي رحمه الله: إلا أن يكون بقرب مكة، أو المدينة، أو بيت المقدس، فينقل إليها لبركتها. وإذا أوصى بأن يدفن تحته مضربة، أو مخدة تحت رأسه، أو نحو ذلك، لم تنفذ وصيته. ـــــــــــــــــــــــــــــ بما كره اهـ، والظاهر أنه حيث لم يوص واحتاج الدفن ولذلك أخرج من رأس المال وإن لم يرضوا به لأنه من مصالح الدفن الواجب كما في شرح الروض وغيره. قوله: (وإِذَا أَوصَى بأَنْ يُنقَلَ إِلى بَلدٍ آخرَ لَا تَنفُذ وصِيتُهُ) أي سواء كان قبل الدفن أو بعده وقضية قوله إلى بلد آخر الخ. إنه لا يحرم نقله لتربة ونحوها والظاهر أن كل ما ينسب لبلد الموت يحرم النقل إليه فلا تنفذ الوصية وقد جزم غير واحد بحرمة نقله إلى محل أبعد من مقبرة محل موته أشار إليه ابن حجر في التحفة. قوله: (قَال الشَّافِعيُّ إلا أَنْ يكُونَ بقُرْب مكَةَ الخ) أي حرمها وكذا البقية وبحث المحب الطبري في إلحاق قرية بها صلحاء بالمساجد الثلاثةَ فيما ذكر قيل وعليه فيكون أولى من الدفن مع أقاربه في بلده أي لأن انتفاعه بالصالحين أقوى منه بأقاربه. قوله: (فَيُنقَلُ إِليهَا) أي حيث لم يخش تغير الميت وكان النقل بعد غسله وتكفينه والصلاة عليه وإلا حرم نقله لأن الغرض تعلق بأهل محل موته فلا يسقط حل النقل وينقل أيضًا لضرورة كان تعذر إخفاء قبره ببلد كفار أو بدعة وخشي منهم نبشه أو إيذاؤه وقضية ذلك إنه لو كان نحو السيل يعم مقبرة البلدة ويغسلها جاز لهم النقل إلى ما ليس كذلك ويحث بعضهم في جواز النقل لأجل المساجد الثلاثة بعد دفنه إذا أوصى به ووافقه غير فقال بل هو قبل التغير واجب قال بعض المتأخرين وفيهما نظر وعلى كل فلا حجة فيما رواه ابن حبان إن يوسف - عليه السلام - نقل بعد موته بسنين إلى جوار جده - عليه السلام - وإن صح إن الناقل له موسى - عليه السلام - لأنه ليس من شرعنا ومجرد حكايته - صلى الله عليه وسلم - لا يجعله من شرعنا. قوله: (وإِذَا أَوصَى بأَنْ يُدفَنَ تَحتَهُ مِضربة الخ) أي يكره تنفيذها لما فيها من إضاعة المال

وكذا إذا أوصى بأن يكفن في حرير، فإن تكفين الرجال في الحرير حرام، وتكفين النساء فيه مكروه، وليس بحرام، والخنثى في هذا كالرجل. ولو أوصى بأن يكفن فيما زاد على عدد الكفن المشروع، أو في ثوب لا يستر البدن لا تنفذ وصيته. ولو أوصى بأن يقرأ عند قبره، أو يتصدَّق عنه، وغير ذلك من أنواع القرب، نفذت وصيته إلا أن يقترن بها ما يمنع الشرع منها بسببه. ولو أوصى بأن تؤخَّر جنازته زائدًا على المشروع، لم تنفذ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أي لكنه لنوع غرض قد يقصد فلذا كان فعل ذلك مكروهًا وإن كان فيه اضاعة مال لأن محل حرمة إضاعة المال حيث لا غرض أصلًا. قوله: (وكذَا إِذَا أَوصى بان يكَفنَ في حَرِير) أي فلا تنفذ وصيته فالتشبيه في عدم تنفيذ الوصية وإن اختلف التنفيذان فالأول مكروه وهذا حرام. قوله: (ولوْ أَوصَى بأَنْ يُكَفَّنَ فِيا زَادَ عَلَى عَددِ الكَفنِ المَشرُوع أَوْ في ثَوْب لَا يستُرُ البَدَنَ لَمْ تنفذُ) أي لا يجب تنفيذها في المسألة الأولى لأن حق الميت الذكر فَي الكفن إلَى الثلاث فيقدم به على الوارث وليس للوارث المنع منه ولو رضي الورثة المطلقوا التصرف بالزيادة إلى خمسة جاز أو أكثر منه جاز مع الكراهة كما قالوه لكن في المجموع لا يبعد تحريمه لأنه إضاعة مال إلَّا أنه لم يقل به أحد اهـ، وجزم ابن يونس بالتحريم كما نقله الأذرعي وهو قضية أو صريح كلام كثيرين ولا يجوز تنفيذ وصيته في المسألة الثالثة أي إذا أوصى بأن يكفن فيما لا يستر جميع البدن وهو يشمل صورتين الأولى ما لا يستر العورة فلا تنفذ وصيته في هذا اتفاقًا لأن ساتر العورة حق لله تعالى الثانية ما يستر العورة ولا يستر باقي البدن ففيه خلاف مبني على الخلاف في أقل الواجب من الكفن فإن قيل إنه الساتر للعورة وأن ما زاد حق للميت نفذت الوصية بتركه وهو ما عليه جمع وإن قيل إنه ساتر جميع البدن وإن ساتر ما فوف العورة من باقي البدن حق لله تعالى وللميت فلا تنفذ الوصية بتركه وهو ما في المجموع عن جمع وصريح كلامه هنا والله أعلم. قوله: (إلا أَنْ يقرنَ) بكسر الراء أي الميت أي بالقرب في وصيته بما يمنع الشرع منها أي القرب لسببه أي بسبب ذلك المقرون به وفي نسخة صحيحة إلَّا أن يقترن بزيادة تاء مثناة فوقية قبل

باب ما ينفع الميت من قول غيره

ولو أوصى بأن يبنى عليه في مقبرة مسبَّلة للمسلمين، لم تنفذ وصيته، بل ذلك حرام. باب ما ينفع الميت من قول غيره أجمع العلماء على أن الدعاء للأموات ينفعهم، ويصلهم مللا ابه. واحتجوا بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10] وغير ذلك من الآيات المشهورة بمعناها، وفي الأحاديث المشهورة كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأهْلِ بَقِيعِ الغَرْقَدِ"، وكقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهُم اغفِرْ لِحَيِّنا وَمَيِّتِنا" وغير ذلك. واختلف العلماء في وصول ثواب قراءة القرآن، ـــــــــــــــــــــــــــــ الراء. قوله: (ولوْ أَوْصَى بأَنْ يُبنى عَليْهِ في مقبَرةٍ مُسبَلَةٍ للْمُسلِمينَ) وهي ما اعتاد أهل البلد الدفن فيها عرف أصلها ومسبلها أولًا ومثلها بل أولى موقوفة لذلك بل هي أولى لحرمة البناء فيها قطعًا قاله الأسنوي ودخل في المسبلة موات اعتيد الدفن فيه فهذه مسبلة وليست موقوفة فالمسبلة أعم. قوله: (بلْ ذَلِك) أي البناء في المقبرة المسبلة حرام كما في المجموع وغيرها لما فيه من التضييق مع أن البناء يتأبد بعد انمحاق الميت فيحرم النّاس تلك البقعة ولا يجوز زرع شيء في المقبرة المسبلة وإن تيقن بلاء من بها لأنه لا يجوز الانتفاع بها لغير الدفن فيقلع وقول الأسنوي يجوز بعد الدفن من محمول على المملوكة. باب ما ينفع الميت من قول غيره قوله: (أَجمَع العُلمَاءُ عَلَى أَن للأَموَاتِ) أي سواء كان من وارث أو أجنبي ينفعهم وفي الخبر إن الله يرفع العبد درجة في الجنة باستغفار ولده له والإجماع والخبر مخصصات وقيل ناسخان لقوله وأن ليس للإنسان إلَّا ما سعى إن أريد ظاهره وإلأ فقد أكثرا وافي تأويله ومنه أنه محمول على الكافر وإن معناه لا حق له إلا فيما سعي أما ما فعل عنه فهو محض فضل لا حق له فيه وظاهر مما هو مقرر في محله أن المراد بالحق هنا نوع تغلق ونسبة إذ لا يستحق أحد على الله ثوابًا مطلقًا خلافًا للمعتزلة ومعنى نفعه بالدعاء حصول المدعو به له إذا استجيب واستجابته محض فضل من الله تعالى لا يسمى ثوابًا عرفًا أما نفس الدعاء وثوابه فهو للداعي لأنه شفاعة أجرها للشافع ومقصودها للمشفوع له نعم دعاء الولد يحصل ثوابه نفسه للوالد الميت لأن عمل ولده لتسببه في وجوده من جملة عمله كما صرح به خبر ينقطع عمل ابن آدام

فالمشهور من مذهب الشافعي وجماعة، أنه لا يصل. وذهب أحمد بن حنبل وجماعة من العلماء، وجماعة من أصحاب الشافعي، إلى أنه يصل، فالاختيار أن يقول القارئ بعد فراغه: اللَّهُمَّ أَوْصِلْ ثواب ما قرأته إلى فلان، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ إلا من ثلاث ثم قال أو ولد صالح أي مسلم يدعو له جعل دعاءه من عمل الوالد، وإنما يكون منه ويستثنى من انقطاع العمل إن أريد نفس الدعاء لا المدعو به وعلى هذا التفصيل يحمل قول المصنف هنا ويصلهم أي الأموات ثوابه. قوله: (المشهور من مذهب الشافعي الخ) في شرح الروض هذا محمول على ما إذا أدى قراءته له أو نواه لم يدع له به اهـ، ونقل هذا الحمل في التحفة عن جمع ثم قال أما الحاضر ففيه خلاف منشاؤه الخلاف في أن الاستئجار على القراءة على القبر على ماذا والذي اختاره في الروضة إنه كالحاضر في شمول الرحمة النازلة له عند القراءة وقبل محلها أن يعقبها بالدعاء له وقيل إن يجعل أجره الحاصل بقراءته للميت وحمل الرافعي على هذا الأخير الذي عليه عمل النّاس وسيأتي قول المصنف هنا فالاختيار إن يقول القارئ بعد فراغه الخ، وهذا قول الشالوشي من أصحابنا وأنت خبير بأن هذا الثاني صريح في أن مجرد نية وصول الثواب للميت لا يفيد ولو في الحاضر ولا ينافيه ما ذكره الأول لأن كونه مثله فيما ذكر إنما يفيده مجرد نفع لا حصول ثواب القراءة الذي الكلام فيه وقد نص الشافعي والأصحاب على ندب قراءة يس عند الميت والدعاء عقبها أي لأنه حينئذٍ أرجئ للإجابة ولأن الميت تناله بركة القرآن كالحي الحاضر لا الاستماع لأنه يستلزم القصد فهو عمل وهو منقطع بالموت وسماع الموتى هو الحق اهـ. قوله: (اللَّهمَّ اغْفرْ لأَهْلِ بقيع الغَرْقدِ) هو طرف آخر من حديث يأتي في باب زيارة القبور وحديث اللهم اغفر لحينا الخ. هو طرف من حديث أبي هريرة السابق في الدعاء في الصلاة على الجنازة. قوله: (وذهب أَحمد بنُ حنبل الخ) نقله ابن حجر في شرح المنهاج عن مذاهب الأئمة الثلاثة قال على اختلاف فيه عن مالك أنه يصل ثواب القراءة للميت بمجرد قصده بها واختاره كثير من أئمتنا. قوله (الاخْتيَارُ ألخ) في الروضة أن هذا أحد وجهين في وصول ثواب القراءة للميت قال والثاني من الوجهين ذكره الشيخ عبد الكريم الشالوشي أنه إن نوى القارئ بقراءته أن يكون ثوابها للميت فتنفع الميت اهـ. قوله: (أَوصِلْ ثوابَ ما قَرأْتهُ) قال ابن

ويستحبُّ الثناء على الميت وذِكْر محاسنه. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أنس رضي الله عنه، قال: مَرُّوا بجنازة فأثْنَوا عليها خيرًا، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَجَبَتْ"، ثم مَرُّوا بأخرى، ـــــــــــــــــــــــــــــ الصلاح ينبغي الجزم بنفع اللهم أوصل ثواب ما قرأناه أي مثله فهو المراد وإن لم يصرح به لفلان لأنه إذا نفعه الدعاء بما ليس له فما له أولى ويجري هذا في سائر الأعمال وبما ذكره في أوصل ثواب ما قرأناه الخ. يندفع إنكار البرهان الفزاري قولهم اللهم أوصل ثواب ما تلوته إلى فلان خاصة وإلى المسلمين عامة لأن ما اختص بشخص لا يتصور التعميم فيه اهـ، وقال الزركشي الظاهر خلاف ما قاله فإن الثواب يتفاوت فأعلاه ما خصه وأدناه ما عمه وغيره والله يتصرف فيما يعطيه من الثواب بما شاء ومنع التاج الفزاري من إهداء القرب لنبينا - صلى الله عليه وسلم - معللًا بأنه لا يتجرأ على جنابه الرفيع بما لم يؤذن فيه وهو مما انفرد به ومن ثم خالفه غيره واختاره السبكي. قوله: (ويستَحبُّ الثناءُ علَى الميت الخ) أي إن كان أهلا لذلك لكن بلا إطراء كما سبق بيان ذلك. قوله: (وَرَوَيْنَا في صحيحَي البُخَارِي ومُسلمٍ الخ) قال الحافظ وأخرجه أحمد وابن ماجة وللشيخين فيه طرق منها عندهما عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس رضي الله عنه أيضًا من طريق وفيه فقال عمر فداك أبي وأمي وقال فيه من أثنيتم عليه خيرًا وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرًّا وجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض قالها ثلاثًا ولفظ مسلم من هذه الطريق فيها وجبت وجبت وجبت في الموضعين ورواية البخاري أخصر منها وليس فيها التكرار اهـ. بمعناه وأخرج الحافظ حديث أنس من وجه آخر قال فيه فائدة زائدة فقال عن أنس قال كنت قاعدًا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمرت به جنازة فقال ما هذه الجنازة قالوا جنازة فلان الفلاني كان يحب الله ورسوله ويعمل بطاعة الله ويسعى فيها فقال وجبت جبت وجبت ثم مر بجنازة أخرى فقال ما هذه الجنازة فقالوا جنازة فلان الفلاني كان يبغض الله ورسوله ويعمل بمعصية الله وزسوله ويسعى فيها فقال وجبت وجبت وجبت فقالوا يا رسول الله أثني على الأولى خير وعلى الأخرى شر فما قولك فيهما وجبت فقال نعم يا أبا بكر إن لله ملائكة ينطقون على السنة بني آدم بما في المؤمن الخير والشر وقال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث حسن أخرجه الحاكم على شرط مسلم

فأثْنَوا عليها شرًّا فقال: "وَجَبَتْ"، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: "هَذَا أثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لهُ الجنَّةُ، وهَذَا أثْنَيْتُمْ عَلَيهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أنْتُمْ شُهَدَاءُ الله في الأرضِ". وروينا في "صحيح ـــــــــــــــــــــــــــــ وأخرجه البزار مختصرًا واستغربه ورجاله ثقات لكن في حرب مقال وإنما أخرج له مسلم في المتابعات اهـ. قوله: (فأثْنوا عَليْها شَرًّا) الثناء في الشر مجاز وقيل وعليه بعض المحققين بل حقيقة وأقره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ذلك مع نهيه عن سب الأموات لأن النهي في غير كافر ومنافق ومتجاهر بفسقه فالجنازة التي أثنوا عليها شرًّا يحتمل أن يكون واحدًا من هذه الثلاثة وفي مسند أحمد أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يصل على التي أثنوا عليها شرًّا وصلى على الأخرى. قوله: (مَا وَجبتْ) أي ما معناه. قوله: (فَقَال هَذَا أَثنيُتم عَليهِ الخ) أي فقال معناه أي معنى وجبت ما تضمنه قولنا هذا أثنيتم عليه خيرًا. قوله: (أَنتُمْ شهَداءُ الله في الأَرضِ) يحتمل أن يكون المراد من أنتم أيها الصحابة ويحتمل أن يكون المراد منه مطلق المؤمنين ويؤيد الثاني رواية المؤمنون شهداء الله في الأرض أوردها في المشكاة أي فإذا جرى على ألسنتكم ثناء بخير أو شر كان مطابقا لما عند الله أي باعتبار الغالب إن الله تعالى ينطق الألسنة في حق كل إنسان بما يعلمه التي لا يطلع عليها غيره ولا يظهر عليه من الأعمال الصالحة وغيرها فكأنه - صلى الله عليه وسلم - علم من هذا في حق هذين القطع لهما بالجنة أو النار أو أعلمه الله تعالى أنهما في باطن الأمر عنده على طبق ثناء النّاس عليهما فعلم إنه ليس المراد من خلق للجنة يصير للنار بقولهم ولا عكسه بل قد يقع الثناء بالخير أو الشر وفي الباطن خلافه إنما المراد أن الثناء علامة مطابقة وعلة دالة على ما في الواقع غالبًا كما أنبأ عن ذلك ترتيبه وجبت على الثناء المشعر بأن الثناء عليه لذلك ولهذا أشار إلى تشريف المثنين بقوله أنتم شهداء الله في أرضه أي شهداؤه الصادقون في ثنائهم لكونه يجرى على ألسنتهم ليطابق ما عنده تعالى غالبًا ففيه غاية التزكية منه - صلى الله عليه وسلم - لأمته بأن الله تعالى ما أنطقهم إلا ليصدقهم غالبًا في ثنائهم الواقع كالدعاء والشفاعة بوعده الحق الذي لا يخلف والعادة المنزلين منزلة الواجب الوقوع فلذا رتب على الثناء الوجوب بالمعنى المذكور لأنه تعالى لا يجب عليه شيء بعمل ولا بشهادة ولا بغيرهما تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا كذا في فتح الإله. قوله: (وَرَويْنَا في صَحيح

البخاري" عن أبي الأسود، قال: قدمتُ المدينةَ، فجلستُ إلى عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه، فمرَّت بهم جنازة، فأثنَي على صاحبها خيرٌ، فقال عمر: وجبت، ثم مُرَّ بأخرى، فأثني على صاحبها خيرٌ، فقال عمر: وجبت، ثم مُرَّ بالثالثة، فأثني على صاحبها شُرٌّ، فقال عمر: وجبت، قال أبو الأسود: فقلت: وما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أيما مُسْلِم شَهِدَ لهُ أرْبَعَة بخَيرٍ أدْخَلَهُ الله الجَنَّةَ"، فقلنا: وثلاثة؟ قال: "وثلاثة"، فقلنا: واثنان: قال: "واثنان"، ثم لَم نسأله عن الواحد، ـــــــــــــــــــــــــــــ البُخَارِي عَنْ أَبِي الأَسَودِ الخ) قال الحافظ أخرجه في موضعين في الجنائز وفي الشهادات ثم قال الحافظ بسندنا إلى البخاري قال حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا داود بن أبي الفرات عن عبد الله بن بريدة عن أبي الأسود الديلي قال قدمت المدينة وبها مرض وهم يموتون موتًا ذريعًا فجلست إلى عمر بن الخطاب فذكرنا الحديث كما ذكره المصنف ثم قال الحافظ وأخرجه الترمذي والنسائي وأبو يعلى وابن حبان من طرق عن داود بن أبي الفرات قال ومنهم من اقتصر على المرفوع وهو قول أبي الأسود جلست إلى عمر فقال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما من رجل يموت فيشهد له ثلاثة بخير إلَّا وجبت له الجنة قالوا يا رسول الله واثنان قال واثنان ولم نسأله عن الواحد، قال الحافظ بعد تخريجه أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح وقد عينت هذه الرواية نفي كون رواية البخاري موقوفة ولآخر حديث عمر شاهد من حديث أنس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة أهل أبيات من جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون إلا خيرًا ألا قال الله تعالى قد قبلت علمكم وعفوت عما لا تعلمون، قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث حسن غريب أخرجه الحاكم عن مؤمل وقال صحيح على شرط مسلم واختلفوا فيه وأنسب ما قيل قول أبي حاتم صدوق يخطئ كثيرًا ووجدت له شاهدا من حديث أبي هريرة عن النبي عن ربه عزّ وجل قال ما من عبد مسلم يموت وتشهد له ثلاث أبيات من جيرانه الادنين بخير إلّا قال الله تعالى قبلت شهادة عبادي على ما علموا وغفرت له ما أعلم ورجاله ثقات إلَّا الشيخ المبهم الذي لم يسم وقد أخرج بعضه سعيد بن منصور من وجه آخر عن أبي هريرة بسند ضعيف وللحديث طرف أخرى عن جماعة من الصحابة اهـ. قوله: (أدخَلهُ الله الجَنّة) قال ابن حجر في شرح المشكاة

والأحاديث بنحو ما ذكرنا كثيرة، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ لما تقرر أنهم بشهادتهم له بذلك فيكونون كالداعين الشافعين فيقبل الله منهم ذلك في حق المسلم ولجعل لها تأثيرا في تعجيل دخول الجنة وكأن سبب تخصيص المسلم بهذا سعة بظاهر الفضل والرحمة للمؤمنين وأن الله تعالى يعطيهم من خير ما عنده بأدنى سبب أو دعاء أو شفاعة اهـ، وقال المصنف في الحديث تأويلان أحدهما أن هذا لمن أثني عليه أهل الفضل وكان ثناؤهم مطابقا لأفعالهم فيكون من أهل الجنة فإن لم يكن كذلك فليس هو مراد الحديث. قلت وعلى الثاني جرى الداودي قال الحافظ ابن حجر واقتصار عمر على ذكر أحد الشقين إما الاختصار أو لإحالة السامع على القياس والأول أظهر اهـ. ثانيهما وهو الصحيح المختار إن الحديث على عمومه وإطلاقه وإن كل مسلم مات فألهم الله النّاس أو معظمهم الثناء عليه كان ذلك دليلًا على أنه من أهل الجنة سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا لأنه وإن لم يكن أعماله مقتضية فلا تحتم عليه بالعقوبة بل هو في خطر المشيئة فإذا ألهم الله عزّ وجل الثناء عليه دلنا ذلك على أنه سبحانه قد شاء المغفرة له وبهذا تظهر فائدة الثناء وقوله وجبت أنتم شهد الله الخ. لو كان لا ينفعه إلَّا أن تكون أفعاله مقتضية لذلك لم يكن للثناء فائدة وقد أثبتها النبي - صلى الله عليه وسلم - اهـ. قوله: (والأَحادِيثُ بنَحْو مَا ذَكرْنا كثيرة) قال الحافظ قال الترمذي بعد تخريج حديث أنس المذكور أول الباب وفي الباب عن عمر وكعب بن عجرة وأبي هريرة قال شيخنا في شرحه وفي الباب أيضًا عن سلمة بن الأكوع وابن عمر قلت وفيه أيضًا عن عامر بن ربيعة وأبي قتادة وأبي بكر بن أبي زهير عن أبيه ثم ذكر الحافظ من خرج رواية كل بما فيه طوال وحاصله باختصار إن حديث كعب بن عجرة أخرجه الطبراني وسنده ضعيف ولفظه نحو ما تقدم وفي حديث آخر له أخرجه الحافظ عنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا لأصحابه ما تقولون في رجل قتل في سبيل الله قالوا الجنة قال الجنة إن شاء الله ورسوله أعلم قال فما تقولون في رجل مات فقام رجلان ذو أعدل فقالا لا نعلم إلّا خيرًا أو قالوا الله ورسوله أعلم قال فما تقولن في رجل مات فقام رجلان ذو أعدل فقالا لا نعلم خيرًا أو قالوا النار وقال رسول الله مذنب والله غفور رحيم وحديث أبي هريرة قال مروا بجنازة على رسول الله فأثنوا عليها خيرًا فقال وجبت ثم مروا بجنازة

باب النهي عن سب الأموات

باب النهي عن سب الأموات روينا في "صحيح البخاري" عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ـــــــــــــــــــــــــــــ فأثنوا عليها شرًّا فقال وجبت وقال إن بعضكم على بعض شهداء قال بعد تخريجه حديث صحيح أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان وعند ابن ماجة خيرًا من مناقب الخير وقال أيضًا شرًّا من مناقب الشر وقال في آخره أنتم شهداء الله في الأرض وأخرجه الطبراني بنحوه وأنتم منه ولأبي هريرة حديث آخر قدمته وحديث سلمة بن الأكوع أخرجه الطبراني ولفظه نحو رواية أبي هريرة وزاد إن الميت كان من الأنصار وفي آخره والملائكة شهود الله في السماء وفي سنده موسى بن عبيدة وهو ضعيف وأخرجه من وجه آخر أضعف منه وقال وفي آخره فإذا شهدتم وجبت وحديث ابن عمر ذكر شيخنا في شرح الترمذي أن ابن عدي أخرج رواية ميمون بن مهران عن ابن عمر رفعه قال إن العبد ليرزق من الثناء من النّاس حتى تقول الحفظة يا ربنا إنك تعلم ونعلم غير ما يقولون فيقول أشهدكم أني قد غفرت له ما لا تعلمون وقبلت شهادتهم على ما يقولون وفي سنده فرات بن السائب وهو واهي وحديث عامر بن ربيعة أخرجه البزار ولفظه قال رسول الله إذا مات العبد والله يعلم منه شرًّا والناس يقولون خيرًا قال الله لملائكته قبلت شهادة عبادي وغفرت لعبدي ما في علمي وفي سنده محمد بن عبد الرحمن القشير وهو واهٍ أيضًا وحديث أبي قتادة كان إذا دعى لجنازة فإن أثنى عليها خبرًا قام فصلى عليها وإن أثنى عليها غير ذلك قال شأنكم بها ولم يصل عليها قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث صحيح غريب أخرجه أحمد وأبو يعلى وحديث أبي بكر بن أبي زهير عن أبيه رضي الله عنه. باب النهي عن سب الأموات قوله: (رَوَيْنَا في صحيح البُخاريِّ) قال الحافظ بعد تخريجه أخرجه أحمد وإبن حبان وزاد ابن حبان في أوله قصة أن عائشةَ سألت عن رجل وسبته فقيل لها أنه قد مات فاستغفرت له وذكرت الحديث قال الحافظ وقد وقعت لي هذه القصة من وجه آخر ثم أخرج ذلك عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة أنها ذُكر عندها

"لا تَسُبُّوا الأمْوَاتَ فإنهُمْ قَدْ أفْضَوْا إلى ما قدَّمُوا". وروينا في "سنن أبي داود" والترمذي بإسناد ضعيف ضعفه الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنه عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ، وَكُفُّوا عَن مَساويهم". قلت: قال العلماء: يحرم سبُّ الميِّت المسلم الذي ليس معلنًا بفسقه. وأما الكافر، والمعلن بفسقه من المسلمين، ففيه خلاف للسلف، وجاءت فيه نصوص متقابلة، وحاصله: أنه ثبت في النهي عن سبِّ الأموات ما ذكرناه في هذا الباب. وجاء في الترخيص في سبِّ الأشرار أشياء كثيرة، منها: ما قصَّه الله علينا في كتابه العزيز، وأُمرنا بتلاوته، وإشاعة قراءته، ومنها: أحاديث كثيرة في الصحيح. ـــــــــــــــــــــــــــــ رجل فنالت منه فقيل لها إنه قد مات فترحمت عليه فَسُئلت عن ذلك فقالت إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لا تذكروا موتاكم إلَّا بخير قال الحافظ وسند هذا الطريق حسن وقد أخرجه النسائي من رواية منصور بن صفية بنت شيبة عن أمه قالت ذكر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - هالك بسوء فقال لا تذكروا هلكاكم إلَّا بخير وسنده صحيح اهـ. قوله: (لَا تسبُّوا الأمَوَاتَ) هو نهي تحريم كما هو الأصل فيه وهو عام مخصوص بحديث أنس السابق حيث قال - صلى الله عليه وسلم - عند ثنائهم بالخير والشر وجبت ولم ينكر عليهم ويحتمل أن أل في الأموات عهدية أي للمسلمين دون الكفار إذ الكفار ممن يتقرب بسبهم ومحله أيضًا في المسلم غير المجاهر ببدعته أو فسقه أو غير المجاهر لمن يعلم حاله على ما سيأتي. قوله: (أَفضوا) أي أوصلوا إلى ما قدموا أي من العمل واستدل بالحديث عن منع سب الأموات مطلقًا لكن سبق أن عمومه مخصوص وأصح ما قيل في ذلك إن أموات الكفار يجوز سبهم إذا لم يتأذ به الحي المسلم وكذا الفساق إذا دعت إليه ضرورة أو مصلحة. قوله: (ضَعفَهُ الترْمِذِي) قال الحافظ لم أو في شيء من نسخ الترمذي تصريح الترمذي بتضعيفه وإنما استغربه ونقل عن البخاري أن بعض رواته منكر الحديث وقد سكت عليه أبو داود وصححه ابن حبان وغيره فهو من شرط الحسن

كالحديث الذي ذكر فيه - صلى الله عليه وسلم - ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد تقدم تخريجه والكلام عليه في باب ما يقال في حال غسل الميت. قوله: (كالحَدِيثِ الذِي ذَكَر فيهِ الخ) رواه البخاري ومسلم وغيرهما ولفظ الحديث عن سهل عن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أبا كعب وهو يجر قصبه في النار أخرجه مسلم وأخرجه البخاري مختصرًا وقال خزاعة بدل كعب والمعنى واحد لأن كعب بن عمرو ينتهي إليه أنساب خزاعة وأخرجه الشيخان من طريق ابن المسيب عن أبي هريرة وزاد وهو أول من سبب السوائب وأخرجه الحافظ من طريق أخرى عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله يقول لأكتم بن الجون الخزاعي يا أكتم رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار فما رأيت رجلًا أشبه برجل منك به ولا منه بك قال أكتم يا رسول الله أتخشى أن يضرني شبهه فقال رسول الله لا إنك مؤمن وهو كافر وهو أول من سيب السوائب وبحر البحيرة وحمى الحامي وغير دين إسماعيل عليه السلام قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث حسن غريب أخرجه الدارقطني في الأفراد وقال تفرد به محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم يعني بهذا السياق وإلّا فأصله في الصحيح كما تقدم وأخرجه الحاكم بنحو هذا السياق من حديث أبي هريرة وزاد في آخره ونصب الأوثان وأخرج الحافظ عن جابر حديثًا طويلًا فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بهم الظهر أو العصر أراد وهو في الصلاة أن يتناول شيئًا ثم تأخر فتأخر النّاس الحديث وفيه ورأيت فيها يعني النار عمرو بن لحي يجر قصبه في النار وأشبه من رأيت به معبد بن أكتم الخزاعي فقال معبد يا رسول الله أتخشى على من شبهه قال لا أنت مؤمن وهو كافر وكان ابن لحي أول من حمل العرب على عبادة الأصنام قال الحافظ بعد تخريجه حسن الإسناد وفي المتن ألفاظ شاذة أخرجه أحمد ثم تكلم الحافظ على رجال سنده ثم ساقه من طريق أخرى بنحوه وفيه ورأيت فيها أبا تمامة عمرو بن مالك يجر قصبه في النار وقال بعد تخريجه حديث صحيح أخرجه مسلم وأبو داود وفيه التنصيص على أنها صلاة الكسوف ويجمع بين ذلك وبين ما تقدم من إنه كان في الظهر والعصر بأن المراد منه في تلك الرواية الوقت وهو كذلك ففي الرواية الأخرى إنه كان بعد صلاة العصر ويحتمل التعدد في

عمرو بن لُحَيٍّ. وقصة أبي رغال الذي كان يسرق الحاج بمحجنه. ـــــــــــــــــــــــــــــ الرواية ففي حديث عقبة بن عامر ما يرشد إليه ثم ساقه الحافظ وهو قريب من حديث الباب وقال فيه ورأيت عمرو بن حرثان أخا بني غفار متكئًا على قوسه قال الحافظ فإن كان هذا محفوظا في المتن قوي دعوى التعدد والعلم عند الله اهـ. ملخصًا. قوله: (عَمْرو بْنَ لُحِيٍّ) أي بضم اللام وفتح الحاء المهملة وتشديد الياء التحتية وهو كعب واسمه عامر وفي بعض روايات مسلم عمرو بن مالك قال الحافظ مالكًا جد أعلى لعمرو بن لحي فتتفق الروايات وهو ابن قمعة بكسر القاف وفتح الميم المشددة ويجوز فيه فتح القاف وإسكان الميم وفتحهما وكسرهما مع تشديد الميم الخزاعي أول من سيب السوائب وبحر البحيرة وحمى الحامي كما في الدارقطني وغيره وفي الحديث عند الطبراني كما قال الحافظ عن ابن عباس رفعه أول من غير دين إبراهيم عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أبو خزاعة وعند الفاكهي من مرسل عكرمة فقال المقداد يا رسول الله ومن هو عمرو بن لحي فقال أبو خزاعة. قوله: (وقِصَة أَبِي رغالٍ) هو بكسر الراء وبالغين المعجمة المخففة آخره لام يقام إنه كان في وادي حنين وقيل في طريق العمرة أخرج الحافظ عن جابر رضي الله عنه قال لما مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحجر قال لا تسألوا الآيات فقد سألها قوم صالح وكانت يعني الناقة تردد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج فعتوا عن أمر ربهم فعقروها فأخذتهم صيحة أهمد الله بها من كانت تحت السماء إلا رجلا واحدًا كان بالحرم فلما خرج منه أصابه ما أصاب قومه قالوا من هو يا رسول الله قال أبو رغال وفي رواية لما نزل الحجر في غزوة تبوك وفيها لا تسألوا نبيكم وفيها سألوا نبيهم أن يبعث لهم آية فبعث الله لهم الناقة الحديث قال الحافظ وفي رواية زيادة كانت ترد من هذا الفج فتشرب ماءهم يوم وردها ويحلبون من لبنها مثل الذي كانوا يصيبون من غيرها الحديث قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث حسن غريب أخرجه الحاكم وابن حبان وقال الحافظ عماد الدين بن كثير في تاريخه بعد ذكره له من عند أحمد ليس هذا الحديث في الكتب الستة وهو على شرط مسلم إنما تخرج له ما صح فيه الحديث أو توبع عليه وقد فقدا هنا وابن خيثم اختلف فيه قول ابن معين والنسائي ومتابعه ابن لهيعة له فيها نظر لأنه مدلس وقد عنعنه ولأصل الحديث شاهد عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول حين خرجنا معه إلى الطائف

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فمررنا بقبر فقال هذا قبر أبي رغال وكان من ثمود وكان بهذا الحرم يدفع عنه فلما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان قد دفن فيه وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه فابتدره النّاس فأخرجوا منه ذلك الغصن قال الحافظ بعد هذا الحديث حسن غريب أخرجه أبو داود وابن حبان وقد ورد عند البزار والدارقطني عن ابن عمران عمر قال لرجل طلق نساءه لترجعن نساءك وإلّا فإن مت لأرجمن قبرك كما رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبر أبي رغال قال البزار لم بسنده إلَّا صالح يعني ابن أبي الأخضر وليس هو بالقوي والحفاظ يرونه موقوفًا وقال الدارقطني تفرد به وكيع عن صالح بن أبي الأخضر وهو وهم ورواه معمر وغيره عن الزهري لم يرفعوه والرجل المبهم في الحديث هو غيلان بن سلمة الثقفي الذي أسلم وتحته عشرة نسوة وذلك أنه لما كان زمن عمر طلق نساءه وقسم ماله بين بنيه فبلغ ذلك عمر فقال إني لأظن الشيطان فيما يسترق السمع سمع بموتك فقذف في قلبك ولعلك لا تمكث إلَّا قليلًا وأيم الله لتراجعن نساءك ولترجعن مالك أو لأورثهن منك ولآمرن بقبرك فيرجم كما رجم قبر أبي رغال قال الحافظ بعد تخرجيه هذا موقوف صحيح أخرجه ابن راهويه قال الحافظ وأبو رغال المذكور في قصة عمر غير أبي رغال الأول فإن ذلك من بقية قوم ثمود وهذا كان دليل أصحاب الفيل من الطائف إلى مكة ووهم من وحدهما وقبر أبي رغال الثقفي بالمغمس وهو الذي يرجم قبره اليوم أخرج الحافظ بسنده إلى أبي إسحاق في قصة أصحاب الفيل قال فلما مروا بالطائف خرج إليهم مسعود وناس من ثقيف فقالوا إن البيت الذي تريدون هدمه ليس عندنا ولكن نبعث معكم رجلًا يدلكم على الطريق فبعثوا أبا رغال فسار حتى أفزلهم بالمغمس فمات أبو رغال هناك فهو الذي يرجم قبره اليوم اهـ. قال الحافظ وفيه يقول الشاعر: إذا مات الفرزدق فارجموه ... كما ترمون قبر أبي رغال والمغمس بضم الميم وفتح الغين المعجمة وتشديد الميم الثانية مفتوحة وقيل مكسورة بعدها مهملة مكان في طريق الذاهب إلى الطائف من مكة وفيه يقول أمية أبو الصلت والد أمية وقيل هو لأمية من أبيات: برك الفيل بالمغمس حتى ... صار يحبو كأنه معقور

وقصة ابن جُدعان ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما أبو رغال الأول فجاء ما يدل على أن قبره بالطائف فعند الفاكهي من طريق عقيل عن الزهري قال لما حاصر - صلى الله عليه وسلم - الطائف أغلقوا عليهم وارتقوا على الحصن وهم يقولون: والله لا نسلم ما حيينا ... هذه وقبر أبي رغال فينا فلما انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي تدري ما هذا قال لا قال هذا قبر أبي رغال وهو من بقية ثمود وتقدم في حديث عبد، الله بن عمر وما يرشد إلى ذلك اهـ. تنبيه قال الحافظ وقع في عدة من نسخ الأذكار أبي رغال الذي كان يسرق الحاج بمحجنه ولم أر في شيء من الروايات وصف أبي رغال بذلك ولعلها كانت والذي فسقطت واو العطف قال وقصة صاحب المحجن الذي كان يسرق الحاج به وهو بكسر الميم عصى معوجة الطرف كما في صحيح مسلم عن جابر قال انكسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث في صلاة الكسوف إلى أن قال حتى رأيت صاحب المحجن كان يسرق الحجاج بمحجنه فإذا فطن له قال إلا تعلق بمحجني وإن غفل عنه ذهب به وأخرجه أبو داود والنسائي وابن خزيمة وفي رواية أخرجها النسائي فإذا علم به كان يقول إنما يسرق المحجن قوله: (وابْنِ جدْعانَ) هو بضم الجيم وإسكان الدال وبالعين المهملتين واسمه عبد الله وكان كثير الإطعام وكان اتخذ للضيفان جفنة يرقى إليها بسلم وكان من بني تيم بن مرة من أقرباء عائشة رضي الله عنها إذ هو ابن عم أبي قحافة والد الصديق ذكره الحافظ في التخريج وكان من رؤساء قريش في الجاهلية وفي الصحيح عن عائشة قالت قلت يا رسول الله إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه قال لا إنه لم يقل بها رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين رواه مسلم قال الحافظ وسمي في طريق أخرى عند أحمد أيضًا عن عائشة قالت يا رسول الله إن عبيد الله بن جدعان فذكره وزاد يقرئ الضيف ويفك العاني ويحسن الجوار وزاد فيه أبو يعلى من هذا الوجه ويكف الأذى فيثب عليه اهـ، وحاصل جوابه - صلى الله عليه وسلم - أنه لم ينفعه ذلك لكفره وهو المراد من قوله لم يقل يومًا رب الخ. أي لم يكن مصدقًا بالبعث ومن لم يكن مصدقًا به لا ينفعه

وغيرهم، ومنها الحديث الصحيح الذي قدمناه لمّا مرَّت جنازة فأثْنَوا عليها شرًّا، فلم ينكر عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل قال: وَجَبَتْ. واختلف العلماء في الجمع بين هذه النصوص على أقوال: أصحها وأظهرها: أن أموات الكفار يجوز ذِكْر مساويهم، وأما أموات المسلمين المعلنين بفسق أو بدعة أو نحوهما، فيجوز ذِكرهم بذلك إذا كان فيه مصلحة، لحاجة إليه للتحذير من حالهم، والتنفير من قبول ما قالوه والاقتداء بهم فيما فعلوه، وإن لم تكن حاجة لم يجز، وعلى هذا التفصيل تنزل هذه النصوص، ـــــــــــــــــــــــــــــ عمل أشار إليه المصنف في أواخر كتاب الإيمان من شرح مسلم. قوله: (وغْيرِهم) أي كقصة صاحب الهرة وقصة الذي كان يتبختر في مشيته فخسف به وهو من حديث أبي هريرة وقصة سارق البدنتين أخرج ابن حبان من حديث عبد الله بن عمرو في صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - للكسوف وفيها عنه - صلى الله عليه وسلم - مرفوعًا ورأيت فيها يعني النار ثلاثة يعذبون صاحب السباتين بدنتين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرقهما وكان صاحب المحجن كان يسرق الحاج بمحجنه ويقول إنما سرق المحجن وفيه ذكر صاحبة الهرة قال الحافظ وفي سنده عطاء بن السائب وكان ممن اختلط لكنه حدث بهذا الحديث قبل الاختلاط فقد ذكروا أن سماع شعبة وحماد بن سلمة منه كان قبل أن يختلط وقال الحافظ بعد ذكر أشياء أخرجها ذم بعض الأموات ومن تتبع الحديث وجد أشباها لذلك عن هذه. قوله: (أَنَّ أَمَوَاتَ الْكُفارِ يَجُوزُ ذِكْرُ مَساويهِم) أي إن لم يتأذ به الحي المسلم لحديث لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء وقد قيد بذلك ابن رشيد نقله عن العلقمي. قوله: (وأما أموات المسلمين المعلنين بفسق الخ) قيده العلقمي بأن يموت على ذلك وقال من فسق لا ببدعة يفسق بها ويعزر عليها ويموت كذلك نظر فإن علم إنه مصر على فسقه والمصلحة في ذكره جاز ذكر مساويه وإلّا فلا. قوله: (فيجوز ذكرهم) قال العلقمي بل قد يجب في موضع من المواضع وقد تعود مصلحة ذلك للميت كمن علم إنه أخذ ماله بشهادة زور ومات الشاهد

باب ما يقوله زائر القبور

وقد أجمع العلماء على جرح المجروح من الرواة، والله أعلم. باب ما يقوله زائر القبور روينا في "صحيح مسلم" عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلَّما كان ليلتُها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: "السلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قوم مُؤمنِينَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن ذكر ذلك ينفع الميت إذا علم أن ذلك المال يرد إلى صاحبه. قوله: (وقَد أَجمَعَ العُلمَاءُ عَلَى جَرحِ المْجرُوح الخ) أي سواء كانوا أحياءً أو أمواتًا وبه يندفع الجمع بأن النهي يحمل على ما بعد الدفن والجواز على ما قبله يسقط به من يسمعه وكذا يندفع الجمع يكون النهي العام متأخرا فيكون نامي. باب ما يقوله زائر القبور جمع قبر والمقابر جمع مقبرة بفتح الباء وضمها ولم يأت في القرآن ذكر المقابر إلَّا في قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر 1: 2]، قوله: (وَرَوَيْنَا في صَحيحِ مُسلم) قال في السلاح ورواه النسائي زاد الحافظ وأخرجه أبو عوانة. قوله: (إلى البقيع) بالباء الموحَدة بلا خلاف وهو مدفن أهل المدينة أي بقيع الغرقد وسبق أن البقيع من الأَرض المكَان المتسع بشرط أن يكون فيه شجر أو أصوله. قوله: (السلامُ عَليْكُمْ) أخذ من هذه الرواية أن تعريفه أفضل من تنكيره وإن ورد في رواية عند أحمد وفيه أيضًا رد على من قال من أئمتنا وغيرهم الأولى أن يقال عليكم السلام لأنهم ليسوا أهلًا للخطاب ولقوله - صلى الله عليه وسلم - لمن قال له ذلك إن عليك السلام تحية الموتى ولا دليل فيما قالوه أما الخطاب فلا فرق بين تقدم عليك وتأخيرها على أن الصواب أن الميت أهل للخطاب مطلقًا لأن روحه وإن كانت في أعلى عليين لها مزيد تعلق بالقبر فيعرف من يأتي ومن لا كما دل عليه الخبر الصحيح ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلّا عرفه ورد - عليه السلام - وأما الخبر فإخبار عن عادتهم لا بعلم لهم أو المراد بالموتى كفار الجاهلية أي تحية موتى القلوب فلا تفعلوه. قوله: (دَارَ قَوْم) يصح فيه الجر على أنه بدل من الكاف والنصب على النداء أي يا أهل الدار فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه قيل وهو أولى لأنه من رواية يا أهل الديار فكان ذلك قرينة

وَأتاكُمْ ما تُوعَدُونَ، غَدًا مُؤجَّلُونَ، وإنَّا إنْ شاءَ اللهُ بكُمْ لاحقون، اللَّهُم اغْفِرْ لأهلِ بَقِيع الغَرْقَدِ". وروينا في "صحيح مسلم" عن عائشة أيضًا، أنها قالت: كيف أقول يا رسول الله؟ -تعني في زيارة القبور- قال: قولي: "السَّلامُ على أهْلِ الدِّيارِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه مراد عند حذفه وإن كان الاختصاص أفصح وقيل منصوب على الاختصاص قال في فتح الإله وهو الأفصح. قوله: (وأَتَاكُمْ) هو بالقصر أي جاء ما توعدون غدا أي من الثواب أو العقاب وضبطه الحنفي في شرح الحصن بمد الهمزة من الإيتاء بمعنى الإعطاء ورده في الحرز بأنه مخالف للرواية. قوله: (مُؤجَّلُونَ) بتشديد الجيم المفتوحة خبر مبتدأ محذوف أي أنتم مؤجلون باعتبار أجوركم. قوله: (إِنْ شَاءَ الله) أتى به للتبرك أو امتثالًا للآية ومن ثم قيل استثنى الله تعالى {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ [الفتح: 27]، لكن استثناء الخلق فيما يعلمون أو التعليق بالنظر للحوق بهم في هذا المكان بعينه أو للموت على الإسلام فإنه مشكوك فيه وعلى هذا فيكون خاصا بالأمة وأتى به - صلى الله عليه وسلم - تعليمًا لهم أو إن فيه بمعنى إذ كما في {وَخَافُونِ إِن كنُتم مُؤمِنِينَ} [آل عمران: 175]. قوله: (وَرَوَيْنا في صَحيحِ مِسلِم) قال في السلاح ورواه النسائي وزاد فيه أنتم لنا فرط وانَّا بكم لاحقون اللهم لا تحرمنا أجرهم وَلا تفتنا بعدهم وزاد فيه وأخرجه أبو عوانة عن يونس بن سعيد بن مسلم بتشديد اللام عن حجاج بحاء مهملة فجيمين بينهما ألف وهو ابن محمد المصيصي قال عن ابن جريج أخبرني عبد الله بن أبي مليكة وأخرجه مسلم أيضًا والنسائي وأبو عوانة من رواية ابن وهب عن ابن جريج فقال عن عبد الله بن كثير بن المطلب بدل ابن أبي مليكة قال النسائي حجاج في ابن حجر أثبت عندنا من ابن وهب ونقل أبو عوانة عن أحمد أنه قال في ابن وهب عن ابن جريج سيئ اهـ. قوله: (عَلَى أَهل الديارِ) قال ابن عبد السلام أهل الديار في عرف النّاس من سكن الديار أو كان بفنائها وقد أمر بالاستعاذة من عذاب القبر فهذا يدل على أن الأرواح في القبور دون أفنيتها وهو المختار اهـ، وقال ابن الجزري يريد بالديار المقابر وهو جائز لغة قال إنه يقع على الربع العامر أو المسكون والخراب وأنشد على ذلك قول النابغة: يا دار مية بالعلياء فالسند ... أقوت وطال عليها سالف الأمد

مِنَ المُؤْمنينَ والمُسْلمينَ، وَبرْحَمُ اللهُ المُسْتقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَمِنَّا وَالمُسْتأخِرينَ، وَإنَّا إنْ شاءَ اللهُ بِكُمْ لاحِقُونَ". ورَوينا ـــــــــــــــــــــــــــــ اهـ. كلام ومية امرأة والعلياء أرض مرتفعة وهي والسند موضعها وأقوت الديار خلت وفي إطلاق الأهل على ساكني المكان من حي وميت وكأن حكمة ترك الخطاب في هذه الرواية أنه سألت عن زيارة عامة فلا ينافي ما ورد من الخطاب بالسلام مع الاستقبال بالوجه لأنه في زيارة قبر خاص وحينئذٍ فيؤخذ من ذلك أن من قصد زيارة مطلق القبور الأولى له أن يأتي بهذا الدعاء ومن قصد زيارة قبر مخصوص فالأولى الإتيان بما مر من قوله السلام عليكم الخ، ويحتمل وهو الأقرب أن ذلك لبيان أن الأمر واسع وأن زائر القبور مخير بين الخطاب وتركه قوله: (منَ المؤْمِنينَ والمسلِمينَ) عطف مساو لما تقرر من الإيمان والإسلام وإن اختلفا مفهومًا فهما متحدان في الماصدق. قوله: (ويَرْحَمُ الله المُستقدِمِينَ مِنًا) أي بالموت والمستأخرين أي منّا بالحياة بعد والقصد منها الإحاطة بالأحياء والأموات من المؤمنين والمؤمنات مع ما فيه من الإيماء إلى قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} [الحجر: 24] أي من استقدم ولادة ووفاة ومن استأخر أو من خرج من أصلاب الرجال ومن لم يخرج بعد. قوله: (لِلاحقُون) بلامبن على أن الأولى للتأكيد في خبر إن وفي نسخة لاحقون بحذف اللام الأولى ويؤخذ من هذا الحديث جواز زيارة النساء للقبور وفيها خلاف للعلماء وعندنا ثلاثة أوجه لأصحابنا الحرمة الكراهة الإباحة والأصح الكراهة. قوله: (وَرَوَينَا بالأسَانيدِ الضحِيحةِ الخ) أورد صاحب السلاح والحصن هذا الحديث من حديث أبي هريرة واقتصر كل منهما على عزوه لتخريج أبي داود فقط والله أعلم ثم راجعت باب الجنائز من سنن أبي داود ولم أجده فيها ثم رأيت الحافظ قال وأخرجه ابن ماجة في باب الحوض من كتاب الزهري قال الحافظ وأخرج مسلم أيضًا من جملة حديث طويل قال وعجب للشيخ كيف أغفل نسبته لمسلم قال وأظن السبب أنه لم يخرجه في الجنائز لأبي داود بل أخرجه في الطهارة لكن

بالأسانيد الصحيحه في سنن أبي داود، والنسائي، وابن ماجه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم خرج إلى المقبرة، فقال: "السلامُ عَلَيكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وإنَّا إنْ شاءَ الله بِكُمْ لاحِقُونَ". وروينا في كتاب الترمذي، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقبور المدينة، فأقبل عليهم بوجهه فقال: "السلامُ عَلَيكُمْ يا أهْلَ القُبُورِ، يَغْفِرُ اللهُ لَنا وَلَكُمْ، أنْتُمْ سَلَفُنا وَنَحْنُ بالأثَرِ". قال الترمذي: حديث حسن. وروينا في "صحيح مسلم" عن بريدة رضي الله عنه، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلِّمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: "السلامُ عَلَيكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ النسائي أخرجه أيضًا في الطهارة. قوله: (بالأَسَانيدِ الصحِيحةِ) قال الحافظ في هذا ما يوهم أن للحديث طرقًا إلى أبي هريرة وليس كذلك إنما هو إفراد العلاء عن أبيه هو عبد الرحمن بن يعقوب عن أبي هريرة وكلهم مدارهم على العلاء بن عبد الرحمن نعم له طريق أخرى عند ابن السني من رواية الأعرج عن أبي هريرة ولفظه كان إذا مر بالمقابر قال السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات والصالحين والصالحات وأنا بكم إن شاء الله لاحقون وسنده ضعيف اهـ. قوله: (وَرَوَينَا في كِتَاب الترْمِذِيِّ الخ) قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث حسن ورجاله رجال الصحيح غير قابوس فمختلف فيه وقابوس هذا يعني به ابن ظبياء وهو بالمعجمة المشالة فسكون الموحدة فتحتية واسمه حصين بن جندب. قوله: (يَغفرُ الله لنَا) أي معشر الأحياء ولكم أي الأموات. قوله: (سلفَنَا) بفتح السين المهملة واللام بعدها قيل سلف الإنسان من تقدمه بالموت من آبائه وأقربائه وإخوانه وأقرانه وبه سمي الصدر الأول بالسلف الصالح وقيل هو من السلف كأنه أسلفه وجعله ثمنا للأجر والثواب الذي يجازى عليه بالصبر والحاصل أنهم مقدمون علينا في هذا السفر. قوله: (ونَحنُ بالأَثرِ) أي عقبكم وهو بفتح أوليه ويجوز فيه كسر الأول وإسكان ثانيه الثاء المثلثة وهو كذلك في نسخة من الحصن. قوله: (وَرَوَيَنَا في صحيح مُسلِم الخ) ورواه النسائي وابن ماجة كلهم عن بريدة زاد النسائي أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع

أهْلَ الديارِ مِنَ المُؤمِنِينَ، وإنَّا إن شاءَ اللهُ بِكُمْ لَلاحِقُونَ، أسألُ الله لَنا ولَكُمُ العَافِيَةَ". وروينا في كتاب النسائي، وابن ماجه هكذا، وزاد بعد قوله: للاحقون: "أنتمْ لَنا فَرَطٌ وَنَحْنُ لَكمْ تَبَعٌ". وروينا في كتاب ابن السني، عن عائشة ـــــــــــــــــــــــــــــ ووقع في الحرز وزاد ابن ماجة في رواية أنتم لنا فرط وإنا بكم لاحقون اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم وهو وهم منه لأن ذلك عنده في حديث عائشة كما سبق نفلي عن السلاح والله أعلم وزاد الحافظ وخرجه أبو عوانة. قوله: (أَسأَلُ الله لنَا ولكُنم العَافِيةَ الخ) أي أسأل العافية من العقوبة في الدنيا والآخرة وفي كشف المشكل لابن الجوزي قيل إنما نسأله العافية للحي فما معنى سؤالهما للميت فالجواب أنه يتعين الإيمان بعذاب القبر وبنعيمه فنسأل للمعذبين منهم العافية من بلاء العذاب اهـ. قوله: (وَزَادَ بعْدَ قوْلهِ لَلاحِقُونَ أَنتُمْ لنَا فَرَطٌ الخ) صريح عبارته أن الذي زاد ذلك ابن ماجة وسبق عن السلاح أن الذي زاد النسائي وعبارة الدميري في الديباجة بعدما أورده ابن ماجة باللفظ الذي أورده مسلم وأورده المصنف مالفظه رواه مسلم وأبو داود والنسائي وزاد فيه بعد للاحقون أنتم لنا فرط الخ. اهـ، وهو مطابق لما في السلاح من أن الزيادة للنسائي أي دون بن ماجة والله أعلم، وحينئذٍ فيمكن حمل عبارة المصنف هنا على ذلك بأن يعاد الضمير من قوله وزاد أي النسائي وإن كان خلاف أصل عود الضمير إلى أقرب مذكور للقرينة المذكورة المعينة لذلك والله أعلم. ثم رأيت الحافظ قال لم يذكر هذه الزيادة ابن ماجة ولا يرد على الشيخ لأنه قال وزاد بالإفراد فكأنه عنى النسائي والنسائي أخرج الحديث وفيه هذه الزيادة وأوله عنده كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتى على المقابر قال فذكره اهـ. قوله: (وَرَوينَا في كِتَابِ ابْنِ السُّنيِّ الخ) قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث حسن أخرجه أحمد وابن ماجة أي في طرق من الحديث السابق قبله فكان عزوه إليه أولى وبالله التوفيق لكن ابن ماجة في آخره نسأل الله لنا ولكم العافية بدل قوله اللهم لا تحرمنا أجره الخ، وبه يتبين وجه اقتصار الشيخ على العزو لابن السني قال الحافظ قال الترمذي بعد تخريجه حديث ابن عباس وفي الباب عن بريدة وعائشة زاد شيخنا في شرحه وفيه أيضًا عن أبي هريرة وابن مويهبة قلت وفيه أيضًا عن أبي رافع ومجمع بن جارية وعبد الله بن عمر وبشير ابن الخصاصية وقد تقدمت

رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى البقيع فقال: "السَّلام عَلَيكُمْ دارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، أنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ، وإنا بِكُمْ لاحِقُونَ، اللهم لَا تَحْرِمْنا أجْرَهُمْ، ولا تُضِلنا بَعْدَهُمْ". ويستحبُّ للزائر الإكثار من قراءة القرآن والذكر، والدعاء لأهل تلك المقبرة وسائر الموتى والمسلمين أجمعين. ـــــــــــــــــــــــــــــ أحاديث عائشة وبريدة وابن عباس وأبي هريرة وحديث مجمع بن جارية بالجيم والراء وتحتية أخرجه الطبراني في الأوسط عن يعقوب بن مجمع عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج في جنازة رجل من بني عمرو بن عوف حتى انتهى إلى المقبرة فقال السلام على أهل الديار من كل موتى ومسلم أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع عافاني الله وإياكم، ثم قال لا يروى عن مجمع إلَّا بهذا السند وفيه عبد العزيز بن عبيد الله قال الحافظ وهو ضعيف وحديث ابن عمر أخرجه البزار في مسنده عنه قال دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البقيع فقال السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين وإنا بكم لاحقون وفي سنده غالب بن عبيد الله ضعيف وحديث بشير واسم أبيه معبد وابن الخصاصية أخرجه أبو نعيم في الحلية ولفظه كحديث ابن عمر أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - البقيع وزاد وإنا إليه راجعون لقد أصبتم خيرًا نجيلًا وسقتم سيرًا طويلًا الحديث وقوله نجيلًا بفتح الموحدة وكسر الجيم وزن عظيم ومعناه أخرجه الطبراني في الكبير من غير الطرق التي أخرجها به أبو نعيم وحديث أبي مويهبة بالموحدة بعد الهاء مصغر ويقال أبو موهبة بلا تصغير لا يعرف اسمه وهو مولى رسول الله قال قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إني قد أمرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي فانطلقت معه فلما وقف عليهم قال السلام عليكم يا أهل المقابر ليهنكم ما أصبحتم فيه الحديث وفيه أنه لما رجع بدأ به وجعه الذي مات فيه قال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن أخرجه أحمد وأخرجه الحاكم وذكر له الحافظ طرقًا وحديث أبي رافع أخرجه ابن سعد من طريق عائشة قالت قال رسول الله إني أمرت أن أستغفر لأهل البقيع فخرج ومعه أبو رافع مولاه فكان أبو رافع يحدث فذكر نحو حديث أبي مويهبة وسنده ضعيف ويجمع بالتعدد فإن رواية يعلى بن عطاء عند أحمد ما يدل عليه اهـ. قوله: (لنَا فَرطٌ) بفتح الفاء والراء وبالطاء المهملتين

ويستحبُّ الإكثار من الزيارة، وأن يكثر الوقوف عند قبور أهل الخير والفضل. ـــــــــــــــــــــــــــــ وسبق الكلام عليه في باب أذكار الصلاة على الميت وفي أحاديث الباب دليل على استحباب زيارة القبور والسلام على أهلها والدعاء لهم والترحم عليهم قال العلماء وزيارة القبور من أعظم الدواء للقلب القاسي لأنها تذكره الموت والدار الآخرة وذلك يحمل على قصر الأمل والزهد في الدنيا وترك الرغبة فيها ولا شيء أنفع للقلوب القاسية من زيارة القبور أي المصحوبة بالتفكر في ذلك والاعتبار بمن سلك من الأهل والإقران في تلك وكيف انقطع عنهم الأهل والأحباب وذهبت آمالهم ولم تنفعهم أموالهم فمن تأمل ذلك كان سببًا لإقباله على مولاه ورقة قلبه وخشوعه. قوله: (ويُسْتحبُّ الإكثَارُ منَ الزيارَةِ) قال الدميري في الديباجة قال العلماء ينبغي لمن أراد علاج قلبه وانقياده بسلاسل القهر إلى طاعة ربه أن يكثر من ذكر هاذم اللذات ومفرق الجماعات ويواظب على مشاهدة المحتضرين وزيارة قبور أموات المسلمين فهذه ثلاثة أمور تنبغي لمن قسي قلبه أن يستعين بها على دوائه فإن النفع بالإكثار من ذلك ولأن قلبه بذاك شاهد المحتضرين والأموات وزار القبور فليس الخبر كالمعاينة وينبغي لزائر القبور أن يتأدب بآداب الزيارة فيدنو من القبر بقدر ما كان يدنو منه لو كان حيًّا وزاره واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أنه يسن للرجل زيارة القبور وهو قول العلماء كافة لا يختلفون في ذلك وكانت زيارتها منهيًا عنها أولًا ثم نسخ بحديث بريدة كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها ولا تقولوا هجرًا والهجر الكلام الباطل فلما استقرت قواعد الإسلام وتمهدت قواعد الأحكام أبيح لهم الزيارة واحتاط - صلى الله عليه وسلم - بقوله ولا تقولوا هجرًا اهـ، ويوجد في بعض الأصول إلحاق زيادة في هذا الباب متعلقة بباب الزائر والمقصود من الزيارة للميت النفع أي بقراءة القرآن والدعاء له وللحي بالتدبر والاعتبار بحال من مضي من الأموات وأنه سيلحق بهم عن قريب.

باب نهي الزائر من رآه يبكي جزعا عند قبر وأمره إياه بالصبر ونهيه أيضا عن غير ذلك مما نهى الشرع عنه

باب نهي الزائر من رآه يبكي جزعًا عند قبر وأمره إياه بالصبر ونهيه أيضًا عن غير ذلك مما نهى الشرع عنه روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أنس رضي الله عنه، قال: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بامرأة تبكي عند قبر فقال: "اتَّقي اللهَ واصْبِري". وروينا في سنن أبي داود، والنسائي، وابن ماجه، بإسناد حسن، عن بشير بن معبد المعروف بابن الخصاصية رضي الله عنه، قال: بينما أنا أماشي النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، نظر فإذا رجل يمشي بين القبور عليه نعلان، فقال: "يا صَاحِبَ السِّبْتِيتَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ باب نهى الزائر من يراه يبكى جذعًا عند قبر وأمره بالصبر ونهيه أيضًا عن ذلك مما نهى الشرع عنه قوله: (رَوَينَا في صَحيحي الْبُخَاريِّ ومُسلمٍ) قال الحافظ وأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي. قوله: (تبكي عنْدَ قبْرٍ) قال الشيخ زكريا في شرح البخاري أي قبر في كما في مسلم تبكي على صبري لها. قوله: (اتقي الله) أي دومي على تقواه بترك الجزع لئلا يعاجلك انتقامه فهو توصية لقوله واصبري أي على مصابك ليعظم ثوابك وهذا من جملة حديث تتمته فقالت إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه فقيل لها إنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتت باب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت لم أعرفك فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما الصبر عند الصدمة الأولى، أي إنما الصبر المحمود أثره عند الصدمة الأولى أي عند مفاجأة المصيبة بفراق الأحباء التي تفتت منها القلوب أما بعد ذلك فيضعف شأنها وتتناسى أحزانها والله أعلم، وسبق في باب التعزية طرف من هذا المعنى. قوله: (وَرَوَينَا في سنَنِ أَبِي دَاوُدَ الخ) قال الدميري في الديباجة ورواه أحمد أيضًا قال الحافظ أخرجه البخاري في الأدب المفرد عن بشير بن معبد المعروف بابن الخصاصية وقيل هو ابن زيد بن معبد الضبي وأمه الخصاصية اسمها كبشة ويقال مادية بنت الحارث الغطريف الأزدي قيل كان اسمه في الجاهلية زحمًا فلما أسلم قال الحافظ وهاجر سماه النبي - صلى الله عليه وسلم - بشير أنزل البصرة وروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما قيل سبعة أحاديث روى له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وروى عنه بشير بن نهيك وجزي بن كليب وامرأته ليلى المعروفة بالجهنية ولها صحبة أيضًا ذكرها أبو نعيم وابن عبد البر وآخرون

ألْقِ سِبْتِيتَيْكَ ... " وذكر تمام الحديث. قلت: السَّبتية: ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي سنن أبي داود أنه مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الدميري في الديباجة لم أر أحدًا عده في مواليه اهـ. وما ذكرته من كون الخصاصية أمه هو ما ذكره ابن عبد البر وجرى عليه ابن حجر الهيتمي في شرح الشمائل وتقدم عن الحافظ في ذكر تخاريج حديث ما يقال عند القبور لكن قال الحافظ ابن حجر وليس كذلك إنما هي إحدى جداته وهي والدة جده الأعلى ضباري بن سدوس وحرر ذلك من ابن الرشاطي وبرهن عليه وجزم به الرامهرمزي والله أعلم، والخصاصية كالكراهية بخاء معجمة وصادين مهملتين وتحتية قال الحافظ في التخريج مخففة وخطأ القاموس تشديدها لكونه ليس في كلامهم فعالية بالتشديد لكن رد بأن الذي لم يوجد مشددًا الخصاصية مصدرًا أما لو كان الخصاصية الفقر والياء للنسبة فلا مانع لأن التعويل في ذلك إلى النقل لا على العقل اهـ. قوله: (أَلْق سبتيَّتيكَ) زاد أبو داود فنظر الرجل فلما عرف النبي - صلى الله عليه وسلم - خلعهما فرمى بهما قال المصنف في المجموع المشهور من مذهبنا أنه لا يكره المشي بين المقابر بالنعلين ونحوهما فممن صرح بذلك الخطابي والعبدري وآخرون ونقله العبدري عن أكثر العلماء وقال أحمد يكره واحتج أصحابنا بحديث أنس مرفوعًا أن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه يسمع قرع نعالهم رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وأجابوا عن حديث ابن الخصاصية بوجهين أحدهما وبه أجاب الخطابي أنه يشبه إنه كرههما لمعنى فيهما لأن النعال السبتية نعال أهل الرفاهية والتنعم فنهى عنها لما فيها مر الخيلاء والثاني لعل كان فيها نجاسة ولهذا يجمع بين الحديثين اهـ، وقال الحكيم الترمذي في نوادره الأمر بخلعهما لأن الميت كان حين مشيه بهما يسأل فلما صدر فعل ذلك الرجل شغل عن جواب الملكين وكاد أن يهلك لولا أن ثبته الله تعالى وقال ابن بطال في شرح البخاري النعال من لباس النبي - صلى الله عليه وسلم - وخيار السلف قال مالك الانتعال من عمل العرب قال وذهب قوم إلى أنه لا يجوز لبس النعال السبتية في المقابر خاصة محتجين بهذا الحديث قال أبو عبيد ذكرت السبتية لأن أكثرهم في الجاهلية كان يلبسها غير مدبوغة إلّا أهل السعة منهم وقال آخرون لا بأس بذلك وحجتهم لباسه - صلى الله عليه وسلم - للنعال السبتية وفيه الإسوة الحسنة ولو كان لباسهما بين القبور ولا يجوز لبس

باب البكاء والخوف عند المرور بقبور الظالمين وبمصارعهم وإظهار الافتقار إلى الله تعالى والتحذير من الغفلة عن ذلك

النعل التي لا شعر عليها، وهي بكسر السين المهملة وإسكان الباء الموحدة، وقد أجمعت الأمة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودلائله في الكتاب والسنة مشهورة والله أعلم. باب البكاء والخوف عند المرور بقبور الظالمين وبمصارعهم وإظهار الافتقار إلى الله تعالى والتحذير من الغفلة عن ذلك روينا في "صحيح البخاري" عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه -يعني لما وصلوا الحِجر ديار ثمود-: "لا تَدْخُلوا على هَؤلاءِ المُعَذَّبِينَ إلَّا أنْ تكُونُوا باكينَ. فإنْ لَمْ تكونوا باكينَ، فَلا تَدْخُلُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك لأمته ولما ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى في نعليه علم أن دخول المسجد بالنعل غير مكروه فكان المشي بها بين المقابر أحرى أن يكون غير مكروه اهـ. قوله: (النَّعلُ التي لَا شعْرَ علَيهَا) هذا قول جمهور أهل اللغة والغريب وقال الهروي لأنها أسبتت بالدباغ أي لانت وقال أبو زيد السبت جلد البقر مدبوغة كانت أو غير مدبوغة وقال ابن وهب النعال السبتية كانت سوداء لا شعر فيها وقال الداودي أنها منسوبة إلى سوق السبت نقله ابن رسلان في شرح سنن أبي داود. باب البكاء والخوف عند المرور بقبور الظالمين وبمصارعهم وإظهار الافتقار إلى الله تعالى والتحذير من الغفلة عن ذلك قوله: (وَرَوَينَا في صَحيحِ الْبُخَاريِّ) قال الحافظ أخرجه البخاري في أربعة مواضع من صحيحه ليس فيها هذا اللفظ قال الحافظ وحديث مالك أخرجه الدارقطني وذكر إن القعنبي أخرجه في زيادات الموطأ ولم يخرجه أكثر من روي الموطأ فيه ولم ينفرد بالحديث مالك فقد أخرجه مسلم من غير طريقه ويتعجب من إغفال الشيخ له وأخرجه النسائي في الكبرى وله شاهد من حديث أبي هريرة في آخر فوائد تمام بلفظه وفيه راو واهي وآخر عن أبي كبشة عند أحمد ولفظه لما كان في غزوة تبوك تسارع النّاس إلى أهل الحجر يدخلون فنادى رسول الله الصلاة جامعة فأتيته وهو يقول ما تدخلون

كتاب الأذكار في صلوات مخصوصة

عَلَيْهِمْ لَا يُصِيبُكُم ما أَصَابَهُمْ". كتاب الأذكار في صلوات مخصوصة باب الأذكار المستحبة يوم الجمعة وليلتها والدعاء يستحبُّ أن يكثر في يومها وليلتها من قراءة القرآن والأذكار والدعوات، والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويقرأ (سورة الكهف) في يومها. ـــــــــــــــــــــــــــــ على قوم غضب الله عليهم الحديث وسنده حسن اهـ. قوله: (لَا يُصيبكم) أي فلا تدخلوا عليهم إن لم تكونوا باكين لئلا يصيبكم ما أصابهم أي مثل الذي أصابهم أو مثل ما أصابهم فما موصولة اسمي أو حرفي اهـ، والله سبحانه وتعالى أعلم. كتاب الأذكار في صلوات مخصوصة باب الأذكار المستحبة يوم الجمعة وليلتها والدعاء قوله: (يَوْمَ الجُمعةِ) بضم الجيم وتثليث الميم والضم أفصح سميت بذلك لاجتماع الناس لها أو لاجتماع خلق آدم فيها أو لأنه جمع فيها مع حواء وكان يومها يسمى في الجاهلية يوم العروبة أي الشيء المعظم وكانوا يسمون الأحد أول والاثنين أهون والثلاثاء جبارًا والأربعاء دبارًا والخميس مؤنسًا والسبت شبارًا قال الشاعر: أؤمل أن أعيش وإن يومي ... بأول أو بأهون أو جبارا أو التالي دبارًا فإن أفته ... فمؤنس أو عروب أو شبارا قوله: (ويُسْتحَبُّ أَنْ يُكْترَ الخ) أي لكونها من الزمان الشريف وبه ينمو العمل ولرجاء أن يصادف ساعة الإجابة. قوله: (والصلاة عَلَى النبي - صلى الله عليه وسلم -) أي للأخبار الصحيحة الآمرة بذلك والناصة على ما فيه من عظم الفضل والثواب المذكورة في القول البديع للسخاوي ومختصراته وسبق بعضها في كتاب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذا الكتاب ويؤخذ منها أن الإكثار منها فيها أفضل منه بذكر أو قرآن لم يرد بخصوصه. قوله: (ويَقرَأُ سُورَة الْكَهفِ في يَوْمهَا) أي وأفضله أوله مبادرة بالخير أي لحديث الحاكم والبيهقي في الشعب عن أبي سعيد مرفوعًا من قرأها يوم الجمعة

قال الشافعي رحمه الله في كتاب "الأم": وأستحبُّ قراءتها في ليلة الجمعة. روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: "فيهِ ساعَةٌ لا يُوافِقُها عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يصلِّي يَسْألُ اللهَ تَعَالى شَيئا إلَّا أعْطَاهُ إيَّاهُ"، وأشار بيده يقلِّلها. قلت: اختلف العلماء من السلف والخلف في هذه الساعة، على أقوال كثيرة منتشرة غاية الانتشار، وقد جمعتُ الأقوال المذكورة فيها كلَّها في "شرح المهذب" وبينتُ قائلها، وأن كثيرًا من الصحابة على أنها بعد العصر. والمراد بقائم يصلي: من ينتظر الصلاة، فإنه في صلاة. وأصحُّ ما جاء فيها: ما رويناه في "صحيح مسلم" عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "هيَ ما بَينَ أنْ يَجْلِسَ الإِمام إلى أن تُقْضَى الصَّلاةُ" يعني يجلس على المنبر. ـــــــــــــــــــــــــــــ أضاء له من النور ما بين الجمعتين. قوله: (واستُحِبَّ قرَاءَتهَا أَيضًا في لَيْلةِ الجُمعةِ) أي لخبر الدرامي عن أبي سعيد موقوفًا عليه من قرأها ليلة الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق والأفضل قراءتها في أول الليل لما سبق في نظيره من النهار وحكمة قراءتها فيها اشتمالها على ذكر القيامة وأهوالها ومقدماتها وهي تقوم يوم الجمعة كما في صحيح مسلم ولشبهها بها في اجتماع الخلق فيها. قوله: (وَرَوَينَا في صَحيحي الْبُخَارِيِّ الخ) وأخرجه أحمد والنسائي وأبو عوانة وسقط في رواية بعضهم قوله وهو قائم وأشار إليه الحافظ. قوله: (وقَدْ جَمعْتُ الأَقْوال فيهَا في شَرْحِ المهذَّبِ) الذي ذكره فيه أحد عشر قولًا وقد تتبعها جماعة بعده فزادت أضعافا وانتهت إلى أكثر من الأربعين قولًا كليلة القدر في العدد والاختلاف هل تختص بوقت معين أو تنتقل وقد نقلناها في باب ما يقال صبيحة الجمعة. قوله: (وأَصَحُّ مَا جاءَ فيهَا الخ) تقدم تخريجه فيما يقال صبيحة الجمعة وذكر الشيخ هناك أنه الصواب وكذا قال في الروض أنه لا يجوز غيره وهو خلاف أول الكلام حين قال يستحق أن يكثر الدعاء يومها رجاء ساعة الإجابة ولعله رجع عن هذا التعيين اختيارًا والله أعلم اهـ.

أما قراءة سورة الكهف، والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاءت فيهما أحاديث مشهورة تركت نقلها لطول الكتاب لكونها مشهورة، وقد سبق جملة منها في بابها. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (وَأَمَا قرَاءَةَ سُورَةِ الْكَهفِ والصلاةُ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - الخ) لم يسبق لقراءة سورة الكهف ذكر وسبق للصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - كتاب معقود لذلك ليس فيه تقييد بيوم الجمعة سوى حديث أوس بن أوس أما قراءة سورة الكهف فأقوى ما ورد فيها كما قال الحافظ حديث أبي سعيد قال قال - صلى الله عليه وسلم - من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له ما بينه وبين البيت العتيق قال الحافظ بعد تخريجه في رواية أضاء له من النور ما بين الجمعتين ثم أشار الحافظ إلى أن بعض طرقه وقع فيها الاختلاف على بعض رواته كهشيم في رفعه ووقفه لكن الذين وقفوه أكثر وأحفظ وله مع ذلك حكم المرفوع إذ لا مجال للرأي فيه واختلف على شعبة فيه كذلك وأخرجه الحاكم عنه في المستدرك مرفوعًا وموقوفا ثم قال ورجال الموقوف في هذه الطرق أتقن من رجال المرفوع وفي الباب عن علي بن أبي طالب وزيد بن خالد أخرجهما ابن مردويه بسند ضعيف وعن عائشة أخرجه أبو الشيخ في كتاب الثواب بسند ضعيف وعن ابن عباس وابن عمر ومعاذ بن أنس الجهني وأما ما نقل الشيخ عن الشافعي إنه قال واستحب قراءتها ليلة الجمعة أيضًا فقد وقع في حديث أبي سعيد في بعض الطرف مقيدًا بالليلة دون اليوم قال الحافظ ووقع في حديث ابن عباس الجمع بينهما بأن المراد اليوم بليلته والليلة بيومها وحديث ابن عباس الذي جمع بينهما أخرجه أبو الشيخ عبد الله بن محمد الأصبهاني في كتاب الثواب فقال عن سوار عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قرأها في يوم الجمعة كان له نوركما ما بين صنعاء وبصرى ومن قرأها في يوم الجمعة قدم أو أخر حفظ إلى الجمعة الأخرى فإن خرج الدجال في ثانيتها لم يضره وسوار وهو ابن مصعب أحد رواته ضعيف وعن ابن عمر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قرأ يوم الجمعة سورة الكهف سطع له نور من تحت قدميه إلى عنان السماء يضيء له ليوم الجمعة وغفر له ما بين الجمعتين أخرجه الضياء في المختارة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومقتضاه أنه عنده حسن وفيه نظر وكذا ذكر المنذري في الترغيب أنه لا بأس به فإما أن يكون خفي عليهما حال محمد بن خالد يعني المقدسي أحد رواته فقد تكلم فيه ابن منده وإما مشياه لشواهده وحديث أخرجه أحمد والطبراني وسنده ضعيف وليس مقيدًا بيوم الجمعة وعن إسماعيل بن رافع قال بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ألا أخبركم عن سورة ملأ عظمها ما بين السماء والأرض من قرأها يوم الجمعة غفر له إلى الجمعة الأخرى وأعطي نورًا إلى السماء ووقي فتنة الدجال قال الحافظ بعد تخريجه هذا سند معضل لأن إسماعيل بن رافع من أتباع التابعين وخبره هذا شاهد لحديث عائشة لأنه يوافقه في أكثر ألفاظه فلعل راويه هو الذي بلغ إسماعيل وله شاهد آخر مرسل من رواية الجريري (مصغرًا) عن بعض التابعين عن الضريس وذكر أبو عبيد أنه وقع في رواية شعبة من قرأها كما أنزلت وأوله على أن المراد يقرأها بجميع القراءات قال الحافظ وفي تأويله نظر والذي يتبادر أن يقرأها كلها من غير نقص حسا ولا معنى وقد يشكل عليه ما ورد من زيادة آخر وليس في المشهور مثل سفينة صالحة ومثل وأما الغلام فكان كافرًا ويجاب بأن المراد للتعبد بتلاوته ورواية شعبة التي أشار إليها وقعت في رواية محمد بن سفيان عن يحيى بن كثير عنه عند ابن مردويه وأما حديث الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة وليلتها فمنها حديث أبي هريرة قال قال - صلى الله عليه وسلم - أكثروا عليَّ من الصلاة في الليلة الزهراء واليوم الأزهر يعني يوم الجمعة فإن صلاتكم تعرض علي أخرجه (الحافظ من طريق أبي نعيم الحافظ عن الطبراني في الأوسط قال الطبراني لا يروى إلّا بهذا الإسناد، تفرد به أبو داود قال الحافظ وهو ثقة لكن الراوي عنه وهو عبد المنعم بن بشير متفق على ضعفه ومنها عن أنس قال قال - صلى الله عليه وسلم - أكثروا على الصلاة يوم الجمعة وليلة الجمعة فمن صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرًا قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث غريب وآخره مشهور وفي السند إنقطاع بين أبي إسحاق وأنس وعن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة علي نور على الصراط فمن صلى علي الجمعة ثمانين مرة غفرت له ذنوب ثمانين سنة قال الحافظ بعد تخريجه حديث غريب أخرجه أبو نعيم وفي سنده أربعة ضعفاء وعن أنس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن أقر بكم مني محلًا يوم القيامة أكثركم على صلاة ومن صلى علي يوم الجمعة وليلة الجمعة قضى الله

وروينا في ـــــــــــــــــــــــــــــ له مائة حاجة قال الحافظ حديث غريب أخرجه البيهقي هكذا من فضائل الأوقات ولم يضعفه ولأول الحديث شاهد من حديث ابن مسعود أخرجه الترمذي وحسنه وصمححه ابن حبان ومنها عن أبي مسعود قال قال - صلى الله عليه وسلم - أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة فإنه ليس يصلى عليّ أحد إلَّا عرضت على صلاته هذا حديث غريب فيه أبو رافع واسمه إسماعيل بن رافع فيه ضعف وللحديث شاهد أخرجه الطبراني عن أنس وشاهد مرسل عن الحسن أخرجه إسماعيل القاضي في كتاب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولفظه فإن صلاتكم تعرض علي ورواه من وجهين آخرين بدون هذه الزيادة ومنها عن أبي هريرة قال قال - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يوم الخميس بعث الله ملائكة معهم صحف من فضة وأقلام من ذهب يكتبون أكثر النّاس صلاة على محمد ليلة الجمعة حديث غريب فيه عمرو بن جرير قال، الدارقطني قال الحافظ ينجبر بما تقدم اهـ، وفي الباب، أحاديث أخر وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن ابن عباس قال قال - صلى الله عليه وسلم - من قرأ السورة التي ذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلى الله عليه وملائكته حتى تجب الشمس قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث غريب قال الطبراني في المعجم الأوسط لم يرو عن يزيد بن جابر إلّا يزيد بن سنان ولا عنه إلّا طلحة بن زيد، تفرد به محمد بن ماهان قال الحافظ وطلحة ضعيف جدًّا، نسبه أحمد وأبو داود إلى الوضع، وعن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قرأ ليلة الجمعة سورة يس وحم الدخان، قال الحافظ بعد تخريجه حديث غريب أخرجه الترمذي مقتصرأ على سورة الدخان وقال لا نعرف إلَّا من هذا الوجه وهشام بن زيادة ضعيف في الحديث اهـ، وأخرجه أبو يعلى وذكر السورتين لكن لم يقيد يس بالجمعة وله شاهد مرسل عن عبد الله بن عيسى أخبرت أن من قرأ حم الدخان في ليلة الجمعة إيمانًا وتصديقا بها أصبح مغفورًا له قال الحافظ بعد تخريجه هذا إسناد مقطوع وله حكم المرفوع إذ لا مجال للاجتهاد فيه ولأصل المتن شواهد أخرى كلها ضعيفة ومنقطعة وأخرجه الطبراني بسند موصول إلى أبي أمامة مرفوعًا وسنده ضعيف أيضًا ولكن كثرة الطرق يقوي بعضها بعضًا وبالله التوفيق اهـ. قوله: (وَرَوَينَا في

كتاب ابن السني، عن أنس رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قال صَبيحَةَ يَوْمِ الجُمُعَةِ قَبْلَ صَلاةِ الغَدَاةِ: أَسْتَغْفِرُ الله الذي لا إلهَ إلَّا هُوَ الحَيُّ القَيُّومَ وأتُوبُ إلَيهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ". وروينا فيه عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل المسجد يوم الجمعة أخذ بعضادتي الباب ثم قال: "اللهُم اجْعَلْني أوْجَهَ مَنْ تَوَجَّهَ إلَيْكَ، وأقْرَبَ مَنْ تَقَرَّبَ إلَيكَ، وَأفْضَلَ مَنْ سَألكَ وَرَغِبَ إلَيكَ". قلت: يستحب لنا نحن أن نقول: "اجْعَلْني مِنْ أوْجَهٍ مَنْ تَوَجَّهَ إلَيْكَ ومِنْ أقْرَبِ وَمِنْ أفْضَلٍ" فنزيد لفظة "من". وأما القراءة المستحبة في صلاة الجمعة، وفي صلاة الصبح يوم الجمعة، فتقدَّم بيانها في باب أذكار الصلاة. وروينا في كتاب ابن السني، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله ـــــــــــــــــــــــــــــ كِتَاب ابْن السني الخ) سبق الكلام عليه فيما يقول بعد ركعتي الفجر. قوله: (وأستحبُّ قرَاءَتَها في ليْلَةِ الجُمعَةِ) لخبر الدارمي عن ابن مسعود موقوفًا عليه من قرأها ليلة الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق والأفضل قراءتها في أول الليلة لما سبق وحكمة قراءتها فيهما اشتمالها على ذكر القيامة وأهوالها ومقدماتها وهي تقوم يوم الجمعة كما في مسلم ولشبهها بها لاجتماع الخلق فيها. قوله: (قبلَ صلاةِ الغدَاةِ) أي صلاة الصبح وفي الحديث إطلاق الغداة على الصبح والمختار عدم كراهته. قوله: (أَخذ بِعضادَتي البَاب) بكسر العين المهملة وبالضاد المعجمة ثم الدال المهملة بعد الألف معروفان. قوله: (وَرَوَينَا فيهِ الخ) قال الحافظ أخرجه أبو نعيم في كتاب الذكر وفي سنده راويان مجهولان قال الحافظ وقد جاء من حديث أم سلمة لكن بغير قيد ثم روي عنها قالت كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج إلى الصلاة قال اللهم اجعلنى أقرب من تقرب اليك وأوجه من توجه إليك وأنجح من سألك ورغب إليك يا الله وسنده ضعيف أيضًا. قوله: (وَرَوَينَا في كِتَابِ ابْن السُّني الخ) قال الحافظ سنده ضعيف وينبغي أن يقيد بما بعد الذكر المأثور في الصحيح وله شاهد من مرسل مكحول أخرجه سعيد بن

فصل

- صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَرأ بَعْدَ صَلاةِ الجُمُعَةِ: قُلْ هُوَ اللهُ أحدٌ، وَقُلْ أعُوذُ بَرِبّ الفَلَقِ، وقُلُ أعُوذُ برَبِّ النَّاس، سَبع مَراتٍ، أعاذَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِها مِنَ السُّوءِ إلى الجُمُعَةِ الأخْرَى". فصل: يستحبُّ الإكثار من ذِكر الله تعالى بعد صلاة الجمعة، قال الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ منصور في السنن عن فرج بن فضالة عنه وزاد في أوله فاتحة الكتاب وقال في آخره كفر الله عنه ما بين الجمعتين وكان معصومًا وفرج ضعيف أيضًا. قوله: (من قَرَأَ الخ) في بعض الروايات الحاق الفاتحة سبعا بذلك أخرج أبو الأسعد القشيري في الأربعين عن أنس قال قال - صلى الله عليه وسلم - من قرأ إذا سلم الإِمام يوم الجمعة قبل أن يثني رجله فاتحة الكتاب {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1]، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] سبعًا سبعًا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر زاد في رواية وأعطي من الأجر عدد من آمن بالله ورسوله وفي رواية أي فيها إسقاط الفاتحة بزيادة قبل أن يتكلم حفظ له دينه ودنياه وأهله وولده "فائدة" الخصال المكفرة للذنوب المتقدمة والمتأخرة جمعها الحافظ ابن حجر في جزء ولخصه الحافظ السيوطي في جزء وجملة ما تحصل من ذلك من الأحاديث سبعة عشر خصلة وقد نظمها الحافظ السيوطي في أبيات من بحر سلسلة الرمل فقال: قد جاء عن الهادي وهو خير نبي ... أخبار مسانيد قد رويت باتصال في فضل خصال غافرات ذنوب ... ما قدم أو أخر للمسيآت بإفضال حج ووضوء قيام ليلة قدر ... والشهر وصوم له ووقفة إقبال أمين وفي الحشر ثم ومن قا ... د أعمى وشهيد إذ المؤذن قد قال سعى لأخ والضحا وعند لباس ... حمد ومجيء من إيلياء باهلال في جمعة يقرأ قلاقلا وجاء ... مع ذكر صلاة على النبي مع الآل وسأذكر الخصال مع أحاديثها إن شاء الله في آداب الطعام. فصل قوله: (يُستَحبُّ الإكْثَارُ منْ ذِكرِ الله تَعَالى) أي ومن الدعاء رجاء مصادفة

باب الأذكار المشروعة في العيدين

فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10]. باب الأذكار المشروعة في العيدين اعلم أنه يستحبُّ إحياء ليلتي العيدين في ذكر الله تعالى، والصلاة، وغيرهما من الطاعات، ـــــــــــــــــــــــــــــ ساعة الإجابة فإن المصنف وغيره لا يجزم بكونها فيما ذكر إنما هي فيه أرجى من غيرها كما قيل به في ليلة القدر عند الشافعي إحدى وعشرون أو ثلاث وعشرون قالوا فالمراد إنها عندها أرجى ما تكون في ذلك لا أنه مقطوع بأنها هي وبه يندفع ما سبق عن الحافظ في باب ما يقال في صبيحة الجمعة أن الشيخ قال يستحب الدعاء يوم الجمعة رجاء مصادفة ساعة الإجابة فيخالف ما صوبه هنا من كونها من جلوس الخطيب على المنبر إلى أن تنقضي الصلاة قال ولعله رجع عن التعيين اختيارًا والله أعلم. قوله: (فانْتشِرُوا في الأَرْضِ) هذا أمر إباحة بقول إذا فرغتم من الصلاة فانتشروا في الأرض يعني للتجارة والتصرف في حوائجكم وابتغوا من فضل الله أي من رزقه، كان عمر إذا صلى الجمعة انصرف فقال اللهم اني أجبت دعوتك وصليت فريضتك وانتشرف كما أمرتني فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين، وقال جعفر بن محمد في قوله تعالى: (وَابتغُوا مِن فَضْلِ اللهِ) [الجمعة: 10] أنه العمل يوم السبت وعن الحسن وسعيد بن المسيب طلب العلم وقيل صلاة النافلة وعن ابن عباس لم يؤمروا بشيء من الدنيا إنما هو عيادة المرضى وحضور الجنائز وزيارة أخ في الله تعالى. قوله: (واذْكُروا الله كَثِيرًا) أي بالطاعة وباللسان وبالشكر على ما أنعم عليكم به من التوفيق لأداء فريضته لعلكم تفلحون أي كي تفحلون كذا في تفسير القرطبي. باب الأذكار المشروعة في العيدين تثنية العيد مأخوذ من العود وهو التكرار لتكررهما كل عام أو لعود السرور بعددهما أو لكثرة عوائد الله أي إفضاله على عبادة فيهما أو لعود كل فيه لقدره ومنزلته هذا بضيف وذاك يضاف وذا يرحم وذاك يرحم، وأصله عود قلبت الواو ياء لسكونها

للحديث الوارد في ذلك: "مَنْ أحْيا لَيلَتي العِيدين، لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ القُلُوبُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وانكسار ما قبلها، وجمع على أعياد مع أن كون أصله بالواو يقتضي جمعه على أعواد فرقا بذلك بينه وبين أعواد الخشب، وقيل سمي عيدا لشرفه من العيد وهو محل كريم مشهور تنسب إليه الإبل العيدية نقل هذا الأخير العراقي في شرح الترمذي ومن خطه نقلت قوله: (للْحَديثِ الوَارِدِ مَنْ أَحيَا لَيلتي العِيدِ الخ) قال الحافظ بعد تخريجه عن عبادة بن الصامت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال "من أحيا ليلة الفطر وليلة الأضحى لم يمت قلبه يوم تموت القلوب" هذا حديث غريب مضطرب الإسناد وعمرو بن هارون ضعيف وقد خولف في صحابيه وفي رفعه. أما الأول فأخرجه ابن ماجة من طريق أخرى وقال عن أبي أمامة بدل عبادة ورفعه، وقال من أحيا ليلة العيد لله محتسبًا والباقي مثله وتقية الراوي صدوق لكنه كثير التدليس وقد رواه بالعنعنة. وأما الثاني فأخرجه الحافظ من طريق أخرى عن أبي الدرداء فذكر مثل حديثه لكن موقوفًا وخالد يعني ابن معدان الراوي للحديث عن عبادة وعن غيره ممن ذكر لم يسمع من أبي الدرداء ولا من عبادة وسمع من أبي أمامة وأخرجه ابن شاهين من وجه آخر عن أبي أمامة مرفوعًا وفي سنده ضعيف ومجهول، وله طرق أخرى عن صحابي آخر أخرجه الحسن بن سفيان عن مروان بن سالم بن كردوس عن أبيه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من أحيا ليلة العيد وليلة النصف من شعبان لم يمت قلبه يوم تموت القلوب" ومروان متروك وشيخه لا يعرف اسمه ولا له ولا لأبيه ذكر إلَّا من جهة مروان وله طريق آخر عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من أحيا الليالي الأربع وجبت له الجمعة ليلة التروية وليلة عرفة وليلة النحر وليلة الفطر" قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث غريب في سنده راو متروك اهـ. قوله: (يَومَ تَمُوتُ الْقلُوب الخ) أي بمحبة الدنيا حتى تضل عن الآخرة كما جاء لا تجالسوا هؤلاء الموتى يعني أهل الدنيا، وقال بعضهم لم يمت قلبه أي لم يتحير قلبه في النزع ولا في القبر ولا في القيامة، وفي شرح الوسيط لابن الصلاح ويوم تموت القلوب هو يوم القيامة إذا غمرها لعظم الحزن والهول، وقد ذكر الصيدلاني أنه لم يرد في الفضائل مثل هذا لأن ما أضيف إلى القلب لعظم لقوله تعالى: (فَإِنَّهُ آثِمٌ قلبُهُ) [البقرة: 283].

وروي: "مَنْ قامَ لَيْلَتي العِيدَيْنِ لِلهِ مُحْتَسِبًا لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يومَ تَمُوتُ القُلُوبُ" هكذا جاء في رواية الشافعي وابن ماجه، وهو حديث ضعيف رويناه من رواية أبي أمامة مرفوعًا وموقوفا، وكلاهما ضعيف، لكن أحاديث الفضائل يتسامح فيها كما قدمناه في أوَّل الكتاب. واختلف العلماء في القدر الذي يحصل به الإحياء، فالأظهر أنه لا يحصل إلا بمعظم الليل، وقيل: يحصل بساعة. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (ورُويَ مَنْ قَامَ لَيلتَي العيدين الخ) المضاف إلى المثنى يجوز فيه ثلاث لغات. الأولى وهي أفصحهن جمع المضاف نحو (فَقَد صَغَت قُلُوبُكُمَا) [التحريم: 4] والثانية تثنيتهما. والثالثة إفراده، والحديث على هذه الرواية من هذا وفي نسخة مصححة ليلتي بالتثنية فهو من الثاني وقد رواه الطبراني كما في الجامع الصغير عن عبادة بن الصامت مرفوعًا من أحيا ليلة الفطر وليلة الأضحى لم يمت قلبه يوم تموت القلوب وتقدم تخريجه في كلام الحافظ. قوله: (لكِنْ أَحادِيثُ الفَضائِل يَتسَامحُ فيهَا) أي ويعمل بضعيفها قال الأذرعي ويؤخذ من هذا عدم تأكد الاستحباب وهو الصواب اهـ. لكن في الروض يتأكد استحباب إحياء ليلتي العيد الخ، ونقل الشيخ زكريا كلام الأذرعي في شرحه وسكت عليه. قوله: (لَا يحْصُلُ إلا بمُعظَم اللَّيلِ) أي كالمبيت بمنى وفي شرح الروض كالمبيت بمزدلفة، والظاهر أنه من تحريف الكتاب لأن الواجب في مبيتها لحظة من النصف الثاني لا معظم الليل. قوله: (وقيلَ يَحصل بِسَاعةٍ) أي كالمبيت بمزدلفة، وعن ابن عباس بصلاة العشاء جماعة والعزم على صلاة الصبح جماعة كما نقله المصنف عن القاضي حسين عن ابن عباس بعد نقل القولين المذكورين هنا قال والمختار ما قدمته اهـ. قال بعض المتأخرين يحصل أصل الفضل في القيام بصلاة العشاء جماعة وإن لم يصل الصبح فيها لحديث من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل وواضح أنه يقال فلان قام الليل والليلة إذا قام نصفه، وقد استقر أمر الصحابة على قيام نصف الليل أو أنقص منه ولا شبهة في تسميتهم في كل ذلك قيامًا وأكمل منه أن يعزم على صلاة الصبح في جماعة ثم يصليها كذلك للحديث ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله وأكمل من ذلك أن يزيد على ذلك بنوافل

فصل

فصل: ويستحبُّ التكبير ليلتي العيدين، ويستحبُّ في عيد الفطر من غروب الشمس إلى أن يُحرم الإِمام بصلاة العيد، ويستحبُّ ذلك خلف الصلوات وغيرها من الأحوال. ويكثر منه عند ازدحام النّاس، ويكبر ماشيًا وجالسا ومضطجعا، وفي طريقه، وفي المسجد، وعلى فراشه. وأما عيد الأضحى، فيكبر فيه من بعد صلاة الصبح يومَ عرفة إلى أن ـــــــــــــــــــــــــــــ يصليها في تلك الليلة سوى رواتب الصلاة والوتر ليحصل الأكمل في القيام والله أعلم. فصل في التكبير المرسل ويقال له المطلق لعدم تقييده بصلاة ولا غيرها على المختار بخلاف التكبير المقيد قوله: (ويُستَحَبُّ في عِيدِ الْفِطرِ الخ) قالوا تكبيره آكد من تكبير ليلة النحر للنص عليه. أخرج البيهقي عن الشافعي قال قال الله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] فقال سمعت بعض من أوعى من أهل العلم بالقرآن يقول ولتكملوا عدة شهر رمضان بصوم ولتكبروا الله على ما هداكم عند إكماله. قوله: (إِلى أَنْ يُحْرمَ الإمامُ بصلاةِ الْعيدِ) أي إن صلى جماعة فإن صلى منفردا فالعبرة بإحرام نفسه فإن قصد ترك الصلاةَ بالكلية فالظاهر أن العبرة بتحريم الإِمام. قوله: (ويُستحبُّ ذَلِكَ خَلْفَ الصَّلواتِ) أي لكونه من جملة الوقت الذي يشرع فيه التكبير فمشروعيته خلفها لذلك لا بخصوصه، ويدل عليه قوله وغيرها من سائر الأحوال، وبهذا التأويل يوافق كلامه هنا ما صححه في باقي كتبه من أن هذا التكبير لا يسن عقب الصلوات إذ لم ينقل، وبهذا التأويل لعبارة الأذكار يعلم ما في قول بعض المتأخرين إنه صحح في الأذكار استحبابه عقب الصلوات، ويسن تأخر هذا التكبير عن أذكار الصلوات بخلاف التكبير المقيد فيقدم عليها وكذا يستحب التكبير المرسل في عيد الأضحى من غروب الشمس إلى أن يحرم الإِمام بالصلاة، ويشرع التكبير ليلته لغير الحاج وأما هو فيلبي إلى شروعه في أسباب التحلل لأنه شعاره، والمعتمر يلي إلى شروعه في الطواف. قوله: (وأَمَّا الأضْحى فَيكبِّرُ فيهِ) أي تكبرا مقيدا عقب الصلوات

يصلي العصر من آخر أيام التشريق، ويكبِّر خلف هذه العصر ثم يقطع، هذا هو الأصحُّ الذي عليه العمل، وفيه خلاف مشهور في مذهبنا ولغيرنا، ولكن الصحيح ما ذكرناه. وقد جاء فيه أحاديث رويناها في سنن البيهقي، وقد أوضحتُ ذلك كله من حيث الحديث ونقل المذهب في "شرح المهذب" وذكرت جميع الفروع المتعلقة به، وأنا أشير هنا إلى مقاصده مختصرة. قال أصحابنا: ـــــــــــــــــــــــــــــ وسكت عن التكبير المرسل في الأضحى اختصارا أو لعدم عمومه إذ الحاج يسن له التلبية حينئذٍ. قوله: (ويُستحبُّ ذَلِكَ الخ) يوهم أن الاستحباب المذكور يختص بعيد الفطر وليس كذلك بل يشمل العيدين كما صرح به في الروض والمجموع اهـ، وكون المبدأ صبح يوم عرفة والمنتهى عصر آخر أيام التشريق بالنسجة لغير الحاج على الأصح من ثلاثة أقوال في ذلك، أما الحاج فيبدأ من ظهر يوم النحر لأنها أول صلاة يصليها بعد التحلل ويختم بصبح آخر أيام التشريق لأنه آخر صلاة يصليها بمنى أي إن فعل بالأفضل من تأخير النفر وصلاة الظهر بالمحصب والمعتمر يكبر في هذه الأيام الثلاث وإن لم يقطع التلبية إلَّا عند الطواف، وصريح كلام المصنف هنا أن التكبير لا يدخل وقته إلَّا بفعل الصبح أي لغير الحاج والظهر للحاج وأنه ينقطع بفعل العصر والصبح للثاني فلا يكبر عقب ما صلاه قبل الأولين ولا بعد الآخرين ولو في الوقت، ثم هذا كله في التكبير الذي يسن رفع الصوت به لغير امرأة وخنثى بحضرة أجنبي ويجعله شعارا، أما لو استغرق عمره بالتكبير في نفسه فلا منع كما نقله في الروضة عن الإِمام وأقره. قوله: (وقَدْ جاءَت فِيهِ أَحادِيثٌ الخ) قال في الخلاصة عن نافع أن ابن عمر كان يغدو إلى العيد من المسجد، وكان يرفع صوته بالتكبير حتى يأتي المصلى ويكبر حتى يأتي الإِمام رواه البيهقي وقال هذا هو الصحيح موقوف على ابن عمر قال وروي مرفوعًا وهو ضعيف ولفظه عن ابن عمر كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرج في العيدين مع الفضل بن عباس وعبد الله

لفظ التكبير أن يقول: "اللهُ أكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ"، هكذا ثلاثًا متواليات، ويكرر هذا على حسب إرادته. قال الشافعي والأصحاب: فإن زاد فقال: "الله أكْبَرُ كَبِيرًا، والحَمْدُ لِلهِ كَثيرًا، وَسُبْحانَ الله بُكْرَةً وأصِيلا، لا إلهَ إلَّا اللهُ، وَلا نَعْبدُ إلَّا إياهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الكافِرُونَ، لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بن عباس وعلي وجعفر والحسن والحسين وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة وأيمن ابن أم أيمن رافعًا صوته بالتهليل والتكبير فيأخذ طريق الحدادين حتى يأتي المصلى، وإذا فرغ رجع على الحدادين حتى يأتي منزله، وفي رواية يكبر يوم الفطر من حين يخرج من بيته حتى يأتي المصلى وكلاهما ضعيف، قال البيهقي وإنه، الحديث محفوظ عن ابن عمر موقوف، قال وروي عن علي وجماعة من الصحابة مثله، وروى الشافعي مثله عن جماعة من التابعين تكبيرهم ليلة الفطر في المسجد يجهرون به ضعيف، والأحاديث الواردة في التكبير. منها أحاديث علي وعمار وجابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر من صبح يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق، وفي رواية جابر لفظ التكبير الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلَّا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد رواها الدارقطني بأسانيد ضعيفة، وفي رواية عن جابر موقوفًا أنه قال الله أكبر ثلاثًا عن ابن عباس مثله وقول الحاكم رواية علي وعمار صحيحة مردود وقد أنكرها البيهقي وغيره من المحققين وضعفوها، قال الحاكم وصح التكبير من صبح يوم عرفة إلى العصر آخر أيام التشريق من فعل عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم اهـ. قوله: (أَمَّا لَفْظُ التكبير الخ) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما كان - صلى الله عليه وسلم - إذا كان غداة عرفة أقبل على الصحابة فقال على مكانكم الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلَّا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد أخرجه الحاكم ثم أخرج عن سعيد بن أبي هند عن جابر إنه سمعه يكبر في الصلاة أيام التشربق الله أكبر الله أكبر ثلاثًا وكان ابن عباس يكبر من غداة عرفة إلى آخر أيام النفر إلّا المغرب فيقول الله أكبر الله أكبر ولله الحمد على ما هدانا ثلاثًا متواليات اتباعًا للسلف والخلف. قوله: (قَال الشَّافعِيُّ) أي في الأم. قوله: (بكْرةً وَأَصِيلًا) أي أول النهار

فصل

صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ، لا إلهَ إلَّا اللهُ واللهُ أكْبَرُ، كانَ حَسنا". وقال جماعة من أصحابنا: لا بأس أن يقول ما اعتاده النّاس، وهو: "اللهُ أكْبَرُ، اللَّهُ أكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، لا إلهَ إلَّا اللهُ واللهُ أكْبَرُ اللهُ أكْبَرُ، وَلِلَّهِ الحَمْدُ". فصل: اعلم أن التكبير مشروع بعد كل صلاة تصلى في أيام التكبير، سواء كانت فريضة أو نافلة، أو صلاة جنازة، وسواء كانت الفريضة مُؤدَّاة أو مقضية، أو منذورة، وفي بعض هذا خلاف ليس هذا موضع بسطه، ولكن الصحيح ما ذكرته، وعليه الفتوى، وبه العمل، ولو كبر الإِمام على حذف اعتقاد المأموم، بأن كان يرى الإِمام التكبير يوم عرفة، أو أيام التشريق، والمأموم لا يراه، أو عكسه، فهل يتابعه، أم يعمل باعتقاد نفسه؟ فيه وجهان لأصحابنا، الأصحُّ: يعمل باعتقاد نفسه، لأن القدوة انقطعت بالسلام من الصلاة، بخلاف ما إذا كبر في صلاة العيد زيادة على ما يراه المأموم، فإنه يتابعه من أجل القدوة. ـــــــــــــــــــــــــــــ وآخره والمراد منه جميع الأزمنة وسبق لذلك في أذكار المساء والصباح مزيد بسط. قوله: (صَدَقَ وعدهُ) بنصرة المؤمنين وإظهار دينهم على كل دين. قوله: (وهَزمَ الأَحزَابَ وحدَهُ) أي من غير قتال بل أرسل عليهم ريحًا وجنودًا والأحزب القبائل التي تحزبت عليه - صلى الله عليه وسلم - وحفر لها الخندق. قوله: (كانَ حسَنًا) أي لأنه المناسب ولأنه - صلى الله عليه وسلم - قال نحو ذلك على الصفا. قوله: (وقَال جمَاعةٌ منْ أَصْحابِنا الخ) يشهد له ما سبق من حديث جابر. فصل (اعلْم أَنَّ التكْبيرَ مشرُوعٌ بعدَ كُل صلاةِ) والأفضل كما سبق تقديم هذا التكبير على أذكار الصلاة ولا يفوت بطول الزمان لأنه شعار الوقت وبه فارق فوت الإجابة بطوله لأنها للأذان وبالطول انقطعت نسبتها عنه وهذا للزمن فيسن بعد الصلاة وإن طال قاله في البيان ما دامت أيام التشريق باقية. قوله: (أَوْ صلاةَ جنَازةٍ) أي

فصل: والسُّنَّة أن يكبر في صلاة العيد قبل القراءة تكبيراتٍ زوائدَ، فيكبر في الركعة الأولى ـــــــــــــــــــــــــــــ على المذهب كما في الروضة وغيرها وإن نازع فيه الأذرعي لأنه ليس فيها حتى تطول. فصل قوله: (أَنْ يُكبر في صلاةِ العِيدِ الخ) ولو قضاء كما اقتضاه كلام المجموع وهو الأوجه لأن الأصل في القضاء أنه يحكي الأداء ونقل في الكفاية عن العجلي تركه حينئذٍ قال لأن التكبير شعار الوقت والمعتمد ما في المجموع والأصل في التكبير في صلاة العيد ما ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يكبر في العيدين في الأولى سبعًا قبل القراءة وفي الثانية خمسًا أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال الحافظ بعد تخريجه أنه حديث حسن صحيح اهـ، وروي أيضًا من حديث عائشة أخرجه أبو داود وابن ماجة وأشار الحافظ إلى أن ابن لهيعة مع ضعفه اضطرب فيه، والمحفوظ في هذا عن ابن شهاب مرسل ثم أخرج الحافظ عن الزهري قال إن السنة مضت في صلاة العيد أن يكبر في الأولى سبعًا ثم يقرأ ويكبر في الثانية خمسًا أخرجه جعفر الفريابي ومن حديث ابن عمر رواه الدارقطني والترمذي في العلل وقال وهو منكر وفي السند فرج بن فضالة وهو ضعيف والمحفوظ فيه عن نافع عن أبي هريرة أخرج الحافظ عن الربيع بن سليمان حدثنا الشافعي حدثنا مالك عن نافع قال قال شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة فكبر في الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة ثم كبر في الثانية خمسًا قبل القراءة قال الحافظ هذا موقوف صحيح أخرجه البيهقي وجعفر الفريابي وغيرهم عن نافع عن أبي هريرة والله أعلم. اهـ، ومن حديث عوف المزني أخرجه الترمذي وابن ماجة وابن خزيمة وغيرهم ومن حديث سعد القرظ رواه ابن ماجة بسند حسن قال الحافظ وأخرجه الدراقطني والبيهقي ومن حديث عبد الرحمن بن عوف أخرجه البزار من رواية عبد الرحمن عن أبيه وسنده مقارب ولفظه كان يكبر في صلاة العيد ثلاث عشرة تكبيرة وزاد أبو بكر وعمر يفعلان ذلك ومن حديث جابر رواه البيهقي بسند ضعيف ومن حديث ابن عباس مرفوعًا بسند فيه ابن لهيعة وموقوفًا بسند صحيح وقال الحافظ حديث ابن عباس أخرجه الطبراني من رواية سليمان بن أرقم عن الزهري

سبع تكبيرات سوى تكبيرة الافتتاح، وفي الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرة الرفع من السجود، ويكون التكبير في الأولى بعد دعاء الاستفتاح، وقبل التعوُّذِ، وفي الثانية قبل التعوُّذ. ويستحبُّ أن يقول بين كل تكبيرتين: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، هكذا قاله جمهور أصحابنا. وقال بعض أصحابنا يقول: "لا إله إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ". ـــــــــــــــــــــــــــــ عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبر في العيد اثنتي عشر تكبيرة سبعا في الأولى وخمسا في الثانية وسليمان ضعيف وقد جاء عنه موقوفًا بسند صحيح وأخرجه مسدد في مسنده ثم ذكر الحافظ روايات أخرى في التكبير بعضها مخالف في العدد المذكور. قوله: (سبعَ تكْبيرَاتٍ) أي يقينا فإن شك في على الأقل. قوله: (سوَى تكْبيرَةِ الافتِتَاح) قالوا فلو شك هل نوى افتتاح الصلاة في واحد منها استأنف أو في أنه جعلها الآخرة أعادهن احتياطًا ويوافق المأموم إمامه إن كبر ثلاثًا أو ستا مثلًا ولا يزيد عليه ولا ينقص عنه ندبًا فيهما سواء اعتقد إمامه ذلك أم لا ولو أدرك إمامه في ثانيته كبر معه خمسًا وأتى في ثانيته هو بخمس أيضًا لأن في قضاء تلك السبع ترك سنة أخرى وبه فارق ندب قراءة الجمعة مع المنافقين في الركعة الثانية لمن فاتته الجمعة في الأولى. قوله: (قَبل التَّعوّذِ) هذا هو الأفضل وإَّلا فلو أتى بها بعد التعوذ حصل السنة لبقاء وقتها إذ لا تموت إلّا بالشروع في الفاتحة منه أو من إمامه عمدًا أو سهوًا للتلبس بفرض وإنما فات الافتتاح دون التكبير بالتعوذ لأنه بعد التعوذ لا يسمى افتتاحًا بخلاف التكبير ولو تداركه بعد الفاتحة ندب له إعادتها أو بعد الركوع بأن ارتفع ليأتي به بطلت صلاته إن علم وتعمد. قوله: (ويُسْتحبُّ أَنْ يَقولَ) أي سرًّا وهذا الذكر أي سبحان الله الخ. رواه البيهقي فيه عن ابن مسعود قولًا وفعلا بإسناد جيد لأنه لائق بالحال ولأنه الباقيات الصالحات في قول ابن عباس كما سبق فيما يقول إذا ترك تحية المسجد. قوله: (قَال بعْضُ أَصحَابِنا الخ)

فائدة

وقال أبو نصر بن الصباغ وغيره من أصحابنا: إن قال ما اعتاده النّاس، فحَسَن، وهو "اللهُ أكْبَر كَبِيرًا، والحَمْدُ لِلهِ كَثيرًا، وسُبْحَانَ الله بُكْرَةً وَأصِيلًا". وكل هذا على التوسعة، ولا حجر في شيء منه، ولو ترك جميع هذا الذكر، وترك التكبيرات السبع والخمس، صحت صلاته ولا يسجد للسهو، ولكن فاتته الفضيلة، ولو نسي التكبيرات حتى افتتح القراءة، لم يرجع إلى التكبيرات على القول الصحيح، وللشافعي قول ضعيف: إنه يرجع إليها. وأما الخطبتان في صلاة العيد، فيستحبُّ أن يكبر في افتتاح الأولى تسعًا، وفي الثانية سبعًا. وأما القراءة في صلاة العيد، فقد تقدم بيان ما يستحبُّ أن يقرأ فيها في باب "صفة أذكار الصلاة"، وهو أنه يقرأ في الأولى بعد الفاتحة سورة (ق) وفي الثانية (اقتَرَبتِ السَّاعَةُ) وإن شاء في الأولى: (سَبّحِ اسْمَ رَبِكَ الأَعلَى)، وفي الثانية: ({هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}. ـــــــــــــــــــــــــــــ نقله في الروضة عن الصيدلاني عن بعض الأصحاب. قوله: (وقَال أَبُو نَصْر الخ) زاد في شرح الروض في آخره عنه بعد قوله بكرة وأصيلا قوله وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليمًا كثيرًا وزاد في الروضة قال المسعودي يقول سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك وإله غيرك. قوله: (أَمَّا الخُطْبتَان فَيُسْتَحبُّ أَن يكبِّرَ الخ) أي لقول بعض التابعين إنه من السنة واعترضه في المجموع بأن سنده ضعيف ومع ضعفه لا دلالة فيه لأن قول التابعي من السنة كذا موقوف على الصحيح فهو قول صحابي لم يثبت انتشاره على الصحيح ويستحب ولاء التكبيرات ولو فصل بينهما بحمد وثناء وصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - كان حسنًا نص عليه والتكبيرات المذكورة مقدمة الخطبة لا منها وافتتاح الشيء قد يكون ببعض مقدماته التي ليست منه. فائدة قال القمولي لم أر لأحد من أصحابنا كلامًا في التهنئة بالعيد والأعوام والأشهر ثم نقل عن الحافظ المنذري أن النّاس لم يزالوا مختلفين فيها والذي نراه أنها مباحة ولم يرتض ذلك الحافظ

باب الأذكار في العشر الأول من ذي الحجة

باب الأذكار في العشر الأول من ذي الحجة قال الله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ .... } الآية [الحج: 28] قال ابن عباس والشافعي والجمهور: هي أيامُ العشر. واعلم أنه يستحب الإكثار من الأذكار في هذا العشر زيادة على غيره، ويستحب من ذلك في يوم عرفة أكثر من باقي العشر. روينا في "صحيح البخاري" عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن حجر بل قال أنها مشروعة ونقل عن البيهقي أنه عقد بابًا في قول النّاس بعضهم لبعض في يوم العيد تقبل الله منا ومنك وروي فيه أخبارا وآثارًا ضعيفة يحتج بمجموعها في مثل ذلك واحتج هو لعموم التهنئة لما يحدث من نعمة بمشروعية سجود الشكر والتعزية وبأن كعب بن مالك لما بشر بقبول توبته عند تخلفه عن غزة تبوك ومضى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قام إليه طلحة بن عبيد الله فهنأه اهـ. باب الأذكار في العشر الأول من ذي الحجة قوله: (الآيةَ) يجوز أن تقرأ بالنصب بتقدير نحو اقرأ وبالرفع بتقدير المقروء الآية وبالجر بتقدير إلى انتهاء الآية وضعف بأن فيه حذف الجار وإبقاء عمله وليس هذا من موضع قياسه والمراد من تمام الآية قوله: {مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 28] أي الإبل والبقر والغنم التي تنحر في يوم العيد وما بعده من الهدايا والضحايا فكلوا منها إذا كانت مستحبة وأطعموا البائس الفقير أي الشديد الفقر. قوله: (ابْنُ عباس الخ) هو إحدى الروايتين عنه رواه عنه سعيد بن جبير ورواه مجاهد عن عمر وبه قال الحسين وعطاء وعكرمة ومجاهد وقتادة ثانيهما أنها يوم النحر وأيام التشريق رواه مقسم عنه ونافع عن ابن عمر وبه قال عطاء الخراساني والنخعي والضحاك قال السيوطي في أحكام التنزيل أخرجهما عنه ابن أبي حاتم وفي المراد بالأيام المعلومات ستة أقوال ذكرها ابن الجوزي في زاد المسير ثالثها أنها أيام التشريق رواه العوفي عن ابن عباس رابعها أنها تسعة أيام من العشر قاله أبو موسى الأشعري خامسها أنها خمسة أيام أولها يوم التروية رواه أبو صالح عن ابن عباس

"ما العَمَلُ في أيام أفْضَلَ مِنْها في هَذهِ، قالوا: وَلا الجهاد في سبيل الله؟ قال: وَلا الجهاد، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بشَيءِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ سادسها ثلاثة أيام أولها يوم عرفة قاله مالك بن أنس وقيل إنما قال معلومات ليحرص على علمها بحسابها من أجل وقت الحج في آخرها قال ابن الجوزي والذكر هنا قال الزجاج يدل على التسمية على ما ينحر لقوله: {مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 28] وقال القاضي أبو يعلى يحتمل أن يكون الذكر هذا هو الذكر على الهدايا الواجبة كدم التمتع والقرآن ويحتمل أن يكون الذكر المفعول عند رمي الجمرات وتكبير التشريق لأن الآية عامة في ذلك كله اهـ. قوله: (مَا الْعمَلُ) أي الصالح كما جاء في رواية أخرى. قوله: (منهَا في هذه) كذا في نسخة مصححة ووجهه أن الضمير يعود على العمل لكونه في تأويل الأعمال ذكره الزركشي وعبارته في التنقيح العمل مبتدأ وفي أيام متعلق به وأفضل خبر المبتدأ ومنها متعلق بأفضل والضمير يكون للعمل بتقدير الأعمال كقوله تعالى: {أَو الطِّفْلِ الَّذِينَ} [النور: 31] اهـ، ونازعه الدماميني في مصابيح الجامع في جعله الآية نظير الحديث ولفظه ودعوى الزركشي أن الضمير للعمل بتقدير الأعمال كقوله: {أَو الطِّفْلِ الَّذِينَ} [النور: 31] غلط لأن الطفل يطلق على الواحد على الجماعة بلفظ واحد قال الدماميني ويجوز أن يكون تأنيث الضمير باعتبار إرادة القربة مع عدم تأويل العمل بالجمع أي ما القربة في أيام أفضل منها في هذه اهـ، وقال الشيخ زكريا في تحفة القارئ ما لفظه وفي نسخة أخرى ما العمل في أيام أفضل منه في هذه فالضمير منه يعود للعمل واسم الإشارة للأيام اهـ، وروى الحافظ عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيها من هذه الأيام يعني أيام العشر الحديث وقال أخرجه أبو داود والترمذي (قلت) وبه يتضح معنى هذه الرواية أي ما العمل أفضل منه في هذه الأيام والله أعلم، والمعنى في هذه الأيام أفضل منه في غمرها من الأيام. قوله: (ولا الجهادُ الخ) أي العمل في هذه الأيام لا يفضله شيء ولا الجهاد إلّا رجل الخ. ففيه عظم فضل العبادة في هذه الأيام وفضل الجهاد. قوله: (يُخاطرُ بنَفسهِ ومَالهِ) أي يوقع نفسه وماله في خطر الجهاد ويقتل في الجهاد. قوله:

هذا لفظ البخاري، وهو صحيح. وفي الترمذي: "ما مِنْ أيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فيهِنَّ أحَبُّ إلى الله تعالى مِنْ هذِهِ الأيام العَشْرِ". وفي رواية أبي داود مثل هذه، إلا أنه قال: "مِنْ هذِهِ الأيّامِ" يعني العشر. ورويناه في مسند الإِمام أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي بإسناد الصحيحين قال فيه: "ما العَمَلُ في أيّام أفْضَلَ مِنَ العَمَلِ في عَشْرِ ذِي الحِجَّة، قيل: ولا الجهاد؟ ... " وذكر تمامه، وفي رواية: "عشْرِ الأضْحَى". وروينا في كتاب الترمذي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خَيْرُ الدعاءِ دعاءُ يَوْم عَرفَةَ، وَخَير ما قُلْتُ أنا والنبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لا إلا إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهْوَ على كُل شَيء قَدِيرٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (مِثلُ هذَا) أي مثل ما للترمذي إلّا أن أبا داود زاد يعني بين الأيام والعشر. قوله: (مَا الْعَملُ في أَيام أَفضلُ من العَملِ في عَشرِ ذِي الحِجةِ) المقام للضمير أي أفضل منه وعدل عنه إلى الظاهر تنويهًا بشأنه وفي نسخة أفضل في العمل الخ، والظاهر أن في فيها بمعنى من. قوله: (في كِتَابِ الترْمذِي) وفي القري للمحب الطبري وأخرجه أحمد في مسنده خير الدعاء دعاء يوم عرفة قال الحافظ السيوطي في قوت المغتذي قال الطيبي الإضافة فيه يجوز أن تكون بمعنى اللام أي دعاء خص بذلك اليوم وقوله وخير ما قلت بمعنى خير ما دعوت بيان له فالدعاء له لا إله إلَّا الله الخ. اهـ، وفي رواية ذكرها الحافظ في التخريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أيضًا قال كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير قال الحافظ هذا حديث غريب أخرجه الترمذي وقال غريب من هذا الوجه اهـ، وإنما سمي هذا الذكر دعاء لثلاثة أوجه أحدها أنه لما كان الثناء يحصل أفضل مما يحصل الدعاء للحديث القدسي من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته ما أعطي السائلين أخرجه أبو ذر فأطلق عليه لفظ الدعاء

ضعّف الترمذي ـــــــــــــــــــــــــــــ لحصول مقصوده وروي عن الحسن بن الحسن المروزي قال سالت سفيان بن عيينة عن أفضل الدعاء يوم عرفة فقال لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له فقلت له هذا ثناء وليس بدعاء فقال أما تعرف حديث مالك بن الحارث وهو تفسيره فقلت حدثنيه أنت فقال حدثنا منصور عن مالك بن الحارث قال يقول الله عزّ وجل إذا شغل عبدي ثنائي عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين قال فهذا تفسير قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال سفيان أما علمت ما قال أمية بن أبي الصلت حديث أبي عبد الله بن جدعان يطلب تأويله ومعرفته فقلت لا فقال قال أمية: أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك أن شيمتك الحياء وعلمك بالحقوق وأنت فضل ... لك الحسب المهذب والسناء إذا أثنى عليك المرء يومًا ... كفاه من تعرضه الثناء ثم قال يا حسين هذا مخلوق يكتفي بالثناء عليه دون مسألته فكيف بالخالق (قلت) وأورد الحافظ لبعضهم في هذا المعنى: وإذا طلبت إلى كريم حاجة ... فلقاؤه يكفيك والتسليم وإذا مررت ببابه عرف الذي ... ترجوه منه كأنه ملزوم الوجه الثاني معناه أفضل ما يستفتح به الدعاء على حذف مضاف ويدل عليه الحديث الآخر فإنه قال أفضل الدعاء أن أقول لا إله إلّا الله وحده لا شريك له الخ ودعا بعد ذلك، الوجه الثالث أفضل ما يستبدل به عن الدعاء لا إله إلا الله الخ، والأول أوجه كذا في القري للمحب الطبريمما وقد سبق ما له تعلق بهذا المقام في باب أدعية الكرب وهذا كله مبني على أن المراد من دعاء يوم عرفة أفضل القول شيء واحد وقد تقدم التصريح به في كلام السيوطي وعليه في هو كغيره السؤال والأجوبة المذكورة ويجوز أن يكونا شيئين وإن خير ما قلت الخ. غير ما قبله ويكون دعاء عرفة خيرًا من كل دعاء بسواها قال الخطاب المالكي في حاشيته منسك خليل أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة قال العوفي قال الباجي يريد لأنه أكثر ثوابًا للدعاء وأقرب للإجابة فإن الفضل إنما هو في كثرة الثواب وكثرة الإجابة اهـ. قوله: (ضعفَ

إسناده. ورويناه في موطأ الإِمام مالك بإسناد مرسل، وبنقصان في لفظه، ولفظه: "أفْضَلُ الدعاءِ [دعاءُ] يَوْمِ عَرَفَةَ، وأفْضَلُ ما قُلْتُ أنا وَالنبِيُّونَ مِنْ قَبْلي: لا إلهَ إلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الترْمذِي إسنَادَهُ) قال الحافظ حماد بن أبي حميد هو محمد بن أبي حميد وهو إبراهيم الأنصاري المدني وليس هو بالقوي عند أهل الحديث اهـ، وهذا مراد الشيخ بقوله ضعف الترمذي إسناده وقد أخرجه عن أحمد روح عن محمد بن أبي حميد واسم أبي حميد إبراهيم واسم الراوي محمد كما في رواية روح وكنيته أبو إبراهيم كما في رواية أبي النضر ولقبه حماد كما في رواية الترمذي وقد أشار الترمذي إلى ذلك وزعم أحمد بن صالح المصري أن حماد بن أبي حميد راو ضعيف غير محمد بن أبي حميد وقوي محمدًا وقد خولف في الأمرين اهـ. قوله: (بإِسنَاد مرْسَلٍ) رواه عن زياد بن أبي زياد المخزومي عن طلبة بن عبيد الله بن كريز كشريف بياء تحتية ثم زاي ولا نظير له في الأسماء خزاعي تابعي ثقة قال إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أفضل الدعاء يوم عرفة الخ. قال الحافظ هكذا أخرجه مالك واتفق عليه هكذا رواة الموطأ قال البيهقي روى مالك موصولًا بسند آخر ضعيف قال ابن عبد البر لم نجده موصولًا من هذا الوجه (قلت) أخرج بعضه ابن خزيمة عن علي وفي سنده قيس بن الربيع ضعفوه واعتذر عنه ابن خزيمة بكونه في محض الدعاء وأخرجه البيهقي من طريقه في فضائل الأوقات مطولًا وأخرجه المحاملي في الدعاء من وجه آخر منقطع عن علي وفي سنده أيضًا راو ضعيف ولفظه كان أكثر دعائه - صلى الله عليه وسلم - عشية عرفة لا إله إلَّا الله مثل حديث الترمذي من رواية النضر التي زاد فيها بعد قوله وله الحمد قوله بيده الخير وزاد المحاملي قبل قوله بيده الخير قوله يحيي ويميت وأخرجه الحافظ عن علي قال كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - عشية عرفة لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير اللهم اجعل في سمعي نورًا، وفي بصري نورًا وفي قلبي نورًا اللهم اغفر لي ذنبي ويسر لي أمري واشرح لي صدري اللهم إني أعوذ بك من وسواس الصدر ومن شتات الأمر ومن عذاب القبر اللهم إني أعوذ بك من شر ما تهب به الرياح ومن شر بوائق الدهر قال الحافظ هذا حديث غريب من

باب الأذكار المشروعة في الكسوف

وبلغنا عن سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم، أنه رأى سائلًا يسألط الناس يوم عرفة، فقال: يا عاجز! في هذا اليوم يسأل غير الله عزَّ وجلَّ؟ . وقال البخاري في "صحيحه": كان عمر رضي الله عنه يكبر في قبته بمنى، فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منًى تكبيرًا. قال البخاري: وكان عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر النّاس بتكبيرهما. باب الأذكار المشروعة في الكسوف ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الوجه أخرجه البيهقي في السنن الكبير وفي سنده موسى بن عبيد الله وهو ضعيف وآخره عبيد الله بن عبيدة وهو شيخه في هذا الحديث لم يسمع من علي وقد رواه عنه أي ففيه انقطاع قال الحافظ لكن وقع لنا من وجه آخر عن علي منقطعًا فأورده ثم قال بعد إيراده وله عن علي طرق أخرى وفي بعضها زيادة في ألفاظ الذكر والله أعلم. قوله: (وبَلَغنا عنْ سَالم) قال الحافظ أخرجه أبو نعيم مختصرًا في الحلية في ترجمة سالم. قوله: (في هَذَا اليوْم يسألُ غَيرُ الله الخ) نقم عليه صغر همته مع شرف الزمان والمكان المقتضي لذي الهمة العلية أن تربأ نفسه عن تلك السفاسف الحقيرة الدنيئة وأن يبالغ في طلب أعلى الأمور ويلح في سؤال الطلبات. قوله: (يكَبرُ في قُبّته بمنى) قال البيهقي كان ابن عمر يكبر بمنى وكذا ورد عن ابن الزبير كما ذكره الحافظ. قوله: (قَالَ البُخَارِيُّ وكَانَ عُمَرَ وأَبو هرَيْرَةَ الخ) قال الحافظ لم أقف على أثر أبي هريرة موصولًا وقد ذكره البيهقي في التكبير والبغوي في شرح السنة فلم يزيدا على عزوه إلى البخاري معلقًا قال وأما أثر ابن عمر فرواه بمعناه ابن المنذر في كتاب الاختلاف والفاكهي في كتاب مكة. قوله: (في تلكَ الأيام وخلف الصلواتِ وعَلَى فراشِهِ وفي فسطاطهِ ومجلسهِ ومسميات تلك الأيام جميعها) قال وكانت ميمونة تكبر يوم النحر اهـ، وكأنهم كانوا يرون التكبير المرسل في هذه الأيام كما تدل عليه الآثار اهـ. باب الأذكار المشروعة في الكسوف أي كسوف القمر في الصحاح خسوف القمر كسوفه

اعلم أنه يسنُّ في كسوف الشمس والقمر الإكثار من ذكر الله تعالى، ومن الدعاء، وتسن الصلاة له بإجماع المسلمين. روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنّ الشَّمْسَ والقَمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ثعلب كسفت الشمس وخسف القمر هذا أجود الكلام وفي الصحاح كسفت الشمس تكسف كسوفا وكذا القمر يتعدى ولا يتعدى وقرئ وخسف القمر على الباء للمفعول ذكره الطيبي وزاد في القاموس أو الخسوف إذا ذهب بعضهما والكسوف كلهما ولا شك أن المشهور في الاستعمال كسوف الشمس وخسوف القمر وعبر المصنف هنا بالكسوف لأن أحاديث الباب كلها وردت في كسوف الشمس وظاهر أن ما يشرع في الكسوف يشرع في الخسوف ولا يفترقان إلَّا في الجهر في القراءة في خسوف القمر والإسرار بها في كسوف الشمس وقال ميرك الكسوف لغة التغيير إلى سواد واختلف في الكسوف والخسوف هل هما مترادفان أو لا قال الكرماني يقال كسف الشمس والقمر بفتح الكاف وضمها وخسف بفتح الخاء وضمها وانخسفا كلهما بمعنى واحد وقيل الكسوف تغير اللون والخسوف ذهابه والمشهور في استعمال الفقهاء أن الكسوف للشمس الخسوف للقمر واختاره ثعلب وذكر الجوهري أنه أفصح وقد يتعين ذلك وحكى عياض عن بعضهم عكس ذلك وغلطه لثبوت الخسوف في القمر في القرآن وقيل يقال بهما في كل منهما وبه جاءت الأحاديث ولا شك أن مدلول الكسوف لغة غير مدلول الخسوف لأن الكسوف التغير إلى سواد والخسوف النقصان ولذا قيل في الشمس كسفت أو خسفت لأنها تتغير ويلحقها النقص ساعة كذلك القمر ولا يلزم من ذلك أنهما مترادفان وقيل بالكاف في الابتداء وبالخاء في الانتهاء والله أعلم. ثم فعله - صلى الله عليه وسلم - لصلاة كسوف الشمس وكذا لخسوف القمر في السنة الخامسة في جمادى الآخرة كما صححه ابن حبان كذا في المرقاة قوله: (رَوَيْنَا في صحيحي البُخَاريُّ ومُسلِمٍ) وكذا رواه أبو داود والنسائي كما في المرقاة. قوله: (إِنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قَال) أي بعد أن صلى وخطب كما في الحديث عنها في الصحيحين وتركه المصنف لعدم تعلق مقصوده بذلك. قوله: (إِذ االشمسَ والقمَرَ) قال الحافظ ابن حجر في الفتح ما ملخصه بيان سبب هذا القول إن إبراهيم

آيَتَانِ مِنْ آياتِ اللهِ لَا يُخْسَفانِ لِمَوْتِ أحَدٍ ولا لِحيَاتِهِ، فإذا رأيْتُمْ ذلكَ فادْعُوا الله تعالى وكَبِّرُوا وَتَصَدَّقُوا". ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن النبي - صلى الله عليه وسلم - مات فكسفت الشمس فقال النّاس إنما كسفت لموت إبراهيم فقال - صلى الله عليه وسلم - إن النّاس يزعمون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم من العظماء وليس كذلك ثم قال وفي الحديث إبطال ما كان يعتقده أهل الجاهلية من تأثير الكواكب في الأرض من موت أو ضر فأعلم - صلى الله عليه وسلم - بطلان ذلك الاعتقاد وأن الشمس والقمر خلقان مسخران لله ليس لهما سلطان في غيرهما ولا قدرة لهما على الدفع عن أنفسهما. قوله: (آيتَانِ) أي علامتان من آيات الله أي من العلامات الدالة على وحدانيته سبحانه أو على تخويف العباد من بأس الله وسطوته ويؤيده قوله تعالى: (وَمَا نُرسِلُ بِالآياتِ إلا تخويفًا) [الإسراء: 59] قوله: (منْ آياتِ الله) الظرف وصف لقوله آيتان. قوله: (لا يُخسفَانِ) بالتذكير تغليبا للقمر. قوله: (ولا لحيَاتِه) استشكلت هذه الزيادة لأن السياق ما ورد إلَّا في حق من ظن إن ذلك لموت إبراهيم ولم يذكروا الحياة والجواب إن فائدة ذكر الحياة دفع توهم من يقول لا يلزم من كونه سببًا للفقدان إن لا يكون سببًا للإيجاد فعمم الشارع النفي لدفع هذا الوهم لكن في شرح السنة زعم أهل الجاهلية أن كسوف الشمس والقمر يوجب حدوث تغير في العالم من موت وولادة وضرر وقحط ونقص ونحو ذلك فأعلم - صلى الله عليه وسلم - إن كل ذلك باطل اهـ، وعلى هذا فيكون قوله ولا لحياته بمعنى ولا لولادته ويكون فيه رد لما زعموه من أن ذلك يدل على موت حبر أو ولادة شرير وعلى هذا جرى في المرقاة في شرح المشكاة. قوله: (فإذَا رَأَيتمْ ذَلِكَ) أي فيما ذكر من خسوفهما أي إذا رأيتم كسوف كل منهما لاستحالة وقوع ذلكَ منهما في آن واحد عادة وإن كان ذلك جائزًا في القدرة الإلهية. قوله: (فادْعُوا الله) قال ابن مالك إنما أمر بالدعاء لأن النفوس عند مشاهدة ما هو خارق للعادة تكون معرضة عن الدنيا ومتوجهة لي الحضرة العليا فيكون أقرب إلى الإجابة اهـ، وفي المرقاة فادعوا الله اعبدوه بأفضل العبادات الصلاة والأمر للاستحباب عند الجمهور قوله: (وكَبروا) أي عظموا الرب وقولوا الله أكبر فإنه يطفي غضب الرب. قوله: (وتَصدَّقوا) أي بأنواع الإحسان على الفقراء والمساكين ففيه إشارة إلى أن الأغنياء والمتنعمين هم المقصودون بالتخويف من بين العالمين لكونهم غالبًا للمعاصي

وفي بعض الروايات في صحيحيهما: "فإذَا رأيتُمْ ذلك فاذْكُروا الله تَعالى". وكذلك رويناه من رواية ابن عباس. وروياه في "صحيحيهما" من رواية أبي موسى الأشعري عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فإذَا رَأيُتُمْ شَيئا مِنْ ذلكَ، فافْزَعُوا إلى ذِكْرِهِ وَدُعائِهِ وَاستِغْفَارِهِ". ـــــــــــــــــــــــــــــ مرتكبين وبه يظهر وجه مناسبته لما قبله. قوله: (وفي بَعْضِ الرواياتِ الخ) أخرج الحافظ من طريق أحمد بن عبد الله الحافظ عن هشام بن عروبة عن أبيه عن عائشة نحو حديث مالك وفيه فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله تعالى وكبروا وصلوا وتصدقوا قال الحافظ بعد تخريجه أخرجه مسلم. قوله: (فاذْكروا الله تَعَالى) أي بالصلاة وتؤيده رواية فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم ففيه دليل لطلب صلاة الكسوف في سائر الأوقات خلافًا للحنفية في تقييد صلاتهما بغير الأوقات المكروه فيها أو التسبيح والتكبير والتهليل والاستغفار وسائر الأذكار ويقرب ذلك قوله في الرواية السابقة فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله الخ، والأمر للاستحباب إذ صلاة الكسوف سنة بالاتفاق قال الطيبي أمر بالفزع عند كسوفهما إلى ذكر الله وإلى الصلاة إبطالا لقول الجهال وقيل لأنهما آيتان دالتان على قرب الساعة قال تعالى: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ} {وَخَسَفَ الْقَمَرُ} {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [القيامة: 7، 8، 9]، قال في المرقاة وفيه إن هذا إنما يتم لو كان ما يوجد فيهما من الخسف إلى أواخر الزمان وليس كذلك فالظاهر أن يقال لأنهما آيتان شبيهتان بما يقع في القيامة وقيل لأنهما آيتان يخوفان عباد. الله ليفزعوا إلى ذكر الله تعالى: {وَمَا نُرسِلُ بِالآياتِ إِلا تَخويفًا} [الإسراء: 59]. قوله: (وكذَا رَوَيْنَاهُ منْ رِوايَةِ ابْنِ عَبَّاس) أخرجه الحافظ من طريق الدرامي وغيره عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال خسفت الشمس فذكر الحديث إلى أن قال فاذكروا الله قال الحافظ بعد تخريجه أخرجه البخاري ومسلم من أربعة طرق عن مالك وأخرجه النسائي من طريق مالك أيضًا اهـ، وزاد في المرقاة نقلًا عن ميرك ورواه أبو داود. قوله: (ورَوَياهُ في صَحيحيهِمَا منْ رِوايَةِ أَبِي مُوسَى الخ) ورواه النسائي من حديثه كما ذكره الحافظ. قوله: (فافْزَعُوا) بالزاي ثم العين المهملة أي التجأوا من عذاب الله إلى

ورويناه في "صحيحيهما" من رواية المغيرة بن شعبة: "فإذَا رأيْتُمُوها فادْعُوا اللهَ وَصَلُّوا". وكذلك رواه البخاري من رواية أبي بكرة أيضًا، والله أعلم. وفي "صحيح مسلم" من رواية عبد الرحمن بن سمرِ، قال: "أتيتُ ألنبي - صلى الله عليه وسلم - وقد كَسفت الشمس وهو قائم في الصلاة رافع يديه، فجعل يسبِّح ويحمَد ويهلِّل، ويكبِّر ويدعو، حتى حُسِر عنها، ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكره أي عبادته ومنها الصلاة. قوله: (وَرَوَيَاهُ في صَحيحَيْهمَا منْ روايَةِ المغَيرة الخ) أخرج ابن حبان والإسماعيلي أيضًا قاله الحافظ. قوله: (فإذَا رَأَيْتُمِوهَا) أي الآية وفي رواية رأيتموهما بالتثنية أي كسوف الشمس والقمرأي رأيتم أحدهما لما سبق من استحالة جمع كسوفهما عادة. قوله: (وكَذَا رواهُ البُخَارِي منْ رِوَايَة أبِي بَكْرَةَ) قال الحافظ بعد تخريجه من طريق البخاري وغيره ما لفظه وأخرجه البخاري أيضًا من رواية عبد الوارث عن يونس هو ابن عبيد عن الحسن هو البصري عن أبي بكرة هو نفيع بن الحارث الثقفي قال الحافظ وعند البخاري في بعض طرقه التصريح بالتحديث بين الحسن وأبي بكرة قال وأخرجه البخاري أيضًا من حديث عبد الله بن عمر وقال في روايته: (فَاذكُرُوا اللَّهَ) [النساء: 103] اهـ. قوله (وفي صحيحِ مُسْلمٍ) قال ميرك ورواه أبو داود والنسائي أيضًا. قوله: (عبدِ الرحمَنِ بنِ سَمْرَةَ رضي الله عنه) هو سمرة بن حبيب بن عبد شمس بن أمية القرشي العبشمي من الطلقاء تأمن في الفتح وافتتح سجستان وكابل وهو الذي قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تسأل الإمارة الحديث روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قيل أربعة عشر حديثًا ذكره ابن حزم وابن الجوزي وقال اتفقا منها على واحد وانفرد عنه مسلم باثنين روي عنه الحسن وابن سيرين سكن البصرة ومات بها سنة خمسين أو بعدها قال صاحب المشكاة هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه عن عبد الرحمن بن سمرة وكذا في شرح السنة عنه وفي نسخ المصابيح عن جابر رضي الله عنه بن سمرة ونقل الطيبي عنه أيضًا قال وجدت حديث عبد الرحمن بن سمرة في صحيح مسلم وكتاب الحميدي والجامع ولم أجد لفظ المصابيح في الكتب المذكورة برواية جابر بن سمرة اهـ قوله: (وهُو قائِمٌ في الصلاةِ الخ) أي واقف في هيئة الصلاة من القيام والاستقبال واجتماع النّاس خلفه صفوفًا أو الصلاة بمعنى الدعاء إذ لم

فصل

فلما حُسِرَ عنها قرأ سورتين وصلى ركعتين". قلت: حُسِر بضم الحاء وكسر السين المهملتين أي: كشف وجلي. فصل: ويستحب إطالة القراءة في صلاة الكسوف، فيقرأ في القومة الأولى نحو سورة البقرة، ـــــــــــــــــــــــــــــ يعرف مذهب أنه يرفع يديه في صلاة الكسوف في أوقات الأذكار وكذا في المرقاة. قوله: (فَلما حُسر عَنْها الخ) ظاهر الخير أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما صلى ركعتين وقرأ فيهما سورتين بعد ذهاب الكسوف وهو خلاف ما ورد في الأحاديث من أن الشروع منه في الصلاة كان قبل الانجلاء قال الطيبي يعني دخل في الصلاة ووقف في القيام الأول وطول التسبيح والتكبير والتحميد حتى ذهب الكسوف ثم قرأ القرآن وركع ثم سجد ثم قام في الركعة الثانية وقرأ فيها القرآن وركع وسجد وتشهد وسلم اهـ، وهو يخالف ما تقرر منه ومن غيره لا يزاد في عدد ركوعها ولا ينقص منه بتمادي كسوف أو لانجلائه وإن قال به جمع من أصحابنا في توجيه الأخبار التي فيها زيادة ركوع ونحوه. فصل قوله: (فَيقرأُ في القَوْمةِ الأُولى) أي بعد الفاتحة المسبوقة بالافتتاح والتعوذ والتعوذ مسنون في القيامات كلها ثم التقدير المذكور في الركعات قال الحافظ سبقه إليه الشيخ يعني أبا إسحاق في المهذب واستدل بحديث ابن عباس وليس فيه إلّا تقدير قيام الأول بنحو سورة البقرة وحديث ابن عباس قال خسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى والناس معه فقام قيامًا طويلًا نحوًا من سورة البقرة ثم ركع ركوعًا طويلًا ثم رفع فقام قياما طويلًا وهو دون القيام الأول ثم سجد الحديث أخرجه أبو داود وابن حبان ووقع في بعض النسخ عن أبي داود عن أبي هريرة بدل ابن عباس وهو غلط وأما تقدير القومة الثانية فأخرجه البيهقي من رواية الزهري عن عروة عن عائشة فقال في الحديث فقرأ بآل عمران وسنده قوي وأصله عند أبي داود وآل عمران مائتا آية بالاتفاق وأما تقدير القومة في قيام الركعة الثانية فأخرج البيهقي من وجه آخر أنه قرأ فيهما بالعنكبوت والروم وسائر الأحاديث ليس فيها تقدير بلى فيها إما التسوية أو كل قومة أدنى من التي قبلها وقد نقل الترمذي عن الشافعي أنه قدر الأولى بالبقرة والثانية آل عمران

وفي الثانية نحو مائتي آية، وفي الثالثة نحو مائة وخمسين آية، وفي الرابعة نحو مائة آية، ويسبِّح في الركوع الأوَّل بقدر مائة آية، وفي الثاني سبعين، وفي الثالث كذلك، وفي الرابع خمسين، ويطوِّل السجود كنحو الركوع، والسجدة الأولى نحو الركوع الأول، والثانية نحو الركوع الثاني، هذا هو الصحيح. وفيه خلاف معروف للعلماء، ولا تشكن فيما ذكرتُه من استحباب تطويل السجود، لكن المشهور في أكثر كتب أصحابنا أنه لا يطوِّل، فإن ذلك غلط أو ضعيف، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالثة بالنساء والرابعة بالمائدة وهذا نص الشافعي في البويطي وقد ذكر الترمذي أنه حمل بعض عن الشافعي عن محمد بن إسماعيل الترمذي عن البويطي فكان هذا منه اهـ. قوله: (وفي الثانيَةِ) أي في القومة الثانية الخ. هذا الذي ذكره هو ما في الأم والمختصر وعليه الأكثرون والذي نص عليه الشافعي في البويطي إنه يقرأ في القومة الثانية آل عمران وفي الثالثة النساء وفي الرابعة المائدة وفي شرح الروض وقدر كل سورة يقوم مقامها في قومتها وفي الروضة وليس على الاختلاف المحقق بل الأمر فيه على التقريب قال السبكي وقد ثبت بالنص في الأخبار تقدير القيام الأول بنحو البقرة وتطويله على الثاني ثم الثالث على الرابع وأما نقص الثالث عن الثاني أو زيادته عليه فلم يرد فيه شيء فيما أعلم فلأجله لا بعد في ذكر سورة النساء فيه وآل عمران في الثاني. قوله: (ويُسَبحُ في الرُّكُوع الأَولِ الخ) يقدر ذلك بالآيات المعتدلة من سورة البقرة ثم هذا ما نص عليه في أكثر كتبه وقال الحَافظ هذا التقدير ذكره الشيخ في المهذب أيضًا والأحاديث الواردة في الصحيحين وغيرهما بخلاف ذلك وفي أكثرها أن كل ركوع دون القيام الذي قبله وفي بعضها إطلاق التطويل في كل قيام وركوع ووقع عند النسائي عن عروة عن عائشة فركع ركوعًا طويلًا مثل قيامه أو أطول وأعاد ذلك في الأربع وسنده على شرط الشيخين وقد أخرا بعضه من هذا الوجه اهـ. قوله: (والثَّاني سَبعين) أي بتقديم السين وقيل في الثاني

بل الصواب تطويله. وقد ثبت ذلك في "الصحيحين" عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من طرق كثيرة، وقد أوضحتُه بدلائله وشواهده في "شرح المهذب". وأشرت هنا إلى ما ذكرت لئلا تغترَّ بخلافه، وقد نص الشافعي رحمه الله في مواضع على استحباب تطويله، والله أعلم. قال أصحابنا: ولا يطوِّل الجلوس بين السجدتين، بل يأتي به على العادة في غيرها، وهذا الذي قالوه فيه نظر، فقد ثبت في حديث صحيح إطالته، وقد ذكرت ذلك واضحًا في "شرح المهذب" فالاختيار ـــــــــــــــــــــــــــــ قدر ثمانين وفي الثالث قدر سبعين وعليه جرى في المنهاج. قوله: (بَلِ الصَّواب تَطْويلهُ وقدْ ثَبتَ ذَلِكَ في الصَّحيحَينِ الخ) ذكر المصنف في شرح المهذب حديث أبي موسى السابق عزو تخريجه للشيخين وحديث عائشة هو الحديث الأول من الباب وفيه بعد الركوع الثاني ثم سجد سجودًا طويلًا أخرجه البخاري من رواية مالك عن هشام بن عروة عن أبيه ولم يقع ذلك عند غيره ممن أخرجه عن مالك وعندهما أيضًا عن عائشة طريق أخرى بلفظ ثم سجد فأطال السجود ووقع عند مسلم من حديث جابر في بعض طرقه وركوعه نحو من سجوده وعندهما من رواية أبي سلمة عن عبيد الله بن عمر في قصة الكسوف قال في آخره قالت عائشة ما سجدت سجودًا قط أطول منه وفي حديث أسماء بنت أبي بكر عند البخاري ثم سجد فأطال السجود هذا جميع ما ذكره في الصحيحين وذكر عن أبي داود عن عبد الله بن عمرو وقام فلم يكد يركع وركع فلم يكد يرفع إلى أن قال ثم سجد فلم يكد يرفع وذكر عن أبي داود أيضًا عن سمرة بن جندب نحو رواية أبي سلمة عن عائشة المذكورة آنفًا وسائر الأحاديث التي في الكسوف ليس فيها ذكر تطويل السجود ورواتها نحو العشرين لكن من حفظ حجة على من لم يحفظ وقد أغفل من أطلق أن تطويل السجود لم ينقل قاله الحافظ. قوله: (قَال أَصْحَابُنا ولا يطوِّل الجُلوسَ بَيْن السجدَتينِ) قال الحافظ أما تطويل الجلوس بين السجدتين فنقل الغزالي والرافعي وغيرهما على أنه لا يطول قال المصنف في شرح المهذب وحديث عبد الله بن عمرو يقتضي استحباب إطالته. قوله: (وقَدْ ثَبَتَ في حَدِيث صَحيح إِطَالتُه) قال ابن الهمام

استحباب إطالته، ـــــــــــــــــــــــــــــ أخرج أبو داود والنسائي والترمذي في الشمائل قلت وابن خزيمة وابن حبان كما قاله الحافظ عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال انكسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام - عليه السلام - فلم يكد يركع ثم ركع فلم يكد يرفع ثم رفع فلم يكد يسجد ثم سجد فلم يكد يرفع ثم رفع فلم يكد يسجد ثم سجد فلم يكد يرفع ثم رفع وفعل في الأخرى مثل ذلك وأخرجه الحاكم من طريق سفيان الثوري عن عطاء وسفيان سمع من عطاء قبل اختلاطه أي بخلاف تلك الروايات السابقة فإن رواتها عن عطاء سمعوا منه بعد الاختلاط قال الحافظ لو كان الراوي عن سفيان متقنًا لما ضر الكلام في عطاء قال الشيخ في شرحه أخرجه أبو داود وفي سنده عطاء بن السائب وهو مختلف فيه وقد رواه ابن خزيمة في صحيحه والحاكم في المستدرك من طريق آخر صحيح وقال هو صحيح وظاهره أنهما لم يخرجا الطريق الأول وليس الأمر كذلك بل كل منهما أخرجها أيضًا وأخرج الطريق الثانية عن مؤمل بن إسماعيل عن سفيان عن عطاء وروياه عن سفيان عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو مثله ومؤمل صدوق لكن ضعفوه من قبل حفظه ويعلى عن عطاء من رجال مسلم لكن أبو عطاء يقال له العامري لم يذكروا فيه جرحا ولا تعديلا وهو غير عطاء بن السائب فلما كان مؤمل متقنًا سمي الأمر في المتابعات وكان السائب والد عطاء ليس من رجال الصحيح وأخرجه أحمد والنسائي من رواية شعبة عن عطاء بن السائب وهو ممن سمع منه قبل الاختلاط لكن قال في روايته وأحسبه قال في السجود فإذا كان المتقين تردد والذي لم يتردد غير متقن فكيف يحكم لهذه الزيادة بالصحة لكن عادة ابن خزيمة والحاكم وابن حبان إطلاق الصحيح على الحسن وهذا الحديث ليس بقاصر عن درجة الحسن وإذا تقرر ذلك فلا يخسن أنه صحيح تقليدًا لمن لا يرى التفرقة اهـ. قال الحافظ وقد وجدت لرواية يعلى بن عطاء علة لكنها غير قادحة وهي أنه جاء في رواية واسطة بينه وبين أبيه قال ويمكن الجمع بأن يكون ليعلى فيه اسنادان اهـ. قوله: (ولا يُطَوِّلُ القيام من الاعِتدالِ الخ) ذكر نحوه في المجموع

ولا يطوِّل الاعتدال على الركوع الثاني، ولا التشهد وجلوسه، والله أعلم. ولو ترك هذا التطويل كلَّه، واقتصر على الفاتحة صحَّت صلاتُه. ويستحبُّ أن يقول في كل رفع من الركوع; سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد، فقد روينا ذلك في الصحيح. ويسنُّ الجهر بالقراءة في كسوف القمر، ـــــــــــــــــــــــــــــ وزاد فنفي الخلاف ونظر فيه الحافظ بأن أحمد قال به في رواية. قوله: (ولا يطوِّلُ الاعتِدال عَنِ الرُّكُوعِ الثَّانِي ولا التَّشهُّدَ وجُلوسَهُ) قلت ذكر نحوه في شرح المهذب وزاد نفي الخلاف وفيه نظر أما الاعتدال المذكور فقال به أحمد في رواية وأثبت في صحيح مسلم من حديث جابر قال كسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم شديد الحر فصلى رسول الله بالناس فقام فأطال القيام حتى جعلوا يخرون ثم ركع فأطال ثم ركع فأطال ثم رفع فأطال ثم سجدتين فذكر الحديث أخرجه أبو عوانة والنسائي وإطلاق القوم على حديث جابر الصحة وما ترتب عليها أولى من إطلاق ذلك على حديث عبد الله بن عمر من تطويل الجلوس بين السجدتين والقياس يقتضي استواءهما أما تطويل الجلوس بين السجدتين آخر الصلاة فيؤخذ من حديث أبي بن كعب فإن آخر الحديث وجلس كما هو مستقبل القبلة يدعو حتى ذهب كسوفهما قال الحافظ حديث حسن أخرجه أبو داود والبيهقي والله أعلم. قوله: (ويُستَحَبُّ أَنْ يَقولَ في كلِّ رَفْعٍ منَ الركُوع سَمعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ رَبنا لَكَ الْحَمْدُ) قال الحافظ كذا في عدة نسخ والذي في الصحيحين بإثبات الواو ثم ساق حديث عائشة الذي أخرجه أهل الصحيح وغيرهم كما سبق وفيه ثم رفع فقال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ذكر ذلك في كل رفع من ركوع وللشافعي نص آخر أنه يسبح في كل ركوع بقدر قراءة قيامه. قوله: (رَبنا لَكَ الْحَمْدُ) أي إلى آخر ذكر الاعتدال كما في شرح الروض وغيره. قوله: (ويُسَنُّ الْجَهَرُ بالْقرَاءَةِ في كُسُوفِ القمَر الخ) لجهره بصلاته بالإجماع وذلك لأنها صلاة ليلية أو ملحقة بها وما رواه الشيخان عن عائشة أنه - صلى الله عليه وسلم - جهر في صلاة الخسوف بقراءته والترمذي عن سمرة قال صلى - صلى الله عليه وسلم - في كسوف لا نسمع له صوتًا وقال حسن صحيح وعن علي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جهر بالقراءة في كسوف الشمس أخرجه البيهقي وغيره كذلك وأوله عنده كسفت الشمس على عهد رسول الله فبعث رسول الله مناديا ينادي إن الصلاة جامعة

ويستحبُّ الإسرار في كسوف الشمس، ثم بعد الصلاة يخطب خطبتين يخوِّفهم فيهما بالله تعالى، ويحثُّهم على طاعة الله تعالى، وعلى الصدقةِ والإعتاقِ، فقد صحَّ ذلك في الأحاديث المشهورة، ويحثهم أيضًا على شكر نِعَمِ الله تعالى، ويحذِّرهم الغفلة والاغترار، والله أعلم. روينا في "صحيح البخاري" وغيره، عن أسماء رضي الله عنها قالت: "قد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـــــــــــــــــــــــــــــ فاجتمعوا وتقدم رسول الله فقرأ قراءة طويلة يجهر فيها الحديث وفي حديثه النداء للاجتماع قال الحافظ وهذا من فوائد المستخرجات وقد أغفله المصنف في هذا الكتاب وأفردها الشيخان اهـ. قوله: (ويُستحَبُّ الإسرَارُ في كُسوفِ الشَّمْس) أي للاتباع رواه الترمذي وغيره. قوله: (يَخْطبُ خطْبتَينِ) أي كخطبتي الجمعة فلا تجزئ خطبة واحدة للاتباع وما فهمه جمع من عبارة البويطي من إجزائها مردود بأن عبارة البويطي لا تفهمه خلافًا لمن توهمه ثم القول بالخطبة للكسوف خالف في مشروعيتها بعض الأئمة من المذاهب الثلاثة وقد وقع التصريح بذلك في الصحيحين لكن بلفظ خطب ولم يذكر الشيخ التعدد للخطبتين إلَّا بالقياس فقد ثبت أنه خطب فيه خطبتين وأما تأخيرها عن الصلاة فدلت عليه الأحاديث لكن أخرج الحافظ عن ابن مسعود قال انكسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخطب النّاس فقال إن الشمس والقمر آيتان فذكر الحديث وفي آخره ثم نزل فصلى بالناس قال الحافظ حديث حسن أخرجه البزار وقال ابن خزيمة في هذا الحديث إن خطبة الكسوف قبل صلاتها فليحرر ذلك من قبل ومن بعد قلت وهو مبني على تعدد الكسوف وزمن الكسوف وعلى ذلك يحمل الاختلاف في عدد ركوع الركعة من واحدة إلى خمسة ومن الجهر بالقراءة والإسرار اهـ. قوله التصريح بها في الصحيحين. قوله: (عَنْ أَسمَاءَ رَضِيَ الله عَنهَا) هي أسماء بنت أبي بكر الصديق زوج الزبير بن العوام أمها وأم أخيها عبد الله قيلة ويقال ورجحه الشيخ في المهمات قيلة بقاف فوقية فتحتية بالتصغير من بني عامر أكثر الروايات أنها لم تسلم كانت أسماء رضي الله عنها من قدماء الإسلام والهجرة وشهدت كثيرًا من المشاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشهدت اليرموك مع زوجها الزبير

باب الأذكار في الاستسقاء

بالعتاقة في كسوف الشمس"، والله أعلم. باب الأذكار في الاستسقاء يستحبُّ الإكثار فيه من الدعاء والذكر، والاستغفار بخضوع وتذلل، والدعوات المذكورة فيه مشهورة، منها: "اللَّهُمَّ اسْقِنا غَيْثًا مُغِيثًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وكان عمر يفرض لها في ديوان العطاء ألفًا وكانت تعبر الرؤيا أخذت ذلك عن أبيها وأخذه عنها سعيد بن المسيب وكانت إذا مرضت تعتق أرقاءها وعن ابن الزبير ما رأيت امرأتين أجود من عائشة وأسماء وكان جودهما مختلفًا أما عائشة فكانت تجمع الشيء إلى الشيء حتى إذا اجتمع عندها وضعته مواضعه وكانت أسماء لا تدخر لغد، سميت بذات النطاقين لشقها نطاقها للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأبيها في حديث الهجرة عاشت بعد موت ولدها عبد الله رضي الله عنهما ثلاث ليالٍ وقيل عشرًا وقيل عشرين روي لها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قيل ثمانية وأربعون حديثًا اتفقا منها على ثلاثة عشر وانفرد البخاري بخمسة ومسلم بأربع وخرج عنها أصحاب السنن وغيرهم روى عنها ابنها عبد الله وعروة ماتت سنة ثلاث أو أربع وسبعين عن مائة وكانت أسن من عائشة بعشر سنين وهي أكبر ولد أبي بكر رضي الله عنهما. قوله: (بالْعَتَاقة) وهو بفتح العين أي فك الرقاب من العبودية وذلك لأن العتاق وسائر الخيرات تدفع العذاب اهـ.، والله أَعْلمُ بالصواب. باب الأذكار في صلاة الاستسقاء الاستسقاء استفعال من السقيا فكأنه يقول باب الصلاة لطلب السقيا قوله: (يُسْتحَبُّ الإِكثار فِيهِ مِن الدُّعَاءِ) لأنه سبب الإجابة بمقتضى الوعد الذي لا يخلف. قوله: (والاسْتِغفارِ) قال تعالى فقلت {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 11، 10] ". قوله: (بخُضُوع) أي بالقلب وتذلل بالذال المعجمة أي في الظواهر من الجوارح وبعبر عنه بالخشوع وسبق في الفصول أول الكتاب الكلام على ذلك. قوله: (اسقِنَا) بهمزة وصل وبهمزة قطع. قوله: (مُغِيثًا) بضم الميم وبالغين المعجمة أي من الإغاثة بمعنى الإعانة وإسناد الإغاثة إليه مجاز عقلي إذ المغيث على الحقيقة هو

هَنِيئًا مَرِيئًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الله تعالى وفي صحيح مسلم اللهم أغثنا قال القاضي عن بعضهم ما هنا من الإغاثة بمعنى المعونة وليس من طلب الغيث ويحتمل أنه من طلبه أي هيئ لنا غيثأ وفي الحرز اسقنا غيثا أي مطرا يغيثنا من الجدب فقوله مغيثًا تأكيدًا وتحديدًا وأريد به المنقذ من الشدة على ما في النهاية وهو بضم الميم يقال غثت الأرض فهي مغيثة إذا أصابها المطر اهـ، وفيه كما قال الملا محمد حنفي إن ما ذكره من اللغة لا يلائم تقييده بالضم إنما يلائم الفتح فالظاهر ما قاله الطيبي أنه عقب الغيث أي المطر الذي يغيث الخلق من القحط بالمغيث على الإسناد المجازي وإلَّا فالمغيث في الحقيقة هو الله تعالى وفي القاموس غاث الله البلاد والغيث الأرض أصابها وغيثت الأرض تغاث فهي مغيثة ومغوثة اهـ. قوله: (هَنِيئًا) بالتحتية بعد النون ثم الهمزة أي لا ضرر فيه ولا وباء. قوله: (مَرِيئًا) بفتح الميم وبالمد وبالهمز قاله صاحب السلاح وهو المحمود العاقبة الذي لا وباء فيه وقال ميرك الهمز هو المصحح في أصولنا من الأذكار والسلاح والحصن اهـ، وفي الحرز ويلائمه ما في النهاية من أنه مهموز مرأ الطعام وأمرأني إذا لم يثقل على المعدة وانحدر عنها طيبًا وقال التوربشتي في شرح المصابيح أي هنيئًا صالحًا كالطعام الذي يمرؤ ومعناه الخلو عن كل ما ينغصه كالهرم والفرق ونحوهما ويحتمل أن يكون بتشديد الياء من غير همز من قولهم ناقة مري أي كثيرة الدر ولا أحققه رواية وفي المرقاة إنه على هذا الاحتمال يكون بضم الميم وقال ابن الجزري إنه بفتح الميم وتشديد الياء أي كثير الخير والمرية الناقة الغزيرة الدر من المري وهو الحلب وزنه فعيل أو مفعول اهـ. فعليه هو ناقص أو مهموز أبدلت الهمزة ياءً أو واوا فأدغم كما في النبي وليس اختلاف الروايات في لفظ من الحديث من الاضطراب خلافًا لما وهمه الحنفي في شرح الحصن بل هو كاختلاف القراء في الآية ولكل وجه وجيه والله أعلم. قوله: (مَرِيعا) قال في السلاح بفتح الميم وكسر الراء من المراعة وهو الخصب وقال ابن الجزري بضم الميم وفتحها هو الخصب النافع يقال أمرع الوادي إذا خصب ومرع بضم الراء مراعة فهو مريع اهـ، وظاهر سياقه بأن ضم الميم بناء على أنه من أمرع وفتحها بناء على أنه من مرع والثاني مسلم والأول محل بحث لأنه لو كان من أمرع لقيل فيه ممرع لا مريع لأنه من أراع قال في السلاح وروي بضم الميم

غَدَقًا مُجَلِّلًا سَحًّا عامًّا طَبَقًا دَائمًا، اللَّهُمَّ على الظِّراب وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ، وبُطُونِ الأوْدِيَةِ، اللهُم ـــــــــــــــــــــــــــــ والباء الموحدة من قولهم ارتبع البعير وتربع إذا أكل الربيع اهـ، وفي الحرز هذا الضبط له معنى آخر هو العام أي بتشديد الميم فقال أي عاما يعني من الارتياع والنجعة أي طلب الكلام بل النّاس يرتعون حيث شاؤوا أي يقيمون ولا يحتاجون إلى الانتقال في طلب الكلام بل النّاس يرتعون حيث شاؤوا أي يقيمون ولا يحتاجون إلى الانتقال في طلب الكلام وأصل الكلام للطيبي قال في السلاح وروي أيضًا بضم الميم وبالمثناة الفوقية من قولهم ارتعت المشاية ترتع رتوعا إذا أكلت ما شاءت وارتع الغيث أثبت ما ترتفع فيه الماشية قال الطيبي عقب الغيث وهو المطر الذي يغيث الخلق من القحط بالمغيث على الإسناد المجازي والمغيث في الحقيقة هو الله تعالى وأكد مريعا بمرتعا بالتاء بمعنى ينبت الله به ما ترتفع به الإبل اعتناء بشأن الخلق واعتمادا على سعة رحمة الخلق. قوله: (غَدَقًا) بفتح الغين المعجمة والدال المهملة وبكسر الدال المهملة أيضًا قال الأزهري الغدق الكثير الماء والخير وقال ابن الجزري المطر الكبار القطر قال الجوهري غدقت العين بالكسر أي غزرت فالغدق بالفتح مصدر وبالكسر صفة. قوله: (مجلِّلا) بكسر السلام أي يجلل البلاد والعباد نفعه ويتغشاهم بخيره قال ابن الجزري ويروى بفتح اللام على المفعول قال في الحرز ولعل معناه حينئذٍ واصلًا إلى جميع جوانب الأرض كالشيء المجلل اهـ، والظاهر موصلا بصيغة اسم المفعول إلى جميع جوانب الأرض. قوله: (سَحًّا) بفتح السين وتشديد الحاء المهملتين أي شديد الوقع على الأرض يقال سح الماء يسح إذا سأل من فوق إلى أسفل وساح الوادي يسيح إذا جرى على وجه الأرض والعام الشامل. قوله: (طبقًا) بفتح أوله المهمل وثانيه الموحدة والقاف آخره قال الأزهري يطبق الأرض مطره فيصير كالطبق عليها وفيه مبالغة اهـ. قال ابن الملقن في البدر المنير وقع في كلام المصنف يعني الرافعي تبعًا للشافعي والأصحاب عامًا طبقا قالوا بدأ بالعام ثم أتبعه بالطبق لأنّه صفة زائدة في العام اهـ. قوله: (دَائِمًا) أي بقدر الحاجة وإلَّا فدوامه مفسد وما أحسن الشاعر في قوله:

إنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إنَّكَ كُنْتَ غَفَّارا، فأرسل السَّماءَ عَلَيْنا مِدْرارًا اللهم اسْقِنا الغَيْثَ ولا تَجْعَلْنا مِنَ القَانِطِينَ، اللهم أنْبِتْ لنَا الزَّرْعَ، وأَدِرَّ لنَا الضَّرْعَ، وَاسْقِنا مِنْ بَرَكاتِ السَّماءِ، وأنْبِتْ لَنا مِنْ بَرَكاتِ الأرْضِ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الجَهْدَ والجُوعَ والعُرْيَ، واكْشِفْ عَنَّا مِنَ البَلاءِ ما لَا يَكْشِفُهُ غَيْرُكَ". ويستحبُّ إذا كان فيهم رجل مشهور بالصلاح أن يستسقوا به فيقولوا: "اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَسْقِي وَنَتَشَفَّعُ إلَيْكَ بِعَبْدِكَ فُلانٍ". وروينا في "صحيح البخاري" أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، ـــــــــــــــــــــــــــــ فسقي ديارك غير مفسدها ... صوب الربيع وهاطل ترب قوله: (إِنا نَسْتَغفِرُكَ) أي نسألك غفران ذنوبنا. قوله: (إِنكَ كُنْتَ غَفارًا) أي ولم تزل على ذلك. قوله: (فأَرْسِل السَّماء) أي السحاب علينا مدرارًا أي كثير الدر والمطر. قوله: (وَأدِرَّ لنَا الضَّرْعَ) أي اجعله ذا در أي لبن قال الجوهري الضرع لكل ذات ظلف أو خف. قوله: (بَركَاتِ السماءِ الخ) بركات السماء كثرة مطرها مع الربيع والنماء، وبركات الأرض ما يخرج منها من زرع ومرعى والسماء هنا السحاب قال الزمخشري في تفسيره ويجوز أن يكون المراد هنا المطر والسحاب ويجوز أن يكون المراد بها الظلمة لأن المطر ينزل منها إلى السحاب. قوله: (الْجَهدَ) بفتح الجيم المشقة وبضمها وفتحها الطاقة قاله الجوهري وغيره وذكر المصنف في شرح مسلم إن الضم في الجهد بمعنى المشقة لغة قليلة والظاهر أن المراد من الجهد هنا المشقة. قوله: (والعُرْيَ) بضم العين وإسكان الراء المهملتين. قوله: (ويُسْتَحبَّ إِذَا كَانَ فِيهمْ رَجُل الخ) فإن كان من أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أعلى وأولى. قوله: (رَوَيْنَا في صَحِيحِ البُخَارِي) هو من حديث أنس وعنه أخرجه البخاري هكذا قال الحافظ في تخريج الرافعي واستدركه الحاكم فوهم وأخرجه الحافظ من وجه آخر مطولًا بسند ضعيف. قوله: (قَحِطوا) أي احتبس عنهم المطر يقال قحط المطر بفتح حائه وكسرها إذا احتبس ويقال قحط بضم القاف وفتحها وكذا يقالان في قحطوا ذكره البعلي في المطلع. قوله: (اسْتَسْقى بالْعَبَّاس الخ) في أسد الغابة إن ذلك كان عام الرمادة فسقاهم الله به وأخصبت الأرض قوله فقال عمر

فقال: اللهُم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا - صلى الله عليه وسلم - فتسقِيَنا، وإنا نتوسَّلُ إليك بعمِّ نبينا - صلى الله عليه وسلم - فاسقنا، فيُسْقَوْنَ. وجاء الاستسقاء بأهل الصلاح عن معاوية وغيره. والمستحبُّ أن يقرأ في صلاة الاستسقاء ما يقرأ في صلاة العيد، وقد بَيَّناه، ويكبِّر في افتتاح الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمس تكبيرات كصلاة العيد، وكل الفروع والمسائل التي ذكرتُها في تكبيرات العيد السبع والخمس يجيء مثلها هنا، ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا والله الوسيلة إلى الله والمكان منه وقال حسان بن ثابت: سأل الإِمام وقد تتابع جدبنا ... فسقي الغمام بغرة العباس عم النبي وصفو والده الذي ... ورث النبي بذاك دون النّاس أحيي الإله به البلاد فأصبحت ... مخضرة الأجناب بعد اليأس ولما سقي النّاس طفقوا يتمسحون بالعباس ويقولون له هنيئًا لك ساقي الحرمين اهـ. قوله: (فَقَال) أي عمر أما العباس فإنه قال اللهم إنه لم ينزل بلاءً إلّا بذنب ولم يكشف إلّا بتوبة وقد توجه بي القوم لمكاني من نبيك - صلى الله عليه وسلم - وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث قاله الزبير بن بكار وقال أرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض أورده السيوطي في التوشيح. قوله: (وجاءَ الاسْتِسقْاءُ بأَهْلِ الصَّلاحَ عَنْ معَاويةَ الخ) استسقى معاوية بيزيد بن الأسود فقال اللهم أنا نستسقي بيزيد بن الأسود يا يزيد ارفع يديك إلى الله تعالى فرفع يديه ورفع النّاس أيديهم فثارت سحابة من المغرب كأنها ترس وهب بها ريح فسقوا حتى كاد النّاس لا يبلغون منازلهم واستسقى عمر بالعباس كما سبق وكذا فعله كثير من السلف وفي تخريج أحاديث الرافعي للحافظ حديث أن معاوية استسقى بيزيد بن الأسود أخرجه أبو زرعة الدمشقي في تاريخه بسند صحيح ورواه أبو القاسم اللالكائي في السنة في كرامات الأولياء منه وروى ابن بشكوال من طريق حمزة عن ابن أبي حملة قال أصاب النّاس قحط بدمشق فخرج الضحاك بن قيس يستسقي فقال ابن يزيد بن الأسود فقام وعليه برنس ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال أي رب إن عبادك

ثم يخطب خطبتين يكثر فيهما من الاستغفار والدعاء. وروينا في سنن أبي داود، بإسناد صحيح على شرط مسلم، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - بَوَاكٍ، فقال: "اللهُمَّ اسقِنا غَيثًا مُغِيثًا مَرِيئًا مَرِيعًا نافِعًا غَيرَ ضَارٍّ، عَاجِلًا غَيرَ آجِلٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تقربوا بي إليك فاسقهم قال فما انصرفوا إلَّا وهم يخوضون في الماء وروى أحمد في الزهد أن نحو ذلك وقع لمعاوية مع أبي مسلم الخولاني اهـ. قوله: (ثُم يَخطبُ خطْبتَينِ الخ) ما ذكره من تأخير الخطبتين عن الصلاة هو الأفضل وإلَّا فلو قدمهما عليها جاز كما سيأتي فقد رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة لكن الخطبة بعدها بالنسبة إلينا أفضل لأنه أكثر رواة ومتعضد بالقياس على خطبة العيد والكسوف. قوله: (يكْثرُ فيهِمَا الخ) أي ويبدل التكبير في أول الخطبة بالاستغفار تسعا في الأولى وسبعا في الثانية فيقول استغفر الله العظيم الذي لا إله إلَّا هو الحي القيوم وأتوب إليه ويبدل ما يتعلق بالفطرة والأضحية منها بما يتعلق بالاستغفار ويدعو في الأولى جهرًا وينبغي أن يكون بالمشروع وبعد مضي نحو ثلث الثانية ويستقبل القبلة الدعاء إن لم يستقبل للدعاء في الأولى ويبالغ في الدعاء سرًّا وجهرا. قوله: (أَتَتِ التَبي - صلى الله عليه وسلم - بَواكٍ) وفي نسخة بواكي وهو بالباء الموحدة أوله جمع باكية وكذا في غير نسخة من السنن وقال الخطابي قال يعني جابر رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يواكي بضم التحتية قال ومعناه يتحامل على يديه أي رفعهما ومدهما في الدعاء ومنه التوكئ على العصا أي التحامل عليها قال ابن الأثير في النهاية الصحيح أن ما قاله الخطابي لم تأت به الرواية ولا انحصر الصواب فيه بل ليس هو واضح المعنى وفي رواية البيهقي أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - هوازن بدل بواكي اهـ. ما نقله عن المصنف ذكره في كتاب الخلاصة ثم قوله إن رواية البيهقي أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - هوازن فيه سقط إنما هي كما رأيته بخط ابن رسلان في شرحه لسنن أبي داود أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - بواكي هوازن قال ورواه أبو عوانة في صحيحه بلفظ أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - هوازن قال ابن رسلان وهذه الروايات ترد بظاهرها على ما قاله الخطابي اهـ. قوله: (مَرِيئًا) قال في المرقاة في رواية هنيئًا قبله. قوله: (غيْرَ ضَارٍّ) تأكيد وكذا قوله غير آجل قال الطيبي الغيث هو المطر الذي يغيث الخلق من القحط نعته بالمغيث

فأطْبَقَتَ عَلَيهِمُ السَّماءُ". وروينا فيه بإسناد صحيح عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده - رضي الله عنه، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استسقى قال: "اللهم اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهائِمَكَ، وَانْشُرْ رحْمَتتَكَ، وأحْيِ بَلَدَكَ المَيتَ". وروينا فيه بإسناد صحيح قال أبو داود في آخره: هذا إسناد جيد عن عائشة رضي الله عنها قالت: "شكا النّاس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قحوط ـــــــــــــــــــــــــــــ على الإسناد المجازي وإلَّا فالمغيث حقيقة هو الله سبحانه وأكد مريئًا بمرتعا بالتاء بمعنى ينبت الله به ما ترتع الإبل وأكد النافع بغير ضار وعاجلًا بغير آجل اعتناء بشأن الخلق واعتمادًا على سعة رحمة الحق فكما دعا - صلى الله عليه وسلم - بهذا الدعاء كانت الإجابة طبقًا حيث أطبقت عليهم السماء فإن في إسناد الأطباق إلى السماء والسحاب هو المطبق أيضًا مبالغ اهـ. قوله: (فأَطْبقَتْ عَلَيهِمُ السماء) بالبناء للفاعل وقيل للمفعول يقال أطبق على كذا إذا جعل الطبق على رأس شيء وغطاه به أي جعلت السحاب كطبق قيل أي ظهر السحاب في ذلك الوقت وغطاهم كطبق فوق رؤوسهم بحيث لا يرون السماء من تراكم السحاب وعمومه الجوانب وقيل أطبقت بالمطر الدائم يقال أطبقت عليه الحمى أي دامت وفي شرح السنة أي ملأت والغيث المطبق هو العام الواسع. قوله: (اللَّهمَّ اسْقِ) بوصل الهمزة وقطعها كما سبق تحقيقه لغة ورواية فلا وجه لحصر الحنفي في شرح الحصن بقوله أمر من السقي من باب ضرب. قوله: (عبَادكَ) أي ذوي العقول قال ابن رسلان وذكر العباد هنا كالسبب للسقي أي اسقهم لأنهم عبيدك المتذللون الخاضعون لك وبهائمك أي الحيوانات والحشرات وانشر بضم الشين رحمتك أي ابسطها على جميع الخلق أي جميع الموجودات من الحيوانات والنباتات والجمادات وفيه إيماء إلى قوله: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ} [الشورى: 28] أي في كل شيء من السهل والجبل والنبات والحيوان ذكره البيضاوي. قوله: (وأَحي) هو بفتح الهمزة به بلدك الميت، قال ابن رسلان روى الطبراني في الأوسط اللهم أنزل علينا من السماء ماءً طهورًا وأحي به بلدة ميتًا وأسق مما خلقت أنعاما وأناسي كثيرًا. قوله: (شَكَى النَّاسُ) يقال شكيت شكاء بالألف وقيل بالياء. قوله: (قُحوطَ

المطر، فمر بمنبر فوضع له في المصلى، ووعد النّاس يومًا يخرجون فيه، فخرج رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر - صلى الله عليه وسلم -، فكبر وحَمِد الله عزّ وجل، ثم قال: "إنَّكُمْ شَكَوْتُم جَدْبَ دِيارِكمْ، وَاسْتِئْخَارَ المَطَرِ عَنْ إبَّان زَمانِهِ عَنْكُمْ، وَقَدْ أمَرَكُمُ الله سُبْحانَهُ أنْ تَدْعُوهُ، وَوَعَدَكُمْ أنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ، ثم قال: الحَمْدُ لِلَهِ رَب العَالمِينَ، الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، مالِكِ يَوْم الدينِ، لا إلهَ إلَّا الله ـــــــــــــــــــــــــــــ المَطرِ) بضم القاف أي فقده قال الطيبي القحوط مصدر بمعنى القحط أو جمع وأضيف إلى المطر يشير إلى عمومه في بلدان شتى. قوله: (حِينَ بَدا حَاجبُ الشمس) بدا بالألف اللينة لا بالهمزة أي ظهر وحاجب الشمس أولها أو بعضها قال الطيبي أي أول طلوع شعاع من الأفق قال ميرك الظاهر إن المراد بالحاجب ما طلع أولًا من جرم الشمس مستدقا مشبهًا بالحاجب قال في المرقاة ويؤيده ما في المغرب حاجب الشمس أول ما يبدو من الشمس مستعار من حاجب الوجه اهـ، ويؤيده ما قاله ابن رسلان أيضًا قال أي حرفها الأعلى من قرصها سمي بذلك لأنه أول ما يبدو منها كحاجب الإنسان قال وعلى هذا يختص الحاجب بالحرف الأعلى البادي أولًا ولا يسمى جميع نواحيها حواجب اهـ. قوله: (واسْتِئْخَار المَطرِ) قال ابن رسلان بهمزة ساكنة بعد المثناة أي تأخره قال الطيبي السين للمبالغة يقال استأخر إذا تأخر تأخرا بعيدًا قلت ولا يخالفه قول ابن رسلان يقال أخر وتأخر واستأخر بمعنى لأن كلام الطيبي لبيان موقع اللفظ. قوله: (عَنْ إِبَّانِ زَمَانِه) سيأتي ضبط الإبان ومعناه في الأصل وإنه الوقت وإضافته إلى الزمان من إضافة الخاص إلى العام أي من أول زمان المطر والإبان أول الشيء كذا في المرقاة. قوله: (أَمرَكُمْ أَن تَدْعُوهُ الخ) أي بقوله: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] أي ووعد الله لا خلف فيه. قوله: (ثُمَّ قَال الحْمدُ لله رَبِّ الْعَالمِينَ) أي في هذا الحال وفي كل حال الرحمن الرحيم أي المفيض على عباده في الدنيا والآخرة بالنعم الجليلة والدقيقة تارة بصورة النعماء وأخرى في صورة البلوي وفي ذلكم بلاءً من ربكم عظيم. قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] وفي نسخة ملك وهما قراءتان متواترتان الأكثرون على الأول

يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللهُم أنْتَ اللهُ، لا إلهَ إلَّا أنْتَ الغَنِيُّ وَنَحْنُ الفُقَراءُ، أنزِلْ عَلَينا الغَيثَ، وَاجْعَلْ ما أَنْزَلْتَ لنَا قوَّة وَبَلاغًا إلى حِينٍ"، ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبْطيه، ـــــــــــــــــــــــــــــ قيل وهو أبلغ عند الأكثر أي مالك كل شيء وقت وحين والتخصيص لعظمة يوم الدين وفيه إيماء إلى أن هذا البلاء مجازاة في الدنيا لما صدر من العباد من التقصير في العبودية كما أشار إليه في هذا الخبر وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]. قوله: (يفْعلُ مَا يُريدُ) لا راد لحكمه ولا معقب لأمره وفيه إشارة إلى مقام التفويض والتسليم دائمًا لأنه لا يجب عليه سبحانه شيء كما ورد يا عبدي تريد وأريد ولا يكون ما أريد فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط وقد عقد هذا المعنى أبو الدرداء رضي الله عنه فقال: تريد النفس أن تبلغ مناها ... ويأبى الله إلَّا ما أرادا يقول العبد فائدتي ومالي ... وتقوى الله أولى ما استفادا قوله: (لَا إِلَه إلا أَنْتَ) تأكيد لما قبله. قوله: (الْغني) أي بالذات عن العبد وعمله وبالعرض إن كل من في السموات والأرض إلَّا آتي الرحمن عبدا. قوله: (ونَحنُ الْفقرَاءُ) أي الملازمون للافتقار المحتاجون إليك في الإيجاد والإمداد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ والله هو الغني الحَمِيدُ} [فاطر: 15] وفيه المحسنات البديعية أي مقابلة الجمع بين الغني والفقير. قوله: (فأَنْزلْ عَليْنا الْغَيثَ) هو بفتح همزة أنزل وفي نسخة من المشكاة غيثا أي أنزل غيثا يغيثنا ويعيننا فقد عرفنا قدر النعم عند فقد بعضها. قوله: (قُوتَ عيشِنَا) أي يحصل به القوت المقوي على العبادة والمعنى اجعله نفعًا لنا لا مضرة علينا. قوله: (وبَلاغًا) أي زادا يبلغنا وقال الطيبي البلاغ ما يتبلغ به إلى المطلوب. قوله: (إِلى حِين) أي إلى آجالنا والمراد اجعل الخير الذي أنزل علينا سببًا لقوتنا على الطاعة ومددًا لنا مددًا طوَالًا. قوله: (حَتى بدَا بَيَاضُ إبطَيْه) وفي رواية عفرة إبطيه ولا تخالف لأنها عفرة نسبية لا سيما مع وجود الشعر في ذلك المحل ودعوى إنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن له شعر فيه لم تثبت بل ثبت نتفه - صلى الله عليه وسلم - للشعر من ثمة وفيه المبالغة في الرفع وهو المراد بما ورد ولم يرفع يديه - صلى الله عليه وسلم - إلّا في الاستسقاء أي رفعا تامًّا وإلَّا

ثم حوَّل إلى النّاس ظهره، وقلب أو حوَّل رداءه وهو رافع يديه، ثم أقبل على النّاس ونزل فصلى ركعتين، فأنشأ الله عزّ وجل سحابة، فرعدت وبرقت، ثم أمطرت بإذن الله تعالى، فلم يأت مسجدَه حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكِن ضحك - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه، فقال: "أشْهَدُ أن الله على كُل شيءٍ قَدِيرٌ، وأنِّي عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ". قلت: ـــــــــــــــــــــــــــــ فاصل الرفع إلى تلك المرتبة ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - في مواطن كثيرة أفردها الجلال السيوطي بجزء ولذا كان ذلك من سنن الدعاء خارج الصلاة ومن الطواف فيسن رفع اليدين لدعائه كما في شرح المنهاج لابن حجر الهيتمي خلافا لما في الحرز من عدم طلبه. قوله: (ثُم حَوّل إِلى النَّاس ظهْرهُ) أي واستقبل القبلة إشارة إلى التبتل إلى الله والانقطاع عما سواه. قوله: (وقَلب) بتشديد اللام وفي المرقاة وفي نسخة بتخفيفها وكذا ضبطه ابن رسلان في شرح أبي داود "أو تحول" هو شك من الراوي وتحويل الرداء للتفاؤل بتحويل الحال من الشدة إلى الخصب وفي المرقاة قد جاء بهذا التعليل مصرحًا به في الخبر المرفوع ففي المستدرك من حديث جابر وصححه قال حول رداءه لتحول القحط وفي طوالات الطبراني من حديث أنس وقلب رداءه لكي ينقلب القحط إلى الخصب قلت وكون التعليل من المرفوع سبق قلم إذ هو موقوف والله أعلم وتحويل الرداء أن يأخذ بيده اليمنى الطرف الأسفل من جهة يساره وبيده اليسرى الطرف المقبوض بيده اليمنى على كتفه الأعلى من جانب اليمين والمقبوض بيده اليسرى على كتفه الأعلى من جانب اليسار فإذا فعل ذلك فقد إنقلب اليمين يسارًا وبالعكس والأسفل أعلى وبالعكس قال السهيلي وطول ردائه - صلى الله عليه وسلم - أربعة أذرع وعرضه ذراعان وشبر اهـ. قوله: (وهُوَ رَافِع يَديْهِ) يعني إن هذه الحالة موجودة منه - صلى الله عليه وسلم - في حال تحويل ظهره وردائه أيضًا. قوله: (وبَرقَتْ) بفتح الراء ونسبة الرعد والبرق إلى السحاب مجاز أي ظهر فيه ذلك وفي النهاية برقت بالكسر بمعنى الحيرة وبالفتح من البريق اللمعان. قوله: (الْكِنِّ) هو بكسر الكاف وتشديد النون وهو ما يرد به الحر والبرد من المساكن وقوله ضحك جواب لما وكان ضحكه تعجبًا من طلبهم المطر اضطرارا ثم طلبهم الكن عنه فرارا. قوله: (حَتي بدَتْ نَواجذُه) بالذال المعجمة وهي الضواحك التي تبدو عند الضحك وقيل هي الأضراس والأنياب

إبَّان الشيء: وقتُه، وهو بكسر الهمزة وتشديد الباء الموحدة. وقحوط المطر، بضم القاف والحاء: احتباسه. والجَدْبُ، بإسكان الدال المهملة: ضد الخصب. وقوله: ثم أمطرت، هكذا هو بالألف، وهما لغتان: مطرت، وأمطرت، ولا التفات إلى من قال: لا يقال: أمطرت بالألف إلا في العذاب. وقوله: بدت نواجده: أي ظهرت أنيابه، وهي بالذال المعجمة. واعلم أن في هذا الحديث التصريح بأن الخطبة قبل الصلاة، وكذلك هو مصرح به في "صحيحي البخاري ومسلم"، وهذا محمول على الجواز. والمشهور في كتب الفقه لأصحابنا وغيرهم: أنه يستحب تقديم الصلاة على الخطبة لأحاديث أخر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم الصلاة على الخطبة، والله أعلم. ويستحبُّ الجمع في الدعاء بين الجهر والإسرار، ورفع الأيدي فيه رفعا بليغًا. قال الشافعي رحمه الله: وليكن من دعائهم: "اللهم أمَرْتَنا بِدُعائِك، ووَعَدْتَنا إجابَتَكَ، وَقَدْ دَعَوْنَاكَ كما أمَرْتَنا، فأجِبْنا كما وَعَدْتَنا، اللهُم امْنُنْ عَلَيْنا بِمَغْفِرَةِ ما قارَفْنا، وإجَابَتِكَ في سُقْيانا ـــــــــــــــــــــــــــــ والمشهور أنها أقصى الأسنان والمراد هنا الأول لأنه ما كان يضحك حتى يبلغ به الضحك إلى أن تبدو أضراسه كيف وقد جاء في صفة ضحكه التبسم قاله ابن رسلان. قوله: (إبانُ الشَّيْءِ الخ) قال في النهاية قيل نونه أصلية فيكون فعالا وقيل زائدة فيكون فعلانا من آب الشيء يؤوب إذا تهيأ للذهاب وفي القاموس إبان الشيء بالكسر حينه وأوانه. قوله: (والجَدْبُ بإِسكَان الذالِ الخ) أي والجيم المفتوحة. قوله: (الخِصب) هو بكسر أوله المعجم وسكون ثانيه المهمل آخره باء موحدة. قوله: (وهُمَا لغتَانِ) قال المصنف في شرح مسلم جاء في البخاري ومسلم أمطرت بالألف وهو دليل للمذهب المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون من أهل اللغة أن أمطرت ومطرت لغتان في المطر وقال بعض أهل اللغة لا يقال أمطرت بالألف إلَّا في العذاب لقوله تعالى: (وَأَمطَرْنَا عَلَيهم حِجَارَة) [الحجر: 74] والمشهور الأول قال تعالى عارض ممطرنا وهو في الخير لأنهم يحسبونه خيرًا اهـ. قوله: (ما قارَفْنا) بقاف ثم ألف ثم راء

باب ما يقوله إذا هاجت الريح

وَسَعَةِ رِزْقِنا". ويدعو للمؤمنين والمؤمنات، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويقرأ آية أو آيتين، ويقول الإِمام: أستغفر الله لي ولكم. وينبغي أن يدعوَ بدعاء الكرب، وبالدعاء الآخر: اللهُم آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، وغير ذلك من الدعوات التي ذكرناها في الأحاديث الصحيحة. قال الشافعي رحمه الله في "الأم": يخطب الإِمام في الاستسقاء خطبتين، كما يخطب في صلاة العيد يكثر الله تعالى فيهما ويحمَدُه، ويصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويكثر فيهما من الاستغفار حتى يكون أكثرَ كلامه، ويقول كثيرًا: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} (10) {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 10، 11] ثم روي عن عمر رضي الله عنه، أنه استسقى وكان أكثرُ دعائه الاستغفار. قال الشافعي: ويكون أكثرُ دعائه الاستغفار، يبدأ به دعاءه ويفصل به بين كلامه، ويختم به، ويكون هو أكثر كلامه حتى ينقطعَ الكلام، ويحثُّ النّاس على التوبة والطاعة والتقرب إلى الله تعالى. باب ما يقوله إذا هاجت الريح روينا في "صحيح مسلم" عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم فاء أي خالطنا من الذنوب. قوله: (وسَعَةِ) بفتح السين المهملة. قوله: (اسْتغْفرُوا رَبَّكُمْ الخ) ظاهر عبارة بعض المحققين أن يقرأ ذلك إلى قوله: {وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 12]. قوله: (ويَختمُ بالاسْتغفَار) أي فيقول استغفر الله لي ولكم وللمسلمين اهـ. والله أعلم. باب ما يقول إذا هاجت الريح في الصحاح هاج الشيء يهيج هيجًا وهياجًا وهيجانًا واهتاج وتهيج أي ثار وهاجه غيره من باب باع لا غير يتعدى وهيجه وهايجه بمعنى قوله: (رَوَيْنَا في صَحيح مُسْلمٍ الخ) وكذا رواها أبو داود والنسائي ووقع في المشكاة أن الحديث متفق عليه فنظر فيه في المرَقاة بأنه من إفراد مسلم كما يفهم من كلام ابن الجزري في التصحيح حيث قال رواه مسلم وأبو داود الخ، وقد عزاه السيوطي في الجامع الصغير إلى تخريج

عصفت الريح قال: "اللهُم إني أسألكَ خَيرَها وَخَيرَ ما فِيهَا، وَخَيرَ ما أُرْسَلِتْ بهِ، وأعوذُ بِكَ مِنْ شَرّها وشَرَ ما فيها وَشَر ما أُرْسِلَتْ بِهِ". وروينا في "سنن أبي داود، وابن ماجه، بإسناد حسن، عن أبي هريرة - رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الرِّيحُ مِنْ رَوْح الله تعالى، تأتي بالرَّحمةِ، وتَأتي بالعَذَابِ، فإذا رأيْتموها فلا تَسُبُّوها، ـــــــــــــــــــــــــــــ الترمذي أيضًا ولم يذكر أبا داود فيمن خرجه وراجعت باب ما يقول إذا هاجت الريح من سنن أبي داود فلم أره فيه فلعل ما نقله ابن الجزري عنه في بعض النسخ ثم رأيت ما يؤيد ما ذكره صاحب المشكاة وهو تيسير الوصول إلى جامع الأصول للديبع بعد ذكر الحديث باللفظ المذكور وقال أخرجه الشيخان هكذا والترمذي اهـ. قوله: (عَصفتِ الرِّيحُ) بفتح أوليه المهملين وبالفاء أي اشتد هبوبها. قوله: (خيْرهَا) أي خيرها الذاتي. قوله: (وخيْرَ مَا فِيهَا) أي الخير العارض منها من المنافع كلها وخير ما أرسلت به أي بخصوصها في وقتها وهو بصيغة المجهول وفي نسخة بالبناء للفاعل قال الخطابي يحتمل الفتح على الخطاب وقوله وشر ما أرسلت على الباء للمفعول ليكون من قبيل أنعمت عليهم غير المغضوب وقوله - صلى الله عليه وسلم - "الخير بيدك والضر ليس إليك" قال ابن حجر وهذا تكليف بعيد لا حاجة إليه وأرسلت مبني للمجهول فيهما كما هو المحفوظ أو للفاعل اهـ، وتعقبه في المرقاة بأنه لا مانع من احتمال ما قاله مع أنه موجود في بعض النسخ على ذلك المنوال فيكون متضمنًا لنكتة شريفة يفهمها أهل الأذواق والأحوال اهـ، وفيه نظر لأن ابن حجر لم يمنع منه إنما أشار لتكلفه. قوله: (وشر مَا أُرْسِلَتْ بهِ) على صيغة المجهول وهو كذلك في جميع نسخ المشكاة وكتب فوقه ميرك صح إشارة لعدم الخلاف. قوله: (وَرَوَيْنَا في سُنَنِ أَبي دَاوُدَ الخ) زاد في المشكاة ورواه الشافعي والبيهقي في الدعوات الكبرى قال ميرك ورواه النسائي أَيضًا في اليوم والليلة وهو حديث حسن الإسناد وقال الحافظ بعد تخريجه للحديث هذا حديث حسن صحيح أخرجه أحمد وأبو عوانة في صحيحه ورجاله رجال الصحيح إلَّا ثابت بن قيس اهـ، وفي الجامع الصغير رواه البخاري في الأدب يعني الأدب المفرد والحاكم في المستدرك اهـ، وأخرجه الطبراني في كتاب الدعاء له من حديث ابن عباس. قوله: (منْ رَوْح الله) بفتح الراء أي من رحمته تعالى يريح بها عباده ومنها قوله تعالى:

وَسَلُوا اللهَ خَيرَها، وَاستَعِيذُوا بالله مِنْ شَرّها". قلت: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مِنْ رَوْحِ الله"، هو بفتح الراء، قال العلماء: أي: من رحمة الله بعباده. وروينا في سنن أبي داود، والنسائي، وابن ماجه، عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى ناشئًا ـــــــــــــــــــــــــــــ {فَرَوحٌ وَرَيحَان} [الواقعة: 89] وإتيانها بالعذاب للكافر رحمة للأبرار حيث يخلصوا من أيدي الفجار وقال أبو عبيد من روح الله لأنها تنفس الكروب وتسير بالغيث وتنشئ السحاب وتذهب الحزن فهي مما يروح الله بها على المكروبين قال الراغب الروح التنفس وقد راح الإنسان إذا تنفس ومنها قوله تعالى: {وَلَا تيأسوا مِن روح الله} [يوسف: 87] أي من فرجه ورحمته وذلك بعض الروح مع أنها تجيء بالعذاب فجوابه من وجهين الأول أنه عذاب لقوم ظالمين رحمة لقوم مؤمنين قال الطيبي ويؤيده فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين الكشاف فيه إيذان بوجوب الحمد عند إهلاك الظلمة وهو من أجل النعم وأجزل القسم، الثاني إن الروح مصدر بمعنى الفاعل أي الرايح فالمعنى إن الريح من روايح الله أي من الأشياء التي تجيء من حضرته بأمره فتارة تجيء بالرحمة وأخرى بالعذاب ولا يجوز بها لأنها مأمورة مقهورة بل تجب التوبة عند التضرر بها وهو تأديب من الله سبحانه وتأديبه رحمة للعباد اهـ. قوله: (وسَلُوا الله مِنْ خَيْرهَا الخ) قال ابن الجوزي في المنتخب قال ابن عباس الرياح ثمان أربع للرحمة المبشرات والمثيرات والمرسلات والرخاء قلت وفي المرقاة بدل المبشرات والرخاء الذاريات والناشرات وأربع للعذاب العاصف والقاصف وهما في البحر والصرصر والعقيم وهما في البر وقال عبيد بن عمر يبعث الله تعالى ريحا فتقم الأرض ثم يبعث المثيرة فتثير السحاب ثم يبعث المؤلفة فتؤلفه ثم يبعث اللواقح فتلقح الشجر اهـ. كلام المنتخب. فائدة أخرى ذكر شيخ الإسلام زكريا وغيره إن الرياح أربع التي تجيء من تجاه الكعبة الصبا ومن ورائها الدبور ومن جهة يمينها الجنوب ومن جهة شمالها الشمال ولكل منها طبع فالصبا حارة رطبة والدبور باردة رطبة والجنوب حارة رطبة والشمال باردة يابسة وهي من ريح الجمعة التي تهب عليهم كما في مسلم اهـ. قوله: (وَرَوَيْنَا في سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ الخ) وكذا رواه الشافعي بمعناه أشار إليه في المشكاة وقال الحافظ بعد تخريج الحديث هذا حديث صحيح أخرجه أبو داود وابن ماجة النسائي وأبو

في أُفق السماء، ترك العمل وإن كان في صلاة، ثم يقول: "اللهم إني أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّها"، فإن مطر قال: "اللهُم صَيِّبًا هَنِيئا". قلت: ناشئًا، بهمز آخره، أي: سحابا لم يتكامل اجتماعه. والصيب بكسر الياء المثناة تحت المشددة: وهو المطر الكثير، وقيل: المطر الذي يجري ماؤه، وهو منصوب بفعل محذوف: أي: أسألك صَيِّبًا، أو اجعله صَيِّبًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ عوانة في صحيحه. قوله: (في أُفُق السماءِ) الأفق بضمتين يجوز أن يكون واحدًا وجمعًا كما في النهاية كالفلك وهو هنا يحتملهما. قوله: (تَرَكَ العَملَ) أي ترك - صلى الله عليه وسلم - ما هو مشتغل به من العمل المباح في ذاته وإن كان فعله - صلى الله عليه وسلم - لا يكون إلَّا مطلوبًا واجبًا أو مندوبًا للتشريع. قوله: (فإِنْ مَطرَ الخ) زاد في رواية الشافعي فإن كشفه الله أي السحاب حمد الله. قوله: (ناشِئًا بهَمْز آخرَهُ الخ) قال في المرقاة سمي السحاب ناشئًا لأنه ينشأ من الأفق يقال نشأ أي خرج أو ينشأ في الهوى أي يظهر أو لأنه ينشأ من الأبخرة المتصاعدة من البحار والأراضي البحرة ونحو ذلك اهـ. قوله: (صيبًا بكَسْر اليَاءِ المثناةِ الخ) سكت عن ضبط أوله أي بالصاد المهملة وهو بالفتح كما قاله ابن الجزري وغيره وأصله الواو كما في النهاية لأنه من صاب يصوب إذا نزل فأصاب الأرض وبناؤه صيوب على وزن فيعل فأبدلت الواو ياء وأدعمت كسيد اهـ. في المطالع أصله صيوب في مذهب البصريين وعند غيرهم صويب وقال صيبًا مخففا في رواية أبي الحسن ومشددا في رواية أبي ذر على وزن فيعل أصله صيوب ومن أصلهم قلب الواو ياء إذا اجتمعت مع الياء سواء تقدمت على الياء أو تأخرت عنها وإدعام الأولى في الثانية اهـ. قوله: (وهُو المطرُ الكِثيرُ الخ) وقال بعضهم الصيب السحاب ذو الصوب أي المطر قال القاضي البيضاوي في قوله تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ} [البقرة: 19]، فيعل من الصوب وهو النزول يقال للمطر والسحاب وتنكيره لأنه أريد به نوع من المطر الشديد اهـ، وقال ميرك تفسير الصيب بالمطر روي عن ابن عباس وهو قول الجمهور وقال بعضهم هو السحاب ولعله أطلق مجازًا. قوله: (منْصُوبٌ بفعل محذُوفٍ) أي على أنه مفعول به ويصح كونه مفعولًا مطلقًا أي اسقنا سقيًا صيبًا وقيل على الحال أي أنزل علينا الغيث حال

وروينا في كتاب الترمذي وغيره، عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسُبُّوا الرِّيحَ، فإنْ رأيْتُمْ ما تَكْرَهُونَ فَقُولُوا: اللهُم إنَّا نَسْألُكَ مِنْ خَيرِ هَذِهِ الريح، وخَيرِ ما فِيها، وخَيرِ ما أُمِرَتْ بِه، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ هَذِهِ الريح وشر ما فِيها وشر ما أُمِرَتْ بِه" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. قال: وفي الباب عن عائشة، وأبي هريرة، وعثمان بن أبي العاص، وأنس، وابن عباس، وجابر. وروينا بالإسناد الصحيح في كتاب ابن السني، عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه. قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اشتدَّت الريح يقول: "اللهُم ـــــــــــــــــــــــــــــ كونه صيبًا أي مطرًا نافعًا. قوله: (وَرَوَيْنَا في كِتَاب الترْمذِي وغيْرِه) كأحمد والبخاري فإنه أخرجه في كتاب الأدب المفرد والنسائي فإنه رواه في اليوم والليلة عن أبي والطبراني في الدعاء ورواه من حديث عثمان بن أبي العاص وأخرجه البزار كذلك. قوله: (لا تسُبُّوا الرّيحَ) أي فإنها مأمورة والمأمور معذور. قوله: (فإذَا رَأَيتُمْ مَا تَكْرهُونَ) أي من حرها أو قرها أو تأذيتم بشدة هبوبها. قوله: (فقُولُوا) أي فردوا الأمر إلَى الخالق والآمر وقولوا اللهم الخ. قوله: (أُمِرَتْ بهِ) هو بالبناء للمجهول. قوله: (في البَاب عَن عائِشَة الخ) قال الحافظ أما أحاديث أنس وجابر وابن عباس فقد ذكرها المصنف في هذا الباب وحديث عثمان بن أبي العاص أخرجه الطبراني في كتاب الدعاء ولفظه كانت الريح إذا اشتدت قال - صلى الله عليه وسلم - اللهم إني أعوذ بك من شر ما أرسلت له ورواه الخرائطي من ما أرسلت فيها قال الحافظ بعد تخريجه هذا غريب ورواه البزار وأخرجه ابن السني وفي سنده عبد الرحمن بن إسحاق أبو شيبة الواسطي ضعيف لكنه يتقوى بشواهده وذكر حديث أبي هريرة وتكلم على حاله قال الحافظ وفي الباب أيضًا عن سلمة بن الأكوع قلت وقد أورده المصنف في الباب وأبي الدرداء وعقبة بن عامر اهـ. قوله: (وَرَوَيْنَا بالإسنَادِ الصَّحيح عَنْ سَلَمَةَ الخ) قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث صحيح أخرجه البخاري في الأدب المفرد هكذا وأَخرجه ابن حبان في صحيحه وابن السني معًا عن أبي يعلى وأخرجه الطبراني أيضًا في المعجم الأوسط وقال لم ويره عن يزيد يعني ابن أبي عبيد إلَّا مغيرة تفرد به أحمد بن عبدة وتعقبه الحافظ برواية

لَقْحا لا عَقِيما". قلت: لَقْحا: أي: حاملا للماء كاللَّقْحة من الإبل. والعقيم: التي لا ماء فيها كالعقيم من الحيوان: لا ولد فيها. وروينا فيه عن أنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، رضي الله عنهم، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا وقعت كبيرة، أو هاجت ريح ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي مصعب الزهري عن يزيد وأخرجه الحاكم في المستدرك عن المغيرة قال وهي واردة على دعوة التفرد اهـ. قوله: (لقْحًا) قال في السلاح بفتح اللام مع فتح القاف وسكونها وبالحاء المهملة الحاملة للسحاب والعقيم بعكسه اهـ، وفي الصحاح ألقى الفحل الناقة والريح السحاب ورياح لواقح اهـ. قال ابن الجزري يقال القحت الريح السحاب فيه في نفسها لاقحة قال الجوهري كأن الريح لقحت بخير فإذا أنشأت السحاب وفيها خير وصل ذلك إلينا اهـ. قوله: (لَا عَقِيمًا) هو تأكيد لما قبله. قوله: (كاللقْحَةِ) أي بكسر اللام وفتحها الناقة القريبة العهد بالنتاج والجمع لقح وقد لقحت الناقة لقحا ولقاحا وناقة لقوح إذا كانت غزيرة وناقة لاقح إذا كانت حاملا ونوق لواقح واللقاح ذوات الألبان الواحدة لقوح كذا في النهاية. قوله: (وَرَوَيْنَا فيهِ عَنْ أَنسٍ وجابرٍ الخ) وقال الحافظ هذا توهم إنما هما قرنا في الرواية وليس كذلك إنما وقع عنده اختلاف على بعض رواته في الصحابي فأخرجه ابن السني عن أبي يعلى عن داود بن رشيد عن الوليد بن مسلم عن عنبسة عن محمد بن زادان عن جابر الحديث قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث غريب وسنده ضعيف جدًّا فيه محمد بن زادان ضعيف وشيخه عنبسة متروك وأخرجه ابن السني أيضًا من طريق عمرو بن عثمان عن الوليد بهذا السند لكن قال عن أنس بدل جابر وكذا أخرجه ابن عدي في ترجمة عنبسة فقال أيضًا عن أنس وجابر عن أنس حديث آخر يدخل في هذا الباب عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا هبت الريح الشديدة قال اللهم إنا نسألك من خير ما أمرت به ونعوذ بك من شر ما أمرت به هذا حديث صحيح أخرجه البخاري في الأدب المفرد ورجاله رجال الصحيح إلَّا أن فيه انقطاعا بين الأعمش وانس اهـ. قوله: (وقَعتْ كَبيرَةٌ) الله أعلم أن التقدير مصيبة كبيرة أي من موت أو حريق فالتكبير يدفع حر النار وإذا استحضر العبد مضمون التكبير هان عليه ما لاقاه من مصيبة. قوله: (هَاجتْ ريحٌ) أي ثارت في النهاية هاج الشيء يهيج هيجا واهتاج

عظيمة، فعليكم بالتكبير، فإنه يجلو العجاج الأسود". وروى الإِمام الشافعي رحمه الله في كتابه "الأم" بإسناده، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ما هبَّت الريح إلا جثا النبي - صلى الله عليه وسلم - على ركبتيه وقال: "اللهُم اجْعَلْها ـــــــــــــــــــــــــــــ أي ثار وهاجه غيره اهـ، وتقدم عن الصحاح فيه مزيد أول الباب. قوله: (العَجَاجَ) قال المصنف في التهذيب نقلًا عن أبي عبيد العجاج غبار تثور به الريح الواحدة عجاجة فعله التعجيج أي إن التكبير يجلو أي يذهب عن مرآة الجو العجاج الأسود من الظلمة والقتام الله أعلم. ثم يحتمل أن يكون ذلك على حقيقته بما خص الله به التكبير من رفع ذلك ويحتمل أن يكون المراد يجلو عن القلب التعب الحاصل من القتام الأسود أي لرده الأمر حينئذٍ إلى فاعله وعلمه بالفاعل المختار الذي لا يخلو فعل من أفعاله عن حكمة والله أعلم. قوله: (وَرَوى الإمامُ الشافعي الخ) قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث حسن أخرجه البيهقي في المعرفة قال وشيخ الشَّافعي ما عرفته وكنت أظنه ابن يحيى لكن لم يذكروه في الرواة عن العلاء بن راشد والعلاء موثق قال الحافظ ابن عباس حديث آخر ثم أخرج من طريق الطبراني في كتاب الدعاء أيضًا عن ابن عباس قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا هاجت الريح استقبلها وجثى على ركبتيه وقال اللهم اجعلها فذكر الحديث مثله إلى قوله ريحا وزاد اللهم إني أسألك من خير هذه الريح وخير ما ترسل به وأعوذ بك من شرها وشر ما ترسل به قال الحافظ أخرجه مسدد في مسنده الكبير وفي سنده جبر بن عبد الله وهو ضعيف وجده عبيد الله بالتصغير ابن العباس وفي نسخة من المسند حسين بن قيس أبو علي المرجي وهو ضعيف أيضًا وقد اعتضد بالمتابعة. قوله: (جثَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ركَبتَيْهِ) بصيغة التثنية وفي نسخة أصل الدين من المشكاة ركبته بالإفراد وفيه تجريد الجثو على بعض معناه أي المراد به هنا مطلق الجلوس لا بقيد كونه على الركبتين فجرد عن ذلك لئلا يقع قول الراوي على ركبتيه مستدركًا أو مؤكدًا لما تضمنه جثى والتأسيس خير من التأكيد وفي النهاية الجاثي هو الذي يجلس على ركبتيه اهـ، ونقل السيوطي عن ابن الأثير جثى يجثو إذا قعد على ركبتيه وعطف ساقيه إلى تحته فهو قعود المستوفز الخائف الذي إن احتاج إلى

رَحْمَةً ولا تَجْعَلْها عَذَابًا، اللهُم اجْعَلْها رِياحًا ولا تَجْعَلها ريحًا". قال ابن عباس: في كتاب الله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا} [فصلت: 16] و {إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} [الذاريات: 41]، وقال تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} [الحجر: 22]، وقال سبحانه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} [الروم: 46]. ـــــــــــــــــــــــــــــ النهوض نهض سريعا وهذا أيضًا قعود الصغير بين يدي الكبير وفيه نوع أدب مع الله تعالى اهـ. فكان هذا منه - صلى الله عليه وسلم - تواضعًا لله وخوفًا على أمته وتعليما لهم في تبعيته وجثا قيل يكتب بالألف لأنه من الجثو وقيل بالياء من الجثي وعلى كل فمعناه واحد. قوله: (رحمةً) أي لنا. ولا تجعلها عذابًا أي علينا. قوله: (قال ابْنُ عباس الخ) هذا الكلام أورده المؤلف عن ابن عباس شاهدا لما أشار إليه - صلى الله عليه وسلم - من الفرق بين الريح والرياح وأن الأول في الخير بخلاف الثاني غالبًا فيهما وقوله في كتاب الله تعالى خبر مقدم وقوله: (إِنَّا أرسلنا) [هود: 70] الخ. مبتدأ بتقدير هذه الآيات الدالة على أن الرياح في الخير والريح بالإفراد في الشر في كتاب الله والجملة مقول القول وسيأتي في آخر الحديث في ذلك كلام. قوله: (رِيحًا صَرْصَرًا) أي شديد البرد. قوله: (وأَرسلْنا عليهمُ) بكسر الهاء وضم الميم وبكسرهما وضمهما وصلًا. قوله: (الريحَ العقِيمَ) أي ما ليس فيه خير وقال الراغب ريح عقيم يصح أن يكون بمعنى الفاعل وهي التي لا تلفح سحابًا ولا شجرا ويصح أن يكون بمعنى المفعول كالعجوز التي لا تقبل أثر الخير وإذا لم تقبل ولم تؤثر لم تعط ولم تؤثر اهـ، وتذكيره لأن هذا اللفظ مما يستوي فيه المذكر والمؤنث وقال الله تعالى: {وَقَالتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ} [الذاريات: 29] ويقال رجل عقيم ومعقوم كما في النهاية ثم هو كذلك في أصل مصحح وأرسلنا بالواو وكذا هو في المشكاة ثم راجعت كتاب الأم المسند فوجدته فيهما كذلك ولكن في نسخة أخرى وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم والتلاوة هكذا. قوله: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} [الحجر: 22] انفرد حمزة بتوحيده ولواقح جمع لاقحة أي تلقح الأشجار وتجعلها حاملة بالثمار. قوله: (ومن آياتِهِ أَن يرْسلَ الرياحَ) هكذا في أصل مصحح وكذا في أصل من المشكاة فقال في المرقاة هذا أصل مصحح موافق لما في القرآن ومطابق لما في بعض النسخ وأما ما في بعض الأصول وأرسلنا الرياح مبشرات فهو خطأ لأنه لم يرد به القرآن وهذا هو في أصل المسند اهـ، وكذا وجد في بعض نسخ الأذكار وكذلك هو في نسخة قديمة من كتاب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأم وأصل معتمد من كتاب المسند له وبه يعلم إنه ليس بخطأ أي من حيث الرواية وإن كان التلاوة بخلافه، قال المصنف في التقريب إذا وقع في روايته لحن أو تحريف فقال ابن سيرين وابن سخبرة يرويه كما سمعه والصواب وقول الأكثرين روايته على الصواب وأما إصلاحه في الكتاب فجوزه بعضهم والصواب تقريره في الأصل على حاله مع التضبيب وبيان الصواب في الحاشية وفي الإرشاد للمصنف أيضًا قال القاضي عياض الذي استقر عليه عمل أكثر المشايخ أن ينقلوا الرواية كما وصلت إليهم ولا يغيروها في كتبهم حتى في أحرف من القرآن استمرت الرواية فيها في الكتب المشهورة كالصحيحين والموطأ وغيرها على خلاف التلاوة المجمع عليها أو بعضها على خلاف الشواذ أيضًا لكن أهل المعرفة ينبهون على خطابهما عند السماع وفي حواشي الكتب ومنه من جسر على تغيير الكتب وإصلاحها لكمال معرفته فغلطوا في أشياء مما غيروه والصواب ما تقدم من سد باب التغيير خوفًا من جسارة من لا يكمل ويحصل المقصود بالبيان فيقرأ عند السماع ما في الأصل ثم يذكر الصواب أو يذكر الصواب ثم يقول وفي الأصل كذا وهذا أولى لئلا يتقول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل اهـ. ثم لا خلاف في جمع الرياح في هذه الآية قال في المرقاة ووهم البيضاوي في تفسيره حيث ذكر فيه الخلاف وإنما الخلاف في ثانية أي كما سبقت الإشارة إليه قال الطيبي في شرح المشكاة معظم الشارحين على أن تأويل ابن عباس غير موافق للحديث نقله الشيخ التوربشتي عن أبي جعفر الطحاوي إنه ضعف هذا الحديث جدًّا وأبى أن يكون له أصل في السنن وأنكر على أبي عبيدة تفسيره كما فسر ابن عباس ثم استشهد أي الطحاوي بقوله تعالى: {وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ} [يونس: 22]، الآية وبالأحاديث الواردة في هذا الباب فإن جل استعمال الريح المفردة في الباب في الخير والشر ثم قال الشيخ التوربشتي والذي قاله أبو جعفر وإن كان قولًا شيئًا فإنا نرى أن لا نتسارع إلى رد هذا الحديث وقد تيسر علينا تأويله وتخريج المعنى على وجه لا يكون مخالفًا للنصوص المذكورة وهو أن نقول التضاد الذي جد أبو جعفر في الهرب منه إنما نشأ من التأويل الذي نقل عن ابن عباس وأما الحديث نفسه فإنه مع كونه يحتمل التأويل يمكن معه التوفيق بينه وبين النصوص

وذكر الشافعي رحمه الله حديثًا منقطعا، عن رجل، أنه شكا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الفقر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـــــــــــــــــــــــــــــ التي عارضه بها الأب جعفر وذلك أن نذهب بالحديث إلى أنه سأل النجاة من التدمير بتلك الريح فإنها إن لم تكن مهلكة لم تعقبها أخرى وإن كانت غير ذلك فإنها توجد كرة بعد كرة وتستنشق مرة بعد مرة فكأنه قال لا تدمرنا بها فلا يمر علينا بعدها ولا تهب دوننا جنوب ولا شمال بل أفسح في المدة حتى تهب علينا أرواح كثيرة بعد هذه الريح قال الخطابي الرياح إن كثرت جلبت السحاب وكثرة الأمطار فزكت الزرع والثمار وإذا لم تكثر وكانت ريحًا واحدة فإنها تكون عقيمة والعرب تقول لا تلقح السحاب إلَّا من الرياح قال الطيبي معنى كلام ابن عباس أن هذا الحديث مطابق لما في كتاب الله تعالى فإن استعمال التنزيل دون أصحاب اللغة إذا حكم على الريح والرياح مطلقين كان إطلاق الريح غالبًا في العذاب والرياح في الرحمة فعلى هذا لا ترد تلك الآية على ابن عباس لأنها مقيدة بالوصف ولا تلك الأحاديث لأنها ليست من كتاب الله تعالى لا يقال الآيتان في كلام ابن عباس مقيدتان أيضًا الأولى بالصرصر والثانية بالعقيم فكيف استدل بهما ابن عباس على ما ذكر لأنا نقول الوصف بالصرصر والعقيم ليس كالوصف بالطيبة والعاصفة لأن هذا نص في الخير والشر ولذلك قيدت الآية بالوصف ووحدت لأنها في حديث الفلك وجريانها في البحر فلو جمعت لأوهمت اختلاف الرياح وهو موجب للعطب أو الاحتباس ولو أفردت ولم تقيد بالوصف لآذنت بالعذاب والدمار ولأنها أفردت وكررت ليقال لها مرة طيبة وأخرى عاصفة ولو جمعت لم يستقم التعليق اهـ. كلام المرقاة. قوله: (وذكَر الشافعيُّ الخ) ذكره في كتاب الأم. قوله: (حدِيثا منقطِعًا) رواه فيه عن عمه محمد بن عباس قال شكى رجل الخ. ومحمد بن عباس هو عم الإِمام الشافعي صدوق من العاشرة من كبار الآخذين عن تبع التابعين كذا في التقريب للحافظ، ومنه يعلم أن المصنف أراد بالانقطاع عدم الاتصال الشامل للأعضال أي حذف راويين فأكثر، ثم رأيت الحافظ قال سند الحديث معضل لأنه سقط منه اثنان فصاعدًا وقول الشيخ عن رجل يوهم أن محمدًا

باب ما يقول إذا انقض الكوكب

"لعَلَّكَ تَسُبُّ الرِّيحَ". قال الشافعي رحمه الله: لا ينبغي لأحد أن يسبَّ الرياح، فإنها خلق لله تعالى مطيع، وجند من أجناده، يجعلها رحمةً ونقمةً إذا شاء. باب ما يقول إذا انقض الكوكب روينا في كتاب ابن السني، عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: أُمِرْنا أن لا نُتبع أبصارنا الكوكب إذا انقضَّ، وأن نقول عند ذلك: ما شاء الله لا قوّة إلا بالله. ـــــــــــــــــــــــــــــ رواه عنه وليس كذلك بل أرسل القصة ولم أجد لهذا المتن شاهدًا ولا متابعًا اهـ. قوله: لعَلَّك تَسُبُ الريحَ) قال السيد السمهودي في جواهر العقدين السبب فيه أن الريح سبب المطر والمطر سبب الرزق فمن سبها استحق منعه اهـ. قوله: (قَال الشافِعي) قاله في أم الكتاب وفي الحديث ما يؤيده وذلك ما رواه الترمذي عن ابن عباس أن رجلًا لعن الريح عند النبي كج فقال لا تلعن الريح فإنها مأمورة ومن لعن شيئًا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه. قال الغزالي الصفات المقتضية لعن ثلاثة الكفر والبدعة والفسق وليست الريح متصفة بواحدة، وسبق في الباب أحاديث تشهد بالنهي عن السبب والإشارة إلى أنها مأمورة وعلى ما يصدر منها مقهورة اهـ. والله سبحانه وتعالى أعلم. باب ما يقول إذا انقض الكوكب انقض بالقاف والضاد المعجمة أي سقط قال الراغب في مفرداته انقض الحائط وقع قوله: (رَوَيْنَا في كِتَاب ابْنِ السني) قال في المرقاة نقلًا عن المصنف إسناده ليس بثابت وقال الحافظ بعد أن أورده بإسناده إلى الطبراني حديث غريب أخرجه ابن السني قال الطبراني لم يروه عن حماد يعني ابن أبي سليمان إلَّا عبد الأعلى تفرد به موسى قلت عبد الأعلى هذا ابن أبي المساور بضم الميم وتخفيف المهملة ضعيف جدًّا وفي الراوي عنه ضعف أيضًا وقال الحافظ في باب ما يقول إذا سمع الرعد أن حديث ابن مسعود تفرد به من اتهم بالكذب وهو عبد الأعلى وسيأتي كلامه ثمة اهـ، وأما الذكر المذكور فقد سبق الكلام عليه في باب ما يقول لدفع الآفات.

باب ترك الإشارة والنظر إلى الكوكب والبرق

باب ترك الإشارة والنظر إلى الكوكب والبرق فيه الحديث المتقدم في الباب قبله. وروى الشافعي رحمه الله في "الأم" بإسناده عمن لا يُتَّهم عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما، قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ باب ترك الإشارة والنظر إلى الكوكب والبرق قوله: (بإسنادِه عمَّنْ لا يُتَّهمُ) قال الحافظ بعد تخريجه من طريق البيهقي عن الشافعي قال أخبرني من لا يتهم عن سليمان عن عبيد الله عن عويمر الأسلمي عن عروة بن الزبير قال إذا رأى أحدكم البرق الحديث، قال الحافظ وبالسند المذكور قال إبراهيم ولم أزل أسمع عددًا من العرب يكره الإشارة إليه. قلت هكذا أشار البيهقي في كتاب المعرفة موقوفًا على عروة وفيه زيادة على ما ذكره الشيخ المصنف وإبراهيم هو أبو يحيى وهو الذي لم يسمه الشافعي وقد أخرجه أبو داود في المراسيل من طريق ابن إسحاق عن سليمان المذكور مرفوعًا مرسلًا ومن طريق ابن أبي حسين كذلك معضلًا وجاء مرفوعًا موصولًا بذكر عطاء عن ابن عباس ذكرها البيهقي وضعفها وقوله عمن لا يتهم فيه تقديم وتأخير أي فإن الإسناد للمبهم لا من المصنف إليه. قال الجلال السيوطي في حاشية مسند الشافعي قال الأصم سمعت الربيع بن سليمان يقول كان الشافعي إذا قال أخبرني من لا أتهم يريد به إبراهيم بن يحيى وإذا قال أخبرني الثقة يريد به يحيى بن حسان قال الرافعي وزيد فيه وإذا قال قال بعض النّاس فيريد به أهل العراق وإذا قال قال بعض أصحابنا فيريد به أهل الحجاز ثم قال قال الحاكم أبو عبد الله الحافظ جرى الربيع فيما ذكره على الغالب وقد يريد الشافعي بالثقة غير ابن حسان كإسماعيل ابن علية وأبي أسامة وأحمد بن حنبل وهشام ابن يوسف الصنعاني اهـ. قلت وقد رأيت بخط المحدث الكبير نجم الدين بن فهد في كتابه الإشعار للشيخ عماد الدين إسماعيل بن يدرس البعلي فيما يتعلق بذلك وفيه زيادة قال: روى الإِمام الشافعي في المسند ... أخبرنا الثقة خذهم واعدد فإن يقل أخبرنا الثقة عن ... ليث بن سعد هم بلا تردد

باب ما يقول إذا سمع الرعد

إذا رأى أحدكم البرق أو الودْق، فلا يشر إليه، وليصف ولينعت. قال الشافعي: ولم تزل العرب تكرهه. باب ما يقول إذا سمع الرعد روينا في كتاب الترمذي بإسناد ضعيف عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سمع ـــــــــــــــــــــــــــــ يحيى بن حسان وإن كان روى ... عن ابن أبي ذئب فذا في المسند عند الإِمام بن أبي فديك ... وإن يقل عن الوليد فقيد فهو أبو أسامة وقال عن ... ابن جريج مسلم الزنجي اعدد وإن يقل ذاك عن الأوزاعي ... ابن أبي سلمة عمرو الأسود وإن يقل عن صالح ذي التومة ... ابن أبي يحيى ضعيف السند ذكر هذا الآمدي وفيه ... قد ذكره عبد الغني فقيد قوله: (إِذَا رَأَى أَحدُكُمْ البَرقَ الودْقَ) كذا في الأذكار وكذا في أصل معتمد من الإِمام والمسند وكذا هو في تخريج الحافظ لهذا الكتاب، وفي نسخة من المسند شرح عليها السيوطي إذا رأى أحدكم نجم البرق الودق أي تلألؤه، والودق قال الراغب في مفرداته ما يكون خلال المطر وقد يعبر به عن المطر اهـ، وأشار السيوطي إلى أن المراد هنا المعنى الأخير. قوله: (فَلَا يُشِرْ إِليهِ) أي بأصبعه ولفظه خبر ومعناه النهي وفي نسخة بصيغة النهي. قال ابن الأثير وما أعلم لنهيه عن الإشارة إليه وجهًا وأرجو من فضل الله تعالى أن يوفق لعرفانه، وقال الرافعي قال الشافعي في الأم ما أزال أسمع عددًا من العرب يكره الإشارة إليه ويشبه أن يكون هذا من جملة التفاؤلات، وصرح في المحرر والمنهاج باستحباب التسبيح عند الرعد والبرق. قوله: (وليَصِفْ، وليَنْعت) قال ابن الأثير أي يصفه بالقلة والكثرة أو بالقوة والضعف، وعليه فالعطف كالتفسير* أقول لو حمل على أن المراد فليصف الله بأوصاف الجمال ولينعته بنعوت الجلال ليكون الثناء على الله سبحانه رافعًا عنه سائر الأهوال لكان حسنًا ويؤيده استحباب التسبيح عند الرعد والبرق كما تقدم والله أعلم اهـ. باب ما يقول إذا سمع الرعد قوله: (رَوَيْنَا في كِتَاب الترمذِي الخ) قال في المشكاة ورواه أحمد وقال ابن الجزري

صوت الرعد والصواعق قال: "اللهُم لا تَقْتُلْنا ـــــــــــــــــــــــــــــ في تصحيح المصابيح ورواه النسائي في عمل اليوم والليلة والحاكم وإسناده جيد وله طرق اهـ، وبه ينجبر ضعف سند الترمذي إن كان مما يقبل الانجبار كما علم تفصيله من الكلام على الحسن أول الكتاب. ثم رأيت الحافظ تعقب الشيخ المصنف بعد أن نقل قول الترمذي لا نعرف إلَّا من هذا الوجه فقال وأخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد والترمذي والنسائي وأخرجه الحاكم من طرق متعددة بينها الحافظ. ثم قال فالعجب من الشيخ يطلق الضعف على هذا وهو متماسك ويسكت عن حديث ابن مسعود أي السابق فيما يقول إذا انقض الكوكب وقد تفرد به من اتهم بالكذب وهو عبد الأعلى اهـ. أي كان الأحق بالذكر وبيان الرتبة حديث ابن مسعود لكون راويه كان متهمًا ولا كذلك حديث ابن عمر فإنه متماسك. قوله: (صوتَ الرَّعْدِ) بإضافة العام إلى الخاص للبيان فالرعد هو الصوت الذي يسمع من السحاب كذا قاله ابن الملك، والصحيح أن الرعد ملك موكل بالسحاب. وقد نقل الشافعي عن الثقة عن مجاهد أن الرعد ملك والبرق أجنحته يسوق السحاب بها ثم قال وما أشبه ما قاله بظاهر القرآن. قال بعضهم وعليه فيكون المسموع صوته أو صوت سوقه على اختلاف فيه. ونقل البغوي عن أكثر المفسرين أن الرعد ملك يسوق السحاب والمسموع تسبيحه، وعن ابن عباس أن الرعد ملك موكل بالسحاب وأنه يجوز الماء في نقرة إبهامه وأنه يسبح الله تعالى فلا يبقى ملك إلَّا يسبح فعند ذلك ينزل المطر. وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال بعث الله السحاب فنطقت أحسن النطق وضحكت أحسن الضحك فالرعد نطقها والبرق ضحكها، وقيل البرق لمعان صوت الرعد يزجر به السحاب، وأما قول الفلاسفة إن الرعد صوت اصطكاك أجرام السحاب، والبرق ما يقدح من اصطكاكها فهو من حزرهم وتخمينهم فلا يعول عليه. قوله: (والصواعِق) بالنصب فيكون التقدير وأحسن الصواعق من باب علفتها تبنا وماءً باردًا، أو طلق السمع وأريد به الحسن من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل وفي نسخة بالجر عطفًا على الرعد وهو إنما يصح على بعض الأقوال في تفسير الصاعقة

بغَضَبكَ، ولا تُهْلِكْنا بعذَابِكَ، وَعافِنا قَبْلَ ذَلِكَ". وروينا بالإسناد الصحيح في "الموطأ" عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: "سُبْحانَ الذي يُسَبِّحُ الرعْدَ بِحَمْدِهِ والملائِكَةُ مِنْ خِيفَتِه". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال بعضهم قبل هي نار تسقط من السماء في رعد شديد فعلى هذا لا يصح عطفه على شيء مما قبله وقيل الصاعقة صيحة العذاب أيضًا وتطلق على صوت شديد غاية الشدة يسمع من الرعد وعلى هذا يصح عطفه على صوت الرعد أي صوت السحاب فالمراد بالرعد السحاب بقرينة إضافة الصوت، أو الرعد صوت السحاب ففيه تجريد وقال الطيبي هي قطعة رعد تنقض معها قطعة من نار يقال صعقته الصاعقة إذا أهلكته فصعق أي مات إما لشدة الصوت وإما بالإحراق ولعل اختيار الجمع موافقته الآية. قوله: (بغَضَبكَ) الغضب استعارة والمشبه الحالة التي تعرض للملك عند انفعاله وغليان دمه ثم الإنتقام من المغضوب عليه وأكثر ما ينتقم به القتل فلذلك ذكره ورشح الاستعارة به عرفًا أما الإهلاك والعذاب فجاريان على الحقيقة في حقه تعالى وقيل الغضب هنا من صفة الذات أي إرادة الهلاك ونحوه والعذاب من صفة الأفعال وقوله وعافنا من البلايا والخطايا المقتضية للعذاب والغضب وقوله قبل ذلك أي قبل وقوع ما ينتظر والمراد الدعاء بأن لا يقع شيء من ذلك. قوله: (في الموطأ) قال الحافظ هو حديث موقوف أخرجه البخاري في كتاب الأدب المفرد عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك. قوله: (عَنْ عبدِ الله بنِ الزُّبَيرِ) أي موقوفًا عليه. قوله: (ترَكَ الحدِيثَ) أي الكلام مع الأنام زاد الحافظ في روايته بعد قوله جثى وترك الحديث قوله وما كان فيه فإن كان في صلاة أتم الصلاة وقال إن هذا الوعيد شديد لأهل الأرض سبحان الذي يسبح الرعد الخ. قوله: (يُسبحُ الرعدُ) وهو ملك موكل بالسحاب على ما ثبت في الأحاديث وقال الطيبي إسناده مجازي لأن الرعد سبب لأن يسبح السامع حامدا له كما يدل عليه وبحمده أي أنزه الله حال كوني متلبسا بحمدي له تعالى لكن في المرقاة أنه ضعيف لما تقرر في الصحيح أن الرعد ملك فنسبة التسبيح إليه حقيقة اهـ. قوله: (والملائِكَةُ من خِيفتِه) أي من أجل خوف الله تعالى

وروى الإِمام الشافعي رحمه الله في "الأم" بإسناده الصحيح عن طاوس الإِمام التابعي الجليل رحمه الله أنه كان يقول إذا سمع الرعد: سبحان من سبَّحتَ له. قال الشافعي: كأنه يذهب إلى قول الله تعالى: (وَيُسبحُ الرَّعدُ بِحَمَدِهِ) [الرعد: 13]. وذكروا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كنا مع عمر رضي الله عنه في سفر، فأصابنا رعد وبرق وبَرَد، فقال لنا كعب: من قال حين يسمع الرعد: سُبْحانَ مَنْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ والمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ثلاثًا، عُوفي من ذلك الرعد، فقلنا فعوفينا". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل من خوف الرعد فإنه رئيسهم وعليه فقيل المراد بالملائكة أعوانه بدليل التعليل. قوله: (وَرَوى الإمامُ الشافِعيّ) قال الحافظ ورواه الطبراني وأورد مثله عن الأسود بن يزيد أحد كبار التابعين أخرجه الحافظ عنه وزاد قوله يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته وقال الحافظ هذا موقوف صحيح. قوله: (وذكَروا عنِ ابنِ عبْاسٍ الخ) قال الحافظ لم يذكر من خرجه وهو عندنا بالإسناد إلى الطبراني بإسناده إليه قال كنا مع عمر بن الخطاب في سفر فأصابنا رعد وبرق ومطر فقال لنا كعب من قال حين يسمع الرعد سبحان من يسبح الرعد بحمده الخ. ثم لقيت عمر في بعض الطريق فإذا بردة أصابت أنفه فقلت ما هذا فقال بردة أصابت أنس فأثرت في فقلت إن كعبًا قال فذكره فقلنا وعوفينا فقال عمر فهلا أعلمتمونا حتى نقول قال الحافظ هذا موقوف حسن الإسناد وهو وإن كان عن كعب فقد أقره ابن عباس وعمر فدل على أن له أصلًا قال وقد وجدت بعضه بمعناه من وجه آخر عن ابن عباس أخرجه الطبراني أيضًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سمعتم الرعد فاذكروا الله فإنه لا يصيب ذاكرا وفي سنده ضعف اهـ، وقد جاء عن ابن عباس أيضًا قال ومن قال هذا الذكر فأصابته صاعقة فعلى ديته. قوله: (وبَرَدٌ) بفتح الموحدة والراء والدال المهملتين وهو معروف ويقال له حب الغمام وسبق الكلام عليه في دعاء الافتتاح اهـ، والله أعلم.

باب ما يقوله إذا نزل المطر

باب ما يقوله إذا نزل المطر روينا في "صحيح البخاري" عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى المطر قال: "اللهُم صَيبًا نافعًا". ورويناه في "سنن ابن ماجه" وقال فيه: "اللهُم صَيِّبًا نافِعًا" مرتين أو ثلاثًا. وروى الشافعي رحمه الله في "الأم" بإسناده حديثًا مرسلًا، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اطْلُبُوا اسْتِجَابَةَ الدُّعاءِ عِنْدَ التِقَاءِ الجُيُوشِ، وَإقامَةِ الصلاةِ، وَنُزُولِ الغَيْثِ" قال الشافعي: وقد حفظت عن غير واحد طلب الإجابة عند نزول الغيث، وإقامة الصلاة. ـــــــــــــــــــــــــــــ باب ما يقول إذا نزل المطر قوله: (رَوَيْنَا في صحيح البُخارِي) قال الحافظ بعد تخريجه وذكر له النسائي طرقًا. قوله: (نافِعًا) أي مطرًا ينفع لا مغرقًا كطوفان نوح عليه السلام قاله ابن مالك وقال الطيبي هو تتميم في غاية الحسن لأن صيبا مظنة الضرر وتبعه عليه ابن حجر الهيتمي ويجوز أن يكون احترازًا عن مطر لا يترتب عليه نفع أعم من أن يترتب عليه ضرر أم لا وسبق أنه كان يقول صيبا هنيئًا وقد أخرجها الحافظ في الأمالي عن بعض رواة هذا الحديث وسيأتي عن ابن ماجة سيبًا بالسين المهملة والتخفيف قاله الحافظ وينبغي كما نقل في المرقاة عن المصنف الجمع بين ذلك كله أو يأتي بما في كل رواية والله أعلم. قوله: (وَرَوَيْنَا في سُنَنِ ابنِ ماجَة) وكذا رواه ابن أبي شيبة في مصنفه كما في الحصن. قوله: (سَيِّبا) أي اسقنا سيبا أي مطرًا نافعًا قال ابن الجزري هو بإسكان الياء أي جاريًا يقال ساب الماء وانساب إذا جرى اهـ، وفي القاموس المسيب مصدر ساب وأشار ابن الجزري إلى أنه مصدر بمعنى الفاعل صفة لموصوف محذوف أي اسقنا مطرًا جاريًا وقال في السلاح المسيب العطاء. قوله: (اطلُبُوا اسْتِجَابةَ الدُّعاءِ الخ) رواه عمن لا يتهم عبد العزيز بن عمر عن مكحول وسبق الكلام عليه في باب ما يقول عند الإقامة وورد عند الحاكم عن سهل بن سعد مرفوعًا اثنتان ما تردان الدعاء عند الندا وتحت المطر أورده في الجامع الصغير

باب ما يقوله بعد نزول المطر

باب ما يقوله بعد نزول المطر روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الحافظ وكذا وقع من حديث أبي أمامة موصولًا مرفوعًا قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تفتح أبواب السماء في أربع مواطن عند التقاء الصفوف وعند نزول الغيث وعند إقامة الصلاة وعند رؤية الكعبة قال الحافظ هذا حديث غريب فتساهل الحاكم فأخرجه في المستدرك وقال صحيح الإسناد ورده الذهبي في تلخيصه فقال فيه عفير أي بالعين المهملة والفاء مصغر وهو واهٍ جدًّا وقد تفرد اهـ. قال الحافظ فلعل مكحولًا أخذ حديثه هذا عن أبي أمامة فإنه معروف بالرواية عنه وقال في تخريجه أحاديث الشرح الكبير للرافعي روى البيهقي عن أبي أمامة الدعاء يستجاب وتفتح أبواب السماء في أربعة مواطن عند التقاء الصفوف ونزول الغيث وإقام الصلاة ورؤية الكعبة وإسناده ضعيف وروى الطبراني في الصغير من حديث ابن عمر فذكر نحوه وقال بدل رؤية الكعبة دعوة المظلوم وزاد في قراءة القرآن اهـ. قال ابن رسلان دعاء من هو تحت المطر لا يرد أو قلما يرد فإنه وقت نزول الرحمة للعباد لا سيما مطر أول السنة. باب ما يقوله بعد نزول المطر قوله: (رَوَيْنَا في صحيحي البُخارِي ومُسلم) قال الحافظ بعد تخريجه وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان وفي الباب عن أبي هريرةَ وابن عباس أخرجهما مسلم. قوله: (عَنْ زَيدِ بنِ خالدٍ الجُهني) هو صحابي سكن المدينة وشهد الحديبية وكان معه أبو جهينة يوم الفتح روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قيل أحد وثمانون حديثًا أخرج له في الصحيحين منها ثمانية أحاديث اتفقا منها على خمسة وانفرد مسلم بثلاثة روي عنه أبو سلمة وعطاء بن يسار توفي بالمدينة وقيل بمصر وقيل بالكوفة سنة ثمانٍ وسبعين وهو ابن خمس وثمانين سنة وقيل غير ذلك. قوله: (صلَّى بنَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الخ) كان ذلك والنبي - صلى الله

من الليل، فلما انصرف أقبل على النّاس فقال: "هَلْ تَدْرُونَ ماذا قال رَبُّكُمْ؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قال: "أصْبَحَ مِنْ عِبادِي مُؤْمِنٌ بي وكافِرٌ، فأمَّا مَنْ قال: مُطِرنا بفَضْلِ الله وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بي كافِرٌ بالكَوْكَبِ، وأمَّا مَنْ قال: مُطِرْنا بِنَوءِ كَذا وكَذَا، فذَلك كافِرٌ بي مُؤْمِنٌ بالكَوكَبِ". قلت: الحديبية معروفة، وهي بئر قريبة من مكة دون مرحلة، ويجوز فيها تخفيف الياء الثانية وتشديدها، والتخفيف هو الصحيح المختار، وهو قول الشافعي وأهل اللغة، والتشديد قول ابن وهب وأكثر المحدثين. ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم - يحرم بعمرة أحرم بها من ذي الحليفة وهم بدخول مكة من جانب الحديبية فصده المشركون عن البيت فصالحهم وشرط لهم وعليهم ولم يدخل مكة ذلك العام بل تحلل ورجع المدينة فلما كان العام المقبل دخلها بعمرة وتفصيل ذلك في كتب السير. قوله: (فلمَّا انصرَفَ) أي انصرف من صلاته وفرع منها. قوله: (فأمَّا مَنْ قَال مُطِرنَا بفَضْلِ الله ورحمتَهِ فذَلِكَ مؤمنٌ بِي) أي من قال ذلك بلسانه معتقدا له بجنانه مصدقًا بأن المظر خلقي لا خلق الكواكب أرحم به العباد وأتفضل به عليهم كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى: 28]. قوله: (وهيَ بئْرٌ) وقيل موضع فيه ماء ولا منافاة لاحتمال أنه لأحدهما بالأصالة وبه سمي الآخر إما من إطلاق اسم الجزء على الكل أو بالعكس ثم رأيت في كتاب التهذيب الآتي إشارة لما ذكرته. قوله: (قريبَةٌ منْ مكّةَ) أقول بينها وبين مكة كما بين الجعرانة ومكة اثنا عشر ميلًا وقيل ثمانية عشر ميلًا وجزم به جمع ورد، وأصل الخلاف الاختلاف في مسافة الميل هل هي ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع كما قاله ابن عبد البر وآخرون أو ستة آلاف كما قالوه في باب صلاة المسافر وهذا هو الصحيح وإن اعترضه جمع بكلام ابن عبد البر فقد قال المحققون إن هذا قيل به عن تحقيق واختبار بخلاف ذاك والله أعلم. قوله: (والتخفيفُ هو الصحيحُ المختَارُ وهوَ قولُ الشَّافِعي وأَهلِ اللُّغةِ) زاد في شرح مسلم وبعض المحدثين وذكر القرطبي في المفهم أن ذلك لغة أهل العراق. قوله: (والتشدِيدُ قولُ ابْنِ وهْب وأَكثَرِ المحدِّثينَ)

والسماء هنا: المطر. وإثر بكسر الهمزة وإسكان الثاء، ويقال: بفتحهما لغتان. قال العلماء: إن قال مسلم: مطرنا بنوء كذا، ـــــــــــــــــــــــــــــ زاد في شرح مسلم والكسائي ثم قال والخلاف في الجعرانة كذلك في تشديد الراء وتخفيفها المختار فيها أيضًا التخفيف وقال في التهذيب بعد نقل التخفيف والتشديد عمن ذكر في الحديبية هما وجهان مشهوران قال صاحب مطالع الأنوار ضبطناها بالتخفيف عن المتقنين وأما عامة الفقهاء والمحدثين فيشددونها وهي قرية ليست بالكبيرة سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة قال وهي على نحو مرحلة من مكة كان الصحابة الذين بايعوا تحت الشجرة بيعة الرضوان يوم الحديبية ألفا وأربعمائة وقيل وخمسمائة وقيل وثمانمائة روى الشيخان هذه الروايات الثلاث في صحيحيهما في باب غزوة الحديبية وأولها أشهرها كما قال البيهقي وغيره. قوله: (والسماءُ هنَا المَطرُ) قال في النهاية وسمي المطر سماء لأنه ينزل من السماء يقال ما زلنا نطاء السماء حتى أتيناكم ومنهم من يؤنثه وإن كان بمعنى المطر كما يذكر السماء وإن كان مؤنثا كما قال تعالى: (السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِه)، وقيل حديث هاجر تلك أمكم يا في ماء السماء يريد العرب لأنهم يعيشون بماء المطر ويتبعدن مساقط الغيث اهـ، وسكت المصنف عن ضبط النوء في أصله قال في شرح مسلم فيه كلام طويل لخصه الشيخ أبو عمرو بن الصلاح فقال النوء في أصله ليس هو نفس الكواكب فإنه مصدر ناء النجم ينوء نوءا أي سقط وغاب وقيل نهض وطلع ويؤيد ذلك أنه ثمانية وعشرون معروفة المطالع في أزمنة السنة كلها وهي المعروفة بمنازل القمر الثمانية والعشرين يسقط في كل ثلاث عشرة ليلة منها نجم في المغرب مع طلوع الفجر ويطلع آخر مقابله في المشرق من ساعته فكان أهل الجاهلية إذا كان عند ذلك مطر ينسبونه إلى الساقط والغارب منهما وقال الأصمعي إلى الطالع منهما قال أبو عبيدة ولم أسمع أن النوء السقوط إلَّا في هذا الموضع ثم إن النجم نفسه قد يسمى نوأ تسمية للفاعل بالمصدر قال أبو إسحاق الزجاج في بعض أماليه الساقطة في المغرب الأنواء الطالعة في المشرق هي البوارح والله أعلم اهـ. هذا وقد ضبط المنازل ونظم أسماءها عمي وشيخي الإِمام العارف بالله تعالى شهاب الدين أحمد بن إبراهيم بن علان الصديقي الشافعي النقشبندي فقال:

مريدًا أن النوءَ هو الموجِد والفاعِل المحدِث للمطر، صار كافرًا مرتدًا بلا شك، وإن قاله مريدًا أنه علامة لنزول المطر، فينزل المطر عند هذه العلامة، ونزوله بفعل الله تعالى وخلقه سبحانه، لم يكفر. واختلفوا في كراهته، والمختار أنه مكروه، ـــــــــــــــــــــــــــــ من أراد المنازل القمريات ... مسامع تهنئ الآذان شريطين أتى بها بطين ... والثريا كذاك مع دبران هقعة الهنعة الذراع أتانا ... نثره الطرف جهة الإنسان دبرة الصرفة الصحيب لعوا ... وسماك بغفره وزبان وثم إكليل قلبه مع شول ... ونعائم وبلدة بعيان سعد ذبح كذاك سعد بلوع ... وسعود ومخبر بمكان والرشا هو عندهم قد سمي ... بطن حوت فعدها بتوان قوله: (ويريدَ أَنَّ النوءَ هُو المُوجِدُ) أي كما كان بعض أهل الجاهلية يزعم. قوله: (صَارَ كافرًا مرتدًّا) أي وعليه عمل أهل الحديث إن أريد بالكفر الكفر السالب لأصل الإيمان المخرج عن ملة الإسلام وهذا التأويل ذهب إليه جماهير العلماء والشافعي وهو ظاهر الحديث أما إذا أريد بالكفر في الخبر كفران النعم فلا يختص بما أول عليه الخبر على الوجه الأول بل يعم من قال ذلك واعتقاده أن الله هو الفاعل المختار وأن هذا النوء وقته لذلك معتادًا لا دخل له في الإيجاد ووجه دخوله اقتصاره على إضافة الغيث إلى الكواكب في اللفظ وترك الموجد في الحقيقة فقد ستر نعمة الله في مقاله وظلم بنسبته الفعل لغير المنعم بها قاله المصنف في شرح مسلم ويؤيد هذا الوجه رواية أصبح من النّاس شاكر وكافر، ورواية ما أنعمت على عبادي من نعمة إلَّا أصبح فريق منهم بها كافرين فقوله بها على أنه كفر بالنعمة والله أعلم اهـ. قوله: (والمختَارُ أَنهُ مكرُوه) الذي جرى عليه القرطبي أن ذلك حرام قال لأنه تشبه بأهل الكفر في قولهم وذلك لا يجوز لأنا قد أمرنا بمخالفتهم ومنعنا تعالى من التشبه بهم في النطق بقوله لا تقولوا راعنا لما كان اليهود يقولون تلك الكلمة للنبي - صلى الله عليه وسلم - يقصدون بها رعونته منعنا من إطلاقها وقولها وإن قصدنا بها الخير سدًّا للذريعة ومنعًا

باب ما يقوله إذا كثر المطر وخيف منه الضرر

لأنه من ألفاظ الكفار، وهذا ظاهر الحديث، ونص عليه الشافعي رحمه الله في "الأم" وغيره، والله أعلم. ويستحبُّ أن يشكر الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة، أعني نزول المطر. باب ما يقوله إذا كثر المطر وخيف منه الضرر روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أنس رضي الله عنه، قال: دخل رجل المسجد يوم جمعة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يخطب، فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السُّبُل، فادع الله يُغيثنا، فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه ثم ـــــــــــــــــــــــــــــ من التشبه بهم اهـ، وهو مبني على القول بسد الذرائع وفيه خلاف للأصوليين. قوله: (لأنهُ منْ أَلفَاظِ الجَاهلية) قال في شرح مسلم في سبب الكراهة أنها كلمة مترددة بين الكفر وغيرها فيساء الظن بصاحبها ولأنها من شعار الجاهلية ومن سلك مسلكهم اهـ. قوله: (ويُستحَبُّ أَنْ يشكُرَ الله تَعَالى الخ) أي فالشكر سبب الزيادة قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] اهـ. باب ما يقول إذا كثر المطر وخيف منه الضرر أي على البيوت والزروع ونحوها دوله: (رَوَيْنَا في صحيحَي البُخَارِي ومُسلم) قال الحافظ وأخرجه النسائي وابن خزيمة. قوله: (هلكَتِ الأَموالُ وانقطعتِ السُّبُل) قيل إن المراد أن الإبل ضعفت لقلة القوة عن السفر وقيل المراد نفاد ما عند النّاس من الطعام أو قلته فلا يجدون ما يجلبونه في الأسواق. قوله: (يُغِيثُنا) هكذا هو بالرفع على الاستئناف لأنه لم يقصد تسببه عن الطلب قبله أي أدع الله فهو يغيثنا وهذه رواية الأكثر في البخاري ورواه أبو ذر أن يغيثنا والكشميهني يغثنا بالجزم والياء فيه مضمومة والهمز من أغثنا في قولهم اللهم أغثنا للقطع كما في شرح مسلم للمصنف قال والمشهور في كتب اللغة إنه إنما يقال في المطر غاث الله به النّاس والأرض يغيثهم بفتح الياء أي أنزل المطر قال القاضي عياض قال بعضهم المذكور في الحديث من الإغاثة بمعنى المعونة وليس من طلب الغيث إنما يقال في طلب الغيث

قال: "اللهم أغِثْنا، اللهُم أغِثْنا"، قال أنس: ولا والله، ما نرى في السماء من سحاب ولا قَزَعَة، وما بيننا وبين سَلْع -يعني الجبل المعروف بقرب المدينة- من بيت ولا دار، فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت، فلا والله ما رأينا الشمس ـــــــــــــــــــــــــــــ غثنا قال القاضي يجوز أن يكون من طلب الغيث أي هب لنا غيثًا أو رزقًا غيثا كما يقال سقاه الله وأسقاه أي جعل له سقيًا على لغة من فرق بينهما اهـ. وقال ابن الجزري أغثنا أي أنزل علينا الغيث وهو المطر. قوله: (فقَال اللهُم أَغِثْنا الخ) فيه استحباب الاستسقاء في خطبة الجمعة وذلك جائز ولقصد بالخطبة خطبة الجمعة وفيه جواز الاستسقاء منفردًا عن تلك الصلاة المخصوصة قال المصنف في شرح مسلم واغتربه الحنفية فقالوا هذا هو الاستسقاء المشروع لا غير وجعلوا الاستسقاء البروز إلى الصحراء والصلاة بدعة وليس كما قالوا بل هو سنة للأحاديث الصحيحة السابقة وصلاة الاستسقاء أنواع ولا يلزم من ذكر نوع إبطال نوع ثابت اهـ، وأنكر صاحب المرقاة نسبة القول ببدعة صلاة الاستسقاء إلى الحنفية وقال إنه غلط فاحش قال لأن أبا حنيفة إنما قال بعدم سنيتها ولا يلزم من عدم جعلها سنة كونه - صلى الله عليه وسلم - فعلها تارة وتركها أخرى أن تكون بدعة وبالغ في الرد على ابن حجر الهيتمي في هذا المقام على عادته معه في الكلام والله أعلم. قوله: (اللَّهمَّ أغِثنَا) هكذا هو مكرر في الأصول ثلاثًا ففيه استحباب تكرار الدعاء ثلاثًا. قوله: (ولا قَزَعَةٍ) بفتح القاف والزاي وبالعين المهملة القطعة من السحاب وجماعتها قرع كقصبة وقصب قال أبو عبيد وأكثر ما يكون ذلك في الخريف وقال ابن السيد القزع قطع من السحاب رقاق. قوله: (ومَا بيننَا وبينَ سَلْع الخ) أشار به إلى أن السحاب كان مفقودًا لا مستترًا وإلى عظيم كرامته - صلى الله عليه وسلم - على ربه بإنزال المطر سبعة أيام متوالية متصلة لسؤاله من غير تقدم سحاب ولا فزع ولا سبب آخر يحال عليه قال المصنف وسلع بفتح السين المهملة وسكون اللام جبل بقرب المدينة وقال في السلاح جبل بسوق المدينة. قوله: (مثْلَ الترْسِ) أي مثل الاستدارة ولم يرد أنها مثله في القدر. قوله: (ثم أمطرَتْ) هكذا هو في النسخ وسبق في باب صلاة الاستسقاء عن المصنف أن المذهب المختار

سبتًا، ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يخطب، قال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السُّبُل، فادع الله يُمْسِكُها عنا، فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه ثم قال: "اللهُم حَوَاليْنا ـــــــــــــــــــــــــــــ استعمال أمطر في الخير والشر وبذلك شهد هذا الخبر. قوله: (سَبْتًا) هو بالسين المهملة فالموحدة فالمثناة الفوقية قال المصنف أي قطعة من الزمان وأصل السبت القطع وقال غيره المراد بالسبت هنا الأسبوع كله قال ابن العز الحجازي وعبر عنه بالسبت من تسمية الكل باسم بعضه ووقع في رواية الداودي والحموي والمستملي للبخاري ستًّا وادعى بعضهم أنه تصحيف لأنه لا يطابق رواية إسماعيل بن جعفر في البخاري في القصة أنها سبع ورد ذلك بإمكان الجمع فرواية ستًّا محمولة على الأيام الكوامل ورواية سبعًا أضيف إليها يوم ملفق من يوم الجمعتين أشار إليه ابن العز الحجازي. قوله: (ثم دخل رجل الخ) قال شريك فسالت أنسًا هو الرجل الأول قال لا أدري أخرجه الشيخان قال الحافظ وأخرج البخاري عن يحيى بن سعيد قال سمعت أنسًا يقول جاء رجل من البدو والشعبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة فقال يا رسول الله هلكت الماشية فذكر الحديث قال فما زلنا نمطر حتى كانت الجمعة الأخرى فأتى الرجل فقال يا رسول الله الحديث وأفادت هذه الرواية أن السائل في الاستسقاء هو السائل في الاستصحاء وكأن أنسًا ذكره بعد أن نسيه أو نسيه بعد أن ذكره وقد وقع في رواية قتادة عن أنس في الصحيح أيضًا فقام ذلك الرجل أو غيره وهي تشبه رواية شريك اهـ. قوله: (هلكَتِ الأَموالُ الخ) أي بسبب غير السبب الأول والمراد أن بكثرة الماء انقطع المرعى فهلكت المواشي أو هلكت لعدم ما يكنها من المطر. قوله: (يَمسكُها) يجوز فيه الرفع والسكون والضمير يعود الأمطار أو على السحابة أو على السماء والعرب تطلق على المطر سماء كما تقدم في الباب قبله. قوله: (حَولَيْنا) أي بحذف الألف وقال المصنف في شرح مسلم وفي بعض الصحيح حوالينا أي بإثباتها (قلت) وكذا هو في بعض نسخ الأذكار قال وهما صحيحان وفي الحرز يقال هو حولنا وحوالينا وحولينا كله بمعنى ولا يقال حواليه بكسر اللام وهو هنا ظرف

وَلا عَلَينا، اللهم على الآكام ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه حذف تقديره واجعله في الأماكن التي حوالينا اهـ. قوله: (ولا علَيْنا) فيه بيان للمراد بقوله حوالينا لأنها تشمل الطرق التي حولهم فأراد إخراجها بقوله ولا علينا قال الطيبي في إدخال الواو هنا معنى لطيف وذلك أنه لو أسقطها لكان مستسقيا للآكام وما معها فقط ودخول الواو يقتضي أن طلب المطر على المذكورات ليست مقصودًا لعينه ولكن ليكون وقاية من أذى المطر اهـ. قالوا وليست مخلصة للعطف ولكنها للتعليل أيضًا اهـ، ونقل الدماميني مثله عن ابن المنير وزاد عنه أنها كواو التعليل وفائه فالمراد أنه إن سبق في قضائك أن لا بد من المطر فاجعله حوالى المدينة ويدل على أن الواو ليست لمحض العطف قرانها بحرف النفي ولم يتقدم مثله ولو قلت اضرب زيدًا ولا عمرًا ما استقام العطف ثم تعقبه الدماميني فقال لم يستقم إجراء هذا الكلام على القواعد وليس لنا في كلام العرب واو وضعته للتعليل وليست لا هنا للنفي وإنما هي الدعائية مثل لا تؤاخذنا والمراد أنزل المطر حوالينا حيث لا نستضر به فلم يطلب منع الغبث بالكلية وهو من حسن الأدب في الدعائية لأن الغيث رحمة الله ونعمته المطلوبة فكيف يطلب منه رفع نعمته وكشف رحمته وإنما يسأل سبحانه كشف البلاء والمزيد في النعماء وكذا فعل - صلى الله عليه وسلم - فإنما سأل جلب النفع ودفع الضر فهو استسقاء واستصحاء بالنسبة إلى محلين والواو لمحض العطف ولا جازمة لا نافية فلا إشكال البتة ولو حذفت الواو وجعلت لا نافية وهي مع ذلك للعطف لاستقام الكلام لكن أوثر الأول والله أعلم. لاشتماله على جملتين طلبيتين والمقام يناسبه اهـ. قوله: (الرفع عَلَى الآكام ألخ) قال ميرك هو بيان لقوله حوالينا ولا علينا والآكام بكسر الهمزة وقد تفتح وتمد وقال ابن الجزري إنه بالفتح والمد وقد يقصر جمع أكمة بفتحات قال ابن البرقي هو التراب المجتمع وقال الداودي أكبر من الكدية وقال الفزاري هي التي من حجر واحد وقال الخطابي وهي الهضبة الضخمة وقيل الجبل الصغير وقيل ما ارتفع من الأرض وقال في السلاح وجمع الأكمة أكم أي بفتحتين وأكم بضمتين وأكم أي كقفل وإكام وأكوم وأكوم كافلس الأخيرة عن ابن جني واستكام المكان صار أكمًا قال في الحرز وجمع إكام أي بكسر الهمزة أكم ككتاب وكتب وجمع الأكم آكام والحاصل أن الآكام المد فيه أصح دراية ورواية ويجوز فيه القصر وحينئذ يجوز فتح أوله وكسره وهو الملائم لقوله

باب أذكار صلاة التراويح

والظِّرَابِ وَبُطُونِ الأودِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ، فانقلعت وخرجنا نمشي في الشمس" هذا حديث لفظه فيهما، إلا أن في رواية البخاري: "اللهُم اسْقِنا" بدل "أغِثْنا" وما أكثر فوائده، وبالله التوفيق. باب أذكار صلاة التراويح ـــــــــــــــــــــــــــــ والظراب إذ هو بالكسر لا غير. قوله: (والظِّرَابِ) هو بكسر الظاء المعجمة آخره موحدة جمع ظرب بفتح الظاء وكسر الراء وقد تسكن وهي الجبال الصغار المنبسطة وقال الجوهري الرابية الصغيرة. قوله: (وبطونِ الأَودِيَةِ) جمع واد والمراد ما يحصل فيه الماء فينتفع به قالوا ولم يسمع أفعلة جمع فاعل إلَّا في أودية جمع واد. قوله: (فانقلعَتْ) أي السحابة أو السماء أمسكت المطر عن المدينة وفي نسخة صحيحة من الأذكار فانقطعت وهو كذلك في صحيح مسلم شرح عليها المؤلف وقال إنه هكذا في النسخ المعتمدة وفي أكثرها فانقلعت وهما بمعنى اهـ. قوله: (ومَا أكْثَر فوائِدهِ) فمنها الأدب في الدعاء حيث لم يدع برفع المطر مطلقًا لاحتمال الاحتياج إلى استمراره فاحترز فيه مما يقتضي دفع الضرر وإبقاء النفع ويستنبط منه أن من أنعم الله عليه بنعمة لا ينبغي له أن يسخطها لعارض يعرض فيها بل يسأل الله تعالى دفع ذلك العارض وإبقاء النفع ومنها أن الدعاء بدفع الضرر لا ينافي التوكل وإن كان الأفضل التفويض لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان عالمًا بما وقع لهم من الجدب وأخر السؤال به في ذلك تفويضًا لربه ثم أجابهم للدعاء لما سألوه بيانًا للجواز ومنها جواز الاستسقاء بغير صلاة مخصوصة كما قال به الشافعي ومنها استحباب طلب انقطاع المطر عن المنازل والمرافق إن كثر وتضرروا به ولكن لا تشرع له الصلاة ولا الاجتماع في الصحراء والله أعلم. باب أذكار صلاة التراويح سميت بذلك لأنهم كانوا يتروحون عقب كل أربعة منها أي يستريحون وقيل إنه يفعلونها بعد نوم ومن ثم قال الحليمي لا يدخل وقتها إلَّا بعد نومه بعد صلاة العشاء قال لأن حقيقة القيام لا تحصل إلّا بذلك ورجح خلافه واتفق العلماء على أنها المراد من قيام رمضان في قوله - صلى الله عليه وسلم - من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه رواه البخاري وقوله إيمانًا أي

اعلم أن صلاة التراويح سُنَّة باتفاق العلماء، وهي عشرون ركعة، يسلِّم من كل ركعتين، وصفة نفس الصلاة كصفة باقي الصلوات على ما تقدَّم بيانه، ويجيء فيها جميع الأذكار المتقدِّمة كدعاء الافتتاح، واستكمال الأذكار الباقية، واستيفاء التشهد، والدُّعاء بعده، وغير ذلك مما تقدَّم، وهذا وإن كان ظاهرًا معروفًا، فإنما نبهت عليه لتساهل أكثر النّاس فيه، وحذفهم أكثر الأذكار، والصواب ما سبق. وأما القراءة فالمختار الذي قاله الأكثرون وأطبق النّاس على العمل به أن تقرأ الختمة بكمالها في التراويح جميع الشهر، فيقرأ في كل ليلة نحو جزء من ثلاثين جزءًا، ويستحبُّ أن يرتل القراءة ويبيِّنها ـــــــــــــــــــــــــــــ تصديقًا إنه حق معتقد أفضليته واحتسابًا أي إخلاصًا وسبق أن المكفر بصالح العمل صغائر الذنوب المتعلقة بحق الله تعالى قوله: (وهيَ عشرُونَ ركعَة) قال الحليمي السر في كونها عشرين أن الرواتب المؤكدة في غير رمضان عشر ركعات فضوعفت فيه لأنه وقت جد وتشمير اهـ، ولأن أهل المدينة الشريفة فعلها ستًّا وثلاثين لأن العشرين خمس ترويحات وكان أهل مكة يطوفون بين كل ترويحتين أسبوعًا فجعل أهل المدينة بدل كل أسبوع ترويحة ليساووهم ولا يجوز ذلك لغيرهم كما قاله الشيخان لأن لأهلها شرفًا وفضلًا بهجرته - صلى الله عليه وسلم - إليهم ودفنه بين أظهرهم ويدخل وقتها بعد صلاة العشاء ولو مجموعة جمع تقديم ويستمر وقت أدائها إلى طلوع الفجر الصادف. قوله: (يُسلِّمُ منْ كل ركعتينِ) فلو صلى أربعا بتسليمة واحدة لم تصح لأنه خلاف المشروع حكاه عن فتاوى القاضي حسين لكنه جزم في فتاويه بجواز وصل الأربع كالأربع قبل الظهر وبعده وإن كان الفصل أفضل وهو مخالف لنقله عن القاضي نقله المراغي في شرح الزبد والأول هو المعتمد وفارقت التراويح سنة الظهر القبلية والبعدية بأن هذه المشروعية الجماعة فيها أشبهت الفريضة فلا تغير عما ورد ويجب أن ينوي لكل من الركعتين.

باب أذكار صلاة الحجة

وليحذر من التطويل عليهم بقراءة أكثر من جزء، وليحذر كل الحذر مما اعتاده جهلة أئمة كثير من المساجد من قراءة سورة الأنعام بكمالها في الركعة الأخيرة في الليلة السابعة من شهر رمضان، زاعمين أنها نزلت جملة، وهذه بدعة قبيحة وجهالة ظاهرة مشتملة على مفاسد كثيرة، وقد أوضحتها في كتاب "التبيان في آداب حملة القرآن" وبالله التوفيق. باب أذكار صلاة الحجة روينا في كتاب الترمذي وابن ماجه، عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ـــــــــــــــــــــــــــــ أنها من التراويح أو سنة التراويح أو من قيام رمضان ولا تصح بنية مطلقة. قوله: (ولْيحْذر منَ التطويِل علَيهمْ) محله في غير إمام الجمع المحصور الذي لم يتعلق بعينه حق ورضوا بالتطويل. قوله: (ولْيحذَرْ كلَّ الحَذر الخ) سبق الكلام على ما يتعلق بذلك في كتاب تلاوة القرآن. باب أذكار صلاة الحاجة قوله: (رَوَينَا في كِتَابِ التّرمذِي) وابن ماجة وأخرجه الحاكم ومدارهم فيه على أبي الورقاء واسمه فايد بن عبد الرحمن وقد ضعفوه في الحديث وقول الحاكم أبو الورقاء كوفي رأيت جماعة من أعقابه وهو مستقيم الحديث رد بأن الذهبي قال في تلخيص المستدرك بأنه واهي الحديث جدًّا قال الحافظ ووجدت له شاهدًا من حديث أنس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا طلبت حاجة فأردت أن تنجح فقل لا إله إلَّا الله فذكر نحو حديث عبد الله بن أبي أوفى بطوله وأتم منه لكن لم يذكر الركعتين قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الطبراني أحدهما في كتاب الدعاء والثاني في غيره قال وقال الطبراني في هذه الرواية لا يروى عن أنس إلَّا بهذا الإسناد تفرد به يحيى بن سليمان المغربي قال الحافظ وأبو معمر يعني شيخ يحيى بن سليمان واسمه حماد بن عبد الصمد وهو الراوي عن أنس ضعيف جدًّا وشيخ الطبراني في هذا الحديث واسمه جبرون بفتح الجيم

"مَنْ كانَتْ لهُ حاجَة إلى الله تعالى أوْ إلى أحَدٍ مِنْ بَني آدَمَ فَلْيَتوَضَّأ وَلْيُحْسِنِ الوُضُوءَ، ثمّ لِيُصَل رَكْعَتَينِ، ثُم لِيُثْنِ عَلى الله عَز وَجَل، وَلْيُصَل على النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم ليَقُلْ: لا إلهَ إلا اللهُ الحَلِيمُ الكَرِيمُ، سُبْحانَ الله ـــــــــــــــــــــــــــــ وسكون الموحدة وضم الراء ابن عيسى وهو الراوي عن يحيى بن سليمان قال الحافظ ولحديث أنس طريق أخرى في مسند الفردوس من رواية شقيق بن إبراهيم البلخي العابد المشهور عن أبي هاشم عن أنس بمعناه وأعم منه لكن أبو هاشم واسمه كثير بن عبد الله كأبي معمر في الضعف وأشد وجاء عن أبي الدرداء مختصرًا ولفظه سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول من توضأ فأسبغ الوضوء ثم صلى ركعتين بتمامهما أعطاه الله ما سأل معجلًا ومؤخرا قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث حسن أخرجه أحمد والبخاري في التاريخ وأخرجه الطبراني على وجه أتم من ذلك لكن سنده أضعف اهـ. قال السخاوي وبالجملة فهو حديث ضعيف. قوله: (منْ كانَتْ لهُ حاجةٌ) أي سواء كانت ضرورية أم لا متعلقة بالدين أم بالدنيا كما يؤذن به عموم النكرة الواقعة في سياق الشرط وتقييد صاحب الحرز بالضرورية غير ظاهر. قوله: (فليُحسنِ الوُضوءَ) أي بأن يبلغه مبالغة بأن يأتي بواجباته ومكملاته كما هو المتبادر من لفظ الإحسان وإن أطلق على الإتيان بالواجبات. قوله: (ثم ليُصَل ركعتيْنِ) في الإتيان بثم هنا لما بين الطهر والصلاة من الفصل بالذكر المسنون عقبه وتسمى هذه بصلاة الحاجة. قوله: (ثم لْيُثْنِ) من الإثناء مادة الثناء بأن يحمده تعالى بجوامع الحمد كالحمد لله حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا ديه. قوله: (وليُصَل عَلَى النبي - صلى الله عليه وسلم -) لم يأت هنا بثم كأنه للإشارة إلى حصول أصل السنة بتقديمها على الحمد. قوله: (الحلِيمُ الكريمُ) في ذكر هذين الاسمين في هذا المقام غاية المناسبة إذ قضية الحليم أن لا يؤاخذ السائل بسابق ذنبه والكريم المتفضل بالنوال

رب العَرْشِ العَظِيمِ، الحَمْدُ لِلهِ رَب العالمِينَ، أسألُكَ مَوجِباتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالغَنِيمَةَ مِنْ كُل بِر، والسلامَةَ مِنْ كُل إثم، ـــــــــــــــــــــــــــــ قبل السؤال فأولى بعده. قوله: (رب العرْشِ العظيم) فيه غاية المناسبة أيضًا لأن القادر على إيجاد ذلك العرش الذي لا يحيط بعظمته إلا موجده قادر على إعطاء المسؤول وإن جل فلا ييأس من طلبه. قوله: (الحمْدُ لله الخ) ختم الثناء بما هو من مجامعه بل قال أئمتنا إنه أفضل صيغ الحمد لافتتاح القرآن به. قوله: (أَسْألكَ موجبَاتِ رَحْمَتِكَ) قال في الحرز هذه من مختصات رواية الترمذي اهـ، ولم يتعرض لذلك الحافظ في التخريج بل قضية سياقه إن هذا وما يأتي كله عند الترمذي وغيره ممن ذكرنا عنه فيمن خرج الحديث وموجبات بكسر الجيم قال في الحرز أي الخصال الحميدة الموجبة لرحمتك والمقتضية عنايتك وقال الطيبي هو جمع موجبة أي الكلمة التي أوجبت لقائلها الجمعة وتعقبه ابن حجر الهيتمي بأنه غير مناسب لأنه ينحل إلى سؤال تيسير كلمات من القرآن وليس ذلك مناسبًا لأول الحديث الناص على أن ذلك يقال في الحاجة إلى الله تعالى وإلى بني آدم فالأنسب بهما أن يفسر موجبات رحمتك بقوله أي أعطيتك وكلماتك التامة التي توجب لمن أنعمت عليه بها عظائم الإنعام والرحمة. قوله: (وعزائمِ مغْفرَتِكَ) جمع عزيمة بمعنى معزومة أي مقطوع بوقوعها أو عازمة أي قاطعة لكل وصمة وذنب أي أسألك أنواعا من المغفرة يحتم حصولها بإرادتك له أو تقطع عني كل تقصير مانع من استجابة الدعاء وأغرب الحنفي في شرح الحصن فقال العزائم جمع عزيمة بمعنى الرقية أي أسألك الرقي التي توجب المغفرة وقال ذكره الجوهري وغيره قال في الحرز إن أراد أن الجوهري وغيره ذكروا أن الرقية بمعنى العزيمة فمسلم وإن ادعى أنهم فسروها بذلك في هذا المقام فممنوع وعن حيز ذي العقل فمدفوع. قوله: (والغنِيمَةَ منْ كل بِرٍّ) هذه الجملة قال في الحرز من رواية الترمذي خاصة والغنيمة أي الاغتنام من كل بر بكسر الموحدة أي طاعة وإحسان تقرب إليك ومنه استجابة الدعاء المطلوب من حضرتك. قوله: (والسلامةَ) أي الخلاص. قوله: (منْ كل إِثم) بكل وجه من خطور وهم وقصد وتمن ومباشرة وإصرار وغير ذلك فكل ذلك يبعد عن ساحة الرحمن إن لم يتداركه سبحانه

لَا تَدع لي ذَنْبا إلا غَفَرْتَهُ، ولا هَمّا إلا فرَّجْتَهُ، ولا حاجَةً هِيَ لَكَ رِضًى إلا قَضَيْتَها يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ". قال الترمذي: في إسناده مقال. قلت: ويستحبُّ أن يدعوَ بدعاء الكرب، وهو: اللهم آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وقِنَا عَذَابَ النَّارِ، لما قدمناه عن "الصحيحين" فيهما. وروينا في كتاب الترمذي، ـــــــــــــــــــــــــــــ بالعفو والغفران. قوله: (لَا تَدعْ) بفتح الدال وسكون العين المهملتين أي تترك وهذه الجملة تأكيد لقوله عزائم مغفرتك. قوله: (ولا هَمّا) أي غما (إِلَّا فرَّجْتهُ) بتشديد الراء أي كشفته يقال فرج تفريجًا إذا أزل الغم ويجوز تخفيفه كما في القاموس. قوله: (هيَ لكَ رضا) أي ذات رضا قال في فتح الإله ويظهر أن المراد بذلك ما يعم المباح لكن حمل الرضا المقتضي للمبالغة كرجل عدل يقتضي أن المطلوب حاجة لله تعالى فيها مزيد رضا وذلك لا يكون إلَّا في الخير ووسيلته. قوله: (يا أَرحَم الرَّاحِمينَ) فيه إثبات الرحمة له تعالى مرادا بها غايتها ولغيره تعالى مرادا بها أصلها من الميل النفساني وحينئذٍ فافعل التفضيل المقتضي للمشاركة المراد به مطلقها لا بقيد غايتها ولا أصلها. قوله: (في إِسنَادِهِ مقَالٌ) تقدم ما فيه قال ابن حجر الهيتمي أخذ منه النووي في الروضة مع اعترافه بضعفه ندب صلاة الحاجة على الكيفية المذكورة في هذا الحديث وقال في تحقيقه لا تكره ولا تندب "فإن قلت" هذا مشكل لتصريحهم أن الصلاة حيث لم تكن مطلوبة لا تنعقد (قلت) إذا كان عدم طلبها لأمر يتعلق بذاتها وهنا ليس كذلك لأن عدم طلبها ليس من حيث كونها صلاة بل من حيث كونها صلاة حاجة فهي من حيث كونها صلاة مطلوبة ومن حيث ربطها بالحاجة غير مطلوبة فلم يناف عدم طلبها وجود انعقادها ونقل الغزالي في الإحياء أنها اثنتا عشرة ركعة وذكر لها كيفية أخرى فيها ما يقتضي بطلانها وهو السجود بعد التشهد وقبل السلام وقال إن عُلماء جربوها فوجدوها صحيحة وذكر فيها حديثًا ثم قال في سنده من لا أعرفه قال بعض أئمتنا يندب تحري غداة السبت لحاجته لقوله - صلى الله عليه وسلم - من غدا يوم السبت في طلب حاجة يحل طلبها فأنا ضامن لقضائها اهـ. قوله: (وَرَوَيْنَا في كِتَابِ الترمذِي

وابن ماجه، عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه، أن رجلًا ضرير البصر أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ادع الله تعالى أن يعافيني، قال: "إنْ شِئْتَ دَعَوْتُ، وَإنْ شِئْتَ صَبِرْتَ فَهُوَ خيْرٌ لَكَ"، قال فادعه، فأمره أن يتوضأ فيحسنَ وضوءَه ويدعو بهذا ـــــــــــــــــــــــــــــ وابن ماجة) وكذا أخرجه أحمد وابن خزيمة زاد في السلاح والنسائي وزاد في بعض طرقه فتوضأ ثم صلى ركعتين والحاكم في المستدرك كلهم عن عثمان بن حنيف وقال في المستدرك صحيح على شرط الشيخين وزاد فيه فدعا بهذا الدعاء فقام وقد أبصر وقال الحافظ بعد أن أخرجه عن عمارة بن خزيمة عن عثمان بن حنيف قال ورواه الحاكم من طريق آخر عن عثمان بن عمر عن شعبة عن أبي جعفر في شيخه فوافق شعبة حماد بن سلمة في أن شيخ أبي جعفر في الحديث عمارة بن خزيمة عن عثمان بن حنيف وخالفهما هشام الدستوائي فقال عن أبي جعفر عن أبي أمامة بن سهل عن عمه عثمان أخرجهما النسائي ووافق هشامًا روح بن القاسم عن أبي جعفر ويتجه أن يجمع بأن لأبي جعفر فيه شيخين ويتأيد بأن في رواية أبي أمامة زيادات ليست في رواية عمارة ولفظ رواية أبي أمامة أخرجه الحاكم عن الطبراني وغيرهما فقال عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه والله أعلم، لكن قال في السلاح عن الترمذي إنه حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلَّا من حديث أبي جعفر وهو غير الخطمي والله أعلم. قوله: (عَنْ عثْمانَ بْنِ حُنَيفٍ) هو الأنصاري الأوسي يكنى أبا عمارة وقيل أبا عبيد الله شهد أحدًا والمشاهد بعدها واستعمله عمر رضي الله عنه على مساحة سواد العراق فمسحه وقسط خراجه واستعمله على البصرة فبقي عليها إلى أن قدمها طلحة والزبير مع عائشة في وقعة الجمل فأخرجوه منها ثم قدم علي إليها فلما ظهر بهم علي استعجل على البصرة عبد الله بن عباس وسكن عثمان الكوفة وبقي إلى زمن معاوية له حديث واحد كما ذكره ابن الجزِري في مختصر التنقيح وأبوه حنيف بضم الحاء وفتح النون وسكون التحتية بعدها فاء.

الدعاء: "اللهُم إني أسألُكَ وأتَوجهُ إلَيكَ بِنَبيكَ مُحَمد - صلى الله عليه وسلم - نَبِي الرَّحْمَةِ، يا محمد إني تَوَجَّهْتُ بكَ إلى رَبي في حاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى لي، اللهُمَّ فَشَفِّعْهُ فيّ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (إِني أسألُكَ) أي مطلوبي. قوله: (بنَبيِّكَ) أي بوسيلته وشفاعته والباء للتعدية أو للمصاحبة. قوله: (مُحمدُ) بالجر عطف بيان أو بدل و (نَبي الرحْمَةِ) صفة له ولا يخفى مناسبة هذا الوصف للمقام. قوله: (يا مُحمدُ) التفات إليه وتضرع إليه ليتوجه إلى الله تعالى فيغني السائل به عما سواه. قوله: (أتَوجَّهُ بِكَ) أي بذاتك والباء فيه للاستعانة. قوله: (لِتُقْضَى) أي بصيغة المجهول أي الحاجة وقوله. قوله: (لِي) للبيان كما صرح به الطيبي ويمكن أن يكون التقدير لتقضى الحاجة لي قال في الحرز بل هذا هو الظاهر وفي نسخة من الحصن لتقضى بصيغة الفاعل أي لتقضى الحاجة والمعنى لتكون سببًا لحصول حاجتي ووصول مرادي فالإسناد مجازي قال في الحرز أعلم أن النداء باسمه - صلى الله عليه وسلم - منهي عنه لكن محله فيما لم يرد فيه إذن شرعي واختلف هل الأولى مراعاة الأدب وتغيير العبارة أو الامتثال بعين ما ورد فإن المأمور معذور الأظهر الثاني كما هو مقرر في محله اهـ. وفي الجوهر المنظم لابن حجر الهيتمي ولا يعارض ذلك أي تحريم ندائه - صلى الله عليه وسلم - باسمه أو بكنيته بل ينادى بنحو يا رسول الله الحديث الصحيح الآتي في دعاء الحاجة يا محموإني متوجه بك إلى ربي لأنه - صلى الله عليه وسلم - صاحب الحق فله أن يتصرف كيف شاء ولا يقاس به غيره وتعليم بعض الصحابة ذلك لغيره يحتمل إنه مذهب له وإنه رأى أن ألفاظ الدعوات والأذكار يقتصر فيها على الوارد اهـ. قوله: (اللهُم) أي يا الله وهذا التفات آخر. قوله: (فَشفِّعْهُ) بتشديد الفاء المكسورة أي اقبل شفاعته في أي في حقي قال في النهاية المشفع الذي تقبل شفاعته قال الطيبي الفاء عطف على قوله أتوجه أي اجعله شفيعا لي فشفعه وقوله اللهم معترضة اهـ، وفي الحرز الأظهر إن اللهم ندائية وما بعدها جملة دعائية والمعطوف عليه بالفاء مقدر والمعنى يا الله اجعله شفيعًا أولًا فاقبل شفاعته فيّ ثانيًا ليتم به المقصود والله المحمود اهـ.

باب الأذكار صلاة التسبيح

باب الأذكار صلاة التسبيح روينا في كتاب الترمذي عنه قال: قد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير حديث في صلاة التسبيح، ولا يصح منه كبير شيء. قال: وقد رأى ابن المبارك وغير واحد من أهل العلم صلاة التسبيح، وذكروا الفضل فيه. قال الترمذي: حدثنا أحمد بن عبدة، قال: حدثنا أبو وهب، قال: سألت عبد الله بن المبارك عن الصلاة التي يسبح فيها، قال: يكبر ثم يقول: سُبْحانَكَ اللهُم وبِحَمْدِكَ، تَبارَكَ اسْمُكَ وَتَعالى جَدُّكَ وَلا إلهَ غَيْرُكَ، ثم يقول خمس عشرة مرَّة: سُبْحانَ الله والحَمْدُ لِلهِ وَلا إلهَ إلَّا اللهُ واللهُ أكْبَرُ، ثم يتعوَّذ ويقرأ بسم الله الرحمن الرحيم وفاتحة الكتاب، وسورة، ثم يقول عشر مرات: سُبْحانَ الله، والحَمْدُ لِلهِ، وَلا إلهَ إلَّا اللهُ وَاللهُ أكْبَرُ، ثم يركع فيقولها عشرًا، ثم يرفع رأسه فيقولها عشرًا، ثم يسجد فيقولها عشرًا، ثم يرفع رأسه فيقولها عشرًا، ثم يسجد الثانية فيقولها عشرًا، يصلي أربع ركعات على هذا، فذلك خمس وسبعون تسبيحة في كل ركعة، يبدأ بخمس عشرة تسبيحة، ثم يقرأ، ثم يسبح عشرًا، فإن صلى ليلًا، فأحبُّ إليّ أن يسلم في ركعتين، وإن صلى نهارا، فإن شاء سلم، وإن شاء لم يسلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ باب أذكار صلاة التسابيح قوله: (ثُمَّ يقولُ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً سبحانَ الله والحمدُ لله الخ) هذه إحدى الكيفيتين والكيفية الأخرى كذلك إلَّا أن الخمسة عشر التي قبل القراءة تجعل بعدها قبل الركوع والعشر التي قبل الركوع تجعل في القيام من السجدة الثانية أي في جلسة الاستراحة وسيأتي ذكرها في الحديث فاكتفى به المصنف ووقع للأسنوي في المهمات أن النووي ذكر الكيفية في الأذكار لكنه لم يذكر القول بعد السجدة الثانية بل ذكر عوضها عشرًا قبل القراءة كذا قال قال الحافظ وهو عجيب فقد ذكر الشيخ الكيفيتين والله أعلم.

وفي رواية عن عبد الله بن المبارك أنه قال: يبدأ في الركوع: سبحان ربي العظيم، وفي السجود: سبْحان ربي الأعلى ثلاثًا، ثم يسبح التسبيحات، وقيل لابن المبارك: إن سها في هذه الصلاة، هل يسبح في سجدتي السهو عشرًا عشرًا؟ قال: لا، إنما هي ثلاثمائة تسبيحة. وروينا في كتاب الترمذي، وابن ماجه، عن أبي رافع رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للعباس: "يا عَمُّ ألا أصِلُكَ ألا أحبوكَ ألا أنفعُكَ؟ " قال: بلى يا رسول الله، قال: "يا عَمِّ صلِّ أرْبَع ركَعاتٍ تَقْرأُ في كُل رَكْعَةٍ بِفاتِحَةِ القُرآنِ وَسُورَةٍ، فإذَا انْقَضَتِ القِراءَةُ، فَقُلِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (وفي روَايةٍ عنْ عبدِ الله بن المباركِ أَنه قَال يبدَأُ في الركوع الخ) أخرجه الترمذي قال الحافظ ومراده أن التسبيحات المذكورة لَا يستغني بها عن ذكر الافتتاح ولا ذكر الركوع والسجود بل تكون زائدة على ذلك اهـ. قوله: (وقِيلَ لابنِ المبارَكِ الخ) رواه عنه الترمذي عن أحمد بن عبدة حدثنا وهب بن زمعة أخبرني عبد العزيز بن أبي رزمة قال سألت عبد الله بن المبارك إن سها في هذه الصلاة يسبح الخ. قوله. (وَرَوَينَا في كتاب الترمذي ابنِ ماجة) قال الحافظ بعد إيراده هذا حديث غريب أخرجه الترمذي وابن ماجة ينتهي إسنادهما إلى زيد بن الحباب عن موسى بن عبيدة الربذي بفتح الراء الموحدة والذال المعجمة وهو ضعيف جدًّا تركه أحمد وغيره عن سعيد بن أبيِ سعيد مولى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبي رافع وللحديث طرق أخرى سيأتي بعضها. قوله: (عَنْ أَبِي رَافعٍ) هو مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اسمه أسلم وقيل إبراهيم وقيل صالح وقيل هرمز توفي في زمن علي وقيل قبل مقتل عثمان روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانية وستون حديثًا له في الصحيحين أربعة أحاديث انفرد البخاري بواحد منها ومسلم بالباقي. وقوله: (وسورة) قال بعض أئمتنا الأفضل كونها تارة من طوال المفصل والأفضل أربع من المسبحات الحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن للمناسبة بينهن وبينها في الاسم وتارة من قصاره كالزلزلة والعادية وألهاكم والإخلاص. قوله: (فإذَا انقضَتِ القِرَاءةُ فَقُلْ الخ) قال في فتح الإله ما

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صرح به هذا السياق من أن التسبيح بعد القراءة أخذ به أئمتنا وأما ما كان يفعله عبد الله بن المبارك من جعل الخمسة عشر قبل القراءة والعشرة بعدها قبل الركوع ولا يسبح في الاعتدال فمخالف هذا الحديث قال بعض أئمتنا لكن جلالته تقتضي التوقف عن مخالفته فالأحب العمل بهذا تارة وبهذا أخرى اهـ، وفيه نظر فإن الأحب ما في الحديث وما فعله ابن المبارك الظاهر أنه استند فيه لشيء لم يثبت وإلا لما أعرضوا عن مخالفته عنه إلى مخالفته نعم وافقه النووي في الأذكار فجعل قبل الفاتحة خمسة عشر وبعدها عشرًا لكنه أسقط في مقابلتها ما يقال في جلسة الاستراحة فوافقه في الخمسة عشر قبل القراءة وخالفته فيما يسقط ندبها قال بعضهم وفي رواية عن ابن المبارك أنه يقول عشرين في السجدة الثانية وهذا ورد في أثر بخلاف ما قبل القراءة قلت الأثر أشار إليه ابن العربي في شرح الترمذي لكن في الاحياء بعد إيرادها في حديث أبي رافع وابن عباس ما لفظه وفي رواية يقول ذلك خمسة عشر قيل القراءة وعشرا قبل الركوع قال وهذا أولى وهو يوافق ما نقل عن ابن المبارك قال العراقي في شرح الترمذي لم أقف على هذه الصفة يعني ما جاء في حديث ابن المبارك في شيء من الطرق المرفوعة اهـ. قال الحافظ وقد ذكر المنذري في الترغيب أن البيهقي أخرج الحديث من طريق أبي جناب الكلبي وهو بفتح الجيم والنون الخفيفة وآخره موحدة عن أبي الجوزاء عن عبد الله بن عمرو قال قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا أحبوك فذكر الحديث قال وهذا يوافق ما روينا عن ابن المبارك ثم أخرجه من طريق أخرى عن أبي الجوزاء كالجادة قال الحافظ وكذا سيق من غير وجه وأخرجه الدارقطني من طريق محمد بن فضيل عن أبان بن أبي عياش عن أبي الجوزاء عن عبد الله بن عمر بضم العين فذكر نحو رواية أبي جناب بتقديم الذكر على القراءة وأبان ضعيف جدًّا وقد اضطرب فيه فرواه الدارقطني أيضًا من طريق سفيان الثوري عن أبان فقال عبد الله بن عمرو كالجادة وآخر الذكر عن القراءة وروينا أيضًا من طريق عمر مولي عفرة عن علي بلفظ إذا قصت إلى الصلاة فقل الحمد الله الله أكبر والحمد الله وسبحان الله ولا إله إلَّا الله خمس عشرة مرة

اللهُ أكْبَرُ وَالْحَمْدُ لِلهِ وَسُبْحَانَ الله خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً قَبْلَ أنْ تَرْكَعَ، ثُمَّ ارْكَعْ فَقُلْها عَشْرًا ثُمَّ ارْفَعْ رَأسَك، فَقُلْها عَشْرًا، ثُم اسْجُدْ، فَقُلْها عَشْرًا، ثُمَّ ارْفَع رَأسَكَ، فَقُلْها عَشْرًا قَبْلَ أنْ تَقُومَ، فَتِلْكَ خَمسٌ وَسَبْعُونَ في كُل رَكْعَة، وَهِيَ ثَلاثُمائَة في أرْبَعِ رَكَعاتٍ، فَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُكَ مِثْلَ رَمْلِ عالِج غَفَرَها اللهُ تَعالى لَكَ"، قال: يا رسول الله من ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم اقرأ فذكر الحديث فهذه ثلاث طرق توافق ما نقل عن ابن المبارك ومع ذلك فقد جاء عن ابن المبارك ما يشعر بأنها من اختياره فروينا عن الوليد بن مسلم قال سئل ابن المبارك عن صلاة التسبيح فقال قد تحدثوا بها ولا انكر منها شيئًا إلَّا التسبيح جالسًا بعد فراغ الركعة الأولى يعني والثانية إن لم يتشهد قال فإني لا أعرف هذا في صفة الصلاة فأحب أن يقوم فيقولها قبل القراءة قال الحافظ قلت ويعارض بمثله لأنه لا يعهد في غير الركعة الأولى الافتتاح بغير القراءة إلا التعوذ وقد وقع لي حديث جيد الإسناد فيه تقديم هذا الذكر على القراءة لكن في الركعة الأولى فقط عن عائشة ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفتتح به إذا قام من الليل قالت كان إذا قام من الليل يصلي يبدأ فيكبر عشرًا ويسبح عشرًا ويحمد عشرًا ويهلل عشرًا ويستغفر عشرًا ويقول اللهم اغفر لي واهدني وارزقني عشرًا ويتعوذ بالله من ضيق يوم القيامة عشرًا قال الحافظ بعد تخريجه من طريق بعضها بهذا اللفظ وبعضها نحو هذا حديث حسن أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وفي رواية أحمد قال في آخره اللهم إني أعوذ بك من ضيق المقام يوم الحساب عشرًا اهـ. قوله: (الله أكْبَرُ) أي من جميع الأشياء أو من كل شيء يعرف كنهه فالقصد تنزيهه عن معرفة كنهه أو أكبر من كل ما يتعقل ربنا والقصد جعله فوق كل ما تطيقه عقولنا أو معنى أكبر البالغ المنتهي في الكبرياء ولم يرد التفضيل على شيء لأنه تعالى أجل من أن يفضل على غيره ومن ثم لم يستعمل استعمال اسم التفضيل زاد الحافظ في روايته التي خرجها ويجتمع مع الترمذي وابن ماجة في شيخ شيخهما زيد بن الحباب. لا إله إلَّا الله. وهي ثابتة في رواية ابن عباس عند أبي داود وابن ماجة والبيهقي وغيرهم. قوله: (فقلْها قبلَ أَنْ تقومَ) أي أثبت بها في جلسة

يستطيع أن يقولها في يوم؟ قال: "إنْ لَمْ تَسْتَطِعْ أنْ تَقُولَها في يَوْم فَقُلْها في جُمُعَةٍ، فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ أنْ تَقُولَها في جُمُعَة فَقُلْها في شَهْرٍ، فلم يزل يقول له حتى قال: قُلْها في سَنةٍ" قال الترمذي: هذا حديث غريب. قلت: قال الإِمام أبو بكر بن العربي في كتابه "الأحوذي في شرح الترمذي": حديث أبي رافع هذا ضعيف ليس له أصل في الصحة ولا في الحسن، قال: وإنما ذكره الترمذي لينبه عليه لئلا يغتر به، قال: وقول ابن المبارك ليس بحجة، هذا كلام أبي بكر بن العربي. ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستراحة قبل القيام أو التشهد إن لم يعقبها قيام وسبق عن ابن المبارك في هذا المقام كلام بما فيه قال المحب الطبري في الأحكام: جمهور العلماء لم يمنعوا من صلاة التسبيح مع اختلافهم في تطويل الاعتدال والجلوس بين السجدتين وقد صرح أبو محمد الجويني باستثناء صلاة التسبيح من ذلك وقال المصنف في شرح المهذب حديثها لا يثبت وفيها تغير لنظم الصلاة فينبغي أن لا تفعل وفي التحقيق له نحو ذلك وأجاب السبكي بأنه ليس فيها تغير إلّا في الجلوس قبل القيام إلى الركعة الثانية وكذا الرابعة وذلك محل جلسة الاستراحة فليس فيه إلَّا تطويلها لكنه بالذكر وأجاب الحافظ العراقي في شرح الترمذي بأن النافلة يجوز فيها القيام والقعود حتى في الركعة الواحدة وقال الحافظ ابن حجر وظهر لي جواب ثالث هو أن هذه الجلسة ثبتت مشروعيتها في صلاة التسبيح فهي كالركوع الثاني في صلاة الكسوف اهـ. قوله: (قَال الترمذيُّ الخ) بعد إخراجه حديث لأنس في معنى ذلك وفي الباب عن ابن عباس وابن عمر والفضل بن عباس وأبي رافع وزاد العراقي في شرحه وعن ابن عمر قال الحافظ وفيه أيضًا عن العباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب وأخيه جعفر وعبد الله بن جعفر وأم سلمة ورجل من الأنصار غير مسمى وقد قيل إنه جابر أما حديث أنس فلفظه جاءت أم سليم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت يا رسول الله علمني كلمات أدعو بهن في صلاتي فقال سبحي الله عشرًا واحمديه عشرًا وكبريه عشرًا ثم سلي حاجتك يقول نعم نعم قال الحافظ بعد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تخريجه هذا حديث حسن أخرجه الترمذي والنسائي والحاكم قال العراقي في إيراد الترمذي حديث أنس هذا في باب صلاة التسابيح نظر لما في صلاة التسبيح من الزيادات التي ليست فيه وكأنه نظر إلى أصل المشروعية في قدم الذكر وقد وافقه الحاكم فأورد حديث أنس فيها قبل حديث أبي رافع وعلى هذا فيزاد في الباب حديث أم رافع السابق في باب ما يقول إذا أراد أن يقوم إلى الصلاة فإنه بمعنى حديث أنس هذا وله شاهد من حديث عائشة عند النسائي وأما حديث ابن عباس فلفظه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للعباس يا عماه ألا أعطيك ألا أحبوك ألا أمنحك عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك أوله وآخره قديمه وحديثه خطأه وعمده صغيره وكبيره سره وعلانيته تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة فإذا فرغت من القراءة قل وأنت قائم سبحان الله والحمد الله ولا إله إلَّا الله والله أكبر خمس عشرة مرة ثم تركع فتقولها عشرًا ثم ترفع رأسك فتقولها عشرًا ثم تسجد فتقولها عشرًا ثم ترفع رأسك فتقولها عشرًا ثم تسجد فتقولها عشرًا ثم ترفع رأسك فتقولها عشرًا فذلك خمس وسبعون في كل ركعة تفعل ذلك في أربع ركعات فإن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل فإن لم تفعل فصلها في كل جمعة فإن لم تفعل ففي كل شهر فإن لم تفعل ففي كل سنة فإن لم تفعل ففي عمرك مرة قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث حسن أخرجه أبو داود وابن ماجة والمعمري في كتاب اليوم والليلة عن عبد الرحمن بن بشر بن الحكم حدثنا موسى بن عبد العزيز حدثنا الحكم بن ابان عن ابن عباس في نقل السيوطي في حواشي سنن أبي داود عن أمالي الأذكار للحافظ أن فيها أخرجه البخاري في جزء القراءة خلف الإِمام

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والبيهقي وذكر من تقدم من أبي داود ومن بعده قال الحافظ وزاد الحاكم أن النسائي أخرجه في كتاب الصحيح عن عبد الرحمن يعني ابن بشر ولم نر ذلك في شيء من نسخ السنن الصغرى ولا الكبرى وكذا قول ابن الصلاح أخرجه الأربعة من طريق بشر بن الحكم والد عبد الرحمن بالسند المذكور قال الحافظ وأخرجه ابن شاهين في كتاب الترغيب من طريق إسحاق بن أبي إسرائيل عن موسى وقال ابن شاهين سمعت أبا بكر بن أبي داود يقول سمعت أبي يقول أصح حديث في صلاة التسبيح حديث ابن عباس هذا وقال الحافظ مما يستدل به على صحته استعمال الأئمة له كابن المبارك ثم ساق بسنده إليه ما تقدم عند المصنف من طريق الترمذي وقال في موضع آخر منه أصح طرقه ما صححه ابن خزيمة قال الحافظ "قلت" كذا أطلق جماعة أن ابن خزيمة صححه منهم ابن الصلاح والمصنف في شرح المهذب ومن المتأخرين السبكي والبلقيني في التدريب لكن عبارة ابن خزيمة إن ثبت الخبر فإن في القلب من هذا الإسناد شيئًا قال الحافظ وبالسند إلى ابن خزيمة حدثنا محمد بن رافع حدثنا إبراهيم بن الحكم حدثنا عكرمة فذكره مرسلأوأخرجه الحاكم من طريقه وقال هذا لا يقدح في الموصول مع أن إمام عصره إسحاق بن راهويه أخرجه عن إبراهيم موصولًا ثم ساقه قال الحافظ والسبب في توقف ابن خزيمة من جهة موسى بن عبد العزيز فإنهم اتفقوا على أنه كان من العباد الصلحاء واختلفوا فيه فقال ابن معين والنسائي لا بأس به وقال علي بن المديني ضعيف وقال العقيلي مجهول "قلت" وأشار السيوطي في حاشية سنن أبي داود إلى رفع الجهالة عن موسى فقال قال ابن أبي داود سمعت أبي يقول أصح حديث في صلاة التسبيح هذا وموسى بن العزيز وثقه ابن معين والنسائي وابن حبان وروى عنه البخاري في جزء القراءة وأخرج له في الأدب المفرد حديثًا في سماع الرعد وببعض هذه الأمور ترفع الجهالة وممن صحح هذا الحديث ابن منده وألف فيه كتابًا والآجري والخطيب وأبو سعيد السمعاني وأبو موسى المديني والمنذري وابن الصلاح والمصنف وغيره وروى البيهقي وغيره عن ابن السيرافي كنت عند مسلم ومعي هذا الحديث فسمعته يقول لا يروى فيه إسناد أحسن من هذا اهـ. قال الحافظ وقد جاء المتن عن ابن عباس من طرق أخرى فأخرجه أبو نعيم الأصبهاني في مقدمة كتاب الحلية من طريق مجاهد عن ابن عباس أن رسول

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الله - صلى الله عليه وسلم - قال له يا غلام ألا أحبوك ألا أنحلك ألا أجيزك ألا أعطيك قلت بلى بأبي أنت يا رسول الله قال وظننت أنه سيقطع لي قطعة من مال فقال أربع ركعات تصليهن في كل يوم فإن لم تستطع ففي كل جمعة فإن لم تستطع ففي كل شهر فإن لم تستطع ففي دهرك مرة تقرأ أم القرآن وسورة ثم تقول سبحان الله الخ. فذكر نحو ما تقدم ثم قال فإذا فرغت قلت بعد التشهد وقيل التسليم اللهم إني أسألك توفيق أهل الهدى وأعمال أهل اليقين وعزم أولى الصبر وجد أهل الخشية ومناصحة أهل التقوى وطلب أهل الرغبة وتعبد أهل الورع وعرفان أهل العلم حتى أخافك مخافة تحجزني بها عن معاصيك وحتى أعمل بطاعتك عملًا أستحق به رضاك وحتى أناصحك في التوبة خوفًا منك وحتى أخلص لك في النصيحة حبا لك وحتى أتوكل عليك في الأمور حسن ظني بك سبحانك خالق النور فإذا فعلت ذلك يا بن عباس غفر الله لك ذنوبك صغيرها وكبيرها قديمها وحديثها وسرها وعلانيتها وعمدها وخطأها قال الطبراني في الأوسط لم يروه عن مجاهد إلّا عبد القدوس بن حبيب ولا عنه إلَّا موسى يعني ابن جعفر بن كثير تفرد به أبو الوليد هشام يعني إبراهيم المخزومي قال الحافظ وعبد القدوس شديد الضعف وكذبه بعض الأئمة اهـ، وأخرجه الطبراني في الكبير بسند كل رواته ثقات إلَّا نافع بن هرمز راوي الحديث عن عطاء فمتروك كذبه بعضهم وفي بعضها بيان السبب عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال جاء العباس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يأتيه فيها فقالوا يا رسول الله هذا عمك على الباب فقال ائذنوا فقد جاء لأمر فلما دخل عليه قال ما جاء بك يا عماه في هذه الساعة وليست ساعتك التي تجيء فيها قال يا بن أخي ذكرت الجاهلية وجهلها فضاقت علي الأرض بما رحبت فقلت من يفرج عني فعرفت أنه لا يفرج عني إلَّا الله ثم أنت قال الحمد الله الذي أوقع هذا في قلبك ووددت أن أبا طالب وجدك قال بلى قال إذا كان وقت ساعة يصلي فيها ليس قبل طلوع الشمس ولا بعد العصر ولكن بين ذلك فأسبغ طهورك ثم قم إلى الله فاقرأ بفاتحة الكتاب وسورة وإن شئت جعلتها من أول المفصل فإذا فرغت

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فقل سبحان الله فذكر نحو الحديث المتقدم إلى أن قال فإذا رفعت رأسك يعني من السجدة الثانية وجلست فقلها عشر مرار فهذه خمس وسبعون ثم قم فاركع ركعة أخرى واصنع فيها مثل ما صنعت في الأولى ثم قل قبل التشهد عشرًا فهذه مائة وخمسون ثم اركع ركعتين أخريين فقل ذلك فهذه ثلاثمائة فإذا فرغت فلو كانت ذنوبك مثل عدد نجوم السماء محاها الله وإن كانت مثل رمل عالج وإن كانت مثل زبد البحر وإن استطعت فصلها في كل يوم مرة فإن لم تستطع ففي كل جمعة فإن لم تستطع ففي كل شهر فإن لم تستطع ففي كل سنة ما دمت حيًّا قال فرج الله عنك كما فرجت عني يا بن أخي فقد سويت ظهري قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث أخرجه الطبراني إلى آخر ما قدمته في سند الحديث، قال الحافظ وأخرجه الطبراني في المعجم الأوسط عن يحيى بن عقبة بن العيزار عن محمد بن حجارة عن أبي الجوزاء قال قال ابن عباس يا أبا الجوزاء ألا أحبوك ألا أعطيك قلت بلى قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول من صلى أربع ركعات يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة فإذا فرغ من القراءة قال سبحان الله فذكر نحو ما تقدم وفي آخره حتى يفرغ من أربع ركعات قال الطبراني لم يروه عن محمد بن حجارة إلَّا يحيى تفرد به محرز بن عوف قلت كلهم ثقات إلا يحيى بن عقبة فإنه متروك وقد ذكر أبو داود في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن روح بن المسيب وجعفر بن سليمان روياه عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء موقوفًا على ابن عباس قلت رواية يحيى بن المسيب وصلها الدارقطني في كتاب الشيخ من طريق يحيى بن يحيى بن النيسابوري عنه ولفظه عن ابن عباس قال أربع ركعات تصليهن من الليل أو النهار تكبر ثم تقرأ فذكره وقال في آخره خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك اهـ. ما ذكره الحافظ ملخصًا، قال الحافظ وأما حديث العباس فأخرجه ابن عساكر عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يا عم ألا أصلك ألا أحبوك ألا أنفعك قال بلى قال فصل أربع ركعات إلى آخر ما سبق في حديث الكتاب عن الترمذي قال السيوطي في رسالته هكذا قال ابن عساكر إنه عن ابن عباس وإنما هو رواية أبي رافع عنه - صلى الله عليه وسلم - كذا رواه أبو بكر بن أبي شيبة ويحيى الحماني وموسى بن عبد الرحمن عن زيد بن الحباب وقد فات الحافظ هذا الطريق فلم يملها ولا نبه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عليها إنما ظفرت بها في تاريخ ابن عساكر اهـ، وأورد الحافظ حديث أبي رافع وهو الذي أورده الشيخ وسبق الكلام عليه ثم أورد حديث العباس قال قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا أعطيك إلا أهب لك ألا أنحلك فظننت أنه يعطيني من الدنيا ما لم يعطه أحدًا قبلي فذكر الحديث نحو ما تقدم أولًا وقال فيه فإذا تشهدت في ركعتين قلتها قبل التشهد فإن استطعت ففي كل يوم وإلَّا ففي كل جمعة وإلّا في كل جمعتين وإلا ففي كل شهر وإلَّا ففي كل سنة، قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث غريب أخرجه ابن شاهين في الترغيب وأخرجه أبو نعيم في القربات وأخرجه الدارقطني قال الحافظ ورواته كلهم ثقات إلَّا صدقة وهو الدمشقي كما نسب في رواية أبي نعيم وابن شاهين ووقع في رواية الدارقطني غير منسوب وأخرجه ابن الجوزي في الموضوعات من طريق الدارقطني وقال صدقة هذا ابن يزيد الخراساني ونقل كلام الأئمة فيه ووهم في ذلك إنما هو صدقة بن عبد الله الدمشقي ويعرف بالسمين ضعيف من قبل حفظه ووثقه جماعة فيصلح في المتابعات بخلاف الخراساني فمتروك عند الأكثر، ولحديث العباس طرق أخرى أخرجها إبراهيم بن أحمد الخرقي في فوائده وفي سنده حماد بن عمرو النصيبي كذبوه ووقع في روايته عن العباس قال مر - صلى الله عليه وسلم - والصواب ما تقدم في حديث مجاهد عن ابن عباس أن العباس أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - اهـ، كلام الحافظ وقال الحافظ أبو الفضل العراقي في شرح الترمذي صحح حديث ابن عباس جماعة من الأئمة منهم ابن خزيمة والحاكم وقال الحافظ ابن حجر في كتاب "الخصال المكفرة للذنوب المتقدمة والمتأخرة" حديث ابن عباس رجال إسناده لا بأس بهم: عكرمة احتج به البخاري والحكم صدوق وموسى بن عبد العزيز قال ابن معين لا أرى به بأسا وقال النسائي نحو ذلك وقال ابن المديني ضعيف بهذا الإسناد من شرط الحسن فإن له شواهد تقويه وقد أساء ابن الجوزي بذكره إياه في الموضوعات قال قوله إن موسى مجهول لم يصب فيه لأن من يوثقه ابن معين والنسائي لم يضره أن يجهل حاله من جاء بعدهما قال وله شواهد وطرق أخرى ذكره السيوطي، وأما حديث الأنصاري فأخرجه الحافظ من طرق أبي داود السجستاني عن عروة بن رويم قال حدثني الأنصاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لجعفر بن أبي طالب قال فذكر نحو حديث ابن مهدي يعني الذي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أخرجه قبل من رواية أبي الجوزاء عن رجل له صحبة يرون أنه عبد الله بن عمرو قال الحافظ قلت ذكر المزي في مبهمات التهذيب: الأنصاري المحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - روى عنه عروبة بن رويم قيل هو جابر بن عبد الله قال الحافظ قلت مستنده إن ابن عساكر أخرج في ترجمة عروة بن رويم أحاديث عن جابر وهو أنصاري فجوز أن يكون هو الذي ذكر هنا ولكن تلك الأحاديث من غير رواية محمد بن مهاجر عن عروة وقد وجدت في ترجمة عروة هذا من مسند الشاميين للطبراني حديثين أخرجهما من طريق أبي ثوبة وهو الربيع بن نافع شيخ أبي داود في حديث الأنصاري بسند الحديث بعينه فقال فيهما حدثني أبو كبشة الأنماري فلعل الميم كبرت قليلًا فأشبهت الصاد فإن يكن كذلك فصحابي هذا الحديث أبو كبشة وعلى التقديرين فسند هذا الحديث لا ينحط عن درجة الحسن فكيف إذا ضم إلى رواية أبي الجوزاء عن عبد الله بن عمرو، وأما حديث ابن عمرو أي بفتح العين ابن العاص ففي طريق عنه أي عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لجعفر بن أبي طالب ألا أهب لك ألا أحبوك فذكر نحو ما قدم أي من رواية مجاهد عن ابن عباس وقال فيه تصلي في كل يوم أو كل ليلة أو كل جمعة أو كل شهر أو كل سنة الحديث وقال فيه تكبر وتحمد وتسبح وتهلل الخ. قال الحافظ بعدما أخرجه هذا حديث غريب من هذا الوجه أخرجه ابن شاهين في كتاب الترغيب من وجه آخر ضعيف عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وفيه إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للعباس فذكر نحو حديث ابن عباس وروى أبو داود من رواية عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء قال حدثني رجل كانت له صحبة يرون أنه عبد الله بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ائتني غدًا أحبوك وأثيبك فذكر الحديث وقال فيه إذا زال النهار فصل أربع ركعات نحو رواية عكرمة عن ابن عباس وقال فإن لم تستطع أن تصليها تلك الساعة فصلها من الليل والنهار قال أبو داود رواه المستمر بن الريان عن أبي الجوزاء موقوفًا اهـ. قال الحافظ ومن خطه نقلت وهذه الرواية وصلها علي بن سعد النسلي في أسئلته أحمد بن حنبل فقال حدثنيه مسلم يعني ابن إبراهيم عن المستمر قال المنذري رواة هذا الحديث ثقات قال الحافظ لكن اختلف فيه على أبي الجوزاء فقيل عنه عن ابن عباس وقيل عنه عن عبد الله بن عمرو وقيل عنه عن ابن عمر مع الاختلاف في رفعه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ووقفه وفي المقول له في الرفع هل هو العباس أو جعفر أو عبد الله بن عمرو أو ابن عباس هذا اضطراب شديد وقد أكثر الدارقطني من تخريج طرقه مع اختلافها اهـ. قلت قال السيوطي في "اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" بعد ذكر ما ذكر عن الحافظ ولحديث ابن عمرو طريق أخرجه الدارقطني عن عبد الله بن سليمان بن الأشعث عن محمود بن خالد عن الثقة عن عمر بن عبد الواحد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا اهـ، وأما حديث الفضل بن عباس فذكره أبو نعيم في كتاب القربات عن أبي رافع عن الفضل بن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال له أربع ركعات إذا فعلتهن فذكر نحو حديث أبي رافع المذكور في الكتاب وفي سنده عبد الحميد بن عبد الرحمن الطائي عن أبيه قال الحافقالا أعرفه وأباه قال وأظن أن أبا رافع شيخ الطائي غير أبي رافع إسماعيل بن رافع أحمد الضعفاء فيما أظن فقد أخرجه سعيد بن منصور أي في السنن فقال حدثنا أبو معشر عن أبي رافع إسماعيل بن رافع قال بلغني إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لجعفر بن أبي طالب ألا أمنحك ألا أعطيك ألا أحبوك قال فظننت إنه يعطيني شيئًا ما أعطاه أحدًا من النّاس فقال صل أربع ركعات واقرأ ما تيسر من القرآن ثم قل الله أكبر وسبحان الله والحمد الله ولا إله إلَّا الله ولا حول ولا قوة إلَّا بالله خمس عشرة مرة فإذا ركعت فقل عشرًا وإذا رفعت فقل عشرًا وإذا سجدت فقل عشرًا وإذا رفعت رأسك من السجود فقل عشرًا وإذا سجدت فقل عشرًا وإذا رفعت فقل عشرًا فهذه خمس وسبعون هكذا في كل ركعة تصلي كل يوم إن استطعت فإن لم تستطع ففي كل جمعة فإن لم تستطع ففي كل شهر فإن لم تستطع ففي كل سنة فلو كان لك من الذنوب عدد أيام الدنيا وعدد القطر ورمل عالج وفررت من الزحف غفر لك بذلك، قلت نقل الحديث بجملته السيوطي في كتاب "التصحيح في صلاة التسبيح" وأما الحافظ فأحال بذكره على ما قبله وقال نحو حديث أبي رافع وأخرجه الخطيب في كتاب صلاة التسبيح من رواية يزيد بن هارون عن أبي معشر عن إسماعيل بن رافع وأخرجه عبد الرزاق عن داود بن قيس عن إسماعيل بن رافع عن جعفر بن أبي طالب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له ألا أحبوك فذكر الحديث بطوله قال فيه بعد ففي كل شهر فإن لم تستطع ففي كل ستة أشهر وقال فيه عند ذكر الذنوب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو كانت عدد أيام الدنيا وفي آخره أو فررت من الزحف غفر لك بذلك هذا لفظ سعيد بن منصور وأبو معشر ضعيف وكذا شيخه أبو رافع وقد اضطرب فيه، وأما حديث أبي رافع فذلك في الكتاب وسبق الكلام عليه، وأما حديث ابن عمر بن الخطاب فأخرجه الحاكم في المستدرك وساقه من طريق الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن نافع عن ابن عمر وقال صحيح الإسناد لا غبار عليه وتعقبه العراقي بأنه ضعيف الإسناد جدًّا لا نور عليه وكذا تعقبه الذهبي في تلخيصه وقال في مسند أحمد بن داود بن عبد الغفار بن داود الحراني ثم المصري كذبه الدارقطني قال الحافظ نعم لحديث ابن عمر طريق أخرى تقدمت الإشارة إليها قال وله طريق أخرى وأخرى رابعة أخرجها الطيبي من وجه آخر عن أبي الجوزاء اهـ، وأما حديث علي فأخرجه الدارقطني من حديث عمر مولى عفرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي بن أبي طالب يا علي ألا أهدي لك فذكر الحديث وفيه حتى ظننت أنه يعطيني جبال تهامة ذهبًا قال إذا قمت إلى الصلاة فقل الله أكبر والحمد الله وسبحان الله ولا إله إلَّا الله خمس عشرة مرة فذكر الحديث وهذا يوافق ما تقدم عن ابن المبارك من تقديم الذكر على القراء وسأذكر ما جاء عنه نحو ذلك قال الحافظ ولحديث علي طريق آخر أخرجه الواحدي في كتاب الدعوات من طريق أبي علي بن الأشعث، وأما حديث جعفر بن أبي طالب فأخرجه الدارقطني من رواية عبد الملك بن هارون بن عنزة عن أبيه عن جده عن علي عن جعفر رضي الله عنهما قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث نحو ما تقدم وله طريق أخرى تقدمت في الكلام على حديث الفضل بن عباس، وأما حديث عبد الله بن جعفر فأخرجه الدارقطني من وجهين عن عبد الله بن زياد بن سمعان قال في أحدهما عن معاوية وإسماعيل ابني عبد الله بن جعفر وقال في الآخر وعون بدل إسماعيل عن أبيهما رضي الله عنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا أعطيك إلى إن قال فظننت أنه غنى الدهر وزاد في الذكر ولا حول ولا قوة إلَّا بالله وسائره نحو ما تقدم وابن سمعان ضعيف، وأما حديث أم سلمة رضي الله عنها فأخرجه أبو نعيم في قربات المتقين عن سعيد بن جبير عنها قالت كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي ويومي حتى إذا كان في الهاجرة جاء العباس فقال - صلى الله عليه وسلم - من هذا قالوا العباس بن عبد المطلب قال الله أكبر لأمر ما جاء في هذه الساعة فلما دخل العباس رضي

وقال العقيلي: ليس في صلاة التسبيح حديث يثبت، ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عنه قال يا عماه ما جاء بك في هذه الساعة فذكر الحديث نحو ما تقدم من رواية عطاء عن ابن عباس وقال فيه صل أربع ركعات لا بعد الفجر حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس وقال فيه تقرأ فيهن بأربع سور من طوال المفصل وقال فيه والذي نفس محمد بيده لو كانت ذنوبك عدد قطر المطر وعدد أيام الدنيا وعدد الشجر والمدر والثرى إلى آخر الحديث وقال الحافظ هذا حديث غريب وعمرو بن جميع أحد رواته ضعيف وفي سماع سعيد بن جبير من أم سلمة نظر والله أعلم، وبما ذكر كما قال الحافظ يرد كلام القاضي أبي بكر بن العربي الذي نقله عنه الشيخ المصنف وأقره وقول الشيخ إن ابن الجوزي ذكر طرقها وضعفها يوهم أنه استوعبها وليس كذلك فإنه لم يذكره إلَّا من ثلاثة طرق إحداها عن أبي رافع وهي التي اقتصر عليها الشيخ وفيها موسى بن عبيدة وهو ضعيف كما تقدم وثانيها حديث ابن عباس من رواية عكرمة عنه وأعلها موسى بن عبد العزيز ونقل عن العقيلي أنه مجهول وقد قدمت ذكر من وثقه وثالثها حديث العباس وضعفه بصدقة وقد قدمت القول فيه ولم يذكر طريق ابن عمرو ولا الأنصاري ومجموع ما ذكر لا يقتضي ضعف الحديث فضلًا عن أداء لملانه اهـ، وقال الزركشي في تخريج أحاديث الشرح الكبير وغلط ابن الجوزي في إخراج صلاة التسبيح في الموضوعات لأنه رواه من ثلاثة طرق أحدها حديث ابن عباس وهو صحيح وليس بضعيف فضلًا عن أن يكون موضوعًا وغاية ما أعله به موسى بن عبد العزيز فقال مجهول وليس كذلك فقد روى عنه جماعة قلت وقد تقدم ذكرهم وكلام النسائي وابن معين في توثيقه ولو ثبتت جهالته لم يلزم كون الحديث موضوعًا ما لم يكن في إسناده من يتهم بالوضع والطريقان الآخران في كل منهما ضعف ولا يلزم من ضعفهما أن يكون حديثهما موضوعًا وابن الجوزي متساهل في الحكم على الحديث بالوضع اهـ. قوله: (وقَال العُقَيليُّ الخ) قال الحافظ وكأنه أراد نفي الصحة فلا ينتفي الحسن أو أراد وصفه لذاته فلا ينتفي بالمجموع وكذا ما روي عن الإِمام أحمد أنه سئل عنها ونفض يده وقال لم يصح فيها شيء وما روي عن عبد الله بن أحمد قال

وذكر أبو الفرج بن الجوزي أحاديث صلاة التسبيح وطرقها، ثم ضعفها كلها وبين ضعفها، ذكره في كتابه في الموضوعات. وبلغنا عن الإِمام الحافظ أبي الحسن الدارقطني رحمه الله أنه قال: أصحُّ شيءٍ في فضائل السوَر، فضل: (قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) هو وأصحُّ شيء في فضائل الصلوات فضل صلاة التسبيح، وقد ذكرت هذا الكلام مسندا في كتاب "طبقات الفقهاء" في ترجمة أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني، ولا يلزم من هذه العبارة أن يكون حديث صلاة التسبيح ـــــــــــــــــــــــــــــ سالت أبي عن صلاة التسبيح فسمعت أبي يقول لم يثبت عندي في صلاة التسبيح شيء يحمل على ما ذكر، على أنه قد روي أن أحمد لما قال له علي بن سعيد قد رواه المستمر بن الريان عن أبي الجوزاء فقال من حدثك قلت مسلم يعني ابن إبراهيم فقال المستمر شيخ ثقة وكأنه أعجبه ذلك قال الحافظ كأن أحمد لم يبلغ ذلك الحديث أولًا إلَّا من حديث عمرو بن مالك وهو النكري بضم النون وسكون الكاف بعدها مهملة مختلف فيه عن أبي الجوزاء عن ابن عباس كما تقدم مستوفى فلما بلغه متابعة المستمر أعجبه فظاهره أنه ارجع عن تضعيفه اهـ. قوله: (وذَكْرَ أَبُو الفرج بنُ الجَوْزِيِّ الخ) سبق ما فيه انفًا. قوله: (وَلَا يلزَمُ منْ هذِهِ العِبَارَةِ الخ) قال الحافظ تأويل الشيخَ كلام الدارقطني لا يعين أحد الاحتمالين لكن يترجح جانب التقوية بموافقة من قواه فقد أطلق عليه الصحة أو الحسن جماعة من الأئمة منهم أبو داود كما تقدم في الكلام على طريق عكرمة وأبو بكر الآجري وأبو بكر الخطيب وأبو سعيد السمعاني وأبو موسى المديني وأبو الحسن المفضل والمنذري وابن الصلاح قال ابن الصلاح صلاة التسبيح سنة غير بدعة وحديثها معمول به إلى آخر كلامه في ذلك قال البيهقي عن أبي حامد بن الشرقي قال كتب مسلم بن الحجاج معنا هذا الحديث عن عبد الرحمن بن بشر يعني حديث صلاة التسبيح من رواية عكرمة عن ابن عباس فسمعت مسلمًا يقول لا نرى في هذا الحديث إسنادًا أحسن من هذا قال الحافظ قلت أخرجه أبو عثمان الصابوني عن أبي سعيد بن حمدون عن أبي حامد بن الشرقي أيضًا بهذا الإسناد المذكور وقال

صحيحا، فإنهم يقولون: هذا أصحُّ ما جاء في الباب، وإن كان ضعيفًا، ومرادهم أرجحة وأقله ضعفًا. قلت: وقد نصَّ جماعة من أئمة أصحابنا على استحباب صلاة التسبيح هذه، منهم أبو محمد البغوي وأبو المحاسن الروياني. قال الروياني في كتابه "البحر" في آخر "كتاب الجنائز" منه: اعلم أن صلاة التسبيح مرغب فيها، يستحب أن يعتادها في كل حين، ولا يتغافل عنها، قال: هكذا قال عبد الله بن المبارك وجماعة من العلماءِ. قال: وقيل لعبد الله بن المبارك: إن سها في ـــــــــــــــــــــــــــــ البيهقي بعد تخريجه كان ابن المبارك يصليها وتداولها الصالحون بعضهم عن بعض وفيه تقوية للحديث المرفوع قال الحافظ وأقدم من نقل عنه فعلها أبو الجوزاء بجيم مفتوحة وزاي اسمه أوس بن عبد الله البصري من ثقات التابعين أخرجه الدارقطني بسند حسن عنه أنه كان إذا نودي بالظهر أتى المسجد فيقول للمؤذن لا تعجلني عن ركعات فيصليها بين الأذان والإقامة وكذا ورد النقل عن عبد الله بن نافع ومن تبعه وقال عبد العزيز بن أبي رواد وهو بفتح المهملة وتشديد الواو وهو أقدم من ابن المبارك من أراد الجمعة فعليه بصلاة التسبيح وممن جاء عنه الترغيب فيها وتقويتها الإِمام أبو عثمان الحيري الزاهد قال ما رأيت للشدائد والغموم مثل صلاة التسبيح وقال أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس صلاة التسبيح أشهر الصلوات وأصحها إسنادًا وسبق كلام الطبري في الأحكام والجويني وقال المتقي السبكي صلاة التسبيح من مهمات المسائل في الدين وحديثها حسن نص على استجابها أبو حامد وصاحبه المحاملي والشيخ أبو محمد وولده إمام الحرمين وصاحبه الغزالي وغيرهم قال ولا يغتر بما وقع في الأذكار فإنه اقتصر على ذكر حديث أبي رافع وهو ضعيف واعتمد على قول العقيلي إن حديثها لا يثبت قال والظن به أنه لو استحضر حديث ابن عباس الذي أخرجه أبو داود وابن خزيمة والحاكم لما قال ذلك قال الحافظ والشيخ وإن ضعف الحديث فآخر كلامه يقتضي الترغيب في فعلها فقد قال بعد ذكر كلام الروياني فيكثر القائل بهذا الحكم قال الحافظ يستفاد مما قاله السبكي زيادة القائلين بها من الشافعية وممن لم يذكراه القاضي حسين وصاحباه

تنبيه

صلاة التسبيح، أيسبَّح في سجدتي السهو عشرًا عشرًا؟ قال: لا، وإنما هي ثلاثمائة تسبيحة، وإنما ذكرت هذا الكلام في سجود السهو، وإن كان قد تقدَّم لفائدة لطيفة، وهي أن مثل هذا الإِمام إذا حكى هذا ولم ينكره أشعر بذلك بأنه يوافقه، فيكثر القائل بهذا الحكم، وهذا الروياني من فضلاء أصحابنا المطلعين، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ البغوي والمتولي ومن قدمائهم أبو علي زاهر بن أحمد السرخسي قال ثبت ذكر صلاة التسبيح في إسناد حسن وفيه فضل كثير نقله عنه الطبري بفتح المهملة والموحدة بعدها مهملة في كتاب القراءة في الصلاة وغيرهم ممن تقدم ذكره اهـ. تنبيه اختلف كلام الشيخ في هذا الحديث فقال في الأذكار ما تقدم عنه وفي تهذيب الأسماء إنه حديث حسن وفي المجموع له حديثها لا يثبت وفيها تغيير نظم الصلاة فينبغي أن لا تفعل وفي كتاب التحقيق له نحو هذا وأجاب السبكي بأنه ليس فيها تغيير إلّا في الجلوس قبل القيام إلى الركعة الثانية وكذا الرابعة وذاك محل جلسة الاستراحة فليس فيها إلا تطويلها لكنه بالذكر وأجاب شيخنا يعني الحافظ العراقي في شرح الترمذي بأن النافلة يجوز فيها القيام والقعود حتى في الركعة الواحدة قال الحافظ وظهر لي جواب ثالث وهو أن هذه الجلسة ثبتت مشروعيتها في صلاة التسبيح فهي كالركوع الثاني في صلاة الكسوف اهـ. فائدة قال الحافظ ذكر زكريا بن يحيى الساجي وهو من طبقة الترمذي اختلاف الفقهاء في صلاة التسبيح: لا أعرف للشافعي ولا لمالك ولا للأوزاعي ولا لأهل الرأي فيها قولًا وقال أحمد وإسحاق إن فعل فحسب وسقط أحمد من نسخة معتمدة ونقل صاحب الفروع أن أحمد سئل عن صلاة التسبيح فنفض يده وقال لم يصح منها شيء ولم نر استحبابها فإن فعلها إنسان فلا بأس لأن الفضائل لا يشترط فيها الصحة وقال علي بن سعيد عن أحمد حديثها ضعيف كل يرويه عن عمرو بن مالك أي وفيه مقال وسبق حديث المستمر الذي قال الحافظ فيه ظاهره رجوع أحمد عن تضعيف الخبر قال الحافظ وقد أفرط بعض المتأخرين من اتباع أحمد كابن الجوزي فذكر حديثها في الموضوعات وتقدم الرد

تتمة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وكابن تيمية فجزم بأن حديثها ليس بصحيح بل باطل قاله ابن عبد الهادي ونقل عنه صاحب الفروع أن خبرها كذب ونص أحمد وأصحابه على كراهتها وقال الأوزاعي في الوسيط قال بعض من أدركنا من الحفاظ أظهر القولين في صلاة التسبيح أن حديثها كذب ولم يقل بها إلَّا طائفة قليلة من أصحاب الشافعي وأحمد قلت بل أثبتها أئمة الطريقين من الشافعية كما تقدم التنبيه عليه والحافظ الذي أشار إليه أنه ابن تيمية أو من أخذ عنه وقد قال المحب الطبري في الأحكام جمهور الشافعية لم يمنعوا منها وتقدم كلام ابن العربي من المالكية وهو يدل على أنه لا يرى بها بأسا قلت ذكر الحطاب المالكي أن القاضي عياضًا ذكرها في الفضائل وتعقبه القباب في شرحها بقوله لا أعلم أحدًا من أهل المذهب صرح باستحباب هذه الصلاة غير عياض في كتابه هذا وكان حقه أن ينبه فيها على المذهب ثم يبين اختياره هو لئلا يعتقد الناظر في كتابه أن ما أتى به هو مذهب مالك قال الخطيب وليس في المذهب ما يمنع صحتها لا سيما وقد ذكر الترمذي عن ابن المبارك أي مما ليس فيه إلا تطويل جلسة الاستراحة الوارد في رواية الترمذي وابن ماجة التصريح بأنه سبح فيها عشرًا اهـ، وفيه موافقة القباب في أنه لم يصرح أحد من أهل المذهب بالاستحباب لكن نقل الحافظ في التخريج في حديث ابن عباس من طريق مجاهد أن أبا الوليد المخزومي قال سألت عبد الله بن نافع عن رواية مالك في التسبيح في الركعة الأولى والثانية من هذه الصلاة فقال تقعد فيهما كما تقعد للتشهد وتسبح في الثانية والرابعة قبل التشهد ثم تدعو بعد التشهد الأخير قال الحافظ فهذا يدل على العمل بها قال الحافظ وأما الحنفية فلم أو عنهم شيئًا إلَّا ما نقله السروجي عن مختصر البحر في مذهبهم أنها مستحبة وثوابها عظيم اهـ. "قلت" وذكر صاحب الحرز وهو من الحنفية نقلًا عن شيخه القطب الحنفي الأقرب من الاعتدال أن يصليها من الجمعة إلى الجمعة وهو الذي كان عليه ابن عباس ولعل وجه كونها عند الزوال لتناسب التسبيح والتنزيه عما لا يليق بصفات ذي الجلال اهـ. تتمة قال التاج السبكي والبدر الزركشي صلاة التسبيح من مهمات الدين فلا يسمع بعظيم فضلها ويتركها إلَّا متهاون بالدين

باب الأذكار المتعلقة بالزكاة

باب الأذكار المتعلقة بالزكاة قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ غير مكترث بأعمال الصالحين لا ينبغي أن يعد من أهل العزم اهـ. وقد أطلت الكلام على ما يتعلق بهذه الصلاة لعظيم نفعها وحسن وقعها رجاء عموم الإفادة وطلب الدعاء من الواقف على ذلك في الحياة بالتوفيق والهداية لأحسن طريق والوفاة على الإسلام وحصول الرضوان والله الموفق. فائدة ذكر الحافظ أن أبا نعيم ذكر مع حديث التسبيح حديث صلاة الزوال عن أبي أيوب الأنصاري وقد قدمنا كلامه في باب ما يقول إذا زالت الشمس ثم قال الحافظ بعد الكلام على أسانيد حديث أبي أيوب في صلاة الزوال فإن ثبت أنها صلاة التسبيح فيستفاد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاها ولم أر ذلك صريحًا وإنما في جميع الطرق أنه علمها لغيره وقد وقع في الطريق التي أخرجها أبو داود عن أبي الجوزاء عن رجل له صحبة فذكر صلاة التسبيح وقال فيه إذا زال النهار والمتبادر منه فراغه ليس المراد وإنما الظاهر زوال الشمس والعلم عند الله ولا يعكر على ذلك ما تقدم في بعض طرقه أنها تصلى في أي ساعة شاء من ليل أو نهار لأنه يحمل على التخيير ولا يمنع أفضلية بعض الأوقات وقد وجدت حديثًا ظاهره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال التسبيح المذكور في بعض الأذكار من صلاة الليل وهو حديث عائشة السابق في أدلة تقديم الخمسة عشر تسبيحة على القراءة اهـ. باب الأذكار المتعلقة بالزكاة وزنها زكوة بفتحات قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها وهي اسم إما للإخراج فيكون بمعنى التزكية أو للمال المخرج فيكون بمعنى المزكي وهي لغة النماء والبركة لأنها تنمي المال وتزيده وتبارك فيه والمدح لمدح فاعلها والطهارة لأنها تطهير النفس من رذيلة البخل والمال من الحرام الذي هو حق الفقراء أي تنزهه عن اختلاطه به لو لم يخرج والإصلاح لأنها تصلحه والزيادة لأنها تزيد فيه وشرعا اسم لما يخرج عن مال أو بدن على وجه مخصوص قوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103]. سبب نزولها

تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أن جماعة من الصحابة رغبوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين فقالوا يا رسول الله خذ أموالنا التي خلفتنا عنك فتصدق بها وطهرنا فقال ما أمرت أن آخذها فنزلت الآية والخطاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والضمير راجع للذين خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا قال الحسن هذه الصدقة هي كفارة الذنوب التي أصابوها وليست بالزكاة المفروضة وقال عكرمة هي صدقة الفرض وقال ابن جرير الطبري في "أحكام القرآن" له الأكثرون من المفسرين على أن المراد بالصدقة الواجبة في الأموال وليس في الآية بيان شروط معتبرة في المأخوذ ولا معتبرة في المأخوذ منه ولا شرط في المؤدى ولا شرط في المؤدى إليه ولا شرط في الآخذ اهـ. وقال العز بن عبد السلام في "التبيان في فقه القرآن" الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - والضمير في تطهرهم وتزكيهم الظاهر عوده لكل المسلمين وظاهر لفظ الصدقة أنه ينصرف إلى الواجبة لغلبة الإطلاق إليها وقد قيل إن هذه الآية نزلت في بعض من يخلف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك وتابوا عند رجوع النبي - صلى الله عليه وسلم - وسألوه أن يأخذ أموالهم الحديث فإن صح ذلك فلا تعلق لها بالواجبة إلَّا فالظاهر أن المراد الصدقة الواجبة والإطلاق فيها مقيد والإجمال مبين بالسنة اهـ. قال السيوطي في الإكليل ويستدل بالآية في وجوب الزكاة للماشية والثمار لأنهما أكثر أموال الصحابة إذ ذاك وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103]. قال من الإبل والبقر والغنم واستدل بالآية على وجوب دفع الزكاة إلى الإِمام. قوله: (تُطَّهرُهُمْ وتُزكيهِمْ) بالرفع حال من الفاعل المخاطب أي خذها مطهرًا ومزكيًا لهم بها ويجوز أن تجعلهما صفتين للصدقة مطهرة مزكية لهم ويجوز أن تجعل فاعل تزكيهم بها حال من الضمير في خذ وهو النبي - صلى الله عليه وسلم - ويحتمل أن تكون حالًا من الصدقة قال القرطبي وهذا ضعيف لأنها حال من نكرة "قلت" لكن تعدد الوصف المخصص وقال الزجاج الأجود

وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103]. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاه قوم بصدقة قال: "اللهم صَل عَلَيهِمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أن تكون المخاطبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - أي فإنك تطهرهم وتزكيهم بها على القطع والاستئناف قال القرطبي ويجوز الجزم على جواب الأمر والمعنى أن تأخذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم اهـ، وقضيته أن تزكيهم مجزوم عطفًا على ما قبله لكن نقل الكواشي الإجماع على إثبات الياء في تزكهم بها يدل على أن الزكاة جعلها الله تطهير أو دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طمأنينة لقلوبهم وعلما على أن الله غفر لهم فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يصلي على قوم إلَّا أن يؤذن له في ذلك ولا يؤذن له في ذلك إلَّا أن يكون مغفورًا له اهـ. قوله: (وصل عليْهمْ) أي ادعو لهم. قوله: (وَرَوَيْنَا في صحيحَي البُخَارِيِّ ومُسْلم) قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الطبراني في الدعاء من طرق أخرى وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة، ومدار الحديث عند كلهم على شعبة قال الحافظ وهو من غرائب الصحيح. قوله: (إِذَا أَتاهُ قومٌ بصَدَقةٍ) هي مأخوذة من الصدق إذ هي دليل على صحة الإيمان وصدق الباطن والظاهر قال - صلى الله عليه وسلم - والصدقة برهان. قوله: (اللهُم صل علَيهِمْ) ذهب قوم إلى هذا وجرى عليه القرطبي في التفسير وقال إنه أصح فإن الخطاب ليس مقصورًا عليه - صلى الله عليه وسلم - فيجب الاقتداء به - صلى الله عليه وسلم - لأنه كان يمتثل قوله تعالى: (وَصَلِّ عَليهِم) [التوبة: 103]، وقال الجمهور لا يصلي استقلالًا على غير معصوم من نبي وملك وما ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - فمن خواصه - صلى الله عليه وسلم - عن أمته لأن الصلاة حقه فله أن يضعها حيث شاء وقيل الصلاة التي بمعنى التزكية والدعاء تجوز على غير المعصوم من نبي وملك أما التي هي تحية لذكر المعصوم - صلى الله عليه وسلم - فإنما هي بمعنى التعظيم والتكريم فيختص به وجزم بهذا البيهقي في الشعب قال ابن الملقن في البدر المنير الصواب في

فأتاه أبو أوفى بصدقته فقال: "اللهم صَل على آلِ أبي أوْفَى". قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله: الاختيار أن يقول: آخذُ الزكاة لدافعها: أجَرَكَ الله فِيما أعْطَيْتَ، وَجَعَلَهُ لَكَ طَهُورًا، وبارك لك فيما أبْقَيْتَ، وهذا الدعاء مستحب لقابض الزكاة، سواء كان الساعي أو الفقراء، وليس الدعاء بواجب على المشهور من مذهبنا ومذهب غيرنا. وقال بعض أصحابنا: إنه واجب، لقول الشافعي: فحق على الوالي أن يدعوَ له، ودليله ظاهر الأمر في الآية. قال العلماء: ولا يستحبُّ أن يقول في الدعاء: اللَّهُم صَل على فلان، والمراد بقوله تعالى: (وَصَل عَلَيْهِمْ) أي: ـــــــــــــــــــــــــــــ الرواية هكذا أي قال اللهم صل عليهم ووقع في بعض نسخ الرافعي الكبير اللهم صل على آل أبي أوفى أيضًا اهـ وفي المشكاة قال اللهم صل على آل أبي فلان لكن نقل العلقمي في حاشية الجامع أنه بغير أبي أوفى وفي رواية صل على آل أبي أوفىِ وفي رواية على آل فلان وفي رواية على فلان وظاهر سياقه أنها من روايات الصحيح. قوله: (فأتاهُ أَبُو أَوفَى بصَدَقَتِهِ) وفي نسخة بصدقته قيل واسم أبي أوفى علقمة بن خالد بن الحارث بن أبي أسيد بن رفاعة بن ثعلبة بن هوازن بن أسلم بن أفصى بن حارثة بن أسلم بن أفصى بن حارثة ذكره الواقدي وهو وولده صحابيان وكان أبو أوفى من أصحاب الشجرة. قوله: (صل على آلِ أَبِي أَوفَى) يريد أبا أوفى نفسه لأن الآل يطلق على ذات الشيء كقوله في قصة أبي موسى: "لقد أوتي مزمارًا من مزامير آل داود" وقيل لا يقال ذلك إلَّا في حق الرجل الجليل القدر. قوله: (الاختِيَارُ أَنْ يقولَ آخِذُ الزكاةِ) أي سواء كان عاملًا أو مستحقا ويقول ذلك جبرًا وترغيبا له في الخير وتطييبا لقلبه. قوله: (أَجَرَكَ الله) بالمد والقصر وهو أجود. قوله: (وقَال بعضُ أَصحابنَا إِنهُ واجِبٌ) ظاهره أن الخلاف

ادعُ لهم. وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم صَل عَلَيهِمْ" فقال لكون لفظ الصلاة مختصًا به، فله أن يخاطب به من يشاء بخلافنا نحن. قالوا: وكما لا يقال: محمد عز جل وإن كان عزيزا جليلا، فكذا لا يقال: أبو بكر، أو على - صلى الله عليه وسلم -، بل يقال: رضي الله عنه، أو رضوان الله عليه، وشبه ذلك، فلو قال: - صلى الله عليه وسلم -، فالصحيح الذي عليه جمهور أصحابنا أنه مكروه كراهة تنزيه. وقال بعضهم: هو خلاف الأولى، ـــــــــــــــــــــــــــــ في الوجوب جار حتى في الفقير القابض وفي كلام الزركشي بعد نقل كلام للحناطي في المسألة وهو يقتضي أمرين أحدهما أنه يجري في المساكين الوجه بالوجوب وبه صرح الروياني فإنه لما حكاه قال إنه إذا أخذ الفقير لم يجب عليه عند هذا القائل قال ابن الرفعة وقيل عكسه أن الدعاء يلزم الفقير دون الإِمام لأن دفعها إلى الإِمام متعين وإلى الفقير غير متعين وقيل إن سأل رب المال وجب الدعاء وادعى الروياني أن الماوردي صححه والذي في الحاوي أيضًا تصحيح عدم الوجوب وظاهره أيضًا أن هذا الوجه جار وإن لم يسأل الدعاء لكن الماوردي خص الخلاف بما إذا سأل وقال لم يختلف أصحابنا أنه إذا لم يسأل رب المال الدعاء له فليس على الوالي أن يدعو له لأن رب المال بدفع الزكاة مؤد لعبادة واجبة وذلك لا يوجب على غيره الدعاء كسائر العبادات وكذا حكاه شيخه الصيمري في الإيضاح ثم الخلاف في المؤدي طوعًا أما المؤدي قهرًا فلا يدعى له اهـ، وتعقب القول بالوجوب بأنه لو كان كذلك لعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم - للسعاة ولأن سائر ما يأخذه الإِمام من الكفارات والديون وغيرها لا يجب عليه فيها الدعاء فكذا في الزكاة وأما الآية فيحتمل أن يكون الوجوب خاصا به لكون صلاته سكنا لهم بخلاف غيره. قوله: (أَنهُ مكْرُوة كَراهةَ تنْزِيهٍ) ونقله في الروضة عن القاضي حسين وتعقبه في الخادم بأن الذي في تعليقه الجزم بالتحريم. قال: (وقال بعضهم خلاف الأُولَى) هو ما صرح به الرافعي في الشرح الصغير أي والفرق أن المكروه ما ورد فيه نهي مقصود وخلاف الأولى بخلافه كما مر وفرق بينهما إمام الحرمين وحكاه عن المتأخرين وهو في ذلك مخالف لكلام جمهور المتقدمين.

فصل

ولا يقال: مكروه. وقال بعضهم: لا يجوز، وظاهره التحريم، ولا ينبغي أيضًا في غير الأنبياء أن يقال: - عليه السلام -، أو نحو ذلك إلا إذا كان خطابا أو جوابًا، فإن الابتداء بالسلام سُنَّة، ورده واجب، ثم هذا كله في الصلاة، والسلام على غير الأنبياء مقصودًا. أما إذا جعل تبعًا، فإنه جائزُ بلا خلاف، فيقال: اللهُم صل على محمدٍ وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وأتباعه، لأن السلف لم يمتنعوا من هذا، بل قد أُمرنا به في التشهد وغيره، بخلاف الصلاة عليه منفردا، وقد قدَّمت ذِكْر هذا الفصل مبسوطًا في "كتاب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -". فصل: اعلم أن نية الزكاة واجبة، ونيتها تكون بالقلب كغيرها من العبادات، ويستحبُّ أن يضم إليه التلفظ باللسان، كما في غيرها من العبادات، فإن اقتصر على لفظ اللسان دون النية بالقلب، ففي صحته خلاف. الأصحُّ أنه لا يصِحُّ، ولا يجب على دافع الزكاة إذا نوى أن يقول مع ذلك: هذه زكاة، بل يكفيه الدفع إلى من كان أهلها، ولو تلفظ بذلك لم يضرَّه، والله أعلم. فصل: يستحبُّ لمن دفع زكاةً، أو صدقةً، أو نذرًا، أو كفارةً ونحو ذلك أن يقول: رَبنا تَقَبلْ مِنَّا إنَّكَ أنْتَ السمِيعُ العَلِيمُ، قد أخبر الله سبحانه وتعالى بذلك عن إبراهيم وإسماعيل صلى الله عليهما وسلم، وعن امرأة عمران. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (وقَال بَعضُهمْ لَا يجُوز وظَاهرهُ التَّحْرِيمُ) حكاه في البحر عن القفال كما في الخادم وبقي قولان أحدهما يستحب والثاني يباح إذا كان بمعنى الدعاء ويمنع إذا كان بمعنى التعظيم. قوله: (اعلْم أَن نِيَّةَ الزّكَاةِ واجِبةٌ) قال في الروضة وكيفيتها أن ينوي فرض الزكاة أو فرض صدقة مالي أو زكاة مالي المفروضة ولا يكفي التعرض

كتاب أذكار الصيام

كتاب أذكار الصيام باب ما يقوله إذا رأى الهلال، وما يقول إذا رأى القمر ـــــــــــــــــــــــــــــ لفرض المال فإنه قد يكون كفارة ونذرًا ولا يكفي التعرض للصدقة في أصح الوجهين فإنها قد تكون نافلة ولو تعرض للزكاة دون الفرضية فهل يجزئه لأن الزكاة لا تكون إلَّا مفروضة اهـ. وحاصله الجزم بالأجزاء عند التعرض للفرضية مع الزكاة والصدقة وحكاية الخلاف عن الاقتصار على الزكاة أو الصدقة من غير تعرض للفرضية ولا إضافة لماله. كتاب أذكار الصيام هو والصوم مصدرًا صام وهو في اللغة عبارة عن الإمساك قال تعالى: {فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: 26]، ويقال صامت الخيل إذا أمسكت عن السير قال الشاعر: خيل صيام وخيل غير صائمة ... تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما قال عمي الشيخ أحمد بن علان الصديقي الشافعي النقشبندي قد يتوهم في البيت إشكال وهو أنه إذا قسم الخيل إلى صيام وغيرها فلا تبقى حالة أخرى إذ لا واسطة بين النقيضين فكيف أثبت الشاعر حالة أخرى والجواب عن ذلك أن هذه الحالة ليست أمرًا ثالثًا بل هي مندرجة تحت قوله غير صائمة فإنه قسم غير الصائمة إلى ما هو تحت العجاج وإلى ما تعلك اللجم فلا إغشكال اهـ، ويحتمل أنه أراد أن الخيل لكثرتها قسمان أحدهما تحت العجاج وهما قسمان صائمة عن الجري في الميدان وغير صائمة عنه والثاني ما هو في مرابط الدور والأفنية فلا يلزم ما ذكر في السؤال والله أعلم، ويقال صامت الريح إذا سكنت عن الهبوب قال أبو عبيد كل ممسك عن طعام أو كلام أو سير فهو صائم وفي الشرع إمساك عن المفطر على وجه مخصوص الصوم من الشرائع القديمة وصوم رمضان من خواص الأمة المحمدية اهـ. والله أعلم. باب ما يقوله إذا رأى الهلال قال الجوهري وصاحب المطلع الهلال أول ليلة والثانية والثالثة ثم هو

روينا في "مسند الدارمي" وكتاب الترمذي، عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى الهلال قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ قمر وذكر ابن الأنباري في مدة تسميته بالهلال أربعة أقوال ثانيها الليلتان ثالثها إلى أن يستدق بخطة دقيقة قاله الأصمعي رابعها إلى أن يبهر ضوءه سواد الليل، ثم تراءى الهلال قال ابن حجر في شرح المشكاة فرض كفاية لترتب كثير من الأحكام عليه وذكره في الصوم لأن صوم رمضان يجب بإكمال شعبان ثلاثين أو برؤية الهلال سواء راه الإنسان نفسه أو حكم به حاكم وتثبت الرؤية في حق الصوم وما يتبعه بواحد عدل قوله: (رَوَيْنَا في مسنَد الدّارمِي الخ) قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث حسن أخرجه أحمد وإسحاق في مسنديهما وأخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب وأخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد وغلط في ذلك فإن سليمان يعني ابن سفيان الراوي عن طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله ضعفوه وإنما حسنه الترمذي لشواهده وقوله يعني الترمذي غريب أي بهذا السند اهـ. قوله: (عَنْ طلحَةَ بنْ عُبيْدِ الله) هو أحد العشرة الكرام وهو طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم أبو محمد القرشي التيمي المكي ثم المدني أمه الصعبة بنت الحضرمي أخت العلاء بن الحضرمي أسلمت وهاجرت وطلحة أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة وأحد الثمانية السابقين إلى الإسلام وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد الصديق وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راضٍ سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلحة الجود وهو من المهاجرين الأولين ولم يشهد بدرًا ولكن ضرب له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسهمه وأجره كمن حضر وشهد أحدًا وما بعدها من المشاهد وكان أبو بكر إذا ذكر أحدًا قال ذلك يوم كله لطلحة، روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانية وثلاثون حديثًا اتفقا منها على حديثين وانفرد البخاري بحديثين ومسلم بثلاثة وقتل يوم الجمل لعشر خلون من جمادى الأولى سنة ست

"اللهم أهِلَّهُ عَلَينا باليُمْنِ والإيمَانِ والسَّلامَةِ وَالإسْلامِ رَبي وَرَبُّكَ اللهُ" قال الترمذي: حديث حسن. وروينا في "مسند الدارمي" عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى الهلال قال: "الله أكبَرُ، اللهم أهِلَّهُ عَلَينا بالأمْنِ والإيمَانِ وَالسّلامةِ وَالإسْلام، وَالتَّوْفِبقِ لِمَا تُحِبُّ وتَرْضَى، رَبُّنا ورَبُّك اللهُ". وروينا في "سنن أبي داود" في "كتاب الأدب" عن قتادة، أنه بلغه، أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى الهلال قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ وثلاثين وهذا لا خلاف فيه وكان عمره أربعًا وستين سنة وقيل ثمانية وخمسين وقيل ثنتين وستين وقيل ستين وقبره بالبصرة يزار ويتبرك به، روينا عن عائشة قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلحة ممن قضى نحبه وما بدلوا تبديلا وكان طلحة ثبت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد ووقاه بيده ضربة قصد بها فشلت يده فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوجب طلحة كذا في التهذيب للمصنف. قوله: (اللهُم أهِلَّهِ علَينَا باليُمنِ الخ) أهل بفتح الهمزة دعاء بصيغة الأمر من الإهلال ويقال أهل الهلال بضم الهمزة واستهل إذا رؤي وأهله الله أطلعه وأهللته إذا أبصرته وأصل الإهلال رفع الصوت لأنهم إذا رأوا الهلال رفعوا أصواتهم بالتكبر ومنه الإهلال بالإحرام أي رفع الصوت بالتلبية قال أبو عبد الله الحكيم الترمذي واليمن السعادة والإيمان الطمأنينة بالله كأنه سأل دوامهما والسلامة والإسلام أن يدوم الإسلام ويسلم له شهره فإن الله تعالى في كل شهر حكمة وقضاءً وشأنًا في الملكوت وقوله: (ربي وَرَبُّكَ الله). فيه الرد على من كان يسجد للقمرين من دون الله من أهل الجاهلية. قوله: (وَرَوَيْنَا في مسنَدِ الدَّارمي عَنِ ابنِ عمرَ الخ) قال الحافظ بعد تخريجه وأخرجه الطبراني من طريق نافع عن ابن عمر نحوه باختصار وسنده ضعيف. قوله: (وَرَوَيْنا في سُننِ أَبِي دَاوُدَ الخ) قال الحافظ ورجاله ثقات فإن كان المبلغ صحابيًّا فهو صحيح وقد سمي من وجه آخر ضعيف وأخرج من طريق الحافظ ذلك الحديث الضعيف من طريق الطبراني في كتاب الدعاء من طريق محمد بن

"هِلالُ خَيرٍ وَرُشْدِ، هِلالُ خَيرِ وَرُشْدٍ، هِلالُ خَيرٍ وَرُشْدٍ، آمَنْتُ بالله الذي خَلَقَكَ"، ثلاث مرات، ثم يقول: "الحَمْدُ لِله الَّذي ذَهَبَ بِشَهْرِ كَذَا وجاءَ بِشَهْرِ كَذَا". وفي رواية عن قتادة "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى الهلال صرف وجهه عنه" هكذا رواهما أبو داود مرسَلَين. ـــــــــــــــــــــــــــــ عبيد الله العرزمي بفتح المهملة وسكون الراء وفتح الزاي عن قتادة عن أنس قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى هلال رمضان قال هلال رشد وخير هلال رشد وخير هلال رشد وخير آمنت بالذي خلقك ثم أهلك أخرجه ابن السني قال وفي سنده ضعف وروي عن أنس من طريق أخرى رواه الطبراني وقال لم يروه عن يحيى بن سعيد إلَّا زهير بن محمد قال الحافظ وهو صدوق لكنهم ضعفوا روايات عمرو يعني ابن أبي سلمة عنه وعمرو أيضًا صدوق وفيمن دونه ضعف أيضًا، ومن دونه في كلامه هو محتمل لأن يكون أحمد بن عيسى اللخمي الراوي عن عمرو وأن يكون أحمد بن رشدين شيخ الطبراني وهو الراوي عن أحمد بن عيسى ويحتمل أن يكون كل منهما روي له ولهُ طريق ثالث عند الطبراني في الدعاء بسند ضعيف جدًّا وهو نحو رواية زهير وزاد في الحديث وجعلك آية للعالمين وله طريق رابع. قوله: (هلال خيرٍ ورشدٍ) هو بالتكرار ثلاثًا والتكرار للاعتناء بالمقام والثلاث لأنها آخر القلة ومبدأ الكثرة وقد ورد في الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دعا دعا ثلاثًا. قم له: (آمنتُ بالذِي خلقك الخ). قوله: (وفي روَايةٍ عَنْ قتَادةَ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا رَأَى الهلال صرَفَ وجهَهُ عنْهُ) قال الحافظ أخرجه أبو داود من رواية أبي هلال محمد بن سليمان الراسبي عن قتادة هكذا مرسلًا أيضًا أخرجه مسدد في مسنده الكبير ورجاله ثقات قال ووجدت له شاهدًا موصولًا من حديث أنس بن مالك قال كان لرسول

وفي بعض نسخ أبي داود، قال أبو داود: ليس في هذا الباب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث مسند صحيح. ورويناه في كتاب ابن السني، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ـــــــــــــــــــــــــــــ الله - صلى الله عليه وسلم - أقاويل يقولها في الهلال إذا رآه: منها أنه كان إذا رأى الهلال صرف وجهه عنه وقال هلال خير ورشد آمنت بالذي خلقك يرددها ثلاثًا ومنها كان يقول الحمد الله الذي ذهب بشهر كذا وجاء بشهر كذا وكان يقول اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام وكان يقول الحمد الله الذي بدأك ثم يعيدك وكان يقول الحمد الله الذي خلقك وسواك فعدلك ربي وربك الله قال الحافظ بعد تخريجه هذا غريب أخرجه أبو نعيم في عمل اليوم والليلة ورجاله ثقات إلَّا عمر بن أيوب يعني الغفاري فإنه ضعيف جدًّا ونسبه الدارقطني مرة إلى الوضع اهـ. قوله: (وفي بعْض نسَخ أَبِي دَاوُدَ وقَال أَبو داود الخ) قال الحافظ هو في رواية أبي الحسن بن العبد عن أبي داود وقد انقطع سَماعها ويمكن توصيلها بالإجازة. قوله: (وَرَوَيْنَاهُ في كِتَاب أبنِ السني الخ) قال الحافظ الضمير في رويناه لحديث قتادة السابق ولفظ حديث أبي سعيد عندَ ابن السني قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى الهلال فذكر نحو رواية العرزمي عن قتادة إلى قوله خلقك فزاد ثلاث مرات ثم يقول الحمد الله الذي ذهب بشهر وجاء بشهر قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث غريب أخرجه ابن السني ورجاله موثقون إلَّا ابن تمام يعني عبيد الله الراوي عن سعيد الحريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد فإنهم ضعفوه قال الحافظ وفي الباب عن علي وعبادة بن الصامت ورافع بن خديج وعائشة وجرير بن أبي فوزة مع ستة من الصحابة غير مسمين وفي رواية مع عشرة وعن طلحة الزرقي وعن عبد الله بن هشام وله صحبة عن عدة من الصحابة بغير رفع وعن عبد الله بن مطرف مرسلًا أما حديث علي فأخرجه الطبراني في الدعاء مرفوعًا وموقوفا من رواية الحارث الأعور عنه وفي الحارث مقال ولفظه اللهم إني أسألك خير هذا الشهر وفتحه ونصره وظهوره ونوره وبركته ورزقه وأما حديث عبادة فلفظه كان - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى الهلال قال الله أكبر لا حول ولا قوة إلَّا بالله اللهم إني أسألك خبر هذا الشهر وأعوذ بك من شر القدر ومن سوء

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المحشر قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث غريب ورجاله موثقون إلَّا شيخ عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز المبهم الذي لم يسمع، وأما حديث رافع بن خديج فأخرجه البزار من رواية ليث بن أبي سليم عن عباية بن رفاعة عن جده رافع رضي الله عنه فذكر نحو حديث عبادة وزاد في أوله هلال خير ورشد، وليث ضعيف، وأما حديث عائشة فلفظه كان إذا رأى الهلال قال ربي وربك الله آمنت بالله الذي أبداك ثم يعيدك أخرجه ابن السني بسند ضعيف فيه الواقدي ومن لا يعرف حاله، وأما حديث حدير وهو بالمهملات مصغر فقد أخرجه الحافظ عن عثمان بن أبي العاتكة قال حدثني أخ لي يقال له زياد أن أبا فوزة كان إذا رأى الهلال قال اللهم بارك لنا في شهرنا هذا الداخل قال زياد توالى على هذا الحديث ستة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمعوه منه والسابع صاحب الفرس الجرور والرمح النقيل حدير أبو فوزة السلمي قال الحافظ هذا حديث غريب أخرجه ابن السني من وجه آخر عن عثمان لكن قال عن شيخ لنا ولم يسمه وأخرجه أبو نعيم في عمل اليوم والليلة من طريق بشر مولى معاوية قال سمعت عشرة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحدهم حدير يقولون إذا رأو الهلال فذكر نحوه وأتم منه لكن لم يرفعه وأما حديث طلحة الزرقي فأخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة من طريق عبيد بن طلحة الزرقي عن أبيه وكان من أصحاب الشجرة قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى الهلال فذكر مثل حديث طلحة بن عبد الله المبتدأ بذكره وأما حديث عبد الله بن هشام فلفظه كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولون إذا دخلت السنة أو الشهر هذا الدعاء اللهم أدخله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام قال الطبراني لا يروى عن عبد الله بن هشام إلَّا بهذا الإسناد تفرد به رشدين قال الحافظ وهو ضعيف، وأما حديث عبد الله بن مطرف المرسل فأخرجه ابن السني من طريق مروان بن معاوية قال حدثني شيخ عن عبد الله بن مطرف قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نظر إلى الهلال قال هلال خير الحمد الله الذي ذهب بشهر كذا وكذا وجاء شهر كذا وكذا أسألك من خير هذا الشهر ونوره وبركته وهداه وظهوره ومعافاته قال الحافظ قلت فيه مع إرساله إبهام

وأما رؤية القمر، فروينا في كتاب ابن السني، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي، فإذا القمر حين طلع فقال: "تَعَوَّذِي باللهِ مِنْ شَرّ هَذَا الغاسِق إذَا وَقَبَ". وروينا في "حلية الأولياء" بإسناد فيه ضعف، عن زياد النميري، عن أنس رضي الله عنه، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل ـــــــــــــــــــــــــــــ الراوي عن ابن مطرف وباقي رواته ثقات. قوله: (وأَمَا رُؤْيةُ القَمر فَرَوَيْنَا في كِتَاب ابنِ السُني الخ) قال الحافظ هذا حديث حسن غريب أخرجه الترمذي والنسائي مع كون ابن السُّني أخرجه عن النسائي وأعجب من ذلك أنه ضعف هذا الحديث في فتاويه مع قول الترمذي فيه إنه حديث حسن صحيح وكذا صححه الحاكم ورجاله ورجال الصحيح إلَّا الحارث يعني ابن عبد الرحمن الراوي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة فقال علي بن المديني فيه مجهول ما روى عنه إلا ابن أبي ذئب وخالفه يحيى بن معين فقال مشهور وقواه أحمد والنسائي فقالا لا بأس به وقد روى عنه أيضًا محمد بن إسحاق حديثًا آخر وأقل درجاته أن يكون حديثًا حسنًا اهـ. "قلت" وكذا تعقبه تلميذه ابن العطار في هامش نسخته من الفتاوى في تضعيف الخبر بأن عبد الحق أورد الحديث في أواخر أحكامه الكبرى ونقل قول الترمذي إنه حديث حسن صحيح وسكت عليه. قوله: (تعوَّذِي بالله الخ) قال المصنف في فتاويه الغسق الظلمة وسماه غاسقًا لأنه ينكسف ويسود ويظلم والوقوب الدخول في الظلمة ونحوها مما يستره من كسوف وغيره قال الإِمام الحافظ أبو بكر الخطيب يشبه أن يكون سبب الاستعاذة منه في حال وقوبه لأن أهل الفساد ينتشرون في الظلمة ويتمكنون فيها أكثر مما يتمكنون منه في حال الضياء فيقدمون على العظائم وانتهاك المحارم فأضاف فعلهم في ذلك الحال إلى القمر لأنهم يتمكنون منه بسببه وهو من باب تسمية الشيء باسم ما هو من سببه أو ملازم له اهـ. قوله: (وَرَوَيْنَا في حِلْيةِ الأَوليَاءِ الخ) قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الطبراني في الدعاء تنتهي إلى محمد بن أبي بكر المقدمي ومن طريق أخرى من غير طريقة الطبراني تنتهي إلى عبيد الله بن عمر القواريري قال حدثنا

باب الأذكار المستحبة في الصوم

رجب قال: "اللهُم بارِكْ لَنا في رَجَبَ وشَعْبَانَ وَبَلِّغْنا رَمَضَانَ". ورويناه أيضًا في كتاب ابن السني بزيادة. باب الأذكار المستحبة في الصوم يستحبُّ أن يجمع في نية الصوم بين القلب واللسان، كما قلنا في غيره من العبادات، فإن اقتصر على القلب كفاه، وإن اقتصر على اللسان لم يجزئه بلا خلاف، والسُّنَّة إذا شتمه غيره، أو تسافه عليه في حال صومه أن يقول: "إني صائم، إني صائم" مرتين أو أكثر. روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ زائدة بن أبي الرقاد عن زياد النميري عن أنس قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث قال وزاد القواريري وكان يقول إن ليلة الجمعة ليلة قمراء ويومها يوم أزهر ثم قال الحافظ حديث غريب أخرجه البزار وأخرجه أبو نعيم اهـ. قال السيوطي في الجامع الصغير وزاد فيه وكان إذا كانت ليلة الجمعة قال هذه ليلة غراء ويوم أزهر: أخرجه البيهقي وابن عساكر والبيهقي عن أنس. قوله: (وَرَوَينَا في كِتَاب ابنِ السّني بزِيادةٍ فيهِ) قلت رواه عن أبي القاسم البغوي عن القواريري والزيادة هي قوله وكان يقول إن ليلة الجمعة إلى آخر ما تقدم آنفا. باب الأذكار المستحبة في الصوم قوله: (يُسْتَحبُّ أَنْ يَجمَعَ في نيةِ الصوْم الخ) أي وأكملها أن يقول بلسانه قاصدا بجنانه نويت صوم غد من أداء فرض شهر رمضان هذه السنة الله تعالى إيمانا واحتسابا والواجب في نية الصوم التبييت والتعيين لا الفرضية وفارق الصلاة بأن رمضان لا يقع من المكلف إلَّا فرضا بخلاف المكتوبة فقد تقع منه نفلا كالمعادة وتصح نية صوم النفل قبل الزوال بشرط انتفاء مبطلانه من أول النهار. قوله: (تسَافَه) أي سفه وعدل إليه للمبالغة. قوله: (مرَّتيْنِ أَو أَكثَر) أي بقدر ما يحصل به زجر خصمه قال في المجموع لأن ذلك أقرب إلى إمساك صاحبه عنه وإمساك نفسه اهـ. قوله: (وَرَوَيْنَا في صحيحَي البُخَارِيِّ ومُسْلم) قال الحافظ وكذا أخرجه النسائي وأبو داود وأخرجه الشيخان وغيرهما من طريق

"الصَّيامُ جُنَّةً، فإذَا صَامَ أحَدُكُمْ فَلا يَرْفُثْ وَلا يَجْهَلْ، وَإنِ امْرُؤٌ قاتَلَهُ أو شاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إني صَائِم، إني صَائِم، مَرتَينِ". قلت: قيل: إنه يقول بلسانه، ويُسمِع الذي شاتَمه لعله ينزجر، ـــــــــــــــــــــــــــــ أخرى بلفظ اني صائم من غير تكرار وكذا وقع في حديث ابن مسعود أخرجه الطبراني بسند صحيح. قوله: (الصَّيامُ جنَّةٌ) بضم الجيم وتشديد النون أي وقاية كالجنة التي هي الترس في الدنيا عن المعاصي لأنه يكسر النفس ويطهرها من شهواتها وخيانتها الحاملة لها على الاسترسال في المخالفات والإعراض عن المنهيات وفي الآخرة يدفع كل مؤلم ومؤفي عنها من حر النار والزحام وإلجام العرق وغير ذلك مما تقاسيه النّاس في ذلك اليوم الذي يكون على الأكثر كخمسين ألف سنة. قوله: (فَلَا يرْفُثْ وَلَا يَجهَلْ) كذا فيما وقفت عليه من النسخ وفيه حذف وهو كما في الصحيحين "فإذا كان أحدكم صائمًا فلا يرفث ولا يجهل" ولم ينبه على هذا الحافظ ولعله على الصواب فيما وقف عليه من الأصول، ثم رأيت ملحقًا في أصل مصحح قوله "فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث" الخ، والإلحاق بخط الحافظ تقي الدين بن فهد، ويرفث بضم الفاء وكسرها مضارع رفث بفتح الفاء ويقال رفث بكسر الفاء يرفث بفتحهما رفثًا بإسكان الفاء في المصدر ورفثا بفتحها في الاسم كذا في شرح مسلم للمصنف ونقل عن المجد الفيروزبازي أنه قال يرفث بضم الفاء وكسرها أما الفتح فلا وقال السيوطي في التوشيح أن فاءه مثلثة في الماضي والمضارع والأفصح الفتح في الماضي والضم في المضارع قال المصنف في شرح مسلم ويقال أرفث رباعي حكاه القاضي والرفث هو السخف وفاحش الكلام. قوله: (ولا يَجهَلْ) قال المصنف الجهل قريب من الرفث وهو خلاف الحكمة وخلاف الصواب من القول والفعل. قوله: (قيلَ إنَّه يقولُ بلِسَانهِ) قال الزركشي في الخادم تبويب الشافعي في الأم يدل عليه وحكى القاضي أبو الطيب القول في النفس عن بعض النّاس وقال ليس بشيء لقوله فليقل ولم يقل فليتذكر وما يذكره في نفسه

وقيل: يقوله بقلبه لينكفَّ عن المسافهة، ويحافظ على صيانة صومه، والأول أظهر. ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يقله وذكره ابن الصباغ احتمالًا لنفسه فقال يمكن حمله على ظاهره ويسلم من الرياء وهو أن يذكره لصاحبه بقصد قطع الشر بينهما وإطفاء الفتنة امتثالًا لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا ما أورده البندنيجي والجرجاني ونقله القاضي حسين عن صاحب التقريب وقال في شرح المهذب إنه أقوى وقال في تحرير التنبيه إنه أظهر اهـ. قوله: (وقِيلَ يقولُه بقَلْبهِ) قاله العلقمي في حاشية الجامع الصغير وجزم به المتولي ونقله الرافعي عن الأئمة قلت وفي الروضة ولا يتلفظ به خوف الرياء قال في الخادم تابع فيه الإِمام وقال لا معنى لذكر الصوم لمن شاتمه وحكاه القاضي حسين عن صاحب الإفصاح وقال إنه المرضي وحكى الروياني وجهًا في البحر واستحسنه أنه إن كان في صوم رمضان فيقول بلسانه وإن كان نقلًا فبقلبه قال العلقمي وادعى ابن العربي المالكي أن موضع الخلاف في النفل إما الفرض فيقوله بلسانه قطعًا اهـ. قلت وكأنه أراد باعتبار مذهبه وإلَّا فالتفصيل بين الفرض والنفل أحد الأقوال في المسألة ثم ظاهر كلام المصنف هنا وفي شرح المهذب حيث جعل الوجه الأول إنه يقول بلسانه مقابلًا لأن يقوله بقلبه يوهم أن الأول يقتصر على اللسان فقط ولا يجعل قوله بالقلب مطلوبًا وعليه جرى في شرح المهذب وزاد قوله فإن جمع بينهما فحسن اهـ. قال الزركشي في الخادم ولا أظن أحدًا يقول ذلك بل الخلاف مردود إلى إنه هل يقتصر على النفس فيكون أبعد عن الرياء أو يضم إليه اللسان وذلك فيمن يقوله بلسانه لا يمكنه بقلبه بخلاف من عكس وحصل في المسألة ثلاثة آراء يقول بقلبه أي فقط يضم إليه اللسان يفصل بين الفرض والنفل أي على الثاني قال في الخادم وينبغي أن يجيء رابع وهو الفرق بين القوي بالإخلاص وغيره كما فرقوا في التصدق بما زاد على حاجته بين الواثق بنفسه أولًا وهذا هو الأقرب عندي اهـ، ونازعه ابن حجر الهيتمي في شرح العباب في منازعة المصنف في قوله ولا أظن أحدًا يقول ذلك فقال ومنازعة الزركشي في ذلك بأنه

ومعنى شاتمه. شتمه متعزضًا لمشاتمته، والله أعلم. وروينا في كتابي الترمذي وابن ماجه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُم: الصَّائمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالإمامُ العادِلُ، وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ" قال الترمذي: حديث حسن. قلت: هكذا الرواية "حتى" بالتاء المثناة فوق. ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يظن أن أحدًا يقوله ليست في محلها بل هو ظاهر المعنى فلا مانع من القول به على أنه يكفي كون النووي قائلا به وإذا أبدى لنفسه احتمالًا في المسألة ليس وجهه بذاك فالنووي أولى سيما مع ظهور وجهه اهـ. قوله: (ومعنَى شَاتمهُ الخ) سكت عن بيان معنى قاتله قال في شرح مسلم ومعنى قاتله نازعه ودافعه اهـ. قوله: (رَوَيْنَا في كتَابَي الترمذِيِّ وابْنِ ماجَة) قال الحافظ بعد تخريجه عن أبي هريرة قلنا يا رسول الله إذا كنا عندك رقت قلوبنا فذكر حديثًا طويلًا وفيه ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حتى يفطر والإمام العادل والمظلوم تحمل على الغمام وتفتح لها أبواب السماء ويقول الله تبارك وتعالى: "وعزتي وجلالي لأنصرنك" ولو بعد حين قال الحافظ هذا حديث حسن أخرجه أحمد وكذا أخرجه ابن حبان في صحيحه من وجه آخر مقطعا في ثلاثة مواضع. قوله: (ثَلاثةٌ) هو مبتدأ خبره الجملة بعده وجاز الابتداء بالنكرة لأن التنوين عوض عن المضاف إليه أي ثلاثة أنفار. قوله: (هكذَا الرِّوايةُ حتى بالمثنَّاةِ الفوْقيةِ) قال الحافظ كأنه يريد الإشارة إلى أنها وردت بلفظ حين بدل حتى وهو كذلك ثم أخرج الحافظ بسنده إلى الطبراني من حديث أبي هريرة قال فذكر الحديث مثله لكن قال والصائم حين يفطر وجاء عن أبي هريرة من وجه آخر بلفظ حتى أخرجه البزار من طريق عراك بن مالك عن أبي هريرة بلفظ ثلاثة حق على الله أن لا يرد دعوتهم المظلوم حتى ينتصر والمسافر حتى يرجع والصائم حتى يفطر وفي سنده ضعف وجاء عن أبي هريرة الاستجابة بغير قيد أخرجه الحافظ من طريق عبد بن حميد وغيره عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث دعوات مستجابات، زاد عبد: لا شك فيهن، دعوة الصائم ودعوة المسافر ودعوة المظلوم، وقال عبد في روايته: ودعوة الوالد على ولده، ولم يذكر

باب ما يقول عند الإفطار

باب ما يقول عند الإفطار روينا في سنن أبي داود، والنسائي، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أفطر قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ دعوة الصائم قال الحافظ بعد تخريجه هذا مثل رواية عبد وخالف الجميع خليل بن مرة وقال في روايته ودعوة المرء لنفسه ولم يذكر دعوة الوالد والخليل بن مرة ضعيف لا يوثق به إذا انفرد فكيف إذا خالف وأخرجه البزار أيضًا من حديث أبي هريرة فقال والذاكر الله بعد دعوة المسافر اهـ. أخرجه الترمذي باللفظ الذي رواه عبد بن حميد وأخرجه أبو داود والترمذي أيضًا وابن ماجة من طريق أخرى بنحو سياق حديث عبد لكن هذه الرواية "لولده" بدل "على ولده" وأخرجه الطبراني فجمعهما فقال ودعوة الوالد لولده وعليها تحمل رواية أبي داود فإنه اقتصر على قوله ودعوة الوالد وأخرجه الطبراني من وجه آخر. باب ما يقول عند الإفطار قال في الخادم كذا نص الشافعي في حرمله على استحباب الذكر المذكور عند إفطاره ولم يبين هل هو قبله فإن اللفظ عليه أدل وقوله أفطرت يجوز أن يراد به الفطر الحكمي وهو دخول وقته وهذا كله محتمل والظاهر أنه بعد الإفطار وقبله ومعه سواء في إتيانه بالمستحب "قلت" والثابت الدعاء بعد الفطر ثم ساق المذكورين في الأصل اهـ، وعلى ذلك المتأخرون قوله: (رَوَيْنَا في سنَنِ أَبِي دَاوُدَ الخ) اقتصر أبو داود على المرفوع الذي ذكره الأصل وزاد النسائي أوله عن مروان بن سالم قال رأيت ابن عمر قبض على لحيته فقطع ما زاد على الكف وقال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أفطر الخ. قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث حسن وأخرجه ابن السني عن النسائي وأخرجه الدارقطني والحاكم قال الدارقطني تفرد به علي يعني ابن الحسين بن شقيق عن الحسين يعني ابن واقد وهو الراوي عن مروان بن سالم الراوي عن ابن عمر وإسناده حسن وقال الحاكم صحيح على شرط البخاري فقد احتج بالحسين وبمروان

"ذَهَبَ الظمأ، وابْتلَّتِ العُرُوقُ، وَثَبَتَ الأجْرُ إنْ شاءَ اللهُ تَعالى". قلت: الظمأ مهموز الآخر مقصور: وهو العطش. قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ} [التوبة: 120] وإنما ذكرت هذا وإن كان ظاهرًا، لأني رأيت من اشتبه عليه فتوهمه ممدودًا. وروينا في سنن أبي داود، عن معاذ بن زهرة، أنه بلغه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أفطر قال: "اللهم ـــــــــــــــــــــــــــــ وتعقب بأن مروان الذي احتج به البخاري غير مروان هذا. قوله: (ذَهبَ الظمَأُ) زاد في شرح الروض قبله اللهم وعزاها لسنن أبي داود وقال ابن حجر الهيتمي في التحفة ولم أرها في السنن. قوله: (وابتلَّتِ العرُوقُ) هو مؤكد لما قبله. قوله: (وثبتَ الأَجرُ) هذا من ذكر ما به الاستبشار والفرح المشار إليه بقوله تعالى في الخبر القدسي للصائم فرحتان فرحة عند فطره أي من جهة الطبع وهو المشار إليه بقوله ذهب الظمأ ومن جهة التوفيق لأداء هذه العبادة العظيمة وفرحة عند لقاء ربه أي لما أعدل له من الأجر المؤذن به قوله إلَّا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به أي وتولى الكريم الجزاء دليل على سعة العطاء وهو المشار إليه بقوله هنا وثبت الأجر ونظير هذا الاستبشار والاستلذاذ قول أهل الجمعة بعد استقرارهم فيها {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: 34] لأن من أدرك حصول بغيته لا سيما بعد مزيد النصب يزداد استلذاذه بذكر ذلك وما يدل على نيله لذلك. قوله: (إِنْ شاءَ الله تَعَالى) هو للتبرك ويصح كونها للتعليق لأن الأجر إليه سبحانه وتعالى إن شاء أعطاه وإن شاء منعه على أنه قد يكون في العمل دسيسة تمنع من أجره شرعًا قال في الخادم قال الشريف أبو العباس العراقي في كتاب عمدة التنبيه وزاد فيه الإِمام محيي الدين يوسف بن الجوزي مستدلا بخطه وعليك توكلت سبحانك اللهم وبحمدك أنت السميع العليم ورفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - اهـ، ولم أر لغيره فيه كلامًا. قوله: (وَرَوَيْنَا في سُنَنِ أَبي دَاوُدَ الخ) قال الحافظ هكذا رواه مرسلًا أخرجه في كتاب الصيام من السنن وفي كتاب المراسيل بلفظ واحد عن مسدد عن هشيم عن حصين عن معاذ ومعاذ هذا ذكره البخاري في التابعين لكن قال معاذ أبو زهرة وتبعه ابن أبي حاتم وابن حبان

لكَ صُمْتُ، وعَلى رِزْقِكَ أفْطَرْتُ" هكذا رواه مرسَلًا. وروينا في كتاب ابن السني، عن معاذ بن زهرة، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أفطر قال: "الحَمْدُ لِلهِ الذي أعانَنِي فَصُمْتُ، وَرَزَقَني فأفْطَرْتُ". وروينا في كتاب ابن السني عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذا أفطر قال: "اللهم لكَ صُمْنا، وعَلى رِزْقِكَ أفْطَرْنا، فَتَقَبلْ مِنَا إنَّكَ أنْتَ السميعُ العَلِيمُ". ـــــــــــــــــــــــــــــ في الثقات وذكره يحيى بن يونس الشيرازي في الصحابة وغلطه جعفر المستغقري ويحتمل أن يكون هذا الحديث موصولًا ولو كان معاذ تابعيًّا لأحتمل أن يكون بلغه له صحابيًّا وبهذا الاعتبار أورده أبو داود في السنن وبالاعتبار الآخر أورده في المراسيل اهـ. وفي شرح المشكاة لابن حجر على أن الدارقطني والطبراني روياه بسند حصل لكنه ضعيف وهو حجة أي في مثل هذا المقام اهـ. قوله: (لَكَ صُمْتُ) أي لك دون غيرك صمت ففيه إعلام بوقوع الإخلاص لأن الله تعالى لا يقبل من العمل إلَّا لأرزاق في الحقيقة غيره ففيه الإعلان بما يقتضي الشكر الذي من جملته فطر العباد والإخلاص فيه الله تعالى. قوله: (وَرَوَيْنا في كِتَاب ابنِ السُّني) قال الحافظ أخرجه من طريق سفيان الثوري عن الحصن عن رجل عن معاذ وهذا محقق الإرسال وفي زيادة الرجل الذي لم يسمه ما يعل به السند الأول. قوله: (وَرَوَيْنَا في كِتَاب ابْنِ السُّني عَنِ ابْنِ عَبَّاس الخ) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أفطَر قال اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت فتقبل مني إنك أنت السميع العليم قال الحافظ بعد تخريجه من طريقه هذا حديث غريب من هذا الوجه وسنده واهٍ جدًّا وبهذا السند أخرجه ابن السني بلفظ صمنا وأفطرنا وهارون بن عنترة كذبوه قال الحافظ ووقع من وجه آخر دونه في الضعفاء ثم أخرجه الحافظ من طريق الطبراني في الدعاء من حديث أنس فذكر مثل حديث

باب ما يقول إذا أفطر عند قوم

وروينا في كتابي ابن ماجه، وابن السني، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله فصل - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن للصَّائِم عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ" قال ابن أبي مليكة: سمعت عبد الله بن عمرو إذا أفطر يقول: "اللَّهُمَّ إني أسألُكَ بِرَحْمَتِكَ التي وَسِعَتْ كُلَّ شَيء أنْ تَغْفِرَ لِي". باب ما يقول إذا أفطر عند قوم روينا في سنن أبي داود وغيره بالإسناد الصحيح، عن أنس رضي الله عنه، ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عباس سواء وداود بن الزبرقان أحد رواته ضعفه الجمهور وقواه بعضهم. قوله: (وَرَوَيْنَا في كَتَابَي ابنِ ماجَة وابنِ السُّني الخ) وأخرجه الحافظ الطبراني في كتاب الدعاء من طريق أخرى عن ابن أبي مليكة وسمعت ابن عمر يقول قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد قال ابن أبي مليكة وسمعت عبد الله ولم يذكر ابن أبي زرعة في روايته هذا الأثر الموقوف وابن أبي زرعة هو محمد شيخ الطبراني الذي خرج عنه هذا الحديث في كتاب الدعاء قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث حسن أخرجه أبو يعلى في مسنده الكبير بتمامه وأخرجه الحاكم في المستدرك من وجه آخر عن الحكم بن موسى ووقع في روايته مخالفة للقوم في إسحاق بن عبد الله فرواه الجميع عبيد الله بالتصغير ورواه هو بالتكبر قال الحافظ الذي جزم به ابن عساكر أن إسحاق بن عبيد الله هو ابن أبي المهاجر أخو إسماعيل وهما معروفان من مشايخ الوليد بن مسلم وهذا أولى أي من قول الحافظ عبد الغني وتبعه المزي إنه إسحاق بن عبيد الله بن أبي مليكة وكتب المزي في الهامش مقابل قوله روي عن عبد الله بن أبي مليكة أظنه أخاه واقتصر المنذري في الترغيب على نسبة الحديث إلى البيهقي وقال: إسحاق بن عبيد الله لا يعرف، قال الحافظ وقد عرفه غيره وذكره ابن حبان في الثقات وبالله التوفيق اهـ. باب ما يقول إذا أفطر عند قوم قوله: (رَوَينا في سنَنِ أَبِي دَاوُدَ وغيْره الخ) وأخرجه الطبراني من طريق أحمد بن

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء إلى سعد بن عبادة، ـــــــــــــــــــــــــــــ حنبل عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت عن أنس أو غيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استأذن على سعد بن عبادة فقال السلام عليكم ورحمة الله فذكر قصة: فيها، ثم أدخله البيت فقرب إليه زبيبًا فأكل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فلما فرغ قال أكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة وأفطر عندكم الصائمون وأخرجه الحافظ بعلو من طريق الطبراني في الدعاء قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن ثابت عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكل عند سعد زبيبًا ثم قال فذكر مثله هكذا أورده مختصرًا ولم يذكر قصة السلام وأخرجه كذلك أبو داود عن مخلد بن خالد الشعيري عن عبد الرزاق ووقع في روايته فجاء بخبز وزيت قال الحافظ وما أظن الزيت إلّا تصحيفًا عن الزبيب فقد رويناه في المختارة من طريق أحمد بن منصور عن عبد الرزاق كما قال أحمد وهو أتقن من غيره لو انفرد فكيف إذا توبع قال الحافظ وفي وصف الشيخ هذا الإسناد بالصحة نظر لأن معمرًا وإن احتج به الشيخان فروايته عن ثابت بخصوصه مقدوح فيها قال علي بن المديني في رواية معمر عن ثابت غرائب منكرة وقال يحيى بن معين أحاديث معمر عن ثابت لا تساوي شيئًا وساق العقيلي في الضعفاء عدة أحاديث من رواية معمر عن ثابت منها هذا الحديث وقال كل هذه الأحاديث لا يتابع عليها وليست بمحفوظة وكلها مقلوبة اهـ، وليس عند البخاري من رواية معمر عن ثابت سوى موضع واحد متابعة وأورده مع ذلك معلقا وله عند مسلم حديثان أو ثلاثة كلها متابعة وفي هذا السند مع ذلك علة أخرى وهي التردد بين أنس وغيره عند الإِمام أحمد لاحتمال أن يكون الغير غير صحابي ثم قال الحافظ في الكلام على حديث ابن سني عن أنس الآتي عقبه وقول ثابت عن أنس وغيره فما عرفت الغير المذكور لكن لثابت رواية عن الزبير قال الحافظ وقد جاء هذا الحديث من وجه آخر عن ابن الزبير ثم أخرجه من طريق الطبراني عن مصعب بن ثابت عن عبد الله بن الزبير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أكل عند قوم قال أكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة، مختصرًا اهـ، ولو وصف الشيخ المتن بالصحة لكان أولى لأن له طرقًا يقوي بعضها ببعض اهـ، ثم لا منافاة بين حديث الباب وحديث ابن ماجة وابن حبان عن ابن الزبير قال

فجاء بخبز وزبيب، فأكل، ثم قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ، وأكَلَ طَعَامَكُمُ الأبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيكُمُ المَلائكَةُ". وروينا في كتاب ابن السني عن أنس قال: كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذا أفطر عند قوم دعا لهم فقال: "أفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ ... " إلى آخره. ـــــــــــــــــــــــــــــ أفطر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند سعد بن معاذ فقال أفطر عندكم الصائمون الخ. لأنهما قضيتان جرتا لسعد بن عبادة وسعد بن معاذ أشار إلى ذلك المصنف. قوله: (فَجاءَ بخُبْزٍ وزَيْتٍ) سبق ما في قوله وزيت في كلام الحافظ. قوله: (أَفْطَر عِندَكُم الصائمونَ) يحتمل أن يكون المراد منه الدعاء لصاحب المنزل بطلب كتابة مثل أجر من أفطر عنده الصائمون الوارد فيه الأحاديث كحديث من فطر صائمًا فله مثل أجره ثم رأيته قال في الحرز الجملة خبرية مبنى دعائية معنى وكذا ما بعدها من الجملتين. قوله: (وأَكَلَ طَعامَكم الأَبْرارُ) قال العاقولي قوله أكل طعامك الأبرار وهو دعاء وإن كان هذا الوصف موجودًا فيه - صلى الله عليه وسلم - وصادقًا عليه وأما لغيره فدعاء فقط لأنه لا يجوز لأحد أن يخبر عن نفسه أنه بر اهـ. قوله: (وصَلَّتْ عَلَيكُمُ الملائِكةُ) أي دعت لكم بالرحمة والبركة كذا في مصباح الزجاجة للسيوطي. قوله: (وَرَوَيْنَا في كِتَاب ابن السني عَنَ أنسٍ الخ) أخرجه الحافظ من طريق الطبراني من حديث أنس قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحديث وفيه بدل قوله وصلت الخ. قوله وتنزلت عليكم الملائكة وقال أخرجه ابن السني ووقع في روايته ودعا لهم كما قال الشيخ ورجال إسناده من نوع الحسن وفي الجامع الصغير رواه أحمد والبيهقي عن أنس اهـ. قال الحافظ وجاء من طريق أخرى برجال الصحيحين ثم أسنده من طرف إلى هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أفطر عند أهل بيت قال أقطر عندكم الصائمون وتنزلت عليكم الملائكة وأكل طعامكم الأبرار وغشيتكم الرحمة قال الحافظ بعد ذكر اختلاف رواته في لفظه وأخرجه الإِمام أحمد ورجاله محتج بهم في الصحيحين لكنه منقطع بين يحيى وأنس قال النسائي بعد تخريجه من طريق ابن المبارك عن هشام عن يحيى حدثت عن أنس أن يحيى لم يسمعه من أنس وقال أبو حاتم

باب ما يدعو به إذا صادف ليلة القدر

باب ما يدعو به إذا صادف ليلة القدر ـــــــــــــــــــــــــــــ الرازي يحيى بن أبي كثير إمام لا يحدث إلَّا عن ثقة وروي عن أنس ولم يسمع منه شيئا وكان رآه يصلي في المسجد الحرام قال الحافظ وقد أدخل بينه وبين أنس عمر بن أبي زبيب فيما أخرجه أحمد وأبو يعلى وغيرهما من طريق حرب بن شداد عن يحيى ورواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير فخالف في السند ثم أخرجه الحافظ من طريق الطبراني في كتاب الدعاء عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أفطر عند قوم فذكر الحديث وخالف الجميع الخليل بن يحيى بن مرة فقال عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة والمحفوظ من هذا كله رواية هشام المرسلة اهـ. ملخصًا من كلام الحافظ. باب ما يدعو به إذا صادف ليلة القدر هي بسكون الدال أما من القدر بمعنى الشرف لأن لها شرفًا بنزول القرآن فيها وقيل من وفق لها وصادفها صار ذا شرف بعد إن لم يكن كذلك أو بمعنى القدر بفتح الدال لأن فيها يقدر ما يقع في السنة على الصحيح ولم يعبر به إشعارًا بأن الذي يفرق في هذه الليلة هو تفصيل ما أجرى به القضاء وإظهاره محددًا في تلك السنة مقدرًا بمقدار واختلف في ليلة القدر على أقوال كثيرة بلغ بها الحافظ في الفتح خمسًا وأربعين قولًا ممكنة في كل سنة ونقل عن ابن مسعود وأبي حنيفة كل رمضان أو كل ليلة منه، ليلة نصفه، الخامس عشر إلى الثامن عشر، من ليلة سبع وعشرين إلى آخر الشهر، ذي كل ليلة منها قول، هذا كله بناء على أنها تلزم ليلة معينة ومن أصحها من حديث نقل المذهب أنها تلزم ليلة بعينها وأنها في رمضان في العشر الأخير منه وفي أوتاره وأرجى ما يكون ليلة الحادي والعشرين وقيل الثالث والعشرين وقيل إنها تنتقل في ليالي العشر الأخير ونسب إلى المحققين وأن القول به أظهر لأن فيه جمعًا بين

روينا بالأسانيد الصحيحة في كتب الترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرها عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله إن علمتُ ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: "قُولي: اللَّهُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأحاديث وحثًّا على إحياء تلك الليالي وهي من خواص هذه الأمة على الأصح وأجمع من يعتد به على وجودها ودوامها إلى آخر الدهر أما القول بانتقالها سائر ليالي العام فلم يرض به أصحابنا لشدة ضعفه ومنابذته للأخبار الصحيحة المخصصة لها بالعشر الأخير من رمضان قوله: (رَوَيْنَا بالأَسانيدِ الصَّحيحَةِ الخ) أخرجه الحافظ من طريق الطبراني وغيره عن أبي بريدة عن عائشة قالت قلت يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول الحديث قال الحافظ أخرجه النسائي في الكبرى وابن بريدة هذا هو سليمان كما جزم به المزي وغيره وقد جاء من طريق أخيه عبد الله وهي أشهر قال الحافظ وبالإسناد إلى أحمد حدثنا يزيد بن هارون ووكيع ومحمد بن جعفر ثلاثتهم قالوا حدثنا الحسن بن الحسن حدثنا عبد الله بن بريدة عن عائشة قالت قلت يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر فذكر مثله قال الحافظ أخرجه الترمذي والنسائي عن قتيبة عن جعفر بن سليمان والنسائي أيضًا عن محمد بن عبد الأعلى عن معتمر وابن ماجة عن علي بن محمد عن وكيع ثلاثتهم عن كهمس قال الترمذي حسن صحيح وأخرجه الحاكم من الوجهين وصححه وفي ذلك نظر فإن البيهقي جزم في كتاب الطلاق من السنن بأن عبد الله بن بريدة لم يسمع من عائشة قال الحافظ ووقع لنا الحديث من وجه آخر بلفظ آخر عن أبي هلال الراسبي حدثنا عبد الله بن بريدة قال قالت أم المؤمنين أحسبه قال قالت عائشة يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر بما أدعو قال قولي اللهم إني أسألك العفو والعافية قال الحافظ ووقع لنا بعلو من حديث أسود بن عامر عن أبي هلال المذكور واسم أبي هلال محمد بن سليمان وهو بصري حسن الحديث وقد أخرجه النسائي من وجه آخر عن مسروق عن عائشة موقوفًا عليها. قوله: (مَا أَقولُ) قيل الفاء ساقطة من

باب الأذكار في الاعتكاف

إنكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فاعْفُ عَني" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. قال أصحابنا رحمهم الله: يستحبُّ أن يكثر فيها من هذا الدعاء، ويستحبُّ قراءة القرآن وسائر الأذكار والدعوات المستحبة في المواطن الشريفة، وقد سبق بيانها مجموعة ومفرَّقة. قال الشافعي رحمه الله: أستحب أن يكون اجتهاده في يومها كاجتهاده في ليلتها، هذا نصه، ويستحبُّ أن يكثر فيها من الدعوات بمهمات المسلمين، فهذا شعار الصالحين وعباد الله العارفين، وبالله التوفيق. باب الأذكار في الاعتكاف ـــــــــــــــــــــــــــــ الناسخ وتعقب بأنه في غير محله بل يجوز حذف الفاء من جواب الشرط لكن بقلة ومنه حديث بريدة في البخاري أما بعد ما بال رجال وحديثه أيضًا وأما الذين جمعوا بين العمرة والحج طافوا. قوله: (إِنكَ عَفُوّ) أي كثير العفو عن العصاة فلم تقابلهم بعقوبة تستأصلهم وقوله: (تُحبّ العَفْوَ) أي كما أنبأ عن ذلك زيادة مظاهره على مظاهر العقوبة وفي الحديث القدسي إن رحمتي سبقت غضبي وفي الخبر دليل على أن الأليق بالإنسان والأحق به لما جبل عليه من إيثار شهواته الابتهال إلى الله عزّ وجّل في مواسم الخيرات ومواطن إجابة الدعوات أن يسبل ذيل عفوه لما يتسبب عنه من رقيه إلى حقائق عطفه ورقائق لطفه ونقل عن ابن العربي إنه ينبغي لمن ظفر بليلة القدر أن يسأل إجابة الدعاء قال ليظفر بكنز ينفق منه أبد الآباد وفيما أشارت إليه عائشة مما ذكر غنية عن ذلك وغيره فالخير في الاتباع. باب الأذكار في الاعتكاف الاعتكاف لغة اللبث والحبس والملازمة على الشيء ولو شرًّا ومنه يعكفون على أصنام لهم، من عكف يعكف بضم كافه وكسرها لا غير يستعمل لازمًا ومتعديًا كرجع ورجعته وأعكفه بالكسر لا غير وشرعا استقرار بمكث أو غيره كالتردد بمسجد فوق طمأنينة

كتاب أذكار الحج

يستحبُّ أن يكثر فيه من تلاوة القرآن وغيره من الأذكار. كتاب أذكار الحج اعلم أن أذكارَ الحج ودعواتِه كثيرة لا تنحصر، ولكن نشير إلى المهمَّ من مقاصدها، والأذكار التي فيها على ضربين: أذكار في سفره، وأذكار في نفس الحج. فأما التي في سفره، فنؤخِّرُها لنذكرَها في أذكار الأسفار إن شاء الله تعالى. وأما التي في نفس الحجِّ فنذكرها على ترتيب عمل الحج إن شاء الله تعالى، وأحذف الأدلة والأحاديث في أكثرها خوفًا من طول الكتاب، ـــــــــــــــــــــــــــــ الصلاة بشروط مقررة في الفقه وسكت المصنف عن النية هنا لأنه أشار إليها فيما سبق من أحكام داخل المسجد بقوله فينوي داخل المسجد وكان حقه ذكرها هنا أيضًا فينوي الاعتكاف بقلبه ويسن التلفظ بلسانه ويجدد النية كلما دخل ما لم يخرج عازمًا على العود لأن عزمه عليه حينئذٍ بمنزلة نيته إن عاد ولا يبطله تكلم بمحظور ولا عمل صنعة ولو محرمة بخلاف نحو الجماع، وهو من الشرائع القديمة ويسن كونه يومًا وليلة ومع الصوم خرجا من خلاف من لم يجوزه دونه ومن أوجب فيه الصوم وأن ينويه كلما دخل المسجد أي ولو مارًا تقليدًا للقائل بحصوله للمار إذا نواه وقد تقدم فيما سبق تحرير ذلك والله أعلم. قوله (يُستَحبُّ أَنْ يُكْثِرَ منْ تِلاوةِ القُرآنِ) لأنه أفضل الأذكار جاء به أفضل الملائكة إلى أشرف الرسل وكان يكثر الاشتغال به في أشرف زمان وهو شهر رمضان وأشرف بقعة وهي المسجد فطلب حال الاعتكاف ليزداد فضله ولنمو ثوابه والله أعلم. كتاب أذكار الحج أي وأذكار العمرة، فأما أن يكون اكتفى عنها أو أراد به ما يشملها من استعمال اللفظ المشترك في معنييه إذ هو لغة مطلق القصد أو من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه باعتبار معناه الشرعي الآتي ثم الحج بفتح أوله وكسره مصدران قال ابن جماعة الأكثر الكسر والقياس الفتح وقيل هو بالفتح مصدر وبالكسر اسم وفي شرح مسلم للمصنف هو بالفتح مصدر وبالفتح والكسر جميعًا اسم منه وفي كونه بالفتح اسم مصدر نظر والحج

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لغة القصد وقيل كثرته إلى من يعظم وشرعا على ما في المجموع قصد الكعبة للأفعال الآتية وقال ابن الرفعة هو نفس تلك الأفعال أي لأنها إجراؤه فلا وجود له بدونها حتى يقال إنه قصد البيت لأجلها وقد يؤول الأول بأن اللام فيه بمعنى مع أو يقال قصد البيت لأجلها يستلزم قصدها وعلى كلٍّ فليس المراد بالقصد نية الدخول إلى النسك المعبر عنه بالإحرام بل ما هو أعم من ذلك وهو العزم كما هو ظاهر كذا قيل، واعترض بأنه إن أريد بالتأويل موافقة تفسير ابن الرفعة فممنوع إذ ابن الرفعة لم يعتبر القصد وتأويله لا يدخل الأفعال إلَّا على الوجه الأول منه على احتمال فتعين أن المراد بالتأويل مجرد دخول الأفعال الأعلى ما فيه لما علم، ويرد على تعريف ابن الرفعة أن المعنى الشرعي يجب اشتماله على المعنى اللغوي بزيادة وذلك غير مورد عليه إذ لم يعتبر القصد إلَّا أن يقال إن ذلك أغلى أو إن منها النية وهو من جزئيات المعنى اللغوي ونظيره الصلاة الشرعية لاشتمالها على الدعاء، والحج من الشرائع القديمة روي أن آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام حج أربعين سنة من الهند ماشيًا وأن جبريل قال له إن الملائكة كانوا يطوفون قبلك بهذا البيت سبعة آلاف سنة وقال ابن إسحاق لم يبعث الله نبينا بعد إبراهيم إلَّا حج والذي صرح به غيره أنه ما من نبي إلَّا حج خلافًا لمن استثنى هودا وصالحا وفي وجوبه على من قبلنا وجهان الصحيح أنه لم يجب واستغرب قاله القاضي حسين، وهو أفضل العبادات لاشتماله على المال والبدن ولأنا دعينا إليه ونحن في الأصلاب كما أخذ العهد علينا بالإيمان حينئذٍ لكن الأصحاب على خلافه، وحج نبينا قبل النبوة وبعدها قبل الهجرة حججًا لا يدرى عددها وتسمية هذه حججًا إنما هو باعتبار الصورة إذ لم يكن على قوانين الحج الشرعي باعتبار ما كانوا يفعلوه من النسيء وغيره بل قيل في حجة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في التاسعة ذلك ولكن الوجه خلافه لأنه - صلى الله عليه وسلم - لا يأمره إلَّا بحج شرعي وكذا يقال في الثامنة التي أمر فيها عتاب بن أسيد أمير مكة وبعدها حجة الوداع لا غير أشار إليه بعض المتأخرين، ونوزع فيما قاله من أن تسمية ما صدر منه - صلى الله عليه وسلم - حججًا إنما هو باعتبار الصورة الخ. بأنه قد ورد أن الله ألهمه - صلى الله عليه وسلم - فكان يقف في عرفة مع وقوف سائر قريش عند المزدلفة فكما ألهمه عزّ وجل بذلك فهو قادر على إلهامه وقوع حجة في زمنه من ذي الحجة على ما استقرت عليه شريعته والله أعلم، وفي وقت وجوب الحج خلاف

وحصول السآمة على مطالعه، فإن هذا الباب طويل جدًّا، فلهذا أسلك فيه طريق الاختصار إن شاء الله تعالى. فأول ذلك: إذا أراد الإحرام اغتسل وتوضأ ولبس إزاره ورداءه، وقد قدمنا ما يقوله المتوضئ والمغتسل، وما يقوله إذا لبس الثوب، ـــــــــــــــــــــــــــــ قبل الهجرة وقيل أول سنيها وقيل ثالثها وهكذا إلى العاشر، الأصح أنه في السادسة وفرضيته مجمع عليها معلومة من الدين بالضرورة يكفر جاحدها وفي وجوب العمرة خلاف فقال به الشافعي وخالفه الثلاثة قوله: (وحصُولِ السَّآمةِ) بالمهملة فالهمزة المدودة منها الملل والضجر يقال سئم يسأم وسآمة. قوله: (اغْتَسلَ وتوَضأ) وهذا الغسل سنة لكل واحد ممن أراد الإحرام ولو نحو حائض وإن إرادته قبل الميقات على الأوجه للاتباع أخرجه الترمذي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تجرد لإحرامه واغتسل، وقال حسن غريب قال الحافظ حسنه لمجيئه من غير وجه واستغربه لتفرد عبد الرحمن صدوق فيه بعض مقال وعبد الله بن يعقوب المدني الراوي عنه لا يعرف حاله قال ابن القطان جهدت أن أعرف هل هو الذي أخرج له أبو داود أو غيره فلم أقدر "قلت" جزم المزي بأنه هو ورجح ابن المواز أنه غيره وهو الذي يظهر فإن طبقة الذي أخرج له أبو داود أعلى من هذا وقد أخرج الحديث ابن خزيمة في صحيحه من طريقه فكأنه عرف حاله ولم ينفرد به وقد أخرجه أيضًا في المختارة مع ذلك عن ابن أبي الزناد قد أخرجه الطبراني والدارقطني من طريق ابن غزية بفتح الغين المعجمة وكسر الزاي وتشديد التحتية اسمه محمد بن موسى عن أبي الزناد وله طرق أخرى عند الدارقطني والبيهقي فيها مقال وللحديث شاهد عن ابن عباس رواه الطبراني في الأوسط وآخر عن عائشة أخرجه الدارقطني وسند كل منهما ضعيف وله شاهد آخر صحيح عن عبد الله بن عمر قال من السنة أن يغتسل إذا أراد أن يحرم وإذا أراد أن يدخل مكة قال الحافظ

ثم يصلي ركعتين، وتقدَّمت أذكار الصلاة، ويستحبُّ أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة (قلْ يا أيُّها الكافِرُونَ) ووفي الثانية (وقُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ) فإذا فرغ من الصلاة استحبَّ أن يدعوَ بما شاء، وتقدَّم ذِكْرُ جُمَل من الدَّعوات والأذكار خلف الصلاة، ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد تخريجه هذا حديث صحيح أخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين وقول الصحابي من السنة كذا مرفوع عندهم وروى الشافعي من طريق جعفر بن محمد عن أبيه أن عليًّا رضي الله عنه كان يغتسل إذا أراد أن يحرم اهـ. ملخصًا ويكره ترك هذا الاغتسال وإحرام الجنب وتنوي الحائض هنا وفي سائر الاغتسالات المطلوبة منها في النسك الغسل المسنون كغيرها، ويكفي تقدمه عليه إن نسب له عرفًا فيما يظهر وكذا يسن التنظيف لغير نحو مريد التضحية بإزالة شيء من ظفره وقص شاربه ونتف إبطه وحلق عانته فإن عجز عن استعمال الماء ولو شرعًا تيمم لأن الغسل يراد به القربة والنظافة فإذا فات أحدهما بقي الآخر ولأنه ينوب عن الغسل الواجب فالمندوب أولى والوضوء يحتمل أن يكون الوضوء المفروض بسبب الحدث ونحوه وحينئذٍ فمعنى عده من السنن أنه ينبغي تقديمه على الإحرام ليكون في حال الكمال ويحتمل أن يكون الوضوء المنسوب للغسل بناء على استحبابه للغسل المندوب وهو المعتمد كما أفتى به الشيخ زكريا وغيره والله أعلم. قوله: (ولَبسَ إِزاره ورِدَاءه) أي لصحة ذلك عنه - صلى الله عليه وسلم - فعلًا، روى الشيخان أنه - صلى الله عليه وسلم - أحرم في إزار ورداء، وقولا، رواه أبو عوانة في صحيحه ولفظه ليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين وصححه ابن المنذر ولم يتعرض لتخريج مستنده ذلك الحفاظ والسنة كون الإزار والرداء أبيضين ويسن كونهما جديدين نظيفين وإلا فنظيفين ويكره المتنجس الجاف والمصبوغ كله أو بعضه ولو قبل النسج على الأوجه أما المعصفر والمزعفر فيتعين اجتنابهما. قوله: (ثم يصلي ركْعتيْنِ) أي ينوي بهما سنة الإحرام للاتباع متفق عليه يقرأ سرًّا ليلًا أو نهارًا بعد الفاتحة (قُل يأيها الكافِرُونَ) [الكافرون 10] في الأولى (قُل هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [الإخلاص: 1] في الثانية ويغني عنهما غيرهما كسنة تحية المسجد لأن

فإذا أراد الإحرام نواه بقلبه. ويستحبُّ أن يساعد بلسانه قلبه، فيقول: نوبت الحج وأحرمت به الله عزّ وجل، لبيك اللهم لبيك ... إلى آخر التلبية. والواجب نية القلب، واللفظ سُنَّة، فلو اقتصر على القلب أجزأه، ولو اقتصر على اللسان لم يجزئه. قال الإِمام أبو الفتح سُلَيم بن أيوب الرازي: لو قال يعني بعد هذا: اللهُم لك أحرم نَفسي وشعري وبشري ولحمي ودمي، كان حسنًا. وقال غيره: يقول أيضًا: اللَّهُمَّ إني نويت الحج فأعني عليه وتقبله مني، ويلبِّي فيقول: ـــــــــــــــــــــــــــــ القصد وقوع الإحرام أثر صلاة كما أفاده البويطي أي بحيث لا يطول بينهما الزمن عرفا ويحرمان وقت الكراهة في غير الحرم لتأخر سببهما. فصل له: (وإذَا أَرادَ الإِحرَامَ نَواهُ بِقَلْبهِ الخ) استدل في شرح المهذب لأصل النية بعموم حديث عمر المرفوع إنما الأعمال بالنيات ويستدل لخصوصية الإحرام باللسان بما أخرجه الشافعي عن سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه قال قالت عائشة يا بن أخي هل تستثني إذا حججت قلت ماذا أقول قالت اللهم الحج أردت وإليه عمدت فإن يسرته لي فهو الحج. قوله: (وقَال الإِمَام أَبو الفَتح سُليم الخ) هو بضم السين المهملة على صيغة التصغير قال الحافظ وما ذكره الشيخ عن سليم بن أيوب وغيره لم أر له فيه سلفًا اهـ. قوله: (وشعري) وما بعده معطوف على نفسي من باب عطف الخاص على العام اهتمامًا به والمقام للأطناب. قوله: (وقَال غيْرُهُ يقُولُ الخ) ظاهر سياقه ذكر قول سليم وهذا القول الذي بعده بعد النية أنه يقوله بعدها وهو ما في الإحياء للغزالي لكن في الوسيط للأذرعي قال صاحب الخصال ويصلي ركعتين ويقول اللهم إني أريد الحج الخ. ثم ذكر أنه يلبي بعده اهـ، وما أفهمه كلام صاحب الخصال من تقديم ذلك على الإحرام لذكره عقب الركعتين لعله الأرجح وأظن أنه مربي ما يصرح به والمعنى في كل منهما صحيح وليس في كتب الشيخين تعرض لذلك إلَّا أن كتاب الأذكار قال بعد ذكر النية قال سليم الرازي الخ اهـ. نقله السيد السمهودي

لبيكَ اللَّهُمَّ لبيك، لبيكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ في كتابه المسمى بالمجموع الحاوي لما وقع من الفتاوى. قوله: (لَبيكَ اللَهُمَّ لَبيَّكَ) لبيك مثنى مضاف منصوب بعامل لا يظهر قصد به التكثير إجابة لدعوة سيدنا إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام ومعناه أقمنا على طاعتك إجابة بعد إجابة هذا مذهب سيبويه وعليه أكثر النّاس ويؤيده قلب الألف ياء مع المظهر قيل وأصله البابين فحذفت النون للإضافة وحذف الزوائد وأدغم الياء الأولى في الثانية وحركت اللام بالفتح لتعذر الابتداء بالساكن وقال يونس بن حبيب البصري لبيك اسم مفرد لا مثنى قال وألفه إنما قلبت ياء لاتصالها بالضمير كلدي وعلي وأصل الفعل منهما لبب بتشديد الأولى فاستثقلوا ثلاث باآت فأبدلوا الثالثة ياء عند اتصال الضمير كما قالوا تظنيت من الظن والأصل تظننت وأصل الألف ياء قلب مع الضمير لأصله ياء كما في عليك ولديك، ورد سيبويه قول يونس بأنه لو كان مفردًا لما قلبت ألفه ياء مع الاسم الظاهر وأنشد قول الشاعر: دعوت لما نابني مسورًا ... فلبى قلبي يدي مسور قال المصنف واختلفوا في معنى لبيك واشتقاقها فقيل معناه إتجاهي وقصدي إليك مأخوذ من قولهم داري تلب دارك أي تواجهها. وقيل معناه محبتي لك من قولهم إمرأة لبة إذا كانت محبة ولدها عاطفة. وقيل معناه إخلاص لك مأخوذ من قولهم حسب لباب إذا كان خالصًا مخلصًا ومن ذلك الطعام ولبابه، وقيل معناه أنا مقيم على طاعتك وإجابتك مأخوذ من قولهم لب الرجل بالمكان وألب إذا أقام فيه ولزمه قال ابن الأنباري وبهذا قال الخليل والأخفش، قال القاضي قيل هذه الإجابة لقوله تعالى لإبراهيم - عليه السلام -: (وَأذِّن في النَّاسِ بِالحْجِّ) [الحج: 27]، وقال إبراهيم الحربي في معنى لبيك أي قربًا منك وطاعة والألباب القرب وقال أبو نصر معناه أنا ملب بين يديك أي خاضع هذا آخر كلام القاضي اهـ. قال السيوطي في حواشي سنن أبي داود وإذا كان المعنى في التلبية أنا مقيم على عبادتك وطاعتك فهل المراد كل عبادة الله تعالى أي عبادة كانت أو المراد العبادة التي هو فيها من الحج، الأحسن عند المعتبرين الثاني للاهتمام بالمقصود اهـ. قوله: (لَا شَرِيكَ لكَ) لا في الكلام لاستغراق

لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، هذه تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ـــــــــــــــــــــــــــــ نفي الجنس فهي لنفي كل شريك له في وصف من أوصافه أو فعل من أفعاله وفيه إيماء إلى الرد على المشركين فإنهم كانوا يقولون في تلبيتهم لا شريك لك، إلَّا شريكا هو لك، تملكه وما ملك، فكان - صلى الله عليه وسلم - إذا سمعهم يقولون ذلك يقول: قد قد أي حسبكم واقتصروا على قول لا شريك لك ولا تزيدوا قول إلَّا شريكًا هو لك الخ. قوله: (إِنَّ الحَمدَ) بكسر الهمزة من إن وفتحها وجهان مشهوران لأهل الحديث واللغة قال الجمهور والكسر أجود وقال الخطابي الفتح رواية العامة وقال ثعلب الاختيار الكسر وهو أجود في المعنى لأن من كسر جعل معناه إن الحمد لك على كل حال ومن فتح قال معنى لبيك بهذا السبب وما نقله الزمخشري عن الشافعي من اختيار الفتح وارتضاه الأسنوي رده الأذرعي بأن اختيارات الشافعي لا تؤخذ من الزمخشري لأن أصحابه أدرى باختياراته من غيرهم ولم ينقلوه عنه لا يقال كما إن الفتح يوهم التعليل والتخصيص أي إن الإجابة معلولة ومختصة بحال شهود الأنعام فالمكسورة تدل على التعليل أيضًا فيؤدي إلى إيهام ما ذكره لأنا نقول هو ممنوع وعلى التنزل فليس مقصودًا منه وعلى التنزل فهو في المفتوحة أظهر وأشهر. قوله: (والنَّعمةَ) بكسر النون الإحسان والعطاء والمشهور نصبها قال القاضي ويجوز رفعها على الابتداء ويكون الخبر محذوفًا وقال ابن الأنباري إن شئت جعلت خبر إن محذوفًا تقديره إن الحمد لك والنعمة مستقرة. قوله (لكَ) ومعناه في الحمد إنك تستحقه دون غيرك وفي الأنعام أنك الموصوف به في الحقيقة أو الموجد لأثره دون غيرك وقيل اللام بمعنى من أي منك ويستحب أن يقف وقفة لطيفة عند. قوله: (والمُلكَ) ثم يقول. قوله: (لَا شريكَ) لك والأفضل الاقتصار عليها فيكررها ثلائا ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي الصحيحين وغيرهما ذكر عن نافع مولى ابن عمر قال وكان ابن عمر يزيد فيها لبيك وسعديك والخير بيديك لبيك والرغباء إليك والعمل، والرغباء بفتح الراء وإسكان الغين المعجمة والموحدة والمد وبضم الراء وسكون

ويستحبُّ أن يقول في أوَّل تلبية يلبيها: لبيك اللَّهُمَّ بحجة، إن كان أحرم بحجة، أو لبيك بعمرة، إن كان أحرم بها ولا يعيد ذِكْر الحج والعمرة فيما يأتي بعد ذلك من التلبية على المذهب الصحيح المختار. واعلم أن التلبية سُنَّة لو تركها صح حجه وعمرته ولا شيء عليه، لكن فاتته الفضيلة العظيمة والاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، هذا هو الصحيح من مذهبنا ومذهب جماهير العلماء، وقد أوجبها بعض أصحابنا، واشترطها لصحة الحج بعضهم، والصواب الأول، لكن تستحبُّ المحافظة عليها للاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ـــــــــــــــــــــــــــــ الغين المعجمة والقصر الطلب، والعمل وسيأتي زيادة في هذا المعنى آخر الفصل الآتي وما ذكره من التلبية إلى قوله والملك لا شريك لك هي تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إحرامه كما ثبت ذلك في الحديث المتفق على صحته من حديث ابن عمر قال نافع كان ابن عمر يزيد فيها لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث صحيح متفق عليه أخرجه الشافعي عن مالك وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي كلهم من رواية مالك وابن حبان وأخرج الحافظ بسنده إلى الدرامي عن ابن عمر قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لبى يقول فذكر مثله قال نافع وكان ابن عمر يزيد هؤلاء الكلمات لبيك والرغباء إليك واعلم لبيك لبيك. قوله: (ويُستَحبُّ أَنْ يقولَ في أَوَّلِ تَلبيةِ يُلَبيها الخ) أي لما أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن أنس أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لبيك بعمرة وحجة ويسن الإسرار بهذه التلبية لأنه لما سن فيها ذكرها أحرم به طلب منه الإسرار بها لأنه أوفق بالإخلاص. قوله: (واعْلم أَنَّ التَّلبيَة سُنَّة الخ) قال المصنف في شرح مسلم أجمع المسلمون على مشروعيتها ثم اختلفوا في إيجابها فقال الشافعي وآخرون هي سنة ليست بشرط لصحة الحج ولا واجبة فلو تركها صح حجه ولا دم عليه لكن فاتته الفضيلة وقال بعض أصحابنا هي واجبة تجبر بالدم ويصح بدونها وقال بعض أصحابنا هي شرط لصحة الإحرام قال فلا يصح الإحرام ولا الحج إلَّا بها والصحيح من مذهبنا ما قدمناه عن الشافعي وقال مالك ليست بواجبة لكن

وللخروج من الخلاف، والله أعلم. وإذا أحرم عن غيره قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ لو تركها لزمه دم وصح حجه وقال الشافعي ومالك ينعقد الحج بالنية بالقلب من غير لفظ كما ينعقد الصوم بالنية فقط وقال أبو حنيفة لا ينعقد إلَّا بإضمام التلبية أو سوق الهدي إليه قال أبو حنيفة ويجزئ عن التلبية ما في معناها من التسبيح والتهليل وسائر الأذكار كما قال هو إن التسبيح وغيره يجزئ في الإحرام بالصلاة عن التكبير والله أعلم. قوله: (وللْخرُوجِ منَ الخِلافِ) أي فإنه سنة ما لم يصادم أصح منه وما لم يشتد ضعف مستدركه أو يوقع في خلاف آخر. قوله: (وإذَا أَحرَم عَنْ غيْرهِ) قال الحافظ أما الإحرام عن الغير ففي الصحيحين عن ابن عباس وأما تعيين الإحرام عن فلان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا يلبي عن شبرمة فقال أيها الملبي عن شبرمة من شبرمة قال أخي قال هل حججت عن نفسك قال لا قال فاحجج عن نفسك ثم احجج عن شبرمة وفي رواية اجعل هذه عن نفسك وحج عن شبرمة قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث صحيح أخرجه أبو داود وذكر في مسائله أنه سأل أحمد عن هذا الحديث فصححه وقال عبدة يعني ابن أبي سليمان قديم السماع من سعيد يعني ابن أبي عروبة قال الحافظ يشير بذلك إلى اختلاط سعيد قال فذكرت ذلك لأبي زرعة قال الحديث صحيح وأخرجه ابن خزيمة والدارقطني من رواية عبدة أيضًا وأخرجه الدارقطني من وجه آخر وأخرج الطبراني في المعجم الصغير عن عطاء عن ابن عباس قال سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا يقول لبيك عن شبرمة فقال حججت قال لا قال حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة قال الحافظ وبالسند إلى الطبراني قال لم يروه عن عمر بن دينار إلا حماد بن سلمة ولا عن حماد إلَّا يزيد بن هارون تفرد عنه عبد الرحمن بن خالد الرقي قال الحافظ قلت وهو ثقة من شيوخ أبي داود والنسائي ومن فوقه من رجال الصحيح وشيخ الطبراني وهو عبد الله بن سندة بفتح السين المهملة وسكون النون ذكره أبو نعيم في تاريخه يقال هو عبد الله بن سعيد بن الوليد بن معدان الضبي وسندة لقب سعيد وكان كثير الحديث روى عنه جماعة ثم أخرج حديثه عن الطبراني به وأخرجه الشافعي عن مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء مرسلًا قال البيهقي وكذا رواه الثوري عن ابن جريج مرسلًا ووصله محمد بن عبد الرحمن

فصل

نويت الحج وأحرمت به لله تعالى عن فلان، لبيك اللهم عن فلان ... إلى آخر ما يقوله من يحرم عن نفسه. فصل: ويستحبُّ أن يصليَ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد التلبية، وأن يدعوَ لنفسه ولمن أراد بأمور الآخرة والدنيا، ويسأل الله تعالى رضوانه والجنة، ويستعيذ به من النار، ويستحبُّ الإكثار من التلبية، ويستحب ذلك في كل حال قائمًا، وقاعدًا، وماشيًا، وراكبًا، ومضطجعًا، ونازلًا، وسائرًا، ومُحدِثًا، وجُنبًا، وحائضًا، وعند تجدد الأحوال وتغايرها زمانًا ومكانًا، وغير ذلك، كإقبال الليل والنهار، وعند الأسحار، ـــــــــــــــــــــــــــــ بن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس مرفوعًا ولفظ الشافعي سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا يقول لبيك عن فلان فقال إن كنت حججت فلب عنه وإلَّا فاحجج عن نفسك ثم حج عنه وشبرمة بشين معجمة مضمومة ثم موحدة ساكنة ثم راء مضمومة. قوله: (نوَيْتُ الحَجَّ) لا بد أن يقصد عند نية الحج كونه عن فلان وإلَّا فمتى غفل من ذلك انعقد الإحرام لنفسه. فصل قوله: (ويُستَحبُّ أَنْ يُصلي عَلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - الخ) أي والأكمل صلاة التشهد وليضم إليها السلام لكراهة أفراد أحدهما عن الآخر كما تقدم في كلام المصنف وأسند الحافظ إلى الدارقطني عن القاسم بن محمد يعني ابن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أنه كان يستحب للرجل إذا فرغ من تلبيته أن يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -. قوله: (ويسأَلُ الله تَعَالى رِضْوانَهُ) أي ثم يسأل كما قاله الزعفراني وذلك للاتباع أسند الحافظ إلى الدارقطني عن خزيمة بن ثابت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا فرغ من تلبيته سأل الله مغفرته ورضوانه واستعاذ برحمته من النار وسنده من طريق الطبراني في المعجم الكبير عن خزيمة رضي الله عنه مرفوعًا أيضًا. قوله. (ويستَحَبُّ الإكثارُ منَ التَّلبيَةِ) أي للاتباع أخرج عن الشافعي عن محمد بن الشافعي عن محمد بن المنكدر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكثر من التلبية قال الحافظ هذا حديث مرسل ومحمد بن أبي حميد أي الراوي عن ابن المنكدر

واجتماع الرِّفاقِ، وعند القيام والقعودِ، والصعودِ والهبوط، والركوب والنزولِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ضعيف وأخرج الحافظ عن الشافعي عن سعيد بن سالم قال حدثنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر إنه كان يلبي راكبًا ونازلًا ومضطجعا قال الحافظ هذا حديث موقوف لا بأس بسنده في الذكر ونحوه واستدل البيهقي للإكثار من التلبية بحديث سهل بن سعد رضي الله عنهما قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لبى ملب إلا لبى الذي يليه من ها هنا وها هنا عن يمينه وشماله وفي رواية إلَّا لبى عن يمينه وعن شماله من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث صحيح أخرجه الترمذي وابن خزيمة وابن ماجة وابن حبان والحاكم وقال الترمذي حديث حسن صحيح وقال الحاكم على شرط مسلم قال الحافظ ويلتحق بهذا الحديث ما أخرجه الطبراني بسند حسن عن ربيعة مرفوعًا ما أضحى مؤمن ملبيًا حتى تغيب الشمس إلَّا غابت بذنوبه وذكر الرافعي في الشرح من حديث جابر إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يلبي في حجه إذا لقي كربًا أو علًا أكمة أو هبط واديًا وفي أدبار المكتوبة وآخر النهار وهذا الحديث بيض له الحافظ المنذري والحازمي في تخريج أحاديث المهذب وكذا النووي في شرحه ويقال إن الحافظ عبد الله بن محمد بن ناجية أسنده في فائده ولم أقف عليه اهـ، وأخرج سعيد بن منصور في السنن من طريق عبد الرحمن بن سابط قال كان سلفنا لا يدعون التلبية عند الزحام وإشرافهم على أكمة وهبوطهم بطون الأودية وعند الفراغ من الصلاة ومن طريق أصحاب ابن مسعود نحوه وزاد أو يقول راكبًا وبالأسحار ومن طريق إبراهيم النخعي قال تستحب التلبية إذا استويت على بعيرك فذكر نحو الذي قبله وعن ابن عباس زينة الإحرام التلبية وزاد الحافظ قبيل أذكار فضل مني عن ابن الزبير وسعيد بن جبير زينة الإحرام التلبية وعن مكحول شعار الحج التلبية وعن مجاهد مثله. قوله: (واجتِماع الرِّفاقِ) هو بكسر الراء واحده رفقة وهي الجماعة سموا بذلك لأن بعضهم يرتفق ببعض وجمع الرفيق رفقاء. قوله: (والصُّعودِ والهُبوطِ) أي بضم أولهما إما بالفتح فهما اسما مكانهما كما في التحفة وذكره الراغب في المفردات. قوله: (والرُّكوب) اختلف هل يقدمها على ذكر الركوب وهو سبحان الذي سخر لنا هذا الخ، أو يبدأ به عليها، بالثَاني قال عطاء وبالأول قال إبراهيم النخعي

وأدبار الصلوات، وفي المساجد كلها، والأصح أنه لا يلبي في حال الطواف والسعي، لأن لهما أذكارا مخصوصة. ويستحبُّ أن يرفع صوته بالتلبية بحيث لا يشق عليه، ـــــــــــــــــــــــــــــ أخرجه سعيد بن منصور كذا في مختصر التنبيه. قوله: (وأَدْبارِ الصلوَاتِ) أي ويقدمها على الأذكار المشروعة بعدها كما اقتضاه كلامهم وعبارة الإيضاح وبعد الفراغ من الصلاة وهي مقتضية لما ذكر ويؤيده ما تقدم في التكبير المفيد إنه يقدم على أذكارها. قوله: (والأَصَحُّ لَا يلبي في الطَّوافِ والسَّعْي الخ) تعقبه الحافظ بأن ما ذكره لا يستلزم ترك استحباب التلبية قال الشافعي في الأم ورد في السعي والطواف تكبير ودعاء فأحب ذلك ولا تكون التلبية مكروهة اهـ، وفيه أن المراد من كلام المصنف عدم مشروعة التلبية فيما ذكر لا كراهتها وعبارة المنهاج ولا تستحب في طواف القدوم وفي القديم تستحب بلا جهرًا انتهت ثم كلامه شامل لطواف النفل قبل الشروع في أسباب التحلل ومنه طواف الوداع يوم خروجه لعرفة فلا يلبي فيه وهو ما اقتضاه كلام المحب الطبري قبل وتعليله يقتضي تقييد عدم الاستحباب بما له ذكر مخصوص في الطواف أما المحل الذي لا ذكر له مخصوص فتسن فيه التلبية ونوقش فيه بأن قضية كلامهم إنه لا يلبي في طواف القدوم ولو في المحال التي لا ذكر لها وتكره التلبية في موضع النجاسات كغيرها من الأذكار. قوله: (ويُستَحَبُّ أَن يَرْفعَ صوتهُ بالتَّلبِيةِ الخ) أي لحديث السائب الأنصاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أتاني جبريل عليه اللام فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإهلال حديث صحيح أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة وروي أيضًا من حديث زيد بن خالد وزاد في آخر حديثه فإنه من شعار الحج قال ابن حبان بعد تخريجه من الوجهين سمعه خلاد بن السائب من أبيه ومن زيد بن خالد فالطريقان محفوظان ولفظهما مختلف كذا قال قال الحافظ والمحفوظة هي رواية خلاد عن أبيه ورواه أحمد والطبراني عن خلاد عن أبيه بلفظ يا محمد كن عجابا ثجاجًا وأخرج الترمذي وابن ماجة وابن خزيمة والبزار عن أبي بكر الصديق رضي الله

فائدة

وليس للمرأة رفع الصوت، لأن صوتها يخاف الافتتان به. ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه قال سئل - صلى الله عليه وسلم - أي الحج أفضل قال العج والثج قال الترمذي العج رفع الصوت بالتلبية قال الحافظ وقع هذا التفسير مرفوعًا في حديث ابن مسعود أخرجه أبو يعلى بسند جيد في المتابعات وأخرج أبو منصور في مسند الفردوس عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أصوات يباهي بها الله الملائكة الأذان والتكبير في سبيل الله ورفع الصوت بالتلبية قال الحافظ هذا حديث غريب. فائدة قال ابن حبان يسن للملبي إدخال أصبعيه في أذنيه لقوله - صلى الله عليه وسلم - لما وصل إلى وادي الأزرق كأني انظر إلى موسى واضعًا أصبعيه في أذنيه له جؤار بالتلبية وقد ينظر فيه بأن أصل ذلك لا يثبت به سنيته على قواعد أصحابنا إلَّا أن يؤخذ ذلك من أن سياق حكايته - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك يدل على الثناء عليه به ترغيبا في التأسي به فيه والله أعلم. فائدة أخرى يسن رفع الصوت بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عقب التلبية ويكون دون الرفع بالتلبية وكذا يسن لكل من يصلي ويسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرفع صوته من غير إفحاش في المبالغة وقضيته إنه لا فرق في ذلك بين من اتخذها ورده وأكثر منها وغيره وهو متجه إن أمن على نفسه الرياء وحصول ضرر له أو لغيره وينبغي أن يكون رفع صوته بالدعاء عقب التلبية والصلاة دون صوته بهما كما بحثه الزركشي. قوله: (ولَيسَ للْمرْأةِ الخ) مثلها فيما ذكر الخنثى فيسن لكل منهما إسماع أنفسهما فقط وتكره لهما الزيادة على ذلك وفارق حرمته في الأذان بأن كل أحد مشغول بتلبية نفسه هنا ولا يسن الإصغاء للتلبية ولا النظر للملبي بخلاف الأذان في جميع ذلك أخرجه الحافظ من طريق الرعدي عن محمد بن إسماعيل الواسطي عن ابن نمير عن أشعث عن أبي الزبير عن جابر قال كنا إذا حججنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نلبي عن النساء ونرمي عن الصبيان وقال الترمذي لا نعرفه إلّا من هذا الوجه وقد أجمع أهل العلم على أن المرأة تلبي عن نفسها يكره لها رفع الصوت قال الحافظ وسند الحديث ضعيف لضعف أشعث

ويستحب أن يكرر التلبية كل مرة ثلاث مرات فأكثر، ويأتي بها متواليةً لا يقطعها بكلام لا غيره. وإن سلم عليه إنسان ردَّ السلام، ويكره السلام عليه في هذه الحالة. ـــــــــــــــــــــــــــــ بن سوار وعنعنة أبي الزبير ومتنه شاذ فقد أخرجه الإمامان أحمد بن حنبل وأبو بكر بن أبي شيبة في مسنديهما عن عبد الله بن نمير عن جابر بهذا السند فلم يذكرا النساء وأخرج الحافظ من وجه آخر عن عبد الله بن نمير عن أشعث عن أبي الزبير عن جابر قال حججنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم قال الحافظ قال شيخنا العراقي في شرحه هذا اللفظ هو الصواب قال الحافظ قلت اتفق عليه ثلاثة من الحفاظ وشذ عنهم الواسطي وقد أجاب المحب الطبري على تقدير ثبوته بأن المراد بالتلبية عن النساء رفع الصوت عنهن وهو حمل جيد لولا الشذوذ وقد أخرج البيهقي بسند حسن عن كريب قال بعثني ابن عباس مع ميمونة رضي الله عنهم يوم عرفة فاتبعت هودجها فلم أزل أسمعها تلبي حتى رمت جمرة العقبة ثم كبرت اهـ. قوله: (ويُستَحَب أَنْ يكَرِّر التَلبيةَ ثلاثَ مرَّاتٍ) أي ويصلي بعدها على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذه العبارة للشافعي واختلف في مراده بتكرار التلبية ثلاثًا فقيل أن يكرر قوله لبيك ثلاث مرات وقيل يكرر قوله لبيك اللهم لبيك والذي قطع به الروياني في الحلية وتبعه الشيخان إنه يكرر جميع التلبية وعبارة الروضة ويستحب أن يكررها ولم يقيده بعدد وهي كعبارته هنا لكن في الإيضاح له "ويسن تكرار التلبية في كل مرة ثلاث مرات" وعلى ذلك عبارة المتأخرين ونسخة الحافظ التي أملى عليها من هذا الكتاب "ويستحب أن يكرر التلبية مع كل مرّة ثلاث مرات" ثم قال قلت لم أجد له مستندًا خاصًّا ويحتمل أن يكون أخذه من حديث أنس المرفوع في الصحيح كان إذا تكلم بالكلمة أعادها ثلاثًا الحديث ولأبي داود والنسائي وابن حبان من حديث ابن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم كان يعجبه أن يدعو ثلاثًا وأن يستغفر ثلاثًا وأصله في مسلم بلفظ كان إذا دعا دعا ثلاثًا وإذا سأل سأل ثلاثًا اهـ. قوله: (رد علَيْهِ السلام) أي يسن له أن يرد عليه

وإذا رأى شيئًا فأعجبه قال: لبيك إن العيش عيش الآخرة، اقتداءً برسول الله - صلى الله عليه وسلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ باللفظ وإن كره ابتداؤه به كما قالوه في باب السير وتأخيره إلى فراغها أحب كما في المؤذن ويفرق بين عدم وجوب الرد عليهما وبين وجوبه على القارئ بتفويته لشعارهم بخلاف القارئ وبين الندب هنا وعدمه للمؤذن بأنه ثم قد يخل بالإعلام المؤدي إلى لبس بخلافه هنا وقد تقدم في باب الأذان تحقيق لذلك. قوله: (وإذَا رأَى شَيئًا) قال بعض المحققين الذي يظهر إن رأى هنا بمعنى أدرك ليشمل الإدراك بحاسة من الحواس. قوله: (فأَعْجبهُ) أي أو ساءه كما نص عليه في الأم للاتباع فيهما لكن الوارد في قوله عند الإعجاب بأمته يوم عرفة لبيك إن العيش عيش الآخرة وعند الإساءة يوم الخنددق لما رآهم وقد نهكت أبدانهم واصفرت ألوانهم اللهم إن العيش عيش الآخرة ونقل الزركشي في الخادم إنه - صلى الله عليه وسلم - قال لما اشتد عليهم الخندق لبيك إن العيش عيش الآخرة الخ. وحينئذٍ فالظاهر أنه يأتي بلبيك في الحالين محرمًا كان أولًا والمراد بها أني مقيم على إجابة داعي طاعتك حسب الإمكان وعلى الأول الذي نقله ابن حجر الهيتمي في حاشية الإيضاح فيؤخذ منه إن من في نسك يأتي بالتلبية في الحالين ومن ليس في نسك يأتي باللهم إن العيش عيش الآخرة فيها ما قال ابن حجر الهيتمي وهو ظاهر وإن لم أر من صرح به وحكمته أنها تحمل في الإعجاب على الشكر وفي الإساءة على الصبر إذ معناه إن الحياة المطلوبة الهنيئة الدائمة هي حياة الدار الآخرة أي فلا تحزني على فوت محبوب ولا تجزعي من وقوع مكروه وقيل معناه العمل بالطاعة وما أحسن قول بعض المتأخرين: لا تنظرن إلى الثياب الفاخرة ... وانظر عظامك حين تبقى ناخره وإذا نظرت إلى حلي فيها فقل ... لبيك إن العيش عيش الآخره وأورد الحافظ مستند ما ذكره المصنف من قول ما ذكر إذا أعجبه من طريق الشافعي عن مجاهد قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يظهر من التلبية لبيك اللهم لبيك إلى آخرها حتى إذا كان ذات يوم والناس يدفعون عنه فكأنه أعجبه ما هو فيه فقال لبيك إن العيش عيش الآخرة قال

واعلم أن التلبية لا تزال مستحبة حتى يرميَ جمرةَ العقبة يوم النحر أو يطوف طواف الإفاضة إن قدَّمه عليها، فإذا بدأ بواحد منهما ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن جريج وحسبت أن ذلاك كان يوم عرفة قال الحافظ هذا مرسل وقد جاء بعضه موصولًا عن جميل بن الحسن حدثنا محبوب بن الحسن حدثنا داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقف بعرفة فلما قال لبيك اللهم لبيك قال إنما الخير خير الآخرة قال الحافظ بعد أن أخرجه قال سليمان لم يروه عن داود إلَّا محبوب قلت وقد رواه غيره كما سيأتي ورواته موثقون وجميل فيه مقال ولا بأس به في المتابعات وقد صححه ابن خزيمة وأخرجه عن جميل بهذا السند وأخرجه الحاكم من وجه آخر عن جميل وقال صحيح وليس كما قال بل هو معلول أخرجه سعيد بن منصور عن هشيم عن داود بن أبي هند عن عكرمة بن خالد المخزومي أنه سئل عن التلبية يوم عرفة ويوم النحر فقال أوليس كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفة إذ أبصر النّاس حوله فقال لبيك اللهم لبيك أن الخير خير الآخرة فكأنه وقع في رواية جميل عكرمة غير منسوب فظن أنه مولى ابن عباس ووصل الحديث بذكر ابن عباس وهشيم أحفظ من محبوب وأعرف بحديث داود فروايته هي الراجحة اهـ. قوله: (وَلا يَزالُ الخ) أي للاتباع أخرج الشيخان في الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس عن أخيه الفضل بن العباس رضي الله عنهم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أردفه من المزدلفة قال فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبي حتى رمى جمرة العقبة أخرجاه مطولًا ومختصرًا وأخرجا من حديث أسامة بن زيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أردفه من عرفة إلى مزدلفة ثم أردف الفضل فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة وورد عن عبد الله بن مسعود أخرجه الحافظ من طريق الإِمام أحمد عن عبد الله بن سخبرة قال خرجت مع عبد الله بن مسعود من مني إلى عرفة فكان يلبي وكان بزي الأعراب فقال له أناس يا أعرابي ليس هذا يوم التلبية هذا يوم تكبير فالتفت إلي فقال أجهل النّاس أم نسوا والذي بعث محمدًا بالحق لقد خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما ترك التلبية حتى رمى جمرة العقبة إلَّا أن يخلطها بتكبير أو تهليل قال الحافظ بعد تخريجه

قطع التلبية مع أول شروعه فيه، واشتغل بالتكبير. قال الإِمام الشافعي رحمه الله: ويلبي المعتمر حتى يستلم الركن. ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا حديث صحيح أخرجه ابن خزيمة والحاكم والطحاوي ورجاله متفق عليهم إلَّا الحارث بن عبد الرحمن وهو المعروف بابن أبي ذباب بضم الذال المعجمة وباءين موحدتين فمن رجال مسلم وكذا الراوي عنه صفوان بن عيسى وقد أخرج مسلم نحو هذا الحديث عن ابن مسعود فأخرج عن عبد الرحمن بن يزيد إن ابن مسعود لبى حتى أفاض من جمع فقيل أعرابي هذا فقال عبد الله أنسي النّاس أم ضلوا سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة يقول في هذا المكان لبيك اللهم لبيك وحديث ابن مسعود هذا يعني الأخير يعضد ما حكاه في شرح المهذب عن النهاية عن القفال من أنهم إذا رحلوا من مزدلفة خلطوا التلبية بالتكبير في مسيرهم فإذا أخذوا في الرمي محضوا التكبير قال الإِمام لم أره لغير القفال قال الحافظ لعل مستنده هذا الحديث اهـ. قوله: (قطَع التلْبيَةَ معَ أَولِ شُروعِهِ) قال في المهذب ويقطع التلبية مع أول حصاة لما روى الفضل بن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لبى حتى رمى جمرة العقبة ولأن التلبية للإحرام فإذا رمى فقد شرع في التحلل قال المصنف في شرحه حديث الفضل في الصحيح ويكبر مع كل حصاة قال الحافظ التعليل واضح لكن الخبر ليس صريحًا في المراد وقد أخرج ابن خزيمة حديثين في أحدهما قطع التلبية مع أول حصاة ولفظه عن ابن مسعود قال دفعت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة بأول حصاة وفي الآخر قطعها مع آخر حصاة ولفظه عن ابن عباس عن الفضل أخيه قال أفضت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يزل يلبى حتى رمى جمرة العقبة يكبر مع كل حصاة ثم قطع التلبية مع آخر حصاة قال ابن خزيمة هذا أولى لأنه مثبت اهـ. قلت وكأن الأصحاب قدموا الأول لما قام عندهم فيه ومنه المعنى السابق في كلام المهذب أي أنها للإحرام فإذا رمى الخ. قوله: (قَال الإمامُ الشافِعيُّ الخ) قال الحافظ قلت لم يصرح بنقل خبر فيه وقال في شرح المهذب قال أصحابنا وكَذا المعتمر يقطع التلبية بشروعه في الطواف اهـ، وقد ورد في ذلك أثر أسنده الشافعي موقوفًا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال يلبي المعتمر حتى يستلم الركن قال الحافظ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد تخريجه هذا موقوف صحيح أخرجه البيهقي ونقل عن الشافعي إن بعض من لا يرضى حفظه أورده مرفوعًا قال الحافظ أخرجه أبو داود والترمذي من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عطاء به ثم قال رواه عبد الملك بن أبي سلمان وغيره عن عطاء موقوفًا قال الحافظ ورواية عبد الملك هذا أخرجها الطبراني وأخرج رواية ابن أبي ليلى المرفوعة أيضًا وأخرجه من طريق ليث بن أبي سليم عن طاوس عن ابن عباس مرفوعًا أيضًا وزاد ويلبي في الحج حتى يرمي جمرة العقبة وابن أبي ليلى وليث مضعفان من قبل حفظهما وأخرج الحافظ عن عمر بن ذر عن مجاهد قال كان ابن عباس يقطع التلبية في العمرة حتى يستلم الحجر وكان ابن عمر يقطعها إذا رأى بيوت مكة ثم يقبل على التكبير وقال بعد تخريجه هذا موقوف صحيح أخرجه مالك عن نافع نحوه في الحج لكن قال إذا انتهى إلى الحرم حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ثم يلبي حتى يغدو من مني إلى عرفة وكان يترك التلبية في العمرة إذا دخل الحرم وأخرج الحافظ عن الشافعي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال يلبي في العمرة حتى يفتتح الطواف بالبيت مستلما وغير مستلم هذا موقوف صحيح وهو يبين المراد من قوله حتى يستلم وورد أثر ليث بن أبي سليم في ذلك عن ابن عباس موقوفًا عليه أخرجه البيهقي. خاتمة قال الحافظ ذكر المصنف فيما مضى استحباب تكرار التلبية واغفل ما ذكره في مجموعه فإنه قال لا يستحب الزيادة على تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل يكررها ثم قال أصحابنا فإن زاد لم يكره ثم نقل عن العمراني أن الشيخ أبا حامد نقل عن بعض الحنفية أن الشافعي قال تكره الزيادة قال أبو حامد وهو غلط بل لا يكره ولا يستحب اهـ، وقد نقل الكراهة عن الشافعي بعض المراوزة وهو الفوراني في الآنية وكذا نقل الغزالي عن المسعودي وقال ابن عبد البر اختلفوا في الزيادة فيها يعني التلبية قال مالك أكره أن يزيد على تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أحد قولي الشافعي وعن مالك لا بأس أن يزيد ما جاء عن ابن عمر وعن الشافعي لا أحب أن يزيد على تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الحافظ ظاهر الإطلاق أن المراد بالتلبية ما تقدم سياقه وقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طرق وجاءت عنه ألفاظ أخرى من قوله ومن تقريره أما

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القول فعن أبي هريرة قال كان من تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الله الحق قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث صحيح أخرجه النسائي وابن خزيمة وقال النسائي تفرد به عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن أبي هريرة ورواه إسماعيل بن أمية عن عبد الله بن الفضل مرسلًا وأخرجه الحاكم من وجه آخر وابن حبان وأخرج الحافظ عن الشافعي أنه ذكر عبد العزيز بن عبد الله بن الماجشون عن عبد الله بن الفضل فذكره موصولًا وأخرجه البيهقي في كتاب المعرفة بسنده عن الحاكم كذلك قال الحافظ وعن الحاكم إجازة بهذا السند إلى الشافعي قال كان أكثر تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما جاء في حديث جابر وابن عمر وهي التي أحب أن تكون تلبية المحرم إلَّا إن يزيد ما رواه أبو هريرة فإنه من التلبية لأن التلبية إجابة فكأنه أجاب بلبيك الله الحق قال الحافظ ووجدت للمتن شاهدًا من حديث ابن عباس عند البيهقي في الخلافيات وذكر الترمذي بعد تخريجه حديث ابن عمر عن الشافعي كلامًا في المعنى بلفظ آخر قال قال الشافعي فإن زاد في التلبية شيئًا من تعظيم الله تعالى فلا بأس به إن شاء الله تعالى وأحب إليّ أن يقتصر على تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما قلت لا بأس بزيادة تعظيم الله تعالى في التلبية لما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما لأنه حفظ التلبية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم زاده لبيك والرغباء إليك والعمل الخ، وأكثر الروايات كما سبق في حديث ابن عمر بهذه الزيادة وقصرها عن ابن عمر وجاء في رواية لمسلم إن ابن عمر تلقاها عن عمر رضي الله عنهما إن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول وذكر التلبية ثم قال لا يزيد على هؤلاء الكلمات قال وكان عبد الله بن عمر يقول كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يهل بإهلال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهؤلاء الكلمات ويقول لبيك اللهم لبيك لبيك وسعديك والخير في يديك والرغباء إليك والعمل قال الحافظ بعد تخريجه أخرجه مسلم وأخرجه الحافظ عن أنس قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لبيك حقًّا حقًّا تعبدا ورقا وقال الحافظ بعد تخريجه حديث غريب أخرجه الدارقطني في الأفراد وقال تفرد به الحاكم بن سنان المحاربي عن هشام عن محمد بن سيرين عن أخيه سعيد عن أخيه أنس بن سيرين مرفوعًا ورواه النضر بن شميل عن هشام موقوفًا قال وقد روي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عن النضر مرفوعًا ثم ساقه عنه مرفوعًا قال الحافظ وكذلك أخرجه البزار قال سمعت بعض أصحابنا يحدث عن النضر بن شميل فذكره مرفوعًا ولم يسم من حدثه به ولعله يحيى بن محمد بن أعين ولم يقع في رواية النضر ذكر معبد وأخرجه البزار أيضًا من رواية حماد بن يزيد عن هشام موقوفًا ولم يذكر في السند معبدًا ورجح هذه الرواية متنًا وإسنادًا قال الحافظ وهو كما قال وقال ابن حجر الهيتمي في حواشي الإيضاح روى ابن المنذر مرفوعًا لبيك حقًّا حقًّا تعبدًا ورقًا لكن الصحيح أنه موقوف على أنس اهـ، وأما تقريره - صلى الله عليه وسلم - الزيادة فعن جابر أهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبيك اللهم لبيك لبيك الخ، والناس يزيدون لبيك ذا المعارج ونحوه من الكلام والنبي - صلى الله عليه وسلم - يسمع فلا يرد عليهم شيئًا حديث صحيح أخرجه أبو داود عن أحمد وأصله في مسلم في الحديث الطويل في صفة الحج ولفظه: وأهل النّاس بهذا الذي يهلون به فلم يرد عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا منه ولزم تلبيته قال الحافظ ووقع لي من وجه آخر تفسير بعض النحو ثم أخرج عن جابر قال ولبى النّاس لبيك ذا المعارج لبيك ذا الفواضل فلم يعب عليهم منه شيئًا وجاء عن عمر زيادة أخرى ذكرها ابن عبد البر بغير إسناد وتبعه عياض في الإكمال والقرطبي في المفهم قال الحافظ وقف أسندها ابن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح عن المسور بن مخرمة رضي الله عنهما قال كان عمر فذكر التلبية قال وزاد عمر لبيك مرغوبًا إليك ومرهوبًا منك يا ذا النعماء والفضل وأخرج عبد الرزاق حديث المسور هذا عن عمر بلفظ لبيك ذا النعماء والفضل الحسن لبيك لبيك مرغوبًا ومرهوبًا (قلت) قال ابن حجر الهيتمي عن عمر كان يزيد فيها لبيك ذا النعماء والفضل الحسن لبيك مرغوبًا ومرهوبًا إليك وأخرج الحافظ آثارًا في تلبية موسى وعيسى ويونس ثم ذكر الحافظ من أنكر الزيادة على التلبية وأخرج عن سعد بن أبي وقاص أنه سمع رجلًا يقول لبيك ذا المعارج فقال إنه لذو المعارج ولكنا كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا نقول ذلك وقال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث حسن غريب ويقال إن عبد الله بن أبي سلمة لم يسمع من سعد وقد ذكره ابن خزيمة في صحيحه وقال قد يخفى على من تقدم في السنن والمرتبة ما يطلع عليه غيره ممن هو دونه في الأمرين كسعد وجابر فقد أثبت جابر ما نفاه سعد كما تقدم عن جابر أنه سمع من لبى بذلك والنبي - صلى الله عليه وسلم - يسمع ذلك فلا ينكر وأخرج

فصل

فصل: فإذا وصل المحرم إلى حرم مكة زاده الله شرفًا، استحب له أن يقول: اللَّهُم هَذَا حَرَمُكَ وَأمْنُكَ فَحَرِّمْني على النارِ، وأمِّنِّي مِنْ عَذَابِكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ، وَاجْعَلْني من أولِيائِكَ وأهْلِ طاعَتِكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عن ابن عباس كان إذا لبى قال فذكر التلبية المشهورة ثم قال هذا التلبية انته إليه فإنها تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الحافظ وكل ذلك لا يمنع الزيادة لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ اهـ، وقال ابن حجر الهيتمي بعد إيراد جملة مما ذكر وهذا كله يرد على من قال بكراهة الزيادة، لكن قد يستشكل ما هنا بما قالوه في أذكار الطواف من أن كل ما فيه أثر عن أحد من الصحابة يكون مندوبًا مأثورًا فلم جعلوه ثم كذلك بخلافه هنا، وقد يجاب بأن الذي عهد منه - صلى الله عليه وسلم - وواظب عليه جهارًا هنا هو ما في المتن فكان الاقتصار عليه أولى بذلك بخلافه ثم فإنه لم يعهد عنه مثل ذلك لأن أذكار الطواف خفية على أن ذاك مشكل خارج عن القواعد فلا يقاس عليه اهـ. فصل قوله: (إِلى حَرَم مكةَ الخ) قد نظم حدود الحرم المكي من قال: وللحرم التحديد من أرض طيبة ... ثلاثة أميال إذا رمت إتقانه وسبعة أميال عراق وطائف ... وجدة تسع ثم عشر جعرانه وزاد آخر: ومن يمن سبع بتقديم سينها ... وقد كملت واشكر لربك إحسانه وغير النصف الأخير الدميري بقوله ... لذلك سبل الحل لم يعد تبيانه والكلام على تحرير ذلك يستدعي طولًا زائدًا وقد ذكر جملة منه جدي في كتابه مثير شوق الأنام والشيخ ابن حجر الهيتمي في حواشي الإيضاح قوله: (استُحِب لهُ أَنْ يقُولَ اللهُمَّ الخ) ذكر المصنف في المجموع عن الماوردي أن جعفر بن محمد روى عن أبيه عن جده قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول عند دخول مكة اللهم البلد بلدك والبيت بيتك جئت أطلب رحمتك وألزم طاعتك متبعًا لأمرك راضيًا بقدرتك مستسلمًا لأمرك أسألك مسألة المضطر إليك المشفق من عذابك خائفًا لعقوبتك أن تستقبلني بعفوك وأن تتجاوز عني برحمتك وأن تدخلني جنتك قال الحافظ ولم يسنده الماوردي ولا وجدته موصولًا ولا الذي قبله وقد بيض له من خرج

فصل

ويدعو بما أحب. فصل: فإذا دخل مكة ووقع بصره على الكعبة ووصل المسجد، استحب له أن يرفع يديه ويدعو، فقد جاء أنه يستجاب دعاء المسلم عند رؤية الكعبة، ـــــــــــــــــــــــــــــ أحاديث المهذب كالحازمي والمنذري، وجعفر هذا هو الصادق وأبوه محمد هو الباقر وأما جده فإن كان الضمير لمحمد فهو الحسين بن علي ويحتمل أن يريد أباه علي بن أبي طالب لأنه الجد الأعلى وعلى الأول يكون مرسلًا وقد وجدت في مسند الفردوس من حديث ابن مسعود قال لما طاف النبي - صلى الله عليه وسلم - بالبيت وضع يده على الكعبة فقال اللهم البيت بيتك ونحن عبيدك نواصينا بيدك فذكره حديثًا وسنده ضعيف اهـ. قوله! (ويَدْعُو بمَا أَحَبّ) أي فإنه وافد والكريم لا يخيب وفده ودعاؤه أرجى للإجابة من حيث إنه مسافر وإنه جاء لأداء النسك وقد جاء: الحجاج والعمار وفد الله إن دعوه أجابهم وإن سألوه أعطاهم الحديث. فصل قوله: (فَقدْ جاءَ أَنّه يُستَجابُ دُعاء المُسْلم عِندَ رُؤْيةِ الْكعبةِ) وقع في المهذب إذا رأى البيت دعا لما روى أبو أمامة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال تفتح أبواب السماء وتجاب دعوة المسلم عند رؤية الكعبة ولم يذكر الشيخ المصنف في شرحه من خرجه بل قال حديث غريب غير ثابت قال الحافظ وقد خرجته فيما تقدم من باب الدعاء عند الإقامة من كتاب الصلاة ولفظه تفتح أبواب السماء ويستجاب الدعاء في أربعة مواطن عند التقاء الصفوف في الجهاد وعند نزول الغيث وعند إقامة الصلاة وعند رؤية الكعبة وهذا لفظه في الطبراني الكبير من حديث أبي أمامة اهـ، وقد تقدم كلامه فيه في ذلك الباب قال جدي في كتابه مثير شوق الأنام بعد قصة حكاها عن صاحب الكافي عن مصنف الهداية ما لفظه ظاهر هذه الحكاية التخصيص بأول الرؤية والمفهوم من حديث الطبراني التعميم وهو داخل في باب الفضيلة ونعم الله واسعة جزيلة يخص بها من يشاء والله ذو الفضل العظيم اهـ، وأخرج الحافظ من طريق الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترفع الأيدي إذا رأيت البيت وعلى الصفا وعلى المروة وبعرفة وبجمع وعند رمي الجمرة وإذا أقيمت الصلاة قال الحافظ قال الطبراني لم يروه عن عطاء إلّا ورقاء ولا عن ورقاء إلا سيف بن عبد الله قال الحافظ قلت سنده من شرط الحسن فقد أخرجه الطبراني

ويقول: اللهم زِدْ هذا البَيْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ في الكبير من وجه آخر عن مقسم عن ابن عباس وللحديث طرق في بعضها زيادة على هذا اهـ. قوله: (ويَقولَ اللَّهم زِدْ الخ) ظاهر كلام المصنف هنا أن نحو الأعمى ومن في ظلمة لا يأتي بهذا الذكر لأنه لم يقع بصره على البيت ولذا عبر بعضهم بقوله ويقول عند لقاء البيت اللهم الخ. أخرج الشافعي عن ابن جريج قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى البيت قال اللهم زد هذا البيت تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابةً وزد من شرفه وكرمه ممن حجه أو اعتمره تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا ومهابةً وبرًّا قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الباقر بهذا السند وهذا حديث معضل لأن ابن جريج ليس له سماع من صحابي وإن كان له إدراك فبينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم اثنان أو أكثر وقد أخرجه البيهقي من طريق الشافعي ثم أخرجه من طريق مكحول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا وله طرق أخرى موصولة في سندها مقال وأخرج عبد الرزاق عن أبي سعيد عبد القدوس عن مكحول هذا الحديث مرسلًا وفيه غير ذلك وزاد في المتن مهابة في الشخص وبرًّا في البيت وقد أنكر الشيخ المصنف في شرح المهذب على المزني إيراده كذلك ونقل عن الأصحاب في جميع الطرق موافقة ما نقلناه آنفا من رواية ابن جريج وأنهم اتفقوا على تغليط المزني قال وممن نقل الاتفاق صاحب البيان قال الحافظ قلت وافق المزني صاحب الحاوي الكبير ووقع في الوجيز ذكر البر في الموضعين قال الشيخ يعني المصنف إنه مردود قال الحافظ ومثله في الحديث الذي أشرف إليه ثم أخرج الحافظ من طريق الطبراني في كتاب الدعاء عن حذيفة بن أسيد بفتح الهمزة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا نظر إلى البيت قال اللهم زد بيتك هذا تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابةً وبرًّا وزد من عظمه وشرفه ممن حجه أو اعتمره تشريفًا وتكريمًا ومهابةً وبرًّا قال الطبراني في الأوسط لا يروى عن حذيفة إلَّا بهذا الإسناد تفرد به عمر بن يحيى يعني الإبلي بضم الهمزة والموحدة قال الحافظ وفيه مقال وشيخه عاصم بن سليمان الكرزي بضمِّ الكاف وسكون الراء وبعدها زاي منقوطة نسبة إلى قبيلة نسبه هكذا الطبراني في المعجم وليس هو عاصم بن

تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــ سليمان الأحول المخرج له في الصحيحين كما ظنه بعض الفقهاء فرجح هذا الطريق على طريق ابن جريج، بل عاصم هذا هو الكرزي ذكروه في الضعفاء واتهموه بالكذب وصرح بعضهم بأنه يضع الحديث ولرواية ابن جريج متابعة جيدة أخرجها سعيد بن منصور في السنن عن برد بن سنان قال سمعت عبادة بن قسامة يقول إذا رأيت البيت فقل اللهم زد بيتك هذا فذكر مثل رواية ابن جريج وهذا مقطوع حسن الإسناد فتقوى به رواية ابن جريج فإن كان المزني استند إلى رواية مكحول فلا ينسب إلى الغلط * فأول راضي سنة من يسيرها فإنهم يستندون إلى مثل هذا لا سيما في الفضائل اهـ، وقال ابن حجر الهيتمي في حاشية الإيضاح قال المصنف كالرافعي هذا أي ما ذكر هو الوارد في الخبر ونص الأم والأصحاب وغلطوا ذكر المزني للمهابة فيهما بأن المهابة تليق بالبيت والبر يليق بالزائر إذ هي التوقير الإجلال وهو الاتساع في الإحسان وقيل الطاعة. قلت: ويصح وصف الزائر بالمهابة لما يلقيه الله له في القلوب من إجلال من يعظم شعائره قال ابن حجر في الحاشية: وجمعه في الوجيز بينهما في الأول ضعيف أيضًا وإن روى الأزرقي فيه حديثًا لأنه مرسل وفي إسناده ضعف والطبراني وابن ماجة حديثًا موقوفًا لأن في سنده متروكًا ولا يعارضه أن الخبر الذي أشار إليه الشيخان مرسل أيضًا لأنه أثبت منه فكان العمل به أولى ويصح وصف البيت بالبر من حيث كثرة زائريه اهـ. فأشار إلى أن وجه التغليط مخالفته لما ذكر الإِمام وجرى عليه الأصحاب والخبر الذي استند إليه إن ثبت معارض بما هو أثبت منه وأنسب بالمعنى فقدم عليه والله أعلم. وفي التحفة وجاء في مرسل ضعيف ومرفوع فيه متهم بالوضع وبرًّا أي زيادة في زائريه وأعرض عنه الأصحاب كأنه لعلة رأوها اهـ. قوله: (تَشريفًا) أي ترفيعًا وإعلاءً (وتعْظِيما) أي تبجيلًا (وتكريمًا) أي تفضيلًا وكان حكمة تقديم التعظيم على

وَزِدْ مَنْ شَرَّفَهُ وَكَرَّمَهُ مِمَّن حَجَّه أو اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَكْريمًا وتَعْظِيمًا وَبِرًّا. ويقول: اللهُم أنْتَ السلامُ وَمِنْكَ السلامُ، حَيِّنا رَبنا بالسلامِ، ثم يدعو بما شاء من خيرات الآخرة والدنيا، ويقول عند دخول المسجد ما قدمناه في أول الكتاب في جميع المساجد. ـــــــــــــــــــــــــــــ التكريم في البيت وعكسه في قاصده إن المقصود بالذات في البيت إظهار عظمته في النفوس حتى يخضع لشرفه ويقوم بحقوقه ثم كرامته بإكرام زائريه بإعطائهم ما طلبوه وإنجازهم ما أملوه وفي زائره وجود كرامته عند الله تعالى بإسباغ رضاه عليه وعفوه عما جناه واقترفه ثم عظمته بين أبناء جنسه بظهور تقواه وهدايته أيضًا ويرشد إلى هذا ختم دعاء البيت بالمهابة الناشئة عن تلك العظمة إذ هي التوقير والإجلال وختم دعاء الزائر بالبر الناشئ عن ذلك التكريم إذ هو الاتساع في الإحسان فتأمله أشار إليه بعض المتأخرين. قوله: (وزِدْ مَن شَرَّفَه) الذي عليه الأكثر إن الضمير المستتر يعود إلى الزائر والبارز إلى البيت أي زد الزائر الذي شرف البيت الخ، وقال بعض أرباب الإشارات بالعكس أي زد من شرف البيت في الدنيا بأحداث وصف شرف له نحو الحاج والمعتمر وفي العقبى بنيل المطلوب من مرضاة الله والله أعلم. قوله: (أَنْتَ السلامُ) قيل هو من أسمائه تعالى ومعناه ذو السلامة من النقائص أي السلامة من كل ما لا يليق بجلال الربوبية وكمال الألوهية أو المسلم لعبيدك من الآفات. قوله: (ومنكَ والسلامُ) أي الأمن مما جنيناه والعفو عما اقترفناه وهذا الدعاء أي اللهم أنت السلام الخ. أخرجه الحافظ عن سعيد بن المسيب قال سمعت من عمر كلمة لم يبق من سمعها منه غيري سمعته يقول: إذا رأيت البيت فقل اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام وقال بعد تخريجه هذا حديث موقوف غريب أخرجه الشافعي وسعيد بن منصور وعبد الرزاق عن سعيد بن المسيب وله طريق آخر عند الشافعي عن ابن المسيب أيضًا لكن من قوله نفسه لم يذكر فيه عمر قال الحافظ وسنده أصح مما قبله وله عند عبد الرزاق طريق أخرى عن سعيد بن المسيب.

فصل في أذكار الطواف

فصل في أذكار الطواف: يستحبُّ أن يقول عند استلام الحجر الأسود وعند ابتداء الطواف أيضًا: بِسْم اللهِ واللهُ أكْبرُ، اللهُم إيمانًا بِكَ وَتَصْدِيقًا بِكتابِكَ، وَوَفَاءً بِعَهْدِكَ واتباعا لِسُنةِ نَبِيِّكَ - صلى الله عليه وسلم -. ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل قوله: (يُسْتحَبُّ أَنْ يقولَ) أي سرًّا هنا وفيما يأتي لأنه أوفر للخشوع نعم يسن الجهر به لتعليم الغير حيث لا يتأذى به أحد. قوله: (استِلامِ الحَجرِ) افتعال قيل من السلام بفتح السين أي التحية وقيل من السلام بالكسر أي الحجارة واحدتها سلمة بكسر السلام قال الشاعر: ذاك خليلي وذو يواصلني ... يرمي ورائي بامسهم وامسلمه والأسود وصف للحجر يجوز أن يكون من السودد أو السواد وتردد بعضهم في أن هذا الوصف هل كان يطلق عليه قبل اسوداده أولًا وبفرض إطلاقه عليه حينئذٍ فيتعين كونه من السودد ثم محل الحجر قائم مقام الحجر لو فقد الحجر والعياذ باللهِ تعالى فيما يستحب من استلام وتقبيل وسجود وذكر يقال عنده، وسكت المصنف عن النية وهي فرض فيه إن لم يكن مندرجا في نسك وإلا كطواف الركن لا يجب فيه اكتفاء بنية النسك المستحبة عليه نعم يعتبر فقد الصارف، ومحل النية الواجبة آخر جزء من الحجر مما يلي الباب والسنة أن يقف بجانب الحجر مما يلي الركون اليماني ويكون خارجًا بجميع بدنه وينوي حينئذٍ ويستمر ذاكرًا لها حتى يجاوز ما اعتبر مقارنة النية له والله أعلم. قوله: (بسْمِ الله) أي أطوف (الله أَكبَرُ) أي من كل من هو بصورة معبود من حجر أو غيره ومن ثم ناسب ما بعده أي قوله: (اللهم إِيمَانًا بك) أؤمن أو أطوف فإيمانًا مفعول مطلق أو لأجله. قوله: (ووفاء بِعَهْدِكَ) أي المأخوذ يوم "ألست" لما قيل إنه كتب وأدرج في الحجر ويومئ إليه خبر أنه يشهد لمن استلمه بحق أي إسلام وقيل المراد به هو ما ألزمنا به نبينا - صلى الله عليه وسلم - من امتثال الأوامر واجتناب المناهي. قوله: (لِسُنَّةِ) أي طريقة ثم هذا الذكر ذكره البيهقي في المعرفة عن الحاكم إجازة عن الأصم عن الربيع عن الشافعي عن سعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرت أن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يا رسول الله ما نقول إذا استلمنا الركن قال قولوا بسم الله والله أكبر اللهم إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك وما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - وأخرجه عبد الرزاق بسند فيه عبد القدوس

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو ضعيف عن مكحول مرسلًا ونسب الشيخ في المهذب هذا الحديث إلى رواية جابر فقال الشارح حديث جابر أخرجه مسلم عنه بلفظ إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدم أتى الحجر فاستلمه الحديث وليس فيه شيء من هذا الذكر والظاهر أنه حديث آخر لجابر وذكر في المهذب حديث الحارث عن علي رضي الله عنه أنه كان إذا استلم الحجر قال اللهم إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك واتباعًا لسنة نبيك قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث موقوف غريب أخرجه البيهقي ثم ذكر عن الطبراني إنه تفرد بعض الرواة به فقال لم يروه عن أبي العميس بمهملتين مصغرًا إلَّا حفص بن غياث تفرد به إبراهيم بن محمد الشافعي ولا نعلم أسند أبو العميس عن أبي إسحاق إلَّا هذا الحديث قال الحافظ وقد وقع لي من وجه آخر فذكره عن يونس بن حبيب حدثنا سليمان بن داود الطيالسي حدثنا المسعودي عن أبي إسحاق عن الحارث فذكر نحوه وأوله كان إذا مر بالحجر الأسود فرأى عليه زحامًا استقبله وكبر قال الحافظ وكنت أظن أن المسعودي هو عبد الرحمن المشهور ثم ظهر لي أنه أبو العميس وهو مسعودي أيضًا واسمه عتبة بن عبد الله بن عتبة بن مسعود فترد رواية أبي داود على دعوى تفرد حفص وفي الحديث علتان ضعف الحارث وتدليس أبي إسحاق ثم قال الشيخ في المهذب وعن ابن عمر مثله وأشار به إلى ما رواه الطبراني في الدعاء عن نافع عن ابن عمر إنه كان إذا استلم الركن قال بسم الله والله أكبر هذا حديث موقوف صحيح أخرجه أحمد قال الحافظ وبالسند إلى عبد الرزاق حدثنا ابن جريج عن نافع فذكر مثله وأما بقيته فبالسند الماضي إلى الطبراني في الأوسط عن نافع قال كان ابن عمر إذا استلم الحجر قال اللهم إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك واتباعًا لسنة نبيك قال الحافظ قال الطبراني لم يروه عن محمد بن مهاجر الراوي عن نافع إلَّا عون بن سلام وقول الرافعي إنه مروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رده الأذرعي وغيره بأنه لا يعرف له مخرج قال الحافظ وأصل التكبير في ابتداء الطوفات في صحيح البخاري من حديث ابن عباس قال طاف النبي - صلى الله عليه وسلم - على بعير كلما أتى على الركن أشار إليه بشيء وكبر وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن ابن عباس أتم منه اهـ. قوله:

ويستحبُّ أن يكرر هذا الذِّكْر عند محاذاة الحجر الأسود في كل طوفة، ويقول في رَمَله في الأشواط الثلاثة: "اللهُم اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا، وَسَعْيًا مَشْكُورًا". ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويُسْتَحَبُّ أَنْ يُكرر الخ) قال الحافظ ذكره الشافعي عقب رواية ابن جريج وزاد مع التكبير التهليل قال وأما إن ذكر الله وصلى على نبيه فحسن اهـ، وسبق أن لمحل الحجر لو رفع والعياذ بالله حكمه قوله: (في رَمَلهِ) هو بفتح أوليه عبارة عن إسراع مشيه مع مقاربة خطاه وظاهر كلامه أنه يكرر هذا الذكر في جميع أجزاء الأشواط التي يرمل فيها وظاهر كلام التنبيه إنه يأتي به مع التكبير أوله حذاء الحجر وفيما عداه يدعو بما أحب وأقره عليه المصنف في التصحيح واعتمده الأسنوي لكن اعترض عليه بأن ظاهر كلام الشيخين والأم أن ذلك لا يختص به بل لمحاذاة الحجر ذكر يخصها عند كل طوفة كما مر وعليه فيقوله في الأماكن التي ليس لها ذكر مخصوص وظاهر كلامه أن المعتمر يعبر بالحج أيضًا وهو ظاهر مراعاة للخبر ولأنها تسمى حجًّا لغة بل قال الصيدلاني أنها تسمى حجًّا شرعًا لقوله - صلى الله عليه وسلم - العمرة هي الحج الأصغر، وقوله في رمله يفهم أن دعاء الرمل المذكور لا يندب إلَّا في طواف حج أو عمرة وهو كذلك، وفي تعبيره بالأشواط إيماء إلى عدم كراهة التعبير به لأنها تتوقف على النهي ولم يثبت وفي مختصر التفقيه إن السائب بن يزيد روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك في أشواط رمله. قوله: (اجعلُه) أي ما أنا متلبس به من العمل المصحوب بالذنب والتقصير غالبًا بل دائمًا إذ الذنب مقول بالتشكيك على غير الكمال كالمغفرة. قوله: (حجًّا مبْرُورًا) أي سليمًا من مصاحبة الإثم من البر وهو الإحسان أو الطاعة. قوله: (وذَنبًا) أي واجعل ذنبي ذنبًا مغفورًا، قيل ودليل هذا الذكر الاتباع على ما ذكر الرافعي وقال الحافظ ذكره الشافعي وأسنده إليه البيهقي في الكبير وفي المعرفة ولم يذكر سند الشافعي به وسيأتي في القول في الرمل بين الصفا

ويقول في الأربعة الباقية من أشواط الطواف: "اللهم اغْفِر وارْحَمْ، واعْفُ عما تَعْلَمْ وأنْتَ الأعَزُّ الأكْرَم، اللهُم رَبنا آتِنا في الذنيا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَة ـــــــــــــــــــــــــــــ والمروة نحو اهـ. قوله: (ويقُول في الأَربعَةِ الباقِيةِ) أي في المحال التي لا يخصها ذكر كما سبق بما فيه .. قوله: (رَب اغْفرْ) أي سائر الذنوب. قوله: (وارْحَمْ) أي تفضل بأنواع الإحسان من محض الفضل والامتنان. قوله: (واعفُ) أي تجاوز كما ورد كذلك في رواية ذكرها في مختصر التفقيه. قوله: (وأَنْتَ الأَعزُّ الأَكرَم) قال في مختصر التفقيه وروي وأنت العلي الأعظم. قوله: (اللهُم رَبنَا) هذا ما ورد في رواية وعبر به الشافعي وهو أفضل من غيرها وعبر في المنهاج والروضة والمناسك وبعض نسخ الأذكار بقوله اللهم آتنا واعترضه الأسنوي بأنه سهو لأنه في المجموع عبر كالرافعي بقوله ربنا الموافق للفظ الآية ولرواية أبي داود وغيره وأجيب بأنه رواية أيضًا خلافًا لمن زعم أنها كعبارة الشافعي لم ترد وقد يشير إلى ذلك قوله في الإيضاح بعد ذكره كذلك فقد ثبت ذلك الخ. ففيه دليل إن ما عبر به ليس بسهو والله أعلم. أشار إليه ابن حجر الهيتمي ولم يذكر الحافظ سوى رواية ربنا الخ. في الأحاديث المرفوعة والموقوفة ولم يبين الشيخ ابن حجر الهيتمي من خرجه باللفظين المذكورين ثم رأيت في الجامع الصغير عزوه بلفظ اللهم ربنا إلى ابن ماجة لكن من غير تقييد كونه في الطواف وأخرجه بلفظ اللهم آتنا أبو ذر من حديث ابن عباس كما في مثير شوق الأنام. قوله: (آتنَا في الدُّنيَا حَسَنَةً) الخ) تقدم الكلام على هذا الدعاء في باب أدعية الكرب ونريد هنا في ذلك فنقول. قوله: (فيِ الدُّنيَا) متعلق بآتنا أبو بمحذوف على أنه حال من (حَسَنَة) لأنه كان في الأصل صفة لها فلما قدم عليها انتصب حالًا والواو في. قوله: (وَفِي الآخِرَةِ) عاطفة شيئين على شيئين متقدمين ففي الآخرة عطف على في الدنيا بإعادة العامل و (حَسَنَة) عطف على حسنة والواو تعطف شيئين فأكثر على شيئين فأكثر تقول أعلم زيد عمرًا بكرًا فضالًا وبكرًا خالدًا صالحًا قال الحافظ ابن حجر اختلفت عبارات السلف في تفسير الحسنة فقيل هي العلم والعبادة في الدنيا وقيل الرزق الطيب والعلم النافع وفي الآخرة الجنة وقيل هي العافية في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الدنيا وفي الآخرة وقيل الزوجة الصالحة وقيل حسنة الدنيا الرزق الحلال الواسع والعمل الصالح وحسنة الآخرة المغفرة والثواب وقيل حسنة الدنيا العلم والعمل به وحسنة الآخرة تيسير الحساب ودخول الجنة وقيل من آتاه الله الإسلام والقرآن والأهل والمال والولد فقد آتاه في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ونقل الثعلبي عن سلف الصوفية أقوالًا أخرى متغايرة اللفظ متوافقة المعنى حاصلها السلامة في الدنيا والآخرة واقتصر في الكشاف على ما نقله الثعلبي عن علي أنها في الدنيا المرأة الصالحة وفي الآخرة الحوراء وعذاب النار المرأة السوء وقال الشيخ عماد الدين بن كثير الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي من عافية ودار رحبة وزوجة حسنة وولد بار ورزق واسع وعلم نافع وعمل صالح ومركب هنيء وثناء جميل إلى غير ذلك مما شملته عبارتهم فإنها كلها مندرجة في الحسنة في الدنيا وأما الحسنة في الآخرة فأعلاها دخول الجنة وتوابعه من الأمن من الفزع أكبر في العرصات وتيسبير الحساب وغير ذلك من أمور الآخرة وأما الوقاية من عذاب النار فهو يقتضي تيسير أسبابه في الدنيا من اجتناب المحارم وترك الشبهات اهـ. من الفتح ملخصًا قال العلقمي قال شيخنا الشهاب القسطلاني منشأ الخلاف كما قال الإِمام فخر الدين الرازي إنه لو قال (آتِنَا في الدنيا حَسَنَة وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَة) لكان ذلك متناولًا لكل الحسنات لكنه نكرة في محل الإثبات فلا يتناول إلَّا حسنة واحدة فلذلك اختلف المفسرون فكل واحد منهم حمل اللفظ على ما رآه أحسن أنواع الحسنة وهذا منه بناءً على أن المفرد المعرف باللام يعم وقد اختار في المحصول خلافه ثم قال فإن قيل أليس لو قيل الحسنة في الآخرة لكان متناولًا لكل الأقسام فلم ترك ذلك وذكره منكرًا فأجاب بأن قال إنه ليس للداعي أن يقول اللهم أعطني كذا وكذا مصلحة لي وموافقة لقضائك وقدرك فأعطني ذلك فلو قال اللهم أعطني الحسنة في الدنيا لكان ذلك جزمًا وقد بينا أن ذلك غير جائز فلما ذكره على سبيل التنكير كان المراد منه حسنة واحدة وهي التي توافق قضاءه وقدره فكان ذلك أقرب إلى رعاية الأدب قال العلقمي وفي كلام الإِمام نظر فقد قال تعالى

وقنا عذَابَ النَّارِ". قال الشافعي رحمه الله: أحَبُّ ما يقال في الطواف: اللهُم رَبنا آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَة ... إلى آخره، قال: وأُحَبُّ أن يقال في كُلِّه، ـــــــــــــــــــــــــــــ حكاية عن زكريا (هَبْ لي مِن لِدُنكَ ذُريةً طَيِّبَةً) وقال هب لي من لدنك وليًّا وقال - صلى الله عليه وسلم - لخادمه أنس اللهم أكثر ماله وولده إلى غير ذلك من الأحاديث أي المشتملة على سؤال حسنة معينة والله أعلم. قوله: (وَقِنَا عَذَابَ النّارِ) أصله أوقنا فحذفت الواو تبعًا لحذفها في المضارع وحذفها فيه لوقوعها بين حرف مضارعة مفتوح وحرف مكسور ثم الألف لأنها أتي بها ليتوصل بها إلى النطق بالساكن أعني الواو وقد حذفت والله أعلم. قال الحافظ ورد هذا الذكر مطلقًا ومقيدا بكل من الركنين وبما بين الركنين المشهور من ذلك هو الأخير وهو الذي اقتصر الشافعي على تخريجه أخرج الحافظ من طرق متعددة عن عبد الله بن السائب أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول فيما بين ركن في جمح الركن الأسود {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث حسن أخرجه الشافعي وأحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم ووقع في رواية القطان وغيره عند أحمد وغيره بلفظ بين الركن اليماني والحجر قال الحافظ ولم يطلع الشيخ على تخريج من صححه فقال في شرح المهذب فيه رجلان لم يتكلم العلماء فيها بجرح ولا تعديل ولكن لم يضعفه أبو داود فيكون حسنًا قلت الرجلان هما يحيى بن عبيد مولى السائب وأبوه فأما يحيى فقال النسائي ثقة وأما أبوه فذكره ابن نافع وابن مسنده وأبو نعيم ونسبوه جهنيًّا وذكره ابن حبان في ثقات التابعين ولو لم يوثقا كان تصحيح من صحح حديثهما يقتضي توثيقهما قال الحافظ وإنما لم أقلد من صححه لشدة غرابته والله المستعان وورد مطلقًا غير مقيد بذلك في خبر عن عطاء قال طاف عبد الرحمن بن عوف فأتبعه رجل ليسمع ما يقول فإنما يقول {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} الآية فقال له الرجل تبعتك فلم أسمعك تزيد على هذه الآية قال أوليس ذلك كله الخير قال الحافظ بعد تخريجه هذا موقوف رجاله ثقات لكنه منقطع بين عطاء وعبد الرحمن فإن كان عطاء سمعه من الرجل فهو متصل وقد أخرج الحافظ هذا الحديث من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ طريق الطبراني في الدعاء وأخرج الحافظ من طريق عبد الرزاق عن معمر قال أخبرني من أثق به عن رجل لعمر بن الخطاب هجيرا يقول حول البيت {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} الآية وأخرجه سعيد بن منصور ومسدد في مسنده الكبير من وجه آخر موصول إلى حبيب بن صهبان بضم الصاد المهملة وسكون الهاء وبالموحدة قال رأيت عمر بن الخطاب وهو يطوف بالبيت وما له هجير إلَّا أن يقول فذكره وسنده حسن والهجيرا بكسر الهاء والجيم المشددة نجعدها مثناة تحتية ساكنة ثم راء بعدها ألف وقد تحذف وهو ملازمة كلام متتابع أو فعل وأخرجه الحافظ من طريق آخر عن حبيب بن صهبان أنه رأى عمر وهو يطوف بالبيت يقول {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} ما له هجيرا غيرها وأما قولها عند الحجر الأسود فورد موقوفًا عن ابن عمر أنه قال لما حاذى الركن اليماني لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير فلما حاذى الحجر الأسود قال {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} الخ. فقيل له في ذلك فقال هو ذاك أثنيت على ربي وشهدت شهادة الحق وسألت من خير الدنيا وخير الآخرة قال الحافظ موقوف غريب السند في سنده راويان لم يسميا وله طرق أخرى بعضها أقوى من هذا الطريق فمنها من طريق عبد الرزاق إلى أبي شعبة البكري قال سمعت من عمر وهو يطوف بالبيت قال لا إله إلَّا الله إلى آخرها ثم قال {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} الخ. قال الحافظ رجال هذا السند رجال الصحيح إلّا البكري فذكره أبو أحمد الحاكم في الكنى فيمن لا يعرف اسمه وأخرج حديثه هذا ووصفه في طريق بأنه من أهل البصرة ولفظه صحبت ابن عمر في الطواف فكان إذا انتهى إلى الركن اليماني قال لا إله إلَّا الله إلى آخرها ولا يزال كذلك حتى يبلغ الحجر الأسود هذا آخرها ولم أقف في أبي شعبة على جرح ولا تعديل اهـ، وقد ذكر الرافعي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول ذلك في ابتداء الطواف قال الحافظ ولم أره مرفوعًا نعم جاء في خبر مرفوع قول ذلك بين الركن والمقام فأخرجه الحافظ عن عبد الله بن السائب فذكر مثل رواية عبد الرزاق الماضية قريبًا لكنه قال بين الركن والمقام وأخرجه ابن خزيمة ولم يسق لفظه ولكنه أحال به على عبد الرزاق اهـ، وأما قولها عند الركن اليماني فذكره في المهذب من حديث

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عباس قال إن الله وكل بالركن اليماني ملكًا يقول آمين آمين فقولوا إذا انتهيتم إليه {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} الآية قال الشيخ يعني المصنف في شرحه غريب ويغني عنه حديث عبد الله بن السائب قال الحافظ هو أخص وحديث عبد الله بن السائب مختلف في لفظه ومشهور أن قول ذلك بين الركنين، وحديث ابن عباس موقوف أخرجه الفاكهي وهو من مرسل عطاء عند الأزرقي لكن مثله لا يقال بالرأي فيقوي رفعه ثم أخرج الحافظ عن جميل بن أبي سويد قال سمعت رجلًا يسأل عطاء بن أبي رباح وهو يطوف بالبيت عن الركن اليماني فقال حدثني أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال وكل به سبعون ملكًا فمن قال اللهم إني أسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} قالوا آمين وقال الحافظ هذا حديث غريب وأخرجه ابن ماجة وذكر الحافظ ما يقتضي ضعف سند الحديث ونقل كلام المنذري وتوجيهه الآتيين في كلام مثير شوق الأنام وأخرج الحافظ عن ابن عباس قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استلم الركن اليماني قبله ووضع خده عليه قال ابن عباس عند الركن اليماني ملك منذ خلق الله السموات والأرض إلى يوم القيامة بقول آمين آمين فقولوا أنتم {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} وقال الحافظ هذا حديث غريب أخرجه ابن مردويه في التفسير وفي سنده عبد الله بن مسلم بن هرمز وهو ضعيف عندهم اهـ. قال جدي في مثير شوق الأنام بعد إيراد حديث ابن عباس مرفوعًا صريحًا رواه الخطيب في التاريخ والبيهقي وابن الجوزي وأخرجه من حديثه أبو ذر كذلك لكن في أوله اللهم آتنا والباقي نحوه وأورد قبل ذلك أحاديث في بعضها إن عند الركن ملكين وفي بعضها إن عنده سبعين ملكًا رواه ابن ماجة بسند ضعيف وأما قول المنذري حسنة بعض مشايخنا فلعله تسامح فيه لكونه من الفضائل ولأن له شاهدًا من حديث ابن عباس ومن حديث علي أخرجه الفاكهي ثم قال ولا تضاد بين هذه الأحاديث فإن حديث إن ثم ملكين عام لكل دعاء وحديث السبعين خاص لمن دعا بقوله اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَسَنَةً} الخ، وحديث الملك لمن يقول ربنا آتنا ورواية الخطيب تفسير لرواية أبي ذر فتقديرها ملك يقول آمين إذا قلتم ربنا آتنا الخ، وهو المناسب لأن التأمين إنما يكون على دعاء، فالظاهر أن من أتى بدعاء أبي هريرة أي اللهم اني أسألك العفو الخ. أمنت عليه جميع الملائكة لأنه حصل كل الوظائف، ويحتمل أن يختص كل بما ورد فيه، وجمع ابن جماعة بأن السبعين الموكلين به لم يكلفوا قول آمين دائمًا إنما يؤمنون عند سماع الدعاء والملكان كلفا أن يقولا آمين دائمًا وملك في الرواية الأخيرة محمول على الجنس اهـ. وذكر المحب الطبري جمعًا قريبًا من جمع ابن جماعة. خاتمة سكت المصنف عن باقي أذكار الطواف: منها ما يقال عند الباب اللهم إن البيت بيتك، والحرم حرمك، والأمن أمنك، وهذا مقام العائذ بك من النار وهذا أورده الجويني. وما يقال عند الركن العراقي وهو: اللهم إني أعوذ بك من الشك والشرك والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق وسوء المنظر في المال والأهل والولد وعند الانتهاء إلى تحت الميزاب: اللهم أظلني تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلّا ظلك واسقني بكأس محمد - صلى الله عليه وسلم - شرابًا هنيئًا لا أظمأ بعده يا ذا الجلال والإكرام وما يقال بين الشامي واليماني. أي اللهم اجعله حجًّا مبرورًا وسعيًا مشكورًا وذنبًا مغفورًا وعملًا مقبولًا وتجارة لن تبور يا عزيز يا غفور، وحذفها المصنف هنا وفي الروضة وايضاح المناسك لقول إمام الحرمين لم أرها ذكرًا ومن ثم صوب عدم استحبابها، ونقل الرافعي عن الشيخ أبي محمد الجويني أنه يشير عند قوله وهذا مقام العائذ بك من النار إلى مقام إبراهيم - عليه السلام - وأقره لكن نقل الأذرعي عن غيره أنه يشير إلى نفسه واستحسنه بل قال ابن الصلاح أن الأول غلط فاحش اهـ، وفيه نظر لأنه إذا استحضر استعاذة خليل الله تعالى حمله ذلك على غاية من الخوف والإجلال والسكينة والوقار وذلك هو المطلوب في هذا المقام فكان أبلغ وأولى وأيضًا فتخصيص هذا الدعاء بمقام يدل على أنه يشير إليه وأخرج الأزرقي ما يقال عند الميزاب من حديث جعفر بن محمد عن أبيه بلفظ اللهم إني أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب، وفي بعض الأخبار إسناده

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأخرج البيهقي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو بما يقال عند العراقي، وهو اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق لكن لم يقيده بحالة الطواف قال الحافظ وذكر العراقي فيما يقال عند الركن العراقي اللهم إني أعوذ بك من الشرك والشك والنفاق وسوء الأخلاق ولم أجد له مستندا لكن ذكر عبد الملك بن حبيب من كبار المالكية ممن أخذ عن أصحاب مالك في المناسك من مصنفه بسنده عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه وكان من ثقات التابعين أنه كان يقول نحو ذلك في الطواف وزاد في آخره وكل أمر لا يطاف، وعبد الرحمن ضعيف، ولهذا الحديث شاهد صحيح عن أبي هريرة لكنه غير مقيد بالطواف وسيأتي في جامع الدعوات من هذا الكتاب ولفظه أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، وجاء نحو هذا عن أنس في حديث طويل، ولفظه كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول اللهم إني أعوذ بك من الفسوق والشقاق والنفاق الحديث هذا حديث صحيح غريب أخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه اهـ، ومن المأثور ما في المستدرك بسند صحيح عن ابن عباس أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول بين الركنين وقال ابن حجر في حاشية الإيضاح بين اليمانين اللهم قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه واخلف على كل غائبة لي منك بخير وصح عن ابن عباس إنه كان يدعو به بين اليمانين ويرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي رواية الأزرقي احفظني في كل غائبة لي بخير انك على كل شيء قدير قيل رواية الحاكم ليس فيها التقييد بزمان ولا مكان ويرد بأن الأئمة نقلوا عنها التقييد ببين اليمانين كما تقرر، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ. قلت ولعل ذلك في بعض النسخ دون بعض وبه يرتفع التعارض والنقض وحديث ابن عباس المذكور أخرجه الحافظ عنه أنه كان يقول احفظوا هذا الحديث وكان يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو به بين الركنين يقول: اللهم قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه واختلف على كل غائبة لي بخير، وقال عقب تخريجه هذا حديث غريب أخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه لأنهما لم يحتجا بسعيد بن زيد قال الحافظ قلت هو أخو حماد بن زيد وهو صدوق وقال أبو داود ليس بذلك ووثقه قوم لصدقه وضعفه قوم من جهة ضبطه وأخرج له مسلم متابعة والبخاري تعليقًا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومقرونًا وهو ممن اختلط وسماع سعيد منه متأخر لكنه لم ينفرد به فقد أخرجه سعيد بن منصور عن خلف بن خليفة وخالد بن عبد الله كلاهما عن عطاء أي وهو شيخ سعيد بن زيد فيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفًا عليه وهما أحفظ من سعيد يرفعه من هذا الوجه، وقد تابعه على رفعه من هو أوثق منه لكن زاد في السند رجلًا وأطلق في المتن ثم أخرجه الحافظ من طريق عن عمرو بن أبي قيس عن عطاء بن السائب عن يحيى بن عمارة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - اللهم قنعني بما رزقتني فذكر باقيه سواء قال الحافظ هذا حديث حسن وعمرو قديم السماع من عطاء ويحيى بن عمارة أخرج له أحمد والترمذي والنسائي حديث غير هذا، وأخرج الحاكم أنه - صلى الله عليه وسلم - قال "ما انتهيت إلى الركن اليماني قط إلّا وجدت جبريل عنده فقال قل يا محمد قلت وما أقول؟ قال قل: اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفاقة ومواقف الخزي في الدنيا والآخرة، ثم قال جبريل إن بينهما سبعون ألف ملك فإذا قال العبد هذا قالوا آمين" وقوله سبعون كذا رأيته فإن صح فهو على حذف ضمير الشأن أو على إلغاء إن ونظيره حديث أن في أمتي ملهمون. وأخرج الأزرقي عن علي كرم الله وجهه أنه كان إذا مر باليماني قال باسم الله والله أكبر السلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورحمة الله وبركاته: اللهم إني أعوذ بك من الكفر والذل ومواقف الخزي في الدنيا والآخرة {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} الخ، وعن ابن المسيب بإسناد ضعيف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا مر به قال كذلك زاد ابن خليل المالكي فقال رجل يا رسول الله أقول هذا وإن كنت مسرعًا قال نعم وإن كنت لأسرع من برق الخلب، والخلب سحاب لا مطر فيه. وروى ابن ماجة وابن عدي والفاكهي عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من طاف بالبيت سبعًا لا يتكلم فيه إلَّا سبحان الله والحمد الله ولا إله إلّا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلَّا بالله محيت عنه عشرة سيئات وكتبت له عشر حسنات ورفعت له عشر درجات" وأخرج الحافظ عن محمد بن المنكدر عن أبيه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من طاف بالبيت سبعًا يذكر الله فيه كان كعدل رقبة" وزاد في رواية يعتقها وفيها بدل يذكر الله لا يلغو

ويستحب أن يدعوَ فيما بين طوافه بما أحب من دين ودنيا، ولو دعا واحد وأمَّن جماعةٌ فحسن. وحكي عن الحسن رحمه الله ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه. قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث حسن أخرجه الطبراني وابن شاهين في معجم الصحابة ونقل عن أبي بكر بن أبي داود قال لا يصح سماع المنكدر من النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر أبو عمر في الاستيعاب أنه ولد على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولهذا الحديث شاهد عن عبد الله بن عمرو بن العاص من طاف بالبيت سبع طوفات لا يتكلم إلَّا بذكر الله كان كعدل رقبة أخرجه سعيد بن منصور وأصله عند الترمذي وابن ماجة من حديث ابن عمر لكنه غير مقيد بالذكر وأخرج الحافظ عن أبي سعيد الخدري قال من طاف بهذا البيت سبعًا لا يتكلم فيه إلّا بتكبير أو تهليل كان كعدل رقبة قال الحافظ بعد تخريجه هذا موقوف رجاله ثقات لكن في سماع محمد بن يحيى بن حبان ابن منقذ من أبي سعيد نظر وأخرج الحافظ أن خديجة رضي الله عنها قالت يا رسول الله ما أقول وأنا أطوف قال قولي اللهم اغفر لي ذنوبي وخطئي وعمدي وإسرافي في أمري إنك إلا تغفر لي تهلكني قال الحافظ سنده معضل في سنده عبد الأعلى التيمي ذكره البخاري ولم يذكر له شيخًا ولا وصفًا وذكره ابن حبان في أتباع التابعين وأخرج الحافظ عن عبد الرزاق بن عبد الأعلى عن معمر عمن سمع الحسن أنه كان يقول إذا استلم الركن اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر ومواقف الذل وأخرجه الفاكهي من مرسل عطاء قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا مر بالركن اليماني فذكر مثله لكن قال والذل ومواقف الخزي في الدنيا والآخرة وأخرجه الأزرقي بسند منقطع عن علي من قوله وهذه طرق يشد بعضها بعضًا اهـ. قيل ولم يصح في هذه الأحاديث المرفوعة إلَّا {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} الخ، واللهم قنعني الخ. قال الحافظ الذكر المأثور يعني في الطواف يشمل المرفوع وكذا الموقوف على الصحابة والتابعين ومجموع ما جاء من ذلك قويًا وغيره لا يسعه جميع الأسبوع فهل الأولى أن يكرره أو يقرأ إلَّا شبه الأول وهو مقتضى صنيع عمر حيث كان هجيراه في طوافه ربنا آتنا الخ. أخرجه سعيد بن منصور وغيره اهـ. قوله: (ويُستحَبُّ أَنْ يدْعوَ في طَوافه بما أَحَبَّ) محل الاستحباب إن كان الدعاء بديني فإن بدنيوي فمباح. قوله: (وحُكيَ عن الحَسَنِ البصري الخ)

أن الدعاء يستجاب هنالك في خمسة عشر موضعا: ـــــــــــــــــــــــــــــ ينبغي تحري هذه المواضع للدعاء رعاية لما ذكره لأنه تابعي جليل لا يقوله إلا عن توقيف وإن قلنا إن مثل هذا لا يعتد به إلَّا إذا قاله صحابي دون غيره قاله ابن حجر في حواشي الإيضاح وقد ذكر جدي في مثير شوق الأنام نقلًا عن والده المحدث الرحلة أبي الوقت عبد الملك بن علي بن مبارك شاه الصديقي في كتابه "الحبل المتين في الأذكار والأدعية الواردة عن سيد المرسلين" أن الحسن البصري رفع ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيأتي في نظم شيخنا مثله ويحتمل أن يكون شيخنا أخذه من ذلك أو غيره. قوله: (إن الدُّعاءَ يُستجابُ. في خمسَةَ عشَرَ موْضِعًا الخ) وقد كنت نظمتها وزدت عليها مواضع أخرى فقلت: الحمد لله وصلى الله ... على نبيه الذي اجتباه محمد والآل والصحابه ... وهذه مواضع الإجابه وذلك الحجر الطواف والصفا ... والمروة المسعى لدى من عرفا ملتزم والمستجار ومنى ... وعرفات ثم جمع فاتقنا كذا لدى الثلاث من جمرات ... وزمزم أتى عن الثقات خلف المقام وبوسط الكعبه ... وغير ذا مواضع بمكه مثل حرا ومسجد التنعيم ... والمجتبى ومولد الكريم ومهبط الوحي وعند المتكا ... وغار ثور فادع تعطى سؤلكا وغيرها مواضع مأثوره ... وهي لدى أربابها مشهوره ونظمها شيخنا العلامة العمدة الفهامة عبد الملك العصامي على وفق ما قال الحسن لكن قيد كل موضع بزمن تبعًا للنقاش المفسر فقال: قد ذكر النقاش في المناسك ... وهو لعمري عمدة للناسك إن الدعا بخمسة وعشره ... في مكة يقبل ممن ذكره وهي المطاف مطلقًا والملتزم ... بنصف ليل فهو شرط ملتزم وداخل البيت بوقت العصر ... بين يدي جزعته فاستقر وتحت ميزاب له وقت السحر ... وهكذا خلف المقام المفتخر

في الطواف، وعند الملتزم، وتحت الميزاب، وفي البيت، وعند زمزم، وعلى الصفا والمروة، ـــــــــــــــــــــــــــــ وعند بئر زمزم شرب الفحول ... إذا دنت شمس النهار للأفول ثم الصفا ومروة والمسعى ... بنصف ليل فهو شرط يرعى كذا منى في ليلة لبدر إذا ... تنصف الليل فخذ ما يحتذا ثم لدى الجمار والمزدلفه ... عند طلوع الشمس يوم عرفه بموقف عند مغيب الشمس ... قل ثم لدى السدرة ظهرا وكمل وقد روي هذا الذي قد قرأ ... من غير تقييد بما قد مرا بحر العلوم الحسن البصري عن ... خير الورى وصفا وذاتًا وسنن صلى عليه الله ثم سلما ... وآله والصحب ما غيث هما قوله: (في الطوَافِ) قلت هو والمعطوفات عليه بدل مما قبله بإعادة العامل والمراد في محل الطواف أي المحل المعهود له في زمنه - صلى الله عليه وسلم - وإلَّا فجميع المسجد يجوز فيه الطواف عندنا وكلما قرب إلى البيت كان أفضل لكن بشرط ألا يكون بدنه في شيء من الشاذروان ثم هل المراد دعاء الطواف المأثور فيه أو أي دعاء كان الثاني أظهر والله أعلم. قوله: (وعِندَ المُلتَزَم) أي ما بين الركن والباب المسمى بالحطيم وذكره بعد ما قبله من عطف الخاص على العام للاهتمام ومن دعائه يا واحد يا ماجد لا تزل عني نعمة أنعمت بها على. قوله: (وتحْت المِيزَابِ) الظاهر من لفظة تحت أن ذلك في داخل الحجر ويحتمل أن يراد ما يحاذيه ولو من الطواف وقد صرح الكازروني في مناسكه بأن ما يحاذي محل الميزاب من خارج الحجر من محال استجابة الدعاء. قوله: (وفي البَيْتِ) أي داخله ويقول حينئذٍ يا رب البيت العتيق أعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا من النار اللهم كما أدخلتني بيتك فأدخلني جنتك اللهم يا خفي الألطاف آمنا مما نخاف، وستة أذرع أو نحوها من الحجر من البيت كما جاء ذلك في الحديث المرفوع عن عائشة وغيرها. قوله: (وعِندَ زَمزَم) أي عند قرب بئرها أو مع شرب مائها والأول أقرب لأنه في تعداد الأماكن وإن كان ماؤها لما شرب له. قوله: (وعَلَى الصَّفا والمَرْوةِ) يحتمل نظير ما تقدم في الطواف أن يكون

وفي المسعى، وخلف المقام، وفي عرفات، وفي المزدلفة، وفي منى، وعند الجمرات الثلاث، فمحروم من لا يجتهد في الدعاء فيها. ومذهب الشافعي وجماهير أصحابه أنه يستحب قراءة القرآن في الطواف لأنه موضع ذكْر. وأفضل الذكْر قراءة القرآن. ـــــــــــــــــــــــــــــ بالدعاء المأثور فيهما ويحتمل أن يراد أعم من ذلك وهل يختص ذلك بحال مباشرة السعي أو يعمها وغيرها من مطلق الوقوف فيهما قال في الحرز والأول مجزوم به وغيره في محل الاحتمال والله الكريم ذو الفضل العظيم وفي كون الإجابة مجزومًا بها فيهما في السعي وفيهما في غيره احتمال فيه نظر وظاهر الأثر استواؤهما لأن الفضيلة للمحل لا لخصوص ذلك العمل والله أعلم، وقد تكلمت على تحقيق لفظي الصفا والمروة وما يتعلق بهما في أول كتابي "درر القلائد فيما يتعلق بزمزم والسقاية من الفوائد". قوله: (وفي المَسْعَى) أي ما بين المروة والصفا. قوله: (وخلْفَ المَقَام) أي ما يقال إنه خلف عرفا وينبغي أن يدعو فيه بدعاء آدم على ما ورد به الحديث الشريف اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فأقبل معذرتي وتعلم سؤلي فأعطني حاجتي وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنوبي اللهم إني أسألك إيمانا يباشر قلبي ويقينا صادقًا حتى أعلم أنه لا يصيبني إلَّا ما كتبت لي ورضني بما قسمت لي. قوله: (وفي عرَفاتٍ) أي في يوم عرفة في حالة تلبسه بالإحرام. قوله: (وفي المُزدَلِفة) أي من غروب الشمس إلى طلوع الفجر من ليلة النحر. قوله: (وفي مِنًى) بالقصر وفي نسخة بالتنوين فتكتب بالألف وظاهر كلامه أن جملة مني محل إجابة الدعاء لأنها منازل الحاج ودعوتهم مستجابة لا سيما في أثناء العبادة ووقع عند المحب الطبري وفي منى عند الجمرات الثلاث بحذف الواو من عند فاعترض بأنه قال إنها خمسة عشر وهي في العدد أربعة عشر ولعل الخامس عشر سقط من بعض الكتاب ولعله التنعيم أو المستجار أو غيرهما. قوله: (وعِندَ الْجَمَراتِ الثلاث) في المغرب للمطرزي الجمرات هي الصغار من الأحجار بها سميت المواضع التي ترمى جمارًا لما بينهما من الملابسة اهـ، والظاهر تقييدها بأوقاتها ثم استشكل أن الجمرة الأخيرة أي جمرة العقبة لا يستحب الوقوف عندها للدعاء فكيف تعد من مواضع الإجابة وأجيب بأجوبة من أحسنها أن الدعاء لا يتوقف على

واختار أبو عبد الله الحليمي من كبار أصحاب الشافعي أنه لا يستحب قراءة القرآن فيه، والصحيح هو الأول. قال أصحابنا: والقراءة أفضل من الدعوات غير المأثورة، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوف بل يمكن حال رجوعه منها وهو سائر فيها بدعاء جامع فيكون مقبولًا والله أعلم. قوله: (واختْارَ أَبُو عبد الله الحُلَيمي الخ) قال الحافظ حجة الحليمي ذكرها في الشعب ونقل عن سفيان بن عيينة أنه سئل عن القراءة في الطواف فقال سبح الله واذكره فإذا فرغت فاقرأ ما شئت قال الحليمي لو كانت القراءة أفضل من الذكر لما عدل النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها ولو فعل لنقل كما نقل الذكر قال والأصل إن كل حال من أحوال الصلاة لا يشرع فيه التوجه إلى القبلة لا قراءة فيه كالركوع والسجود اهـ. واختار الأذرعي ما قال الحليمي وقال الأحاديث والآثار تشهد له اهـ. قال الحافظ والمسألة مختلف فيها بين السلف قد عقد لها ابن أبي شيبة بابًا وكذا سعيد بن منصور وكذا فيه عن ابن عمر إنه زجر عن القراءة في الطواف بالقول والفعل وعن عطاء والحسن قالا هي بدعة ونحو عن جماعة نحوه وعن بعضهم الجواز والله أعلم. قوله: (والقراءةُ أَفْضَلُ من الدَّعَوَاتِ غير المأثورَةِ) المراد بالمأثورة كما سبق ما نقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -أو عن أحد من الصحابة وبحث بعضهم في اشتراط صحة سنده وفيه نظر فقد نصوا على استحباب أذكار وردت من طرق ضعيفة وكأنهم نظروا إلى أن فضائل الأعمال يعمل فيها بالأحاديث الضعيفة قال في المجموع اتفاقًا. هذا، وتفضيل ما ورد عن الصحابة على القراءة وفي الطواف مشكل لأن القاعدة أنها أفضل من سائر الأذكار إلَّا التي وردت عنه - صلى الله عليه وسلم - في مجالس مخصوصة وأن ما ورد عن صحابي مما للرأي فيه مدخل لا يكون له حكم المرفوع ولا يحتج به عندنا وهذه الأدعية الواردة عنهم كذلك فكيف تفضل القراءة فالذي ينبغي تفضيل القراءة على كل ما لم يرد عنه وكأن عذر الأصحاب في ذلك إن القراءة لما كثر الاختلاف فيها في الطواف وقال كثيرون بكراهتها ضعف

وأما المأثورة فهي أفضل من القراءة على الصحيح. وقيل: القراءة أفضل منها. قال الشيخ أبو محمد الجويني رحمه الله: يستحب أن يقرأ في أيام الموسم ختمة في طوافه فيعظُم أجرها، والله أعلم. ويستحب إذا فرغ من الطواف ومن صلاة ركعتي الطواف أن يدعوَ بما أحب، ـــــــــــــــــــــــــــــ أمرها في هذا المحل بخصوصه فقدموا غيرها عليها واختار ابن جماعة وغيره خلاف ما ذهب إليه الأصحاب وخالفهم فقال تفضيل الدعاء المسنون مسلم لكن لم يثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - كما قال ابن المنذر دعاء مسنون إلّا ربنا اتنا الخ، بين اليمانيين وهو قرآن فيكون أفضل ما يقال بينهما ويكون هو وغيره من القرآن أفضل في باقي الطواف إلَّا التكبير عند استلام الحجر اهـ، ويؤيده قول الزركشي إن ظاهر نص الشافعي إن القراءة هنا أفضل مطلقًا واختاره ابن المنذر لكن حصره السابق ممنوع بما مر عن المستدرك وغيره ولا ينافي خبر مسلم وغيره أحب الكلام إلى الله سبحان الله والحمد الله ولا إله إلَّا الله والله أكبر لا يضرك بأيهن بدأت لما سبق إنه محمول على كلام الآدميين أو لأن مفرداتها في القرآن كذا في منح الفتاح. قوله: (وأَمَّا المأْثورةُ فهيَ أَفْضلُ منَ القرَاءَةِ) المراد من التفضيل إن الاشتغال بالأدعية المأثورة أفضل من الاشتغال به لكونه أثر في خصوص هذا المكان وإلَّا فذات القرآن أفضل قطعًا مطلقًا قال ابن عبد السلام في القواعد لا يشغل عن معنى ذكر من الأذكار بمعنى غيره من الأذكار وإن كان أفضل منه لأنه سوء أدب ولكل مقام مقال يليق به ولا يتعداه اهـ، ونقل القمولي في الجواهر الإجماع على أن نحو آية الكرسي مما اشتمل، على الثناء على الله تعالى وذكر صفاته هنا أفضل من سائر الأدعية هنا مطلقًا قال ابن الحجر الهيتمي وهو واضح فيما لم يصح سنده. قوله: (قَال الشيخُ أَبُو مُحمدٍ الْجُوَيْنيّ الخ) اعترض بأنه لا سند له في ذلك ويرد بأن الشيخ إنما قصد بذلك التحريض على هذا الخير الكثير فإن في ختم القرآن بمكة فضلًا عن الطواف سيما في شهر الحجة ومع اشتغاله بأسباب الحج ومتاعبه ومتاعب السفر من الخير والثواب ما يعجز الإنسان عن حصره فكان في قول الشيخ ويستحب الخ. من الدلالة على هذا

ومن الدعاء المنقول فيه: اللهُم أنا عَبْدُكَ وَابنُ عَبْدِكَ أتَيْتُكَ بِذُنُوبٍ كَثِيرَةٍ وأعمالٍ سَيِّئَةٍ وَهَذَا مَقامُ العائِذِ بِكَ مِنَ النَّارِ فاغْفِرْ لي إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الخير العظيم تنبيه للناس على الاعتناء بذلك والحرص عليه فالاعتراض عليه بما ذكر لي في محله ومن ثم أقره المصنف وغيره عليه ثم رأيت ابن الجوزي قال قال إبراهيم النخعي كان يعجبهم إذا قدموا مكة ألا يخرجوا حتى يختموا القرآن وفيه تأييد لكلام الشيخ والله أعلم. قوله: (ومنَ الدُّعاءِ المَنقولِ فيهِ الخ) أورده المصنف في شرح المهذب مطولًا ونقل عن صاحب الحاوي أنه قال يستحب أن يدعو بما روي عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف وصلى خلف المقام ركعتين ثم قال اللهم هذا بلدك وبيتك الحرام والمسجد الحرام وأنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك أتيتك بذنوب كثيرة وخطايا جمة وأعمال سيئة وهذا مقام العائذ بك من النار فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم اللهم انك دعوت عبادك إلى بيتك وقد جئت طالبا رحمتك ومبتغيًا رضوانك وأنت مننت عليّ بذلك فاغفر لي انك على كل شيء قدير قال الحافظ ولم أظفر بسنده إلى الآن والله المستعان قال الحافظ ثم وجدت الدعاء المذكور في كتاب المناسك لإبراهيم بن إسحاق الحربي ثم ساق الحافظ سنده في الكتاب المذكور وقال فذكر ما في الكتاب من أثر مسند وذكر أن هذا الدعاء سبق سنده وزاد في آخره اللهم إنك ترى مكاني وتسمع دعائي وندائي ولا يخفى عليك شيء من أمري هذا مقام العائذ البائس الفقير المستغيث المقر بخطيئته المعترف بذنبه التائب إلى ربه فلا تقطع رجائي ولا تخيب أملي يا أرحم الراحمين. فائدة أخرج ابن الجوزي كالأزرقي خبر أن آدم لما هبط طاف بالبيت سبعًا وصلى خلف المقام ركعتين ثم قال اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فأقبل معذرتي وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي وتعلم ما عندي فاغفر لي ذنوبي اللهم إني أسألك إيمانًا يباشر قلبي ويقينًا صادقًا حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتبت لي والرضا بما قضيت علي فأوحى الله إليه قد دعوتني دعاء استجبت لك به ولن يدعوني به أحد من ذريتك من بعدك إلَّا استجبت له وغفرت ذنوبه

فصل في الدعاء الملتزم،

فصل في الدعاء الملتزم، وهو ما بين باب الكعبة والحجر الأسود: وقد قدمنا أنه يستجاب فيه الدعاء. ومن الدعوات المأثورة: اللهم لكَ الحَمْدُ حَمْدًا يُوافي نِعْمَكَ، وَيُكافِئُ مَزِيدَكَ، أحمَدُكَ بِجَمِيع مَحَامِدِكَ ما عَلِمْتُ مِنْها ومَا لَمْ أعْلَمْ على جَمِيع نِعَمِكَ ما عَلِمْتُ مِنْها ومَا لَمْ أعْلَمْ، وعلىَ كُل حالٍ، اللهم صَل وَسَلَّمْ على مُحَمَّدٍ وعلى آل مُحَمَّدٍ، اللهم ـــــــــــــــــــــــــــــ وفرجت همومه وتجرت له من وراء كل تاجر وأتته الدنيا وهي راغمة وإن كان لا يريدها قال الحافظ بعد أن أخرجه مرفوعًا من حديث بريدة رضي الله عنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره وقال فاغفر لي ذنبي وقال وغفرت ذنبه وفرجت همه وغمه وقال هذا حديث غريب فيه سليمان بن مسلم الخشاب ضعيف جدًّا لكن تابعه حفص بن سليمان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أخرجه الأزرقي في كتاب مكة من طريق حفص وهو ضعيف أيضًا لكنه إمام في القراءة وساق له طرقًا وهذه الطرف الأربع ترقي الحديث إلى مرتبة ما يعمل به في فضائل الأعمال كالدعاء اهـ، وفي رواية إنه دعا بذلك في الملتزم وفي كتاب ابن أبي الدنيا إنه دعا بنحوه بين اليمانيين ولا منافاة لاحتمال إنه كرر الدعاء في تلك الأماكن. فصل قوله: (وهوَ مَا بَينَ باب الْكَعبةِ والْحَجرِ الأسود) سمي بذلك لأن النّاس يلتزمونه في حوائجهم لتقضى وما ورد عن ابن الزبير أنه دبر البيت رده عليه ابن عباس بأن ذاك ملتزم عجائز قريش والحطيم ما بين الباب والركن وزمزم والمقام سمي بالحطيم أيضًا لأن من حلف فيه كاذبًا حطم ولأنه يستجاب فيه دعاء المظلوم على ظالمه فقل من دعا هناك على ظالم إلأهلك وقيل من حلف هناك آثمًا إلَّا عجلت له العقوبة أخرج البيهقي عن ابن عباس قال الملتزم بين الركن والباب لا يسأل الله فيه شيئًا إلّا أعطاه أورده الحافظ. قوله: (اللهُم لكَ الحَمْدُ. إلى قوله. مَا علِمْتُ مِنها ومَا لمْ أَعْلم) قال الحافظ قلت لم أقف له على أصل والله المستعان اهـ، وأخرج ابن الجوزي في كتاب مثير العزم الساكن قال أبو سليمان وقف رجل على باب الكعبة حين فرغ من الحج فقال الحمد الله بجميع محامده كلها ما علمت منها وما لم أعلم على جميع نعمه كلها ما علمت منها

فصل في الدعاء في الحجر

أعِذْني مِنَ الشيْطَانِ الرَّجِيمِ، وأعِذْنِي مِنْ كُل سُوءٍ، وَقَنِّعْني بمَا رَزَقْتَني وَبارِكْ لي فِيهِ، اللهُم اجْعَلْني مِنْ أكْرَمِ وَفْدِكَ عَلَيْكَ، وألْزِمْني سَبِيلَ الاسْتِقَامَةِ حَتى ألْقًاكَ يا رَب العالمِينَ، ثم يدعو بما أحب. فصل في الدعاء في الحِجْر: بكسر الحاء وإسكان الجيم، وهو محسوب من البيت. ـــــــــــــــــــــــــــــ وما لم أعلم ثم قفل إلى بلده فحج من قابل فوقف على باب الكعبة وذهب ليقول مثل مقالته فنودي يا عبد الله أتعبت الحفظة من عام أول إلى الآن فما فرغوا مما قلت اهـ. قوله: (وأَعِذْني منَ الشَّيطَانِ) أي احفظني من إغوائه ووسوسته. قوله: (وأَعِذْني منْ كل سُوءٍ) عطف عام على خاص والسوء بضم السين المهملة ضد الخير. قوله: (سَبيلَ الاستِقامةِ) أي طريق القيام على الصراط المستقيم. قوله: (حَتَّى أَلْقاكَ) أي حتى أموت فألقاك وهذا الذكر جميعه لم يتعرض الحافظ ولا غيره فيما رأيت لتخريجه وتقدم ما قاله الحافظ. قوله: (ثُمَّ يدْعُو بمَا أَحبّ) أي ندبًا في الديني مباحًا في الدنيوي كما سبق. فصل قوله: (في الْحِجرِ بكَسر الحاءِ الخ) هو فعل بمعنى المفعول أي المحجور لأنه كان عليه حظيرة وزريبة لغنم إسماعيل - عليه السلام - ويسمى بالحطيم أخرج أبو داود عن ابن عباس قال الحطيم الجدار يعني جدار الكعبة قال في البحر العميق والمشهور عند الأصحاب أن الحطيم اسم للموضع الذي فيه الميزاب بينه وبين البيت فرجة سمي حطيمًا لأنه حطيم من البيت أي مكسور منه فعيل بمعنى مفعول كقتيل بمعنى مقتول وقيل بمعنى فاعل لأنه جاء في الحديث من دعا على من ظلمه فيه حطمه الله قال وسمي حجرًا لأنه حجر من البيت أي منع منه ويسمى حظيرة إسماعيل لأن الحجر قبل الكعبة كان زربًا لغنم إسماعيل اهـ. نقله جدي في مثير شوق الأنام. قوله: (وهُو محْسُوبُ منَ البَيْتِ) وقال بعضهم إنه

قد قدَّمنا أنه يستجاب الدعاء فيه. ومن الدعاء المأثور فيه: يا رَب أتَيْتُكَ مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ مُؤمِلًا مَعْرُوفَكَ فأنِلْني مَعْرُوفًا مِنْ مَعْرُوفِكَ تُغْنِيني بهِ عَنْ مَعْرُوفِ مَنْ سِوَاكَ يا مَعْرُوفًا بالمَعْرُوفِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ جمع من البيت وظاهر العبارة هنا ذلك لكنها تؤول بما ذكرنا لتوافق كلامه في باقي كتبه واختلف في قدره فقيل ستة أذرعٍ وقيل سبعة أذرع وكلاهما ورد في الصحيح رواه الشيخان كما في القرى وغيره. قوله: (قدْ قدَّمنا أنهُ يُستَجابُ فيهِ الدُّعاءُ الخ) في البحر العميق روي عن بعض السلف قال من صلى تحت الميزاب ركعتين ثم دعا بشيء مائة مرة وهو ساجد استجيب له أورده في مثير شوق الأنام وروي عن ابن الجزري والأزرقي عن عبد الله بن أبي رباح أنه قال من قام تحت مثقب الكعبة فدعا استجيب له وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه قال في مثير شوق الأنام ومثقب الكعبة مجرى مائها. قوله: (ومنَ الدُّعاءِ المأْثورِ فيه الخ) قال الحافظ روينا الأثر المذكور في المنتظم لابن الجوزي وفي مثير العزم له بسند ضعيف من طريق مالك بن دينار قال بينما أنا أطوف إذا أنا بامرأة في الحجر وهي تقول يا رب أتيتك من شقة بعيدة فأنلني معروفًا من معروفك تغنيني به عن معروف من سواك يا معروفًا بالمعروف ثم ذكر قصة له ولأيوب السختياني معها قال فسالت عنها فقالوا هذه مليكة بنت المنكدر وهي أخت محمد بن المنكدر أحد أئمة التابعين اهـ. قوله: (أَتَيتُكَ) أي أقبلت على طاعتك وقصدت ساحة كرمك. قوله: (شُقةٍ) بضم الشين المعجمة وتشديد القاف أي مسافة طويلة والشقة السفر البعيد وربما قالوه بالكسر في الشين ذكره أبو حيان في النهر وعلى هذا فقوله (بعيدَةٍ) إما أن يكون مؤكدا لما في معنى الشقة أو مؤسسًا بناءً على تجريد الشقة من الطويلة وإرادة مطلق السفر بها والله أعلم. قوله: (مؤَمَّلا) أي راجيًا. قوله: (معْرُوفًا) أي عظيمًا وقوله: (منْ معرُوفِكَ) في موضع الصفة للإيماء إلى ما ذكر من كونه عظيمًا إذ المضاف إلى العظيم عظيم. قوله: (تُغْنِيني بهِ) هو مرفوع في الأصول وحينئذٍ إما أن يكون صفة لمعروفًا أو حالًا منه لتخصيصه بالوعد السابق ولو روي بالجزم على جواب الطلب لكان مستقيمًا والله أعلم.

فصل في الدعاء في البيت

فصل في الدعاء في البيت: قد قدَّمنا أنه يستجابُ الدعاءُ فيه. وروينا في كتاب النسائي عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما دخل البيت أتى ما استقبل من دُبر الكعبة فوضع وجهه وخدَّه عليه، وحمد الله تعالى وأثنى عليه وسأله واستغفره، ثم انصرف إلى كل ركن من أركان الكعبة، ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل قوله: (في الدُّعاءِ في البَيْتِ) أي فيه كما في نسخة والبيت صار علمًا بالغلبة على الكعبة زادها الله مهابه. قوله: (وَرَويْنَا في كِتَاب النّسائي الخ) قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الإِمام أحمد وغيره باللفظ المذكور في المتن إلَّا إنه قال من أركان البيت بدل أركان الكعبة وزاد في أوله عن أسامة إنه دخل هو ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيت وأمر بلالًا فأجاف البيت والبيت إذ ذاك على ستة أعمدة فمضى حتى أتى الأسطوانتين اللتين تليان لباب الباب فجلس فحمد الله وأثنى عليه وسأله واستغفره ثم قام حتى أتى ما استقبل من دبر البيت الخ. وزاد في آخره ثم خرج فصلى ركعتين في حائط البيت مستقبل وجه الكعبة ثم انصرف فقال هذه القبلة هذه القبلة هذا لفظ أحمد هو حديث صحيح وأخرجه ابن خزيمة من طريقين وأصل الحديث في دخول الكعبة الصلاة خارجها دون الزيادات عند الشيخين من وجه آخر من حديث ابن عباس عن أسامة. قوله: (أَتى ما استَقبَل) أي ما استقبله من دبر الكعبة حال دخوله إليها ومشيه تلقاء وجهه ودبر بضمتين وذلك بعد أمره بإجافة الباب كما تقدم في الرواية أي مخافة الزحمة المانعة من كمال الحضور المقتضي لزيادة الرحمة. قوله: (جبهَتُهُ) ما اكتنفه الجبينان من الوجه. قوله: (وحَمِدَ الله) بِكسر الميم أي شكره على ما منحه وقوله: (وأَثْنى علَيهِ) يصح أن يكون تفسيرًا للمراد من قوله وحمد ويصح أن يكون من عطف العام على الخاص أي قال الحمد الله وزاد ألفاظًا في الثناء الجميلِ ولعل الأخير أقرب والله أعلم. ثم رأيته في تحفة القارئ مال إليه واقتصر عليه. قوله: (وسألهُ) أي المزيد من فضله. قوله: (واستَغفَرَهُ) أي من التقصير الذي لا يليق بمثله. قوله:

فاستقبله بالتكبير والتهليل والتسبيح والثناء على الله عزّ وجلّ والمسألة، والاستغفار، ثم خرج". ـــــــــــــــــــــــــــــ (فاستَقْبلهُ بالتَكْبيرِ الخ) أي مصحوبًا بذلك الحمد والثناء والمسألة أي سؤال المنال والاستغفار أي سؤال الغفران من الله تعالى. قوله: (ثم خَرجَ - صلى الله عليه وسلم -) وسكت المصنف عن آخر الحديث السابق بيانه لعدم تعلق غرض الترجمة به واختلف العلماء في تعيين هذا المكان الذي صلى به - صلى الله عليه وسلم - عند حائط البيت مستقبل الكعبة وهو أحد المواضع التي صلى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - حول الكعبة وقد جمعها المحب الطبري وأوردها في القرى وقد نظمتها في أبيات من الرجز هي: مواضع بها الرسول صلى ... بحول بيت كالعروس تجلى خلف المقام وبباب الكعبه ... والمستجار الحجر والمعجبه وبحذاء الحجر الموصوف ... بأنه الأسود للتشريف يفصل بينه وبين الحجر ... الطائفون من خيار البشر وبين حفرة وركن شامي ... وحذو غربي ركنه يا سامي بحيث من صلى به يسامت ... بابًا لعمرة لهذا أثبتوا وعند قرب ركنه اليماني ... مما يلىِ الأسود ذا المعاني والمستجار بين باب سدا ... وبين شمامي الركن حزت الرشدا بين اليماني وركن الحجر ... عن ابن إسحاق أتى في خبر كذا بوجه قبلة ولم يبن ... تعيينه كما يرومه الفطن وجوف كعبة بها الرسول ... صلى وكان الفتح والقبول فهذه البقاع صلى فيها ... نبينًا فزادها تنويها بشرى لمن بهذه قد صلى ... قد مس تربًا بعلاه حلا طوبى لمن بوجهه قد مس ما ... مسته أقدام نبي عظما والحمد الله وصلى الله ... على نبيه ومصطفاه وآله وصحبه والعلما ... والتابعين هديه المعظما

فصل في أذكار السعي

فصل في أذكار السعي: قد تقدم أنه يستجاب الدعاء فيه، والسُّنَّة أن يطيل القيام على الصفا، ويستقبل الكعبة، فيكبِّر ويدعو فيقول: اللهُ أكْبَرُ، الله أكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، وللهِ الحَمْدُ، اللهُ أكْبَرُ على ما هَدَانا، والحَمْدُ لِلهِ على ما أوْلانا، لا إلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لهُ المُلْكُ ولهُ الحَمْدُ يُحْيِي ويُمِيتُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ، وهُوَ على كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ، لا إلهَ إلَّا اللهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل قوله: (قدْ تقَدَّمَ أَنهُ يُستجابُ الدُّعاءُ فيهِ) أي في جميع أمكنته من الصفا والمروة وما بينها. قوله: (والسُّنةُ أَنْ يُطيلَ القيَامَ) أي مع رقي الذكر المحقق قدر قامته ولا يلزم من زوال سببه الذي هو رؤية البيت بذلك لعلو الأرض الآن ورؤيته من أسفله عدم استحباب الرقي للرؤية أيضًا كما لا يلزم من زوال سبب الرمل عدم استحبابه. قوله: (فيَستقبِلَ الكَعبةَ) أي لأنها أشرف الجهات وسبق حديث أفضل المجالس ما استقبل به الكعبة والكعبة مأخوذة من كعبته ربعته والكعبة كل بيت مربع كما في القاموس وفي كلامهم إن إبراهيم صلى الله على نبينا وعليه وسلم في الكعبة مربعة ولا ينافيه اختلاف بعد ما بين أركانها لأنه قليل التربيع وهذا أعني أن سبب تسميتها كعبة تربيعها -أوضح من جعل سببها ارتفاعها كما سمي كعب الرجل بذلك لارتفاعها وأصوب من جعله استدارتها إلَّا أن يريد قائله بالاستدارة التربيع مجازًا ويكون أخذ الاستدارة في الكتب سببًا لتسميته لكنه مخالف لكلام أئمة اللغة كذا في التحفة لابن حجر الهيتمي. قوله: (فَقولَ الخ) هو تفسير وبيان لقوله قبله يكبر ويدعو. قوله: (الله أَكَبرُ) أي ثلاث مرات والرابعة الله أكبر على ما هدانا أي لهدايته إيانا وسبق الكلام على ذلك في حديث معاوية السابق أول الكتاب في قوله فيه نكبر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومناسبة التكبير للهداية الإيماء إلى تنزهه تعالى عن سمة كل نقص وغيب ومنه مخالفة وأولانا معناه أعطانا ومناسبة الحمد لذلك ظاهرة فقد وعد من شكر بازدياد الإحسان وأوعد من كفر بعذاب النيران. قوله: (لَا إلَه إلا الله)

أنجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ، لا إلهَ إلا اللهُ، وَلا نَعْبُدُ إلا إياهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ زاد في الحصن وغيره وحده وعزاه كذلك إلى تخريج مسلم وغيره ممن سيأتي. قوله (أَنجزَ وعدَهُ) أي صدق وعده في إظهار الدين وكون العاقبة للمتقين وغير ذلك من وعده إن الله لا يخلف الميعاد. قوله: (ونصرَ عبدَه) أي الفرد الأكمل وهو الرسول الأفضل فهو من العام المراد به الخاص كقولة تعالى: (أَم يحسُدُونَ الَّناسَ). قوله: (وهزَم الأَحزابَ) أي غلبهم وكسرهم وفي قوله وحده إيماء إلى قوله تعالى: (وَمَا النّصَرُ إِلا من عِندِ اللهِ) ثم الأحزاب جمع حزب والمراد بهم القبائل الذين اجتمعوا على محاربته - صلى الله عليه وسلم - وتوجهوا إلى المدينة واجتمعوا حولها وتحزبوا يوم الخندق اثني عشر ألفًا سوى ما انضم إليهم من يهود قريظة والنضير فأرسل الله إليهم كما قال ريحًا وجنودًا لم تروها وبهذا يرتبط قوله - صلى الله عليه وسلم - صدق وعده بتكذيب قول المنافقين الذي حكاه تعالى عنهم بقوله {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلا غُرُورًا} وهذا هو المشهور إذ المراد بالأحزاب أحزاب يوم الخندق وقيل يحتمل أن يكون المراد أحزاب الكفر في جميع الأزمنة والله أعلم، وهذا الذكر أخرجه الدارمي ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن جابر قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الدارمي عن جعفر بن محمد عن أبيه قال دخلنا على جابر بن عبد الله فسأل عن القوم حتى انتهى إلي فقلت أنا محمد بن حسين فذكر الحديث الطويل في حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن قال ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ إن الصفا والمروة من شعائر الله أبدًا بما بدأ الله به فبدأ بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلَّا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم دعا بين ذلك فقال ذلك ثلاث مرات وفعل على المروة ما فعل على الصفا قلت وبنحو اللفظ المذكور خرجه مسلم في صحيحه إلَّا أن إسماعيل بن ابان شيخ الدرامي في الحديث زاد في روايته بعد قوله وله الحمد قوله يحيي

مُخْلِصِينَ لَهُ الذينَ وَلَوْ كَرِهَ الكافِرُونَ، اللَّهُمَّ إنَّكَ قُلْتَ: ادْعُوني أسْتَجِبْ لَكُمْ، وإنَّكَ لا تُخْلِفُ المِيعادَ، وإني أسألُكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويميت. قوله: (مخْلِصينَ لهُ الدِّينَ) أي بالنية فلا يريد بعبادته أمرًا دنيويًّا من جاء أو إقبال الخلق عليه أو نحو ذلك من الأغراض التي هي من جملة الأعراض أو تخلص له عن الشركاء فلا شريك له في أداء العبودية لهو وفيه الرد على الكفار القائلين ما نعبدهم يعني الأصنام {إلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} وولعل هذا أنسب بالسياق وبقوله بعده ({وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} والله أعلم. قوله: (اللهُمَّ إِنكَ قلتَ) أي في كتابك الكريم. قوله: (ادْعوني) أي اسألوني وحذف المفعول للتعميم أي مهما شئتم وإن كان يسيرًا وقوله: (أَسْتجِبْ لكُمْ) أي أجب دعوتكم قال الكواشي في تفسيره الكبير ادعوني أي اعبدوني أستجب لكم اثبكم فعبر عن العبادة بالدعاء وعن الإثابة بالاستجابة وقيل المعنى سلوني أعطكم، بعضهم ادعوني على حد الاضطرار بحيث لا يكون لكم مرجع إلى سواي أستجب لكم، محمد بن علي من دعا الله ولم يعمر قبل ذلك سبيل الدعاء بالتوبة والإنابة في أكل الحلال واتباع السنن ومراعاة السر كان دعاؤه مردودًا وأخشى أن يكون جوابه الطرد واللعن، يحيى بن معاذ أدعوني بصدق اللجأ أستجب لكم، سئل سهل عن قوله الدعاء أفضل الأعمال فقال لأن فيه الفقر والفاقة والالتجاء والتضرع وقيل المراد بالدعاء الذكر انتهى ملخصًا، وقال في قوله تعالى: (أجُيبُ دَعْوةَ الدَّاعَ إذَا دَعَان) قيل المعنى خاص وإن كان اللفظ عامًّا أي أجيب دعوة الداعي إن شئت كقوله تعالى: (فَيَكشِفُ مَا تَدعُونَ إليه إِن شَاءَ) وقيل هو عام ومعنى أجيب أسمع ليس في الآية أكثر من تلك الإجابة وقد يجيب السيد عبده ثم لا يعطيه سؤله وقيل إنه يجيب دعاءه فإن قدر له ما سأل أعطاه وإن لم يقدر له ما سأل أدخر له الثواب في الآخرة وكف عنه سوء الدنيا وقيل إن الله تعالى يجيب دعوة المؤمن ويؤخر إعطاءه مراده ليدعو فيسمع صوته ويجيب من لا يحب لأنه يبغض صوته وقيل إن للدعاء أسبابًا وشرائط

كما هَدَيْتَني للإسْلام أن لا تَنْزِعَهُ مِنِّي حتى تَتَوَفاني وأنا مُسْلِمٌ. ثم يدعو بخيرات الدنيا والآخرة، ويكرر هذا الذكْر والدعاء ثلاث مرَّات، ولا يلبي، وإذا وصل إلى المروة رقي عليها وقال الأذكار والدعوات التي قالها على الصفا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وهي أسباب الإجابة فمن استكملها كان من أهل الإجابة ومن لا فلا اهـ. قوله: (كَما هدَيتَني للإسلام) أي أولًا. قوله: (فَلا تنْزِعَهُ) بكسر الزاي أي تخلعه. قوله: (مني) والقصد منه الدوام والثبات والكاف يصح أن تكون للتعليل ويكون التوسل إليه تعالى في سؤال فضله بسابق فضله نظير أحد الوجوه السابقة في اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم ويجوز أن يكون للتشبيه أي أسألك إنعامًا بالدوام على الإيمان كالإنعام بالابتداء به والجامع إن الكل من محض الفضل والكرم والله كريم يستحي أن ينزع السر من أهله. قوله: (تتوَفَّاني) أي تقبض روحي. قوله: (وأَنا مُسِلمُ) أي والحال أني على دين الإسلام مستمر عليه مستقر وهذا الذكر قال في السلاح والحصن رواه مالك موقوفًا على ابن عمرو كذا قال الحافظ بعد تخريجه عن مصعب عن مالك فذكره. قوله: (ثُم يدْعُوَ) أي بعد أن يقدم عليه الصلاة والسلام على سيد الأنام عليه الصلاة والسلام وكأنهم سكتوا عنه للعلم به من استحبابه في الدعاء إذ من آداب الدعاء بدؤه بالثناء على الله سبحانه والصلاة السلام على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأخرج البيهقي وإسماعيل القاضي وأبو ذر الهروي عن عمر أنه خطب النّاس بمكة فقال إذا قدم الرجل منكم حاجًّا فليطف بالبيت سبعًا وليصلِّ عند المقام ركعتين ثم ليبدأ بالصفا فيكبر سبع تكبيرات بين كل تكبيرتين حمد الله وثناء عليه وصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وسل لنفسك وعلى المروة مثل ذلك قال الحافظ بعد أن أخرجه عن البيهقي بنحو هذا اللفظ هذا موقوف صحيح ولم أر في شيء من الآثار الواردة في السعي التنصيص على الصلاة إلَّا في هذا قلت وقد ظفرت به في حديث عن ابن عمر أيضًا أورده القسطلاني في المسالك وابن حجر الهيتمي في الدر المنضود ولم يذكرا من أخرجه. قوله: (ثلاثَ مراتٍ) قيل لكل من الذكر والدعاء بعده وقيل يأتي بالذكر ثلاثًا والدعاء مرتين بينهما والصحيح الأول

وروينا عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول على الصفا: اللهُم اعْصِمْنا بِدِينِكَ وطَوَاعِيتِكَ وطواعِيةِ رَسُولِكَ - صلى الله عليه وسلم -، وجَنبْنا حُدُودَكَ، اللهم اجْعَلْنَا نُحِبُّكَ وَنُحِبُّ مَلائِكَتَكَ وأنْبِيَاءَكَ وَرُسُلَكَ، وَنُحِبُّ عِبَادَكَ الصالِحِينَ، اللهم ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد ورد تكرار ذلك عند مسلم ومن ذكر معه في حديث جابر. قوله: (وَرَوَيْنَا عنِ ابنِ عمَر الخ) أخرجه سعيد بن منصور في السنن عن ابن عمر إنه كان يقول يعني على الصفا لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلَّا الله ولا نعبد إلَّا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون اللهم اعصمني بدينك وطواعيتك وطواعية نبيك اللهم جنبني حدودك اللهم اجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك وأنبياءك ورسلك ويحب عبادك الصالحين اللهم حببني إليك وإلى ملائكتك وأنبيائك ورسلك وإلى عبادك الصالحين اللهم يسرني لليسرى وجنبني العسرى واغفر لي في الآخرة والأولى اللهم اجعلني من أئمة المتقين ومن ورثة جنات النعيم اللهم اغفر لي خطيئيتي يوم الدين اللهم لا تقدمني لتعذيب ولا تؤخرني لسيئ الفتن اللهم إنك قلت ادعوني أستجب لكم إلى آخر الذكر السابق قال الحافظ بعد تخريجه هذا موقوف صحيح قلت قال الطبري في القري أخرج طرفًا منه مالك في الموطأ وأخرجه بكماله ابن المنذر. قوله: (اعْصِمنا بدِينِكَ) أي احفظنا باتباع الشريعة الواردة في كتابك وعلى لسان سيد أحبابك - صلى الله عليه وسلم - عن سائر المخالفات. قوله: (اجعلنا نُحبُكَ): أي نمتثل أوامرك ونجتنب نواهيك. قوله: (ورُسلَكَ) أتى به بعد الأنبياء الشامل لهم من عطف الخاص على العام لمزيد الاعتناء بشأنهم والاهتمام ومحبة الرسل بتقديم ما جاؤوا به على ما تهواه النفس وتعظيم من أضيف إليهم من آل وصحب ووارث كالعلماء الاعلام. قوله: (ونُحِبُّ عبادَكَ الضَالحِينَ) أي أرباب الصلاح من المسلمين لوجه الله الكريم ليكون ذلك وسيلة إلى ثواب رب العالمين وما أحسن قول إمامنا الشافعي رضي الله عنه: أحب الصالحين ولست منهم ... لعلي أن أنال بهم شفاعه وأكره من بضاعته المعاصي ... وإن كنا سواء في البضاعه وفي الحديث أفضل الحب الحب في الله وأفضل البغض البغض في الله وفي فيهما للتعليل أي الحب الله لكون المحبوب من أرباب الصلاح والبغض لأجله لكون المبغوض بعيدا من

حَبِّبْنا إلَيْكَ وإلى مَلائِكَتِكَ وإلى أنْبِيائِكَ وَرُسُلِكَ، وإلى عِبادِكَ الصالِحِينَ، اللهم يَسِّرْنا لِلْيُسْرَى، وَجَنِّبْنا العُسْرَى، واغْفِرْ لنا في الآخِرَةِ والأولى، واجْعَلْنا مِنْ أئمَّةِ المُتَّقِينَ. ويقول في ذهابه ورجوعه بين الصفا والمروة: رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عمَّا تَعْلَمْ إنَّكَ أنْتَ الأعَزُّ الأكْرَمُ، اللَّهُمَّ آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وقِنا عَذَابَ النَّارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أسباب الفلاح قوله: (حَببنا إِليَكَ) محبة الله للعبد قيل هي إرادته الخير به وهدايته وإنعامه عليه ورحمته وقيل تيسر ذلك له فعلى الأول صفة ذات وعلى الثاني صفة فعل وتقدم بسط الكلام فيه أول الكتاب في الخطبة، وحب الملائكة يحتمل أن يكون استغفارهم له وثناؤهم عليه ودعاؤهم ويحتمل أن يكون على ظاهره المعروف من المخلوقين وهو ميل القلب إليه واشتياقه إلى لقائه أشار إليه المصنف في شرح مسلم كأنه أومأ بهذا الذكر إلى الحديث الصحيح في مسلم إذا أحب الله عبدًا أمر جبريل فأحبه وأحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض. قوله: (يسِّرْنا لليُسْرى) هي الحالة الحسنة أي في الدنيا والآخرة قال الكواشي في التبصرة سميت باليسرى لأنها تؤدي إلى اليسر ورحمة الله تعالى وقيل المراد للطريقة اليسرى وهي العمل بطاعة الله تعالى بأن يعينه عليها. قوله: (وجَنبنا الْعُسرَى) قيل هي النار وقيل الشر وعبر في النهر بقوله هي الحالة السيئة في الدنيا والآخرة قال الكواشي وسميت العسرى لأنها تؤدي إلى العسر وغضب الله. قوله: (من أَئمةِ المُتقِينَ) أي ممن يقتدى به أرباب التقوى وفيه وإيماء إلى قوله تعالى: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} قال الكواشي زعم بعضهم أن في هذه الآية دليلًا على أن الرياسة في الدين يجب أن تطلب ويرغب فيها اهـ. قوله: (ويَقول في ذَهابهِ ورُجوعِه) أسند الحافظ من طرق بعضها عن الطبراني في كتاب الدعاء بسنده إلى ابن مسعود إنه نزل من الصفا فمشى إلى الوادي فسعى فجعل يقول رب اغفر وارحم انك أنت الأعز الأكرم قال وفي رواية للأعمش عن ابن مسعود أيضًا إذا أتيت بطن المسيل فقل فذكر مثله ثم قال الحافظ هذا موقوف صحيح الإسناد وقد جاء مرفوعًا من وجه آخر عن ابن مسعود ثم أخرجه من طريق الطبراني عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله

ومن الأدعية المختارة في السعي وفي كل مكان: "اللهُم يا مُقَلِّبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سعى قال في بطن المسيل اللهم اغفر وارحم وأنت الأعز الأكرم وقال بعد تخريجه هذا حديث غريب وسنده ضعيف لضعف ليث يعني ابن أبي سليم وتدليسه وعدم سماع شيخه أبي إسحاق عن علقمة وقد خالفه سفيان الثوري وقال عن أبي إسحاق عن ابن عمر موقوفًا قال الحافظ وهذا أولى أخرجه عبد الرزاق عن الثوري وأخرجه أيضًا من طريق مجاهد عن ابن عمر وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة عن طريق العلاء بن المسيب عن أبيه قال كان عمر رضي الله عنه إذا مر بالوادي بين الصفا والمروة يسعى حتى يجاوزه ويقول رب اغفر وارحم وأنت الأعز الأكرم اهـ، وفي القري للمحب الطبري رفع هذا الذكر من حديث أم سلمة ولفظها كان - صلى الله عليه وسلم - يقول في سعيه رب اغفر وارحم واهدني السبيل الأقوم ومن حديث امرأة من بني نوفل كان - صلى الله عليه وسلم - يقول بين الصفا والمروة رب اغفر وارحم وأنت الأعز الأكرم وقال أخرجهما الملا في سيرته وعزا ابن حجر الهيتمي الخبر المرفوع إلى تخريج الطبراني والبيهقي وغيرهما وعزا تخريج حديث عبد الله بن مسعود الموقوف عليه من طريقين إلى تخريج سعيد بن منصور اهـ. قال الحافظ لم أر في شيء من هذه الطرق الزيادة التي ذكرها الشيخ ولا الأئمة اهـ، والظاهر أن مراده بالزيادة قوله "وتجاوز عما تعلم إنك" فإن الوارد وأنت الأعز الأكرم على أن وتجاوز عما تعلم قد ورد لكن في أذكار الطواف كما سبق بيانه ثم رأيت الحافظ صرح بالمراد وإنه وجد ذلك أي "وتجاوز عما تعلم" في كلام الشافعي في أذكار الطواف وساق سنده إليه ثم قال فكأن الشيخ نقلها من هنا لما ورد أكثرها فيما بين الصفا والمروة والعلم عند الله اهـ، وهو ما أشرت إليه فلله الحمد وقد ذكر في مختصر التفقيه أن ذلك قد جاء عن عبد الله بن السائب مرفوعًا ولعل وجه إيراد الشيخ للآية أنها دعاء جامع وقد ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - وإن لم يكن في خصوص هذا المكان فكان الدعاء بها لكونها مأثورة عنه - صلى الله عليه وسلم - أولى وقد ورد أن أكثر دعائه - صلى الله عليه وسلم - ربنا آتنا الخ. رواه مسلم وكان أنس يدعو بها ثم يدعو بعد بما شاء رواه مسلم والله أعلم. قوله: (ومنَ الأَدعِيةِ المخْتارَةِ) أي لكونها واردة عنه - صلى الله عليه وسلم - وهي من جوامع الكلم ففيها جوالخ الخير. قوله: (يا مُقلِّبَ

القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبي على دِينِكَ". "اللهم إني أسألُكَ مُوجِباتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ والسلامَةَ مِنْ كُل إثمٍ، والفَوْزَ بالجَنةِ، والنجاةَ مِنَ النَّارِ". "اللهُم إني أسألُكَ الهُدَى والتُّقى والعَفَافَ والغِنَى". ـــــــــــــــــــــــــــــ القلُوب) أي إلى ما سبق به قدره من السعادة والشقاوة وفي الحديث الصحيح قلب المؤمن بين أصبعين من أصَابع الرحمن يقلبها كيف يشاء وما أحسن قول بعضهم: وما سمي الإنسان إلا لنسيه ... ولا القلب إلَّا أنه يتقلب قوله: (ثَبِّتْ قَلبي عَلَى دِينِكَ) هذا منه - صلى الله عليه وسلم - إما تواضعًا وأداءً لمقام العبودية حقها أو تشريعا لأمته وهذا الذكر رواه الترمذي عن أم سلمة وقال حديث حسن رواه النسائي عن عائشة والحاكم عن جابر وأحمد عن أم سلمة أيضًا وأبو يعلى عن جابر أيضًا وفي رواية في الصحيحِ كان يقول يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك. قوله: (اللهم إِني أَسألُكَ مُوجِبَاتِ رَحمتِك الخ) سبق الكلام عليه في جملة حديث في باب صلاة الحاجة. قوله: (اللَّهم إِني أَسألُكَ -إلى قوله- والغِنى) رواه مسلم والترمذي وابن ماجة عن ابن مسعود مرفوعًا كما في الجامع الصغير قال الدميري قال الطيبي معنى. قوله: (الهُدَى) الهداية إلى الصراط المستقيم وهو (صِرَاط الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم). قوله: (والتُّقى) يعني به الخوف من الله تعالى والحذر من مخالفته ويعني (بالعَفاف) الصيانة من مطامع الدنيا (وبالغِنَى) غنى النفس وقال الثوري العفاف والعفة التنزه عما لا يباح والكف عنه قلت يقال عف عن الحرام عفافًا وهو حينئذ تخصيص بعد تعميم والغنى هنا غنى النفس والاستغناء عن النّاس وعما في أيديهم اهـ، وقال الطيبي أطلق الهدى والتقى ليتناول كل ما ينبغي أن يهدى إليه من أمر المعاش والمعاد ومكارم الأخلاق وكل ما يجب أن يتقي منه من الشرك والمعاصي ورذائل الأخلاق وطلب العفاف والغنى تخصيص بعد تعميم ونقل عن أبي الفتوح النيسابوري أنه قال العفاف إصلاح النفس والقلب فهو تخصيص بعد تعميم أيضًا اهـ. قال في الحرز والأظهر أن يراد بالعفاف التعفف عن السؤال وعدم التكفف بلسان الحال كما أشار إليه بقوله تعالى: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} أي أصلًا لا بلسان الحال ولا ببيان المقال وقال زين العرب الهدى هو الرشاد والدلالة والعفاف هنا قيل الكفاف والغنى غنى النفس.

" اللَّهُمَّ أعِني على ذِكْرِكَ وشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ". "اللهم إني أسألُكَ مِنَ الخَيرِ كُلِّهِ ما عَلِمْتُ مِنْهُ وما لَمْ أعْلَمْ، وأعُوذُ بكَ مِنَ الشَر كُلِّهِ ما عَلِمْتُ مِنْهُ وما لَمْ أعْلَمْ، وأسألُكَ الجَنَّةَ وما قَرَّبَ إلَيْها مِنْ قَوْلٍ أوْ عَمَلٍ، وأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وما قرَّبَ إلَيْها مِنْ قَولٍ أوْ عَمَلٍ". ولو قرأ القرآن كان أفضل. وينبغي أن يجمع بين هذه الأذكار والدعوات والقرآن، فإن أراد الاقتصار أتى بالمهم. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (اللهم أَعِنِّي عَلَى ذِكرِكَ وشُكْرِكَ وحُسْنِ عبادَتِكَ) سبق الكلام على سنده وما يتعلق به في باب الأذكار بعد الصلاة في حديث معاذ رضي الله عنه. قوله: (اللهم إِني أَسأَلُكَ منَ الخَيرِ كلِّهِ الخ) هو جملة حديث عند الإِمام أحمد والترمذي وغيرهما مما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في باب جامع الدعاء. قوله: (منَ الخَيرِ كلِّهِ) بالجر على أنه تأكيد للخير وبالنصب على أنه مفعول ثاني لأسألك قال في الحرز والأظهر أنه تأكيد لموضع الجار والمجرور لا سيما ومن زائدة لإرادة الاستغراق وإلَّا فيصير التقدير أسألك كل الخير من الخير اهـ، وما ذكره من كون من زائدة يأباه مذهب الجمهور فقد شرط لزيادتها أن يتقدم نفي أو شبهه عليها وتأخر نكرة عنها فالأوجه أنها تبعيضية وأن النصب للاتباع للجار والمجرور باعتبار محله إذ هو في موضع المفعول والله أعلم. فكأن التقدير أسألك كل الخير لأن المبدل منه في حكم المطروح والمتروك. قوله: (قَرّبَ) بتشديد الراء أي قربني إليها. قوله: (منْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ) أو فيه للتنويع وسواء كان العمل بالظاهر أو كان بالقلب والسرائر. قوله: (ولوْ قرأَ القرآنَ كانَ أَفضَلَ) أي من غير الذكر ألوارد فيه نظير ما قدمه في الطواف ومنه ما قدمه رب اغفر وارحم الخ. لأن الطبراني والبيهقي وغيرهما أخرجوه لكن بلفظ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سعى بين الميل قال اللهم اغفر وارحم وأنت الأعز الأكرم ورواه ابن أبي شيبة عن ابن عمر موقوفًا عليه باللفظ الذي ذكره المصنف إلى قوله الأعز الأكرم أما الذكر الوارد فهل هو أفضل من القراءة أو مساوٍ لها قضية التشبيه بالطواف الأول وقضية كلام المجموع الثاني

فصل في الأذكار التي يقولها عند خروجه من مكة إلى عرفات

فصل في الأذكار التي يقولها عند خروجه من مكة إلى عرفات يستحب إذا خرج من مكة متوجها إلى منى أن يقول اللهم إياك أرجو ولك أدعو فبلغني صالح أملي واغفر لي ذنوبي وامنن علي بما مننت به على أهل طاعتك إنك على كل شيء قدير، وإذا سار من منى إلى عرفة استحب أن ـــــــــــــــــــــــــــــ حيث قال ويستحب قراءة القرآن فيه وهو ظاهر عبارته هنا وفي الإيضاح وعليه فقد يفرق بينه وبين الطواف بأنه أشبه الصلاة، والقراءة فيما عدا القيام فيها مكروهة فلذلك لم يطلب في مشابهها بخلاف السعي، وأيضًا فورد هناك أذكار مختصة بحال مخصوصة ومستوعبة لأجزاء الطواف فلم يبق فيه فضيلة للقراءة بخلاف السعي كذا قال ابن حجر في حاشية الإيضاح وتعقب بأن قول المجموع ويستحب قراءة القرآن فيه الخ. لا يدل على أفضليتها على الذكر فيه فقد نقل في الطواف الحكم باستحباب القراءة فيه ثم عقبه بالتفصيل في تفضيل الذكر عليها فهو صريح في أن مجرد استحبابها لا ينافي تفضيل الذكر المأثور ولا يقتضي أفضليتها فتأمله أي بخلاف عبارته هنا وفي الإيضاح فإنها ظاهرة في تفضيلها على الذكر مطلقًا والله أعلم. فصل قوله: (مَنًى) هو بالتنوين إن أريد به المكان وعدمه أن أريد به البقعة. قوله: (أَنْ يقول اللهُم الخ) قال الحافظ لم أره مرفوعًا ووجدته في كتاب المناسك للحافظ أبي إسحاق الحربي لكنه لم ينسبه لغيره اهـ. وقال الإيجي واستحسن بعض العلماء أن يقول فذكره وهو حسن ولا نعلم له أصلًا. قوله: (إِياكَ) أي لا غيرك (أرْجو) إذ لا فاعل بالاختيار إلّا أنت والغير لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا ولا خفضًا ولا رفعًا. قوله: (صالحَ أَمَلِي) من إضافة الصفة إلى الموصوف أي أملي الصالح الحسن من القبول والتفضيل بنيل المأمول. قوله: (وامنُنْ عَلي بمَا منَنْتَ) أي بالأمر العظيم المشار إليه بقوله تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وفي تعقيبه بقوله: {إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} الاستدلال على أن تفضل المولى بذلك على من شاء من عباده لا يتوقف على سبب ولا شرط من حسن عمل ونحوه بل هو على كل ما شاءه وأراده قدير. قوله: (وإذَا سارَ منْ مِنى) أي وذلك في تاسع ذي الحجة بعد أن تطلع الشمس على ثبير وهو جبل عظيم عالٍ بلا خلاف واختلف في محله هل هو بمزدلفة على يمين الذاهب من منى إلى عرفات

يقول اللهم إليك توجهت ووجهك الكريم أردت فاجعل ذنبي مغفورا وحجي مبرورا وارحمني ولا تخيبني إنك على كل شيء قدير، ويلبي ويقرأ القرآن ويكثر من سائر الأذكار والدعوات ومن قوله اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ـــــــــــــــــــــــــــــ قاله المصنف وتبعه جمع عليه أو بمنى على يسار الذاهب المقابل لمسجد الخيف وقول الجوهري هو بمكة قال الطبري لعله أراد بقربها فتجوز وذلك جائز وهذا هو المشهور وهو المشرف من منى على جمرة العقبة إلى تلقاء مسجد الخيف وأمامه قليلًا على يسار الذاهب إلى عرفة اهـ. قال الحافظ والقول في هذا الذكر كالذي قبله. قوله: (إِليَكَ) أي إلى فضلك وعبادتك لا إلى غيرك توجهت وليكن مقبلًا بقلبه متوجهًا إلى ربه حال نطقه بهذا الكلام وإلا كان كاذبًا على من لا تخفى عليه خافية فيستحق الطرد والمقت نظير ما سبق في وجهت وجهي الخ. قوله: (ووجْهَكَ) أي ذاتك الكريم لا غير كما يؤذن به التقديم على أردت. قوله: (مبْرورًا) أي خالصًا من الآثام ومقبولًا بمحض الفضل والأنام. قوله: (ولا تخيِّبني) أي فالكريم لا يخيب من قصده ولا يمنع رفده وفده. قوله: (ويُلبى الخ) أي يكثر من أعمال الطاعات بلسانه وأركانه وجنانه حسب طاقته وقدر استطاعته فإن ذلك اليوم سيد الأيام كما ورد وسيد الأيام يوم عرفة وفيه تغفر الآثام وتبلغ الأنام المرام من محض فضل الله تعالى ذي الجلال والإكرام. تم الجزء الرابع من الفتوحات الربانية.

فصل في الأذكار والدعوات المستحبات بعرفات

بسم الله الرحمن الرحيم فصل في الأذكار والدعوات المستحبات بعرفات: قد قدَّمنا في أذكار العيد حديثَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خَيرُ الدعاءِ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَخَيرُ ما قُلْتُ أنا والنبِيُون مِنْ قَبْلي: لا إلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لهُ، لهُ المُلْكُ ولهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُل شَيءٍ قَدِيرٌ". ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل قوله: (بعرفات) قال السفاقسي: عرفات اسم جبل وهو مؤنث وحكى سيبويه هذه عرفات مباركًا فيها وهي مرادفة لعرفة وقيل: إنها جمع فإن عني في الأصل فصحيح وإن عنى مع كونها علمًا فليس بصحيح لأن الجمعية تنافي العلمية وقال قوم: عرفة اسم لليوم وعرفات اسم للبقعة والتنوين في عرفات ونحوه تنوين المقابلة وقبل تنوين صرف واعتذر عن كونه منصرفًا مع التأنيث والعلمية بأن التأنيث إن كان بالتاء التي في اللفظ كطلحة فالتي في عرفات ليست للتأنيث وإنما هي والألف قبلها علامة جمع المؤنث وإن كان بالتقدير كسعاد فلا يصح لأن هذه التاء لاختصاصها بجمع المؤنث تمنع من تقديرها كما لا يقدر التأنيث في بنت لأن التاء التي هي بدل عن الواو لاختصاصها بالمؤنث تمنع من تقديرها وأجري عرفات في القرآن مجرى ما لم بسم به من إبقاء التنوين في الجر ويجوز حذفه حال التسمية وحكى الكوفيون والأخفش إجراء ذلك مجرى فاطمة وأنشد بيت امرئ القيس: تنورتها من أذرعات وأهلها ... بيثرب أدنى دارها نظر عالي اهـ وقد أفاد ابن مالك وغيره أن هذا البيت أنشد بالأوجه الثلاثة وقد بسطت هذا المحل في شرحي على ألغاز شيخي العلامة عبد الملك العصامي المسمى بغنية المعتاز في شرح الألغاز واختلف في وجه تسميتها بذلك فقيل لتعارف آدم وحواء بها وقيل لأن جبريل عرف الخليل المناسك يوم عرفة وقيل: لأن النّاس يعترفون فيها بذنوبهم وقيل غير ذلك قال الفارسي وفي ذلك تسعة أقوال عشرة إلا واحدًا. قوله: (قدمنا في أذكار العيد الخ) وكذا تقدم الكلام على ما يتعلق بسنده ومتنه في ذلك الباب

فيستحب الإكثار من الذكر والدعاء، ويجتهد في ذلك، فهذا اليوم أفضل أيام السنة للدُّعاء، وهو مُعْظَم الحج، ومقصودُه والمعوّلُ عليه، فينبغي أن يستفرغ الإنسان وُسعَه في الذِّكْر والدُّعاء، وفي قراءة القرآن، وأن يدعوَ بأنواع الأدعية، ويأتيَ بأنواع الأذكار، ويدعو لنفسه، ويذكرَ في كل مكان، ويدعو منفردًا ومع جماعة، ويدعوَ لنفسه، ـــــــــــــــــــــــــــــ والله أعلم بالصواب. قوله: (فيستحب الإكثار من هذا الدعاء والذكر) أي لا إله إلا الله الخ. لأنه نص - صلى الله عليه وسلم - على أن ذلك أفضل ما قاله هو والنبيون من قبله. قوله: (فهذا اليوم أفضل أيام السنة للدعاء الخ) وقد صح أنه سيد أيام السنة وهو معظم الحج وقد ورد فيه صلوات بأسانيد ضعيفة جدًّا أو رد بعضها في القرى وقراءة سورة معينة فروى المستغفري مرفوعًا من قرأ في يوم عرفة: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ألف مرة أعطى ما سأل وقراءة سورة الحشر لأثر في ذلك عن علي بت أبي طالب. قوله: (وهو معظم (الحج) أي الوقوف بعرفة معظم الحج إذ بإدراكه يدرك الحج وبفواته يفوت ولذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "الحج عرفة" قيل: وهو أفضل أركانه لتوقفه عليه ولما فيه من الفضل العظيم والشرف اليم. قوله: (فينبغي أن يستفرغ الإنسان وسعه الخ) أي يكون دعاؤه جامعًا بين شرف الزمان والمكان والإخوان فهم القوم الذين لا يشقى بهم جليسهم. قوله: (ويدعو بأنواع الأدعية ويأتي بأنواع الأذكار) هذا تعميم بالنسبة للمأتي به وأفضله الماثور وهو كثير جدًّا أورد جملة كثيرة منه الشيخ جاد الله ابن الشيخ عز الدين بن فهد في مؤلفه المسمى بالقول المبرور والعمل المشكور في فضل عرفة ودعائها المأثور. قوله: (ويدعو ويذكر في كل مكان) أي فقد ورد أن الله يحب الملحين في الدعاء وسبق حديث سبق المفردون وهذا تعميم في المكان. قوله: (ويدعو منفردًا) أي على أي حال كان من قيام وقعود واضطجاع (ومع جماعة) وهذا تعميم في الأحوال وقد مدح الله ذاكريه في القيام والقعود المراد به عند جمع الذكر في سائر الأحوال، . قوله: (ويدعو لنفسه) أي ويبدأ بها وقد

ووالديه، وأقاربه ومشايخه، وأصحابه، وأصدقائه، وأحبابه، وسائر من أحسن إليه، وجميع المسلمين، وليحذر كل الحذر من التقصير في ذلك كلِّه، فإن هذا اليوم لا يمكن تداركه، بخلاف غيره، ولا يتكلَّف السجع في الدعاء، فإنه يشغل القلب، ويذهب الانكسار، والخضوع، والافتقار، والمسكنة والذِّلَّة، والخشوع، ولا بأس بأن يدعوَ بدعواتٍ محفوظةٍ معه، له أو غيره، مسجوعة ـــــــــــــــــــــــــــــ ورد في الحديث ابدأ بنفسك وفي صحيح مسلم في قصة موسى مع الخضر رحمة الله علينا وعلى موسى، قال: وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه رحمة الله علينا وعلى أخي فلان. قال المصنف: قال العلماء: فيه استحباب ابتداء الإنسان بنفسه في الدعاء وشبهه من أمور الآخرة أما حظوظ الدنيا فالأدب فيها الإيثار وتقديم غيره على نفسه اهـ. وقوله ويدعو لنفسه هذا تعميم للمدعو لهم وواو يدعو لام الكلمة وفي بعض الأصول كتابة ألف بعدها وقد حكى ابن قتيبة في أدب الكاتب في كتابة الألف بعد الواو التي هي لام الكلمة وحذفها وجهين نقلهما المصنف في شرح مسلم الأول قول الكتاب المتقدمين والثاني قول بعض المتأخرين وهو الأصح. قوله: (وأحبائه) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة والمد أي من يحبهم ويحبونه ويجوز أن يكون بموحدتين بينهما ألف جمع حبيب بمعنى محب ومحبوب من استعمال المشترك في معنييه وهو جائز عندنا. قوله: (ووالديه) أي فيدعو لهما ويترحم عليهما وليمتثل في ذلك قوله تعالى: (وَقُل ربِّ ارْحمهُمَا كَمَا رَبيَاني صَغِيرًا) وليكثر من الاستغفار لهما فإن ذلك من البر المشروع في حقهما وقد روى أبو داود عن أبي أسيد قال: بينا نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما بعد موتهما قال: "الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما" وقد تقدم ما يتعلق بذلك في أواخر الجنائز. قوله: (وسائر -أي جميع- من أحسن إليه) فيكون أعم مما قبله أو باقي من أحسن إليه فيكون غيره وتقدم تحقيق الخلاف في معنى سائر في آخر الخطبة من أول هذا الكتاب. قوله: (ويذهب الانكسار) أي لأنه ربما

إذا لم يشتغل بتكلُّف ترتيبها ومراعاة إعرابها. والسُّنَّة أن يخفض صوته بالدعاء، ويكثر من الاستغفار والتلفظ بالتوبة من جميع المخالفات، مع الاعتقاد بالقلب، ويلح في الدعاء، ويكرره، ولا يستبطئ الإجابة، ويفتحَ دعاءه ويختِمَه بالحمدِ الله تعالى والثناءِ عليه سبحانه وتعالى، والصلاة ـــــــــــــــــــــــــــــ رزق حظًّا من البلاغة فإذا رتبه كذلك حصل له به عجب وافتخار فاستبدلهما عما يطلب من لباس المسكنة والافتقار فكان في فتحه ذلك المقال حتفه إن لم يتداركه ربه بأنواع الرحمة والإفضال ولهذا المعنى لم يعتن كثير من السلف مع كمال بلاغتهم بالبلاغة في ألفاظ الدعاء لأن المقام للافتقار ومزيد الذلة والانكسار والله أعلم. قوله: (إذا لم يشتغل بتكلف ترتيبها ومراعاة اعرابها) ظاهر هذا الكلام إن تحري إعرابه مكروه كتحري السجع وهو ظاهر إن نافى الخشوع والا ففيه تفصيل حاصله إن ظاهر كلام الحليمي والخطابي إن تجنب اللحن الدعاء من الشروط لكن عدة غيرهما من الآداب وجمع يحمل الأول على لحن يغير المعنى من قادر عليه والثاني على خلافه وعلى الأول يحمل حديث لا يقبل الله دعاء ملحونًا ويدل له قول ابن الصلاح إن اللحن ممن لا يستطيع غيره لا يقدح في الدعاء ويعذر فيه. قوله: (والسنة أن يخفض صوته في الدعاء) أي لأنه أقرب إلى الإخلاص وأبعد عن اطلاع النّاس نعم إن أراد التعليم جهر بقدر الحاجة ويكره الإفراط برفع الصوت لحديث أبي موسى كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا وارتفعت أصواتنا فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا" رواه الشيخان. قوله: (ويكثر من الاستغفار) أي بلسانه مع الإذعان لمضمونه بجنانه. قوله: (مع الاعتقاد بالقلب) قيد فيما قبله من التوبة والاستغفار جميعًا. قوله: (ويلح في الدعاء) لما في الحديث إن الله يحب الملحين في الدعاء. قوله: (ولا يستبطئ الإجابة) أي فقد يكون الخير في تأخيرها وقد يكون ادخر الله تعالى ثواب تلك المسألة عنده وفي الصحيحين يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول: دعوت فلم يستجب لي. قوله: (ويفتتح دعاءه بالحمد الخ) قال بعض العلماء للدعاء أركان وأجنحة وأسباب وأوقات فإن

والتسليم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وليختمه بذلك، وليحرصْ على أن يكون مستقبل الكعبة وعلى طهارة. وروينا في كتاب الترمذي عن علي رضي الله عنه قال: أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة في الموقف: "اللهُم لكَ الحَمْدُ كالذِي نَقُولُ، وَخَيرًا مِمَا نَقُولُ، اللهم لَكَ صَلاتي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وممَاتي، وإلَيْكَ مَآبي، ولكَ رَب تُرَاثي، اللهم إني أعُوذُ بكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَوَسْوَسَةِ الصَّدْرِ، وَشَتاتِ الأمرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وافق أركانه قوي وإن وافق أجنحته طار في السموات وإن وافق أوقاته فاز وإن وافق أسبابه نجح فاركانه حضور القلب والرقة والخشوع وتعلق القلب بالله تعالى وحده وأجنحته الصدق ومواقيته الأسحار وأسبابه الحمد الله والصلاة أي والسلام على سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - اهـ. وفي الحديث لا تجعلوني كقدح الراكب اجعلوني أول كل دعاء وأوسطه وآخره وتقدم تخريجه في كتاب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وينبغي ختمه بالتأمين. قوله: (وليختمه بذلك) ويأتي به في الأثناء أيضًا. قوله: (وروينا في كتاب الترمذي الخ) قال الحافظ بعد تخريجه من طرق هذا حديث غريب من هذا الوجه وقد تقدم في العيدين من وجه آخر عن علي فيه زيادة وهذه الطريق أي التي أخرجها في هذا الباب أخرجها الترمذي وقال غريب وليس إسناده بالقوي وأخرجه ابن خزيمة وقال: خرجته وإن لم يكن ثابتًا من جهة النقل لأنه من الأمر المباح اهـ. قوله: (كالذي تقول) بالمثناة الفوقية كذا ضبطه الشيخ عبد الوارث في شرح مناسك شيخه والذي في نسخة مصححة من الأذكار بالنون ولعله أقرب. قوله: (مما نقول) بالنون قوله: (ونسكي) بضمتين أي عبادتي. قوله: (ومحياي ومماتي) أي هما طوع إرادتك وقدرتك. قوله: (تراثي) قال الواحدي هو المال وأصله وارث فأبدلت الواو المضمومة مثناة فوقية وفي الصحاح أصل التاء فيه الواو تقول ورثت أبي وورثت الشيء من أبي إرثه بالكسر اهـ. والمراد إرثي ومالي كله لك إذ ليس لأحد معك ملك. قوله: (ووسوسة الصدر) أي الوسوسة الكائنة من النفس أو من الشيطان الحاصلة في الصدر. قوله: (وشتات الأمر) بفتح الشين أي تفرقة الخواطر في أمر الدين بالاشتغال في أمور الدنيا فاجعله لي بتحصيل المهم

اللهُم إني أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ مَا تَجِيءُ بِهِ الرِّيحُ". ويستحبُّ الإكثار من التلبية فيما بين ذلك، ومن الصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن يكثر من البكاء مع الذكر والدعاء، فهنالك تُسْكَبُ العبراتُ، وتستقال العَثراتُ، وتُرتجى الطلباتُ، وإنه لموقف عظيم، ومجمع جليل، يجتمع فيه خيار عباد الله المخلصين، وهو أعظم مجامع الدنيا. ومن الأدعية المختارة: "اللهُم آتنا في ـــــــــــــــــــــــــــــ الأهم بأن تجعل أكثر همي هم الدين وقد ورد من جعل الهموم همًّا واحدًا هم آخرته كفاه الله أمر دنياه. قوله: (من شر ما تجيء به الريح) قيل الباء للتعدية وقيل للملابسة والمستعاذ منه قيل: العذاب وقيل: إن ذلك كناية عن سوء القضاء والقدر. قوله: (وأن يكثر من البكاء) أي لما فيه من مزيد الانكسار والخضوع لعظمة الملك الجبار. قوله: (تسكب العبرات) أي لما فرط من الذنوب وسلف من العيوب وفات من الخيرات في الأيام الخاليات. قوله: (وتستقال العثرات) أي تطلب الإقالة من العثرات أي بغفرانها وقد روي ما رؤي الشيطان أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة لما يرى من كثرة الرحمات والعفو عن عظائم السيئات روي أنه - صلى الله عليه وسلم - سأل لأمته عشية عرفة المغفرة فأجيب لما عدا المظالم فإنه تعالى يأخذ للمظلوم من الظالم قال - صلى الله عليه وسلم -: "أي رب إن شئت أعطيت المظلوم من الجنة وغفرت للظالم" فلم يجب عشية عرفة فلما أصبح بالمزدلفة أعاد الدعاء فأجيب فضحك - صلى الله عليه وسلم - فسأله أبو بكر وعمر فقال: "إن عدو الله إبليس لما استجيب لي حثى التراب على رأسه ودعا بالويل والثبور فأضحكت لما رأيت من جزعه". قوله: (وترتجي الطلبات) أي حصولها وقد ورد أن ابن عبد الله رأى رجلًا يسأل في يوم عرفة فقال: يا عاجز أفي هذا اليوم يسأل غير الله أخرجه أبو نعيم في الحلية وفي إيضاح المناسك للمصنف أن الفضيل قال: أرأيتم لو أن هؤلاء النّاس يعني أهل الموقف سألوا إنسانًا دانقًا كان يمنعهم منه قالوا: لا، قال: والله للمغفرة أهون على الله من الدانق على أحدكم. قوله: (يجتمع فيه خيار عباد الله الخ) أي الذين يباهي بهم الله ملائكته ويشهدهم على مغفرته لهم وأي فخر يذكر فوق ذلك ولذكر الله أكبر. قوله: (ومن الأدعية المختارة الخ) قال الحافظ: هذا الذي ذكره

الدُّنْيا حَسَنَةً، وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وقِنا عَذَابَ النارِ". "اللَّهُمَّ إني ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وإنه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ فاغْفِرْ لي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْني إنكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحيمُ". "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي مَغْفِرَةً تُصْلِحْ بِها شَأني في الدَّارَينِ، وارْحَمْني رحمَةً أسْعَدْ بِها في الدّارين، وتُبْ عليَّ تَوْبَةً نصوحًا لا أنْكُثها أبَدًا، وألْزِمْني سَبِيلَ الاسْتقَامَةِ لا أزيغ عَنْها أبَدًا". "اللَّهُمَّ انْقُلْني مِنْ ذُل المَعْصِيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ مجموع من أحاديث تقدم أي الأول منها قريبًا ويأتي قريبًا أيضًا والثاني تقدم في باب الدعاء بعد التشهد أي من حديث الصديق والثالث لم أقف عليه مسندًا والرابع تقدم في باب ما يقول من غلبه الدين والخامس وقع بعضه في حديث أبي سعيد بسند ضعيف في مسند الفردوس اهـ. والدعاء المختار في هذا المحل كثير وقد ذكر الزعفراني منه نحو عشرين ورقة لكن قال الأذرعي ولا أحسب له أصلًا أي مجموع ذلك وإلا فقد خرج الحافظ في الأمالي بعض أحاديث وآثارًا في ذلك والله أعلم وأورد بعضًا منها جدي في مثير شوق الأنام. قوله: (فاغفر لي مغفرة) أي عظيمة يتسبب عنها صلاح الدارين والشأن كما سبق الأمر، وكون الغفران سببًا في صلاح الآخرة ظاهر أما الدنيا فلأنه حينئذٍ ينتظم في سلك الخالص من العصيان المستدعي للحرمان كما ورد في الحديث إن العبد ليمنع من الرزق بالمعصية يفعلها أو كما ورد. قوله: (وارحمني) أي أرد لي الخير في الدارين وافعل بي ذلك. قوله: (توبة نصوحًا) هو بفتح النون صفة التوبة وبضمها مصدر وصف به التوبة على سبيل المبالغة روي عن عمر وعبد الله أنها التي لا عودة بعدها كما يعود اللبن للضرع ورفعه معاذ للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقوله: إلا أنكثها أبدًا) كالتفسير لها. قوله: (سبيل الاستقامة) أي امتثال الأوامر واجتناب النواهي وفي الرسالة القشيرية الاستقامة درجة بها كمال الأمور وتمامها وبوجودها حصول الخيرات ونظامها ومن لم يكن مستقيمًا في حالته ضل سعيه وخاب جهده وفيها قيل: إن الاستقامة لا يطيقها إلا الأكابر لأنها الخروج عن المعهودات ومفارقة الرسوم والعادات والقيام بين يدي الله تعالى على حقيقة الصدق فلذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: "استقيموا ولن تحصوا" اهـ. قوله: (لا أزيغ) أي لا أميل. قوله: (من ذل المعصية الخ) قال ابن القيم في

فصل في الأذكار المستحبة في الإفاضة من عرفة إلى مزدلفة

إلى عزَّ الطَاعَةِ، وأغْنِني بِحَلالِكَ عَنْ حرامك، وبطاعتك عن مَعْصِيَتِكَ، وَبِفَضْلِكَ عَمَّن سِواكَ وَنَوِّر قَلْبي وقَبرِي، وأعِذْني مِنَ الشَّر كُلِّهِ، واجْمَعْ لي الخَيرَ كُلَّهُ". فصل في الأذكار المستحبة في الإفاضة من عرفة إلى مزدلفة قد تقدّم أنه يستحبُّ الإكثار من التلبية في كل موطن، وهذا من آكدها. ويكثر من قراءة القرآن، ومن الدعاء. ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الدواء والداء قرن الله تعالى ذله بعصيانه وعفوه بطرق رضوانه فالعاصي لا يخلو من ذل أبدًا وإن كان في أعلى درجات العز في الصورة الظاهرة وكفى من ذلة حالها أنه لو حرك الهوى عليه الباب اعتراه الوجل والاضطراب. قوله: (ونور قلبي) أي بأنوار الإيمان والعرفان. قوله: (وقبري) أي بالأنوار التي جعلتها لعبادك الصالحين في قبورهم. قوله: (وأعذني من الشر كله الخ) تعميم بعد تخصيص لما ذكر جملًا من المستعاذ منه وجملًا من المطلوب عقبه بالاستعاذة من كل شر وضير وسؤال كل نفع وخير والله أعلم. فصل قوله: (في الإفاضة) الإفاضة في الأصل مصدر أفاض إناءه إذا أملأه حثى أسأله وسمي الدفع من عرفة إفاضة لكثرة الدافعين تشبيهًا بفيض الماء أشار إليه الراغب في مفرداته. قوله (إلى مزدلفة) وسميت بذلك لأن الحجاج يقربون منها إلى منى من الازدلاف وهو القرب وقيل لاجتماع الناس بها والاجتماع الازدلاف وقيل: لأن الناس يأتونها في زلف من الليل أي ساعات منه وتسمى: "جمعًا" قيل: لاجتماع الناس بها وقيل: لاجتماع آدم وحواء فيها وقيل: لجمع العشاءين بها. قوله: (قد تقدم أنه يستحب الإكثار من التلبية الخ) وسبق حديث الفضل بن العباس رضي الله عنهما فلم يزل - صلى الله عليه وسلم - يلبي حتى رمى جمرة العقبة. قوله: (ويكثر من قراءة القرآن) أي لأنه أفضل الأذكار والاشتغال به أفضل من الاشتغال بغيره إلا ما ورد عن الشارع فيه ذكر مخصوص فالاشتغال به فيه أفضل للاتباع. قوله: (ومن الدعاء) قال المصنف في إيضاح المناسك وهذه الليلة وهي ليلة العيد ليلة عظيمة جامعة لأنواع من الفضل منها شرف

ويستحبُّ أن يقول: لا إله إلا الله، واللهُ أكْبَرُ. ويكرر ذلك. ويقول: إلَيْكَ اللهُم أرْغَبُ، وإيَّاكَ أرْجُو، فَتَقَبَّلْ نُسُكِي، وَوَفِّقْني، وارْزُقني فيهِ منَ الخَيْرِ أكثَرَ ما أطْلُبُ، ولا تُخَيِّبْني، إنكَ أنتَ اللهُ الجَوَّادُ الكَريمُ، وهذه الليلة هي ليلة العيد، وقد تقدم في أذكار العيد بيان فضل إحيائها بالذكر والصلاة، وقد انضم إلى شرف الليلة ـــــــــــــــــــــــــــــ الزمان والمكان فإن المزدلفة من الحرم وانضم إلى ذلك جلالة أهل الجمع الحاضرين بها وهم وقد الله تعالى وخير عباده ومن لا يشقى بهم جليسهم فينبغي أن يعتني الحاضرون بها بإحيائها بالعبادة من الصلاة والتلاوة والذكر والدعاء والتضرع اهـ. قوله: (ويستحب أن يقول: لا إله إلا الله الخ) قال الحافظ: أخرج ابن خزيمة في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقف حتى غربت الشمس فأقبل يكبر الله ويهلله ويعظمه ويمجده حثى انتهى إلى المزدلفة وتقدم في أذكار العيدين ما يتعلق بالتكبير ومنه حديث أبي هريرة زينوا الأعياد بالتكبير ومنه حديث جابر في صفة التكبير: الله أكبر ثلاثًا لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. قوله: (ويقول اللهم إليك أرغب الخ) قال الحافظ: وهو حسن ولم أره مأثورًا. قوله: (إليك) أي لا إلى غيرك كما يؤذن به تقديم المعمول (أرغب) أي في نيل مطلوبي لأنك القادر عليه. قوله: (فتقبل نسكي) أي ما أنا فيه من الحج أو الحج والعمرة إن كان قارنًا والنسك في الأصل العبادة ثم صار في لسان أهل الشرع مخصوصًا بالحج والعمرة. قوله: (الجواد) هو بتخفيف الواو أي كثير الجواد أي العطاء وقد ورد في حديث مرسل اعتضد بحديث مسند بل روى أحمد والترمذي وابن ماجه حديثًا طويلًا فيه ذلك فإني جواد ماجد وذلك دليل على جواز الإطلاق إذ لا فرق عند الورود في الكتاب أو الخبر المقبول بين المعرف والمنكر إذ تعريف المنكر لا يغير معناه وقوله: "إنك أنت الله" الخ تعليل لما تضمنه ما قبله أي تقبل نسكي فإنك أنت الله الحائز لأوصاف الكمال ومنها قبول عمل العمال ووفقني فأنت جواد أي كثير الجود والعطاء فامنن علي بذلك وأعطني أكثر مما أسأل فأنت كريم والكريم يبدأ بالنول قبل السؤال والله أعلم بحقيقة الحال.

فصل في الأذكار المستحبة في المزدلفة والمشعر الحرام

شرف المكان، وكونه في الحرم والإحرام، ومجمع الحجيج، وعقيب هذه العبادة العظيمة، وتلك الدعوات الكريمة في ذلك الموطن الشريف. فصل في الأذكار المستحبة في المزدلفة والمشعر الحرام: قال الله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [البقرة: 198]، ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (شرف المكان وكونه من الحرم) ظاهره إن لمكان المزدلفة شرفًا من حيث ذاتها وشرفًا من حيث كونها من الحرم وظاهر عبارة إيضاح المناسك أن شرف مكانه كونه من الحرم هذا إن أعيد الضمير من كونه على المضاف إليه أي المكان كما هو الظاهر أما إذا أعيد إلى الذاكر فيكون في الكلام إطناب إذ كونه بمزدلفة يغني عن قوله وكونه في الحرم. قوله: (ومجمع الحجيج) ضبط في أصل مصحح بالنصب عطفًا على محل خبر الكون. وله: (وتلك الدعوات) أي وكون تلك الدعوات أي التي يطلب منه الإكثار منها بمزدلفة (في ذلك الموطن) أي مزدلفة الحائز لشرف المكان مع شرف المكين إذ هي مجمع الحجيج مع شرف الزمان إذ هي خاتمة ليالي العشر والله تعالى أعلم والمراد بالموطن هنا المكان ووصفه بالشرف باعتبار كونه من الحرم وكونه من محال النسك. فصل قوله: (فإذا أفضتم) أي اندفعتم يقال: أفاض الإناء إذا امتلأ حتى ينصب من نواحيه قال القرطبي: وقيل: أفضتم أي دفعتم بكثرة فمفعوله محذوف وعلى الثاني: أي أفضتم أنفسكم. قوله: (فاذكروا الله) أي بالدعاء والتلبية. قوله: (عند المشعر) هو مأخوذ من الشعار أي العلامة لأنه من معالم الحج وأصل الحرم المنع فهو ممنوع أن يفعل فيه ما لم يؤذن فيه وسيأتي بيان المشعر في الأصل. قوله: (واذكروه كما هداكم) كرر الأمر تأكيدًا كما تقول: ارم ارم وقيل الأول أمر بالذكر عند المشعر الحرام والثاني أمر بالذكر على حكمة الإخلاص وقيل المراد بالثاني تعديد النعم وأمر بشكرها ثم ذكرهم بحال ضلالهم ليظهر قدر الإنعام بقوله {وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ}

فيستحبُّ الإكثار من الدعاء في المزدلفة في ليلته ومن الأذكار والتلبية وقراءة القرآن، فإنها ليلة عظيمة، كما قدمناه في الفصل الذي قبل هذا. ومن الدعاء المذكور فيها: اللهُم إني أسألُكَ أنْ تَرْزُقَني في هذا المكان جَوامِعَ الخَيْرِ كُلِّهِ، وأنْ تُصْلِحَ شأنِي كُلَّهُ، وأنْ تَصْرِفَ عَني الشَّرَّ كُلَّهُ، فإنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذلكَ غَيْرُكَ، وَلا يَجُودُ بِهِ إلا أنتَ. وإذا صلى الصبح في هذا اليوم صلَّاها في أوَّل وقتها، وبالغ في تكبيرها، وثم يسير إلى المشعر الحرام، ـــــــــــــــــــــــــــــ والكاف في كما نعت لمصدر محذوف وما مصدرية أو كافة والمعنى اذكروه ذكرًا حسنًا كما هداكم هداية حسنة أو اذكروه كما علمكم كيف تذكرونه لا تعدلوا عنه وإن مخففة من الثقيلة يدل على ذلك دخول اللام في الخبر قاله سيبويه وقال الفراء: هي نافية بمعنى ما واللام فيه بمعنى إلا وقيل هي بمعنى قد أي قد كنتم قبله أي قبل إنزاله أي القرآن أو قبل إرساله أو قبل الهدي قال القرطبي: وهذا أظهر. قوله: (فيستحب الإكثار من الدعاء في المزدلفة الخ) أي لما اجتمع فيها من شرف المكان والزمان مع ما ورد في إحيائها وما ورد أنه - صلى الله عليه وسلم - اضطجع ليلتئذٍ لا يلزم منه النوم وبفرضه فلعله كان خفيفًا لبيان الجواز وقلبه - صلى الله عليه وسلم - لا ينام. قوله: (ومن الدعاء المذكور فيها) قال الحافظ: لم أره مأثورًا لكن تقدم الدعاء بصلاح الشأن وورد في الدعاء بجوامع الخير ما أسنده الحافظ من طريق الطبراني عن أم سلمة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يدعو فذكر حديث طويلًا وفيه: اللهم إني أسألك فواتح الخير وخواتمه وجوامعه وأوله وآخره وظاهره وباطنه والدرجات العلا من الجنة قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث حسن غريب أخرجه الحاكم مفرقًا في موضعين وقال صحيح الإسناد وأخرج الحافظ عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع عائشة تدعو فقال: ألا أدلك يا بنت أبي بكر على جوامع الدعاء قالت: بلى قال: تقولين اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم قال الحافظ بعد تخريجه: حديث غريب أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب الدعاء ورجاله موثقون إلا موسى بن عبيدة فإنه ضعيف ويكتب حديثه في فضائل الأعمال. قوله: (صلاها في أول وقتها) أي من غير خلاف بين الأئمة

وهو جبل صغير في آخر المزدلفة يسمى "قُزَح" بضم القاف وفتح الزاي، فإن أمكنه صُعودَه صَعِدَه، وإلا وقف تحته مستقبل الكعبة، ـــــــــــــــــــــــــــــ في ذلك ومحل الخلاف في استحباب المبادرة بالفجر في أول وقته لحديث أول الوقت رضوان الله وآخر الوقت غفران الله وبه قال الشافعي أو تأخيره إلى الأسفار لحديث أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر وبه قال أبو حنيفة في غير صبح هذا اليوم في هذا المكان فهي فيه مستثناة من ذلك ذكره صاحب الحرز وغيره وإنما طلبت المبادرة بها أول الوقت والتغليس فيها ليتسع الزمن للحاج لما عليه من الأعمال الكثيرة في ذلك اليوم. قوله: (وهو جبل صغير في آخر المزدلفة) هذا هو المعتمد المعروف في كتب الفقه وفي كثير من كتب التفسير والحديث أنه جميع المزدلفة ونقل القول به عن جمع من السلف ويدل للأول ما صح عن علي رضي الله عنه أنه - صلى الله عليه وسلم - لما أصبح بجمع أتى قزح فوقف عليه وقال: هذا قزح وهو الموقف وجمع كلها موقف يوافقه ما في حديث مسلم عن جابر في صفة حجة الوداع أنه - صلى الله عليه وسلم - لما صلى الصبح بالمزدلفة ركب ناقته القصوى حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة ودعا الله وهلله وكبره ولم يزل واقفًا حثى أسفر جدًّا وكونه - صلى الله عليه وسلم - لم يخبر أن قزح هو المشعر الحرام لا يؤثر لأن فعله صريح في ذلك وإلا لم يكن لارتحاله من محله إليه فائدة ومن ثم جزم علي وجابر في حديثهما المذكورين بأنه المشعر وبه يعلم أن إطلاقه في كلام كثير على المزدلفة مجاز أو محمول على أن أصل سنة الوقوف عنده يحصل بالوقوف في أي محل كان منها وقوله تعالى: (فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) ولم يقل فيه قرينة ظاهرة على أنه بعضها لا كلها وكون عند بمعنى في خلاف الظاهر وعبر المصنف هنا كالإيضاح بقوله في آخر المزدلفة أي في قرب آخرها مما يلي المأزمين فلا يعارضه قول المحب الطبري إنه بوسطها على أنه قيل ليس المراد حقيقة الوسط وقال في الإيضاح وقد استدل النّاس بالوقوف على قزح للوقوف علي بناء مستحدث في وسط المزدلفة قال ابن حجر تبع في هذا الرافعي وابن الصلاح واعترضه المحب الطبري حيث قال وهو يعني المشعر بأوسط المزدلفة وقد في عليه ثم حكى كلام ابن الصلاح ثم قال ولم أره غيره والظاهر إن الوقوف إنما هو على البناء الذي هو

فيحمَد الله تعالى، ويكبِّره، ويهلِّله ويوحِّده، ويسبِّحه، ويكثر من التلبية والدعاء. ويستحب أن يقول: اللهُم كما وَقَفْتَنا فِيهِ وأرَيْتَنَا إياهُ، فَوَفقْنا لِذِكْرِكَ كما هَدَيْتَنَا، واغْفِرْ لَنا وارْحَمْنا كما وَعَدْتَنا بِقَوْلِكَ، وَقَوْلُكَ الحَق {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} {ثُمَّ أَفِيضُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ قزح قال العز بن جماعة وما ذكره هو الظاهر الذي يقتضيه نقل الخلف عن السلف اهـ. وكذا قال الفيروزبادي في سفر السعادة: إنه تل صغير في وسط مزدلفة عليه عمارة محدثة وقول بعض مشايخ الحديث عن الفقهاء وهو جبل صغير على يسار الحاج وهذا البناء المشهور ليس بالمشعر سهو منهم والصحيح أن المشعر الحرا هـ هو البناء المعروف المعمور اهـ. وتقدم تأويل القول بأنه وسط مزدلفة. قوله: (فيحمد الله ويكبِّره الخ) أي للاتباع رواه جابر في حديث حجة الوداع. قولهه: (ويهلله) أي يقول: لا إله إلا الله (ويوحده) أي يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الخ وقال الحنفي أي قال: إنه واحد. قوله: (ويستحب أن يقول اللهم الخ) قال الحافظ: لم أره مأثورًا وكلام الشيخ يشير إلى أنه منتزع من الآية التي ذكرها وعزاه في شرح المهذب فقال واستحب أصحابنا أن يقول الخ قلت وفي الإيضاح واستحب أن يقول الخ. قوله: (اللهم كما وقفتنا) بتقديم القاف على الفاء أي اللهم كما مننت علينا بالوقوف في هذا المكان بمحض الإحسان (فوفقنا) دعاء من التوفيق أي فامنن علينا بالتوفيق للذكر شكرًا على نعمة الهداية أو بمعنى على. قوله: (بقولك) متعلق بقوله وعدتنا وفيه قراءة هذه الآية في ذلك المكان قال ابن حجر الهيتمي هذا ظاهر في ندب ما اعتيد من قراءة آية (إِنَّ الصَّفَا والمَروَةَ) إلى (عِليم) على الصفا والمروة بجامع أن كلًّا من الآيتين مذكر بشرف المحل المتلو فيه وحاث على الاعتناء به والقيام بحقوقه فكما استحبوا هذه هنا كذلك يستحب تلك هناك لذلك أيضًا اهـ. قوله: (ثم أفيضوا الخ) فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ثم افيضوا من حيث أفاض النّاس يعني من عرفة فإذا أفضتم من عرفات

مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 198، 199] ويكثر من قوله: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201]. ويستحبُّ أن يقول: "اللهُم ـــــــــــــــــــــــــــــ فاذكروا الله وقيل ثم بمعنى الواو أي وأفيضوا وقيل غير ذلك. قوله: (من حيث أفاض النّاس) قال أهل التفسير كانت قريش وحلفاؤها ومن دان بدينهم وهم الخمس يقفون بالمزدلفة ويقولون: نحن أهل الله وقطان حرمه فلا نخلف الحرم ويتعظمون أن يقفوا مع سائر العرب بعرفات فإذا أفاض النّاس من عرفة أفاض الخمس من مزدلفة فأمروا بالإفاضة من عرفة إلى جمع مع سائر النّاس وأخبرهم أنها سنة إبراهيم وإسماعيل على نبينا وعليهما الصلاة والسلام والناس هم العرب كلهم غير الخمس وقيل أهل اليمن وربيعة وقيل إبراهيم وحده وقيل آدم وحده ويؤيده أن ابن جبير كان يقرأ: "من حيث أفاض النّاس" بكسر السين يومئ إلى قوله تعالى: (فَنسِيَ وَلَم نِجد لَه عَزْمًا) وقيل المراد إبراهيم وآدم وغيرهما. قوله: (إن الله غفور) أي للمؤمنين (رحيم) بهم. قوله: (ويكثر من قوله ربنا آتنا الخ) قال الحافظ: تقدم في باب دعاء الكرب حديث أنس قال: كان أكثر دعاء يدعو به النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم آتنا في الدنيا الخ" وأخرج الحافظ عن ابن عوف محمد بن عبد الله الثقفي قال: سمعت عبد الله بن الزبير يخطب فذكر حديث طويلًا فيه وكان النّاس في الجاهلية إذا وقفوا عند المشعر الحرام دعوا فقال أحدهم: اللهم ارزقني إبلًا وقال الآخر: اللهم ارزقني غنمًا فأنزل الله تعالى: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200)} {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} إلى قوله {وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} قال الحافظ: هذا موقوف له حكم الرفع وفي سنده ضعف وللحديث شاهد أخرجه الطبراني من رواية القاسم بن عثمان عن أنس ولفظه كانوا يدعون: اللهم أسقنا المطر وأعطنا على عدونا الظفر وردنا صالحين إلى صالحين فنزلت ومن طريق مجاهد كانوا يقولون: ربنا آتنا رزقًا ونصرًا ولا يسألون لآخرتهم شيئًا فنزلت. قوله: (ويستحب أن يقول اللهم لك الحمد كله الخ) قال الحافظ: لم أره مأثورًا وورد بعضه غير مقيد في حديث لأبي سعيد أخرجه ابن منصور في مسند الفردوس ولفظه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل سأله: أي الدعاء خير؟ قال: "قل اللهم لك الحمد كله ولك الشكر كله ولك الملك كله

لكَ الحَمْدُ كُلُّهُ، ولك الكَمالُ كُلهُ، ولك الجَلالُ كُلُّه، ولك التقديسُ كُلُّهُ، اللهم اغْفِرْ لي جَمِيعَ ما أسْلَفْتُهُ، وَاعْصِمْني فيما بَقِيَ، وَارْزُقْني عَمَلًا صَالِحًا تَرضَى بِهِ عَني يَا ذَا الفَضْلِ العَظِيمِ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أسألك الخير كله وأعوذ بك من الشر كله" وفي سنده خالد بن يزيد العمري وهو متروك وزاد بعضهم من حديث سعد بن أبي وقاص أن رجلًا قال: يا رسول الله علمني دعاء ينفعني الله به فذكر الحمد والشكر وبعده وإليك يرجع الأمر كله وسنده ضعيف قال الحافظ: وقد وجدت الحديث بتمامه بتغير يسير وإطلاق المحل ثم ساق إسناده إلى رجل من فدك عن حذيفة رضي الله عنه قال: بينما أنا أصلي سمعت متكلمًا يقول: اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله علانيته وسره أهل أن تحمد أبدًا إنك على كل شيء قدير اللهم اغفر لي جميع ما مضى من ذنوبي واعصمني فيما بقي من عمري وارزقني عملًا زاكيًا ترضى به عني قال: فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له فقال: ذاك ملك أتاك يعلمك كيف تحمد ربك قال الحافظ: رجاله موثقون إلا الفدكي يعني المبهم الراوي عن حذيفة فما عرفت اسمه ولا حاله فإن كان سمع من حذيفة فهو من كبار التابعين وقد أخرجه عن عثمان عن همام ولم يقل في روايته من أهل فدك وقال في روايته صالحًا بعد زاكيًا وقد أغفل من خرج رجال المسند ذكر هذا الفدكي قال الحافظ وروينا في فوائد أبي محمد عبد الله بن محمد بن يعقوب الحارثي بسنده إلى الأصمعي قال: رأيت أعرابيًّا بمنى يقول: اللهم إن ذنوبي لم تبق لي إلا رجاءك وأنا أرجوك لما لا أستوجبه وأسألك ما لا أستحقه اهـ. قوله: (لك الحمد) أي جميع أفراده فلا فرد منه في الحقيقة لغيره تعالى وإن جرى في الصورة كذلك ظاهرًا. قوله: (ولك الجلال) أي العظمة المستلزمة للاتصاف بكل صفة من صفات الكمال ومنها التنزه عن كل سمة من سمات النقص فهو تنزيه الصفات. قوله: (ولك التقديس) أي التنزيه عما لا يليق بجلال الذات. قوله: (وأعصمني) أي احفظني من المخالفات. قوله: (وأرزقني الخ) سأل أولًا ما يتسبب عنه بفضل الله تعالى النجاة من العذاب فهو من قبيل التخلية بالخاء المعجمة ثم سأل ثانيًا ما يتسبب عنه جزيل الثواب من جنة المآب ورضوان المنعم

فصل في الأذكار المستحبة في الدفع من المشعر الحرام إلى منى

اللهُم إني أسْتَشْفِعُ إلَيْكَ بِخَواصِّ عبَادِكَ، وأتَوَسَّلُ بِكَ إلَيْكَ، أسألُكَ أن تَرْزُقَني جَوامِعَ الخَيْرِ كُلَّه، وأن تَمُنَّ عَليَّ بِمَا مَنَنْتَ بِه على أوْلِيائِكَ، وأنْ تُصْلِحَ حالي في الآخِرَةِ والدُّنْيا يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. فصل في الأذكار المستحبة في الدفع من المشعر الحرام إلى منى إذا أسفر الفجر انصرف من المشعر الحرام متوجهًا إلى منى، وشعاره التلبية والأذكار والدعاء والإكثار من ذلك كلِّه، وليحرص على التلبية فهذا آخر زمنها، وربما لا يقدَّر له في عمره تلبيةٌ بعدَها. ـــــــــــــــــــــــــــــ الوهاب وذكره دون ما قبله لأنه أفخر قال تعالى: (وَرِضوَان من اللَّهِ أَكبَرُ) فهو من باب التحلية بالحاء المهملة. قوله: (اللهم إني أتشفع إليك الخ) قال الحافظ: لم أره مأثورًا وتقدم التوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في أذكار الحاجة من حديث عثمان بن حنيف وتقدم في باب أذكار المشي إلى المسجد أسألك بحق السائلين عليك من حديث أبي سعيد وتقدم الدعاء بجوامع الكلم ويأتي الدعاء بصلاح الحال قريبًا إن شاء الله تعالى اهـ. وكأنه يشير إلى منتزع هذه الأذكار. قوله: (بما مننت به على أوليائك) أي من العرفان والمحبة وغيرهما المومأ إليه بقوله تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ. قوله: (وأن تصلح حالي في الآخرة والدنيا) أي بصلاح الأعمال والاستقامة في الأقوال والأفعال فبذلك صلاح الآخرة وصلاح الدنيا بوجود الكفاف من الوجه الحلال والقناعة به وصون الوجه عن الغير وفي الحديث: اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا وفي رواية كفافًا. فصل قوله: (إذا أسفر الفجر انصرف من المشعر الحرام) أي إذا أسفر الفجر جدًّا بحيث ترى الإبل موضع أخفافها ويكره تأخير السير منه إلى طلوع الشمس كما في المجموع نقلًا عن الأم. قوله: (وشعاره التلبية والأذكار) أي لما سبق من حديث الفضل بن العباس رضي الله عنهم فلم يزل - صلى الله عليه وسلم - يلبي حتى رمى جمرة العقبة وهو في الصحيحين ورويا أيضًا عن ابن مسعود نحوه وسبق لذلك طرق أخرى قال الحافظ: وأما الإكثار من الدعاء والذكر فمستنده الآية المتقدمة أي فاذكروا الله كذكركم آباكم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فائدة إذا وصل وادي محسر -وهو بضم الميم وفتح الحاء وكسر السين المهملتين مسيل واد فاصل بين منى ومزدلفة سمي بذلك قيل: لأن قيل أصحاب الفيل حسر فيه كذا قال المصنف في الإيضاح وجزم به المحب الطبري وشيخه ابن خليل المكي لكن نظر فيه الفاسي بقول ابن الأثير إن الفيل لم يدخل الحرم بل وقف بالمغمس وقيل لأنه يحسر سالكيه ويتعبهم وتسميه أهل مكة وادي النار قيل: لأن رجل اصطاد فيه فنزلت نار فأحرقته وقيل لأن بعض الأنبياء رأى اثنين على فاحشة فيه فدعا عليهما فنزلت نار فأحرقتها -أسرع أي حرك دابته حتى يقطع عرض الوادي وكان عمر يوضع في وادي محسر ويقول: إليك تغدو قلقًا وضينها ... مخالفًا دين النصارى دينها أخرجه الحافظ وقال بعد تخريجه هذا أثر غريب من هذا الوجه وأخرج ابن أبي شيبة بسند فيه انقطاع عن عمر أيضًا أنه كان يقول كذلك وزاد فيه: معترضًا في بطنها جنينها وزاد عنه في طريق أخرى من طريق ابن عمر: قد ذهب الشحم الذي يزينها قال الحافظ: يوضع أي يسرع وزنًا ومعنى وجاء بلفظ يحرك ثم أخرج الحافظ عن هشام بن عروة من أبيه أن عمر كان يحرك في وادي محسر الحديث قال الحافظ وقد عقد ابن أبي شيبة للإيضاع هنا بابًا ذكر فيه أحاديث مرفوعة وموقوفة وبعضها في الصحيح ونقل عن ابن عباس وبعض أنه لا يستحب وعن ابن عباس أنه أثبته هنا وكرهه عن الإفاضة من عرفة وفي المجموع نقلًا عن القاضي حسين يستحب أن يقال هذا المنقول عن عمر في المكان المذكور ونقل الرافعي وغيره أن السبب في الإسراع هنا أن نصارى العرب من أهل نجران كانوا يقفون هنا لا في المشعر الحرام فخولفوا ثم ذكر له مؤيدًا من حديث المسور بن مخرمة ولا يظهر عنه ذلك قال الحافظ ومما جاء من القول عند الدفع من مزدلفة ما أخرجه عبد الرزاق عن ابن عمر أنه كان يقول إذا هبط من محسر: اللهم غافر الذنوب جما ... أي عبد لك لا ألما قلت: وهذا الرجز أنشده الزبير بن بكار لأمية بن أبي الصلت قاله لما حضره الموت ولفظه: إن تغفر اللهم تغفر جما وأنشده ابن الكلبي للديان الحارثي

فصل في الأذكار المستحبة بمنى يوم النحر

فصل في الأذكار المستحبة بمنى يوم النحر: إذا انصرف من المشعر الحرام ووصل منى يستحبُّ أن يقول: الحَمْدُ للهِ الَّذِي بَلَّغَنِيها سالما مُعافىً، اللهُم هذِهِ مِنىً قدْ أتَيْتُها، وأنا عَبْدُكَ، وفي قَبْضَتِكَ، أسألُكَ أن تَمُنَّ عَليَّ بِمَا مَنَنْتَ بِهِ عَلى أوْليائِكَ، اللهُم إني أعُوذُ بِكَ مِنَ الحِرمَانِ والمُصِيبَةِ في دِينِي يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. فإذا شرع في رمي جمرة العَقَبة قطع التلبية مع أوَّل حصاة واشتغل بالتكبير، فيكبِّر مع كل حصاة، ـــــــــــــــــــــــــــــ جد بني عبد المدان رؤساء نجران ولفظه مثل أمية لكن قال: وكل عبد لك قد ألما وقد وجدته مرفوعًا عن ابن عباس في قوله تعالى: (إلا اللمم) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم إن تغفر تغفر جما ... وأي عبد لك لا ألما" قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث صحيح أخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد قلت وهو محمول على أنه - صلى الله عليه وسلم - تمثل به ومن ثم تغير وزن البيت اهـ. فصل قوله: (إذا انصرف الخ) ظرف لقوله المستحبة. قوله: (يستحب أن يقول الخ) قال الحافظ: لم أره مأثورًا. قوله: (سالمًا) أي من القواطع المانعة عن الوصول. قوله: (معافى) من الأسقام أو من الآثام إن كان أهل ذلك المقام. قوله: (اللهم إني أعوذ بك من الحرمان الخ) أخرجه الحافظ عن الأصمعي قال: رأيت أعرابيًّا بمكة يقول: اللهم إليك خرجت وما عندك طلبت فلا تحرمني خير ما عندك لشر ما عندي وإن أنت لم ترحم تعبي ونصبي فلا تحرمني أجر المصاب على مصيبتي. قوله: (فإذا شرع في رمي الجمرة الخ) هذا إن فعل بالأفضل من تقديم الرمي فإن قدم غيره من أسباب التحلل قطع التلبية به كما سبق. قوله: (فيكبر مع كل حصاة) أي للأتباع ففي حديث مسلم عن جابر في حجة الوداع: ثم سلك - صلى الله عليه وسلم - الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة وورد أصل ذلك في الصحيحين عن ابن مسعود وعند البخاري عن ابن عمر وعند أبي داود من رواية سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمه وهي التي يقال لها: أم جندب وقضية الأحاديث وكلامهم أنه يقتصر

ولا يُسنُّ الوقوفُ عندها للدعاء، وإذا كان معه ـــــــــــــــــــــــــــــ على تكبيرة واحدة قاله المصنف رادًّا به نقل الماوردي عن الشافعي تكريره له ثنتين أو ثلاثًا مع توالي كلمات بينهما كذا في التحفة لابن حجر الهيتمي لكن في حاشية الإيضاح له أن الذي رده المصنف ما حكاه في الإيضاح عن بعض العلماء من أنه يقول: الله أكبر ثلاثًا وفي الثالثة كبيرًا والحمد الله كثيرًا وسبحان الله بكرة وأصيلًا، لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصين له الدين ولو كره الكافرون لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده لا إله إلا الله والله أكبر فقال تعقبه في المجموع بأنه غريب وأن الذي في كتب الفقهاء والأحاديث الصحيحة أنه يكبر مع كل حصاة ومقتضاه مطلق التكبير قال وما ذكره هذا القائل طويل لا يحسن التفريق به بين الحصيات ثم قال وقال الماوردي قال الشافعي يكبر مع كل حصاة فيقول: الله أكبر ثلاثًا الخ اهـ. وظاهر كلام المجموع تقرير الماوردي على ما نقله عن الشافعي وهو ظاهر وإن اعترضه الأذرعي بأنه لم يره في الأم ولا البويطي والمختصر وكأن الغزي تبعه حيث قال: يكبر مع كل حصاة تكبيرة واحدة قال بعض تلاميذه ولا يخفى أن رد النووي له مقدم على تقريره إياه اهـ، وقول المصنف يكبر مع كل حصاة عبر به في المجموع والروضة وأصلها والإيضاح في رمي النحر وبه عبر الشافعي صريح في مقارنة التكبير لكل حصاة وما وقع في الفصل الثامن من الإيضاح في رمي أيام التشريق من أن التكبير عقب كل حصاة فمحول على اختصاص التعقيب برمي التشريق والمعية برمي جمرة العقبة وبه يشعر صنيع الإيضاح والمجموع حيث عبر فيهما في رمي يوم النحر بمع وفي رمي أيام التشريق بعقب وبذلك يشعر صنيع غيرهما قيل وهو وجيه إذ هو الوارد فيهما أو ضعيف خلافًا لمن قال إن ما هنا محمول على ذاك وأورد ما هنا بتأويل بعيد لا دليل عليه ثم رأيت وقوف بعض المتأخرين قال والمعروف من كلامهم المعية في الموضعين اهـ. قوله: (ولا يسن إلى قوف عندها للدعاء) عللوه بضيق المكان إذ ليس لجمرة العقبة سوى وجه واحد وبالوقوف عنده يشغل عن وقوف غيره فيه للرمي أما في باقي أيام التشريق فعللوه بأن التفاؤل بالقبول مع

هَدْي فنحره أو ذبحه، استحب أن يقول عند الذبح أو النحر: بِسْمِ اللهِ واللهُ أكْبَرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الفراغ من رميها قال بعض المتأخرين والتعليل به غير بعيد غير أن التفاؤل بذلك يعارضه طلب أن يقف للشكر على قبوله اهـ. فائدة أخرج الحافظ عن جابر رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو واقف على القرن يوم النحر وهو يقول: يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت برحمتك أستغيث فاكفني شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين وقال حديث حسن غريب ويعقوب بن محمد الزهري وثقوه وفيه مقال ويقال إن البخاري أخرج عنه وعمارة بن صياد وثقه مالك ومحمد بن معين الغفاري شيخ يعقوب بن محمد بن عباد بضم المهملة وتخفيف الموحدة الواسطي تلميذ يعقوب من رجال الصحيح وله شاهد من حديث أنس وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علمه فاطمة بنته لكن ليس فيه التقييد بيوم النحر وتقدم في أذكار المساء والصباح وعن أنس في باب دعاء الكرب لكن اقتصر على صدره ومن حديث ابن مسعود نحوه ومن حديث أبي بكرة طرفه الثاني ومن حديث علي وأبي هريرة مطلق قوله: يا حي يا قيوم اهـ. قوله: (هدي) بإسكان الدال ويجوز كسرها مع تشديد الياء وتخفيفها. قوله: (فنحره) أي إن كان من الإبل (وذبحه) إن كان من البقر أو الغنم هذا هو الأفضل فيها ولو عكس لجاز. قوله: (أن يقول عند الذبح بسم الله) أي اذبح (والله أكبر) ودليل ذلك الاتباع عن أنس قال: ضحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أملحين أقرنين فرأيته واضعًا قدمه على صفا جهما يسمي ويكبر زاد بعض رواته فذبحهما بيده قال الحافظ بعد تخريجه: أخرجه أحمد عن غندر وغيره عن شعبة عن قتادة عن أنس وهو في الصحيحين من طرق عن شعبة ومن طرق أخرى عن قتادة وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى بكبشين أقرنين أملحين عظيمين موجوأين فأضجع أحدهما وقال: بسم الله والله أكبر وذبحه اللهم عن محمد وآل محمد ثم اضطجع الآخر فقال باسم الله والله أكبر اللهم عن محمد وعن أمته من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ قال الحافظ بعد تخريجه: حديث حسن أخرجه الطحاوي بسند رجاله رجال الصحيح إلا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله بن محمد بن عقيل فإنه صدوق تكلموا في حفظه وقد اختلفوا عليه في سنده فقال سفيان الثوري عنه عن أبي سلمة عن أبي هريرة أو عائشة أخرجه عبد الرزاق عن الثوري وأخرجه ابن ماجه من طريقه وأخرجه أحمد عن وكيع عن الثوري وأخرجه الحاكم من وجه آخر عن وكيع كلهم بالشك في صحابيه وقال زهير بن محمد بن شريك وعبد الله وعبيد الله بن محمد الرقي ثلاثتهم عن ابن عقيل عن علي بن الحسين بن علي عن أبي رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخرجه أحمد من رواية شريك وأخرجه أيضًا من رواية زهير وأخرجه الطحاوي من رواية الرقي وأطلق بعض المحدثين على هذا الحديث الاضطراب لهذا الاختلاف وفيه نظر لأن الثوري أحفظهم إلا إن كان الاختلاف من ابن عقيل لا عليه وللحديث طريق أخرى عن جابر ولفظه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذبح يوم العيد وقال: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} و {إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ} إلى آخر الآية لكن قال: وأنا من المسلمين بسم الله والله أكبر اللهم منك وإليك من محمد وأمته قال الحافظ بعد تخريجه من طريق عبد الله ابن الإِمام أحمد ما لفظه حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال: حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق حدثني يزيد بن أبي حبيب المصري عن خالد ابن أبي عمران عن أبي عياش عن جابر وأخرجه ابن خزيمة والحاكم وغيرهما ورجاله موثقون وقد صرح محمد بن إسحاق بالتحديث فأمن تدليسه وأبو عياش بمثناة من تحت مصري معافى ذكره ابن يونس وسمي أباه النعمان ثم أخرج الحافظ الحديث عن أبي عياش عن جابر من طريق أخرى فذكر الحديث مثله لكن قال وأنا أول المسلمين وقال في آخره ثم سم الله وكبره قال الحافظ بعد ذكر أنه أسقط في هذه الطريق خالد بن أبي عمران بين يزيد بن أبي حبيب المصري وبين أبي عياش وهكذا أخرجه أبو داود وابن ماجه كلاهما عن محمد بن إسحاق بإسقاط خالد ورواية إبراهيم بن

اللهُم صَل على مُحَمدٍ وعلى آلِه وَسَلَّم، اللَّهُمَّ مِنْكَ واليْكَ، تَقَبَّلْ مِني، أوْ تَقَبَّلْ مِنْ فُلانٍ إن كان يذبحه عن غيره. وإذا حلق رأسه بعد الذبح ـــــــــــــــــــــــــــــ سعد هي المتصلة المعتمدة وهو أحفظ الجميع اهـ. ثم التسمية حال الذبح سنة عندنا لو تركها حل أكل المذبوح سواء تركها عمدًا أو سهوًا وهي واجبة عند أبي حنيفة وغيره ثم ظاهر كلامه أنه لا يسن زيادة الرحمن الرحيم في التسمية وهو ما مشى عليه الزركشي في خادمه وعلله بأنه لا يناسب المقام لكن قال في تكملته ليس المراد بتسميته خصوص هذا اللفظ بل لو قال: الرحمن الرحيم كان حسنًا قال الشافعي وما زاد من ذكر الله فخير والأوجه الثاني ويكره تعمد ترك التسمية قال بعض المتأخرين والصلاة، والسنة أن يكبر قبل التسمية وبعدها وبعد الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثًا ثم يقول ولله الحمد. قوله: (وصلى الله على محمد الخ) وفي نسخة: "اللهم صل على محمد وعلى آله وسلم" قال الحافظ: نص عليها الشافعي فقال: والتسمية في الذبيحة بسم الله وما زاد بعد ذلك من ذكر الله فهو خير ولا أكره أن يقول فيها: صلى الله على محمد بل أحب ذلك وأحب أن يكثر الصلاة عليه لأن ذكر الله والصلاة على محمد - صلى الله عليه وسلم - عبادة يؤجر عليها قال الحافظ وكأنه أشار إلى الرد على من كره ذلك عند الذبح واستند إلى حديث منقطع السند تفرد به كذاب أورده البيهقي وقد تقلده بعض الحنابلة وخطئ وقد أسند الشافعي عن مجاهد في قوله تعالى: (وَرَفَعَنَا لَكَ ذِكرك) وقال: لا أذكر إلا ذكرت معي قال الحافظ: أثر صحيح أخرجه البيهقي وعن الحسن البصري مثله. قوله: (اللهم منك وأليك) قال المصنف في شرح مسلم استحب أصحابنا معه أي مع التسمية والتكبير واللهم تقبل مني قوله اللهم منك وإليك تقبل مني فهذا مستحب عندنا وعند الحسن وجماعة وكرهه أبو حنيفة وكره مالك اللهم منك وإليك قال وهي بدعة اهـ. وفي الحصن أن الحاكم أخرج هذا اللفظ عن ابن عباس موقوفًا عليه ومنك أي وصل إلينا من فضلك وإحسانك وبهديك إليك رجاء امتنانك فتفضل بالقبول. قوله: فتقبل مني الخ) قال الحافظ: دليل الدعاء بالقبول حديث عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بكبش أقرن ينظر في سواد ويطأ في

فقد استحبَّ بعض علمائنا أن يمسك ناصيته بيده حالة الحلق ويكبر ثلاثًا ثم يقول: الحَمْدُ للهِ على ما هَدَانا، والحَمْدُ لِلهِ على ما أنْعَمَ بِهِ عَلَيْنا، اللهُم هذ ناصِيَتي فَتَقَبَّلْ مِني وَاغْفِرْ لِي ذُنُوبي، اللهُم اغْفِرْ لِي ولِلْمُحَلقِينَ وَالمُقَصِّرِينَ، يا وَاسِعَ المَغْفِرَةِ آمِينَ. وإذا فرغ من الحلق كبر وقال: "الحَمْدُ لِلهِ الذي قَضَى عَنَّا نُسُكَنا، اللهم زِدنا إيمَانًا ويَقِينًا وَعَوْنًا، وَاغْفِرْ لَنَا ولآبائِنا وأمَّهاتِنا والمُسْلِمينَ أجمَعِينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ سواد ويبركُ في سواد فأتى به ليضحي به فقال: يا عائشة هلمي المدينة ثم قال: اشحذيها بحجر ففعلت فأخذها فاضجعه فذبحه وقال: بسم الله اللهم تقبل من محمد ومن أمة محمد فضحى به قال الحافظ: هذا حديث صحيح أخرجه مسلم وأبو داود وابن حبان وجاء طلب القبول أيضًا في حديث علي أخرجه الحافظ موقوفًا عليه وفيه اللهم تقبل قال الحافظ والسياق لعبد الرزاق وأخرجه ابن أبي شيبة بتمامه واختصره الحربي اهـ. قوله: (فقد استحب بعض علمائنا أن يمسك ناصيته) أي مقدم رأسه (بيده حالة الحلق الخ) قال الحافظ: لم أقف عليه مأثورًا وآخره أي اغفر للمحلقين والمقصرين متفق عليه. قوله: (فإذا فرغ من الحلق كبر الخ) قال الحافظ: لم أقف عليه أيضًا وذكر الشيخ في شرح المهذب عن الماوردي أن في الحلق أربع سنن منها أن يكبر عند الفراغ قال الشيخ هذا غريب قال الحافظ وهذه العبارة يستعملها الشيخ فيما لا يجده ثم قال: وقد نقل استحباب التكبير البندنيجي والروياني اهـ. قلت: التكبير حال الحلق وقفت عليه مأثورا أخرج ابن الجوزي في مثير العزم الساكن عن وكيع قال: قال لي أبو حنيفة أخطأت في خمسة أبواب من المناسك فعلمنيها حجام وذلك إني حين أردت أن أحلق رأسي وقفت على حجام فقلت: بكم تحلق رأسي؟ فقال أعرابي: أنت! قلت: نعم. قال: النسك لا يشارط عليه اجلس فجلست منحرفًا عن القبلة فقال لي:

فصل في الأذكار المستحبة بمنى في أيام التشريق

فصل في الأذكار المستحبة بمنى في أيام التشريق: روينا في "صحيح مسلم" عن نُبَيْشَةَ الخير الهذلي الصحابي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيامُ التشْرِيقِ أيامُ أكْل وشُرْب وذِكْرِ اللهِ تَعالى" ـــــــــــــــــــــــــــــ حول وجهك إلى القبلة وأردت أن أحلق رأسي من الجانب الأيسر فقال لي: أدر الشق الأيمن من رأسك فأدرته وجعل يحلق وأنا ساكت فقال لي: كبر فَجُعِلْتُ أكثر حتى قمت لأذهب فقال لي: أين تريد؟ فقلت: رحلي. فقال: صل ركعتين ثم امض فقلت: ما ينبغي أن يكون ما رأيت من عقل هذا الحجام، فقلت له: من أين لك ما أمرتني به؟ قال: رأيت عطاء بن أبي رباح يفعل هذا اهـ. فصل قوله: (في أيام التشريق) قيل: سميت بذلك لإشراق ليلها بالقمر ونهارها بالشمس وقيل: لششريق لحوم الأضاحي فيها. قوله: (روينا في صحيح مسلم الخ) قال الحافظ بعد تخريجه وله طرق أخرى. قوله: (عن نبيشة الخير) هو بالنون فموحدة فتحتية فشين معجمة مصغر يقال فيه: نبيشة الخير ابن عبد الله الهذلي ويقال: نبيشة بن عمرو بن عوف روى أنه دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعنده أسارى فقال: يا رسول الله إما أن تفاديهم وإما أن تمن عليهم، فقال: "وأمرت بخير أنت نبيشة الخير"، روى عنه مسلم هذا الحديث ولم يرو عنه البخاري شيئًا وخرج عنه الأربعة وهو الراوي حديث من أكل في قصعة ثم لحسها استغفرت له القصعة روى عنه أبو المليح عامر، وقيل: زيد الهذلي وأم عاصم وفي الصحابة أيضًا نبيشة غير منسوب توفي في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يثبت لصحابي توفي في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رواية عنه - صلى الله عليه وسلم - كذا في رياض العامري. قوله: (الهذلي) قال القاضي عياض في نسخة ابن ماهان يعني من صحيح مسلم نبيشة الهذلية على التأنيث ظنه اسم امرأة وهو وهم نبيشة: اسم رجل معروف في الصحابة وهو ابن عمرو بن عوف بن سلمة الهذلي سماه - صلى الله عليه وسلم - نبيشة الخير وبذلك يعرف ولا أعرف في الصحابيات من اسمها ذلك إنما فيهن نسيبة بتقديم النون على السين المهملة ومنهم من يضم النون ومنهم من يفتحها. قوله: (أيام التشريق) قال الأبي نقلًا عن عياض: هي عند أكثر الثلاثة بعد يوم النحر وقيل: هي أيام النحر وسميت لصلاة العيد فيها عند شروق الشمس أول يوم منها، وهذا يقتضي دخول النحر فيها

فيستحبُّ الإكثار من الأذكار، وأفضلها قراءة القرآن. والسنة أن يقف في أيام الرمي عند الجمرة الأولى إذا رماها، ويستقبل الكعبة، ويحمَد الله تعالى، ويكبِّر، ويهلِّل، ويسبِّح ويدعوَ مع حضور القلب وخشوع الجوارح. ـــــــــــــــــــــــــــــ ويقتضيه أيضًا قوله: "أيام أكل وشرب" وفي رواية أخرى: "أيام منى" وقيل: سميت بذلك لتشريق لحوم الأضاحي فيها وهو تقديدها ونشرها في الشمس. قوله: (وأفضلها قراءة القرآن) نعم الاشتغال بالتكبير والأذكار الواردة عقب الصلاة عقبها أفضل من الاشتغال بالقراءة لوروده. قوله: (والسنة أن يقف في أيام الرمي الخ) أخرج الحافظ عن الزهري قال وصح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رمى الجمرة التي تلي المسجد مسجد مني رماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم تقدم أمامها فوقف مستقبل القبلة رافعًا يديه وكان يطيل الوقوف عندها يدعو ثم يأتي الجمرة الثانية فيرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم ينحدر ذات اليسار مما يلي الوادي يدعو رافعًا يديه ثم يأتي الجمرة التي عند العقبة فيرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم ينصرف ولا يقف عندها. قال الحافظ وبالسند إلى الزهري: هكذا سمعت سالم بن عبد الله بن عمر يحدث عبدًا الحديث عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان ابن عمر يفعله قال الحافظ: هذا حديث صحيح أخرجه النسائي وابن خزيمة وأبو عوانة والدارقطني والحاكم كلهم من رواية عثمان بن عمر عن يونس بن يزيد عن الزهري وأصل الحديث في صحيح البخاري قال: قال محمد حدثنا عثمان بن عمر فذكره وأورده من طريق سليمان بن هلال عن يونس نحوه. وأخرج الحافظ عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقف عند الجمرتين الأوليين وقوفًا طويلًا يكبر الله ويسبحه ويهلله ويحمده ويدعو الله عزّ وجلّ ولا يقف عند جمرة العقبة وقال بعد تخريجه: هذا موقوف صحيح ثم قال وقد ورد عن ابن عمر مرفوعًا فأخرج ما رويناه عنه الآن. وأخرج الأزرقي من طريق عطاء قال: رأيت عمر يقف عند الجمرتين الأوليين قدر ما يقرأ القارئ سورة البقرة وأخرج الأزرقي عن سعيد بن جبير أنه رمى مع ابن عباس فوقف عند الجمرتين

فصل

ويمكث كذلك قدر سورة البقرة، ويفعل في الجمرة الثانية وهي الوسطى كذلك. ولا يقف عند الثالثة، وهي جمرة العقبة. فصل: وإذا نفر من منى فقد انقضى حجُّه، ولم يبق ذِكْر يتعلق بالحج، لكنه مسافر، فيستحب له التكبير والتهليل والتحميد والتمجيد وغير ذلك من الأذكار المستحبة للمسافرين، وسيأتي بيانها إن شاء الله تعالى. وإذا دخل مكة وأراد الاعتمار فعل في عمرته من الأذكار ما يأتي به في الحجّ في الأمور المشتركة بين الحج والعمرة وهي: الإحرام، والطواف، والسعي، والذبح، والحلق، والله أعلم. فصل فيما يقوله إذا شرب من ماء زمرم: روينا عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ماءُ زَمْزَم لما شُربَ لَهُ" وهذا مما عمل العلماء والأخيار به، فشربوه لمطالبَ لهم جليلةٍ فنالوها. قال العلماء: فيستحبُّ لمن شربه للمغفرة أو للشفاء من مرض ونحو ذلك أن يقول عند شربه: ـــــــــــــــــــــــــــــ قدر ما يقرأ سورة من السبع قال الحافظ وسنده حسن وأخرج الحافظ عن عائشة قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقف عند الجمرتين الأولى والثانية ولا يقف عند الثالثة هذا حديث حسن أخرجه أبو داود وحكمة عدم الوقوف عند الثالثة التفاؤل بأنه قبل ولم يحتج لتجديد دعاء ولا غيره وواضح أن محل طلب الوقوف في الجمرة حيث لم يؤذ أو يتأذ بوقوفه في ذلك المحل. قوله: (ويمكث قدر سورة البقرة الخ) وال في فتح الإله ويظهر أن المعتبر قدر سورة البقرة بالنسبة للوسط المعتدل ويحتمل الضبط بأخف ممكن اهـ. فصل فيما يقوله إذا شرب من ماء زمرم: قال السخاوي في الابتهاج الأنسب تقديم هذا الفصل عقب الكلام على أذكار الطواف. قوله: (عن جابر الخ)

اللهُم إنهُ بَلَغَني أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ماءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ" اللهم وإني أشْرَبُهُ لِتَغْفِرَ لي وَلتَفْعَلَ بي كَذا وكَذا، فاغْفِرْ لي أو افْعَلْ. أو: اللهُم إني أشْرَبُهُ مُسْتَشْفِيًا بِه فاشْفِني، ونحو هذا، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الحافظ: هذا حديث غريب من هذا الوجه حسن لشواهده أخرجه أحمد ولفظه ماء زمزم لما شرب منه وأخرجه البيهقي والفاكهي والحكيم الترمذي وقال الشيخ المصنف في شرح المهذب إن هذا الحديث أخرجه البيهقي بإسناد ضعيف وقال: تفرد به عبد الله بن المؤمل وهو ضعيف قال الحافظ ما رأيت لفظة وهو ضعيف في نسخ البيهقي وقد ضعفه الأكثر واختلف فيه قول ابن معين وقد جزم الحافظ المنذري بأنه إسناد حسن مع أنه ذكر ابن المؤمل في فصل الضعفاء في آخر كتابه فكأنه إنما حسنه لشواهده كما قلته أولًا. وأما قول العقيلي وابن حبان في كتابيهما في الضعفاء بأنه لا يتابع عليه هما فمرادهما من حديث جابر وأخرجه الأزرقي من طريق الواقدي ويتعجب من الشيخ في اقتصاره على تخريج البيهقي مع كونه في سنن ابن ماجه أحد الكتب الستة وأخرجه أحمد وأبو بكر بن أبي شيبة في مسنده ومصنفه وأخرجه المستغفري في كتاب الطب كلهم عن ابن المؤمل اهـ. وقد كثر في كلام الحفاظ الاختلاف في مرتبة هذا الحديث وقد ألفت فيه جزءًا أسميته النهج الأقوم في الكلام على حديث ماء زمزم وأودعته كتاب درر القلائد فيما يتعلق بزمزم والسقاية من الفوائد، وحاصل ما فيه تصحيح الحديث والله أعلم. قوله: (اللهم إنه بلغني الخ) هذا بناء على ما جرى عليه من كون الحديث ضعيفًا وعلى صحته فيقول:

فصل

فصل: وإذا أراد الخروج من مكة إلى وطنه طاف للوَداع، ثم أتى الملتزَم فالتزمه، ثم قال: اللهُم، البَيْتُ بَيْتُكَ، وَالعَبْدُ عَبْدُكَ، وابنُ عبدك، وابْنُ أمَتِكَ، حَمَلْتَنِي على ما سخرْتَ لي مِنْ خَلْقِكَ، حتى سَيرْتَني في بِلادِكَ، وبَلَّغْتَنِي بِنِعْمَتِكَ حَتى أعَنْتَني على قَضَاءِ مَناسِكِكَ، فإنْ كُنْتَ رَضِيتَ عَني ـــــــــــــــــــــــــــــ اللهم إنه قد صح عن نبيك - صلى الله عليه وسلم - الخ وأهم ما يشرب له الموت على الإسلام والنظر إلى وجه الله تعالى من غير سابقة عذاب وقد جاء عن عدة أنهم شربوه لمطالب فنالوها. وقد ذكرت جملة كثيرة من ذلك في كتاب فضل زمزم فمن أراد الوقوف على ذلك فليقف عليه ثمة. فصل قوله: (طاف للوادع) أي وجوبًا سواء كان وطنه على مرحلتين من الحرم أو أقل فإن لم يكن السفر إلى وطنه فإن كان إلى مرحلتين وجب وإلا حين. قوله: (ثم قال اللهم البيت بيتك الخ) أخرجه البيهقي بسنده إلى الشافعي وقال: هذا من كلام الشافعي وهو حسن قال الحافظ: وقد وجدته بمعناه من كلام بعض من روى عنه الشافعي أخرجه الطبراني في كتاب الدعاءِ عن إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق قال: إذا أردت أن تخرج إلى أهلك من مكة أتيت البيت فطفت به سبعًا ثم تصلي ركعتين ثم تأتي الملتزم فتقوم بين الحجر والباب فتقول: اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على دابتك وسيرتني في بلادك حتى أدخلتني حرمك وأمنك وهذا بيتك وقد رجوتك فيه رب بحسن ظني بك أن تكون قد غفرت لي فإن تكن رب قد غفرت لي فازدد عني رضا وقربني إليك زلفى وإن كنت رب لم تغفر لي فمن الآن رب اغفر لي قبل أن ينأى عني بيتك هذا أوان انصرافي غير راغب عنك ولا عن بيتك اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي حتى تقدمني إلى أهلي فإذا أقدمتني فلا تتخل عني واكفني رب مؤنة أهلي ومؤنة خلقك إنك وليي ووليهم ثم تنصرف إلى أهلك وأنت تأمل الوصول سالما إن شاء الله قال الحافظ ووجدته أيضًا في بعض مشايخ شيخ الشافعي منقولًا عمن قبله ثم أخرج الحافظ عن سليمان بن أبي داود قال: كنت عند جعفر يعني الصادق فقال له:

فازْدَدْ عني رِضًى، وإلَّا فَمِنَ الآن وقَبْلَ أنْ يَنأى عَنْ بَيْتِكَ دَارِي، هَذا أوَانُ انْصِرَافِي، إنْ أذِنْتَ لي غَيْرَ مُسْتَبْدِلٍ بِكَ وَلا بِبَيْتِكَ، وَلا رَاغِب عَنْكَ وَلَا عَنْ بَيْتِكَ، اللهُم فاصْحِبْني العافِيَةَ في بَدَني والعِصْمَةَ في دِيني، وأحْسِنْ مُنْقَلَبي، وارْزُقْني طاعَتَكَ ما أبْقَيْتَني واجْمَعْ لي خَيْرَي الآخِرَةِ والدُّنْيا، إنَّكَ على كُل شَيْء قَدِير. ويفتتح هذا الدعاء ويختِمه بالثناء على الله سبحانه وتعالى، والصلاة على رسول الله ـــــــــــــــــــــــــــــ رجل ما كان يدعى به عند وداع البيت؟ فقال جعفر: لا أدري، فقال عبد الله: يعني الرجل المذكور كان يعني أحدهم إذا ودع البيت قام بين الباب والحجر وقال اللهم أنا عبدك فذكر مثل سياق عبد الرزاق لكن قال: فمن الآن فاغفر لي وقال بعد قوله: انصرافي إن أذنت لي وقال: ولا مستبدل بك ولا ببيتك وقال: فإذا أقدمتني إلى أهلي وقال في آخره ومؤنة عيالي ومؤنة خلقك أجمعين فإنك أولى بذلك ولم يذكر ما بعده قال الحافظ: وقد وردت آثار عديدة فيما يدعى به عند الملتزم ليس فيها شيء من المرفوعات ولا الموقوفات فلم أستوعبها واقتصرت على أثر واحد ثم أخرجه عن الأصمعي قال: رأيت أعرابيًّا عند الملتزم فقال: اللهم إن علي حقوقًا فتصدق بها علي وإن علي تبعات فتحمل بها عني وأنا ضيفك وقد أوجبت لكل ضيف قرى فاجعل قراي الليلة الجنة. قوله: (فازدد عني رضا) أي إذ الكامل يقبل الكمال وفضل الله ليس له غاية يوصل إليها. قوله: (فمن الآن) قيل: هو بضم الميم وتشديد النون دعاء من المنة أي فمن الرضى والعفو عما قد مضى وقيل هو بكسر الميم وفتح النون خفيفة حرف جر أي وإلا فمن الآن يكون الرضى والعفو عما قد مضى فتبدل السيئات بالحسنات وما ذلك على الله بعزيز. قوله: (تنأى) هو بفتح الفوقية وسكون النون بعدها همزة مفتوحة أي تبعد. قوله: (أوان انصرافي) أي زمانه. قوله: (إن أذنت لي) أي وعلامة ذلك تيسير الأسباب ورفع الموانع. قوله: (غير مستبدل بك) أي بعبادتك وطاعتك غيرها. قوله: (والعصمة) أي الحفظ من المخالفات مع جواز الوقوع فيها. قوله: (واجمع لي الخ) تعميم بعد تخصيص. قوله: (إنك على كل شيء قدير) كالتعليل لما تضمنه ما قبله. قوله: (ويفتتح هذا الدعاء الخ) أي وكذا يأتي في

فصل في زيارة قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأذكارها

- صلى الله عليه وسلم - كما تقدم في غيره من الدعوات. وإن كانت امرأة حائضًا استحب لها أن تقف على باب المسجد وتدعوَ بهذا الدعاء ثم تنصرف، والله أعلم. فصل في زيارة قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأذكارها: اعلم أنه ينبغي لكل من حج أن يتوجه إلى زيارة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، سواء كان ذلك طريقه أو لم يكن، فإن زيارته - صلى الله عليه وسلم - من أهمِّ القربات وأربح المساعي وأفضل الطلبات، فإذا توجه للزيارة أكثر ـــــــــــــــــــــــــــــ وسطه بذلك. قوله: (على باب المسجد) أي خارجًا عن بنائه ورحبته فإن رحبته لها حكمه. فصل قوله: (ينبغي لكل من حج) أي يتأكد له ذلك وإلا فزيارته قربة مستقلة يستوي فيها الحاج وغيره وتأكدها للحاج لقربه من محل قبره الشريف فكان في ترك الزيارة وقد قرب من المكان نوع من الجفاء كما ورد في الحديث من حج ولم يزر قبري فقد جفاني. قوله: (فإن زيارته من أهم القربات وأربح المساعي) وكيف لا وقد وعد الزائر بوجوب شفاعته كقوله وهي لا تجب إلا لأهل الإيمان ففي ذلك التبشير بالموت على الإيمان مع ما ينضم إلى ذلك من سماعه كقوله سلام الزائر من غير واسطة أخرج أبو الشيخ من صلى علي عند قبري سمعته ومن صلى علي بعيدًا أعلمته قال الحافظ وينظر في سنده وأخرج أبو داود وغيره عن أبي هريرة عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد - عليه السلام -" قال الحافظ حديث حسن أخرجه أحمد والبيهقي وغيرهما وأنبئت عن الشيخ السبكي في شفاء السقام قال: اعتمد جماعة من الأئمة على هذا الحديث في استحباب زيارة قبره - صلى الله عليه وسلم - وهو اعتماد صحيح لأن الزائر إذا سلم عليه وقع الرد عليه من قرب وتلك فضيلة مطلوبة أهـ. أقول ورده عليه كذلك بنفسه ولو لم يكن للزائر من القرى إلا هذا الخطاب لكان فيه الغنى كيف وفيه الشفاعة العظمى ومضاعفة الصلاة في ذلك الحرم الأسنى وقد أورد جملة من الأحاديث في ذلك المتقي السبكي في شفاء السقام وابن حجر الهيتمي في الدر المنظم وتلميذه الفاكهي في حسن الاستشارة في آداب الزيارة. قوله: (وأفضل) بالجر أي ومن أنجح ومن أفضل الطلبات. قوله: (أكثر) أي إكثارًا

من الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - في طريقه، فإذا وقع بصره على أشجار المدينة وحَرمِها وما يعرَّف بها، زاد من الصلاة والتسليم عليه - صلى الله عليه وسلم -، وسأل الله تعالى أن ينفعه بزيارته - صلى الله عليه وسلم - وأن يسعده بها في الدارين، وليقل: اللهُم افْتَحْ عليَّ أبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وارْزُقْني في زِيارَةِ قَبْرِ نَبِيِّك - صلى الله عليه وسلم - ما رزقْتَهُ أوْلياءَكَ وأهْلَ طاعَتِكَ، واغْفِرْ لي وارْحمنِي يا خَيْر مَسْؤول. وإذا أراد دخول المسجد استحبَّ أن يقول ما يقوله عند دخول باقي المساجد، وقد قدَّمنا في أول الكتاب، فإذا صلى تحية المسجد أتى القبر ـــــــــــــــــــــــــــــ تامًّا منها لمناسبة الحال لذلك وهل الاشتغال بالأذكار أفضل من الاشتغال بقراءة القرآن أو هما مستويان كل محتمل وكلامهم في باب الجنة ربما يومئ إلى الأخير قال ابن حجر الهيتمي والظاهر عندي الأول لأن ذلك ذكر طلب في محل مخصوص وقد قالوا: القراءة أفضل من ذكر لم يخص محلًا أما ما خصه فهو أفضل منها اهـ. وما نحن فيه من الثاني فليكن أفضل منها فيه. قوله: (فإذا وقع بصره الخ) أي لأنه قرب من الديار: وأعظم ما يكون الشوق يومًا ... إذا دنت الخيام من الخيام وما أحسن قول من قال: يا نفس إن بعد الحبيب وداره ... ونأت منازله وشط مزاره ذلك الهناء فقد ظفرت بطائل ... إن لم تريه فهذه آثاره قوله: (وسأل الله أن ينفعه بها) أي بالقبول (ويسعده بها) بأن يكفيه مهمات الدنيا والآخرة بفضله. قوله (فإذا صلى تحية المسجد) وأفضل أماكنها الروضة. قوله: (أتى القبر الكريم) أي الذي هو أفضل من جميع الأرض والسماء حتى من العرش والكرسي وما أحسن قول من قال: جزم الجميع بأن خير الأرض ... ما قد ضم أعضاء النبي وحاها

الكريم فاستقبله واستدبر القبلة على نحو أربع أذرع من جدار القبر، وسلم مقتصدًا لا يرفع صوته فيقول: السَّلام عَلَيْكَ يا رَسُولَ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا خِيرَةَ اللهِ مِنْ خَلْقِهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا حَبيبَ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا سيِّد المُرْسَلِينَ وَخَاتَمَ النبِيينَ، السلامُ عَلَيْكَ وَعلى آلِكَ وأصْحابِكَ وأَهْلِ بَيْتِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ونعم لقد صدقوا بساكنها زكت ... كالنفس حين زكت زكي مأواها قوله: (واستدبر القبلة) هذا مذهبنا ومذهب الجمهور من العلماء وقال آخرون: الأفضل استقبال الكعبة ونقل عن أبي حنيفة لكن نقل عنه موافقة الأول وانتصر له ابن الهمام فقال ما نقل عن أبي حنيفة أنه يستقبل القبلة مردود بما رواه في مسنده عن ابن عمر أنه قال من السنة استقبال القبر المكرم وجعل الظهر للقبلة اهـ. وسبقه لذلك ابن جماعة فنقل عنه الثاني ورد نقل الكرماني عنه الأول اهـ. ومما يؤيد ما قاله المصنف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حي في قبره واتفقوا على أن المدرس بالمسجد الحرام تستقبله طلبته ويستدبرون الكعبة فهو - صلى الله عليه وسلم - أولى بذلك ويستحب أن يكون حال الزيارة قائمًا إلا أن يكون به عذر فيقعد وهل الأفضل حال الزيارة وضع اليدين على الصدر كالصلاة أو إرسالهما قال ابن حجر المتجه إرسالهما نعم إن نظر إلى المعنى الذي من أجله وضعا على الصدر في الصلاة وهو حفظ القلب عن الخواطر التي تطرقه يقوى ما قاله الكرماني من استحبَّاب وضعهما عليه اهـ. قوله: (على نحو أربع أذرع) أي تأدبًا معه - صلى الله عليه وسلم - وهذا أقل مراتب البعد وطلب مزيد الأدب في تلك الحضرة يقتضي أن الشخص كلما بعد كان أولى فعند حضرته يستلزم الأدب وفي إحياء العلوم أنه يستقبل جدار القبر على نحو أربع أذرع من السارية التي عند رأس القبر في زاوية جداره ويجعل القنديل الذي في القبلة عند القبر على رأسه ويقف ناظرًا إلى أسفل ما يستقبله من جدار القبر غاض الطرف في مقام الهيبة والإجلال فارغ القلب من علائق الدنيا مستحضرا في قلبه جلالة موقفة ومنزلة من هو بحضرته اهـ. قوله: (لا يرفع صوته) أي رفعًا بليغًا لأن في ذلك نوعا من الإخلال بالأدب ولا يسر به بحيث لا يسمعه من يقربه. قوله: (السلام عليك الخ) قال الحافظ:

وَعلى النَّبيينَ وَسائِرِ الصالِحِينَ; أشْهَدُ أنَّكَ بَلَّغْتَ الرِّسالة، وأدَّيْتَ الأمانَةَ، وَنَصَحْتَ الأُمةَ، فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا أفْضَلَ ما جَزَى رَسُولا عَنْ أُمَّتِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ لم أجده مأثورًا بهذا التمام وقد ورد عن ابن عمر بعضه أنه كان يقف على قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقول: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا عمر، كذا في إيضاح المناسك وأسنده الحافظ من طريقين بهذا اللفظ في إحداهما وبنحوه في الأخرى وقال في كل منهما موقوف صحيح وعن مالك رحمه الله يقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وهذا الوارد عن ابن عمر وغيره مال إليه الطبري فقال: وإن قال الزائر ما تقدم من التطويل فلا بأس إلا أن الاتباع أولى من الابتداع ولو حسن واستدل بقول الحليمي لولا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تطروني" لوجدنا فيما نثني عليه ما تعجز الألسن عن بلوغ أدناه لكن اجتناب منهيه خصوصًا بحضرته أولى فليعدل عن التوسع في ذلك إلى الدعاء له والصلاة عليه وتعقب بأن النهي إنما هو عن إطراء مشابه لإطراء النصارى لعيسى في دعوى الألوهية ونحوها له لا مطلق الإطراء فالأولى ما ذكره المصنف ونحوه وإن كان طويلًا لكن ما دام القلب حاضرًا وإلا فالإسراع أولى كما لا يخفى ومن ثم كان المتاكد ألا يشتغل ثمة بما حدث من الزينة والزخارف وقد سبق عن الإحياء التنبيه على ذلك بقوله غاض الطرف وإنما قدم السلام على الصلاة هنا وفي التشهد عكس الآية لأن الغرض المقصود منها التعليم والإتيان بالمأمور وذلك يبدأ فيه بالأهم الأحق بالمعرفة والفعل وهو الصلاة لأنها لعلو مقامها اختصت فيها بالله وملائكته ولأنها تستلزم السلام بمعنى التحية والدعاء بالسلامة بخلاف السلام فإن من معانيه ما لا يتأتى في حقه تعالى وملائكته وهو الإذعان والانقياد وحينئذ هو لا يستلزم الصلاة فكان دونها في الرتبة ومبتي الصلاة ذات الأركان بل والزكاة أيضًا على أن يبدأ منها بالتحية ويترقى من الأدنى إلى الأعلى في كل مقام من مقاماتها ووجهه بالنسبة إلى الزائر أنه مستمد متوسل وكل من كان كذلك إنما يناسبه التدرج في الأسباب الموصلة له إلى

وإن كان قد أوصاه أحد بالسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: السلام عليك يا رسول الله من فلان بن فلان، ثم يتأخر قدر ذراع إلى جهة يمينه فيُسلم على أبي بكر، ثم يتأخر ذراعًا آخر فيسلم على عُمر رضي الله عنهما، ثم يرجع إلى موقفه الأوَّل قُبالة وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيتوسل به في حق نفسه، ويتشفع به إلى ربه سبحانه وتعالى، ويدعو لنفسه ولوالديه وأصحابه وأحبابه ومَن أحسن إليه وسائر المسلمين، وأن يجتهد في إكثارِ الدعاء، ويغتنم هذا الموقف ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك بأن ينتقل من سبب أدنى إلى سبب أرفع منه وهكذا حتى يصل له مطلوبه ويتم له مرغوبه أشار إليه ابن حجر الهيتمي في الجوهر المنظم. قوله: (وإن كان أوصاه أحد بالسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الخ) قال العلماء: يسن له هذا المقال أو نحوه من العبارات المؤدية لهذا المعنى وفارق سنه ذلك هنا وجوب التبليغ فيما لو أمر إنسان إنسانًا أن يسلم على فلان أي إن لم يصرح بعدم القبول فيجب أن يسلم عليه منه بأن القصد من السلام ابتداء وردًا من الأحياء التواصل وعدم التقاطع الذي يغلب وقوعه بين الأحياء وحينئذ فإرسال السلام للغائب القصد به مواصلته وعدم مقاطعته وإذا كان هذا هو القصد به كان تركه مع تحمله تسببًا ووسيلة إلى المقاطعة المحرمة أي لمن شأنه ذلك وللوسائل حكم المقاصد فاتجه تحريم ترك بلاغ السلام وأما إرسال السلام إليه - صلى الله عليه وسلم - فالقصد منه الاستمداد منه وعود البركة على المسلم فتركه فيه عدم اكتساب فضيلة للغير فلم يجر لتحريمه سبب يقتضيه فاتجه أن ذلك التبليغ سنة لا واجب وتحريم تفويت الفضيلة على الغير محله إذا كانت الفضيلة حاصلة كدم الشهيد أما ترك اكتساب فضيلة للغير فلا يحرم والله أعلم. قوله: (ثم يرجع إلى موقفه الأول الخ) أنكره العز بن جماعة وقال إنه لم يرد عن الصحابة والتابعين ورد بأن الدعاء هناك والتوسل به - صلى الله عليه وسلم - له أصل عن السلف والذي لم ينقل إنما هو الترتيب المخصوص وحكمته أن في تأخير الدعاء والتوسل عن السلام على الشيخين تقديم ما يتعلق به - صلى الله عليه وسلم - من زيارته وزيارة صاحبيه ثم الإقبال على مايتعلق بالإنسان في كل أمر وشأن. قوله: (فيتوسل به - صلى الله عليه وسلم -) أي لأن التوسل به

الشريف ويحمد الله تعالى ويسبِّحه ويكبِّره ويهلله، ويصلي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويكثر من كل ذلك، ثم يأتي الروضة بين القبر والمنبر فيكثر من الدعاء فيها. فقد روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما بَيْنَ قَبْرِي ومِنْبَرِي رَوْضَة مِنْ رِيَاضِ الجنَّةِ". وإذا أراد الخروج من المدينة والسفرَ استحبَّ أن يودع المسجد ـــــــــــــــــــــــــــــ سيرة السلف الصالح الأنبياء والأولياء وغيرهم روي أن آدم لما اقترف الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا ما غفرت لي فقال: يا آدم كيف عرفت محمدًا - صلى الله عليه وسلم - ولم أخلقه قال: يا رب إنك لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت مكتوبًا على قوائم العرش لا إله إلا الله محمد رسول الله فعرفت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك فقال الله تعالى: "صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي إن سألتني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد لما خلقتك" وسبق في أذكار الحاجة حديث عثمان بن حنيف وذكر الطبراني أنه - صلى الله عليه وسلم - ذكر في دعائه بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي ولا فرق بين ذكر التوسل والاستعانة والتشفع والتوجه به - صلى الله عليه وسلم - وكذا بغيره من الأنبياء وكذا الأولياء وفاقًا للسبكي وإن منعه ابن عبد السلام لأنه ورد جواز التوسل بالأعمال مع كونها أعراضا فالذوات الفاضلة أولى وسبق توسل عمر بالعباس رضي الله عنهما في الاستسقاء ولم ينكر عليه وقد يكون معنى التوسل به - صلى الله عليه وسلم - طلب الدعاء منه إذ هو حي يعلم سؤال من يسأله قال ابن حجر الهيتمي وصح في حديث طويل أن النّاس أصابهم قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فأتاه في النوم وأخبره أنهم يسقون فكان كذلك. قوله: (فيكثر من الدعاء فيها) أي وكذا من الصلاة بل إن أمكنه ألا يجعل صلاته مدة إقامته إلا فيها فهو أولى ما لم يعارض فضيلة نحو صف أول. قوله: (فقد روينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) قال الحافظ فيه شيئان: الأول أنهما لم يخرجاه لا عن أبي هريرة ولا عن غيره إلا بلفظ بيتي بدل قبري

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني أن هذا القدر أخرجاه من حديث عبد الله بن زيد المازني وعندهما عن أبي هريرة مثله لكن بزيادة ومنبري على حوضي أسنده الحافظ إلى مالك عن حبيب عن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة أو أبي سعيد الخدري فذكر مثل حديث عبد الله بن زيد المازني وزاد بعده ومنبري على حوضي وقال الحافظ أخرجاه في الصحيحين فأخرجه في الاعتصام عن أبي هريرة وحده أو أخرجه هو ومسلم جميعًا في أواخر الحج وأخرجه البخاري أيضًا في باب الحوض من أواخر الرقاق ينتهي سند الجميع إلى حبيب شيخ مالك بسنده ومتنه لكن لم يقل أو أبي سعيد وأخرجا الحديث من حديث عبد الله بن زيد في أواخر الحج وأخرجه البخاري في كتاب الصلاة فهذه طرق الحديث في الصحيحين قال ابن عبد البر وغيره اتفق رواة حديث الموطأ على الشك إلا معن بن عيسى ومطرف بن عبد الله فقالا عن أبي هريرة وأبي سعيد بالواو ووافقهما روح بن عبادة خارج الموطأ وانفرد ابن مهدي عن مالك فقال عن أبي هريرة وحده قال الحافظ وهو الذي اقتصر عليه البخاري ثم أورد الحافظ للحديث طرقًا كثيرة عند الطبراني وأبي عوانة وغيرهما ثم قال فهذه الروايات متفقة على ذكر البيت ومعناه وأما بلفظ القبر فجاء بروايات أخرى منها عن العمري أخرجه البيهقي عنه بسنده إلى أبي هريرة وفي روايته قبري بدل بيتي، وجاء عن ابن عمر قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة" قال الحافظ هذا حديث غريب أخرجه الدارقطني في أحاديث مالك التي ليست في الموطأ وذكر له الحافظ طرقًا أخرى عن العقيلي وغيره قال في ترجمة مسعر في الحلية حديث أم سلمة بلفظ قوائم بيتي رواتب في الجنة وما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة وفي ترجمة سلمة بن وردان بن كامل بن عدي من رواية سلمة عن أنس ورفعه ما بين قبري الخ قال الحافظ راجعت كلام الشيخ في شرح مسلم فوجدت فيه باب فضل ما بين قبره - صلى الله عليه وسلم - ومنبره، قوله: "ما بين بيتي ومنبري" فذكر الحديث ونقل عن الطبري قال: المراد بالبيت القبر كما روي من طريق أخرى ما بين قبري ومنبري، وقال وقد أمليت الروايتين ونسيت من أخرجهما وقد سبق البخاري إلى نحو هذه الترجمة، فقال قبيل كتاب الجنائز: باب فضل ما بين القبر والمنبر، ذكر في الباب حديث ما بين بيتي ومنبري

بركعتين، ويدعوَ بما أحبَّ ثم يأتي القبر فيسلم كما سلم أولًا، ويعيد الدعاء، ويودِّع النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ويقول: "اللهم لا تَجْعَلْ هَذا آخِرَ العَهْدِ بِحَرَمِ رَسُولِكَ، وَيسِّرْ لِي العَوْدَ إلى الحَرَمَيْنِ سَبِيلا سَهْلَةً بِمَنِّكَ وَفَضْلِكَ، وَارْزُقْنِي العَفْوَ وَالعَافِيَةَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، ورُدَّنا سالِمِينَ غَانِمِينَ إلى أوْطَانِنا آمِنِينَ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وأراد بذلك أن المترجم به داخل في المترجم له، وقد قيل إنه وقع في نسخة ابن عساكر قبري بدل بيتي فلعله اغتر بالترجمة وقد وقع جمع بينهما في بعض طرق حديث عمر وساقه وذكر من مخرجيه الدارقطني والله أعلم "ما بين قبري ومنبري" وسبق آنفًا رواية منبري وبيتي ورواية ما بين حجرتي وبيتي ولا اختلاف لأن قبره - صلى الله عليه وسلم - في بيته والبيت هو الحجرة "روضة من رياض الجنة" قيل معناه: العمل في ذلك المكان يوصل لذلك وفيه نظر والأولى ما قاله مالك وغيره من بقائه على ظاهره فينقل إلى الجنة وليس كسائر الأرض يذهب ويفنى أو هي من الجنة الآن حقيقة وإن لم تمنع نحو الجوع عملًا بأصل الدار الدنيوية وأنها آئلة للفناء، ومعنى قوله: "ومنبري على حوضي" أن ملازمة الأعمال الصالحة عنده تورد الحوض كذا قيل وأولى منه ما قيل يعيده الله على حاله فينصبه على حوضه لأن الأصل إبقاء اللفظ على ظاهره الممكن. قوله: (بركعتين) قال في حسن الاستشارة يقرأ فيهما بسورتي الإخلاص ويدعو من بعد تقديم الحمد الله والصلاة على رسول الله ثم يأتي القبر هذا هو المعتمد وقال الكرماني يقدم وداعه - صلى الله عليه وسلم - على توديع المسجد بركعتين قال السيد السمهودي المشهور خلاف ما قاله وعن العتبي بضم العين وإسكان الفوقية بعدها موحدة قال المزالي في مصباح الظلام في المستغيثين بسيد الأنام في اليقظة والمنام اسمه محمد بن عبد الله وفي شفاء السقام في زيارة خير الأنام للتقي السبكي العتبي محمد بن عبيد الله بن عمرو بن معاوية بن عمرو بن عتبة بن أبي سفيان صخر بن حرب كان من أفصح النّاس صاحب أخبار ورواية للآداب حدث عن أبيه وسفيان

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بن عيينة يكنى أبا عبد الرحمن أهـ. وقد ذكر المزالي مثل هذه القصة عن السمعاني بسنده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قدم علينا أعرابي بعد ما دفنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثلاثة أيام فرمى بنفسه على قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وحثا من ترابه على رأسه وقال: يا رسول الله قلت فسمعنا قولك ووعيت عن الله ما وعينا عنك وكان فيما أنزل عليك {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} والآية وقد {ظَلَمْتُ نَفْسِي} وجئتك تستغفر لي فنودي من القبر إنه قد غفر لك وذكر المزالي فيه أيضًا عن محمد بن حرب الباهلي قال: دخلت المدينة فانتهيت إلى قبر رسول الله فإذا أعرابي يوضع على بعيره فأناخه وعقله ثم دخل إلى القبر فسلم سلامًا حسنًا ودعا دعاء جميلًا ثم قال: قال بأبي أنت وأمي يا رسول الله إن الله خصك بوحيه وأنزل عليك كتابًا وجمع لك فيه الأولين والآخرين وقال في كتابه وقوله الحق: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} الآية وقد أتيتك مقرًا بالذنوب مستعينًا بك على ربك وهو ما وعد ثم التفت إلى القبر فقال: يا خير من دفنت في القاع أعظمه الخ ثم ركب راحلته فما أشك إن شاء الله تعالى إلا أنه راح بالمغفرة "قلت" وقد ذكر ابن صعد التلمساني هذه القصة في مفاخر أهل الإسلام بفضل الصلاة على سيد الأنام وزاد قال راوي خبر محمد بن حرب فغلبتني عيناي فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في نومي وهو يقول الحق الرجل فبشره أن الله قد غفر له بشفاعتي فاستيقظت فخرجت في طلبه فلم أجده اهـ. قال السبكي ورواها عن ابن حرب ابن عساكر في تاريخه وابن الجوزي في مثير العزم الساكن وهذه الزيادة عزاها المزالي إلى العتبى وهو الذي ذكره المصنف وغيره وذكر قصصًا أخرى في هذا المعنى فأنشد يقول: يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ... فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم القاع المستوي من الأرض جمعه قيعان وتصغيره قويع وسبق الكلام على الأكم في دعاء الاستسقاء وقوله فيه العفاف وما بعده أي كائن فيه ويراد منه النبي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ - صلى الله عليه وسلم - وأطلق عليه ذلك على سبيل المبالغة كما يقال زيد عدل أو أن الله سبحانه جعل في تلك اليد العفاف وجعلها مظهر الجود والكرم أو فيه العفاف أي ذو العفاف والجود والكرم ويجوز أن يكون العفاف لكونها معدة له - صلى الله عليه وسلم - والله يحل نبيه أشرف الأمكنة وقد سبق أن ما ضم أعضاءه - صلى الله عليه وسلم - أفضل حتى العرش والكرسي ويوجد في بعض النسخ زيادة بعد البيتين بيت ثالث وهو كذلك في نسخة العلوي ويوجد في بعض النسخ زيادة بعد البيتين بيت ثالث وهو كذلك في نسخة العلوي: أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته ... عند الصراط إذا ما زلت القدم وقد اعتنى الأدباء بهذه الأبيات كثيرًا فمنهم من جعلها في ضمن نظم له ومنهم من خمسها فأخرج الضياء المقدسي في جزئه الذي في المصافحة بسنده إلى أبي الطيب أحمد بن عبد العزيز بن محمد المقدسي فقال: سئل في تضمين هذين البيتين فأجاد فقال: أقول والدمع من عيني ينسجم ... لما رأيت جدار القبر يستلم فالناس يغشونه باك ومنقطع ... من المهابة أو داع فملتزم فما ملكت وقد ناديت من حرق ... في الصدر كادت له الأحشاء تضطرم يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ... فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم وفيه شمس النهى والدين قد غربت ... من بعد ما أشرقت من نورها الظلم حاشا لوجهك أن يبلى وقد هديت ... في الشرق والغرب من أنواره الأمم وأن تمسك أيدي الترب لامسة ... وأنت بدر السما ذات العلا علم لقيت ربك والإسلام صارمه ... ناب وقد كان بحر الكفر يلتطم فقمت فيه مقام المرسلين إلى ... أن عز فهو على الأديان يحتكم لئن رأيناه قبرًا إن باطنه ... لروضة من رياض الخلد تبتسم طافت به من نواحيه ملائكة ... تغشاه في كل يوم وتزدحم لو كنت أبصرته حيًّا لقلت له ... لا تمش إلا على خدي لك القدم هدى به الله قومًا قال قائلهم ... ببطن يثرب لما ضمه الرحم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إن مات أحمد فالرحمن خالقه ... حي ونعبده ما أورق السلم قال ابن صعد التلمساني في كتابه مفاخر الإسلام في فضل الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام وقد أجاد في تخميس البيتين وزاد عليهما ثالثًا الشيخ الصالح أبو البركات أيمن بن محمد بن محمد بن محمد السعدي من نسل السيدة حليمة السعدية ظئر النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليها وأنشد بالروضة تجاه القبر الشريف المعظم على ساكنه الصلاة والسلام فقال: الشعر أشرفه قدرًا وأعظمه ... شعر بمدح رسول الله ننظمه والمدح أصدقه بيتًا وأقومه ... يا خير من دفنت بالترب أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم يا خير من زانت الحسنى محاسنه ... ومن تسامى عن الأكوان كائنه فما الوجود كما فيه يوازنه ... نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم كل الثناء على علياء منصبه ... من بعض واجبه سبحان موجبه فأعجب من القبر لا من سر معجبه ... قبر أحاط بسر لا يحيط به والملك لئه لا لوح ولا قلم قلت وقد خمس هذين البيتين من غير زيادة صاحبنا ومفيدنا العالم المحقق المدقق شارح ديوان الشيخ ابن الفارض الشيخ حسن البوريني الدمشقي الشافعي رحمه الله قال: قلبي جريح ذنوب أنت مرهمه ... وأنت في شدة الأوصاب ترحمه أتاك ملتجئًا حاشاك تحرمه ... يا خير من دفنت في التراب أعظمه فطاب من طببهن القاع والأكم قد ثار من حر وجدي اليوم كامنه ... والصبر طاب بريح الشوق واهنه يا جوهرًا مفردًا طابت معادنه ... نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم وقد كنت خمستها مع البيت الثالث سابقًا وأردت أن أكون بذلك في فضل مدحه - صلى الله عليه وسلم - لاحقًا:

فهذا آخر ما وفقني الله بجمعه من أذكار الحج، وهي إن كان فيها بعض الطول بالنسبة إلى هذا الكتاب، فهي مختصرة بالنسبة إلى ما نحفظه فيه، واللَّه الكريمَ نسألُ أن يوفقنا لطاعته، وأن يجمع بيننا وبين إخواننا في دار كرامته. وقد أوضحتُ في كتاب المناسك ما يتعلق بهذه الأذكار من التتمات والفروع الزائدات، والله أعلم بالصواب، وله الحمد والنعمة والتوفيق والعصمة. وعن العتبي قال: "كنت جالسًا عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعتُ الله تعالى يقول: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أسنى الكلام لمن يدري وأفخمه ... عقد بمدح رسول الله ننظمه وأفخر المدح قولًا ثم أحكمه ... يا خير من دفنت بالترب أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم يا من علا فهو لا شيء يوازنه ... ومن تسامى عن الأكوان كائنه يا جوهرًا مفردًا عزت مكامنه ... نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الحق والكرم يا سيد الكون من شاعت كرامته ... وخاتم الرسل من شاعت أمانته كن الشفيع لمن زادت جنايته ... أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته على الصراط إذا ما زلت القدم قال الشيخ المصنف: (هذا آخر ما وفقني الله تعالى لجمعه من أذكار الحج والعمرة وهي وإن كان فيها بعض الطول بالنسبة إلى هذا الكتاب) أي فإن وضعه الاختصار وإن خرج عن موضعه في بعض الأحوال (فهي مختصرة بالنسبة إلى ما يحفظ منه والله الكريم نسأله أن يوفقنا لطاعته وأن يجمع بيننا وبين أحبابنا في دار كرامته) يعني الجنة (وقد أوضحت في كتاب المناسك) أي المسمى بالإيضاح (ما يتعلق بهذه الأذكار من التتمات والفروع الزائدات والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب).

كتاب أذكار الجهاد

تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 64] وقد جئتُكَ مستغفرا من ذنبي، مستشفعًا بك إلى ربي، ثم أنشأ يقول: يا خَيْرَ مَنْ دُفِنت بالقاع أعظمُهُ ... فطاب من طيبهن القاعُ والأكمُ فنفسي الفداءُ لقبرٍ أنت ساكنُه ... فيه العفافُ وفيه الجودُ والكرَم قال: ثم انصرف، فحملتني عيناي فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم فقال لي: يا عتبيُّ، الحق الأعرابي فبشره بأن الله تعالى قد غفر له". كتاب أذكار الجهاد أما أذكارُ سفره ورجوعه فسيأتي في كتاب أذكار السفر إن شاء الله تعالى. وأما ما يختص به فنذكر منه ما حضر الآن مختصرًا. باب استحباب سؤال الشهادة روينا في "صحيحي البخاري ومسلم"، عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب أذكار الجهاد هو مصدر جاهد جهادًا ومجاهدة وجاهد فاعل من جهد إذا بالغ في قتال عدوه وغيره ويقال: جهده المرض وأجهده إذا بلغ به المشقة وجهدت الفرس وأجهدته استخرجت جهده نقله أبو عثمان والجهد بالفتح المشقة وبالضم الطاقة قيل ويقال بالضم والفتح في كل منهما، جهادة ج هـ د وحيث وجدت ففيها معنى المبالغة وهو في الشرع عبارة عن قتال الكفار. باب استحباب سؤال الشهادة قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) قال في السلاح وأخرجه الجماعة يعني

- صلى الله عليه وسلم - دخل على أم حَرام، فنام ثم استيقظ وهو يضحك، فقالت: وما يضحكك يا رسول الله؟ قال: "ناسٌ مِنْ أُمَّتي عُرِضُوا عَليَّ غُزَاةً في سَبِيلِ الله يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا البَحْرِ مُلوكا على الأسِرَّةِ أوْ مِثْلَ المُلوكِ"، فقالت: يا رسول الله، ادعُ الله أن يجعلني منهم فدعا لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قلت: ثبج البحر، بفتح ـــــــــــــــــــــــــــــ الستة وزاد الحافظ وأخرجه أحمد. قوله: (على أم حرام) زاد في رواية بنت ملحان وكانت تحت عبادة بن الصامت وهي الغميصا بالغين بالمعجمة والصاد المهملة، والغمص والرمص نقص يكون في العين قال في الصحاح الرمص بالتحريك وسخ يجمع في الموق فإن سأل فهو غمص وإن جمد فهو رمص اهـ. قال في المفهم ولعل الغمص هو الذي كان غالبًا على نساء الأنصار وهو الذي عني - صلى الله عليه وسلم - حيث قال فإن في عيون الأنصار شيئًا اهـ. وفي الحديث عند من ذكر أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يدخل عليها وينام عندها وكذا ورد عنه مع أختها فقيل إن ذلك لمحرمية من رضاع أو غيره وجرى عليه المصنف في شرح مسلم ونقل فيه اتفاق العلماء ثم قال: قال ابن عبد البر وغيره كانت إحدى خالاته - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة وقال آخرون بل كانت خالته لأبيه أو لجده لأن أم عبد المطلب كانت من في النجار وقال آخرون الصواب عدم المحرمية وإنما من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - جواز الخلوة بالأجنبية لثبوت عصمته وكمال أفضليته روى لأم حرام عنه - صلى الله عليه وسلم - سبعة أحاديث اتفقا على هذا الحديث الواحد ولم يرويا عنها غيره وخرج عنها ما عدا الترمذي من أصحاب السنن الأربعة ماتت بقبرس مع زوجها عبادة بن الصامت وذلك عام سبع وعشرين فكان موتها هنالك كذلك من معجزاته - صلى الله عليه وسلم - وإجابة دعوته. قوله: (فنام) بعد أن قدمت له بعض الطعام فأكل منه ثم جلست تفلي رأسه - صلى الله عليه وسلم - فنام وسكت المصنف عن ذكر ذلك لكونه خارجًا عن مقصود الترجمة. قوله: (وهو يضحك) هذا الضحك فرح وسرور لكون أمته تبقى بعده متظاهرة على الإسلام قائمة بالجهاد حتى في البحر. قوله: (ملوكًا على الأسرة) قيل: هذه صفة لهم في الآخرة إذا دخلوا الجنة والأصح إنها صفة لهم في الدنيا أي يركبون مراكب الملوك لسعة حالهم وكثرة عددهم. قوله: (فدعا لها رسول - صلى الله عليه وسلم -) وسكت

الثاء المثلثة وبعدها باء موحدة مفتوحة أيضًا ثم جيم: أي ظهره، وأتم حَرَام بالراء. وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن معاذ رضي الله عنه ـــــــــــــــــــــــــــــ المصنف عن تتمة الخبر وهي: ثم وضع رأسه - صلى الله عليه وسلم - فنام فذكر مثل الأول فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم فقال: أنت من الأولين فركبت البحر في زمن معاوية فلما خرجت منه فصرعت عن دابتها فهلكت. قال المصنف: هذا أي قوله أنت من الأولين دليل على أن رؤياه الثانية غير الأولى وأنها عرض عليه فيها غير الأولى وفيه معجزات لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها: إخباره ببقاء أمته بعده وأن يكون لهم شوكة وقوة وعدد وأنهم يكثرون ويركبون البحر وإن أم حرام تعيش إلى ذلك الزمان وإنها تكون معهم وقد وجد ذلك كله بحمد الله تعالى واختلف العلماء متى جرت الغزوة التي توفيت فيها أم حرام في البحر وقد ذكر في هذه الرواية مسلم وغيره أنها ركبت البحر في زمن معاوية فصرعت عن دابتها وقال القاضي: قال أكثر أهل السير والأخبار إن ذلك في خلافة عثمان بن عفان وإنه فيه ركبت أم حرام وزوجها إلى قبرس فصرعت عن دابتها فتوفيت ودفنت هناك وعلى هذا فيكون قوله في زمن معاوية معناه في زمن غزوة البحر لا في أيام خلافته قلت ورجح هذا الحافظ في فتح الباري أيضًا قال وقيل ذلك في أيام خلافته قال وهو أظهر في دلالة قوله في زمانه وفي الحديث جواز ركوب البحر للرجال والنساء وكذا قال الجمهور وكره مالك ركوبه للنساء لأنه لا يمكنهن غالبًا الستر فيه ولا غض البصر عن المتصرفين فيه ولا يؤمن انكشاف عوراتهن في تصرفهن سيما فيما صغر من السفن مع ضرورتهن إلى قضاء الحاجة بحضرة الرجال اهـ. قوله: (أي ظهره) وورد في رواية يركبون ظهر البحر والروايات يفسر بعضها بعضًا. قوله: (وأم حرام بالراء المهملة) أي وبالحاء المهملة قال المصنف في مقدمة شرح مسلم ما كان على هذه الصورة في نسب الأنصار فهو بفتح الراء والحاء المهملتين وما كان منه في نسب قريش فبكسر الحاء المهملة وبالزاي المعجمة كحكيم بن حزام. قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) أوله من قاتل فواق ناقة وجبت له الجنة ومن سأل الله الشهادة صادقًا من نفسه فله أجر شهيد قال

أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ سألَ الله القَتْلَ مِنْ نَفْسِهِ صَادِقًا، ثُم ماتَ أوْ قُتِلَ فإن لَهُ أجْرَ شَهِيدٍ" قال الترمذي: حديث صحيح. وروينا في "صحيح مسلم" عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ طَلَبَ الشَّهادَةَ صَادِقًا أُعْطِيها ولَوْ لَمْ تُصِبْهُ". وروينا في "صحيح مسلم" أيضًا عن سهل بن حُنيف رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ الحافظ حديث صحيح أخرجه أحمد. قوله: (من سأل الله تعالى القتل) في سبيله كما جاء مقيدًا بذلك في رواية الترمذي وقوله (صادقًا) أي من قلبه كما في رواية الترمذي أيضًا وجاء في الرواية الثانية من سأل الله الشهادة الحديث ففي الحديث استحباب سؤال الشهادة واستحباب نية الخير قال ابن رسلان في شرح سنن أبي داود من سأل الله الشهادة ومات على فراشه فله أجر شهيد بسؤاله الشهادة وإن لم تحصل له وأما من قتل شهيدًا فقد حصلت له الشهادة لكن يعطى أجر شهيد زيادة على من قتل شهيدًا ولم يسأل الله الشهادة قبل القتل اهـ. قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) قال الحافظ ورواه أحمد وقول السلاح انفرد به مسلم يعني عن باقي الستة. قوله: (وروينا في صحيح مسلم أيضًا) قال الحافظ وأخرجه أبو عوانة وأبو داود والنسائي وابن ماجه وفي الجامع الصغير أخرجه مسلم والأربعة. قوله: (عن سهل بن حنيف) هو سهل بن حنيف بن واهب الأوسي الأنصاري المدني البدري شهد المشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان ممن بايع على الموت وثبت يوم أحد ولم يفر وكان حسن الخلق ناعم الجسم روي أنه تجرد يومًا للاغتسال فقال رجل من الأنصار: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة فلبط به وصرع من حينه فحمل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - محمومًا فأخبر بخبره فقال - صلى الله عليه وسلم -: "علام يقتل أحدكم أخاه؟ ما يمنع أحدكم إذا رأى من أخيه ما يعجبه من نفسه أو ماله فليبرك عليه إن العين حق". ثم إن سهل بن حنيف صحب عليًّا واستخلفه على المدينة حين سار إلى البصرة وشهد معه صفين وحديث قيامه يوم صفين ووعظه مشهور مذكور في الصحاح وولاه بلاد فارس فأخرجه أهلها فاستعمل عليهم زياد ابن أبيه فصالحوه وأدوا الخراج روي لسهل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قيل: أربعون حديثًا اتفقا منها على أربعة وانفرد باثنين منها مسلم وخرج

باب حث الإمام أمير السرية على تقوى الله تعالى وتعليمه إياه ما يحتاج إليه من أمر قتال ومصالحتهم وغير ذلك

"مَنْ سألَ اللهَ تَعالى الشَّهادَةَ بِصِدْقٍ بلَّغهُ اللهُ تَعالى منازِلَ الشُّهَداءِ وَإنْ ماتَ على فِرَاشِهِ". باب حث الإمام أمير السرية على تقوى الله تعالى وتعليمه إياه ما يحتاج إليه من أمر قتال ومصالحتهم وغير ذلك روينا في "صحيح مسلم" عن بريدة رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمَّرَ أميرًا على جيش أو سرية، أوصاه ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه الأربعة روى عنه ابن أبي ليلى وأبو وائل توفي بالكوفة سنة ثمان وثلاثين وصلى عليه علي رضي الله عنهما وكبر ستًّا كذا في رياض العامري ما عدا ذكر عدة جملة أحاديثه. قوله: (من سأل الشهادة الخ) قال المصنف في شرح مسلم الرواية الأخرى يعني رواية أنس مفسرة لمعنى الرواية الثانية يعني حديث سهل ومعناهما جميعًا أنه إذا سأل الشهادة بصدق أعطي مثل ثواب الشهداء وإن كان على فراشه ففيه استحباب طلب الشهادة واستحباب نية الخير. قوله: (وإن مات على فراشه) قلت: قد سبق في باب استحباب سؤال الموت ببلد شريف حديث عمر وفيه أصل سؤال الشهادة والموت بالمدينة وحصول مراده والله أعلم. باب حث الإمام أمير السرية على تقوى الله تعالى وتعليمه إياه ما يحتاج إليه من أمر قتال ومصالحتهم وغير ذلك الحث بفتح المهملة وتشديد المثلثة التحريض على الأمر والسرية بتشديد السين المفتوحة وكسر الراء المهملتين وتشديد التحتية هي القطعة من الجيش تخرج منه وتغير وترجع إليه قال في النهاية يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو وجمعها سرايا سموا بذلك لأنهم خلاصة العسكر وخيارهم من الشيء السري النفيس وقيل: سموا بذلك لأنهم ينفرون سرًّا وخفية وليس بالوجه لأن لام السر راء ولام السرية ياء اهـ. قال البعلي في المطلع ويحتمل أنهم سموا بذلك لأنهم يسرون والله أعلم وبذلك الاحتمال صرح المصنف في شرح مسلم وفيه ما علمت في القول الذي قبله إن كان بتشديد الراء وإلا فلا إشكال. قوله: (روينا في صحيح مسلم الخ) وكذا أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. قوله:

باب بيان أن السنة للإمام وأمير السرية إذا أراد غزوة أن يورى بغيرها

في خاصته بتقوى الله تعالى ومن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: "اغْزوا بسم الله، في سَبيلِ الله، قاتِلُوا مَنْ كَفَرَ باللهِ، اغْزُوا ولا تَغُلُوا ولا تَغْدِروا ولا تُمثِّلوا ولا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وإذا لَقَيتَ عَدُوَّكَ مِنَ المُشْرِكِينَ فادْعُهُمْ إلى ثلاثِ خِصَالٍ" ... وذكر الحديث بطوله. باب بيان أن السنَّة للإمام وأمير السرية إذا أراد غزوة أن يورى بغيرها روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" ـــــــــــــــــــــــــــــ (في خاصته) أي في نفسه. قوله: (بتقوى الله) أي التحرز بطاعته من عقوبته. قوله: (ومن معه) أي وأوصاه فيمن معه من الجيش أن يفعل معهم خيرًا. قوله: (اغزوا باسم الله) أي أسرعوا في فعل الغزو مستعينين بالله مخلصين له. قوله: (قاتلوا من كفر بالله) هذا العموم شمل جميع أهل الكفر المحاربين وغيرهم وقد خصص من له عهد والرهبان والنسوان ومن لم يبلغ الحلم وقد قال متصلا به ولا تقتلوا وليدا وإنما نهى عن قتال الرهبان والنسوان لأنهم لا يكون منهم قتال غالبًا وإن كان منهم قتال أو تدبير أو أذى قتلوا ولأن الذراري والأولاد مال وقد نهى - صلى الله عليه وسلم - عن إضاعة المال. قوله: (ولا تغلوا) من الغلول الأخذ من الغنيمة من غير قسمتها. قوله: (ولا تغدروا) بكسر الدال من الغدر وهو نقض العهد. قوله: (ولا تمثلوا) من التمثيل وهو التشويه بالقتيل كجدع أنفه وأذنه والعبث به. قوله: (ولا تقتلوا وليدًا) أي طفلًا أو عبدًا على ما قاله الجوهري اهـ. والله سبحانه وتعالى أعلم. باب بيان أن السنة للإمام وأمير السرية إذا أراد غزوة أن يوري بغيرها قلت الحكمة في استحباب ذلك ألا تسبقه الجواسيس ونحوهم بالتحذير فيفوت المطلوب. قوله: (روينا في صحيح البخاري ومسلم الخ) وأخرجه أحمد وأبو داود وهذا

باب الدعاء لمن يقاتل أو يعمل على ما يعين على القتال في وجهه وذكر ما ينشطهم ويحرضهم على القتال

عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: "لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد سفرة إلا ورَّى بغيرها". باب الدعاء لمن يقاتل أو يعمل على ما يعين على القتال في وجهه وذكر ما ينشطهم ويحرضهم على القتال قأل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65]، وقال تعالى: {وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 84]. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أنس رضي الله عنه قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الخندق ـــــــــــــــــــــــــــــ القدر طرف من الحديث الطويل في قصة تخلف كعب. قولهه: (عن كعب بن مالك) هو الأنصاري الخرزجي السلمي بفتح السين والسلام نسبة لبني سلمة بكسر السلام شهد العقبة والمشاهد كلها إلا بدرًا وتبوك وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم وجرح يوم أحد أحد عبر جرحًا في سبيل الله وهو أحد شعراء النبي - صلى الله عليه وسلم - المجاهدين بألسنتهم وأيديهم وهم حسان وكعب بن مالك وابن رواحة وكان حسان يقع في الأنساب وابن رواحة يعيرهم بالكفر وكعب يخوفهم وقائع السيف وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لقد شكرك ربك على قولك هذا يا كعب يعني قوله: جاءت سخينة كي تغالب ربها ... فلتغلبن مغالب الغلاب روي له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما قيل ثمانون حديث اتفقا منها على ثلاثة وانفرد البخاري بواحد ومسلم بحديثين وخرج عنه الأربعة روى عنه ابناه عبد الله وعبد الرحمن مات بالمدينة سنة خمسين رضي الله عنه. قوله: (ورى) بتشديد الراء من التورية أي أتى بلفظ يحتمل غير المراد أيضًا والتورية أن يطلق لفظ له معنيان قريب وبعيد ويراد به الثاني وينصب ما يدل على ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم. باب الدعاء لمن يقاتل أو يعمل ما يعين على القتال في وجهة إلى آخر الترجمة قوله: (وحرض المؤمنين) قال الكواشي أي عاتبهم على ترك القتال ورغبهم في الجهاد اهـ. واقتصر البيضاوي وغيره على قوله رغبهم الخ. قوله: (وينافي صحيحي البخاري ومسلم الخ) ورواه الترمذي والنسائي كذا في السلاح. قوله: (إلى الخندق) هو خندق المدينة حفره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لما تحزبت عليهم الأحزاب وكانت في سنة أربع من الهجرة وقيل سنة خمس وكانت مدة حصارهم نحو خمسة عشر يومًا ثم أرسل

فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة، فلما رأى ما بهم من النَّصَب والجوع قال: "اللهُم إن العَيشَ عَيْشُ الآخِرَةِ، فاغْفِرْ للأنصارِ والمُهاجِرَةِ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الله على الكفار ريحًا وجنودا لم يرها المسلمون فهزمهم بها. قوله: (فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون) زاد في الرواية ولم يكن لهم عبيد يعلمون ذلك لهم. قوله: (النصب) بفتحتين التعب وقد نصب ينصب نصبًا كفرو يفرو فرحًا ونصبه غيره وأنصبه لغتان. قوله: (إن العيش) أي المعتد به لدوامه وهنائه عيش الآخرة. قوله: (فاغفر للأنصار) قال في السلاح وفي رواية للبخاري ومسلم فأكرم وفي إحدى روايات البخاري فارحم وفي بعضها فبارك وفي بعضها فانصر اهـ. وعلى رواية فأكرم وارحم وانصر النصف الثاني موزون ويجاب عن نطقه - صلى الله عليه وسلم - مع تحريم إنشاء الشعر وإنشاده عليه بأنه لم يقصد الوزن والمعتبر في الشعر القصد وعلى باقي الروايات فهو سجع وهو كما قال الأزهري الكلام المقفى من غير مراعاة وزن قال السيوطي مأخوذ من سجع الحمام وهو تواطؤ الفاصلتين في النثر على حرف واحد وهو معنى قولهم السجع في النثر كالقافية في الشعر ومن النّاس من قبحه لحديث أسجعًا كسجع الجاهلية ورد بأنه إنما أنكر سجع الجاهلية لا مطلق السجع قال ابن يعيش ويكفي في حسنه ورود القرآن به ولا يقدح في ذلك خلو بعض الآيات عنه لأن الحسن قد يقضي المقام إلى أحسن منه قال الخفاجي السجع محمود لا على الدوام ولذا لم يجيء فواصل القرآن كلها عليه واختلف هل يجوز أن يقال في فواصل القرآن أسجاع أم لا؟ الأدب المنع لقوله تعالى: ({كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} فسماه فواصل فليس لنا أن نتجاوزه ولأنه يشرف أن يشارك الكلام الحادث في اسم السجع ولأن السجع في الأصل هدير الحمامة ونحوها والقرآن يشرف عن أن يستعار له لفظ في أصل الوضع لطائر ورجح القاضي أبو بكر الباقلاني في الانتصار جواز تسمية الفواصل سجعًا قال العلقمي السجع أن يجمع أمرين كان مذموما التكلف وإبطال الحق وإن اقتصر على أحدهما كان أخف في الذم ويخرج من ذلك تقسيمه إلى أربعة أنواع والمحمود منه ما جاء عفوًا في حق ودونه ما جاء متكلفًا في حق

باب الدعاء والتضرع والتكبير عندالقتال واستنجاز الله تعالى ما وعد من نصر المؤمنين

باب الدعاء والتضرع والتكبير عندالقتال واستنجاز الله تعالى ما وعد من نصر المؤمنين قال الله عزّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45)} {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ أيضًا والمذموم عكسهما قال الأزهري إنما كره صلى الله عليه وسلم السجع لمشاكلته كلام الكهنة اهـ. تتمة آخر الخبر فقالوا مجيبين له: نحن الذين بايعوا محمدًا ... على الجهاد ما بقينا أبدا أي فلا نضجر مما نحن فيه لأن الوفاء بالعهود لأعظم ما يرام. باب الدعاء والتضرع والتكبير عند القتال واستنجاز الله ما وعد من نصر المؤمنين قوله: (فِئة) بكسر الفاء بعدها همزة قال الراغب في مفرداته الفئة الجماعة المتظاهرة التي يرجع بعضهم إلى بعض في التعاضد وحذف الوصف من الآية أي كافرة اكتفاء بقرينة الحال لأن المؤمنين ما كانوا يلقون إلا الكفار واللقاء اسم للقتال غالبًا وأمرهم الله تعالى بالثبات وهو مقيد بآية الضعف وفي البخاري لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية وإذا لقيتموهم فأثبتوا وأمرهم الله تعالى بذكره كثيرًا في هذا الموطن العظيم من مصابرة العدو والتلاحم بالرماح والسيوف وهي حالة يقع فيها الذهول عن كل شيء فأمروا فيها بذكر الله تعالى وهو تعالى الذي يفزع إليه عند الشدائد ففيه تنبيه على أنه ينبغي للعبد ألا يشغله عن ذكر الله تعالى شيء وأنه يلتجئ إليه عند الشدائد يقبل عليه بشراشره فارغ البال واثقًا بأن لطفه تعالى لا ينفك عنه في حال من الأحوال. قوله: (فتفشلوا) قال أبو حيان في النهر الظاهر أنه جواب النهي فيكون منصوبًا ولذلك عطف عليه وتذهب المنصوب لأنه يتسبب عن التنازع الفشل وهو الحذر والجبن عن لقاء العدو ويجوز أن يكون فتفشلوا مجزومًا عطفًا على (وَلَا تَنَازَعُوا) وذلك على قراءة عبسي بالياء وسكون البناء اهـ. قوله: (وتذهب ريحكم)

وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)} {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47)} [الأنفال: 45 - 47] قال بعض العلماء: هذه الآية الكريمة أجمع شيء جاء في آداب القتال. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن ابن عباس قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في قُبَّته: "اللهُمَّ إني أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللهم إنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدَ بَعْدَ اليَوْم" فأخذ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي قوتكم ونصركم يقال الريح لفلان إذا كان غالبًا في الأمر قال قتادة وابن زيد لم يكن نصر قط إلا بريح تهب وتضرب وجوه الكفار، قوله: (واصبروا) أي فإن الصبر محمود في كل المواطن خصوصًا مواطن الحرب كما قال تعالى في أول الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} و. قوله: {بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ} انتصبا على المفعول من أجله وقيل بل هما على الحال أي بطرين مرائين صادين وهذه الآية ولا تكونوا الخ نزلت في أبي جهل وأصحابه لما خرجوا لنصرة العير وكان ما كان من غزوة بدر والبطر في اللغة التقوى بنعم الله تعالى وما أشبه ذلك من العافية على المعاصي. قوله: (ويصدون) أي يمنعون النّاس بإضلالهم. قوله: (قال بعض العلماء الخ) قال المصنف في شرح مسلم قد جمع الله آداب القتال في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} الآية اهـ. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) وأخرج النسائي والطبراني من غير ذكر القبة في بعض الطرق وفي بعضها في قبة بغير ضمير وفي رواية في قبة له ولم يذكر فبهما يوم بدر قال الحافظ وقد أشار الشيخ يعني المصنف إلى بعض هذا الاختلاف. قوله: (أنشُدك) هو بضم الشين المعجمة أي اسألك الوفاء بما عهدت ووعدت من الغلبة على الكفار والنصر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإظهار الدين المحمدي قال تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ} الآية وهذا هو العهد وقال تعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} فهذا هو الوعد. قوله: (إن شئت لم تعبد بعد هذا اليوم) أي إن شئت لا تعبد بعد هذا اليوم أي بأن يسلطوا على

أبو بكر رضي الله عنه بيده فقال: حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك، فخرج وهو يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المؤمنين قال الكرماني روي أنه - صلى الله عليه وسلم - نظر إلى الكفار وهم ألف وإلى أصحابه وهم ثلثمائة وبضعة عبر فاستقبل القبلة وقال: اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض فما زال كذلك حتى سقط رداؤه وأخذه أبو بكر رضي الله عنه فألقاه على منكبيه فقال: يا نبي الله كفاك مناشدة ربك فإنه سينجز لك ما وعدك وهذا اللفظ الذي عبر عنه الكرماني بقوله: يروى الخ هو لفظ صحيح مسلم. فالتعبير بهذا اللفظ المؤذن بالتمريض فيه غير قويم قال المصنف قال العلماء هذه المناشدة إنما فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - ليراه أصحابه بتلك الحالة فتتقوى قلوبهم بدعائه وتضرعه مع أن الدعاء عبادة وقد كان تعالى وعده إحدى الطائفتين إما العير وإما الجيش وكانت العير قد ذهبت وماتت فكان على ثقة من حصول الأخرى ولكن سأل تعجيل ذلك وتنجيزه من غير أذى يلحق المسلمين اهـ وقد بسط الخطابي فقال: قد يشكل معنى هذا الحديث على كثير وذلك إذا رأوا نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يناشد ربه في استنجاز الوعد وأبو بكر يستلزمه يتوهمون أن حال أبي بكر بالثقة إلى ربه والطمأنينة بوعده أرفع من حاله - صلى الله عليه وسلم - وهذا لا يجوز قطعًا فالمعنى في مناشدته - صلى الله عليه وسلم - وإلحاحه في الدعاء الشفقة على قلوب أصحابه وتقويهم إذ كان ذلك أول مشهد شهدوه في لقاء العدو وكانوا في قلة من العدد والعدد فابتهل بالدعاء وألح ليسكن ذلك ما في نفوسهم إذ كانوا يعلمون أن وسيلته مقبولة ودعوته مستجابة فلما قال له أبو بكر مقالته: كف عن الدعاء وعلم أنه قد استجيب دعاؤه بما وجد أبو بكر في نفسه من القوة والطمأنينة حتى قال له ذلك القول ويدل عليه تمثله - صلى الله عليه وسلم - بقوله تعالى: ({سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} وكان - صلى الله عليه وسلم - في تلك الحالة في مقام الخوف وهو أكمل حالات الصلاة قال القسطلاني في المواهب اللدنية وجاز عنده - صلى الله عليه وسلم - أن لا يقع النصر يومئذٍ لأن وعده النصر لم يكن معينًا لتلك الواقعة بل كان مجملًا هذا هو الذي يظهر اهـ. وأجاب السهيلي بقوله كان الصديق في تلك الساعة في مقام الرجاء والنبي - صلى الله عليه وسلم - في مقام الخوف لأن الله يفعل ما يشاء فخاف أن لا يعبد الله في الأرض فخوفه ذلك

أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 46 - 46]، وفي رواية "كان ذلك يوم بدر" هذا لفظ رواية البخاري. وأما لفظ مسلم فقال: استقبل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - القبلة ثم مدَّ يديه فجعل يهتف بربه عزَّ وجلَّ يقول: "اللهُم أنْجِزْ لي ما وَعدْتَنِي، اللهُم آتِ ما وَعَدْتَنِي، اللهم إنْ تَهْلِكْ هَذِهِ العِصَابَةَ مِنْ أهْلِ الإسْلامِ لا تُعْبَدُ في الأرْضِ" فما زال يهتف بربه ـــــــــــــــــــــــــــــ عبادة اهـ. والأول أولى لأنه إنما كان دعا شفقة على أصحابه قلت ثم رأيت القرطبي أشار في المفهم إليه واقتصر عليه فلله الحمد مع ما ينضم إليه من أداء حق مقام العبودية من التذلل والسؤال الذي هو وظيفة العبد وإن كان المسؤول معلوم الحصول وفيه تنبيه الأمة على دوام الالتجاء والافتقار إلى الله في كل حال من الرخاء والشدة وقد سبق في قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ما له تعلق بذلك ولعل هذا من أحسن الوجوه والله أعلم. قوله: (وفي رواية) أي للبخاري وسبقت الإشارة إلى ذلك في أول الكلام. قوله: (ببدر) قال المصنف بدر هو الموضع الذي كانت فيه الغزوة العظمى المشهورة وهو ماء معروف على نحو أربع مراحل من المدينة بينها وبين مكة قال ابن قتيبة بدر بئر كانت لرجل يسمى بدرًا فسميت باسمه قال أبو اليقظان كانت لرجل من غفار. قوله: (وأما رواية مسلم الخ) قال الحافظ ظاهر صنيعه أنه عند مسلم من مسند ابن عباس وليس كذلك إنما هو من مسند عمر من رواية ابن عباس رضي الله عنهم. قوله: (واستقبل القبلة) أي لما رأى كثرة عدد الكفار وقلة عدد المسلمين كما تقدمت الإشارة إليه. قوله: (آت ما وعدتني) كذا في نسخة من الأذكار وفي نسخ مسلم أنجز لي ما وعدتني وكذلك شرح عليه المصنف وأورده الحافظ في إملائه وهو هكذا في نسخة مصححة من الأذكار أي ما وعدتني من النصر والظفر. قوله: (تهلك هذه العصابة) ضبط تهلك بفتح التاء وضمها فعلى الأول الأفصح في السلام الكسر وتفتح في لغة كما في تحفة القاري وعليهما هو برفع العصابة على أنها فاعل وعلى الثاني بنصبها على أنها مفعول والعصابة الجماعة

مادًّا يديه حتى سقط رداؤه. قلت: يهتف بفتح أوله وكسر ثالثه، ومعناه: يرفع صوته بالدعاء. وروينا في "صحيحيهما" عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - -في بعض أيامه التي لقي فيها العدو- انتظر حتى مالت الشمس، ثم قام في النّاس قال: "أيها الناسُ لا تَتَمَنَّوْا لِقاءَ العَدُوِّ واسألوا اللهَ العافِيَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في المواهب وإنما قال - صلى الله عليه وسلم -: هذا الكلام لأنه علم أنه خاتم النبيين فلو هلك - صلى الله عليه وسلم - ومن معه حينئذٍ لا يبعث أحد ممن يدعو إلى الإيمان اهـ. لكن استشكل بأنه لا يلزم من هلاك من معه ببدر ألا يعبد سبحانه وتعالى لوجود جملة من المسلمين بالمدينة ومكة وغيرهما من البلاد قال القرطبي: وأجيب باحتمال أنه قال ذلك عن وحي أوحي إليه فمن الجائز أن يكون هلاك تلك العصابة في ذلك الوقت سببًا لفتنة غيرهم فلا يبقى مؤمن على الأرض يعبد الله فنقطع العبادة اهـ أو يقال ليس المراد من العصابة الحاضرين ببدر فقط بل هم وغيرهم من أهل الإيمان وسمي الجميع عصابة لقلتهم بالنسبة إلى كثرة عدوهم وكأنه - صلى الله عليه وسلم - لما علم أن لا نبي بعده وقدر في نفسه الهلاك عليه وعلى كل من آمن به ونظر إلى سنة الله في العبادات أن لا تتلقى إلا من جهة الأنبياء لزم من ذلك نفي العبادة جزمًا قال القرطبي وهذا أحسن الوجوه قلت والظاهر أنه مراد القسطلاني لكن في كلامه إجمال والله أعلم بحقيقة الحال. قوله: (يهتف بفتح أوله الخ) قال المصنف في شرح مسلم أي يصيح ويستغيث بالدعاء وفي الحديث استحباب الاستقبال في الدعاء ورفع اليدين فيه وأنه لا بأس برفع الصوت في الدعاء. قوله: (وروينا في صحيحهما الخ) وكذا رواه أحمد قال الحافظ وأبو داود كما في السلاح. قوله: (لا تتمنوا لقاء العدو) قال الحافظ في الفتح قال ابن بطال حكمة النهي أن المرء لا يعلم ما يؤول إليه الأمر وهو نظير سؤال العافية من الفتن وقد قال الصديق لأن أعافى وأشكر أحب إلي من أن أبتلى وأصبر وقال غيره إنما نهى عن تمني لقاء العدو لما فيه من صورة الإعجاب والاتكال

فَإذَا لَقِيتُمُوهُم فاصْبِرُوا، ـــــــــــــــــــــــــــــ على القوي والوثوق بالقوة وقلة الاهتمام بالعدو وكل ذلك مباين للاحتياط والأخذ بالحزم زاد المصنف وهو نوع بغي وقد وعد الله من بغى عليه أن ينصره اهـ. وقيل يحتمل النهي على ما وقع الشك فيه في المصلحة أو حصول الضرر وإلا فهو فضيلة ويؤيد الأول تعقيب النهي بقوله واسألا الله العافية اهـ. قال المصنف وقد كثرت الأحاديث في الأمر بسؤال العافية وهي من الألفاظ العامة المتناولة لدفع جميع الآفات في البدن في الباطن والظاهر في الدنيا والآخرة اللهم إني أسألك العافية لي ولأحبابي ولجميع المسلمين وقال ابن دقيق العيد لما كان لقاء الموت من أشق الأشياء على النفس وكانت الأمور الغائبة ليست كالأمور المحققة لم يؤمن أن لا يكون عند الوقوع كما ينبغي فكره التمني لذلك ولما فيه إن وقع من احتمال أن يخالف الإنسان ما وعد من نفسه ثم أمر بالصبر عند وقوع الحقيقة اهـ قال في المفهم أو وجه النهي ما يخاف من إدالة العدو على المسلمين من ظفره بهم وقد ذكر في هذا الحديث وإنهم ينصرون كما تنصرون وقيل لما يؤدى إليه من إذهاب حياة النفوس التي يزيد بها المؤمن خيرًا ويرجى للكافر فيها أن يرجع لا يقال لقاء العدو وقتاله طاعة يحصل منه إما الظفر بالعدو وإما الشهادة فكيف نهى عن تمنيه وقد حض الشارع على طلب الشهادة لأنا نقول لقاء العدو وإن كان جهادًا وطاعة ومحصلًا لأحد الأمرين فلم ينه عن تمنيه لأحد ذينك الأمرين إنما نهى عن تمنيه لأحد الأوجه السابقة ثم هو ابتلاء وامتحان لا يعرف عماذا تسفر عاقبته وقد تحصل غنيمة ولا شهادة بل ضد ذلك وتحرير ذلك أن تمني لقاء العدو المنهي عنه غير تمني الشهادة المرغب فيه لأنه قد يحصل اللقاء ولا تحصل الشهادة ولا الغنيمة فانفصلا اهـ. وأخذ منه الحسن البصري منع طلب المبارزة وكان علي رضي الله عنه يقول: لا تدع إلى المبارزة فإن دعيت إليها فأجب تنصر لأن الداعي باغ لكن قال ابن المنذر: اجمع العلماء على جواز المبارزة والدعوة إليها. قوله: (لقيتموهم) أي العدو وهو يطلق على المفرد والجمع (فاصبروا) على قتالهم ولا تجنبوا عن حربهم فإنه تعالى

واعْلَمُوا أنَّ الجنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيوف"، ثم قال: "اللهُم مُنْزِلَ الكِتابِ، ومُجْرِي السَّحاب، وهازِمَ الأحْزابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنا عَلَيْهِمْ" وفي رواية: "اللهم مُنْزِل الكِتاب، سَرِيع الحِساب، ـــــــــــــــــــــــــــــ مع الصابرين بالمعونة ففيه الحث على الصبر في القتال وهو أحد أركانه وقد سبقت الآية الجامعة لآدابه أول الباب. قوله: (واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف) في المفهم هذا من الكلام النفيس البديع الجامع لضروب البلاغة من جزالة اللفظ وعذوبته وحسب استعارته وشمول المعاني الكثيرة مع الألفاظ اليسيرة الوجيزة بحيث تعجز الفصحاء اللسن البلغاء عن إبداء مثله وأن يأتوابنظيره وشكله فإنه استفيد منه مع وجازته الحض على الجهاد والإخبار بالثواب عليه والحض على مقاربة العدو واستعمال السيوف والاعتماد عليها واجتماع المقاتلين حين الزحف بعضهم لبعض حتى تكون سيوفهم بعضها يقع على العدو وبعضها يرتفع عليهم حتى كأن السيوف أظلت الضاربين بها ويعني أن الضارب بالسيف في سبيل الله تعالى يدخل الجنة بذلك كما جاء في الحديث الآخر الجنة تحت اقدام الأمهات أي من أبر بأمه وقام بحقها دخل الجنة اهـ. قوله: (منزل الكتاب) بالتخفيف وبجوز تشديده والكتاب يجوز أن يراد به القرآن ويجوز أن يراد به الجنس فيشمل سائر الكتب الإلهية المنزلة إلى الدنيا. قوله: (الأحزاب) جمع حزب وهم الجمع والقطعة من النّاس وسبق في أذكار السعي أن المراد بهم الكفار الذين تحزبوا عليه - صلى الله عليه وسلم - فحفر من أجلهم الخندق ونصر عليهم بالصبا وأنزل الله جنود لم يرها المؤمنون وكفى الله المؤمنين القتال وسيأتي له مزيد إن شاء الله تعالى في باب تكبير المسافر إذا صعد الثنايا وتسبيحه إذا هبط الأودية. قوله: (اهزمهم) بكسر الزاي أي اغلبهم والضمير للأعداء الموجودين حينئذٍ. قوله: (وفي رواية) أي في الصحيحين عن عبد الله ابن أبي أوفى المذكور في الرواية قبله وهي كذلك عند أحمد كما قاله الحافظ. قوله: (سريع الحساب) قال القرطبي في المفهم وصف بذلك لأنه يعلم الأعداد المتناهية وغيرها في آن واحد فلا يحتاج في ذلك إلى فكر ولا

اهْزِم الأحْزَابَ، اللهم اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ". وروينا في "صحيحيهما" عن أنس رضي الله عنه قال: صبح النبي - صلى الله عليه وسلم - خيبر، فلما رأوه قالوا: ـــــــــــــــــــــــــــــ عقد كما يفعله الحساب منا اهـ. ونقل هذا القول تلميذه في التفسير الكبير ثم قال: قال الحسين: حسابه أسرع من لمح البصر وفي الخبر أن الله تعالى يحاسب في قدر حلب شاة وقيل: المعنى لا يشغله شأن عن شأن فيحاسبهم في حالة واحدة كما قال تعالى {مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} وقيل لعلي رضي الله عنه: كيف يحاسب الله الخلق يوم القيامة قال كما يرزقهم في يوم ومعنى الحساب تعريف الله عباده مقادير الجزاء على أعمالهم وتذكيرهم إياها بما قد نسوه قال تعالى: {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} اهـ. ملخصًا. قوله: (اللهم اهزم الأحزاب الخ) أي زلزل أقدامهم وثبت أقدامنا وقيل: أزعجهم وحركهم بالشدائد وفي النهاية الزلزلة في الأصل الحركة العظيمة والإزعاج الشديد ومنه زلزلت الأرض وهو كناية عن التخويف والتحذير أي اجعل أمرهم مضطربًا متقلقلًا غير ثابت وفي الحديث استعمال السجع في الدعاء قال المصنف هو وغيره دليل لما قاله العلماء إن السجع المذموم في الدعاء هو المتكلف فإنه يذهب الخشوع والخضوع والإخلاص ويلهي عن الضراعة والافتقار وفراغ القلب أما ما حصل بلا كلفة ولا إعمال فكر لكمال الفصاحة ونحو ذلك أو كان محفوظًا فلا بأس به بل هو حسن اهـ. وقال الغزالي المكروه من السجع هو المتكلف لأنه لا يلائم الضراعة والذلة وإلا ففي الأدعية المأثورة كلمات متوازنة لكنها غير متكلفة وكذا قال الحافظ في الفتح فيما رواه البخاري من قول ابن عباس لعكرمة وانظر السجع من الدعاء واجتنبه فإني عهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك قال: فقوله فاجتنبه أي لا تقصد إليه ولا تشغل فكرك به لما فيه من التكلف المانع للخشوع المطلوب في الدعاء وقال ابن التين المراد بالنهي المستكره منه وقال الداودي الاستكثار منه وقال في قوله لا يفعلون إلا ذلك أي ترك السجع وفي رواية لا يفعلون ذلك بإسقاط إلا وهو واضح وكذا أخرجه البزار ولا يرد على ذلك ما وقع في الأحاديث الصحيحة لأنه كان يصدر عن غير قصد إليه ولأجل ذلك يجيء في دعائه الانسجام اهـ. قوله: (وروينا في صحيحيهما الخ) وأخرجه الترمذي

محمدٌ والخميسُ، فلجؤوا إلى الحصن، فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - يديه فقال: "اللهُ أكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إنَّا إذا نَزَلْنَا بِساحَةِ قَوْم فَسَاءَ صَباحُ المُنْذَرينَ". وروينا بالإسناد الصحيح في سنن أبي داود عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثِنْتانِ لا تُرَدَّانِ -أو قَلَّما تُردَّانِ- الدُّعاءُ عِنْدَ النَّداءِ، وَعِنْدَ البأسِ حِينَ يُلْجِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضا". قلت: في بعض النسخ المعتمدة "يلحم" بالحاء، وفي بعضها بالجيم، وكلاهما ظاهر. ـــــــــــــــــــــــــــــ وابن ماجه كما في الحصن ومالك وأحمد مطولًا كما قاله الحافظ. قوله: (محمد والخميس) هو الجيش كما وقع في نسخة من الأذكار وقد فسره به في البخاري قال سمي خميسًا لأنه خمسة أقسام ميمنة وميسرة ومقدمة ومؤخرة وقلب قال القاضي رويناه برفع الخميس عطفًا على قوله محمد وبنصبه على أنه مفعول معه اهـ. قوله: (الله أكبر) فيه استحباب التكبير عند لقاء العدو. قوله: (خربت خيبر) بكسر الراء جملة خبرية مبني دعائية معنى قال القاضي: تفاءل - صلى الله عليه وسلم - بخرابها لما رآه في أيديهم من آلة الخرب من الفؤوس والمساحي وغيرها وقيل أخذه من اسمها والأصح أنه أعلمه الله بذلك كذا قاله المصنف في شرح مسلم. قوله: (بساحة قوم) أي بفنائهم والعرب تكني بذكر الساحة عن القوم. قوله: (فساء صباح المنذرين) أي فبئس صباح من أنذر بالعذاب فلم يؤمن ومنه إباحة القتل في الدنيا والصباح مستعار من صباح الجيش المبيت لوقت نزول العذاب ولما كثر فيهم الهجوم والغارة في الصباح سموا الغارة صباحًا وإن وقعت في وقت آخر قال المصنف ففيه جواز الاستشهاد في مثل هذا السياق بالقرآن في الأمور المحققة وقد جاء لهذا نظائر كثيرة ومنه ما جاء في فتح مكة جعل - صلى الله عليه وسلم - يطعن الأصنام يقول جاء الحق وزهق الباطل وما يبدي الباطل وما يعيد قال العلماء ويكره من ذلك ما كان على ضرب الأمثال في المحاورات والمزاح ولغو الحديث فيكره ذلك تعظيمًا للقرآن. قوله: (وروينا بالإسناد الصحيح في سنن أبي داود الخ) تقدم

وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي عن أنس رضي الله عنه قال: كان - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا غزا قال: "اللهُم أنْتَ عَضُدِي وَنَصِيري، بِكَ أحُولُ، وَبِكَ أصُولُ، وبِكَ أُقاتِلُ". قال الترمذي: حديث حسن. قلت: معنى عَضُدِي: عوني. قال الخطابي: معنى أحُول: أحتال. قال: وفيه وجه آخر، وهو أن يكون معناه: المنع والدفع، من قولك: حال بين الشيئين: إذا منع أحدهما من الآخر، ـــــــــــــــــــــــــــــ الكلام على ما يتعلق به سندًا ومتنًا في باب الدعاء عند الأذان. قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) قال في الجامع الصغير ورواه ابن ماجه وأحمد وابن حبان والضياء كلهم عن أنس زاد الحافظ وأخرجه الطبراني في الدعاء وقال قوله بك أجول وبك أصول لم يقع في رواية غير أبي داود ممن ذكر وقد أخرجه عنه أبو عوانة بالزيادة ووقع بمعنى هذه الزيادة في حديث صهيب عند النسائي بلفظ أحاول وأصاول وفي حديث ابن عباس بلفظها عند الطبراني وفي آخره ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ووجدت في مسند الحارث من طريق أبي مجلز عن أنس مثل هذا الحديث بدون هذه الزيادة اهـ. قوله: (عضدي) بفتح فضم أي قوتي أو ناصري ومعيني وفي القاموس العضد بالفتح وبالضم وبالكسر وككتف ويدين وعنق ما بين المرفق إلى الكتف والعضد الناحية والناصر والمعين وهم عضدي وأعضادي (ونصيري) أي ناصري كما في رواية فهو عطف تفسير على التفسير الثاني لعضدي. قوله: (بك أحول) أي بقوتك وقدرتك أحول. قوله: (وأصول) من الصولة وهي السطوة ومنه الجمل الصائل. قوله: (معنى أحول الخ) وقيل معناه أتحرك وأتصرف وأجول ومعنى أحاول الواقع في رواية النسائي أعالج الأعداء وأدافعهم وهو للمبالغة. قوله: (قال الترمذي حديث حسن) لفظه حديث حسن غريب وقال الحافظ بعد تخريجه إنه حديث صحيح أخرجه أبو داود

فمعناه: لا أمنع ولا أدفع إلا بك. وروينا بالإسناد الصحيح في سنن أبي داود والنسائي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خاف قومًا قال: "اللهُم إنَّا نَجْعَلُكَ في نُحُورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِك مِنْ شُرُورِهِمْ". وروينا في كتاب الترمذي عن عُمارة بن زَعْكَرَةَ رضي الله عنه قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ والترمذي وابن حبان الخ. قوله: (وروينا بالإسناد الصحيح الخ) سبق الكلام على ما يتعلق به متنًا وإسنادًا في باب ما يقول إذا خاف قومًا. قوله: (وروينا في كتاب الترمذي الخ) قال الحافظ وأخرجه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة بإسناد الترمذي. قوله: (عن عمارة بن زعكرة) ضبط الشيخ زعكرة قال الحافظ وهو أزدي وقيل: مازني وقيل: كندي ولا يعرف له إلا هذا الحديث قال ابن عبد البر وعمارة يكنى أبا عدي سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قال الله تعالى: (إِنَّ عِبَادِي) الخ روى عنه عبد الرحمن بن عائذ اليحصبي. قوله: (إن الله تعالى يقول) فيه دليل لعدم كراهة استعمال ذلك ونقل عن بعض السلف كراهة ذلك وإنما يقال قال الله ورد بقوله تعالى: (وَاللهُ يَقُولُ الحَق) وهذا الحديث من الأحاديث القدسية وهي التي جاءت عن الله تعالى وهي أكثر من مائة حديث وقد جمعها بعضهم في جزء كبير والفرق بينه وبين الوحي المتلو أي القرآن أن القرآن أشرف الكلام المضاف إليه تعالى ليميزه عن غيره بإعجازه من أوجه مذكورة في الشفاء وغيره وكونه معجزة باقية على ممر الدهور محفوظة من التغيير والتبديل وتحريم مسه للمحدث وتلاوته لنحو الجنب وروايته بالمعنى وتعينه في الصلاة وبتسميته قرآنًا وبأن كل حرف منه بعشرة ثوابًا وبامتناع بيعه في رواية عن أحمد وكراهيته عندنا وبتسمية الجملة منه آية وسورة وغيره من باقي الكتب المضافة إليه تعالى والأحاديث القدسية لا يثبت لها شيء من ذلك فيجوز مسه وتلاوته لمن ذكر وروايته بالمعنى ولا يجزئ في الصلاة بل يبطلها ولا يسمى قرآنًا ولا يعطي قارئه بكل حرف عشرًا ولا يمنع ولا يكره بيعه اتفاقًا ولا يسمى بعضه آية ولا سورة أيضًا ثم الحديث القدسي وهو ما نقل إلينا آحادا عنه - صلى الله عليه وسلم -

سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن اللهَ تَعالى يَقُولُ: إنّ عَبْدِي كُلَّ عَبْدِي، الذِي يَذْكُرُني وَهُوَ مُلاقٍ قِرْنَهُ" يعني عند القتال. قال الترمذي: ليس إسناده بالقوي. قلت: زعكرة بفتح الزاي والكاف وإسكان العين ـــــــــــــــــــــــــــــ مع إسنادها لها عن ربه من كلامه تعالى فيضاف إليه تعالى وهو الأغلب ونسبته إليه حينئذٍ نسبة إنشاء لأنه المتكلم به أولًا وقد يضاف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه المخبر به عن الله تعالى بخلاف القرآن فلا يضاف إلا إليه تعالى فيقال فيه قال الله تعالى ويقال في الحديث القدسي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه وهي عبارة السلف وهي أولى وقال تعالى فيما روى عنه نبيه - صلى الله عليه وسلم - والمعنى واحد وهذا مما ينجغي أن يحفظ لنفاسته وعموم الحاجة إليه والله أعلم. قوله: (إن عبدي كل إن عبدي) أي الحائز من وصف العبودية الكمال فهو نظير قولهم أنت الرجل علمًا أي الجامع لأوصاف الكمال المتفرقة في الرجال قال الشاعر: وليس على الله بمستنكر ... أن يجمع العالم واحد قوله: (قرنه) بكسر القاف أي كفوه كما في الصحاح وإنما كان كذلك لأن ذكره الله تعالى في ذلك الحال لا يكون إلا عن قوة المعرفة ونفاذ البصيرة وتقدم قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} قال قتادة افترض الله عزّ وجلّ ذكره على عباده أشغل ما يكونون عند الضراب بالسيوف وحكم هذا الذكر أن يكون خفيا لأن رفع الصوت في مواطن القتال روي مكروه إذا كان العائط واحدًا أما إذا كان عن الجمع عند الحملة فحسن لأنه يفت في أعضاد العدو كذا في تفسير القرطبي. قوله: (قال الترمذي ليس إسناده بالقوي) قال الحافظ فيه إنه حديث حسن غريب قال: يريد بقوله ليس إسناده الخ ضعف عفير لكن وجدت له شاهدًا قويًّا مع إرساله أخرجه البغوي

المهملة بينهما. وروينا في كتاب ابن السني عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حُنين: "لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، فإنَّكُمْ لا تَدْرُونَ ما تُبْتَلَوْن بهِ مِنْهُمْ، فإذا لَقِيتُمُوهُمْ فَقُولُوا: اللهُم أنْتَ ربُّنا وَرَبُّهُمْ، وَقُلُوبُنا وَقُلُوبُهُمْ بِيَدِكَ، وإنَّمَا يَغْلِبُهُمْ أنْت". وروينا في الحديث الذي قدمناه عن كتاب ابن السني عن أنس رضي الله عنه قال: "كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة، فلقي العدوّ، فسمعته يقول: "يا مالِكَ يَوْمِ الدِّينِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ من طريق جبير بن نفير قال: قال الله تعالى فذكره فلذلك قلت: حسن وقوله غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه غرابته من جهة تفرد عفير بوصله وإلا فقد وجد من وجه آخر وعفير بعين مهملة ففاء فتحية فراء مصغرًا واسمه عثمان بن عبيد والله أعلم. قوله: (وروينا في كتاب ابن السني الخ) ولفظ الحديث عن جابر لما كان يوم خيبر بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا يخبره فجاء محمد بن مسلمة فقال: يا رسول الله ما رأيت كاليوم قط قتل أخي فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تتمنوا لقاء العدو فإنكم لا تدرون ما تبتلون به منهم فإذا لقيتموهم فقولوا أنت ربنا وربهم ونواصينا ونواصيهم بيدك وإنما تغلبهم أنت" ثم ذكر بقية الحديث هكذا أسنده الحافظ عن الطبراني وقال أخرجه ابن السني ووقع في النسخة يوم حنين بالمهملة المضمومة والنون وهو تصحيف قديم لأن أخا محمد بن مسلمة واسمه محمود إنما قتل بخيبر اتفاقًا وعند أحمد والطبراني من حديث أبي هريرة: لا تتمنوا لقاء العدو فإنكم لا تدرون ما يكون من ذلك وهذا شاهد لحديث أنس المذكور اهـ وسبق ما يتعلق بمعنى الحديث في أول الباب. قوله: (وإنما تغلبهم أنت) أي ليس الغلب بالكثرة ولا بالقوة قال تعالى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} وقال الله تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ} وقال: {وَمَا النَّصْرُ إلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}. قوله: (وروينا في الحديث الذي قدمناه) أي في باب ما يقول إذا نظر إلى عدوه. قوله: (عن أنس) سبق عن الحافظ أن فيه وهمًا وهو أنه من رواية أنس عن أبي طلحة عند ابن السني وكان أذكر أبي طلحة سقط عند المصنف. قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} أي يوم القيامة

إياكَ نَعْبُدُ وإيَّاك نَسْتعِينُ، فلقد رأيت الرجال تصرع تضربها الملائكة من بين أيديها ومن خلفها. وروى الإِمام الشافعي رحمه الله في "الأم" بإسناد مرسل عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: اطْلُبُوا اسْتِجَابَة الدُّعاءِ عِنْدَ الْتِقاءِ الجُيُوشِ، وَإقَامَةِ الصلاةِ، وَنُزُولِ الغَيثِ". قلت: ويسحبُّ استحبابًا متأكدًا أن يقرأ ما تيسر له من القرآن، وأن يقول دعاء الكرب الذي قدَّمنا ذِكْره. وأنه في "الصحيحين" "لا إله إلا اللهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إله إلَّا اللهُ رَب العَرْشِ العَظِيمِ، لا إلهَ إلَّا الله ربُّ السموَاتِ وَرَبُّ الأرْضِ وَرَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ". ويقول ما قدمناه هناك في الحديث الآخَر: "لا إلهَ إلَّا اللهُ الحَلِيمُ الكَرِيمُ، سُبْحانَ الله رب السموَات السَّبْعِ وَرَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إلهَ إلَّا أنْتَ، عَزَّ جارُكَ وَجَل ثنَاؤْكَ". ويقول ما قدمناه في ـــــــــــــــــــــــــــــ وخص بالذكر مع أنه تعالى مالك كل زمان للتنبيه على عظم ذلك اليوم لما يقع فيه. قول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}) أي لا غير أي أفردك بالعبادة ولا أقصد بها سواك {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أي أسأل منك وحدك العون فأنت نعم المعين. قوله: (فلقد رأيت الرجال تضربها الملائكة الخ) سبق في الباب السابق عن بعضهم أن الملائكة لم تقاتل معه - صلى الله عليه وسلم - إلا في بدر وحنين وباقي المغازي تشهدها ولا تقاتل فيها لكن في صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص ما يقتضي أنها قاتلت في يوم أحد أيضًا والله أعلم ثم قوله تضر بها الملائكة يحتمل أن يكون المراد منه القتل على سبيل الاستعارة التبعية ويحتمل أن يكون المراد تثبيط العدو وإبطال شأنه كما نزل في قوله تعالى في وقعة الأحزاب {وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} فأزعجت الأحزاب ورجعوا فارين {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَال وَكَانَ اللَّهُ قَويًّا عَزِيزًا} والله أعلم بحقيقة الحال وقوله (تصرع) يؤيد الأول. قوله: (وروى الشافعي في الأم الخ) تقدم ما يتعلق به سندًا ومتنًا في آخر باب صلاة الاستسقاء. قوله: (ويستحب استحبابًا مؤكدا الخ) أي لأنه أفضل الذكر المأمور بالإكثار منه لقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. قوله: (وأن يقول دعاء الكرب) تقدم

الحديث الآخر: "حَسْبُنا اللهُ ونعْمَ الوَكِيلُ". ويقول: "لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلَّا بالله العَلي العظِيمِ، ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إلَّا بالله، اعْتَصَمْنا بالله، اسْتَعَنَّا بالله، تَوَكَّلْنا على الله". ويقول: "حَصَّنْتَنا كُلَّنا أجمَعينَ بالحَي القَيُّوم الَّذِي لا يَمُوتُ أبَدًا، وَدَفَعْت عَنا السَّوءَ بلا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ العَلي العَظِيم". ويقول: "يا قديمَ الإحْسانِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الكلام عليه إسنادًا ومتنًا في باب دعاء الكرب. قوله: (ويقول لا حول ولا قوة إلا بالله الخ) يعني به ما قدمناه في حديث سعد بن أبي وقاص السابق في باب فصل الذكر قال جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله علمني كلامًا أقوله قال: قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له الله أكبر كبيرًا والحمد الله كثيرًا وسبحان الله رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم أخرجه أحمد ومسلم وغيرهما كما سبق مع ما يتعلق به في الباب المذكور وسبق في باب ما يقول إذا وقع في ورطة حديث على مرفوعًا إذا وقعت في ورطة فقل بسم الله لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم رواه الطبراني وابن السني بسند ضعيف. قوله: (ما شاء الله ولا قوة إلا بالله) سبق الكلام على ما يتعلق بمتنه في باب ما يقال لدفع الآفات وعلى سنده في باب ما يقول إذا انقض الكوكب قال الحافظ في الكلام على هذا الذكر إلى آخر ما في الباب قلت: أكثرها مقطوعة وتقدم من المرفوع أشياء في دعاء الكرب وغيره. قوله: (اعتصمنا بالله) أي استمسكنا به واعتمدنا عليه. قوله: (توكلنا على الله) أي اكتفينا بتدبيره عن كل التدبير واعتمدنا عليه في النقير والقطمير. قوله: (حصنتنا كلنا) بضم التاء من حصنت ولم يتحد الفاعل والمفعول إذا الفاعل هو المتكلم والمفعول هو وغيره فلا يقال هذا مخالف لما استقر أن من خواص أفعال القلوب جواز اتحاد فاعلها ومفعولها نحو رأيتني وكلنا بالنصب تأكيد ضمير المفعول. قوله: (بالحي القيوم) أي القائم بأمر السموات والأرض وما بينهما أي ومن كان كذلك فحصنه منيع وأمنه رفيع. قوله: (يا قديم الإحسان) أي لا أولية لصفاته كما لا آخر لها لأن الأولية والآخرية من أوصاف الحادث وهو ما عدا الصانع وأوصافه هذا إن أريد بالإحسان إرادته وإن أريد منه الفعل أو الأثر أي المنعم به فمعنى قدمه مجيئه كذلك على الدوام فيما مضى من الليالي والأيام فما من لحظة إلا وله ألوف من النعم وصنوف

يا مَنْ إحْسانُهُ فَوْقَ كُل إحْسانٍ، يا مالِكَ الدُّنيا والآخِرَةِ، يا حَيُّ يا قَيُّومُ، يا ذَا الجَلالِ والإكْرَام، يا مَنْ لا يُعْجِزُهُ شَيْء وَلا يَتَعَاظَمُهُ شيء، انْصُرْنا على أعْدَائنا هَؤلاءِ وغَيْرِهِمْ، وأظْهِرْنا عَلَيْهِمْ في عافِيَةٍ وسَلامَةٍ عامَّةٍ عاجلًا" فكل هذه ـــــــــــــــــــــــــــــ من الإحسان. قوله: (يا من إحسانه فوق كل إحسان) أي لأن إحسانه تعالى لا ينقطع ابدًا ولا يفنى مددًا أو إحسانه تعالى بمحض الفضل لا لعلة والمخلوق ليس كذلك قال تعالى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا}. قوله: (يا حي يا قيوم) اختار المصنف أنه اسم الله الأعظم ووافقه عليه جمع محققون وعن أنس كان - صلى الله عليه وسلم - إذا كربه أمر قال: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أخرجه الترمذي وعن أنس قال: كنت جالسًا معه في الحلقة ورجل قائم يصلي فلما ركع وسجد وتشهد قال: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم فقال للصحابة: أتدرون بما دعا قالوا الله ورسوله أعلم قال: والذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطي حديث صحيح أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد ورجاله ثقات مخرج لهم في الصحيح. قوله: (يا ذا الجلال والإكرام) الجلال العظمة المستلزمة للاتصاف بكل وصف من أوصاف الكمال ومنها التنزه عن كل سمة من سمات النقص والإكرام التفضل على عباده وتقدم فيه تحقيق عن ابن أبي شريف في الفرق بين أوصاف الجلال والجمال في أوائل الكتاب وفي باب الأسماء الحسنى وعن ربيعة بن عامر قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ألظوا بياذا الجلال والإكرام أخرجه أحمد والنسائي في الكبرى والحاكم من طريق آخر وقال فيه صحيح الإسناد وقد أورده المصنف في باب جامع الدعوات آخر الكتاب ومعنى ألظوا لازموا وجاء عن عمر موقوفًا عليه ألحوا بالحاء المهملة محل الظاء قال الحافظ وهو قريب من الرواية الأولى. قوله: (ولا يتعاظمه) الضمير المستكن يعود إلى الله تعالى والضمير البارز يعود إلى شيء أي أن الله تعالى لا يتعاظم شيئًا بل الكل

باب النهي عن رفع الصوت عند القتال لغير حاجة

المذكورات جاء فيها حثُّ أكيد، وهي مجرَّبة. باب النهي عن رفع الصوت عند القتال لغير حاجة روينا في سنن أبي داود عن قيس بن عُبَادِ التابعي رحمه الله -وهو بضم العين وتخفيف الباء- قال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكرهون ـــــــــــــــــــــــــــــ في قدرته على حد سواء وقوله تعالى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} المراد من أفعل فيه أصل الفعل أي هين عليه أو ذلك باعتبار محاراة المخاطبين فإن العادة أن الإعادة أهون من البدء والله أعلم. قوله: (حث) بالحاء المهملة والمثلة أي تحريض أكيد وسبق أن منها المرفوع والمقطوع. باب النهي عن رفع الصوت عند القتال لغير حاجة أي لأن ذلك يذهب الهيبة ويشعر بالرعب قال الأصحاب إن صلاة الخوف لا تبطل لما احتيج إليه من حركة ونحوها نعم تبطل بالصياح إذ لا حاجة للمقاتل إليه بل الساكت أهيب. قوله: (روينا في سنن أبي داود الخ) قال الحافظ هكذا أخرجه أبو داود ثم أردفه بحديث أبي موسى الأشعري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكره رفع الصوت عند القتال وهذا حديث حسن قال: وإنما لم أصححه مع أن رجاله ثقات من رجال الصحيح لعنعنة قتادة أي وهو مدلس ووجدت لحديث أبي موسى شاهدًا مرفوعًا أيضا عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية وإذا لقيتموهم فأثبتوا وأكثروا ذكر الله تعالى فإذا صيحوا وأجلبوا فعليكم الصمت هذا حديث حسن لشواهده أخرجه البيهقي وغيره فيتعجب من اقتصار الشيخ على الموقوف وقد وقع لنا لأثر الموقوف من وجه آخر عن هشام يعني ابن عبد الله الدستوائي قال مثله لكن قال يكرهون رفع الصوت عند ثلاث عند القتال وعند الجنازة وفي الذكر وقد وجدت لهذه الزيادة شاهدًا مرفوعًا من حديث زيد بن أرقم أخرجه أبو يعلى والطبراني ولفظه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الله يحب الصمت عند ثلاث عند تلاوة القرآن وعند الزحف وعند الجنازة وفي سنده راو لم يسم وآخر مجهول اهـ. قوله: (كانوا يكرهون

باب قول الرجل في حال القتال: أنا فلان لإرعاب عدوه

الصوت عند القتال. باب قول الرجل في حال القتال: أنا فلان لإرعاب عدوه روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم حنين: "أنا النَّبِيُّ لا كَذِب، أنا ابْنُ عَبْدِ المُطلِب". وروينا في "صحيحيهما" عن سلمة بن الأكوع: أن عليًّا رضي الله عنهما لما بارز ـــــــــــــــــــــــــــــ رفع الصوت عند القتال) قال القرطبي محله إذا كان العائط واحدًا أما إذا كان من الجمع عند الحملة فحسن لأنه يفت في أعضاد العدو اهـ. وفيه أن حديث ابن عمر يقتضي طلب السكوت ولو من الجمع والله أعلم ويحتمل أن يكون مخصوصًا بذلك نظرًا للمعنى المذكور. باب قول الرجل عند القتال أنا فلان لإرعاب عدوه أي إدخال الرعب عليه وهو الخوف في قلبه لعظم مهابته واشتهار شجاعته. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) يأتي الكلام عليه في الباب بعده إن شاء الله تعالى. قوله: (عن سلمة بن الأكوع) هو سلمة بن عمرو بن الأكوع واسم الأكوع سنان الأسلمي كان راميًا محسنًا شجاعًا سباقًا يسبق الخيل على رجليه وله في الإسلام وقائع حسنة غزا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبع غزوات وأول مشاهده الحديبية وشهد بيعة الرضوان وبايع يومئذِ ثلاث مرات أول النّاس وأوسطهم وآخرهم وهو ممن بايع على الموت وأسن الثمانين الذين نزل فيهم قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ} الآية وله الأثر الجميل في غزوة ذي قرد وكفى مؤنة الكفار واستنقذ اللقاح منهم بعد أن استلب منهم ثيابهم وقال له - صلى الله عليه وسلم -: "قد ملكت فأسجح" وقال خير رجالتنا سلمة وكان يصفر لحيته ورأسه يروى له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ستة وسبعون حديثًا اتفقا منها على ستة عشر حديثًا وانفرد البخاري بخمسة ومسلم بتسعة وخرج عنه الجماعة سكن سلمة المدينة فلما قتل عثمان خرج إلى الربذة فسكنها وتزوج

مَرْحَبًا الخيبري، قال علي رضي الله عنه: أنا الذي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وولد له أولاد بها ولم يزل بها إلى قبيل موته بليال ثم رجع إلى المدينة فمات بها سنة أربع وستين وهو ابن ثمانين سنة رضي الله عنه. قوله: (مرحبًا) قال المصنف في التهذيب مرحب اليهودي بفتح الميم والحاء قتل كافرًا يوم خيبر اهـ. وقصة مبارزته معه عن سلمة قال: خرجنا إلى خيبر وكان عمي يعني عامرًا يرتجز فساق القصة إلي أن قال فأرسلني رسول الله إلى علي وقال: لأعطين الراية رجلًا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فجئت به أقوده وهو أرمد حتى أتيت به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبسق في عينيه فبرأ ثم أعطاه الراية وخرج مرحب فقال: قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب فقال علي رضي الله عنه: أنا الذي سمتني أمي حيدره ... كليث غابات كريه المنظره أوفيهمو بالصاع كيل السندره فضربه ففلق رأس مرحب فقتله وكان الفتح قال الحافظ أخرجه مسلم وأخرجه ابن حبان وأخرج البخاري القصة الأولى إلى الخروج إلى خيبر من طريق يزيد بن أبي عبيد عن سلمة ولم يخرج قصة علي ولا مرحب ولا رجز علي وهو المقصود هنا وقد جزم بما قبله عبد الحق في الجمع ومثله صنيع الحميدي في الجمع أيضًا وسببه أن قصة مرحب مع علي من أفراد عكرمة بن عمار، والبخاري لا يحتج به اهـ. فأشار به إلى تحامل على الشيخ في عزو قول علي المذكور إلى الصحيحين وهو من إفراد مسلم وسيأتي له تحقيق في باب ثناء الإِمام علي من ظهرت منه براعة والله أعلم. قوله: (أنا الذي سمتني أمي حيدره) حيدرة اسم للأسد وكان علي رضي الله عنه سمي في ابتداء ولادته حيدرة وكان

وروينا في "صحيحيهما" عن سلمة أيضًا أنه قال في حال قتاله الذين أغاروا على اللقاح: أنا ابن الأكوع ... واليومُ يومُ الرُّضَّع ـــــــــــــــــــــــــــــ مرحب قد رأى في المنام أن أسدًا يقتله فذكره علي بذلك ليخيفه ويضعف نفسه وقالوا وكانت أم علي سمته أول ولادته باسم جده لأمه أسد بن هشام بن عبد مناف وكان أبو طالب غائبًا فلما قدم سماه عليًّا، وسمي الأسد حيدرة لغلظه والحادر الغليظ القوي ومعناه أنا الأسد في جرأته وإقدامه وقوله: أوفيهمو بالصاع كيل السندره معناه أقتل الأعداء قتلًا واسعًا ذريعًا والسندرة مكيال واسع وقيل: هي العجلة أي اقتلهم عاجلًا غير آجل وقيل: مأخوذ من السندرة وهي شجرة الصنوبر يعمل منها النبل والقسي كذا في شرح مسلم للمصنف. قوله: (وروينا في صحيحيهما الخ) وأخرجه أحمد والنسائي. قوله: (الذين أغاروا على لقاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) اللقاح بكسر اللام جمع لقحة بكسر اللام وفتحها وهي ذات اللبن قريبة العهد بالولادة والذين أغاروا قوم من غطفان وفزارة وحاصل القصة عن سلمة قال خرجت ذاهبًا نحو الغابة حتى إذا كنت بثنية الغابة لقيني غلام لعبد الرحمن بن عوف فقال: أخذت لقاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت من أخذها فقال غطفان وفزارة فصرخت ثلاث صرخات يا صباحاه أسمعت ما بين لابتيها ثم اندفعت حتى ألقاهم فجعلت أرميهم بنبلي وأقول: أنا ابن الأكوع. واليوم يوم الرضع، فأخذتها منهم وأقبلت أسوقها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسألته أن يبعث معي نفرًا فقال: "يابن الأكوع ملكت فأسجح" قال الحافظ: أخرجه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وأخرجه مسلم من طريق أخرى وساق القصة مطولة جدًّا ولم يخرجها البخاري من أجل عكرمة بن عمار كما قدمناه اهـ. قوله: (يوم الرضع) أي يوم هلاك اللئام وهم الرضع من قولهم لئيم راضع أي رضع اللؤم في بطن أمه وقيل: لأنه يمص حلمة الناقة لئلا يسمع السؤال والضيفان صوت الحلاب فيقصدوه وقيل: لأنه يرضع طرف الخلال الذي يخلل

باب استحباب الرجز حال المبارزة

باب استحباب الرجز حال المبارزة فيه الأحاديث المتقدمة في الباب الذي قبل هذا. روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أنه قال له رجل: أفررتم يوم حُنين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال البراء: لكن رسول الله ولم يفرّ، لقد رأيتُه وهو ـــــــــــــــــــــــــــــ به أسنانه ويمص ما يتعلق به وقيل معناه اليوم الذي يعرف من أرضع كريمة فأنجبته أو لئيمة فأهجنته وقيل معناه اليوم يعرف من أرضعته الحرب من صغره وتدرب بها ويعرف غيره والله أعلم. باب استحباب الرجز حال المبازرة الرجز أحد بحور الشعر على الصحيح ووزنه مستفعلن ست مرات وقال بعضهم: ليس بشعر لأنه - صلى الله عليه وسلم - تكلم به وأجيب بأن شرط كونه شعرًا القصد وهو منتف فيما جاء من كلامه - صلى الله عليه وسلم - موزونًا. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) وأخرجه أحمد والنسائي والترمذي في شمائله وأبو عوانة. قوله: (رجل) قال ابن حجر الهيتمي في شرح الشمائل جاء أنه من قيس لكن لا يعرف اسمه. قوله: (أفررتم) أي أهربتم يقال فر عن عدوه يفر فرارًا أي هرب وقوله (عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) متعلق بمحذوف أي أفررتم كاشفين له غير حائلين بينه وبين عدوه لوضوح أن الفرار عن العدو لا عنه - صلى الله عليه وسلم -. قوله: (لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفر) سئل عن فرارهم فأجاب بقوله: لكن الخ إما لأنه يلزم من ثبوته قوله عدم فرار أكابر أصحابه لمثابرتهم على بذل نفوسهم دونه وعلمهم بأن الله سبحانه وتعالى عاصمه وناصره وإما لأن فرارهم يوهم تولي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جريًا على عادة البشر من بعد ثبات إنسان مفرد في مقابلة جيش عظيم فأجاب عما هو مرموز في السؤال ولذا نعت الجواب بالبلاغة والإجلال وفي رواية الترمذي في الشمائل لا والله ما ولي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: نفى التولي دون الفرار نزاهة لذلك المقام الرفيع عن أن يستعمل فيه لفظ الفرار حتى في النفي لأنه أفظع من لفظ التولي إذ هو يكون لتحيز

على بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان بن الحارث آخذٌ بلجامها، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أنا النَّبِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ أو تحرف والفرار لخوف جبن غالبًا ولم ينقل عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه انهزم في موطن قط ومن ثمة أجمعوا على أنه لا يجوز الانهزام عليه فمن زعم أنه انهزم وقصد التنقيص كفر وإن لم يقصده أدب تأديبًا عظيمًا عند الشافعي وقتل عند مالك. قوله: (على بغطته البيضاء) أي التي أهداها له المقوقس واسمها دلدل وله بغلة أخرى يقال لها فضة كذا في بعض شروح الشمائل ماتت في خلافة معاوية لكن في شرح مسلم للمصنف لا يعرف له - صلى الله عليه وسلم - سوى بغلة واحدة وهي التي يقال لها دلدل أهداها له فروة بن نفاثة كعمارة وقيل ابن نعامة بالعين في محل الفاء والميم في محل المثلثة والصحيح المعروف الأول وفي صحيح البخاري أن الذي أهداها له ملك إيلة واسمه فيما ذكر ابن إسحاق محنة بن روزنة والله أعلم وركوبه للبغلة مع عدم صلاحها للحرب ومن ثم لم يسهم لها مع كونها إنما هي من مراكب الأمن والطمأنينة ومع أن الملائكة لم يقاتلوا ذلك اليوم الأعلى الخيل ومع أنه كان له - صلى الله عليه وسلم - أفراس متعددة إيذان بأن سبب نصرته مدده السماوي وتأييده الرباني الخارق للعادة وأنه غير مكترث ولا ملتفت لعظم العدو وإن كان كالسيل والليل في العدد والعدد فهو غاية الثبات والشجاعة وأيضًا ليكون معتمدًا يرجع إليه المسلمون وتطمئن قلوبهم به وبمكانه. قوله: (وأن أبا سفيان بن الحارث) هو ابن عمه - صلى الله عليه وسلم - الحرث بن عبد المطلب واسمه كنيته ويكنى بأبي المغيرة وهو أخو النبي - صلى الله عليه وسلم - من الرضاع وأبوه أكبر ولد عبد المطلب كان أبو سفيان يألف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة فلما بعث عاداه وهجاه ثم أسلم عام الفتح وحسن إسلامه وقد ذكرت جملة من مناقبه وفضائله في بغية الشرفا فيمن حاز بشبه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - شرفًا. قوله: (بلجامها) بكسر اللام فارسي معرب وتوافقت فيه اللغتان وجمعه لجم ككتاب وكتب ومنه قيل للخرقهَ تشد بها الحائض وسطها اللجام وألجمت الفرس إلجامًا جعلت اللجام في فيه وفي رواية إن العباس أخذ باللجام وأبا سفيان بالركاب وجمع بينهما بأن هذا وقع تارة وذلك وقع أخرى وفي رواية ابن جرير أن عمر كان ممسكًا باللجام والعباس ممسكًا بالركاب. قوله: (أنا النبي الخ) عرف النبي لحصر النبوة فيه. وقوله:

لا كَذِبْ، أنا ابْنُ عَبْدِ المُطلِبْ" وفي رواية "فنزل ودعا ـــــــــــــــــــــــــــــ (إلا كذب) ليفيد نفي الكذب عنه لا نفي حصر الكذب فيه أي أنا النبي حقًّا لا أفر ولا أزول وصفة النبوة يستحيل معها الكذب فكأنه قال: أنا النبي والنبي لا يكذب فلست بكاذب فيما أقول حتى أنهزم بل أنا متيقن أن ما وعدني الله تعالى به من النصر حق ومن الشاذ فتح باء كذب وكسر باء المطلب فرارًا من كونه شعرًا وقد فر قائله من إشكال هين يسير فوقع في إشكال عسير وهو نسبة اللحن إلى أفصح العرب وذلك أنهم لا يقفون على المتحرك ولا يبتدئون بساكن والوقوف على المتحرك بحركته لحن كما حكى عليه الإجماع وهو - صلى الله عليه وسلم - أفصحهم والفصيح لا يلحن بالأفصح وما وقع في بعض الأخبار فمن تحريف الرواة وفيه دليل على قوة شجاعته حيث فر صحبه وبقي وحده أو في شرذمة ومع ذلك يقول: هذا القول بين أعدائه. قوله: (أنا ابن عبد المطلب) نسب لجده دون أبيه لأن انتسابه إليه أشهر لأن أباه مات شابًّا فرباه عبد المطلب وكان سيد قريش ولأنه لما استفاض بينهم أنه سيكون من بني عبد المطلب من يسود ويغنب على الأعداء ورأى قوم منهم قبل ميلاده ما قد كان علمًا على نبوته ودليلًا على ظهور معجزته وأظهر ذلك الكهنة حتى شهد به غير واحد منهم ذكرهم بأنه ابن عبد المطلب الذي ذكر فيه ما ذكر، لا للمفاخرة والمباهاة كيف وقد نهى أن يفتخر النّاس بآبائهم ويفتخر بمن ذكر كلا، ولا للعصبية كيف وقد ذمها في غير موضع، وزعم أنه نسب لجده لأنه مقتضى الرجز في حيز المنع إذ لا يليق بذلك الجناب الأفخم أن يتعانى الرجز ويقصده وفيه دليل على جواز قول الإنسان في مواقف الحرب أنا ابن فلان ولذا ساقه المصنف في الباب السابق ومحل النهي عنه إذا كان على وجه الاستكبار وطريق الافتخار وعلى جواز إنشاء الرجز وإنشاده للشعر لكنه بالنسبة إليه - صلى الله عليه وسلم - محمول على أنه لم يقصد وزنه فينتفي كونه شعرًا إذ يحرم عليه - صلى الله عليه وسلم - إنشاء الشعر وكذا إنشاده كما قاله الماوردي وبانتفاء القصد يخرج عن كونه شعرًا. قوله: (وفي رواية فنزل) أي عن بغلته ونزوله عن بغلته إلى الأرض في ذلك الموطن دليل كمال ثباته - صلى الله عليه وسلم - وفيه تنبيه على أن طريق الرفعة التواضع الله والانخفاض لعظمته وفي صحيح مسلم ومن تواضع الله رفعه الله

واستنصر". وروينا في "صحيحيهما" عن البراء أيضًا قال: رأيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - ينقل معنا التراب يوم الأحزاب وقد وارى الترابُ بياضَ بطنه وهو يقول: ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذه الرواية رواها مسلم من طريقين كما قال الحافظ لكن في إحداهما فنزل واستنصر فقط وقوله ودعا في الطريق الأخرى. قوله: (واستنصر) أي سأل من ربه تنجيز النصر وتعجيله. قوله: (وروينا في صحيحيهما الخ) وكذا رواه أحمد والنسائي. قوله: (بياض بطنه) هذا لفظ رواية البخاري كما أشار إليه الحافظ وأورده في السلاح عن الصحيحين والنسائي حتى وارى التراب شعر صدره وكان رجلًا كثير الشعر وأورده الحافظ وعزاه لتخريج من ذكر بلفظ وقد وارى التراب بياض إبطيه وسبق أن الصحيح نبات الشعر في إبطه - صلى الله عليه وسلم - ودعوى أنه لم ينبت به شعر ممنوع نعم لم يكن في ذلك المكان الشريف إلا الريح الطيب والعرف العطر. قوله: (وهو يقول) زاد في السلاح في رواية وهو يرتجز عبد الله وعزاه لتخريج الشيخين والنسائي قال الحافظ وقع عند بعضهم أن هذا الرجز لعبد الله بن رواحة ثم ذكر حديثه وعزاه لتخريج الشيخين وأحمد وفيه حتى وارى التراب بشعر صدره وفيه إن الأعداء قد بغوا علينا ووقع عند مسلم من وجه آخر إن الملأ قد أبوا بدل قوله إن الأولاء قد بغوا وفي آخر والمشركون قد بغوا علينا من جهة الوزن قال الحافظ قد وقع عند بعضهم أن هذا الرجز قد وقع لعبد الله بن رواحة رضي الله عنه وقد نسب لغيره فجاء في رواية عن سلمة أنه حدا بهذه الأبيات ونسبه لعمه عامر بن الأكوع وزاد: فاغفر فداء لك ما اقتفينا. وفيه إنا إذا صيح بنا أبينا. وبالصياح عولوا علينا وفيه: ونحن عن فضلك ما استغنينا: روى مسلم عن سلمة قال لما كان يوم خيبر قاتل أخي قتالًا شديدًا فارتد عليه سيفه فقتله فشكوا فيه فقفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خيبر فقلت: يا رسول الله أتأذن لي أن أرجز لك فأذن لي فقلت له: والله لولا الله ما اهتدينا. الأبيات فقال لي صدقت فلما قضيت رجزي قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من قالها؟ قلت: قالها أخي فقال

"اللهم لَوْلا أنْتَ ما اهْتَدَيْنا، وَلَا تَصَدَّقْنا وَلا صَلَّينا، فأنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَينَا، وَثَبِّتِ الأقْدَامَ إنْ لاقَينا، إنَّ الألُى قَدْ بَغَوْا عَلَينَا، إذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أبَينَا". وروينا في "صحيح البخاري" عن أنس رضي الله عنه قال: جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق وينقلون التراب ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يرحمه الله وأخرجه أبو داود والنسائي وفي رواية لمسلم وغيره عن سلمة كان عامر رجلًا شاعرًا فنزل يحدو ويقول: اللهم لولا أنت ما اهتدينا. فذكر نحو ما تقدم فزاد فاغفر الخ وأخرج الشيخان والنسائي عن سلمة قال خرجنا إلى خيبر فقال رجل من القوم أي عامر اسمعنا من هنياتك فقال تالله لولا الله ما اهتدينا قال يحيى فذكر شعرًا لم أحفظه وقد صرح بعزو الشعر لعامر في الرواية المذكورة قبل هذين وسلمة بن الأكوع يقول تارة في عامر أخي ويقول تارة فيه عمي والجمع بينها أن سلمة بن عمرو بن الأكوع اشتهر بالنسبة لجده فعامر عمه من النسب وأما الأخوة فلعلها من الرضاعة أو شدة الصداقة مع المقاربة في السنن. قوله: (لولا أنت) قبله في رواية لهما اللهم لولا أنت قال في السلاح وفي رواية للبخاري والله لولا الله ما اهتدينا. قوله: (ولا تصدقنا) قال في السلاح في رواية للبخاري ولا صمنا بدل تصدقنا. قوله: (سكينة) أي سكونا وثباتًا وطمأنينة. قوله: (إن الألى) قال القرطبي كذا صحت الرواية بالقصر فيحتمل أن يراد به مؤنث الأول ويكون معناه إن الجماعة السابقة بالشر بغوا علينا ويحتمل أن تكون الألى موصولة بمعنى الذين ويكون خبر إن محذوفًا أي إن الذين بغوا علينا ظالمون وقيل إن هذا تصحيف من بعض الرواة وإن صوابه أولاء ممدودة التي للإشارة إلى الجماعة وهذا صحيح من جهة المعنى والوزن والله أعلم. قوله: (أبينا) بالموحدة فالتحتية أي أبينا الفرار والامتناع وروي بالفوقية والتحتية أي أتينا للقتال ونحوه من المكاره قال القاضي عياض. قوله: (وروينا في صحيح البخاري) قال الحافظ ورواه مسلم أيضًا. قوله: (يحفرون الخندق) كان ذلك في العام

على متُونهم أي: ظهورهم: ويقولون: نَحْنُ الَّذينَ بايَعُوا مُحَمدًا، على الإسْلام ـــــــــــــــــــــــــــــ الرابع وقيل الخامس من الهجرة أقاموا في حفره نحو عشرين ليلة وسببه أن نفرًا من اليهود انطلقوا إلى مكة مؤلبين عليه - صلى الله عليه وسلم - ومستجمعين عليه فجمعوا المجموع وحزبوا الأحزاب فاجتمعت قريش وقادتها وغطفان وقادتها وفزارة وقادتها وغيرهم من أخلاط النّاس وخرجوا بحدهم وجدهم في عشرة آلاف ولما سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بهم شاور أصحابه فأشار سلمان بالخندق فحفروا الخندق وتحصنوا به ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج من المدينة بمن معه من المسلمين في ثلاثة آلاف فبرز وأقام على الخندق وجاءت الأحزاب ونزلت من الجانب الآخر لم يكن بينهم حرب إلا الرمي بالنبل غير أن فوارس من قريش اقتحموا الخندق فخرج علي بن أبي طالب في فرسان من المسلمين وأخذوا عليهم الثغرة التي اقتحموها فقتل علي عمرو بن عبد ود مبارزة واقتحم الآخرون بخيلهم الخندق منهزمين إلى قومهم ونقضت قريظة ما كان بينها وبين رسول الله وعاونوا الأحزاب عليه واشتد البلاء على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم فأقام المسلمون على تلك الحال قريبًا من شهر وفي التهذيب للمصنف وكانت مدة حصارهم خمسة عشر يومًا إلى أن خذل الله بين قريش وقريظة على يد نعيم بن مسعود الأشجعي فاختلفوا وأرسل الله عليهم ريحًا عاصفة في ليال شديدة البرد فجعلت تقلب آنيتهم وتطفئ نيرانهم وتكفئ قدورهم حتى أشرفوا على الهلاك فارتحلوا متفرقين في كل وجه لا يلوي أحدهم على أحد وكفى الله المؤمنين القتال ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا بحال قال القرطبي في المفهم وغير خاف ما في الحديث من جواز التحصن والاحتراز من المكروهات والأخذ بالحزم والعمل في العادات بمقتضاها وأن ذلك كله غير قادح في التوكل ولا ينقص منه فقد كان فِئة على أكمل المعرفة بالله تعالى والتوكل عليه والتسليم لأمره ومع ذلك فلم يطرح الأسباب ولا مقتضى العادات اهـ. قوله: (على الإسلام) أي على الدوام عليه والقيام بتكاليفه ومنها جهاد أعداء الدين الكفار أي والوفاء بالعهود أعظم ما يثابر عليه من كل وصف محمود قال القرطبي: هذا تذكير منهم لأنفسهم بعهد البيعة وتجديد منهم

-وفي رواية: على الجهاد- ما بقِينا أبَدًا، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يجيبهم: "اللهُم إنَّهُ لا خَيْرَ إلَّا خَيْرُ الآخِرَةِ، فَبارِكْ في الأنْصَارِ والمُهاجِرَة". ـــــــــــــــــــــــــــــ لها وإخبار منهم له بالوفاء بمقتضاها ولما سمع منهم ذلك أجابهم ببشارة لا عيش إلا عيش الآخرة أي المعد لأمثالكم وبدعاء فاغفر للأنصار والمهاجره. قوله: (وفي رواية) قال الحافظ هي عند أبي ذر عن السرخسي عن الفربري وفي رواية سائرهم على الإسلام ووقع في رواية ثابت عن أنس عند مسلم على القتال ووقع لنا من وجه آخر عن أنس على الجهاد اهـ ثم هذه الرواية عند من ذكر أنه - صلى الله عليه وسلم - أتى بقوله: اللهم إن الخ جوابًا لما ذكروه من القيام بأمر الجهاد الذي التزموه بالبيعة السابقة وعند أحمد من حديث أنس خرج - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه في غداة باردة والمهاجرون والأنصار يحفرون الخندق بأيديهم فقال: اللهم إن الخير خير الآخرة. فاغفر للأنصار والمهاجرة. فأجابوه: نحن الذين بايعوا محمدًا على الجهاد ما بقينا أبدًا. أورده الحافظ في تخريجه. قوله: (فبارك) ووقع في رواية فاغفر وكذا هو في مختصر مسلم للقرطبي وفي أخرى فأصلح الأنصار الخ وكذا هو عند أحمد ومسلم وفي رواية لمسلم وأحمد أيضًا فأكرم في محل قوله: فاغفر أشار إليه الحافظ. قوله: (للأنصار) قال الحافظ في كتاب الإيمان من الفتح الأنصار جمع ناصر كأصحاب وصاحب أو جمع نصير كأشراف وشريف والأنصار علم بالغلبة على أنصاره - صلى الله عليه وسلم - وهم الأوس والخزرج وكانوا قبل ذلك يعرفون بابني قيلة بفتح القاف وإسكان التحتية وهي الأم التي تجمع بين القبيلتين فسماهم الله أنصارًا فصار ذلك علمًا عليهم وأطلقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أولادهم وخلفائهم ومواليهم وخصوا بهذه المنقبة العظمى لما فازوا به دون غيرهم من سائر القبائل من إيواء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه والقيام بأمرهم ومواساتهم بأموالهم وأنفسهم وإيثارهم إياه في كثير من الأمور على أنفسهم والله أعلم. قوله: (والمهاجرة) أجراها صفة مؤنثة على موصوف محذوف فكأنه قال للجماعة المهاجرة وعلى رواية أكرم مع نقل همزة الأنصار للأم قبلها موزون وعلى

باب استحباب إظهار الصبر والقوة لمن جرح واستبشاره بما حصل له من الجرح في سبيل الله وبما يصير إليه من الشهادة وإظهار السرور بذلك وأنه لا ضير علينا في ذلك بل هذا مطلوبنا وهو نهاية أملنا وغاية سؤلنا

باب استحباب إظهار الصبر والقوة لمن جرح واستبشاره بما حصل له من الجرح في سبيل الله وبما يصير إليه من الشهادة وإظهار السرور بذلك وأنه لا ضير علينا في ذلك بل هذا مطلوبنا وهو نهاية أملنا وغاية سؤلنا قال الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ـــــــــــــــــــــــــــــ باقي الروايات ليس بموزون وعلى هذا الوجه فيجاب عنه بأن شرط الشعر أن يقصد به ذلك وهو منتف هنا كما تقدمت الإشارة إليه. باب استحباب إظهار الصبر أي حبس النفس على ما لا تهواه امتثالًا لما جاء عن الشارع (والقوة لمن جرح واستبشاره بما حصل له من الجرح في سبيل الله وبما يصير إليه من الشهادة وإظهار السرور لذلك وأنه لا ضير) أي بالضاد المعجمة والمثناة التحتية الساكنة بعدها راء والمراد لا مضرة (علينا في ذلك) فإن هذه المحنة الصورية منحة حقيقية كيف وبها يتوصل إلى رضا الرحمن وقوله (بل هو مطلوبنا الخ) ترق في الفرح بما أصابهم لأنه مطلوبهم ونهاية مرغوبهم لأنهم باعوا أنفسهم وأموالهم من الله تعالى فخرجوا عن نفوسهم ولم يلتفتوا لأنواع بؤسهم قال تعالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} أي من قتل أعداء الدينِ مع السلامة ونيل الغنيمة أو الموت في ميدان الجهاد وفي ذلك غاية المراد. قوله: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} تحسبن بالتاء الفوقية خطاب للسامع وبالتحتية أي لا يحسبن هو أي حاسب قال الزمخشري ويجوز أن يكون الذين قتلوا فاعلًا ويكون التقدير لا يحسبنهم الذين قتلوا أمواتًا أي لا يحسبن الذين قتلوا أنفسهم أمواتًا وحذف المفعول الأول لأنه في الأصل مبتدأ فحذفه هنا كحذفه في قوله أحياء أي هم أحياء لدلالة الكلام عليهما اهـ وتعقب بأن تقديره بلا يحسبنهم الذين قتلوا فيه تفسير الضمير بالفاعل وهو لا يجوز ولا تقول حسبه زيد منطلقًا تريد حسب زيد نفسه منطلقًا وحذف المفعول

بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأول لحسب أجازه الفراء اختصارًا وقال بعضهم: لا يجوز حذفه البتة وما كان هكذا فلا ينبغي أن يحمل كلام الله عليه ويبعد ما قاله من حيث المعنى إن من كان حيًّا عند ربه مرزوقًا فرحًا مستبشرًا لا ينهى أن يحسب نفسه ميتة فيجب أن تحمل قراءة التحتية على أن الفاعل مضمر أي حاسب لتتفق القراءتان في كون الذين مفعولًا وإن اختلفتا من جهة الخطاب والغيبة كذا في النهر بالمعنى ويجوز على قراءته بالتحتية كون الفعل مسندًا إلى ضمير الرسول أو من يحسب كما جوزه القاضي البيضاوي مع ما نقل عن الكشاف بما تعقبه في النهر قوله: {بَلْ أَحْيَاءٌ} بالرفع على تقديرهم أحياء وقرئ أحياء بالنصب على تقدير بل تحسبهم وتقدم أن نحو عند ربهم العندية فيه للمكانة والتشريف والقرب المعنوي لا للمكان والقرب الحسي تعالى الله عن ذلك ففيه مضاف مقدر أي عند كرامة ربهم هذا واختلف العلماء في هذه الآية فقيل إنها نزلت في شهداء أحد وبه قال أبو الضحى وعند أبي داود بإسناد صحيح عن ابن عباس ما يشهد له وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - لما أصيب أخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طيور خضر ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب فقال تعالى: أنا أبلغهم عنكم فنزلت ولا تحسبن الخ وقيل في شهداء بئر معونة وقيل نزلت في شهداء بدر وكانوا أربعة عشر رجلًا ثمانية من الأنصار وستة من المهاجرين وقيل بل هي عامة في جميع الشهداء وقيل: إن أولياء الشهداء كانوا إذا أصابوا نعمة وسرورًا حزنوا وقالوا نحن في النعمة والسرور وآباؤنا وإخواننا في القبور فأنزل الله هذه الآية تنفيسًا عنهم وإخبارًا عن حال قتلاهم قال القرطبي في التفسير وبالجملة وإن كان يحتمل أن يكون النزول بسبب المجموع فقد أخبر تعالى عن الشهداء أنهم أحياء في الجنة يرزقون ولا محالة أنهم ماتوا وأن أجسادهم في التراب وأرواحهم حية كأرواح سائر المؤمنين وفضلوا بالرزق في الجنة من وقت القتل حتى كأن حياة الدنيا دائمة لهم وقد اختلف العلماء في هذا المعنى فالذي عليه المعظم

يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ما ذكرناه وأن حياة الشهداء محققة ثم منهم من يقول ترد إليهم أرواحهم في قبورهم فينعمون كما تحيا الكفار في قبورهم فيعذبون وقال مجاهد يرزقون من ثمر الجنة أي يجدون ريحها وليسوا فيها وصار قوم إلى أن هذا مجاز والمعنى أنهم في حكم الله مستحقون للتنعم في الجنة وهو كما يقال: مات فلان وهو حي أي ذكره حي قال الشاعر: موت التقي حياة لا فناء بها ... قد مات قوم في الناس أحياء فالمعنى أنهم يرزقون الثناء الجميل وقال آخرون: أرواحهم في أجواف طير خضر وأنهم في الجنة يرزقون ويأكلون ويتنعمون وهذا هو الصحيح من الأقوال لأن ما صح به النقل فهو الواقع وحديث ابن عباس نص يرفع الخلاف وكذا حديث ابن مسعود في مسلم وأما من تأول في الشهداء أنهم أحياء بمعنى أنهم سيحيون فبعيد يرده القرآن والسنة وأن قوله تعالى أحياء دليل على حياتهم وأنهم يرزقون ولا يرزق إلا حي انتهى مع يسير اختصار وقد سبق لهذا المعنى بسط في باب ما يقول الرجل إذا دخل منزله. قوله: (يرزقون) أي من الرزق المعروف في العادات فيرزقون من الجنة كما قيل به وعليه اقتصر البيضاوي قال وهو تأكيد لقوله أحياء وقيل: وحياة الذكر بعد موته قال: يرزقون حسن الثناء الجميل والأول كما قال القرطبي الحقيقة وقد قيل إن الأرواح تدرك في تلك الحال التي يسرحون فيها من روائح الجنة وطيبها ونعيمها وسرورها ما يليق بالأرواح مما ترزق وتنتعش به أما الذات الجسمانية فإذا أعيدت الأرواح إلى أشباحها استوفت من النعيم جميع ما أعد لها قال القرطبي وهذا حسن وإن كان فيه نوع من المجاز فهو موافق لما اخترناه والله الموفق وجملة يرزقون في محل الصفة لقوله أحياء. وقوله (فرحين) نصب على أنه حال من الضمير في قوله يرزقون وهو من الفرح بمعنى السرور والقصد من هذه الآية هو النعيم وقرئ فارحين بالألف وهما لغتان كالفره والفاره قال ابن النحاس ويجوز في غير القرآن رفعه فيكون نعتًا لأحياء وقوله (بما آتاهم الله) متعلق بفرحين ومن فضله في محل الحال والذي أعطوه شرف الشهادة والفوز بالحياة الأبدية والقرب من الله سبحانه والتمتع بنعيم الجنة إما بالأرواح كما هو الراجح عند المصنف أو بالأشباح

وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) ـــــــــــــــــــــــــــــ كما قيل به. قوله: {وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ}) جعل ابن عطية استبشر بمعنى الفعل المجرد أي بشر كما يقال استمجد المرخ والعفار أي مسجد وقال في النهر الأحسن أن يكون مطاوع أبشر كقولهم أكانه فاستكان ومطاوعه استفعل لا فعل لأنه من حيث المطاوعة منفعل عن غيره فحصلت له البشرى بإبشار الله تعالى له اهـ ثم الذين لم يلحقوا بهم قيل هم الشهداء الذين يلحقونهم بعد من إخوانهم الذين تركوهم مجاهدين يستشهدون فرحوا لأنفسهم ولمن يلحق بهم من الشهداء ويصيرون إلى ما صاروا إليه من كرامة الله تعالى كذا في تفسير البيضاوي وفي النهر قال القرطبي قال قتادة وابن جريج وغيرهم استبشارهم بأن يقولوا إخواننا الذين تركناهم في الدنيا يقاتلون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فيستشهدون فينالون من الكرامة مثل ما نحن فيه فيبشرون ويفرحون لهم وظاهر عبارة النهر توهم أن هذا الظرف كقوله {بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} متعلق بقوله فرحين وإن كان المراد باللحاق فيه اللحاق في الزمان وكأن قوله ويستبشرون كالتفسير لقوله قبله فرحين ويؤيده قول القرطبي أصله من البشرة لأن الإنسان إذا فرح ظهر أثر السرور في وجهه وليس مرادًا بل كان من الظرفين متعلق بما يليه من الفعلين والله أعلم وقيل المراد من تقدمهم من الشهداء الذين لم يلحقوا بهم في الفضل وإن كان لهم فضل وقال السدي يؤتى الشهيد بكتاب فيه ذكر من يقدم عليه من إخوانه فيستبشر كما يستبشر أهل الغائب بقدومه في الدنيا وقيل المراد جميع المؤمنين وإن لم يقتلوا فإن الشهداء لما عاينوا ثواب الله تعالى وقع اليقين بأن دين الإسلام هو الحق الذي يثيب الله عليه فهم فرحون لأنفسهم بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون للمؤمنين بأن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وقوله {أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} الخ أن فيه مخففة واسمها ضمير شأن محذوف وخبرها الجملة المنفية بلا وأن وما بعدها في تأويل مصدر مجرور على أنه بدل اشتمال

يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ من الذين قال البيضاوي والمعنى أنهم يستبشرون بما تبين لهم من أمر الآخرة وحال من تركوا خلفهم من المؤمنين وهو أنهم إذا ماتوا وقتلوا كانوا أحياء حياة لا يكدرها خوف وقوع محذور وحزن ذوات محبوب قال والآية تدل على أن الإنسان غير الهيكل المحسوس بل هو جوهر مجرد مدرك بذاته لا يفنى بخراب البدن ولا يتوقف عليه إدراكه وتألمه والتذاذه ويؤيد ذلك قوله تعالى في آل فرعون {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} الآية وما روي عن ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام قال: أرواح الشهداء في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل معلقة في ظل العرش ومن أنكر ذلك ولم ير الروح إلا ريحًا وعرضًا قال: هم أحياء يوم القيامة وإنما وصفوا به في الحال لتحققه ودنوه أو أحياء بالذكر أو بالإيمان وفي الآية حث على الجهاد وترغيب في الشهادة وبعث على ازدياد الطاعة وإحماد لمن يتمنى لإخوانه مثل ما أنعم الله عليه وبشرى للمؤمنين بالفلاح اهـ. قوله: ({يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} الخ) قال القاضي البيضاوي كرره للتوكيد وليتعلق به ما هو بيان لقوله أن لا خوف عليهم ويجوز أن يكون الأول بحال إخوانهم وهذا بحال أنفسهم اهـ. وفي النهر الظاهر أن قوله يستبشرون استئناف إنجار وليس بتوكيد للأول لاختلاف متعلق الفعلين فالأول بانتفاء الخوف من الذين لم يلحقوا بهم والثاني بقوله بنعمة من الله وذهب الزمخشري وابن عطية إلى أنه توكيد للأول قال الزمخشري كرر يستبشرون ليعلق به ما هو بيان. لقوله: {أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} من ذكر النعمة والفضل وأن ذلك أجر لهم على إيمانهم يجب في عدل الله تعالى وحكمته أن يحصل لهم ولا يضيع وهو على طريقته في الاعتزال في ذكره وجوب الأجر وتحصيله على إيمانهم وسلك ابن عطية طريقة أهل السنة فقال: أكد استبشارهم بقوله يستبشرون ثم بين بقوله وفضل أن إدخالهم الجنة الذي هو فضل منه لا بعمل أحد وأما النعمة في الجنة والدرجات فقد أخبر أنها على قدر الأعمال اهـ. وعبارة ابن عطية في السلامة عما عشر به الكشاف من وجوب الأجر هو ما عبر به البيضاوي فيما سبق عنه والنعمة نيل الجنة وديل المغفرة والفضل قيل إنه

وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ـــــــــــــــــــــــــــــ لزيادة البيان والفضل داخل في النعمة وفيه دليل على اتساعها وأنها ليست كنعم الدنيا وقيل جاء الفضل بعد النعمة على وجه التأكيد روى الترمذي عن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: للشهيد عند الله ست خصال يغفر له في أول دفعة ويرى مقعده من الجنة ويجار من عذاب القبر ويأمن الفزع أكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع في سبعين من أقاربه وقال حديث حسن صحيح غريب قال القرطبي وهذا تفسير للنعمة والفضل والآثار في هذا المعنى كثيرة اهـ. قوله: (وإن الله) قرئ بكسر الألف على أنه استئناف معترض قال على أن ذلك أجر لهم على إيمانهم مشعر بأن من لا إيمان له أعماله محبطة وأجوره مضيعة ولؤيد هذه القراءة قراءة ابن مسعود والله لا يضيع وقرئ بالفتح أي ويستبشرون بأن الله لا يضيع أجر المؤمنين. قوله: (الذين استجابوا الله والرسول) نيل الموصول في موضع رفع على الابتداء وخبره من بعد ما أصابهم القرح أو خبره للذين أحسنوا منهم الخ بجملته أو نصب على المدح أو خفض بدلًا من المؤمنين أو من الذين لم يلحقوا بهم ومن للبيان والمقصود من ذكر الوصفين المدح والتعليل لا التقييد لأن المستجببين كلهم محسنون متقون واستجاب قيل بمعنى أجاب وكان ذلك أثر الانصراف من أحد لما استقر الرسول - صلى الله عليه وسلم - لطلب الكفار فاستجاب له سبعون وقيل لما كان في اليوم الثاني من أحد وهو يوم الأحد نادى - صلى الله عليه وسلم - من النّاس لما بلغه عزم أبي سفيان بعد وصوله الروحاء على الرجوع للقتال باتباع المشركين وقال: لا يخرجن معنا إلا من شهدنا بالأمس وكان بالناس جراحة وقرح عظيم ولكن تجلدوا ونهض معه مائتا رجل من المؤمنين حتى بلغ حمراء الأسد وهي على ثمانية أميال من المدينة وأقام بها ثلاثة أيام وألقى الله الرعب في قلوب المشركين فذهبوا فكان سبب نزول الآية. قوله: (القرح) قرئ بضم القاف وبفتحها وهما لغتان معناهما واحد كالجهد والجهد وقال

لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَال لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الفراء القرح بالفتح الجراحة وبالضم ألمها. قوله: ({لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ}) أي بطاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإجابته إلى الغزو (واتقوا) معصيته، لهم ({أجْرٌ عَظِيمٌ}). قوله: ({الَّذِينَ قَال لَهُمُ النَّاسُ}) محل الموصول خفض أيضًا مردود على الذين الأول والمراد بالناس فيه نعيم بن مسعود الأشجعي فإنه لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة في حمراء الأسد وأخبرهم بأن أبا سفيان ومن معه قد جمعوا جموعهم وأجمعوا رأيهم على أن يرجعوا إلى المدينة فيستأصلوا أهلها فقالوا ما أخبر الله تعالى عنهم: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} وقيل أعرابي جعل له على ذلك جعل وعليهما فالناس عام أريد به خاص وأطلق على الواحد لفظ النّاس لأنه من نجسهم كما أشار إليه البيضاوي وقيل المراد بالناس ركب من عبد القيس قالوا كما قال أبو سفيان وقيل دخل ناس من هذيل من أهل تهامة المدينة فسألهم الصحابة عن أبي سفيان فقالوا قد جمعوا لكم جموعًا كثيرة وقيل المنافقون قالوا لما تجهز النبي - صلى الله عليه وسلم - للمسير إلى بدر الصغرى لميعاد أبي سفيان فقالوا نحن أصحابكم الذين نهيناكم عن الخروج إليهم وعصيتمونا وقد قاتلوكم في دياركم وظفروا فإن أتيتموهم في ديارهم لا يرجع منكم أحد فقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل وعلى هذه الأقوال فالناس فاعل قال عام باق على عمومه والمراد بالناس الثاني قريش ومن معهم يومئذ من الأحابيش وقيل أبو سفيان بن حرب. قوله: (فاخشوهم) أي خافوهم واحذروهم إذ لا طاقة لكم بهم. قوله: (فزادهم إيمانًا) الضمير المستكن للمقول أو لمصدر قال أو لفاعله إن أريد به نعيم وحده والبارز للمقول لهم والمعنى أنهم لم يلتفتوا إليه ولم يضعفوا بل زادهم إيمانًا أي تصديقًا ويقينًا وقوة وفي الآية دليل على أن الإيمان يزيد وينقص. قوله: (حسبنا الله) أي محسبا وكافينا (ونعم الوكيل) أي الموكول إليه الأمور هو. قوله: (فانقلبوا) أي انصرفوا (بنعمة من الله) أي بعافية منه لم يلقوا عدوًا (ولم يمسسهم سوء) أي قتال وروب (واتبعوا رضوان الله) في طاعة الله وطاعة رسوله قيل وسبب ذلك

وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)} [آل عمران: 169 - 174]. روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أنس رضي الله عنه، في حديث القراء أهلِ بئر مَعُونةَ الذين غدرت الكفار بهم فقتلوهم: أن رجلًا من الكفار طعن خال أنس وهو حَرام بن ملحان، فأنفذه، فقال حرام: الله أكبر فزتُ ورب الكعبة. ـــــــــــــــــــــــــــــ أنهم قالوا: هل يكون هذا غزوًا فأعطاهم الله ثواب الغزو ورضي الله عنهم. قوله: (والله ذو فضل عظيم) أي على عباده المؤمنين وما ذكرناه هو تفسير الجمهور للآية وشذ آخرون فقالوا إن قوله: {الَّذِينَ قَال لَهُمُ النَّاسُ} الخ إنما نزلت في خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر الصغرى وذلك أنه خرج لميعاد أبي سفيان في أحد إذ قال موعدنا بدر في العام المقبل فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اقولوا نعم" وفي رواية فقال: - صلى الله عليه وسلم - "إن شاء الله" فخرج - صلى الله عليه وسلم - قبل بدر وكان بها سوق عظيم فأعطى - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه دراهم وقرب من بدر فجاءه نعيم بن مسعود الأشجعي فأخبره أن قريشًا قد اجتمعت وأقبلت لحربه هي ومن انضاف إليها فأشفق المسلمون من ذلك إلا أنهم قالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل فصمموا حتى أتوا بدرًا فلم يجدوا أحدًا ووجدوا السوق فاشتروا بدراهمهم أدمًا وتجارة وانقلبوا ولم يلقوا كيدًا وربحوا في تجارتهم فذلك. قوله: {بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ}) أي في تلك التجارات قلت على هذا القول الأخير جرى البيضاوي في التفسير. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم عن أنس بن مالك الخ) قال الحافظ ورد فيهما مطولًا ومختصرًا فأخرجهما البخاري عن ثمامة بن أسد بن مالك أنه سمع أنسًا قال: لما طعن حرام بن ملحان وكان خاله وذلك يوم بئر معونة قال بالدم هكذا فنضحه على وجهه ورأسه ثم قال الله أكبر فزت ورب الكعبة وأخرجه النسائي قال الحافظ وقرأته مطولًا فساق سنده فيه إلى ثابت قال: كنا عند أنس فقال: ألا أحدثكم عن إخوانكم الذين كانوا سمهم القراء فذكر القصة وفيها بعثهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حي من بني سليم فقال لهم: حرام بن ملحان إنا لسنا إياكم نريد فطعنه رجل بالرمح فأنفذه فيه فلما وجد الرمح من جوفه قال: الله أكبر فزت ورب الكعبة فانطووا عليهم يعني بالقتل فما بقي منهم أحد ثم قال:

وسقط في رواية مسلم "الله أكبر". قلت: حرام بفتح الحاء والراء. ـــــــــــــــــــــــــــــ أخرجه مسلم وقال: أخرجه الشيخان من طريق أخرى في بعضها فأومؤوا إلى رجل منهم فطعنه الحديث وليس في بعضها قصة حرام ولا بعضها ذكر بئر معونة وهي بفتح الميم وضم العين المهملة وسكون الواو بعدها نون مفتوحة اهـ والفوز النجاة كما في النهاية وكأنه لما كشف له عن علي مقامه ونجاته من الشيطان ووسواسه وأوهامه قال فزت أي نجوت من سائر المتاعب مع ما حازه من أسنى المطالب التي أعدت للشهداء وأكد بلوغه المرام بما أتى به من قوله ورب الكعبة. قوله: (وسقط في رواية مسلم الخ) وكذا رواها البخاري وكلاهما من حديث أنس كما في جامع الأصول وفي نسخة من الأذكار في رواية من غير ذكر مسلم وهي أولى لإيهام النسخة الأولى انفراد مسلم بترك التكبير عن البخاري والله أعلم. قوله: (قلت حرام بفتح الحاء وبالراء) أي المهملتين وكذا كل ما أتى على هذه الصورة في أسماء الأنصار أما في أسماء قريش فهو بكسر الحاء وبالزاي ذكره المصنف في مقدمة شرح ومسلم وملحان بكسر الميم وسكون اللام وبالحاء المهملة والنون. وقوله: (فأنفذه هو بالفاء والذال المعجمة) أي جعل الرمح نافذًا منه وكانت وقعة بئر معونة بعد ستة وثلاثين شهرًا من الهجرة وسببها أن أبا براء بن مالك المعروف بملاعب الأسنة لما قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فدعاه إلى الإسلام فلم يجب ولم يبعد وقال: يا محمد لو بعثت رجالًا من اصحابك إلى أهل نجد فدعوتهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك فقال - صلى الله عليه وسلم -: "إني أخشى عليهم أهل نجد فقال أبو براء أنا لهم جار فابعثهم فبعث - صلى الله عليه وسلم - المنذر بن عمرو ومعه جمع نيل سبعون وقيل أربعون وقيل ثلاثون وقد ورد في رواية قتادة أنهم كانوا يحتطبون بالنهار ويصلون بالليل وفي رواية ثابث يشترون به الطعام لأهل الصفة ويتدارسون القرآن الليل فساروا حتى نزلوا بئر معونة فبعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عدو الله عامر بن الطفيل العامري ومات كافرًا وهو غير أبي الطفيل عامر بن واثلة الليثي الكناني الصحابي الجليل وهو آخر الصحابة موتًا فيما قيل وغير عامر بن الطفيل بن الحارث الأزدي

باب ما يقول إذا ظهر المسلمون وغلبوا عدوهم

باب ما يقول إذا ظهر المسلمون وغلبوا عدوهم ينبغي أن يكثر عند ذلك من شكر الله تعالى، والثناءِ عليه، والاعترافِ بأن ذلك من فضله لا بحولنا وقوَّتنا، وأن النصر من عند الله، ـــــــــــــــــــــــــــــ الصحابي ذكره الترمذي واستدركه ابن الدباغ علي ابن عبد البر وقال ابن حجر في شرح المشكاة الذي قاتل أصحاب بئر معونة عدو الله عامر بن الطفيل العامري وهو غير عامر بن الطفيل الأسلمي الصحابي اهـ. ولم أر لعامر بن الطفيل الأسلمي ذكرًا في أسد الغابة لابن الأثير ولا في مختصره للذهبي ولا في الاستيعاب لابن عبد البر والظاهر أنه من قلم الشيخ انتقل من ذكر عامر بن واثلة أبي الطفيل إلى من ذكره والله أعلم فلما أتى حرام عامرًا بالكتاب النبوي لم ينظر في كتابه حتى عدا عليه فقتله ثم استصرخ عليهم في عامر فلم يجيبوه وقالوا لا نخفر أبا براء وعقد لهم عقدًا وجوارًا فاستصرخ عليهم قبائل من سليم عصية ورعل فأجابوه إلى ذلك ثم خرجوا حتى غشوا القوم فأحاطوا بهم في رحالهم فلما رأوهم أخذوا سيوفهم وقاتلوهم حتى قتلوا إلى آخرهم إلا كعب بن زيد فإنهم تركوه وبه رمق فعاش حتى قتل يوم الخندق شهيدًا وإلا عمرو بن أمية الضمري فإنه لما أخبرهم أنه من ضمر أخذه عامر بن الطفيل وأعتقه عن رقبة يزعم أنها كانت على أمه فلما بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - خبرهم قال: هذا عمل أبي براء قد كنت لهذا كارهًا متخوفًا فبلغ ذلك أبا براء فشق عليه ومات آسفًا من صنيع عامر بن الطفيل قال أنس أنزل الله في الذين قتلوا يوم بئر معونة قرآنا ثم نسخ بعد أي نسخت تلاوته بلغوا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه وسبق للقصة ذكر في باب القنوت. باب ما يقول إذا ظهر المسلمون وغلبوا عدوهم وفي نسخة على عدوهم قوله: (ينبغي أن يكثر) أي من رأي ظهور المسلمينِ وغلبتهم. قوله: (بأن ذلك) أي الظهور والغلبة من فضله تعالى وبإعانته قال تعالى: {وَمَا النَّصْرُ إلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}. قوله: (لا بحولنا وقوتنا) وفي نسخة (ولا بقوتنا) أي وإن كانت لهم في الظاهر كثرة عدد وعدد قال الله تعالى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ}. قوله: (وأن النصر من عند الله) أي لا بالأخشاب ولا بكثرة الأسباب {إنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ

وليحذروا من الإعجاب بالكثرة، فإنه يخاف منها التعجيزُ كما قال تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة: 25]. ـــــــــــــــــــــــــــــ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} قوله: (وليحذروا) أي وليخش المجاهدون. قوله: (من الإعجاب بالكثرة) أي وغيرها مما يقع عنده النصر بفضل الله تعالى عادة من وجود الشجعان وزيادة العدة ورفعة المكان. قوله: (فإنه يخاف منها) أي من الكثرة (التعجيز) أي يخاف من الإعجاب بها أو من نفسها لكونها سبب التعجيز فنسب إليها ذلك. قوله: (ويوم حنين) أي ونصركم الله يوم حنين وحنين بضم الحاء المهملة ونونين بينهما تحتية مصغر اسم لواد بين مكة والطائف قريب من ذي المجاز قال في النهر وصرف مذهوبًا به المكان ولو ذهب به مذهب البقعة لم يصرف وإذ بدل من يوم وأضاف الإعجاب إلى جميعهم وإن كان صادرًا عن واحد منهم لما رأى الجمع الكثير أعجبه وقال: لن نغلب اليوم من قلة وهذه الكثرة قال ابن عباس كانوا ستة عشر ألفًا والباء في قوله بما رحبت للحال وما مصدرية أي ضاقت بكم الأرض مع كونها رحبة واسعة لشدة الحال عليهم والرحب أي بضم الراء السعة وبفتحها الواسع. قوله: (ثم وليتم مدبرين) أي فارين على أدباركم منهزمين تاركين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسند التولي إلى جميعهم وهو واقع من أكثرهم إذ قد ثبت معه - صلى الله عليه وسلم - من الأبطال اهـ. وانظر إلى جزاء ما صدر من إعجاب ذلك الإنسان بكثرة ذلك الجيش وقوله لن نغلب اليوم عن قلة لما كان فيها ظاهرًا الاعتزاز بالقوة والكثرة من انهزام معظمهم إلا من ثبت معه - صلى الله عليه وسلم - نحو عشرة من ابطال الصحابة كالصديق وعمر والعباس وحيدرة في آخرين قال في شأنهم العباس رضي الله عنه وأرضاه: نصرنا رسول الله في الحرب تسعة ... وقد فر من قد فر منهم واقشعوا وعاشرنا لاقى الحمام بنفسه ... بما مسه في الله لا يتوجع

باب ما يقول إذا رأى هزيمة في المسلمين والعياذ بالله الكريم

باب ما يقول إذا رأى هزيمة في المسلمين والعياذ بالله الكريم يستحبُّ إذا رأى ذلك أن يفزع إلى ذكر الله تعالى واستغفاره ودعائه، واستنجاز ما وعد المؤمنين ـــــــــــــــــــــــــــــ فلما حصل لهم هذا الانكسار وظهر أن الكثرة لا دخل لها في النصرة إنما النصر لله تعالى جبر الله تعالى ذلك الكسر وأوصل ما أخذه - صلى الله عليه وسلم - بكفه من التراب إلى عين كل من أولئك الكفار الأشرار فكانوا غنيمة للمسلمين ففيه التحذير من الركون في حال إلى غير الله تعالى والتنبيه على أن الكسر لكونه ملجئًا للاضطرار إلى الله تعالى سبب الجبر قال الله تعالى ({أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} سبحانه جل وعلا. باب ما يقول إذا رأى هزيمة في المسلمين والعياذ بالله قوله: (أن يفزع إلى ذكر الله تعالى) هو بالفاء والزاي من باب علم يعلم قال في النهاية فزعت إليه فأفزعني أي استغثت إليه فأغاثني اهـ. أي يطلب منه الغوث والنصر وقال السيوطي في قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الكسوف فافزعوا إلى ذكر الله بفتح الزاي أي الجؤوا اهـ. وهذا أنسب عند المقام والظاهر أن المراد الذكر القلبي أي أنه تعالى منه النصر وإليه يرجع الأمر فيسلم الأمر إليه ويخرج عن حول نفسه وقوتها ففي التسليم غاية الهنا ونهاية المني وعليه فعطف ما بعده عليه من عطف المغاير ويحتمل أن يكون المراد الذكر اللساني ويقر به عطف ما بعده من الاستغفار وما بعده عليه وكان حكمته أن الله تعالى يذكر من يذكره وينصر من ينصره وفي ذلك اهتمام بشأن الذاكرين ونصرة الذابين عن الحق والناصرين له والله أعلم. قوله: (واستنجاز ما وعد المؤمنين) أي سؤال إنجاز ما وعد المؤمنين من نصرهم وكون العاقبة لهم وذلك للاتباع لما فعله - صلى الله عليه وسلم - ببدر فعن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وهو

من نصرهم وإظهار دينه، وأن يدعوَ بدعاء الكرب المتقدم: لا إله إلا اللهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إلهَ إلَّا الله رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إلهَ إلا الله ربُّ السَّمواتِ وَرَبُّ الأرْضِ ربُّ العَرْشِ الكَرِيمِ. ويستحبُّ أن يدعوَ بغيره من الدعوات المذكورة المتقذمة والتي ستأتي في مواطن الخوف والهلكة. وقد قدمنا في باب الرجز الذي قبل هذا "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رأى هزيمة المسلمين، نزل واستنصر ودعا" وكان عاقبة ذلك النصر {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]. وروينا في "صحيح البخاري" عن أنس رضي الله عنه قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ في قبته ببدر اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لن تعبد بعد اليوم فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك فقام وهو يُنسب في الدرع ويقول ({سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} حديث صحيح أخرجه البخاري من طرق ووافقه في بعضها النسائي والطبراني وفي بعضها يوم بدر من غير ذكر القبة وفي بعضها في قبة من غير ضمير وفي بعضها في قبة له ولم يذكر يوم بدر والحديث عند مسلم أيضًا كما تقدم. قوله: (من نصرهم) أي بقوله {ولينصرن الله من ينصره} ومن ثم قال - صلى الله عليه وسلم - لا إله إلا الله وحده صدق وعده الخ. قوله: (وإظهار دينه) إضافة الدين إليه تعالى للتشريف قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} أي والله لا يخلف الميعاد فظهور خلاف ما ذكر إنما هو لعدم ظهوره لأولئك الأقوام ولكل شيء أجل ولكل أجل كتاب. قوله: (الذي قبل هذا) أي ببابين وفي نسخة قبل الذي قبل هذا فباب الرجز قبل باب استحباب إظهار الصبر الخ وهو قبل باب ما يقول إذا ظهر المسلمون الذي هو قبل هذا الباب ومقتضى هذا أن يقال في الباب الذي قبل هذا وأوضح منه أن يقال فيه في الباب السابق على هذا الباب ببابين والله أعلم. قوله: (وروينا في صحيح البخاري) قال الحافظ وهو عند مسلم من غير طريق البخاري عن

لما كان يوم أُحد وانكشف المسلمون قال عمي أنس بن النضر: ـــــــــــــــــــــــــــــ أنس أيضًا وحديث البخاري عن أنس بن النضر غاب عن قتال بدر فلما قدم قال غبت عن أول قتال قاتله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المشركين لئن الله أشهدني مشهدًا بعدها ليرين الله ما أصنع فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني أصحابه ثم تقدم فلقيه سعد بن معاذ بأخراها فقال سعد فقلت له: أنا معك فلم أستطع ما صنع قال أنس فوجدنا به بضعًا وسبعين ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورمية بسهم فكنا نقول فيه وفي أصحابه نزلت {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} الآية وزاد فيه في رواية السهمي فوجدناه بين القتلى قد مثلوا به فما عرفته إلا أخته قال الحافظ أخرجه أحمد والبخاري والترمذي والنسائي زاد في جامع الأصول من تخريج من ذكر فقال: يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحد وحديث مسلم عن ثابت عن أنس بن مالك قال كان أنس بن النضر وبه سميت لم يشهد بدرًا فعظم ذلك عليه فقال أول مشهد شهده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غبت عنه فذكر الحديث بنحوه وفيه بعد قوله ليراني الله ما أصنع فهاب أن يقول غيرها وقال فيه فقاتل حتى قتل وأخرجه أيضًا النسائي والترمذي اهـ قال المصنف في شرح مسلم كذا في النسخ ليراني الله ما أصنع بالألف وهو صحيح ويكون ما أصنع بدلًا من الضمير في يرائي أي ليرى الله ما أصنع ووقع في رواية ليرين الله ما أصنع بنون مشددة بعد التحتية المفتوحة وهكذا وقع في البخاري وعليه ضبطوه بوجهين بفتح التحتية الأولى والراء أي يراه الله واقفًا بارزًا وبضم التحتية وكسر الراء معناه ليرين الله النّاس ما أصنع ويبرزه الله لهم وقوله فهاب أن يقول غيرها معناه أنه اقتصر على هذه اللفظة المبهمة وهو قوله ليرين الله الخ مخافة أن يعاهد الله بغيرها فيعجز أو تضعف نيته عنه أو نحو ذلك ليكون أبرأ من الحول والقوة اهـ. قوله: (أنس بن النضر) هو بالضاد المعجمة قال الحافظ في مقدمة الفتح ما كان على هذه الصورة معرفًا فبالضاد المعجمة أو منكرًا فبالصاد المهملة وأنس هذا عم أنس بن مالك خادم النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن كراماته ما ورد في الصخيح عن أنس قال كسرت الرببع وهي عمة أنس بن مالك أخت أنس بن النضر ثنية جارية من الأنصار فطلب القوم القصاص

باب ثناء الإمام على من ظهرت منه براعة في القتال

اللَّهُم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء -يعني أصحابَه- وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء -يعني المشركين- ثم تقدم فقاتل حتى استشهد، فوجدنا به بضعًا وثمانين ضربة أو طعنة برمح أو رمية بسهم. باب ثناء الإمام على من ظهرت منه براعة في القتال ـــــــــــــــــــــــــــــ فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقصاص فقال أنس بن النضر لا والله لا تكسر ثنيتها يا رسول الله فقال - صلى الله عليه وسلم - كتاب الله القصاص فرضي القوم وقبلوا الأرش فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره والربيع بضم الراء وفتح الموحدة وتشديد التحتية بعدها عين مهملة كذا في اسد الغابة وسيأتي لهذا المقام زيادة تحقيق في تعيين الجاني هل هو الربيع أو أخت الربيع وهل الجناية في السنن أو غيرها وهل القائل أنس أو أم الربيع في باب جواز التهليل والتسبيح عند التعجب. قوله: (وانكشف المسلمون) أي انهزموا وفيه حسن العبارة إذ لم يصرح لفظ الانهزام على المسلمين كذا في الكرماني. قوله: (أبرأ إليك) أي أنا بريء من الإشراك وقتال رسول رب العالمين وقتل المسلمين الذي فعله المشركون (وأعتذر) أي من انكشاف أصحابه لأنه لا طاقة له على تثبيتهم وردهم إلى مواطنهم التي أمروا بلزومها ففارقوها ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا. قوله: (بضعًا) بكسر الباء وقد تفتح قال في النهاية ما بين الثلاث إلى التسع وقيل ما بين الواحد إلى العشرة لأنه قطعة من العدد وقال الجوهري تقول بضع سنين وبضعة عشر رجلًا فإذا جاوزت لفظ العشر لا تقول بضع وعشرون وهذا يخالف ما جاء في الحديث أي كالحديث المذكور هنا عن أنس وهو من الفصحاء بضعًا وثمانين وكالحديث المرفوع في البخاري لقد رأيت بضعًا وثلاثين ملكًا يبتدرونها وجاء في الرواية أن الضربات المذكورة كانت في المقبل من أنس بن النضر. باب ثناء الإمام على من ظهرت منه براعة في القتال

روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه في حديثه الطويل في قصة إغارة الكفار على سرح المدينة وأخذهم اللقاح وذهابِ سلمة وأبي قتادة في أثرهم ... فذكر الحديث، إلى أن قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كانَ خيْرَ فُرْسانِنا اليوم أبُو قُتَادَةَ، وخَيرَ رجَّالتنا سَلَمَةُ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) قال الحافظ هذا الحديث أورده الحميدي في الجمع بين الصحيحين فيما انفرد به مسلم وقد نبهت على ذلك في باب قول الرجل حال القتال أنا فلان وتحقيق القول فيه إن حديث سلمة جاء عن ابنه أياس ومولاه يزيد كلاهما عنه فرواية أياس مشتملة على قصص كثيرة وهي عند مسلم ورواية يزيد أخرجها البخاري منقطعة وليس فيها قصة علي مع مرحب كما تقدم في ذلك الباب وليس فيها مقصود هذا الباب أيضًا قوله وهو خير فرساننا الخ اهـ وقد ورد قوله - صلى الله عليه وسلم -: "خير فرساننا من طريق آخر" باختصار في الحديث فأخرجه الحافظ بسنده من طريق أبي نعيم من طريق عكرمة أيضا الراوي عن إياس قال فذكر طرفًا من أوله ثم قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خير فرساننا أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة" قال الحافظ واقتصر النضر يعني الراوي عنه الحافظ في أحد طرقه لهذا الحديث على قوله خير فرساننا أبو قتادة قال وأخرجه ابن حبان في صحيحه بأتم من هذا قال الحافظ بعد أن أورد له طريقًا أخرى وللحديث شاهد من طريق أبي قتادة أخرجه عنه الطبراني في المعجم الصغير قال يعني أبا قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري أغار المشركون على لقاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فركبت فأدركتهم فقتلت مسعدة يعني الفزاري فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رآني أفلح الوجه: "اللهم اغفر له ثلاثًا وفيه عن أبي قتادة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خير فرساننا أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة بن الأكوع" قال الطبراني لم يروه عن أبي قتادة إلا ولده ولا سمعناه إلا من عبدة وكانت امرأة فصيحة عاقلة متدينة اهـ وعبدة بنت عبد الرحمن بن مصعب بن أبي قتادة الأنصاري. قوله: (خير فرساننا الخ) في الصحاح الراجل خلاف الفارس والجمع رجل مثل صاحب وصحب ورجالة ورجال

باب ما يقوله إذا رجع من الغزو

باب ما يقوله إذا رجع من الغزو فيه أحاديث ستأتي إن شاء الله تعالى في "كتاب أذكار المسافر"، وبالله التوفيق. كتاب أذكار المسافر اعلم أن الأذكار التي تستحب للحاضر في الليل والنهار واختلاف الأحوال وغير ذلك مما تقدم تستحب للمسافر أيضًا، ويزيد المسافر بأذكار، فهي المقصودة بهذا الباب، وهي كثيرة منتشرة جدًّا، وأنا أختصر مقاصدها إن شاء الله تعالى، وأبوَّب لها أبوابًا تناسبها، مستعينًا بالله، متوكلًا عليه. باب الاستخارة والاستشارة اعلم أنه يستحبُّ لمن خطر بباله السفر أن يشاور فيه مَنْ يعلم من ـــــــــــــــــــــــــــــ اهـ. قال المصنف قوله خير فرساننا الخ فيه استحباب الثناء على الشجعان وسائر أهل الفضائل لا سيما عند صنيعهم الجميل لما فيه من الترغيب لهم ولغيرهم في الإكثار من ذلك الجميل وهذا في حق من يؤمن عليه الفتنة بإعجاب ونحوه اهـ والله أعلم. كتاب أذكار المسافر اسم فاعل من سافر والسفر قطع مسافة للوصول إلى مقصد معلوم مأخوذ من السفر لأنه يسفر عن أخلاق الرجال وفي عوارف المعارف للسهروردي نفع الله به قال عمر رضي الله عنه لمن زكي عنده رجلًا هل صحبته في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق قال: لا قال: ما أراك عرفته اهـ. باب الاستخارة والاستشارة أخرج الحافظ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما خاب من استخار ولا ندم من استشار ولا عال من اقتصد" وقال حديث غريب لم يروه عن الحسن إلا عبد القدوس تفرد به ولم أره قال: قال سليمان: قال الحافظ وعبد القدوس بن حبيب: ضعيف جدًّا اهـ. قوله: (يستحب لمن خطر بباله السفر أن يشاور فيه الخ)

حاله النصيحةَ والشفقةَ والخبرةَ، ويثق بدينه ومعرفته، قال الله تعالى: {وَشَاورْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [أل عمران: 159] ودلائله كثيرة. وإذا شاور وظهر أنه مصلحة استخار الله سبحانه وتعالى في ذلك، فصلى ركعتين من غير الفريضة، ودعا بدعاء الاستخارة ـــــــــــــــــــــــــــــ ظاهر كلامه بل صريحه تقديم الاستشارة قبل الاستخارة قال ابن حجر الهيتمي وليس ببعيد حتى عند التعارض لأن الطمأنينة إلى قول المستشار أقوى منها إلى النفس لغلبة حظوظها وفساد خواطرها قيل ومن ثم لو اطمأنت نفسه وارتاضت وغلب صدق أرادنها قدم الاستخارة كما بحث وهو واضح. قوله: (والخبرة) هو بضم الخاء المعجمة وسكون الموحدة أي الاختبار. قوله {وَشَاورْهُمْ فِي الْأَمْرِ} ورد أن هذه الآية خاصة بأبي بكر وعمر أخرجه الحاكم من حديث ابن عباس وأخرجه أحمد من حديث ابن عمر قال: قال - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وعمر: "لو اتفقتما على مشورة لما خالفتكما وكأن وجه هذا التشريف ما كان له عندهما من كمال الوداد والمحبة الصادقة إذ لا يستشير الإنسان إلا من كان معتقدًا فيه المودة مع ما لهما من رصانة العقل والتجربة ذكر ابن عطية أن الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام ومن لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب هذا مما لا خلاف فيه والمستشير في الدين عالم دين وقلما يكون ذلك إلا في عاقل اهـ. وله: (ودلائله كثيرة) أي دلائل ما ذكر من المشاورة كثيرة فمنها استشارته - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية رواه البخاري وغيره قال الزهري كان أبو هريرة يقول ما رأيت أحدًا قط أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخرج هذه الزيادة ابن حبان وغيره وفي بعض طرقه عنه ما رأيت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر استشارة للرجال من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أراد أمرًا فشاور فيه أمرًا مسلمًا وفقه الله لأرشد أموره قال الطبراني تفرد به عمرو بن الحصن قال الحافظ وهو ضعيف جدًّا وفي شيخه وشيخ شيخه والراوي عند مقال ومنها عن ابن مرو وال كتب الصديق إلى عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يشاور في الحرب فعليك به قال الحافظ: هذا حديث غريب رواته موثقون وفي بعضهم ضعف يسير قال الشافعي بلغنا عن الحسن إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لغنيًّا عن المشاورة لكن أراد أن يستن به من بعده من الحكام ذكره الشافعي

الذي قدمناه في بابه. ودليل الاستخارة الحديث المتقدم عن "صحيح البخاري" وقد قدمنا هناك آداب هذا الدعاء وصفة هذه الصلاة، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ معلقًا ولم يصله البيهقي كعادته في معلقات الشافعي قال الحافظ وقد وجدته موصولًا في تفسير ابن أبي حاتم أخرجه عن أبيه عن ابن عمر عن سفيان بن عيينة عن عبد الله بن شبرمة عن الحسن قال: قد علم الله أنه ليس به إليهم حاجة ولكن أراد أن يستن به من بعده ومنها عن علي قال - صلى الله عليه وسلم -: "المستشار مؤتمن فإذا استشير أحدكم فليشر بما هو صانع لنفسه قال الطبراني: غريب لم يروه إلا عبد الرحمن يعني ابن عيينة البصري قال الحافظ لولاه لكان الحديث حسنًا فإن رجاله موثقون إلا هو فلم أر له ذكرًا إلا في هذا الحديث والمستغرب منه آخره أما صدره فمشهور أخرجه الترمذي عن البخاري وقال حسن غريب وأخرجه النسائي وأخرجه غيرهما وحديثه في قصة مجيئه - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي الهيثم من حديث أبي هريرة وفيها فقال له - صلى الله عليه وسلم -: "هل لك خادم؟ " قال: لا قال: فإذا أتانا سبي فأتنا فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناسًا ليس لهما ثالث فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اختر فقال: يا رسول الله اختر لي فقال: أما إن المستشار مؤتمن خذ هذا، الحديث وله شاهد من حديث أم سلمة عند الترمذي بعضه إن المستشار مؤتمن واقتصر عليه أيضًا أبو داود وابن ماجه من حديث أبي هريرة وابن عمر قال الترمذي: وفي الباب عن أبي هريرة وابن عمر قال الحافظ: وحديث ابن مسعود عند الخرائطي وحديث ابن عمر عند الحاكم وحديث أبي هريرة تقدم قال الحافظ في الباب أيضًا عن علي وأم سلمة وفيه عن ابن عباس عند الخرائطي وعن سمرة بن جندب في الحلية وعن أبي الهيثم نفسه وعن جابر بن سمرة وعن النعمان بن بشير الثلاثة عند الطبراني وعن عبد الله بن الزبير عند البزار فزادت رواته على العشرة ومنها ما أخرجه الحافظ عن موسى بن طلحة عن أبيه رضي الله عنه موقوفًا عليه لا تشاور بخيلا في صلة ولا جبانًا في حرب ولا شابًا في جارية قال الحافظ موقوف حسن الإسناد وقد ورد الحث على نصح المستشار فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أشار على أخيه المسلم بأمر وهو يعلم أن غيره أرشد منه فقد خانه" حديث حسن أخرجه أبو داود والحاكم وقال في بعض طرقه صحيح الإسناد وعنه قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: "من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار ومن

باب أذكاره بعد استقرار عزمه على السفر

باب أذكاره بعد استقرار عزمه على السفر ـــــــــــــــــــــــــــــ استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشد فقد خانه ومن أفتى بفتيا من غير ثبت فإنما إثمه على من أفتاه أخرجه الحافظ من طرق في بعضها الدارمي قال واقتصر على الحديث الأخير وبعضها عن شيخه العراقي قال: وهذا لفظه ورجال سنده مخرج لهم في الصحيح قال وأخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والحاكم من طريق ابن أبي مرة عن المقري وقال صحيح على شرطهما لا أعرف له علة ورد عليه ذلك شيخنا فأصاب انتهى كلام الحافظ ثم ينبغي للمشير أن يشير عليه بما هو الأصلح له في دينه وإن أضر بدنياه فعليه أن يشير بما فيه صلاح الدين إما مع صلاح الدنيا أيضًا أو صلاحه فقط ويتخلى عن الهوى ويشير بما ظهر له صلاحه في الدين لحديث المستشار مؤتمن وأما خبر إن شاء أشار وإن شاء سكت وإن شاء فليشر بما لو نزل به فعله فينبغي حمله حتى لا ينافي ما مر على ما إذا لم تترجح عنده الإشارة وإلا وجبت. تنبيه قال الحافظ أفرد المصنف للمشاورة بابًا في أوائل الربع الأخير وقال فيه أيضًا. والأحاديث الصحيحة في المشاورة كثيرة ثم لم يذكر منها إلا حديث المستشار مؤتمن أورده من طريق واحدة مختصرًا وقد خرجت طرقه بما فيها من زيادة قلت: وقد لخصتها منه كما تقدم عنه آنفًا. فائدة استشار النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة في عدة أشياء منها في غزوة بدر وفي غزوة أحد وفي الخندق كل ذلك في الخروج وعدمه واستشار في بدر أيضًا في أخذ الفداء وأشير عليه فيها باختيار المنزل واستشار في الحديبية في بيات أهل مكة وأشارت عليه أم سلمة في التحلل واستشار أيضًا في قصة الإفك في شيئين إلى غير ذلك واستشار أبو بكر في قتال أهل الردة وفي جمع القرآن وفي غير ذلك وصدر ذلك من عمر حتى جعل الخلافة بعده شورى ذكره الحافظ والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام وما أحسن ما قيل: لا تسع في أمر ولا تفعل به ... ما لم يزنك لديك عقل ثاني فالشعر معتدل بوزن عروضه ... وكذا اعتدال الشمس بالميزان قوله: (وظهر أنه مصلحة في الدين) سواء كانت في الدنيا أيضًا أو لا كما سبق قبيل التنبيه. باب أذكار بعد استقرار عزمه على السفر

فإذا استقر عزمه على السفر فليجتهد في تحصيل أمور: منها أن يوصيَ بما يحتاج إلى الوصية به، وليشهدْ على وصيته، ويستحل كل من بينه وبينه معاملة في شيء، أو مصاحبة، ويسترضي والديه وشيوخه ومن يندب إلى برِّه واستعطافه، ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (أن يوصي بما يحتاج إلى الوصية به) أي سواء كان في حق الله تعالى أم في حق عباده. قوله: (ويشهد على وصيته) أي من تثبت به وجوبًا إن لم تكن ثابتة قبل وإلا فندبًا ولا يكتفي بعلم الورثة مطلقًا لأن النفس تشح بالأموال إذا استولت عليها ويؤخذ من قولنا من تثبت به الاكتفاء بالشاهد الواحد فيما تثبت به مع اليمين في إقليم فيه من يقبل الواحد وكذا مجرد الخط إذا كان تم على ما بحث وهو وجيه فإن لم يوجد ذلك فلا يكتفي به والله أعلم. قوله: (ويستحل كل من بينه وبينه معاملة الخ) أي فيما عسى أن يكون عليه مما يعلمه المطلوب منه الحل فقط، لأن جهل المبرئ بالمبرأ منه لا يضر أو يقال المدار على براءة الذمة في الآخرة وذلك مداره على الرضا وإن كان المبرأ منه مجهولًا أخذا من قولهم لا مطالبة في الآخرة في بيع المعاطاة لوجود الرضا على ما فيه والله أعلم. قوله: (ويسترضي والديه) أي يطلب رضاهما ثم محل جواز السفر بغير رضاهما إن كان حج فرض أو قضاء أو نذر والعمرة كالحج أو كان سفر تجارة أو لطلب علم ولو مندوبًا على تقييد يأتي فيهما ويمتنع بغير إذنهما في حج التطوع إن كان مقصودًا من حيث ذاته وإلا فلو قصد مع تجارة أو إجارة كالجمالين والحمالين والعكامين وزاد ربحه أو أجرته على مؤنة سفره لم يشترط إذنهما حيث كان الطريق آمنًا الأمن المعهود أخذًا من قوله السفر بغير إذن أبويه لتجارة أي وإن لم يكن محتاجًا إليها وإن بعد ما لم يكن فيه ركوب بحر أي وإن غلبت السلامة كما هو ظاهر إطلاقهما وبادية مخطرة ومحل المنع في حج التطوع إن لم يكن المانع في الركب وإلا فلا معنى لمنعه إذ علته حصول بره لا خوف الطريق نعم يؤخذ من العلة أنه لو أدى إحرامه إلى مغ بره كترك خدمته اللازمة له جاز منعه حينئذ وهو محتمل ويحتمل خلافه لعدم تحقق الموجب حال الإحرام ويعتبر في الأمرد الجميل أن يكون مصاحبًا لمن ذكر مصاحبة ينتفي معها الريبة ولا يكفي كونه في ركبه والفرق بين المنع في نسك التطوع بغير الإذن منهما والجواز كذلك في سفر نحو التجارة وطلب العلم أن النفس

ويتوب إلى الله ويستغفره من جميع الذنوب والمخالفات، وليطلب من الله تعالى المعونة على سفره، وليجتهد على تعلّم ما يحتاج إليه في سفره. فإن كان غازيًا تعلَّم ما يحتاج إليه المغازي من أمور القتال ـــــــــــــــــــــــــــــ مجبولة على حب المال والاستكثار منه فلو توقف السفر على رضاهما لشق ذلك على النفوس ولم تحتمله بخلاف العبادة المتطوع بها فإن توقفها على الغير الآكد منها لا مشقة فيه ونفع العلم متعد بخلاف النسك فسومح فيه بما لم يسامح في النسك. قوله: (ويتوب إلى الله تعالى) ظاهره تأخير التوبة عن استقرار العزم على السفر المترتب على الاستخارة وجرى ابن جماعة على تقديمها وأيده بأن المستخير عاصيًا كعبد متمادٍ على إباقه ويرسل إلى سيده بأن يختار له من خيار ما في خزائنه فيعد بذلك أحمق بين الحمق وهذا الذي ذكر من تقديم التوبة على الاستخارة يحمل على المعاصي السابقة على الاستخارة ويحمل ظاهر كلام المصنف على معاص طرأت بعد الاستخارة أو سهى عنها حين الاستخارة هذا باعتبار وجوب التوبة أما توقف صحة الاستخارة وإفادتها على تقديم التوبة فمحل نظر قاله بعض المحققين ثم معنى كون ما ذكر من التوبة وما معها مندوبًا إليه لا يتوقف على وجوده حل السفر وإلا فهي في حد ذاتها منها ما هو مفروض كالتوبة من العصيان ولو صغيرة. قوله: (ويستغفره من جميع الذنوب) أي يسأل منه الغفران من جميع الذنوب أي المعاصي. قوله: (والمخالفات) أي المكروهات وعليه فالعطف على أصله ويحتمل أن يكون المراد من المخالفات الذنوب أيضًا فيكون من عطف الرديف. قوله: (وليطلب من الله المعونة على سفره) أي يتأكد ذلك في شأنه ليتيسر له ما أراده والأمر فيه للاستحباب وإن كان في عبارته نوع إيهام لوجوب ذلك ويؤيد ذلك الإيهام عطف قوله: وليجتهد على تعلم ما يحتاج إليه الخ إذ ذلك فرض عين على من يريد مباشرته قال أصحابنا الفرض العيني من العلم علم العقائد أي معرفة ما يجب ويجوز ويستحيل في حق الله تعالى وفي حق رسله وتوابع ذلك ومعرفته أحكام الطهارة والصلاة والصوم والزكاة لمن

والدعوات وأمور الغنائم، وتعظيم تحريم الهزيمة في القتال وغير ذلك. وإن حاجًّا أو معتمرًا تعلَّم مناسك الحج أو استصحب معه كتابًا بذلك، ولو تعلَّمها واستصحب كتابًا كان أفضل. وكذلك المغازي وغيره، ويستحبُّ أن يستصحب كتابًا فيه ما يحتاج إليه، وإن كان تاجرا تعلَّم ما يحتاج إليه من أمور البيوع ـــــــــــــــــــــــــــــ كان ذا مال زكوي والحج للمستطيع ومعرفة أحكام البيع أو النكاح لمن اراد مباشرة بيع أو نكاح إذ لا يجوز للمكلف أن يباشر أمرًا حتى يعرف حكم الله تعالى فيه، ويندفع تأييد ذلك الإيهام بأن ما ذكر من باب دلالة الاقتران وهي ضعيفة وقد وقع قرن الواجب بما ليس بواجب في الكتاب كقوله تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} وفي السنة كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "خصال الفطرة عشرة فذكر منها الختان وقص الشارب والأول واجب والثاني مندوب قوله: (والدعوات) أي إلى الإسلام قبل القتال وقد اختلف في أنه هل يجب تقديم الدعوة قبل القتال أو لا على ثلاثة أقوال أصحها لا يجب الآن لظهور الدين وتمرد أولئك الكفار والمعتدين. قوله: (وتعظيم تحريم الهزيمة في القتال) أي إذا لم يزد الكفار على ضعف المؤمنين وإلا فلا يجب عليه حينئذٍ الثبات والفرار يوم الزحف عند وجود شرطه من الكبائر قال الله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} قوله: (أو استصحب معه كتابًا بذلك) أي ليرجع إليه عند النسيان الذي هو طبع الإنسان ومن أحسن ما ألف في المناسك كتاب الإيضاح للمصنف وحاشيته لابن حجر ومن المناسك الجوامع المنسك الكبير للأيجي نحو أربعين كراسًا في كامل القطع جمع فيه أحكام المناسك وكثيرًا من الفضائل وجملًا من المآثر. قوله: (ولو تعلمها واستصحب كتابًا كان أفضل) أي لأنه يعرف المراد بتوقيف الأستاذ كما قال من قال: إذا لم يكن شيخ يريك شخوصها ... وإلا فنصف العلم عندك ضائع ويأمن من الاشتباه والنسيان بسبب استصحابه الكتاب معه وإن حصل

ما يصح منها وما يبطل، وما يحل وما يحرم ويستحب ويكره ويباح، وما يرجح على غيره. وإن كان متعبدًا سائحًا معتزلًا للناس، تعلَّم ما يحتاج إليه في أمور دينه، فهذا أهم ما ينبغي له أن يطلبه. وإن كان ممن يصيد تعلَّم ما يحتاج إليه أهل الصيد، وما يحل من الحيوان وما يحرم، وما يحل به الصيد وما يحرم، وما يشترط ذكاتُه، وما يكفي فيه قتل الكلب أو السهم وغير ذلك. ـــــــــــــــــــــــــــــ رفيقًا عالمًا أي عاملًا وبعلمه كان أفضل لأنه يجمع إلى ما ذكر معرفة مباشرة العمل بالعيان التي عرفها أولًا بالتعليم والبيان وليس الخبر كالعيان قال الخطيب الشربيني في مناسكه الكبرى وكثير من أهل الدنيا ينفقون الأموال الجزيلة في مستلذات أنفسهم وأهوائهم وأغراضهم ويصعب عليهم إخراج الشيء اليسير في صحبة عالم يرشدهم إلى الكمال بلسان الحال والمقال والأمر الله الكبير المتعال. قوله: (وما يصح منها) أي لاستجماعه شرائط صحة البيع ثم إن كان يتوصل به إلى حرام خارج عن العقد كبيع الزبيب لمن يعتصر منه خمرًا كان حرامًا مع صحته. قوله: (وما يبطل) أي لفقد شرط من شرط الصحة أو لاشتماله على شرط مفسد كبيعه بشرط أن لا ينتفع به المشتري أو نهى عنه الشارع لذاته كبيع الملامسة والمنابذة. قوله: (وما يحل) أي مما جمع الشرط وخلا عن سبب التحريم. قوله: (وما يحرم) أي مع الصحة كبيع العبد ممن يفجر به والنجش وتلقي الركبان. قوله: (ويكره) أي كالبيع ممن أكثر ماله حرام. قوله: (وما يرجح فعله على غيره) أي كاشتراء المصحف وكتب العلم. قوله: (سائحًا) اسم فاعل من السياحة وهي السير في البلدان للاعتبار بالمصنوعات كا هو شأن كثير من المتعبدين المعتبرين بالآلاء المتفكرين في الملكوت الأعلى. قوله: (وإن كان ممن يصيد الخ) وقد أفرد للصيد وما يتعلق به كتب فمنها كتاب الصيد والقنص للناشري ذكر فيه ما يحل اصطياده من الحيوانات وشروط الصيد ومعرفة ما يكفي في

وإن كان راعيًا تعلَّم ما يحتاج إليه مما قدمناه في حق غيره ممن يعتزل النّاس، وتعلَّم ما يحتاج إليه من الرفق بالدواب وطلب النصيحة لها ولأهلها، والاعتناء بحفظها والتيقظ لذلك، واستأذن أهلها في ذبح ما يحتاج إلى ذبحه في بعض الأوقات لعارض، وغير ذلك. وإن كان رسولًا من سلطان إلى سلطان أو نحوه اهتم بتعلُّم ما يحتاج إليه من آداب مخاطبات الكبار، وجوابات ما يعرض في المحاورات، ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك وما لا يكفي. قوله: (وإن كان راعيًا الخ) أي تعلم ما يحتاج إليه من أمور الدين. قوله: (وتعلم ما يحتاج إليه عن لرفق بالدواب) فإن الله رفيق يحب كل رفيق وذكر علماء التفسير أن النبي الذي كان في زمن طالوت لما ذكر له من شأن داود أنه الذي يقتل جالوت وكان أبوه إيشا قد تركه يرعى فجاؤوا إليه فوجدوه يحمل الشياه على كتفه شاتين ليمر بهما عن السيل لئلا يخوضاه فقالوا: هو هذا إذا كانت هذه رحمته للبهائم فكيف لرعاياه من نوع الإنسان فأخذوه إلى آخر القصة في البغوي وغيره. قوله: (وطلب النصيحة لها) أي بأن يحسن في رعيها وإيصالها إلى ما ينفعها. قوله: (ولأهلها) أي بأن يشير عليهم بما به يعود عليهم نفعها من الاعتناء بشأنها ودفع مؤذيها. قوله: (واستأذن أهلها) عطف على قوله: "تعلم ما يحتاج إليه" أي استأذنهم في ذبح ما يعرض داع لذبحها كعض ذئب أو نحوه مع الحياة المستقرة حيث يخشى من ترك الحيوان بحاله أن يموت فيذهب الانتفاع به وفي الإصابة للحافظ ابن حجر خرج ابن عمر في بعض متنزهات المدينة وإذا عبد أسود يرعى شياهًا فأتى ابن عمر بالغداء فدعا الراعي فقال: إني صائم فقال ابن عمر- والظاهر أنه لاستفسار أمر حال الراعي والنظر إلى لفظه في جوابه -أفي هذا اليوم الشديد الحر يصام فقال يوم القيامة أشد حرًّا ثم قال ابن عمر: هل لك أن تبيعنا من هذه الشياه ما تفطر منه معنا فقال إنها ليست لي فقال ابن عمر بعها وقيل لسيدها أكلها الذئب فانصرف العبد وهو يقول فأين الله فلما عاد ابن عمر إلى المدينة سأل عن سيد العبد فشراه وشرى الأغنام وأعتقه ووهبه الأغنام اهـ. قوله: (وما يحل لي الخ) أي لأنه من

وما يحل له من الضيافات والهدايا وما لا يحل، وما يجب من مراعاة النصيحة وإظهار ما يبطنه وعدم الغش والخداع والنفاق، والحذر من التسبب إلى مقدِّمات الغدر أو غيره مما يحرم وغير ذلك. وإن كان وكيلًا أو عاملًا في قراض أو نحوه تعلَّم ما يحتاج إليه مما يجوز أن يشتريَه وما لا يجوز، وما يجوز أن يبيع به وما لا يجوز، وما يجوز التصرف فيه وما لا يجوز، وما يشترط االإشهاد فيه، وما يجب وما يشترط فيه ولا يجب، وما يجوز له من الأسفار وما لا يجوز. وعلى جميع المذكورين أن يتعلَّم من أراد منهم ركوب البحر الحال التي يجوز فيها ركوب البحر، ـــــــــــــــــــــــــــــ جملة العمال فلا يقبل من الهدية ما يحرم عليه قبولها كأن علم أن تلك الهدية تؤديه إلى الغش فيما أرسل فيه وطلب منه نحو ذلك. وله: (وعدم الغش والخداع والنفاق) هذه الألفاظ الثلاثة متقاربة أي لا يبدي إظهارها قصد الإصلاح مع إضماره الإفساد كما يفعل البائع الغاش يظهر حسن البضاعة ويخفي رديئها والمخادع والمنافق يظهر أنه معك ومنك وهو عليك والغش عند النصح مأخوذ من الغشش المشرب الكدر كما في النهاية، والخداع والنفاق مصدر إن لخادع ونافق. قوله: (والحذر من التسبب إلى مقدمات الغدر الخ) أي فإن الشر يكون سببًا لكسر صاحبه وخذلانه، قال - صلى الله عليه وسلم -: "احفظ الله يحفظك"، أي احفظه بالقيام عند حدوده يحفظك من سائر المحن، وقال العارف أبو مدين في حكمه: الحق تعالى مطلع على السرائر في كل وقت وحال فأيما قلب رآه له مؤثرًا حفظه من طوارق المحن ومضلات الفتن، ومفهوم ما ذكر أن تركه التقوى سبب لحلول البلوى. قوله: (مما يجوز أن يشتريه) أي بأن يعلم بأن فيه النفع حالًا أو مآلا فإن اشترى لوكيله أو بمال القراض بغبن فاحش فالبيع غير صحيح. قوله: (وما يجوز أن يبيع به) أي من ثمن المثل بنقد البلد الحال هذا عند الإطلاق فإن قيد الموكل شيئًا اتبع. قوله: (وما لا يجوز التصرف فيه) أي من المتاع بأن قصر تصرفه فيه على وجه كأن وكله في بيعه من زيد فلا يجوز له التصرف فيه بخلافه. قوله: (الحال التي يجوز فيها ركوب البحر)

باب أذكاره عند إرادته الخروج من بيته

والحال التي لا يجوز، وهذا كله مذكور في كتب الفقه لا يليق بهذا الكتاب استقصاؤه، وإنما غرضي هنا بيان الأذكار خاصة، وهذا التعلُّم المذكور من جملة الأذكار كما قدمتُه في أول هذا الكتاب، وأسأل الله التوفيق وخاتمة الخير لي ولأحبائي والمسلمين أجمعين. باب أذكاره عند إرادته الخروج من بيته يستحب له عند إرادته الخروج أن يصلي ركعتين ـــــــــــــــــــــــــــــ وهي حال غلبة السلامة. قوله: (والحال التي لا يجوز) وهي حال غلبة الهلاك بخصوص ذلك البحر أو بهيجان الأمواج في بعض الأحوال وكذا يحرم ركوبه حال استواء السلامة والهلاك نعم في وجوبه للغزو حينئذٍ وجهان إن عظم الخطر فيه بحيث تندر النجاة منه حرم حتى للغزو والمراد من البحر فيما ذكر الملح وهو المراد من البحر إذا أطلق وخرج الأنهار العظيمة كجيحون وسيحون والدجلة فليس فيها هذا التفصيل لأن المقام فيها لا يطول وخطرها لا يعظم وجانبها قريب يمكن الخروج إليه سريعًا. قوله: (كما قدمته في أول هذا الكتاب) أي من قوله قال عطاء مجالس الذكر هي مجالس الحلال والحرام كيف تبيع وكيف تشتري الخ انتهى أي ذلك من أهمها على ما تقدم. باب أذكاره عند إرادته الخروج من بيته عبر في المناسك بقوله إذا أراد الخروج من منزله صلى الخ قال ابن حجر الهيتمي وهي تشمل كل منزل نزل فيه في سفره فيسن توديعه عند مفارقته بركعتين كما صرحوا به للحديث الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا ينزل منزلًا إلا ودعه بركعتين ولا يعارض ذلك استدلال المصنف للمنزل الذي هو البيت بالحديث الذي ذكره لأن ذلك لكونه آكد لما فيه من عود البركة عليهم وعلى محلهم اهـ. وكأنه تبع في تصحيح الخبر المذكور الحاكم وستعلم ما فيه. قوله: (يستحب عند إرادة الخروج أن يصلي ركعتين) إن كان سببها إرادة الخروج فتجوز سائر الأوقات لتقدم سببها وإن كان السفر فيمتنع في أوقات الكراهة ولم أر من تعرض لذلك قال ابن حجر الذي يظهر حصولها بأي صلاة كانت كركعتي الاستخارة وأن كيفية نيتها أن ينوي

لحديث المُقَطَّم بن المقدام الصحابي، رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما خلَّفَ أحدٌ عِنْدَ أهْلِهِ أفْضَلَ مِنْ رَكعَتَينِ يَرْكَعُهُما عِنْدَهُمْ حينَ يُرِيدُ سفَرًا" رواه الطبراني. ـــــــــــــــــــــــــــــ سنة الخروج من البيت للسفر اهـ. وما ذكره في نيتها يؤيد الاحتمال الثاني لتأخر سببها. قوله: (لحديث المقطم بن المقدام الصحابي الخ) قال الحافظ في هذا الموضع عدة مؤاخذات أحدها قوله المقطم إذ هو بخطه بميم ثم قاف ثم طاء مهملة مشددة ثم ميم وهو سهو نشأ عن تصحيف إنما هو المطعم بسكون الطاء وكسر العين، ثانيها قوله الصحابي إنما هو الصنعاني بصاد ثم نون ساكنة ثم عين مهملة وبعد الألف نون نسبة إلى صنعاء دمشق وقيل بل إلى صنعاء اليمن كان بها ثم تحول إلى الشام وكان في عصر صغار الصحابة ولم يثبت له سماع من صحابي بل أرسله عن بعضهم وجل روايته عن التابعين كمجاهد والحسن وقد جمع الطبراني أحاديثه الموصولة في ترجمته من مسند الشاميين وقال في أكثرها المطعم بن مقدام الصنعاني كما ضبطته وسيأتي في الباب الذي بعد هذا للمطعم بن المقدام المذكور حديث من روايته عن مجاهد، ثالثها قوله رواه الطبراني يتبادر منه مع قوله الصحابي إن المراد المعجم الكبير للطبراني الذي هو مسند الصحابة وليس هذا الحديث فيه بل هو في كتاب المناسك للطبراني وأخرجه ابن عساكر في ترجمة المطعم بن المقدام الصنعاني من تاريخه الكبير فذكر حاله ومثايخه والرواة عنه وتاريخ وفاته ومن وثقه وأثنى عليه وأسند جملة من أحاديثه منها هذا الحديث بعينه وسنده معضل أو مرسل إن ثبت له سماع من صحابي وقد نبه على ما ذكرناه من التصحيح وعيره الشيخ المحدث زين الدين القرشي الدمشقي فيما قرأته بخطه في هامش تخريج أحاديث الأحياء لشيخنا العراقي وأقره على ذلك وبلغني عن الحافظ زين الدين بن رجب البغدادي نزيل دمشق أنه نبه على ذلك أيضًا رحمه الله تعالى اهـ. قوله: (أفضل) صفة لمصدر محذوف أي خليفة أفضل أي ما يخلف في أهله لكلاءتهم وحفظهم خليفة أفضل من الركعتين وإنما كان كذلك لما فيه من تفويض الأمر وتسليمه الله تعالى ورد الأمر إليه. قوله: (رواه الطبراني) أي في كتاب المناسك له

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كما تقدم عن الحافظ وفي بعض نسخ الإيضاح تصحيح هذا الحديث كما نقله ابن حجر الهيتمي قال الحافظ وجاء عن أنس حديث يدخل في هذا الباب هو قوله كان - صلى الله عليه وسلم - إذا سافر لم يرتحل إذا نزل منزلًا حتى يودع ذلك المنزل بركعتين وفي رواية الدارمي كان - صلى الله عليه وسلم - لا ينزل منزلا إلا ودعه بركعتين قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث حسن غريب أخرجه البزار وابن خزيمة وأخرجه الحاكم في موضعين من طريق ابن خزيمة وقال في بعضها إن عثمان بن سعد الكاتب يعني الراوي عن أنس على شرط الصحيح قال الحافظ وغلطوه في ذلك فإن البخاري إنما أخرج لعثمان بن غياث وهو من طبقة عثمان بن سعد ومع ذلك إنما أخرج استشهادا ووقع في مستخرج أبي نعيم على البخاري عثمان بن سعد عن عثمان بن غياث فكان النسخة وقعت للحاكم وقد نقل الترمذي أن يحيى القطان ضعف عثمان بن سعد من قبل حفظه وقال فيه النسائي ليس بالقوي قال الحافظ ووجدت شاهدًا لعثمان بن سعد ثم أسند إلى إبراهيم النخعي قال: بلغني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا نزل منزلا لم يرتحل عنه حتى يصلي ركعتين وقال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث مرسل في سنده مبهم وإن كان المبلغ لإبراهيم غير عثمان بن سعد اعتضدت به رواية عثمان قال الحافظ: وقد وجدت له متابعًا في غرائب شعبة ثم أسند إلى شعبة عن حمزة وهو ابن عمرو العائذي أي بالهمزة فالمعجمة قال: سمعت أنس بن مالك يقول كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا نزل منزلًا لم يرتحل حتى يصلي ركعتين قال الحافظ: وهذا صحيح السند معلول المتن أخرجه أبو داود والنسائي وابن خزيمة لكن في روايتهم الظهر بدل ركعتين فظهر من روايتهم أن في رواية الأول أي التي أسندها الحافظ إلى شعبة وهمًا أو سقوطًا والتقدير حتى يصلي الظهر ركعتين وقد جاء صريحًا كذلك من رواية ابن شهاب عن أنس وهي في الصحيحين ولفظه كان - صلى الله عليه وسلم - إذا كان على ظهر سير أخر الظهر حتى يجمعها مع العصر فإذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب هكذا عندهما قال الحافظ ووقع لنا من وجه آخر بزيادة العصر ولفظه آخره فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر والعصر ثم ارتحل والحديث عند الشيخين لكن ليس فيه والعصر والذي زادها إمام حافظ من شيوخ مسلم فصحت على شرط الصحيح

قال بعض أصحابنا: يستحبُّ أن يقرأ في الأولى منهما بعد الفاتحة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وفي الثانية {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وقال بعضهم: يقرأ في الأولى بعد الفاتحة (قُلْ أعُوذُ برَبِّ الفَلَقِ) وفي الثانية {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} فإذا سلم قرأ آية الكرسي، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا أصح شيء ورد في جمع التقديم اهـ ويدخل في هذا الباب ما أسنده الحافظ إلى إسماعيل بن محمد عن أنس بن مالك أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني نذرت سفرًا وقد كتبت وصيتي فإلى من أدفعها إلى أبي أم إلى أخي أم إلى ابني. فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ما استخلف عبد في أهله من خليفة أحب إلى الله تعالى من أربع ركعات يصليهن في بيته إذا شد عليه ثياب سفره يقرأ فيهن بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد ثم يقول: اللهم إني افتقرت إليك بهن فاخلفني بهن في أهلي ومالي فهن خليفته في أهله وماله وداره ودور حول داره حتى يرجع إلى أهله" هذا حديث غريب أخرجه الحاكم في تاريخ نيسابور في ترجمة نصر بن باب بموحدتين بينهما ألف لينة من طريقه قال حدثنا سعيد بن مرتاش عن إسماعيل بن محمد فذكره وقال في روايته أتقرب بهن وقال: فيها يقرأ في كل واحدة قال الحافظ وسعيد: هذا لم أقف على ترجمته ولست على يقين من ضبط اسم أبيه ونصر بن باب ضعفوه وقد تابعه المعاني ولا أعرف حاله وقد ذكر الغزالي هذا الحديث في أدب السفر من الأحياء اهـ. قوله: (قال بعض أصحابنا الخ) قال الحافظ كأنه ما وقف على هذا الحديث يعني الحاكم أي ففيه أن يقرأ في كل من الركعات بقل هو الله أحد فقاسه على ركعتي الفجر اهـ. ثم اقتصر على هذا القول في الإيضاح قال ابن حجر في حاشيته وحكى بعضهم أنه يقرأ فيهما المعوذتين وآخرون أنه يقرأ فيهما لإيلاف قريش والإخلاص فينبغي الجمع بين ذلك فيقرأ في الأولى لإيلاف قريش ثم الكافرون ثم قل أعوذ برب الفلق وفي الثانية قل هو الله أحد ثم قل أعوذ برب النّاس وفي الحاشية أيضًا بعد إيراد حديث الحاكم المذكور قريبًا فيسن صلاة الأربع على الكيفية المذكورة وذكر الدعاء المذكور فيه بعدها وقال: ويعلم من مجموع الحديثين أن أصل السنة يحصل بصلاة ركعتين يقرأ فيهما

فقد جاء أن من قرَأ آية الكرسي قبل خروجه من منزله لم يصبه شيء ـــــــــــــــــــــــــــــ ما قدمته وكمالها يتقيد بصلاة الركعتين ثم الأربع كما ذكر بعد شد ثياب السفر عليه اهـ، وقال شيخ الشيخ أبو الحسن البكري. الظاهر أن من اقتصر على الركعتين يقرأ فيهما بسورتي الإخلاص، ومن صلى أربعًا يقرأ فيها بما رواه الحاكم اهـ، وظاهر كلام المصنف كالحديث أنه يسن فعل الركعتين في البيت وإن كان بإزائه مسجد وهو ظاهر، لكن ذكر في آخر مناسكه أنه يسن لمن قدم من سفره أن يصلي ركعتين في المسجد ثم في منزله، فيحتمل -أن يقال بنظير ذلك هنا، ويحتمل الفرق بأن القصد ثم الشكر كما يرشد إليه قوله ثمة ودعا وشكر الله تعالى، فطلب منه تكراره في المسجد وبيته، وهنا عود بركة الصلاة على منزله وأهله، فطلبت منه في بيته فقط. ومنه يؤخذ أنه لو تعددت بيوت زوجاته سن له تكريرها فيهن. قوله: (فقد جاء من قرأ آية الكرسي الخ) قال الحافظ: لم أجده بهذا اللفظ بل معناه وأتم منه، فمن ذلك حديث أبي هريرة قال - صلى الله عليه وسلم -: "من قرأ آية الكرسي، وفاتحة حم المؤمن إلى إليه المصير حين يصبح لم ير شيئًا يكرهه حتى يمسي ومن قرأها حين يمسي لم ير شيئًا يكرهه حتى يصبح" حديث غريب، وسنده ضعيف. أخرجه ابن السني والبيهقي في الشعب وأبو الشيخ في ثواب الأعمال. وأخرج أبو منصور الديلمي في مسنده من حديث أبي قتادة مرفوعًا ة من قرأ آية الكرسي عند الكرب أغاثه الله وسنده ضعيف أيضًا اهـ، وفي الابتهاج للسخاوي لم أقف عليه بهذا اللفظ وكذا شيخي من قبل، ولكن قد أورد الديلمي في الفردوس مما لم يسنده ولده عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا: من قرأ أول البقرة أربع آيات وآية الكرسي والايتين بعدها والثلاث من آخرها كلأه الله في أهله وماله ودنياه وآخرته، ثم أورد الحديثين اللذين أوردهما الحافظ. قال ابن حجر الهيتمي ووجه المناسبة إنها مفتتحة بالحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، وذلك هو المتكفل بحفظ من يخلفه وعدم ضياعه، إذ لا يستحفظ في الحقيقة إلا من

يكرهه حتى يرجع، ويستحبُّ أن يقرأ سورة {لإِيلَافِ قُرَيْشٍ} فقد قال الإِمام السيد الجليل أبو الحسن القزويني، الفقيه الشافعي، صاحب الكرامات الظاهرة، والأحوال الباهرة، والمعارف المتظاهرة: إنه أمانٌ من كل سوء. قال أبو طاهر بن جَحْشَويه: أردت سفرًا وكنتُ خائفًا منه، فدخلت إلى القزويني أسأله ـــــــــــــــــــــــــــــ اتصف بما ذكر، وهو الله سبحانه وتعالى دون غيره اهـ. قوله: (ويستحب أن يقرأ سورة لإيلاف قريش الخ) عبر الشيخ أبو الحسن البكري في مختصر إيضاح المناسك بقوله، ولا بأس أن يقرأ الخ، وكذا قال السخاوي في الابتهاج قال البكري في شرحه عبر الأصل في ذلك بقوله ويستحب، فآثرت قولي لا بأس لأن في ثبوت السنة بذلك نظرًا، ويتلخص من كلام النووي أن الوارثين من الأولياء إذا خصوا ذكرًا بوقت أو حال كان سنة فيه، وفي مسامحة الفقهاء بذلك نظر، غير أن موافقة المصنف عندي أحسن، ولم لا وهم القوم الذين ما منهم إلا من أحسن، لا سيما وللذكر من الأصول العامة ما يقتضي عدم التحجير في ذلك عند من زكى الله إفهامه اهـ، وقال الأشخر اليمني في فتاويه بعد كلام طويل قدمه فيما يتعلق بهذا المقام: فكل ذلك توشيح أن زيادات العلماء أي في القنوت ونحوه من الأذكار يكون الإتيان بها أولى، وأنها من البدع الداخلة في حيز المسنون، وهذا هو الذي نعتمده قولًا وفعلًا. ثم قال بعد كلام وقول ابن الفركاح ما اعتيد من زيادة الصلاة على الآل والأزواج والأصحاب لا أصل له يرد بأن هذا مبني على تعيين الوارد وعدم التوسع وهو خلاف الأظهر كما مر، وفارق التشهد غيره بأن العلماء فهموا أن المدار فيه على لفظه، فلذا لم يزيدوا فيه، ورأوا أن الزيادة فيه خلاف الأولى بخلاف القنوت، فإنهم فهموا أن للدعاء أثرًا عظيما في الاستجابة فتوسعوا في الدعاء فيه والله أعلم. قوله: (فقد قال الإِمام الخ) قال ابن

الدعاء، فقال لي ابتداء من قِبَل نفسه: من أراد سفرا ففزع من عدوٍّ أو وحش فليقرأ {لإِيلَافِ قُرَيْشٍ} فإنها أمان من كل سوء، فقرأتها فلم يعرض لي عارض حتى الآن. ويستحب إذا فرغ من هذه القراءة أن يدعوَ بإخلاص ورقَّة. ومن أحسن ما يقول: اللهُم بكَ أسْتَعِينُ، وَعَلَيْكَ أتَوَكَّلُ، اللهُم ذَلِّلْ لي صُعُوبَةَ أمري، وَسَهِّلْ عَليَّ مَشَقَّةَ سَفَرِي، وَارزُقْني مِنَ الخَيْرِ أكْثَرَ مِمَا أطْلُبُ، وَاصْرِفْ عَني كُلَّ شَرٍّ، ربِّ اشْرَح لي صَدْري، وَيسِّرْ لي أمري، ـــــــــــــــــــــــــــــ حجر في حاشية الإيضاح وجه المناسبة في هذه السورة ما فيها من نعمتي الإطعام من الجوع والأمن من الخوف المناسبين لحفظ من يخلفه أي مناسبة اهـ. قال ابن الجزري في الحصن وقراءة السورة المذكورة أمان من كل سوء مجرب اهـ. قال شارحه أي لقوله تعالى: {وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}، ويؤخذ منه أنه إذا قرأ حال القحط ووقت الاضطراب للأكل تكون قراءته أمانًا من الجوع أو القلق وأطعمهم من جوع اهـ. وفي القصة كرامة ظاهرة للقزويني حيث أطلعه الله على ما في ضمير ذلك الإنسان قبل سؤاله له والله أعلم. قوله: (بل أستعين) أي بك لا بغيرك أسألك الإعانة، إذ لا وصول إلى شيء بغير إعانته سبحانه، وما أحسن قوله من قال: إذا لم يعنك الله فيما تريده ... فليس لمخلوق إليه سبيل وإن هو لم يرشدك في كل مسلك ... ضللت ولو أن السماك دليل قوله: (ذلل لي صعوبة أمري) فيه استعارة مكنية شبه السفر لعظم ما فيه بالناقة الصعبة، فالتشبيه المضمر في النفس استعارة مكنية، وإثبات الصعوبة استعارة تخييلية وذكر التذليل ترشيح، وفيه الإيماء إلى حديث "اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلًا وأنت إذا شئت جعلت الحزن سهلًا". قوله: (واصرف عني كل شر) وفي نسخة كل ذي شر أي صاحبه، وإذا صرف عنه صرف شره. قوله: (رب اشرح لي صدري) أي اجعله منشرحًا واسعًا لقبول الإيمان، متوسعًا لقبوله

اللهم إني أسْتَحْفِظُكَ وَأسْتَوْدِعُكَ نَفْسي وَدِيني وأهْلي وأقاربي وكل ما أنْعَمْتَ عَلي وَعَلَيْهِمْ بِه مِنْ آخِرَةٍ وَدُنْيا، فاحْفَظْنا أجمَعينَ مِنْ كل سُوءٍ يا كَرِيمُ. ويفتتح دعاءه ويختمه بالتحميد الله تعالى، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإذا نهض من جلوسه فليقل: ما رويناه عن أنس رضي الله عنه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لم يرد سفرًا إلا قال حين ينهض من جلوسه: "اللهُم ـــــــــــــــــــــــــــــ وتكاليفه ولا تجعله ضيقًا حرجًا. قال تعالى: {فمن يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا}. قوله: (ونور قلبي) أي بنور الإيمان وأنواع العرفان. قوله: (اللهم إني أستحفظك الخ) أي فإن من حفظته واستودعته لا يضيع، وذكر الدين اهتمامًا بشأنه لتساهل المسافر غالبًا فيه بنحو تأخير الصلاة عن أوقاتها، فإذا استودعه الله رجي أن يوفقه للقيام به على أتم وجه وأسد حال. قوله: (من آخرة) أي من الأعمال الصالحة التي هي أثر التجارات الرابحة. قوله: (ويفتتح دعاءه الخ) أي لأن ذلك سبب القبول وبلوغ المأمول كما سيأتي إن شاء الله تعالى آخر الكتاب. قوله: (فليقل ما رويناه عن أنس رضي الله عنه الخ) قال الحافظ بعد أن أخرجه وزاد في أوله "اللهم بك انتشرت" وبعد قوله وما لا أهتم به قوله وما أنت أعلم به مني، وأبدل قوله أينما توجهت بقوله حيثما الخ: هذا حديث غريب أخرجه ابن السني وابن عدي في ترجمة عمر بن مساور في الضعفاء. قال الحافظ وهو ضعيف عندهم، وعد ابن عدي هذا الحديث من إفراده واختلف في اسم عمر وأبيه، فقيل هو بفتح أوله، وقيل في أبيه مسافر بالفاء بدل الواو، والمشهور أنه عمر بضم العين ابن مساور بالواو، وزاد الشيخ أبو الحسن البكري وأخرجه أبو يعلى. وأخرجه الحافظ من طريق أخرى زاد فيها: أنت ثقتي ورجائي. وأخرج الحافظ عن عثمان بن عفان قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مسلم يخرج من بيته يريد سفرًا أو غيره فيقول بسم الله

باب أذكاره إذا خرج

إلَيْكَ تَوَجَّهْتُ، وبكَ اعْتَصَمْتُ، اللهم اكْفِني مَا هَمَّني وَما لا أهْتَمُّ لَهُ، اللَّهُمَّ زَوِّدني التَّقْوى، واغْفِرْ لي ذَنْبي، وَوَجِّهْني للْخَيرِ أيْنما تَوَجَّهْتُ". باب أذكاره إذا خرج قد تقدم في أول الكتاب ما يقوله الخارج من بيته، وهو مستحب للمسافر، ويستحب له الإكثار منه، ويستحب أن يودِّع أهله وأقاربه وأصحابه ـــــــــــــــــــــــــــــ آمنت بالله اعتصمت بالله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله إلا رزق خير ذلك المخرج وصرف عنه شره" حديث غريب رجاله موثقون إلا الراوي عن عثمان، فمبهم لم بسم قال: وأخرجه أحمد بهذا السند. قوله: (إليك توجهت) ينبغي أن يكون حال نطقه بذلك متوجهًا إلى الله تعالى بقلبه، وإلا كان كاذبًا في هذا المقام فيخشى عليه المقت. وقد ذكر العلماء ذلك في قول المصلى أول الصلاة وجهت وجهي الخ كما تقدم. قوله: (وبك) أي لا بغيرك (اعتصمت) أي تمسكت وامتنعت من الغير من عصم منع. قوله: (ما أهمني) أي من سائر أمور الدارين كما يؤذن به كلمة، ما، أي الذي وقع عندي الاهتمام به أي من شأن الدارين، (وما لا أهتم به) أي ما لم يقع عندي اهتمام به من ذلك، فاكفني بفضلك كل ذلك قوله: (زودني التقوى) أي اجعلها زادي فإن خير الزاد التقوى لأنها زاد المعاد. قوله: (للخير) أي الديني والدنيوي من الحج والجهاد وصلة الرحم ونحو ذلك أو يسر لي أنواع الفضل في سفري واجعله مبلغًا لي إلى مرادي والله سبحانه أعلم. باب أذكاره إذا خرج قوله: (ويستحب له الإكثار منه) أي من الذكر المشروع للخارج من بيته لأن هذا أحوج إليه لمفارقته الدار والبلد. قوله: (ويستحب أن يودع أهله) أي لما ورد أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد سفرًا أتى أصحابه فسلم عليهم وإذا قدم من سفر أتوا إليه فسلموا عليه، وروى أبو يعلى والطبراني عن أبي هريرة إذا أراد أحدكم سفرًا فليسلم على إخوانه فإنهم يزيدونه بدعائهم إلى دعائه خيرًا، فيسن له أن يذهب إلى من ذكره المصنف ليودعهم وليتحلل منهم ويطيب

وجيرانه، ويسألهم الدعاء له ويدعوَ لهم. وروينا في "مسند الإِمام أحمد بن حنبل" وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه ـــــــــــــــــــــــــــــ قلوبهم ما أمكن، وإنما كان هو المودع لأنه المفارق والتوديع منه، والقادم يؤتى إليه ليهنأ بالسلامة. وقال الشيخ أبو الحسن البكري بعد نقل استحباب كون المسافر يودع المقيم عن ابن خليل المكي كأنه استند إلى حديث "إذا أراد أحدكم سفرًا فليسلم على إخوانه الخ" وهو ضعيف لضعف العلاء بن يحيى البلخي في سنده والضعيف وإن كان يعمل به في فضائل الأعمال إلا أن الكلام هنا في التخصيص والضعيف لا يعمل به إذا عارضه الصحيح، وفي المعارضة تأمل لعدم صراحة حديث ابن عمر في كونه - صلى الله عليه وسلم - كان يجيء لمن يريد سفرًا فيودعه كخبر الترمذي أي الآتي عن ابن عمر كان - صلى الله عليه وسلم - يودعنا الخ وغيره اهـ، وسبق في ذلك فعله - صلى الله عليه وسلم -. قوله: (ويسألهم الدعاء) أي لحديث الطبراني فإنهم يزيدونه بدعائهم إلى دعائه خيرًا. قوله: (روينا في مسند الإِمام أحمد وغيره الخ) قال الحافظ بعد إخراج الحديث بجملته عن ابن عمر، وهو عن المطعم بن المقدام عن مجاهد قال: أتيت ابن عمر أنا ورجل معي أردنا الخروج إلى الغزو فشيعنا فلما أراد أن يفارقنا قال: "إنه ليس لي ما أعطيكما، ولكني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إذا استودع الله شيئًا حفظه، وإني أستودع الله دينكما وأمانتكما وخواتيم أعمالكما" قال هذا حديث صحيح أخرجه النسائي وابن حبان في النوع الثاني من القسم الأول من صحيحه، وأخرجه الإِمام أحمد من طريق قزعة بن يحيى عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن لقمان الحكيم كان يقول إن الله إذا استودع شيئًا حفظه" وأخرجه النسائي في اليوم والليلة من هذا الوجه ومن طريق أخرى فيها اختلاف في تسمية التابعي. قال الحافظ وهذا ينبغي أن يدخل في رواية الأكابر عن الأصاغر سواء كان نبيًّا أم لا اهـ. وهذا الحديث الذي ذكره الحافظ في الكلام على حديث ما خلف أحد الخ أنه سيأتي

قال: "إن اللهَ تعالى إذا اسْتَودع شَيئًا حَفِظَهُ". وروينا في كتاب ابن السني وغيره، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أرَادَ أنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ للمطعم بن المقدام حديث يرويه عن مجاهد والله أعلم. قوله: (إن الله إذا استودع شيئًا حفظه) أي فإنه لا يضيع ودائعه أخرج الحافظ بسنده إلى الطبراني في كتاب الدعاء بسنده إلى زيد بن أسلم عن أبيه، وهو مولى عمر. قال بينما عمر رضي الله عنه يعظ النّاس إذ هو برجل معه ابنه، فقال: ما رأيت غرابًا أشبه بغراب أشبه بهذا منك. قال: أما والله يا أمير المؤمنين ما ولدته أمه إلا ميتة فاستوى له عمر فقال ويحك حدثني، فقال خرجت في غزاة وأمه حامل به. فقالت: تخرج وتدعني على هذا الحال حامل مثقل، فقلت: أستودع الله ما في بطنك فغبت ثم قدمت فإذا بأبي مغلق فقلت: فلانة، فقالوا: ماتت فذهبت إلى قبرها فبكيت عنده فلما كان الليل قعدت مع بني عمي أتحدث وليس يسترنا من البقيع شيء فارتفعت لي نار، فقلت لبني عمي: ما هذه النار فتفرقوا عني فقمت لأقربهم مني فسألته، فقالوا: هذه نار ترى كل ليلة على قبر فلانة، فقلت: إنا الله وإنا إليه راجعون أما والله إن كانت لصوامة قوامة عفيفة مسلمة انطلق بنا وأخذت الفأس، وإذا القبر مفتوح وهي جالسة وهذا يدب حولها، فنادى مناد: أيها المستودع ربه خذ وديعتك، أما والله لو استودعتها الله لوجدتها، فعاد القبر كما كان. قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث غريب موقوف رواته موثقون إلا عبيد بن إسحاق يعني العطار شيخ شيخ الطبراني في الحديث فضعفه الجمهور ومشاه أبو حاتم. قوله: (وروينا في كتاب ابن السني الخ) أخرج الحافظ بسنده إلى موسى بن وردان قال: أردت الخروج إلى سفر، فأتيت أبا هريرة فقلت أودعك، فقال: يابن أخي إلا أعلمك شيئًا حفظته من رسول الله عند الوداع. قلت: بلى، قال: فاستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه هذا لفظ إحدى رواياته، وفي لفظ آخر عن موسى عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودع رجلًا فذكره وقال في آخره: أولًا يخيب. قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث حسن أخرجه النسائي وابن السني كلاهما في اليوم والليلة، وأخرجه أحمد وابن ماجه ولفظه نحو لفظ

يُسافِرَ فَلْيَقُلْ لِمَن يُخَلِّفُ: أسْتَودِعُكُمُ اللَّه الذي لا تَضِيعُ وَدَائِعُهُ". وروينا عن أبي هريرة أيضًا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أرَادَ أحَدُكُمْ سَفرًا فَلْيُوَدِّع إخوانَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني وعند الطبراني من طريق رشدين بوزن مسكين بن سعد عن الحسن بن ثوبان عن موسى عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أراد أن يسافر فليقل لمن يخلفه أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه" تفرد به بصيغة الأمر رشدين وفيه ضعف اهـ. قوله: (أستودعكم الله) أي إن كان المخاطبون جماعة أو كان مفردًا وأريد تعظيمه، فإن كان المخاطب واحدًا ولم يرد ذلك قال: أستودعك بضمير الواحد المخاطب، وسيأتي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "مرة أستودع الله دينك بالإفراد ومرة أستودع الله دينكم بالجمع، وعلى هذه الأحوال يحمل ذلك الاختلاف. قوله: (الذي لا تضيع) بفتح فكسر من الضياع يقال ضاع الشيء ضيعة وضياعًا هلك وفي نسخة من الحصن بتأنيث الفعل من المجرد وبالتحتية أوله من الإضاعة وفي أخرى منه من التضييع، وقوله ودائعه بالرفع على الفعل المجرد وبالنصب من الفعل المزيد، وأشار في الحرز إلى أن الاختلاف في الضبط لاختلاف الرواة فرمز في نسخة من الحصن فوق المجرد علامة ابن السني وطب فوق المزيد وعكسه في أصل الجلال في نسخة من الحصن اهـ. قوله: (وروينا عن أبي هريرة أيضًا الخ) قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث غريب أخرجه الطبراني في الأوسط بلفظ فإنهم يزيدونه بدعائهم إلى دعائه خيرًا بدل قوله فإن الله جاعل الخ وقال: ولم يروه عن سهل يعني ابن صالح الراوي عن أبيه عن أبي هريرة إلا يحيى يعني ابن العلاء تفرد به عنه عمرو يعني ابن الحصن. قال الحافظ وعمرو ويحيى ضعيفان جدًّا، وقد أخرجه ابن السني من رواية يحيى باللفظ الذي ذكره المصنف. قال الحافظ وهذا الحديث في النسخة المعتمدة غير معروف، ووجد في نسخة عزوه إلى الترمذي وهو غلط لأن الذي انفرد به وهو يحيى بن العلاء لم يخرج الترمذي له ولا للراوي عنه، قال وقد ذكرته من مسند أبي يعلى والطبراني في الأوسط لكن في آخر المتن بعض مغايرة لما ذكره المصنف قلت: وقد أشرت إليها. قال

فإن اللهَ تعالى جاعِلٌ في دُعائِهِمْ خَيرًا". والسُّنَّة أن يقول له من يودِّعه ما رويناه في "سنن أبي داود" عن قزعة قال: قال لي ابن عمر رضي الله عنهما: تعال أودعك كما ودعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أسْتَوْدِعُ الله دِينَكَ وأمانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ". قال الإِمام الخطابي: الأمانة هنا: أهله ومن يخلِّفه، وماله الذي ـــــــــــــــــــــــــــــ الحافظ، وقد جاء من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أراد أحدكم سفرًا فليودع إخوانه، فإن الله عزّ وجلّ جاعل له في دعائهم خيرًا" أخرجه الحافظ من طريق الخرائطي، ثم قال: هذا حديث غريب وسنده ضعيف جدًّا فيه نفيع بن الحارث أي الراوي عن زيد بن أرقم، ونفيع هو أبو داود الأعمى متروك عندهم وكذبه يحيى بن معين والله أعلم. قوله: (فإن الله جاعل في دعائهم خيرًا) أي مضمومًا إلى خير دعائه لنفسه كما جاء كذلك في بعض طرقه. قوله: (والسنة أن يقول له من يودعه الخ) قزعة هو ابن يحيى، والحديث كما قال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن أخرجه البخاري في التاريخ عن أبي نعيم والنسائي في اليوم واللية وأبو داود والحاكم وبين مخرجوه بعض اختلاف في سنده اهـ. زاد في الحصن في مخرجيه وابن حبان. قوله: (أودعك) هو بالجزم جواب الأمر. قوله: (استودع الله الخ) أي احتفظه يعني اسأله حفظ دينك وأمانتك قاله ابن الجوزي قال العلقمي قدم حفظ الدين على حفظ الأمانة وهي أهله ومن يخلفه منهم وماله الذي يودعه أمينه اهتمامًا به، ولأن السفر موضع خوف أو خطر وقد يصاب وتحصل له مشقة وتعب لإهماله بعض الأمور المتعلقة بالدين من إخراج صلاة عن وقتها ونحوه كما هو مشاهد اهـ. قال في الحرز ولعل ذلك -أي قوله وأمانتك- إشارة إلى قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ}، الآية. قوله: (وخواتيم عملك) قال ابن الجزري جمع خاتم يريد ما يختم به عملك أي آخره اهـ، وإنما ذكر بعد الدين اهتمامًا بشانه، إذ الأعمال بخواتيمها. وقال العلقمي أي عملك الصالح الذي جعلته آخر عملك في الإقامة، فإنه يستحب

عند أمينه. قال: وذكر الذين هنا لأن السفر مظنة المشقة، فربما كان سببًا لإهمال بعض أمور الدين. قلت: قزعة، بفتح القاف وبفتح الزاي وإسكانها. ورويناه في كتاب الترمذي أيضًا عن نافع عن ابن عمر قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ودع رجلًا أخذ بيده فلا يدَعها حتى يكونَ الرجل هو الذي يدع يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويقول: أسْتَودعُ اللهَ دِينَكَ وأمانَتَكَ وآخِرَ عَمَلِكَ". ورويناه أيضًا في كتاب الترمذي عن سالم "أن ابن عمر كان يقول للرجل إذا أراد سفرا: ادن مني أودعك كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يودِّعنا، فيقول: أسْتَوْدِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يختم إقامته بعمل صالح كصلاة ركعتين وصدقة وصلة رحم وغيره من وصية واستبراء ذمة ونحوه اهـ. قوله: (قزعة بفتح القاف والزاي الخ) وبالعين المهملة، وهو ابن يحيى البصري ثقة من أوساط التابعين. خرج له الستة وغيرهم كما في تقريب الحافظ. قوله: (ورويناه في كتاب الترمذي الخ) قال الحافظ أخرجه في كتاب الدعوات من طريق إبراهيم بن عبد الرحمن عن نافع عن ابن عمر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ودع أحدًا أخذ بيده الخ، قال المزي في الأطراف يقال إن إبراهيم بن عبد الرحمن هو ابن يزيد بن أمية، ويقال إنه عبد الرحمن بن الحارث بن حاطب اهـ، وترجم في التهذيب للأول، ولم يذكر الثاني في ترجمته. نعم أخرج الترمذي في الزهد حديث ابن عمر من طريق إبراهيم بن عبد الله بن الحارث الجمحي عن عبد الله بن دينار فلعل بعض الرواة سمى أباه عبد الرحمن وهو ابن عمه. وقد وقع في بعض نسخ الترمذي غير منسوب وفي أكثرها كالأول وكذا هو بخط أبي الفتح الكروخي الذي ذكرت عليه رواية الترمذي من طريق المحبوبي عنه وكذلك أخرجه الحافظ قال الضياء في المختارة وساقه من طريق الترمذي خاصة قال الحافظ: ولم أجده إلى الآن إلا من طريقه، ثم وجدت في تاريخ البخاري الكبير إبراهيم بن عبد الرحمن عن نافع ويزيد بن أمية روى عنه مسلم بن قتيبة، فجعل يزيد بن أمية شيخه لا جده

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بخلاف رواية الترمذي وهي التي نسبه فيها إلى يزيد بن أمية قال الحافظ ثم وجدته في مسند البزار من الطريق بعينها قال ثنا أبو قتيبة عن إبراهيم بن عبد الرحمن عن يزيد بن أمية عن نافع فذكر الحديث بلفظه فهذا اختلاف ثالث عن ابن قتيبة جعل يزيد بن أمية شيخه لا جده وكنت جوزت أنه تصحيف ابن يزيد فرواه بالعكس فوجدت البزار قال في الكلام عليه لم يرو يزيد بن أمية عن نافع إلا هذا الحديث وبالجملة لم أعرف لإبراهيم ولا ليزيد إن ثبت أن له رواية جرحًا ولا تعديلًا قال الترمذي حديث غريب وقد روى عن ابن عمر من غير وجه قال الحافظ يريد الشق الثاني في التوزيع. أما الشق الأول فوقع من وجه آخر عن ابن عمر قال: كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل يصافحه فلم ينزع يده حتى نزع الرجل يده قال الحافظ بعد تخريجه عن الطبراني في الأوسط لم يروه عن الثوري يعني سفيان إلا روح يعني ابن صلاح قال الحافظ هو والراوي عنه وليث يعني ابن أبي سلم شيخ الثوري في هذا الحديث ضعفاء ووجدت له شواهد. من حديث علي أخرجه الترمذي وغيره من جملة حديث طويل في شمائله - صلى الله عليه وسلم - ووقع لبعضهم فيه من الزيادة وهي عند أبي خيثمة في تاريخه من الوجه أخرجه الطبراني والبزار ومن جالسه أو قاربه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف ومن حديث أبي هريرة ولفظه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن أحد يأخذ بيده فينزع يده من يده حتى يكون الرجل هو الذي يرسلها ولم يكن أحد يكلمه إلا أقبل عليه بوجهه حتى يفرغ من كلامه قال الحافظ هذا حديث حسن غريب ومن حديث أنس أخرجه أبو داود وابن حبان قال: ما رأيت أحدًا قط أخذ بيد النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر مثل الذي قبله لكن قال: ولا رأيت رجلًا التقم أذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فينحي رأسه حتى ينحي الرجل رأسه حديث حسن وتساهل ابن حبان في تصحيحه لأن مباركًا يعني ابن فضالة كثير التدليس وقد عنعنه وله طرق أخرى عن أنس أخرجها الترمذي في كتاب الزهد وابن ماجه بنحو ما قبله

اللهَ دِينَكَ وأمانَتَكَ وخَواتِيمَ عَمَلِكَ" قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وروينا في "سنن أبي داود" وغيره بالإسناد الصحيح عن عبد الله بن يزيد الخطمي الصحابي رضي الله عنه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يودِّع ـــــــــــــــــــــــــــــ وزاد في آخره ولم أره مقدمًا ركبتيه بين يدي جليس له والحديث كما قال الحافظ حديث غريب وله طريق أخرجها ابن سعد في الطبقات بسند فيه متروك وهذه الطرق يشد بعضها بعضًا. وأما الشق الثاني الذي تضمنه حديث ابن عمر فيما يدعى به للمسافر فقد تقدم في أول الكتاب من طريق مجاهد وبعد ذلك من طريق قزعة ولأتي من طريق سالم وهو قوله وروبناه أيضًا في كتاب الترمذي الخ. قوله: (قال الترمذي الخ) زاد بعد قوله صحيح قوله غريب من حديث سالم قال الحافظ خالف سعيدًا يعني ابن خثيم الراوي له عن حنظلة بن أبي سفيان عن سالم الوليد بن مسلم فقال: حدثنا حنظلة قال: سمعت القاسم بن محمد بن أبي بكر يقول كنت عند عبد الله بن عمر إذ جاءه رجل فذكر الحديث بتمامه أخرجه النسائي. وقد صرح فيه الوليد بالتحديث وسماع شيخه فأمن السند من التدليس والتسوية والوليد أثبت من سعيد ويحتمل أن يكون لحنطلة فيه شيخان وللحديث طرق أخرى عن أبي غالب وقزعة قالا شيعنا ابن عمر رضي الله عنهما فذكر مثل حديث قزعة الماضي وله طرف أخرى في الدعاء للمحاملي من طريق زيد بن أسلم عن ابن عمر قال مثل حديث قزعة فهذا مراد الترمذي بقوله روي عن ابن عمر من غير وجه. قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) قال الحافظ وأخرجه أحمد والنسائي والحاكم عن عفان. قوله: (عن عبد الله بن يزيد الخطمي رضي الله عنه) هو عبد الله بن يزيد بن حصين بن عمرو بن الحارث بن

الجيش قال: "أستوْدِعُ اللهَ دِينَكُمْ وأمانَتَكُمْ وَخَوَاتِيمَ أعمالِكُمْ". وروينا في كتاب الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إني أريد سفرًا فزوِّدني، فقال: "زوَّدَكَ الله التَّقْوَى"، قال: زدني، قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ خطمة بن جثم بن مالك بن أوس الأنصاري الأوسي ثم الخطمي يكنى أبا موسى وهو كوفي وله بها دار شهد الحديبية وهو ابن سبع عشرة سنة وشهد ما بعدها واستعمله عبد الله بن الزبير على الكوفة وشهد مع علي بن أبي طالب الجمل وصفين والنهروان روى عنه ابنه موسى وعدي بن ثابت الأنصاري وهو ابن بنته وأبو بردة بن أبي موسى والشعبي وكان الشعبي كاتبه، وكان من أفاضل الصحابة وصحب أبوه النبي - صلى الله عليه وسلم - وشهد أحدًا وما بعدها وتوفي قبل فتح مكة أخرج ابن الأثير عن عبد الله بن يزيد الخطمي أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في دعائه: "اللهم ارزقني حبك وحب من ينفعني حبه عندك اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله لي قوة فيما تحب وما زويت عني مما أحب فاجعله فراغًا لي فيما تحب. قال صاحب السلاح ليس لعبد الله بن يزيد عند الأربعة سوى ثلاثة أحاديث هذا أحدها. قوله: (الجيش) أي العسكر. قوله: (وروينا في كتاب الترمذي الخ) قال الحافظ حديث حسن وجاء بأتم من هذا من وجه آخر عن أنس قال جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا نبي الله إني أريد السفر فقال: متى فقال: غدًا إن شاء الله تعالى فأتاه فأخذ بيده فقال له في حفظ الله وفي كنفه: زودك الله التقوى وغفر ذنبك ووجهك للخير حيثما توجهت أو أينما توجهت شك سعيد هو ابن أبي بن كعب أحد رواته أخرجه الحافظ من طريق الطبراني وقال وأخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق وأخرجه المحاملي أيضًا عن قتادة الرهاوي رضي الله عنه قال: لما عقد لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قومي أخذت بيده فقال: جعل الله التقوى زادك والباقي سواء لكن قال في آخره حيث تكون. قوله: (فزودني فقال الخ) معنى (زودك الله التقوى) أي جعلها زادك فإن خير الزاد

باب استحباب طلبه الوصية من أهل الخير

"وَغَفَرَ ذَنْبَكَ"، قال: زدني، قال: "وَيَسَّرَ لَكَ الخَيرَ حَيثُما كُنْتَ" قال الترمذي: حديث حسن. باب استحباب طلبه الوصية من أهل الخير روينا في كتاب الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا قال: يا رسول الله إني أريد أن أسافر فأوصني، قال: "عَلَيكَ بتَقْوَى اللهِ تعالى، ـــــــــــــــــــــــــــــ التقوى لأنها زاد المعاد (وغفر ذنبك) أي الواقع في السفر غالبًا من أنواع التقصير وكذا غيره من الذنوب كما يقتضيه عموم المفرد المضاف (ويسر) أي سهل (لك الخير) المديني والدنيوي من الحج والغزو والعلم وطلب الحلال وصلة الرحم وأمثال ذلك (حيثما كنت) أي متوجهًا إليه ومشرفًا عليه قال الطيبي يحتمل أن الرجل طلب الزاد المتعارف فأجابه - صلى الله عليه وسلم - بما أجاب على طريق أسلوب الحكيم إن زادك أن تتقي محارمه وتجتنب معاصيه ومن ثم لما طلب الزيادة قال وغفر ذنبك فإن الزيادة من جنس المزيد عليه وربما زعم الرجل أن يتقي الله وفي الحقيقة لا يكون تقوى فرتب عليه المغفرة بقوله وغفر ذنبك أي يكون ذلك لائقا بحيث تترتب عليه المغفرة ثم ترقى منه إلى قوله ويسر لك الخير الخ وأل في الخير للجنس فيتناول خيري الدنيا والآخرة اهـ ثم قيل التزود أخذ الزاد. أما الزاد فالمدخر الزائد على ما يحتاج إليه في الوقت قال تعالى "وتزودوا التقوى" والله أعلم. باب استحباب طلب الوصية من أهل الخير قوله: (روينا في كتاب الترمذي الخ) وكذا رواه النسائي كما في السلاح قال الحافظ وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان وروى أحمد عن وكيع بمعناه ومدار الحديث عندهم على أسامة بن زيد الليثي وهو الذي رواه عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة وأسامة مدني صدوق تكلموا في حفظه قال أحمد: إن تدبرته عرفت فيه النكرة وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به وقال الحاكم أخرج ما أخرج له مسلم في الاستشهاد وهو مقرون اهـ ثم لفظ الحديث هذا للترمذي. قوله: (عليك بتقوى الله) عليك اسم فعل بمعنى خذ يقال عليك زيدًا وعليك به أي خذه،

باب استحباب وصية المقيم المسافر بالدعاء له في مواطن الخير ولو كان المقيم أفضل من المسافر

وَالتكْبِيرِ على كُلِّ شَرَفٍ"، فلما ولَّى الرجل قال: "اللهُم اطْوِ لَهُ البَعِيدَ، وَهَوِّنْ عَلَيَهِ السفَرَ"، قال الترمذي: حديث حسن. باب استحباب وصية المقيم المسافر بالدعاء له في مواطن الخير ولو كان المقيم أفضل من المسافر وروينا في "سنن أبي داود والترمذي" وغيرهما عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: استأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - في العمرة، فأذن وقال: ـــــــــــــــــــــــــــــ فالمعنى الزمها وأدم عليها بجميع أنواعها فإنها الوصية التي وصى الله بها عباده كما قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ}. قوله: (والتكبير) أي وعليك بقول الله أكبر (في كل شرف) بفتح الشين المعجمة والراء والفاء آخره أي مكان عال ومناسبة التكبير له ظاهرة. قوله: (فلما ولى الرجل) أي أدبر. قوله: (اطو) بهمز وصل وكسر الواو أي قرب ووقع في بعض روايات ازو له الأرض أي قرب له البعد وسهل له السير حتى لا يطول. قوله: (وسهل عليه السفر) أي مشقته. باب استحباب وصية المقيم المسافر بالدعاء له في مواطن الخير أي كالمساجد الثلاثة ومواقف النسك ونحو ذلك ولو كان المقيم أفضل من المسافر أي وذلك لأن الكامل يقبل الكمال وفيض الله ليس له نهاية بحال من الأحوال. قوله: (روينا في سنن أبي داود الخ) أخرج الحافظ عن ابن عمر عن عمر أنه استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في العمرة فأذن له وقال: يا أخي لا. تنسنا من دعائك قال عمر: ما أحب أن لي بها ما طلعت عليه الشمس لقوله يا أخي وفي رواية فقال: يا أخي أشركنا في دعائك وفيها ما يسرني أن لي بها الدنيا أخرجه الحافظ من طريق أخرى تنتهي إلى عاصم بن عبيد الله قال سمعت سالم بن عبد الله يحدث عن أبيه أن عمر استأذن فذكره وقال فيه أشركنا في دعائك أو لا تنسنا من دعائك هكذا فيه على الشك وصورة سياقه أنه من مسند ابن عمر بخلاف رواية غيره فإنها صريحة في أنها من مسند عمر قال الحافظ ووقع نحو هذا الاختلاف في رواية الثوري فرواه وكيع عنه عند عاصم

باب ما يقوله إذا ركب دابته

"لا تَنْسَنا يا أُخَيَّ مِنْ دُعائِكَ، فقال كلمةً ما يسرني أن لي بها الدنيا". وفي رواية قال: "أشْرِكْنا يا أُخَيَّ في دُعائِكَ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. باب ما يقوله إذا ركب دابته قال الله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن سالم عن ابن عمر استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العمرة فأذن له وقال أي أخي أشركنا في صالح دعائك أخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع لكن قال عن ابن عمر عن عمر أنه استأذنه وقال في شيء من دعائك زاد ولا تنسنا قال الحافظ وهكذا أخرجه الترمذي عن سفيان بن وكيع عن أبيه لكن لم يقل صالح وفي شيء وأخرجه البزار عن محمد بن المثنى عن مؤمل بن إسماعيل عن سفيان الثوري وقال: لم يقل غير مؤمل فيه عن عمر قال الحافظ رواية أبي بكر ومن وافقه واردة عليه اهـ. قوله: (لا تنسنا) هكذا هو في أصل الصحيح بالألف فيحتمل أن يكون خبرًا لفظًا طلبًا معنى، ويحتمل أن الألف نشأت من إشباع الفتحة. قوله: (يا أخي) بضم الهمزة قيل كذا ضبط في أبي داود وقيل إنه بالتكبير وفيه قول الإنسان وفيه قول الإنسان لمن يقاربه في السن يا أخي على سبيل التلطف وتقدم استحباب ذلك في باب ما يقول إذا خرج من بيته والله سبحانه أعلم. باب ما يقول إذا ركب دابته قوله: (قال الله تعالى {وجَعَلَ لَكُمْ} أي لانتفاعكم. قوله: {مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ} أي تركبونه في البر والبحر يقال ركب الأنعام وركب في الفلك فغلب هنا المتعدى بنفسه على المتعدى بغيره لقوته قال في النهر وما موصولة ويراعى فيها اللفظ والمعنى فمراعاة المعنى في قوله على ظهوره حيث جمع ومراعاة اللفظ حيث أضاف الظهور إلى الضمير المفرد وكذا فيما بعد ذلك في قوله عليه وفي الإشارة في قوله هذا. قوله: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ}) هذه حكمة الجعل وثمرته المرتبة عليه أي لتثبتوا

عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ}. [الزخرف: 12 - 14]. وروينا في كتب أبي داود، والترمذي، والنسائي، بالأسانيد الصحيحة عن علي بن ربيعة قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ على ظهور ما تركبون من السفن والأنعام. قوله: (عليه) أي على ما تركبون من الأنعام والفلك. قوله: (مقرنين) أي مطيقين والقرن بفتحتين الحبل الذي يقرن به وقيل ضابطين من أقرن الرجل أطاقه وأقرنَه أيضًا ضبطه قال الأبي وقيل مما يلين اهـ قال ابن عطاء خاطب العوام بأن يذكروا النعم في وقت دون وقت ولا يعرفون نعم الله عليهم في كل نفس وطرفة عين وحركة وسكون. وقال سهل خص الأنبياء وبعض الصديقين بمعرفة نعم الله عليهم قبل زوالها وحلم الله تعالى عنهم. قوله: {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} أي راجعون إليه في المعاد ويجوز أن يقال لما كان ركوب السفينة والدابة قد يفضي إلى الموت في بعض الأحوال تذكروا معادهم بسببه ذكره الكواشي في تفسيره الكبير وقال ابن حجر الهيتمي ناسب ذكره لأن الدابة سبب من أسباب التلف إذ كثيرًا ما يسقط عنها راكبها فيندق عنقه وكان شهود الراكب للموت وقد اتصل به سبب من أسبابه حاملًا له على تقوى الله في ركوبه ومسيره. قوله: (وروينا في كتب أبي داود والترمذي الخ) قال في السلاح اللفظ لأبي داود ورواه الترمذي والنسائي والحاكم وابن حبان في صحيحيهما وقال الترمذي حسن صحيح وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم اهـ. قوله: (بالأسانيد الصحيحة عن علي بن ربيعة الخ) قال الحافظ حقه أن يقول

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عن أبي إسحاق السبيعي عن علي بن ربيعة لأن مداره عندهم على أبي إسحاق عن علي بن ربيعة وإن كان غيرهم أخرجه عن أبي إسحاق ثم أخرجه الحافظ من طرق عديدة قال في آخرها: قالوا: وهم ستة عن أبي إسحاق هو السبيعي عن علي بن ربيعة قال شهدت عليًّا رضي الله عنه الخ لكن زاد الثوري في أوله كنت ردف علي رضي الله عنه وكذلك كنت ردفًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولا إله إلا أنت بعد قوله سبحانك في الموضعين وفي آخر رواية منصور علم عبدي أن له ربا يغفر الذنوب قال الحافظ: أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي كلهم ينتهون إلى أبي الأخوص أحد الستة الراوين عن أبي إسحاق وأخرجه أحمد وأخرجه ابن حبان والحاكم من طريق جرير يعني ابن عبد الحميد الراوي عن منصور بن المعتمر أحد الستة السابقة وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم وقال الترمذي حديث حسن صحيح وقال البزار هذا أحسن إسناد يروى لهذا الحديث قال الحافظ وقفت له على علة خفية ذكرها الحاكم في تاريخ نيسابور وذهل عنها في المستدرك هي ما أسنده إلى عبد الرحمن بن بشر بن الحكم قال ذكر عبد الرحمن بن مهدي وأنا أسمع الحديث الذي حدثناه يحيى بن سعيد القطان عن شعبة عن أبي إسحاق عن علي بن ربيعة قال كنت ردف علي رضي الله عنه حين يركب فقال: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} قال شعبة قلت لأبي إسحاق ممن سمعته قال من يونس بن حبان فلقيت يونس فقلت ممن سمعته فقال من رجل سمعه من علي بن ربيعة فدلت هذه القصة على أن ابا إسحاق دلس بحذفه رجلين أو أكثر والرجل الذي ما سماه أحد أربعة وصلت إلينا روايتهم له عن علي بن ربيعة شقيق الأزدي والحكم بن قتيبة وإسماعيل بن عبد الملك بن الصغير والمنهال بن عمر ورواياتهم في كتاب الدعاء للطبراني وأحسنها سياقًا رواية المنهال فساقها الحافظ وقال رجاله كلهم موثقون من رجال الصحيح إلا ميسرة وهو ثقة وأخرجه الحاكم من وجه آخر وقال صحيح الإسناد ورواية الحكم أخرجها المحاملي، وقد وضح لي أن الذي لم بسم منهم هو شقيق الأزدي فقد أخرج الدارقطني في الأفراد من طريق عبد ربه ابن سعيد الأنصاري عن يونس بن خباب عن شقيق الأزدي عن علي بن ربيعة قال: أردفني على فساق الحديث

شهدتُ علي بن أبي طالب رضي الله عنه أُتي بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الرَّكاب قال: بِسْمِ اللهِ، فلما استوى على ظهرها قال: الحَمْدُ لِلهِ، ثم قال: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} ثم قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم قال غريب من حديث عبد ربه بن سعيد عن يونس تفرد به ابن لهيعة عنه وكذا ذكر المزي في الأطراف أن شعيب بن صفوان رواه عن يونس بن خباب عن شقيق الأزدي عن علي بن ربيعة ورواه الطبراني في الدعاء من طريق ابن لهيعة لكن سقط من السند شقيق الأزدي قال الحافظ وشقيق هذا ما عرفت اسم أبيه ولا حاله هو والعلم عند الله تعالى اهـ. ثم علي بن ربيعة من كبار أوساط التابعين خرج له الستة. قوله: (شهدت) أي حضرت قوله: (بدابة) أصلها ما يدب على وجه الأرض ثم خصصها العرف العام بذوات الأربع ثم خصصها العرف الخاص بالفرس والبغل والحمار. قوله: (الركاب) بكسر الراء. قوله: (بسم الله) أي أركب قال العصام في شرح الشمائل كأنه مأخوذ من قول نوح لما ركب السفينة بسم الله لأن المركب بالبر كالسفينة بالبحر وتعقبه ابن حجر الهيثمي بأن ذلك نقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين بأنه تأسى به في ذلك فكيف مع ذلك يقال كأنه مأخوذ الخ، وفيه أنه فهم أن المحقق العصام أراد أن عليًّا هو الآخذ وليس كما ظن بل معني كلامه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ ذلك من قول الله حكايته عن نوح ولا بدع لقوله تعالى {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} كما أن بقية الأذكار الآتية مأخوذة من قوله تعالى {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ} وأيضًا فإذا قال الإنسان ذلك تذكر عنده عقوق قوم نوح على الله الموجب لغرقهم، فكان في ذوه حمل للرجوع إلى الله تعالى المتكفل بالخلاص من الشدائد قال المناوي واعترضه هلهل. قوله: (استوى) أي استقر. قوله: (سخر) أي ذلل. قوله: (وما كنا له) أي لتسخيره، وكأن وجه مناسبة الإتيان بهذا الذكر وافتتاحه بسبحان الموضوعة للتنزيه أن تسخير الدواب لنا نعمة عظيمة لا يقدر عليها غيره فناسب شهود تنزيهه عن شريك حينئذٍ وقيل إنه تنزيه عن الاستواء الحقيقي على العرش المذكر به الاستواء على الدابة قيل ويرده ذكر {الَّذِي سَخَّرَ لَنَا} الخ تنبيهًا على سر قوله ذلك هنا المتأيد به ما أشرنا إليه أولًا

الحَمدُ لِلهِ، ثلاث مرات، ثم قال: اللهُ أكْبرُ، ثلاث مرات، ثم قال: سُبْحانكَ إني ظَلَمْتُ نَفْسِي فاغْفِرْ لي، إنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا أنْتَ، ثم ضحك، فقيل: يا أمير المؤمنين من أي شيء ضحكت؟ قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل مثل ما فعلت ثم ضحك، فقلت: يا رسول الله من أي شيء ضحكت؟ قال: "إن رَبَّكَ سُبْحانَهُ يَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إذا قال: اغْفِرْ لي ذُنُوبي، ـــــــــــــــــــــــــــــ من قولنا وكأنه وجه الخ اهـ وسكت المناوي في شرح الشمائل على الوجه الثاني ولم يتعقبه بشيء. قوله: (الحمد الله) أي على هذه النعمة العظيمة أي تذليل هذا الوحش النافر وإطاعته لنا على ركوبه محفوظين عن شره. قوله: (ثم قال) أي شكرًا لنعمة التسخير، فلذا كرر ذلك تعظيمًا لتلك النعمة إذ لا يقدر عليها غيره وقيل الحمد الأول لحصول النعمة والثاني لدفع النقمة والثالث لعموم المنحة. قوله: (ثم قال الله أكبر) أي لما أدى مقام شكر النعمة بالحمد أتى بما فيه الثناء عليه تعالى بالجلال وكرره لمزيد الإجلال، وقيل: أتى به تعجبًا للتسخير أو دفعًا لنخوة النفس من استيلائها على المركب والتكرار قيل: تعظيمًا للتسخير وقيل الأول إيماء إلى الكبرياء والعظمة في ذاته والثاني للتكبر والتعظيم في صفاته والثالث للإشعار بأنه منزه عن الاستواء المكاني. قوله: (سبحانك) أي تنزهت عن الحاجة أي ما يحتاجه عبادك وكرره توطئة لقوله إني ظلمت نفسي ليكون مع اعترافه بالظلم أنجح لإجابة سؤاله وتحقيق آماله وقيل: سبب ذكر قوله: ظلمت نفسي كونه في قضاء حاجة نفسه لا في الجهاد في سبيله اهـ ورد بأنه غفل عن أنه يسن ذلك حتى للمجاهد وكل من ركب لعبادة ولو واجبة، فالوجه أن سببه أن تذكر النعمة يحمل على شهود التقصير في شكرها وأن العبد ظلم نفسه بعدم القيام به فناسب ذكر هذا هنا قوله: (فقيل) جاء في رواية أخرى عند الترمذي أن علي بن ربيعة هو السائل لعلي رضي الله عنه. قوله: (يا أمير المؤمنين) هذا يدل على أن القضية في أيام خلافته. قوله: (فقيل) جاء في رواية الترمذي أيضًا أن السائل له - صلى الله عليه وسلم - هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قوله: (يعجب من عبده) المراد من العجب في حقه تعالى

يَعْلَمُ أنَّه لا يَغْفِرُ الذنُوبَ غَيرِي"، هذا لفظ رواية أبي داود. قال الترمذي: حديث حسن. وفي بعض النسخ: حسن صحيح. وروينا في "صحيح مسلم" في كتاب المناسك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا استوى على بعيره خارجًا إلى سفر كبر ثلاثًا، ثم قال: {سُبْحَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لاستحالة حقيقة العجب منه غايته وهي استعظام الشيء والرضا به المستلزم لجزيل الثواب له ولهذا الرضا المقتضي فرحه - صلى الله عليه وسلم - ومزيد النعمة عليه ضحك - صلى الله عليه وسلم - ولما تذكر علي كرم الله وجهه ذلك اقتضى مزيد فرحه وبشره فضحك أيضًا. قوله: (يعلم) هو حال من فاعل "قال رب اغفر لي" أي قال ذلك غير غافل ولا جاهل بل عالمًا الخ وأغرب ميرك في قوله بتقدير قد لأن الجملة الحالية إذا كانت فعلية مضارعية مثبتة تكتفي بالضمير وحده لمشابهته لفظًا ومعنى لاسم الفاعل المستغني عن الواو نحو جاء زيد يسرع قيل وقد سمع بالواو نعم لا بد في الماضي من قد ظاهرة أو مقدرة بل تقدير قد هنا مضر. فائدة قال ابن حجر الهيتمي ينبغي إذا فاته ذكر الركوب في أوله أن يأتي به في أثنائه نظير البسملة في الوضوء وغيره اهـ. قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) قال في السلاح ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وفي رواية لمسلم أيضًا وكآبة المنظر وسوء المنظر اهـ وأشار الحافظ إلى أن في رواية الترمذي اختصارًا، وقال فيه واطو لنا بعد الأرض وفيه وإذا رجع قال: آئبون وعند الدارمي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رجع من سفره قال: آئبون إن شاء الله تائبون. قوله: (إذا استوى على بعيره الخ) قال الأبي: ينبغي تكرير هذا الذكر وإشاعته وكذا يقوله من ركب السفينة بل هو أحرى وكذا يقوله الراجل إلا أنه لا يقول ما يختص بالراكب كقوله {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} اهـ وتردد ابن حجر الهيتمي في إلحاق راكب الآدمي براكب الدابة في استحباب هذا الذكر قال والإلحاق غير بعيد لأن من شأن الآدمي الآباء عن كونه مركوبًا فكان في تسخيره نعمة أي نعمة واستوجه أيضًا ندب ما ذكر عند ركوب نحو الدابة المغصوبة لأن الحمد على التسخير وهو قدر مشترك فيما له وفيها غصبه وإن حرم الانتفاع بالأخير. قوله: (كبر) أي قال الله أكبر وتقدمت حكمته وحكمة

الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} اللَّهُمَّ إنا نَسألُكَ في سَفَرِنا هَذَا البرَّ والتَّقوى، ومِنَ العَمَلِ ما تَرْضَى، اللهُم هَوِّن عَلَينا سَفَرنا هَذَا، وَاطْو عَنا بُعدَهُ، اللهم أنْتَ الصَّاحِبُ في السفَرِ وَالخَلِيفةُ في الأهلِ، اللهُم إني أعُوذُ بِكَ مِنْ وَعثاءِ السَّفَرِ، وكآبَةِ المَنْظَرِ، وَسُوءِ المُنْقَلب في المَالِ والأهلِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ تكراره. قوله: (البر) أي العمل الصالح والخلق الحسن. قوله: (والتقوى) قال الأبي أي الخوف الحامل على التحرز من المكروه. قوله: (ومن العمل) بيان لما والمراد وما ترضاه من العمل وهو العمل الصالح، وكرر ما يدل على طلب ذلك لاقتضاء مقام السؤال الإطناب. قوله: (اللهم أنت الصاحب في السفر الخ) فينبغي ندب ذلك بسبابته اليمنى ليلحظ بها ما رفعت له في تشهد الصلاة من الإشارة إلى التوحيد بالقلب واللسان والأركان ويظهر أنه لو لم يتيسر له باليمنى أشار باليسرى ويفرف بينه وبين نظيره في التشهد بأن الإشارة باليسرى ثم تبطل سنة وضعها على الركبة ولا كذلك هنا اهـ والصاحب الذي يصحبك بحفظه، والخليفة الذي يخلفك في أهلك بصلاح أحوالهم بعد انقطاع نظرك عنهم قال الأبي ولا يسمى الله بالصاحب ولا بالخليفة لعدم الإذن وعدم تكرر ذلك في الشريعة اهـ. وقال ابن حجر الهيتمي المراد من الصحبة هنا غايتها من اللطف وأس الإنعام والإفضال ويستفاد من الحديث أن الصاحب في السفر من أسماء الله تعالى لكن هل هو بقيد في السفر اتباعًا للفظ الحديث ولم يرد إلا مقيدًا أو لا يتقيد بذلك محل نظر والأقرب الأول وكذا يقال بنظيره في قوله والخليفة في المال والأهل اهـ. قوله: (أعوذ بك من وعثاء السفر) الوعثاء بفتح الواو وإسكان العين المهملة وبالثاء المثلثة وبالمد هي المشقة والشدة. قوله: (وكآبة المنظر) بفتح أوله وثالثه أي حزن المرء وما يسوؤه قاله الأبي وسيأتي له مزيد. قوله: (وسوء المنقلب) مصدر ميمي أي سوء الانقلاب والرجوع من الخير إلى ضده وفي مفتاح الحصن أي سوء الانقلاب من السفر والعود إلى وطنه يعني أن يعود فيرى ما يسوؤه في الأهل والمال أي أهل بيته وزوجه وخدمه وحشمه اهـ. وقال ميرك معناه أن ينقلب إلى وطنه

وإذا رجع قالهن، وزاد فيهن: "آيِبُونَ تائُبِونَ عابدُونَ لرَبِّنا حامِدُونَ" هذا ـــــــــــــــــــــــــــــ فيلقي ما يكتئب منه من إصابته في سفره أو ما يقدم عليه مثل أن يرجع غير مقضي الحاجة أو أصاب ماله آفة أو يقدم على أهله فيجدهم مرضى أو يفقد بعضهم اهـ. قال في الحرز أو يرى بعضهم على المعصية اهـ. قوله: (وإذا رجع) أي من سفره وأشرف على بلده، ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما اشرف على المدينة قال آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون فلم يزل يقولها حتى دخل المدينة. قوله: (آئبون) بهمزة ممدودة فهمزة مكسورة فموحدة واحده آئب وهو الراجع قال في مفتاح الحصن آئبون بكسر الهمزة بعد الألف وكثير من النّاس يلفظ بياء بعد الألف وهو لحن ومعناه راجعون اهـ وقوله بعد الألف أي الممدودة فإنه اسم فاعل قال في الحرز وكون الياء لحنًا إنما هو في الوصل أما في الوقف عليه فهو صحيح بلا خلاف كما هو مقتضى قاعدة الإِمام حمزة من قراء السبعة حيث جوز في مثله التسهيل والإبدال والتقدير نحن الرفقاء آئبون اهـ ثم هو خبر مبتدأ محذوف أي نحن راجعون وليس المراد الإخبار بمحض الرجوع فإنه تحصيل الحاصل بل الرجوع في حالة مخصوصة وهي تلبسهم بالعبادة المخصوصة والاتصاف بالأوصاف المذكورة أشار إليه العلقمي وفي الحرز الأولى أن يفسر آئبون براجعون عن الغفلة فإن الأواب وصف الأنبياء ومنه قوله تعالى: {إِنَّهُ أَوَّابٌ} ونعت الأولياء ومنه {فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا} ويقال للصلاة بين العشاءين صلاة الأوابين. قوله: (تائبون) قال الغزالي في المنهاج نقلًا عن شيخه التوبة ترك اختيار ذنب سبق عنك مثله تعظيمًا الله تعالى قال الأبي وأصلها الرجوع عما هو مذموم إلى محمود وقوله تائبون فيه إشارة إلى التقصير في العبادة وقاله - صلى الله عليه وسلم - تواضعًا أو تعليمًا لأمته أو المراد أمته وقد تستعمل التربة لإرادة الاستمرار على الطاعة فيكون المراد أن لا يقع منهم ذنب. قوله: (لربنا) متعلق بقوله عابدون وقيل إنه تنازع فيه هو وقوله حامدون ويرد بأن شرط التنازع

لفظ رواية مسلم. زاد أبو بكر في روايته "وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - وجيوشه إذا علوا الثنايا كبَّروا، وإذا هبطوا سبحوا" وروينا معناه من رواية جماعة من الصحابة أيضًا مرفوعًا. وروينا في "صحيح مسلم" عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سافر يتعوَّذ من وعثاءِ السفر، وكآبةِ المنقلب، ـــــــــــــــــــــــــــــ تقدم العامل وقال الكرماني قوله لربنا يحتمل تعلقه بحامدون أو بساجدون أو بهما أو بالصفات الأربع المتقدمة أو بالخمس على سبيل التنازع اهـ وحامدون أي مثنون عليه بصفات الكمال وشاكرون عوارف الإفضال. قوله: (وزاد أبو داود الخ) قال الحافظ هو حديث آخر يأتي بيانه قريبًا في باب تكبير المسافر وما يأتي في الباب المذكور من معناه عن جماعة من الصحابة مرفوعًا. قوله: (وروينا في صحيحي مسلم الخ) قال الحافظ أورده من طريق يحيى بن يحيى وزهير بن حرب عن أبي معاوية ومن طريق حامد بن عمر عن عبد الواحد بن زياد كلاهما عن عاصم وساقهما مساقًا واحدًا ولم يذكر فإذا رجع الخ ثم قال بعد أن فرغ غير أن في حديث عبد الواحد في المال والأهل وفي رواية ابن خازم يعني ابا معاوية وأبوه خازم بمعجمتين قال: وإذا رجع بدأ بالأهل قال الحافظ وأخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي معاوية وعبد الرحيم بن سليمان كلاهما عن عاصم وقال في آخره زاد أبو معاوية فإذا رجع قال مثلها ولم يذكر ما بعدها قلت: وأكثر من روى هذا الحديث قدم الأهل على المال ولم يذكروا الرجوع ولا ما فيه ثم خرجه الحافظ كذلك وقال أخرجه مسلم والنسائي وأخرجه أحمد عن يزيد بن هارون قال أخبرنا عاصم بالكوفة فلم أكتبه ثم سمعت شعبة يحدث به فعرفته اهـ كلام الحافظ. قوله: (عن عبد الله بن سرجس) قال الحافظ هو بسينين مهملتين الأولى مفتوحة بعدها راء ساكنة ثم جيم مكسورة اهـ قال العامري وهو منصرف لأنه عربي رباعي ليس فيه اجتماع علتين وذكر القارئ في شرح الشمائل أنه روي غير منصرف أيضًا وهو مزني نسبًا مخزومي حلفًا بصري دارًا قال البخاري له صحبة وهو من صغار الصحابة أخرج عنه مسلم حديثين وأخرج

والحَوْرِ بعد الكون، ودعوةِ المظلوم، وسوءِ المنظر في الأهل والمال". وروينا في كتاب الترمذي وكتاب ابن ماجه بالأسانيد الصحيحة عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سافر يقول: "اللهم أنتَ الصَّاحِبُ في السَّفَرِ، والخَلِيفَةُ في الأهْلِ، اللهُم إني أعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السفَرِ، وكآبَةِ المُنْقَلَبِ، ومِنْ دَعْوَةِ المَظْلُوم، ـــــــــــــــــــــــــــــ عند الأربعة روى عنه بنوه مطرف ويزيد وهانئ لا يعرف تاريخ موته وفي المستخرج المليح لابن الجوزي أن عدة أحاديثه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعة عشر حديثًا وفي السلاح انفرد بإخراج حديثه مسلم فروى له ثلاثة أحاديث هذا أحدها اهـ وهو مخالف لما في رياض العامري في عدة ما أخرجه عنه مسلم. قوله: (وروينا في كتاب الترمذي الخ) قال الحافظ أسانيدهم الصحيحة وغيرهم تنتهي إلى عاصم يعني ابن الأحوال عن ابن سرجس وهو الحديث الذي قبله زاد فيه بعض الرواة عن عاصم كما تقدم لأبي معاوية وزاد بعضهم في أوله اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل اللهم اصحبنا في سفرنا واخلفنا في أهلنا اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر الخ رواه كذلك الترمذي والنسائي وابن خزيمة قال الحافظ ولم يذكر ابن ماجه الزيادة في أوله وأورد له الحافظ طرقًا أربعة ثلاثة منها على شرط الصحيح وفي بعض طرقه احفظنا بدل اصحبنا وفي بعضها إنا نعوذ بك بصيغة الجمع قال وجاء عن أبي هريرة نحو هذا الحديث بزيادته أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي عنه رضي الله عنه قال كان - صلى الله عليه وسلم - إذا سافر قال: "اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر" فذكر الحديث بدون أصحبنا وأخلفنا والحور والكور ودعوة المظلوم أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي. وعن أبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سافر فركب راحلته قال بأصبعه ومد أصبعه اللهم أنت الصاحب في السفر الحديث كالذي عند الترمذي والنسائي وزاد اللهم اصحبنا بنصح واقلبنا بذمة وليس عنده وسوء المنظر الخ أخرجه الترمذي والنسائي جميعًا وقال الترمذي: حسن غريب اهـ. قوله: (ومن الحور) هو بفتح الحاء المهملة وسكون الواو والراء آخره. قوله: (ودعوة المظلوم) أي أعوذ بك من الظلم فإنه يترتب

وَمِنْ سُوءِ المَنْظَرِ في الأهْلِ والمَالِ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. قال: ويروى: الحوَر بعد الكور أيضًا: يعني: يروى الكَوْن بالنون، والكَوْر بالراء. قال الترمذي: وكلاهما له وجه، قال: يقال: هو الرجوع من الإيمان إلى الكفر، أو من الطاعة إلى المعصية، إنما يعني: الرجوع من شيء إلى شيء من الشر، هذا كلام ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه دعاء المظلوم ودعوته ليس بينها وبين الله حجاب قال الأبي فالمصدر على هذا مضاف للفاعل وقد يصح أن يكون مضافًا للمفعول كما قال في حديثه أعوذ بك أن أظلم أر أظلم اهـ. لا يقال الظلم ودعوة المظلوم يحترز عنها في الحضر والسفر لأنا نقول الحور بعد الكور وما بعده كذلك لكن مظنة البلايا والمصائب والمشقة فيه أكثر فخصت به أو لأن دعوة المظلوم المسافر الذي لا يلقى الإعانة ولا الإغاثة أقرب إلى الإجابة وفي الحديث التحذير عن الظلم وعن التعرض لأسبابه. قوله: (قال) يعني الترمذي بعد أن رواه بالنون ما لفظه (ويروى) أي الحديث (الكور) أي بالراء أيضًا. قوله: (يروى الكون بالنون) وهو مأخوذ من مصدر كان يكون كونًا إذا وجد واستقر وقال المأزري قال أبو عبيد سأل عاصم عن معناه قال: ألم نسمع قولهم حار بعد ما كان أي أنه كان على حال جميلة فرجع عنها أشار إليه المصنف في شرح مسلم، وفي الفائق الحور أي الرجوع بعد الكون بالنون أي الحصول على حال حميدة استعاذ من التراجع بعد الإقبال اهـ. قوله: (والكور بالراء) قال في الحرز الكور معناه الزيادة ومنه كور العمامة وقوله تعالى {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ} الآية قال المأزري على رواية الراء معناه أعوذ بك من الرجوع عن الجماعة بعد أن كنا في الكور أي الجماعة يقال كار عمامته إذا لفها وحارها إذا نقضها وقيل نعوذ بك أن تفسد أمورنا بعد إصلاحها كفساد العمامة بعد استقامتها على الرأس اهـ. ونظر فيه التوربشتي بأن استعمال الكور خاص بجماعة الإبل وربما استعمل في جماعة البقر وأجاب عنه في الحرز بأن باب الاستعارة

الترمذي، وكذا قال غيره من العلماء: معناه بالراء والنون جميعًا: الرجوع من الاستقامة، أو الزيادة إلى النقص. قالوا: ورواية الراء مأخوذة من تكوير العمامة وهو لفها وجمعها، ورواية النون مأخوذة من الكَون مصدر كان يكون كونًا: إذا وجد واستقر. قلت: ورواية النون أكثر، وهي أكثر أصول "صحيح مسلم"، بل هي المشهور فيها. والوعثاء بفتح الواو وإسكان العين وبالثاء المثلثة وبالمدِّ: هي: الشدة. ـــــــــــــــــــــــــــــ غير مسدود كالعطن مخصوص بالإبل ويكنى به عن ضيق الخلق وفي الفائق وروي بعد الكور بالراء أيضًا فقيل معناه النقصان بعد الزيادة وقيل من الشذوذ بعد الجماعة وقيل من الفساد بعد الصلاح أو من القلة بعد الكثرة أو من الإيمان إلى الكفر أو من الطاعة إلى المعصية أو من الحضور إلى الغفلة وكأنه من كار عمامته إذا لفها على رأسه فاجتمعت وإذا نقضها فانفرقت وأما بالنون فقال أبو عبيدة من قولهم حار بعد ما كان أي أنه كان على حال جميلة فرجع عنها ووهم بعضهم رواية النون والله أعلم اهـ كلام الفائق وظاهره أن الحور إذا كان مع الكون بالنون يفسر بالرجوع وإذا كان مع الكور بالراء يفسر بأحد ما سبق فيه والذي جرى عليه المصنف هنا أن معناه الرجوع في كلامه مع كل منهما. قوله: (معناه) أي الحور. قوله: (بالراء والنون) أي حال كونه مصاحبًا للكون بالراء والنون. قوله: (ورواية النون أكثر) قال المصنف في شرح مسلم هكذا هو في معظم النسخ من صحيح مسلم بعد الكون بالنون بل لا يكاد يوجد في نسخ بلادنا إلا بالنون وكذا ضبطه الحفاظ المتقنون في صحيح مسلم قال القاضي وكذا رواه الفارسي وغيره من رواة مسلم قال: ورواه العذري بعد الكور بالراء قال والمعروف من رواية عاصم الذي روى عنه مسلم بالنون قال القاضي يقال إن عاصمًا وهم فيه وأن صوابه الكور بالراء. قلت: وليس كما قال قال الحربي: بل كلاهما روايتان وممن ذكر الروايتين جميعًا الترمذي في جامعه وخلائق من المحدثين وذكرهما أبو عبيدة وخلائق من أهل اللغة

باب ما يقول إذا ركب سفينة

والكآبة بفتح الكاف وبالمدِّ: هو تغير النفس من حزن ونحوه. والمنقلب: المرجع. باب ما يقول إذا ركب سفينة قال الله تعالى: {ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا} [هود: 41] وقال الله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12)} الآيتين [الزخرف: 12]. وروينا في كتاب ابن السني عن الحسين بن علي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمان ـــــــــــــــــــــــــــــ وغريب الحديث اهـ. كلام شرح مسلم. قوله: (والكآبة الخ) كآبة المنظر أي قبحه قيل المراد به الاستعاذة من كل منظر يعقب النظر إليه الكآبة فهو من قبيل إضافة المسبب وقال ابن الجوزي الكآبة تغير النفس بالانكسار من شدة الهم والحزن. قوله: (من حزن) بضم المهملة وإسكان الزاي وبفتحهما معًا. باب ما يقول إذا ركب قوله: {وَقَال ارْكَبُوا فِيهَا} أي وقال نوح حين أمر بالحمل في السفينة لمن آمن به ومن أمر بحمله اركبوا فيها أي في السفينة، والظاهر أنه خطاب لمن يعقل لأنه لا يليق لمن لا يعقل وعدي اركبوا لتضمنه معنى صيروا وادخلوا أو التقدير اركبوا الماء فيها والباء في {بِسْمِ اللَّهِ}) في موضع الحال أي متبركين باسمه تعالى. قوله: {مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} بفتح الميمين وضمهما مع الإمالة وعدمها مصدران أي جريها ورسيها أي منتهى سيرْها وهما منصوبان على الظرفية الزمانية على جهة الحذف أي كما حذف من جئتك مقدم الحاج أي وقت قدومه قال أبو حيان: ويجوز أن يكونا مرفوعين على الابتداء وبسم الله الخبر قال في الحرز فيكون إخبارًا عن سفينة نوح بأن إجراءها وإرساءها باسم الله وقد نقل أنه كان إذا أراد جريها قال بسم الله فجرت وإذا أراد إرساها أي إثباتها قال بسم الله فرست وقيل التقدير اركبوا قائلين: بسم الله الخ أو مسمين الله تعالى وقت إجرائها وإرسائها اهـ والآية الثانية سبق الكلام عليها في الباب قبله. قوله: (وروينا في كتاب ابن السني) زاد في الحصن ورواه الطبراني وأبو يعلى أيضا قال الحافظ وأخرجه ابن عدي في الكامل بسند

لأمَّتي مِنَ الغَرَقِ إذَا رَكِبُوا أنْ يَقُولُوا {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ... } الآية [الزمر: 67]. ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه ضعفاء ومجهول والطبراني من تلك الطريق ومن طريق أخرى. قوله: (من الغرق) هو بفتح الغين المعجمة والراء مصدر على ما في النهاية. قوله: {إنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} أي حيث لم يهلك الجميع بما وقع فيهم من المخالفات، وقد ورد: أنهلك وفينا الصالحون قال: نعم إذا عم الخبث فعدم تعميم الغرق للمؤمنين من رحمته ومزيد منته. قوله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} قال ابن عباس معناه ما عظموا الله حق عظمته قال سهل التستري وما عرفوه حق معرفته قال أبو حيان في النهر وأصل القدر معرفة الكمية يقال قدر الشيء إذا حزره وسيره وانتصب حق قدره على المصدر وهو في الأصل وصف أي قدره الحق ووصف المصدر إذا أضيف إليه انتصب نصب المصدر اهـ. قوله: (الآية) بالرفع أي المطلوب في القراءة الآية جميعها لا ما ذكر منها فقط وبالنصب أي اقرأ الآية وبالجر أي إلى آخر الآية وتعقب الأخير بأن فيه حذف الجار وإبقاء عمله وليس هذا من مواضعه ثم المراد من تمام الآية قوله تعالى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْويَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} يحتمل أن يكون قوله الآية صدر منه - صلى الله عليه وسلم - اكتفاء بعلم المخاطب بتتمتها ويحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأها إلى آخرها وتصرف بذلك الراوي من صحابي وغيره وقيد ابن الجزري في الحصن الآية بقوله في الزمر أي في سورته قال في الحرز احترز عن الآية التي في الأنعام {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} ثم قوله تعالى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْويَّاتٌ بِيَمِينِهِ} تنبيه على كمال عظمته وعظيم قدرته ودلالة على حقارة الأفعال العظام التي تتحير فيها الأوهام بالإضافة إلى قدرته وإيماء إلى أن تخريب العالم أهون شيء عليه على طريق التمثيل والتخييل من غير اعتبار القبضة واليمين حقيقة ولا مجازًا والقبضة المرة من القبض وأطلقت بمعنى القبضة وهي المقدار المقبوض بالكف تسمية بالمصدر أو بتقدير ذات قبضة وتأكيد الأرض بالجميع لأن المراد بها الأرضون السبع أو جميع أجزائها البادية والعامرة

باب استحباب الدعاء في السفر

هكذا هو في النسخ "إذا ركبوا" لم يقل: السفينة. باب استحباب الدعاء في السفر روينا في كتب أبي داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاث دَعَوَاتٍ مُسْتَجابَاتٌ لا شَك فيهِن: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقرئ مطويات بالنصب على أنها حال والسموات معطوفة على الأرض منظومة في حكمها وقوله: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي ما أبعد من هذه قدرته وعظمته من إشراكهم أو ما يضاف إليه من الشركاء كذا حققه البيضاوي. قوله: (هكذا هو في النسخ الخ) مراد الشيخ في نسخ كتاب ابن السني وإلا فقد أخرجه ابن مردويه في التفسير المسند وقال فيه إذا ركبوا سفينة وعند الطبراني في إحدى الروايتين إذا ركبوا السفينة وفي الأخرى إذا ركبوا الفلك وله من حديث ابن عباس إذا ركبوا السفن أو البحر وفي سنده ضعف وانقطاع كذا بينه الحافظ. باب استحباب الدعاء في السفر قوله: (روينا في كتب أبي داود) سبق تخريج الحديث وذكر معناه في باب الأذكار المستحبة في الصوم ونزيد هنا أن البخاري أخرج الحديث في كتاب الأدب المفرد ذكره السيوطي في سهام الإصابة. ويتحصل من كلامه فيه أن الذين يستجاب دعاؤهم أخذا من الأحاديث النبوية هم المظلوم أي وإن كان فاجرًا أو كافرًا كما جاء كذلك عند أحمد وغيره والمسافر أي إن لم يكن عاصيًا بالسفر كما هو ظاهر والوالد على ولده أي إن كان الولد ظالمًا لأبيه عاقًا له بأن فعل معه ما يتأذى منه تأذيًا ليس بالهين فهو داخل المظلوم وأفرد اهتمامًا به واعتناء بشأنه والوالد لولده والصائم حين الإفطار والإمام العادل والرجل لأخيه بظهر الغيب والولد لوالديه والذاكر الله كثيرًا والحاج وكذا المعتمر كما في رواية الحاج والمعتمر وفد الله إن دعوه أجابهم الحديث والغازي والمريض والمحرم والمبتلى وكثير الدعاء في الرخاء والمعسرة والمفرج عنه والشيخ المسلم المسدد اللزوم للسنة والمحسن إليه للمحسن وحامل القرآن والثابت

باب تكبير المسافر إذا صعد الثنايا وشبهها وتسبيحه إذا هبط الأدوية ونحوها

دَعْوَة المَظْلُوم، وَدَعْوَةُ المُسافر، وَدَعْوَةُ الوَالِدِ على وَلَدِهِ" قال الترمذي: حديث حسن، وليس في رواية أبي داود "على ولده". باب تكبير المسافر إذا صعد الثنايا وشبهها وتسبيحه إذا هبط الأدوية ونحوها ـــــــــــــــــــــــــــــ عند الهزيمة والداعي في ملأ يؤمن عليه باقيهم وقد أورد الحافظ السيوطي في سهام الإصابة مسندًا ذلك من الأخبار المرفوعة. قوله: (دعوة المظلوم) أي بالنوع الذي ظلم به فقط إذ لا يجوز الدعاء على ظالمه بغير ذلك واستشكل بما في مسلم عن سعيد بن زيدان أن امرأة خاصمته فقال: اللهم إن كانت كاذبة فاعم بصرها واقتلها في أرضها فكان كذلك وسيأتي الحديث في أواخر الكتاب وأجيب بأنه مذهب صحابي والاستجابة كرامة له لاعتقاده جوازه وبحث الزركشي جواز الدعاء على الظالم بسوء الخاتمة والفتنة في الدين كقول موسى - عليه السلام -: "فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم" وكقول سعد في الدعاء على من ظلمه "وعرضه للفتن" فأستجيب له وورد أنه - صلى الله عليه وسلم - دعا على عتبة بن أبي وقاص يوم أحد لما كسرت رباعيته وشج وجهه بقوله اللهم لا تحل عليه الحول حتى يموت كافرًا سنده صحيح لكنه مرسل وورد نظير ذلك عن الصحابة وأعلام الأمة سلفًا وخلفًا وقيل يمتنع وحمل الدعاء بذلك على المتمرد لعموم ظلمه أو كثرته أو تكرره أو فحشه أو إماتته لحق أو سنة أو إعانته على باطل أو ظلم أر بدعة والمنع على من يظلم أو ظلم في عمره مرة وورد في الحديث أن الدعاء على الظالم يذهب أجر المظلوم وأخرج الترمذي وغيره من دعا على ظالمه فقد انتصر قال بعضهم والدعاء على من ظلم المسلمين لا يذهب أجر الداعي لأنه لم يدع لحظ نفسه. قوله: (وليس في رواية أبي داود على ولده) قال الحافظ في رواية ابن ماجه والطبراني دعاء الوالد لولده وعليه وعلى هذا يحمل إطلاق أبي داود والله أعلم قلت وعليه يحمل أيضًا ما عند ابن ماجه أيضًا عن أم حكيم قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعاء الوالد يفض إلى الحجاب والله أعلم. باب تكبير المسافر إذا صعد الثنايا وشبهها وتسبيحه إذا هبط الأودية

روينا في "صحيح البخاري" عن جابر رضي الله عنه قال: كنا ـــــــــــــــــــــــــــــ الثنايا جمع ثنية بفتح المثلثة وكسر النون وتشديد التحيتة فهاء وهي الطريق الضيقة في الجبل وفي النهاية الثنية في الجبل كالعقبة فيه وقيل هو الطريق العالي فيه وقيل أعلى المسيل اهـ. وشبه الثنية كل مرتفع يصعد عليه من أكمة ونحوها فيكبر إذا صعد إلى ذلك والأودية جمع واحده واد وفي التوشيح للسيوطي لا يعرف جمع فاعل على أفعلة إلا في واد وأودية ومناسبة التكبير للصعود والتسبيح للهبوط ظاهرة إذ في الأول يذكر كبرياء الله تعالى بالمحال المرتفعة وفي الثاني تنزيهه عن كل نقص كانخفاض مرتبته تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا قال ابن جعمان في شرح العدة تكبيره - صلى الله عليه وسلم - عند إشرافه على الجبال استشعار لكبرياء الله سبحانه عند ما تقع العين من عظيم خلقه لأن الكبرياء الله تعالى والكبر هو العلو وليس للعبد منه شيء فإذا علا على مكان شابه حالة الكبير فأمر بالتكبير الله سبحانه وأما تسبيحه في الأودية فمستنبط من قصة يونس وتسبيحه في بطن الحوت فنجاه الله بذلك التسبيح من الظلمات وقيل إن تسبيح يونس كان صلاة قبل أن يلتقمه الحوت فروعي فيه فضلها والأول أولى بدليل التسبيح من الشارع - صلى الله عليه وسلم - في بطون الأودية وفي كل منخفض وقيل معنى تسبيحه هنا أنه لما كان التكبير الله عند رؤية عظيم مخلوقاته وجب أن يكون فيما انخفض من الأرض بتسبيح الله تعالى لأن التسبيح في اللغة تنزيه الله تعالى من النقائص كالولد والشريك فسبحان الله براءته سبحانه من ذلك قال القونوي ومعنى التسبيح عند الهبوط أنه سبحانه قال {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} وكما هو فوق الفوق فهو فوق التحت ولا يوصف بالتحت وعلمه محيط بالفوق والتحت فإذا هبط في مكان نزه البارئ عنه بقوله سبحان الله أي عما لا يوصف به من التحت وهو سبحانه معه بإحاطته به وبجميع الموجودات اهـ. قوله: (روينا في صحيح البخاري الخ) قال الحافظ كذا أورده البخاري من طريقين عن جابر ولم يصرح فيه بالرفع وأخرجه كذلك النسائي ووقع عند النسائي في الكبرى التصريح برفعه ولفظ روايته عن جابر كنا نسافر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا صعدنا كبرنا وإذا هبطنا

إذا صَعِدنا كبَّرنا، وإذا نزلنا سَبَّحنا. وروينا في سنن أبي داود في الحديث الصحيح الذي قدمناه في باب ما يقول إذا ركب دابته، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وجيوشه إذا علوا الثنايا كبروا، وإذا هبطوا سبَّحوا". ـــــــــــــــــــــــــــــ سبحنا وفي بعض طرق البخاري وإذا هوينا بدل هبطنا وهي بمعناها وأخرجه النسائي كذلك أيضًا. قوله: (صعدنا) بكسر العين مضارعه يصعد بفتحها. قوله: (كبرنا) أي قلنا الله أكبر إظهارًا لكبريائه تعالى وعلو مكانته وارتفاع شأنه. قوله: (هبطنا) بفتح الموحدة أي نزلنا من العلو إلى الأسفل. قوله: (سبحنا) أي قلنا سبحان الله تنزيهًا له عن الزوال والنزول وحديث ينزل ربنا معناه ينزل أمره أو حكمه أو ملائكته أو النزول محمول على التجلي مطلقًا بناء على طريق الخلف من تأويل الأحاديث المتشابهة. قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) قال الحافظ وقع في هذا الحديث خلل من بعض رواته وبيان ذلك أن مسلمًا وأبا داود وغيرهما أخرجوا هذا الحديث من رواية ابن جريج عن أبي الزبير عن علي الأزدي عن ابن عمر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استوى على بعيره خارجًا إلى سفر كبر ثلاثًا الحديث إلى قوله "لربنا حامدون" فاتفق من أخرجه على سياقه إلى هنا ووقع عند أبي داود بعد حامدون وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - وجيوشه الخ وظاهره أن هذه الزيادة بسند التي قبلها فاعتمد الشيخ على ذلك وصرح بأنها عن ابن عمر وفيه نظر فإن أبا داود أخرج الحديث عن الحسن بن علي عن عبد الرزاق عن ابن جريج بالسند المذكور إلى ابن عمر فوجدنا الحديث في مصنف عبد الرزاق قال فيه باب القول في السفر أخبرنا ابن جريج فذكر الحديث إلى قوله لربنا حامدون ثم أورد ثلاثة عشر حديثًا بين مرفوع وموقوف ثم قال بعدها أخبرنا ابن جريج قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وجيوشه إذا صعدوا الثنايا كبروا وإذا هبطوا سبحوا فوضعت الصلاة على ذلك هكذا أخرجه معضلًا ولم يذكر فيه لابن جريج سندًا فظهر أن من عطفه على الأول أو مزجه أدرجه وهذا من أدق ما وجد في المدرج وحذف الشيخ الزيادة الأخيرة وهي عند أبي داود وكان المراد أن ابتداء أركان الصلاة شرع فيه التكبير

وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قفل من الحج والعمرة، قال الراوي: ولا أعلمه إلا قال: الغزو، ـــــــــــــــــــــــــــــ والانخفاض شرع فيه التسبيح اهـ. والله أعلم. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) قال في السلاح ورواه أصحاب السنن الأربعة ما عدا ابن ماجه وعند الترمذي سائحون بدل ساجدون. قوله: (إذا قفل) هو بقاف ثم فاء أي رجع وزنًا ومعنى. قوله: (من حج أو عمرة) وكذا الغزو كما سيأتي قال الحافظ في الفتح ظاهره اختصاص الذكر الآتي بهذه الأمور الثلاثة وليس الحكم كذلك عند الجمهور بل يشرع قول ذلك في كل سفر إذا كان سفر طاعة كصلة رحم وطلب علم لما يشمل الجميع من اسم الطاعة وقيل يتعدى أيضًا إلى السفر المباح وإن كان المسافر فيه لا ثواب له فلا يمتنع عليه فعل ما يحصل له الثواب من غيره وهذا التعليل متعقب لأن الذي يخصه بسفر الطاعة لا يمنع من سافر في مباح أو معصية من الإكثار من ذكر الله تعالى وإنما النزاع في خصوص استحباب هذا الذكر بسفر الطاعة فذهب قوم إلى الاختصاص لكونه عبادة مخصوصة شرع لها ذكر مخصوص فيختص به كالذكر المأثور عقب الأذان والصلاة وإنما اقتصر الصحابي على الثلاث لانحصار سفره - صلى الله عليه وسلم - فيها اهـ. قوله: (قال الراوي الخ) قال الحافظ بين الشيخ أن اللفظ المذكور للبخاري لكن ليس في البخاري قال الراوي بل هي من كلام الشيخ فاحتمل أن يراد بالراوي التابعي فمن دونه ولفظ البخاري في معظم الروايات حدثنا عبد الله قال: حدثني عبد العزيز ابن أبي سلمة عن صالح بن كيسان عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر فذكره لم ينسب شيخه فذكر أبو مسعود في الأطراف أنه عبد الله بن صالح كاتب الليث وجواز أنه عبد الله بن رجاء واقتصر المزي على حكاية ذلك عنه وقد رد أبو علي الجياني عن أبي مسعود لما وقع في رواية أبي علي بن السكن عن الفربري عن البخاري قال حدثنا عبد الله بن صالح ليس فيها هذه الزيادة بل اقتصر على الحج والعمرة وكذا أخرجه الإسماعيلي في المستخرج من ثلاثة طرق في بعضها عن سالم عن أبيه وفيها {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ} بعد قوله

كلما أوفى على ثَنِيةٍ أو فَدْفَدٍ كبر ثلاثًا ثم قال: لا إلهَ إلَّا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، ولَهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كل شَيء قَدِيرٌ، آيِبُونَ تائِبُونَ عابِدُونَ، ساجِدُونَ، لِرَبِّنا حامِدُونَ، صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ" هذا لفظ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأخرج الجوزقي في المتفق وقال في روايته إذا قفل من الحج أو العمرة أو الغزو وجزم بالثلاثة اهـ. قوله: (أوفى) أي أشرف واطلع كما في النهاية. قوله: (على ثنية) سبق ضبطها ومعناها أول الباب. قوله: (ثم قال لا إله إلا الله الخ) قال العلقمي يحتمل أنه كان يأتي بهذا الذكر عقب التكبير ولأتي بالتسبيح عند الهبوط قال القرطبي وفي تعقيب التكبير بالتهليل إشارة إلى أنه المنفرد بإيجاد جميع الموجودات وأنه المعبود في جميع الأماكن وتقدم الكلام على قوله آئبون إلى قوله حامدون في باب ما يقوله إذا ركب دابته. قوله: (صدق الله وعده) أي فيما وعد به في نحو قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} قال العلقمي: وهذا في سفر الغزو ومناسبته لسفر الحج والعمرة قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}. قوله: (ونصر عبده) يعني به نفسه - صلى الله عليه وسلم - إذ المطلق ينصرف للفرد الكامل. قوله: (وهزم الأحزاب وحده) أي من غير فعل أحد من الآدميين واختلف في المراد بالأحزاب هنا فقيل هم كفار قريش ومن وافقهم من العرب واليهود الذين تحزبوا أي تجمعوا في غزوة الخندق ونزل في شأنهم آيات من سورة الأحزاب وقيل المراد أعم من ذلك قال المصنف المشهور الأول ونظر فيه بأنه يتوقف على أن هذا الذكر إنما شرع بعد الخندق وأجيب بأن غزواته - صلى الله عليه وسلم - التي خرج فيها بنفسه محصورة والمطابق منها لذلك غزوة الخندق بظاهر قوله تعالى في سورة الأحزاب {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَال} قبل ذلك {صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (8) {إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} الآية وأما التنظير بتوقف كون هذا الذكر إنما شرع بعد الأحزاب ففي مقام المنع والأصل في الأحزاب أنه جمع حزب وهو القطعة المجتمعة من النّاس فأل فيها إما جنسية أي كل من تحزب من الكفار أو عهدية والمراد

رواية البخاري، ورواية مسلم مثله، إلا أنه ليس فيها "ولا أعلمه إلا قال الغزو" وفيها "إذا قفل من الجيوش أو السرايا أو الحج أو العمرة". قلت: وقوله: أوفى: أي ارتفع، وقوله: فدفد، هو بفتح الفاءين بينهما قال مهملة ساكنة وآخره دال ـــــــــــــــــــــــــــــ من تقدم وهو الأقرب قال القرطبي ويحتمل أن يكون هذا الخبر بمعنى الدعاء أي اللهم اهزم الأحزاب والأول أظهر كذا يؤخذ من الفتح للحافظ. قوله: (ورواية مسلم مثله الخ) قال الحافظ هذا يوهم أنهما أخرجاه من طريق واحدة عن ابن عمر وليس كذلك بل أخرجه البخاري من طريق سالم عن أبيه وأخرجه مسلم من طريق نافع عن مولاه وقد اتفقا عليه من رواية مالك عن نافع ولم يختلف على مالك في لفظه فكأن ذكره عنه أولى قلت وفي ذكره في السلاح عنه وكأنه لما ذكره الحافظ والله أعلم فأما رواية مسلم فأسندها الحافظ إلى عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قفل من الجيوش أو السرايا أو الحج أو العمرة إذا أوفى على نشز وفدفد كبر ثلاثًا فذكر مثله لكن زاد بعد عابدون ساجدون ولم يذكر يحيي ويميت ثم قال الحافظ أخرجه مسلم والنسائي في الكبرى جميعًا عن عبيد الله بالتصغير ابن سعيد السرخسي عن يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر الخ ثم ساقه من طريق أعلى مما قبلها وذلك من طريق الطبراني في الدعاء وطريق أخرى ينتهيان إلى عبيد الله بن عمر أنه كان يحدث فذكر الحديث نحوه لكن قال فيه من سفر أخرجه أبو عوانة في صحيحه أما حديث مالك فرواه عن نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آئبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده أخرجه البخاري ومسلم وقد وافق مالكًا على زيادة ساجدون موسى بن عقبة رويناه من طريقه في الدعاء للمحاملي وقوله آئبون الخ أخرجه مسلم من حديث البراء بن عازب وهو في الصحيحين من رواية يحيى بن إسحاق عن أنس في أثناء قصة طويلة وأخرجه البخاري خارج الصحيح من حديث جابر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد راح قافلا إلى المدينة وهو يقول:

أخرى وهو الغليظ المرتفع من الأرض، وقيل: الفلاة التي لا شيء فيها، وقيل: غليظ الأرض ذات الحصى، وقيل: الجَلْد من الأرض في ارتفاع. وروينا في "صحيحيهما" عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكنا إذا أشرفنا على وادٍ هلَّلنا وكبَّرنا وارتفعت أصواتنا، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يا أيها الناسُ ارْبَعُوا على أنْفُسِكُمْ، فإنَّكُمْ لا تَدْعُونَ أصَمَّ وَلا غائِبًا، إنَّهُ مَعَكُمْ، إنَّه سَمِيعٌ قَرِيبٌ". قلت: اربعوا بفتح الباء الموحدة، معناه: ارفقوا بأنفسكم. وروينا في كتاب الترمذي الحديث المتقدِّم في باب استحباب طلبه الوصية، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "عَلَيكَ بِتَقْوَى الله تَعالى، والتَّكْبِيرِ على كُل ـــــــــــــــــــــــــــــ آئبون تائبون إن شاء الله عابدون لربنا حامدون اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر الحديث وأخرجه عن البخاري المحاملي في كتاب الدعاء وابن أبي عاصم في كتاب الدعاء أيضًا وفي الباب عن ابن عباس أخرجه أحمد بسند قوي اهـ. قوله: (وهو الغليظ المرتفع من الأرض الخ) هذا ما في النهاية واقتصر عليه وقال العلقمي نقلًا عن الفتح للحافظ الأشهر تفسيره بالمكان المرتفع وقيل هو الأرض المستوية. قوله: (لا شيء فيها) أي من شجر وغيره. قوله: (وقيل الجلد من الأرض في ارتفاع) وزاد المصنف في شرح مسلم حكاية قول آخر بأنه الجلد من الأرض من غير اعتبار ارتفاع قال وجمع فدفد فدافد اهـ. قوله: (وروينا في صحيحيهما) قال في السلاح رواه الجماعة أي الستة وفي رواية للبخاري أيضًا قال: أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - في عقبة أو قال في ثنية قال فلما علا عليها نادى رجل فرفع صوته لا إله إلا الله والله أكبر وذكر الحديث زاد الحافظ أخرج الحديث ابن خزيمة وأخرجه الحافظ أيضًا من طريق عبد الله ابن الإِمام أحمد بن حنبل بنحوه وزاد بعد ولا غائبًا ندعوه سميعًا قريبًا. قوله: (اربعوا) هو بهمزة وصل وفتح موحدة معناه ارفقوا بأنفسكم واخفضوا أصواتكم فإن رفع الصوت إنما يحتاج إليه الإنسان لبعد من يخاطبه ليسمعه وأنتم تدعون الله وليس هو بأصم ولا غائب بل هو سميع قريب وهو معكم أينما كنتم بالعلم

باب النهي عن المبالغة في رفع الصوت بالتكبير ونحوه

شَرَفٍ". وروينا في كتاب ابن السني عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا علا شرفًا من الأرض قال: "اللهم لَكَ الشرفُ على كُل شَرَفٍ، وَلَكَ الحَمْدُ على كُل حالٍ". باب النهي عن المبالغة في رفع الصوت بالتكبير ونحوه فيه حديث أبي موسى في الباب المتقدم. ـــــــــــــــــــــــــــــ والإحاطة ففيه الندب إلى خفض الصوت بالذكر إذا لم تدع حاجة إلى رفعه فإذا خفضه كان أبلغ في توقيره وتعظيمه فإن دعت الحاجة إلى السَّحاب رفع كما جاءت به الأحاديث ذكره المصنف في شرح مسلم. قوله: (شرف) هو بفتح الشين المعجمة والراء بعدها فاء هو المكان العالي. قوله: (وروينا في كتاب ابن السني الخ) أسنده الحافظ وأخرجه عن أنس بلفظ كان النبي إذا سافر فصعد أكمة قال: اللهم لك الشرف على كل شرف ولك الحمد على كل حال ثم أسنده إلى المحاملي وفي بعض طرقه إذا صعد نشزًا من الأرض أو أكمة قال الحافظ حديث غريب أخرجه أحمد عن عمارة بن زاذان وأخرجه ابن السني من وجه آخر عن عمارة وهو ضعيف وفي نسخة وفي زياد النميري الراوي عن أنس ضعف لكن قال أبو أحمد في الكامل إذا روى عن ثقة لا بأس به. قوله: (إذا علا) هو فعل ماض مضارعه يعلو. قوله: (نشزا) بفتح النون والشين المعجمة وبالزاي وقد تسكن الشين قال في النهاية هي الرابية. قوله: (لك الشرف) أي لك العظمة والعلو (على كل شرف) أي ذي شرف إذ كل شرف في العباد إنما هو من عطاء الكريم الجواد من محض الفيض والإمداد ومن

باب استحباب الحداء للسرعة في السير وتنشيط النفوس وترويجها وتسهيل السير عليها

باب استحباب الحداء للسرعة في السير وتنشيط النفوس وترويجها وتسهيل السير عليها ـــــــــــــــــــــــــــــ هنا كان الحمد مختصًا بالله تعالى إذ من حمد زيدًا على أوصافه الجميلة كإحسانه عاد حمده للباري إذ هو الذي منحه تلك الأفعال وأهله لذلك المنال. باب استحباب الحداء للسرعة في السير وتنشيط النفوس وترويجها وتسهيل السير عليها قال الأذفوي في الامتناع في أحكام السماع الحداء بضم الحاء المهملة وكسرها لغتان مشهورتان -قلت الضم في الصحاح والمحكم- ويقال له الحدو- قلت: قال الفيومي في المصباح المنير حدوت بالإبل أحدو حدوًا حثثتها على السير بالحداء مثل غراب اهـ. وهذا يبين أنه ممدود مع ضم العين قال الماوردي في كتابه الحاوي الحداء تحسين الرجز المباح بالصوت الشجي لتخفيف كلال السفر وجذب نشاط النفس وغير الماوردي لم يقصره على الرجز قلت: قال الحافظ لكنه الأكثر ولا أعلم خلافًا في جواز الحداء وقد صرح بنفي الخلاف جماعة منهم الحافظ ابن عبد البر وأبو العباس القرطبي وغيرهما وفي كلام نجم الدين بن حمد أن الحنبلي في الرعاية الكبرى ما يقتضي خلافًا فيه فإنه بعد أن ساق الخلاف في الغناء وإباحته وكراهته وتحريمه قال وقيل الحداء نشد الإعراب كالغناء في ذلك كله وقيل يباح سماعهما ولم أره لغيره فإن ذهب أحد إلى التحريم فيقطع بعدم الاعتداد به فقد ثبت سماع النبي - صلى الله عليه وسلم - الحداء وكان له حداة وحديث الحبشة ثابت في الصحيحين ولو قيل باستحبابه لكان أقرب فإن فيه تخفيف كلال السفر ونشاط النفس وتقطع الإبل المفاوز وتحمل الأثقال به وقد أشار القرطبي إلى ذلك فقال: ربما يندب إليه وأول من اتخذ الحداء قريش قاله أبو هلال العسكري في كتابه المسمى تأويل الأعمال ومقدمات الأسماء والأفعال وساق سنده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينا هو سائر إلى تبوك سمع حداء فأسرع فقال ممن أنتم فقالوا: من مضر قال: وأنا من مضر فاحدوا قالوا: إنا أول من حدا فمنا جبار ومنا يسير قال لبعض أصحابه ألا تنزل فتسوق قال: نحن على ظهورها وما ندري ما نقول فكيف إذا قلنا عند أستاهها فضربه بعصا فصاح

فيه أحاديث كثيرة مشهورة. ـــــــــــــــــــــــــــــ يا يدي يا يدي فسارت الإبل فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وساق قريبًا من ذلك ابن سعد في كتاب الطبقات من حديث طاوس والشافعي في الأم والله أعلم اهـ. قال الحافظ وذكر أبو هلال في الأوائل أن أول من حدا مضر بن نزار وذكر لذلك قصة منقطعة السند وقد وقعت لنا من طريق موصولة وساقها إلى ابن عباس، وفيها أنه قال: أنا أول من حدا قال: وكيف ذلك فذكروا قصة الذي ضرب بذراعيه لما تفرقت الإبل فتبعها وهو يقول: وايداه وايداه فصارت الإبل تجتمع له الحديث قال الحافظ وذكر أبو شجاع الديلمي في كتاب الفردوس عن علي رفعه أن أول من تغنى وزمر وحدا إبليس قال الحافظ: ولم أقف له على أصل ولا ذكر له ولده أبو منصور في مسنده سندًا وأخرج البزار حديث ابن عباس وقال في روايته: كان لنا غلام ومعه إبل فنام فتفرقت الحديث قال البزار تفرد به زمعة وفيه ضعف وكذا في شيخه وقد رواه عمرو بن دينار أحد الأثبات عن عكرمة فأرسله ولم يذكر ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير إلى الشام فسمع حاديًا فقال: أسرعوا بنا إلى هذا الحادي فأدركوه وذكر الحديث وفيه أنا أول من حدا الإبل في الجاهلية أغار رجل على إبل فاستاقها وقال لغلامه اجمعها فتفرقت منه فذكره وفي آخره فضحك - صلى الله عليه وسلم - قال الحافظ: تبين من هنا أن قول العسكري: أنا أول من حدا مضر أراد به القبيلة ويجمع بينه وبين نقل الديلمي إن ثبت بأن هذه أولية لأنس اهـ. وفي أوائل السيوطي أن أول من حدا غلام من مضر ثم أورد حديث البزار عن ابن عباس وحديث ابن أبي شيبة عن مجاهد مرسلًا. قوله: (فيه أحاديث كثيرة مشهورة) أي فمن أحاديثه حديث أنس قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة في عمرة القضية وعبد الله بن رواحة يمشي بين يديه يقول: خلوا بني الكفار عن سبيله ... نحن ضربناكم على تنزيله ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله فقال له عمر: يابن رواحة بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي حرم الله

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقول الشعر، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خل عنه يا عمر فلهي أسرع فيهم من نضح النبل قال الحافظ حديث صحيح أخرجه الترمذي والنسائي وابن خزيمة والبزار وأبو يعلى كلهم من طريق عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس ووقع في رواية البزار بدل قوله نحن ضربناكم الخ: قد أنزل الرحمن في تنزيله ... بأن خير القتل في سبيله وهذا الحديث قدمنا ذكره وذكر طرقه في باب استحباب الرجز في الحرب إلا أنا هنا نذكر فائدة نفيسة ذكرها الحافظ فقال: قال الترمذي بعد تخريجه حديث حسن غريب وفي روي عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة في عمرة القضاء وكعب بن مالك بين يديه فذكر الحديث قال: وهذا أصح عند بعض أهل الحديث لأن عبد الله بن رواحة قتل بمؤتة وإنما كانت عمرة القضاء بعد ذلك قال الحافظ كذا قال وليس بجيد لأن عمرة القضاء كانت في ذي القعدة سنة سبع بلا خلاف وعبد الله بن رواحة كان ثالث الأمراء في غزوة مؤتة فاستشهد فيها، وكان ذلك في جمادى سنة ثمان وسبب الوهم أنه وقع في بعض الطرق غزوة الفتح بدل القضاء وهذا هو الذي يصح فيه ذكر كعب بن مالك لا ابن رواحة لأن الفتح كان في رمضان منها وفي وصل طريق عبد الرزاق عن معمر البزار والدارقطني في الإفراد والطبراني والبيهقي وغيرهم فمنهم من ذكر كعب بن مالك ومنهم من ذكر ابن رواحة كرواية عبد الرزاق عن جعفر. فائدة عبد الله بن رواحة أحد شعرائه - صلى الله عليه وسلم -، وهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك وابن رواحة، ولما نزل قوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} جاؤوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا رسول الله نزلت هذه الآية فأنزل الله: {إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} الآية فقال - صلى الله عليه وسلم -: أنتم هم قال ابن عبد البر: فيه دليل على أن الشعر لا يضر المؤمنين كذا في الإمتاع. ومنها حديث عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن رواحة لو حركت بنا الركاب فقال: لو نزلت تولى فقال له عمر: اسمع وأطع فقال عبد الله بن رواحة: اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا، فأنزلن سكينة علينا، وثبت

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأقدام إن لاقينا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ارحمه فقال عمر: وجبت قال الحافظ حديث صحيح أخرجه النسائي من طريقين كلاهما عن قيس بن أبي حازم لكن في إحداهما عن عمر الخ وفي الأخرى عن قيس عن ابن رواحة قال المزي في الأطراف الأول أشبه قال الحافظ يعني لأن قيسًا سمع من عمر ولم يلق ابن رواحة فإنه استشهد في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقيس لم يهاجر إلا بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - والجمع بين إنكار عمر وأمره حمل الإنكار على أنه سابق فلما بين له النبي - صلى الله عليه وسلم - الحكم أمر به لاحقًا وكان ذلك بعد رجوعهم وقد تقدم هذا الرجز من قول عامر بن الأكوع بزيادة فيه في حديث سلمة بن الأكوع وفيه كان عمي رجلًا شاعرا فنزل يحدو الحديث وتقدمت طرقه في باب قول الرجل حال القتال أنا فلان. ومنها حديث أبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعدًا بعد المغرب ومعه أصحابه رضي الله عنهم إذ مرت به رفقة يسيرون وسائقهم يقرأ وقائدهم يحدو فقام - صلى الله عليه وسلم - مسرعًا حتى أدركهم فقال أين تريدون قالوا نريد اليمن قال: فما يسيركم هذه الساعة فذكر الحديث في كراهة السير فيها وذكر وصايا للمسافر إن قال: وأما أنت يا سائق القوم فعليك ببعض كلام العرب من رجزها فإذا كنت راكبًا فاقرأ قال الحافظ بعد أن أخرجه من طريق الطبراني في الأوسط قال الطبراني تفرد به سليم قلت وهو مولى الشعبي وقد ضعفوه لكن قال ابن عدي: لم أر له حديثًا منكرًا لكنه لا يتقن الإسناد قال الحافظ وفي خولف في شيخ الشعبي في بعض هذا الحديث ومخالفه ضعيف أيضًا ومنها عن أنس كان البراء بن مالك يعني أخاه رضي الله عنه يحدو بالرجال وكان أنجشة يحدو بالنساء وكان حسن الصوت وكان إذا حدا أعنقت الإبل فقال - صلى الله عليه وسلم -: "رويدك يا أنشجة سوقك بالقوارير" قال الحافظ حديث صحيح أخرجه أحمد وأخرجه الشيخان وسياقهما أتم لكن لم يدرك البراء وفيهما من طريق قتادة عن أنس كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - حاد يقال له: أنجشة وفيه قال قتادة القوارير ضعفة النساء وأخرجه الحافظ عن أنس كان يسوق بأمهات المؤمنين رجل يقال له: أنجشة فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رويدك ارفق بالقوارير قال الحافظ أخرجه أحمد اهـ ملخصًا.

باب ما يقول إذا انفلتت دابته

باب ما يقول إذا انفلتت دابته روينا في كتاب ابن السني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا انْفَلَتَتْ دابَّةُ أحَدِكُمْ بأرْضِ فَلاةٍ فَلْيُنادِ: يا عِبادَ الله احْبِسُوا، يا عِبادَ الله احْبِسُوا، فإنَّ لِلهِ عَز وَجَل في الأرضِ حاصِرًا سَيَحْبِسُه" ـــــــــــــــــــــــــــــ باب ما يقول إذا انفلتت دابته يقال: أفلت الشيء وانفلت وتفلت بمعنى فر، وفي النهاية الانفلات التخلص من الشيء فجأة من غير مكث، والدابة في الأصل اسم لما يدب على الأرض ثم خص بها العرف ذوات الأربع من الخيل والبغال والحمير. قوله: (روينا في كتاب ابن السني الخ) قال الحافظ بعد أن أخرجه من حديث ابن مسعود أيضًا إلا أنه قال بدل فإن الله في الأرض حاضرًا حابسًا سيحبسه حديث غريب أخرجه ابن السني وأخرجه الطبراني وفي السند انقطاع بين ابن بريدة وابن مسعود وقد جاء بمعناه حديث آخر أخرجه الطبراني بسند منقطع عن عتبة بن غزوان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا ضل أحدكم أو أراد عونًا وهو بأرض ليس بها أنس فليقل يا عباد الله أعينوني ثلاثًا فإن لله عبادًا لا يراهم" وقد جرب ذلك كذا في الأصل أي الأصل المنقول منه هذا الحديث من كتاب الطبراني ولم أعرف تعيين قائله، ولعله مصنف المعجم والله أعلم اهـ. وفي الحصن على قوله وقد جرب ذلك رمز الطبراني قال شارحه: في الحرز أي رواه الطبراني من حديث عتبة بن غزوان ايضًا قال ميرك قال بعض العلماء الثقات حديث حسن يحتاج إليه المسافر وروي عن بعض المشايخ أنه مجرب فقرن به النجح اهـ. ولعله أراد أنه حسن باعتبار اعتضاده بتعدد طرفه وإلا فقد صرح الحافظ بأن في حديث عتبة عند الطبراني انقطاعًا ويحتاج جزم الشارح يكون الطبراني روى قوله وقد جرب الخ من حديث عتبة إلى مستند خصوصًا مع قول الحافظ ولم أعرف تعيين قائله وقال ابن حجر

قلت: حكى لي بعض شيوخنا الكبار في العلم أنه انفلتت له دابة أظنها بغلة، وكان يعرف هذا الحديث، فقاله، فحبسها الله عليهم في الحال، وكنت أنا مرة مع جماعة، فانفلتت منها بهيمة وعجزوا عنها، فقلته، فوقفت في الحال بغير سبب سوى هذا الكلام. ـــــــــــــــــــــــــــــ في حاشية الإيضاح وهو مجرب كما قاله الراوي وهو ظاهر فيما في الحرز وإن كان محتملًا لغيره والله أعلم قال الحافظ ولحديث عتبة شاهد من حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله تعالى ملائكته في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر فإذا أصابت أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد يا عباد الله أعينوني" هذا حديث حسن الإسناد غريب جدًّا أخرجه البزار وقال: لا نعلمه يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد اهـ. وقوله عرجة أي أصابه في رجله شيء قال في الصحاح عرج بفتح الراء إذا أصابه شيء في رجله فجمع ومشى هيئة العرجان وليس بخلقة فإذا كان خلقة قلت عرج بكسر الراء فهو أعرج اهـ، قوله: أعينونا قال الحطاب المالكي في حاشيته على منسك الشيخ خليل رأيته في النسخة التي نقلت منها بالغين المعجمة والثاء المثلثة ورأيته في الحمن والعدة بالمهملة والنون وكرر ذلك اللفظ ثلاثًا اهـ. قوله: (حكى لي بعض شيوخنا الكبار) قال الحطاب المالكي اقتصر النووي في إيضاحه على قوله وإن انفلتت دابته نادى يا عباد الله احبسوا فوقفت بمجرد ذلك. وحكى لي شيخنا محمد بن أبي اليسر أنه جربه في بغلة فوقفت اهـ. وظاهر كلامه أنه قال ذلك مرة واحدة ولا شك أن همزة احبسوا همزة وصل اهـ. قلت: وقوله حكى لي شيخنا الخ لم أجده في نسخي من الإيضاح والله أعلم. قوله: (يا عباد الله) قال في الحرز المراد بهم الملائكة أو المسلمون من الجن أو رجال الغيب المسمون بالأبدال. فائدة قال بعض الصوفية إذا ضاع منك شيء فقل: يا جامع النّاس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد قال المصنف وقد جربته فوحدته نافعًا سببًا لوجود الضالة عن قرب ونقل عن بعض مشايخه مثل ذلك وفي باب إثبات الكرامات للأولياء من الرسالة القشيرية كان لجعفر الخلدي فص فوقع يومًا في

باب ما يقوله على الدابة الصعبة

باب ما يقوله على الدابة الصعبة رويناه في كتاب ابن السني عن السيد الجليل المجمع على جلالته وحفظه وديانته وورعه ونزاهته وبراعته أبي عبد الله يونس بن عبيد بن دينار ـــــــــــــــــــــــــــــ الدجلة وكان دعاء مجرب للضالة ترد فدعا به فوجد الفص في وسط أوراق كان يتصفحها وعن أبي نصر السراج أن ذلك الدعاء يا جامع النّاس ليوم لا ريب فيه أجمع على ضالتي قال أبو نصر أراني أبو الطيب العتكي جزءًا فيه من ذكر هذا الدعاء على ضالة وجدها فكان الجزء أوراقًا كثيرة اهـ وذكر السخاوي في الابتهاج حديث ابن عمر الآتي والحكاية المذكورة عن جعفر الخلدي إلا أنه قال عن الكبير الصوفي السخاوي وكذا ذكر النووي في بستان العارفين أنه جربه نافعًا سببًا لوجود الضالة عن قرب وكذا عن شيخه أبي البقاء النابلسي كذلك اهـ. وأخرجه الحافظ في باب ما يقوله إذا رأى قرية يريد دخولها عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الضالة قال يقول: اللهم راد الضالة وهادي الضالة أنت تهدي من الضلالة اردد عليَّ ضالتي بقدرتك وسلطانك فإنها من فضلك وعطائك قال الطبراني بعد أن أخرجه لا يروى عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد قال الحافظ وفي أورده الحافظ ضياء الدين في الأحاديث المختارة اهـ. باب ما يقوله على الدابة الصعبة بفتح الصاد وإسكان العين المهملتين خلاف الذلول. قوله: (روينا في كتاب ابن السني الخ) قال الحافظ هو خبر مقطوع وراويه عنه المنهال يعني ابن عيسى قال أبو حاتم مجهول وقد وجدته عن أعلى من يونس أخرجه الثعلبي في التفسير بسنده من طريق الحكم عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال إذا استصعبت دابة أحدكم أو كانت شموصًا فليقرأ في أذنها {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} وذكره القرطبي عن ابن عباس في التفسير بغير سند ولا عز ولمخرج وهو مما يعاب به اهـ. قوله: (الجليل) أي لما أفيض عليه من أوصاف الجلال وحفظه قال في الكاشف أنه من العلماء العاملين الأثبات خرج عنه الستة. قوله: (ونزاهته) أي من دنس المخالفات قدر الطاقة. قوله: (وبراعته) بفتح الباء الموحدة بعدها راء ثم عين مهملة

البصري التابعي المشهور رحمه الله قال: ليس رجل يكون على دابة صعبة فيقول في أذنها: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا ـــــــــــــــــــــــــــــ أي كماله في العلوم من برع في الشيء إذا تقدم فيه على الغير وفي الصحاح برع الرجل وبرع أيضًا بالضم براعة أي فاق أصحابه في العلم وغيره فهو بارع اهـ. قوله: (التابعي) هو من اجتمع بالصحابي واختلف هل تعتبر المدة في حصول ذلك ويفرق بين اعتبارها هنا وعدم اعتبارها في الصحبة بأن أنوار النبوة يحصل بها من التأثيرات المعنوية والفيوض الإلهية ما لا يحصل من الاجتماع بالصحابي في مدة أو لا يعتبر ذلك قياسًا على الاكتفاء بأصل الاجتماع في الصحبة وعلى الأول فقيل لا بد من شهر وقيل أربعة أشهر وقيل سنة وقيل غير ذلك ودلائل ذلك في كتب أصول الفقه. قوله: (ما من رجل وفي نسخة ليس من رجل) أي ومثله المرأة وذكر لأنه الأشرف أو لأنه الأغلب في معناه مثل ذلك والله أعلم. قوله: (أفغير دين الله) الهمزة للاستفهام والمراد منه الإنكار والتوبيخ أي فبعد وضوح الدلائل أن دين إبراهيم هو دين الإسلام (تبغون) قرئ بالفوقية أي تطلبون يا معشر اليهود والنصارى وقرئ بالتحتية ردًّا على قوله تعالىِ: {فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} قوله: (وله أسلم) أي خضع وانقاد. قوله: (طوعًا) أي انقيادًا واتباعًا بسهولة. قوله: (وكرها) هو ما كان لمشقة وإباء من النفس واختلف في معنى قوله تعالى: {طَوْعًا وَكَرْهًا} فقيل: أسلم أهل السموات وبعض أهل الأرض طوعًا وأسلم بعض أهل الأرض كرهًا من خوف القتل والسبي وقيل: أسلم المؤمن طوعًا وانقاد والكافر قهرًا وقيل: هذا في يوم أخذ الميثاق {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} فمن سبقت له السعادة قال: ذلك طوعًا ومن سبقت له الشقاوة قال: ذلك كرهًا وقيل أسلم المؤمن طوعًا فنفعه إسلامه يوم القيامة والكافر أسلم كرهًا عند الموت في وقت اليأس فلم ينفعه ذلك في يوم القيامة وقيل: إنه لا سبيل لأحد من الخلق إلى الامتناع على الله في مراده أما المسلم فينقاد الله فيما أمره به أو نهاه عنه طوعًا وأما الكافر فينقاد لله كرهًا في جميع ما يقضي عليه ولا يمكنه دفع قضائه

باب ما يقوله إذا رأى قرية يريد دخولها أو لا يريد

وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران: 83] إلا وقفت بإذن الله تعالى. باب ما يقوله إذا رأى قرية يريد دخولها أو لا يريد روينا في "سنن النسائي" وكتاب ابن السني عن صهيب رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها: "اللهم ربَّ السَّمواتِ السَّبْعِ وما ـــــــــــــــــــــــــــــ وقدره عنه وقوله (وإليه ترجعون) قرئ بالتحتية والفوقية والمعنى أن مرجع الخلق كلهم إلى الله تعالى يوم القيامة ففيه وعيد عظيم لمن خالفه في الدنيا كذا في تفسير الخازن الصوفي. باب ما يقول إذا رأى قرية يريد دخولها أو لا يريد قال البيضاوي القرية مشتقة من القرء وهو الجمع وقال الراغب في مفرداته القرية اسم للموضع الذي يجتمع فيه النّاس ويطلق على أهلها ومنه {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} قال كثير من المفسرين معناه أهل القرية وقال بعضهم بل القرية ها هنا القوم أنفسهم ثم ذكر بعد ذلك ثم قال وحكي أن بعض القضاة دخل على علي بن الحسين فقال: خبرني عن قول الله تعالى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً} فقال: ما يقول فيه علماؤك فقلت: يقولون: إنها مكة فقال: وهل رأيت فقلت: وما هي فقال: إنما عني الرجال قال: فقلت: وأين ذلك في كتاب الله تعالى فقال: ألم تسمع قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ} الآية اهـ. ثم إن أحاديث الباب الأذكار فيها مقيدة بالتي يريد دخولها ولعل وجه ما في الترجمة القياس على ما في أحاديث الباب فإن المقتضي للاستعاذة المذكورة دفع شر ساكن الديار وذلك متوقع سواء. أراد الدخول أم لا فيكون حينئذ من قاعدة أن يؤخذ من النص معنى يعود عليه بالتعميم ويكون ذلك التقييد والدخول لأنه آكد لأن الذكر مقصور عليه والله أعلم. قوله: (روينا في سنن النسائي الخ) قال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن أخرجه النسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم من رواية عبد الله بن وهب عن حفص بن ميسرة وأخرجه ابن السني من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ طريق محمد بن أبي السري عن حفص بن ميسرة عن موسى بن عقبة عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه أن كعبًا حلف بالله الذي فلق البحر لموسى - عليه السلام - أن صهيبًا حدثه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم ير قرية يريد دخولها إلا قال الخ ورواه عبد الرحمن بن أبي الزناد عن موسى بن عقبة فزاد في السند رجلًا قبل كعب قال عن موسى عن عطاء عن أبيه أن عبد الرحمن بن مغيث الأسلمي حدث قال: قال كعب فذكر الحديث بطوله أخرجه النسائي وأشار إلى ضعف زيادة عبد الرحمن في هذا السند وكلام ابن حبان يقتضي أن الزيادة في الصفة فإنه قال في الطبقة الثالثة من الثقات أبو مروان والد عطاء اسمه عبد الرحمن بن مغيث روى عن كعب وروى عنه ابنه عطاء فعلى هذا كان في الأصل عطاء بن أبي مروان عن أبيه عبد الرحمن بن مغيث وقد جاء هذا الحديث من وجه آخر عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه عن أبي مغيث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشرف على خيبر فقال لأصحابه: قفوا ثم قال: اللهم رب السموات السبع وما أظللن فذكر الحديث قال الحافظ: بعد أن خرجه أخرجه النسائي وأخرجه الطبراني ووقع في روايته وقال لأصحابه: قفوا وأنا فيهم وهذا يدل على صحبة أبي مغيث فكان الحديث عند أبي مروان بسندين هذا والماضي وهو كعب عن صهيب وجاء الحديث من وجه آخر عن أبي مروان قال فيه عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر حتى إذا كنا قريبًا وأشرفنا عليها فقال للناس: قفوا فوقفوا فقال: اللهم رب السموات السبع وما أظللن فذكر الحديث مثل اللفظ الأول إلا الرياح وزاد في آخره اقدموا بسم الله قال الحافظ بعد أن أخرجه كذلك من طريقين هكذا أبو مروان عبد الرحمن بن مغيث عن أبيه مغيث عن جده غير مسمى وكأنه المذكور قبل وهو أبو مغيث بن عمرو وفيصير هكذا أبو مروان عبد الرحمن بن مغيث عن أبيه مغيث عن جده أبي مغيث وعلى ما هنا يكون سقط قوله عن أبيه من الرواية التي قبل هذه الرواية ومدار هذا الحديث على أبي مروان المذكور وقد اختلف فيه وفيه اختلاف متباين فذكره الطبري في الصحابة وذكر أخبارًا مرفوعة وموقوفة تدل على ذلك منها قوله كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاء ماعز بن مالك الحديث لكنها كلها من رواية الواقدي وذكره أكثر في التابعين وعلى رواية النسائي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يعرف وذكره ابن حبان في اتباع التابعين وعلى القول الأول فتكون روايته عن كعب الأحبار من رواية الصحابي عن التابعين وهي قليلة واختلف في ضبط أبي مغيث بن عمرو فقيل بفتح المهملة وبعدها فوقية مشددة بعدها موحدة وقيل بكسر المعجمة وسكون التحتية بعدها مثلثة وهذا أرجح والله أعلم اهـ. قوله: (عن صهيب) بضم المهملة وفتح الهاء وسكون التحتية بعدها موحدة صريح كلام الحافظ المذكور آنفًا أنه تابعي وظاهر صنيع المصنف وصاحب السلاح أنه صحابي ثم رأيت في الحرز أنه صهيب بن سنان الرومي وصهيب بن سنان هو نمري رومي المنشأ أمه مازنية قال الذهبي في الكاشف بدري من السابقين روى عنه بنوه حمزة وزياد وصيفي وسعد وسعيد بن المسيب مات بالمدينة سنة ثمان وثلاثين ورمزنا له خرج عنه أصحاب الستة لكن قال العامري في الرياض انفرد به مسلم عن البخاري وروى عنه في صحيحه ثلاثة أحاديث وفي الرياض النمري نسبة إلى النمر بن قاسط فخذ من ربيعة بن نزار وكان والد صهيب وعمه عاملين لكسرى وكان منازلهم على دجلة عند الموصل وقيل: كانوا بناحية الجزيرة فأغارت عليهم الروم فأخذوا صهيبًا وهو صغير فنشأ فيهم ونسب إليهم فابتاعه منهم قوم من كلب فباعوه بمكة من عبد الله بن جدعان فأعتقه وولد صهيب يزعمون أنه لما كبر في الروم وعقل عقله هرب منهم ثم قدم مكة وحالف ابن جدعان وكان صهيب من السابقين الأولين المستضعفين بمكة المعذبين في الله عزّ وجلّ ولما خرج مهاجرًا تبعه نفر من قريش فنثل كنانته وقال لهم تعلمون يا معشر قريش أني من أرماكم والله لا تصلون إلي حتى أرميكم بكل سهم في كنانتي ثم أضربكم بسيفي ما بقي بيدي منه شيء فإن كنتم تريدون مالي دللتكم عليه قالوا: فدلنا عليه ونخلي عنك فتعاهدوا على ذلك فدلهم عليه وخلوا سبيله فلما لحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له ربح البيع أبا يحيى ونزل في ذلك قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ}

أظْلَلْنَ، والأرضينَ السَّبْع وما أقْلَلْنَ، ورِبَّ الشَّياطينِ وما ـــــــــــــــــــــــــــــ وشهد بدرًا والمشاهد كلها وكان أحد السباق الأربعة وأحد النفر الذين عاتب الله فيهم نبيه - صلى الله عليه وسلم - وكان فيه دعابة قال: جئت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو نازل بقباء وبين يديه رطب وتمر وأنا أرمد فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: تأكل التمر وأنت أرمد فقلت: أنا آكل مشق عيني الصحيحة فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجده وقال عمر بن الخطاب أي رجل أنت لولا خصال ثلاث فيك قال: وما هن قال: اكتنيت وليس لك كنية ابن وانتميت إلى العرب وأنت من الروم تكلم بلسانهم وفيك سرف في الطعام فقال: أما الكنية فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كناني أبا يحيى وأما النسب فإني من النمر بن قاسط سبتني الروم من الموصل بعد إذ أنا غلام وفي عرفت نفسي وأما سرف الطعام فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "خياركم من أطعم الطعام وكان عمر حسن الظن فيه حتى لما طعن أوصى أن يصلي عليه وصلى بالناس أيام الشورى وكان أخوه من المهاجرين سعد بن أبي وقاص ومن الأنصار الحارث بن الصمة وكان أحمر شديد العمرة معتدل القامة روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قيل سلم عن البخاري بالتخريج عنه كما تقدم مات بالمدينة في شوال سنة ثمان أو تسع وثلاثين عن ثلاث وسبعين سنة اهـ. قوله: (اظللن) بالظاء المشالة أي من ساكني الأرض وفي رواية الطبراني وما أظلت بصيغة الواحد بقصد الجماعة. قوله: (والأرضين) بفتح الراء وتسكن وتقديم السموات على الأرضين يحتمل أن يكون لفضلها كما عليه الجمهور من أئمتنا وعللوه بأنه لم يعص الله عليها أصلًا وامتناع إبليس من امتثال أمر الله له بالسجود لآدم كان وهو خارج عنها ويحتمل أن يكون من باب الترقي إلى الأرضين لكونها أفضل على قول جمع من المتأخرين وعللوه بأنها اختيرت لأخذ ذرات الأنبياء ومدفنهم وذلك آية الفضل وما أحسن قول من قال: زعم الجميع بأن خير الأرض ما ... قد ضم أعضاء النبي وحواها

أضْلَلْنَ، وَرَب الرياح وما ذَرَيَنِ، أسألُكَ خَيرَ هَذِهِ القَرْيَةَ وخَيرَ أهْلِها وخَيرَ ما فيها، ونَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّها وشَرِّ أهْلِها وَشَرّ ما فِيها". وروينا في كتاب ابن السني عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أشرف على أرض يريد دخولها قال: "اللهم إني أسألُكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ونعم لقد صدقوا بساكنها زكت ... كالنفس حين زكت زكى مأواها قوله: (أضللن) بالضاد المعجمة ولعل وجه التأنيث اعتبار نفوسهم أو تغليب إناثهم مع رعاية المشاكلة ونسبة الإضلال إليهم مجازية لكونها سببية بواسطة الوسوسة وفي رواية الطبراني وما أضلت. قوله: (وما ذرين) عند الطبراني في رواية وما أذرت وفي رواية أخرى وما ذرت وقال في النهاية يقال ذرته الريح وأذرته تذروه وتذريه إذا أطارته اهـ. ومن الأول قوله تعالى: {فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} قوله: (خير هذه القرية) أي نفسها بأن تجعلها مباركة علينا نقوم فيها بالطاعة والعبادة ونسكن فيها بالسلامة والعافية. قوله: (وخير ما جمعت فيها) أي من أرزاق الحلال قوله: (وخير أهلها) أي من العلماء والصالحين. قوله: (من شرها الخ) أي من جميع المؤذيات ثم يحتمل أن يكون الجمع بين الاستعاذة من شرها وشر ما فيها للتأكيد والاعتناء بتكرار الاستعاذة منها لعظم ضررها ويحتمل أن يكون لتغايرهما أو منها نفسها أي من شر ما خلق فيها سواء خلق منها كشجرة أو لم يخلق منها أي لم يغلب عليه عنصرها كالجن بأن لا يقع في وهدة أو يتعثر بشيء مرتفع فيها. قوله: (وروينا في كتاب ابن السني الخ) قال الحافظ في سنده ضعف لكنه يعتضد بحديث ابن عمر فساق سنده إليه قال عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا خرجتم من بلدكم إلى بلد تريدونها فقولوا: اللهم رب السموات السبع وما أظلت فذكر مثل هذا الحديث الماضي أولًا لكن بالإفراد فيها وزاد ورب الجبال أسألك خير هذا المنزل وخير ما فيه وأعوذ بك من شر هذا المنزل وشر ما فيه اللهم ارزقنا جناه واصرف عنا وباه وأعطنا رضاه وحببنا إلى أهله وحبب أهله إلينا وفي سنده

مِنْ خَيْرِ هَذِهِ وخَيرِ ما جَمَعْتَ فيها وأعُوذُ بكَ مِنْ شَرِّها وشَر ما جَمَعْتَ فيها، اللهُم ارْزُقْنا حياها، وأعِذْنا من وباها، ـــــــــــــــــــــــــــــ من ضعف لكن توبع فرواه مبارك بن حسان عن نافع عن ابن عمر قال كنا نسافر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا رأى قرية يريد دخولها قال: اللهم بارك لنا فيها ثلاث مرات اللهم ارزقنا جناها وجنبنا وباها وذكر بقية الحديث مثل حديث عائشة وفي مبارك أيضًا مقال لكن يعضد بعض هذه الطرق بعضًا وعند الطبراني في الأوسط عن عائشة كان - صلى الله عليه وسلم - إذا أشرف على أرض يريد دخولها قال: اللهم بارك لنا فيها ثلاث مرات اللهم ارزقنا جناها وجنبنا وباها وحببنا إلى أهلها وحبب صالحي أهلها إلينا وعزا بعض المحققين للطبراني في الأوسط عن عائشة مثل اللفظ الذي أورده المصنف هنا عنها من رواية ابن السني قال في الحرز ولعل الطبراني له روايتان. قوله: (من خيرها) أي نفسها بأن تستعملنا فيها لطاعتك. قوله: (وما جمعت فيها) أي من الموجودات والأرزاق الطيبات وفيه تغليب من لا يعقل لكثرته على العاقل وإن كان أشرف. قوله: (جناها) قال ابن الجزري بفتح الجيم ما يجتني من الثمرة اهـ. قال في النهاية وجمعه أجن مثل عصا وأعص وكذا هو في نسخة مصححة من كتاب ابن السني والذي وقع فيما وقفت عليه من نسخ الأذكار بفتح الحاء المهملة وبالتحتية وفي القاموس الحيا الخصب ويمد اهـ. قال في الحرز الظاهر أن هذا يعني الحاء المهملة تصحيف ويرد بأن المحقق الشيخ أبا الحسن البكري ضبطه في شرح مختصر الإيضاح كذلك واقتصر عليه ويبعد احتمال التصحيف فضلًا عن الاقتصار عليه في حق مثله والظاهر أنه جاء بالوجهين وينبغي جريًا على ما تقدم عن المصنف أن لفظ الذكر إذا وقع شك في بعض ألفاظه يأتي الذاكر بألفاظه كلها أن يقول هنا اللهم ارزقنا جناها وحياها والله أعلم ورأيته في أصل مصحح مقروء على الحافظ المتقي بن فهد جباها بالجيم والباء وفي النهاية أنه كذلك بكسر الجيم الماء المجموع. قوله: (وأعذنا) أي أجرنا (من وباها) في النهاية

باب ما يقول المسافر إذا تغولت الغيلان

وحَبِّبْنا إلى أهْلِها، وحَبِّبْ صَالحي أهْلِها إلَيْنا". باب ما يدعو به إذا خاف ناسًا أو غيرهم روينا في "سنن أبي داود والنسائي" بالإسناد الصحيح ما قدمناه من حديث أبي موسى الأشعري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خاف قومًا قال: "اللهم إنَّا نَجْعَلُكَ في نُحُورِهِمْ، ونعُوذُ بِك مِنْ شُرُورِهِمْ" ويستحب أن يدعوَ معه بدعاء الكرب وغيره مما ذكرناه معه. باب ما يقول المسافر إذا تغوَّلت الغيلان ـــــــــــــــــــــــــــــ الوبا بالقصر والمد والهمز الطاعون والمرض العام وقد أوبأت الأرض فهي موبئة اهـ. قوله: (وحببنا الخ) سؤال من التحبيب أي اجعلنا محبوبين إلى أهلها. قوله: (وحبب صالحي أهلها إلينا) أي اجعل صالحي أهلها محبوبين إلينا ولا يخفي النكتة اللطيفة في تعميم أهلها في الجملة الأولى وتخصيصهم في الثانية. باب ما يدعو به إذا خاف ناسًا أو غيرهم أي من سبع أو نحوه وقد مفردات الراغب النّاس قيل اصله أناس فحذف فاؤه لما أدخل عليه ال وقيل: قلب من نسي وأصله إنسيان على وزن إفعلان وقيل بل هو من ناس ينوس إذا اضطرب ونست الإبل سقتها وتصغيره على هذا نويس والناس قد يذكر ويراد به الفضلاء دون من يتناوله اسم النّاس تجوزًا وذلك إذا اعتبر معنى الإنسانية وهو وجود العقل والذكر وسائر القوى المختصة به فإن كل شيء عدم فعله المختص لا يكاد يستحق اسمه كاليد فإنها إذا عدمت فعلها الخاص بها فإطلاق اليد عليها كإطلاقه على يد السرير ورجله اهـ. قوله: (مما قدمناه) أي في كتاب الأذكار والدعوات في الأمور العارصات في باب ما يقول إذا خاف قومًا وقدمت هناك تخريجه والكلام على ما يتعلق بمعناه. باب ما يقول المسافر إذا تغولت الغيلان

روينا في كتاب ابن السني عن جابر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذ تَغَوَّلتْ لَكُمْ الغِيلان فَنادُوا بالأذانِ". قلت: والغيلان جنس من الجن والشياطين وهم سحرتهم، ومعنى تغولت: تلوَّنت في صور، والمراد: ادفعوا شرها بالأذان، فإن الشيطان إذا سمع الأذان أدبر. وقد قدَّمنا ما يشبه هذا في "باب ما يقول إذا عرض له شيطان"، في أول "كتاب الأذكار والدعوات للأمور العارضات" وذكرنا أنه ينبغي أن يشتغل بقراءة القرآن للآيات المذكورة في ذلك. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (روينا في كتاب ابن السني الخ) أخرج الحافظ بسنده عن جابر قال: قال - صلى الله عليه وسلم - عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل وقال: إذا تغولت الغيلان فنادوا بالأذان الحديث قال الحافظ: بعد تخريجه أخرجه النسائي ورجاله ثقات إلا أن الحسن الراوي عن جابر من طريقه لم يسمع منه عند الأكثر وقد أخرجه البزار من طريق يونس بن عبيد عن الحسن لكن قال عن سعد بن أبي وقاص ولفظه أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا تغولت الغول أن ننادي بالأذان وقال لا نعلمه يروي عن سعد إلا بهذا الإسناد ولا نعلم الحسن سمع من سعد وجاء من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إذا تغولت لكم الغول فنادوا بالأذان فإن الشيطان إذا سمع الأذان أدبر وله حصاص قال الطبراني في الأوسط بعد تخريجه لم يروه عن سهل يعني ابن أبي صالح الراوي له عن عبد الله عن أبي هريرة إلا عدي يعني ابن الفضل قال الحافظ كأنه أراد أول الحديث في الغيلان وإلا فبا فيه أخرجه مسلم ذلك ولسهل فيه قصة. فائدة ذكر الدميري في حياة الحيوان أن النووي ذكر حديث أبي هريرة هذا في الأذكار وقال إنه حديث صحيح قال الحافظ ولم أره في الأذكار إلا تخريجًا وأنى له الصحة وعدي الذي انفرد به متفق على ضعفه اهـ. قوله: (الغيلان) أي بكسر الغين المعجمة ولذلك قلبت الواو الساكنة ياء إذ أصله غولان. قوله: (فإن الشيطان إذا سمع الأذان أدبر) تقدم حكمة ذلك في باب الأذان. قوله: (الآيات المذكورة في ذلك) وهو بجر الآيات بدل من قوله القرآن

باب ما يقول إذا نزل منزلا

باب ما يقول إذا نزل منزلًا روينا في "صحيح مسلم" و"موطأ مالك" و"كتاب الترمذي" وغيرهم عن خولة بنت حكيم رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ نَزَلَ مَنْزِلا ثُمَّ قال: أعُوذُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي يشتغل بقراءة الآيات المذكورة في ذلك كآية الكرسي ونحوها. قوله: (وقد ذكرت كلام العلماء الخ) قال المصنف في التهذيب قال الإِمام أبو السعادات بن الأثير في النهاية في حديث لا غول ولا صفر الغول أحد الغيلان، وهي جنس من الجن والشياطين كانت العرب تزعم أن الغول في الفلاة تتراءى للناس فتتغول تغولا أي تتلون تلونا في صور شتى وتغولهم أي تضلهم عن الطريق وتهلكهم فنفاه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبطله وقيل ليس معنى لا غول نفيًا لوجود الغول بل هو إبطال زعم العرب في تلونه بالصور المختلفة واغتياله، فقوله لا غول أي لا تستطيع أن تضل أحدًا ويشهد له الحديث الآخر ولا غول ولكن السعالى، والسعالى سحرة الجن أي ولكن في الجن سحرة لهم تلبيس وتخييل ومنه الحديث الآخر إذا تغولت الغيلان فنادوا بالأذان أي ادفعوا شرها بذكر الله تعالى وهذا يدل على أنه لم يرد بنفيها عدمها ومنه حديث أبي أيوب كان لي تمر في سهوة فكانت الغول تجيء فتأخذ. هذا آخر كلام ابن الأثير اهـ. ما في التهذيب. باب ما يقول إذا نزل منزلًا المنزل اسم مكان النزول وهو المراد هنا ويكون مصدرًا ميميًّا لأنزل ومنه قوله تعالى: {رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ}. قوله: (روينا في صحيح مسلم الخ) قال الحافظ أخرجه مالك بلاغًا عن يعقوب الأشج عن بسر بن سعيد عن سعد بن أبي وقاص عن خولة بنت حكيم وأخرجه أحمد ومسلم والترمذي

بِكَلِماتِ الله التَّاماتِ مِنْ شرِّ ما خَلَقَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والنسائي، قلت: وزاد في السلاح وابن ماجه قال: وفيه وليس لخولة في الصحيحين سوى هذا الحديث وسبق عن المرقاة ليس لها في الستة سوى هذا الحديث وتقدمت ترجمتها والكلام على ما يتعلق بمعنى الحديث في أذكار المساء والصباح وأخرجه والحافظ من طريق المحاملي والطبراني في كتاب الدعاء ومن طريق أخرى من حديث خولة بنت حكيم السلمية أيضًا قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا نزل أحدكم منزلا فليقل فذكره وفيه فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل منه وقال الحافظ بعد تخريجه أخرجه مسلم وأخرجه ابن خزيمة وأبو عوانة وأشار الحافظ أنه عند مالك والليث وتابعهما ابن لهيعة عن شيوخهم عن يعقوب عن بسر وخالفهم محمد بن عجلان فقال عن يعقوب عن سعيد بن المسيب عن سعد بن مالك عن خولة فذكره أخرجه هكذا أحمد وابن ماجه فإن كان ابن عجلان حفظه حمل على أن ليعقوب فيه شيخين ثم رواية سعد فيه عن خولة من رواية الأقران ويدخل في رواية الفاضل عن المفضول وخرجه الحافظ من حديثها بعلو وزاد فيه بعض رواته امرأة عثمان بن مظعون ولفظه من نزل منزلًا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات كلها من شر ما خلق زاد يزيد أي أحد رواته ثلاثًا إلا وقى شر منزله حتى يظعن منه قال الحافظ بعد تخريجه أخرجه العقيلي في الضعفاء وكذا ذكره ابن حبان في الضعفاء كلاهما في ترجمة الربيع بن مالك الراوي له عن خولة بنت حكيم يعني في هذه الطريق وقال ابن حبان: لا أدري جاء الضعف منه أو من حجاج يعني ابن أرطاة وقال العقيلي جاء هذا الحديث عن خولة بإسناد أجود من هذا يعني الذي تقدم عن سعد عنها قال: وهذا الإسناد أعلى من ذلك بثلاث درجات أو أربع اهـ. قوله: (بكلمات الله) أي بالقرآن، ومعنى تمامها أن لا يدخلها نقوله ولا عيب كما يدخل كلام النّاس وقيل نفعها وشفاؤها من كل ما يتعوذ منه أي بشرط قابلية المحل وصحة النية وحسن الاعتقاد، وقال البيهقي سماها تامة لأنه لا يجوز أن يكون في كلامه عيب أو نقص كما يكون في كلام الآدميين قال: وبلغني أن أحمد كان يستدل به على أن القرآن ليس بمخلوق. قوله:

لَم يَضرَّهُ شَيء حتى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذلكَ". وروينا في "سنن أبي داود" وغيره عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سافر فأقبل الليل قال: "يا أرضُ رَبي وَرَبُّكِ اللهُ، أعُوذ بالله مِنْ شَرِّكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (لم يضره شيء) عمومه يتناول النفس والهوى وقد تقدم نقل ذلك عن بعض المحققين. فائدة نقل القرطبي في تفسيره في سورة والصافات في قوله تعالى: {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالمِينَ} قال سعيد بن المسيب بلغني أنه من قال حين يمسي {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالمِينَ} لم تلدغه عقرب ذكره أبو عمر بن عبد البر في التمهيد اهـ. قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) قال الحافظ بعد تخريجه حسن أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وأخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد أهـ. قال في السلاح وفي لفظ النسائي وأعوذ بالله من أسد. قوله: (وأقبل الليل) أي بأن غربت الشمس وظاهر الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يأتي بالذكر إذا كان مسافرًا عند إقبال الليل سواء كان سائرًا أم ماكثا. قوله: (يا أرض ربي وربك الله) الخطاب فيه للأرض. قال في الحرز وفيه إشعار بأن للأرض شعورًا بكلام الداعي وقال غيره خاطب الأرض اتساعًا ورده ابن حجر في شرح المشكاة بأن ذلك بالنسبة لغيره - صلى الله عليه وسلم -، أما هو فقد كلمه وخاطبه الجماد فهي صالحة لخطابه حقيقة بخلاف غيره، ثم إذا ذاق العبد مشرب قوله: ربي وربك الله كان سببًا لانتفاء خشيته منها أو مما اشتملت عليه إذ الأمور كلها مربوبة الله تعالى تحت إرادته قيل وحكمة ذكره قبل الاستعاذة من شرها كونه كالوسيلة في حفظه من ذلك، ويحتمل أن يكون في الافتتاح بذلك الإشارة إلى أن الإتيان بالاستعاذة إنما هو امتثالًا للشارع مع اعتقاد أن لا أثر لغيره سبحانه وأن ربه ورب الأرض وما فيها ومن فيها هو الإله المنفرد بالإيجاد سبحانه وتعالى والله أعلم. قوله: (أعوذ بالله من شرك) أي من شر ذاتك أي بأن لا أتعثر بك من وهدة أو ربوة فيك أنا ولا دابتي قيل ومنه الخسف والتحير في الفيافي والمهامه والإضلال عن الطريق وقيل شرها أن يخذل فيهما بالوقوع بالعصيان أو يقع في

وشر ما فِيكِ، وشرِّ ما خلق فيكِ، وشَر ما يدُبُّ عَلَيكِ، أعُوذُ بكَ مِنْ أسَدٍ وأسْوَدَ، ومِنَ الحَيَّةِ والعَقرَبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ شيء من البلايا والمتاعب والأفكار والمصائب. قوله: (وشر ما فيك) أي شر ما اندرج فيك من الأوصاف الخاصة بطباعك كالبرودة واليبوسة وضديهما وقيل المراد من شر ما خلق فيها من عنصرها من شجر أو نحوه فاستعاذ من أن يتعثر بذلك والثاني أقرب. قوله: (وشر ما خلق فيك) أي خلق واستقر فيها سواء غلب عليه عنصرها كالحشرات والبهائم أو لم يغلب عليه عنصرها كالجن. قال الشيخ محمد الحطاب المالكي في حاشية منسك خليل يصح أن يقرأ خلق بالبناء للفاعل ورأيته مضبوطًا في بعض نسخ الإيضاح وابن جماعة بالبناء للمفعول اهـ. قوله: (وشر ما يدب) بكسر الدال وتشديد الموحدة أي يتحرك (عليك) وفي ديوان الأدب للفارابي فيما جاء على فعل بفتح العين يفعل بكسرها دب الشيخ يدب دبيبًا أي مشى رويدًا اهـ. فالمعنى على هذا ما يمشي عليك من المؤذيات كحشرات ونحوها وبه يعلم أن هذا القسم بعض مما قبله، وصرح به ثانيًا اعتبارًا بالاستعاذة منه لعظم شره وقال ابن الجزري يدب بكسر الدال يمشي إذ كل ما يمشي على الأرض دابة ودبيب. قوله: (أعوذ بالله من أسد وأسود) وهو بهذا اللفظ عند النسائي كما نقله في السلاح، أما لفظ أبي داود فهو أعوذ بك من أسد الخ كما في السلاح أيضًا وشرح المصابيح لابن الجزري زاد في الحرز ووقع كذلك في نسخة من الأذكار اهـ. ولم ينبه الحافظ على هذا الاختلاف وهو من وظيفته وخص الأسد بالاستعاذة منه لفرط قوته وفصاحته وشدة الخوف منه وهذا حكمة ذكره أسود أيضًا إذ هو الحية العظيمة التي فيها سواد وهي أخبث الحيات. قيل ومن شأنها أنها تعارض الركب وتتبع الصوت إلى أن تظفر بصاحبه، فعلم أن أسود اسم جنس لا صفة ولذا يجمع على أساود وحينئذٍ هو منصرف وقيل إنه غير منصرف نظرًا إلى أن وصفيته أصلية وإن غلب عليه الاسم قال بعضهم: إنه كذلك مسموع من أفواه المشايخ ومضبوط في أكثر النسخ من الحصن بمنع الصرف وقال ابن حجر

ومِنْ ساكِنِ البَلَد، ومِنْ وَالِدٍ وما وَلَدَ". قال الخطابي: قوله ـــــــــــــــــــــــــــــ في شرح المشكاة القياس جواز كل منهما نظير ما قالوه في الرحمن لتعارض الأصل وهو الصرف والغالب وهو عدمه وقال ابن الأعرابي الأسود الجماعات جمع سواد ثم أسودة ثم أساود، وقيل المراد بالأسود اللص لأنهم يقولون له أسود لملابسته الليل أو لملابسته السواد من اللباس قال في الحرز أو لأن أكثرهم السودان على ما في مكة المشرفة. قلت: وفي هذا الحديث التحذير من الأسود وأنه إذا جاع سرق وإذا شبع بطر والله أعلم، قال وعلى تفسير الأول أي تفسير الأسود بالحية الخ فخصت لعظم خبثها ومزيد ضررها بالذكر وصارت كالجنس المستقل بالنسبة لما قبلها فعطفت عليه ولما بعدها فعطف عليها في قوله ومن الحية والعقرب أي من هذين الخبيثين الفظيعين في الإيذاء والإهلاك الأفظع. قوله: (ومن ساكن البلد) وقع في المشكاة والحصن من شر ساكن البلد وسقط لفظ شر من الأذكار والسلاح وليس هو عند أبي داود ووقع في بعض أصول الحصن ساكني البلد بالجمع المضاف وغنى عنه الأول بالعموم المستفاد من المفرد المضاف وقد صرح في الكشاف بأن عموم المفرد المضاف أشمل من عموم الجمع المضاف قال في قوله تعالى: {وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} قرأ ابن عباس وكتابه يريد القرآن أو الجنس وعنه الكتاب أكثر من الكتب فإن قلت: كيف يكون الواحد أكثر من الجمع قلت: لأنه أريد بالواحد الجنس والجنسية قائمة في وحداني الجنس كلها لم يخرج منه شيء وأما الجمع فلا يدخل تحته إلا ما فيه الجنسية من المجموع وتبعه عليه القاضي البيضاوي وتعقبه في النهر بأن الجمع إذا أضيف أو دخلته أل الجنسية صار عامًّا ودلالة الجمع أظهر في العموم من الواحد سواء كانت فيه أل أم الإضافة بل لا يذهب إلى العموم في الواحد إلا بقرينة لفظية كأن استثنى منه أو وصف بالجمع أو معنوية نحو نية المؤمن أبلغ من عمله وأقصى حاله أن يكون مثل الجمع العام إذا أريد به العموم اهـ. والظاهر أن الخلاف مبني على أن الجمع العام هل إفراده جموع أو آحاد فعلى الأول فالمفرد أعم وهو الذي في الكشاف وعلى الثاني يساويه وهو ما في النهر والله أعلم.

"ساكن البلد" هم الجن الذين هم سكان الأرض، والبلد من الأرض: ما كان مأوى الحيوان وإن لم يكن فيه بناء ومنازل. قال: ويحتمل أن يكون المراد بالوالد: إبليس، وما ولد: الشياطين، هذا كلام الخطابي، والأسود: الشخص، فكل شخص يسمى أسود. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (ساكن البلد الجن) أي بناء على أن المراد بالبلد الأرض ومنه قوله تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} وهو الظاهر لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قاله في البراري لا في الأبنية أما إذا أريد بالبلد ما هو المتبادر منه من الأبنية فسر البلد بمأوى الحيوان من الأرض الشامل للأبنية وغيرها وفسر الساكن بالجن ومثل كلام الخطابي في النهاية والله أعلم وفي الحرز قال القاضي قيل هم الإنس والجن لأنهم يسكنون البلد غالبًا أو لأنهم بنوا البلد واستوطنوه والمراد بالبلد الأرض اهـ. قوله: (قال ويحتمل الخ) وعليه ففيه التصريح بأن إبليس ليس من الملائكة لاستحالة الولادة عليهم لا يقال بخروجه عنهم في هذا الوصف لأنه يستحيل من الملائكة البتة لأنهم لا يوصفون بذكررة ولا أنوثة ويؤيد ذلك التصريح بخروج هاروت وماروت عنهم من وصف العصمة دون استحالة وصف الولادة ومما يصرح بأنه ليس من الملائكة قوله تعالى: {إلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ} وادعاء أن قومًا من الملائكة يقال لهم: الجن وأنه كان منهم يحتاج لسند صحيح إذ لا يعلم هذا إلا من المعصوم واستثناؤه من الملائكة يحتمل انقطاعه وإن كان الأصل في الاستثناء الاتصال وقال غير الخطابي المراد من الوالد وما ولد آدم وذريته ويحتمل -كما قال بعض شراح المشكاة، وهو أمثله- حمل الوالد والولد على العموم فيشمل أصناف ما ولد وولد فلجأ بمن لم يلد ولم يولد وله الخلق والأمر في النجاة من شر ما يلد ويولد إذ لا يقدر على ذلك غيره سبحانه وتعالى. قوله: (والأسود الشخص) قال أول اللغة كل شخص يقال له أسود قال الشيخ محمد الحطاب المالكي كذا قال وقال ابن جماعة قيل الأسود العظيم من الحيات وفيه سواد ويكون أخبثها اهـ. وفي الصحاح الأسود العظيم من الحيات وفيه سواد ولم

باب ما يقول إذا رجع من سفره

باب ما يقول إذا رجع من سفره السُّنَّة أن يقول ما قدمناه في حديث ابن عمر المذكور قريبًا في "باب تكبير المسافر إذا صَعِد الثنايا". وروينا في "صحيح مسلم" عن أنس رضي الله عنه، قال: أقبلنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - أنا وأبو طلحة، وصفية رديفته على ناقته، حتى إذا كنا ـــــــــــــــــــــــــــــ يذكر غير ذلك إلا أنه قال قبل الأسودان الماء والتمر ثم قال والسواد الشخص وفي النهاية الأسود أخبث الحيات وأعظمها وهو من الصفات الغالبة حتى استعمل استعمال الأسماء ومنه حديث أمر بفتل الأسودين أي الحية والعقرب وقال قبله كل شخص من إنسان أو متاع أو غيره سواد اهـ. وفي ذكر صاحب السلاح القولين فقال: قيل: هو الشخص وقيل: العظيم من الحيات ويكون تخصيصها بالذكر لخبثها اهـ. باب ما يقول إذا رجع من سفره قوله: (السنة أن يقول ما قدمناه الخ) أي من قوله آئبون الخ. قوله: (وروينا في صحيحي مسلم الخ) قال الحافظ بعد تخريجه الحديث من طريق مدارها على يحيى بن أبي إسحاق عن أنس رضي الله عنه وقال: فلم يزل يقولها الخ قال الحافظ: أخرجه مسلم وأخرجه البخاري مطولًا من طريق بشر بن المفضل وأخرجه البخاري أيضًا ومسلم من طريق عبد الوارث وأخرجه البخاري أيضًا من طريق شعبة ثلاثتهم عن يحيى بن أبي إسحاق وتقدم هذا الذكر بأتم من هذا وله شواهد يأتي بعضها اهـ. قوله: (أقبلنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم -) أي من خيبر. قوله: (أنا وأبو طلحة) هو زوج أمه رضي الله عنهم وكان أنس رديفًا له كما جاء في مسلم وغيره التصريح به في سياق قصة خيبر ففيه جواز الإرداف إذا أطاقته الدابة وقد كثرت الأحاديث الصحيحة بمثله كذا قاله المصنف وكأن الصارف لحمل ما يصح من فعله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك على الاستحباب طلب تخفيف الأثقال عن الرحال نعم إن كان الرديف عاجزًا أو نحوه فينبغي الاستحباب بل يجب إذا تعين طريقًا في إنقاذه من الهلاك وقد صرح

باب ما يقوله المسافر بعد صلاة الصبح

بظهر المدينة قال: "آيِبُونَ تائِبُون عابِدُونَ لِرَبِّنا حامِدُونَ"، فلم يزل يقول ذلك حتى قدمنا المدينة. باب ما يقوله المسافر بعد صلاة الصبح اعلم أن المسافر يستحب له أن يقول ما يقوله غيره بعد الصبح، وفي تقدم بيانه. ويستحب أن يقول معه ما رويناه في كتاب ابن السني عن أبي برزة رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الصبح -قال الراوي: لا أعلم إلا قال في سفر- رفع صوته حتى يسمع أصحابه: "اللهم أصْلِحْ لي دِيني الَّذي جَعَلْتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ في الحديث المشهور في الصحيح أن من الصدقة أن ترفع العاجز فتحمله على دابتك والله أعلم. قوله: (بظهر المدينة) أي بمحل تظهر فيه هي أو آثارها وكان إذا وصل إلى ذلك المكان أسرع وأوضع راحلته محبة لما أمر بالهجرة إليها - صلى الله عليه وسلم - وفي صحيح البخاري عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قدم من سفر فنظر إلى جدران المدينة أوضع راحلته وإن كان على دابة حركها من حبها وأخرجه الحافظ من طريق المحاملي عن أنس قال: ما دخل - صلى الله عليه وسلم - فرأى جدران المدينة فإن كان على دابة حركها أو على بعير أوضعه تباشرا بالمدينة قال الحافظ بعد تخريجه حديث صحيح أخرجه أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وعند بعضهم من حبها ولم يذكره بعضهم اهـ. باب ما يقول المسافر بعد صلاة الصبح قوله: (وقد تقدم بيانه) أي في أذكار المساء والصباح. قوله: (ويستحب له معه ما رويناه في كتاب ابن السني الخ) قال الحافظ: أخرجه من طريق سعيد بن سليمان عن إسحاق بن يحيى بن أبي طلحة وإسحق متفق على ضعفه من قبل حفظه وقد أخرجه مسلم أرل هذا الحديث عن أبي هريرة وأورده الشيخ المصنف في جامع الدعوات أواخر الكتاب قلت: وزاد مسلم في آخره واجعل الحياة زيادة لي في كل خير واجعل الموت راحة لي من كل شر. قال الحافظ ووقع لي بوجه قوي من حديث صهيب فأخرجه عنه من طريق الطبراني في كتاب من اسمه

عِصْمَةَ أمري، اللهُم أصْلِح لي دُنْيايَ التي جَعَلْتَ فِيها مَعاشي -ثلاث مرات- اللهُم أصْلِحْ لي آخِرتي التي جَعَلْتَ إلَيها مَرْجِعي -ثلاث مرات- اللهُم أعُوذُ بِرضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، اللهُم أعُوذُ بكَ منك -ثلاث مرات- لا مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ، ولا مُعْطي لِما مَنَعْتَ، ولا يَنْفَعُ ذا الجَد مِنْكَ الجَدّ". ـــــــــــــــــــــــــــــ عطاء عن كعب الأحبار قال: إنا نجد في التوراة أن داود كان إذا انصرف من صلاته قال: اللهم أصلح لي ديني الذي جعلته عصمة أمري واصلح لي دنياي التي جعلت فيها معاشي وأصلح لي اخرتي التي إليها معادي اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من نقمتك وأعوذ بك منك لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد قال وبالإسناد إلى كعب قال كعب وأخبرني صهيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ينصرف بهذا الدعاء من صلاته قال الحافظ وأخرجه النسائي وابن خزيمة والله أعلم اهـ. قوله: (عصمة أمري) أي رابطته وعماده والأمر بمعنى الشأن ومعنى هذا أن الدين إن فسد لم يصلح للإنسان دنيا ولا آخرة قال الإِمام القرطبي في المفهم فما رواه مسلم من حديث أبي هريرة وهذا دعاء عظيم جمع خيري الدارين الدنيا والدين فحق على كل سامع له أن يحفظه ويدعو به آناء الليل وأطراف النهار ولعل الإنسان يوافق ساعة إجابة يحصل على خيري الدارين اهـ، وما أحسنه وتقديم الدين في الذكر اهتمامًا بشأنه إذ بقوامه خير الدارين وتقديم المعاش على المعاد بحسب الترتيب الوجودي على أن حسن المعاد إنما ينشأ عما يقدمه العبد في هذه الدار من صالح الأعمال والطاعات وذلك يكون من أحسن المعاش أي كونه ميسرًا بلا كد من جهة طيبة خالية عن الحرام فبذلك يحصل المرام. قوله: (مرجعي) مصدر ميمي أي رجوعي. قوله: (أعوذ برضاك من سخطك) أي أعوذ من انتقامك ومظهر عدلك برضاك وفيه الإيماء إلى أن من حصل له رضا مولاه كان حرزًا له من الانتقام والله أعلم وهذا الذكر تقدم الكلام عليه في أذكار السجود وقوله: لا مانع لما أعطيت الخ تقدم في أذكار الاعتدال من الركوع.

باب ما يقول إذا رأى بلدته

باب ما يقول إذا رأى بلدته المستحب أن يقول ما قدمناه في حديث أنس في الباب الذي قبل هذا، وأن يقول ما قدمناه في باب ما يقول إذا رأى قرية، وأن يقول: "اللهُم اجْعَل لنا بِهَا قَرارًا وَرِزقًا حَسَنا". باب ما يقول إذا قدم من سفره فدخل بيته روينا في كتاب ابن السني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رجع من سفره، فدخل على أهله قال: "تَوْبًا تَوبًا، لِرَبِّنا ـــــــــــــــــــــــــــــ باب ما يقول إذا رأى بلدًا وفي نسخة بلدته قال الراغب في مفرداته البلد هو المكان المختص المحدود المتأثر باجتماع نظامه وإقامتهم فيه وجمعه بلاد وبلدان وتسمى المفازة بلدًا لكونها موطن الوحشيات والمقبرة بلدا لكونها موطن الأموات اهـ. قوله: (السنة أن يقول الخ) قال الحافظ ولم يذكر من خرجه ثم خرجه الحافظ من طريق الطبراني في كتاب الدعاء عن أبي هريرة قال: قلنا يا رسول الله ماذا أراد القوم إذا اشرفوا على المدينة يقولون اللهم اجعل لنا بها رزقا وقرارًا قال: كانوا يتخوفون من جور الولاة وقحوط المطر هذا حديث حسن ذكره البخاري في التاريخ وأخرجه النسائي في الكبرى والحديث تفرد به سعيد بن عفير وهو بمهملة وفاء مصغرًا وهو من كبار الحفاظ من أهل مصر قال أبو سعيد بن يونس في تاريخه لا يوجد إلا عنده قال الحافظ وله شاهد من حديث أنس قال: كان - صلى الله عليه وسلم - إذا قدم من أسفاره فأشرف على المدينة اسرع في السير وقال اللهم اجعل لنا بها قرارًا ورزقًا حسنًا حديث غريب في سنده ضعف اهـ. قوله: (قرارًا) أي مستقرًا. قوله: (ورزقًا حسنًا) أي طيبًا حلالًا. باب ما يقول إذا قدم من سفره ودخل بيته أي إن كان البيت له خاصًّا به فإن كان في نحو رباط أتى بالذكر عند دخول منزله من الرباط نظير ما قالوه في الإحرام من باب بيته. قوله: (روينا في كتاب ابن السني الخ) هو بعض حديث خرجه الحافظ من طرق بعضها عن الطبراني وبعضها

أوْبا، لا يُغادِرُ حَوْبا". قلت: توبًا توبًا: سؤال للتوبة، وهو منصوب إما على تقدير: تب علينا توبًا، وإما على تقدير: نسألك توبًا، وأوبًا بمعناه من آب: إذا رجع، ـــــــــــــــــــــــــــــ عن المحاملي وعن غيرهما ولفظه عن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يخرج في سفر قال: اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل فذكر الحديث إلى أن قال وإذا أراد أن يرجع قال: آئبون تائبون لربنا حامدون فإذا دخل على أهله قال: توبا توبا لربنا أوبا لا يغادر حوبا قال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن أخرجه أحمد وابن السني قلت في الحصن وأخرجه البزار وأبو يعلى الموصلي أوبا لا يغادر حوبا اهـ. قوله: (وهو منصوب) إما على تقدير تب علينا أي فيكون مفعولًا مطلقًا وإما على تقدير نسألك أي فيكون مفعولًا ثانيًا وعلى الأول فهو من المصادر التي يعمل فيها الفعل مضمرًا والتوب بفتح التاء المثناة الفوقية وسكون الواو قال الراغب ترك الذنب على أجمل الوجوه وهو أبلغ ضروب الاعتذار وهو على ثلاثة أضرب إما أن يقول المعتذر لم أفعل أو يقول فعلت كذا لأجل كذا وفعلت وأسأت وقد أقلعت لا رابع لذلك وهذا الأخير هو التوبة وهي ترك اختيار ذنب سبق عنك مثله إجلالًا الله تعالى قال ابن الجزري والتوب التربة وقال الأخفش هو جمع توبة كعومة وعوم وهو الرجوع عن الذنب والمراد هنا الرجوع من السفر ثانيًا وكذا قوله أوبًا أي راجعًا من سفري وهو صفة مصدر محذوف أي أتوب توبًا وأؤوب أوبأ وهو بمعنى الدعاء وكأنه يقول اللهم أتوب آئبًا اهـ. وهو منه غريب مع جلالته في العلوم النقلية فقد غفل في هذا المقام عن قواعد العربية حتى تعقبه الحنفي بقوله فيه بحث لأن كلًّا من توبًا وأوبًا مفعول مطلق بفعل محذوف لا صفة مصدر محذوف كما يدل عليه قوله أي أتوب توبًا وأؤوب أوبًا فالحق أن يقول وهو مفعول مطلق لفعل محذوف وأيضًا قوله كأنه يقول أتوب آئبًا ليس على ما ينبغي والأولى أن يقال اللهم تب علينا توبًا اهـ. وفي الحرز يمكن أن يقال مراده أن التقدير أرجع رجوعًا مقرونًا بالتوبة كما يدل عليه قوله والمراد هنا الرجوع من السفر تائبًا ثم الظاهر أن مراده بكونه من الدعاء أن المخاطب به ربه لا أهله ولذلك قال: اللهم أؤوب أوبًا والله أعلم. قوله: (وأوبًا) أي بفتح الهمزة

باب ما يقال لمن يقدم من سفر

ومعنى لا يغادر: لا يترك، وحوبًا، معناه: إثمًا، وهو بفتح الحاء وضمها لغتان. باب ما يقال لمن يقدم من سفر يستحب أن يقال: الحَمْدُ لِلهِ الذي سَلَّمَكَ، أو الحَمْدُ لِلهِ الَّذِي جَمَعَ الشَّمْلَ بِكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وسكون الواو وبعدها موحدة أي أرجع إلى ساحة فيضك من سائر المخالفات رجوعًا ففيه الإيماء إلى العزم على عدم العود إلى المخالفة الذي هو أحد أركان التوبة إذ هي ندم على ما فعل وإقلاع منه حالًا وعزم على أن لا يعود إليه وقال المصنف إنه بمعنى توبا وعليه فالتكرار لأن المقام للإطناب. قوله: (وهو بفتح الحاء) أي المهملة (وضمها لغتان) قال ابن حجر الهيتمي الأحسن هنا الفتح لمناسبة قوله أوبا ومثله في الحرز وقال إن الفتح في أكثر نسخ الحصن قال الشيخ أبو حيان في النهر الحوب الإثم يقال منه حاب يحوب حوبًا وحوبًا وحابًا وحؤوبًا وحيابة اهـ. وفي مفردات الراغب سمي الإثم حوبًا لكونه مزجورًا عنه وقولهم ألحق الله به الحوبة أي المسكنة والحاجة وحقيقتها الحاجة التي تحمل صاحبها على ارتكاب الإثم والحوباء قيل هي النفس المرتكبة للحوب وهي الموصوفة بقوله {إنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} اهـ. مع اختصار وقال ابن الجزري في مفتاح الحصن بفتح الحاء وضمها وقيل الفتح لغة الحجاز والضم لغة تميم اهـ. باب ما يقال لمن يقدم من سفر قال العلماء يسن لنحو أهل القادم أن يصنع له ما تيسر من طعام ويسن له نفسه إطعام الطعام عند قدومه للاتباع فيهما وكلاهما كما يفيده كلام الفراء وابن سيده يسمى نقيعة بفتح النون وكسر القاف وبعد التحتية عين مهملة مفتوحة وتسن معانقة القادم أي غير الأمرد ومصافحته خلافًا لمن كره المعانقة كما لك ومن ثم حجه ابن عيينة بأنه - صلى الله عليه وسلم - عانق جعفرًا وقبله حين قدم من الحبشة ورد قوله إن ذلك خاص بجعفر فسكت قال القاضي عياض وسكوته دليل على ظهور قول سفيان وتصويبه

باب ما يقال لمن يقدم من غزو

أو نحو ذلك، قال الله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] وفيه أيضًا حديث عائشة رضي الله عنها المذكور في الباب بعده. باب ما يقال لمن يقدم من غزو روينا في كتاب ابن السني عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو الحق اهـ. ويؤيده ما صح أنه - صلى الله عليه وسلم - قبل زيد بن حارثة واعتنقه لما قدم المدينة قال ابن جماعة وهذا التقبيل محمول عند أهله على ما بين العينين وكذا تقبيله - صلى الله عليه وسلم - عثمان بن مظعون بعد موته ونص جماعة من الشافعية على كراهة تقبيل الوجه ومعانقة غير نحو القادم والطفل لما صح من نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك إما معانقة الأمرد الجميل أو مصافحته من غير حائل فحرام وتكره مصافحة ذي العاهة كذا في حاشية الإيضاح لابن حجر الهيتمي. قوله: (أو نحو ذلك) أي من الألفاظ الدالة على استيشار أهل القادم بقدومه. باب ما يقال لمن يقدم من غزو قال الراغب في مفرداته الغزو الخروج إلى محاربة العدو وقد غزا يغزو غزوًا فهو غاز وجمعه غزاة وغزى اهـ. قوله: (روينا في كتاب ابن السني الخ) قال الحافظ هو طرف من حديث طويل فخرج بسنده عن زيد بن خالد الجهني عن أبي طلحة فذكر قصة فقال أبو طلحة لزيد رضي الله عنهما اذهب بنا إلى عائشة نسألها فقالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة فتجسست قفوله فلما دخل استقبلته على الباب فقلت: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله الحمد الله الذي أعزك ونصرك وأكرمك الحديث وفي سند الحافظ رواية زيد بن خالد وهي من رواية الأقران وهو عند ابن السني عن سعيد بن يسار عن أبي طلحة من غير ذكر زيد قبل أبي طلحة والقصة واحدة ولعل سعيدًا سمعه من زيد بن خالد عن أبي طلحة وسمعه من أبي طلحة نفسه فكان يحدث تارة هكذا وتارة هكذا والله أعلم ثم خرجه من طريق أخرى سقط عند بعض رواته قوله وأكرمك قال الحافظ: أخرجه

باب ما يقال لمن يقدم من حج وما يقوله

في غزو، فلما دخل استقبلته فأخذتُ بيده، فقلت: الحَمْدُ لِلهِ الَّذِي نَصَرَكَ وأعَزَّك وأكْرَمَكَ". باب ما يقال لمن يقدم من حج وما يقوله روينا في كتاب ابن السني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن السني وأخرجه مسلم والنسائي وأبو داود قال الحافظ ووقع لنا من وجه آخر بزيادة في الذكر المذكور فساق سنده فيه إلى زيد بن خالد الجهني فذكره وفيه فلما دخل على تلقيته في الحجرة فقلت السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته الحمد الله الذي أعز نصرك وأقر عينك وأكرمك قالت: فلم يكلمني وذكر بقية الحديث قال الحافظ وعجبت للشيخ في اقتصاره على ابن السني دون أبي داود أما مسلم فلم يقع المقصود من هذا الحديث بالترجمة في روايته والله أعلم. قوله: (في غزو) كذا فيما وقفت عليه من الأصول المصححة من نسخ الأذكار ورأيت في ابن السني في أصل مصحح مغزى وهما مصدران لغزا ولم أقف على تعيين هذه الغزوة التي قفل - صلى الله عليه وسلم - منها فقالت عائشة ما ذكر. قوله: (استقبلته) فيه استقبال المسافر عند قدومه فيخرج للقائه الرجال إلى ظاهر البلد كما ورد من فعل الصحابة ذلك في أحاديث الصحيح وغيره. باب ما يقال لمن يقدم من حج وما يقوله ومثل الحاج المعتمر كما هو ظاهر، ثم الذي في الترجمة ما يقال للقادم من الحج وما يقوله، والأحاديث التي أوردها إنما هي في مضمون الأول لا في الثاني ثم رأيت في أصل مصحح أن الثاني ملحق فيحتمل أن لا يكون ذلك من المصنف فيكون ما في الباب مطابقًا للترجمة ويحتمل أن يكون منه واكتفى عنه بما أورده في باب استحباب الدعاء في السفر من حديث ابن عمر كان - صلى الله عليه وسلم - إذا قفل من الحج والعمرة الخ والله أعلم. قوله: (روينا في كتاب ابن السني الخ) خرج الحافظ من طريق الطبراني عن عبد الله بن عمر قال: جاء غلام إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني أريد هذه الناحية الحج قال: فمشى معه - صلى الله عليه وسلم - فقال: زودك الله التقوى ووجهك للخير

جاء غلام إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني أريد الحج، فمشى معه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا غُلامُ، زَوَّدَكَ اللهُ التقْوَى، وَوَجهَكَ في الخَيرِ، وكَفاكَ الهَمَّ"، فلما رجع الغلام سلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا غُلامُ قَبِلَ اللهُ حَجَّكَ، وغَفَرَ ذَنْبَكَ، وأخْلَفَ نَفَقَتَكَ". وروينا في "سنن البيهقي" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ـــــــــــــــــــــــــــــ وكفاك الهم فلما رجع سلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فرفع رأسه فقال: يا غلام قبل الله حجك وكفر ذنبك وأخلف نفقتك هذا حديث غريب أخرجه ابن السني قال الحافظ قال الطبراني في الأوسط لم يروه عن عبيد الله بن عمر يعني الراوي عن نافع عن سالم عن أبيه ابن عمر إلا مسلمة بن سالم الجهني ضعفه أبو داود اهـ. قوله: (جاء غلام) لم أقف على تعيين اسمه. قوله: (فمشى معه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي مودعًا له فيؤخذ منه أنه يسن تشييع المسافر بالسير معه إلى ظاهر البلد. قوله: (يا غلام) بضم الميم إذ هو معرفة بالقصد. قوله: (زودك الله التقوى) أي جعلها زادك الباطن إلى أن تندرج بها في سلك المتقين وعباد الله الصالحين ثم التقوى ثلاثة أقسام أدنى بأن يتقي الشرك وأوسط بأن يمتثل الأوامر ويترك النواهي وأعلى بأن يبرأ إلى الله تعالى مما سواه. قوله: (وغفر ذنبك) أي الظاهر والباطن مما فيه إثم إن أريد بالتقوى أدناها إذ هي حينئذٍ تصدق بوجود الذنب معها فدعا له بمغفرته زيادة عليها أو مما لا إثم فيه وإنما فيه تقصير يقتضي النقص والعيب لأنها بالمعنيين الأخيرين تقتضي الحفظ من الذنب الذي فيه إثم لأن الأولياء محفوظون منه وهم المتقون بهذين المعنيين كما أفاده قوله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}. قوله: (وكفاك الهم) كذا في نسخ الأذكار وفي عمل اليوم والليلة لابن السني وتخريج الحافظ بزيادة ميم أوله أي المهم أي كفاك ما أهم من أمر الدارين ثم رأيت في نسخة من الأذكار كذلك بزيادة الميم أوله. قوله: (قبل الله حجك) أي جعله مقبولًا ومن علامة القبول أن يرجع بعد الحج خيرًا مما كان عليه قبله ولا يعاود العصيان. قوله: (وغفر ذنبك) أي ستره بأن لا يعاتب ولا يعاقب عليه ووقع عند الحافظ وكفر من التكفير. وله: (وأخلف نفقتك) أي عوضك بدلها وجعله خلفًا منها. قوله: (ووروينا في سنن البيهقي

"اللهم اغْفِر لِلْحاج وَلِمَنِ اسْتَغْفَرَ لهُ الحاجُّ" قال الحاكم: هو ـــــــــــــــــــــــــــــ الخ) قال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن أخرجه البزار وابن خزيمة والحاكم من طريق شريك عن منصور عن أبي حازم عن أبي هريرة وقال: صحيح على شرط مسلم قال الحافظ إنما أخرج مسلم لشريك في المتابعات وقد قيل إنه شد بذلك والمحفوظ عن منصور بهذا السند حديث "من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" وهو في الصحيح قال الحافظ وقد وجدت لحديث شريك هذا شاهدًا من حديث جابر عن مجاهد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر مثله وقال: هذا حديث مرسل وجابر هو الجعفي لكن يكتب حديثه في المتابعات اهـ. قوله: (اللهم اغفر للحاج الخ) قضية الإطلاق أن استغفار الحاج يمتد دائمًا طلبه وتأثيره بعد فراغه منه لكن قال مسدد في مسنده ثنا حماد بن زيد عن ليث بن سليم عن المهاجر قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج بقية ذي الحجة ومحرم وصفر وعشرًا من ربيع الأول، قال الحافظ السيوطي هذا موقوف له حكم الرفع لأن مثله لا يقال من قبل الرأي. فإن قلت روى أحمد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا لقيت الحاج فسلم عليه وصافحه ومره أن يستغفر لك قبل أن يدخل بيته فإنه مغفور له" وهو يقتضي أن ما ذكره مغيًا برجوعه إلى بلده ودخوله بيته فينافي حديث عمر، قلت: قال ابن حجر في شرح المشكاة: إن الظاهر أن التقييد به إنما هو لزيادة الأفضلية لأن دخول البيت مظنة للاشتغال والخروج من كمالات الحاج التي كان عليها قبل، وأيضًا ما دام لم يدخله هو من وفد الله تعالى القادمين إلى أهلهم فإكرامه مستحب اهـ. وقيل في الجمع بينهما بأن مدة سفر الحاج لا تزيد غالبًا على ما ذكر في حديث عمر أي فلا يكون للقيد مفهوم والله أعلم، ويمكن أن يقال بل الأولى الأخذ بحديث حتى يدخل بيته لشموله لمن كان سيره بقدر ما جاء عن عمر ولمن زاد عنه كالبلدان الشاسعة كالغرب وأقصى الشرق وغير ذلك ولمن كان دون ذلك ولعل عمر اقتصر على تلك المدة لأن البلد التي فتحت في عصره لا تزيد

كتاب أذكار الأكل والشرب

صحيح على شرط مسلم. كتاب أذكار الأكل والشرب باب ما يقول إذا قرب إليه طعامه روينا في كتاب ابن السني عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول في الطعام إذ قُرِّب إليه: "اللَهُمَّ بارِكْ لنا فِيما رَزَقْتَنا، ـــــــــــــــــــــــــــــ مسافة الوصول إليها غالبًا على ذلك وكلامه - صلى الله عليه وسلم - شامل له ولجميع ما فتح بعد طالت المسافة إليه أو قصرت. قوله: (صحيح على شرط مسلم) اغتر به ابن حجر الهيتمي فتابعه على ذلك فقال في مختصر الإيضاح وصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخ وقد علمت من كلام الحافظ ما فيه والله أعلم. كتاب أذكار الأكل والشرب كذا في نسخة الأكل والشرب بلفظ المصدر والشرب إدخال المائع إلى الجوف والأكل إدخال الجامد إلى الجوف، وفي نسخة الآكل والشارب بوزن اسم الفاعل ومثله في تخريج الحافظ وهو الأنسب بقوله قبله أذكار المسافر والله أعلم. باب ما يقول إذا قرب إليه طعامه قوله: (روينا في كتاب ابن السني الخ) قال الحافظ بعد تخريجه وزاد فإذا فرغ قال الحمد الله الذي يمنَّ علينا فهدانا والحمد الله الذي أطعمنا وسقانا وروانا وكل الإحسان أملانا قال عمرو بن شعيب فكتبه لنا جدي فكنا نتعلمه كما نتعلم السورة من القرآن وقال: هذا حديث غريب أخرجه ابن السني، وفي سنده ابن أبي الرعيرعة براء مضمومة وعين مهملة مفتوحة فتحتية ساكنة فراء فعين مهملة قال البخاري منكر الحديث جدًّا، وقد ذكر ابن عدي هذا الحديث فيما أنكر عليه وقال: لا يتابع على أحاديثه وذكره ابن حبان في الضعفاء ووهاه ثم ذكر بعده سواء محمد بن الرعيرعة عن أبي المليح ونسبه إلى وضع الحديث فكأنه عنده اثنان ولم أر ذلك لغيره والعلم عند الله اهـ. قوله: (وبارك لنا فيما رزقتنا)

باب استحباب قول صاحب الطعام لضيفانه عند تقديم الطعام: كلوا أو في معناه

وَقِنا عَذَابَ النارِ، بِسْمِ الله". باب استحباب قول صاحب الطعام لضيفانه عند تقديم الطعام: كلوا أو في معناه اعلم أنه يستحب لصاحب الطعام أن يقول لضيفه عند تقديم الطعام: بسم الله، أو كلوا، أو الصلاة، أو نحو ذلك من العبارات المصرحة بالإذن في الشروع في الأكل، ولا يجب هذا القول بل يكفي تقديم الطعام إليهم، ولهم ـــــــــــــــــــــــــــــ يحتمل أن تكون البركة بالتكثير الحسي كما وقع له - صلى الله عليه وسلم - كثير من ذلك كما في قصة شاة جابر وأقراص أبي طلحة وغير ذلك، ويحتمل أن يكون بالتكثير المعنوي فيجري الطعام مجرى غيره أخذًا مما قالوه في دعائه - صلى الله عليه وسلم - لمكيال المدينة بالبركة. ققوله: (وقنا عذاب النار) فيه طلب ما يتعلق بالآخرة وأنه ينبغي للإنسان أن لا يغفل عن طلب ذلك فعليه المدار وتقديم ما يتعلق بهذه الدار من البركة في الرزق لأنه يوصل مع التوفيق إلى مصالح تلك الدار فإن نفسه التي هي مطيته في هذا السفر إنما قوامها ودوام نفعها بهذا المعاش والرزق فسأل البركة فيه ليكون معينًا له على الخير مانعا له من المخالفات والصر، هذا ومن لطيف الاقتباس تضمين البدر الدماميني هذه الجملة مع التورية في قوله وفي أحسن: يا رب إنا قد أتينا نشتكي ... ما بالصعيد بنا من الأضرار فارحم وأدركنا فقوص حرها ... يحكي لظى وقنا عذاب النار باب استحباب قول صاحب الطعام لضيفانه عند تقديم الطعام كلوا أو ما في معناه قوله: (باسم الله) أي كلوا متبركين باسم الله لما تقدم من حديث الباب قبله. قوله: (أو الصلاة) لعل وجه جعله من ألفاظ الإذن في التناول. قوله: (بل يكفي تقديم الطعام إليهم) فلهم الأكل بذلك من غير افتقار إلى إذن لفظًا اكتفاء بالقرينة

باب التسمية عند الأكل والشرب

الأكل بمجرد ذلك من غير اشتراط لفظ، وقال بعض أصحابنا: لا بد من لفظ، والصواب الأول. وما ورد في الأحاديث الصحيحة من لفظ الإذن في ذلك: محمول على الاستحباب. باب التسمية عند الأكل والشرب روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" ـــــــــــــــــــــــــــــ كما في الشرب بالسقايات في الطرق ولخبر إذا دعى أحدكم فجاء مع الرسول فذلك إذن له رواه أبو داود وقد تقتضي القرينة عدم الأكل كأن انتظر المالك آخر فلا يأكل حتى يحضر ذلك الغائب أو يأذن له المالك لفظًا. قال جمع يحرم على الضيف أن يأكل فوق الشبع وعلله ابن عبد السلام بانتفاء الإذن اللفظي والعرفي وفي الأمداد يظهر ضبط الشبع بأن يصير بحيث لا يشتهى ذلك المأكول والكلام فيمن لم يعلم رضا المالك بأكله فوق شبعه وإلا كان كالأكل من ماله والزيادة فيه على الثغ لا تحرم إلا إن علم أو ظن أنها تضره. باب التسمية عند الأكل والشرب قال ابن حجر في شرح العباب في باب أركان الصلاة التسمية قول بسم الله والبسملة قول بسم الله الرحمن الرحيم اهـ والظاهر أن المراد من التسمية هنا ذكر اسم الله تعالى الذي اقله بسم الله وأكمله بسم الله الرحمن الرحيم كما سيأتي في كلامه بما فيه. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) قال في السلاح ورواه الترمذي والنسائي وآخر الحديث عندهم وكل مما يليك فما زالت تلك طعمتي، قال في السلاح طعمتي بكسر الطاء وقال بعض شراح الشمائل إن الحديث اتفقت الستة على إخراجه، وقال الحافظ بعد تخريجه المرفوع منه حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه وخرجه الحافظ من طريق الدارمي وقال: أخبرنا خالد بن مخلد عن وهب بن كيسان عن عمر بن أبي سلمة فذكره مختصرًا هكذا رواه خالد

عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سَمِّ اللهَ وكُلْ بِيَمِينِكَ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن عبد البر انفرد خالد بوصله عن مالك وهو في الموطأ مرسل قال فيه مالك عن وهب بن كيسان قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بطعام فذكره مرسلًا، واتفق على ذلك جميع رواة الموطأ اهـ. ووافق خالدا على وصله أبو عوانة في مستخرجه أخرجه الدارقطني في غرائب مالك وقال تفرد بوصله خالد ويحيى قال الحافظ: هو من شيوخ البخاري لكنه أخرجه عن عبد الله بن يوسف وهو من رواة الموطأ مرسلًا فكأنه رمز إلى أن رواية من وصله صحيحة ثم أخرجه الحافظ من حديث عمر بن أبي سلمة من طرق أخرى وقال في بعضها أخرجه أبو داود وابن حبان والله أعلم. قوله: (عن عمر بن أبي سلمة) أبو سلمة كنية أبيه المسمى عبد الله رضي الله عنهما ابن عبد الأسد القرشي المخزومي وأمه أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أم المؤمنين، ولذا قال عمر: كنت في حجر النبي - صلى الله عليه وسلم - وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال: يا غلام سم الله الخ رواه مسلم (ولد عمر رضي الله عنه) بأرض الحبشة، وكان أبوه في هاجر إليها في السنة الثالثة من هجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتزوج - صلى الله عليه وسلم - أمه بعد موت أبيه عنها كما تقدم فنشأ في حجره كان يوم الخندق هو وابن الزبير في اطم حسان بن ثابت، وكان عمره يوم قبض النبي - صلى الله عليه وسلم - تسع سنين شهد وقعة الجمل مع علي رضي الله عنه واستعمله على البحرين روى له فيما قيل عن رسول الله ففي اثنا عشر حديثًا. قال المصنف في التهذيب روى له البخاري منها حديثين قال في الرياض المستطابة أنهما اتفقا على اثنين وخرج عنه الأربعة، وروى عنه عطاء وثابت مات سنة ثلاث وثلاثين في خلافة عبد الملك. قوله: (سم الله) الأمر فيه للندب وهي سنة كفاية كما سيأتي، ولا خلاف في أن التسمية في بدء كل أمر محبوب سنة مؤكدة وفي الحديث حصول السنة بلفظ بسم الله لكن الأكمل إكمالها كما سيأتي بما فيه. قوله: (وكل بيمينك) هذا مزيد على ما قصد في الترجمة ذكر استطرادًا وهذا الأمر على سبيل قيد الندب المؤكد،

وروينا في "سنن أبي داود والترمذي" عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أكَلَ أحَدُكمْ فَلْيَذْكُرِ اسمَ الله تَعالى في أوَّلِه، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل وجوبًا لما في غيره من الشره ولحوق الضرر بالغير وانتصر له السبكي وعليه نص الشافعي في الرسالة ومواضع من الأم قال الحافظ ويدل على الوجوب ورود الوعيد في الأكل بالشمال في صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلًا يأكل بشماله، فقال: كل بيمينك، فقال: لا أستطيع فقال: لا استطعت، فما رفعها إلي فيه بعد لما لم يكن في ترك الأكل باليمين عذر بل قصد المخالفة دعا عليه فشلت يده والأكل باليمين لأنها أقوى غالبًا وأسبق للأعمال وأمكن في الاشتغال ثم هي مشتقة من اليمن وهو البركة وقد شرف الله تعالى أهل الجنة بنسبتهم إليها كما ذم أهل النار بنسبتهم إلى الشمال فاليمين وما نسب إليها وما اشتق منها محمود ممدوح لسانًا وشرعًا ودنيا وآخرة والشمال على النقيض حتى قال: ابن لي، في يمنى يديك جعلتني ... فأفرح أم صيرتني في شمالكا وإذا كان كذلك فمن الآداب المناسبة بمكارم الأخلاق والسيرة المرضية عند الفضلاء اختصاص اليمين بالأعمال الشريفة والأحوال النظيفة وإن احتيج في شيء منها إلى الاستعانة بالشمال تكون بحكم التبعية وأما إزالة الأقدار ومباشرة الأمور الخسيسة فبالشمال وسبق لهذا المقام بسط في باب كيفية لباس الثوب والنعل وخلعهما أوائل الكتاب والله أعلم بالصواب. قوله: (وروينا في سنن أبي داود والترمذي الخ) هو من جملة حديث خرجه الحافظ من طريق الدارمي ولفظه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأكل طعامًا في ستة نفر من أصحابه فجاء أعرابي فأكله بلقمتين فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أما إنه لو ذكر الله لكفاكم فإذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى فليقل باسم الله أوله وآخره حديث حسن أخرجه أحمد وابن ماجه ورجاله ثقات لكن عبد الله بن عبيد أي الراوي عن عائشة لم يسمع منها كما بينه في تذهيب التهذيب، قال: وقد جاء من طريق آخر بزيادة راو بينهما فأسنده إلى عبد الله قال عن امرأة منهم يقال لها: أم كلثوم عن عائشة رضي الله عنها فذكر

فإنْ نَسِيَ أنْ يَذْكُرَ اسمَ اللَّهِ تعالى في أوَّلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث بتمامه أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي والحاكم قال الترمذي حديث حسن صحيح أو أم كلثوم هي بنت محمد بن أبي بكر الصديق، قال الحافظ وهذا يخالف قول عبد الله بن عبيد الله عن امرأة منهم إذ هو ليثي مكي بخلاف أم كلثوم بنت محمد فإنها تيمية مدنية ولذا قال المزي أم كلثوم الليثية المكية فاعتمد على قول الراوي عنها والعلم عند الله تعالى اهـ. وقد أورد الحديث في السلاح في مكانين في الأول منهما إلى قوله لكفاكم وفي رواه الترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحه قال الترمذي واللفظ له حديث حسن صحيح ولم يذكر ابن ماجه فيمن خرجه ولعل مراد الحافظ أن أصل الحديث عنده وإن لم يكن بهذه الزيادات المعقود لها الترجمة والله أعلم وفي الثاني باللفظ الذي أورده المصنف هنا الخ وقال: رواه أبو داود واللفظ له والترمذي والنسائي والحاكم وابن حبان في صحيحيهما وقال الحاكم صحيح الإسناد اهـ. واقتصر في الحصن على اللفظ المرفوع الذي أورده المصنف وعزاه لمن عزاه له في السلاح والله أعلم. قال الحافظ لحديث عائشة شاهد من حديث ابن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال من نسي أن يذكر الله في أول طعامه فليقل حين يذكر باسم الله أوله وآخره فإنه يستقبل طعامًا جديدًا ويمنع من كان يصيب منه أخرجه الحافظ من طريق الطبراني في الأوسط قال: وأخرجه ابن حبان قال الحافظ ورجاله ثقات إلا أنه اختلف في سماع عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود من أبيه ولولا ذلك لكان على شرط الصحيح اهـ. قوله: (فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أوله) أي أول الأكل المدلول عليه بقوله أكل وألحق أصحابنا الشافعية بالنسيان ما إذا تعمد أو جهل وليس للخصم أن يقول الناسي معذور فليمكن من التدارك بخلاف المتعمد لأن القصد من التدارك إضرار الشيطان بمنعه من طعامنا ولو نظر للعذر لمنع الشيطان عن مؤاكلة النّاس ولم يحتج إلى أن يجعل له طريقًا فالملحظ ليس العذر فحسب ومثل الأكل فيما ذكر في ندب الذكر المذكور كل ما يشتمل على أفعال متعددة من نحو اكتحال وتأليف

فَلْيَقُلْ: بِسمِ اللهِ أوَّلَهُ وآخِرَهُ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. ـــــــــــــــــــــــــــــ وشرب ما لم يكره الكلام أثناءه كجماع. قوله: (فليقل) أي عند الذكر والأمر للندب المؤكد وهل يأتي بالذكر الآتي بعد انقضاء الأكل أو لا؟ بالأول قال بعض الشافعية وعللوه بأن التسمية إنما شرعت لدفع الشيطان من توصله إلى الطعام وقد فات، وبالثاني قال آخرون وقالوا: إنها وإن شرعت لدفع الشيطان وقد فات فقد شرعت أيضًا ليقيء ما أكله، وفي صل آخرون بين ما إذا تذكر حال الاشتغال بمصالح الطعام ولو بعد الأكل والعهد قريب وبين ما إذا بعد وانقطعت النسبة والأوجه من هذه الأوجه أوسطها كما تقدم نقله بتعليله وبيان دليله بما فيه من اعتراض ورد في باب ما يقول على وضوئه والله أعلم. قوله: (باسم الله أوله وآخره) الباء في باسم الله للاستعانة أو المصاحبة ويقدر المتعلق آكل والجار والمجرور في محل الحال من فاعل الفعل المقدر وأوله وآخره منصوبان على الظرفية أي في أوله وآخره هذا هو الجيد فيهما كما قاله البكري ويجوز تقدير لفظ في على حذف الجار وإبقاء عمله والمراد منهما جميع أجزائه كما يشهد له المعنى الذي قصدت التسمية له فلا يقال ذكرهما يخرج الوسط، وأورد أنه كيف تصدق الاستعانة باسم الله في الأول وقد خلا الأول عنها، ودفع بأن الشرع جعله إنشاء استعانة باسم الله في أوله وليس هذا إخبارًا حتى يكذب وبهذا يصير المتكلم مستعينًا في أوله ويترتب على ما رتب على الاستعانة في أوله وهذا أوضح مما في الحرز من قوله إنه مستعين به في أوله حكمًا لأن حال المؤمن وشأنه هو الاستعانة به سبحانه في جميع أحواله وإن لم يجر اسم الله تعالى على لسانه لنسيانه إذ هو معفو عنه والله أعلم اهـ. وسبق في باب ما يقول على الوضوء الفرق بين التدارك بعد انقضاء الأكل وعدمه وبعد انقضاء الوضوء وعند الحنفية إذا ترك التسمية أول الوضوء لا يتداركها في أثنائه كما في الحرز قال والفرق بين الوضوء والطعام أن الوضوء فعل واحد غسل جميع أعضائه بخلاف الطعام فإن أكل كل لقمة فعل على حدة ولذا كان العلماء يسمون في كل لقمة ولعل الشارع اكتفى بأوله دفعا للحرج عن أكله ومع هذا ففضلاء الصوفية يسمون أيضًا في كل عضو من أعضاء الوضوء اهـ. وما ذكره من أن الوضوء فعل واحد لا يخفى

وروينا في "صحيِح مسلم" عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا دَخَلَ الرَجُلُ بَيْتَهُ فَذكَرَ اللهَ تعالى عِنْدَ دُخُولِهِ وعِنْدَ طَعامِهِ، قال الشَّيطَانُ: لا مَبِيتَ لكُمْ ولا عَشاءَ، وإذا دَخَلَ فَلمْ يَذْكُرِ اللهَ تَعالى عِنْدَ دُخُولِهِ، قال الشيطَانُ: أدرَكْتُمُ المَبِيتَ، وإذا لَمْ يَذْكُرِ الله تعالى عِنْدَ طَعَامِهِ، قال: أدرَكْتُمُ المَبِيتَ والعَشَاءَ". وروينا في "صحيح مسلم" أيضًا في حديث أنس المشتمل على معجزة ظاهرة من معجزات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما دعاه أبو طلحة وأم سليم للطعام، قال: ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ـــــــــــــــــــــــــــــ ما فيه فتأمل. قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) تقدم تخريجه والكلام على ما يتعلق بمعناه في باب ما يقول إذا دخل بيته في أوائل الكتاب. قوله: (وروينا في صحيح مسلم أيضًا الخ) لفظ الحديث عن أنس قال: أمر أبو طلحة أم سليم أن تجعل للنبي - صلى الله عليه وسلم - طعامًا يأكل منه ثم بعثني أبو طلحة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتيته فقلت: بعثني إليك أبو طلحة فقال للقوم قوموا فقاموا فانطلق وانطلقوا معه فلقينا أبو طلحة في الطريق فقال: يا نبي الله إنما صنعت لك طعامًا لنفسك خاصة فقال: لا عليك انطلق فانطلقوا وجيء بالطعام فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده في الطعام وسمى عليه ثم قال: ائذن لعشرة فأذن لهم فقال لهم: كلوا باسم الله فأكلوا حتى شبعوا ثم قال: ائذن لعشرة فعل ذلك بثمانين رجلًا ثم أكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكل أهل البيت وتركوا سورًا، قال الحافظ بعد تخريجه بهذا اللفظ أخرجه مسلم أي أخرج هذا المعنى لا بخصوص هذا المبنى قال المصنف في شرح مسلم أخرجه مسلم عن أنس حديثين الأول من طريق والثاني من طرق وهما قضيتان جرت فيهما المعجزتان أي تكثير الطعام القليل وعلمه - صلى الله عليه وسلم - بكفايته لهم وغيرهما من المعجزات ففي الحديث أن أبا طلحة وأم سليم أرسلا أنسًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بأقراص شعير قال أنس: فوجدت النبي

"ائْذَنْ لِعَشَرَة"، فأذن لهم فدخلوا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُوا وَسَمُّوا اللهَ تعالى، فأكلوا حتى فعل ذلك بثمانين رجلًا". ـــــــــــــــــــــــــــــ - صلى الله عليه وسلم - جالسًا في المسجد ومعه النّاس فقبلت عليهم فقال: أرسلك أبو طلحة فقلت: نعم فقال: الطعام فقلت: نعم فقال - صلى الله عليه وسلم - لمن معه: قوموا فانطلق فانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة: يا أم سليم قد جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناس وليس عندنا ما نطعمهم قالت: الله ورسوله أعلم فانطلق أبو طلحة حتى لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - فأقبل - صلى الله عليه وسلم - معه حتى دخلا فقال - صلى الله عليه وسلم -: هلمي ما عندك يا أم سليم فأتت بذلك الخبر فأمر به - صلى الله عليه وسلم - ففت وعصرت عليه عكة لها فآدمته ثم قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شاء الله أن يقول ثم قال: ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شعبوا ثم خرجوا ثم قال: ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا حتى أكل القوم كلهم وشبعوا والقوم سبعون أو ثمانون رجلًا، والحديث الآخر فيه أن أنسًا قال: بعثني أبو طلحة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأدعوه وقد جعل طعامًا فأقبلت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع النّاس فنظر إلي فاستحييت فقلت أجب أبا طلحة فقال للناس قوموا وذكر الحديث وأخرج لهم شيئًا من أصابعه وهذا الحديث قصة أخرى بلا شك وفيها ما في الحديث الأول وزيادة علم من أعلام النبوة وهو إخراج ذلك الشيء من بين أصابعه الكريمة - صلى الله عليه وسلم - اهـ. قوله: (ائذن لعشرة الخ) إنما لم يأذن لهم دفعة واحدة لئلا يقع نظرهم على الطعام فيتقالوه فتذهب منه البركة أو لأن الإناء لم يسع استدارة أكثر من عشرة ثمة أو لأن المكان لا يتسع لأكثر من ذلك العدد. قوله: (وسموا الله) أي اذكروا اسم الله تعالى على الطعام ولا تكفي تسمية الأولين وقولهم إن التسمية من واحد تكفي عن الباقي محمول على جماعة يعدهم العرف مجتمعين وما هنا ليس كذلك لانقطاع تسمية الأولين بقيامهم والله أعلم، قال المصنف في الحديث تكثير الطعام وعلمه - صلى الله عليه وسلم - بأن هذا القليل يكفي الكثير اهـ. ثم اختلف العلماء في أن تكثير الطعام القليل الذي هو من معجزاته - صلى الله عليه وسلم - هل هو بإيجاد معدوم أو بإيقاع البركة في الموجود والإجزاء به مع قلته

وروينا في "صحيح مسلم" أيضًا عن حذيفة رضي الله عنه، قال: "كنا إذا حضرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعامًا لم نضع أيديَنا حتى يبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيضع يده، وإنا حضرنا معه مرة طعامًا، فجاءت جارية كأنها تُدفع، فذهبت لتضع يدها في الطعام فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدها، ثم جاء أعرابي كأنما يُدفع، فأخذ بيده، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الشَّيْطان يَسْتَحِل الطعامَ أنْ لا يُذْكَرَ اسمُ الله عَلَيهِ، وإنهُ جاءَ بِهَذِهِ الجَارِيةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ معجزة؟ الأول عليه الأكثر والله أعلم. قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) قال في السلاح ورواه أبو داود والنسائي ولفظ أبي داود وأن يده لفي يدي مع أيديهما اهـ. وذكر الحافظ مثله ولم ينبه على ما أشار إليه في السلاح وخرجه الحافظ عن حذيفة من وجه آخر وقال: زاد في أوله فكف - صلى الله عليه وسلم - يده وفي آخره وإنه لما رآنا كففنا أيدينا جاء بهذين يستحل بهما قال وفي السند شذوذ. قوله: (كنا إذا حضرنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - طعامًا لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) قال المصنف فيه بيان هذا الأدب وهو أنه يبدأ الكبير الفاضل في غسل اليد للطعام وفي الأكل. قوله: (كأنها تدفع) وفي رواية لمسلم كأنها تطرد وفي نسخة من السلاح كأنما تدفع بالميم محل هاء الضمير قال المصنف يعني لشدة سرعتها. قوله: (ثم جاء أعرابي الخ) كذا عند مسلم في رواية له ووقع له في رواية أخرى قوله قدم مجيء الأعرابي قبل مجيء الجارية أي عكس ما في الروايتين المذكورتين قال المصنف وجه الجمع بينهما أن المراد بقوله في الثانية قدم مجيء الأعرابي الخ أنه قدمه في اللفظ بغير حرف ترتيب فذكره بالواو فقال جاء أعرابي وجاءت جارية والواو لا تقتضي الترتيب وأما الرواية الأولى فهي صريحة في الترتيب فتعين حمل رواية الواو على رواية ثم ويبعد حمله على واقعتين اهـ. قوله: (إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه) قال

فأخَذْتُ بِبَدِها، فجَاءَ بِهَذا الأعْرَابي لِيَسْتَحِلَّ بهِ، فأخَذْتُ بيَدِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المصنف معنى يستحل يتمكن من أكله ومعناه أنه يتمكن من أكل الطعام إذا شرع فيه إنسان بغير ذكر الله تعالى وأما إذا لم يشرع فيه أحد أو شرع بعضهم دون بعض لم يتمكن منه ثم الصواب الذي عليه جماهير العلماء من السلف والخلف من المحدثين والفقهاء والمتكلمين أن هذا الحديث وشبهه من الأحاديث الواردة في أكل الشيطان محمولة على ظواهرها وأن الشيطان يأكل حقيقة إذ العقل لا يحيله والشرع لا ينكره فوجب قبوله واعتقاده اهـ. كذا في النسخة المنقول منها والظاهر أن في النسخة سقطًا إذ قوله آخرًا أو شرع بعضهم دون بعض يقتضي أن الشيطان لا يتمكن منه حينئذٍ حتى يشرع الباقون ويترك الكل التسمية وقوله أولًا لأن الشيطان يتمكن منه إذا شرع فيه إنسان بغير ذكر الله ينافيه إلا أن يقال ينزل كلامه على حالين ما إذا كان الأكل واحدًا فشرع فيه بغير ذكر فيتمكن منه الشيطان حينئذٍ وما إذا كانوا جماعة فلا يتمكن إلا بفعل الكل مع ترك الذكر وفيه ما فيه والله أعلم وعلى هذين الحالين ينزل كلامه في الموضعين قال البيضاوي كأن ترك التسمية إذن من الله تعالى للشيطان في التناول كما أن التسمية منع له عنه نقله الطيبي وقيل معنى يستحله يصرف قوته فيما لا يرضاه الله تعالى أي لا يكون ممنوعًا من التصرف فيه إلا بذكر اسم الله عليه قال المصنف في شرح مسلم وينبغي أن يسمى كل واحد من الآكلين فإن سمي واحد منهم حصل أصل السنة نص عليه الشافعي ويستدل له بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر بأن الشيطان إنما يتمكن من الطعام إذا لم يذكر اسم الله عليه وهذا في ذكر اسم الله عليه ولأن المقصود يحصل بواحد ثم أيده أيضًا بحديث الذكر عند دخول المنزل وفي سبق في باب ما يقول إذا دخل منزله أوائل الكتاب وذكره المصنف هنا أيضًا ووجه التأييد إنما يظهر إن كان

والذِي نَفْسي بيَدِهِ إنّ يَدَهُ في يَدي مع يَدِهِما" ثم ذكر اسم الله تعالى وأكل. وروينا في "سنن أبي داود والنسائي" عن أمية بن مخشي الصحابي رضي الله عنه قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسًا ورجل يأكل، فلم يسمِّ حتى لم يبق من طعامه إلا لقمة، فلما رفعها إلى فيه قال: بسم الله أولَه وآحره، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - ـــــــــــــــــــــــــــــ يذكر فيه مبنيًّا للمفعول أما إذا كان مبنيًّا للفاعل ومرجع الفاعل فيه الرجل فلا يظهر التأييد المذكور والله أعلم. قوله: (والذي نفسي بيده) فيه الحلف بلا استحلاف وهو جائز بل مندوب لتأكيد الأمر الذي يعتني بتأكيده وتقويته وقوله: نفسي بسكون الفاء أي روحي وقوله: بيده أي بقدرته. قوله: (إن يده) أي الشيطان. قوله: (مع يدها) قال المصنف في شرح مسلم هكذا هو في معظم الأصول يدها وفي بعضها يدهما وهذا ظاهر والتثنية تعود إلى الجارية والأعرابي ومعناه أن يد الشيطان في يده - صلى الله عليه وسلم - مع يد الجارية والأعرابي وأما على رواية يدها بالإفراد فيعود الضمير على الجارية وقد حكى القاضي عياض أن الوجه التثنية والظاهر أن رواية الأفراد مستقيمة فإن إثبات يدها لا تنفي يد الأعرابي بل هي ساكتة عنها فإن صحت الرواية بالإفراد وجب قبولها وتأويلها على ما ذكرناه والله أعلم اهـ. قوله: (ثم ذكر) أي النبي - صلى الله عليه وسلم - (اسم الله تعالى) على الطعام (وأكل). قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) قال في السلاح واللفظ لأبي داود وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال الدارقطني لم يسند أمية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير هذا الحديث اهـ. وقال الحافظ بعد تخريج الحديث: هذا حديث غريب أخرجه أبو داود وأخرج الحاكم بسنده إلى الطبراني عن جابر بن صبح حدثني المثنى وصحبته إلى واسط فكان إذا أكل سمى فإذا صار إلى آخر لقمة قال: بسم الله أوله وآخره فقلت له في ذلك فقال: حدثني ابن أمية فذكر الحديث بنحوه ثم قال الحافظ: أخرجه أحمد والنسائي. قوله: (عن أمية بن مخشي الصحابي رضي الله عنه) بصري يكنى أبا عبد الله قاله أبو نعيم وأبو عمر وقال ابن منده الخزاعي وهو من الأزد ولا يعرف له غير هذا الحديث كذا في أسد الغابة وفي شرح المصابيح للعاقولي قال ابن أبي حاتم في كتاب

ثم قال: ما زال الشيطان يأكُلُ مَعَهُ، فلَمَا ذَكَرَ اسمَ الله اسْتَقَاءَ ما في بَطْنِهِ". قلت: مخشي، بفتح الميم وإسكان الخاء وكسر الشين المعجمتين وتشديد الياء، وهذا الحديث محمول على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعلم تركه التسمية إلا في آخر أمره، إذ لو علم ذلك لم يسكت عن أمره بالتسمية. وروينا في كتاب الترمذي. عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل طعامًا في ستة من أصحابه، فجاء أعرابي فأكله بلقمتين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أما إنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجرح والتعديل أمية بن مخشي له صحبة روى عنه المثنى بن عبد الرحمن بن مخشي سمعت أبي يقول ذلك وقال ابن عبد البر في استيعابه روى عنه المثنى بن عبد الله بن مخشي ؤهو ابن أخيه له حديث واحد عند الأكل يعني هذا الحديث. قوله: (استقاء الشيطان) أي ما في بطنه ولا يلزم منه غسل الإناء وإن حملناه على الحقيقة كما هو الأرجح في مثله لما تقدم عن شرح مسلم للمصنف لأنه ليس فيه أن الاستقاءة في نفس الإناء إذ يحتمله ويحتمل أن يكون خارجه وطهارة الأصل لكونها الأصل المحقق لا ترفع بذلك والله أعلم. قوله: (مخشي بفتح الييم وإسكان الخاء وكسر الشين المعجمتين) هذا هو الصواب ويوجد في بعض النسخ المعجمة فيوهم أن الخاء مهملة وهو من تحريف الكتاب والله أعلم. قوله: (وروينا في كتاب الترمذي الخ) هو طرف من حديث طويل تقدم تخريجه في أول هذا الباب. قوله: (طعامًا) تنوينه للتنكير لا للتكثير إذ يأباه أكله في لقمتين وقيل إنه للتكثير ويدل عليه قوله في ستة من أصحابه ولجاب بأن كفايتهم بذلك الطعام مع قلته من جملة معجزاته - صلى الله عليه وسلم - ومن التواضع قعوده مع أصحابه وأكله معهم بحيث يقدم الغريب فيأكل معه. قوله: (فجاء أعرابي) تقدم الكلام في معنى الأعرابي في باب تنزيه المسجد عن الأقذار هاخبار عائشة عما ذكر في الخبر إما عن رؤيتها وذلك قبل الحجاب أو بعده واقتصرت على رؤية الإناء ولا يلزم منه رؤية الأعرابي أو عن إخباره - صلى الله عليه وسلم - أو من غيره وعلي الأخير مرسل صحابي وهو حجة خلافًا للأسفرايني. قوله: (بلقمتين) الباء فيه بمعنى في ووقع في بعض النسخ في الشمائل في لقمتين. قوله:

لوْ سَمَّى لَكَفاكُمْ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. ـــــــــــــــــــــــــــــ (لو سمى) وفي لفظ أما إنه لو سمى وفي لفظ لو سمى الله تعالى أي لو قال الأعرابي باسم الله لكفاكم أي وإياي وفي نسخة من الشمائل لكفانا وفي نسخة لكفاهم ويدخل فيه الأعرابي أيضًا وذلك لأن الشيطان ينتهز الفرصة وقت الغفلة عن ذكر الله وهذا تصريح بعظم بركة التسمية وفائدتها والمعنى أن هذا الطعام القليل كان الله يبارك فيه معجزة لي وكان بذلك يكفينا لكن لما ترك التسمية انتفت تلك البركة وفيه كمال المبالغة في زجر تارك التسمية على الطعام لأن تركها يمحق الطعام كذا في بعض شروح الشمائل ثم هذا الحديث بظاهره يشكل على ما تقدم عن الشافعي مما سيأتي في الكتاب أن تسمية واحد من الحاضرين تكفي في دفع الشيطان عن الطعام وسبق دليله في كلام المصنف في شرح مسلم وأجيب بأن شيطان الرجل جاء معه فلم تكن التسمية السابقة على مجيئه مؤثرة فيه ولا هو سمى فتكون تسميته مانعة من أكل شيطانه معه أشار إليه الطيبي واستحسنه ميرك ثم قال: لكن ليس صريحًا في دفع التناقض بين الحديث وبين ما قاله الشافعي قال: فالأولى أن يقال كلام الشافعي محمول على أنه مخصوص بما إذا اشتغل جماعة بالأكل معًا وسمى واحد منهم فحينئذٍ لسمية هذا الواحد تجزئ عن الباقين من الحاضرين لا عن شخص لم يكن حاضرًا معهم وقت التسمية إذ المقصود من التسمية عدم تمكن الشيطان من أكل الطعام مع الإنسان فإذا لم يحضر إنسان وقت التسمية عند الجماعة لم تؤثر تلك التسمية في عدم تمكن شيطان ذلك الإنسان من الأكل معه فتأمل اهـ. وأجاب ابن حجر الهيتمي في شرح الشمائل عن مثل حديث الباب بأن الواقعة واقعة حال محتملة لأن يكون قعوده بعد انصرافهم بدليل "ثم" -أي في ذلك الحديث والفاء في حديث الباب- قال: وهذا الجواب متعين وهو وإن كان بعيدًا من سياق حديث الباب إلا أن الجمع بين الأحاديث يحتمل فيه نحو ذلك لما فيه من أعمال كل وعلى هذا فيكون قوله إما أنه لو سمي صدر منه كو بعد قيامه وقيام من معه ومعنى لكفاكم أي لو احتجتم إليه ثانيًا وكان ذلك الجائي سمى عند جلوسه وحده

وروينا عن جابر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه لكفاكم عن الاحتياج إليه والله أعلم قال ابن حجر وأما الجواب بأن لهذا الجائي شيطانًا جاء معه فلم تؤثر فيه تسميتهم ولا هو سمى فغير صحيح لأن التسمية أول الطعام متكفلة بمنع الشيطان منه إلى فراغ أولئك الآكلين فإن قلت قضية الحديث أي حديث إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وطعامه الخ فإنه يصرح بأنه إنما يتمكن منه إذا لم يذكر اسم الله تعالى فقضيته أنه إذا سمى الله تعالى عليه امتنع الشيطان منه وإن فرغ الأولون منه ثم قعد غيرهم ولم يسم، قلت: لو سلم أن ذلك قضيته لكانت القاعدة أن يستنبط من النص معنى يخصصه وهو هنا أن المجتمعين ومن لحقهم قبل فراغهم منسوبون للمبسمل تابعون له فسرت إليهم بركة التسمية، فشملت من معه وشملت من لحقهم بركتها تبعًا ومن لحقهم أيضًا وهكذا، أما من جاء بعد فراغ الجميع فقد انقطعت نسبته عنهم وعد الطعام بالنسبة إليه بمنزلة الطعام الجديد ولو أخذنا بعموم ذلك الحديث وإطلاقه لاقتضى أن الطعام إذا كثر وتناوله واحد أو جماعة أيامًا متعددة كفت تسمية واحد من الأولين عن جميع تلك المرات وإن تباعد ما بينها، وكلام أئمتنا كالصريح في خلاف ذلك اهـ. قوله: (وروينا عن جابر) كذا في الأصل غير مبين من خرجه وهو في كتاب ابن السني كما قال الحافظ ووقع لنا في غيره بأتم سياق منه فخرجه عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من نسي أن يذكر الله في أول طعامه فليذكر اسم الله في آخره وليقرأ قل هو الله أحد" قال أبو القاسم اللخمي تفرد به حمزة النصيبي أي في كلا الطريقين، قال الحافظ وهو وضاع عند أهل العلم بالرجال. قال البخاري في الضعفاء حمزة منكر الحديث وأخرجه ابن حبان في كتاب الضعفاء قال: كان حمزة يروي الموضوعات عن الثقات كأنه المتعمد لها لا تحل الرواية عنه اهـ، وقد اشتد إنكار الإِمام البيهقي على الشيخ أبي محمد الجويني إدخاله هذا الحديث وغيره من الموضوعات كحديث المشمس في كتابه المحيط، وقال إن إمامنا الشافعي كان شديد الحرص على تجنب مثل هذا،

"مَنْ نسِيَ أن يُسَمِّيَ على طعامِهِ فَلْيَقْرأ: قُلْ هُوَ اللهُ أحد، إذا فَرَغَ". قلت: أجمع العلماء على استحباب التسمية على الطعام في أوله، فإن ترك في أوله عامدًا أو ناسيًا أو مكرهًا أو عاجزًا لعارض آخر ثم تمكن في أثناء أكله، استحبَّ أن يسميَ، للحديث المتقدم، ويقول: ـــــــــــــــــــــــــــــ والإنكار على من يتعمده، في كلام كثير في جزء مشهور يسمى رسالة البيهقي إلى الجويني والله أعلم اهـ. ثم مدار الحديث عند الجميع على حمزة وقد علمت حاله وهو يرويه عن أبي الزبير عن جابر. قوله: (من نسي أن يسمي الله الخ) قال ابن حجر الهيتمي في الإمداد وفي حديث عن أبي يعلى الموصلي وغيره مرفوعًا من قرأ لإيلاف قريش أمن من كل خوف وهو يؤيد ما قيل إنها أمان من التخمة فينبغي قراءتها أيضًا بعد الأكل، وحكمة قراءتها تنزيه البارئ سبحانه عن أن يطعم أو يشرب لأن الصمد هو الذي لا جوف له والتذكير بنعمة الإطعام من الجوع مع التبرك بها لدفع ما يخاف من غوائل الطعام. قوله: (أجمع العلماء على استحباب التسمية الخ) أي وإن كان الآكل جنبًا أو نحوه لكن لا يقصد بها القرآن. قوله: (فإن تركه في أوله عامدًا الخ) ألحق أصحابنا هذه الأحوال بالحال المنصوص عليها في الخبر وهو حال النسيان بجامع الترك في كل، وأيضًا فالمراد من الإتيان بها للناس إيذاء الشيطان ليتقيأ ما أكله وهذا القدر يطلب من الجميع وليس الملحظ كونه معذورًا في الترك إذ لو لحظ ذلك لمنع الشيطان من مؤاكلته ولم يحتج إلى أن يجعل للناسي طريق في ذلك كذا قيل: ولا يخفى ما فيه والمراد الإكراه على ترك التلفظ بهذا الذي هو مدار الاعتبار في الأذكار اللفظية وبه يندفع ما في شرح الشمائل للقارئ من قوله الإكراه أشد عذرًا من الجهل والنسيان مع أنه لا يتصور منعه عن البسملة إلا جهرًا أو لسانًا فحينئذٍ يكتفي بالذكر قلبًا وأن ظاهره أن الذكر القلبي المأتي به حال الإكراه مغنٍ في دفع الشيطان عن الإطعام بعد زوال الإكراه ولا يحتاج في دفعه إلى قوله بسم الله أوله وآخره ولا يخفى بعده

فصل

بسم الله أوله وآخره، كما جاء في الحديث. والتسمية في شرب الماء واللبن والعسل والمرق وسائر المشروبات كالتسمية في الطعام في جميع ما ذكرناه. قال العلماء من أصحابنا وغيرهم: ويستحب أن يجهر بالتسمية ليكون فيه تنبيه لغيره على التسمية وليقتدى به في ذلك، والله أعلم. فصل: من أهم ما ينبغي أن يعرف: صفة التسمية، وقدر المجزئ منها، فاعلم أن الأفضل أن يقول: بِسْم الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، فإن قال: بِسْمِ الله، كفاه وحصلت السنة، وسواء في هذا الجنب والحائض وغيرهما، وينبغي أن يسميَ كل واحد من الآكلين، ـــــــــــــــــــــــــــــ أما أولًا فالظاهر أن الشيطان لا يندفع عن الطعام بالذكر القلبي ولو مع العذر كما سبق الإيماء إليه وبفرضه فالظاهر* أنه عند زوال العذر يأتي بما ذكر والله أعلم. قوله: (بسم الله أوله وآخره) ظاهر الحديث أنه يقتصر على ذلك إذا أتى بها في الأثناء ولا يطلب منه أن يزيد الرحمن الرحيم وهو محتمل ويحتمل أن هذا أقل ذلك وإن زاد ذلك كان حسنًا والأول أقرب إلى عباراتهم. قوله: (ليكون فيه تنبيه رفيقه الخ) أي وليشرد الشيطان كما في شرح الشمائل للهروي القارئ. فصل ... واعلم أن الأفضل الخ قال الحافظ: ولم أر لما ادعاه من الأفضلية دليلًا قال: وما في الأحياء أنه لو قال في كل لقمة: بسم الله كان حسنًا وأنه يستحب أن يقول في الأولى بسم الله، ومع الثانية بسم الله الرحمن، ومع الثالثة بسم الله الرحمن الرحيم فلم أر لاستحباب ذلك دليلًا أما التكرار فقد بين وجهه بقوله حتى لا يشغله الأكل عن ذكر الله اهـ. وعبارة شرح مسلم للمصنف فيها إجمال واحتمال وهي "ويحصل التسمية بقول بسم الله فإن قال بسم الله الرحمن الرحيم كان حسنًا" فإن الحسن يستعمل في المباح، ومنه قول الشافعي: وأي أجزاء البيت قبل فحسن،

باب لا يعيب الطعام والشراب

فلو سمى واحدًا منهم أجزأ عن الباقين، نصَّ عليه الشافعي رضي الله عنه، وقد ذكرتُه عن جماعة في كتاب "الطبقات" في ترجمة الشافعي، وهو شبيه برد السلام وتشميت العاطس، فإنه يجزئ فيه قول أحد الجماعة. باب لا يعيب الطعام والشراب ـــــــــــــــــــــــــــــ وتستعمل بمعنى السنة، وعند المالكية التسمية على الطعام والشراب واجبة وجوب السنن لا أنه يأثم بتركه. قال الشيخ يوسف بن عمر الفاسي في شرح الرسالة، قال أبو عمر بن عبد البر: الإجماع في التسمية عند الأكل والشرب أنها غير واجبة، فإذا ثبت أن التسمية غير واجبة حمل قوله فواجب عليك أن تقول إذا أكلت أو شربت بسم الله على وجوب السنن اهـ وهي بسم الله. قال الفاكهاني: قال بعض شارحي الرسالة: ليس له أن يقول الرحمن الرحيم فإن فعل فلا شيء عليه اهـ. قوله: (ولو سمى واحد منهم أجزأ عن الباقين) وكذا يجزئ عمن لحقهم أو لحق من لحقهم تبعًا لهم كما علم من كلام شرح الشمائل السابق فإن جاء واحد أو جمع بعد فراغ الجميع فلا تكفي التسمية السابقة بالنسبة إليه أو إليهم قال: ووقع التردد فيما لو كثر الآكلون كثرة مفرطة واتسع خطتهم بحيث لا ينسب عرفًا أولهم لآخرهم وسمى واحد حال اجتماع الجمع هل يكفي عنهم حينئذٍ والذي يتجه أنه لا يكفي لأن انتفاء النسبة العرفية يقتضي انتفاءها حقيقة والمدار هنا ليس إلا عليها اهـ. وفارق كون التسمية في الطهارة من نحو الوضوء والغسل سنة عين ما هنا بأن الطهارة عمل ينفرد به الإنسان فكانت التسمية مطلوبة من كل عامل بانفراده أما نحو الأكل ففعل يقع من جماعة في آن واحد فكفت تسمية البعض منهم والله أعلم. باب لا يعيب الطعام والشراب أي إن إعابتهما ترجع إلى إعابة فعل الله سبحانه إن لم يكن للإنسان دخل فيه كالثمار ونحوها أو يترتب عليه كسر خاطر الصانع إن كان للإنسان فيه كسب من نحو المطبوخ والله أعلم، وأيضًا فإن عيب الطعام من شأن المترفين المتكلفين وهو

روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "ما عاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعامًا قط، إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه" وفي رواية لمسلم "وإن لم يشتهه سكت". وروينا في "سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه" ـــــــــــــــــــــــــــــ خلاف شعار الصالحين. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) وأخرجه أبو داود وفي رواية لجرير أحد رواته عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة شيئًا بدل طعامًا وفيها وإن كرهه تركه قال المصنف في شرح مسلم بعد كلام نقله عن الدارقطني في بعض طرق مسلم في الحديث: وعلى كل حال فالمتن صحيح لا مطعن فيه بوجه اهـ. وعند الترمذي في شمائل من حديث هند بن أبي هالة لم يكن أي النبي - صلى الله عليه وسلم - يذم ذواقًا ولا يمدحه، قال شارحها أما نفي الذم فلكونه نعمة وذم النعمة كفران وشعار للمتكبرة والمتجبرة. وأما نفي مدحه فلكون المدح يشعر بالحرص والشره. قوله: (ما عاب رسوله الله طعامًا لخ) قال المصنف في شرح مسلم هذا من آداب الطعام كقوله: مالح قليل الملح حامض رقيق غليظ غير ناضج أو نحو ذلك. وأما حديث ترك أكل الضب فليس هو من عيب الطعام إنما هو إخبار بأن هذا الطعام الخاص لا أشتهيه اهـ. قوله: (وفي روايه لمسلم) هكذا في نسخ من الأذكار قال الحافظ وفي الأصل وفي رواية مسلم بحذف اللام وما في النسخ أولى لأن ما في الأصل يوهم الاقتصار وليس كذلك بل اقتصر عليه باللفظ الأول كما علم مما تقدم وانفرد مسلم بالثاني والاختلاف في هذه اللفظة من الأعمش عن شيخه يعني بهما أبا حازم سلمان الأشجعي وأبا يحيى مولى جعدة والرواية التي انفرد بها مسلم عن الأعمش من طريق الأعمش عن أبي يحيى، والأولى التي اتفقا عليها من طريقه عن أبي حازم والله أعلم. قوله: (وروينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه الخ) خرجه الحافظ من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل ومن طريق وكيع وغيره تنتهي تلك الطرق إلى سفيان الثوري وخرجها عن عبد الله بن أحمد أيضًا من طريق شريك القاضي كلاهما عن سماك بن حرب

عن هلب الصحابي رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسأله رجل: إن من الطعام طعامًا أتحرَّج منه، فقال: لا يَتَحَلَجَنَّ في صَدْرِكَ شَيء ضَارَعْتَ بِهِ النَّصرانِيةَ". قلت: هُلب بضم الهاء وسكان اللام وبالياء الموحدة. وقوله: يتحلَّجن، هو بالحاء المهملة قبل اللام والجيم بعدها، هكذا ضبطه الهروي والخطابي والجماهير من الأئمة، وكذا ضبطناه في أصول سماعنا "سنن أبي داود" وغيره بالحاء المهملة، وذكره أبو السعادات ابن الأثير بالمهملة أيضًا، ثم قال: ويروى بالخاء المعجمة، وهما بمعنى واحد. قال الخطابي: معناه: ـــــــــــــــــــــــــــــ عن قبيصة بن هلب الطائي عن أبيه رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أرأيت طعامًا لا أتركه إلا تحرجًا، فقال: لا يختلجن في صدرك شيء ضارعت فيه النصرانية. وفي رواية وكيع سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن طعام النصاري هذا حديث حسن أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأفاد رواية وكيع أن المبهم في رواية غيره هو الراوي أبهم نفسه اهـ. وسبق في باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع أسباب إخفاء الراوي اسمه. قوله: (عن هلب الصحابي رضي الله عنه) ضبطه المصنف كما سيأتي وغيره بضم الهاء وسكون اللام وبالباء الموحدة، وهو هلب الطائي والد قبيصة مختلف في اسمه، فقيل زيد بن قيافة قاله البخاري، وقيل زيد بن عدي بن قيافة بن عدي بن عبد شمس بن عدي بن أحزم يجتمع هو وعدي بن أحزم الطائي في عدي بن أحزم، وإنما قيل له المهلب لأنه كان أقرع فمسح النبي - صلى الله عليه وسلم - رأسه فنبت شعره وهو كوفي روى عنه ابنه قبيصة أحاديث. منها حديث الباب، ومنها قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ فيأخذ شماله بيمينه أخرجه ابن عبد البر وابن مسنده وغيره والله أعلم. قوله: (وذكر أبو السعادات بن الأثير) عبارته هو بالحاء المهملة ثم الجيم أي لا يدخل قلبك شيء منه فإنه نظيف فلا ترتابن فيه. قوله: (وهما بمعنى واحد) أي الحلج بالحاء المهملة أو المعجمة ثم اللام بمعنى واحد

باب جواز قوله: لا أشتهي هذا الطعام أو ما اعتدت أكله أو نحو ذلك إذا دعت إليه الحاجة

لا يقع في ريبة منه. قال: وأصله من الحلج: هو الحركة والاضطراب، ومنه حلج القطن. قال: ومعنى ضارعت النصرانية، أي: قاربتها في الشبه، فالمضارعة: المقاربة في الشبه. باب جواز قوله: لا أشتهي هذا الطعام أو ما اعتدت أكله أو نحو ذلك إذا دعت إليه الحاجة ـــــــــــــــــــــــــــــ أي لا يتحرك في قلبك شيء من الريبة والشك وأصل الحلج بالمهملة والاختلاج بالمعجمة الحركة والاضطراب وقال في النهاية في حديث عدي قال: لا يختلجن في صدرك شيء ضارعت فيه النصرانية، المضارعة المشابهة والمقاربة وذلك أنه سأله عن طعام النصارى فكأنه أراد لا يتحركن في قلبك شك أن ما شابهت فيه النصارى حرام أو خبيث أو مكروه وذكره الهروي في باب الحاء المهملة مع اللام ثم قال: يعني إنه نظيف فلا ترتابن فيه وسياق الحديث لا يناسب هذا التفسير اهـ. وفي الحديث الإشارة إلى أن ما يقع في الخاطر من التردد في حل شيء من غير مستند شرعي لا يعول عليه ولا يلتفت إليه وفيه جواز تناول طعام أهل الكتاب وما ينقل من أنهم يضعون في نحو الجبن لبن الخنزير لا يحرم تناول جبنهم حتى يتحقق أن ما يريد أكله مما وضع فيه ذلك فإن ذلك وإن كان هو الغالب من فعلهم لكن عارضه أصل الطهارة فقدم الأصلي لأصالته وبقي على الجواز والله أعلم. باب جواز قوله: لا أشتهي هذا الطعام أو ما اعتدت أكله أو نحو ذلك إذا دعت إليه الحاجة الضمير في قوله: قوله يعود إلى الإنسان المدعو إلى الطعام المدلول عليه بسياق الكلام وقوله أو نحو ذلك أي ما ذكر مما يدل على عدم اشتهائه أو اعتياده أكله

روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن خالد بن الوليد رضي الله عنه في حديث الضب لما قدَّموه مشويًّا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأهوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده إليه، فقالوا: هو الضب يا رسول الله، فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده، ـــــــــــــــــــــــــــــ من غير أن يكون فيه ذم للطعام وقوله إذا دعت الحاجة بأن خشي على خاطر نحو مضيفه من عدم أكله من ذلك الطعام فيقول حينئذٍ ذلك لجبر خاطره. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) هو من حديث ابن عباس عن خالد أنه دخل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيت ميمونة بنت الحارث فأتى بضب محنوذ فأهوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليه بيده فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة أخبروا رسول الله بما يريد يأكل منه فقالوا هو ضب فرفع - صلى الله عليه وسلم - يده فقلت أحرام هو يا رسول الله؟ قال: لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه فاجتررته فأكلته والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ينظر أخرجه البخاري ومسلم، قال الحافظ للحديث طرق كثيرة في الكتب الستة وغيرها عن الزهري والله أعلم قال المصنف في شرح مسلم: أجمع المسلمون على أن الضب حلال ليس بمكروه إلا ما حكي عن أبي حنيفة من كراهته وإلا ما حكاه القاضي عياض عن قوم قالوا حرام وما أظنه يصح عن أحد فإن يصح عن أحد فمحجوج بالنصوص وإجماع من قبله قلت: قال الدميري في حياة الحيوان وما روى عن عبد الرحمن ابن حسنة قال: نزلتا أرضًا كثيرة الضباب فأصابتنا مجاعة فطبخنا منها أي من الضباب وإن القدور لتغلي إذ جاءنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما هذا؟ فقلنا: ضباب أصبناها فقال: إن أمة من في إسرائيل مسخت دوابًا في الأرض وإني أخشى أن يكون هذا منها فلم آكلها ولم أنه عنها فيحتمل أن ذلك قبل أن يعلم أن الممسوخ لا يعقب اهـ. قال العراقي في شرح التقريب بعد نقل قول المصنف السابق في كراهته وأظنه لم يصح الخ الكراهة قول الحنفية بلا شك كما هو في كتبهم واختلفوا في المكروه والمروي عن محمد بن الحسن أن كل مكروه حرام إلا أنه لما لم يجد فيه نصًّا قاطعا لم يطلق عليه لفظ الحرام وعن أبي حنيفة وأبي يوسف إلى الحرام أقرب فظهر بذلك وجود الخلاف في تحريمه أيضًا عند أبي حنيفة ولذا نقل العمراني عن الحنفية تحريمه وهو ظاهر

فقال خالد: أحرام الضب يا رسول الله؟ قال: "لا، وَلكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بأرْضِ قَوْمي فأجدني أعافُهُ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قول ابن حزم ولم ير أبو حنيفة أكله والخلاف عند المالكية أيضًا فحكى ابن شاس وابن الحاجب فيه وفي كل ما قيل إنه ممسوخ ثلاثة أوجه: التحريم والكراهة والإباحة اهـ، وقوله محنوذ بالمهملة والنون وبعد الواو معجمة أي مشوي وقيل مشوي على الرضف وأكل خالد الضب قال القرطبي وقد جاء في غير كتاب مسلم من غير استئذان من باب الإدلال والأكل من بيت القريب والصديق الذي لا يكره ذلك وخالد أكل منه في بيت ميمونة خالته وبنت صديقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يحتاج إلى استئذان سيما والمهدية خالته أم حفيد ولعله أراد بأكله جبر خاطرها والله أعلم، ثم ورد من طريق سفيان بن عيينة وسيأتي ذكرها في باب ما يقول إذا فرغ من الطعام أن التي أهدت الضباب أم غفيق بالغين المعجمة والفاء التحتية والقاف قال الحافظ: وأصل الحديث في الصحيح بلفظ أم حفيد أوله حاء مهملة وآخره قال وهو المشهور وسميت في رواية أخرى في الصحيح هزيلة بزاي منقوطة ولام مصغر وهي أخت ميمونة وأخت لبابة الكبرى أم ابن عباس وأخت لبابة الصغرى أم خالد الأربع بنات الحارث وكانت أم حفيد تزوجت في الأعراب فسكنت البادية وكانت تزور أختها بالمدينة وذكر ابن سعد أنها سلمت وبايعت وكلهن معدودات في الصحابة رضي الله عنهن اهـ، ذكره الحافظ في باب ما يقوله إذا فرغ من الطعام. قوله: (ولكنه لم يكن بأرض قومي) استشكل هذا بعضهم بأن الضب موجود بأرض مكة وقد أنكر ذلك ابن العربي وقال إن فيه تكذيب الخبر وأن الناقل لوجودها بمكة كاذب أو سميت له بغير اسمها أو حدثت بعد ذلك هذا كلامه قال العراقي في شرح التقريب والحق إن قوله لم يكن بأرض قومي لم يرد به الحيوان إنما أراد به أكله أي لم يشع أكله بأرض قومي، وفي معجم الطبراني الكبير من حديث ميمونة مرفوعًا إنا أهل تهامة نعافها قال القرطبي وقد جاء في غير كتاب مسلم أنه - صلى الله عليه وسلم - كره ريحه ولا بعد في تعليله كراهية الضب بمجموع ما ذكر اهـ، ثم الضب دويبة معروفة والأنثى ضبة وفي المحكم هو شبه الورل وفي المفهم هو جرذون كبجر يكون في الصحراء. قوله: (أعافه) أي أكرهه تقذرًا.

باب مدح الأكل الطعام الذي يأكل منه

باب مدح الأكل الطعام الذي يأكل منه روينا في "صحيح مسلم" عن جابر رضي الله عنه "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل أهلَه الأُدْمَ، فقالوا: ما عندنا إلا خل، فدعا به فجعل يأكل منه ويقول: ـــــــــــــــــــــــــــــ باب مدح الآكل الطعام الذي يأكل منه اعلم أنه لا منافاة بين قضية الترجمة وما سبق من حديث ابن أبي هالة من قوله وكان يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يذم ذواقًا ولا يمدحه فإن المراد لا يمدحه بحسب طبعه وميله إليه وهواه لأن ذلك شأن أرباب العنية بالطعام والشره فيه فإذا وقع المدح منه فيكون لباعث شرعي من جبر خاطر كما في حديث الباب أو إعلام بفضيلة تخص الطعام كما ورد منه في اللبن ونحو ذلك. قوله: (روينا في صحيح مسلم الخ) هذا بعض من حديث جابر وهو ما ورد عنه قال: كنت جالسًا في داري فمر بي النبي - صلى الله عليه وسلم - فأشار إلي فقمت إليه فأخذ بيدي فانطلقنا حتى أتى بعض حجر نسائه فدخل ثم أذن لي فدخلت والحجاب عليها فقال: هل من غداء قالوا: نعم، فأتى بثلاثة أقراص فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين يديه قرصًا ووضع بين يدي قرصًا وأخذ الثالث فكسره باثنين فوضع نصفه بين يديه ونصفه بين يدي وفي رواية فأتي بغلق من خبز ثم قال: هل أدم؟ ، وفي رواية: أما من أدم؟ فقالوا: لا إلا شيء من خل فقال: هاتوا فنعم الأدم الخل، وفي رواية قال جابر: فما زلت أحب الخل منذ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الحافظ: أخرجه مسلم والنسائي وأبو داود وأبو عوانة اهـ. وفي الجامع الصغير من تخريج أحمد ومسلم والسنن الأربعة من حديث جابر قال الحافظ: ووقع في رواية أحمد من طريق يزيد بن هارون عن جابر بلفظ كنت في ظل داري فلما رأيته وثبت إليه فجعلت أمشى وراءه قال: ابن قد دنوت منه والباقي نحوه وورد من حديث عائشة قالت: قال رسول الله روقوله: "يا عائشة هل عندك من أدم" قالت: خل، قال: "نعم الأدم الخل" أخرجه مسلم والترمذي ويستأنس به في تسمية المبهم ويؤيده ما أخرجه أبو نعيم في الحلية في ترجمة هشام الدستوائي عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عائشة هل عندك من أدم" قالت: نعم خل، قال: "نعم ا

نِعْمَ الأُدْمُ الخَلُّ، نِعْمَ الأُدْمُ الخَلُّ". ـــــــــــــــــــــــــــــ لأدم الخل" قال الحافظ: ثم رأيت في رواية أحمد عن يزيد بن هارون المشار إليه قريبًا حتى أتى بعض حجر نسائه أم سلمة أو زينب بنت جحش فلعل القصة تعددت اهـ. قال العلقمي في شرح الجامع الصغير وقد رد حديث نعم الأدم الخل من رواية جمع من الصحابة أفردوا بجزء. قوله: (نعم الأدم الخل) قال الدميري قال أهل اللغة الإدام بكسر الهمزة ما يؤتدم به يقال: أدم الخبز فأدمه بكسر الدال وجمعه الأدام أدم ككتاب وكتب والأدم بإسكان الدال مفرد أي كالإدام أي ذلك بحسب الأصل فلا ينافي جواز تخفيف المضموم بالإسكان المطرد فيه قلت وقال في المصباح المنير: أدمت الخبز من باب ضرب وآدمته بالمد باللغتين إذا أصلحت أساغته بالإدام والإدام ما يؤتدم به مائعا كان أو جامدًا وجمعه أدم مثل كتاب وكتب ويسكن للتخفيف فيعامل معاملة المفرد فيجمع على آدم مثل قفل وأقفال اهـ. ولا يخفى ما اختلف كلامهما في الأدم بإسكان الدال فتأمله وقال القرطبي: الإدام ما يؤتدم به أي يؤكل به الخبز مما يطيبه سواء كان مما يصطبغ به كالأمراق والمائعات أو كالجامدات من اللحم والجبن والبيض هذا معنى الإدام عند الجمهور من الفقهاء والعلماء سلفًا وخلفًا وقال أبو حنيفة وأبو يوسف في البيض واللحم المشوي مما يصطبغ به ليس شيء من ذلك بأدام ويبني على ذلك من حلف لا يأكل إدامًا فهل يحنث بأكل ذلك أم لا فيحنث عند الجمهور ولا يحنث عندهما، والصحيح ما صار إليه الجمهور بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - وقد وضع تمرة على كسرة هذه إدام هذه ولما سئل عن أدم أهل الجنة أول ما يدخلونها فقال زيادة كبد الحوت ولقوله - صلى الله عليه وسلم - سيد إدام أهل الدنيا والآخرة اللحم اهـ. وأما معنى الحديث فقال المصنف في شرح مسلم نقلًا عن الخطابي والقاضي عياض فهو مدح للاقتصار في المأكل ومنع النفس عن ملاذ الأطعمة تقديره ائتدموا بالخل وما في معناه مما تخف مؤنته ولا يعز وجوده ولا تتأنقوا في الشهوات فإنها مفسدة للدين مسقمة للبدن هذا كلام الخطابي ومن تابعه، والصواب الذي ينبغي أن يجزم به أنه مدح الخل نفسه وأما الاقتصار في المطعم وترك الشهوات فمعلوم من قواعد أخر وقول جابر ما زلت أحب الخل الخ كقول أنس ما زلت أحب الدباء من حينئذٍ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي من حين تتبعه لها من القصعة وهذا يؤيد ما قلناه في معنى الحديث من أنه مدح للخل نفسه وذكرنا أن تأويل الراوي إذا لم يخالف الظاهر يتعين المصير إليه والعمل به عند جماهير العلماء من الفقهاء والأصوليين وهذا كذلك بل تأويل الراوي هنا هو ظاهر اللفظ فتعين المصير إليه اهـ. كلام المصنف وناقش فيه بعضهم بأن ما قال إنه الصواب غير ظاهر إذ ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يمدح طعامًا ولا يذمه أي لأن في الأول: شائبة الشهوة وفي الثاني: احتقار النعمة ولك دفعه بما أشرنا إليه أن مدحه الطعام هنا جبر خاطر من جاء به وتقلله وكونه لا يمدح الطعام المراد أنه لا يفعل ذلك بحسب داعية الطبع بل يفعل لداعية من دواعي الشرع والله سبحانه وتعالى أعلم، وقول ابن حجر الهيتمي فإنه قامع للصفراء نافع للبدن لا يصلح أن يكون تعليلًا لمدحه - صلى الله عليه وسلم - إياه تفضيلًا فإنه من الحكميات وخواص طبيات ولا يناسب حمل كلامه - صلى الله عليه وسلم - على ذلك ثم ورد في رواية عن جابر فجعل - صلى الله عليه وسلم - يأكل ويقول: نعم الأدم الخل اللهم بارك في الخل وفي رواية فإنه كان إدام الأنبياء من قبلي وفي حديث لم يقفر بيت فيه خل رواها ابن ماجه وبالرواية الثانية يندفع قول ابن القيم ومن تبعه هذا ثناء عليه بحسب الوقت لا لفضله على غيره لأن سببه أن أهله قدموا له خبزًا فقال: أما من إدام قالوا ما عندنا إلا خل فقال: ذلك جبرًا لقلب من قدمه وتطييبًا لنفسه لا تفضيلًا له على غيره إذ لو حضر نحو لحم أو عسل أو لبن كان أحق بالمدح اهـ. ولا يخفى أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب مع أن الحديث ليس فيه إلا مدحه لا إنه أفضل من سائر الأدم، هذا وفي طلبه - صلى الله عليه وسلم - الإدام إشارة إلى أن أكل الخبز بالأدم من أسباب حفظ الصحة بخلاف الاقتصار على أحدهما قال ابن القيم: الخل مركب من الحرارة والبرودة والرطوبة وهي أغلب عليه وهو يابس في الثالثة قوى التجفيف يمنع من انصباب المواد ويلطف ولنفع المعدة الملتهبة ولقمع الصفراء ويحلل اللبن والدم إذا جمد في الجوف ولدفع ضرر الأدوية القتالة وينفع الطحال ويدبغ المعدة ويعقل البطن ويقطع العطش ويمنع الورم حيث يريد أن يحدث ويعين على الهضم ويضاد البلغم ويلطف الأدوية الغليظة ونزف

باب ما يقوله من حضر الطعام وهو صائم إذا لم يفطر

باب ما يقوله من حضر الطعام وهو صائم إذا لم يفطر روينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذَا دُعي أحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فإن كانَ صائِمًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الدم وإذا حسي قلع العلق المتعلق بأصل الحنك وإذا تمضمض به سخنًا نفع من وجع الأسنان وقوي اللثة وهو ومشهٍ للأكل مطيب للمعدة صالح للشباب وفي الصيف ولسكان البلاد الحارة قال الحكيم الترمذي في النوادر في الخل منافع للدنيا وذلك أنه بارد يقطع حرارة الشهوة أو يطفئها ثم أخرجه من طريق ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت: كان عامة إدام أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - الخل ليقطع عنهن ذكر الرجال اهـ. والله سبحانه وتعالى أعلم. باب ما يقول من حضر الطعام وهو صائم إذا لم يفطر الطعام بالنصب في أصل مصحح وهو لكونه الحقيقة الأصل وإلا فيجوز الرفع على جعله فاعلًا بحضر والعائد محذوف وحكم الفطر إذا كان الصائم ضيفًا أو مضيفًا إن كان في صوم فرض حرم عليه قطعه اتسع زمانه أم ضاق وإن كان نفلًا فإن شق على ضيفه أو مضيفه صومه أفطر ندبًا وإلا فالأصل استمراره على صومه. قوله: (روينا في صحيح مسلم) ورواه النسائي ووقع في رواية فليجب إلى الدعوة وفي الجامع الصغير رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه كلهم عن أبي هريرة ورواه الطبراني عن ابن مسعود بنحوه ولفظه فإن لم يكن صائمًا فليأكل وإن كان صائمًا فليدع بالبركة. قوله: (إذا دعي أحدكم فليجب) نقل القاضي عياض الاتفاق على وجوب الإجابة في وليمة العرس أي إن لم يكن عذر مسقط للإجابة -قال المصنف والإجابة لوليمة العرس فرض عين في مذهبنا عند انتفاء عذر من أعذار

فَلْيُصَلِّ، وَإنْ كانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ" قال العلماء: معنى فليصل: أي: فليدع. ـــــــــــــــــــــــــــــ إسقاطها- قال واختلفوا فيما سواها فقال مالك والجمهور: لا تجب الإجابة إليها وقال أهل الظاهر تجب الإجابة إلى كل دعوة من عرس وغيره وبه قال بعض السلف، قال المصنف: ومن أعذار إسقاط وجوب الدعوة كون الطعام فيه ومبهة أو خص به الأغنياء أو ثمة من يتأذى بحضوره معه أو لا يليق به مجالسته أو ثمة منكر لا يقدر على إزالته أو كون الدعوة لخوف شره أو الطمع في جاهه أو لإعانة في باطل وكل من هذه الأعذار مسقط لوجوب الإجابة ومن الأعذار اعتذار المدعو للداعي وقبوله لعذره ولو دعاه ذمي لم تجب إجابته على الأصح أو دعاه في ثلاثة أيام لم تجب في غير الأول وتسن في الثاني وتكره في الثالث والله أعلم. قوله: (فليصل) قال الجمهور أي يدع لأهل الطعام بالمغفرة والبركة ونحو ذلك وأصل الصلاة في اللغة الدعاء ويؤيده التصريح به في رواية البيهقي فليدع بالبركة وقيل المراد الصلاة الشرعية ذات الركوع والسجود أي يشتغل بها ليحصل له فضلها ويتبرك أهل المكان والحاضرون. قوله: (وإن كان مفطرًا فليطعم) بفتح العين أي ليأكل وفي رواية أخرى لمسلم إذا دعي أحدكم إلى الطعام فإن شاء طعم وإن شاء ترك قال المصنف الرواية الأولى فيها أمره بالأكل وفي الثانية تخييره في ذلك اختلف العلماء في ذلك والأصح في مذهبنا أنه لا يجب الأكل في وليمة العرس ولا غيرها فمن أوجبه اعتمد على رواية فليطعم وتأول رواية التخيير على من كان صائمًا ومن لم يوجبه اعتمد التخيير في تلك الرواية وحمل الأمر في قوله: فليطعم على الندب، وإذا قيل بوجوب أكل فأقله لقمة ولا تلزم الزيادة لأنه يسمى أكلًا ولذا لو حلف لا يأكل حنث بلقمة ولأنه في يتخيل صاحب الطعام أن امتناعه لشبهة يعتقدها في الطعام فإذا أكل منه لقمة زال ذلك التخيل هكذا صرح باللقمة جماعة من أصحابنا، أما الصائم فلا خلاف أنه لا يجب عليه الأكل ثم إن كان صومه فرضًا لم يجز له الأكل إذ لا يجوز الخروج من

باب ما يقوله من دعى لطعام إذا تبعه غيره

وروينا في كتاب ابن السني وغيره قال فيه: "فإنْ كانَ مُفْطِرًا فَلْياكُلْ، وَإنْ كانَ صَائمًا دَعا لهُ بالبركة". باب ما يقوله من دعى لطعام إذا تبعه غيره ـــــــــــــــــــــــــــــ الفروض وإن كان نفلًا جاز الفطر وتركه فإن شق على صاحب الطعام الصوم فالفطر أفضل وإلا فالإتمام، وفي الحديث وجوب الإجابة على الصائم ويحصل مقصود الوجوب بحضوره وإن لم يأكل فقد يتبرك به أهل الطعام والحاضرون وقد تجملون به وقد ينتفعون بإشارته وينصانون بحضوره عما لا ينصانون عنه في غيبته والله أعلم. قوله: (وروينا في كتاب ابن السني وغيره الخ) قال الحافظ: هذا يوهم أن اختلاف هذا اللفظ في حديث أبي هريرة وليس كذلك إنما أخرجه ابن السني وغيره بهذا اللفظ من حديث ابن مسعود وهو عند النسائي في اليوم والليلة من السنن من حديث ابن مسعود باللفظ المذكور وأخرجه ابن أبي عاصم في كتاب الأطعمة والطبراني عن شيخ النسائي فيه وكان عزوه إلى النسائي أولى وقد وقع عند الترمذي حديث أخرجه من طريق أيوب عن ابن مسعود قال بعد قوله فليصل يعني الدعاء وهذا أحد الأحاديث التي لم يجمع مسلم طرقها وإلا فقد وقع التصريح بالدعاء في بعض طرق الحديث ثم أخرجه الحافظ من طريق الإِمام أحمد قال: حدثنا عبد الرزاق عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال فيه فإن كان صائما فليصل وليدع لهم فجمع بين اللفظين والله أعلم. باب ما يقوله من دعي إلى طعام إذا تبعه غيره وقع في بعض الأحاديث أنه - صلى الله عليه وسلم - استتبع معه غيره إلى دار المضيف ولم يستأذن فيهم صاحب المنزل كقصة أبي طلحة السابقة وقصة استتباعه أبا بكر وعمر رضي الله عنهما إلى دار أبي الهيثم وهما عند مسلم وغيره وقصة ذهاب أنس معه - صلى الله عليه وسلم - في قصة الخياط له - صلى الله عليه وسلم - رواه البخاري وغيره

روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي مسعود الأنصاري قال: "دعا رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - لطعام صنعه له خامس خمسة، فتبعهم رجل، فلما بلغ الباب ـــــــــــــــــــــــــــــ ووقع في بعضها أنه لما وصل إلى باب الدار قال لصاحبها: هذا اتبعنا الخ ووجه الجمع اختلاف أحوال المضيفين، فمنهم من كان - صلى الله عليه وسلم - يثق برضاه ويتحققه تحققًا تامًّا في استتباعه معه غيره، ومنهم من لم يكن بهذه الحالة وعلى هذين ينزل الاستئذان وعدمه والله أعلم. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) أخرجه الشيخان من طرق وأخرجه أبو عوانة والترمذي والنسائي وهو عند الجميع من طرق عن الأعمش عن أبي وائل عن أبي مسعود وخالفهم عبد الله بن نمير فجعله من مسند أبي شعيب فقال: حدثنا الأعمش عن أبي وائل عن أبي مسعود عن رجل من الأنصار يقال له: أبو شعيب رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرفت في وجهه الجوع، فقلت لغلام لي خادم: اصنع لي طعامًا أدعو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خامس خمسة فذكر الحديث أخرجه أحمد عن عبد الله بن نمير كذا ذكره الحافظ. قوله: (عن أبي مسعود الأنصاري) هو أبو مسعود البدري السابق ترجمته في باب أذكار النوم. فصل له: (دعا رجل) هو أبو شعيب الأنصاري كما تقدم وجاء كذلك عند مسلم في الصحيح واقتصر ابن الأثير في ترجمته على رواية هذا الحديث عنه من طريق مسلم رواه شعبة وأبو معاوية وابن نمير كلهم عن الأعمش اهـ. قلت رواه من طريق شعبة مسلم والنسائي ورواه من طريق أبي معاوية مسلم والترمذي ورواه من طريق زهير بن معاوية وجرير مسلم ورواه البخاري من طريق أبي أسامة ورواه البخاري أيضًا من طريق حفص بن غياث ومن طريق الوضاح أبي عوانة كل هؤلاء عن الأعمش وعندهم أنه من مسند أبي مسعود وخالفه ابن نمير فجعله من مسند أبي شعيب كما تقدم والله أعلم. قوله: (خامس خمسة) قال الداودي: يقال خامس خمسة وخامس أربعة اهـ. وعلى الأول فمعناه واحد من خمسة وعلى الثاني مدخل الأربعة في العدد الذي فوقه أي الخمسة. قوله: (فتبعهم رجل الخ) قال المصنف في شرح مسلم في الحديث

باب وعظه وتأديبه من يسئ في أكله

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنْ هَذَا اتَّبَعَنا فإن شِئْتَ أنْ تأذَنَ لهُ، ونْ شِئْتَ رَجَعَ، قال: بل آذنُ له يا رسول الله". باب وعظه وتأديبه من يسئ في أكله روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال: "كنت غلامًا في حِجْر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا غُلامُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه ينبغي للمدعو إذا تبعه رجل بغير استدعائه أن لا يأذن له ولا ينهاه وفيه أنه إذا بلغ باب صاحب الدار أعلمه به ليأذن له أو ليمنعه وفيه أن صاحب الطعام يستحب له أن يأذن له إن لم يترتب على حضوره مفسدة بأن يؤذي الحاضرين أو يشيع عنهم ما يكرهونه أو يكون جلوسه معهم مزريًا بهم لشهرته بالفسق ونحو ذلك فإن خشي من حضوره شيء من هذا لم يأذن له، وينبغي له أن يتلطف في رده ولو أعطاه شيئًا من الطعام ليكون ردًّا جميلًا كان حسنًا. باب وعظه وتأديبه من يسئ في أكله أي وعظ الأكل من يسيء في أكله أي لإخلاله بأدب من آداب الاكل. قوله: (في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم) بفتح الحاء المهملة وقد تكسر أي في حضانته وتحت نظره الشريف ومنه قوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} لأنه كان ربيبًا للنبي - صلى الله عليه وسلم -.قوله: (في الصحفة) هي دون القصعة إذ هي ما تشبع خمسة والقصعة ما تشبع عشرة كذا قاله الكسائي فيما حكاه الجوهري وغيره عنه، وقيل الصحفة كالقصعة وجمعها صحاف. قال الجوهري قال الكسائي أعظم القصاع الجفنة ثم القصعة تليها تشبع العشرة ثم الصحفة تشبع الخمسة ثم المئكلة تشبع والثلاثة ثم الصحيفة تشبع الرجل حكاه عنه المصنف وأغرب ابن حجر في شرح الشمائل حيث قال الصحفة تشبع ضعفي ما تشبع القصعة وقيل:

سَمِّ اللَهَ تعالى، وكُلْ بِيَمِينِكَ، وكُلْ ممَّا يَلِيكَ". ـــــــــــــــــــــــــــــ هما سواء. قوله: (سمِّ الله) الأمر فيه للاستحباب اتفاقًا وتقدم الكلام على ما يتعلق بمعنى هذه وبقوله (وكل بيمينك) وقوله من خرج ذلك في باب التسمية عند الأكل والشرب. قوله: (وكل ما يليك) الأمر فيه للندب لأن أكله مما يلي غيره سوء عشرة وترك مروءة وقد يتقذر صاحبه لا سيما في الإمراق وشبهها، وقيل للوجوب لما فيه من إلحاق الضرر بالغير ومزيد الشره وانتصر له السبكي ونص عليه الشافعي في الرسالة وفي مواضع من الأم، وفي مختصر البويطي يحرم الأكل من رأس الثريد والقران في التمر والأصح أنهما مكروهان ومحل ذلك إن لم يعلم رضا صاحبه وإلا فلا حرمة ولا كراهة. فقد ورد أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يتتبع الدباء من حوالي القصعة والجواب بأنه أكل وحده مردود بأن أنسًا كان يأكل معه على أنه لو سلم لا يجدي لأن الأكل مما يلي الآكل سنة وإن كان وحده كما اقتضاه إطلاق الشافعية وقيل الأولى حمل التتبع المذكور على أنه من يمينه وشماله بعد فراغ ما بين يديه ولم يكن أحد في جانبيه - صلى الله عليه وسلم - والأول أولى والله أعلم على أن محل النهي حيث كان الطعام نوعًا واحدًا وإلا كالثريد والدباء واللحم فيتعدى الآكل إلى غير ما يليه ومحله أيضًا في غير نحو الفاكهة أما هي فله أن يجيل يده فيها كما في الأحياء ويشهد له ما جاء عند ابن ماجة عن عائشة أنه - صلى الله عليه وسلم - إذا أتى بطعام أكل مما يليه وإذا أتى بالتمر جالت يده فيه. وأورد في الأحياء أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: كل مما يليك وكان يدور على الفاكهة فقيل له في ذلك فقال: ليس هو نوعًا واحدًا اهـ. وتوقف فيه المصنف لكن خبر ابن ماجه يشهد له وقضية ما رواه الغزالي أن محل الإجالة إذا كانت الفاكهة الحاضرة ذات أنواع فإن كانت نوعًا فهي كغيرها في ندب الأكل مما يلي الآكل وكراهته مما يلي غيره وليس كذلك بل كل ما يختلف أفراده فلا بأس بالإجالة فيه نوعًا كان أو أنواعًا وإن كان الأولى عدم الإجالة حينئذٍ لما فيه مع وجود ذلك من الشره والتطلع إلى ما عند غيره وترك

وفي رواية في الصحيح قال: "أكلت يومًا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعلت آكُلُ من نواحي الصحفة، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. كُلْ مِمَّا يَلِيكَ". قلت: قوله: تطيش، بكسر الطاء وبعدها ياء مثناة من تحت ساكنة، ومعناه: تتحرك وتمتد إلى نواحي الصحفة، ولا تقتصر على موضع واحد. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" ـــــــــــــــــــــــــــــ الإيثار الذي هو من شأن الأخيار. قوله: (وفي رواية في الصحيح) قال الحافظ بعد تخريجه بها: خرجه مسلم ثم خرجه الحافظ أيضًا من طريق البخاري. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) أخرجه الشيخان والنسائي وأبو عوانة وابن حبان ثم هذا اللفظ الذي في الأصل من فصل الإذن عن الخبر المرفوع بقوله ثم يقول يعني ابن عمر إلا أن يستأذن أخاه من فعل آدم أحد الرواة له عن شعبة عن جبلة قال الحافظ: وقريب منه رواية أحمد عن محمد بن جعفر فقال بعد القران ثم يقول: إلا الخ، وفي شرح الجامع الصغير للعلقمي نقلًا عن البخاري قال شعبة: الإذن من قول ابن عمر ورواية الأكثر عن شعبة أورده مدرجًا وكذا رواه أبو إسحاق الشيباني ومسعر وسفيان الثوري ثم خرج الحافظ حديث قال ناجية: سمعت ابن عمر يقول: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقرن الرجل بين التمرتين حتى يستأذن أصحابه وقال: أخرجه مسلم من طريق ابن مهدي أيضًا والترمذي من طريق أبي أحمد الزبيري عن عبيد الله بن موسى ورواه النسائي من رواية عيسى بن يونس أربعتهم عن سفيان الثوري ورواية مسعر عند النسائي ورواية الشيباني عند أبي داود وللحديث شاهد عند البزار والحاكم من حديث أبي هريرة قال: وضع النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه تمرًا فكان بعضهم يقرن فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نقرن إلا بإذن وفي رواية الحاكم وكنا نقرن من الجوع وروى الطبراني من حديث بريدة رضي الله عنه مرفوعًا كنت نهيتكم

عن جبلة بن سحيم قال: أصابنا عام سنة مع ابن الزبير فرزقنا تمرًا، فكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يمر بنا ونحن نأكل، ويقول: لا تقارنوا، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الإقران ثم يقول: "إلا أن يَسْتأذِن الرجُلُ أخاهُ". قلت: قوله: لا تقارنوا، أي: لا يأكل الرجل تمرتين في لقمة واحدة. ـــــــــــــــــــــــــــــ عن القرآن في التمر وإن الله قد وسع عليكم فأقرنوا وسنده ضعيف لكن يؤيده الإجماع العملي كوضع المائدة بين الضيفان والله أعلم اهـ. قوله: (عن جبلة بن سحيم) جبلة بفتح الجيم والموحدة والسلام مخففًا وسحيم اسم والده بمهملتين مصغرًا تابعي ثقة: توفي سنة مائة وخمسة وعشرين وجبلة ليس له في البخاري عن غير ابن عمر شيء ذكره الحافظ في الفتح. وله: (عام سنة) بالإضافة أي عام قحط ووقع في رواية أبي داود في مسنده فأصابتنا مخمصة ح ابن الزبير يعني عبد الله لما كان خليفة وروي من وجه آخر عن خليفة لفظ كنا بالمدينة في بعض أهل العراق فرزقنا تمرًا في أرزاقنا وهو القدر الذي يصرف لهم في كل سنة من مال الخراج وغيره فأعطاه بدل النقد تمرًا لقلة النقد إذ ذاك بسبب المجاعة التي حصلت. قوله: (لا تقارنوا) في رواية البخاري في الشركة فيقول: لا تقرنوا. وفي فسر المصنف قوله: لا تقارنوا بقوله: أي لا يأكل الرجل تمرتين في لقمة وبمعناه تقرنوا. قوله: (عن الأقرأن) كذا لأكثر الرواة واللفظة الفصحى بغير ألف وأخرجه أبو داود الطيالسي بلفظ القرآن وأخرجه أحمد عن حجاج بن محمد عن شعبة وقال عن محمد بن جعفر عن شعبة الأقران والقران بكسر القاف وتخفيف الراء ضم تمرة إلى أخرى وهو أفصح من الأقران، والنهي سببه ما كانوا فيه من ضيق العيش ثم نسخ لما حصلت التوسعة روى البزار من حديث بريدة كنت نهيتكم عن القران في التمر إلى آخر الحديث السابق قريبًا. قال المصنف واختلف في هذا النهي هل هو على التحريم أو الكراهة والصواب التفصيل فإن كان الطعام مشتركًا بينهم فالقران حرام إلا برضاهم ويحصل بتصريحهم أو ما يقوم مقامه من قرينة حال أو دلالة بحيث يغلب على الظن ذلك ومتى شك في رضاهم فهو حرام وإن كان

وروينا في "صحيح مسلم" عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، أن رجلًا أكل عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بشماله، فقال: ـــــــــــــــــــــــــــــ لأحدهم أو غيرهم وأذن لهم في الأكل اشترط رضاه ويحرم لغيره ويجوز له هو إلا أنه يستحب له استئذان الآكلين معه ويحسن للضيف ألا يقرن وأن يتأدب بآداب الاكل مطلقًا إلا أن يكون مستعجلًا ويؤيد الإسراع لشغل آخر وقال الخطابي: إنما كان هذا في زمنهم حين كان الطعام مضيقًا، فأما اليوم مع اتساع الحال فلا حاجة إلى الإذن. قال المصنف وليس كما قال والصواب ما ذكرناه من التفصيل فإن الاعتبار بعموم اللفظ بخصوص السبب لو ثبت اهـ. وقال في النهاية إنما نهى عن القرآن لأن فيه شرها وذلك يزري بفاعله أو لأن فيه غبنًا لرفيقه، وقيل: إنما نهي عنه لما كانوا فيه من شدة العيش وقلة الطعام، وكانوا مع هذا يواسون من القليل، فإذا اجتمعوا على الأكل آثر بعضهم بعضًا على نفسه، وربما كان في القوم من قد اشتد جوعه فربما قرن بين التمرتين أو عظم اللقمة فأرشدهم إلى الإذن فيه ليطب به أنفس الباقين اهـ. قال شيخ الإسلام زكريا والنهي عنه للتنزيه إلا أن يكون شركة بينهم وأما خبر الطبراني كنت نهيتكم عن الإقران في التمر فاقرنوا الخ ففي سنده اضطراب فإن يصح فمحمول على بيان الجواز وهو لا ينافي كراهة التنزيه وقيل: إنه ناسخ لها ثم قال: والنهي عن ذلك نهي تنزيه فهو جائز وإن كره لأن ذلك إنما وضع بين أيدي النّاس للأكل فسبيله سبيل المكارمة لا سبيل التشاح لاختلاف النّاس في الأكل اهـ. قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) أخرجه مسلم من طريق ابن الحباب عن سلمة بن الأكوع واقتصر على تلك الطريق وجاء من طريق إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لرجل يقال له: بسر بن راعي العير من أشجع وهو يأكل بشماله فذكر الحديث. أخرجه أحمد وابن حبان وأخرجه الحافظ من طريق الدارمي وغيره عن إياس وقال في رواية الدارمي إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبصر رجلًا وفي آخره فما وصلت يمينه إلى فيه بعد وقد أعاد المصنف هذا الحديث في باب الدعاء على من ظلم ويأتي فيه من بحث هناك إن

باب استحباب الكلام على الطعام

"كُلْ بِيَمِينِكَ"؟ قال: لا أستطيع، قال: "لا اسْتَطَعْتَ"، ما منعه إلا الكِبْر، فما رفعها إلى فيه". قلت: هذا الرجل هو بُسر، بضم الموحدة وبالسين المهملة: ابن راعي العَير بالمثناة وفتح العين، وهو صحابي، وقد أوضحتُ حاله، وشرح هذا الحديث في "شرح صحيح مسلم"، والله أعلم. باب استحباب الكلام على الطعام ـــــــــــــــــــــــــــــ شاء الله، وقد حالت المنية للحافظ رحمه الله عن تمام هذه الأمنية فتوفي قبل وصوله لذلك المحل من الكتاب ولكل قدر أجل ولكل أجل كتاب وإلى الله المرجع والمآب. قوله: (كل بيمينك) فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى في الأكل وسبق الخلاف في أن الأمر هنا للإيجاب أو الاستحباب وعلى كونه للاستحباب فالدعاء عليه لكونه قصد مخالفة المرام النبوي. قوله: (لا استطعت) فيه جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي بلا إذن. قوله: (ما منعه إلا الكبر) قال القاضي عياض يدل هذا على أنه كان منافقًا وتعقبه المصنف بأن مجرد الكبر والمخالفة لا يقتضي النفاق والكفر لكنه معصية إن كان الأمر أمر إيجاب ومحل النهي عن الأكل بالشمال حيث لا عذر فإن كان عذر يمنع عن الأكل باليمين من مرض أو جراحة أو غير ذلك فلا كراهة في الأكل بالشمال. قوله: (قلت هذا الرجل هو بسر الخ) جاء مبهمًا في الطريق التي اقتصر عليها مسلم مصرحًا به في غيرها مما قدمناه كما قال المصنف. قوله: (وقد أوضحت حاله في شرح مسلم) قال في شرح مسلم هذا الرجل المبهم هو بسر بالموحدة وإسكان المهملة ابن راعي العير بفتح العين وبالمثناة التحتية أي وبالراء الأشجعي كذا ذكره ابن مسنده وأبو نعيم الأصبهاني وابن ماكولا وآخرون وهو صحابي مشهور عده هؤلاء وغيرهم في الصحابة ثم نقل عن الفاضي عياض أنه أخذ من الحديث ما يدل على نفاقه كما تقدم نقله برده. باب استحباب الكلام (المباح) على الطعام وحكمة استحباب ما فيه من جبر خاطر الحاضرين ومؤانستهم وأيضًا في تركه

باب ما يقوله ويفعله من يأكل ولا يشبع

فيه حديث جابر الذي قدمناه في "باب مدح الطعام". قال الإِمام أبو حامد الغزالي في "الإحياء" من آداب الطعام أن يتحدَّثوا في حال أكله بالمعروف، ويتحدثوا بحكايات الصالحين في الأطعمة وغيرها. باب ما يقوله ويفعله من يأكل ولا يشبع روينا في "سنن أبي داود وابن ماجه" ـــــــــــــــــــــــــــــ مع الإقبال على الطعام شره ونهمة ينبغي التنزه عنهما. قوله: (فيه حديث جابر) يعني السابق في مدح الطعام الذي يأكل منه قال المصنف في شرح مسلم فيه استحباب الحديث على الأكل تأنيسًا للآكلين. قوله: (من آداب الطعام أن يتحدثوا في حال أكله بالمعروف) عبر ابن الحاجب في الإفراد بقوله والحديث ويسن الحديث غير المحرم على الطعام اهـ. وظاهر أن المعروف منه أولى وقال أيضًا لا يتكلم بالمستقذرات حال الأكل اهـ. باب ما يقوله ويفعله من يأكل ولا يشبع قوله: (روينا في سنن أبي داود وابن ماجه الخ) قال الحافظ بعد تخريجه: حديث حسن أخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم وفي صحته نظر فإنه من رواية وحشي بن حرب بن وحشي بن حرب عن أبيه عن جده ووحشي الأعلى هو قاتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه وفي ثبت أنه لما أسلم قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "غيب وجهك عني" فيبعد سماعه منه بعد ذلك إلا أن يكون أرسله وأما وحشي بن حرب الثقفي فروى عنه جماعة وأبوه لم يرو عنه إلا ابنه وحكى ابن عساكر عن بعضهم أن صحابي هذا الحديث غير قاتل حمزة لكن في النسخة المروية عن الوليد بن مسلم يعني الراوي له عن وحشي بهذا السند التصريح بأنه قاتل حمزة وهي عدة أحاديث أخرجها الطبراني وغيره وفي بعضها ما ينكر وإنما قلت إنه حسن لأن له شاهدًا من حديث ابن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كلوا جميعًا ولا تفرقوا فإن البركة مع الجماعة" وفي سنده من اتفقوا على ضعفه

باب ما يقول إذا أكل مع صاحب عاهة

عن وحشي بن حرب رضي الله عنه أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع، قال: "فَلَعَلكُمْ تَفْتَرِقُونَ)؟ قالوا: نعم، قال: "فاجْتَمِعُوا على طَعَامِكُمْ واذكُرُوا اسْمَ اللهِ يُبارَكْ لَكُمْ فِيهِ". باب ما يقول إذا أكل مع صاحب عاهة روينا في "سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـــــــــــــــــــــــــــــ ورواه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر ولم يذكر عمر ولم يذكر قوله: فإن البركة الخ ومما يدخل في هذا المعنى المعقود له الباب حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أحب الطعام إلى الله ما كثرت عليه الأيدي" حديث حسن رواه الطبراني في الأوسط وبعض رواته وإن كان فيه مقال إلا أن الحديث يتقوى بشواهده اهـ. قوله: (عن وحشي بن حرب) هو الحبشي كما جاء كذلك في النسخة المروية عن الوليد بن هشام ووحشي هو أبو دسمة وهو من سودان مكة مولى لطعيمة بن عدي وقيل مولى جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي ويجمع بينهما بأنه كان لطعيمة أولًا ثم لما قتل ببدر صار لجبير والله أعلم، قاتل حمزة رضي الله عنه يوم أحد وشارك في قتل مسيلمة الكذاب يوم اليمامة وكان يقول: قتلت خير النّاس في الجاهلية وشر النّاس في الإسلام وذكر في أسد الغابة عنه خبرًا طويلًا في قتله لسيدنا حمزة رضي الله عنه ولمسيلمة. قوله: (اجتمعوا عتى طعامكم) أي فبالاجتماع تنزل البركات في الأوقات (واذكروا اسم الله) أي فبذكر اسم الله يمتنع الشيطان عن الوصول إلى الطعام وتدوم بركته لهم ولمن جاء قبل انصرافهم كلهم عنه كما تقدم. باب ما يقوله إذا أكل أحد مع صاحب عاهة العاهة الآفة من جرب أو غيره. قوله: (روينا في سنن أبي داود الخ) قال في السلاح هذا لفظ الترمذي ورواه ابن حبان في صحيحه وزاد في الحصن ورواه

أخذ بيد مجذوم ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن السني وقال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث حسن وصححه ابن خزيمة والحاكم وفي ذلك نظر فقد قال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من حديث مفضل أي ابن فضالة الراوي عن حبيب بن المسيد عن ابن المنكدر عن جابر وقد رواه شعبة عن حبيب فقال عن بريدة عن عمر من فعله وقوله قال الترمذي وحديث شعبة أصح وقال الترمذي أيضًا المفضل بن فضالة بصري يعني بالموحدة والمفضل بن فضالة آخر مصري يعني بالميم وهو أوثق من هذا وأشهر قال الحافظ: قلت: وأكثر حديثًا وشيوخًا، وقد توبع المفضل عن ابن المنكدر أخرج ابن عدي في ترجمة إسماعيل بن مسلم المكي من روايته عن ابن المنكدر عن جابر نحو هذا الحديث ولفظه إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى بطعام ومجذوم قاعد في ناحية البيت فدعاه فأقعده إلى جانبه فقال: كل، الحديث لكن إسماعيل هذا والراوي عنه ضعيفان اهـ. قوله: (أخذ بيد مجذوم) أي به داء الجذام أعاذنا الله منه داء يحمر منه الجلد ثم يسود ثم يتقطع ويتساقط منه الشعر والفعل جذم من باب ضرب قال في المصباح ومنه يقال جذم الإنسان بالبناء للمفعول إذا أصابه الجذام لأنه يقطع اللحم ويسقطه وهو مجذوم قالوا ولا يقال من هذا المعنى أجذم وزان أحمر اهـ. وهذا المجذوم قال في السلاح اسمه معيقيب بن أبي فاطمة السدوسي كذا في أسد الغابة السدوسي ورأيته منقولًا كذلك عن السلاح وهو مولى سعيد بن العاص قال أبو علي بن السكن ولم يكن في الصحابة مجذوم غيره وكان عمر رضي الله عنه يؤاكله اهـ. ولعل ابن السكن أراد من الصحابة ممن كان في صحبته وملازمته سيد الأنام عليه الصلاة والسلام لا مطلق من اتصف بوصف الصحبة وإلا لورد عليه حديث مسلم كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه - صلى الله عليه وسلم - إنا قد بايعناك فارجع إذ من المعلوم أنه لم يصل إلى المدينة في جملة الوفد إلا وقد تشرف بالاجتماع والإيمان به - صلى الله عليه وسلم - غاية ما فاته ملامسة يده ليده - صلى الله عليه وسلم - التي تشرف بها غيره من الوفد، وعجيب من الإمام صاحب السلاح حيث لم ينبه على ذلك فأفاد في أسد الغابة أن ولاء معيقيب لأبي سعيد إنما هو بطريق الحلف قال فيه أسلم قديمًا بمكة وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية ثم إلى

فائدة

فوضعها معه في القَصعة، فقال: "كُلْ بِسْم الله ثِقَة بالله وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ". ـــــــــــــــــــــــــــــ المدينة وله عقب قيل قدم المدينة في السفينتين والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بخيبر وقيل قدمها قبل ذلك وقال ابن مسنده إنه شهد بدرًا وكان على خاتم النبي - صلى الله عليه وسلم - استعمله عمر خازنًا على بيت المال وأصابه الجذام وأحضر له عمر رضي الله عنه الأطباء فعالجوه فوقف المرض وهو الذي سقط من يده خاتم النبي - صلى الله عليه وسلم - في بئر أريس فلم يوجد ومذ سقط اختلفت الكلمة وكان من أمر عثمان ما هو مذكور في التواريخ ثم الاختلاف إلى الآن والناس يعجبون من خاتم سليمان وكانت المعجزة به في الشام حسب وهذا الخاتم مذ عدم اختلفت الكلمة وزال الاتفاق في جميع بلاد الإسلام من أقصى خراسان إلى آخر بلاد المغرب روى معيقيب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستة أحاديث اتفقا على حديث واحد ولمسلم حديث آخر وتوفي آخر خلافة عثمان وقيل: توفي سنة أربعين في خلافة علي رضي الله عنه اهـ. قوله: (فوضعها معه في القصعة الخ) قال المصنف في شرح مسلم قال القاضي: قد اختلفت الآثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة المجذوم فثبت عنه الحديثان المذكوران يعني حديث مسلم في مجذوم وفد ثقيف وحديث البخاري فر من المجذوم فرارك من الأسد وعن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكل مع مجذوم وقال له: "كل ثقة بالله وتوكلًا عليه" وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان لنا مولى مجذوم وكان يأكل في صحافي ويشرب في أقداحي وينام على فراشي قال وقد ذهب عمر وغيره من السلف إلى الأكل معه وإن الأمر باجتنابه منسوخ والصحيح الذي قاله الأكثر ويتعين المصير إليه أنه لا نسخ بل يجب الجمع بين الحديثين وحمل الأمر باجتنابه والفرار منه على الاستحباب والاحتياط لا الوجوب وأما الأكل معه ففعل لبيان الجواز والله أعلم. قوله: (ثقة بالله) منصوب على أن حال أي كل متبركًا باسم الله واثقًا بالله متوكلا على الله أي معتمدًا عليه. فائدة عبارة الحصن في هذا المقام وإن أكل مع مجذوم أو ذي عاهة قال بسم الله ثقة بالله وتوكلا عليه قال في الحرز قال بعضهم هو منصوب على الحال وصاحبها محذوف أي كل معي واثقًا بالله ويحتمل أن يكون من كلام الراوي حال من فاعل قال وأن يكون مفعولًا أي كل ثم استأنف فقال: ثقة أي ثق ثقة بالله ذكره الطيبي وقال ميرك:

باب استحباب قول صاحب الطعام لضيفه ومن في معناه إذا رفع يده من الطعام "كل" وتكريره ذلك عليه ما لم يتحقق أنه اكتفى منه وكذلك يفعل في الشراب والطيب ونحو ذلك

باب استحباب قول صاحب الطعام لضيفه ومن في معناه إذا رفع يده من الطعام "كل" وتكريره ذلك عليه ما لم يتحقق أنه اكتفى منه وكذلك يفعل في الشراب والطيب ونحو ذلك ـــــــــــــــــــــــــــــ الاحتمال الأول ضعيف جدًّا وأقول بل الاحتمال الأول هو الظاهر المتبادر من قوة الكلام أي أن ثقة من كلام المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وأنه حال من فاعل أكل مضارعًا مقدرا يعني آكل معك حال كوني واثقًا بالله وجعله حالًا من فاعل كل بعيد وأبعد منه جعل هذه الجملة مدرجة من كلام الراوي لبيان كمال وثوق المصطفى بالله فأكل مع ذلك المجذوم لا أنه تلفظ بذلك لأنه خلاف ما تعطيه قوة الكلام. والحاصل أن الأكل مع المجذوم يحتاج إلى حال الاعتماد والتوكل على الله دون المجذوم على ما يتوهم من التقدير الأول ثم هذا التقدير أي كل معي إنما يحتاج إليه في عبارة الحصن فإنه قال وإن أكل مع مجذوم أو ذي عاهة قال: بسم الله ثقة بالله الخ، أما عبارة الأذكار فغير محتاجة إلى ذلك لأن لفظ "كل" موجود فيها إلا أن يقال: "معي" فمقدر وأما الاحتمال الثاني فبعيد جدًّا لأنه يلزم منه أن لا يكون قوله ثقة بالله الخ من كلامه - صلى الله عليه وسلم - وليس كذلك مع أنه احتمال متكلف مستغنى عنه بما ذكرناه سابقا وقال ميرك: بل الظاهر أنه حال أي آكل بسم الله حال كوني واثقًا بالله ومتوكلًا عليه على أن كلا من المصدرين بمعنى اسم الفاعل كما قيل في قوله تعالى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} أي راغبين وراهبين اهـ والله أعلم. باب استحباب قول صاحب الطعام لضيفه ومن في معناه أي الضيف من أهله وعياله (إذا رفع يده من الطعام) لنحو حياء (كل) أو نحوها من العبارات المؤذنة بطلب نحو أكل من نحو بسم الله أو استعمل (وتكرير ذلك ما لم يتحقق أنه قد أكتفى منه) قضيته أنه لا حد لتكرار ذلك وإن مدار ترك التكرار على تحقق اكتفاء الآكل معه لكن قالوا: لا يزيد ندبًا في ذلك على ثلاث مرات وعلله في الإحياء بأنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا تكلم تكلم ثلاثًا وأنه لا يراجع في الشيء فوق

اعلم أن هذا مستحبُّ، حتى يستحب ذلك للرجل مع زوجته وغيرها، من عياله الذين يتوهم منهم أنهم رفعوا أيديهم ولهم حاجة إلى الطعام وإن قلَّت. ومما يستدل به في ذلك ما رويناه في "صحيح البخاري" عن أبي هريرة رضي الله ـــــــــــــــــــــــــــــ ثلاث قال في الإحياء ولا ينبغي أن يقسم عليه بالله ليأكل اهـ. وسيأتي فيه كلام في آخر الباب. قوله: (ومما يستدل به لذلك ما رويناه في صحيح البخاري الخ) عن مجاهد قال: سمعت أبا يقول والله الذي لا إله غيره إن كنت لأعتمد على كبدي في الأرض من الجوع وإن كنت لأشد بحجر على بطني من الجوع ولقد قعدت يومًا على طريقهم الذي يمرون به فمر بي أبو بكر رضي الله عنه فسألته عن آية من كتاب الله ما سألت عنها إلا ليستتبعني فمر ولم يفعل ثم مر بي عمر رضي الله عنه فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته عنها إلا ليستتبعني فمر ولم يفعل ثم مر بي أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم - فعرف ما في نفسي وما في وجهي فتبسم فقال: أبا هريرة فقلت: لبيك يا رسول الله فقال الحق ثم مضى وتبعته فدخل بيته فاستأذنت فأذن لي فوجد لبنًا في قدح فقال: من أين هذا اللبن؟ قالوا: أهدأه لك فلان أو فلانة قال أبا هو: قلت: لبيك يا رسول الله قال: انطلق إلى أهل الصفة فأدعهم قال وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يلوون على أهل ولا مال إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئًا وإذا أتته هدية أصاب منها وأرسل إليهم وأشركهم فيها فساءني ذلك وقلت في نفسي: ما هذا اللبن في أهل الصفة كنت أود لو شربت منه شربة أتقوى بها أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا جاؤوا أمرني فكنت أنا الذي أعطيهم فما عسى أن يبلغني من هذا اللبن ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم فأخذوا مجالسهم فالتفت فقال: أبا هريرة فقلت: لبيك يا رسول الله قال: "فأعطهم" فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى حتى انتهيت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد روي القوم كلهم فأخذ القدح فوضعه على يده ونظر إليّ فتبسم وقال أبا هر: بقيت أنا وأنت قلت: صدقت يا رسول الله قال: "فاقعد واشرب" فقعدت فشربت ثم قال: "اشرب" فما زال يقول اشرب حتى قلت: والذي بعثك بالحق ما أجد له مساغًا فأعطيته القدح فحمد الله وسمى وشرب الفضلة - صلى الله عليه وسلم - قال الحافظ بعد تخريجه: أخرجه أحمد عن روح بن

عنه في حديثه الطويل المشتمل على معجزات ظاهرة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما اشتد جوع أبي هريرة - رضي الله عنه - وقعد على الطريق يستقرئ من مر به القرآن، معرَّضًا بأن يضيفه، ثم بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل الصُّفَّة، فجاء بهم فأرواهم ـــــــــــــــــــــــــــــ عبادة عن عمر بن ذر وأخرجه البخاري في كتاب الرقائق عن أبي نعيم وأخرجه النسائي عن أحمد بن يحيى الكوفي عن أبي نعيم أي وأبو نعيم يرويه عن عمر بن ذر عن مجاهد وساق الحديث بتمامه والبخاري لما أخرج الحديث قال: أخبرنا أبو نعيم بنحو من نصف هذا الحديث ولم يذكر من حدثه بالنصف الآخر مع إبهامه لكنه أخرج في الاستئذان عن أبي نعيم قطعة من آخر هذا الحديث فأشعر أن النصف الذي أشار إليه بالتحديث هو النصف اهـ. وهذا الذي قاله الحافظ من قوله: فاشرب الخ نقله الكرماني عن مغلطاي ثم تعقبه بأن ما ذكره ثم ليس نصفه ولا ثلثه ولا ربعه وقال وفيما فعله البخاري محذور وهو أن نصف الحديث يبقى بغير إسناد ثم أجاب بأنه اعتمد على ما ذكره في كتاب الأطعمة من طريق يوسف بن عيسى المروزي وهو قريب من نصف الحديث فلعل البخاري أراد بالنصف الذي لأبي نعيم ما لم يذكره ثمة فيصير الكل مسندًا بعضه بطريق يوسف وبعضه الآخر بطريق أبي نعيم وقال صاحب التاريخ وهو مغلطاي ذكر المصنف الحديث في الاستئذان مختصرًا وكأنه هو النصف المشار إليه هنا وأقول ليس ما ذكره هنا نصفه ولا ثلثه الخ، ثم إن المحذور وهو خلو البعض من الإسناد لازم كما كان وإن أفاد تكريره أن بعضه متكرر الإسناد ولا كلام فيه والله أعلم اهـ. قال الحافظ: وفي استدرك الحاكم الحديث من وجه آخر من طريق يونس بن بكير عن عمر بن ذر اهـ. قوله: (المشتمل على معجزات ظاهرة) قلت منها اطلاعه - صلى الله عليه وسلم - على ما أضمر أبو هريرة من التطلع إلى من يذهب ليطعمه ومنها دعوته إلى طعام ووجوده له من غير استعداد ومنها تكثير ذلك اللبن القليل الذي رأى أبو هريرة أنه يكفيه ويكفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وكفى أهل الصفة المدعوين عن آخرهم. قوله: (يستقرئ من مر به القرآن) أي يسأله ظاهرًا عن آية ليقرئه إياها وهو يعرض

باب ما يقول إذا فرغ من الطعام

أجمعين من قدح لبن ... وذكر الحديث، إلى أن قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "بَقِيتُ أنا وَأنْتَ" قلت: صدقتَ يا رسول الله، قال: اقعد فاشرب، فقعدت فشربت، فقال: اشْرَبْ فَشَرِبْتُ، فمَا زال يَقُولُ: اشْرَبْ، حتى قلتُ: لا، والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكًا، قال: فأرِني، فأعطيته القدح، فحمد الله تعالى وسمى وشرب الفضلة. باب ما يقول إذا فرغ من الطعام روينا في "صحيح البخاري" عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رفع مائدته ـــــــــــــــــــــــــــــ بذلك السؤال للضيافة ففيه أن كتمان الحاجة أولى من إظهارها وإن جاز له الإخبار بباطن أمره لمن يرجو منه كشف ما به. قوله: (فحمد الله) أي على البركة وظهور المعجزة (وسمى) أي سمى الله تعالى وفي الحديث استحباب الاستئذان والسؤال عن الوارد إلى البيت من أين هو وتشريك الفقراء فيه وشرب الساقي وصاحب الشراب آخرا والحمد الله على الخير والتسمية على الشرب وفيه امتناعه - صلى الله عليه وسلم - من الصدقة وأكله من الهدية ثم قضية قوله فما زال يقول: اشرب الخ إنه غير مقصور على الثلاث وصرح أصحابنا بأن نحو المضيف لا يزيد في قوله لنحو ضيفه كل على ثلاث مرات ويحتمل تنزيل الخبر عليه بأنه لما كرر ذلك ثلاثًا قال أبو هريرة: لا والذي بعثك بالحق الخ والله أعلم. باب ما يقول إذا فرغ من الطعام قوله: (روينا في صحيح البخاري الخ) وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان. قوله: (رفع مائدته) أي رفعها من بين يدي الحاضرين معه وفيه تولي خدمة نحو الضيف وإن ذلك من الكمال وعند الترمذي إذا رفعت مائدته بإسناد الفجل المبني للمجهول للمائدة مع

قال: "الحَمْدُ لِلَهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ تأنيثه ويحتمل أن يكون الفعل في رواية البخاري للمجهول أيضًا وحذف علامة التأنيث لكون تأنيث الفاعل مجازيًّا قال الحافظ: وقد رواية إذا فرغ من طعامه ورفعت مائدته ومثله ما جاء في رواية عن أبي أمامة علمني النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أقول عند فراغي من الطعام ورفع المائدة فذكره اهـ. والمائدة خوان عليه طعام وإلا فهو خوان لا مائدة كذا في الصحاح وقد فتح الباري قد تطلق المائدة ويراد بها ما عليه الطعام وإن لم يكن خوان وقد تطلق على الطعام نفسه، ونقل عن البخاري أنه قال إذا أكل الطعام على شيء ثم رفع قيل: رفعت مائدته. قيل ما ذكره من إطلاقها على ما عليه الطعام وإن لم يكن خوانًا ذكره متقدمون منهم الحكيم الترمذي. وأما قوله وقد يطلق على الطعام نفسه فتبع فيه صاحب المحكم وقد رده الحافظ الزين العراقي بأن حديث سليمان يرد تفسير المائدة بالطعام اهـ. ولك أن تقول لا رد فإن ما في المحكم ليس مراده أن ذلك الإطلاق ملازم للفظ المائدة إنما أراد أنها اسم للخوان عليه الطعام وقد تطلق على الطعام نفسه أي على سبيل القلة كما يؤذن به كلمة في ثم يحتمل أنه حقيقة كما هو المتبادر من لفظ يطلق ويحتمل أنه مجاز مرسل من إطلاق اسم المحل على الحال. واختلف في تسمية الخوان عليه الطعام بالمائدة فقيل: لأنها تميد بما عليها أي تتحرك من قوله تعالى: {وجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ} وقيل من ماد أعطى فكأنها تميد أي تعطي من حواليها مما أحضر عليها وأجاز بعضهم أن يقال فيه ميدة كقول الراجز: وميدة كثيرة الألوان ... تصنع للجيران والإخوان ثم استشكل قوله: إذا رفعت مائدته مع تفسيرها بأنها الخوان إذا كان عليه الطعام بما جاء عن أنس أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يأكل على خوان قط. وأجيب بأن أنسًا لم ير ذلك ورآه غيره والمثبت مقدم على النافي أو المراد على بالخوان صفة مخصوصة والمائدة تطلق على كل ما يوضع عليه الطعام ولا يختص ذلك بصفة مخصوصة. قوله: (قال الحمد الله) يحتمل أن يكون قال ذلك جهرًا وهو

كثِيرا طَيبا مُبارَكًا فِيهِ غَيرَ مَكْفِئ ولا مُوَدَّع ولا مُسْتَغْنىً عَنْهُ رَبُّنا" ـــــــــــــــــــــــــــــ ظاهر سياق أبي أمامة ويحتمل أنه أسر به ولما رآه أبو أمامة يحرك شفتيه سأله فعلمه ثم السنة للأكل ألا يجهر بالحمد إذا فرغ من الطعام قبل جلسائه كي لا يكون منعًا لهم وقوله: الحمد الله أي لذاته وصفاته وأفعاله التي من جملتها الإنعام بالإطعام وقوله: حمدًا الواقع عند الترمذي وغيره مفعول مطلق للحمد إما باعتبار ذاته أو باعتبار تضمنه معنى الفعل أو للفعل. قوله: (كثيرًا) صفة مفعول مطلق والكثرة المراد منها عدم النهاية إذ لا نهاية لحمده تعالى كما لا نهاية لنعمه. قوله: (طيبًا) أي خالصًا عن الرياء والسمعة والأوصاف التي لا تليق بجنابه تقدس لأنه طيب لا يقبل إلا طيبًا، أو خالصًا عن أن يرى الحامد أنه قضى حق نعمته. قوله: (مباركًا فيه) أي في الحمد وهو مفعول أقيم مقام فاعل مبارك أي ما وقع فيه البركة واليمن والزيادة والثبات والمعنى حمدًا ذا بركة دائمًا لا ينقطع لأن نعمه تعالى لا تنقطع فينبغي أن يكون حمدنا غير منقطع أيضًا ولونية وقصدًا. قوله: (غير مودع) بتشديد الدال المهملة مع فتحها أي غير متروك الطلب منه وعلى هذا اقتصر الشيخ كما سيأتي ثم حكى عنه صاحب النهاية أنه قال غير مودع أي غير متروك الطاعة. وقيل هو من الوداع وإليه يرجع والله أعلم، ومع كسرها أي حال كوني غير تارك لها ومعرض عنها لكن تعقب بأنه لا يلائم قوله قبله غير مكفي وقوله بعده ولا مستغنى إذ الرواية فيهما ليست إلا على صيغة اسم المفعول وعلى كل فمؤدى الروايتين واحد هو دوام الحمد واستمراره وغير بالنصحب على أنه حال من الاسم الكريم قيل: أو من اهـ حمد وقال في الحرز إنه الأقرب أي حال كون الحمد لك غير متروك بل مستمر لاستمرار النعم التي هو عليها هذا على روايته اسم مفعول وعلى أنه اسم فاعل فهو حال حذف عاملها وصاحبها أي أقول ذلك حال كوني غير تارك حمدك وما ذكر من النصب هو ما في الأصول المعتمدة من الحصن ووقع في نسخة بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي هو. قوله: (ولا مستغنى) هو بضم الميم وفتح النون أي لا يستغني عنه أحد بل يعاد إليه كرة بعد كرة ويحتاج إليه كل متكلم لبقاء نعمته تعالى واستمرارها ولم يصب من جعله عطف تفسير

وقد رواية "كان إذا فرغ من طعامه" وقال مرة "إذا رفع مائدته قال: الحَمْدُ لِلهِ الذي كفانا وأرْوانا غَيْرَ مَكْفِئ ولا مَكْفُورٍ". قلت: مكفي، بفتح الميم وتشديد الياء، هذه الرواية الصحيحة الفصيحة، ورواه أكثر الرواة بالهمز، وهو فاسد من حيث العربية، سواء كان من الكفاية، أو من كفأت الإناء، كما لا يقال في مقروء من القراءة: مقرئ، ولا في مرمي مرمئ بالهمز. قال صاحب "مطالع الأنوار" في تفسير هذا الحديث: ـــــــــــــــــــــــــــــ محتجًا بأن المتروك هو المستغني عنه لظهور أن فيه فائدة لم يفدها ما قبلها وهي أنه لا مستغنى لأحد عن الحمد كما تقرر لظهور أنه لا فيض إلا منه تقدس فيجب على كل مكلف إذ لا يخلو أحد عن نعمة بل نعمه جمة لا تحصى وهو في مقابلة النعمة واجب بمعنى أن الآتي به في مقابلتها يثاب عليه ثواب الواجب. أما شكر المنعم بمعنى امتثال أمره واجتناب نهيه فواجب شرعًا على كل مكلف يأثم بتركه اجماعًا. قوله: (وفي رواية) هي للبخاري أيضًا زاد في السلاح عن البخاري وقال مرة: لك الحمد ربنا غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه وفي رواية للترمذي وابن ماجه وإحدى روايات النسائي: اللهم لك الحمد حمدًا. قوله: (قلت: مكفيّ الخ) قال الحافظ: هكذا ثبت هذا اللفظ في حديث أبي أمامة بالياء وعلى هذا الضبط فقال ابن بطال يحتمل أن يكون من كفأت الإناء فالمعنى غير مردود عليه إنعامه أو من الكفاية أي أنه تعالى غير مكفي رزق عباده أي غير محتاج إلى أحد في كفايتهم إذ لا يكفيهم أحد غيره سبحانه وتعالى فالضمير الله تعالى وهذا ما حكاه المصنف عن الخطابي وقال الحربي الضمير للطعام ومكفي بمعنى مقلوب من الإكفاء وهو القلب أي غير أنه لا يكفئ الإناء للاستغناء عنه. قوله: (ورواه أكثر الرواة بالهمز وهو فاسد من حيث العربية) فساده باعتبار ما ذكره من كونه من كفأت الإناء أو من الكفاية أما إنه مأخوذ من المكافأة فلا فساد. وقال الجواليقي: الصواب غير مكافأ بالهمز أي أن نعمه تعالى لا تكافئ قال الحافظ: ثبت هذا اللفظ هكذا في حديث أبي أمامة بالياء ولكل معنى والله أعلم.

المراد بهذا المذكور كلِّه الطعام، وإليه يعود الضمير. قال الحربي: فالمكفي: الإناء المقلوب للاستغناء عنه، كما قال: "غير مستغنىً عنه" أو لعدمه، وقوله: غير مكفور، أي: غير مجحود نعم الله سبحانه وتعالى فيه، بل مشكورة، غير مستور الاعتراف بها والحمد عليها. وذهب الخطابي إلى أن المراد بهذا الدعاء كلِّه الباري سبحانه وتعالى، وأن الضمير يعود إليه، ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (المراد بهذا المذكور كله) أي الذي ذكر بعود الضمائر إليه من قوله مكفي وما بعده للطعام المدلول عليه بقرينة المقام أي غير مقلوب ولا مكفي أي غير متروك للاغتناء عنه أو لعدمه بل لا تزال حاجة العباد إلى نعم الله مستمرة ومنها الطعام وهو مجريها عليهم بمنه على الدوام وذكر غير مكفور على هذا لعوده إلى الطعام وإن كان من جملة النعم الجسام والكفر فيه بالمعنى المقابل للشكر أي إن هذا الطعام لم يكفر بجحده وستره وترك الشكر عليه بل لا يزال مشكورًا والاعتراف بأنه من النعم مذكورًا والله أعلم. قوله: (وذهب الخطابي الخ) أي إن الضمائر من مستغنى عنه وما بعده ترجع إلى الباري المذكور قال الحافظ: ما ذكر المصنف عن الخطابي من أن الضمير في قوله مستغنى عنه الله يدل له ما جاء في بعض طرق حديث أبي أمامة عنه أنه قال: علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أقول عند فراغ الطعام "قال: قل اللهم أطعمت فأشبعت وسقيت فأرويت ذلك الحمد غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنك" قال الحافظ: حديث حسن وفي بعض رواته مقال بسبب اختلاطه لكن له شاهد يشده وهو ما جاء عن رجل من بني سليم كانت له صحبة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا فرغ من طعامه قال: "اللهم لك الحمد أطعمت فأشبعت وسقيت فأرويت غير مكفور ولا مودع ولا مستغنى عنك" وفي واحد من رواته ضعف من قبل حفظه وباقي رجال الإسنادين ثقات، وما ذكره عن الخطابي من أن معنى غير مكفي الخ دليله حديث أبي هريرة قال: دعا رجل من الأنصار من أهل قباء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانطلقنا معه فلما طعم النبي - صلى الله عليه وسلم - وغسل يده قال: الحمد الله الذي يطعم

وأن معنى قوله: غير مكفي: أنه يُطْعِمُ ولا يُطْعَمُ، كأنه على هذا من الكفاية، وإلى هذا ذهب غيره في تفسير هذا الحديث، أي: إن الله تعالى مستغنٍ عن معين وظهير، قال: وقوله: ولا مودَّع: أي: غير متروك الطلب منه والرغبة إليه، وهو بمعنى المستغنى عنه، وينتصب "ربنا" على هذا بالاختصاص أو المدح أو بالنداء، كأنه قال: يا ربنا اسمع حمدنا ودعاءنا، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يطعم منَّ علينا فهدانا وكل بلاء حسن أبلانا الحمد الله غير مكفور ولا مودع ولا مكافأ ولا مستغنى عنه الحمد الله الذي أطعم من الطعام وسقى من الشراب وكسى من العري وهدى من الضلالة وبصر من العماية وفضل على كثير ممن خلقه تفضيلًا الحمد الله رب العالمين أخرجه الحافظ من طريق الطبراني في الدعاء. قوله: (وأن معنى قوله غير مكفي الخ) أي إنه تعالى هو المطعم الكافي وهو غير مطعم ولا مكفي. قوله: (ولا مودع أي غير متروك الطلب الخ) هذا على كونه مشدد الدال مفتوحها وسبقت فيه على هذا الوجه معان أخر وأنه يجوز كسر الدال على ما فيه ومآل الكسر والفتح إلى معنى واحد هو دوام الطاعة والطلب والافتقار إلى الكريم سبحانه. قوله: (وهو بمعنى المستغنى عنه) أي فذكره بعده بمنزلة التأكيد والاهتمام بالمقام وليس قوله ولا مستغنى عنه بعده من عطف التفسير لأن في ذكره فائدة لم تستفد من قوله غير مودع نصًّا هي أنه لا استغناء لأحد من العباد عن الباري إذ أصل الوجود ودوامه إنما هو من إمداده ولو انقطع المدد ساعة لفني العالم عن آخره والله أعلم. قوله: (على هذا) أي كون الضمير من مكفي وما بعده يعود إلى الله تعالى، والذي يخص هذا الوجه هو النصب على الاختصاص أما على النداء بحذف أداته أو على اضمار نحو أعني على أنه صفة مقطوعة عن الاسم الكريم فجاز على هذا الوجه وعلى كون الضمير يعود للطعام والله أعلم. قوله: (على الاختصاص الخ) وكذا يجوز كونه منصوبًا بتقدير نحو أعني مما لا يدل قوله مدح وغيره مما ذكر .. قوله: (اسمع حمدنا ودعاءنا) أي المذكور على الأول بالتصريح وعلى الثاني بالإشارة كما تقدم نظيره من كلام سفيان في حديث أفضل

ومن رفعه قطعه وجعله خبرًا، وهذا قيده الأصيلي كأنه قال: ذلك ربنا، أو أنت ربنا، ويصح فيه الكسر على البدل من الاسم في قوله: الحمد الله. وذكر أبو السعادات ابن الأثير في "نهاية الغريب" نحو هذا الخلاف مختصرًا. وقال: ومن رفع "ربنا" فعلى الابتداء المؤخر: أي ربنا غير مكفي ولا مودَّع، وعلى هذا يرفع "غير" قال: ويجوز أن يكون الكلام راجعًا إلى الحمد، كأنه قال: حمدًا كثيرًا غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عن هذا الحمد. وقال في قوله: ولا مودَّع: أي غير متروك الطاعة، وقيل: هو من الوداع، وإليه يرجع، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ الدعاء: لا إله إلا الله الخ بأن فيه التعرض للسؤال وسؤال النوال كما قال من قال: إذا أثنى عليك المرء يومًا ... كفاء من تعرضه الثناء قوله: (ومن رفعه قطعه) أي فيكون التقدير هو أي المثني عليه بهذه الأوصاف ربنا أو أنت ربنا وأغرب الحنفي في شرح الحصن وأعرب ربنا مبتدأ خبره محذوف أي ربنا ذلك، ونقل المصنف للرفع وجهًا آخر عن صاحب النهاية حاصله أن ربنا مبتدأ مؤخر وأن قوله غير مكفي الخ بالرفع خبر عنه مقدم. قوله: (ويصح الكسر) أي الجر لكنه تسامح في التعبير فعبر عن لقب أحد أنواع الأعراب بلقب أحد أنواع الباء. قوله: (على البدل من الاسم الخ) وأجاز ابن التين كما نقله العلقمي كونه بدلًا من الضمير في قوله مستغنى عنه أي بناء على كونه يعود للبارئ كما نقله المصنف عن الخطابي وبه يندفع اعتراض ابن حجر هذا الوجه ورده بأنه واضح الفساد فإن الضمير يعود إلى الحمد كما لا يخفى على من له ذوقوله اهـ. قوله: (ويجوز أن يكون الكلام راجعًا إلى الحمد) وعليه فيتعين في رواية الجر في لفظ ربنا أن يكون بدلًا من الاسم الكريم عن الضمير المجرور بعن، هذا ما يتعلق بما ذكره المصنف ولميرك في هذا المقام كلام نفيس فيه تفصيل للمقام وإجمال مع ايضاح في المقال وعبارته: اعلم أن ضمير اسم المفعول في الجمل

وروينا في "صحيح مسلم" عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أن الله تعالى ليَرْضَى عَنِ العَبْدِ يأكُلُ الأكلَةَ فيَحْمَدُهُ عَلَيها، ويَشْرَبُ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيها". ـــــــــــــــــــــــــــــ الثلاث لا يخلو إما أن يكون راجعًا إلى الله تعالى أو إلى الحمد أو إلى الطعام الذي يدل عليه السياق فعلى الأول يجوز حينئذٍ أن يقرأ غير منصوبًا بإضمار أعني أو على أنه حال أي الله سبحانه غير مكفي رزق عباده لأنه لا يكفيه أحد غيره وقيل أي غير محتاج إلى أحد لكنه هو الذي يطعم عباده ويكفيهم ولا مودع أي غير متروك الطلب منه والرغبة فيما عنده ولا مستغنى عنه لأنه في جميع الأمور هو المرجع والمستعان والمدعو، ويجوز أن يقرأ مرفوعًا أي هو غير مكفي الخ وعلى الثاني معناه أن هذا الحمد غير مأتي به كما هو حقه لقصور القدرة ومع هذا فغير مودع أي غير متروك بل الاشتغال به دائم من غير انقطاع كما أن نعمه سبحانه لا تنقطع عنا طرفة عين ولا مستغنى عنه لأن الإتيان به ضروري دائمًا ورفع غير ونصبه بحمالهما وعلى الثالث معناه أنه غير مكفي من عندنا بل هو الكافي والرزاق أو غير مردود إليه لأن الاحتياج إليه قد بلغ الغاية ولا مودع أي متروك لأن الحاجة له دائمة ولا مستغنى عنه جملة مؤكدة للجملة السابقة والرفع والنصب في غير بحالهما أيضًا. قوله: (وروينا في صحيح مسلم عن أنس الخ) قال في السلاح ورواه مسلم والترمذي والنسائي اهـ. وأخرجه الحافظ من حديث أنس أيضًا مرفوعًا بلفظ إن الله ليدخل العبد الجنة بالأكلة أو الشربة يحمده عليها. قوله: (ليرضى عن العبد) أي يرحمه ويثيبه كما جاء في الرواية الأخرى يدخله الجنة. قوله: (يأكل الأكلة) في محل الحال أي حال أكله وحمده ربه تعالى والأكلة بفتح الهمزة اسم للقمة ويرجح الأول قوله ويشرب الشربة إذ هو بالفتح لا غير وأشار في السلاح إلى احتمال الوجهين هنا وأن بعضهم رجحه ولعل هذا وجهه وكل من الأكلة والشربة مفعول مطلق. قوله: (فيحمده) أي أنه يرضى أكله المتعقب بالحمد مع أن نفعه لنفسه فكيف بالحمد على ما لا نفع له فيه وفيه أن أصل سنة الحمد بعد كل من الطعام والشراب يحصل بأي لفظ اشتق من مادة حمد بل مما يدل على الثناء على الله تعالى

وروينا في "سنن أبي داود" وكتابي "الجامع" و"الشمائل" للترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا فرغ من طعامه قال: "الحَمْدُ لِلَهِ الَّذِي أطْعَمَنا وسَقانا وجَعَلَنا مُسْلِمِينَ". وروينا في "سنن أبي داود والنسائي" بالإسناد الصحيح عن أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أكل أو شرب قال: "الحَمْدُ لِلهِ الذِي أطْعَمَ وَسَقَى وَسَوَغَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وما سبق من حمده - صلى الله عليه وسلم - المشتمل على تلك الصفات البليغة البديعة إنما هو بيان للأكمل. قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) وكذا رواه النسائي وابن ماجه كما في السلاح ولفظ الكتاب لأبي داود ولفظ الترمذي كان - صلى الله عليه وسلم - إذا أكل أو شرب قال فذكره وزاد في الحصن وابن السني قال الحافظ بعد تخريجه للحديث من طريق الإِمام أحمد: هذا حديث حسن وأخرجه أيضًا من طريق الطبراني عن أبي سعيد بلفظ كان - صلى الله عليه وسلم - إذا أكل طعامًا قال الحمد الله الخ مثله سواء وأفاد الحافظ أن النسائي أخرجه في اليوم والليلة. قوله: (إذا فرغ من طعامه) أي من أكله. قوله: (الحمد الله الخ) لما كان الحمد على النعم به العبد ويستجلب به المزيد أتى به - صلى الله عليه وسلم - تحريضًا على التأسي به ولما كان الباعث على الحمد هو الطعام ذكره أولًا لزيادة الاهتمام وكان السقي من تتمته إذ لا يخلو الطعام عن الشراب في أثنائه غالبًا ثنى به وختم الذكر بقوله وجعلنا مسلمين للجمع بين الحمد على النعم الدنيوية والأخروية وإشارة إلى أن الأولى بالحامد أن لا يحرر حمده على دقائق النعم بل النظر إلى جلائلها أحق ولأن الإتيان بحمده من نتائج الإسلام وهذا أنفس من قول بعضهم لما أراد ذكر كثير من النعم ذكر أشرفها وهو الإسلام وإلًا فلا وجه لذكره في هذا المقام اهـ. قوله: (وروينا في سنن أبي داود والنسائي الخ) وكذا أخرجه أبو يعلى وأخرجه ابن حبان من طريق أبي يعلى كذا قال الحافظ: وقال: الحديث صحيح وأشار إلى أن الطبراني أخرجه في كتاب الدعاء. قوله: (وسوغه) هو بتشديد الواو سهل كلًّا من دخول اللقمة ونزول الشربة في الحلق فالإفراد

وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا". وروينا في "سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه" عن معاذ بن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أكَلَ طعامًا فقال: الحَمْدُ لِلهِ الذي أطْعَمَني هذا ورَزَقَنِيهِ مِنْ غَيرِ حَوْلٍ منِّي ولا قُوَّة، غُفِرَ لهُ مما تَقدَّمَ مِنْ ذنْبِه" قال الترمذي: حديث حسن. قال الترمذي: وفي الباب - يعني باب الحمد على الطعام إذا فرغ منه- عن عقبة بن عامر وأبي سعيد وعائشة وأبي أيوب وأبي هريرة. ـــــــــــــــــــــــــــــ باعتبار ما ذكر. قوله: (وجعل له) أي لما ذكر (مخرجًا) أي خروجًا أو مكان خرووج أو زمانه. قوله: (وروينا في سنن أبي داود والترمذي) قال في الحصن وأخرجه الحاكم وابن السني كلهم من حديث أبي داود قال الحافظ: والحديث حسن. قوله: (غفر له ما تقدم من ذنبه) وجد في سنن أبي داود زيادة وما تأخر وعليها علامة الصيمري أحد رواة السنن وتقدم ما في ذلك في باب ما يقول إذا لبس ثوبه أوائل الكتاب. قوله: (قال الترمذي وفي الباب الخ) قال الحافظ: تقدم حديث أبي سعيد وحديث أبي أيوب وسيأتي حديث عائشة في آخر كتاب أذكار الطعام ولأنس حديث آخر يأتي في أثناء هذا الباب وبيض شيخنا لحديث عقبة بن عامر وأما حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فأخرجه الطبراني في كتاب الدعاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: دعا رجل من الأنصار من أهل قباء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانطلقنا معه الحديث السابق في الكلام على قول الخطابي أن معنى قوله غير مكفي أنه يطعم ولا يطعم وخرجه الحافظ ابن حجر من طريق الطبراني المذكورة ومن طريق أخرى ثم خرجه من طريق ثالث وقال بعد تخريجه هذا حديث حسن من هذا الوجه أخرجه النسائي وابن حبان والحاكم ثم خرجه من طريق أبي نعيم وقال في حفظ الثلاثة أي الذين أسند عنهم أبو نعيم هذا الحديث مقال وهم من أهل الصدق ثم قال وللحديث شواهد سابقة ولاحقة منها عن أبي هريرهَ - رضي الله عنه - حديث آخر. ثم قال: قال شيخنا يعني الحافظ زين الدين العراقي وفي الباب ممن لم يذكره الترمذي عن أبي أمامة ومعاذ بن أنس وعبد الرحمن بن عوف وأبي موسى الأشعري والحارث بن الحارث الأزدي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبد الله بن عمرو وابن عباس ورجل من سليم ورجل خدم النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الحافظ: وفيه ممن لم يذكراه عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن مسعود - رضي الله عنهما - ومن مرسل سعيد بن جبير ومن مرسل عمرو بن مرة ومن مرسل من حديث سعيد بن أبي هلال وقد تقدمت أحاديث أبي أمامة ومعاذ بن أنس ورجل من في سليم ويأتي حديث عبد الله بن عمرو وحديث الرجل الذي خدم وحديث ابن مسعود، وأما حديث عبد الرحمن بن عوف فأخرجه البزار بسند لين ولفظه كان - صلى الله عليه وسلم - يقول إذا فرغ من طعامه الحمد الله الذي أطعمنا وسقانا الحمد الله الذي أشبعنا وروانا الحمد الله الذي أنعم علينا فأفضل اللهم إنا نسألك برحمتك أن تجيرنا من النار، وأما حديث أبي موسى فأخرجه أبو يعلى بسند ضعيف ولفظه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أكل فشجع وشرب فروى" ثم قال: "الحمد الله الذي أطعمني وسقاني فأشبعني وأرواني" خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وأما حديث الحارث بن الحارث الأزدي فأخرجه الطبراني في الكبير بسند واه ولفظه سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول بعد فراغه من طعامه: "اللهم لك الحمد أطعمت وسقيت فأشبعت ورويت ذلك الحمد غير مكفور ولا مستغنى عنك ربنا"، وأما حديث ابن عباس فخرجه الحافظ بسنده عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج أبو بكر رضي الله عنه بالهاجرة فسمع بذلك عمر - رضي الله عنه - فخرج فقال: ما أخرجك يا أبا بكر هذه الساعة؟ فقال: والله ما أخرجني إلا ما أجد من حاق الجوع، فقال: والله ما أخرجني غيره فبينما هما كذلك إذ خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ما أخرجكما" قالا: ما نجد من حاق الجوع؟ قال: "وأنا والذي نفسي بيده ما أخرجني غيره فقدما وانطلقوا إلى بيت أبي أيوب الأنصاري" قال وكان أبو أيوب يدخر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعامًا أو لبنًا فأبطأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذٍ عن إتيانه في حينه فأطعمه أهله وانطلق إلى نخله يعمل فيه فلما أتوا بابه خرجت امرأته فقالت: مرحبًا، فقال لها: "وأين أبو أيوب؟ " قالت: يأتيك الساعة فرجع فبصر به أبو أيوب فجاء يشتد عدوًا فقال: مرحبًا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبمن معه فرده وجاء إلى عذق فقطعه فقال: ما أردت إلي هذا! قال: تأكل من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بسره ورطبه وتمره ولأذبحن لك مع ذلك، فقال: لا تذبح ذات در، فأخذ عناقًا فذبحه وقال لامرأته: اختبزي وأطبخ أنا فلما أنضج وضعه بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه شيئًا فوضعه على رغيف، وقال: "يا أبا أيوب أبلغ بهذا فاطمة فإنها لم تصب مثل هذا منذ أيام" فلما أكلوا وشبعوا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - خبز ولحم وبسر ورطب وتمر ودمعت عيناه هذا هو النعيم الذي تسألن عنه يوم القيامة فكبر ذلك على أصحابه فقال: "إذا أصبتم مثل هذا فضربتم بأيديكم فقولوا بسم الله وببركة الله فإذا شبعتم فقولوا الحمد الله الذي أشبعنا وأروانا وأنعم علينا فأفضل" فإن هذا كفاف هذا وذكر بقية الحديث، قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث حسن فيه غرابة من وجهين أحدهما ذكر أبي أيوب والثاني ما في آخره من التسمية والحمد وقصة فاطمة والمشهور في هذا قصة أبي الهيثم بن التيهان وقد أخرج الحاكم هذا الحديث من طريق الفضل بن موسى قال: أخبرنا عبد الله بن كيسان عن عكرمة عن ابن عباس وليست فيها هذه الزيادة ثم خرجه الحافظ بسند له عن يونس عن عكرمة عن ابن عباس قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند الظهيرة فوجد أبا بكر الصديق جالسًا في المسجد فقال: "ما أخرجك هذه الساعة يا أبا بكر - رضي الله عنه -؟ " فقال: أخرجني الذي أخرجك يا رسول الله فجاء عمر - رضي الله عنه - فقال: "ما أخرجك يا عمر - رضي الله عنه -" فقال: أخرجني الذي أخرجكما قال فقعد يحدثنا ثم قال: هل بكما قوة فننطلق إلى هذا النخل وأومأ بيده إلى دور الأنصار فنصيب طعامًا وشرابًا وظلًا فقلنا: نعم، فانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانطلقنا معه إلى منزل أبي الهيثم بن التيهان فسلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثًا وأم الهيثم خلف الباب كل ذلك تسمع الكلام فلما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الانصراف خرجت أم الهيثم تسعى فقالت: يا رسول الله قد سمعت سلامك ولكن أردت أن نزداد من سلامك فقال لها: "خيرًا ودعا لها بخير" ثم قال: "أين أبو الهيثم؟ " قالت: هو قريب يأتي الساعة ذهب يستعذب لنا من الماء فلم نلبث أن جاء أبو الهيثم ومعه حمار عليه قربتان من ماء فوضع عن حماره وبسط لنا بساطًا تحت شجرة ثم صعد إلى نخلة فصرم أعذاقًا فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما هذا يا أبا الهيثم؟ " قال: أردت أن تأكلوا من بسره ورطبه وتذنبوا به ثم ذهب ليذبح فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إياك واللبون اذبح لنا عناقًا" فأمر امرأته فعجنت عجينًا وقطع أبو الهيثم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللحم فشوى وطبخ ووضعنا رؤوسنا فانتبهنا وقد أدرك الطعام فأكلنا وشربنا وحمدنا الله تعالى فقال - صلى الله عليه وسلم -: "هذا من النعيم الذي تسألن عنه" ثم ذكر بقية الحديث، قال الحافظ: أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب الأطعمة عن هلال بن بشر حدثنا أبو خلف عبد الله بن عميس عن يونس بن عبيد الخ وأخرجه أبو يعلى عن زكريا بن يحيى الخراز عن أبي خلف قال ابن صاعد في هذا الحديث عن عمر يعني أن ابن عباس لم يحضر القصة قال الحافظ: وهو كذلك فقد وقع في رواية زكريا المذكورة بالسند المذكور عن ابن عباس أنه سمع عمر يقول وساق الحديث بتمامه، وهكذا أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير عن أبي زرعة الرازي عن زكريا، قال الحافظ: وقصة أبي الهيثم هذه قد جاءت من رواية أخرى أطول من هذا من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أخرجها الترمذي من طريق أبي سلمة عند وليس فيه الحمد وقد أخرج الحاكم فيه من طريق أبي سلمة وزاد فيه كالذي هنا في حديث ابن عباس وزاد فيه عن ابن عمر نحوه وسيأتي قريبًا في باب الترحيب بالضيف من طريق الأشجعي عن أبي هريرة شبيه بأصل القصة باختصار لكن قال رجل من الأنصار: لم يقل أبو الهيثم ولا أبو أيوب، وأما حديث علي رضي الله عنه فأخرجه الحافظ بسنده إلى ابن أعبد قال: قال لي علي: أتدري ما حق الطعام؟ قلت: وما حق الطعام؟ قال: تقول بسم الله اللهم بارك لنا فيما رزقتنا قال: وتدري ما شكر الطعام قلت: وما شكر الطعام؟ قال: تقول إذا فرغت: الحمد الله الذي أطعمنا وسقانا قال الحافظ: وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف وابن أعبد لا يعرف اسمه وسماه بعضهم عليًّا ولا يصح، وأما حديث ابن عمر فقد ذكر مع حديث ابن عباس وأما حديث ابن مسعود وما بعده فسيأتي في آخر الباب، ثم قال: آخر الباب أما حديث عمرو بن مرة فقد ذكرته في حديث عبد الله بن عمرو أي الآتي من حديث ابن السني كان - صلى الله عليه وسلم - إذا فرغ من الطعام يقول: الحمد الله الذي منَّ علينا الخ وحديث عمرو بن مرة شاهد كما سيأتي، وأما حديث سعيد بن جبير فأخرجه ابن أبي شيبة مقطوعًا ولفظه كان إذا فرغ من طعامه قال: اللهم أشبعت وأرويت ورزقت فأكثرت فزدنا وأما حديث سعيد بن أبي هلال فأخرجه ابن السني من طريق الليث عن سعيد عمن حدثه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من قال إذا فرغ من طعامه الحمد الله الذي أطعمني فأشبعني وسقاني فأرواني

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بلا حول مني ولا قوة فقد أدى شكر ذلك الطعام ورجاله ثقات إلا أنه مرسل فيه مبهم أو معضل لأن سعيدا لم يسمع من صحابي وكان كثير الإرسال، قال ثم وقفت بعد ذلك على ما جاء عن نوفل بن معاوية وسيأتي في شواهد حديث ابن السني عن ابن مسعود آخر الباب وعن سلمان الفارسي أخرجه الطبراني في الكبير ولفظه كان إذا فرغ من طعامه قال الحمد الله الذي كفانا المؤنة ووسع علينا من الرزق وله شاهد موقوف عن الحسن البصري وغيره، وجاء في الباب عن سعد بن مسعود الثقفي قال: كان نوح إذا لبس ثوبًا أو أكل طعامًا قال: الحمد الله فسمي عبدًا شكورًا قال الحافظ بعد تخريجه من طريق أبي نعيم: موقوف حكمه الرفع وسنده قوي وله شاهد من حديث محمد بن كعب القرظي قال: كان نوح إذا أكل قال: الحمد الله وإذا شرب قال: الحمد الله وإذا ركب قال: الحمد الله فسمّاه الله عبدًا شكورًا أخرجه الحافظ من طريق ابن المبارك، وله شاهد أيضًا عن مجاهد في قوله تعالى: {أنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} قال: لم يأكل شيء قط إلا حمد الله ولا شرب شيء قط إلا حمد الله ولم يمس شيء قط إلا حمد الله فأثنى الله عليه أنه كان عبدًا شكورًا قال الحافظ بعد إيرادهما وتخريجهما: هذان موقوفان على هذين التابعيين وسند كل منهما قوي وقد جاء موقوفًا عن سلمان أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير وكذا ابن مردويه والحاكم في المستدرك كلهم من طريق سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن سلمان ولفظه كلفظ سعد يعني ابن مسعود قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين قال الحافظ: هو على قاعدته أن تفسير الصحابي له حكم المرفوع إذا كانت لا مجال للاجتهاد فيها لكن لها شرط آخر وهو أن لا يكون الصحابي أخذ عن أحد من أهل الكتاب وسلمان كان ممن أخذ لكن سعد لم ينقل عنه ذلك وأخرج ابن أبي حاتم من طريق حكيم بن عمير أحد التابعين من أهل الشام قال: كان نوح إذا أكل قال: الحمد الله الذي أطعمني وقال في الشرب والقيام كذلك وفي آخره ولا يصنع شيئًا إلا قال: الحمد الله وقد جاء نحو ذلك مرفوعًا صريحًا أخرجه ابن مردويه من حديث أبي فاطمة الأزدي وهو صحابي معروف بكنيته لا يعرف اسمه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كان نوح - عليه السلام - لا يحمل شيئًا صغيرًا أو كبيرًا إلا قال بسم الله والحمد الله فسمّاه الله عبدًا شكورا" وهو حديث غريب جدًّا وسنده ضعيف، قال الحافظ:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجاء من طريق النضر بن شفي بمعجمة وفاء مصغر عن عمران بن سليم قال: كان نوح - عليه السلام - إذا أكل الطعام قال: الحمد لله الذي أطعمني ولو شاء أجاعني وإن شرب قال: الحمد الله الذي سقاني ولو شاء أظمأني وإذا لبس ثوبًا قال: الحمد الله الذي كساني ولو شاء أعرابي وإذا انتعل نعلًا قال: الحمد الله الذي حذاني ولو شاء أحفاني وإذا قضى حاجة قال: الحمد الله الذي أخرج عني أذاه ولو شاء لحبسه أخرجه ابن جرير في التفسير وأخرجه سعيد بن منصور وفي سنده ضعف، قال الحافظ: وجاء في الباب عن أبي جعفر الباقر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا شرب الماء قال: "الحمد الله الذي سقانا عذبًا فراتًا ولم يجعله ملحًا أجاجًا" حديث مرسل فجابر الجعفي الراوي عنه ضعيف والباقر يروي عن جابر فيؤخذ من هذا نوع لطيف من علوم الحديث الباقر عن جابر وعنه جابر الأدنى الجعفي والأعلى الصحابي وليس هذا في كتاب ابن الصلاح، وخرجه الحافظ عن باقر من طريق أخرى ولفظه الحمد الله الذي سقانا عذبًا فراتًا برحمته ولم يجعله ملحًا أجاجًا بذنوبنا فأفادت هذه الطريق زيادة ما ذكر في طرفي المتن وأخرج الحافظ مثل هذا اللفظ عن الحسن البصري موقوفًا عليه بسند حسن قال وهو يقوي الذي قبله، وجاء في الباب عن شهر بن حوشب أخرجه الحافظ بسنده إلى إسماعيل بن عياش قال: كان ابن أبي حسين المكي يقدمني فقال له أصحاب الحديث: إنك تؤثر هذا الغلام الشامي وتقدمه علينا فقال: إني أؤمل فيه وكان قد حدثهم عن شهر بن حوشب بحديث إذا جمع الطعام أربعة فقد كمل فسأله أن يحدثهم به فحدثهم ونسي الرابعة فقال لي: كيف كنت حدثتكم فقلت: حدثتنا عن شهر بن حوشب قال: إذا جمع الطعام أربعة فقد كمل يكون أصله حلالًا ويسمي الله في أوله ويحمده في آخره وتكثر عليه الأيدي فالتفت إلى أصحابه فقال: كيف رأيتم وأخرجه الحافظ من طريق أخرى بدون القصة ثم قال: هذا موقوف حسن إن كان الذي نقله عنه شهر بن حوشب صحابيًّا ثم يحتمل أن يكون مرفوعًا وإلا فهو مقطوع وقد تقدم خير الطعام ما كثرت عليه الأيدي وهذا شاهد له، وجاء في الباب عن معاوية بن قرة أخرجه ابن أبي الدنيا من طريقه ولفظه من أكل طعامًا أو شرب شرابًا أو لبس لباسًا وقال: بسم الله والحمد الله غفر له ومعاوية هذا من ثقات التابعين وأبوه صحابي وابنه إياس بن معاوية القاضي المشهور بالذكاء

وروينا في "سنن النسائي" وكتاب ابن السني بإسناد حسن، عن عبد الرحمن بن جبير التابعي، أنه حدَّثه رجل خدم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثماني سنين أنه كان يسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قرب إليه طعام يقول: "بِسْم الله، فإذا فرغ من طعامه قال: اللهُم أطْعَمْتَ وَسَقَيتَ، وأغْنَيتَ وأقْنَيتَ، وَهَدَيْتَ وأحْيَيتَ، فَلَكَ الحَمْدُ على ما أعْطَيتَ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الحافظ: وأوسعت القول في هذا الباب أي ما يقال بعد الطعام لقول الشيخ عن الترمذي وفي الباب عن فلان وسمى ستة وزاد شيخنا عليه في شرحه تسعة وزدت نظير ذلك أو أكثر لما فيها من الموقوف اهـ. كلامه ملخصًا، ولعظم فائدة هذا المقام نقلنا ما أشار إليه الحافظ وإن طال به الكلام والله أعلم. قوله: (وروينا في سنن النسائي وكتاب ابن السني) قال الحافظ بعد تخريج الحديث: هذا حديث صحيح أخرجه النسائي في الكبرى من طريق يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن سعيد بن أبي أيوب عن بكر بن عمرو عن أبي هبيرة يعني عبد الله عن عبد الرحمن بن جبير عن رجل خدم النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن السني من طريق عبد الله بن زيد المقرئ عن سعيد وساقه الشيخ على لفظه. قوله: (بإسناد حسن) قال الحافظ في اقتصاره على حسن نظر فإن رجال سنده من يونس إلى الصحابي أخرج لهم مسلم وقد صرح التابعي بأن الصحابي حدثه في رواية المقرئ فلعله خفي عليه حال ابن هبيرة. قوله: (التابعي) قال الحافظ: احترز بذلك عن آخر شارك المذكور في اسمه واسم أبيه لكنه دونه في الطبقة وهو عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي الحمصي وراوي هذا الحديث لم يسم جده وهو مصري قديم ذكر ابن يونس أنه حضر فتح مصر والحمصي خل روايته عن التابعين وقد روى أيضًا عن أنس فهو تابعي صغير. قوله: (وأغنيت وأقنيت) الأول من الغنى أي أغنيت من شئت بالكفاية في الأموال والثاني بالعفاف أي أعطيت المال المتخذ قنية وفي هذا الذكر اقتباس من قوله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى}. قوله: (وهديت) أي أوصلت من شئت من العباد إلى طرق الرشاد. قوله: (فلك الحمد على ما أعطيت) أي جميع الذي أعطيته أو على جميع عطائك مما ذكر ومما لم

وروينا في كتاب ابن السني عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه كان يقول في الطعام إذا فرغ: "الحَمْدُ لِلَهِ الَّذي مَنَّ عَلَينا وهَدَانا، والَّذي أشْبَعَنا وأرْوانا، وكُل الإحْسانِ آتانا". وروينا في "سنن أبي داود والترمذي" وكتاب ابن السني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال ـــــــــــــــــــــــــــــ يذكر فما موصولة أو مصدرية. قوله: (وروينا في كتاب ابن السني الخ) هو طرف من حديث فرقة ابن السني وجمعه ابن عدي وسبق ذكره في أول كتاب آداب الطعام والشراب والكلام على حال الحديث قال الحافظ: ووجدت له شاهدًا فأخرج بسنده عن عمرو بن مرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا فرغ من طعامه قال: "الحمد الله الذي من علينا فهدانا والحمد الله الذي أشبعنا وأروانا وكل بلاء صالح أبلانا" قال الحافظ بعد تخريجه: هذا سند صحيح لكنه مرسل فإن عمرو بن مرة تابعي كوفي من الثقات المخرج لهم في الصحاح لكنه يقوي به حديث عبد الله بن عمرو المذكور قبل، قال: ووجدت له شاهدا أيضًا من حديث أنس أخرجه المعمري في اليوم والليلة من طريق إسحاق بن أسيد بمهملة بوزن عظيم عن رجل عن أنس رفعه أنه كان إذا فرغ من طعامه قال: الحمد الله الذي من علينا فهدانا فذكر مثل هذا المرسل سواء وزاد الحمد الله الذي كفانا المؤنة وأوسع علينا من الرزف وسنده ضعيف من أجل الرجل الذي لم يسم وفي إسحاق لين قال الحافظ: ووجدت لهذه الزيادة الأخيرة شاهدًا من حديث سلمان الفارسي خرجه الطبراني ولفظه كان إذا فرغ من الطعام يقول: الحمد الله الذي كفانا المؤنة وأوسع علينا الرزق وفي سنده يزيد بن عطاء وفيه ضعف وقد خرجه الطبراني أيضًا وابن أبي شيبة يزيد وسنده صحيح لكنه موقوف على سلمان ولسلمانِ حديث آخر يأتي مع سعد بن مسعود. قوله: (منّ علينا وهدانا) عطف الهداية على المنة من عطف الخاص على العام اهتمامًا بشأنها وقوله هدانا أي إلى أمور الدارين. قوله: (وروينا في سنن أبي داود والترمذي الخ) أخرجه الحافظ بسنده

تنبيه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من طريق ابن عيينة عن زيد بن علي بن جدعان عن عمر بن أبي حرملة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دخلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على خالتي ميمونة رضي الله عنها ومعنا خالد بن الوليد رضي الله عنه، فقالت له ميمونة: يا رسول الله ألا تقدم لك شيئًا أهدته لنا أم عفيف؟ قال: بلى فأتته بضباب مشوية، فلما رآها تغل ثلاث مرات، فقال له خالد لعلك تقذره، قال: نعم، ثم أتى بإناء فيه لبن فشرب وأنا عن يمينه وخالد عن يساره، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الشربة لك وإن شئت اثرت بها خالدا"، فقلت: لا أوثر بسؤرك أحدًا فناولني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإناء، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أطعمه الله طعامًا فليقل: اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرًا منه، ومن سقاه الله لبنًا فليقل: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه: فإني لا أعلم شيئًا يجزي عن الطعام والشراب إلا اللبن. قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث حسن أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي في الكبرى وابن السني واقتصر النسائي وابن السني منه على الدعاء الأخير ولم يذكر أبو داود قصة الإيثار في الشرب ولا الترمذي قصة الضباب وأخرجه النسائي أيضًا من طريق شعبة عن علي بن زيد مختصرًا قال ووقع لنا من طريقه بتمامه فأخرجه عن ابن عباس شعبة بهذا السند عن ابن عباس قال: أهدت خالتي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمنًا وأضبًا ولبنًا فذكر الحديث، وفيه فقال له خالد: كأنك قذرته، قال: أجل وشرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اللبن وفيه ما كنت لأوثر بسؤرك خالدًا وفيه من أكل طعامًا يعني الضب قال الحافظ: أخرجه النسائي عن بندار عن غندر عن شعبة عن علي بن زيد يعني ابن جدعان وعليه مدار الحديث عند جميع من ذكر وهو يرويه عن عمرو عن ابن عباس والله أعلم. تنبيه قال الحافظ: ووقع في رواية ابن عيينة في هذه الطريق أم عفيق بالعين المهملة والفاء ثم القاف مصغرًا وأصل الحديث في الصحيح بلفظ أم حفيد أوله حاء مهملة وآخره قال وهو المشهور، وسميت في رواية أخرى في الصحيح هزيلة بالزاي والسلام مصغرًا وهي أخت ميمونة وأخت لبابة الكبرى أم ابن عباس ولبابة الصغرى أم خالد الأربع بنات الحارث وكانت أم حفيد تزوجت في الأعراب فسكنت البادية، وكانت تزور

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أكَلَ أحَدُكُم طعامًا" وفي رواية ابن السني "مَنْ أطْعَمَهُ اللهُ طعامًا فَلْيَقُلْ: اللهم بارِكْ لنا فيهِ وَأطْعِمْنا خَيرًا منهُ، ومَنْ سَقاهُ اللهُ تعالى لَبَنًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُم بارِكْ لنا فيهِ وزِدْنا مِنْهُ، فإنهُ ليسَ شيء يجْزِئُ مِنَ الطعامِ والشراب غَيْرَ اللَّبَنِ" قال الترمذي: حديث حسن. ـــــــــــــــــــــــــــــ أختها بالمدينة. وذكر ابن سعد أنها أسلمت وبايعت وكلهن معدودات في الصحابة. تنبيه آخر وقع في رواية الترمذي عمر بن أبي حرملة كما في روايتنا الأولى وقال بعده رواه بعضهم عمرو بن أبي حرملة وقال بعضهم عمرو بن حرملة يعني بفتح العين بدون لفظ أبي وهي روايتنا الثانية من طريق شعبة اهـ. كلام الحافظ. قوله: (وفي رواية ابن السني من أطعمه الله طعامًا) قلت هوبهذا اللفظ عند الترمذي وغيره. قوله: (فليقل) ظاهر الحديث أنه يأتي بالذكر عقب الشروع في الأكل لكن قضية صنيع المصنف أنه يقول عقب الفراغ أي والأولى أن يكون بعد الحمد وتعقب الأول بأن حال الأكل لا يقال فيه: أطعمنا خيرًا منه ولا زدنا منه كما هو ظاهر أي فالمراد أنه يقول بعد الفراغ كما أفادته الترجمة. قوله: (بارك لنا فيه) البركة زيادة الخير ودوامه على صاحبه وهمزة أطعمنا للقطع من أطعم. قوله: (خيرًا منه) يحتمل أن يريد طعام الجنة ويحتمل أن يريد العموم فيشمل خيري الدارين. قال العلقمي: والظاهر أن النكرة إذا كانت في معرض الزيادة تكون للعموم وإن كانت للإثبات في معرض الامتنان. قوله: (ومن سقاه الله لبنًا) بجميع أنواعه من إبل أو بقر أو غنم حليب وغيره خالص وممزوج بماء أو غيره وعبر بالشرب لأنه الغالب على استعماله. قوله: (وزدنا منه) دل على أنه لا خير من اللبن وأنه خير من العسل الذي هو شفاء للناس قال ابن رسلان لكن قد يقال إن اللبن باعتبار التغذي والري خير من العسل ومرجح عليه والعسل باعتبار التداوي من كل داء وباعتبار الحلاوة يرجح على اللبن ففي كل منهما خصوصية يترجح بها، ويحتمل أن المراد وزدنا لبنًا من جنسه وهو لبن الجنة كما في قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} أي من جنسه وشبهه

وروينا في كتاب ابن السني بإسناد ضعيف عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا شرب في الإناء ـــــــــــــــــــــــــــــ وللإمام السبكي الكبير مؤلف في المسألة حاصله ترجيح اللبن علي العسل قلت وهو الذي اختاره الجمهور قال الجلال السيوطي في "تعريف الفئة بأجوبة الأسئلة المائة" مقتضى الدلالة تفضيل اللبن علي العسل لأمور منها أنه يربى به الطفل ولا يقوم العسل ولا غيره مقامه في ذلك، ومنها أنه يجزئ عن الطعام والشراب أي كما في حديث الباب وليس العسل ولا غيره بهذه المثابة، ومنها أنه لا يشرق به أحد وليس العسل ولا غيره كذلك رواه ابن مردويه في تفسيره عن أبي لبيبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما شرب أحد لبنًا فشرق، إن الله تعالى يقول: {لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} ومنها أنه - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء أتى بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل فاختاره فقيل له: هذه الفطرة أنت عليها وأمتك رواه الشيخان وغيرهما فاختياره اللبن علي العسل ظاهر في تفصيله عليه ومن الصريح في ذلك ما رواه ابن أبي عاصم عن ابن عباس من أطعمه الله طعامًا فليقل الخ وأصله في السنن الأربعة فقوله في الأول: وأطعمنا خيرًا منه وفي اللبن وزدنا منه يعطى أنه لا شيء خير من اللبن اهـ. قوله: (وروينا في كتاب ابن السني الخ) قال الحافظ بعد تخريجه عن ابن مسعود بلفظ كان - صلى الله عليه وسلم - إذا شرب في الإناء تنفس ثلاثة أنفاس يحمد الله في كل نفس ويشكره في آخرهن هذا حديث غريب أخرجه ابن السني والدارقطني في الأفراد عن البغوي يعني عبد الله بن محمد قال البغوي والدارقطني لم يروه عن شقيق يعني ابن سلمة الراوي للحديث عن ابن مسعود إلا المعلى يعني ابن عرفان أي بضم المهملة وسكون الراء بعدها فاء تفرد به عيسى بن يونس عنه وكذا قال الطبراني في الأوسط أخرجه من طريق المعافى بن سليمان والعقيلي لما أخرجه من طريق مصعب بن سعيد كلاهما عن عيسى بن يونس ورجاله رجال الصحيح إلا المعلى فاتفقوا على ضعفه وقال البخاري وغيره منكر الحديث وقال النسائي وغيره

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ متروك قال الحافظ: والمستغرب من هذا الحديث تكرار الحمد، وقد أخرج ابن السني بعده شاهدًا من حديث نوفل بن معاوية ولفظه كان - صلى الله عليه وسلم - يسمي الله أول كل نفس إذا شرب ويحمده في آخره لكن سنده أضعف من الذي قبله وأصل تثليث النفس في الشرب أخرجه مسلم من حديث أنس دون التسمية والتحميد، ثم أخرج الحافظ الحديث عن نوفل بن معاوية من طريق الطبراني من طريق رجالها غير رجال الأول ولفظه قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشرب بثلاثة أنفاس يسمي الله في أولهن ويحمده في آخرهن قال الطبراني لا يروي عن نوفل بن معاوية إلا بهذا الإسناد تفرد به يعني الحسن بن داود المنكدري وتعقبه الحافظ بأن ابن السني أخرجه من طريق النضر بن سلمة عن ابن أبي فديك بسنده الذي رواه ابن المنكدري فهو وارد على حصر الطبراني لكن النضر كذبوه وقالوا: كان يسرق الحديث فلعله سرقه من المنكدري قال الحافظ: وللمتن شاهد عن أبي هريرة يفسر الكيفية المذكورة هنا وهو مطابق لحديث ابن مسعود ولفظ حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يشرب في ثلاثة أنفاس إذا أدلى الإناء إلى فِيهِ سمى الله وإذا آخره حمد الله يفعل ذلك ثلاث مرات قال الحافظ بعد إخراجه من طريق الطبراني أيضًا: هذا حديث حسن خرجه الخرائطي في فضيلة الشكر قال الحافظ وبالسند إلى الطبراني قال الطبراذي: لم يروه عن أبي عجلان إلا الدراوردي تفرد به عتيق بن يعقوب الزبيري قال الحافظ وهو مدني صدوق من أصحاب مالك قال أبو زرعة: بلغني أنه حفظ الموطأ في حياة مالك اهـ. ووثقه الطبراني وله غرائب هذا منها اهـ. وأخرج الحافظ عن تميم بن سلمة قال: حدثت أن الرجل إذا سمى الله تعالى على طعامه وحمد الله في آخره لم يسأل عن شكر ذلك الطعام، قال الحافظ بعد تخريجه: هذا موقوف صحيح الإسناد وتميم بن سلمة ثقة كوفي من كبار التابعين فكان الذي حدثه بعض من لقيه من الصحابة فلا يضر إبهامه وكأنه أخذه من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا كفاف" هذا كما تقدم من حديث ابن عباس في قصة أبي أيوب حيث أرشدهم - صلى الله عليه وسلم - إلى الحمد لما شق عليهم قوله: "هذا من النعم الذي تسألون عنه" وقد تقدم في حديث علي في شكر الطعام شيء من هذا اهـ. كلام الحافظ، وأورد ابن

تنفس ثلاثة أنفاس ـــــــــــــــــــــــــــــ القيم في الهدي النبوي من حديث الترمذي في جامعه عنه - صلى الله عليه وسلم -: "لا تشربوا نفسًا واحدًا كشرب البعير ولكن اشربوا مثنى وثلاث وسموا إذا أنتم شربتم واحمدوا إذا أنتم فرغتم" اهـ وهو مؤيد مقو لحديث الباب. قوله: (تنفس ثلاثة أنفاس) أي خارج الإناء بأن يفصل فمه عنه فيتنفس ويحمد الله ثم يسمي ويعود إلى الإناء وهكذا ثانيًا وثالثًا كما جاء مصرحًا به في حديث إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في القدح لكن ليس الإناء عن فِيهِ، والتنفس المنهي عنه للشارب هو ما كان في نفس الإناء وعلى هذين يحمل ما جاء في التنفس من فعله - صلى الله عليه وسلم - ونهيه عنه قال ابن القيم في الهدي وفي هذا الشراب والتنفس حكم جمة وفؤائد مهمة وقد نبه - صلى الله عليه وسلم - على مجامعها بقوله أي عند مسلم في صحيحه وغيره أنه أروى وأمرأ وأبرأ فأروى أشد ريًّا وأبلغه وأنفعه وأبرأ أفعل من البرء وهو الشفاء أي يبرئ من شدة العطش ودائه لتردده على المعدة الملتهبة دفعات فتسكن الدفعة الثانية ما عجزت الأولى عن تسكينه والثالثة ما عجزت الثانية عنه وأيضًا فإنه أسلم لحرارة المعدة وأبقى عليها من أن يهجم عليها البارد وهلة واحدة ونهلة واحدة وأيضًا فإنه لا يروي لمصادفته لحرارة العطش لحظة ثم يقلع عنها ولما يكسر سورتها وحدتها وإن انكسرت لم تبطل بالكلية بخلاف كسرها على التمهيل والتدريج وأيضًا فإنه أسلم عاقبة وأمن غائلة من تناول جميع ما يروي دفعة واحدة فإنه يخاف منه أن يطفئ الحرارة الغريزية بشدة برده وكثرة كميته أو يضعفها فيؤدي ذلك إلى فساد مزاج المعدة والكبد وإلى أمراض رديئة خصوصًا في سكان البلاد الحارة كالحجاز واليمن ونحوهما أو في الأزمنة الحارة كشدة الصيف فإن الشرب دفعة واحدة مخوف عليهم جدًّا فإن الحار الغريزي ضعيف في بواطن أهلها وفي تلك الأزمنة الحارة ومن آفات الشرب نهلة واحدة أنه يخاف منه الشرق بأن ينسد مجرى الشراب لكثرة الوارد عليه فيغص به فإذا تنفس رويدًا ثم شرب أمن ذلك وقوله: أمرأ من مرئ الطعام والشراب في بدنه دخله وخالطه بسهولة ولذة ونفع ومنه فكلوه هنيئًا مريئًا هنيئًا في عاقبته مريئًا في مذاقه، ثم من فوائد التنفس في الشرب أن الشارب إذا شرب

باب دعاء المدعو والضيف لأهل الطعام إذا فرغ من أكله

يحمَد الله تعالى في كل نفس، ويشكره في آخره". باب دعاء المدعو والضيف لأهل الطعام إذا فرغ من أكله روينا في "صحيح مسلم" عن عبد بن بُسر -بضم الباء وإسكان السين المهملة- الصحابي قال: نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي، فقربنا إليه ـــــــــــــــــــــــــــــ أول مرة تصاعد البخار الدخاني الحار الذي كان على القلب والكبد لورود العلماء البارد عليه فأخرجته الطبيعة عنها فإذا شرب مرة واحدة اتفق نزول العلماء البارد وصعود البخار فيتدافعان ويتعالجان فمن ذلك يحدث الشرق والغصة ولا يتهنا الشارب بالماء ولا بمرئه ولا يتم ريه وقد علم بالتجربة أن ورود الماء جملة واحدة على الكبد يؤلمها ويضعف حرارتها وسبب ذلك المضادة التي بين حرارتها وبين ما ورد عليها من كيفية المبرود وكميته ولو ورد بالتدريج شيئًا فشيئًا لم بين حرارتها ولم يضعفها وهذا مثاله صب الماء البارد على القدر وهي تفور لا يضرها صبه قليلًا قليلًا. قوله: (يحمد الله في كل نفس الخ) قال ابن القيم للتسمية في أول الطعام والشراب والحمد في آخره تأثير عجيب في نفعه واستمرائه ودفع مضرته قال الإِمام أحمد: إذا جمع الطعام أربعًا فقد كمل إذا ذكر اسم الله في أوله وحمد الله في آخره وكثرت عليه الأيدي وكان من حل اهـ. وسبق تخريج هذا الأثر عن شهر بن حوشب في أثناء كلام الحافظ في هذا الباب والله أعلم. باب دعاء المدعو والضيف لأهل الطعام إذا فرغ من أكله قال الراغب في مفرداته الضيف من مال إليك نازلًا بك وصارت الضيافة متعارفة في القرى وأصل الضيف مصدر ولذا استوى فيه الواحد والجمع في عامة كلامهم ويجمع فيقال: أضياف وضيوف وضيفان قال تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} اهـ. قوله: (روينا في صحيح مسلم) قال في السلاح ورواه الترمذي والنسائي وليس لعبد الله بن بسر في صحيح مسلم غير هذا الحديث ولا

طعامًا ورَطْبَةً فأكل منها، ثم أتي بتمر فكان يأكله ـــــــــــــــــــــــــــــ في صحيح البخاري سوى حديث رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان في عنفقته شعرات بيض اهـ. وقال الحافظ بعد تخريج الحديث: من طريق أبي داود الطيالسي ومن طريق أخرى من طريق أبي الوليد الطيالسي كلاهما عن شعبة عن يزيد بن خمير أوله معجمة مصغر عن عبد الله بن بسر قال وفي رواية أبي داود بهذا السند سمعت عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: نزل النبي - صلى الله عليه وسلم - على أبي -زاد أبو داود فألقت إليه أمي قطيفة فجلس عليها- فأتى بطعام حيسة وسويق فأكل ثم أتى بتمر فجعل يأكل ويضع النوى بين أصبعيه السبابة والوسطى فيرمي به ثم أتى بشراب فشرب ثم ناوله الذي عن يمينه فقال له أبي وأخذ بلجام دابته ادع لنا يا رسول الله قال: "اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم قال الحافظ: أخرجه مسلم وابن حبان، قال الحافظ: ووقع لنا عن شعبة من طريق أخرى بزيادة في أوله ثم أخرجه فقال عن عبد الله بن بسر رضي الله عنهما يحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بأبيه وهو على بغلة بيضاء فأتاه فقال له: يا رسول الله أنزل علي فنزل فأتاه بتمر وسويق فذكر الحديث نحو ما تقدم في آخره فلما أراد أن يرحل قال له أبي: ادع لنا فذكره أخرجه أبو عوانة في صحيحه قال الحافظ بعد أن أخرجه من طريق الإِمام أحمد بن حنبل عن صفوان بن عمرو قال: حدثني عبد الله بن بسر المازني رضي الله عنهما قال: بعثني أبي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أدعوه إلى طعام فلما دنوت من أبي أسرعت فأعلمت أبوي فخرجا فتلقياه ورحبا ووضعا له قطيفة كانت عندنا زنيرية فقعد عليها ثم قال أبي لأمي: هيئي طعامك فجاءت بقصعة فيها دقيق عصدته فقال: كلوا باسم الله من جوانبها وذروا ذروتها فإن البركة تنزل فيها، قال: فأكلنا وفضلت فضلة، فقال له أبي: ادع لنا، فقال: "اللهم اغفر لهم وارحمهم وبارك لهم ووسع عليهم في أرزاقهم" أخرجه النسائي. قوله: (طعامًا) سبق عن النسائي وغيره أن ذلك الطعام كان عصيدة. قوله: (ووطبة) قال المصنف في شرح مسلم الوطبة بالواو أي المفتوحة وإسكان الظاء المهملة وبعدها باء موحدة وهكذا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رواه النضر بن شميل راوي هذا الحديث عن شعبة والنضر إمام من أئمة اللغة وفسره النضر فقال الوطبة الحيس بجمع التمر البرني والأقط المدقوق والسمن وكذا ضبطه أبو مسعود الدمشقي وأبو بكر البرقاني وآخرون وهكذا هو عندنا في معظم النسخ وفي بعضها رطبة براء مضمومة وفتح الطاء المهملة وكذا ذكره الحميدي وقال: هكذا جاء فيما رأيناه من نسخ مسلم رطبة بالراء وهو تصحيف من الراوي وإنما هو بالواو وهذا الذي ادعاه على نسخ مسلم هو فيما رآه هو وإلا فأكثرها بالواو وكذا نقله أبو مسعود والبرقاني والأكثرون عن نسخ مسلم ونقل القاضي عياض عن رواية بعضهم في مسلم وطئة بفتح الواو وكسر الطاء المهملة وبعدها همزة وادعى أنه الصواب وهكذا ادعاه آخرون والوطئة بالهمز عند أهل اللغة طعام يتخذ من التمر كالحيس هذا ما ذكروه ولا منافاة بين هذا كله فيقبل ما صحت به الروايات وهو صحيح في اللغة والله أعلم اهـ. كلام شرح مسلم وفي السلاح الوطيئة بالهمز على وزن سفينة قال ابن دريد الوطيئة على وزن سفينة التمر يستخرج نواه ويعجن باللبن ومثله في المحكم وزاد والوطئة الأقط بالسكر وفي بعض نسخ مسلم وطبية بالموحدة وفي بعضها رطبة بالراء وكلاهما تصحيف والصواب الأول وقد صرح القاضي عياض بأنه الصواب قال ويعضد ذلك ما قاله من رواه فجاؤوا بحيس فأكل ثم جاؤوه بتمر الحديث فقال حيسًا مكان وطيئة فدل أنهما بمعنى وكذا قيده شيخنا الدمياطي في نسخته لكتاب مسلم التي بخطه ورجح النووي رحمه الله وطبة بالموحدة وعزا ذلك إلى النضر وأبي مسعود الدمشقي وأبي بكر البرقاني والحميدي وحكي عن النضر تفسير الوطبة بالحبس وتبع في ذلك كلام ابن الأثير فإنه ذكر هذه اللفظة في النهاية في مادة وطب وحكي وطبة عن الذين حكاها عنهم النووي وليس في كلام الحميدي ولا أبي مسعود ما يدل على أنها بالموحدة وأما النضر فإنه روى هذا الحديث عن شعبة ورواه إسحاق ابن راهويه في مسنده وليس فيه ضبط البتة وإنما فيه قال النضر: الوطبة هو الحيس يجمع بين التمر البرني الجيد والأقط المدقوق والسمن الجيد والموجود في كتب اللغة الأمهات مفسرًا بنحو تفسير

ويلقي النوى بين أصبعيه ويجمع السبابة والوسطى. قال شعبة: هو ظني وهو فيه إن شاء الله تعالى إلقاء النوى بين الأصبعين، ثم أتي بشراب فشربه، ثم ناوله الذي عن يمينه، فقال أبي: ادع الله لنا، فقال: "اللهُم بارِكْ لَهُمْ فيما رَزَقْتَهُمْ، واغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ". قلت: الوطبة، بفتح الواو وإسكان الطاء المهملة بعدها ـــــــــــــــــــــــــــــ النضر إنما هو الوطيئة بالهمز، وليس وطبة بالموحدة وهاء التأنيث موجودة في الأمهات إنما هي وطب بغير هاء ومعناه سقاء اللبن خاصة اهـ، وبه يعلم ما في ضبط المصنف له هنا بالموحدة وتفسيره له كذلك بالحيس وأن ما ذكره في الأذكار من قوله الآتي قربة لطيفة يكون فيها اللبن أقرب إلى ما ذكره أهل اللغة في معنى الوطبة وإن كان بعيدًا عما جاء في لفظ آخر بلفظ حيسًا في محله والله أعلم. قوله: (ويلقي النوى بين إصبعيه) أي يجعله بينهما لقلته ولم يلقه في إناء التمر لئلا يختلط بالتمر فيقذره وجاء كما تقدم في رواية كان يجمعه على ظهر الأصبعين ثم يرمي به والظاهر أنه يلحق عجم سائر الثمار من النبق ونحوه بنوى التمر فيما ذكر والله أعلم. قوله: (قال شعبة هو ظي الخ) معنى هذا الكلام أن شعبة قال: الذي أظنه أن إلقاء النوى مذكور في الحديث وأشار إلى تردد فيه وشك في هذه الطريق لكن جاء في طريق أخرى عنه عند مسلم أيضًا الجزم بذلك من غير شك فيه فهو ثابت بتلك الطريق ولا تضر رواية الشك سواء تقدمت على الروأية الأخرى أو تأخرت لأنه تيقن في وقت وشك في وقت والمتن ثابت ولا يمنعه النسيان في وقت آخر. قوله: (ثم ناوله الذي عن يمينه) فيه إن الشراب ونحوه يدار على اليمين وقد جاء ذلك في أحاديث كثيرة منها: حديث ابن عباس في قصة الضب لما جاء الشراب وكان عن يمينه - صلى الله عليه وسلم - وكان خالد على اليسار منه وقد سبق في باب قول لا أشتهي هذا الطعام ونحوه. قوله: (فقال أبي الخ) جاء في رواية مسلم واختصره المصنف أنه قال ذلك حال لزوم لجام دابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففيه إكرام الوافدين وخدمة الصالحين وفيه استحباب طلب الدعاء من الفاضل وفيه دعاء

باء موحدة: وهي قربة لطيقة يكون فيها اللبن. وروينا في "سنن أبي داود" وغيره بالإسناد الصحيح عن أنس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء إلى سعد بن عبادة رضي الله عنه، فجاء بخبز وزيت فأكل، ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصائِمُونَ، وأكَلَ طَعامَكُمُ الأبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيكُمُ المَلائِكَةُ". وروينا في "سنن ابن ماجه" عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: أفطر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند سعد بن معاذ، فقال: "أفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصّائِمُون قوله ... " الحديث. قلت: فهما قضيتان جرتا لسعد بن عبادة وسعد بن معاذ. ـــــــــــــــــــــــــــــ المدعو أي الضيف بالتوسعة في الرزق والمغفرة والرحمة وقد جم - صلى الله عليه وسلم - في هذا اللفظ خيري الدارين. قوله: (وروينا في سنن أبي داود) تقدم تخريجه وما في قول الشيخ رحمه الله بالإسناد الصحيح في كتاب الصيام في باب ما يقول إذا أفطر عند قوم وأورده الحافظ ثم من طريق بعضها فيه سعد بن عباذة وبعضها سعد لم ينسب وبعضها لم يسم وذكرنا بعضها فيما تقدم من الباب المذكور وذكرنا فيه ما يتعلق بالحديث من المعنى وتحرير المبنى والله أعلم. قوله: (وروينا في سنن ابن ماجه الخ) خرجه الحافظ في باب ما يقول إذا أفطر عند قوم من طريق الطبراني ثم قال وسياق ابن ماجه أتم وقد أورده ابن حبان في صحيحه من طريق هشام بن عمار شيخ ابن ماجه وفي صحته نظر لأن في رواية مصعب بن ثابت مقالًا اهـ. قوله: (قلت فهما قضيتان الخ) قال الحافظ: يريد الشيخ بهذا الجمع بين الروايتين ففي رواية أنس سعد بن عبادة وقد رواية ابن الزبير سعد بن معاذ وهو متجه لاختلاف المخرجين وقد تكثرت الأحاديث بدعائه - صلى الله عليه وسلم - بذلك في عدة مواضع: فمنها ابن عباس في قصة أبي الهيثم بطولها وقد سبق حديثها في باب ما يقول إذا بلغ من الطعام وفي آخر القصة أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - بعضادتي الباب وقال: أكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة وذكركم الله فيمن عنده قال الحافظ بعد تخريج ذلك وسبق بيان من خرج قصة حديث أبي الهيثم في الباب المذكور اهـ. وأتى الحافظ بقوله منها لتقدم بعضها في حديثي ابن عبادة وابن

وروينا في "سنن أبي داود عن رجل عن جابر رضي الله عنه قال: "صنع أبو الهيثم بن التيهان للنبي - صلى الله عليه وسلم - طعامًا، فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فلما فرغوا، قال: أثِيبُوا أخاكُمْ، قالوا: يا رسول الله وما إثابته؟ قال: إنّ الرَّجُلَ إذا ـــــــــــــــــــــــــــــ معاذ. قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) قال الحافظ: أخرجه أبو داود من طريق أبي خالد يزيد بن عبد الرحمن الدالاني عن رجل غير مسمى وسكت عليه وهو سند ضعيف لأن في أبي خالد مقالًا مع الجهل بحال شيخه وقد ذكر ابن عدي في ترجمة أبي خالد هذا حديثًا غير هذا الحديث من رواية أبي خالد عن أبي سفيان عن جابر، فيحتمل أن يفسر الذي لم يسم بأبي سفيان وهو من رجال الصحيح، ويحتمل أن يفسر بشرحبيل بن سعد فقد أخرج ابن حبان في صحيحه من طريق زيد بن أبي أنيسة عن شرحبيل بن سعد يعني الأنصاري عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أعطى عطاء فليجز به ومن لم يجد فليثن فإن من ذكره فقد شكره ومن كتمه فقد كفره" وهذا الحديث قال الحافظ بعد أن أخرجه من طريق شرحبيل ومن طريق أخرى عن رجل مبهم كلاهما عن جابر هذا حديث حسن أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود، ثم قال الحافظ وشرحبيل فيه ضعف لكن يتقوى بشواهده ثم أخرج الحافظ من حديث عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أولى منكم معروفًا فليكاف به فإن لم يستطع فليذكره فإن من ذكره فقد شكره" ثم أخرج الحافظ من طريق أخرى قال: هي أعلى من التي قبلها ثم قال: أخرجه أحمد عن السكن بن نافع عن صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عروة عن عائشة قال الطبراني في الأوسط لم يروه عن الزهري إلا صالح قال الحافظ: وهو صدوق لكنهم ضعفوه لكثرة خطئه وخبره منطبق على ما عرف به مسلم الخبر المنكر وأخرج الحافظ حديث طلحة بن عبيد الله قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: "من أولى معروفًا فلم يجد إلا الثناء فأثنى به فقد شكره ومن كتمه فقد كفره" قال الحافظ بعد تخريجه من طرق: هذا حديث حسن أخرجه يعقوب بن أبي شيبة في مسنده الكبير وأخرج الحافظ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من حديث أنس قال: إن المهاجرين قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ذهبت الأنصار بالأجر قال: لا ما دعوتم لهم وأثنيتم عليهم قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث صحيح أخرجه أبو داود والنسائي وجاء عن أنس من طريق حميد بأتم من هذا السياق ثم أخرجه الحافظ من طريق الخرائطي وغيره عن حميد الطويل عن أنس قال: قال المهاجرون للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما رأينا قومًا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل ولا أحسن بذلّا في كثير كفونا المهم وأشركونا في المؤنة حتى خشينا أن قد ذهبوا بالأجر كله قال: لا ما أثنيتم عليهم ودعوتم لهم قال الحافظ: وأخرجه أحمد بن منيع في مسنده عن عباد بن العوام عن حميد وأخرج الحافظ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قال لأخيه جزاك الله خيرًا فقد أبلغ في الثناء" قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث غريب أخرجه عبد الرزاق في المصنف وفي سنده موسى بن عبيدة ضعفوه قال وجاء بمعنى حديث أبي هريرة عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من اصطنع إليه معروف فقال لفاعله جزاك الله خيرًا فقد أبلغ" قال الحافظ بعد تخريجه: حديث صحيح أخرجه الترمذي والنسائي في اليوم والليلة وقال الترمذي: حديث صحيح غريب لا نعرفه من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما إلا من هذا الوجه وقال الدارقطني في الأفراد ولم يروه عن سليمان يعني التميمي إلا سعير بالإهمال مصغرًا وهو ابن الخمس بكسر المعجمة وسكون الميم بعدها مهملة تفرد به أبو الجواب بفتح الجيم وتشديد الواو بعدها ألف موحدة وهو أبو الأحوص بن جواب وأخرجه ابن حبان، وأخرج الحافظ من طريق الطبراني في الصغير عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا ما يقول لي ما فعلت أبياتك فأقول: أي أبيات فإنها كثيرة قال في الشكر قلت: نعم فذكر الثلاثة الأبيات يعني: ارفع ضعيفك لا يحر بك ضعفه ... يومًا فتدركه العواقب قد نما يجزيك أو يثني عليك وإن من ... أثنى عليك بما صنعت كمن جزى إن الكريم إذا أردت نواله ... لم يكف حبل واهن رث القوى فقال: نعم يا عائشة إذا حشر الله الخلائق يوم القيامة قال لعبد من عبيده

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اصطنع فلان عبد من عبادي عندك معروف فهل شكرته فيقول: علمت يا رب أن ذلك منك فشكرتك فيقول: لم تشكرني إذا لم تشكر من أجريت ذلك على يديه قال الحافظ بعد تخريجه: هذا إسناد ضعيف قال الطبراني لا يروى عن مكحول إلا من هذا الوجه تفرد به رواد قال الحافظ: هو بفتح الراء وتشديد الواو ضعفوه وفي الراوي عنه ضعف لكن جاء معناه في حديث مشهور: "لا يشكر الله من لا يشكر النّاس" وله طرق كثيرة أخرجها الدمياطي في جزء قال الحافظ: وأصح طرق هذا الحديث ما أخرجه أبو داود وابن حبان وصححه من طريق محمد بن زياد عن أبي هريرة وأخرجه أحمد من حديث الأشعث بن قيس والنعمان بن بشير وأبي سعيد وقد أخرج الترمذي حديث أبي سعيد وحسنه اهـ. وجاء في معنى خبر الباب عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من آتى إليكم معروفًا فكافئوه فإن لم تقدروا فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه" خرجه الحافظ من طرق عن ابن عمر، وفي بعضها قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سأل بالله فأعطوه ومن دعاكم فأجيبوه ومن آتى إليكم معروفًا فذكر مثل ما تقدم سواء إلا أنه قال فإن لم تجدوا" قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث صحيح أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان وبين رواته بعض اختلاف فرواه معظمهم عن جرير عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر ووقع عند أبي عبيدة بن معن عن مجاهد عن ابن عمر أخرجه عنه ابن حبان وقال: قصر فيه جرير يشير إلى أن رواية ابن مندة بزيادة التيمي عن الأعمش عن إبراهيم التيمي أرجح وهو خلاف ما جزم به الدارقطني أن رواية أبي عوانة ومن وافقه عن الأعمش عن مجاهد أصح وقد أخرجه أحمد من رواية ليث بن أبي سليم عن مجاهد وجاء عن ابن عمر من طريق عرفطة بضم العين وبالفاء بينهما راء ساكنة عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من اصطنع إليكم معروفًا فجازوه فإن لم تقدروا على مجازاته فادعوا له حتى تعلموا أن قد شكرتم فإن الله شاكر يحب الشاكرين" أخرجه الحافظ من طريق الطبراني وقال: قال الطبراني في الأوسط: لم يروه عن نافع إلا عرفطة تفرد به إسماعيل يعني ابن عياش عن الوليد يعني ابن عباد عن عرفطة قال الحافظ: قال أبو حاتم الرازي عرفطة بن أبي

باب دعاء الإنسان لمن سقاه ماء أو لبنا ونحوهما

دُخِلَ بَيتُهُ فأُكِلَ طَعَامُهُ وشُرِبَ شَرَابُهُ فَدَعَوْا لهُ فَذَلِكَ إثابَتُهُ". باب دعاء الإنسان لمن سقاه ماء أو لبنًا ونحوهما روينا في "صحيح مسلم" ـــــــــــــــــــــــــــــ الحسن مجهول وقال ابن عدي الوليد بن عباد: ليس بمستقيم وهو وشيخه غير معروفين وقد ذكرهما ابن حبان في الثقات قال الحافظ: قلت: والراوي عن إسماعيل يعني به أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة شديد الضعف، وجاء في معنى حديث الباب عن جابر حديث يستفاد منه صفة الدعاء وهو ما رواه جابر بن عبد الله قال: أمر أبي بخزيرة فصنعت ثم أمرني فأتيت بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما هذا يا جابر؟ ألحم هذا؟ وقد رواية اللحم هذا؟ قلت: لا، ولكن أمرني بخزيرة فصنعت وأمرني فأتيتك بها فأخذها ثم أتيت أبي فقال: هل قال لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا؟ فأخبرته فقال أبي: عسى أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اشتهى اللحم فقام إلى داجن له فأمر بها فذبحت ثم أمر بها فشويت له ثم أمرني فأتيته بها وهو في مجلسه وفي رواية في منزله فقال: ما هذا؟ فذكرت له القصة فقال: جزاكم الله يا معشر الأنصار خيرًا ولا سيما عبد الله بن عمرو بن حرام وسعد بن عبادة وفي رواية لا سيما آل عمرو الخ. قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث صحيح أخرجه النسائي وابن حبان قال وجاء الحديث بدون القصة من وجه آخر عن جابر وفيه الثناء بدل الدعاء. قوله: (دخل) بالبناء للمفعول وكذا أكل وشرب. قوله: (فدعوا له) الضمير عائد على الآكلين المفهوم من السياق وتقدم أن من قال: جزاك الله خيرًا فقد أبلغ والله أعلم. باب دعاء الإنسان لمن سقاه ماء أو لبنًا أو نحوهما أي من نبيذ وسويق شيب بماء وغير ذلك. قوله: (روينا في صحيح مسلم الخ) قال الحافظ بعد تخريجه للحديث باللفظ الآتي بيانه عند قول المصنف في حديثه الطويل هذا حديث صحيح أخرجه مسلم بطوله لكن اختصره الشيخ واختصرت منه ما لا يخل بالمعنى ثم خرجه الحافظ من طريق أخرى عن المقداد بن عمرو قال: قدمت أنا وصاحبان لي فعرضنا أنفسنا فلم نجد أحدًا يضيفنا فقلنا: يا رسول الله أصابنا جوع وجهد فلم يضيفنا أحد فدفع إلينا أربعة أعنز فقال:

عن المقداد رضي الله عنه ـــــــــــــــــــــــــــــ "خذها يا مقداد فاحلبها وجزئها أربعة أجزاء جزء لك وجزء لي" فذكر نحو ما في حديث مسلم وقال فيه: فلما كان ذات ليلة شربت جزئي وشرب صاحباي جزأيهما وبقي جزء النبي - صلى الله عليه وسلم - في القعب وقال فيه: فقالت لي نفسي -إلى أن قال- فلم تزل بي حتى شربته وقال فيه: يجيء وبه جوع وظمأ فلم يجد شيئًا فيدعو عليك فتهلك، وقال في آخره: ما هذه إلا بركة وكان ينبغي أن تعلمني حتى نوقظ صاحبينا فنسقيهما من هذه البركة الحديث قال الحافظ: أخرجه الإِمام أحمد، قال الحافظ: ورويناه من وجه آخر لكنه مرسل عن مجاهد، قال: لم يبق أحد من المهاجرين مقدمهم المدينة إلا حصل له صهر أو سبب ينزل عليه إلا المقداد وسعد بن مالك وآخر فنزلوا منزلًا واحدًا وكانت لهم ثلاثة أعنز لكل واحد منهم عنز فذكر الحديث نحو ما تقدم وفيه فألقى الشفرة وأخذ القدح فحلب فيه حتى فاض من جوانبه الخ أخرج أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف ويحيى بن سعيد الأموي في المغازي كلاهما من طريق عمر بن ذر عن مجاهد وكلاهما من رجال الصحيح وقد أخرج الأئمة الخمسة من طريق مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة حديث الفدية فلعل مجاهدًا حمل حديث المقداد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن المقداد فتتحد الروايات ولا تنافي بين قوله ثلاثة أعنز وأربعة لأنه محمول على إضافة شاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي الأخرى لم يذكرها لاختصاصه بها واشتراك الثلاثة في الثلاثة وقد وقع في إحدى طرقه فوقعت يده على شاة النبي - صلى الله عليه وسلم - واستفدنا من هذه الرواية تسمية أحد صاحبي المقداد وهو سعد بن مالك ولم نقف على تسمية الآخر وسعد بن مالك هو ابن أبي وقاص أحد العشرة رضي الله تعالى عنهم اهـ. كلام الحافظ. قوله: (عن المقداد رضي الله عنه) هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك الكندي يكنى أبا الأسود وقيل: أبا معبد وقيل أبا اليسر وليس الأسود الذي اشتهر بالنسبة إليه أباه وإنما حالف الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن هريرة الزهري وكان الأسود في تبناه فقيل له: المقداد بن الأسود الزهري وقولهيل غير ذلك وقال ابن حبان: كان أبوالمقداد حالف

في حديثه الطويل المشهور قال: "فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - رأسه إلى السماء، فقال: اللهُم ـــــــــــــــــــــــــــــ كندة فقيل له: كندي وقال ابن عبد البر: الصحيح أنه بهرأني بموحدة مفتوحه وهاء ساكنة ثم راء مفتوحة فنون قبل ياء النسب نسبة إلى بهران بن عمرو بن لحاف بن قضاعة ولا خلاف بينه وبين ما قبله لأنه من قضاعة نسبًاومن بهران حلفًا أشار إليه المصنف في شرح مسلم ويقال له: الزهري لأن الأسود بن عبد يغوث الذي حالفه هو زهري. أسلم المقداد قديمًا وشهد بدرًا ولم يثبت أنه شهدها فارس غيره وقيل: كان الزبير فيها فارسًا أيضًا وشهد أحدًا وما بعدها من المشاهد وهاجر الهجرتين وكان من أجلاء الصحابة وفضلائهم وخيارهم وهو أحد الستة الذين أظهروا إسلامهم وأحد الأربعة عشر النجباء الوزراء الذين أعطاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - كالأنبياء قبله وعن بريدة مرفوعًا إن الله أمرني بحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم علي وأبو ذر وسلمان والمقداد أخرجه أحمد والترمذي وقال المقداد للنبي - صلى الله عليه وسلم - يومًا وهو يدعو على المشركين لا نقول لك كما قال قوم موسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا} ولكن نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك ومن خلفك فأشرق وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك وسر وقال ابن مسعود شهدت المقداد مشهدًا لأن أكون صاحبه أحب إلي مما طلعت عليه الشمس فذكره وهو معدود في أهل الحجاز روى عنه جماعة من الصحابة روي له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما قيل اثنان وأربعون حديثًا اتفقا منها على واحد وانفرد مسلم بثلاثة أحاديث منها ومات رضي الله عنه بالجرف بضم الجيم والراء على ثلاثة أميال من المدينة وقيل عشرة أميال وحمل على أعناق الرجال إلى المدينة ودفن بالبقيع سنة ثلاث وثلاثين عن نحو من سبعين سنة وصلى عليه عثمان وأوصى الزبير بن العوام أن يعطي الحسن والحسين ستة وثلاثين ألفًا وكل واحدة من أمهات المؤمنين سبعة آلاف ذكره القلقشندي في شرح العمدة. قوله: (في حديثه الطويل) ولفظه كما أخرجه الحافظ من طرق كما تقدم عن المقداد قال: أقبلت أنا وصاحبان لي فذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجوع فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس أحد يقبلنا فانطلقنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فانطلق بنا إلى منزله فإذا ثلاثة أعنز فقال: "احتلبوا هذا بيننا" فكنا نحلب ويشرب كل منا

اطْعِمْ مَنْ أطْعَمَني، وَاسْقِ مَنْ سَقَاني". وروينا في كتاب ابن السني ـــــــــــــــــــــــــــــ نصيبه ونرفع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - نصيبه فيجيء من الليل فيسلم تسليمًا لا يوقظ نائمًا ويسمع اليقظان ثم يأتي المسجد فيصلي ثم يأتي شرابه فيشربه فأتاني الشيطان ذات ليلة فقال لي محمد: يأتي الأنصار فيتحفونه ما به حاجة إلى هذه الجرعة فاشربها فما زال يزين لي حتى شربتها فلما وغلت في بطني قال لي: ويحك ما صنعت يجيء محمد فلا يصيب شرابه فيدعو عليك فتذهب دنياك وآخرتك فجعلت لا يجيئني النوم وأما صاحباي فناما فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصنع كما يصنع ثم أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد شيئًا فرفع يديه إلى السماء فقلت: الساعة يدعو علي فأهلك فقال: اللهم أطعم من أطعمني واسق من سقاني فشددت علي شملة وأخذت شفرة وجعلت أحبس الأعنز أيتهن أسمن لأذبحها فإذا هن حفل فأخذت إناء ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه فاحتلبت فيه حتى علته الرغوة ثم جئت به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أما شربتم شرابكم الليلة" قلنا: يا رسول الله اشرب، فشرب ثم ناولني فقلت: يا رسول الله اشرب فشرب ثم ناولني فشربت ما بقي فلما علصت أن الدعوة أصابتني ضحكت حتى ألقيت إلى الأرض فقال: "إحدى سوءاتك يا مقداد" فذكرت له فقال: "ألا أيقظت صاحبيك" فقلت: والله يا رسول الله ما أبالي إذا أصبتها وأصبتها معك من أصابها من النّاس قال الحافظ: أخرجه مسلم في صحيحه بطوله واختصرنا منه ما لا يخل بالمعنى والله أعلم. قوله: (أطعم) هو بهمزة قطع أي ارزق (من أطعمني) أي تسبب لإطعامي (واسق) بهمزة وصل ويجوز قطعها لكن الأول أنسب بقوله (من سقاني) وفيه الدعاء لمن صنع معروفًا مع الإنسان وسبق في الباب قبله. قوله: (وروينا في كتاب ابن السني) قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث غريب أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة والحسن بن سفيان في مسنده

عن عمرو بن الحَمِق رضي الله عنه أنه سقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبَنًا فقال: "اللهم أمْتِعْهُ بشَبابِه، فمرت عليه ثمانون سنة لم ير شعرة بيضاء". قلت: الحمق، بفتح الحاء المهملة وكسر الميم. وروينا فيه عن عمرو بن أخْطَب -بالخاء المعجمة ـــــــــــــــــــــــــــــ وابن السني وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة المذكور في سنده عندهم جميعًا ضعيف من جهة سوء حفظه ويوسف يعني ابن سليمان شيخه ذكره البخاري في التاريخ بما في هذا السند أي عن جدته ميمونة عن عمرو بن الحمق قال الحافظ ولم يذكر فيه قوة ولا ضعفًا وللحديث شاهد عن عمرو بن ثعلبة الجهني عند الطبراني وآخر عند ابن السني عن أنس من وجهين والله أعلم اهـ. قوله: (عن عمرو بن الحمق) الحمق كما قال المصنف بفتح الحاء المهملة وكسر الميم آخره قاف قال ابن عبد البر في الاستيعاب عمرو بن الحمق بن كاهت بن حبيب الخزاعي من خزاعة عند أكثرهم ومنهم من ينسبه فيقول هو عمرو بن الحمق والحمق هو سعيد بن كعب هاجر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الحديبية وقيل بل أسلم عام حجة الوداع والأول أصح صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وحفظ عنه أحاديث وسكن الشام ثم انتقل إلى الكوفة فسكنها توفي سنة خمسين ولوفاته قصة ذكرها في الاستيعاب حاصلها أنه دخل غارًا فنهشته حية فقتلته قال في الاستيعاب وأول رأس حمل في الإسلام من بلد إلى بلد رأسه قال في أسد الغابة وقبره مشهور بظاهر الموصل يزار وعليه مشهد ابتدأ بعمارته أبو عبد الله بن سعيد بن حمدان وهو ابن عم سيف الدولة وناصر الدولة ابني حمدان في شعبان من سنة ست وثلاثين وثلثمائة وجرى بين أهل السنة والشيعة فتنة بسبب عمارته اهـ. قوله: (أمتعه بشبابه) أي اجعله ممتعًا بذلك دوام حياته والظاهر أن المدعو به بقاء لون الشباب ودوام قواه والله أعلم. قونه: (وروينا فيه) أي في كتاب ابن السني قال الحافظ بعد تخريجه: حديث حسن أخرجه أحمد وأخرجه ابن حبان والحاكم ورجاله رجال الصحيح إلا أبا نهيك بنون وكاف وزن عظيم واسمه عثمان بن نهيك بصري صدوق قال الحافظ وجاء من وجه آخر بلفظ آخر عن أبي زيد بن أخطب الأنصاري قال: مسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده على وجهي ودعا لي بالجمال أخرجه الترمذي وأخرجه أحمد وقال في روايته: اللهم جمله وأدم جماله. قوله: (عن عمرو بن أخطب) هو بالخاء المعجمة الساكنة وفتح الطاء

وفتح الطاء - رضي الله عنه قال: "استسقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتيته بماءٍ في جمجمة وفيها شعرة فأخرجتها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اللهُم جَمِّلهُ، قال الراوي: فرأيته ابن ثلاث وتسعين أسود الرأس واللحية". قلت: الجمجمة، بجيمين مضمومتين بينهما ميم ساكنة، وهي قدح من خشب وجمعها جماجم، وبه سمي دير الجماجم، وهو الذي كانت به وقعة ابن الأشعث مع الحجاج بالعراق، لأنه كان يُعمَل فيه أقداح من خشب، وقيل: سمي به لأنه في من جماجم القتلى لكثرة من قتل. ـــــــــــــــــــــــــــــ أي المهملة كنيته أبو زيد وهو الأنصاري مشهور بكنيته يقال إنه من بني الحارث بن الخزرج غزا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوات ومسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رأسه ودعا له بالجمال فيقال إنه بلغ مائة عام ونيفًا وما في رأسه ولحيته إلا نبذ من شعر أبيض وهو جد عزرة بفتح المهملة وسكون الزاي بعده راء ابن ثابت روى عنه أنس بن سيرين وأبو الخليل وعلي بن أحمر وأبو نهيك كذا في الاستيعاب. وقد ذكرت بعض أحواله في كتاب اتحاف الأفاضل برجال الشمائل. قوله: (استسقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي طلب السقيا وحذف المفعول لعدم تعلق القصد بمعين منه واستسقى تارة يجيء معدى إلى المطلوب منه كقوله تعالى: {إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ} وتارة إلى المطلوب كقول الشاعر: وأبيض يستسقي الغمام بوجهه أشار إليه أبو حيان في النهر. قوله: (جمِّله) بتشديد الميم أي أدم عليه الجمال الذي به من الشباب. قوله: (قال الراوي) هو نهيك الراوي عن أبي زيد عمرو بن أخطب وسبق بيان حاله. قوله: (ابن ثلاث وتسعين) أي بتقديم الفوقية على السين المهملة ولا مخالفة بينه وبين ما سبق عن الاستيعاب لإمكان حمل ما في الاستيعاب على التقريب وما في خبر الراوي على التحديد والله أعلم. قوله: (أسود الرأس واللحية) يحتمل أن يكون ذلك له مع دوام قوى الشباب وهو الظاهر ويحتمل خلافه. قوله: (وهي قدح من خشب الخ) ذكره صاحب النهاية كذلك.

باب دعاء الإنسان وتحريضه لمن يضيف ضيفا

باب دعاء الإنسان وتحريضه لمن يضيف ضيفًا روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليضيفه فلم يكن عنده ما يضيفه، فقال: ألا رَجُلٌ يُضِيفُ هذا رَحِمَهُ الله، فقام رجل من الأنصار فانطلق به ... " وذكر الحديث. باب الثناء على من أكرم ضيفه روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ باب دعاء الإنسان وتحريضه لمن يضيف ضيفًا قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم) أخرجه أبو عوانة بنحوه كما أشار إليه الحافظ. قوله: (جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليضيفه) فيه استحباب إنزال الحاجة عند حلولها بكرام القوم وخيارهم. قوله: (فلم يكن عنده ما يضيفه) أي لخلو بيوت أمهات المؤمنين عما يكون به الضيافة كما سيأتي في الحديث في الباب بعده. قوله: (إلا رجل) هذا عرض على الحاضرين وهو طلب برفق ولين أن يفعلوا ما يحصل به مراد هذا المسكين. قوله: (فقام رجل من الأنصار) جاء في بعض طرق الحديث فقام رجل من الأنصار يقال له: أبو طلحة الخ وأشار الحافظ إلى أنه كذلك عند مسلم وفي المبهمات أنه أبو طلحة زيد بن سهل وقيل: ثابت بن قيس، وقيل: عبد الله بن رواحة، وقيل: ليس بأبي طلحة المسمى يزيد بن سهل بل أبو طلحة رجل آخر اهـ. قوله: (وذكر الحديث) أي الآتي في الباب بعده وفي هذا المقال الإيماء إلى التحريض على الضيافة المذكور في الترجمة فإن ذلك مستفاد من قوله في الحديث في عجيب الله من صنيعكما لضيفكما الليلة الخ. باب الثناء على من أكرم ضيفه أي وكان الثناء عليه ومدحه به لا يخشى عليه منه العجب ونحوه وإلا فيترك دفعًا للمفسدة المقدم دفعها على جلب المصلحة وسيأتي من المصنف مثل ذلك في باب مدح الإنسان في وجهه بجميل فعله. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم)

جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال إني مجهود، فأرسل إلى بعض نسائه فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، ثم أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك، حتى قلن كلهن مثل ذلك، فقال: مَنْ يُضيفُ هذا الليْلةَ رَحِمَهُ اللهُ، فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله، فانطلق به إلى رحله فقال لامرأته: هل عندك شيء؟ قالت: لا، إلا قوتَ صبياني، قال: فعلِّلِيهم بشيء، فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج وأريه أنا نأكل، فإذا أهوى ليأكل فقدمي إلى السراج حتى تطفئيه، فقعدوا وأكل الضيف، فلما أصبح غدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: قد ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الحافظ وجاء بنحوه عند أبي عوانة. قوله: (إني مجهود) أي أصابني الجهد وهو المشقة والحاجة وسوء العطش والجوع. قوله: (فأرسل إلى بعض نسائه الخ) فيه ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته من الزهد في الدنيا والصبر على الجوع وضيق الحال ولا يشكل على هذا ما ورد أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يدخر قوت عام لأهله وعياله لأنه كان يدخره ثم ينفقه قبل تمام العام في سبيل الله وإذا قصده المحتاجون ونحوهم فيأتي أثناء العام وليس عنده ولا عند أهله شيء، وفيه أنه ينبغي لكبير القوم أن يبدأ في مواساة الضيف ومن يطرقهم بنفسه فيواسيه من ماله أولًا بما تيسر إن أمكنه وإلا فيطلب من أصحابه على سبيل التعاون على البر والتقوى. قوله: (فقال من يضيف الخ) فيه المواساة في حال الشدائد. قوله: (فقام رجل الخ) فيه المواساة وفيه إكرام الضيف وإيثاره وفيه المنقبة لهذا الأنصاري وامرأته وفيه الاحتيال في إكرام الضيف إذا كان يمتنع منه رفقًا بأهل المنزل لقوله: أطفئي السراج وأريه أنا نأكل إذ لو رأى قلة الطعام وأنهما لا يأكلان معه امتنع عن الأكل. قوله: (إلى رحله) أي منزله ورحل الإنسان منزله من حجر أو مدر أو شعر أو وبر. قوله: (قالت: لا إلا قوت صبياني) هو بكسر الصاد المهملة جمع والصبوة والصبية جمع صبي قال في النهاية الصبوة بالواو

عَجبَ اللهُ مِنْ صَنِيعِكُما بِضَيْفِكُما اللَّيلة، فأنزل الله تعالى هذه الآية ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو الأصل وإن كان في الاستعمال الأشهر بالياء وسيأتي ما يتعلق بهذا المقام. قوله: (عجب الله من صنيعكما بضيفكما) قال القاضي عياض: المراد بالعجب من الله تعالى رضاه ذلك الشيء وقيل: مجازاته عليه بالثواب وقيل تعظيمه وقد يكون المراد عجبت ملائكة الله وأضافه إليه تعالى تشريفًا وعند البخاري ضحك الله أو عجيب من فعالكما بفتح الفاء وسيأتني بيانه في باب المدح. قوله: (فأنزل الله تعالى هذه الآية أوخ) في أسباب النزول للسيوطي بعد ذكر حديث ما لفظه وأخرج مسدد في مسنده وابن المنذر عن أبي المتوكل الناجي أن رجلًا من المسلمين قال: يا رسول الله أصابني الجهد فذكر نحو ما في حديث الصحيحين وفيه أن الرجل الذي أضافه ثابت بن قيس بن شماس فنزلت {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} الآية وأخرج الواحدي من طريق محارب بن دثار عن ابن عمر قال: أهدي لرجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - رأس شاة فقال: إن أخي وعياله أحوج إلي هذا منا فبعث به إليه فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتى تداولها سبعة أبيات حتى رجعت إلى أولهم فنزلت {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} الآية اهـ. وعزا في التوشيح تخريج هذا الحديث إلى ابن مردويه في تفسيره وذكر صاحب عوارف المعارف أن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم النضير للأنصار إن شئتم قسمتم للمهاجرين دياركم وأموالكم ولم يقسم لكم شيء من الغنيمة في غزوة في النضير قالت الأنصار: بل نقسم لهم من أموالنا وديارنا ونؤثرهم بالغنيمة ولا نشاركهم فيها فأنزل الله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} اهـ. وذكر مثله في الكشاف لكن لم يعزه إلى ابن عباس ولا غيره قال الحافظ في تخريج أحاديثه: هكذا ذكره الثعلبي بغير سند وروى الواقدي عن عمر عن الزهري عن خارجة بن زيد عن أم العلي قالت: لما غنم النبي - صلى الله عليه وسلم - بني النضير فساق الحديث نحوه قال الحافظ وعند أبي داود من رواية عبد الرزاق عن معمر طرق منه ولا مانع من تعدد سبب النزول وأن يكون نزلت عند فعل الجميع اهـ. ثم رأيت السيوطي في التوشيح جمع بذلك والله أعلم.

باب استحباب ترحيب الإنسان بضيفه وحمده الله تعالى على حصوله ضيفا عنده وسروره بذلك وثنائه عليه لكونه جعله أهلا لذلك

{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9]. قلت: وهذا محمول على أن الصبيان لم يكونوا محتاجين إلى الطعام حاجة ضرورية، لأن العادة أن الصبي وإن كان شبعانَ يطلب الطعام إذا رأى من يأكله، ويحمُل فعل الرجل والمرأة على أنهما آثرا بنصيبهما ضيفهما، والله أعلم. باب استحباب ترحيب الإنسان بضيفه وحمده الله تعالى على حصوله ضيفًا عنده وسروره بذلك وثنائه عليه لكونه جعله أهلا لذلك ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} أي خلة وحاجة وأصلها خصاص البيت وهي فروجه والجملة في موضع الحال أي مفروضة خصاصة أي ذلك لا يمنعهم من الإيثار فيكون ذلك أعظم في الأجر والله أعلم. قوله: (قلت وهذا محمول الخ) قال المصنف في شرح مسلم هذا محمول على أن الصبيان لم يكونوا محتاجين إلى الأكل وإنما تطلبه أنفسهم على عادة الصبيان من غير جوع يضر فإنهم لو كانوا على حاجة بحيث يضرهم ترك الأكل لكان إطعامهم واجبًا ويجب تقديمه على الضيافة وقد أثنى الله ورسوله على هذا الرجل وامرأته فدل على أنهما لم يتركا واجبًا بل أحسنا وأجملا رضي الله عنهما وأما هو وامرأته فقد آثرا على أنفسهما برضاهما مع حاجتهما وخصاصتهما فمدحهما الله تعالى وأنزل فيهما {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} ففيه فضيلة الإيثار والحث عليه وقد أجمع العلماء على فضيلة الإيثار بالطعام ونحوه من حظوظ النفوس أما القربات فالأفضل ألا يؤثر فيها لأن الحق فيها الله تعالى والله أعلم. باب استحباب ترحيب الإنسان بضيفه وحمد الله تعالى على حصوله عنده وسروره بذلك وثنائه عليه

روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" من طرق كثيرة عن أبي هريرة وعن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ أي على الله سبحانه لكونه جعله أهلًا لذلك. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) أما حديث أبي هريرة فخرجه الحافظ عنه من طريق قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليسكت" ثم قال: خرجه مسلم ثم أخرجه الحافظ من طريق آخر إلى أبي هريرة فذكر مثله وخرجه البخاري إلا ما يتعلق بالجار وقال في آخره: "ليصمت" ثم قال أخرجه البخاري ومسلم ثم أخرج الحافظ من طريق آخر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كان يؤمن باللهِ واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن قرى ضيفه" قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم، وأما حديث أبي شريح الخزاعي فأخرجه الحافظ عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه " ثم قال: أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي وجاء عن أبي شريح رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه" قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث صحيح أخرجه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي اهـ. وفي الآمالي الحلبيات للحافظ بعد تخريج حديث أبي هريرة هذا حديث صحيح أخرجه أحمد وأبو داود واتفق على إخراجه الشيخان في صحيحيهما واتفق الأئمة الستة على تخريجه من حديث أبي شريح الخزاعي ثم أخرجه الحافظ من حديث أبي شريح فذكر مثل حديث أبي هريرة سواء لكنه قال: فليحسن إلى جاره وقال في آخره فليسكت ثم ذكر طريق كل من الستة فيه. قوله: (وأبي شريح الخزاعي) هو الخزاعي الكعبي ويقال فيه العدوي وليس هو من في عدي لا عدي قريش ولا عدي مضر فلعله كان حليفًا لبني عدي بن كعب بن قريش واختلف في اسمه فقيل: خويلد بن عمرو

"مَنْ كانَ يُؤمِنُ باللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيفَهُ". وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم أو ليلة، فإذا هو بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، قال: "ما أخرَجَكما مِنْ بيُوتكُما هَذِهِ السّاعَةَ"؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو المشهور وقيل عكسه وقيل: خويلد بن صخر وقيل صخر جده ابن عبد العزى بن معاوية بن المحترش بن عمرو بن زمان بن عدي بن عمرو بن ربيعة وقيل: اسمه هانئ بن عمرو وقيل: عبد الرحمن بن عمرو وقيل: كعب وقيل: مطر الصحابي الجليل أسلم قبل فتح مكة وقيل: يوم الفتح وجرى عليه المزي في الأطراف وكان يوم فتح مكة حاملًا أحد ألوية بني كعب روى له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما قيل عشرون حديثًا اتفقا منها على حديثين وانفرد البخاري بحديث سكن المدينة ومات بها سنة ثمان وستين وقيل: سنة ثمان وخمسين كذا في شرح العمدة للقلقشندي. قوله: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) أي من كان يؤمن إيمانًا كاملًا ينجيه من العذاب ويلجئه إلى الثواب فالمتوقف على ما ذكر كمال الإيمان لا حقيقته أو هو محمول على المبالغة في الاستجلاب إلى هذه الأفعال كما يقول القائل: لست ابني إن لم تطعني أي من كان من أهل الإيمان فليكرم ضيفه أي سواء كان غنيًّا أو فقيرًا بالبشر في وجهه وطيب الحديث معه والمبادرة إلى إحضار ما تيسر عنده من الطعام من من غير كلفة ولا إضرار بأهله إلا إذا رضوا وهم بالغون عاقلون أخذًا مما سبق في الباب قبل هذا والضيف لغة يشمل الواحد والجمع من أضفته وضيفته إذا أنزلته بك ضيفًا وضفته إذا نزلت عليه ضيفًا. قوله: (وروينا في صحيح مسلم) سبق ما يتعلق بسند هذا الحديث في باب ما يقول بعد الطعام. قوله: (ذات يوم) أتى بها لئلا يتوهم أن المراد باليوم مطلق الزمان الشامل لليل والنهار إذ قد يطلق كل من اليوم والليلة على ذلك ويطلق اليوم على المدة، وحقيقة اليوم شرعًا من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس كما تقدم في باب فضل الذكر جمعه أيام وأصله أيوام فأعل كاعلال سيد، والليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر الصادق

قالا: الجوع يا رسول الله، قال: "وأنا والَّذي نَفْسِي بِيَدِهِ لأخْرَجَنِيَ الذي أخرَجَكُما، قوموا"، فقاموا معه، فأتى رجلًا من الأنصار فإذا ليس هو في بيته، فلما رأته المرأة قالت: مرحبًا وأهلًا، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيْنَ فُلانٌ؟ " قالت: ذهب يستعذب لنا من الماء، إذ جاء الأنصاريّ فنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأو فيه للشك من الراوي. قوله: (قالا الجوع) أي الذي أخرجنا الجوع أو أخرجنا الجوع فجملة الجواب اسمية أو فعلية وفيه أن التماس الرزق وتعاطي الأسباب غير قادح في التوكل فإنهما من رؤوس المتوكلين فالتوكل بالقلب وتعاطي الأسباب امتثالًا للأمر بالقالب. قوله: (قال: وأنا الذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما) قال الفاسي في تاريخه العقد الثمين نقلًا عن خط جده محمد بن محمد بن عبد الرحمن الفاسي قوله الذي أخرجكما الذي لفظ مبهم ظاهره الجوع والمراد والله أعلم الله سبحانه إذ هو أخرجه حقيقة فعبر بلفظ الذي الصادق على السبب والمسبب فشاركهم في ظاهر الحال دفعًا للوحشة الواقعة في ذكر الجوع، قال الفاسي: وهذا من معالي الأخلاق وكريم الشيم وهو في معنى قوله تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}. قوله: (فأتوا رجلًا من الأنصار) تقدم أنه جاء في حديث الترمذي وغيره مجيئه - صلى الله عليه وسلم - ومن معه إلى حائط أبي الهيثم بن التيهان، وجاء في الطبراني أنه ذهب بمن معه إلى حائط أبي أيوب الأنصاري فرجل في هذا الحديث محتمل لهما قلت ولغيرهما، وفيما ما ذكر منقبة عظيمة لكل من أمله - صلى الله عليه وسلم - لذلك، وفيه أنه لا بأس بالإدلال على الصاحب الموثوق به والمعلوم منه الرضا والفرح بذلك. قوله: (فلما رأته المرأة قالت: مرحبًا وأهلًا) أي صادفت رحبًا أي مكانًا واسعًا فأنزل وأهلًا فأنس بالنزول فيهم، وفي الحديث جواز سماع كلام الأجنبية مع أمن الفتنة وإن وقعت فيه مراجعة. قوله: (يستعذب لنا من الماء) أي يستقي لنا ماء عذبًا من بئر يقال: استعذب الماء استقى عذبًا كذا في الصحاح، وبه يعلم الفرق بين استعذب لنا الماء واستعذبه من غير لنا وفيه جواز استعذاب الماء وتطييبه وأن ذلك لا ينافي الزهد ومن ثم نقل عن

باب ما يقوله بعد انصرافه عن الطعام

ثم قال: "الحمد الله، ما أحدٌ اليوم أكرمَ أضيافًا مني ... " وذكر تمام الحديث. باب ما يقوله بعد انصرافه عن الطعام روينا في كتاب ابن السني عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ـــــــــــــــــــــــــــــ الشافعي رضي الله عنه أنه قال: شرب الماء البارد يخلص الحمد الله وفيه أن خدمة الرجل الغني أهل بيته وتوليه حوائجهم بنفسه تواضعًا لا ينافي المروءة بل هو من كمال الخلق وحسن التواضع. قوله: (ثم قال: الحمد الله) أي على تأهيلي لإضافة من رأيت ففيه حمد الله تعالى على التأهيل والتوفيق لأي طاعة كانت. قوله: (ما أحد اليوم أكرم أضيافًا مني) فيه إكرام الضيف وإظهار السرور والبشر والفرح بقدومه في وجهه وحمد الله تعالى وهو يسمع على حصول هذه النعمة والثناء على ضيفه إن لم يخف عليه فتنة فإن خاف لم يثن عليه في وجهه وفيه دليل على كمال فضيلة هذا الأنصاري وبلاغته وعظم معرفته لأنه أتى بكلام مختصر بديع في هذا الموطن رضي الله عنه. قوله: (وذكر تمام الحديث) هو قوله فانطلق فقطع لهم عذقًا فيه بسر وتمر فوضعه بين أيديهم فقال وله النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو اجتنيت" فقال له الأنصاري: تخيروا على أعينكم وأخذ المدينة فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إياك والحلوب" فذبح لهم فأكلوا من العذق ومن الشاة وشربوا من الماء فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا من النعيم الذي تسألن عنه يوم القيامة". قال المصنف نقلًا عن القاضي عياض المراد السؤال عن القيام بحق شكره ثم قال المصنف والذي نعتقده أن السؤال هنا هو سؤال تعداد النعم وإعلام بالامتنان بها وإظهار الكرامة بإسباغها لا سؤال توبيخ وتقريع ومحاسبة والله أعلم اهـ. باب ما يقول بعد انصرافه عن الطعام قوله: (روينا في كتاب ابن السني الخ) قال الحافظ: هذا حديث لا يثبت وإن كان معناه قويًّا أخرجه ابن السني عن أبي خليفة وأخرجه ابن حبان في كتاب الضعفاء في ترجمة بزيع بموحدة فزاي فتحتية آخره عين مهملة بوزن عظيم مشهور باسمه واسم أبيه حسان وهو بصري ويقال له الحقاق قال ابن حبان يأتي عن

كتاب السلام والاستئذان وتشميت العاطس وما يتعلق بها

"أذِيبُوا طَعَامَكُمْ بِذِكرِ اللهِ عَز وَجَل والصَّلاةِ، ولا تَنَامُوا عَلَيهِ فَتَقْسُوَ لَهُ قُلُوبُكُمْ". كتاب السلام والاستئذان وتشميت العاطس وما يتعلق بها ـــــــــــــــــــــــــــــ الثقات بالموضوعات كأنه المتعمد لها ولذا نسبه إلى الوضع أبو أحمد بن عدي والحاكم والعقيلي وزاد أنه أحد من وضع حديث أبي بن كعب الطويل في فضائل السور وقد ذكر البيهقي أن الحديث من أفراد بزيع اهـ كلام الحافظ. وفي اللآلئ الموضوعة للحافظ السيوطي أن الحديث جاء من طريق بزيع أبي الخليل قال ... حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة فذكره وجاء من طريق أصرم بن حوشب قال: حدثنا عبد الله بن إبراهيم الشيباني عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة فذكر الحديث ثم قال السيوطي: الحديث موضوع، بزيع متروك، وأصرم كذاب، قال ابن عدي هو لبزيع فلعل أصرم سرقه منه قال السيوطي: قلت: أخرجه من الطريق الأولى الطبراني في الأوسط وابن السني في عمل اليوم والليلة وأبو نعيم في الطب والبيهقي في الشعب وقال تفرد به بزيع وكان ضعيفًا وأخرجه من طريق الثاني ابن السني في الطب واقتصر العراقي في تخريج الإحياء على تضعيفه وقال الديلمي: أخبرنا محمد بن الحسين إذنًا، أخبرنا أبي: حدثنا الديباج بن عثمان، حدثنا أحمد بن عقدة، حدثنا ابن الأشعث، حدثنا أصرم، حدثنا عبد الله بن إبراهيم عن حبيب بن أبي ثابت عن عاصم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أكل العشاء والنوم عليه قسوة في القلب" اهـ. قوله: (أذيبوا طعامكم) أمر من الإذابة أي صيروا ذوبانه ووصوله إلى أجزاء البدن وانتفاعها به ناشئًا ومتسببًا عن ذكر الله تعالى. قال الصديق الأهدل: قال في الإحياء: أقل ذلك أن يصلي أربع ركعات ويسبح مائة تسبيحة ويقرأ جزءًا من القرآن عقب كل أكلة اهـ كتاب السلام والاستئذان وتشميت العاطس وما يتعلق بها قال في السلاح: السلام بمعنى السلامة فإذا سلم المسلم على المسلم عليه فكأنه يعلمه

قال الله تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: 61] وقال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] وقال تعالى: ـــــــــــــــــــــــــــــ بالسلامة من ناحيته ويؤمنه من شره وغائلته كأنه يقول له: أنا سلم لك غير حرب وولي غير عدو وقيل: إنما هو اسم من أسماء الله تعالى فإذا قال المسلم لأخيه: سلام عليكم فإنما يعوذه بالله ويبرك عليه باسمه قاله الخطابي اهـ. وسيأتي له تتمة وقال ابن القيم في بدائع الفوائد: السلام بمعنى التحية مصدر سلم ومصدره البخاري عليه تسليم كعلم تعليمًا والسلام من سلم كالكلام من كلم اهـ. ثم عقبه بما يفيد أن مراده أنه اسم مصدر لأن المصدر هو البخاري على فعله وهذا ليس كذلك ثم قال: فإن قيل: ما الحكمة في مجيئه اسم مصدر ولم يجيء على اسم المصدر؟ قيل: هذا سر بديع وهو أن المقصود مسمى السلامة للمسلم عليه على الإطلاق من غير تقييد بفاعل أي وذلك مدلول اسم المصدر بخلاف المصدر فإنه يدل على الحدث ومن ثم قام به، فلما كان المراد مطلق السلام من غير تعرض لفاعل أتوا بالمصدر الدال على مجرد الفاعل ولم يأتوا بالمصدر الدال على الفعل والفاعل معًا. أما السلام بمعنى السلامة فمصدر كالجلال والجلالة فإذا حذفت التاء كان المراد نفس المصدر فإذا أتى بها كان فيه إيذان بالتحديد بالمرة من المصدر اهـ. والاستئذان بسكون الهمزة وتبدل ياء طلب الإذن في الدخول وتشميت العاطس أي قول: رحمك الله وهو بالشين المعجمة وبالمهملة وما يتعلق بها أي بهذه الثلاثة من الأحكام والفضائل. قوله: (قال الله سبحانه وتعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} سبق الكلام على شيء مما يتعلق بها في باب ما يقول: إذا دخل بيته في أوائل الكتاب. قوله: (وقال عزّ وجل) أي عز شأنه وجل قدره عن أن يضاف إليه ما لا يليق به وقد التعبير به بعد التعبير بقوله أولًا سبحانه وتعالى تفنن. قوله: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ منها} قال البيضاوي: الجمهور على أنه في السلام ويدل على وجوب الجواب إما

{لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور: 27] وقال تعالى: ـــــــــــــــــــــــــــــ بأحسن منه وهو أن يزيد عليه ورحمة الله فإن قاله له المسلم زاد وبركاته وهي النهاية وإما يرد مثله لما روي أن رجلًا قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: السلام عليك فقال: "وعليك السلام ورحمة الله" وقال آخر: السلام عليك ورحمة الله فقال: "وعليك السلام ورحمة الله وبركاته" وقال آخر: السلام عليك ورحمة الله وبركاته فقال: "وعليك" فقال: نقصتني وأين ما قال الله وتلا الآية، قال: إنك لم تترك لي فضلًا فرددت عليه مثله وذلك لاستجماعه أقسام المطالب السلامة عن المضار وحصول المنافع وثباتها ومنه قيل أو للترديد بين أن يحيي المسلم ببعض التحية وبين أن يحيي بتمامها، وهذا الوجوب على الكفاية وحيث السلام مشروع فلا يرد في الخطبة وقراءة القرآن وفي الحمام وعند قضاء الحاجة ونحوها، والتحية في الأصل مصدر حياك الله على الإخبار من الحياة أي فوزنه تفعلة نقلت حركة الياء الأولى إلى الحاء ثم أدغمت في الياء الثانية وأصله الأخبار من الحياة ثم استعمل للحكم والدعاء بذلك ثم قيل لكل دعاء فغلب في السلام، وقيل: المراد بالتحية العطية وأوجب الله تعالى الثواب أو الرد على المتهب وهو قول قديم اهـ. وعلى هذا الوجه فليس ثمة مضاف في التقدير أما على كون المراد بالتحية السلام ففي النهر أن قوله أوردوها على حذف مضاف أي ردوا مثلها اهـ. وهذه الآية وما قبلها فيما يتعلق بالسلام. قوله: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} قال جماعة المفسرين حتى تستأذنوا قال ابن عباس: أخطأ الكاتب حتى تستأنسوا إنما هي حتى تستأذنوا وقال أهل المعاني: الاستئناس الاستعلام يقال: أنست منه كذا أي علمت والمعنى حتى تستعلموا وتنظروا وتتعرفوا {وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} هو أن يقول: السلام عليكم أدخل؟ ولا يجوز دخول بيت الغير إلا بعد الاستئذان لهذه الآية كذا في الوسيط للإمام الواحدي، وفي النهر لأبي حيان الظاهر أنه يجوز للإنسان أن يدخل بيت

{وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 59] وقال تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَال سَلَامٌ} [الذاريات: 24، 25]. واعلم أن ـــــــــــــــــــــــــــــ نفسه بغير استئذان ولا سلام لقوله: غير بيوتكم ويروى أن رجلًا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أستأذن على أمي؟ قال: "نعم"، قال: فإنه ليس لها خادم غيري أستأذن عليها كلما دخلت؟ قا هـ: "تحب أن تراها عريانة" قال الرجل: لا، قال: "فاستأذن" اهـ. والآية فيها ما يتعلق بالاستئذان والسلام. تموله: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} يعني إذا بلغ الأطفال منكم أي من الأحرار الحلم فليستأذنوا أي في جميع الأوقات في الدخول عليكم فالبالغ يستأذن في كل الأوقات والمملوك والطفل يستأذنان في الثلاث العورات: قبل صلاة الفجر لأن الإنسان ربما يبيت عريانًا أو على حال لا يحب أن يرى عليها وحين المقيل ومن بعد صلاة العشاء يأوي الرجل إلى أهله ويخلو بها ففي هذه الأوقات الثلاث التي يتخلى النّاس فيه ويتكشفون أمر العبيد وغير البالغ من الأحرار بالاستئذان فيها والحر البالغ يستأذن في الدخول سائر الأوقات وقوله تعالى: {كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي الأحرار الكبار الذين أمروا بالاستئذان على كل حال وهذه الآية متعلقة بالاستئذان وفيه بدء السلام كما يأتي في صفة الاستئذان وكذا ما بعدها فيه ما يتعلق بالسلام. قوله: " {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} أي الملائكة الذين أرسلوا إليه بالبشائر الثلاث بالخلة والولد وبإنجاء لوماومن آمن معه قيل: كانوا اثني عشر ملكًا قاله ابن عباس ووصفهم بالمكرمين لكرامتهم عند رب العالمين وقوله تعالى إذ معمول لقوله حديث والضيف يقع على الواحد والجمع بلفظ واحد أي هل تقرر عندك حديث ضيف إبراهيم المكرمين وقت دخولهم عليه من غير استئذان منهم له. وقوله: (فقالوا سلامًا) هو بالنصب على إضمار فعل أي سلمت سلامًا وفيه دليل على أن الوارد على قوم هو الذي يبدؤهم بالسلام في قوله (قال: سلام) دليل على أنهم يردون عليه وسلام بالرفع مبتدأ خبره محذوف أي عليكم قال ابن القيم في كتاب بدائع الفوائد قيل: السر في نصب سلام ضيف إبراهيم ورفع سلامه أن النصب لكونه متضمنًا

أصل السلام ثابت بالكتاب والسنة والإجماع. وأما أفراد مسائله وفروعه فأكثر من أن تحصر، وأنا أختصر مقاصده في أبواب يسيرة إن شاء الله تعالى، وبه التوفيق والهداية والإصابة والرعاية. ـــــــــــــــــــــــــــــ جملة فعلية إذ التقدير سلمت سلامًا يدل على الحدوث والتجدد، والرفع لكونه متضمنًا جملة اسمية إذ التقدير سلام عليكم يدل على الثبوت والتقرر فكان سلامه عليهم أكمل من سلامهم عليه وكان له من مقام الرد ما يتعلق بمنصبه وهو مقام الفضل إذ حياهم بأحسن من تحيتهم، قال: وعندي جواب هو أحسن من هذا هو أنه لم يقصد حكاية لفظ سلام الملائكة فقوله: سلامًا منصوب على أنه صفة قولًا والتقدير قالوا قولًا: سلامًا كما يقال قالوا: سدادًا وصوابًا ونظيره قوله تعالى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} ليس المراد منه قالوا: هذا اللفظ المفرد بل المراد قالوا قولًا: سلامًا وسمي القول سلامًا لأنه يؤدي معنى السلام ويتضمنه من دفع الوحشة وحصول الاستئناس وقصد حكاية لفظ سلام إبراهيم فأتى به على لفظه مرفوعًا بالابتداء محكيا بالقول، وفي حكايته قول إبراهيم ورفعه وترك ذلك في جانب ضيفه إشارة إلى معنى لطيف جدًّا هو أن قول: سلام عليكم من دين الإسلام المتلقى عن أبي الأنبياء وإمام الحنفاء وأنه من ملة إبراهيم التي أمرنا باتباعها فحكي لنا قوله: ليحصل لنا الاقتداء والاتباع به ولم يحك قول ضيفه إنما أخبر به على سبيل الجملة دون التفصيل والكيفية والله أعلم اهـ. وقد أشار في النهر إلى هذا الوجه أعني كون سلامًا نعتًا لمصدر محذوف. قوله: (أصل السلام الخ) أي دليل السلام بدءًا وردًّا (ثابت بالكتاب) أي كما ذكر من الآي (والسنة) أي كالأحاديث الآتية (والإجماع) أي إجماع الأمة. قوله: (أفراد مسائله وفروعه) هو بفتح الهمزة واحد فرد أي مفردات مسائله والمراد أن ما ذكره من الكتاب والسنة في أصل مشروعية السلام وأما ما فيه من الفروع والمسائل فكثيرة جدًّا. قوله: (مقاصده) أي ما يقصد من تلك المسائل والفروع بعموم الحاجة إليه. قوله: (أبواب يسيرة) الإتيان بالوصف لتأكيد مبالغة القلة المفهومة من صيغة أبواب إذ هو من جموع القلة وذلك سبعة أبواب.

باب فضل السلام والأمر بإفشائه

باب فضل السلام والأمر بإفشائه روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رجلًا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الإسلام خير؟ قال: "تُطْعِم الطعامَ، وتقرأُ السّلام على مَنْ عَرَفْتَ ومَنْ لَمْ تَعْرِفْ". ـــــــــــــــــــــــــــــ باب فضل السلام والأمر بإفشائه أي إظهاره ونشره من فشا الخبر ظهر. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم) قال الحافظ بعد تخريجه بهذا اللفظ إلا أنه قال: وعلى من لم تعرف بزيادة لفظ على: وعند بعضهم -أي بعض من خرجه الحافظ عنه- بحذف على الأخيرة قال وعند بعضهم أن رجلًا قال: يا رسول الله والباقي سواء ثم قال الحافظ: أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه اهـ. وروى ابن ماجه عن عمر مرفوعًا أفشوا السلام وأطعموا الطعام وكونوا إخوانًا كما أمركم الله، وعند الطبراني في مكارم الأخلاق عن أبي هريرة مرفوعًا أفضل الأعمال بعد الإيمان التودد إلى النّاس كذا في المرقاة للقارئ. قوله: (إن رجلًا) قال الجلال البلقيني في الإلمام بما في البخاري من الإبهام قيل: هو أبو ذر وفي صحيح ابن حبان أنه هانئ بن مرشد اهـ. قوله: (أي الإسلام خيرا) أي أي خصال الإسلام أو أهل الإسلام أو آدابهم خير أي أفضل ثوابًا وأكثر نفعًا قال الطيبي: السؤال وقع عما يتعلق بحقوق الآدميين من الخصال دون غيرها بدليل أنه - صلى الله عليه وسلم - أجاب عنها دون غيرها من الخصال في قوله: (تطعم الطعام) أي للأقارب والأباعد لا سيما المحتاجون لوجه الله تعالى لا لإرادة جزاء وشكور وإنما كان هذا من خير خصال الإسلام لما فيه من السماحة بالدنيا والإيثار بها وذلك من مكارم الأخلاق وتطعم في تقدير المصدر نحو تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، قال في المرقاة ويمكن أن يكون خبرًا معناه الأمر اهـ. قوله: (وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف) تقرأ بفتح التاء بلفظ مضارع القراءة قال أبو حاتم السجستاني: يقال: اقرأ - عليه السلام -، ولا يقال أقرئه بالسلام فإن كان مكتوبًا قلت: أقرئه

وروينا في "صحيحيهما" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خَلَقَ الله عَزَ وجَل آدَمَ على صُورَتِهِ طُولهُ سِتُّونَ ذِراعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ قال: اذْهَبْ فسَلِّمْ على أُولئِكَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ السلام أي اجعله يقرأه كذا في حاشية السيوطي على البخاري وسنن النسائي وفي القاموس قرأ عليه: السلام أبلغه كأقرأه أو لا يقال: اقرأه إلا إذا كان السلام مكتوبًا والمراد من الحديث أن تسلم على كل من لقيته عرفته أم لم تعرفه ولا تخص به من تعرفه كما يفعله كثير من النّاس وفي بذل السلام لمن عرفت ولمن لم تعرف إخلاص العمل الله وترك المصانعة والتملق وفيه مع ذلك استعمال خلق التواضع وإفشاء شعار هذه الأمة ثم هذا العموم مخصوص بالمسلمين ولا يسلم ابتداء على كافر، وفي الحديث: الحث على إطعام الطعام والجود والاعتناء بنفع المسلمين والحث على تألفهم ثم جاء في هذا الحديث: أن خير خصاله ما ذكر من إطعام الطعام وإفشاء السلام وفي حديث آخر: خير المسلمين من سلم المسلمون من لسانه ويده قال المصنف واختلف الجواب في خير المسلمين لاختلاف حال السائل والحاضرين فكان في أحد الموضعين الحاجة إلى إفشاء السلام وإطعام الطعام أكثر وأهم لما حصل من إهمالهما والتساهل في أمرهما ونحو ذلك وفي الموضع الآخر: الكف عن إيذاء المسلمين اهـ. ويؤيد ما أشار إليه الشيخ من اختلاف السائلين أن المجاب بما في هذا الحديث هو أبو ذر أو هانئ على ما تقدم والمجاب بقوله: المسلم من سلم المسلمون الخ، هو أبو موسى الأشعري كما ذكر ذلك الحافظ الولي العراقي في مبهماته: وسيأتي في كتاب حفظ اللسان وقال التوربشتي: لعل تخصيص هذين علم النبي - صلى الله عليه وسلم - بمناسبتهما لحال السائل ولذا أسندهما إليه فقال: تطعم الطعام الخ، أو علمه - صلى الله عليه وسلم - أنه يسأل عما يعامل به المسلم في إسلامه فأخبره بذلك ثم رأى أن يجيب عن سؤاله بإضافة الفعل إليه ليكون أدعى إلى العمل والخبر قد يقع موقع الأمر اهـ. قوله: (وروينا في صحيحيهما) قال في السلاح وأخرجه النسائي وقال الحافظ: أخرجه أحمد والشيخان وسكت عن ذكر النسائي. قوله: (خلق الله آدم على صورته) قال المصنف: هذا من أحاديث الصفات وفيه للعلماء طريقان: فالأول: يمسك عن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تأويلها ويقال: نؤمن بها حقًّا وأن ظاهرها غير مراد ولها معنى يليق بها وهذا مذهب جمهور السلف وهو أحوط وأسلم، والثاني: أن يؤول على حسب ما يليق بتنزيه الله تعالى وأنه ليس كمثله شيء، قلت وقد سبق في باب ما يقول إذا قام من الليل بسط لهذا المعنى في حديث ينزل ربنا إلى سماء الدنيا، واختلف العلماء في تأويل هذا الحديث فقالت طائفة الضمير: يعود على آدم، قال المصنف: وهذه الرواية ظاهرة في ذلك والمعنى أنه تعالى خلق آدم في أول نشأته على صورته التي كان عليها في الجنة وهي صورته في الأرض لم يتغير أي لم يتطور من النطفة إلى العلقة الخ، بل أوجده هكذا ابتداء ولم يتغير عن صورته حال نزوله إلى الأرض بل استمر على صورته التي كان عليها في الجنة وهو في الأرض، قال التوربشتي: هذا كلام صحيح في موضعه فأما في تأويل هذا الحديث فإنه غير سديد لما في حديث آخر خلق آدم على صورة الرحمن ولما في غير هذه الرواية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلًا يضرب وجه غلام فقام فقال: "لا تضرب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته" فالمعنى الذي ذهب إليه هذا المؤول لا يلائم هذا القول وأهل الحق في ذلك على طبقتين إحداهما المنزهون عن التأويل مع نفي التشبيه الخ والطبقة الأخرى يرون الإضافة فيها إضافة تكريم وتشريف أي كقوله تعالى: {نَاقَةَ اللَّهِ} وكما يقال: الكعبة بيت الله وذلك أن الله تعالى خلق آدم أبا البشر على صورة لم يشاكلها شيء من الصور في الجمال والكمال وكثرة ما احتوت عليه من الفوائد الجليلة فاستحقت الصورة البشرية أن تكرم ولا تهان اتباعًا لسنة الله تعالى فيها وتكريمًا لما كرمه اهـ. وقال القرطبي: لو سلمنا أن الضمير عائد على الله تعالى فالتأويل فيه وجه صحيح هو أن الصورة قد تطلق بمعنى الصفة ومنه صورة المسألة أي صفتها فيكون معنى الخبر إن الله خلق آدم على صورته أي خلقه موصوفًا بالعلم الذي فصل به بينه وبين جميع الحيوانات وخصه منه بما لم يخص به أحدًا من ملائكة الأرضين والسموات اهـ. وفي التوشيح بناء على كون الضمير الله المراد بالصورة الصفة من الحياة والعلم والسمع والبصر وإن كانت صفاته تعالى لا يشبهها شيء اهـ. وقيل المراد منه الكناية عن صورة الكمال كما أشار إليه العاقولي، وقيل: الضمير للعبد المحذوف من السياق لما تقدم في سبب الحديث من أن رجلًا ضرب وجه غلام الخ، قال ابن جماعة ومن قال بأن لله تعالى

نَفَرٍ مِنَ المَلائِكَةِ جُلُوسٍ فاسْتَمعْ ما يُحَيُّونَكَ فإنَّها تَحِيَّتُكَ وتحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فقال: السلام عَلَيْكُمْ، فقالوا: السلامُ عَلَيكَ وَرَحْمَة الله فَزَادُوهُ: وَرَحمَة الله". ـــــــــــــــــــــــــــــ صورة خلق آدم عليها فمردود عليه لما فيه من التجسيم وكذا من قال: صورة لا كالصور أي كابن قتيبة وقد رد عليه ذلك المصنف نقلًا عن المأزري والله أعلم. قوله: (نفر من الملائكة) النفر بفتح الفاء وسكونها عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة وهو بالرفع خبر لمبتدأ محذوف أي هم نفر أو بالجر بدل من اسم الإشارة، وجلوس إما وصف له أو خبر بعد خبر وأفرد لأنه مصدر أو مراعاة للفظ نفر أو تقديره ذوو جلوس أو من قبيل رجل عدل مبالغة أو هو جمع جالس وقد النسخة التي شرح عليها المصنف من مسلم اذهب فسلم على أولئك النفر وهم نفر من الملائكة الخ، وهو يؤيد الوجه الأول أي الرفع وقال الحافظ في الفتح هو بالجر في الرواية ويجوز الرفع والنصب أي صناعة قال المصنف في الحديث: إن الوارد على جلوس يسلم عليهم وإن الأفضل أن يقول: السلام عليكم بالألف واللام ولو قال: سلام عليكم كفاه وإن رد السلام يستحب أن يكون بزيادة على الابتداء وأنه يجوز في الرد السلام عليكم أي بقصد الرد ولا يشترط اأن يقول: وعليكم السلام اهـ، والله أعلم. قوله: (يحيونك) بالحاء المهملة من التحتية كما هو الأنسب لقوله فإنها تحيتك وتحية ذريتك وقد نسخة يجيبونك بالجيم فالتحتية فالموحدة من الإجابة وهي رواية أبي ذر في البخاري كما في التوشيح للسيوطي وبه يرد قول صاحب المرقاة ما وقع في بعض نسخ المصابيح بالجيم والتحتية والموحدة تصحيف وتحريف اهـ. والذرية بتشديد الياء قال القاضي البيضاوي: الولد يقع على الواحد والجمع فعلية من الذر أو فعولة من الذرء أبدلت همزتها ياء ثم قلبت الواو ياء وأدغمت وقال البغوي: تطلق الذرية على الأبناء لأنه ذرأهم وعلى الآباء لأنه ذرأ الأبناء منهم اهـ. والمراد من الذرية في الحديث بنوه الشامل لهذه الأمة كما ستأتي الإشارة إليه في كلام الشيخ في باب كيفية السلام قال العاقولي: وفي الخبر دليل على فضيلة آدم حيث تولى الله تعالى تأديبه وعلى أن السلام أدب قديم مشروع منذ خلق آدم والسنة أن يسلم القادم على أهل المجلس لأن آدم كان القادم عليهم وفيه دليل على استحباب السعي لطلب العلم وآدم أول من سعى لطلب العلم

وروينا في "صحيحيهما" عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: "أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبع: بعيادةِ المريض، واتِّباع الجنائز، وتشميتِ العاطس، ـــــــــــــــــــــــــــــ بمقتضى هذا الحديث فليحمد الله طلبة العلم حيث تحققت فيهم وراثة أبيهم آدم عليه السلام. قوله: (وروينا في صحيحيهما) قال الحافظ بعد تخريجه من طرق قال في بعضها واتباع الجنائز وفي بعضها وشهود الجنائز ما لفظه: أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو عوانة في صحيحه وسيأتي ما فيه من اختلاف الرواة قال الحافظ: وجاء حديث البراء من وجه آخر مختصرًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أفشوا السلام تسلموا قال الحافظ بعد تخريجه: حديث صحيح أخرجه البخاري في الأدب المفرد وابن حبان في صحيحه والضياء في المختارة. قوله: (أمرنا بسبع) جاء بعده في الحديث ونهانا عن سبع وحذفه الشيخ لعدم تعلق غرض الترجمة به وذكر جميع السبع المأمور بها استطرادًا وتتميمًا للفائدة وإلا فغرض الترجمة إنما هو إفشاء السلام. قوله: (بعيادة المريض) هو وما بعده بدل من سبع بإعادة الجار وهو بدل مفصل من مجمل وأتى به كذلك ليكون أوقع في النفس وأقرأ فيها، وعيادة أصلها عوادة فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها كما في صيام وقيام وعيادة المريض سنة بالإجماع سواء فيه من تعرفه وغيره والقريب والأجنبي، وما ورد عند مسلم بلفظ: يجب للمسلم على المسلم سبع وذكر منها العيادة وغيرها مما ظاهره الوجوب محمول على الندب المتأكد كحديث غسل الجنة واجب على كل محتلم وأجراه بعضهم على ظاهره وترجم البخاري في كتاب المرضى من صحيح البخاري باب وجوب عيادة المريض واستدل بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أطعموا الجائع وعودوا المريض" قال ابن المنير في شرح البخاري لا خفاء في وجوب عيادة المريض إذا أدى تركها إلى القطيعة والمؤاخذة والحقد والمباعدة فإن لم يتوقع ذلك فهي سنة اهـ. وتقدم آداب العيادة في باب أذكار المريض. قوله: (واتباع الجنائز) وهو سنة مندوبة بالإجماع أيضًا متأكدة سواء فيه القريب والبعيد وغيرهما. قوله: (وتشميت العاطس) أي قول: يرحمك الله وهو بالسين المهملة والمعجمة لغتان مشهورتان يأتي بيان مأخذهما في محله إن شاء الله تعالى فتسميته سنة كفاية عندنا عند سماع قول العاطس: الحمد الله. قوله:

ونصرِ الضعيف، وعونِ المظلوم، وإفشاء السلام، وإبرارِ القَسَم" هذا لفظ إحدى روايات البخاري. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ونصر الضعيف) أي نصر المظلوم كما أشار إليه الحافظ فيما يأتي ونصره فرض كفاية من جملة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكن إنما يتوجه الأمر به على من قدر عليه ولم يخف ضررًا. قوله: (وعون المظلوم) هو بمعنى ما قبله كما علم مما تقدم عن الحافظ. قوله: (وإفشاء السلام) أي إشاعته وإكثاره وهو أن يبذل لكل مسلم وسبق قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف". قوله: (وإبرار القسم) هو سنة أيضًا مستحبة متأكدة لكن يندب إذا لم تكن فيه مفسدة أو خوف ضرر أو نحو ذلك فإن كان شيء من ذلك لم يبر قسمه كما ثبت أن أبا بكر رضي الله عنه لما عبر الرؤيا بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له - صلى الله عليه وسلم -: "أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا" فقال: أقسمت عليك يا رسول الله لتخبرني، فقال: "لا تقسم" ولم يخبره. قوله: (هذا لفظ إحدى روايات البخاري) قال الحافظ بعد أن أخرجه بلفظ أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبع ونهانا عن سبع أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنائز وتشميت العاطس وإفشاء السلام ونصر المظلوم وإجابة الداعي وابرار القسم أخرجه الشيخان والترمذي قال وقول الشيخ هذا بلفظ إحدى روايات البخاري إلى آخر ما تقدم عنه رواية قتيبة أخرجها عنه في كتاب الاستئذان وهي مخالفة لرواية جميع من أخرج الحديث ممن اطلعنا عليه فقد أخرجه البخاري في عشرة مواضع من صحيحه وأزيد باللفظ الذي سقته إلا رواية قتيبة فإنه أبدل فيها إجابة الداعي بقوله وعون المظلوم وعبر عن نصر المظلوم بنصر الضعيف وقد أخرجه مسلم من طريق شيخ قتيبة وهو جرير وضم روايته إلى رواية غيره وكذا صنع أبو نعيم في المستخرج في رواية إسحاق بن راهويه عن جرير أيضًا وأفصح بذلك أبو عوانة فساق رواية جرير بلفظ وافق رواية الجماعة أخرجها عن يوسف القاضي عن علي يعني بذلك المديني عن جرير فاحتمل أن يكون جرير أو من دونه لما حدث به أورده من حفظه فوقع التغيير وقد أبعد من أول الداعي بالضعيف فإنه أخص منه وكذا الإجابة بالنصر أو العون وأبعد منه من قال هي خصلة زائدة ومفهوم العدد ليس بحجة قال: وقد أوضحت ذلك في فتح

وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حتى تُؤمِنُوا ولا تُؤمِنُوا حتى تَحابُّوا أوَلا أدُلُّكُمْ على شَيء إذا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ الباري اهـ. وأشار بما ذكر من الجوابين إلى الكرماني فإنه أجاب بهما في شرحه كما في فتح الباري. قوله: (وروينا في صحيح مسلم) قال الحافظ من طريق الإِمام أحمد وأبي نعيم أخرجه مسلم وابن ماجه وقال صاحب المرقاة وكذا رواه أبو داود والترمذي اهـ، وقال الحافظ بعد ذكر الحديث من طريق آخر عن أبي هريرة فذكره بمثله أخرجه البخاري في الأدب المفرد بنحوه. قوله: (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا) أي لأن الله حرم الجنة على الكفار فلا يدخل الجنة إلا من مات مؤمنًا سواء كمل الإيمان بفعل خصال كماله أولًا وقال الشيخ ابن الصلاح معنى الحديث لا يكمل إيمانكم إلا بالتحاب ولا تدخلوا الجنة عند دخول أهلها إذا لم تكونوا كذلك قال المصنف والذي قاله أبو عمرو محتمل والله أعلم، وقال العاقولي وكأن معنى قوله: لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا أي يؤمن كل منكم أخاه بوائقه كما جاء في الحديث الآخر ولا يأمن أحدكم بوائق صاحبه إلا إذا حصلت المحبة بينكم لأن المحب يأمن محبوبه ولا شك أن السلام يزيل الإحن من الصدور ويترقى حتى تحصل المحبة اهـ. قوله: (ولا تؤمنوا حتى تحابوا) قال المصنف هكذا هو في جميع الأصول والروايات ولا تؤمنوا بحذف النون من آخره وهي لغة معروفة صحيحة اهـ. وقال بعضهم: حسن ذلك هنا لمشاكلة الفعل المنصوب قبله أي حتى تحابوا لكن قال الطيبي ونحن استقرأنا نسخ مسلم والحميدي وجامع الأصول وبعض نسخ المصابيح فوجدناها مثبتة بالنون على الظاهر ونازعه في المرقاة في ذلك بأن نسخ المصابيح المقروءة على المشايخ الكبار كابن الجزري والسيد أصيل الدين وجمال الدين المحدث وغيرها من النسخ الحاضرة كلها بحذف النون وكذا متن مسلم المصحح المقروء على جملة المشايخ منهم السيد نور الدين الأيجي قدس سره نعم في الحاشية نسخة بثبات النون وهو في تيسير الوصول إلى جامع الأصول بحذف النون بل قوله: لا تدخلوا محذوف النون أيضًا ولعل الوجه أن النهي في يراد به النفي كعكسه المشهور عند أهل العلم اهـ. والمراد من هذه الجملة

افْشُوا السلام بَيْنَكمْ". وروينا في "مسند الدارمي" وكتابي الترمذي وابن ماجه وغيرها بالأسانيد الجيدة عن عبد الله بن سلام رضي ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يكمل إيمان أحدكم ولا يصلح حاله إلا بالتحاب. قوله: (أفشوا السلام بينكم) هو بقطع همزة أفشوا وأصله أفشيوا فنقلت حركة الياء إلى الشين بعد سلبها حركتها ثم حذفت الياء أي أظهروه ففيه الحض العظيم على إفشاء السلام وبذله للمسلمين كلهم من عرفت ومن لم تعرف كما تقدم في الحديث السابق والسلام أول أسباب التآلف ومفتاح استجلاب المودة وفي إفشائه تمكين ألفة المسلمين بعضهم لبعض وإظهار شعارهم المميز لهم من غيرهم من أهل الملل مع ما فيه من رياضة النفس ولزوم التواضع وإعظام حرمات المسلمين وفيه أنه يتضمن رفع التقاطع والتهاجر والشحناء وفساد ذات البين التي هي الحالقة وأن يكون سلامه الله تعالى لا يتبع فيه هواه ويخص به من يعرفه أشار إليه المصنف في شرح مسلم. قوله: (وروينا في مسند الدارمي الخ) قال الحافظ: هذا حديث حسن أخرجه أحمد والطبراني والحاكم كل هؤلاء تنتهي أسانيدهم إلى عوف بن أبي جميلة الأعرابي الراوي له عن زرارة بن أوجه عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه فمدار الحديث على عوف فقول الشيخ بالأسانيد الجيدة يوهم أن للحديث طرقًا إلى الصحابي وليس كذلك قلت ويمكن على بعد أن مراده تعداد الأسانيد المنتهية إلى عوف وهي كذلك وقد أجاب الحافظ بمثل ذلك عن المصنف فيما تقدم من نظير ما نحن فيه مما تعدد فيه الطريق إلى الراوي الذي هو مدار الحديث مع اتحاد صحابي الحديث ثم إن الترمذي صحح هذا الحديث، قال الحافظ وفي تصحيحه له نظر فإن زرارة وإن كان ثقة لا يعرف له سماع من عبد الله بن سلام رضي الله عنه ثم قال فلعله أطلق الصحة لما للمتن من الشواهد يعني فيكون حسنًا لذاته صحيحًا لغيره وأما تصحيح الحاكم فلعله تبع الترمذي ومن شواهد المتن ما أخرجه البخاري في الأدب المفرد من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما مرفوعًا اعبدوا الرحمن وأفشوا السلام وأطعموا الطعام تدخلوا الجنان وسنده جيد اهـ. قوله: (عن عبد الله بن سلام رضي

الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يا أيها النّاسُ أفْشُوا السّلام، وأطْعِمُوا الطعامَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عنه) سلام بتخفيف اللام واسم والد سلام الحارث الإسرائيلي ثم الأنصاري هو من ولد يعقوب وكان اسمه في الجاهلية الحصن فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله توفي بالمدينة في خلافة معاوية سنة ثلاث وأربعين ودفن بها وأسلم أن قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وأول هذا الحديث عن عبد الله بن سلام قال لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة احتفل النّاس لرؤيته فقالوا: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرجت فيمن خرج انظر فلما رأيته عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب فأول شيء سمعته يقول: "يا أيها النّاس أفشوا السلام الخ" أخرجه كذلك من ذكرناه من أحمد والدارمي وغيرهما ممن ذكر المصنف بعضه والحافظ الباقي ونزل فيه قوله تعالى: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} كذا ورد واستشكل بأن ابن سلام أسلم بالمدينة والأحقاف مكية وأجيب بأنها مكية إلا هذه الآية وقال سعد بن أبي وقاص: ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لرجل يمشي على وجه الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام، قال الكرماني إن قلت المبشرون بالجنة عشرة فما وجهه قلت: لفظ ما سمعت لم ينف أصل الإخبار بالجنة لغيره والتخصيص بالعدد لا يدل على نفي الزائد أو المراد بالعشرة الذين جاء فيهم لفظ البشارة أو المبشرون في مجلس واحد أو لم يقل لأحد غيره حال مشيه على الأرض ولا بد عن هذا التأويل كيف والحسنان وأزواج الرسول بل أهل بدر ونحوهم من أهل الجنة اهـ، وكان ابن سلام من سادات اليهود معظمًا في الجاهلية والإسلام وشهد فتح بيت المقدس والجابية روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قيل: خمسة وعشرون حديثًا اتفقا منها على اثنين كذا قال القرطبي وقال في الرياض اتفقا على حديث

وَصِلوا الأرحامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نيامٌ، تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بِسلامٍ"، ـــــــــــــــــــــــــــــ واحد وانفرد البخاري بالثاني. قوله: (وصلوا الأرحام) الأمر فيه محمول على الوجوب قال القرطبي والرحم عبارة عن قرابات الإنسان من جهة طرفيه آبائه وإن علوا وأبنائه وإن نزلوا وما يتصل بالطرفين من الأعمام والعمات والأخوال والخالات والإخوة والأخوات وما يتصل بهم من أولادهم برحم جامعة وقطع الرحم كبيرة من غير خلاف والصلة درجات بعضها أرفع من بعض فأدناها ترك المهاجرة وأدنى صلتها بالسلام قال - صلى الله عليه وسلم -: "بلوا أرحامكم ولو بالسلام" وهذا بحسب القدرة عليها والحاجة إليها فمنها ما يتعين ويلزم ومنها ما يستحب ويرغب فيه وليس من لم يبلغ أقصى الصلات يسمى قاطعًا ولا من قصر عما ينبغي له ويقدر عليه يسمى واصلًا، قال القاضي عياض واختلفوا في الرحم التي تجب صلتها فقيل كل رحم محرم بحيث لو كان أحدهما ذكرًا والآخر أنثى حرمت مناكحتهما فعلى هذا لا يدخل أولاد الأعمام وأولاد الأخوال وقيل هو عام في كل رحم من ذوي الأرحام في الميراث يستوي فيه المحرم وغيره ويدل له قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أدناك ثم أدناك" اهـ. قال المصنف وهذا القول الثاني هو الصواب ومما يدل عليه الحديث في أهل مصر فإن لهم ذمة ورحمًا وحديث إن أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه مع أنه لا محرمية تم والله أعلم وتعقب القرطبي القول الثاني بأنه يلزم عليه أن الرحم التي لا يتوارث بها لا تجب صلتهم ولا يحرم قطعهم وهذا ليس بصحيح والصواب ما ذكرناه قبل هذا من التعميم والتقسيم اهـ. وما أشار إليه من التعميم سبق نقله عنه أول الكلام في هذا المقام والله أعلم. قوله: (وصلوا بالليل والناس نيام) فيه طلب قيام الليل وإحيائه بالصلاة وقد ورد فيه من الأحاديث النبوية من فعله وقوله - صلى الله عليه وسلم - ما يهيج الموفق ويبعثه على تحصيل ذلك ولا يخفى ما بين قوله وصلوا الأرحام وقوله وصلوا من الجناس المحرف. قوله: (تدخلوا الجنة بسلام) أي سالمين. أو مسلمًا عليكم من ربكم أو من الملائكة أو من بعضكم

قال الترمذي: حديث صحيح. وروينا في كتابي ابن ماجه وابن السني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: "أمَرَنا نبينا، - صلى الله عليه وسلم - أن نُفشي السلام". وروينا في "مَوطأ" الإِمام مالك رضي الله عنه عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أن الطفيل بن أُبي بن كعب أخبره أنه كان يأتي عبد الله بن عمر فيغدو معه إلى ـــــــــــــــــــــــــــــ على بعض وأولها أشرفها. قوله" (قال الترمذي حديث صحيح) تقدم ما في تصحيحه في كلام الحافظ. قوله: (وروينا في كتابي ابن ماجه وابن السني الخ) قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الطبراني: هذا حديث حسن أخرجه ابن ماجه ورجاله رجال الصحيح إلا إسماعيل بن عياش ففيه ضعف لكن روايته عن الشاميين جيدة وهذا منها وقد تابعه بقية بن الوليد ثم أخرجه الحافظ عنه من طريق الطبراني أيضًا وقال بعد تخريجه وأخرجه ابن السني من طريق كثير بن عبيد عن بقية وزاد فيه لأبي أمامة قال الحافظ في الطريق التي أورد بها حديث بقية وهذه طريق جيدة بتصريح بقية بالتحديث فيها فأمن تدليسه وهو أشد ما عيب به اهـ. قوله: (أمرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم -) هذا مرفوع اتفاقًا للنص فيه على اطلاعه - صلى الله عليه وسلم - ومحل الخلاف ما لم ينص فيه على اطلاعه - صلى الله عليه وسلم - وقيل: بجريان الخلاف فيه أيضًا وسبق تحقيق ذلك في أوائل الكتاب. قوله: (أن نفشي) بضم النون أي تظهر ونشهر (السلام) بأدائه على من لقينا عرفنا أو لم نعرف. قوله: (وروينا في موطأ الإِمام مالك) قال الحافظ هذا موقوف صحيح ثم خرجه الحافظ عن مالك وقال أخرجه البخاري في الأدب المفرد هكذا. قوله: (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) هو تابعي أخذ عن عمه أخي أبيه لأمه أنس بن مالك وأبوه عبد الله صحابي حنكه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجده أبو طلحة صحابي جليل أنصاري عظيم. قوله: (أن الطفيل) هو بضم الطاء المهملة وفتح الفاء وسكون التحتية تابعي أخذ عن عمر وعن أبيه وأبوه أبي بضم الهمز وفتح الموحدة ابن كعب الصحابي الجليل الأنصاري وقوله (أخبره) خبر أن والضمير المستتر المرفوع يعود إلى الطفيل والضمير البارز المنصوب يعود لإسحاق والمعنى أخبر الطفيل إسحاق بـ (أنه لما كان يأتي عبد الله الخ) فحذف الباء الموحدة وحذف الجار مع أن وأن قياس مطرد عند

السوق، قال: فإذا غدونا إلى السوق لم يمر عبد الله على سَقَّاطٍ، ولا صاحب بَيعة ولا مسكين ولا أحد إلا سلم عليه، قال الطفيل: فجئت عبد الله بن عمر يومًا، فاستتبعني إلى السوق، فقلت له: ما تصنع بالسوق وأنت لا تقف على البيع ولا تسأل عن السِّلَع ولا تسوم بها ولا تجلس في مجالس السوق؟ قال: وأقول: اجلس بنا ها هنا نتحدث، فقال لي ابن عمر: ـــــــــــــــــــــــــــــ أمن اللبس. قوله: (سقاط) بتشديد القاف وبالطاء المهملة آخره قال في النهاية هو الذي يبيع سقط المتاع وهو رديئه وحقيره. قوله: (ولا صاحب بيعة) أي نفيسة لقرينة مقابلته بالسقاط قال الطيبي وهو بفتح الموحدة الصفقة وبكسرها الحالة كالركبة والقعدة وقوله (إلا سلم عليه) الظاهر أن المسلم هو ابن عمر ويحتمل العكس كما في المرقاة. قوله: (فاستتبعني إلى السوق) أي طلبني أتبعه للسوق وطلب ابن عمر ذلك من ابن الطفيل ليرى إفشاءه للسلام على الخاص والعام فيقتدي به في هذا المقام فيحصل له ثواب الفعل ولابن عمر ثواب الدلالة والله أعلم. والسوق مؤنثة وقيل: يجوز تذكيرها وسميت بذلك لسوق البضائع إليها وقيل: لأن النّاس يقفون فيها على ساق وقيل لأن النّاس يضرب ساق بعضهم فيها ساق بعض من الازدحام وتعقب الأخيران باختلاف المادة فمادة السوق من ذوات الواو والساق من ذوات الهمز قيل: فالأول من الثلاثة المتعين. قوله: (ما تصنع بالسوق الخ) ما فيه استفهامية وجملة (وأنت لا تقف الخ) في محل الحال وكذا ما بعدها والسلع بكسر ففتح جمع سلعة والمذكور غالب ما يقصد من الأسواق وقد ظن الطفيل أن السوق مقصود للمطالب الدنيوية من البيع والسوم والتفرج على ما يحدث فيه وكل ذلك ليس مرادًا لعبد الله بن عمر فلا فائدة في ذهابه للسوق فأرشده عبد الله رضي الله عنه إلى أنه أيضًا يكون سوقًا لمتجر الآخرة وذلك بأن يفشي فيه السلام على الخاص والعام المأمور بإفشائه في حديث سيد الأنام - صلى الله عليه وسلم - وذلك يتيسر فيه لكثرة النّاس فيه والله أعلم، ثم لا منافاة بين قضية حديث ابن عمر وما سيأتي آخر الباب وهو ما في الروضة وغيرها من أن من كان بشارع أو سوق يطرق كثيرًا أو نحوه مما يكثر فيه المتلاقون

يا أبا بطن وكان الطفيل ذا بطن، إنما نغدو من أجل السلام نسلم على من لقيناه. وروينا في "صحيح البخاري" عنه ـــــــــــــــــــــــــــــ إنما يسلم على بعض النّاس دون بعض لأنه لو سلم على الجميع تعطل عن كل مهم وخرج به عن العرف اهـ. لأن حديث ابن عمر يمكن حمله على ذلك بأن يراد ولا أحد أي مما لا يؤدي السلام عليه إلى ذوات ما هو أهم منه وإلا فيعدل إلى ذلك كأمر بمعروف ونهي عن منكر أو يقال في الجمع إن مراد الفقهاء سقوط الطلب عن المكلف حينئذٍ فإذا أتى به الإنسان فلا منع منه لما فيه من الحرص على الخير وعليه يحمل ما جاء عن الصحابي والله أعلم. قوله: (يا أبا بطن) فيه أن ذكر بعض خلقة الإنسان إذا لم يتأذ بذكره ولم يقصد به الإهانة وإدخال العيب لا يكون محرمًا منهيا عنه وقوله (وكان الطفيل) في المشكاة قال وكان الطفيل بزيادة قال وهو محتمل أن يكون صدر هذا القول من الراوي عنه أو من الطفيل نفسه وقوله (ذا بطن) أي كبير لا أنه صاحب أكل كثير كما في يتوهم. قوله: (من أجل السلام) أي لنؤديه ونفشيه على من لقيناه. قوله: (لقيناه) هو بكسر القاف وسكون التحتية وبإثبات الضمير في نسخة وفي نسخة لقينا بفتح الياء واللقاء يحصل من الجانبين والظاهر أن المراد بالسلام أعم من ابتدائه وجوابه ففي كل منهما فضيلة كاملة. فائدة قال في المرقاة هذا الحديث يناسب ما اختاره السادة النقشبندية من حصول الخلوة في الأسواق وبين الجماعة، قلت قيل للخواجة بهاء الدين نقشبندي قدس سره كيف يعقل هذا فتلا قوله تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} اهـ. ثم قال في المرقاة ولعل وجهه من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ذاكر الله في الغافلين بمنزلة الصابر في الفارين" رواه البزار والطبراني في الأوسط كلاهما من حديث ابن مسعود والحديث الآتي فيما يقول: إذا دخل السوق من رواية أبي داود والترمذي والحاكم من حديث عمر مرفوعًا من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله الخ ولعل وجه الحكمة في ذلك أن الله ينظر إلى عباده نظر رحمة وعناية في كل آن فكل من غفل فاته وكل من شهد وحضر أدركه بل وأخذ من نصيب غيره ولعل هذا هو الباعث على الترغيب على الجماعة والجماعة ومجالس الذكر فإنه بمنزلة المائدة الجامعة لأنواع المشتهيات فكل من يكون

قال: وقال عمار رضي الله عنه: ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصافُ من نفسك، وبذلُ السلام ـــــــــــــــــــــــــــــ حاضرًا مشتاقًا يأخذ منها حظه ونصيبه والغائب أو الحاضر الغافل أو المريض المعدوم الاشتهاء يقعد محرومًا اهـ. قوله: (قال: قال عمار رضي الله عنه) فاعل قال الأول الإِمام البخاري وعمار هو ابن ياسر العنسي بالعين المهملة المفتوحة والنون الساكنة والسين المهملة ثم المذحجي القحطاني نسبًا المخزومي حلفًا وولاء المكي ثم المدني ثم الشامي ثم الدمشقي أحد السابقين الأولين المعذبين في الله أشد العذاب وكذا عذب أبوه وأمه سمية ومر بهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم يعذبون فقال: صبرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنة وكانت سمية أمه أول شهيدة في الإسلام، شهد عمار جميع المشاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان مخصوصًا منه بالبشارة والترحيب والبشاشة والتطييب وأخبر أنه أحد الأربعة الذين تشتاق إليهم الجنة وقال له: مرحبًا بالطيب المطيب وأخبر أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما وقال عمار: جلدة ما بين عيني وأنفي وقال: اهتدوا بهدي عمار وقال: من عادى عمارًا عاداه الله ومن أبغض عمارًا أبغضه الله وآخى - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين سعد بن أبي وقاص ولما أخبر - صلى الله عليه وسلم - أنه أكره على الكفر فكفر قال: كلا والله إن عمارًا مليء إيمانًا من قرنه إلى مشاشه ونزل فيه قوله تعالى: {إلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} ولاه عمر على الكوفة: وكتب إليهم أنه من النجباء الرفقاء فاعرفوا له قدره، روي له رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اثنان وستون حديثًا اتفقا منها على واحد وانفرد البخاري بثلاثة ومسلم بواحد وأخرج عنه أصحاب السنن وغيرهم قتله رضي الله عنه بصفين سنة سبع وثلاثين عن ثلاث وخمسين سنة قال قبل أن يقتل ائتوني بشربة لبن فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "آخر شربة تشربها شربة لبن" كذا نقل من الرياض للعامري باختصار. قوله: (ثلاث من جمعهن) قال الحافظ في فتح الباري أي ثلاث خصال وثلاث مبتدأ والجملة خبر وجاز الابتداء بالنكرة لأن التنوين عوض عن المضاف إليه أي المقدر بخصال ويحتمل في إعرابه غير ذلك ولعل مما يحتمله أن يكون ثلاث وصفًا للمبتدأ أي خصال ثلاث أو يكون ثلاث موصوفًا بمحذوف أي ثلاث من الخصال من جمعهن الخ (فقد جمع الإيمان) في الفتح لفظ شعبة من كن فيه استكمل الإيمان قال وهو بالمعنى

للعالمِ، والإنفاقُ من الإقتار. وروينا هذا في غير البخاري مرفوعًا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قلت: قد جمع في هذه الكلمات الثلاث خيرات الآخرة والدنيا، فإن الإنصاف يقتضي أن يؤدّي إلى الله تعالى جميع حقوقه وما أمره به، ويجتنب جميع ما نهاه عنه، وأن يؤدِّي للناس حقوقهم، ولا يطلب ما ليس له، وأن ـــــــــــــــــــــــــــــ وهكذا روينا في جامع معمر عن أبي إسحاق وكذا حدث به عبد الرزاق في مصنفه عن معمر. قوله: (للعالم) بفتح اللام به هنا جميع النّاس قال ابن العز الحجازي فهو عام أريد به خاص. قوله: (من الإقتار) أي القلة. قوله: (وروينا هذا) الحديث الموقوف على عمار (في غير البخاري مرفوعًا) قال الحافظ في الفتح حدث به عبد الرزاق عن معمر موقوفًا على عمار وحدث به بأخرة فرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا أخرجه البزار في مسنده وابن أبي حاتم في العلل كلاهما عن الحسن بن عبد الله الكوفي وكذا رواه البغوي في شرح السنة من طريق محمد بن كعب الواسطي وكذا أخرجه ابن الأعرابي في معجمه عن محمد بن الصباغ الصغاني ثلاثتهم عن عبد الرزاق مرفوعًا واستغربه البزار وقال أبو زرعة هو خطأ قلت وهو معلوم من حيث صناعة الإسناد لأن عبد الرزاق تغير بأخرة وسماع هؤلاء حال تغيره إلا أن مثله لا يقال من قبل الرأي فهو في حكم المرفوع وقد رويناه موقوفًا من وجه آخر عن عمار أخرجه الطبراني في الكبير وفي إسناده ضعف وله شواهد أخر بينتها في تعليق التعليق اهـ. قال الحافظ في التخريج له وقد ذكرت في تعليق التعليق أن بعضهم رواه عن عبد الرزاق متابعًا للحسن يعني ابن عبد الله إمام مسجد العوام بواسط الراوي للحديث عن عبد الرزاق مرفوعًا ولا يثبت أيضًا وروايته من وجه آخر في الحلية لأبي نعيم من طريق أبي أمامة الباهلي عن عمار مرفوعًا وسنده ضعيف اهـ. قوله: (قلت الخ) نقل الحافظ نحو هذا الكلام عن الشيخِ أبي الزناد بن السراج وغيره قال الحافظ بعد نقله وهذا التقدير يقوي أيضًا أن يكون الحديث مرفوعًا لأنه يشبه أن يكون من كلام من أوتي جوامع الكلم والله أعلم. قوله: (فإن الإنصاف الخ) قال الحافظ نقلًا عمن ذكر وهذا مجمع أركان الإيمان.

باب كيفية السلام

ينصف أيضًا نفسه فلا يوقعها في قبيح أصلًا. وأما بذلُ السلام للعالم، فمعناه لجميع النّاس، فيتضمن أن لا يتكبر على أحد، وأن لا يكون بينه وبين أحد جفاء يمتنع بسببه من السلام عليه بسببه. وأما الإنفاق من الإقتار، فيقتضي كمال الوثوق بالله تعالى والتوكل عليه والشفقة على المسلمين، إلى غير ذلك، نسأل الله تعالى الكريم التوفيق لجميعه. باب كيفية السلام اعلم أن الأفضل أن يقول المسلم: السّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (وأما بذل السلام الخ) أي مع ما ينضم إلى ذلك من التآلف والتحاب فهو متضمن لمكارم الأخلاق من التواضع وعدم الاحتقار والتآلف والتحاب. قوله: (وأما الإنفاق) أي الشامل للواجب من نفقة الزوجة والمملوك والأصل والفرع بشرطه والمندوب من إقراء الضيف والمواساة والإيثار مع الصبر عند الفاقة والاضطرار (فذلك مع الافتقار يقتضي كمال الوثوق بالله تعالى الخ) أي ويقتضي كمال الكرم قال الشاعر: ليس العطاء من الفضول سماحة ... حتى تجود وما لديك قليل باب كيفية السلام قوله: (الأفضل أن يقول المسلم الخ) أي يقول المبتدئ بالسلام (السلام عليكم الخ) بتعريف السلام كما هو الأفضل وزيادة ورحمة الله وبركاته كما هو الأكمل قال ابن القيم في بدائع الفوائد والحكمة في اقتران الرحمة والبركة بالسلام هو أن الإنسان لا سبيل له إلى الانتفاع بالحياة إلا بسلامته من الشر ومن كل ما بين حياته وعيشه وبحصول الخير له وبدوامه فبهذه الثلاث يكمل انتفاعه بالحياة فشرعت التحية متضمنة لذلك فقوله: السلام عليكم يتضمن السلامة من الشر ورحمة الله تتضمن حصول الخير وبركاته تتضمن دوام ذلك وثباته إذ البركة كثرة الخير واستمراره، ولما كانت هذه الثلاثة مطلوبة لكل أحد وهي تتضمن لكل مطالبه وكل المطالب دونها وسائل لها وأسباب لتحصيلها جاء لفظ التحية دالًا عليها بالمطابقة تارة

وبَرَكاتُهُ، فيأتي بضمير الجمع وإن كان المسلَّم عليه واحدًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو كمالها وبالتضمن أخرى إذا ذكر السلام والرحمة فإنهما يتضمنان البركة وباللزوم أخرى إذا اقتصر على السلام وحده فإنه يستلزم حصول الخير وثباته إذ لو عدم لم تحصل السلامة المطلقة فهي مستلزمة لحصول الرحمة، وبه يعلم فضل هذه التحية على سائر تحيات الأمم ولذا اختارها الله تعالى لعباده المؤمنين وجعلها تحيتهم بينهم في الدنيا وفي دار السلام وبه يعرف وجه كمال ذلك بذكر البركات إذ قد استوعبت هذه الألفاظ الثلاثة جميع المطالب من دفع الشر وحصول الخير وثباته وكثرته ودوامه فلا معنى للزيادة عليها، لذا جاء في الأثر المعروف انتهاء السلام إلى وبركاته قال والحكمة في إضافة الرحمة والبركة دون السلام أن السلام لما كان من أسمائه تعالى -أي على أحد ما قيل كما تقدم- استغنى بذكره مطلقًا عن الإضافة ولو لم يضافا لم يعلم رحمة من ولا بركة من تطلب إذ لو قيل ورحمة وبركة لم يكن في اللفظ إشعار بالراحم المبارك المطلوب ذلك منه وأيضًا فالسلام من مجرد السلامة المبعدة عن الشر وأما الرحمة والبركة فتحصيل الخير وإدامته وتثبيته وهذا أكمل فإنه المقصود لذاته والأول وسيلة له فأضيف إليه تعالى أكمل المعنيين وأتمهما لفظًا وأطلق الآخر وأفرد السلام لكونه مصدرًا محضًا فهو شيء واحد فلا معنى لجمعه أو لكونه من أسمائه تعالى فيستحيل جمعه أيضًا وأفردت الرحمة أيضًا لكونها مصدرًا بمعنى التعطف والحنان ولا يجمع أيضًا والتاء فيها ليست للتحديد كتاء ضربة بل هي فيها كتاء خلة ومحبة وإفراده ليشعر بالمسمى مطلقًا من غير تحديد وجمعه يشر بالتحديد والتقييد بعود فالإفراد هنا أكثر وأكمل معنى من الجمع وهذا بديع جدًّا أن يكون مدلول المفرد أكثر من مدلول الجمع ولذا كان قوله تعالى {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} أبلغ وأتم من أن يقال الحجج البوالغ وجمعت البركة لأن لفظ الجمع أولى بها على الدوام شيئًا فشيئا ولفظ الجمع أولى لدلالته على المعنى المقصود بها ولذا جاءت كذلك في القرآن وفي التشهد اهـ، بتلخيص والله أعلم. قوله: (فيأتي بضمير الجمع وإن كان المسلم عليه واحدًا) وإتيانه بضمير الجمع حينئذٍ بقصد الملائكة الذين معه ولو أفرد

ويقول المجيب: وَعَلَيْكُمُ السلامُ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكاتُهُ، ويأتي بواو العطف في قوله: "وعليكم". وممن نص على أن الأفضل في المبتدئ أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الإِمام أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي في كتابه "الحاوي" في كتاب السير، والإمام أبو سعد المتولي من أصحابنا في كتاب صلاة الجمعة وغيرهما. ـــــــــــــــــــــــــــــ جاز كما يأتي أما الإفراد للجماعة فلا يكفي إذا أرادهم به. قوله: (وأن يقول المجيب وعليكم السلام الخ) أي بالواو أوله وميم الجمع آخره وإن كان المخاطب واحدًا على وزان ما سبق في الابتداء وزيادة ورحمة الله وبركاته آخره. قوله: (ويأتي بواو العطف في قوله وعليكم) أي استحبابًا وإلا فلو تركها وقال عليكم السلام كفي وكان خلاف الأفضل وقدم المبتدأ في جانب المسلم وعكس في جانب المراد للفرق بين الرد والابتداء وخص المبتديء بتقديم السلام لأنه هو المقصود فخصوا المراد بتقديم الخبر ولأن سلام المراد يجري مجرى الجواب ولذا اكتفى فيه بالكلمة المفردة الدالة على أختها فلو قال: وعليك لكان متضمنًا للرد ولذا اكتفى به بعض أصحابنا كما حكاه عنه الشيخ فيما يأتي، وإنما أعيد لفظ المسلم بعينه تحقيقًا للماثلة ودفعًا لتوهم المسلم عدم رد تحيته عليه لاحتمال أن يرد عليه شيء آخر والحاصل أن الجواب يكفي فيه قوله: وعليك وإنما كمل قطعًا للتوهم وتكميلًا للعدل وأيضًا فإن المسلم لما تضمن سلامه الدعاء للمسلم عليه بوقوع السلامة وحلولها عليه وكان الرد من المراد متضمنًا لطلب أن يحل عليه من ذلك مثل ما طلبه له كما إذا قال غفر الله لك فإنك تقول ولك فغفر ويكون هذا أحسن من قولك وغفر لك ومثله نظائره لأن تجريد القصد إلى مشاركة المدعو به للداعي في ذلك الدعاء مثل دعائه وكأنه قال: ولك أيضًا أي أنت مشارك لي في ذلك مماثل لا أنفرد به عنك ولا أختص به دونك ولا ريب أن هذا المعنى يستدعي تقديم المشارك المساوي كذا لخص من كتاب بدابع الفوائد لابن القيم. قوله: (الإِمام أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي) قال بعض المحققين: يقع للمصنف مثل هذه العبارة كثيرًا في الروضة وغيرها وهي مشكلة فإنه صرح في المجموع بأنه يحرم التسمية بشاهان شاه ومعناه ملك الأملاك

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبملك الملوك قال الأذرعي وذكر بعضهم وأظنه القاضي أبا الطيب أن في معنى ذلك أو قال: يقرب من ذلك قاضي القضاة وأفظع منه حاكم الحكام اهـ. وظاهره حرمة هذين قياسًا على ما قبلهما وعليه فأقضى القضاة أولى من قاضي القضاة لكن الإجماع الفعلي سيما من مثل المصنف يدل على الجواز إلا أن يجاب بأن ذلك لا دليل فيه ألا ترى إلى إجماعهم على النطق بأبي القاسم حتى من مثل المصنف المرجح لحرمة التكني به مطلقًا وكان عذرهم الاشتهار بهذه التكنية أو نحوه والمحرم إنما هو وضعها ابتداء لا النطق بها بعد ذلك للاشتهار بها كما مر وبه يعتذر عن نطق المصنف هنا بما ذكر وعلى القول بالجواز فقد يفرق بأن في ملك الأملاك من ظهور الشمول الله تعالى ما ليس في قاضي القضاة، وحاكم الحكام يتردد النظر فيه ولحوقه بملك الملوك أظهر قال ثم رأيت ما يصرح بجوازهما وذلك لأن أقضى القضاة أول من لقب به الماوردي فاعترض عليه بعض أهل عصره بأن هذه اللفظة تشبه أحكم الحاكمين فيدخل فيه الباري سبحانه وتعالى وكذا قاضي القضاة لأنه سبحانه وتعالى وصف نفسه بالقضاء في غير آية نحو {يَقْضِي بِالْحَقِّ} وفي دعائه - صلى الله عليه وسلم -: "يا قاضي الأمور" ويدخل فيه أيضًا كل قاض تقدم من الأنبياء وغيرهم فلم يلتفت الماوردي إلى هذا الإنكار بل استمر على التلقيب به وأجاب هو والمحققون من علماء عصره بأن مثل هذا اللفظ إذا أطلق إنما ينصرف عرفًا إلى أهل عالمه وزمانه فقط واستدل ابن المنير المالكي لجوازه بما فيه نظر وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - أطلق على أقضى القضاة في قوله: أقضاكم عليّ وأما قاضي القضاة فأول من لقب به أبو يوسف صاحب أبي حنيفة رضي الله عنهما وكانت الأئمة متوفرين في عصره ولم ينكر أحد منهم ذلك وإنما توقف فيه بعض المتأخرين بما ذكر، والحاصل أن العرف خصص هذين بإطلاقهما على أعدل القضاة وأعلمهم بالنسبة لأهل زمنه في بلده أو إقليمه وقد أنكروا على من أراد التلقيب بشاهان شاه وأفتى الماوردي بتحريمه لصحة الحديث بالمنع منه وكان من أكبر أصدقاء الملك فشكره الملك على ذلك وقال له: أنا أعلم لو حابيت أحدًا في الحق لحابيتني وعارضه الحساد بأنه تلقب بأقضى القضاة وهو نظير ما منع منه فلم يلتفت إلى معارضتهم اهـ، وسيأتي في كتاب الأسماء عن شيخ الإسلام زكريا في شرح البخاري في الكلام على قوله - صلى الله عليه وسلم - شاهان شاه جواز أقضى القضاة. قوله:

ودليله ما رويناه في مسند الدارمي وسنن أبي داود والترمذي عن عمران بن الحصن رضي الله عنهما قال: "جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: السلام عليكم، فرد عليه ثم جلس، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - عَشْرٌ، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه ثم جلس، فقال: عِشْرونَ، ثم جاء آخر فقال: اللام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه فجلس، فقال: ثلاثُون" ـــــــــــــــــــــــــــــ (ودليله ما رويناه في مسند الدارمي الخ) قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث حسن غريب أخرجه أحمد متصلًا مرفوعًا عمرة وأخرجه أيضًا عن هوذة بن خليفة عن عوف الأعرابي عن أبي رجاء وهو العطاردي فلم يذكر غمران بن الحصن، قال وهكذا رواه غير هوذة عن عوف مرسلًا قال الحافظ: والذي وصله عن عوف وهو جعفر بن سليمان مرفوعًا من رجال مسلم وفيه ضعف يسير، قال الحافظ: أخرجه النسائي، قال الحافظ: ووجدت للحديث شاهدًا جيدًا من حديث أبي هريرة قال: إن رجلًا مر على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في مجلس فقال: السلام عليكم فقال: "عشر حسنات" قال ثم مر رجل آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله فقال: "عشرون حسنة" قال فمر رجل آخر فقال: السلام عليكم ورحمته وبركاته فقال: "ثلاثون حسنة" هكذا بلغني عن عبد العزيز بن عبد الله بن جعفر بن أبي كثير عن يعقوب بن زيد التيمي عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أخرجه البخاري في الأدب المفرد ورواته من شرط الصحيح إلا يعقوب بن قلد التيمي وهو صدوق وقال: أخرج النسائي في الكبرى من طريق إبراهيم بن طهمان عن يعقوب بن زيد حديثًا آخر في السلام بسند حديث أبي هريرة هذا وذكر في سنده اختلافًا على سعيد المقبري اهـ. قوله: (السلام عليكم) ضمير الجمع يحتمل أن يكون تعظيمًا له - صلى الله عليه وسلم - وأن يكون له ولمن كان معه من أصحابه قال في المرقاة ومع وجود هذا الاحتمال لا يصلح للاستدلال بأن يقال: الأفضل أن يؤتى بضمير الجمع وإن كان المسلم عليه واحدًا. قوله: (فرد عليه) أي بمثله أو بأحسن منه (فقال عشر الخ) أي له أو المكتوب أو كتب أو حصل له عشر حسنات واقتصر العاقولي على إعرابه فاعلًا فقال: أي

قال الترمذي: حديث حسن. ـــــــــــــــــــــــــــــ حصل له عشر حسنات قال فذهب إلى أن كل واحدة من قوله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حسنة مستقلة فإذا أتى المراد بواحدة منها حصل له عشر حسنات وإن قالها كلها حصل له ثلاثون حسنة وعلى هذا فالأفضل أن يؤتى في السلام والرد بأفضله فيقول: وعليكم السلام ورحمة وبركاته فيأتي بواو العطف في قوله: وعليكم اهـ. قوله: (قال الترمذي حديث حسن) زاد في السنن غريب من هذا الوجه من حديث عمران بن حصين وكذا قال الحافظ: حديث حسن غريب قال الحافظ بعد تخريج حديث عمران المذكور وقال الترمذي في الباب عن علي وسهل بن حنيف وأبي سعيد قال الحافظ: وفيه أيضًا عن أبي هريرة ومالك بن التيهان وابن عمر ومعاذ بن أنس وهو الجهني وغيرهم وعنى بقوله: وغيرهم ابن عباس وسلمان الفارسي وعائشة قال: فحديث علي أخرجه البزار وفي سنده مختار بن نافع وقد ضعفوه ولفظه: دخلت المسجد فقلت: السلام عليكم فقال: وعليكم السلام عشر لي وعشر لك الحديث وحديث سهل بن سعد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قال: السلام عليكم كتبت له عشر حسنات ومن قال: السلام عليكم ورحمة الله كتبت له عشرون حسنة ومن قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كتبت له ثلاثون حسنة" قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث غريب وسنده منكر والمعروف رواية محمد بن جعفر ابن أبي كثير عن يعقوب بن زيد كما تقدم قريبًا من حديث أبي هريرة ومحمد بن جعفر من رجال الصحيحين بخلاف موسى بن عبيدة فإنه متفق على ضعفه من قبل حفظه مع صلاحه وصدقه، قلت: موسى المذكور هو الراوي للحديث عنه عن سهل، قال: وقد رواه يعني موسى بسند آخر فأخرج حديث سهل أبو يعلى في مسنده الكبير عن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه الطبراني من رواية أبي بكر وعثمان بن أبي شيبة كلاهما عن أبي أسامة وأخرجه الطبراني أيضًا من رواية الحسن بن علي الحلواني عن أبي أسامة عن موسى عن أيوب بن خالد عن مالك بن التيهان رضي الله عنه أنه جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: السلام عليكم فذكر نحو حديث أبي هريرة وهذا يمكن أن يفسر به من لم يسم في حديث

وفي رواية لأبي داود من رواية معاذ بن أنس رضي الله عنه زيادة على هذا، قال: "ثم أتى آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته، فقال: أربعون، وقال: هَكَذا تَكُونُ الفَضَائِلُ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي هريرة، وحديث معاذ بن أنس الجهني هو ما أشار إليه الشيخ بقوله وفي رواية لأبي داود الخ وسيأتي بيان حال سنده وفيه ومغفرته زيادة على غيره من الأحاديث وكذا في حديث أنس الآتي عند ابن السني وحديث ابن عمر أخرجه الطبراني في الأوسط عنه عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: السلام عليكم فقال: "عشر" الحديث ورجاله رجال الصحيح إلا أبا هارون العبدي فقد ضعفوه وقد رواه مرة أخرى فقال عن أبي سعيد بدل ابن عمر وهي العبادة انتهى كلام الحافظ بتلخيص، وحديث عائشة سيأتي في الكلام على حديث أنس عند ابن السني في هذا الباب وحديث سلمان أخرجه أحمد في الزهد ولم يخرجه في المسند لضعف هشام بن لاحق عنده وقد وثقه غيره وهو عن سلمان قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: السلام عليك يا رسول الله فقال: "السلام عليك ورحمة الله" ثم جاء آخر فقال: السلام عليك ورحمة الله فقال: "السلام عليك ورحمة الله وبركاته" ثم جاء آخر فقال: السلام عليك ورحمة الله وبركاته فقال: "وعليك" فقال: يا رسول الله حييت هذين بأفضل مما حييتني به، فقال: "إنك لن تدع شيئًا فرددنا عليك مثلها وشاهد هذا الحديث حديث ابن عباس قال: جاء ثلاثة نفر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أحدهم: سلام عليكم فرد عليه - صلى الله عليه وسلم -: "عليكم ورحمة الله" فجاء الثاني فقال: سلام عليكم ورحمة الله فرد عليه - صلى الله عليه وسلم - فقال: "سلام عليكم ورحمته وبركاته" فجاء الثالث فقال: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقال - صلى الله عليه وسلم -: "وعليك"، وأبو الفتى الثالث جالس مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله زدت فلانًا ولم تزد ابني شيئًا فقال: "ما وجدنا له مزيدًا فرددنا عليه كما قال". قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الطبراني لا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد اهـ. قوله: (وفي رواية لأبي داود من رواية معاذ بن أنس الجهني) قلت: لفظ حديثه كحديث عمران بن حصين كما في السلاح وقد أخرج الحافظ حديث معاذ وساق لفظه وهو أن رجلًا

وروينا في كتاب ابن السني بإسناد ضعيف عن أنس رضي الله عنه قال: "كان رجل يمر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - يرعى دواب أصحابه فيقول: السلام عليك يا رسول الله، فيقول له النبي - صلى الله عليه وسلم -: وعَلَيْكَ السلامُ وَرَحْمَةُ الله وبَرَكاتُهُ وَمَغْفِرَتُهُ وَرِضْوانُهُ، فقيل: يا رسول الله تسلم على هذا سلامًا ما تسلمه على أحد من أصحابك؟ قال: وما يَمْنَعُني مِنْ ذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أتى إلى مجلس فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: السلام عليكم فرد عليه وقال: "عشر حسنات" ثم جاء رجل آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله فرد عليه وقال: "عشرون" ثم جاء رجل آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقال: "ثلاثون حسنة" وجاء آخر فقال: ومغفرته فقال: "أربعون حسنة" ثم قال: هكذا تكون الفضائل قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث غريب أخرجه أبو داود ولم يسق من لفظه إلا ما ذكره الشيخ بل أحال به على لفظ حديث عمران اهـ. وكأن هذا الخبر لضعفه لم يقل الأصحاب بقضيته من زيادة ومغفرته في أكمل السلام بل جعلوا أكمله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وحكمة الاقتصار على وبركاته تقدمت في كلام ابن القيم وسيأتي مزيد من هذا المقام إن شاء الله تعالى. قوله: (وروينا في كتاب ابن السني بإسناد ضعيف) قال الحافظ: أخرجه ابن السني من رواية بقية بن الوليد عن يوسف بن أبي كثير عن نوح بن ذكوان عن الحسن عن أنس، وابن أبي كثير وشيخه نسب كل منهما إلى أنه كان يضع الحديث وبقية وإن كان عيب عليه التدليس وصرح بالتحديث في هذا السند فإنه كان يغلب عليه كثرة الرواية عن الضعفاء والمجهولين، وقد ورد ما يعارض هذا وهو حديث عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك السلام " فقلت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته فذهبت تزيد، فقال لها - صلى الله عليه وسلم -: "إلى هنا انتهى السلام" يعني وتلا ورحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت، قال الحافظ: هذا حديث حسن غريب جدًّا في أخرج لرواته في الصحيح إلا أن ابن المسيب لم يسمع من عائشة وسيأتي حديثها بدون هذه الزيادة في باب حكم السلام وجاء عن ابن عباس موقوفًا عليه أخرجه البيهقي في الشعب

وهو يَنْصَرِفُ بأجر بضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا؟ ". قال أصحابنا: فإن قال المبتدئ: السلام عليكم، حصل السلام، وإن قال: السلام عليك، أو سلام عليك، حصل ـــــــــــــــــــــــــــــ من طريق محمد بن عمرو بن عطاء قال: بينما أنا جالس عند ابن عباس إذ جاء سائل فقال: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه ومضى في هذا، فقال ابن عباس: ما هذا السلام وغضب غضبًا شديدًا فقال له ابنه: إن هذا من السؤال، فقال ابن عباس: إن الله عزَّ وجلَّ جعل للسلام حدًّا ثم قرأ: رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت، قال الحافظ وسنده إلى ابن عباس صحيح وله طريق أخرى صحيحة عن ابن عباس أخرجها ابن وهب في جامعه عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح أنه سلم على ابن عباس فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته، قال ابن عباس: من هذا؟ قال: فقلت: أنا عطاء، فقال: انتهى السلام إلى وبركاته وتلا الآية وأخرج ابن وهب أيضًا بسند صحيح عن ابن عمر أن رجلًا سلم عليه فزاد ومغفرته فانتهره ابن عمر وقال: حسبك إلى وبركاته، وجاءت مراسيل بمعنى ذلك فمنها عن عمرو بن الوليد أحد الثقات التابعين من أهل مصر ومنها عن الحسن البصري كلاهما نحو حديث ابن عمر ومنها عن مسلم بن أبي مريم وهو أحد ثقات التابعين كحديث عمران وزاد في آخره فقال رجل: ألا أقوم يا رسول الله ثم أعود فيكثر لي الأجر؟ فقال: "بلى" فقام فجال شيئًا ثم أقبل فقال: سلام عليكم فرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: "ما أسرع ما نسي صاحبكم" وسنده صحيح. قوله: (وهو ينصرف بأجر بضعة عشر رجلًا) أي عدد أصحابه الذين يقوم بخدمتهم فيعينهم على القيام بالطاعة ففيه فضل الإعانة بالخدمة وقد الحديث المشهور في السفر الذي كان فيه بعض الصحابة صيامًا وبعضهم مفطرًا فخدم المفطرون ونام الصائمون فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ذهب اليوم المفطرون بالأجر". قوله: (وإن قال المبتدئ السلام عليكم حصل السلام) أي بأفضل صيغة من حيث التعريف والإتيان بميم الجمع وإن فوت كماله من زيادة ورحمة الله وبركاته. قوله: (السلام عليك) أي بحذف ميم الجمع (أو سلام عليك) أي بحذف أل من سلام وميم الجمع من عليكم (كفى) لكن محله إن كان المسلم عليه واحدًا وإلا فلا يكفي كما تقدمت الإشارة إليه.

أيضًا. وأما الجواب فأقله: وعليك السلام، أو وعليكم السلام، فإن حذف الواو فقال: عليكم السلام أجزأه ذلك وكان جوابًا، هذا هو المذهب الصحيح المشهور الذي نص عليه إمامنا الشافعي رحمه الله في "الأم"، وقاله جمهور أصحابنا. وجزم أبو سعد المتولي من أصحابنا في كتابه "التتمة" بأنه لا يجزئه ولا يكون جوابًا، وهذا ضعيف أو غلط، وهو مخالف للكتاب والسنة ونص إمامنا الشافعي. أما الكتاب، فقال الله تعالى: {قَالُوا سَلَامًا قَال سَلَامٌ} [هود: 69] وهذا وإن كان شرعًا لمن قبلنا، فقد جاء شرعنا بتقريره. وهو حديث أبي هريرة الذي قدمناه في جواب الملائكة آدم - صلى الله عليه وسلم - فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا "أن الله تعالى قال: هي تحيتك وتحية ذريتك" وهذه الأمة داخلة في ذريته، والله أعلم. واتفق أصحابنا على أنه لو قال في الجواب: عليكم، لم يكن جوابًا، فلو قال: وعليكم بالواو، فهل يكون جوابًا؟ فيه وجهان لأصحابنا ولو قال المبتدئ: سلام عليكم، أو قال: السلام عليكم، فللمجيب أن يقول في الصورتين: سلام عليكم، وله أن يقول: السلام عليكم، قال الله تعالى: {قَالُوا سَلَامًا قَال سَلَامٌ} [هود: 69] قال الإِمام أبو الحسن الواحدي من أصحابنا: ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (واتفق أصحابنا أنه لو قال عليكم لم يكن جوابًا) قال ابن المزجد في التجريد ظاهر الآية والحديث أنه يكفي في السلام ورده أن يقول: سلام ويكون الخبر محذوفًا تقديره سلام عليكم كذا في الجواهر والمعروف أنه لا يكفي جوابًا إن لم يزد الواو وكذا إن زادها فقال: وعليكم في الأصح عند الإِمام وعلله كما في الروضة بأنه ليس فيه تعرض للسلام قال في الروضة ومنهم من جعله جوابًا للعطف وقياسه أنه لا يتأدى به السنة فيما سبق من سلامه، ثم قول المصنف (وأما الجواب فأقله السلام عليك الخ) ظاهره الاكتفاء بما ذكر وإن أتى المسلم بلفظ الرحمة والبركة وظاهر كلام

أنت في تعريف السلام وتنكيره بالخيار، قلت: ولكن الألف واللام أولى. ـــــــــــــــــــــــــــــ الروياني أنه يجب رد مثل الابتداء مطلقًا نقله في التجريد. قوله: (أنت في تعريف السلام وتنكيره بالخيار) أي سواء في ذلك الابتداء والجواب وفي التجريد للمزجد يجوز للمجيب أن ينكر السلام فيقول: عليكم أو عليك سلام سواء عرف المبتدئ سلامه أم لا والأولى التعريف فيهما وإذا نكر فلا فرق بينهما بين أن ينونا أو لا اهـ. قوله: (لكن الألف والسلام أفضل) قال العاقولي: الفرق بين المنكر والمعرف أن المعرف لا بد له من معهود خارجي أو ذهني فإن ذهبت إلى الأول كان المراد بالسلام السلام الذي سلمه آدم - عليه السلام - على الملائكة وإن ذهبت إلى الثاني كان المراد جنس السلام الذي يعرفه كل أحد من المسلمين أنه ما هو فيكون تعريضًا بأن ضده لغيرهم من الكفار الأشرار. اهـ. وفي بدائع الفوائد لابن القيم بعد ذكر فوائد التعريف بأل: قول المراد وعليك السلام بالتعريف متضمن للدلالة على أن مقصوده من الرد مثل ما ابتدأ به وهو بعينه فكأنه قال ذلك السلام الذي طلبته لي مردود عليك وواقع عليك وهذا المعنى لا يحصل بالمنكر لأن المعرف وإن تعدد ذكره واتحد لفظه فهو شيء واحد بخلاف المنكر ومن هنا يتبين معنى حديث لن يغلب عسر يسرين وقد تعريف السلام في الرد فائدة ثانية هي أن مقام الرد ثلاثة مقام فضل ومقام عدل ومقام ظلم فالفضل أن يرد عليه أحسن من تحيته والعدل أن يرد عليه نظيرها والظلم أن يبخسه حقه وينقصه منها فاختير للراد أجمل اللفظين وهو المعرف بالأداة التي تكون للاستغراق والعموم كثيرًا ليتمكن من الإتيان بمقام الفضل وفائدة ثالثة هي أنه هو المناسب في حق المراد تقديم المسلم عليه على السلام فلو نكره وقال: عليك سلام لصار بمنزلة قولك عليك دين وفي الدار رجل فخرج مخرج الخبر المحض وإذا صار خبرًا بطل معنى التحية لأن معناها الدعاء والطلب فليس بمسلم من قال: عليك سلام إنما المسلم من قال: سلام عليك فعرف سلام المراد باللام إشعارًا بالدعاء للمخاطب وأنه راد عليه التحية طالب له السلامة من اسم السلام اهـ. وكلامه في حكمة التعريف في الرد وكلام العاقولي في حكمة التعريف مطلقًا وقول ابن القيم ليس بمسلم من قال: عليك سلام محله عندنا ما لم يقصد به الرد وإلا كفى

فصل

فصل: روينا في "صحيح البخاري" عن أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا حتى تُفهم عنه، وإذا أتى على قوم فسلَّم عليهم سلَّم عليهم ثلاثًا". قلت: هذا الحديث محمول على ما إذا كان الجمع كثيرًا، وسيأتي بيان هذه المسألة وكلام الماوردي صاحب "الحاوي" فيها إن شاء الله تعالى. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك لما ذكر من التخيير بين تعريف السلام وتنكيره ردًّا وجوابًا والله أعلم. فصل قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) وكذا أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن المثنى يعني عن ثمامة عن أنس وأخرجه الترمذي أيضًا من رواية مسلم بن قتيبة عن عبد الله بن المثنى مقتصرًا على القضية الأولى وزاد ليعقل عنه وكذا أخرجه الحاكم من طريق محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري عن أبيه قاله الحافظ. قوله: (إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا) المراد بالكلمة هنا ما يشمل الجملة والجمل مما لا يتبين لفظه أو معناه إلا بإعادته فكان يعيدها لذلك أو إن ذلك محمول على ما إذا عرض للسامعين ما خلط عليهم فيعيده لهم ليفهموه أو على ما إذا كثروا ولم يستيقن سماع جميعهم فيعيد ليسمع الكل وقد علل الإعادة في حديث البخاري في كتاب العلم بقوله: ليفهم عنه أو قال: ليفهم مبنيًّا للمعروف، ونحوه ما علله في الترمذي بقوله: ليعقل عنه أي فصل ذلك لكمال شفقته على أمته ورحمته لهم فيعيد لهم حتى يعقلوا مراده قال الشيخ زكريا في تحفة القارئ و"أعاد" مضمن معنى "قال" أي أعادها قائلًا ثلاثًا إذ لو بقي على معناه لزم قول تلك الكلمة أربع مرات فإن الإعادة ثلاثًا إنما تتحقق به إذ المرة الأولى لا إعادة فيها وفيه دليل على أنه يندب للمعلم أن يعيد ما يحتاج إلى الإعادة كي يفهم عنه قال القارئ في شرح الشمائل وفي الاقتصار على الثلاث إشعار بأن مراتب الفهم كذلك أعلى وأدنى وأوسط وأن من لم يفهم في الثلاث لا يفهم ولو زيد عليه مرات اهـ. قوله: (وإذا أتى على قوم فسلم عليهم الخ) قال ابن رزين في جمعه المعنى في تكرير السلام المبالغة في تأكيد الدعاء للمؤمنين لأنه كان بهم

فصل

فصل: وأقل السلام الذي يصير به مسلِّمًا مؤدِّيا سُنَّة السلام أن يرفع صوته بحيث يُسمع المسلَّم عليه، فإن لم يُسْمِعه لم يكن آتيًا بالسلام، فلا يجب الردُّ عليه. وأقلُّ ما يسقط به فرض ردّ السلام أن يرفع صوته بحيث يسمَعه المسلم، فإن لم يسمَعه لم يسقط عنه فرض الردّ، ذكرهما المتولي وغيره. قلت: والمستحبُّ أن يرفع صوته رفعًا يسمَعه به المسلَّم عليه أو عليهم سماعًا محققا، ـــــــــــــــــــــــــــــ كما وصفه الله تعالى رؤوفًا رحيمًا اهـ. وقضيته طلب تكرار السلام كذلك وإن علم المسلم عليهم بالمرة الأولى وهو خلاف المنقول فالأولى ما حمله عليه الشيخ المصنف من أن ذلك إذا كثر المسلم عليهم ولم يعمهم بالمرة والمرتين فيأتي بالثالثة للتعميم والظاهر أن الجمع إذا لم يعمهم الثلاث يزاد عليها بمقدار التعميم والله أعلم قال في كتاب العلم من التوشيح قال الإسماعيلي يشبه أن يكون ذلك إذا سلم للاستئذان على ما رواه أبو موسى وغيره وأما سلام المرور فالمعروف فيه عدم التكرار اهـ. ومحل كون المعروف فيه عدم التكرار إذا عم سلامه الجميع أو أراد على من بلغه منهم فقط إلا فيكرر حتى يعمهم والله أعلم. فصل قوله: (بحيث يسمعه المسلم) أي المبتدئ بالسلام قال ابن حجر في التحفة لا بد من رفع الصوت بالسلام في البدء والجواب حتى يحصل السماع بالفعل ولو في ثقيل السمع لجميع الكلمتين أي قوله: السلام عليكم ابتداء وعكسه جوابًا نعم إن مر عليه سريعًا بحيث لم يبلغه صوته فالذي يظهر أنه يلزمه الرفع وسعه دون العدو خلفه وفارق اعتبار جميع الصيغة ابتداء وردًا هنا عدم اعتبار ذلك في إجابة المؤذن حيث أجيب عند سماع البعض بأن القصد الإذعان لما سمع والإجابة له وذلك يحصل بالبعض والقصد هنا التحية والائتناس وذلك لا يحصل إلا بسماع جميع الصيغة والله أعلم اهـ بالمعنى. قوله: (فإن لم يسمعه لم يسقط عنه) الضمير المستتر في يسمعه عائد على المسلم والضمير في عنه عائد إلى المجيب. قوله: (والمستحب أن يرفع صوته) أي يستحب للمسلم أصل الرفع ليسمعه المسلم عليهم ولو بعضهم فيحصل أصل السنة وتستحب الزيادة على ذلك بابتداء أداء السلام، وإن كثروا

وإذا تشكك في أنه يسمعهم، زاد في رفعه، واحتاط واستظهر، أما إذا سلَّم على أيقاظ عندهم نيام، فالسُّنَّة أن يخفض صوته بحيث يحصل سماع الأيقاظ ولا يستيقظ النيام. روينا في "صحيح مسلم" في حديث المقداد رضي الله عنه الطويل قال: "كنا نرفع للنبي - صلى الله عليه وسلم - نَصيبه من اللبن، فيجيء من الليل فيسلم تسليمًا لا يوقظ نائمًا ويسمع اليقظان، وجعل لا يجيئني النوم، وأما صاحباي فناما، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فسلَّم كما كان يسلم" والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ كرر السلام حتى يعمهم به كما سبق في الحديث أما الرفع في الجواب بحيث يسمعه المسلم أي المبتدئ بالسلام المجاب ولو واحدًا من الجماعة المبتدئين فيجب ويستحب أن يزيد في الرفع على القدر الواجب من سماع من ذكر إلى ما يعمهم أجمعين بسماع الصوت ويتحقق به أنه أسمعهم لذلك أي إن لم يكن رفعه كذلك خارمًا لمروءته بأن كثر الجمع وكان رفعه الصوت بقدر ما يسمعهم أجمعين لا يليق بأمثاله فيكرر الرد حتى يستوعبهم نظير ما سبق في الحديث في الفصل قبله والله أعلم. قوله: (وإذا تشكك في أنه يسمعهم الخ) إن شك في أصل سماع المسلم ولو واحدًا وجب الرفع ليتيقن ذلك وإن شك فيما فوق ذلك استحبَّ الرفع للتعميم. قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) سبق تخريج الحديث وشيء مما يتعلق به في باب دعاء الإنسان لمن سقاه لبنًا أو ماء أو غيرهما من كتاب أذكار الطعام. قوله: (وجعل لا يجيئني النوم) أي لشربه ما يخص النبي - صلى الله عليه وسلم - من اللبن فخشي أن يكون ذلك مثيرًا للغضب يترتب عليه عطب وهو - صلى الله عليه وسلم - الرؤوف الرحيم عليه الصلاة والسلام لما لم يجد ما يعد له من اللبن علي عادته أتى بالدعاء المسطور في الباب السابق المذكور ليكون له الفضل بالحال والمقال وأتى بهذه الجملة توطئة لقوله (فسلم كما كان يسلم) أي فسمعت سلامه لكوني مستيقظًا مترقبًا أثر فعلي ولم يسمعه صاحباي لكونهما نائمين ونومهما لخلو البال منهما على ذلك الحال والله أعلم.

فصل

فصل: قال الإِمام أبو محمد القاضي حسين، والإمام أبو الحسن الواحدي وغيرهما من أصحابنا: ويشترط أن يكون الجواب على الفور، فإن آخره ثم ردَّ لم يعد جوابًا، وكان آثما بترك الرد. باب ما جاء في كراهة الإشارة بالسلام باليد ونحوها بلا لفظ روينا في كتاب الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل قوله: (ويشترط أن يكون الجواب على الفور) أي فيشترط اتصال الجواب بالابتداء كاتصال الإيجاب بالقبول في العقود وإلا لزم ترك وجوب الرد كما في شرح الروض. قوله: (فإن آخره) أي بما يعد فاصلًا بين الإيجاب والقبول. قوله: (وكان آثمًا) أي ولا يمكن تداركه لانتفاء الجواب عن المأتي به بعد وجود الفاصل المذكور فلا قضاء خلافًا لما يوهمه كلام الروياني وسيأتي أنه ينبغي للمسلم إذا لم يرد عليه أن يقول أبرأتك من حقي وسيأتي أنه يسقط بهذا التحليل حق الآدمي أما حق الله فلا يسقط بذلك كما في التحفة وغيرها. باب ما جاء في كراهة الإشارة بالسلام باليد ونحوها بلا لفظ الكراهة مصدر وهو في بعض النسخ كراهية بزيادة ياء خفيفة بين الهاءين وهي مصدر كطواعية وعلانية ونحو اليد الإشارة بالرأس أو بشيء في اليد من منديل ونحوه والكلام حيث لا عذر أما إذا كان في الصلاة وسلم عليه فيرد بالإشارة للعذر قال الحافظ وقد ورد ذلك في أحاديث جيدة اهـ. فإن سلم من غير خطاب كقوله - عليه السلام - لم تبطل لأنه دعاء لغائب وإلا فتبطل وكذا لا تكره الإشارة به إلى من كان بعيدًا بحيث لا يسمع السلام فيجوز السلام عليه إشارة ويتلفظ به معها كما في الفتح. قوله: (روينا في كتاب الترمذي) قال الحافظ: أخرجه من طريق ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب الخ ولذا ضعف الشيخ إسناده ويقال: إنه لم يسمعه من عمر وقال الترمذي وروى ابن المبارك هذا الحديث عن ابن لهيعة فلم يرفعه وليس ضعفه لكونه ترجمة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده كما حمله عليه صاحب المرقاة ثم تعقب الحكم بالضعف بناء على أنه مبني على ذلك بقوله والمعتمد أن ذلك السند حسن لا سيما وقد أسنده

عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَيسَ منّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيرِنا، لا تَشَبَّهُوا باليَهُودِ وَلا بالنَّصارَى، فإن تَسْلِيمَ اليَهُودِ الإشارَةُ بالأصَابع، وَتَسْلِيمَ النصَارَى الإشارَةُ بالكَفِّ" قال الترمذي: إسناده ضعيف. قلت: ـــــــــــــــــــــــــــــ السيوطي في الجامع إلى ابن عمر فارتفع النزاع وزال الإشكال اهـ. بل ضعفه لكونه من رواية ابن لهيعة ومجيئه من غير طريقه سيأتي ما في سنده قال الحافظ وقد وقع لنا من غير طريق ابن لهيعة ثم أخرجه من طريق الطبراني عن ليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه رفعه قال: ليس منا من تشبه بغيرنا لا تشبهوا باليهود والنصارى فإن تسليم اليهود بالأصابع وتسليم النصارى بالأكف قال الحافظ بعد تخريجه وفي هذا السند من لا يعرف حاله وأخرج البيهقي في الشعب نحو هذا من حديث جابر بسند واه ولفظه فإن تسليم اليهود والنصارى بالكفوف والحواجب قال الحافظ وقد وقع لنا نحوه في اليوم والليلة للنسائي ووقع لنا بعضه بسند رجاله ثقات ثم أخرجه عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تسليم الرجل بأصبع واحدة يشير بها فعل اليهود" قال الحافظ بعد تخريجه لولا عنعنة ثور بن يزيد وشيخه يعني أبا الزبير الراوي عن جابر لكان من شرط الصحيح وقد أخرجه النسائي بعضه من طريق أخرى عن ثور قال: حدث أبو الزبير فأشعر أنه لم يسمعه منه. قوله: أليس منا) أي ليس من أهل هدينا وطريقنا. قوله: (لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى) وأصل تشبهوا تتشبهوا بتاءين فحذفت إحداهما دفعًا للثقل وزيدت لا لتأكيد النفي والمعنى لا تتشبهوا بهم في جميع أفعالهم خصوصًا في هاتين الخصلتين المذكورتين في الخبر ولعلهم كانوا يكتفون بالإشارتين عن السلام من غير نطق بلفظ السلام الذي هو سنة آدم وذريته من الأنبياء والأولياء وكأنه - صلى الله عليه وسلم - كوشف أن بعض أمته يفعلون ذلك وهذا الخبر وأمثاله ناسخ لما جاء أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يودع إليه فيه شيء ثم نسخ ذلك ونهى عن التشبه بهم وأمر بمخالفتهم وقد جمع الحافظ السيوطي في التوشيح المسائل التي كان - صلى الله عليه وسلم - يوافق أهل الكتاب فيها ثم تركها فقال: فائدة الأمور التي وافق - صلى الله عليه وسلم - فيها أهل الكتاب ثم خالفهم

وأما الحديث الذي رويناه بنى كتاب الترمذي عن أسماءَ بنت يزيد "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر في المسجد يومًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ السدل ثم الفرق وترك صبغ الشعر ثم فعله وصوم عاشوراء ثم مخالفتهم بيوم قبله أو بعده واستقبال بيت المقدس ثم الكعبة وترك مخالطة الحائض ثم المخالطة بكل شيء إلا الجماع وصوم عيد الجمعة ثم النهي عنه والقيام للجنازة ثم تركه وقد نظم ذلك بسؤالي له صاحبنا الشيخ الإِمام محمد بن نور الدين الرشيدي الشافعي فقال: سبع بها وافق الهادي بخير هدى ... أهل الكتاب وبعد الوحي خالفهم السدل فالفرق ترك الصبغ ثم به ... أتى وفي صوم عاشوراء وافقهم فردًا فخالفهم في صومه معه ... ما قبله أو يليه والوفاق لهم في قبلة القدس منسوخ وآيته ... فول وجهك منها الغيظ داخلهم وتركه حائضًا بدءًا فخالطها ... بكل شيء وحاشا ما الإزار يلم وصوم عيد لأسبوع وعقبه ... بالنهي عنه قيام للجنازة ثم من بعد خالفهم بالترك فاتبعن ... بهديه تلق ما ترجوه بل ويعم قوله: (وأما الحديث الذي رويناه في كتاب الترمذي) قال الحافظ بعد تخريجه: أخرجه الترمذي من طريق عبد الحميد أي ابن بهرام عن شهر بن حوشب قال: سمعت أسماء بنت يزيد بن السكن ثم ساق الحديث وقال الترمذي حسن وقد قال أحمد لا بأس برواية عبد الحميد عن شهر بن حوشب. قوله: (عن أسماء بنت يزيد) قال الحافظ في تخريجه أسماء بنت يزيد بن السكن فزاد ابن السكن وليس هو عند الترمذي قال ابن الأثير في أسد الغابة هي ابنة عمة معاذ بن جبل قتلت يوم اليرموك تسعة من الروم بعمود فسطاطها روى عنها شهر بن حوشب ومجاهد وإسحاق بن راشد ومحمود بن عمرو وغيرهم ثم أخرج من طريق شهر بن حوشب عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تقتلوا أولادكم سرًّا فإن

وعُصبَة من النساء قُعود، فألوى بيده بالتسليم" قال الترمذي: حديث حسن، فهذا محمول على أنه - صلى الله عليه وسلم - جمع بين اللفظ والإشارة، يدل على هذا أن أبا داود روى هذا الحديث، وقال في روايته "فسلَّمَ علينا". ـــــــــــــــــــــــــــــ الفيل يدرك الفارس فيدعثره ومن طريق محمود بن عمرو عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من بنى الله مسجدًا بنى الله له بيتًا في الجنة" أخرجه ابن منده وأبو نعيم ثم حكى خلافًا في أن أسماء هذه هل هي أسماء بنت يزيد الأنصارية الأشهلية أو غيرها فحكي أن ابن عبد البر جعلها هي وأما أبو نعيم وابن مسنده فترجما لكل منهما ترجمة والله أعلم. قوله: (وعصبة) هو بضم العين وسكون الصاد المهملتين كعصابة الجماعة من النّاس من العشرة إلى الأربعين ولا واحد لها من لفظها كذا يؤخذ من النهاية. قوله: (فألوى بيده) أي أشار بيده بالسلام قال الترمذي أشار عبد الحميد بيده إلى كيفية إلوائه - صلى الله عليه وسلم - بيده بالسلام. قوله: (يدل على هذا) أي أنه محمول على الجمع بين الإشارة والسلام باللسان (إن أبا داود روى هذا الحديث) أي حديث أسماء (وقال في روايته) أي التي أخرجها عن أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي حسين سمعه عن شهر بن حوشب عن أسماء قالت: مر علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نسوة فسلم أي في محل قوله في رواية الترمذي فألوى بيده الخ ورواه كذلك ابن ماجه والدارمي كما في المشكاة، والحديثان مقبولان أي فيحمل أنه وقع الجمع بين السلام باللسان والإشارة باليد وأنه جاء في كل من الطريقين التعرض لأحد الأمرين وترك الآخر إما نسيانًا أو لنحوه قال في المرقاة وعلى تقدير عدم تلفظه - صلى الله عليه وسلم - بالسلام لا محذور فيه لأنه ما شرع السلام على من مر عليه من جماعة النسوان

باب حكم السلام

باب حكم السلام اعلم أن ابتداء السلام سُنَّة مستحبة ليس بواجب، وهو سُنَّة على الكفاية، فإن كان المسلِّم جماعة، كفى عنهم تسليم واحد منهم، ولو سلَّموا كلُّهم كان أفضل. قال الإِمام القاضي حسين من أئمة أصحابنا في كتاب السِّيَر من تعليقه: ليس لنا سُنة على الكفاية إلا هذا. قلت: وهذا الذي قاله القاضي من الحصر يُنكَر عليه، فإن أصحابنا رحمهم الله قالوا: تشميت العاطس سُنَّة على الكفاية كما سيأتي بيانه قريبًا إن شاء الله تعالى. وقال جماعة من أصحابنا بل كلُّهم: الأضحية سُنَّة على الكفاية في حق كل أهل بيت، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن ما جاء من سلامه عليهن المصرح به في الخبر الآخر فهو من خصوصياته عليه الصلاة والسلام فله أن يسلم وألا يسلم وأن يشير وألا يشير على أنه قد يراد بالإشارة مجرد التواضع من غير قصد السلام وقد يحمل على أنه لبيان الجواز بالنسبة إلى النساء وإن نهى التشبيه محمول على الكراهة لا على التحريم اهـ. وحكم السلام على النساء عندنا سيأتي فما ذكره من ذلك الاحتمال مبني على مذهبه والله أعلم أر على ما إذا تيقن الافتتان. باب حكم السلام قوله: (اعلم أن ابتداء السلام سنة مستحبة) الإتيان بقوله مستحبة بعد قوله سنة يحتمل أن يكون إشارة لتأكده ويحتمل أن يكون لدفع توهم وجوبه والأول أولى ليكون قوله (ليس بواجب) مذكورًا في محله على سبيل التأسيس والثاني أنسب بظاهر العبارة قال الأصحاب: أما كونه سنة فلقوله تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} أي ليسلم بعضكم على بعض وقوله: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} أي وصرف عن الوجوب لما قام عندهم فيه وللأمر بإفشائه في الصحيحين كما تقدم بعضه وأما كون البدء سنة كفاية من الجماعة قلما سيأتي من خبر أبي داود وغيره. قوله: (فإن أصحابنا قالوا الخ) وكذا الأذان والإقامة والتسمية عند الأكل وفعل على ما يسن فعله بالميت فهذه كلها سنة كفاية عندنا.

فإذا ضحَّى واحد منهم حصل الشعار والسنة لجميعهم. وأما ردُّ السلام، فإن كان المسلَّم عليه واحدًا تعين عليه الرد، وإن كانوا جماعة، كان ردُّ السلام فرضَ كفاية عليهم، فإن رد واحد منهم، سقط الحرج عن الباقين، وإن تركوه كلهم، أثموا كلُّهم، وإن ردُّوا كلُّهم، فهو النهاية في الكمال والفضيلة، كذا قاله أصحابنا، وهو ظاهر حسن. واتفق أصحابنا على أنه لو رد غيرهم، لم يسقط عنهم الرد، بل يجب عليهم أن يردُّوا، فإن اقتصروا على رد ذلك الأجنبي أثموا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (حصل الشعار والسنة) أي أصلها أما الأفضل فالإفراد كما قال الشيخ والسنة لجميعهم أي فعلها لكل واحد واحد. قوله: (فإن كان المسلم عليه واحدًا وجب الرد) المسلم هنا بصيغة اسم المفعول ولا فرق في وجوب الرد بين كون المسلم بصيغة الفاعل مكلفًا أو صبيًّا ويشترط كما سبق رفع الصوت به واتصال الجواب بابتداء السلام كاتصال الإيجاب بالقبول وإذا ترك الرد عصى، قال في التجريد يستحب لمن لم يرد كليه أن يبرئ المسلم عليه من الجواب فيقول: أبرأته من حقي في رد السلام أو جعلته في حل منه فإنه يسقط به حقه والأحسن أن يقول له إن أمكن: رد السلام فإنه واجب عليك اهـ. قوله: (فإن كانوا جماعة كان رد السلام فرض كفاية عليهم) أما كونه فرضًا فلقوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} وأما كونه كفاية فلما يأتي ومحل ذلك إذا سن السلام وإن كرهت صيغة نحو عليكم السلام فإذا لم يسن كما في بعض المواضع الآتية لم يجب الرد إلا فيما استثنى قال الحليمي: وإنما كان الرد فرضًا والابتداء سنة لأن أصل السلام أمان ودعاء بالسلامة وكل اثنين أحدهما آمن من الآخر يجب أن يكون الآخر آمنا منه فلا يجوز لأحد إذا سلم عليه غيره أن يسكت لئلا يخافه وعلى كونه فرض كفاية فإذا رد الجميع ولو مرتبًا أثيبوا عليه ثواب الفرض كالمصلين على الجنازة لأن الساقط بسلام البعض الحرج والإثم. قوله: (وإن رده واحد منهم الخ) قال ابن المزجد في التجريد لو رد من لم يسمع

روينا في سنن أبي داود عن علي رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ السلام من الجماعة المسلم عليهم فالمشهور أنه لا يكفي اهـ. ومحل إجزاء سلام الواحد عن الباقين ما لم يكن مقصود المسلم واحدًا منهم لنحو رياسته وإلا فلا يجزي سلام غيره على أحد احتمالين أبداهما الإسنوي في التمهيد. قوله: (روينا في سنن أبي داود) قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث حسن رجاله رجال الصحيح إلا سعيد بن خالد الخزاعي ففي حفظه مقال وقد تفرد به لكن له شاهد وقد أعله ابن عبد البر بالانقطاع فقال عبد الله يعني ابن الفضل شيخ الخزاعي لم يسمع من عبيد الله يعني ابن أبي رافع الراوي عن علي بينهما الأعرج قال الحافظ: أدخله أحمد بن منصور بينهما في روايته عن الجدي يعني عبد الملك بن إبراهيم الراوي عن الخزاعي لكن تردد فقال عن الأعرج إن شاء الله وثبت في حديث الافتتاح عند مسلم عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن عبيد الله عن علي، وأما الشاهد فخرجه الحافظ بسنده إلى عبد الله بن حسن بن حسن بن علي عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: قيل: يا رسول الله القوم يأتون الدار فيستأذن واحد منهم أيجزئ عنهم جميعًا؟ قال: "نعم"، قيل: فيأذن واحد منهم أيجزئ؟ قال: "نعم"، قيل: فالقوم يمرون فيسلم واحد منهم أيجزئ عنهم؟ قال: "نعم"، قيل: فيرد رجل من القوم أيجزئ عن الجميع؟ قال: "نعم" قال الحافظ: إسناده يصلح للاعتبار اهـ. وفي المشكاة عزو تخريج الحديث عن علي رضي الله عنه مرفوعًا إلى البيهقي في شعب الإيمان ثم قال: ورواه أبو داود أي موقوفًا وقال: رفعه الحسن بن علي وهو شيخ أبي داود وقال الطيبي: أشار المؤلف يعني صاحب المشكاة إلى أن إسناد هذا الحديث قد روي موقوفًا ورفعه الحسن ابن علي شيخ أبي داود قال أبو داود وحدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الملك بن إبراهيم حدثنا سعيد ابن خالد حدثني عبد الله بن الفضل حدثنا عبد الله بن أبي رافع عن علي رضي الله عنه رفعه الحسن بن علي قال: يجزيء عن الجماعة الخ. قال في المرقاة: الظاهر أن مراد أبي داود أن شيخه الحسن رفعه من طريق آخر وإلا فالسند المذكور ظاهره الوقف مع احتمال أن يكون قوله ورفعه جملة حالية مبنية للإسناد السابق كما يقال مثلاً روي عن علي مرفوعاً ولعل وجه الإبهام عدم التذكير لكيفية الرفع هل هو بعبارة السماع أو بلفظ القول أو بعزو أو نحو ذلك

"يُجْزِئُ عنِ الجماعَةِ إذَا مَرُّوا أنْ يُسلِّمَ أحَدُهُمْ، ويُجْزِئُ عَنِ الجُلُوسِ أنْ يَرُدَّ أحَدُهُمْ". وروينا في الموطأ عن زيد بن أسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا سَلَّمَ وَاحِدٌ مِنَ القَوْم أجْزأ عَنْهمْ" قلت: هذا مرسل صحيح الإسناد. ـــــــــــــــــــــــــــــ وبتسليم أن الحديث روي موقوفاً ومرفوعاً فلا شك أنه يصير مرفوعاً لأن زيادة الثقة مقبولة على أن مثل هذا الموقوف في حكم المرفوع، قال الطيبي ويوافقه ما في المصابيح عن علي رضي الله عنه رفعه قال في المرقاة ويحتمل أنه أشار به إلى سند البيهقي فإنه مرفوع بلا خلاف اهـ. قوله: (يجزيء عن الجماعة الخ) أي يكفي عنهم سلام أحدهم أي واحد منهم وسبق تحقيق الكلام في جزى وأجزأ في كتاب فضل الذكر أول الكتاب بما حاصله أنه بفتح حرف المضارعة من غير همز آخره وبضم حرف المضارعة مع همز آخره وأنه بالفتح من جزى يجزي بمعنى كفى وبالضم من الإجزاء أي الاعتداد به في الإسقاط والله أعلم. قوله: (ويكفي عن الجلوس) أي ذوي الجلوس أو الجالسين والمراد المسلم عليهم بأي صفة كانوا رد أحدهم ولو رد الجميع كان أفضل كما تقدم وفيه أن السنة أن يسلم المار على الجالس والله أعلم. قوله: (وروينا في الموطأ) قال الحافظ: هو شاهد أيضاً لأصل المسألة مع اختصاره وأخرجه عبد الرزاق في المصنف عن معمر عن زيد بن أسلم أتم منه ولفظه إذا مر القوم فسلم واحد منهم أجزأ عنهم وإذا رد أحدهم كفى عنهم وأخرجه ابن عبد البر من طريق ابن جريج عن زيد بن أسلم كذلك ولم يذكر من وصله قال الحافظ: وقد ظفرت به في الحلية من رواية عباد بن كثير عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أورده في ترجمة يوسف بن أسباط هـ. ولفظ الحديث إذا مر القوم على المجلس فسلم منهم رجل أجزأ ذلك عنهم وإذا رد من أهل المجلس رجل أجزأ ذلك عنهم. قوله: (إذا سلم واحد من القوم أجزأ) ذلك (عنهم) أي سواء كان ذلك ابتداء أو جواباً فسقط الاستحباب بالأول والوجوب بالثاني عن الباقين وقال ابن عبد البر في التمهيد قال الطحاوي عن أبي يوسف إنه كان ينكر الحديث الذي روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا رد السلام بعض القوم أجزأ عنهم" وقال:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "لا يجزيء إلا أن يردوا جميعاً" قال أبو جعفر: ولا نعلم في هذا الباب شيئا روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا حديث مالك عن زيد بن أسلم وشيء يروى فيه عن النضر مولى عمر بن عبيد الله عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكلاهما لا يحتج به وإنما فيه إذا سلم من القوم واحد أجزأ عنهم وإنما هو ابتداء السلام وابتداء السلام خلاف رد السلام لأن السلام من المبتدئ تطوع ورده فريضة وليس هو من فروض الكفاية إذ لو كان مع القوم نصراني فرد دون أحد من المسلمين لم يسقط ذلك عنهم فرض السلام فدل على أن فرض السلام من الفروض المتعينة التي تلزم كل إنسان بنفسه، ونازعه ابن عبد البر بأن قوله إن حديث زيد في الابتداء غير مسلم له ما ادعاه وظاهر الحديث يدل على خلاف ما تأول فيه وذلك قوله: أجزأ عنهم لأنه لا يقال: أجزأ عنهم إلا فيما في وجب عليهم والابتداء بالسلام ليس بواجب عند الجميع ولكنه سنة والرد واجب عند الجميع فاستبان بقوله: أجزأ عنهم أنه أراد بالحديث الرد الواجب فبطل قول الطحاوي أي من تعينه وصح قول فقهاء الحجاز أي أنه فرض كفاية وبأن قوله: لا يروى في هذا الباب إلا حديث زيد الخ، ليس كما قال: عندنا وروينا بإسناد متصل الظاهر من حديث علي رضي الله عنه معنى ما ذهب إليه مالك والشافعي ومن قال بقولهم: ففيه بيان موضع الخلاف حيث قال: ويجزيء عن القعود أن يرد أحدهم وقطع التنازع أن سوي بين الابتداء والرد وجعل ذلك على الكفاية والحديث حسن لا معارض له وقد روى ابن جريج هذا الخبر عن زيد بن أسلم بهذا المعنى مكشوفاً فقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا مر القوم على المجلس فسلم رجل منهم أجزأ ذلك عنهم وإذا رد من أهل المجلس رجل أجزأ ذلك عنهم" قال أبو عمر: روي في هذا الباب عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يصح بهذا المعنى فيه شيء غير ما ذكرناه اهـ. وقوله: الإجزاء يختص بالواجب أي عند جمع منهم الطحاوي فالخبر حينئذٍ صريح في المدعي من أن ذلك السقوط في الرد الواجب والله أعلم.

فصل: قال الإِمام أبو سعد المتولي وغيره: إذا نادى إنسان إنساناً من خلف سِتْر أو حائط فقال: السلام عليك يا فلان، أو كتب كتاباً فيه: السلام عليك يا فلان، أو السلام على فلان، أو أرسل رسولاً وقال: سلم على فلان، فبلغه الكتاب أو الرسول، وجب عليه أن يردَّ السلام، وكذا ذكر الواحدي وغيره أيضاً أنه يجب على المكتوب إليه رد السلام إذا بلغه السلام. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هَذَا جِبْرِيلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل قوله: (وجب عليه أن يرد عليه السلام) أي وجب على من ابتدئ السلام أو بالكتابة أو بالإرسال الرد ويجب على الرسول تبليغ السلام لمن أرسل به إليه وأداؤه، قيل: ومحله إن قبل تحمله فإن رد ذلك فلا وكذا إن سكت أخذاً من قولهم لا ينسب للساكت قول ويحتمل التفصيل بين أن تظهر منه قرينة تدل على الرضا فيجب أو عدمه فلا، قال بعضهم: يجب على الموصى به تبليغه ومحله إن قبل الوصية بلفظ يدل على التحمل لتعليلهم بأنه أمانة إذ تكليفه الوجوب بمجرد الوصية بعيد وإذا قلنا بالوجوب فالظاهر أنه لا يلزمه قصده بل إذا اجتمع به وذكر بلغه اهـ. قال ابن حجر في التحفة وفيما ذكره آخراً نظر بل الذي يتجه أنه يلزمه قصده حيث لا مشقة شديدة عرفاً عليه لأن أداء الأمانة ما أمكن واجب ولا ينافي ما تقرر من أن الواجب في الوديعة التخلية لا الرد لأن ذلك محله فيما علم به المالك وإلا وجب إعلامه بقصده لمحله أو إرسال خبرها له مع ثقة فكذا هنا اهـ. بمعناه ثم يستحب للمرسل إليه بالسلام أن يسلم أيضاً على المبلغ كما سيأتي في الفصل بعده ويبدأ به لأن الخطاب معه فيقول: عليك وعليه السلام وقوله: عليك ليس فاصلاً أجنبياً بين البدء والرد فلا ينافي ما تقرر أن اتصال الجواب بالابتداء كاتصال الجواب بالقبول. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم عن عائشة الخ) في السلاح أخرجه الجماعة وقال الحافظ فيه كلام سيأتي آخراً. قوله: (يا عائشة) هكذا رواه

يَقْرَأُ علَيكِ السلام" قالت: قلت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته. ـــــــــــــــــــــــــــــ البخاري في مواضع من صحيحه ورواه غيره ممن ذكر ورواه في باب من دعا صاحبه فنقص منه حرفاً من طريق شعيب عن الزهري بلفظ: يا عويش هذا جبريل يقرئك السلام قالت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، وسيأتي ذكر من خرجه كذلك زيادة على ذلك في باب ترخيم الاسم، وهذا الاختلاف في ندائه -صلى الله عليه وسلم- تارة باسمها وتارة بتصغيره محمول إما على تعدد القصة وأنه تكرر من جبريل عليه السلام على عائشة تشريفها وأبلغها -صلى الله عليه وسلم- كذلك فمرة قال لها -صلى الله عليه وسلم-: "يا عائشة" ومرة قال لها: "يا عويش" وعلى كون القصة متحدة لم تتعدد فلعله -صلى الله عليه وسلم- خاطبها أولاً فكان لها شغل مانع من كمال توجهها لما يلقيه إليها فأعلن الخطاب ثانياً فمرة باسمها الأصلي ومرة بتصغيره فنقل كل من الطريقين أحد النداءين وسكت عن الآخر نسياناً أو لأمر اقتضاه والله أعلم، وهذا الاحتمال الأخير يمكن جريانه في قول خديجة لورقة: يا بن عم كما عند البخاري ومسلم وفي رواية يا عم كما عند مسلم في رواية أخرى أي إنها خاطبته بأحدهما فلم تر منه التوجه لما تلقيه إليه فأعادت نداءها له بأحد اللفظين المذكورين ليتوجه لخطابها ويسمع ما تلقيه إليه فروى كل من الروايتين أحد اللفظين ولعل هذا أحسن مما قال الحافظ ابن حجر وتبعه عليه غيره أن الصواب ما عند البخاري من قولها: يا بن عم وأن قولها عند مسلم: يا عم أي في إحدى روايتيه وهم، لأنه وإن صح أنها قالته توقيراً لكن القصة لم تتعدد ومخرجها متحد فلا يحمل على أنها قالته مرتين فتعين الحمل على الحقيقة اهـ. وعلى ما ذكرت لا منافاة بين اتحاد القضية والإتيان بكل من اللفظين إذ لعلها نادته مرتين ليتوجه إليها أتم التوجه تارة بما هو الحقيقة من قولها: يا بن عم وتارة بما فيه التعظيم من قولها: يا عم والله أعلم. قوله: (يقرأ عليك السلام) أي من تلقائه وقبله، قال القرطبي في المفهم يقال: أقرأته السلام هو ويقرئك السلام رباعياً بضم حرف المضارعة منه فإذا قلت: يقرأ عليك السلام كان مفتوح حرف المضارعة لأنه ثلاثي، وهذه فضيلة عظيمة لعائشة غير أن ما ورد من تسليم الله عزّ وجلّ على خديجة أعلى وأغلى لأن ذلك سلام من الله وهذا سلام من الملك، وقال المصنف في شرح مسلم: في الحديث فضيلة ظاهرة لعائشة

هكذا وقع في بعض روايات "الصحيحين" "وبركاتُه" ولم يقع في بعضها، وزيادة الثقة مقبولة. ووقع في كتاب الترمذي "وبركاته" وقال: حديث حسن صحيح، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه استحباب بعث السلام ويجب على الرسول تبليغه وفيه بعث الأجنبي السلام إلى الأجنبية الصالحة إذا لم يخف ترتب مفسدة وأن الذي يبلغه السلام يرد عليه قال أصحابنا: وهذا الرد واجب على الفور وكذا لو بلغه سلام في ورقة من غائب وجب عليه أن يرد السلام باللفظ على الفور إذا قرأه وفيه أنه يستحب في الرد أن يقول: وعليك أو وعليكم السلام بالواو فلو قال: عليك السلام أجزأ على الصحيح وكان تاركاً للأفضل وقال بعض أصحابنا: لا يجزئه اهـ. قوله: (هكذا وقع في بعض روايات الصحيحين الخ) قال الحافظ بعد أن خرج الحديث من طريق يزيد بن هارون ومن طريق يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال: أخبرني أبي عن الشعبي حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لها: إن جبريل يقرأ عليك السلام قلت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته هذا لفظ يحيى ولم يقل يزيد في روايته وبركاته وأخرجه الشيخان من طرق عن زكريا ليس فيها لفظ وبركاته، وأما قول الشيخ ووقع في بعض رواية الصحيحين الخ، فمدار الحديث فيها على الشعبي وقد ذكرت ما فيها وعلى الزهري وقد اتفقا عليه من طريق شعيب بن أبي حمزة وأخرجه البخاري من طريق معمر من طريق يونس بن يزيد وعلقه من طريق النعمان بن راشد كلهم عن الزهري ولم يقع وبركاته إلا عند البخاري في رواية يونس وفي رواية النعمان وسأذكر إيضاح ذلك ورواية الشعبي التي ذكرتها أخرجها أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه اهـ. قوله: (وزيادة الثقة مقبولة) أي مطلقاً على الصحيح. قوله: (ووقع في كتاب الترمذي) قال الحافظ هو كما قال يعني المصنف لكن وقع عند الترمذي أيضاً بدونها فإنه أخرج الحديث في الاستئذان من طريق فضيل وفي المناقب من رواية ابن المبارك كلاهما عن زكريا عن الشعبي وفيه ما وبركاته وأخرجه في الاستئذان أيضاً من طريق معمر عن الزهري بدونها وجل من رواه عن زكريا لم يذكرها ثم أخرج الحافظ

ويستحب أن يرسل بالسلام إلى من غاب عنه. ـــــــــــــــــــــــــــــ من طريق البخاري عن أبي نعيم حدثنا زكريا قال: سمعت عامراً يقول: حدثني أبو سلمة عن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لها: "هذا جبريل" فذكر الحديث وليس فيه وبركاته قال الحافظ أخرجه أحمد عن أبي نعيم وأخرجه مسلم عن إسحاق بن راهويه عن أبي نعيم وأخرج الحافظ بسنده من طريق البخاري أيضاً حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب عن الزهري حدثنا أبو سلمة أن عائشة قالت: فذكر مثله وقال الحافظ: أخرجه أحمد عن أبي اليمان ومسلم عن الدارمي عن أبي اليمان والنسائي عن عمرو بن منصور عن أبي اليمان وأخرج الحافظ بسنده من طريق البخاري أيضاً حدثنا ابن مقاتل وابن محمد قال: أخبرنا عبد الله هو ابن المبارك عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة فذكره وقال الحافظ: أخرجه الترمذي عن سويد بن نصر عن ابن المبارك وأخرجه النسائي في الكبرى عن محمد بن حاتم عن حبان بن موسى عن ابن المبارك قال البخاري بعد رواية معمر تابعه شعيب وقال يونس والنعمان عن الزهري وبركاته ثم قال الحافظ: وقد ذكرنا رواية شعيب وأما رواية يونس فوصلها البخاري في المناقب من طريق الليث وأحمد من طريق ابن المبارك كلاهما عنه وفيه عندهما وبركاته ثم أخرج الحافظ بسنده إلى النعمان بن راشد عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك السلام" قلت: عليه السلام ورحمة الله وبركاته، قال الحافظ: وقد وقعت زيادة وبركاته من طريق معمر أيضاً أخرجها البخاري في بدء الخلق من رواية هشام بن يوسف عن معمر وكذا هو في رواية سويد بن نصر عن ابن المبارك عند الترمذي والله أعلم اهـ. كلام الحافظ، قلت: ووقعت زيادة وبركاته عند البخاري من طريق شعيب عن الزهري أخرجه في باب من دعا صاحبه فنقص من اسمه حرفاً كما تقدم ذكره لكن صريح كلام الحافظ أنها ليست في طريق شعيب ولعل في النسخ اختلافاً والله أعلم بحقيقة الحال. قوله: (ويستحب أن يرسل السلام الخ) أي كما يسن الإتيان به في الخطاب يسن إرساله للغائب وكذا يسن في صدر الكتاب ويجب على المرسل معه السلام تبليغه كما تقدم لأنه أمانة ويجب أداء الأمانة.

فصل: إذا بعث إنسان مع إنسان سلاماً، فقال الرسول: فلان يسلم عليك، فقد قدَّمنا أنه يجب عليه أن يردَّ على الفور، ويستحب أن يرد على المبلِّغ أيضاً، فيقول: وعليك وعليه السلام. وروينا في سنن أبي داود عن غالب القطان عن رجل قال: حدثني أبي عن جدي قال: بعثني أبي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ائته فأقرئه السلام، فأتيتُه فقلتُ: إن أبي يقرئك السلام، فقال: "وعلَيْكَ وعلى أبِيكَ السلامُ". قلت: وهذا وإن كان رواية عن مجهول، فقد قدمنا أن أحاديث الفضائل يتسامح فيها عند أهل العلم كلَّهم. ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل قوله: (ويستحب أن يرد على المبلغ) أي جزاء لحمل السلام إليه والرد على المبلغ ليس أجنبياً كما تقدم. قوله: (فيقول: عليك وعليه السلام) بدأ بالمبلغ مع أن السلام عليه مندوب وعلى المرسل واجب لأنه المخاطب، وحسن أدب الخطاب يقتضي تقديم المخاطب على الغائب قال تعالى: {وبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ}. قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) قال الحافظ بعد تخريجه: أخرجه النسائي في الكبرى عن محمد بن بشار عن محمد بن جعفر عن شعبة قال: سمعت غالباً القطان يحدث عن رجل من بني نمير عن أبيه عن جده أنه أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له: إن أبي يقرأ عليك السلام فقال له: "عليك وعلى أبيك السلام" قال الحافظ: أخرجه أبو داود عن أبي بكر بن أبي شيبة عن إسماعيل بن علية عن غالب القطان قال: كنا على باب الحسن يعني البصري فأتى رجل فذكره ولم يقل من بني نمير، وقال الترمذي بعد ذكر حديث عائشة في الاستئذان: وفي الباب عن رجل من بني نمير عن أبيه عن جده فأشار إلى هذا الحديث وأخرج الحافظ من طريق أبي نعيم في الحلية عن رجل من بني تميم الخ. فذكره قال الحافظ: هكذا وقع في هذه الرواية من بني تميم والماضي في الرواية الماضية من بني نمير أصوب والله أعلم. قوله: (وهذا وإن كان رواية عن مجهول) قال الحافظ: فيه تجوز عن الاصطلاح لأن من

فصل: قوله: قال المتولي: إذا سلم على أصم لا يسمع، فينبغي أن يتلفظ بلفظ السلام لقدرته عليه، ويشير باليد حتى يحصل الإفهام ويستحق الجواب، فلو لم يجمع بينهما لا يستحق الجواب. قال: وكذا لو سلم عليه أصم وأراد الرد، فيتلفظ باللسان، ويشير بالجواب ليحصل به الإفهام، ويسقط عنه فرض الجواب. قال: ولو سلم على أخرس فأشار الأخرس باليد، سقط عنه الفرض، لأن إشارته قائمة مقام العبارة، وكذا لو سلم عليه أخرس بالإشارة يستحق الجواب لما ذكرنا. فصل: قال المتولي: لو سلم على صبي، لا يجب عليه الجواب، لأن الصبي ليس من أهل الفرض، وهذا الذي قاله صحيح، لكن الأدب والمستحب له الجواب. قال القاضي حسين وصاحبه المتولي: ولو سلم الصبي ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يسم يقال له: مبهم والمجهول إذا أطلق يراد به من سمى ولم يرو عنه إلا واحد ويقال أيضاً لمن روى عنه أكثر من واحد مجهول الحال وقد يقال: مجهول والمراد به حاله والله أعلم. فصل قوله: (فينبغي الخ) أي على سبيل الاستحباب في الابتداء. قوله: (حتى يحصل الإفهام الخ) حتى فيه تعليلية ويصح أن تكون غائية. قوله: (وكذا لو سلم عليه أصم الخ) أي يجمع بين التلفظ والإشارة وجوباً ليحصل الإفهام وقضية التعليل أنه إن فهم ذلك بقرينة الحال والنظر إلى فمه لم تجب الإشارة وهو ما بحثه الأذرعي. قوله: (لأن اشارته قائمة مقام، العبارة) أي إلا في بطلان الصلاة فتبطل بالنطق بحرفين ولا تبطل بالإشارة من الأخرس إلى ذلك وكذا ليست إشارته مثل العبارة فيما لو حلف لا يكلم زيداً فخرس وأشار إليه. فصل قوله: (لكن الأدب والمستحب الخ) قال في الروضة: الأدب والسنة يشتركان في الطلب ويفترقان في أن طلب الأدب دون السنة وسيأتي في

على بالغ، فهل يجب على البالغ الرد؟ فيه وجهان ينبنيان على صحة إسلامه، إن قلنا: يصح إسلامه، كان سلامه كسلام البالغ، فيجب جوابه. وإن قلنا: لا يصح إسلامه، لم يجب رد السلام، لكن يستحب. قلت: الصحيح من الوجهين وجوب رد السلام، لقول الله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] وأما قولهما: إنه مبني على إسلامه، فقال الشاشي: ـــــــــــــــــــــــــــــ آخر كتاب السلام الذي نحن فيه في الأصل الإشارة إلى ذلك. قوله: (فيه وجهان مبنيان على صحة إسلامه عندنا) قضية هذا البناء أن يكون الراجح عدم وجوب الرد عليه لأن الأصح عدم صحة إسلامه وسيأتي بيان وجهه أواخر هذا الفصل وما نقل من إسلام صبيان وقبوله -صلى الله عليه وسلم- لذلك كان أول الإسلام ثم نسخ قاله البيهقي. قوله: (قلت الصحيح من الوجهين وجوب الرد الخ) قال في المهمات ما ذكره المتولي من البناء في خالفه فيه الشاشي وأوجب الرد وقال: إن الباء فاسد وصحح النووي في كتبه مقالته اهـ. قوله: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} أي سواء حياكم صبي أو بالغ بل استدل الجمهور بها على وجوب الرد على المسلم وإن كان كافراً لكن يختلف في صيغة الرد أخرج ابن أبي حاتم وابن أبي الدنيا في كتاب الصمت عن ابن عباس قال: من سلم عليك من خلق الله فاردد عليه وإن كان مجوسياً لأن الله تعالى قال: {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: فحيوا بأحسن منها للمسلمين أو ردوها على أهل الكتاب ويوافقه حديث إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم وقدمنا في كلام ابن القيم إن وعليكم يحصل به الجواب وإنما زيد المسلم المسلم لفظ السلام ليذهب عنه الوهم وأبقى الكافر على ذلك لما يأتي فيه، واستدل بعموم الآية من أوجب الرد على المصلي لفظاً أو إشارة أو في نفسه مذاهب والقول بأن الآية في تشميت العاطس كما حكي عن مالك ضعيف ترده

هذا بناء فاسد، وهو كما قال، والله أعلم. ولو سلم بالغ على جماعة فيهم صبي، فردَّ الصبي ولم يردَّ منهم غيره، فهل يسقط عنهم؟ فيه وجهان أصحهما -وبه قال القاضي حسين وصاحبه المتولي- لا يسقط، لأنه ليس أهلاً للفرض، والرد فرض فلم يسقط به، كما لا يسقط به الفرض في الصلاة على الجنازة. والثاني وهو قول أبي بكر الشاشي صاحب "المستظهري" من أصحابنا: أنه يسقط، كما يصح أذانه للرجال، ويسقط عنهم طلب الأذان. قلت: وأما الصلاة على الجنازة، فقد اختلف أصحابنا في سقوط فرضها بصلاة الصبي على وجهين مشهورين، الصحيح منهما عند الأصحاب: أنه يسقط، ونص عليه ـــــــــــــــــــــــــــــ ألفاظ الآية أشار إلى ذلك السيوطي في كتاب الإكليل. قوله: (ولو سلم بالغ على جماعة فيهم صبي الخ) وجه القول الأصح أن القصد من مشروعية السلام الإعلام بأن كلاً سالم من الآخر وأمان الصبي لا يصح بخلاف صلاته والمقصود بصلاة الجنازة طلب الرحمة والاستغفار للميت والصبي من أهل ذلك فسقط فرض صلاة الجنازة لكونه أهلاً للمقصود بها دون فرض السلام ولا بعد في سقوط الفرض بصلاته وإن كان نفلاً كما لو صلى فرض الوقت ثم بلغ فيه وفارق الاعتداد بسلام الصبي عدم الاعتداد بإسلامه لخطر الإسلام ولأن النطق به يستلزم الإخبار عن التصديق القلبي الذي هو الأصل والصبي لا يقبل أخباره والغرض هنا التحية والأمان وهو حاصل بلفظه وقول القاضي حسين وكما لا يسقط به الفرض في الجنازة هذا رأي لبعض أصحابنا وبنى عليه القاضي عدم سقوط فرض الرد برده والمعتمد في الجنازة السقوط بصلاته كما نبه عليه الشيخ هنا آخراً بخلاف السلام فلا يسقط الفرض عن البالغين برده والفرق ما ذكرنا، وفي شرح الروض لو سلم على جماعة فيهم امرأة فردت هل يكفي قال الزركشي: ينبغي بناؤه على أنه هل يشرع لها الابتداء بالسلام فحيث شرع لها كفى جوابها وإلا فلا مثلها الخنثى فيما يظهر اهـ. قوله: (الصحيح منهما الخ) قصد الشيخ به الاستدراك على ما قد يتوهم من نقله لكلام القاضي من

الشافعي، والله أعلم. فصل: إذا سلم عليه إنسان ثم لقيه على قرب، يسن له أن يسلِّم عليه ثانياً وثالثاً وأكثر، اتفق عليه أصحابنا. ويدل عليه ما رويناه في "صحيحي البخاري ومسلم" ـــــــــــــــــــــــــــــ عدم سقوط فرض صلاة الجنازة بصلاته والله أعلم. فصل قوله: (ثم لقيه) خرج به ما إذا لم يحدث تلاق بأن دخل فسلم وجلس ثم أراد أن يسلم على صاحبه الذي سلم عليه أولاً، ثانياً: فلا يستحب كما صرح به الروياني. قوله: (ويدل عليه ما رويناه في صحيحي البخاري ومسلم) قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الإِمام أحمد وغيره بمثل ما أورده المصنف ثم قال: أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة ووقع عند رواته اختلاف في سعيد بن أبي سعيد المقبري فقال يحيى القطان فيه عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة وهي الطريق التي أخرج الحافظ بها الحديث وقال الحافظ بعد تخريجها: أخرجه أحمد والشيخان ومن ذكر معهم ثم قال: وقال النسائي: خولف فيه يحيى قال ابن خزيمة: لم يقل فيه عن أبيه أحد عن يحيى وكذا قال البزار، قال الحافظ وقد صحح الشيخان الطريقين فأخرجاه من رواية عبد الله بن نمير ومن رواية أبي أسامة وأخرجه أبو داود من رواية أبي ضمرة ثلاثتهم عن عبد الله بن عمر العمري عن سعيد ليس فيه عن أبيه وأخرجاه من طريق يحيى القطان فأخرجه البخاري عن مسدد وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي عن يحيى بن المثنى كلاهما عن يحيى القطان وقال عن أبيه وكأن سعيداً سمعه من أبيه عن أبي هريرة ثم سمعه عن أبي هريرة أو سمعه من أبي هريرة وثبته فيه أبوه وإلى ذلك أشار الدارقطني وقد جاءت القصة من حديث رفاعة بن رافع الأنصاري قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسجد ونحن حوله فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلى القوم فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وعليك ارجع فصلِّ فإنك لم تصل" فرجع الرجل فصلى كما صلّى فلما قضى صلاته جاء فسلم فذكر مثله قال: فلا أدري فعل ذلك مرتين أو ثلاثاً الحديث قال الحافظ: أخرجه أبو داود وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم ثم أخرجه الحاكم من طريق أخرى عن

عن أبي هريرة رضي الله عنه في حديث المسيء صلاته "أنه جاء فصلى، ثم جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فسلَّم عليه، فرد عليه السلام، وقال: "ارْجِعْ فَصَلِّ فإنكَ لَمْ تُصَلِّ"، فرجع فصلى، ثم جاء فسلَّم على النبي -صلى الله عليه وسلم-، حتى فعل ذلك ثلاث مرات". ـــــــــــــــــــــــــــــ رفاعة بن رافع قال: بينما النبي -صلى الله عليه وسلم- جالس في المسجد إذ دخل رجل كالبدوي فصلّى فأخف صلاته ثم انصرف فسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر الحديث بنحوه وقال الحافظ بعد تخريجه: أخرجه الترمذي والنسائي قال الحافظ: وللحديثين طرق فيها ألفاظ زائدة قد استوعبتها في فتح الباري وفيه أن اسم الرجل المذكور خلاد والله أعلم. قوله: (في حديث المسيء صلاته) هو خلاد بن رفاعة بن رافع الزرقي الأنصاري. قوله: (فسلم عليه الخ) قال الزركشي في أحكام المساجد: هذه مسألة حسنة هي أن الداخل المسجد لو رأى فيه جماعة فالظاهر من حديث رفاعة أن يشرع في التحية قبل السلام عليهم وذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنكر عليه صلاته ولم ينكر عليه تأخير سلامة إلى بعد الصلاة اهـ بالمعنى. قوله: (فصلى) أي الصلاة الشرعية ذات الركوع والسجود. قوله: (فردّ عليه السلام) أي ردّ النبي -صلى الله عليه وسلم- السلام عليه. قوله: (فإنك لم تصل) فيه أن من أخل ببعض واجبات الصلاة لا تصح صلاته ولا يسمّى مصلياً شرعاً. قوله: (فرجع فصلى ثم جاء فسلم) فيه استحباب السلام عند اللقاء ووجوب رده وأنه يستحب تكراره إذا تكرر اللقاء وإن قرب والظاهر أنه حصل بينهما حائل أو ما يعد به مفارقاً لمجلسه -صلى الله عليه وسلم- وإلا فلم يكن لإعادة السلام مقتض والله أعلم، وأخرج ابن عبد البر في التمهيد عن أسامة بن زيد عن نافع قال: كنت أساير رجلاً من فقهاء الشام يقال له: عبيد الله بن زكريا، فحبستني دابتي تبول ثم أدركته ولم أسلم فقال: ألا تسلم، فقلت: أنا كنت معك آنفاً، قال: وإن، لقد كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتسايرون فيفرق بينهم الشجر فإذا التقوا سلم بعضهم على بعض. قوله: (حتى فعل ذلك ثلاث مرات) قال الكرماني إن قيل كيف تركه -صلى الله عليه وسلم- مراراً يصلي صلاة فاسدة فالجواب أنه لم يأذن له في صلاة فاسدة ولا علم من حاله أنه يأتي بها في المرة

وروينا في "سنن أبي داود" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا لَقِيَ أحَدُكُمْ أخاهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيهِ، فإن حالَتْ بَينَهُما شَجَرَةٌ أو جِدارُّ أو حَجَرٌ ثم لَقِيَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ". وروينا في كتاب ابن السني عن أنس رضي الله عنه قال: "كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتَماشَوْن، فإذا استقبلتهم شجرة أو أكَمة فتفرقوا يميناً وشمالاً ثم التقَوْا من ورائها، سلم بعضهم على بعض". ـــــــــــــــــــــــــــــ الثانية والثالثة فاسدة بل هو محتمل أن يأتي بها صحيحة وإنما لم يعلمه أولاً ليكون أبلغ في تعريفه لصفة الصلاة المجزئة قال التوربشتي فإن قيل لم سكت عن تعليمه أولاً قلنا: إن الرجل لما رجع ولم يستكشف الحال من مورد الوحي كأنه اغتر بما عنده من العلم فسكت -صلى الله عليه وسلم- عن تعليمه زجراً له وتأديباً وإرشاداً إلى استكشاف ما استبهم عليه فلما طلب كشف الحال أرشده إليه اهـ. قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) قال الحافظ بعد تخريجه من طرق عن معاوية بن صالح منها عنه عن أبي مريم عن أبي هريرة ومنها عنه عن عبد الوهاب بن بخت بضم الموحدة وسكون المعجمة بعدها مثناة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة وقال بعد تخريجه: هذا حديث صحيح غريب من رواية عبد الوهاب عن أبي الزناد وأخرجه البخاري في الأدب المفرد عن عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن أبي مريم عن أبي هريرة وأخرجه أبو داود من طريق عبد الله بن ذهب عن معاوية بن صالح. قوله: (فإن حالت بينهما شجرة الخ) قيد في المرقاة الحجر بكونه كبيراً أي ليحصل به الحيلولة وقال الطيبي في الحديث الحث على إفشاء السلام وإنما يكرر عند كل تغير حال ولكل جاء وغاد اهـ. وقضية الحديث أن ما دام لم يحل بينهما حائل وكان بمرأى من صاحبه وإن بعد ألا يندب السلام عند تقاربهما وتلاقيهما ويحتمل تقييده بما لم يعده العرف مفارقة وإلا فيندب عند تقاربهما وتلاقيهما والله أعلم. قوله: (وروينا في كتاب ابن السني) قال الحافظ بعد تخريجه: أخرجه ابن السني من طريق حماد عن ثابت وحميد عن أنس قال: وقع لنا من وجه آخر

فصل: إذا تلاقى رجلان، فسلَّم كل واحد منهما على صاحبه دفعة واحدة أو أحدهما بعد الآخر، فقال القاضي حسين وصاحبه أبو سعد المتولي: يصير كل واحد منهما مبتدئاً بالسلام، فيجب على كل واحد منهما أن يردَّ السلام على صاحبه. وقال الشاشي: هذا فيه نظر، فإن هذا اللفظ يصلح للجواب، فإذا كان أحدهما بعد الآخر كان جواباً، وإن كانا دفعة واحدة، لم يكن جواباً وهذا الذي قاله الشاشي هو الصواب. ـــــــــــــــــــــــــــــ عن أنس التصريح فيه بالرفع ثم أخرجه ولفظه عن أنس قال: كنا إذا كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ففرقت بيننا شجرة فإذا التقينا يسلم بعضنا على بعض قال: وله شاهد عن ابن عمر جاء بصيغة الأمر ثم أخرجه عنه من طريق يحيى بن عقبة بن أبي العيزار عن محمد بن سوقة قال: أخبرني نافع عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا لقي أحدكم أخاه في النهار مراراً فليسلم عليه" قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث غريب أخرجه أبو سعيد بن يونس في ترجمة إبراهيم يعني ابن الجراح من تاريخ مصر من طريق أحمد بن عبد المؤمن بهذا السند وذكر فيه قصة لعقبة بن أبي العيزار والد يحيى مع محمد بن سوقة في ذلك ويحيى ابن عقبة ضعفوه اهـ. فصل قوله: (فقال القاضي حسين وصاحبه أبو سعد المتولي) كذا قال هنا وفي الروضة قاله المتولي وقاله أيضاً شيخه القاضي حسين ولا منافاة بين الأمرين فكأنه كان صاحب القاضي حسين في الأخذ عن بعض الشيوخ وتلميذاً له ومثل هذا كثير معروف والله أعلم. قوله: (فإن كان أحدهما بعد الآخر كان جواباً) قال في شرح الروض: نعم إن قصد به الابتداء صرفه عن الجواب قاله الزركشي ونقله ابن حجر في الإمداد عن غيره أيضاً قلت وقضيته أنه يكون جواباً في صورتي قصد الرد وانتفاء القصد ومع كونه يحصل به الجواب فالأولى أن يجيب بغير سلامه. قوله: (وهذا الذي قاله الشاشي هو الصواب) في الروضة هذا كلام الشاشي وتفصيله حسن ينبغي أن يجزم به اهـ. ويوجد في بعض نسخ

فصل: إذا لقي إنسان إنساناً، فقال المبتدئ "وعليكم السلام" قال المتولي: لا يكون ذلك سلاماً، فلا يستحق جواباً، لأن هذه الصيغة لا تصلح للابتداء. قلت: أما إذا قال: عليك، أو عليكم السلام، بغير واو، فقطع الإِمام أبو الحسن الواحدي بأنه سلام يتحتم على المخاطَب به الجواب، وإن كان قد قلب اللفظ المعتاد، وهذا الذي قاله الواحدي هو الظاهر. وقد جزم أيضاً إمام الحرمين به، فيجب فيه الجواب لأنه يسمى سلاماً، ويحتمل أن يقال: في كونه سلاماً وجهان كالوجهين لأصحابنا فيما إذا قال في تحلله من الصلاة ـــــــــــــــــــــــــــــ الأذكار قلت: ينبغي أن يكون جواباً في الحالين أي في حالتي الترتيب والمعية ولا يجب على أحدهما الرد بعد ذلك اهـ. وفيه مخالفة لقوله هنا: أن التفصيل هو الصواب ولقوله في الروضة أنه الذي ينبغي أن يجزم به والله أعلم فالظاهر أنه مما ألحق بالكتاب إذ لو كان منه لنقله عنه المتأخرون من الأصحاب والله أعلم بالصواب وفي المرقاة في حديث الصحيحين في قصة آدم عليه السلام السابقة في باب فضل السلام في قوله فقال: السلام عليكم فقالوا: السلام عليك: هذا يدل على جواز تقديم السلام في الجواب بل على ندبه لأن المقام مقام التعليم لكن الجمهور على أن الجواب بقوله: وعليكم السلام أفضل ولعل الملائكة أرادوا إنشاء السلام على آدم كما يقع كثيراً فيما بين النّاس ويشترط في صحة الجواب أن يقع بعد السلام لا أن يقعا معاً كما يدل عليه فاء التعقيب وهذه مسألة يغفل عنها أكثر النّاس فلو تلاقى رجلان وسلم كل منهما على صاحبه دفعة واحدة يجب على كل الجواب اهـ. فصل قوله: (قلت: أما إذا قال عليك السلام أو عليكم السلام الخ) أما فيه بفتح الهمزة وتشديد الميم وهي كما قال الدماميني حرف فيه معنى الشرط صرح به جماعة من النحويين لا حرف شرط اهـ وهي هنا مجردة عن التفصيل كما نص عليه ابن هشام في المغني في أما زيد فمنطلق والله أعلم وقوله: عليك أي إذا كان المسلم عليه واحداً أو عليكم إذا كان كذلك وأتى بالأفضل أو قصده هو ومن معه من الملائكة أو كان جمعاً والله أعلم. قوله: (لأنه يسمى سلاماً) ولذا أجزأ في التحلل

"عليكم السلام" هل يحصل به التحلل، أم لا؟ الأصح: أنه يحصل، ويحتمل أن يقال: إن هذا لا يستحق فيه جواباً بكل حال. لما رويناه في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة عن أبي جري الهجيمي الصحابي رضي الله عنه، واسمه جابر بن سليم، وقيل سليم بن جابر، قال: أتيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: عليك السلام يا رسول الله، قال: "لا تَقُلْ ـــــــــــــــــــــــــــــ من الصلاة على الأصح وفارق عدم إجزاء أكبر الله في التحريم لأنه لا يسمّى تكبيراً قال الحافظ في الفتح: هكذا جعل النووي الخلاف في إسقاط الواو وإثباتها والمتبادر أن الخلاف في تقدم عليكم على السلام كما يشير إليه كلام الواحدي اهـ. قوله: (ويحتمل أن يقال هذا لا يستحق فيه جواباً الخ) ويكون مدركه ما قاله المتولي من أن هذه الصيغة لا تصلح للابتداء على ما فيه وكان وجه الاستدلال بالخبر أنه سكت فيه عن جوابه منه -صلى الله عليه وسلم- وذلك ظاهر في عدم وقوعه فدل على عدم وجوبه على المبتدئ بهذا اللفظ. قوله: (لما روينا في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة) قال الحافظ في فتح الباري في أول كتاب الاستئذان قول النووي بالأسانيد الصحيحة الخ، يوهم أن له طرقاً إلى الصحابي المذكور وليس كذلك فإنه لم يروه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- غير أبي جري ومع ذلك فمداره عند جميع من أخرجه على أبي تميمة الهجيمي رواية عن أبي جري وقد أخرجه أيضاً أحمد والنسائي وصححه الحاكم اهـ. قوله: (عن أبي جري) بضم الجيم وفتح الراء المهملة الهجيمي بضم الهاء وفتح الجيم الأصبهاني قال في لب اللباب نسبة إلى بني هجيم بطن من تميم نزلوا بمحلة من البصرة فنسب لذلك جماعة منهم إلى المكان ومنهم إلى القبلة وقال ابن الأثير منسوب إلى الهجيم بن عمرو بن تميم وأبو جري عداده في أهل البصرة ثم الحديث عند أبي داود والنسائي عن أبي جري الهجيمي وعند الترمذي عن جابر بن سليم رضي الله عنه كما في السلاح. قوله: (واسمه جابر بن سليم) قال البخاري: إنه الصحيح وكذا رجحه ابن عبد البر أيضاً كذا في السلاح وخرجه الحافظ بسنده عن أبي تميمة الهجيمي عن جابر عن رجل من قومه وهو

عَلَيكَ السَّلامُ فإنْ عَلَيْكَ السلامُ تحيَّةُ المَوْتَى" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو جري رضي الله عنه قال: لقيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض سكك المدينة وعليه ثوب قطري وهو بكسر القاف وسكون الطاء المهملة فقلت: عليك السلام يا رسول الله فقال: عليك السلام تحية الموتى قل السلام عليكم قالها مرتين أو ثلاثاً قال الحافظ بعد تخريجه: حديث صحيح أخرجه النسائي وأخرجه الحافظ أيضاً بسنده عن أبي غفار عن أبي كريمة عن أبي جري قال: قلت: يا رسول الله عليك السلام، قال: "لا تقل عليك السلام تحية الموتى" قلت: أنت رسول الله! قال: "أنا رسول الله الذي إذا أصابك ضر فدعوته كشف عنك وإذا أصابتك سيئة دعوته فأسهل لك" فقلت: اعهد إليّ عهداً قال: "لا تسبن أحداً ولا تحقرن من المعروف شيئاً وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه وإياك وإسبال الإزار فإن إسباله من المخيلة وإن الله لا يحب المخيلة ارفع إزارك إلى نصف الساق فإن أبيت فإلى الكعبين وإن امرؤ شاتمك بما يعلم منك فلا تشتمه بما تعلم منه فإن وبال ذلك عليه" قال الحافظ بعد تخريجه: حديث صحيح أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي كلهم مدارهم فيه على أبي غفار، ثم منهم من طوله ومنهم من اقتصر على بعضه ومنهم من سمّى أبا جري جابر بن سليم ومنهم من سماه سليم بن جابر وهو في رواية عند الطبراني في حرف السين من معجمه وأخرجه الترمذي والنسائي أيضاً من طريق عن خالد الحذاء عن أبي تميمة عن رجل من قومه ولم يسمه انتهى ملخصاً. قوله: (فإن عليك السلام تحية الموتى) قال ابن القيم في كتابه: بدائع الفوائد هذا إخبار منه -صلى الله عليه وسلم- عن الواقع المعتاد الذي جرى عليه ألسنة الشعراء والناس فإنهم كانوا يقدمون اسم الميت على الدعاء كما قال قائلهم: عليك سلام الله قيس بن عاصم ... ورحموته ما شاء أن يترحما

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا أكثر في إشعارهم من أن يذكر والإخبار عن الواقع لا يدل على الجواز فضلاً عن كونه سنة كما توهمه بعضهم حتى رد هذا الحديث بقوله صح أنه -صلى الله عليه وسلم- قال في تحية الموتى: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين" وفيه تقديم السلام وهذا أصح فوجب المصير إليه وقال آخرون بالفرق بين سلام الحي فيقدم لفظ السلام فيه وسلام الميت فيقدم الجار والمجرور فيه وهؤلاء كلهم إنما أتوا عن عدم فهم مقصود الحديث إذ قوله عليك السلام تحية الموتى ليس تشريعاً وإخباراً عن أمر شرعي بل إخبار عن الواقع المعتاد كما سبق ومثله لا يدل على جواز فضلاً عن استحباب بل نهيه -صلى الله عليه وسلم- بقوله: لا تقل مع إخباره بوقوعه يدل على عدم مشروعيته وأن السنة تقديم لفظ السلام على الظرف بعده مطلقاً فيقال في الحي والميت: السلام عليكم، وكأن الذي تخيله القوم من الفرق بين الحي والميت أن الحي لما كان يتوقع منه الجواب وأن يقول: عليكم السلام قدم السلام المدعو به على المدعو له توقعاً لقوله: وعليك السلام ولما لم يتوقع ذلك من الميت قدم المدعو له على الدعاء، وهذا الفرق لو صح يقتضي التسوية بين الحي والميت في هذا المعنى فقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- كما قال ابن عبد البر أنه قال: ما من رجل يمر بقبر أخيه كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه، وهنا نكتة لطيفة بديعة ينبغي التيقظ لها هي أن السلام شرع على الأحياء والأموات بتقديم اسمه على المسلم عليهم لأنه بدعاء بخير والأحسن تقديم المدعو به إذا كان خيراً كقوله تعالى: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} وتأخيره إذا كان شراً وكقوله تعالى لإبليس: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي}، وسر ذلك والله أعلم إن الخير لما كان محبوباً قدم ما يدل عليه لكونه تشتهيه النفوس ويلتذ به السمع فينده السمع ذكر الاسم المحبوب فتشرف النفس لمن هو وعلى من يحل فيأتي باسمه فيقول: عليك أو لك فيحصل له من السرور والفرح ما يبعث على التحاب والتراحم الذي هو مقصود السلام وقدم المدعو عليه في الشر للإيذان بتخصيصه بذلك فكأنه قيل لك: وحدك ذلك الشر لا شريك لك فيه غيرك والدعاء بالخير. يطلب عمومه وكلما عم الداعي كان أفضل وذكر ابن تيمية حديثاً مرفوعاً عن علي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر به وهو يدعو فقال: "يا علي عمم فضل العموم على

قلت: ويحتمل أن يكون هذا الحديث ورد في بيان الأحسن والأكمل، ولا يكون المراد أن هذا ليس بسلام، والله أعلم. وقد قال الإِمام أبو حامد الغزالي في "الإحياء": يكره أن يقول ابتداءً "عليكم السلام" لهذا الحديث، والمختار أنه يكره الابتداء بهذه الصيغة، فإن ابتدأ وجب الجواب لأنه سلام. فصل: السُّنَّة أن المسلِّم يبدأ بالسلام قبل كل كلام، والأحاديث الصحيحة وعمل سلف الأمة وخلفها على وفق ذلك مشهورة، فهذا هو المعتمد في دليل الفصل. ـــــــــــــــــــــــــــــ الخصوص كفضل السماء على الأرض" اهـ. ملخصاً وقيل: المراد بأن عليك السلام تحية الموتى أنها تحية موتى القلوب فلا تفعلوها. قوله: (ويحتمل أن يكون هذا الحديث ورد في بيان الأحسن) أي من قول السلام عليكم (ولا يكون المراد أن هذا) أي عليكم السلام (ليس بسلام) أي بل هو سلام وإن كانت صيغته خلاف الأفضل بل هي مكروهة كما قال الغزالي وكراهته من حيث الصيغة لا من حيث ذاته وما كان كذلك يجب الرد فيه كما سبق وبما ذكر يجاب عن قول الشيخ الأذرعي لك أن تقول: إذا كره الابتداء بذلك فينبغي ألا يستحق المسلم جواباً لا سيما إذا كان عالماً بالنهي عن ذلك أي لأن عدم استحقاق الجواب إنما هو عند كون المسلم عليه يكره أداء السلام عليه لمعنى فيه كما سيأتي ذكر بعضه أما إذا كان يطلب لكن أتى المسلم بصيغة مكروهة فهو مستحق للرد والله أعلم. فصل قوله: (السنة أن يبدأ بالسلام الخ) فلو أتى به بعد تكلم لم يعتد به نعم يحتمل فيمن تكلم سهواً أو جهلاً وعذر به أنه لا يفوت الابتداء به ويترتب على فوات الابتداء بالكلام وعدمه وجوب الرد عليه وعدمه. قوله: (والأحاديث الصحيحة وعمل سلف الأمة وخلفها على وفق ذلك مشهورة) قال الحافظ: الأحاديث

وأما الحديث الذي رويناه في كتاب الترمذي عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "السلامُ قَبْلَ الكَلام" فهو حديث ضعيف، قال الترمذي: هذا حديث منكر. فصل: الابتداء بالسلام أفضل، ـــــــــــــــــــــــــــــ الصحيحة ليس فيها شيء صريح في ذلك إنما هي وقائع أحوال وسيأتي منها قريباً حديث أسامة بن زيد وحديث أم هانئ وفي صحيح مسلم حديث أبي ذر في قصة إسلامه. قوله: (وأما الحديث الذي رويناه في كتاب الترمذي الخ) قال الحافظ بعد تخريجه بهذا اللفظ وزاد آخره وقال: لا تدعوا أحداً إلى الطعام حتى يسلم هذا الحديث غريب وسنده ضعيف كما قال الشيخ وقد نقل الترمذي تضعيفه أيضاً عن البخاري قال في المشكاة رواه الترمذي وقال: هذا حديث منكر وقال التوربشتي لأن مداره على عيينة بن عبد الرحمن وهو ضعيف جداً ثم إنه يرويه عنه محمد بن زادان وهو منكر الحديث اهـ. قال الحافظ وقد وجدت له شاهداً بسند جيد من حديث ابن عمر ثم أخرجه عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من بدأكم بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه" قال الحافظ بعد تخريجه: حديث غريب أخرجه ابن السني ورجاله من أهل الصدق ولكن بقية بن الوليد أحد رواته مدلس وقد عنعنه وقد تابعه حفص بن عمر الأيلي بفتح الهمز وسكون التحتية بعدها لام في شيخه عبد العزيز يعني ابن أبي رواد وحفص تركوه ومنهم من كذبه أخرجه ابن عدي في ترجمة عبد العزيز وعبد العزيز ضعفه بعضهم بسبب الإرجاء ولا يقدح فيه عند الجمهور اهـ. قوله: (السلام قبل الكلام) أي لأنه تحية يبدأ به فيفوت بالافتتاح بالكلام كتحية المسجد فإنها قبل الجلوس وتفوت به وقد روى القضاعي عن أنس مرفوعاً السلام تحية ملتنا وأمان لذمتنا. فصل قوله: (الابتداء بالسلام أفضل) أي لما ذكره الشيخ ولحديث السلام اسم من أسمائه تعالى وضعه الله في الأرض فأفشوه بينكم فإن الرجل المسلم إذا مر بقوم فسلم عليهم فردوا عليه كان له عليهم فضل درجة بتذكيره إياهم

لقوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "وخَيرُهُما الَّذي يَبْدَأُ بالسَّلام" فينبغي لكل واحد من المتلاقيين أن يحرص على أن يبتدئ بالسلام. ـــــــــــــــــــــــــــــ السلام فإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم وأطيب قال في المرقاة: رواه البزار والبيهقي عن ابن مسعود اهـ وفي الباب أحاديث ذكر الشيخ بعضها وهذا مستثنى من قولهم الفرض أفضل من النفل وقد جمع الحافظ السيوطي صوراً من ذلك في قوله: الفرض أفضل من تطوع نافل ... حتى ولو قد جاء منه بأكثر إلا التطهر قبل وقت وابتدا ... ء بالسلام كذاك إبرا معسر وقد نظمت ذلك وزدت عليه مسألة رابعة في بيتين هما: الفرض أفضل من نفل وإن كثرا ... فيما عدا أربعاً خذها حكت دررا بدء السلام أذان مع طهارتنا ... قبيل وقت وإبراء لمن عسرا وقد نظم هذه الصورة كذلك بعضهم وزاد تعليل الأفضلية في كل منها فقال: أربعة مسنونة إذ تفعل ... أفضل من فعل لفرض يكمل أول تلك البدء بالسلام ... أفضل من رد له تمام والثان فالأذان للمقامه ... أفضل من تأدية الإمامه والثالث الإبراءِ للمكاتب ... أفضل من إيتائه للواجب والرابع الإبراء مما أعسره ... أفضل من إنظاره للميسره كذا رأيت عنهمو منقولا ... من غير أن يوجهوا التفضيلا أن الذي يبدأ بالتحيه ... للاختصاص بمزيد رحمه على الذي أجابه خمسمائه ... تسع وتسعون له مهيأه وللذي أجاب فرداً واحده ... لقب لأخبار بذاك وارده وكون من أذن ذا تأمين ... ومن يؤم خص بالتضمين والسر في ثالثه وآخره ... براءة الذمة دنيا وآخره وإنما يظهر فضل ما فضل ... بكثرة الأجر سوى أصل حصل قوله: (لقوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح) أي حديث أبي أيوب رضي الله

باب الأحوال التي يستحب فيها السلام والتي يكره فيها، والتي يباح

وروينا في سنن أبي داود بإسناد جيد عن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أوْلى النَّاس باللهِ مَنْ بَدَأهُمْ بالسَّلام" وفي رواية الترمذي عن أبي أمامة: قيل: يا رسول الله، الرجلان يلتقيان، أيهما يبدأ بالسلام؟ قالَ: "أوْلاهُما بالله تَعالى" قال الترمذي: حديث حسن. باب الأحوال التي يستحب فيها السلام والتي يكره فيها، والتي يباح ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" أخرجه الشيخان والترمذي وإنما كان خير المتقاطعين من بدأ بالسلام لما فيه من قطع القطيعة وإماتة حظ النفس وغرضها وإلا قال على جبر الخاطر وإزالة الشحناء من البين والله أعلم. قوله: (وروينا في سنن أبي داود) قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث حسن وأخرجه أحمد من وجه ضعيف عن أبي أمامة بلفظ من بدأ بالسلام فهو أولى بالله ورسوله. قوله: (إن أولى النّاس) أي أقربهم من رحمته وقال الطيبي أي أقرب النّاس من المتلاقيين إلى رحمة الله تعالى من بدأ بالسلام، في الكشاف في قوله تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ} أي أخصهم به وأقربهم منه اهـ. قوله: (من بدأهم بالسلام) أي لما فيه من التوادد والتحابب المطلوب من أهل الإيمان وفي شرح السنة للبغوي عن عمر بن الخطاب قال: مما يصفى لك ود أخيك ثلاث أن تبدأه بالسلام إذا لقيته وأن تدعوه بأحب أسمائه إليه وأن توسع له في المجلس مع ما فيه من التواضع وإماتة النظر إلى النفس وإماتة حظها من العلو خصوصاً عند بذل السلام لمن لا يعرفه الإنسان ولا يرجو منه شيئًا والله أعلم. قوله: (قال الترمذي حديث حسن) قال الحافظ: أخرجه الترمذي من طريق سليم بن عامر عن أبي أمامة هكذا وفي سنده يزيد بن سنان وهو ضعيف وقد أخرجه أحمد من وجه آخر ضعيف أيضاً عن أبي أمامة وسبق لفظه اهـ. باب الأحوال التي يستحب فيها السلام والتي يكره فيها والتي يباح

اعلم أنا مأمورون بإفشاء السلام كما قدمناه، لكنه يتأكد في بعض الأحوال ويخفُّ في بعضها. ونهى عنه في بعضها، فأما أحوال تأكُّده واستحبابه فلا تنحصر، فإنها الأصل فلا نتكلَّف التعرُّض لأفرادها. واعلم أنه يدخل في ذلك السلام على الأحياء والموتى، وقد قدّمنا في "كتاب أذكار الجنائز" كيفية السلام على الموتى. وأما الأحوال التي يكره فيها أو يخف أو يباح فهي مستثناة من ذلك فيحتاج إلى بيانها، فمن ذلك إذا كان المسلَّم عليه مشتغلاً بالبول أو الجماع أو نحوهما فيكره أن يسلِّم عليه، ولو سلم لا يستحق جواباً، ومن ذلك من كان نائماً أو ناعساً، ومن ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (فأما أحوال تأكده واستحبابه) أي استحبابه المؤكد بدليل قوله فيما يأتي أما الأحوال التي يكره فيها أو يخف يعني استحبابه الخ. قوله: (وقد قدمنا في الجنائز كيفية السلام على الموتى) أي بأن يقول: السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين أو يقول السلام على أهل الديار من المؤمنين. قوله: (أو يخف) أي أصل الاستحباب فيكون سنة ملحقة بالآداب. قوله: (إذا كان المسلم عليه مشتغلاً بالبول أو بالجماع أو نحوهما فيكره أن يسلم عليه) بالبناء للمفعول وعليه نائب الفاعل هذا هو الأحسن، وكره ذلك للنهي عنه كما سبق في باب كراهة الذكر على قضاء الحاجة من أن مكالمته بعيدة من الأدب والمروءة فلا يلائم ذلك إيجاب الرد وقد تقدم نظم العارف ابن رسلان للمواضع التي يكره فيها ابتداء السلام في باب النهي عن السلام على قاضي الحاجة في أوائل الكتاب. قوله: (ولو سلم) هو بالبناء للفاعل وفاعله المستتر يعود إلى المسلم المفهوم من قوله لم يسلم عليه أي لو سلم المسلم على المشغول بقضاء الحاجة (لم يستحق جواباً) لتقصيره بمكالمة من مكالمته بعيدة عن الأدب والمروءة ومكارم الأخلاق والفتوة. قوله: (ومن ذلك من كان نائماً أو ناعساً) أي من الحال المذكور الذي يكره فيه السلام على من قام به من كان نائماً أو ناعساً قال في شرح الروض الضابط كما قاله الإِمام أن

ذلك من كان مصلياً أو مؤذناً في حال أذانه أو إقامته الصلاة، أو كان في حمام أو نحو ذلك من الأمور التي لا يؤثر السلام عليه فيها، ومن ذلك إذا كان يأكل واللقمة في فمه، فإن سلم عليه في هذه الأحوال لم يستحق جواباً. أما إذا كان على الأكل وليست اللقمة في فمه، فلا بأس بالسلام، ويجب الجواب. وكذلك في حال المبايعة وسائر المعاملات يسلم ويجب الجواب. وأما السلام في حال خطبة الجمعة، فقال أصحابنا: ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون الشخص بحالة لا يليق بالمروءة القرب منه فيها فيدخل فيها النائم والخطيب والمصلي وغيرهم. قوله: (أو مؤذناً في حال أذانه) أي فلا يجيب وفارق القراءة بأنه يخل بشعاره بخلافها ولا يسن في أثنائه وفارق التلبية بأنه فيها يؤدي إلى لبس فيخل بالإعلام المقصود من الأذان بخلاف التلبية نعم يسن له أن يجيب بعد تمام الأذان والإقامة. قوله: (أو كان في حمام) عللت الكراهة باشتغاله بالاغتسال أو بأنه مأوى الشياطين وقضية الأول ندبه على غير المشتغل بشيء وقضية الثاني عدم ندبه على من فيه ولو بمسلخه ويوجه الأول بأن كونه مأوى الشياطين لا يقتضي كراهة الرد عليه ألا ترى أن السوق محلهم أيضاً ويسن السلام على من فيه، ويؤيد ذلك ما في الفتح للحافظ: قال ابن دقيق العيد واحتج من منع السلام على من في الحمام بأنه بيت الشيطان وليس موضع التحية لاشتغال من فيه بالتنظيف قال: وليس هذا المعنى بالقوي في الكراهة بل يدل على عدم الاستحباب اهـ. قوله: (ومن ذلك إذا كان يأكل الخ) الشرب كالأكل كما في التعليقة وفي الروضة للمصنف قال القاضي أبو محمد والمتولي لا يسلم على مشتغل بالأكل ورأى الإِمام حمل ذلك على ما إذا كانت اللقمة في فيه وكان يمضي زمان في المضغ والابتلاع ويعسر الجواب في الحال أما إذا سلم بعد الابتلاع وقبل وضع لقمة أخرى فلا يتوجه المنع. قوله: (وأما السلام في حال الجمعة الخ) المعتمد أنه يجب الرد وإن كان السلام مكروهاً كما في المجموع وغيره وفارق عدم وجوبه على قاضي الحاجة كما تقدم بأن مكالمته لا تليق بالمروءة بخلافه هنا فإنه ليس كذلك ومن ثم

يكره الابتداء به لأنهم مأمورون بالإنصات للخطبة، فإن خالف وسلَّم فهل يرد عليه؟ فيه خلاف لأصحابنا، منهم من قال: لا يرد عليه لتقصيره، ومنهم من قال: إن قلنا: إن الإنصاف واجب لا يرد عليه، وإن قلنا: إن الإنصاف سُنَّة رد عليه واحد من الحاضرين، ولا يرد عليه أكثر من واحد على كل وجه. وأما السلام على المشتغل بقراءة القرآن، فقال الإِمام أبو الحسن الواحدي: الأولى ترك السلام عليه لاشتغاله بالتلاوة، فإن سلم عليه كفاه الرد بالإشارة، وإن رد باللفظ استأنف الاستعاذة ثم عاد إلى التلاوة، هذا كلام الواحدي، وفيه نظر، والظاهر أنه يسلم عليه ويجب الرد باللفظ. أما إذا كان مشتغلاً بالدعاء، مستغرقاً فيه، مجمعَ القلب عليه، فيحتمل أن يقال: هو كالمشتغل بالقراءة على ما ذكرناه، ـــــــــــــــــــــــــــــ وجب الرد هنا وإن لم يشرع السلام لأن عدم مشروعيته لعارض لا لذاته بخلافه ثم. قوله: (ولا يرد عليه أكثر من واحد) أي ولا ينبغي ذلك. قوله: (والظاهر أنه يسلم عليه) أي باللسان وجوباً قال الأذرعي: إذا اتصف القارئ بما ذكره المصنف في الداعي من قوله فأما إذا كان مشتغلاً بالدعاء مستغرقاً فيه الخ فهو كالداعي بل أولى لا سيما المستغرق في التدبر اهـ. وكأنه سبب اعتراض والد الحافظ ابن حجر على المصنف فيما ذكر حيث قال في نكته على الأذكار ما قاله الشيخ في القارئ بأنه يأتي في حقه نظير ما يأتي في الدعاء لأن القارئ قد يستغرق فكره في تدبر معاني ما يقرؤه ثم اعتذر عنه بأن الداعي يكون مهتماً بطلب حاجته فيغلب عليه التوجه طبعاً والقارئ إنما يطلب منه التوجه شرعاً والوساوس مسلطة عليه ولو فرض أن يوفق للحالة العلية فهو نادر اهـ. ولا يخفى أن التعليل الذي ذكره الشيخ من تفكر الداعي يأتي نظيره في القارئ اهـ. كلام الفتح قلت ولك منع جريان التعليل الذي ذكره المصنف في القارئ بأن توجه ذاك لما كان طبعاً تنكدت حاله بما يصرفه عنها ولا كذلك

والأظهر عندي في هذا أنه يكره السلام عليه، لأنه يتنكَّد به ويشق عليه أكثر من مشقة الأكل. وأما الملبِّي في الإحرام فيكره أن يسلَّم عليه، لأنه يكره له قطع التلبية، فإن سلم عليه رد السلام باللفظ، نص عليه الشافعي وأصحابنا رحمَهم الله. فصل: تقدَّمت الأحوال التي يكره فيها السلام، وذكرنا أنه لا يستحق فيها جواباً، فلو أراد المسلَّم عليه أن يتبرع برد السلام، هل يشرع له، أو يستحب؟ فيه تفصيل، فأما المشتغل بالبول ونحوه، فيكره له رد السلام، وقد قدَّمنا هذا في أول الكتاب، وأما الآكل ونحوه ـــــــــــــــــــــــــــــ القارئ لأنه مأمور بالتوجه شرعاً وقد جرى ابن حجر الهيتمي في تحفته على ما أومأ إليه كلامه من اعتبار عدم الاستغراق في القراءة وعدم التنكد بذلك حيث قال رجح المصنف ندبه على القارئ وإن اشتغل بالتدبر ووجوب الرد عليه ويتجه أخذاً مما مر أنه في متدبر لم يستغرق في التدبر قلبه وإلا فإن شق عليه لم يسن ابتداء ولا جواب له لأنه الآن بمنزلة غير المميز بل ينبغي فيما لو استغرقه هم كذلك أن يكون حكمه ذلك اهـ. قوله: (والأظهر عندي أنه يكره السلام عليه) أي فلا يجب عليه الرد وقد ورد من شغل متوجهاً إلى الله تعالى أدركه المقت في الوقت. قوله: (وأما الملبي في الإحرام) افهم التقييد أنه لا يكره السلام عليه فيها في غير الإحرام وهو كذلك لعدم مشروعيتها. قوله: (رد باللفظ) أي استحباباً وتأخيره إلى فراغها أحب كما في المؤذن ويفرق بين عدم وجوب الرد عليهما وبين وجوبه على القارئ بأنه مفوت لشعارهما بخلافه وبين الندب في التلبية وعدمه للمؤذن بأنه قد يخل بالإعلام المؤدي إلى لبس بخلافه فيها. فصل قوله: (فأما المشتغل بالبول ونحوه) أي كالمشتغل بالجماع. قوله: (فيكره له) كراهة تنزيه، أخرج الشافعي بسنده أن رجلاً سلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يبول فرد عليه وفيه أنه أخبره أنه إن عاد إلى مثل ذلك لا يرد عليه فهذا بيان للجواز وسبق

باب من يسلم عليه ومن لا يسلم عليه ومن يرد عليه ومن لا يرد عليه

فيستحب له الجواب في الموضع الذي لا يجب، وأما المصلَّي، فيحرم عليه أن يقول: وعليكم السلام، فإن فعل ذلك بطلت صلاته إن كان عالماً بتحريمه، وإن كان جاهلاً، لم تبطل على أصح الوجهين عندنا، وإن قال: عليه السلام، بلفظ الغَيبة، لم تبطل صلاته، لأنه دعاء ليس بخطاب، والمستحب أن يرد عليه في الصلاة بالإشارة، ولا يتلفظ بشيء، وإن رد بعد الفراغ من الصلاة باللفظ، فلا بأس. وأما المؤذن، فلا يكره له رد الجواب بلفظه المعتاد، لأن ذلك يسير لا يبطل الأذان ولا يخل به. باب من يسلَّم عليه ومن لا يسلَّم عليه ومن يُرد عليه ومن لا يُرد عليه ـــــــــــــــــــــــــــــ في باب كراهة الذكر على قضاء الحاجة أول الكتاب مزيد لهذا المقام. قوله: (وأما المصلي فحرام عليه أن يقول وعليكم السلام) أي إذا كانت الصلاة فرضاً لأنها التي يحرم قطعها أو نفلاً أراد استدامتها مع ذلك فيحرم لما فيه من تعاطي العبادة الفاسدة قال الحافظ وما ذكره الشيخ في بطلان الصلاة إذا أورد السلام بالخطاب ليس متفقاً عليه فعن الشافعي نص أنه لا يبطل لأنه لا يراد حقيقة الخطاب بل الدعاء اهـ. قوله: (وإن كان جاهلاً) أو معذوراً لقرب إسلامه أو لبعده عن الماء. قوله: (لم تبطل على أصح الوجهين) ففي الحديث أن إنساناً عطس فشمته بعض من كان حديث عهد بإسلام بقوله: يرحمك الله فرمقه القوم بأبصارهم فقال: واثكل أماه ما بالكم تنظرون إلي؟ الحديث فقال له -صلى الله عليه وسلم- بعد تمام الصلاة: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام النّاس" ولم ينقل أنه أمره بالإعادة فدل على عذر الجاهل المعذور بالكلام المذكور ونحوه والحديث عند مسلم وغيره. قوله: (أما المؤذن فلا يكره له) أي ولا يسن له ذلك في أثناء الأذان وإن كان يسيراً نعم إن فعله عقبه فهو أحب كما تقدم. باب من يسلم عليه ومن لا يسلم عليه ومن يرد عليه ومن لا يرد عليه

اعلم أن الرجل المسلم الذي ليس بمشهور بفسق ولا بدعة يسلِّم ويسلَّم عليه، فيسن له السلام ويجب الرد عليه. قال أصحابنا: والمرأة مع المرأة كالرجل مع الرجل. وأما المرأة مع الرجل، فقال الإِمام أبو سعد المتولي: إن كانت زوجته أو جاريته أو مَحرَماً من محارمه، فهي معه كالرجل مع الرجل، فيستحب لكل واحد منهما ابتداء الآخر بالسلام، ويجب من الآخر رد السلام عليه، وإن كانت أجنبية، فإن كانت جميلة يخاف الافتتان بها لم يسلِّم الرجل عليها، ولو سلم، لم يجز لها رد الجواب ولم تسلِّم هي عليه ابتداءً، فإن سلَّمت، لم تستحق جواباً، فإن أجابها كره له، وإن كانت عجوزاً لا يفتتن بها، جاز أن تسلِّم على الرجل، وعلى الرجل رد السلام عليها، وإذا كانت النساء جمعاً، فيسلِّم عليهنَّ الرجل، أو كان الرجال جمعاً كثيراً، فسلَّموا على المرأة الواحدة جاز إذا لم يُخفْ عليه ولا عليهن ولا عليها ولا عليهم فتنة. ـــــــــــــــــــــــــــــ الباب السابق لبيان من يكره السلام عليه لأمر عارض ومن لا يطلب الرد عليه كذلك وهذا فيه بيان من لا يطلب السلام عليه لذاته وفي بيان من لا يرد عليه لذاته أيضاً. قوله: (ولو سلم لم يجز لها رد الجواب ولم تسلم هي عليه ابتداء) أي يحرم على الشابة ابتداء الأجنبي بالسلام والرد عليه وفارق كراهتها له من الرجل بأن ابتداءها وردها يطمعه فيها أكثر بخلاف ابتدائه ورده والخنثى مع الرجل كإمرأة ومع المرأة كرجل في النظر فكذا هنا. قوله: (إذا لم يخف عليه ولا عليهن ولا عليها أو عليهم فتنة) فإن خيفت فتنة فيحرم سلام الرجل على جمع النساء وسلام الرجال على المرأة هذا ما أفهمه إطلاقه وليس بواضح في الأولى فقد أطلق الأصحاب جواز سلام جمع النساء على الرجل وكذا سلامه عليهن بل يندب له ابتداؤهن به ويجب الرد على إحداهن حينئذٍ وعللوه كما في التحفة لابن حجر بأنه لا يخشى فتنة حينئذٍ ومن ثم حلت الخلوة بامرأتين اهـ. وكأنه لم ينظر لتوهمها اكتفاء بكون ذلك ليس مظنة

روينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه وغيرها عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: "مر علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في نسوة فسلم علينا" قال الترمذي: حديث حسن. وهذا الذي ذكرته لفظ رواية أبي داود. وأما رواية الترمذي، ففيها عن أسماء "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مر في المسجد يوماً وعصبة من النساء قعود، فألوى بيده بالتسليم". وروينا في كتاب ابن السني عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه "أن رسول -صلى الله عليه وسلم- مر على نسوة فسلم عليهن". ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك غالباً إذ النساء عند اجتماعهن تنقطع الأطماع عنهن غالباً ولا كذلك المرأة مع جمع الرجال فيشترط في سلامهم عليها الأمن من الفتنة والله أعلم وسكت عن سلام جمع الرجال على جمع النساء وعكسه. قوله: (روينا في سنن أبي داود الخ) سبق تخريجه والكلام على بعض ما يتعلق في باب كراهة الإشارة بالسلام. قوله: (فألوى بيده بالتسليم) أي أشار بها وتلفظ بالسلام إعمالاً للروايتين كما سبق بيانه. قوله: (وروينا في كتاب ابن السني) قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث غريب رجاله رجال الصحيح إلا جابراً وهو ابن يزيد الجعفي فهو ضعيف أخرجه ابن السني عن أبي يعلى والحافظ أخرج الحديث من طريق أبي يعلى أيضاً. قوله: (عن جرير بن عبد الله) هو البجلي وبجيلة بفتح الموحدة وكسر الجيم من ولد أنمار بن نزار بن معد بن عدنان واختلف في بجيلة هل هي أب أو أم؟ نسبت القبيلة إليها كذا في المفهم للقرطبي، وفي التهذيب للمصنف بجيلة بنت أنما ابن أوس نسب إليها القبيلة وفي الاستيعاب لابن عبد البر لم يختلفوا أن بجيلة أمهم نسبوا إليها وهي بجيلة بنت مصعب بن علي بن سعد العشيرة اهـ. وجرير هذا هو سيد بجيلة يكنى أبا عمرو وقال فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أقبل وافداً يطلع عليكم خير ذي يمن: "كأن على وجهه مسحة ملك" فطلع جرير وكان عمر يقول: فيه جرير بن عبد الله يوسف هذه الأمة وفيه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه" وقال له عمر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله عنه: ما زلت سيداً في الجاهلية والإسلام وبسط له -صلى الله عليه وسلم- ثوباً ليجلس عليه قال في المفهم أسلم قبل موت النبي -صلى الله عليه وسلم- بأربعين يوماً ومثله في الاستيعاب وعبارته أسلم في العام الذي توفي فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال جرير: أسلمت قبل موته بأربعين يوماً ونقله بنحوه ابن الأثير في أسد الغابة لكن يشكل عليه حديث الصحيحين عنه رضي الله عنه قال: قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يوم عرفة استنصت لي النّاس" أورده بهذا اللفظ وعزاه للصحيحين العامري في الرياض وعزاه المصنف في التهذيب كذلك لكن لم أر فيه قال: قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم- الخ ولعل إسقاط لي وقع من قلم الكاتب ثم رأيتها ثابتة كذلك في باب العلم وغيره من صحيح البخاري وفي كتاب الإيمان من صحيح مسلم وقد أحسن صاحب الرياض حيث قال: أسلم في السنة العاشرة أي التي وقعت حجة الوداع فيها ثم رأيت الحافظ الذهبي قال في كتابه تهذيب الكمال أسلم سنة عشر في رمضان اهـ. وهذا واضح جلي لا يخالفه شيء من الأخبار والله أعلم بحقيقة الحال، قال السيوطي في التوشيح: ادعى بعضهم زيادة لفظ لي لأن جريراً أسلم بعد حجة الوداع بنحو شهرين فيما جزم به ابن عبد البر ورد بأن البغوي وابن حبان قالا: إنه أسلم قبلها في رمضان واللفظة ثابتة في الأمهات القديمة فتقدم اهـ. نزل جرير الكوفة: بعد موت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واتخذ بها داراً ثم تحول إلى قرقيسا ومات بها سنة أربع وخمسين وقيل: سنة إحدى وخمسين وقيل: مات بالسراة في ولاية الضحاك بن قيس على الكوفة لمعاوية روي له عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما قيل مائة حديث اتفقا منها على ثمانية وانفرد البخاري بحديث ومسلم بستة ومن فضائله ما في الصحيحين عن جرير قال: كان في الجاهلية بيت لخثعم يقال له ذو الخلصة والكعبة اليمانية فنفرت إليه بمائة وخمسين فارساً من أحمس فكسرناه وقتلنا من وجدنا عنده فأتينا النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبرناه فدعا لنا وفي رواية قال: انطلق فحرقها بالنار ثم بعث جرير رجلاً إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبشره أنهم تركوها كالجمل الأجرب فبرك -صلى الله عليه وسلم- على خيل أحمس ورجالها خمس مرات ومناقبه كثيرة قال المصنف في التهذيب ومن مستظرفات مناقبه رضي الله عنه أنه اشترى له وكيله فرساً بثلاثمائة

وروينا في "صحيح البخاري" عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: "كانت فينا امرأة -وفي رواية: كانت لنا عجوز- تأخذ من أصول السِّلْق فتطرحه في القِدْر وتُكَرْكِرُ حَبَّابٍ من شعير، فإذا صلينا الجمعة انصرفنا نسلَّمْ عليها، فتقدِّمه إلينا". قلت: تكَركر، معناه: تطحن. وروينا في "صحيح مسلم" ـــــــــــــــــــــــــــــ درهم فرآها جرير فتخيل له أنها تساوي أربعمائة درهم فقال لصاحبها أتبيعها بأربعمائة درهم قال: نعم ثم تخيل أنها تساوي خمسمائة درهم فقال: أتبيعها بخمسمائة درهم ثم بسبعمائة ثم ثمانمائة فاشتراها بثمانمائة اهـ. وسببه أنه بايع النبي -صلى الله عليه وسلم- على النصح لكل مسلم كما جاء عنه لما سئل عن ذلك كما ذكره المصنف في شرح مسلم وفي تذهيب التهذيب للكمال الذهبي كان جرير إذا اشترى الشيء قال لصاحبه تعلم والله أن الذي اشترينا منك أعجب إلينا من ثمنه. قوله: (وروينا في صحيح البخاري الخ) هذا اللفظ في إحدى روايات البخاري وفيه بعد قوله فتقدمه إلينا وما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة قال الحافظ: أخرج مسلم منه الجملة الأخيرة مقتصراً عليها وفي رواية للبخاري عن سهل بن سعد أيضاً قال: كانت فينا امرأة تجعل على أربعاء في مزرعة لها سلقاً فذكر الحديث وفيه ثم تجعل قبضة من شعير تطحنها وفي آخره وكنا نتمنى يوم الجمعة لطعامها ذلك قال الحافظ أخرجه الإسماعيلي وابن حبان. قوله: (من أصول السلق) بكسر السين المهملة وإسكان اللام بعدها قاف بقل معروف. قوله: (فتطرحه) أي المأخوذ أي تطرح السلق قال الكرماني في الحديث الإيثار بالقليل الحقير وفيه السلام على المرأة الأجنبية وفيه قناعة الصحابة وعدم حرصهم على الدنيا ولذاتها اهـ. قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) قال الحافظ بعد تخريجه: أخرجه مسلم وابن حبان قلت ورواه البخاري أيضاً كما سيأتي في كتاب الاستئذان للمصنف والحديث عند الترمذي والنسائي ثم في هذا الخبر بطريقه أنها جاءته وهو يغتسل وفاطمة تستره وفي رواية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اغتسل في بيتها يوم الفتح وجمع بينهما بإمكان وقوع كل فمرة كان

عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها قالت: "أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح وهو يغتسل، وفاطمة تستره، فسلَّمت ... " وذكرت الحديث. فصل: وأما أهل الذمة فاختلف أصحابنا فيهم، ـــــــــــــــــــــــــــــ ببيتها ومرة ذهبت إليه أو يقال: إنه كان في بيتها ولا ينافيه كون فاطمة عنده تستره أو يقال: كان لها بيتان أحدهما كان -صلى الله عليه وسلم- سكن فيه والآخر سكناها فالإضافة إليها باعتبار مالكيتها وإليه باعتبار سكناه والله أعلم. قوله: (عن أم هانئ) أي بهمزة آخره قال المصنف في التهذيب لا خلاف فيه بين أهل اللغة والأسماء كلهم مصرحون به وهي بنت أبي طالب أخت علي لأبويه واسمها فاختة حكاه ابن الأثير وقال المصنف إنه المشهور كما سيأتي وقيل هند أسلمت عام الفتح وكانت تحت هبيرة بن عمرو فولدت له عمراً وهانئاً ويوسف وجعدة روي لها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما قيل: ستة وأربعون حديثاً اتفقا منها على واحد وخرج حديثها الجماعة وروى عنها ابنها جعدة وحفيدها يحيى بن جعدة وعروة وطائفة ماتت في زمن معاوية. قوله: (يوم الفتح) أي فتح مكة وكان في رمضان من السنة الثامنة من الهجرة. قوله: (الحديث) وفيه فقال: من هذه: فقلت: أم هانئ بنت أبي طالب فقال: مرحباً بأم هانئ الحديث في قصتها مع أخيها علي لما أراد قتل من أجارته وفي آخره قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ" قال المصنف في الحديث: سلام المرأة التي ليست بمحرم على الرجل بحضرة محارمه، قولها: فقلت: أم هانئ بنت أبي طالب فيه أنه لا بأس أن يكني الإنسان نفسه على سبيل التعريف إذا اشتهر بالكنية وفيه أنه إذا استأذن يقول المستأذن عليه من هذا فيقول المستأذن: فلان باسم يعرفه به المخاطب، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "مرحباً بأم هانئ" فيه استحباب قول الإنسان لزائره والوارد عليه مرحباً ونحوه من ألفاظ الإكرام والملاطفة ومعنى مرحبا صادفت رحباً أي سعة اهـ. فصل قوله: (وأما أهل الذمة) كذا ترجم هنا والأحاديث وترجم غالب الأصحاب السلام على أهل الكتاب الشامل لأهل الذمة وذوي الحرابة والله أعلم.

فقطع الأكثرون بأنه لا يجوز ابتداؤهم بالسلام، وقال آخرون: ليس هو بحرام، بل هو مكروه، فإن سلَّموا هم على مسلم قال في الرد: وعليكم، ولا يزيد على هذا. وحكى أقضى القضاة الماوردي وجهاً لبعض أصحابنا، أنه يجوز ابتداؤهم بالسلام، لكن يقتصر المسلِّم على قوله: السلام عليك، ولا يذكره بلفظ الجمع. ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم رأيت في التحفة لابن حجر يحرم أي الجواب لمن سلم عليه نحو حربي أو مرتد وذلك مؤيد لما ترجم به المصنف مبين أن لفظ أهل الكتاب أو اليهود أو النصارى الوارد في الأخبار من العام المراد به الخاص. قوله: (فقطع الأكثرون بأنه لا يجوز ابتداؤهم بالسلام الخ) قال العلوي وفي الشامل في الوليمة لا يجب رد السلام على أهل الذمة اهـ. والصحيح من مذهبنا وجوب الرد لكن يقتصر على قوله: وعليكم. قوله: (وقال آخرون ليس هو بحرام الخ) قال المصنف في شرح مسلم وهذا ضعيف لأن النهي للتحريم والصواب تحريم ابتدائهم اهـ (فإن سلموا هم) أي أهل الذمة (على مسلم قال) أي المسلم وجوباً (في الرد وعليكوا) قال المصنف في شرح مسلم دليل تحريم ابتدائهم قوله -صلى الله عليه وسلم-: " لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام" ودليل وجوب الرد قوله في الحديث الآخر فقولوا: وعليكم وما ذكرناه عن مذهبنا قال به أكثر العلماء وعليه السلف وقال البلقيني والأذرعي والزركشي يسن الرد عليهم ولا يجب وخرج بقوله فإن سلموا هم أي أهل الذمة ما إذا سلم الحربي وفي معناه المرتد فلا يجب الرد عليهم بل يحرم كما تقدم آنفاً. قوله: (وحكى أقضى القضاة الماوردي الخ) في شرح مسلم للمصنف وذهبت طائفة إلى جواز ابتدائنا لهم بالسلام وروي ذلك عن ابن عباس وأبي أمامة وابن محيريز وهو وجه لبعض أصحابنا حكاه الماوردي لكنه قال: يقول: السلام عليك ولا يقول عليكم بالجمع واحتج هؤلاء بعموم أحاديث إفشاء السلام وهي حجة باطلة لأنه عام مخصوص بحديث: "لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام" وحكى القاضي عن جماعة أنه يجوز ابتداؤهم به لضرورة أو حاجة أو سبب وهو قول علقمة والنخعي وعن الأوزاعي

وحكى الماوردي وجهاً أنه يقول في الرد عليهم إذا ابتدؤوا: وعليكم السلام، ولكن لا يقول: ورحمة الله، وهذان الوجهان شاذان ومردودان. روينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تَبْدَؤوا اليَهُودَ ولا النَّصَارى بالسَّلام فإذا لَقِيتُمْ أحَدَهُمْ في طَريقِ فاضْطَرُّوهُ إلى أضْيَقِهِ". وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذَا سَلَّمَ عَلَيكُمْ أهْلُ الكِتابِ فَقُولُوا: وعَلَيكمْ". ـــــــــــــــــــــــــــــ إن سلمت فقد سلم الصالحون وإن تركت فقد ترك الصالحون. قوله: (وحكى الماوردي الخ) قال المصنف في شرح مسلم وهو ضعيف مخالف للأحاديث. قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) قال الحافظ بعد تخريجه لكن أخرجه بلفظ وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقها أخرجه أحمد ومسلم وأبو عوانة في صحيحه اهـ. قال في المرقاة وكذا أخرجه أبو داود والترمذي. قوله: (لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام) أي لأن الابتداء به إعزاز للمسلم عليه ولا يجوز إعزازهم وكذا لا يجوز توادهم وتحابهم بالسلام قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ}، الآية. قوله: (فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقها) قال المصنف قال أصحابنا: لا يترك للذمي صدر الطريق بل يضطر أي يلجأ إلى أضيقها إذا كان المسلمون يطرقون فإن خلت الطريق عن الزحمة أي إما بالفعل وإما بأن يؤمر بالعدول عن وسط الطريق إلى أحد طرفيه فلا حرج وليكن التضييق بحيث لا يقع في وهدة ولا يصدمه جدار ونحوه اهـ. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) هكذا هو عند الشيخين وأخرجه أحمد والنسائي كلهم من طريق شعبة بهذا اللفظ قال: قولوا وعليكم وأخرجه أيضاً من طريق حماد بن سلمة عن قتادة والقاسم كلاهما عن أنس قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: عليكم" هكذا فيه بغير

وروينا في "صحيح البخاري" عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذَا سَلَّمَ عَلَيكُمُ اليَهُودُ فإنَّمَا يَقُولُ أحَدُهُم: السَّلام عَلَيكَ، فَقُلْ: وَعَلَيكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ واو اهـ. من كلام الحافظ ملخصاً وفي شرح مسلم للمؤلف جاءت للأحاديث التي ذكرها مسلم عليكم وعليكم بإثبات الواو وحذفها وأكثر الروايات إثباتها وفي الجامع الصغير بعد ذكر الحديث عن أنس بهذا اللفظ رواه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي وفي بدائع الفوائد لابن القيم قال الخطابي: المحدثون يروونه بالواو وقال أبو داود وكذا رواه مالك عن ابن دينار وكذا رواه الثوري فقال: وعليكم وأخرجه الترمذي والنسائي كذلك اهـ. وحديث مالك الذي ذكره أبو داود أخرجه البخاري في صحيحه وحديث سفيان متفق عليه وما أشار إليه الخطابي من أن ابن عيينة رواه بحذف الواو فهو كذلك عنه عند النسائي في سننه أشار إليه الحافظ وسيأتي لهذا المعنى مزيد. قوله: (وروينا في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما الخ) قال في السلاح خرج حديث ابن عمر أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم: السام عليكم فقل: وعليك" الجماعة إلا ابن ماجه وفي رواية للنسائي فقل: عليك بغير واو اهـ. وقال الحافظ بعد تخريجه أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن عبد الله بن دينار هكذا أي بإثبات الواو في وعليك وكذا رواه بالإثبات سفيان بن عيينة عن عبد الله بن دينار ورواه يحيى بن يحيى عن مالك بحذفها من عليك وكذا رواه عنه خالد بن مخلد قال الحافظ ولم يذكر المؤلف أن مسلماً أخرج الحديث مع أنه عنده لكن من غير رواية مالك ولفظه إن اليهود إذا سلموا عليكم يقول أحدهم: السام عليكم فقل: عليك وفي رواية فقل: وعليك فأخرجه بغير واو الترمذي والنسائي أيضاً وخرجه الحافظ من طرق أخرى، والسام قال الطيبي رواه قتادة مهموزاً وقال: معناه يسأمون دينكم ورواه غيره السام وهو الموت فإن كان عربياً فهو من سام يسوم إذا مضى لأن الموت مضى اهـ. قيل: وهذا المعنى غير مذكور في القاموس إنما فيه سوم فلاناً خلاه ولعله أقرب مأخذ للمعنى اهـ. قال المصنف في شرح مسلم على إثبات الواو في معنى قوله: وعليكم وجهان أحدهما أنه على ظاهره أي أن السام الذي هو الموت علينا وعليكم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أيضاً أي نحن وأنتم فيه سواء أي كلنا نموت وعليه فالواو عاطفة قلت لكن نقل بعضهم عن القاضي عياض أنه إذا علم التعريض بالدعاء علينا فالوجه أن يقدر وأقول عليكم ما تريدون بنا أو ما تستحقونه ولا يكون وعليكم عطفاً على عليكم في كلامهم وإلا لتضمن ذلك تقرير دعائهم ولذا جاء في الرواية بغير واو اهـ. وظاهر كلام المصنف أنها للعطف وإن علم أنهم عرضوا بالسلام مريدين به الموت ولا ضرر في تقرير دعائهم به والله أعلم، الثاني أن الواو هنا للاستئناف وتقديره وعليكم ما تستحقونه من الذم أما من حذف الواو فتقديره عليكم السام قال القاضي: اختار بعض العلماء منهم ابن حبيب المالكي حذف الواو لئلا تقتضي التشريك وقال غيره بإثباتها كما هو في أكثر الروايات قال وقال بعضهم: عليكم السلام بكسر السين أي الحجارة وهذا ضعيف وقال الخطابي عامة المحدثين يروون هذا الحرف بالواو وكان ابن عيينة يرويه بغير واو وقال الخطابي: هذا هو الصواب لأنه إذا حذف الواو صار كلامهم بعينه مردوداً عليهم خاصة وإذا أثبت الواو اقتضى المشاركة معهم فيما قالوه: هذا كلام الخطابي والصواب أن إثبات الواو وحذفها جائزان كما صحت به الروايات وأن الواو أجود كما هو في أكثر الروايات ولا مفسدة فيه لأن السام الموت وهو علينا وعليهم فلا ضرر في قوله بالواو اهـ. وفي السلاح بعد نقل كلام الخطابي ما لفظه وقال غيره أما من فسر السام بالموت فلا يبعد الواو ومن فسره بالسآمة وهي الملالة أي تسامون دينكم فإسقاط الواو هو الوجه اهـ. وجمع في الحرز بجمع آخر وهو حمل حذف الواو على صدوره منه -صلى الله عليه وسلم- عند قولهم: السام عليك وإثباتها على صدوره منه -صلى الله عليه وسلم- عند قولهم: السلام عليك وأراد به السلامة الدنيوية لهم بناء على حسن المعاشرة العرفية وهو الظاهر من إطلاق الآية القرآنية {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} وهذا للمسلمين {أَوْ رُدُّوهَا} وهذا لأهل الكتاب والله أعلم بالصواب وفي بديع الفوائد لابن القيم في إدخال الواو هنا سر لطيف هو الدلالة على أن هذا الذي طلبوه ودعوا به لنا هو بعينه مردود عليهم لا غيره فإدخال الواو مفيد لهذه النكتة البديعة ونظير هذا في الخبر إذا قلت: غفر الله لك فقيل: ولك فكأن المعنى أن هذه الدعوة بعينها مني لك فلو قلت لك بحذف الواو لم يكن فيه إشعار بأن الدعاء الثاني هو الأول بعينه فتأمله فإنه بديع جداً وعليه فالصواب إثبات الواو كما هو ثابت في الصحيح والسنن وقال

وفي المسألة أحاديث كثيرة بنحو ما ذكرنا، والله أعلم. قال أبو سعد المتولي: ولو سلَّم على رجل ظنه مسلماً، فبان كافراً، يستحب أن يستردَّ سلامه ـــــــــــــــــــــــــــــ التوربشتي: إثبات الواو في الرد عليهم إنما يحمل على معنى الدعاء لهم بالإسلام فإنه مناط السلامة في الدارين إذا لم يعلم منهم تعريض بالدعاء علينا وأما إذا علم ذلك فالوجه فيه أن يكون التقدير وأقول عليكم ما تستحقونه وإنما اختار -صلى الله عليه وسلم- هذه الصيغة ليكون أبعد من الإيحاش وأقرب إلى الرفق فإن رد التحية يكون إما بأحسن منها أو بقولنا: وعليك السلام والرد بأحسن عليهم لا يجوز لنا ولا رد بأقل من قولنا: وعليك وأما الرد بغير الواو فظاهر أي عليكم ما تستحقونه اهـ. وفي بديع الفوائد أيضاً إنما اقتصر في الرد علي أهل الكتاب على قوله وعليكم لأن ذلك متضمن للرد فهو مماثل لقول المسلم: السلام عليك ولم يزد فيه السلام لأنهم ربما كانوا يحرفونه ولا يعدلون فيه وربما كانوا يسلمون سلاماً صحيحاً غير محرف ويشتبه الأمر فيه على السامع فندب إلى هذا اللفظ المفرد المتضمن لرده عليهم نظير ما قالوه ولم تشرع فيه الجملة التامة لأنها إما تتضمن من التحريف مثل ما قالوا ولا يليق بالمسلم تحريف السلام الذي هو تحية أهل الإسلام وإما يرد سلاماً صحيحاً غير محرف مع كون المسلم محرفاً للسلام فلا يستحق الرد الصحيح فكان العدول إلى المفرد وهو عليك مقتضى الحكمة مع ما فيه من السلامة من تحريف ذكر الله تعالى، والحاصل أن عليكم يكفي في مقصود الجواب وإنما زيد المسلم السلام تكميلاً للعدل ودفعاً لأن يتوهم إرادة غيره اهـ. بالمعنى وهو بديع نفيس والله أعلم. قوله: (وفي المسألة أحاديث كثيرة) قال الحافظ منها حديث عائشة في الصحيحين من طريق الزهري عن عروة عنها قالت: دخل وهي من اليهود فقالوا: السام عليك ففهمتها الحديث وفيه ألم تسمع ما قالوا قال: قد قلت: وعليكم لفظ شعيب عند البخاري ولفظ مسلم عن سفيان بغير واو وأخرجه البزار من وجه آخر عن أنس فيه زيادة وقال في رواية السأم عليكم أي بالهمز أي تسأمون دينكم وفي آخره قد قلت: عليكم أي عليكم ما قلتم هكذا في نفس الحديث ويغلب على الظن أن التفسير مدرج في الخبر من بعض الرواة لكن الإدراج لا يثبت بالاحتمال والعلم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عند الله وأصل حديث أنس في الصحيح ثم أخرجه الحافظ عن أنس قال: أتى رجل من أهل الكتاب فسلم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: السام عليك فقال عمر: ألا أضرب عنقه فقال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: عليكم" وقال بعد تخريجه: أخرجه أحمد وفي رواية بعد قوله: أضرب عنقه فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا" وأخرجه البخاري من طريق ابن المبارك عن شعبة ووقع في روايته فقالوا: ألا نقتله ولم يسم عمر ومنها في حديث زيد بن أرقم عند الطبراني في المعجم الكبير ويستفاد منه أن اسم اليهودي الذي سلم ثعلبة بن الحارث ولفظ الحديث عن زيد بن أرقم قال: بينا أنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أقبل رجل من اليهود يقال له: ثعلبة بن الحارث فقال: السام عليك يا محمد الحديث قال الحافظ وسنده واه، ومنها حديث أنس كما سبق ومنها حديث جابر قال: سلم ناس من اليهود على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم فقال: وعليكم فقالت عائشة وغضبت: ألم تسمع ما قالوا قال: بلى في سمعت ورددتها عليهم إنا نجاب ولا يجابون علينا قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الإِمام أحمد وغيره أخرجه مسلم، ومنها حديث أبي بصرة بفتح الموحدة وسكون المهملة وأبي عبد الرحمن الجهني ذكر ذلك الترمذي عقب حديث عائشة حيث قال وفي الباب الخ قال الحافظ هو حديث واحد اختلف على بعض رواته في صحابيه، ثم أخرجه الحافظ عن أبي بصرة الغفاري واسمه حميل بمهملة مصغر رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إني راكب غداً إلى يهود فمن انطلق منكم معي فلا يبدؤهم بالسلام" فلما جئناهم سلموا علينا فقلنا: وعليكم قال الحافظ بعد تخريجه بهذا اللفظ: هذا حديث صحيح أخرجه أحمد والنسائي ووقع عنده وعند أحمد في رواية بعد قوله بالسلام فإذا سلموا عليكم فقولوا: وعليكم وهكذا رواه ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير اليزني عن مرثد بفتح أوله والمثلثة بينهما مهملة ساكنة عن أبي بصرة ثم أخرج الحافظ طريق ابن لهيعة المذكورة وقال فذكر الحديث بتمامه أخرجه محمد بن الربيع الجيزي في مسند الصحابة المصريين وقال في روايته فركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حماراً وساق الحديث ورواه محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب فاختلف عليه في صحابيه فوافق الجماعة تارة وخالفهم أخرى ثم أخرج الحافظ عن حبيب عن مرثد بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الجهني رضي الله عنه قال: قال

فيقول له: رِدَّ عليَّ سلامي، والغرض من ذلك أن يُوحِشه ويُظْهِرَ له أنه ليس بينهما أُلفة. وروي أن ابن عمر رضي الله عنهما سلّم على رجل، فقيل: إنه يهودي، فتبعه وقال له: ردَّ على سلامي. قلت: ـــــــــــــــــــــــــــــ لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إني راكب غداً إلى يهود فلا تبدؤوهم بالسلام وإذا سلموا عليكم فقولوا: وعليكم" ثم قال أخرجه ابن ماجه ومحمد بن الربيع أيضاً والطحاوي تنتهي طرقهم إلى ابن إسحاق بالسند المذكور قال أبو جعفر: سألت يوسف عن أبي عبد الرحمن فقال: لا أعرفه ولكن هكذا حدثني عبد الرحيم يشير به إلى أن المشهور بهذا السند أبو بصرة الغفاري كما تقدم وقال أبو القاسم بن عبد الحكم في كتاب فتوح مصر هذا خطأ وإنما هو أبو بصرة كما قال ابن لهيعة والليث وغيرهما عن يزيد بن أبي حبيب، وأخرجه الحافظ أيضاً من طريق ابن إسحاق عن يزيد عن أبي الخير عن أبي بصرة فذكر مثل الرواية السابقة أولاً ثم قال الحافظ: فيحتمل أن يكون عنده على الوجهين وإلا فهي شاذة لمخالفة العدد الكثير عن ابن إسحاق والمراد من قوله فهي أي رواية ابن إسحاق الخبر من حديث أبي بصرة شاذة فإن الراوية عنه إنما روى الحديث من جهته من حديث أبي عبد الرحمن قال الحافظ ورواه من جهته من حديث أبي بصرة الطبراني قال الحافظ وأخرجها محمد بن الربيع عن القطان أيضاً فلم ينفرد بها الطبراني. قوله: (فيقول له رد علي سلامي) أي ومثله استرجعت سلامي قال في شرح الروض فكل من الصيغتين كاف في ذلك قال في المرقاة ولا بأس بمثل هذا للمبتدع أو للمباغض أو المتكبر الذي لم يرد عليه السلام اهـ، والمقرر أنه إذا لم يرد عليه فيستحب له إبراء المسلم عليه بقوله: أسقطت حقي ليبرأ من حقه وما قاله في المبتدع غير بعيد إلا أن أصحابنا لم أر عنهم النقل بذلك والله أعلم وسيأتي في الأصل قريباً حكم المبتدع في ابتدائه بالسلام والرد عليه. قوله: (روي أن ابن عمر الخ) قال الحافظ: لم يذكر المصنف من خرجه وقد وجدته في جامع ابن وهب وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان من طريقه عن السري بن

وقد روينا في "موطأ مالك" رحمه الله أن مالكاً سئل عمن سلم على اليهودي أو النصراني هل يستقيله ذلك؟ فقال: لا، فهذا مذهبه، واختاره ابن العربي المالكي. قال أبو سعد: لو أراد تحية ذمي، فعلها بغير السلام، بأن يقول: هداك الله، أو أنعم الله صباحك. قلت: هذا الذي قاله أبو سعد لا بأس به إذا احتاج إليه، فيقول: صُبِّحت بالخير، أو السعادة، أو بالعافية، أو صبَّحك الله بالسرور، أو بالسعادة والنعمة، أو بالمسرَّة، أو ما أشبه ذلك. وأما إذا لم يحتج إليه، فالاختيار أن لا يقول شيئاً، فإن ذلك بَسْط له وإيناس وإظهار صورة ود، ونحن مأمورون بالإغلاظ عليهم ومنهيون عن ودِّهم فلا نظهره، والله أعلم. فرع: إذا مرَّ واحد على جماعة فيهم مسلمون، أو مسلم وكفَّار، فالسُّنَّة أن يسلم عليهم ويقصد المسلمين أو المسلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ يحيى عن سليمان التيمي أن ابن عمر مر برجل فسلم عليه فقيل له: نصراني فرجع إليه وقال: رد علي سلامي فقال: قد رددته عليك فقال له ابن عمر: كثر الله مالك لكن في الأولى أنه يهودي وفي هذه أنه نصراني وفي هذه زيادة ليست في تلك ولعلهما واقعتان اهـ. قوله: (وقد روينا في موطأ مالك الخ) قال الحافظ: وقع ذلك في الرواية التي سقتها عن يحيى ابن يحيى قال: وسئل مالك عمن سلم على اليهودي والنصراني هل يستقيله ذلك قال: لا اهـ. قوله: (هل يستقيله) أي بأن يقول له: رد علي سلامي مثلاً أولاً. قوله: (ونحن مأمورون بالإغلاظ عليهم) قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} والأمة مثله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحكم. قوله: (ومنهيون عن ودهم) قال تعالى: ({لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَه} والآية. وفي التحية المذكورة إظهار للتواد فدخلت تحت الوصف الذميم أي موادة الكفار قال تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} قوله: (فالسنة أن يسلم ويقصد المسلمين) أي يقصد اختصاص المسلمين بابتدائه بالسلام واستثناء الذمي من المسلم عليهم وظاهر عبارته

روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- من على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عَبَدة الأوثان واليهود، فسلَّم عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- ". فرع: إذا كتب كتاباً إلى مشرك، وكتب فيه سلاماً أو نحوه، فينبغي أن يكتب ما رويناه في "صحيحي البخاري ومسلم" في حديث أبي سفيان رضي الله عنه في قصة هرقل "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتب: من محمد عبد الله ورسوله، إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتَّبع الهدى". ـــــــــــــــــــــــــــــ أن هذا القصد سنة وبمثل ذلك عبر في الروضة لكن في شرح الروض ويستثنيه أي الذمي وجوباً ولو بقلبه إن كان بين المسلمين وسلم عليهم ويمكن جعل عبارته هنا موافقة لذلك بأن يرفع ويقصد المسلمين على الاستئناف فيكون خارجاً عن الاستحباب المقصور على ما قبله والله أعلم قال ابن العربي ومثل ما ذكر في أخلاط المسلمين والكافر ما إذا من بمجلس فيه أهل السنة والبدعة أو بمجلس فيه عدول وظلمة أو بمجلس فيه محب ومبغض اهـ. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) وأخرجه ابن السني أيضاً ولذلك لما ذهب لزيارة ابن عبادة فمر بمجلس فيه ابن أبي وقوم من المؤمنين. قوله: (أخلاط من المسلمين الخ) بفتح الهمز جمع خلط وهو ما يخلط والمراد جمع مخلوط من هذه الأنواع مختلطون غير متمايزين. قوله: (عبدة الأوثان) عطف بيان أو بدل للمشركين قال الطيبي وكذا قوله واليهود وجعلهم مشركين إما لقولهم عزير ابن الله وإما للتغليب أو للتقدير كقوله متقلداً سيفاً ورمحاً اهـ والأولى عطف اليهود على المشركين. قوله: (فسلم عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- الخ) قال المصنف: فيه جواز الابتداء بالسلام على قوم فيهم مسلمون وكفار أي وقد قصد المسلمين وهذا مجمع عليه. قوله: (إذا كتب كتاباً إلى مشرك) أي أراد أن يكتب والمراد من المشرك في العبارة الكافر بأنواعه لا ما يقابل أهل الكتاب. قوله: (ما رويناه في صحيحي البخاري ومسلم) رويناه من حديث ابن عباس عن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي سفيان بن حرب قال: انطلقت في المدة التي كانت بيننا وبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبينا أنا بالشام إذ جيء بكتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى هرقل فساق القصة إلى أن قال: فقرأه وفي رواية فأمر به فقرئ فإذا فيه يسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله وفي رواية من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى وذكر بقية الحديث قال المصنف في كتابه -صلى الله عليه وسلم- جمل من القواعد منها وجوب العمل بخبر الواحد وإلا فلم يكن في بعث الكتاب مع دحية فائدة وهذا إجماع من يعتد به ومنها استحباب تصدير الكتاب باسم الله الرحمن الرحيم وإن كان المبعوث إليه كافراً، ومنها أن قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الآخر كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم المراد فيه بحمد الله ذكر الله تعالى وقد جاء في رواية بذكر الله تعالى وهذا الكتاب كان ذا بال بل من المهمات العظام وبدأ فيه بالبسملة دون الحمدلة، ومنها أنه يجوز أن يسافر إلى أرض العدو بالآية والآيتين ونحوهما وأن يبعث ذلك إلى الكفار وإنما نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو أي بكلمة أو بجملة منه وذلك أيضاً محمول على ما إذا خيف وقوعه في أيدي الكفار ومنها أنه يجوز للمحدث والكافر مس آية أو آيات يسيرة مع غير القرآن ومنها أن السنة في المكاتبة والمراسلة بين النّاس أن يبدأ الكاتب الكتاب بنفسه فيقول من زيد إلى عمرو وهذه مسألة مختلف فيها قال الإِمام أبو جعفر بن النحاس في كتابه صناعة الكتاب قال العلماء: يستحب أن يبدأ فيه بنفسه كما ذكرنا ثم روى فيه أحاديث كثيرة وآثاراً قال: وهذا هو الصحيح عند العلماء لأنه إجماع الصحابة قال: وسواء في هذا تصدير الكتاب والعنوان قال ورخص جماعة في أن يبدأ بالمكتوب إليه فيقول في التصدير والعنوان إلى فلان من فلان ثم روي بإسناده إلى زيد بن ثابت كتب إلى معاوية فبدأ باسم معاوية وعن محمد ابن الحنفية وبكر بن عبد الله وأيوب السختياني أنه لا بأس بذلك، قال وأما العنوان فالصواب أن يكتب عليه إلى فلان ولا يكتب لفلان لأنه إليه لا له إلا على مجاز قال وهذا هو الصواب الذي عليه أكثر العلماء من الصحابة والتابعين قلت في المرقاة روى الطبراني في الكبير بسند حسن عن النعمان بن بشير مرفوعاً إذا كتب أحدكم إلى أحد فليبدأ بنفسه وروى الحاكم وغيره كتابه -صلى الله عليه وسلم- إلى معاذ بن جبل يعزيه

فرع: فيما يقول إذا عاد ذمياً: اعلم أن أصحابنا اختلفوا في عيادة الذمي، فاستحبَّها جماعة، ومنعها جماعة، وذكر الشاشي الاختلاف ثم قال: الصواب عندي أن يقول: عيادة الكافر في الجملة جائزة، والقربة فيها موقوفة: على نوع حرمة تقترن بها من جِوَارٍ أو قرابةٍ. قلت: هذا الذي ذكره الشاشي حسن، فقد روينا في "صحيح البخاري" عن أنس ـــــــــــــــــــــــــــــ في ابن له بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى معاذ بن جبل الحديث قيل ولعل هذا الصنيع مقتبس من قوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ولا يخفى أن الواو لمطلق الجمع أو كان من سليمان في العنوان اهـ. بمعناه ومنها التوقي في المكاتبة واستعمال الورع فلا يفرط ولا يفرط ولذا قال -صلى الله عليه وسلم- إلى عظيم الروم ولم يقل لملك الروم لأنه لا ملك له ولا لغيره بحكم الإسلام ولا سلطان لأحد إلا لمن ولاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو ولاه مر أذن له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشرطه وإنما ينفذ من تصرفات الكفار ما ينفذ للضرورة ولم يقل إلى هرقل بل أتى بنوع من الملاطفة فقال عظيم الروم أي الذي يعظمونه ويقدمونه وقد أمر الله بإلانة القول لمن يدعى إلى الإسلام فقال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} ومنها استحباب البلاغة والإيجاز وتحري الألفاظ الجزلة في المكاتبة اهـ. قوله: (فقد روينا في صحيح البخاري عن أنس الخ) قال الحافظ بعد تخريجه من طريق البخاري في صحيحه باللفظ المذكور سواء أخرجه أحمد والنسائي وزاد أحمد في رواية أخرى أنه كان يضع له وضوءه ويناوله نعله وقال في آخره صلوا على أخيكم ويستفاد منها أنه مات عن قرب قال الحافظ ووجدت التصريح بذلك في رواية فساقها بإسناده إلى أبي الربيع الزهراني عن حماد بن زيد عن ثابت أظنه عن أنس قال: كان غلام من اليهود فذكر الحديث وقال فيه بعد قوله: أطع أبا القاسم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ثم هلك الغلام فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر باقيه مثل ما تقدم سواء قال الحافظ والحديث عند أحمد عن مؤمل عن حماد بن زيد عن ثابت وفيه وأشهد أنك رسول الله وأبو

رضي الله عنه قال: "كان غلام يهودي يخدمُ النبي -صلى الله عليه وسلم-، فمرض، فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: أسْلِمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الربيع المذكور اسمه سليمان بن داود مر شيوخ البخاري ومسلم وأظنه أنه الذي قال أظنه أو الراوي عنه إلى الربيع اهـ. قوله: (كان غلام يهودي) الغلام وإن كان حقيقة في غير البالغ لكن المراد به هنا البالغ فليس في الحديث دليل على صحة إسلام الصبي وإنما صح إسلام علي رضي الله عنه مع صباه لما ذكره الأئمة أن الأحكام قبل الهجرة كانت منوطة بالتمييز على أن قوله الآتي: أنقذه من النار صريح في بلوغه إذ الأصح الذي عليه الأكثرون ودلت عليه الأخبار الصحيحة أن أطفال المشركين في الجنة وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "هم من آبائهم" قاله قبل أن يعلمه الله بذلك فلما أعلمه أخبر به. قوله: (يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم-) فيه جواز استخدام الذمي ومخالطته أي بالظاهر وسبق في الحديث في بعض طرقه أنه كان يأتي بوضوء النبي -صلى الله عليه وسلم- ويقدم نعله أما الموادة له وصحبته فيحرمان وعليهما يحمل قوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ} وعلى هذا التفصيل يحمل كلام بعض الأئمة الموهم للتناقض في ذلك. قوله: (فأتاه يعوده) فيه ندب عيادة المريض الذمي ومثله المعاهد والمستأمن لكن إن كان ثم نفع أو صلة كنحو قرابة وجوار وكذا رجاء إسلامه ومثله مبتدع أو فاسق متجاهر بفسقه رجيت توبته فإن انتفت جازت. قوله: (فقعد عند رأسه) فيه استحباب تحري الجلوس ثم للعائد. قوله: (فقال له: أسلم) فيه أنه ينبغي للعائد إذا رأى أمارة الموت وعلم عدم مشقة كلامه على المريض أن يرغبه في التوبة والوصية والتنصل من جميع الحقوق بكل ما يمكنه من أداء أو استحلال ويسن له أن يبالغ في تحسين ظنه بربه وتطميعه في رحمته سيما إن رأى منه أمارات اليأس بل بحث جمع من أئمتنا وجوبه حينئذ أخذًا بقاعدة النصيحة الواجبة ثم هل يؤخذ من قوله -صلى الله عليه وسلم- له: "أسلم إن من عاد مريضاً غير مسلم يجب عليه عرض الإسلام عليه" لأن الأصل في فعله -صلى الله عليه وسلم- أن يكون للوجوب على خلاف فيه في الأصول أو يفرق بأنه -صلى الله عليه وسلم- متحتم عليه إبلاغ الدعوة لكل من أمكنه إبلاغه بخلاف غيره محل نظر والظاهر عدم الوجوب في خصوص هذا حتى عليه -صلى الله عليه وسلم- لأنه قد بلغ الدعوة

فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال: أطع أبا القاسم، فأسلم، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: الحَمْدُ لِلهِ الَّذي أنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ". وروينا في "صحيح البخاري ومسلم" ـــــــــــــــــــــــــــــ لهذا ولغيره تبليغاً متكرراً ولأنه لو امتنع لم يجبر لذمته وأمانه فلم يتضح وجه الوجوب. قوله: (فنظر إلى أبيه) أي كالمستحي منه في الخروج عن دينه. قوله: (فقال أطع أبا القاسم) أي فقال أبوه لما رأى لولده ميلاً إلى ذلك أطع أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- فيما أمرك به وفي التعبير بأبي القاسم في هذا المقام إشارة إلى عظم المرتبة التي أوتيها -صلى الله عليه وسلم- وأشار إليه بقوله: إنما أنا قاسم والله يعطي كيف وقد قسم لهذا الخادم له الذي تشرف بخدمته وحل عليه نظر سعادته تلقينه ما فيه نجاته وسعادته الأبدية وأعطاه الله ببركة تلك الوجهة إليه ذلك الكمال الأبدي والعز السرمدي ثم إن أباه إن استمر على دينه فهو في ميدان الخسران ولا ينفعه في ذلك قوله لولده ما ذكر ويؤخذ منه أن أمر الكافر مثله بالإسلام لا يكون إسلاماً لأن الإنسان كثيراً ما يأمر بالشيء ولا يرضاه. قوله: (الحمد الله الذي أنقذه من النار) أي التي لو مات على كفره لدخلها أو أنقذه الله من النار يعني الكفر لكونه سببها أو من الأمر الذي يؤول من أقام به إليها وهذا منه -صلى الله عليه وسلم- شكر على ما حل بذلك الخادم من نعمة الإسلام التي نالها بسبب نظره عليه الصلاة والسلام. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) قال الحافظ بعد تخريجه وأخرجه ابن حبان أيضاً ولفظ الخبر قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال له: يا عم قل: لا إله إلا الله أشهد لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزل نبي الله -صلى الله عليه وسلم- يعرضها عليه ويعيدان تلك المقالة حتى قال آخر: ما كلمهم به هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول: لا إله إلا الله فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لأستغفرن لك" ما لم أنه عنك فنزلت {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ و} ونزلت في أبي طالب {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} الآية قال المصنف في شرح مسلم: هذا حديث اتفق الشيخان على إخراجه في صحيحيهما من رواية سعيد بن المسيب عن أبيه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يرو عن المسيب إلا ابنه سعيد كذا قال الحفاظ وفيه رد على

عن المسيِّب بن حَزْن والد سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة، جاءَه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا عَمِّ قُلْ: لا إله إلاَّ الله ... " وذكر الحديث بطوله. قلت: فينبغي لعائد الذمي أن يرغِّبه في الإسلام، ويبين له محاسنه، ويحثه عليه، ويحرِّضَه على معاجلته ـــــــــــــــــــــــــــــ الحاكم أبي عبد الله في قوله: لم يخرج البخاري ولا مسلم عن أحد ممن لم يرو عنه إلا واحداً ولعله أراد مر غير الصحابة اهـ. قوله: (عن المسيب) بفتح الياء على المشهور وقيل: بكسرها وهو قول أهل المدينة وكان سعيد يكره فتحها وحزن بفتح والمهملة وسكون الزاي آخره نون ابن أبي وهب القرشي المخزومي المكي قال في الروض: أسلم هو وأبوه حزن يوم الفتح وهو قول مصعب قال المصنف في التهذيب هو وأبوه حزن صحابيان هاجرا إلى المدينة وكان المسيب ممن بايع بيعة الرضوان تحت الشجرة في قول وقال مصعب: لا يختلف أصحابنا أن المسيب وأباه من مسلمة الفتح قال أبو أحمد العسكري أحسب مصعباً وهم لأن المسيب حضر بيعة الرضوان وشهد اليرموك روي له عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبعة أحاديث اتفقا منها على حديثين وانفرد البخاري بواحد وهو راوي حديث وفاة أبي طالب اهـ. ووقع في بعض نسخ الرياض المستطابة سقط موهم وذلك أنه قال وانفرد البخاري بحديث وهو حديث وفاة أبي طالب فسقط لفظ راوي بين وهو حديث والله أعلم ولم يرو عنه إلا ابنه سعيد عاش إلى خلافة عثمان رضي الله عنه. قوله: (لما حضرت أبا طالب الوفاة) المراد به قربت وفاة وحضرت دلائلها وذلك قبل المعاينة والنزع إذ لو كان حينئذٍ لما نفعه الإيمان لقوله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} ويدل على أنه قبل المعاينة مجاوبته للنبي -صلى الله عليه وسلم- ومع كفار قريش قال القاضي عياض: وقد رأيت بعض المتكلمين على الحديث جعل الحضور هنا على حقيقة الاحتضار لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- رحى بقوله ذلك حينئذٍ أن تناله الرحمة ببركة النبي -صلى الله عليه وسلم- قال القاضي: وهذا ليس بصحيح لما قدمناه وأبو طالب اسمه عبد مناف وكانت وفاته قبل الهجرة بقليل مات أبو طالب ولرسول الله -صلى الله عليه وسلم- تسع وأربعون سنة

قبل أن يصيرَ إلى حال لا ينفعه فيها توبتُه، وإن دعا له دعا بالهداية ونحوها. فصل: وأما المبتدع ومن اقترف ذنباً عظيماً ولم يتب منه، فينبغي أن لا يسلِّم عليهم، ولا يردَّ عليهم السلام، كذا قاله البخاري وغيره من العلماء: واحتجَّ الإِمام أبو عبد الله البخاري في "صحيحه" في هذه المسألة بما رويناه في "صحيحي البخاري ومسلم" ـــــــــــــــــــــــــــــ وثمانية أشهر وأحد عشر يوماً وتوفيت خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها بعد ذلك بثلاثة أيام ذكره المصنف في شرح مسلم وذكر فيه فوائد باقي الحديث. قوله: (قبل أن يصير إلى حالة لا تنفعه فيها توبته) وهي حال المعاينة والنزع. قوله: (وإن دعا له دعا له بالهداية) أي إذا دعا المسلم للذمي الذي عاده دعا له بالهداية للإيمان (أو نحوها) من التوفيق وتنوير الباطن بنور الإيمان ولا يدعو له بالمغفرة والرحمة ونحوهما لأنهما لأهل الإيمان قال تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} وقال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ}، الآية. فصل قوله: (وأما المبتدع) أي من فارق السنة بما أحدثه من الاعتقاد الفاسد المأخوذ من العقل الكاسد والحكم الآتي في المبتدع محله فيمن لا تؤدي بدعته لكفره أما ذلك فهو مرتد وحكمه سبق بيانه والله أعلم. قوله.: (ومن اقترف ذنباً عظيماً ولم يتب منه) ومثله فيما ذكر المجاهر بفسقه والظاهر أن المراد بعظم الذنب أن يصير فاعله به فاسقاً ويفارف ما ألحق به من المجاهر بفسقه بالمجاهرة بالذنب هنا دون ما في الأصل والله أعلم. قوله: (ولم يتب منه) قال الحافظ في الفتح التقييد به جيد لكن في الاستدلال لذلك بقصة كعب نظر فإنه ندم على ما صدر منه وتاب ولكن أخر الكلام معه حتى قبل الله توبته وقضيته ألا يكلم حتى تقبل توبته ويمكن الجواب بأن الاطلاع على القبول في قصة كعب كان ممكناً وأما بعده فيكفي ظهور علامته من الندم والإقلاع وأمارة صدق ذلك اهـ. قوله: (بما رويناه في صحيحي البخاري ومسلم) قال الحافظ بعد أن خرجه من طريق أبي نعيم في المستخرج ومن طريق البخاري أيضاً كلاهما من حديث كعب بن مالك حين تخلف عن

في قصة كعب بن مالك رضي الله عنه حين تخلَّف عن غزوة تبوك هو ورفيقان له، قال: "ونهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كلامنا قال: وكنت آتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلِّم عليه فأقول: هل حرَّك شفتيه بردِّ السلام أم لا؟ " قال البخاري: وقال عبد الله بن عمرو: لا تسلِّموا على شَرَبَة الخمر. قلت: فإن اضطر إلى السلام على الظَّلَمة، بأن دخل عليهم وخاف تَرَتُّبَ مفسدة في دينه أو دنياه أو غيرهما إن لم يسلِّم سلَّم عليهم. قال الإِمام أبو بكر بن العربي: قال العلماء: يسلِّم، ـــــــــــــــــــــــــــــ غزوة تبوك فذكر الحديث بطوله إلى أن قال فيه ونهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كلامنا أيها الثلاثة وقال فيه وكنت أشب الرجلين وكنت أخرج فأشهد الصلاة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد وكنت آتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي: حرّك شفتيه برد السلام أو لا وأخرجه الحافظ أيضاً من حديث جابر قال في قوله تعالى: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} قال: هم كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع وكلهم من الأنصار قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث صحيح أخرجه سعيد بن منصور في السنن. قوله: (في قصة كعب بن مالك رضي الله عنه حين تخلف عن غزوة تبوك هو ورفيقان له) قال الحافظ في هذه العبارة ما في يوهم أنهم اتفقوا على التخلف وليس مراداً واسم صاحبيه هلال بن أمية ومرارة بن الربيع. قوله: (وكنت آتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الخ) أي أنه لا يرى تحريك شفتيه -صلى الله عليه وسلم- ولكنه يتردد في ذلك هل هو كما يرى مر عدم الرد لما وقع منه أو أنه بخلافه رحمة عليه وتفضلاً منه لديه قال المصنف في شرح مسلم فيه هجر أهل البدع والمعاصي الظاهرة وترك السلام عليهم ومقاطعتهم تحقيراً لهم وزجراً. قوله: (قال البخاري وقال عبد الله بن عمر الخ) قال الحافظ لم يذكر المصنف من وصله وقد ذكره البخاري في التاريخ قال: قال ابن أبي مريم حدثنا بكر بن مضر حدثنا عبيد الله بن زحر عن حبان بن أبي جبلة بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة وأبوه بفتح الجيم والموحدة عن

وينوي أن السلام اسم من أسماء الله تعالى المعنى: الله عليكم رقيب. ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عمر لا تعودوا شراب الخمر إذا مرضوا وبه إلى ابن عمر قال: لا تسلموا على شربة الخمر هذا حديث حسن موقوف وعبد الله بن زحر مختلف في الاحتجاج به والبخاري ممن يقويه وقد جاء عنه بسند آخر أخرجه سعيد بن منصور والبخاري في التاريخ من طريق الليث بن أبي سليم عنه وعن ابن عمران عن عبد الله بن عمر وبكر أتقن من ليث وأعرف من ابن زحر فإنهما مصريان وأخرجه ابن عدي في الكامل من وجه آخر مرفوعاً لكن سنده ساقطا اهـ. وحكم الرد على السكران أنه إذا كان مميزاً ولم يعص بسكره واجب وقول المجموع لا يجب رد سلام مجنون وسكران يحمل على غير المميز أما المتعدي ففاسق وأما غير المميز فليس فيه أهلية الخطاب فلا عبرة بسلامه ولا يجب عليه رد والملحق بالمكلف إنما هو المتعدي وإنما لم يلحق به هنا لانتفاء فائدة الوجوب التي ذكرت في الصلاة من انعقاد سبب الوجوب في حقه حتى يلزمه القضاء لأن الرد لا يقضي كما تقدم نعم لو قيل بوجوبه ليكون آثماً في ترك الرد تغليظاً عليه لم يبعد أشار إليه ابن حجر في شرح المنهاج. قوله: (وينوي أن السلام اسم من أسماء الله تعالى) أي أنه لا يقصد التحية عليهم وإكرامهم بها الداعية إلى التحابب والتوادد للأمر بهجران أرباب المعاصي والظلم بل يقصد أن الله مطلع على أعمالكم فيجازيكم بها في أخراكم. ثم اعلم أن السلام المذكور في التحية اختلف فيه هل هو من أسماء الله تعالى وعليه فيفرق بين سلام التحية والسلام على نحو العاصي بأنه في خطاب غيره على تقدير مضاف أي بركة اسم السلام حلت عليكم ونزلت بكم وفي خطاب العاصي على ظاهره من غير تقدير كما تقدم أو هو بمعنى السلامة وهو المطلوب المدعو به عند التحية قولان واستدل لكل من القولين بما فيه طول وسبق بعضه وقد حقق ذلك ابن القيم في كتابه بديع الفوائد فمما استدل به للأول قوله في الحديث الصحيح فإن الله هو السلام وما رواه أبو داود من حديث ابن عمر أن رجلاً سلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يبول فلم يرد عليه حتى استقبل الجدار ثم تيمم ورد عليه قال: إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر إذ السلام إنما يكون ذكراً الله إذا تضمن اسماً من أسمائه، قلت: وقد يقال: إن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الذكر هو من قوله ورحمة الله إذ الظاهر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يأتي بأكمل التحية فلذا لم يرد عليه حتى تيمم وحرمة ابتداء الكافر به مع جواز ابتدائه بنحو سلمك الله فليس حرمة ذلك إلا لكونه من أسمائه تعالى فلا يسوغ أن يطلب حلول بركة اسمه تعالى عليهم، قال ابن القيم وهذه حجج قوية، قلت وترجم البخاري في صحيحه باب السلام اسم من أسماء الله تعالى في قوله {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ} وأخرج في الباب حديث ابن مسعود كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد السلام على الله قبل عباده الحديث وأخرج في الأدب المفرد من حديث أنس مرفوعاً السلام من أسماء الله تعالى وضعه الله في الأرض فأفشوه بينكم وقال السيوطي في التوشيح وأخرجه البزار من حديث مسعود والبيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة وهو مرفوع عند الجميع وتقدم تخريج الحديث من طريق ابن مسعود عند البزار والبيهقي في فصل الابتداء بالسلام أفضل قال الشيخ زكريا في تحفة القاري لا ينافي ذلك قول مر قال إنه مصدر نعت به والمعنى ذو السلامة من كل آفة اهـ. قال ابن القيم ومما استدل به للقول بالمصدرية إنه يجوز تنكيره ولو كان من أسمائه تعالى لما استعمل كذلك فإن التنكير لا يصرف اللفظ إلى معين فضلاً عن أن يصرفه إلى الله تعالى وحده بخلاف العرف فإنه ينصرف إليه تعييناً عليه وإنه عطف عليه الرحمة والبركة وهذا يدل على أن المراد به المصدر أي السلامة إذ الكل مصادر وبأنه لو كان من أسمائه تعالى لما استقام الكلام بإضمار وتقدير يكون به مفيداً أي بركة السلام عليكم والتقدير خلاف الأصل ولا دليل عليه وبأنه ليس القصد من السلام هذا المعنى وإنما القصد منه الإيذان بالسلامة ولذا كان السلام أماناً لتضمنه معنى السلامة وأمن كل واحد من المسلم والراد من صاحبه فهذه الأدلة تؤذن بأنه بمعنى السلامة وحذفت تاؤه لأن المطلوب الجنس لا المرة الواحدة والتاء تفيد التحديد، وفصل الخطاب في المسألة أن يقال الحق في مجموع القولين فكل منهما بعض الحق ومجموعهما هو الحق ويتبين ذلك بتقريره قاعدة هي أن من دعا الله بأسمائه الحسنى يسأل في كل مطلوب ويتوسل إلى الله تعالى بالاسم المقتضي لمطلوبه المناسب لحصوله حتى إن الداعي بالتوبة والغفران يقول: رب اغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم وقد سأل أمرين وتوسل باسمين مقتضيين حصول مطلوبه والمقام هنا لما كان مقام طالب السلامة التي هي أهم ما عند الرجل أتى في لفظها بصيغة اسم من أسماء الله

فصل: وأما الصبيان فالسنة أن يسلم عليهم

فصل: وأما الصِّبيان فالسُّنَّة أن يسلم عليهم روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أنس رضي الله عنه "أنه مرَّ على صبيان فسلم عليهم وقال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعله" وفي رواية لمسلم عنه: "أن رسول الله ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو السلام الذي يطلب منه السلامة فتضمن لفظ السلام معنيين أحدهما ذكر الله كما تضمنه حديث ابن عمر الثاني طلب السلامة وهو مقصود المسلم فقد تضمن سلام عليكم اسماً مر أسمائه تعالى وطلب السلامة منه فتأمل ذلك فإنه بديع اهـ، وحكى المصنف القولين في سلام التحية في شرح مسلم وظاهر كلامه الميل إلى أن المراد الأول أي اسم السلام عليك قال: ومعناه اسم الله عليكم أي أنتم في حفظه كما يقال: الله معك والله يصحبك اهـ وإنما طلب هذا اللفظ عند الملاقاة لأن عادة النّاس جارية بالتحية عند الملاقاة ولكل تحية مخصوصة وشرع الله تعالى لأهل الجنة هذه التحية أي سلام عليكم التي هي أشرف أنواع التحيات لتضمنها السلامة التي لا حياة ولا فلاح إلا بها فهي الأصل المقدم على كل شيء ومقصود العبد من الحياة إنما يحصل بالسلامة من الشر وحصول الخير كله والأول مقدم على الثاني ولذا إنما يهتم الإنسان بل كل حيوان بسلامته ثم بغنيمته على أن السلامة المطلقة تتضمن حصول الخير إذ لو فاتت حصل الهلاك والعطب فتضمنت السلامة نجاته من كل ضير وفوزه بكل خير فانتظم الأصلان المقصودان بالحياة بهذه التحية مع كونها مشتقة من اسمه السلام ومتضمنة له وقد تقدم لهذا المعنى مزيد والله أعلم. فصل قوله: (وأما الصبيان) بكسر الصاد على المشهور وبضمها وإسكان الموحدة جمع صبي ذكره المصنف في شرح مسلم ويجمع على صبية. قوله: (فالسنة أن يسلم عليهم) أي إذا كانوا مميزين وإذا بدؤوا بالسلام وجب الرد عليهم هذا هو الصواب الذي أطبق عليه الجمهور وقال بعض أصحابنا: لا يجب وهو ضعيف أو غلط كذا في شرح مسلم للمصنف. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) قال الحافظ وأخرجه أحمد والترمذي والنسائي ثم قوله (أنه) أي أنساً (مر على صبيان) هكذا عند مسلم في طريق وعنده في طريق أخرى ما أشار إليه الشيخ رحمه الله بقوله وفي رواية لمسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مر على غلمان الخ وأخرج الحافظ الحديث بهذا اللفظ من طريق

-صلى الله عليه وسلم- مرَّ على غلمان فسلَّم عليهم". وروينا في سنن أبي داود وغيره بإسناد الصحيحين عن أنس "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرَّ على غلمان يلعبون فسلَّم عليهم" ورويناه في كتاب ابن السني وغيره، قال فيه "فقال: السلامُ عَلَيكُمْ يا صِبْيانُ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الشافعي بإسناده عن أنس أنه قال: مر -صلى الله عليه وسلم- بغلمان وأنا فيهم فسلم علينا اهـ. قوله: (غلمان) بكسر أوله جمع غلام بمعنى صبي أو مملوك. قوله: (فسلم عليهم) أي تواضعاً ولأنه كان ماراً ولكثرتهم على احتمال. قوله: (ورويناه في سنن أبي داود) قال الحافظ: هو بعينه حديث الصحيحين إلا أن فيه زيادة يلعبون قال: وقد وقع لنا بهذه الزيادة بأتم من سياقه ثم أخرج عن ثابت عن أنس قال: خدمت النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم حتى إذا رأيت أني قد فرغت قلت: يقيل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فخرجت موجهاً إلى أهلي فإذا غلمة يلعبون فقمت أنظر إلى لعبهم فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسلم عليهم ثم دعاني فبعثني في حاجة له وذكر بقية الحديث أخرجه أحمد بطوله وأبو داود قلت: كذا أخرجه البخاري في الأدب المفرد كما قاله السخاوي في فصل النهي عن إفشاء السر مر تكملته وسيأتي إن شاء الله تعالى قال الحافظ ورجاله رجال الصحيح إلا أن سليمان بن المغيرة أي الراوي له عن ثابت أخرجه مسلم احتجاجاً والبخاري استشهاداً وقد توبع في هذا الحديث فتابعه حبيب بن حجر عن ثابت عن أنس وحديثه حسن وحبيب بمهملة وموحدتين مصغر مع التثقيل وأبوه حجر بضم المهملة وسكون الجيم ذكره البخاري ولم يذكر فيه جرحاً وذكره ابن حبان في الثقات ورواه عن ثابت بن عبيد لكنه خالف في شيء منه فقال عن ثابت عن أنس قال: بعثني النبي -صلى الله عليه وسلم- في حاجة فمررت بصبيان يلعبون فقعدت عندهم فأبطأت عليه فخرج فمر بالصبيان فسلم عليهم والحارث بن عبيد أخرج له البخاري استشهاداً وتكلم فيه بعضهم اهـ. قوله: (ورويناه في كتاب ابن السني وغيره) عن أنس قال: مر علينا النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن نلعب فقال: السلام عليكم يا صبيان قال الحافظ بعد تخريجه أخرجه ابن السني من رواية أبي نعيم في الحلية وغيرها ومن رواية محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة كلاهما عن وكيع عن حبيب القيسي عن ثابت وأخرج الحديث من طريق عثمان بن مطر عن ثابت أبو أحمد بن عدي في ترجمة أبي إبراهيم الترجماني في الكامل

باب في آداب ومسائل من السلام

باب في آداب ومسائل من السلام روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يُسَلِّمُ الرَّاكبُ على الماشِي، والماشي على القاعِدِ، والقَلِيلُ على الكَثيرِ" وفي رواية البخاري ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو مشعر منه بأن عثمان تفرد به ولم ينفرد به كما ترى وكذا إيراد أبي نعيم له في ترجمة وكيع وعثمان ضعفوه بخلاف حبيب والله أعلم. قال المصنف في شرح مسلم في هذه الأحاديث استحباب السلام على الصبيان المميزين والندب إلى التواضع وبذل السلام للناس كلهم وبيان تواضعه -صلى الله عليه وسلم- وكمال شفقته على العالمين واتفق العلماء على استحباب السلام على الصبيان اهـ، وحكمة مشروعية السلام للصبيان بدءاً ورداً أن يتمرن على ذلك فيدوم عليه في كبره اهـ، وقال ابن بطال في السلام على الصبيان تدريبهم على آداب الشريعة وطرح الأكابر رداء الكبر وسلوك التواضع وأين الجانب اهـ. باب في آداب ومسائل من السلام قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم) قال الحافظ بعد تخريجه من طريق أبي نعيم في المستخرج على صحيح مسلم وغيرها أخرج الحديث أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وأخرجه الترمذي من رواية الحسن البصري عن أبي هريرة بلفظه وأشار إلى انقطاعه وإن الحسن لم يسمع من أبي هريرة على الصحيح ثم قال الترمذي وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة قال الحافظ منها رواية ثابت يعني ابن عياض عن أبي هريرة قال وهي عند من ذكر قبل الترمذي فأخرج الحديث أحمد عن روح وأخرجه البخاري عن إسحاق بن إبراهيم ومسلم عن محمد بن مرزوق وأبو داود عن يحيى بن عربي ثلاثتهم عن روح وأخرجه أحمد أيضاً عن عبد الله بن الحارث والبخاري أيضاً من رواية مخلد ابن يزيد ومسلم أيضاً من رواية أبي عاصم كلهم عن ابن جريج قال: أخبرني زياد يعني ابن سعد أن ثابتاً يعني ابن عياض مولى عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول فذكره قال ومنها ما يأتي بعد اهـ. قوله: (يسلم الراكب على الماشي) وذلك للتواضع

والقَلِيلُ على الكَثِيرِ". قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: هذا المذكور هو السُّنَّة، فلو خالفوا فسلَّم الماشي على الراكب أو الجالس عليهما، لم يكره، صرح به الإِمام أبو سعد المتولي وغيره، وعلى مقتضى هذا لا يكره ابتداء الكثيرين بالسلام على القليل، والكبير على الصغير، ويكون هذا تركاً لما يستحقه من سلام غيره عليه، وهذا الأدب هو فيما إذا تلاقى الاثنان في طريق، أما إذا ورد على قعود أو قاعد، فإن الوارد يبدأ بالسلام على كل حال، سواء كان صغيراً أو كبيراً، قليلاً أو كثيراً، وسمى أقضى القضاة هذا الثاني سُنَّة؛ وسمى الأول أدباً وجعله دون السُّنَّة في الفضيلة. ـــــــــــــــــــــــــــــ حيث رفعه الله بالركوب ولئلا يظن أنه بهذا خير من الماشي. قوله: (والقليل على الكثير) وذلك للتواضع أيضاً المقرون بالاحترام والإكرام المعتبر في السلام مع أن الغالب وجود الكبير في الكثير وسيأتي في هذا الحديث بعده أن الصغير يسلم على الكبير مع أن الكثير قد يعتبر في معنى الكبير وأيضاً وضع السلام للتواد والمناسب فيه أن يكون الصغير مع الكبير والقليل مع الكثير بمقتضى الأدب المعتبر شرعاً وعرفاً نعم لو وقع الأمر بالعكس تواضعاً فهو مقصد حسن قال الماوردي إنما استحبَّ ابتداء السلام للراكب لأن وضع السلام إنما هو لحكمة إزالة الخوف من الملتقيين إذا التقيا أو من أحدهما في الغالب أو لمعنى التواضع المناسب لحال المؤمن أو لمعنى التعظيم لأن السلام إنما يقصد به أحد أمرين إما اكتساب ود أو استدفاع مكروه قال الطيبي: فالراكب يسلم على الماشي وهو على القاعد للإيذان بالسلامة وإزالة الخوف والقليل على الكثير للتواضع والصغير على الكبير للتوقير والتعظيم قال بعضهم أما التواضع ففي الكل موجود ولو عكس في الجميع ولذا قالوا ثواب المسلم أكثر من ثواب المجيب فلا بد من مراعاة معنى آخر في الترتيب المقدر فتدبر اهـ. قوله: (وفي رواية للبخاري يسلم الصغير على الكبير الخ) ترجم له البخاري في كتاب الاستئذان باب تسليم الصغير على الكبير ثم قال: وقال إبراهيم بن طهمان عن موسى بن عقبة عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يسلم الصغير على الكبير والمار على القاعد والقليل على الكثير" قال الحافظ بعد تخريج الحديث بإسناده أخرجه البخاري موصولاً في كتاب الأدب المفرد عن أحمد بن عمر وهو أحمد بن حفص بن عبد الله السلمي حدثنا أبي حدثنا إبراهيم بن طهمان الخ وفي سنده لطيفة تتابع ثلاثة من التابعين في نسق وأخرجه البخاري في الصحيح موصولاً من وجه آخر ثم أخرج الحافظ بسنده إلى عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يسلم الصغير على الكبير" فذكر مثله ثم قال الحافظ بعد تخريجه أخرجه أحمد عن عبد الرزاق وأبو داود عن أحمد وأخرجه البخاري والترمذي كلاهما من

"يُسَلِّمُ الصَّغيرُ على الكَبِيرِ، والماشي على القاعِدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ طريق ابن المبارك عن معمر ثم قال الترمذي وفي الباب عن عبد الرحمن بن شبل وفضالة بن عبيد وجابر بن عبد الله قال الحافظ والثلاثة من الأنصار وفي ألفاظهم اختلاف ثم ساقه وبينه. قوله: (يسلم الصغير على الكبير) قال السيوطي لأنه أمر بتوقيره والتواضع له وفي معناهما القليل والكثير. قوله: (قال أصحابنا الخ) عللوه بأن القصد بالسلام الأمان والماشي يخاف الراكب والواقف يخاف الماشي فأمر بالابتداء ليحصل منهما الأمن وللكبير والكثير زيادة مرتبة فأمر الصغير والقليل بالابتداء تأدباً وتقدم فيه بسط. قوله: (فلو خالفوا فسلم الماشي على الراكب الخ) في التحفة لابن حجر ظاهر قولهم حيث لم يسن الابتداء لم يجب الرد إلا ما استثنى أنه لا يجب هنا في ابتداء من لم يندب له ويحتمل وجوبه لأن عدم السنة لأمر خارج وهو مخالفة نوع ما من الأدب اهـ، وفي المهمات ما ذكره من كونه لا يكره وإن كان خلاف السنة مناقض لما قرره من أن ما ثبت أنه سنة كان تركه مكروهاً ذكر ذلك في مواضع من المجموع اهـ. قوله: (وهذا الأدب فيما إذا تلاقى اثنان الخ) قال الحافظ: وهو صحيح لكن محله ما إذا لم تتحد الصفات بالركوب وعدمه أو المشي والقعود مثلاً إما عند اتفاقهما فلا ولو تلاقى قليل ماش وكثير راكب فقد تعارضا ومثل

فصل: قال المتولي: إذا لقي رجل جماعة فأراد أن يخص طائفة منهم بالسلام كره، لأن القصد من السلام المؤانسة والألفة، وفي تخصيص البعض إيحاش للباقين، وربما صار سبباً للعداوة. فصل: إذا مشى في السوق أو الشوارع المطروقة كثيراً ونحو ذلك مما يكثر فيه المتلاقون، فقد ذكر أقضى القضاة الماوردي أن السلام هنا إنما يكون لبعض النّاس دون بعض، قال: لأنه لو سلم على كل من لقي لتشاغل به عن كل مهم، ولخرج به عن العرف، قال: وإنما يقصد بهذا السلام أحد أمرين: إما اكتساب ود، وإما استدفاع مكروه. فصل: قال المتولي: إذا سلمت جماعة على رجل فقال: وعليكم السلام، وقصد الرد على جميعهم سقط عنه فرض الرد في حق جميعهم، كما لو صلى على جنائزَ دفعة واحدة فإنه يسقط فرض الصلاة على الجميع. ـــــــــــــــــــــــــــــ القاعد في الحكم المذكور الواقف والمضطجع فيرد عليه من ورد سواء كان قليلاً أو كثيراً أو صغيراً أو كبيراً كما أشار إليه في شرح الروض. فصل قوله: (قال المتولي: إذا لقي رجل جماعة الخ) محله إن اقتصر على التخصيص وإلا فلو عمم ثم خصص فلا ففي بعض طرق حديث جبريل في الإيمان والإسلام والإحسان أنه قال: السلام عليكم يا محمد قال بعض شراح الأربعين النووية ففيه من الفقه ابتداء الداخل بالسلام وإقباله على رأس القوم حيث قال: السلام عليكم فعم ثم خص اهـ. فصل قوله: (إذا مشى في السوق الخ) سبق في باب فضل السلام الجمع بين ما هنا من الاقتصار في السلام على البعض وقضية حديث ابن عمر من تعميم كل أحد يلقاه بالسلام بأن حديث ابن عمر محمول على ما إذا لم يترتب على الاشتغال به كذلك فوات ما هو أهم منه من أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو نحو ذلك وما

فصل: قال الماوردي: إذا دخل إنسان على جماعةٍ قليلةٍ يعمُّهم سلام واحد، اقتصر على سلام واحد على جميعهم، وما زاد من تخصيص بعضهم فهو أدب، ويكفي أن يرد منهم واحد، فمن زاد منهم فهو أدب، قال: فإن كان جمعاً لا ينتشر فيهم السلام الواحد كالجامع والمجلس الحفل، فسُنَّة السلام أن يبتديء به الداخل في أول دخوله إذا شاهد القوم، ويكون مؤدياً سُنَّة السلام في حق جميع من سمعه، ويدخل في فرض كفاية الرد جميع من سمعه، فإن أراد الجلوس فيهم سقط عنه سُنَّة السلام فيمن لم يسمعه من الباقين، وإن أراد أن يجلس فيمن بعدهم ممن لم يسمع سلامه المتقدِّم ففيه وجهان لأصحابنا، أحدهما: أن سُنة السلام عليهم في حصلت بالسلام على أوائلهم لأنهم جمع واحد، فلو أعاد السلام عليهم كان ـــــــــــــــــــــــــــــ هنا محمول على ما إذا ترتب عليه ذلك كما يدل عليه قوله لأنه لو سلم على كل من لقي لتشاغل به عن كل مهم الخ، وجمع الحافظ في الفتح بأن كلام الماوردي محمول على من خرج في حاجة له فتشاغل عنها بما ذكر والأثر المذكور ظاهر في أنه خرج بقصد تحصيل ثواب السلام اهـ. وجمع العلوي يحمل أحدهما على الجواز والآخر على الاستحباب ثم إذا سلم على البعض أدى سنة السلام في حق من سمعه ممن سلم عليه ووجب عليه الرد على سبيل الكفاية إن كان عدداً وعلى سبيل التعين إن كان واحداً. فصل قوله: (قال الماوردي إذا دخل إنسان على جماعة -إلى أن قال- ويكفي أن يرد منهم واحد فمن زاد منهم فهو أدب) المراد بكونه أدباً بالنسبة إلى طلب ذلك مما زاد على الواحد وإذا فعله وقع فرض كفاية كما لو صلى على الجنازة بعد أن صلى عليها غيره فالساقط بالأول الحرج. قوله: (لا ينتشر) مضارع من الانتشار. قوله: (الحفل) بفتح الحاء المهملة وكسر الفاء أي الكثير من النّاس. قوله: (فإن أراد الجلوس فيهم)

أدَباً، وعلى هذا أي أهل المسجد رد عليه سقط به فرض الكفاية عن جميعهم. والوجه الثاني: أن سُنة السلام باقية لمن لم يبلغهم سلامه المتقدم إذا أراد الجلوس فيهم، فعلى هذا لا يسقط فرض رد السلام المتقدِّم عن الأوائل برد الأواخر. فصل: ويستحبُّ إذا دخل بيته أن يسلم وإن لم يكن فيه أحد، وليقل: السلامُ عَلَيْنا وعلى عِبادِ اللهِ الصَّالِحينَ. وقد قدَّمنا في أول الكتاب بيان ما يقوله إذا دخل بيته، وكذا إذا دخل مسجداً أو بيتاً لغيره ليس فيه أحد، يستحب أن يسلِّم، وأن يقول: السلامُ عَلَيْنا وعلى عِبادِ اللهِ الصَّالحِينَ، السلامُ عَلَيْكُمْ أهْلَ البَيْتِ ورَحْمَةُ الله وبَرَكَاتُهُ. فصل: إذا كان جالساً مع قوم ثم قام ليفارقهم، فالسُّنَّة أن يسلم عليهم. فقد روينا في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما بالأسانيد الجيدة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا انْتَهى أحَدُكُمْ إلى ـــــــــــــــــــــــــــــ أي فيمن سمع سلامه أي بينهم. قوله: (وعلى هذا) أي القول بسقوط السلام لسلامه الأول وإن لم يسمعه من تخطى إليهم (فأي أهل المسجد أجابه سقط) بإجابته (واجب الرد) سواء فيه من سمع سلامه ومن لا لأن العلة على هذا القول أنهم جمع واحد فكما اكتفى بالسلام على بعضهم عن السلام على الباقين كذلك اكتفى في سقوط الواجب برد البعض عن الباقين. قوله: (والوجه الثاني الخ) هو المعتمد. فصل قوله: (يستحب إذا دخل بيته أن يسلم الخ) أي لتعود البركة عليه وعلى المنزل. قوله (وقد قدمنا في أول الكتاب) أي أول كتاب الأذكار في باب مستقل ترجمه بقوله باب ما يقول إذا دخل بيته وليس المراد أول كتاب السلام كما قد يتوهم من حيث إن فيه الكلام نبه عليه الحافظ. فصل قوله: (فالسنة أن يسلم عليهم) أي عند مفارقته لهم. قوله: (فقد روينا في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما بالأسانيد الجيدة) قال الحافظ: مخرج هذا الحديث

المَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ، فإذا أرادَ أنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ فَلَيسَتْ الأولى بأحَقَّ مِنَ الآخِرَةِ" قال الترمذي: حديث حسن. ـــــــــــــــــــــــــــــ واحد وإن تعددت الأسانيد إلى محمد بن عجلان ثم خرجه الحافظ باللفظ المذكور لكن قال: فليست الأولى بأحق من الأخيرة فزاد تحتية قبل الراء وقال بعد تخريجه: هذا حديث حسن أخرجه النسائي عن أحمد بن بكار عن مخلد بن يزيد عن أبي جريج وأخرجه البخاري في الأدب المفرد عن خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال ثم أخرجه الحافظ من طريق أخرى تنتهي إلى إبراهيم بن عبد الله بن مسلم، حدثنا عاصم عن محمد بن عجلان عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أتى أحدكم المجلس فليسلم فإن قام والقوم جلوس فليسلم" فذكر بقيته مثله وقال الحافظ: أخرجه البخاري عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد عن ابن عجلان وأخرجه أحمد عن بشر بن المفضل ويحيى القطان وقران بن تمام ثلاثتهم عن ابن عجلان قال الترمذي: حديث حسن وأشار الحافظ إلى اختلاف وقع في السند فعند ابن جريج ومن ذكر معه عن محمد بن عجلان عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة وذكر الدارقطني في العلل عدة من رواه كذلك من ذكرناه أولاً إلا سليمان وقران ويحيى وزاد المفضل بن فضالة وروح بن القاسم وجرير بن عبد الحميد فصاروا عشرة كلهم عن محمد بن عجلان كما قاله ابن جريج قال ورواه الوليد وصفوان عن ابن عجلان عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة فزاد فيه عن أبيه قال: والصواب رواية ابن جريج ومن تابعه قال وخالف الجميع هشام بن حسان فقال عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة قال الحافظ: رواية المفضل عند ابن حبان ورواية روح بن القاسم عند النسائي ورواية جرير لم أرها ورواية هشام أخرجها النسائي وفيها مخالفة فساق من طريق يزيد بن هارون عن هشام عن محمد وليس هو ابن سيرين عن رجل عن أبي هريرة قال النسائي: يشبه أن يكون محمد هو ابن عجلان قال الحافظ: وعلى هذا فالرجل هو أبوه فيوافق ما قال الدارقطني والعلم عند الله اهـ. قوله: (فإذا أراد أن يقوم فليسلم) أي ندباً وقوله (فليست الأولى الخ) أي التسليمة الأولى (بأحق) أي بأولى وأليق (من) التسليمة (الآخرة) بل كلتاهما حق وسنة مشعرة إلى حسن المعاشرة

قلت: ظاهر هذا الحديث أنه يجب على الجماعة رد السلام على هذا الذي سلَّم عليهم وفارقهم، وقد قال الإمامان القاضي حسين وصاحبه أبو سعد المتولي: جرت عادة بعض النّاس بالسلام عند مفارقة القوم، وذلك دعاء يستحب جوابه ولا يجب، لأن التحية إنما تكون عند اللقاء لا عند الانصراف، وهذا كلامهما، وقد أنكره الإِمام أبو بكر الشاشي الأخير من أصحابنا وقال: هذا فاسد، لأن السلام سُنَّة عند الانصراف كما هو سُنَّة عند الجلوس، وفيه هذا الحديث، وهذا الذي قاله الشاشي هو الصواب. ـــــــــــــــــــــــــــــ وكرم الأخلاق ولطف الفتوة ولطافة المروءة فإنه إذا فارقهم من غير سلام عليهم ربما يتشوش أهل المجلس من فراقهم وهو ساكت وبهذا يتبين أنه قد يقال بل الآخرة أولى من الأولى لأن تركها ربما يتسامح فيه بخلاف الثانية على ما هو المتعارف لا سيما إذا كان في المجلس مما لا يذاع ولا يشاع ولذا قيل كما أن التسليمة الأولى إخبار عن سلامتهم من شره عند الحضور فكذا الثانية إخبار عن سلامتهم من شره عند الغيبة وليست السلامة عند الحضور أولى منها عند الغيبة بل الثانية أولى كذا في بعض شروح المشكاة. قوله: (قلت ظاهر هذا الحديث الخ) قال العاقولي: ظاهر الحديث يشعر بوجوب رد السلام على الذي يسلم للمفارقة وهو الصحيح من مذهب الشافعي وفي حديث قتادة أي وهو مرسل رواه البيهقي في الشعب إذا دخلتم بيتاً فسلموا على أهله وإذا خرجتم فردوا على أهله بالسلام قال العاقولي أيضاً هو من الإيداع أي اجعلوا السلام وديعة عندهم كي ترجعوا وهو تفاؤل بالسلامة والمعاودة لأن صاحب الوديعة يعود إلى المودع ليسترد وديعته وهو دليل على استحباب السلام على أهل المجلس عند مفارقتهم أيضاً أهـ. قوله: (ظاهر هذا الحديث) أي قوله فليست الأولى بأحق من الآخرة. قوله: (وذلك دعاء) أي والوجوب إنما هو للسلام التحية قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} فلا يدخل هذا السلام تحت الأمر المستفاد منه الوجوب قال في المرقاة وبه

فصل: إذا مر على واحد أو أكثر، وغلب على ظَنِّه أنه إذا سلَّم لا يرد عليه، إما لتكبُّر الممرور عليه، وإما لإهماله المارَّ أو السلامَ، وإما لغير ذلك، فينبغي أن يسلم ولا يتركه لهذا الظن، فإن السلام مأمور به، والذي أُمِرَ به المار أن يسلِّم، ولم يؤمر بأن يحصل الرد، مع أن الممرور عليه قد يخطيء الظن فيه ويرد. وأما قول من لا تحقيق عنده: إن سلام المار سبب لحصول الإثم في حق الممرور عليه، فهو جهالة ظاهرة، وغباوة بيِّنة، فإن المأمورات الشرعية لا تسقط عن المأمور بها بمثل هذه الخيالات، ولو نظرنا إلى هذا الخيال الفاسد لتركنا إنكارنا إنكار المنكر على من فعله جاهلاً كونه منكراً، وغلب على ظننا أنه لا ينزجر بقولنا، فإن إنكارنا عليه، وتعريفنا له قبحَه يكون سبباً لإثمه إذا لم يقلع عنه، ولا شك في أنا لا نترك الإنكار بمثل هذا، ونظائر هذا كثيرة معروفة، والله أعلم. ويستحب لمن سلَّم على إنسان وأسمعه سلامه وتوجبه عليه الرد بشروطه فلم يرد أن يحلِّله من ذلك، فيقول: أبرأته من حقي في رد السلام، أو جعلته في حل منه، ونحو ذلك، ويلفظ بهذا، فإنه يسقط به حق هذا الآدمي، والله ـــــــــــــــــــــــــــــ صرح بعض علمائنا يعني من الحنفية وعلله بأنه دعاء ووداع فكان جوابه مستحباً والله أعلم. فصل قوله: (فينبغي أن يسلم عليه ولا يتركه) وما في الإحياء عن أبي مسلم الخولاني أنه كان يمر على قوم ولا يسلم عليهم ولقول ما يمنعني إلا أني أخشى أنهم لا يردون فتلعنهم الملائكة محمل سديد يليق بشأنه وفي الفتح للحافظ رجح ابن دقيق العيد في شرح الإلمام المقالة التي زيفها النووي بأن مفسدة توريط المسلم في المعصية أشد من ترك مصلحة السلام عليه لا سيما وقد حصل امتثال الأمر بإفشاء السلام مع

أعلم. وقد روينا في كتاب ابن السني عن عبد الرحمن بن شبل الصحابي رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أجابَ السلام فَهُوَ لهُ، ومَنْ لَمْ يُجبْ فَلَيْسَ مِنّا" ـــــــــــــــــــــــــــــ غيره اهـ. قوله: (وقد روينا في كتاب ابن السني) وأخرجه البخاري في الأدب لكن قال: ومن لا يجب فلا شيء له قال الحافظ: والذي وقفت عليه في جميع طرق هذا الحديث بلفظ البخاري قال والحديث طرف من حديث طويل وقال الحافظ بعد تخريج الحديث بجملته: الحديث صحيح إن ثبت سماع أبي سلام يعني ممطور بن عبد الرحمن بن شبل فقد أدخل أبان بن يزيد في روايته عن يحيى بن أبي كثير بينهما أبا راشد الجبراني والحديث أخرجه أحمد وكذا رواه معاوية بن سلام وأخرجه الطبراني لكنهما اقتصرا على بعض الحديث وأخرج أحمد أيضاً وأبو يعلى والطبراني بعض الحديث وأخرجه الحاكم وحكي عن بعضهم التصريح بوصل سنده وقال الحافظ: التصريح وهم وبين ذلك. قوله: (عن عبد الرحمن بن شبل) وفي الاستيعاب أنه أنصاري له صحبة روى عنه تميم ابن محمود وأبو راشد الجبراني بضم الجيم وإسكان الموحدة وأخوه عبد الله بن شبل له صحبة أيضاً اهـ، والحديث الطويل الذي أشرنا إليه فيما مر آنفاً هو ما أخرجه الحافظ بسنده إلى يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن جده أبي سلام وهو ممطور قال: كتب معاوية إلى عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنهما أن علم النّاس ما سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي رواية أخرى وهي من طريق معاوية بن سلام عن أخيه زيد بن سلام عن أبي سلام عن أبي راشد الجبراني عن عبد الرحمن بن شبل أن معاوية قال له: إنك رجل من قدماء أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفقائهم فإذا صليت العصر ثم دخلت المقصورة فقم في النّاس فعلمهم قال في الحديث فجمعهم ثم قال: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: تعلموا القرآن فإذا علمتموه فلا تغلوا فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به ثم قال: إن التجار هم الفجار قالوا: يا رسول الله أو ليس قد أحل الله البيع وحرم الربا قال: بلى ولكنهم يحلفون ويأثمون ثم قال: إن الفساق هم أهل النار قالوا ومن الفساق يا رسول الله قال النساء قالوا: أو لسن أمهاتنا وبناتنا وأخواتنا قال: بلى ولكنهن

باب الاستئذان

ويستحب لمن سلم على إنسان فلم يرد عليه أن يقول له بعبارة لطيفة: ردُّ السلام واجب، فينبغي لك أن ترد عليَّ ليسقط عنك الفرض، والله أعلم. باب الاستئذان قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور: 27] وقال تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا أعطين لم يشكرن وإذا ابتلين لم يصبرن ثم قال: يسلم الراكب على الراجل ويسلم الراجل على الجالس والأقل على الأكثر فمن أجاب السلام كان له ومن لم يجب فلا شيء له قال الحافظ: حديث صحيح إن ثبت سماع أبي سلام من عبد الرحمن فقد أدخل بعضهم بينهما أبا راشد الجبراني أخرجه أحمد وكذا رواه معاوية بن سلام عن جده أبي سلام عن أبي راشد الجبراني وكذا أخرجه الطبراني لكنهما اقتصرا على بعض الحديث وأخرجه الحافظ كذلك من طريق أخرى إلا أنه قال القاعد بدل الجالس وقال: هذا السند على شرط الصحيح لم يخرجا له قال: فيترجح أن الطريق الأولى منقطعة وأخرج أحمد وأبو يعلى والطبراني بعض الحديث من رواية هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي راشد فسقط من السند زيد وجده وأخرجه الحاكم مع ذلك من هذا الوجه لكن قال: صرح هشام عن يحيى بأن أبا راشد حدثه كذا قال والذي يغلب أن التصريح وهم من بعض رواته فقد أخرجه أحمد من طريقين عن هشام بالعنعنة قاله الحافظ. قوله: (ويستحب لمن سلم على إنسان الخ) الظاهر أن طلب هذا القول ما دام وقت الرد باقياً ويحتمل أن يأتي به ولو مع طول الفصل ويكون القصد به زوال ما يقع عنده من ترك جوابه من الضغينة ونحوها والله أعلم. باب الاستئذان هو بسكون الهمزة وتبدل ياء طلب الإذن في الدخول، قيل: سبب نزول آية الاستئذان

الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 59]. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الاسْتِئْذَانُ ثَلاثٌ، فإن أُذِنَ لكَ وإلاَّ فارْجِعْ". ورويناه في ـــــــــــــــــــــــــــــ ما في الرياض النضرة للمحب الطبري عن ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرسل غلاماً من الأنصار إلى عمر بن الخطاب وقت الظهيرة ليدعوه فرأى عمر على حالة كره عمر رؤيته عليها فقال: يا رسول الله وددت لو أن الله أمرنا ونهانا في حال الاستئذان فنزلت: {يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} الآية، وقال: خرجه أبو الفرج وصاحب الفضائل وقال بعد قوله فدخل عليه وكان نائماً وقد انكشف بعض جسده فقال: اللهم حرم الدخول علينا وقت نومنا فنزلت فهو أحد المواضع التي وافق فيها رأى عمر رضي الله عنه أي الكتاب وقد نظمها السيوطي أرجوزة صغيرة وكنت كتبتها عليها وأودعت الشرح أرجوزة نظمت فيها ذلك بزيادة أشياء نفيسة يعرف حقها من راجعها ثم شرحتها في جزء سميته "اتحاف الثقات بشرح الموافقات" تقبلهما الله ونفع بهما بمنِّه آمين والآية سبق السلام على بعض ما يتعلق بها في أول كتاب السلام. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي موسى ثم ساق الحديث ثم قال ورويناه في الصحيحين الخ) لفظ الحديث عن أبي سعيد الخدري قال: كنت في حلقة فيها أبي بن كعب إذ جاءنا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه مذعوراً فقال: إن عمر بعث إلي فأتيته فاستأذنت ثلاثاً فلم يأذن لي فرجعت فرآني بعد ذلك فقال لي: ما لك لم تأتني؟ فقلت: في أتيت فاستأذنت ثلاثاً وقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا استأذن أحدكم ثلاثاً وفي رواية من استأذن ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع" فقال: لتأتين على ذلك ببينة أو لأفعلن بك وأفعلن فقال أبي بن كعب: لا يقوم معك إلا أصغرنا وقال أبو سعيد: فكنت أصغر القوم فجئت إلى عمر فحدثته أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال فذكره أخرجه البخاري ومسلم وفي بعض طرقه عند البخاري وقال عمر: خفي على هذا من أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألهاني الصفق في الأسواق يعني التجارة أخرجه الشيخان. قوله: (الاستئذان ثلاث) قال المصنف في شرح مسلم في الحديث دليل للقول المختار من ثلاثة أقوال من أنه ينصرف إذا استأذن ثلاثاً ولم يؤذن له اهـ. قال بعضهم: الأول للتعريف

"الصحيحين" أيضاً عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وغيره عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. وروينا في "صحيحيهما" عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنما جُعِلَ الاسئتذانُ مِنْ أجْلِ البَصَرِ". وروينا الاستئذان ثلاثاً من جهات كثيرة. والسُنَّة أن يسلم ثم يستأذن، فيقوم عند الباب بحيث لا ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني للتأمل والثالث للإذن أو عدمه. قوله: (وغيره) أراد به أبي بن كعب فقد جاء صريحاً أنه جاء وأخبر عمر بذلك فقال له: يا عمر لا تكن عذاباً على أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- فقال عمر: سبحان الله إنما سمعت شيئاً أحببت أن أتثبت فيه ويدخل في عمومه من كان في الحلقة من الصحابة رضي الله عنهم. قوله: (وروينا في صحيحيهما عن سهل بن سعد الخ) وحديثه قال: اطلع رجل من حجر في حجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعه -صلى الله عليه وسلم- مدر يحك به رأسه فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك" إنما جعل الاستئذان من أجل النظر أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي والحديث مشهور عن الزهري عن سهل بن سعد وقد رواه سفيان بن حسين عن الزهري فقال عن أبي أمامة بن حنيف عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو شاذ وابن حسين وإن كان من رجال الصحيح فإنه ضعفوه في الزهري خاصة وله قصة في سبب ذلك مشهورة وجاء في تسمية الرجل الذي كان ينظر ما أخرجه الطبراني من طريق مدرك بن سليمان عن أبي صالح عن ابن عباس قال: كان سبب نفي الحكم إلى الطائف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في بيته فإذا هو بإنسان يطلع عليه فقال: اخرج فلا تسألني ما بقيت فنفاه إلى الطائف وفي مدرك وأبي صالح مقال قاله الحافظ. قوله: (إنما جعل الاستئذان لأجل النظر) قال المصنف معناه الاستئذان مشروع ومأمور به وإنما جعل لئلا يقع النظر على المحرم فيحرم فلا يحل لأحد أن ينظر في حجر باب ولا غيره مما هو متعرض لوقوع بصره على امرأة أجنبية اهـ. قوله: (وروينا الاستئذان ثلاثاً من جهات كثيرة) قال الحافظ قال الترمذي بعد تخريجه وفي الباب عن علي وأم طارق ثم ساق من طريق ابن عباس عن عمر رضي الله عنهم قال: استأذنت على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاثاً فأذن لي قال الترمذي: إنما أنكر عمر على أبي موسى أنه رجع

ينظر إلى من في داخله، ثم يقول: السلام عليكم، أأدخل؟ فإن لم يجبه أحد، قال ذلك ثانياً وثالثاً، فإن لم يجبه أحد انصرف. وروينا في "سنن أبي داود" بإسناد صحيح عن ربعي بن حِراش بكسر الحاء المهملة وآخره شين معجمة، التابعي الجليل قال: حدثنا رجل من بني عامر "استأذن على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو في بيت فقال: أألج؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لخادمه: "اخْرُجْ إلى هذا فعَلِّمهُ الاسْتِئْذَان، فَقُلْ لَهُ: قُلْ: السلامُ عَلَيكُمْ، أأدْخُلُ؟ " فسمعه الرجل فقال: السلام عليكم، أأدخل؟ فأذن له النبي -صلى الله عليه وسلم- فدخل". ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد الثلاث ولم يعلم عمر الأمر بالرجوع بعدها وأخرج حديث أبي موسى أبو داود في سننه قال الحافظ وقد روينا الاستئذان من جهة النظر من جهات كثيرة (وتوفي الحافظ ابن حجر رحمه الله قبل بيان ذلك) وفي هذا المحل وقف تحرير أماليه فتغمده الله برحمته ونفعني وسائر المسلمين من بركته. وكانت وفاته في ثامن عشر ذي الحجة الحرام سنة ثمانمائة واثنتين وخمسين. قوله: (فإن لم يجبه أحد بعد الثلاث انصرف على المختار) لما تقدم من الحديث. قوله: (روينا في سنن أبي داود الخ) هذا ما صدر به أبو داود ثم ساق طريقاً أخرى إلى ربعي أنه قال: حدثت أن رجلاً من بني عامر استأذن على النبي -صلى الله عليه وسلم- بمعناه وهذه الرواية التي في الأصل أن المحدث له هو نفس الرجل السائل وقوله في الرواية الأخرى: حدثت أن رجلاً الخ، يقتضي أنه أخبر بذلك فيحتمل أن يكون السائل هو المخبر له بنفسه فتتفق الطريقان ويحتمل أنه سمعه تارة منه وتارة بواسطة والله أعلم. قوله: (أألج) بهمزتين مفتوحتين أولاهما للاستفهام والثانية حرف مضارعة ويجوز تحقيق وتسهيل الثانية وإبدالها ألفاً ولام مكسورة آخره جيم أي أدخل. قوله: (فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لخادمه) قال الحافظ السيوطي في مرقاة الصعود في تفسير ابن جرير من طريق عمرو بن سعيد الثقفي أن اسمها روضة. قوله: (السلام عليكم الخ) قال الحافظ في فتح الباري اختلف هل السلام شرط في

وروينا في "سنن أبي داود والترمذي" عن كلدَة بن الحنبل الصحابي رضي الله عنه قال: "أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فدخلت عليه ولم أسلم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ارْجِعْ فَقُلْ: السلامُ عليكم أأدْخُلُ؟ " قال الترمذي: حديث حسن. قلت: كَلدَة، بفتح الكاف واللام. والحنبل، بفتح الحاء المهملة وبعدها نون ساكنة ثم باء موحدة مفتوحة ثم لام. وهذا الذي ذكرناه من تقديم السلام على الاستئذان هو الصحيح. وذكر الماوردي فيه ثلاثة أوجه، أحدها هذا، والثاني: تقديم الاستئذان ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستئذان أولاً. قوله: (وروينا في سنن أبي داود والترمذي) وكذا أخرجه الطبراني في معجمه ذكره السيوطي في مرقاة الصعود. قوله: (عن كلدة بن الحنبل) ويقال: كلدة بن عبد الله بن حنبل والصواب الأول بن بليل الغساني وقيل الأسلمي حليف بني جمع أخي صفوان بن أمية لأمه قال ابن إسحاق والواقدي ومصعب والطبراني قال ابن عبد البر أمهما صفية بنت معمر بن وهب بن حذافة بن جمح وقال ابن الكلبي والهيثم بن عدي بن كلدة بن الحنبل أخي صفوان بن أمية لأمه وقال: كان الحنبل مولى لعمر ابن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح وكان أخا صفوان بن أمية لأمه شهد الحنبل مع صفوان يوم حنين فلما انهزم المسلمون قال الحنبل: بطل سحر ابن أبي كبشة فقال صفوان: فض الله فاك لأن يرثني رجل من قريش أحب إليّ من أن يرثني رجل من هوازن. وكلدة هو الذي بعثه صفوان بن أمية إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بهدايا فيها لبن وضغابيس وهي كما قال العاقولي بفتح الضاد والغين المعجمتين وبالباء الموحدة بعدها المثناة والسين المهملة صغار القثاء واحدها ضغبوس وقيل: هي نبت في أصول الثمم يشبه الهليون يسلق بالخل والزيت ويؤكل اهـ. وقال السيوطي: قال أبو عاصم بقلة تكون بالبراري، وكلدة هذا وأخوه عبد الرحمن بن الحنبل شقيقان وكانا ممن سقط من اليمن إلى مكة فيما قال مصعب وغيره أسلم كلدة بإسلام صفوان ولم يزل مقيماً بمكة إلى أن توفي بها، روى عنه عمرو بن عبد الله بن صفوان ثم كلدة بفتح الكاف والدال المهملة بعدها هاء كذا في المغني. قوله: (وهذا الذي ذكرناه الخ) في الروضة بعد ذكر المذاهب الثلاثة الصحيح المختار تقديم السلام فقد صحت فيه

على السلام، والثالث: وهو اختياره: إن وقعت عين المستأذن على صاحب المنزل قبل دخوله قَدَّم السلام، وإن لم تقع عليه عينه، قدَّم الاستئذان. وإذا استأذن ثلاثاً فلم يُؤذَن له وظَنَّ أنه لم يسمع، فهل يزيد عليها؟ حكى الإِمام أبو بكر بن العربي المالكي فيه ثلاثة مذاهب، أحدها: يعيده، والثاني: لا يعيده، والثالث: إن كان بلفظ الاستئذان المتقدِّم لم يُعِدْه، وإن كان بغيره أعاده، قال: والأصح أنه لا يعيده بحال، وهذا الذي صححه هو الذي تقتضيه السُّنَّة، والله أعلم. فصل: وينبغي إذا استأذن على إنسان بالسلام أو بدق الباب، فقيل له: من أنت؟ أن يقول: فلان بن فلان، أو فلان الفلاني، أو فلان المعروف بكذا، أو ما أشبه ذلك، بحيث يحصل التعريف التام به، ويكره أن يقتصر على قوله: أنا، أو الخادم، أو بعض الغلمان، أو بعض المحبين، وما أشبه ذلك. ـــــــــــــــــــــــــــــ أحاديث صريحة وفي شرح مسلم للمصنف أنه الذي قال به المحققون وصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديثان في تقديم السلام. قوله: (وهذا الذي صححه) تقتضيه السنة أي كما تقدم في حديث أبي موسى الاستئذان ثلاث فإن أذن لك وإلا فارجع قال المصنف في شرح مسلم ومن قال بالثاني حمل الحديث على أنه علم أو ظن أنه سمعه فلم يأذن اهـ. فصل قوله: (أو بدق الباب) أي فإنه قائم مقام الاستئذان أخذاً من حديث جابر رضي الله عنه فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ينكر عليه إقامة دق الباب مقام الاستئذان إنما أنكر عليه قوله أنا وكان حقه أن يقول جابر: أشار إليه العاقولي ونقل الكرماني عن بعضهم أنه يكره إن لم يستأذن بلفظ السلام بل بالدق اهـ. ويبعده أنه -صلى الله عليه وسلم- أتى بما يدل على كراهية إتيان جابر بلفظ: أنا بقوله: أنا أنا ويقوم مقام الاستئذان أيضاً التنحنح. قوله: (ويكره أن يقتصر الخ) لأن مقصود رب الدار معرفة المستأذن وهي لا تحصل بهذا الجواب لما بينهما من الجدار الحائل فاعتبر ما تحصل به معرفته عنده وقال ابن الجوزي إنما

روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" في حديث الإسراء المشهور، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثمّ صَعِدَ بِي جِبْرِيلُ إلى السَّماءِ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قالَ: جِبْرِيل، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قالَ: مُحَمَدٌ، ثم صَعِدَ بِي إلى السَّماءِ الثانِيَةِ وَالثالِثَةِ وَسَائِرِهِنَّ، وَيُقَالُ في باب كُل سمَاءِ: مَنْ هَذَا؟ فَيَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ يكره لفظ أنا لأن فيها نوعاً من الكبر كأنه يقول أنا الذي لا أحتاج أن أذكر اسمي ولا نسبي اهـ. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم في قصة الإسراء المعروفة) المراد من الإسراء ما يشمل المعراج لأن ما ذكر من الاستئذان في فتح أبواب السماء إنما هو في قصة المعراج وقصة الإسراء كذلك مروية عند الشيخين والترمذي والحاكم والبيهقي والبزار وغيرهم وكانت قصة المعراج قبل الهجرة بنحو ثمانية عشر شهراً وقيل غير ذلك. قوله: (فاستفتح جبريل) الأشبه كما قال الحافظ ابن حجر إن هذا الاستفتاح كان بقرع لأن صوته معروفة ويؤيده كما قال بعضهم ما في بعض الروايات فقرع الباب قال ابن دحية في استفتاح جبريل لأبواب السماء دليل على أنه صادف أبوابها مغلقة وإنما لم يتهيأ للنبي -صلى الله عليه وسلم- بالفتح قبل مجيئه وإن كان أبلغ في الإكرام لأنه لو رآها مفتحة لظن أنها لا تزال كذلك ففعل ذلك ليعلم أن ذلك الفتح فعل من أجله تشريفاً له وأيضاً فأراد الله أن يطلعه على أنه معروفة عند أهل السموات ولذا لما سألوا من معك فقال محمد: لم يقولوا ومن محمد وإنما سألوا عن البعث إليه أجاء زمانه. قوله: (قال جبريل) سمى نفسه لأنه كان معروفاً ولم يعرف من الملائكة من اسمه جبريل سواه ولم يقل: أنا لئلا يلتبس بغيره ولأن فيها إشعاراً بالعظمة وفي الكلام السائر أول من قال: أنا إبليس فشقي حيث قال: أنا خير منه وقالها فرعون فتعس حيث قال: أنا ربكم الأعلى وسيأتي فيه مزيد. قوله: (قيل ومن معك) هذا القول يشعر بأنهم أحسوا أن مع جبريل غيره قيل وإلا لكان السؤال: أمعك أحد؟ وذلك الإحساس إما بمشاهدة لكون السماء شفافة وإما لأمر معنوي بزيادة أنوار. قوله: (قال محمد) في إتيان جبريل باسمه - صلى الله عليه وسلم - دون كنيته دليل على أن الاسم أرفع منها لأنه أخبر باسمه ولم يخبر بكنيته وهو -صلى الله عليه وسلم- مشهور في العالمين

جِبْرِيلُ". وروينا في "صحيحيهما" في حديث أبي موسى لما جلس النبي -صلى الله عليه وسلم- على بئر البستان وجاء أبو بكر فاستأذن، فقال: مَنْ؟ قال: أبو بكر، ثم جاء عمر فاستأذن، فقال: مَنْ: قال عمر، ثم عثمان كذلك. وروينا في "صحيحيهما" أيضاً عن جابر رضي الله عنه قال: "أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فدققت الباب، فقال: مَنْ ذَا؟ فقلت: أنا، فقال: أنَا أنَا؟ كأنه كرهها". ـــــــــــــــــــــــــــــ العلوي والسفلي فلو كانت الكنية أرفع من الاسم لأخبر بكنيته. قوله: (لما جلس النبي -صلى الله عليه وسلم- على البئر) أي بئر أريس بوزن جليس بئر بقباء وكان أبو موسى حافظ الباب في ذلك الوقت كما في الصحيح فلما جاء كل من الثلاثة استأذن لهم فأذن لهم والشاهد من الاستدلال أن كلاً منهم لما استأذن فقيل له: من هذا ذكر اسمه بالصريح. قوله: (وروينا في صحيحيهما عن جابر الخ) وكذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومداره على شعبة عن محمد بن المنكدر عن جابر كما أشار إليه العلائي في عوالي مالك قال المصنف قال العلماء: إذا استأذن فقيل له: من أنت؟ أو من هذا؟ كره أن يقول: أنا قال في التوشيح وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد والحاكم وصححه من حديث بريدة قال: جئت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: من هذا فقلت: أنا بريدة اهـ. قال في المرقاة: نعم إذا كان من أهل البيت من يعرفه بصوته فلا بأس بقوله: أنا على ما هو المتعارف إذ لا شك أنه -صلى الله عليه وسلم- لو عرفه لما أنكر عليه لحصول المقصود به أو كرهه لأن فيه تعظيماً فلم ير -صلى الله عليه وسلم- التكلم بلفظ ليس فيه تواضع اهـ. وفيه أنه لو قال: أنا جابر لم يكن يكرهها اهـ. كلام المرقاة وفي شرح المصابيح لزين العرب ذهبت طائفة من أهل العلم وفرقة من الصوفية إلى كراهة إخبار الإنسان عن نفسه بقوله: أنا واستدلوا بحديث جابر وما ذهبوا إليه ضعيف إذ القرآن والأحاديث الصحيحة مشحونة بذلك قال تعالى لنبيه: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} أنا سيد ولد آدم وكراهته -صلى الله عليه وسلم- لذلك الذي في حديث جابر لم يكن من جهة أنها تتضمن التكبر بل أنه أخبر عن نفسه بما لا يرتفع به الإيهام وأنكر عليه دق الباب لأنه مما لا يليق بالأدب وفي الأخير بعد لأن ظاهر قوله: أنا أنا كراهته لهذا اللفظ وفي الحديث

فصل: ولا بأس أن يصف نفسه بما يعرَف إذا لم يعرِفه المخاطَب بغيره، وإن كان فيه صورة تبجيل له، بأن يكني نفسه، أو يقول: أنا المفتي فلان، أو القاضي، أو الشيخ فلان، أو ما أشبه ذلك. روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أمّ هانيء بنت أبي طالب رضي الله عنها، واسمها فاختة على المشهور، وقيل: فاطمة، وقيل: هند، قالت: "أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يغتسل وفاطمةُ تستره فقال: مَنْ هَذهِ؟ فقلت: أنا أمُّ هانيء". وروينا في "صحيحيهما" عن أبي ذرّ رضي الله عنه، واسمه جُندُب، وقيل: بُرَيْر بضم الباء تصغيرُ برّ، قال: خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمشي وحدَه، فجعلت أمشي في ظل القمر، فالتفت فرآني فقال: "مَنْ هَذا؟ " فقلت: أبو ذر". وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي قتادة الحارث بن ربعي رضي الله عنه في حديث الميضأة المشتمل على معجزات كثيرة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى جُمَل من فنون العلوم، قال فيه أبو قتادة: "فرفع النبي -صلى الله عليه وسلم- رأسه ـــــــــــــــــــــــــــــ كأنه كرهها أي كلمة أنا وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أنا أنا" مكرراً الإنكار عليه قال الطيبي أي قولك: أنا مكروه فلا تعده أي والثاني تأكيد لما أشرنا إليه والله أعلم. فصل قوله: (ولا بأس الخ) وإن كان فيه ثناء على النفس لأن الحاجة للتعريف دعت لذلك فاغتفر. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم) تقدم تخريجه في حكم السلام على النساء وفيه ذكرت ترجمة أم هانيء رضي الله عنها. قوله: (واسمه جندب) بضم الجيم وسكون النون وضم الدال المهملة وفتحها وسبقت ترجمته في باب الذكر أول الكتاب. قوله: (وقيل برير الخ) وقيل: إنه بربر بموحدتين مضمومتين ومهملتين ساكنتين بوزن هدهد. قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) روى الحديث أبو داود والنسائي وابن ماجه. قوله: (عن أبي قتادة الحارث بن ربعي) هذا أحد ما قيل في اسمه. قوله: (فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه) لما زحم أبو قتادة رسول الله

باب في مسائل تتفرع على السلام

فقال: مَنْ هَذا؟ قلت: أبو قتادة". قلت: ونظائره هذا كثيرة، وسببه الحاجة وعدم إرادة الافتخار. ويقرب من هذا ما رويناه في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه -واسمه عبد الرحمن بن صخر على الأصح- قال: "قلتُ: يا رسول الله ادع الله أن يهديَ أمَّ أبي هريرة ... " وذكر الحديث ... إلى أن قال: "فرجعت فقلت: يا رسول الله قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة". باب في مسائل تتفرَّع على السلام مسألة: قال أبو سعيد المتولي: التحية عند الخروج من الحمَّام، بأن يقال له: طاب حمَّامك، لا أصل لها ولكن روي أن علياً رضي الله عنه قال لرجل خرج من الحمَّام: طَهَرْتَ فلا نَجِسْتَ. قلت: هذا المحل لم يصحّ فيه شيء، ولو قال إنسان لصاحبه على سبيل المودَّة والمؤالفة واستجلاب الود: أدام الله لك النعيم، ونحو ذلك من الدعاء فلا بأس به. ـــــــــــــــــــــــــــــ -صلى الله عليه وسلم- في الليلة الثالثة وهو على الراحلة رفع النبي -صلى الله عليه وسلم- رأسه وقال: "من هذا" قلت: أبو قتادة قال: "متى كان هذا مسيرك مني" قلت: ما زال هذا مسيري منذ الليلة قال: "حفظك الله بما حفظت به نبيه -صلى الله عليه وسلم-" وسيأتي ذكر الحديث بأبسط من هذا في باب دعاء الإنسان لمن صنع إليه معروفاً ونتكلم ثمة على جمل من فوائد الحديث إن شاء الله تعالى. قوله: (ادع الله أن يهدي أم أبي هريرة) قال في السلاح: اسمها أمية بنت صفيح بضم الصاد المهملة وفتح الفاء وسكون التحتية آخره حاء مهملة هذا هو الصحيح المشهور وقيل اسمها ميمونة اهـ وإنما قال الشيخ ويقرب الخ أن هذا اللفظ أي أم أبي هريرة لم يكن كنية لها فإنما أتى به أبو هريرة تقريباً للمراد ولعله -صلى الله عليه وسلم- كان لا يعرف اسم أمه فأتى بذلك لذلك. باب في معرفة مسائل تتفرع على السلام قوله: (طهرت فلا نجست) أي حصلت لك الطهارة الحسية فلا وقع بك النجاسة الحسية

مسألة: إذا ابتدأ المارُّ الممرور عليه، فقال: صبَّحك الله بالخير، أو بالسعادة، أو قوَّاك الله، أو لا أوحش الله منك، أو غير ذلك من الألفاظ التي يستعملها النّاس في العادة، لم يستحق جواباً، لكن لو دعا له قُبَالة ذلك كان حسناً، إلا أن يترك جوابه بالكلية زجراً له في تخلُّفه وإهماله السلام وتأديباً له ولغيره في الاعتناء بالابتداء بالسلام. فصل: إذا أراد تقبيل يد غيره، إن كان ذلك لزهده وصلاحه أو علمه أو شرفه وصيانته أو نحو ذلك من الأمور الدّينية، لم يكره، بل يستحبُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا المعنوية وطهر بفتح الهاء ونجس بضم الجيم وفي التجريد لابن المزجد قال المتولي والروياني روي أن علياً رضي الله عنه قال لرجل: خرج من الحمام طهرت فلا نجست وعند علي يهودي فقال للرجل هلا أجبت أمير المؤمنين فقلت: سعدت ولا شقيت فقال علي رضي الله عنه: الحكمة ضالة المؤمن خذوها ولو من أفواه المشركين اهـ، وفي وصول الأماني للسيوطي في الفردوس من حديث ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي بكر وعمر وقد خرجا من الحمام طاب حمامكما لكن بيض له ولده في مسنده فلم يذكر له إسناداً اهـ وسيأتي في هذا مزيد. قوله: (فقال: صبحك الله بالخير الخ) هذه الألفاظ كلها لا أصل لها في التحية ولم يثبت فيها شيء. قوله: (إلا أن يترك الخ) أي فيكون ترك الدعاء له حسناً لما فيه من البعث على الاعتناء بالسنة والاهتمام بشأنها ومحله ما لم يترتب على الترك مفسدة. فصل قوله: (بل يستحب) أي لأتباع السلف والخلف في ذلك فقد ورد أن أبا

وإن كان لغناه ودنياه وثروته وشوكته ووجاهته عند أهل الدنيا ونحو ذلك، فهو مكروه شديد الكراهة. وقال المتولي من أصحابنا: لا يجوز فأشار إلى أنه حرام. روينا في سنن أبي داود عن زَارع رضي الله عنه، وكان في وفد عبد القيس قال: "فجعلنا ـــــــــــــــــــــــــــــ عبيدة قبل يد عمر رضي الله عنهما ومثل تقبيل اليد في الحكم تقبيل غيرها من الرأس أو القدم أو نحو ذلك. قوله: (وإن كان لغناه الخ) ففي الحديث من تواضع لغني لغناه ذهب ثلثا دينه والثروة بفتح المثلثة وسكون الراء المهملة كثرة المال وفي التتمة للمتولي. فرع الدخول على الأغنياء والسلاطين لا يستحب لما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تدخلوا على هؤلاء الموتى فتمرض قلوبكم" قيل: ومن هم؟ قال: الأغنياء اهـ. قوله: (فأشار إلى أنه حرام) قال في الروضة وظاهره التحريم اهـ. وقيل: يحرم ما كان على وجه التملق والتعظيم أما المأذون فيه فعند التوديع والقدوم من السفر وطول العهد بالصاحب وشدة الحب في الله تعالى مع أمن النفس اهـ. والراجح ما ذكره المصنف أولاً من استحباب تقبيل يد العالم على وجه الإكرام والسلام. قوله: (روينا في سنن أبي داود الخ) رواه عن محمد بن عيسى حدثنا مطر بن عبد الرحمن الأعنق قال: حدثتني أم أبان ابنة الوازع بن زارع عن جدها زارع وكان في وفد عبد القيس قال فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي -صلى الله عليه وسلم- ورجله وانتظر المنذر بن الأشج حتى أتى عيبة فلبس ثوبيه ثم أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له: "إن فيك خلتين يحبهما الله تعالى: الحلم والأناة" فقال: يا رسول الله أنا أتخلق بهما أم جبلني الله عليهما قال: "بل جبلك الله عليهما" فقال: الحمد الله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله ورسوله قال الحافظ السيوطي في حاشيته على السنن المذكورة في مسند أحمد من طريق أبي معبد مولى بني هشام عن مطر قال: سمعت هنداً بنت الوازع تقول: سمعت الوازع يقول: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- والأشج فذكر الحديث فجعله من مسند أبيها الوازع قال ابن الجوزي في جامع المسانيد هكذا ذكره أحمد في مسنده وما رأيت أحداً غيره ذكره في الصحابة قال الحافظ أبو الفضل العراقي فيما كتبه بخطه على حاشيته ذكر أبو موسى الأصبهاني في تذييله على الصحابة لابن منده وازع بن الزارع وقال ابن ماكولا في الإكمال وازع بن زارع وقيل له: صحبة ورواية

نتبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي -صلى الله عليه وسلم- وَرِجْلَه". قلت: زَارع بزاي في أوَّله وراء بعد الألف على لفظ زارع الحنطة وغيرها. ـــــــــــــــــــــــــــــ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- روى عنه ابنه وازع وذكر ابن عساكر في جزء له رتب فيه صحابة المسند على حروف المعجم أن الذي وقع فيه في المسند وهم وصوابه زارع بالزاي وكذا ذكره البزار في مسنده وابن حبان في الثقات وابن قانع في جامع الصحابة وابن عبد البر في الاستيعاب وقالوا: زارع بن عامر العبدي اهـ. وفي رجال المشكاة زارع بن عامر بن عبد القيس وفد على النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي عبد القيس عداده في البصريين وحديثه فيهم اهـ. قوله: (نتبادر) أي يبدر بعضنا بعضاً في النزول والإسراع إلى حضرته -صلى الله عليه وسلم-. قوله: (ورجله) قال العلوى في سنن أبي داود وفي رواية ورجليه وسقط ذلك من بعض نسخ الأذكار اهـ. ففي تقريره -صلى الله عليه وسلم- على ذلك دليل على جواز فعله مع وارثيه من العلماء الأخيار والصالحين الأبرار وكره مالك تقبيل يد نحو العالم أخذاً من حديث أبي هريرة لما اشترى -صلى الله عليه وسلم- السراويل وقال للوازن زن وأرجح إلى أن قال فأراد ذلك الرجل أن يقبل يده -صلى الله عليه وسلم- فجبذ يده وقال: لا تعظموني كما تعظم الأعاجم ملوكها قال بعض شراح رسالة ابن أبي زيد نعم لا بأس أن يمكن المسلم نحو اليهودي من تقبيل يده لشرفه عليهم بالإسلام فقد جاء أن اليهود أتوا النبي -صلى الله عليه وسلم- فسأله مختبرين له عن تسع آيات بينات فلما أخبرهم بها قبلوا يديه ورجليه الحديث الطويل اهـ. قوله: (قلت زارع الخ) قال الإِمام ابن الأثير في أسد الغابة زارع بن عامر العبدي من عبد القيس كنيته أبو الوازع وقيل زارع بن زارع والأول أصح وله ابن يسمى الوازع كان يكنى به روى أبو داود الطيالسي عن مطر بن الأعنق عن أم أبان بنت الوازع أن جدها وفد على النبي -صلى الله عليه وسلم- مع الأشج العصري ومعه ابن له مجنون أو ابن أخت له فلما قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: يا رسول الله إن معي ابناً لي أو ابن أخت لي مجنوناً أتيتك به لتدعو الله له فقال: ائتني به فأتاه به فدعا له فبرأ فلم يكن في الوفد من يفضل عليه وروت عنه أيضاً حديثاً طويلاً أحسنت سياقه اهـ، وفي الإصابة للحافظ ابن حجر الزارع بن عامر ويقال ابن عمر وأبو الزارع روت له ابنة ابنه أم أبان وذكر أبو الفتح الأزدي أنها انفردت بالرواية عنه اهـ، ثم زارع هذا يزاد على من ذكره المصنف فيمن عرف اسمه من وفد عبد القيس وعبارته في شرح مسلم وفد وفد عبد القيس على رسول الله

وروينا في سنن أبي داود أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما قصة قال فيها: "فدنونا: يعني من النبي -صلى الله عليه وسلم- فقبَّلنا يده". وأما تقبيل الرَّجُل خَد ولده الصغير، وأخيه، وقُبلةُ غير خَده من أطرافه ونحوها على وجه الشفقة والرحمة واللطف ومحبة القرابة، فسُنَّة. والأحاديث فيه كثيرة صحيحة مشهورة، وسواء ـــــــــــــــــــــــــــــ -صلى الله عليه وسلم- وكانوا أربعة عشر راكباً الأشج العصري رئيسهم ومزينة بن مالك المحاربي وعبيدة بن همام المحاربي وضحار أي بمعجمة مضمومة فمهملة وبعد الألف راء مهملة ابن العباس المري وعمر بن مرحوم العصري والحارث بن شعيب العصري والحارث بن جندب من بني عابس ولم يعثر بعد طول التتبع على أكثر من أسماء هؤلاء زاد الحافظ ابن حجر وعقبة بن جروة وقيس بن النعمان والجهم بن فثم والرسيم وجويرية والزارع فهؤلاء أربعة عشر قال السيوطي في التوشيح وقد روى الدولابي عن أبي خبرة الصباحي قال: كنت في الوفد الذين أتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عبد القيس وكنا أربعين رجلاً قال ابن حجر فلعل الأربعة عشر رؤوس الوفد وممن سمى منهم غير من سبق مطر أخو الزارع وابن أخيه ولم يسم ومشمرج وجابر بن الحارث وحرية بن عمرو وهمام بن ربيعة وجارية بالجيم وجابر ونوح بن مخلد فهؤلاء بضع وعشرون. قوله: (وروينا في سنن أبي داود عن ابن عمر قصة الخ) رواه ابن ماجه أيضاً لكن ليس فيه عنده وذكر قصة الخ وفي الترمذي بعد ذكر حديث صفوان الآتي وفي الباب عن يزيد بن الأسود وابن عمر وكعب بن مالك اهـ. فلعل القصة التي أشار إليها أبو داود هو ما سيأتي في حديث صفوان من سؤال اليهود الخ وظاهر عبارة المصنف بوهم أن أبا داود ذكر في سننه قصة فيها أن ابن عمر قبل يده -صلى الله عليه وسلم- وأن المصنف رواها عنه، والذي في أبي داود في كتاب الأدب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن ابن عمر حدثه وذكر قصة قال: فدنونا يعني من النبي -صلى الله عليه وسلم- فقبلنا يده اهـ، فأشار أبو داود إلى القصة وذكر منها ما يناسب الترجمة وهو تقبيل اليد. قوله: (أما تقبيل الرجل خد ولده الصغير وأخيه) أي الصغير وجواب أما قوله الآتي (فسنة) وقد صحف هذه العبارة بعض الكتاب فقال: تقبيل الرجل خد ولده الصغير واجب وكذا غيره من أطرافه الخ سنة ونقله هكذا في المرقاة ثم

الولد الذكر والأنثى، وكذلك قُبْلَتُه ولد صديقه وغيره من صغار الأطفال على هذا الوجه. وأما التقبيل بالشهوة، فحرام بالاتفاق، وسواء في ذلك الولد وغيره، بل النظر إليه بالشهوة حرام بالاتفاق على القريب والأجنبي. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قَبَّلَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الحسنَ بن علي رضي الله عنهما وعنده الأقرع بن حابس التميمي، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحداً، فنظر ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: وكون تقبيل الرجل خد ولده الصغير واجباً يحتاج إلى حديث صريح أو قياس صحيح اهـ، وقد علمت أن اعتراضه مبني على ذلك التصحيف والله أعلم وكانت القصة ما وقع من سؤال اليهود له -صلى الله عليه وسلم- وتقبيلهم يديه ورجليه الآتي في الأصل والله أعلم. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) وكذا رواه الترمذي من حديث أبي هريرة قال: أبصر الأقرع بن حابس النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقبل الحسن بن علي وقال ابن أبي عمر الحسن والحسين فقال الأقرع الخ، قال الترمذي وفي الباب عن أنس وعائشة وهذا حديث حسن صحيح قلت: وحديث عائشة وأنس هما عند الشيخين وذكرهما الشيخ في الأثر قال الطاهر الأهدل وعند أبي داود وقبل النبي -صلى الله عليه وسلم- حسيناً. قوله: (قبل الحسن الخ) فيه رحمته -صلى الله عليه وسلم- العيال والأطفال وتقبيلهم. قوله: (وعنده الأقرع ابن حابس التميمي) الجملة في محل الحال والأقرع بن حابس اسمه فراس ولقب الأقرع لقرع كان به والقرع ذهاب الشعر من الرأس قدم على النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة مع أشراف تميم بعد فتح مكة وأسلم بعد أن فاخر بنو تميم النبي -صلى الله عليه وسلم- نثراً وشعراً فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ثابت بن شماس الأنصاري ففاخرهم نثراً وحسان فأجابهم شعراً فأسلم عند ذلك الأقرع بن حابس كما في أسد الغابة وكان قد شهد مع النبي قوله فتح مكة وحنيناً وحضر الطائف وشهد الأقرع مع خالد بن الوليد حرب أهل العراق وشهد معه فتح الأنبار وكان على مقدمة خالد وكان الأقرع شريفاً في الجاهلية والإسلام واستعمله عبد الله بن عامر على جيش سيره على خراسان فأصيب بالخورجان هو والجيش. قوله: (فنظر) أي نظر تعجب أو نظر

إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: مَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ". وروينا في "صحيحيهما" عن عائشة رضي الله عنها قالت "قَدِمَ ناسٌ من الأعراب على ـــــــــــــــــــــــــــــ غضب (من لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ) قال الكرماني بالرفع والجزم في اللفظين وقال القاضي عياض: أكثرهم ضبطوه بالرفع على الخبر وقال أبو البقاء: الجيد أن يكون من بمعنى الذي فيرتفع الفعلان وإن جعلت شرطاً لجزمهما جاز وقال السهيلي محمله على الخبر أشبه بسياق السلام لأنه مردود على قول الرجل إن لي عشرة من الولد أي الذي يفعل هذا الفعل لا يرحم ولو جعلت شرطاً لانقطع مما قبله بعض الانقطاع لأن الشرط وجوابه كلام مستأنف ولأن الشرط إذا كان بعده فعل منفي فأكثر ما ورد منفياً بلم لا بلا كقوله ومن لم يتب قال الطيبي: لعل وضع الرحمة في الأول للمشاكلة فإن المعنى من لم يشفق على الأولاد لا يرحمه الله وأتى بالعام ليدخل الشفقة أولياً اهـ. وسيأتي فيه مزيد بيان، وفي الجامع الصغير حديث من لا يَرحم لا يُرحم أخرجه الشيخان والترمذي عن أبي هريرة وابن ماجه عن جرير وفي رواية لأحمد والشيخين والترمذي عن جرير ولأحمد والترمذي أيضاً عن أبي سعيد بلفظ: من لا يرحم النّاس لا يرحمه الله تعالى ورواه الطبراني عن جرير ولفظه: من لا يرحم من في الأرض لا يرحمه من في السماء وفي رواية عن جرير من لا يَرحم لا يُرحم ومن لا يَغفر لا يُغفر له وزاد الطبراني ومن لا يتب لا يتب عليه اهـ، وقيل: هذه الرواية مؤيدة القول بأن من شرطية جازمة اهـ، وقال المصنف في شرح مسلم قوله: من لا يرحم الخ قال العلماء: هذا عام يتناول رحمة الأطفال وغيرهم قلت: قال القاضي عياض كما قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم: من لا يرحم النّاس لا يرحمه الله وكما قال: إنما يرحم الله من عباده الرحماء قال: ومن الرحمة واجب وهو كف الأذى عن المسلمين وإغاثة الملهوف وفك العاني وسد خلة الفقراء والضعفاء وهذا كله إن لم يؤد حق الله فيه عاقبه الله ومنعه رحمته إن أنفذ عليه وعده ووعيده وان شاء سمح له وعفا عنه بفضله ورحمته وسعتها اهـ. قوله: (قدم ناس من الأعراب) يحتمل أن يكونوا أشراف بني تميم الذين منهم

رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: تُقَبِّلُونَ صبيانكم؟ فقالوا: نعم، قالوا: لكنَّا والله ما نقبِّل، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أوَأمْلكُ أنْ كانَ الله تَعالى نزَعَ مِنْكُمُ الرَّحْمَةَ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ الأقرع بن حابس وأن القصة واحدة رواها كل من أبي هريرة وعائشة ويحتمل تعددها ثم رأيته في البخاري من حديث عائشة بلفظ جاء أعرابي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: تقبلون الصبيان إلى آخر الحديث أي أتقبلون كما في نسخة من البخاري وهو يؤيد الاحتمال الأول ثم رأيت الشيخ زكريا نقل عن شيخه الحافظ أن الأعرابي هذا يحتمل كونه الأقرع بن حابس والله أعلم. قلت وحكى المصنف في مبهماته عن الخطيب قولاً بأنه عيينة بن حصن قال وقد جاء التصريح في الصحيحين بأنه الأقرع فإن صح عن عيينة أيضاً حمل على أنه كان واقعاً منهما جميعاً اهـ. قوله: (أو أملك إن كان الله نزع منكم الرحمة) قال القاضي عياض: تفسيره ما جاء في رواية البخاري أو أملك لك إن نزع الله من قلبك الرحمة معناه أو أملك منك ذلك حتى أصرفه عنك فاللام هنا بمعنى من وقد تكون الهمزة هنا بمعنى لا على حد قول بعضهم في قوله تعالى: {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا} إن معناه لا تفعل ذلك اهـ. وقال الشيخ زكريا في تحفة القاري على صحيح البخاري أو أملك بفتح الواو والهمزة الأولى للاستفهام الإنكاري والواو للعطف على مقدر بعد الهمزة أن نزع الله من قلبك بفتح الهمزة مفعول أملك أي لا أقدر أن أجعل الرحمة في قلبك بعد أن نزعها الله منه ويجوز أن يكون تعليلاً للنفي المستفاد من الاستفهام الإنكاري ومفعول أملك محذوف أي لا أملك وضع الرحمة في قلبك لأن الله نزعها منك، وضبطها العاقولي بفتح الهمزة وخرجه على نحو ما ذكر وكسرها وخرجه على أنها أداة شرط جزاؤها محذوف أي إن نزع الله الرحمة من قلبك لا أملك لك رفعه ومنعه اهـ، وجعله في المصابيح بفتح الهمزة من أن وعلى حذف مضاف فقال أي أو أملك دفع نزع الله الرحمة من قلبك يعني تقبيل الأطفال شفقة ورحمة فإذا لم تكن في قلبك هذه الشفقة والرحمة فقد نزعا من قلبك ولا أقدر على أن أضع فيه

هذا لفظ إحدى الروايات، وهو مروي بألفاظ. وروينا في "صحيح البخاري" وغيره عن أنس رضي الله عنه قال: "أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ابنه إبراهيم فقَبَّله وشمه". وروينا في سنن أبي داود عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: دخلت مع أبي بكر رضي الله عنه أوَّل ما قدم المدينة، فإذا عائشة ابنته رضي الله عنها مضطجعة قد أصابتها حمى، فأتاها أبو بكر فقال: كيف أنتِ يا بنيَّة؟ وقبَّل خدَّها. وروينا في كتب الترمذي والنسائي وابن ماجه بالأسانيد الصحيحة ـــــــــــــــــــــــــــــ شيئاً نزعه الله منه اهـ. قوله: (هذا لفظ إحدى الروايات) وعند مسلم أيضاً عن ابن نمير إن نزع الله من قلبك الرحمة. قوله: (وروينا قد صحيح البخاري وغيره) أما تقبيله -صلى الله عليه وسلم- لابنه إبراهيم فهو عند مسلم أيضاً وفيه أنه ضمه إليه -صلى الله عليه وسلم- بالضاد المعجمة إلى تخريج الصحيحين ولعله كذلك في بعض نسخ مسلم قال ابن حجر قد شرح المشكاة في الخبر ندب تقبيل الصغير وشمه لإنبائه عن الرحمة والشفقة. قوله: (وروينا في سنن أبي داود عن البراء الخ) هذا الحديث أخرجه الحافظ البخاري في صحيحه قد آخر باب هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- عن البراء في قصة شراء الصديق الرحل من عازب أبي البراء ثم سؤاله عن حديث الهجرة وفي آخره قال البراء فدخلت مع أبي بكر على أهله فإذا بنته عائشة مضطجعة قد أصابتها حمى فرأيت أباها يقبل خدها وقال: كيف أنت يا بنية وكأن وجه الاقتصار على العزو لتخريج أبي داود أنه بين أن ذلك وقع أول مقدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة ورواية الصحيح ساكتة عن ذلك وإلا فلا يظهر وجه ترك العزو للصحيح والاقتصار على العزو للسنن والله أعلم. قوله: (وروينا في كتب الترمذي والنسائي وابن ماجه الخ) مدار الحديث عند الترمذي والنسائي وابن ماجه على شعبة فإنه رواه الترمذي والنسائي عن عبد الله بن إدريس وأبي أسامة عن شعبة ورواه ابن ماجه عنهما وغندر

عن صفوان بن عسال الصحابي رضي الله عنه -وعسَّال بفتح العين وتشديد السين المهملتين- قال: قال يهودي لصاحبه: "اذهب بنا إلى هذا النبي، فأتيا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فسألاه عن تسع آيات بيِّنات ... فذكر الحديث ... إلى قوله: فقبَّلوا يَدَه ورِجْلَه، وقالا: نشهد أنك نبي". ـــــــــــــــــــــــــــــ عن شعبة وحينئذٍ ففي قول الشيخ بالأسانيد نظر إذ ليس له عند من ذكر إلا إسناد واحد هو شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن صفوان، قال الترمذي بعد تخريج الحديث وهذا حديث حسن صحيح قال وفي الباب عن يزيد بن الأسود وابن عمر وكعب بن مالك، وفي تخريج أحاديث الكشاف للحافظ ابن حجر ورواه الحاكم وأحمد وإسحاق وأبو يعلى والطبراني كلهم من رواية عبد الله بن سلمة عن صفوان قال الحافظ وعبد الله بن سلمة كبر فساء حفظه. قوله: (عن صفوان بن عسال بفتح العين) أي المهملة وصفوان بفتح أوله المهمل وسكون الفاء آخره نون وهو ابن عسال من بني الربض بن هوازن بن عامر بن عوثيان بن مراد سكن الكوفة: وغزا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثنتي عشرة غزوة روى عنه عبد الله بن مسعود وزر بن حبيش وعبد الله بن سلمة في آخرين وقال أبو نعيم وهو من بني زاهر بن مراد وقال الكلبي كما ذكرناه إنه من بني زاهر بن عامر وأخرج ابن الأثير عن زر عن عبد الله بن مسعود قال: حدثني صفوان بن عسال المرادي قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو متكيء في المسجد على برد له أحمر فقلت: يا رسول الله إني جئت أطلب العلم فقال: "مرحبا بطالب العلم إن طالب العلم لتحفة الملائكة بأجنحتها" أخرجه الثلاثة يعني أبا نعيم وابن منده وابن عبد البر. قوله: (قال يهودي الخ) هذا لفظ الترمذي وفاعل قال الأول ضمير يعود إلى عسال. قوله: (فذكر الحديث) فقال: "ألا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله ولا تقذفوا محصنة ولا تفروا من الزحف عليكم خاصة اليهود ألا تعدوا في السبت قال الحافظ في تخريج أحاديث الكشاف كان المسؤول عنه العشر كلمات لأنه عدها عشرة لا التسع آيات لأن العشر وصايا كهذه والتسع حجج على فرعون وقومه اهـ، قال البيضاوي: فعلى هذا فالمراد بالآيات الأحكام العامة للملل الثابتة في

وروينا في سنن أبي داود بالإسناد الصحيح المليح عن إياس بن دَغْفَل قال: رأيت أبا نضرة قَبَّلَ خدَّ الحسن بن علي رضي الله عنهما. قلت: أبو نضرة بالنون والضاد المعجمة: اسمه المنذر بن مالك بن قطعة، تابعي ثقة. ودغفل، بدال مهملة مفتوحة ثم غين معجمة ساكنة ثم فاء مفتوحة ثم لام. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقبل ابنه سالماً ويقول: اعجبوا من شيخ يُقَبِّل شيخاً. وعن سهل بن عبد الله التستري السيد الجليل أحد أفراد زُهَّاد الأمَّة وعُبَّادها رضي الله عنه أنه كان يأتي أبا داود السجستاني يقول: أخرجْ لي لسانك الذي تحدِّث به حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأقَبِّله، فيقبِّلُه. وأفعال السلف في هذا الباب أكثر من أن تحصر، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ كل الشرائع سميت بذلك لأنها تدل على حال من يتعاطى متعلقها في الآخرة من سعادة وشقاوة وقوله: وعليكم الخ حكم زائد مستأنف على الجواب ولذا غير فيه سياق الكلام اهـ، فأشار إلى وجه آخر هو أنسب بظاهر سياق الآية آخر سورة الإسراء. قوله: (وروينا في سنن أبي داود بالإسناد الصحيح المليح) هكذا وقع وصف هذا الإسناد بالمليح ولعله أراد بملاحته علوه إذ هو من رباعيات أبي داود قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا المعتمر عن إياس بن دغفل قال: رأيت أبا نضرة قبل خد الحسن ويحتمل أنه أراد به جودته وتوثيق رجاله وإياس بكسر الهمزة ثم تحتية آخره سين مهملة ودغفل بدال مهملة مفتوحة ثم غين معجمة ساكنة ثم فاء مفتوحة ثم لام. قوله: (ابن قطعة) قال الحافظ في التقريب بضم القاف وفتح المهملة اهـ. ونقل الأهدل عن الخلاصة أنه بكسر القاف وإسكان الطاء المهملة وأبو نضرة هو العبدي العوقي بفتح العين المهملة والواو وبالقاف البصري مشهور بكنيته مات سنة ثمان أو تسع ومائة. قوله: (وعن ابن عمر الخ) سكت المصنف هنا عن بيان من خرجه وفي التهذيب له أخرجه ابن أبي خيثمة في تاريخه.

فصل: ولا بأس بتقبيل وجه الميت الصالح للتبرك، ولا بتقبيل الرجلُ وجه صاحبه إذا قَدِم من سفره ونحوه. روينا في "صحيح البخاري" عن عائشة رضي الله عنها في الحديث الطويل في وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت: "دخل أبو بكر رضي الله عنه فكشف عن وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم أكبَّ عليه فقَبَّله، ثم بكى". وروينا في كتاب الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: "قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل قوله: (ولا بأس بتقبيل وجه الميت الخ) أي سواء كان قريباً أم لا قال ابن حجر في فتح الإله: حكم المسألة إن كان الميت صالحاً سن لكل أحد تقبيل وجهه التماساً لبركته واتباعاً لفعله -صلى الله عليه وسلم- في عثمان بن مظعون كما سيأتي وإن كان غير صالح جاز ذلك بلا كراهة لنحو أهله وأصدقائه لأنه ربما كان مخففاً لما وجده من ألم فقده ومع الكراهة لغير أهل الميت إذ قد لا يرضى به لو كان حياً من غير قريبه وصديقه ومحل ذلك كله ما لم يحمل التقبيل فاعله على جزع أو سخط كما هو الغالب من أحوال النساء وإلا حرم أو كره اهـ. قوله: (ولا بتقبيل الرجل وجه صاحبه) أي ما لم يكن أمرد جميلاً كما قيد به آخراً. قوله: (وروينا في صحيح البخاري الخ) قلت وكذا رواه الترمذي وابن ماجه والنسائي ووجه الاستدلال بهذا الخبر مع أنه فعل صحابي أنه شاع وانتشر وسكت عليه ولم ينكر فأخذ منه ذلك كيف والذي فعل ذلك أفضل النّاس بعد النبيين صلى الله عليهم أجمعين وقد ورد ذلك من فعله -صلى الله عليه وسلم- ففي صحيح البخاري أنه لما توفي عثمان بن مظعون جاء -صلى الله عليه وسلم- وكشف عن وجهه وقبله وبكى الحديث. قوله: (فكشف عن وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) أي كشوف الثوب الذي غشته به عائشة عند وفاته -صلى الله عليه وسلم-. قوله: (ثم أكب عليه) هذا أحد الفعلين اللذين خرجا عن القياس ثانيهما أعرض فإن قياس القاصر إذا دخلت عليه الهمزة أن يصير متعدياً نحو كرم زيد وأكرمته وهذان الفعلان أي أكب وأعرض متعديان عند عدم الهمزة نحو كبه أي ألقاه على وجهه وعرضه أكب أظهره وإذا دخلت عليهما الهمزة صارا لازمين قال الزوزني ولا ثالث لهما. قوله: (ثم بكى) استشكل ما جاء من بكائه -صلى الله عليه وسلم- عند

الله -صلى الله عليه وسلم- في بيتي، فأتاه فقرع الباب، فقام إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- يجرُّ ثوبَه، فاعتنقه وقبَّله" قال الترمذي: حديث حسن. وأما المعانقة وتقبيل الوجه لغير الطفل ولغير القادم من سفر ونحوه، فمكروهان، نصَّ على كراهتهما أبو محمد البغوي وغيره من أصحابنا. ويدلُّ على الكراهة ما رويناه في كتابي الترمذي وابن ماجه عن أنس رضي الله عنه قال: "قال رجل: يا رسول الله! الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: لا، قال: أفيلتزمه ويقَبِّله؟ قال: لا، قال: فيأخذه ييده ويصافحه؟ قال: نَعَمْ" قال الترمذي: حديث ـــــــــــــــــــــــــــــ كشف وجه عثمان بن مظعون وتقبيله بقوله: فإذا وجبت فلا تبكين باكية وأجيب بأنه لبيان الجواز على أنه يحتمل أن يكون اضطرارياً والنهي إنما يكون عن الاختياري وبهذا الاحتمال الأخير يجاب عن بكاء الصديق الكبير رضي الله عنه. قوله: (فقرع الباب) يؤخذ منه جواز الاستئذان بنحو قرع الباب من غير سلام وقد ورد مثل ذلك من فعل جابر كما سبق في باب الاستئذان ويحتمل أن يكون قرن بالقرع الاستئذان وهذا القرع كان بلطف كالقرع بالأظافير على ما هو الأدب. قوله: (يجر ثوبه) أي بردائه فكان -صلى الله عليه وسلم- مستور العورة عرياناً من غير ساتر العورة لعجلته استبشاراً يزيد. قوله: (فاعتنقه وقبله) وحذف المصنف من الحديث قول عائشة والله ما رأيته عرياناً قبله ولا بعده أي ما رأيته استقبل رجلاً عرياناً فاختصرت الكلام لدلالة الحال كما قاله القاضي عياض وقيل يحتمل أن يكون مرادها لم تره عرياناً مثل ذلك العري واختار الطيبي ما قاله القاضي وقال: هو الوجه لما شم من سياق كلامها من رائحة الفرح والاستبشار بقدومه واستعجاله للقائه بحيث لم يتمكن من تمام التردي بالرداء حتى جره وكثيراً ما يقع مثل هذا اهـ. قوله: (أينحني له) من الانحناء وهو إمالة الرأس أو الظهر تواضعاً وخدمة (قال: لا) أي فإنه في معنى الركوع والسجود من عبادة الله سبحانه وقوله (أفيلزمه) أي يعتنقه (ويقبله قال: لا) يستدل به من كرههما وخرج نحو السفر لما ورد فيه من حديث زيد وما في معناه وقوله (ويصافحه) معطوف على ما قبله عطف تفسير أو الثاني أخص وأتم. قوله: (قال الترمذي الخ) حديث

حسن. قلت: وهذا الذي ذكرناه في التقبيل والمعانقة، وأنه لا بأس به عند القدوم من سفر ونحوه، ومكروه كراهة تنزيه في غيره، هو في غير الأمرد الحسن الوجه، فأما الأمرد الحسن، فيحرم بكل حال تقبيله، سواء قدم من سفر أم لا. والظاهر أن معانقته كتقبيله، أو قريبة من تقبيله، ولا فرق في هذا بين أن يكون المقبِّل والمقبَّل رجلين صالحين أو فاسقين، أو أحدهما صالحاً، فالجميع سواء. والمذهب الصحيح عندنا تحريم النظر إلى الأمرد الحسن، ولو كان بغير شهوة، وقد أمن الفتنة، فهو حرام كالمرأة لكونه في معناها. ـــــــــــــــــــــــــــــ حسن غريب لا يعرفه من حديث الزهري إلا من هذا الوجه اهـ. قوله: (فأما الأمرد الحسن فيحرم تقبيله) إذا كان أجنبياً كما هو موضوع المسألة كما أشار إليه بقوله أول الفصل ولا بأس بتقبيل الرجل وجه صاحبه الخ، أما تقبيل القريب فقد تقدم في الفصل قبله وحينئذٍ فإذا كان القادم أمرد فلا بأس بتقبيله ومعانقته من غير شهوة إذا كان من قريبه من والده وممن في معناه ممن يأتي ثم الأمرد من لم يأت زمان نبات لحيته غالباً فإن جاء ولم تنبت فيقال فيه ثط بالمثلثة فالمهملة قيل ويظهر ابتداء ضبط الأمرد بأن يكون بحيث لو كان امرأة صغيرة لاشتهيت للرجال والأصح أن الحسن يختلف باختلاف الطباع قال الشاعر: وكم في النّاس من حسن ولكن ... ألذ العيش ما تهوى القلوب قوله: (ولا فرق في هذا الخ) أي فيحرم الجميع سداً للباب. قوله: (والمذهب الصحيح عندنا تحريم النظر إلى الأمرد الحسن) أي إلى جزء من بدنه وإن كان الناظر أمرد أيضاً ثم النظر عند خوف الفتنة بأن لم يندر وقوعها كما قاله ابن الصلاح أو مع الشهوة وضبطها في الإحياء بأن كان يتأنس بكمال صورته بحيث يدرك من نفسه فرقاً بينه وبين الملتحي حرام إجماعاً وكثير من يقتصر على مجرد النظر والمحبة ظانين سلامتهم من الإثم وليسوا سالمين منه أما عند انتفاء الشهوة وعند أمن الفتنة فقال الشيخ المصنف هنا: المذهب الصحيح التحريم ولو بغير شهوة وقد أمن الفتنة وفي

فصل في المصافحة

فصل في المصافحة: ـــــــــــــــــــــــــــــ المنهاج أن ذلك الأصح المنصوص ونازعه فيه حكماً ونقلاً جمع متقدمون ومتأخرون حتى بالغ بعضهم فزعم أنه خرق للإجماع وليس في محله وإن وافقه قول البلقيني محله مع أمن الفتنة إجماعاً، وجه التحريم ما أشار إليه بقوله كالمرأة لكونه في معناها بل قال في الكافي إنه أعظم إثماً منها لأنه لا يحل بحال وإنما لم يؤمر بالاحتجاب للمشقة في تركهم التعليم والأسباب واكتفاء بوجوب الغض عنهم إلا لحاجة وقد بالغ السلف في التنفير عنهم وسموهم الأنتان لاستقذارهم شرعاً ووقع نظر بعضهم على أمرد فأعجبه فقال له أستاذه: سترى غبه فنسي القرآن بعد عشرين سنة وشروط الحرمة مع أمن الفتنة وانتفاء الشهوة ألا يكون الناظر محرماً بنسب وكذا رضاع أو مصاهرة على ما شمله إطلاقهم ولا سيداً وأن يكون المنظور إليه جميلاً بحسب طبع الناظر لأن الحسن يختلف باختلاف الطباع ويفرق بين هذا والرجوع فيه إذا شرط للعرف بناء على الأصح أن الملاحة وصف ذاتي بأن المدار ثمة على ما تزيد به المالية وهو منوط بالعرف لا غير وهنا على ما قد يجر لفسقه وهو منوط بميل طبعه لا غيره وإنما لم يقيدوا النساء بذلك لأن لكل ساقطة لاقطة ولأن الميل إليهم طبعي وإذا قلنا بحرمة النظر إليه حرمت الخلوة به وفي مسه تفصيل قال ابن حجر في التحفة وإن كان معه أمرد آخر أخذاً من قولهم إن الرجل لا يمتنع من فعل المحرم بحضرة مثله واعترض بأن ذلك فيما إذا كان فاعلاً أما في هذا المقام فيستحي بحضرة مثله فوجود آخر معه يمنع من الخلوة به والله أعلم. فصل في المصافحة قال في مختصر النهاية التصفيح التصفيق وهو ضرب صفحة الكف على صفحة الأخرى ومنه المصافحة وهي إلصاق صفحة الكف بالكف وفي القاموس: والمصافحة الأخذ باليد كالتصافح وفي مرقاة الصعود للسيوطي هي مفاعلة من الصفحة والمراد بها الإفضاء بصفحة اليد إلى صفحة اليد اهـ، وفي المرقاة يمكن أن تكون مأخوذة من الصفح بمعنى العفو ويكون أخذ اليد دالاً عليه كما أن تركه مشعر بالإعراض عنه اهـ، قال ابن رسلان ولا تحصل إلا بأن تقع بشرة أحد الكفين على الأخرى أما إذا تلاقيا ووضع كل واحد منهما كمه على كم الآخر ويداهما في أكمامهما فلا تحصل المصافحة المعروفة: وقد كثر هذا في زماننا بأن يضع كل واحد

أعلم أنها سُنَّة مجمع عليها عند التلاقي. ـــــــــــــــــــــــــــــ منهما كمه على الآخر ولا يلتقي الكفان وهذا أصلح من انحناء كل واحد منهما للآخر فإنه منهي عنه نقله العلقمي في شرح الجامع الصغير، وقال الحطاب المالكي: قال فقهاؤنا: المصافحة وضع كف على كف مع ملازمة لهما قدر ما يفرغ من السلام ومن سؤال عن غرض وأما اختطاف اليد أثر التلاقي فمكروه وفي شرح منسك الشيخ خليل للحطاب المذكور نقلاً عن شرح الإرشاد للشيخ سليمان البحيري قال: قال الأقفهسي المصافحة إلى آخر ما ذكر آنفاً ثم قال: وهل يشد كل منهما على يد صاحبه قولان وهل يقبل كل منهما يد نفسه قال: الذي سمعناه من شيوخنا لا يقبل وقال الزناتي: يقبل كل منهما يد نفسه اهـ، وقال الجزولي: صفتها أن يلصق كل واحد منهما راحته براحة الآخر ولا يشد لأنه أبلغ في المودة ولا يقبل أحدهما يده ولا يد الآخر فذلك مكروه اهـ، كلام الحطاب. قوله: (أعلم أنها سنة) أي لما فيها من داعية التألف المطلوب بين المؤمنين قال -صلى الله عليه وسلم- تصافحوا يذهب الغل الحديث الآتي وهو مرسل ونقل في رواية أشهب من الجامع من العتبية عن مالك كراهة المصافحة حكاه ابن شاس وغيره وروي عن مالك غير هذا وإنه صافح ابن عيينة وقال الشارمساحي في المصافحة عن مالك ثلاث روايات: الكراهة دون كراهة، المعانقة والجواز والاستحباب وهو مقتضى مذهبه في الموطأ بإدخال حديث الأمر بها قلت: يعني حديث تصافحوا يذهب الغل فإنه رواه في جامع الموطأ مرسلاً عن عطاء الخراساني قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تصافحوا يذهب الغل وتهادوا تحابوا تذهب الشحناء والغل" بكسر الغين الحقد كذا في حاشية الحطاب على منسك خليل وقال الباجي في المنتقى لما ذكر رواية أشهب بالكراهة فعليها فيحتمل أن يريد والله أعلم في الحديث بالمصافحة الصفح وهو التجاوز والغفران وهو أشبه لأنه يذهب الغل في الأغلب وقد وردت المصافحة في رواية من فعله -صلى الله عليه وسلم- ففي سنن أبي داود عن رجل من عترة أنه قال لأبي ذر حيث سير إلى الشام: إني أريد أن أسألك عن حديث من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إذن أخبرك به إلا أن يكون سراً قلت: ليس بسر هل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصافحكم إذا لقيتموه قال: ما لقيته قط إلا صافحني وبعث إليّ ذات يوم ولم أكن في أهلي فلما جئت أخبرت أنه أرسل

روينا في "صحيح البخاري" عن قتادة قال: قلت لأنس رضي الله عنه: أكانت المصافحة في أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" في حديث كعب بن مالك رضي الله عنه في قصة توبته قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ إليّ فأتيته وهو على سريره فالتزمني وكانت تلك أجود وأجود، وأخرجه الإِمام أحمد من طريق آخر نحوه قال العاقولي في شرح المصابيح الإشارة بقوله فكانت تلك إلى الالتزام على تأويل المعانقة وعبر عنها به ليكون أقرب إلى الأدب أي فكانت تلك المعانقة أجود من المصافحة وأجود والواو في وأجود للتعقيب بمنزلة الفاء في قولهم الأحسن فالأحسن اهـ، وبحث فيه في المرقاة بأن الواو هنا عاطفة لتأكيد نسبة الإسناد بخلاف الفاء فيما مثل به فإنه للتعقيب التنزلي في الأمر الإضافي، ولا ينافي هذا ما تقدم من كراهة المعانقة والتقبيل لغير القادم من السفر لأنه يحمل على بيان الجواز وأن تلك الكراهة للتنزيه لا للتحريم والله أعلم، وفي مسند أبي بكر الروياني عن البراء قال: لقيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصافحني فقلت: يا رسول الله كنت أحسب أن هذا من زي العجم قال: نحن أحق بالمصافحة نقله السيوطي في حواشي سنن أبي داود، قلت وأخرج الحديث ابن عبد البر في التمهيد وزاد ما من مسلمين يلتقيان فيأخذ أحدهما بيد صاحبه مودة بينهما ونصيحة إلا ألقيت ذنوبهما بينهما والمشهور عن مالك جوازها قال في التمهيد وهو الذي يدل عليه معنى ما في الموطأ وعلى جوازه العلماء من السلف والخلف اهـ، قال بعض شراح الرسالة المشهور عنه استحبابها قلت وهو الذي أشار الشيخ إليه بقوله: مجمع عليها أي على سنيتها عند التلاقي وقال الفاكهاني المشهور عن مالك إجازتها واستحبابها وهو الذي يدل عليه مذهبه في الموطأ بإدخال حديث ما من مسلمين يلتقيان الخ قلت: لم يذكر هذا الحديث في الموطأ إنما المذكور فيه الحديث المقدم والله تعالى أعلم قلت وفي رسالة ابن أبي زيد والمصافحة حسنة ولم يذكر فيها اختلافاً. قوله: (روينا في صحيح البخاري الخ) ورواه الترمذي أيضاً وقال حسن صحيح. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) تقدم تخريج الحديث في باب

فقام إليَّ طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يهرول، حتى صافحني وهنَّأني. وروينا بالإسناد الصحيح في سنن أبي داود عن أنس رضي الله عنه قال: "لما جاء أهل اليمن، قال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قَدْ جاءَكُمْ أهْلُ اليَمَنِ وَهمْ أوَّلُ مَن جاءَ بالمُصَافَحَةِ". وروينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه عن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما مِنْ مُسْلمَينِ يَلْتَقِيانِ فَيَتَصَافَحَانِ إلا غُفِرَ لَهُما ـــــــــــــــــــــــــــــ ترك السلام على المبتدع. قوله: (فقام إلى طلحة يهرول الخ) قال المصنف في شرح مسلم فيه استحباب مصافحة القادم والقيام إكراماً والهرولة إلى لقائه بشاشة وفرحاً والمصافحة عند التلاقي سنة بلا خلاف اهـ. قوله: (وهنأني) بتوبة الله علي ففيه التهنئة بالنعم المتجددة وبدفع النقم. قوله: (وروينا بالإسناد الصحيح الخ) أخرجه ابن عبد البر في التمهيد من طريقين كلاهما عن أنس وفي ثانيهما قال: يقدم عليكم قوم أرق منكم قلوباً فقدم علينا الأشعريون فيهم أبو موسى فكانوا أول من أظهر المصافحة في الإسلام اهـ، ويستفاد من هذه الرواية تعيين الطائفة المذكورين بالإجمال في تلك الرواية وإن المراد من مجيئهم بالمصافحة إظهارهم لها في الإسلام والله أعلم وحديث أول من أظهر المصافحة أهل اليمين أخرجه البخاري في الأدب المفرد وابن وهب بني جامعه عن أنس كما في التوشيح. قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب والترمذي في باب الاستئذان وقال حديث حسن غريب من حديث أبي إسحاق عن البراء وفي روي عن البراء من وجه آخر ورواه ابن ماجه وفي أبواب الأدب وأخرجه الإِمام أحمد والضياء كما في الجامع الصغير وأخرجه ابن عبد البر في التمهيد. قوله: (فيتصافحان) أي عقب تلاقيهما دون تراخ بعد سلامهما. قوله: (إلا غفر لهما) قال ابن ماجه: هذا رحمة من الله تعالى وفي سنن أبي داود في رواية أخرى زيادة اعتبار الحمد والاستغفار في حصول الغفران وأخرج عن البراء مرفوعاً إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله واستغفراه غفر لهما فيحتمل أن يكون ذلك قيداً لحصول أصل المغفرة المستفاد من الرواية

قَبْلَ أنْ يَتَفَرَّقَا". وروينا في كتابي الترمذي وابن ماجه عن أنس رضي الله عنه قال: "قال رجل: يا رسول الله! الرجُلُ مِنَّا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ ، قال: "لا"، قال: أفيلتزمه ويقبِّله؟ قال: "لا"، قال: فيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: "نعَمْ" قال الترمذي: حديث حسن. وفي الباب أحاديث كثيرة. ـــــــــــــــــــــــــــــ الأولى أو إفادة لكمالها بأن يكون مستوعباً لجميع ذنوبهما وعند ابن السني من حديث البراء إذا التقى المسلمان فتصافحا وتكاشرا بود ونصيحة تناثرت خطاياهما بينهما وعند الطبراني ويضحك كل واحد منهما في وجه صاحبه قال العلقمي: والمراد به التبسم وطلاقة الوجه وحسن الاستبشار والسرور بقلبه اهـ، وروى الحكيم الترمذي وأبو الشيخ عن عمر مرفوعاً إذا التقى المسلمان فسلم أحدهما على صاحبه كان أحبهما إلى الله أحسنهما بشراً لصاحبه فإذا تصافحا أنزل الله عليهما مائة رحمة للبادئ تسعون وللمصافح عشر كذا في المرقاة، وفي جزء المصافحة للضياء عن البراء قال: صافحني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فغمز على كفي فقال لي: "يا براء أتدري لم غمزت على كفك" قال: قلت: لا يا رسول الله قال: "إذا صافح المؤمن المؤمن نزلت عليهما مائة رحمة تسعة وتسعون لأبشهما وأحسنهما خلقاً". قوله: (قبل أن يتفرقا) أي بالأبدان أو بالفراغ من المصافحة وهو أظهر في إرادة المبالغة. قوله: (وروينا في كتاب الترمذي الخ) رواه الترمذي عن أسود بن نصر عن عبد الله بن المبارك ورواه ابن ماجه عن علي بن محمد عن وكيع عن جرير بن حازم كلاهما عن حنظلة وقال الترمذي: حديث حسن كذا في جزء المصافحة للضياء المقدسي. قوله: (يلقى أخاه) أي يلقى المؤمن وإن لم تكن بينهما صداقة خاصة أو أحداً من قومه فإنه يقال: أخو العرب والصديق الحبيب وهو أخص مما قبله. قوله: (أينحني له قال: لا الخ) دل على أن حني الظهر في السلام مكروه وكذا الالتزام المراد منه المعانقة والتقبيل لغير القادم من سفر ونحوه كراهة شديدة ولا يشكل عليه ما تقدم من حديث أبي ذر المذكور أوائل الفصل لما ذكر فيه أنه لبيان الجواز وإن نحو هذا النهي للتنزيه لا للتحريم ومثل ذلك واجب عليه -صلى الله عليه وسلم- للتشريع المأمور هو به. قوله: (فيأخذ بيده ويصافحه قال: نعم) يستثنى منه الأمرد الجميل كما سيأتي في الأصل فتحرم مصافحته

وروينا في "موطأ الإِمام مالك" رحمه الله عن عطاء بن عبد الله الخراساني قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تَصَافَحُوا يَذْهَبِ الغِلُّ، وَتَهَادَوْا تَحَابوا وتَذْهَبِ الشحناءُ". قلت: هذا ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن به عاهة كأجزم وأبرص فتكره مصافحته قاله العبادي. قوله: (وروينا في موطأ مالك عن عطاء بن عبد الله الخراساني قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تصافحوا الخ" (قال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد: هذا يتصل من وجوه وكلها حسان ثم أورد أحاديث في المصافحة وكأنه أراد اتصال مضمون حديث عطاء لا خصوص هذا اللفظ إذ لم يورده فيه ثم رأيت الحافظ قال في الفتح وفي مرسل عطاء الخراساني في الموطأ تصافحوا الخ، ولم يقف عليه موصولاً واقتصر ابن عبد البر على شواهده من حديث البراء وغيره وأورد في التمهيد عن عطاء قال: رأيت ابن عباس يصلي في الحجر فجاء رجل فقام إلى جنبه ثم مد الرجل يده فالتفت ابن عباس فبسط يده فصافحه فرأيته يغمز يده وهو في الصلاة فعرفت أن ذلك من مودته إياه ثم مضى في صلاته اهـ، وفي الجامع الصغير تهادوا تحابوا وتصافحوا يذهب الغل منكم رواه ابن عساكر عن أبي هريرة. قوله: (وتهادوا تحابوا) قال ابن عبد البر: هذا جاء من حديث أبي هريرة ثم خرجه من غير طريق عطاء وأسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تهادوا تحابوا" اهـ، وأخرج ابن عبد البر بسند تكلم في بعض رجاله عن معاوية بن الحكم قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: تهادوا فإنه يضعف الود ويذهب بغوائل الصدر قال ابن عبد الله كان -صلى الله عليه وسلم- يقبل الهدية وندب أمته إليها وفيه الأسوة الحسنة - صلى الله عليه وسلم - ومن فضل الهدية مع اتباع السنة أنها تورث المودة وتذهب العداوة قلت وهي المراد بالشحناء وهو بفتح المعجمة وإسكان المهملة على ما جاء في هذا الحديث وما في معناه وعن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر ولا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة وقد أحسن القائل حيث قال: هدايا النّاس بعضهم لبعض ... تولد في قلوبهم الوصالا وتزرع في الفؤاد هوى وودا ... وتكسوهم إذا حضروا جمالا

حديث مرسل. واعلم أن هذه المصافحة مستحبَّة عند كل لقاء، وأما ما اعتاده النّاس من المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر، فلا أصل له في الشرع على هذا الوجه، ولكن لا بأس به، ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (حديث مرسل) أي لكنه معتضد بما جاء له من الشواهد الحسنة الموصولة. قوله: (واعلم أن المصافحة مستحبة عند كل لقاء) أي سواء كان بعد سفر أو لا. قوله: (وأما ما اعتاده النّاس الخ) في صحيح البخاري من حديث جابر بن سمرة كان -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى أقبل علينا بوجهه وفيه قال أبو جحيفة وخرج -صلى الله عليه وسلم- بالهاجرة إلى البطحاء فتوضأ ثم صلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين وقام النّاس فجعلوا يأخذون بيده فيمسحون بها وجوههم فأخذت بيده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب رائحة من المسك أورد هذين الحديثين المحب الطبري في غايته وأورد أحاديث كثيرة كذلك وقال: يستأنس بذلك لما تطابق عليه النّاس من المصافحة بعد الصلوات في الجماعات لا سيما في العصر والمغرب إذا اقترن به قصد صالح من تبرك أو تودد أو نحوه اهـ، وأفتى حمزة الناشري وغيره باستحبابها عقب الصلوات مطلقاً أي وإن صافحه قبلها لأن الصلاة غيبة حكمية فتلحق بالغيبة الحسية اهـ. نقله الأشخر في فروعه، قال أبو شكيل في شرح الوسيط يظهر لي أن تخصيص هذين الوقتين أي العصر والصبح هو لما روي أن ذينك الوقتين لنزول ملائكة وصعود آخرين إذ تنزل ملائكة الليل عند العصر وتصعد عندها ملائكة النهار وتنزل ملائكة النهار عند صلاة الصبح وتصعد ملائكة الليل فاستحب المصافحة للتبرك بمصافحتهم قلت: ولو قيل التخصيص بهما لمزيد فضلهما لما ذكروا أن العصر هي الوسطى وقيل مثل ذلك في الفجر وهما أوقات الفيوض فناسب تخصيصهما بنوع تكريم لكان أقرب والله أعلم، قال بعضهم ومثل المصافحة عقب هاتين الصلاتين المصافحة عقب باقي الصلوات أي ممن اجتمع به قبلها. قوله: (فلا أصل له على هذا الوجه) أي من كونهم يأتون بها عقب هاتين الصلاتين إذا كانوا قبلهما مجتمعين. قوله: (ولكن لا بأس به) نقل في المرقاة عن بعض الحنفية كراهة ذلك.

فإن أصل المصافحة سُنَّة، وكونهم حافظوا عليها في بعض الأحوال، وفرطوا فيها في كثير من الأحوال أو أكثرها، لا يخرج ذلك البعض عن كونه من المصافحة التي ورد الشرع بأصلها. وقد ذكر الشيخ الإِمام أبو محمد بن عبد السلام رحمه الله في كتابه "القواعد" أن البدع على خمسة أقسام: واجبة، ومحرمة، ومكروهة، ومستحبة، ومباحة. قال: ومن أمثلة البدع المباحة: المصافحة ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (ولكن لا بأس به) عبر بمثله في الروضة واستحسن في المجموع كلام ابن عبد السلام ثم قال والمختار أن مصافحة من كان معه قبل الصلاة مباحة ومن لم يكن معه قبل الصلاة سنة لأن المصافحة عند اللقاء سنة اهـ، وعليه لا يتقيد ذلك بالصبح والعصر كما هو ظاهر كما لا يتقيد بذلك فتوى الناشري بالاستحباب مطلقاً كما تقدم عنه. قوله: (فإن أصل المصافحة سنة) أي في محلها المشروعة هي فيه وذلك عند التلاقي. قوله: (وكونهم حافظوا عليها في بعض الأحوال) أي وإن لي تكن مشروعة في ذلك البعض كما في ما إذا اجتمعا قبل الصلاة ثم تصافحا عقبها (لا يخرج ذلك البعض) وإن كان مبتدعاً (عن كونه من) أفراد (المصافحة) لطبق تعريفه عليها (التي ورد الشرع بأصلها) أي بالمشروع منها وهو عند الملاقاة، وبما تقرر في حل عبارة المصنف يندفع اعتراض صاحب المرقاة وقوله إن في كلام المصنف نوع تناقض لأن الإتيان بالسنة في بعض الأوقات لا يسمى بدعة اهـ ووجه اندفاعه أن المصنف لم يقل إن المصافحة فيما ذكر من السنة وإنها بدعة مباحة، بل إنها بدعة لأن المصافحة إنما تسن عند اللقاء وهو سابق في هذه الحالة الصلاة فهي بعدها حينئذٍ بدعة لعدم ورودها كذلك عن الشارع وكانت مباحة لورود أصلها في محله وهو عند اللقاء، وبه يندفع أيضاً قوله معترضاً عليه مع أن عمل النّاس في هذين الوقتين ليس على وجه الاستحباب المشروع فإن محل المصافحة أول اللقاء وهؤلاء يتلاقون قبل الصلاة من غير مصافحة ويتصافحون عقبها فأين هذا من السنة اهـ، ووجه اندفاعه بل عدم وروده بالكلية أن المصنف لم يقل باستحباب المصافحة في هذه الصورة بل صرح بأنها بدعة مباحة ومع هذا التصريح فلا يبقى لهذا الإيراد وجه فضلاً عن وجه مليح، وفي المرقاة

عقب الصبح والعصر، والله أعلم. قلت: وينبغي أن يحترز من مصافحة الأمرد الحسن الوجه، فإن النظر إليه حرام كما قدمنا في الفصل الذي قبل هذا، وقد قال أصحابنا: كل من حرم النظر إليه حرم مسه، بل المس أشد، فإنه يحل النظر إلى الأجنبية إذا أراد أن يتزوجها. وفي حال البيع والشراء والأخذ والعطاء، ونحو ذلك، ولا يجوز مسها في شيء من ذلك، والله أعلم. فصل: ويستحب مع المصافحة، البشاشة بالوجه، والدعاء بالمغفرة وغيرها. روينا في "صحيح مسلم" عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال ـــــــــــــــــــــــــــــ ومع كونها من البدع فإذا مد مسلم يده إليه ليصافحه فلا ينبغي الإعراض عنه بجذب اليد لما يترتب عليه من أذى يزيد على مراعاة الأدب وإن كان يقال إن فيه نوع إعانة على البدعة وذلك لما فيه من المجابرة اهـ. وكذا فهم الحافظ من كلام المصنف أنه يرى أنها مستحبة في هذين من قوله بعد نقل كلام ابن عبد السلام أصل المصافحة سنة وكونهم حافظوا عليها في بعض الأحوال لا يخرجها عن أصل السنة قال الحافظ وللنظر فيه مجال فإن أصل صلاة النافلة سنة مرغب فيها ومع ذلك فقد كره المحققون تخصيص وقت بها دون وقت ومنهم من أطلق تحريم مثل ذلك كصلاة الرغائب التي لا أصل لها اهـ. قوله: (فإن النظر إليه حرام الخ) فرع الشيخ تحريم مسه على تحريم النظر إليه الذي قال به واعتمده أما على القول بحل النظر إليه فسكت عنه الشيخ وفي التحفة لابن حجر جزم بعضهم بأنه يحرم مس الأمرد وإن حل النظر إليه وإنما يتجه إن قلنا إن محرم المرأة يحرم عليه مسها مطلقاً كما هو مقتضى كلام الروضة أما إذا قلنا بالمعتمد من حل مس رأس المحرم ونحوه مما ليس بعورة كما نقل المصنف الإجماع عليه في شرح مسلم حيث لا شهوة ولا فتنة بوجه سواء لحاجة أو شفقة فينبغي أن يجيء في الأمرد ذلك التفصيل اهـ بمعناه. فصل قوله: (البشاشة بالوجه) قال في النهاية بشاشة اللقاء الفرح بالمرء والانبساط إليه والأنس به. قوله: (وغيرها) أي من باقي خير الدارين. قوله: (روينا في صحيح مسلم الخ) ورواه أحمد والترمذي من جملة حديث عن جابر قال: قال

لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوفِ شَيْئاً، ولَو أنْ تَلْقى أخاكَ بوجْهٍ طَلِيق". وروينا في كتاب ابن السني عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن المُسْلمَيْنِ إذا التَقَيا فَتَصَافَحا وَتَكَاشَرا بِوُدٍّ وَنَصِيحَةٍ تَنَاثَرَتْ خَطايَاهُما بَيْنَهُما". وفي رواية: "إذا الْتَقَى المُسْلِمانِ فَتَصافَحَا وَحَمِدَا اللهَ تعالى واسْتَغْفَرَا، غَفَرَ اللهُ عَز وَجَلَ لَهُما". ـــــــــــــــــــــــــــــ -صلى الله عليه وسلم-: "كل معروفة صدقة وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق" الحديث قال الترمذي واللفظ له حديث حسن صحيح قال المنذري في الترغيب وصدره في الصحيحين من حديث حذيفة اهـ، وتقدم في ترجمة أبي جرد من كتاب السلام قوله عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقى ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط" الحديث رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح ورواه النسائي وابن حبان في صحيحه ورأيت منقولاً عن "تسديد القوس في تخريج أحاديث الفردوس" للحافظ حديث: لا تحقرن من المعروف شيئاً الحديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي والطبراني عن جابر بن سليم اهـ. قوله: (لا تحقرن من المعروفة شيئاً الخ) أي المعروف وإن كان يسيراً فله موقع فلا ينبغي احتقاره وقوله (ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق) أي ولو كان ذلك المعروف لقياك أخاك بوجه طلق وطلق قال المصنف: روي على ثلاثة أوجه إسكان اللام وكسرها أي مع فتح الطاء وطليق بزيادة ياء تحتية ومعناه سهل منبسط وفي الحديث الحث على فعل المعروف وما تيسر منه وإن قل اهـ وما أحسن ما قيل: ومتى تفعل الكثير من الخيـ ... ـر إذا كنت تاركاً لأقله قوله: (بود ونصيحة) أي حال كون تكاشرهما مصحوباً بالود بضم الواو أي الصداقة والمحبة وبالنصيحة المطلوبة لعموم المؤمنين ففي الخبر الصحيح الدين النصيحة. قوله: (وفي رواية) أي لابن السني عن البراء بن عازب وقد أخرجه كذلك أبو داود في سننه لكن قال واستغفراه بزيادة ضمير المفعول فكان العزو إليه أولى. قوله: (فتصافحا وحمدا) الظاهر أنه يطلب الترتيب بين الحمد

وروينا فيه عن أنس رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما مِنْ عَبْدَينِ مُتَحَابَّيْنِ في اللهِ، يَسْتَقْبِلُ أحَدُهُما صَاحِبَهُ فَيُصَافِحُهُ، فَيُصَلِّيانِ على النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا لَمْ يَتَفرَّقا حتى تُغْفَرَ ذُنُوبُهُما مَا تَقدَّمَ مِنْها وما تأخرَ". وروينا فيه عن أنس أيضاً، قال: ما أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيد رجل ففارقه حتى قال: "اللهُم آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذَابَ النَّارِ". فصل: ويكرَه حنْيُ الظهر في كل حال لكل أحد، ويدل عليه ما قدمناه في الفصلين المتقدِّمين في حديث أنس، وقوله: "أينحني له؟ قال: لا" وهو حديث حسن كما ذكرناه، ولم يأت له معارض، فلا مصير إلى مخالفته، ـــــــــــــــــــــــــــــ والاستغفار والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- استحباباً لترتبها في الذكر المشعر بذلك وإن قلنا بالأصح إن الواو لا تفيد الترتيب ويحتمل خلافه. قوله: (وروينا فيه) أي في كتاب ابن السني قد أخرجه الحسن بن سفيان وأبو يعلى في مسنديهما أيضاً قال الحافظ في الخصال المكفرة للذنوب المتقدمة والمتأخرة أخرجه ابن حبان في كتاب الضعفاء اهـ، قال ابن بنت الميلق وذكره المنذري في أحاديث غفران ما تقدم وما تأخر وقد علمت مما سبق أن الحديث عند أبي داود والترمذي وابن ماجه لكن ليس فيه التقييد بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا بغفران ما تقدم وتأخر قال ابن بنت الميلق وينبغي للحريص على المغفرة أن يأتي بالمصافحة وذكرها على أكمل الأحوال والألفاظ احتياطاً لتحصيلها ومن كمال ذكرها ما رواه ابن السني عن أنس قال: ما أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيد رجل ففارقه إلا قال: ربنا آتنا في الدنيا حسنة الخ. فصل قوله: (ويكره حتى الظهر) ظاهره وإن وصل إلى حد الركوع فإنه يبقى مكروهاً وكأن الفرق بينه وبين تحريم السجود بين يدي المشايخ بل في بعض صوره ما يقتضي الكفر أن السجود أبلغ في التواضع فحرم فعله لغير الله تعالى وظاهر أن محل ما ذكر في الانحناء ما لم يقصد به الركوع وإلا فيحرم لأنه تعاطى عبادة

ولا يُغتر بكثرة من يَفعله ممن ينسب إلى علم أو صلاح وغيرهما من خصال الفضل، فإن الاقتداء إنما يكون برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]. وقد قدمنا في "كتاب الجنائز" عن الفضيل بن عياض رضي الله عنه ما معناه: اتّبعْ ـــــــــــــــــــــــــــــ فاسدة بل في بعض صوره ما يقتضي الكفر ولا يشكل على ما تقرر من تحريم السجود فيما ذكر قوله تعالى حكايته عن إخوة يوسف: {خَرُّوا سُجَّدًا} له، لأن ذلك شرع من قبلنا وليس هو بشرع لنا ما لم يرد في شرعنا تقريره والله أعلم. قوله: (ولا يغتر بكثرة من يفعله ممن ينسب إلى علم أو صلاح وغيرهما) من خصال الفضل والفلاح (فإن الاقتداء) أي بالأفعال الصادرة من فاعلها (إنما يكون برسول الله -صلى الله عليه وسلم-) وكذا بوارثيه المتقيدين بالاتباع في سائر الأحوال الذين لم يغلب عليهم الحال فإن ذا الحال كما لا ينكر عليه شأنه لا يقتدي به إنما يقتدي بالوارثين من أرباب الكمال المشرفين بمقام الاتباع والحائزين لمقام الوارثة. قوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} أي ما أعطاكم الرسول فخذوه والآية وإن كانت في الفيء والغنيمة إلا أن ما يوميء إليه من تلقي ما جاء به الرسول بالقبول والانتهاء عما نهى عنه عام باق على عمومه ولذا ذكرها الشيخ في هذا المقام الذي فيه الوقوف عند حدود رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دون غيرها والكلام في فعل الغير إذا لم يكن له أصل من الشرع وإلا ولو بالقياس الصحيح فيكون من جملة الشرع المأمور بسلوكه ففي حديث عائشة مرفوعاً من أحدث من ديننا هذا ما ليس منه فهو رد عليه. قوله: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} أي بلاء {أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} في الآخرة قال أبو حيان وظاهر الأمر الوجوب فلذا جعل في مخالفته إصابة الفتنة أو العذاب الأليم وأقول: الأولى: إبقاء الأمر على عمومه فإن من تعمد مخالفة السنن يؤول به ذلك إلى الفتنة بترك الفرائض ويؤول به ذلك إلى العذاب الأليم والله أعلم. قوله: (وقد قدمنا في كتاب الجنائز الخ) وقد عقدت معنى ما قاله هذا الولي الكبير في قولي:

طُرُق الهدى، ولا يضرك قِلَّةُ السالكين، وإياك وطرقَ الضلالة، ولا تغترَّ بكثرة الهالكين، وبالله التوفيق. فصل: وأما إكرام الداخل بالقيام، فالذي نختاره أنه مستحب لمن كان فيه فضيلة ظاهرة من علم أو صلاح أو شرف أو ولاية مصحوبة بصيانة، أو له ولادة أو رحم مع سن ونحو ذلك، ويكون هذا القيام للبِرِّ والإكرام والاحترام، لا للرياء والإعظام، وعلى هذا الذي اخترناه استمر عمل السلف والخلف، وقد جمعت في ذلك جزءاً جمعت فيه الأحاديث والآثار وأقوال السلف وأفعالهم الدالة على ما ذكرتُه، ذكرتُ فيه ما خالفها، وأوضحتُ الجواب عنه، فمن أشكل عليه من ذلك شيء ورغب في مطالعة ذلك الجزء رجوتُ أن يزول إشكاله إن شاء الله تعالى، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ عليك بالخير ولا تكترث ... بقلة السارين في ذا السنن واحذر من الشر ولا تغترر ... بكثرة الأشرار يا ذا السنن فصل قوله: (أما إكرام الداخل بالقيام الخ) قال بعض المتأخرين من المحققين القيام تجري فيه الخمسة الأحكام فيجب عند خوف الضرر بتركه ومن الضرر التباغض والتدابر المنهي عنه بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تباغضوا ولا تدابروا" وقد صرح بوجوبه في هذه الأزمنة الأذرعي قال: دفعاً للعداوة والتقاطع كما أشار إليه ابن عبد السلام فيكون من باب درء المفاسد ويندب لذي فضيلة ظاهرة من علم أو صلاح أو شرف بقصد الإكرام لا بقصد الرياء والإعظام ويحرم لنحو كافر لا يخشى من ترك القيام له محذوراً ويكره لذي فسق كذلك ويباح فيما سوى ذلك. قوله: (وقد جمعت في ذلك جزءاً الخ) ناقشه في كثير مما ذكره فيه ابن الحاج في مدخله بما لا يسلم له في الغالب والله أعلم قال المصنف "لم يصح في النهي عن القيام شيء صريح" اهـ، ثم يحرم على الداخل محبة القيام له على وجه المفاخرة والتطاول على الأقران وعليه يحمل حديث من أحب أن يتمثل له النّاس قياماً فليتبوأ مقعده من النار أما من أحب

فصل: يستحب استحباباً متأكداً: زيارة الصالحين، والإخوان، والجيران، والأصدقاء، والأقارب، وإكرامهم، وبِرهم، وصلتهم، وضبط ذلك يختلف باختلاف أحوالهم ومراتبهم وفراغهم. وينبغي أن تكون زيارته لهم على وجه لا يكرهونه، وفي وقت يرتضونه. والأحاديث والآثار في هذا كثيرة مشهورة. ومن أحسنها ما رويناه في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى، فأرصد الله تعالى على مَدْرَجته مَلَكاً، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة ترُبُّها؟ قال: لا، غير أني أحببتُه في الله تعالى، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله تعالى قد أحبك كما أحببته فيه". قلت: مدرجته بفتح الميم والراء والجيم: طريقه. ومعنى تربُّها: أي تحفظها وتراعيها وتربيها كما يربّي ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك إكراماً له على الوجه المذكور لكونه صار شعاراً في هذا الزمن لتحصيل المودة فلا كما نبه عليه ابن العماد وغيره. فصل قوله: (وينبغي أن تكون زيارتهم الخ) لأن القصد من زيارتهم إدخال السرور عليهم طلباً لثواب الله تعالى وأداء لحقهم فيقيد بما أشار إليه الشيخ. قوله: (ما رويناه في صحيح مسلم -إلى آخر قوله- فأرصد الله على مدرجته) قال في النهاية أي وكله بحفظ المدرجة وهي الطريق وجعله رصداً أي حافظاً معداً وقال المصنف: معنى أرصده أقعده والمدرجة بفتح الميم وإسكان المهملة الأولى وفتح الثانية وبالجيم الطريق كما قاله المصنف في شرح مسلم وسميت بذلك لأن النّاس يدرجون عليها أي يمضون ويمشون. قوله: (هل لك عليه من نعمة تربها) بضم الراء المهملة وتشديد الموحدة أي تحفظها وتراعيها وتربيها كما قال المصنف وبمعناه قوله في شرح مسلم أن يقوم بإصلاحها وينهض إليه بسبب ذلك. قوله: (فقال: لا غير أبي أحببته الله الخ) أي لم أزره

الرجل ولدَه. وروينا في كتابي الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ عادَ مرِيضاً، أوْ زَارَ أخاً لهُ في الله تعالى، ناداهُ مُنادٍ بأنْ طِبْتَ وطَابَ مَمْشاكَ، وَتَبَوَّأتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنْزِلاً". ـــــــــــــــــــــــــــــ لغرض من أغراض الدنيا ثم أخبر أنه إنما زاره من أجل أنه أحبه في الله فبشره الملك بأن الله قد أحبه كما أحبه فيه ومحبة الله للعبد إكرامه إياه وبره وإرادته الخير به وأن يفعل به فعل المحب من الخير وأصل المحبة في حق العباد ميل القلب والله منزه عن ذلك وتقدم بسط ذلك في شرح خطبة الكتاب، وفي الحديث فضل المحبة في الله وإنها سبب لحب الله تعالى للعبد وفي الحديث المرفوع من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع الله فقد استكمل الإيمان، وفي الحديث زيارة الصالحين والإخوان وفيه أن الآدميين قد يرون الملائكة أي إذا تشكلوا ببعض الصور. قوله: (وروينا في كتاب الترمذي وابن ماجه) وكذا رواه ابن حبان في صحيحه كلهم من رواية أبي سنان عن عثمان بن سودة عن أبي هريرة كذا في الترغيب للمنذري. قوله: (من عاد مريضاً) سبق فضل عيادة المريض في أبواب الجنائز وهي من القرب المطلوبة المتأكدة بل قال القرطبي في المفهم: إنها من فروض الكفايات لأن المريض لو لم يعد لضاع سيما إن كان غريباً أو ضعيفاً ومن له أهل يجب تمريضه على من تجب عليه مؤنته فمن قام به منهم سقط عن الباقين اهـ، بمعناه ثم ظاهر عموم الخبر حصول الثواب لمن حصلت منه العيادة وإن أخل ببعض ما لها من الآداب لكن في شرح المشكاة لابن حجر تقييده بمن أتى بما يطلب من العائد باطناً وظاهراً ولا شبهة أن ثوابه أكمل أما كون أصل الثواب المذكور في الخبر موقوفاً على ذلك ففيه نظر. قوله: (ناداه مناد من السماء الخ) وفي كون النداء من السماء حكم: منها الإعلام بعظيم فضل هذا العائد وعيادته فيزداد له الدعاء والاستغفار من الملائكة القائمين بذلك للمؤمنين، قال تعالى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}. قوله: (طبت) أي خلقاً وحياة في هذه الدار أي أتيت بما هو من كريم الأخلاق التي بها التواصل بين المؤمنين ويكمل توادهم فتعود بركة صالحهم على غيره (وطاب ممشاك) أي كثر ثواب مشيك إلى هذه العيادة. قوله: (وتبوأت من الجنة منزلاً) أي هيأت

فصل: في استحباب طلب الإنسان من صاحبه الصالح أن يزوره، وأن يكثر من زيارته

فصل: في استحباب طلب الإنسان من صاحبه الصالح أن يزوره، وأن يكثر من زيارته روينا في "صحيح البخاري" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لجبريل -صلى الله عليه وسلم-: "ما يَمْنَعُكَ أنْ تَزُورَنا أكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنا؟ فنزلت {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 64]. ـــــــــــــــــــــــــــــ لك من منازل الجنة منزلاً عظيماً ودعا له بصيغة الماضي تفاؤلاً بتحقق المدعو له أي إن الله طيب حلقه بالتنزه عن قبائح الأعمال وردائل الأفعال فلا تصدر منه إلا الصفات الصالحة والأخلاق الكريمة وعيشه في الدنيا فلا يقع في فتنة ولا نقيصة ولا رذيلة وممشاه بسلوك طريق الآخرة للإتيان بها على كمالها وفي الآخرة برفعته إلى منازل الأبرار ونعيم الأخيار وأصل الطيب ما تستلذه الحواس ثم استعير للتحلي بحليتي العلم والعمل والتخلي عن رذيلتي الجهل والزلل. فصل قوله: (روينا في صحيح البخاري) قال السيوطي في أسباب النزول: أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: أبطأ جبريل في النزول أربعين يوماً فذكر نحوه أي نحو حديث البخاري المذكور. قوله: ({وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} إلخ) قال في النهر القصد الإشعار بملك الله تعالى الملائكة وأن قليل تصرفهم وكثيره إنما هو بأمره وانتقالهم من مكان إلى مكان إنما هو بحكمته إذ الأمكنة له وهم له اهـ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

باب تشميت العاطس وحكم التثاؤب

بسم الله الرحمن الرحيم باب تشميت العاطس وحكم التثاؤب ـــــــــــــــــــــــــــــ باب تشميت العاطس وحكم التثاؤب تشميت العاطس أن يقال له يرحمك الله ويقال بالسين المهملة وبالمعجمة لغتان مشهورتان قال الأزهري: قال الليث: التشميت ذكر الله تعالى على كل شيء ومنه قولك للعاطس يرحمك الله وقال ثعلب: سمت العاطس وشمته إذا دعوت له بالهدي وقصد السمت المستقيم قال: والأصل فيه السين المهملة فقلبت شيناً معجمة قال صاحب المحكم: تسميت العاطس معناه هداك الله إلى السمت قال: وذلك لما في العاطس من الانزعاج والقلق قال أبو عبيد وغيره: الشين المعجمة أعلى اللغتين قال ابن الأنباري: يقال منه سمته وشمت عليه إذا دعوت له بخير وكل داع بالخير فهو مسمت ومشمت قاله المصنف في شرح مسلم وقال القاضي عياض أصل التشميت أي بالمعجمة الشماتة فاستعمل للدعاء بالخير لتضمنه ذلك اهـ. وفي شرح المشكاة لابن حجر التشميت بالمهملة والمعجمة أي الدعاء بالخير والبركة من السمت أو الشوامت وهي القوائم كأنه دعاء للعاطس بحسن السمت والهدى أو بالثبات على الطاعة وقيل معناه ابعدك الله عن الشماتة اهـ. أي لا جعلك الله في حال يشمت بها أو أنه إذا حمد الله أدخل على الشيطان ما يسوءه فقد شمت هو بالشيطان قال ابن العربي: تكلم أهل اللغة على اشتقاق اللفظين ولم يبينوا المعنى فيه وذلك بديع وذلك أن العاطس ينحل عن عضوه من رأسه وما يتصل به من العنق ونحوه فكأنه إذا قيل له: رحمك الله كان معناه أعطاك رحمة يرجع بها بدنك إلى حاله قبل العطاس ويقيم على حاله من غير تغير فإن كان بالمهملة فمعناه رجع كل

روينا في "صحيح البخاري" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ـــــــــــــــــــــــــــــ عضو إلى سمته الذي كان عليه وإن كان بالمعجمة فمعناه صان الله شوامته أي قوائمه أي التي بها قوام بدنه عن خروجها عن الاعتدال وشوامت كل إنسان قوائمه وصدره اهـ. نقله السيوطي في مرقاة الصعود والتثاؤب بالفوقية والمثلثة أي وبالهمز بعد الألف قال في المغرب الهمزة بعد الألف هو الصواب والواو غلط اهـ. وكذا ذكره شارح للمصابيح ولم يذكر في القاموس تثاءب إلا في المهموز وقال المصنف في شرح مسلم وقع في بعض النسخ تثاءب بالمد وفي أكثرها تثاوب بالواو قال القاضي عياض قال ثابت ولا يقال تثاءب بالمد مخففاً بل تثأب بتشديد الهمزة قال ابن دريد أصله من تثأب الرجل بالتشديد إذا استرخى وكسل وقال الجوهري يقال تثاءبت بالمد مخففاً على تفاعلت ولا يقال تثاوبت والاسم منه الثوباء ممدودة اهـ. وفي فصل الثاء المثلثة مع الواو من المصباح المنير تثاءب بالهمز تثاؤبا وزان تقاتل قيل هي فترة تعتري الشخص فيفتح عندها فمه وتثاوب بالواو عامي اهـ. وقال الكرماني التثاؤب بالهمز على الأصح وقيل بالواو بوزن التفعل النفس الذي ينتفخ منه الفم من الامتلاء وثقل النفس وكدورة الحواس ويورث الغفلة والنسيان ولذا ورد ما تثاءب نبي قط ولذا أحبه الشيطان اهـ. وهذا الحديث أخرجه ابن أبي شيبة والبخاري في تاريخه من مرسل يزيد بن الأصم قال: ما تثاءب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخرج الخطابي من طريق مسلمة بن عبد الملك بن مروان قال: ما تثاءب نبي قط ومسلمة أدرك بعض الصحابة وهو صدوق كذا في مرقاة الصعود وفي النهاية التثاؤب مصدر تثاءب والاسم الثوباء اهـ. قوله: (روينا في صحيح البخاري الخ) في الجامع الصغير حديث أن الله تعالى يحب العطاس ويكره التثاؤب رواه البخاري وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة وفي الجامع أيضاً حديث إذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا قال ها ضحك منه الشيطان رواه البخاري عن أنس وفي رواية لأحمد والشيخين وأبي داود عن أبي سعيد بلفظ إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه فإن الشيطان يدخل مع التثاؤب وفي رواية لابن ماجه عن أبي هريرة إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه لا يعوي فإن الشيطان يضحك منه وفي رواية للبيهقي عن عبادة بن الصامت وغيره إذا تجشى أحدكم أو عطس فلا يرفع بهما الصوت فإن الشيطان يحب أن يرفع بهما الصوت

قال: "إنّ الله تعالى يُحِبُّ العُطَاسَ، وَيكْرَهُ التَّثاوبَ، فإذا عَطَسَ أحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللهَ تعالى، كان حَقّاً على كُل مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أنْ يَقُولَ لهُ: يَرْحَمُكَ الله. ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي رواية للحاكم والبيهقي عن أبي هريرة إذا عطس أحدكم فليضع كفيه على وجهه وليخفض صوته اهـ. قوله: (يحب العطاس) بضم العين مصدر عطس كنصر ينصر وضرب يضرب وفي المصباح عطس عطساً من باب ضرب وفي لغة من باب قتل اهـ. وفي بعض نسخ الحصن أنه من باب علم وفي الحرز أنه تحريف الكتاب ومحبة العطاس لأنه سبب خفة الدماغ وصفاء القوى الإدراكية فيحمل صاحبه على الطاعة. قوله: (ويكره التثاؤب) وكراهته لأنه يمنع صاحبه من النشاط في الطاعة وفيه الغفلة ولذا يفرح به الشيطان أي يكره ما يدعو إلى التثاؤب فإنه إنما يتولد من كثرة الأكل والشرب وفي ذلك استرخاء للبدن والتكسل عن الطاعة وإلا فكلا الأمرين العطاس والتثاؤب ليسا في قدرة الإنسان ولكن لما كان الأول ينشأ حيث لا عارض من نحو زكام عن خفة الجسم لقلة الاختلاط وخفة الغذاء وهو مما يندب إليه كان محبوباً ولما كان الثاني ينشأ عن ضده كان مكروهاً وهذا حاصل قول المصنف الآتي قال العلماء معناه أن العطاس سببه محمود والتثاؤب بضده. قوله: (كان حقاً على كل مسلم سمعه الخ) المراد من الحق فيه الندب المتأكد لا الوجوب كحديث غسل الجمعة حق على كل محتلم أي متأكد والصارف له عن الوجوب الذي قيل به أخذا بظاهر الخبر وما في معناه ما قام عنده مما يعارضه وقيل إنه فرض عين وقيل فرض كفاية ولا يخالف قوله في الخبر على كل مسلم ما قرروه من أن التشميت سنة كفاية لأن المخاطب بسنة الكفاية كفرضها الجميع ويسقط الطلب بفعل البعض ثم لما كان العطاس محموداً لما ذكرنا طلب الحمد على التوفيق لسببه فإذا أتى به العاطس طلب لمن سمعه أن يقول: يرحمك الله فإن كان السامع واحداً كان سنة عين وإلا فسنة كفاية أما من لم يسمعه فلا يتوجه عليه الأمر وفي شرح السنة ينبغي أن يرفع صوته بالتحميد حتى يسمع من عنده ويستحق التشميت اهـ. ويستحب للعاطس أن يجيب من شمته بنحو يهديك الله ويصلح بالك أو يغفر الله لك وسيأتي لهذا مزيد بيان أواخر الباب (قال ابن دقيق العيد: من فوائد التشميت) تحصيل المودة والتآلف

وأمَا التَّثاوبُ، فإنَّمَا هُوَ مِنَ الشيْطانِ، فإذا تَثاءَبَ أحَدُكُمْ، فَلْيرُدَّهُ ما اسْتَطَاعَ، فإن أحَدَكُمْ إذا تثاءب ضَحِكَ مِنْهُ الشيطَانُ". قلت: قال العلماء: معناه: أن ـــــــــــــــــــــــــــــ بين المسلمين وتأدب العاطس بكسر النفس عن الكبر والحمل على التواضع لما في ذكر الرحمة من الإشعار بالذنب الذي لا يعرى عنه إنسان إلا من عصم الله وظاهر الحديث أن السنة لا تحصل إلا بالمخاطبة وما اعتاده كثير من قولهم يرحم الله مولانا فخلاف السنة قال: وبلغني عن بعضهم أنه شمت رئيساً فقال: يرحمك الله يا مولانا فجمع بين الأمرين. قوله: (وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان) قال في النهاية جعله من الشيطان كراهية له لأنه إنما يكون مع ثقل البدن وامتلائه واسترخائه وميله إلى الكسل والنوم وإضافته إلى الشيطان لأنه الذي يدعو إلى إعطاء النفس شهوتها وأراد به التحذير من السبب الذي يتولد منه وهو التوسع في المطعم والشبع فيثقل عن الطاعات ويكسل عن الخيرات اهـ. وقال ابن بطال معنى الإضافة إلى الشيطان إضافة إرادة ورضا أي أنه يحب تثاؤب الإنسان لأنه حال تغير الصورة فيضحك من جوفه لا أن الشيطان يفعل التثاؤب في الإنسان إذ لا خالق إلا الله وكذا كل ما نسب إليه كان إما بمعنى الوسوسة اهـ. قوله: (فإذا تثاءب) أي أراد أن يتثاءب أو الماضي فيه بمعنى المضارع أشار إليه الكرماني ثم هو بالهمزة بعد الألف اللينة وأما قول بعضهم تثاوب بالواو في محل الهمزة فغلط عليه المطرزي والجوهري والفيومي في المصباح كما تقدم قال السيوطي في التوشيح زاد الترمذي وغيره في الصلاة قال العراقي: فيمكن حمل الروايات المطلقة عليه ويمكن خلافه وأنه في الصلاة أولى وبالثاني جزم ابن العربي والنووي اهـ. قوله: (فليرد ذلك) أي إما بوضع اليد على الفم وإما بتطبيق الشفتين وهو الذي عبر عنه بالكظم في رواية أخرى وذلك لئلا يبلغ الشيطان مراده من الضحك عليه من تشويه صورته أو من دخوله فمه كما جاء في بعض الروايات. قوله: (ضحك منه الشيطان) قال الكرماني الظاهر أنه على الحقيقة لأنها الأصل ولا ضرورة تدعو إلى العدول عنها قال شيخ الإسلام زكريا في شرح البخاري ولكون التثاؤب فرح الشيطان قالوا لم يتثاءب نبي

العطاس سببه محمود، وهو خِفَّة الجسم التي تكون لِقِلة الأخلاط وتخفيف الغذاء، وهو أمر مندوب إليه، لأنه يضعف الشهوة ويسهل الطاعة، والتثاؤب بضد ذلك، والله أعلم. وروينا في "صحيح البخاري" عن أبي هريرة أيضاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " إذا عَطَسَ أحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الحَمْدُ الله، وَلْيَقُلْ لَهُ أخُوهُ أوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ الله، فإذا قالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ الله، فَلَيقُلْ: يَهْدِيكُمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قط اهـ. وفي تقدم ذلك مرفوعاً قال ابن الجوزي: إنما ضحك الشيطان من قول المتثائب ها لمعنيين أحدهما أنه رأى ثمرة تحريضه على الشبع فضحك فرحاً بأن أثمرت شجرة غرسه والثاني أن السنة كظم التثاؤب وحبسه ما استطاع فإذا ترك الأدب وقال: ها ضحك منه لقلة أدبه اهـ. قوله: (وروينا في صحيح البخاري الخ) قال في السلاح ورواه أبو داود والنسائي وعند أبي داود فليقل الحمد الله على كل حال قلت وعند الترمذي والحاكم كذلك لكن من حديث أبي داود كما في الحصن. قوله: (إذا عطس أحدكم فليقل الحمد الله الخ) قال الكرماني: اعلم أن الشارع إنما أمر العاطس بالحمد لما حصل له من المنفعة لخروج ما احتقن في دماغه من الأبخرة وقال الأطباء العطسة تدل على قوة طبيعة الدماغ وصحة مزاجه فهي نعمة وكيف لا وإنها جالبة للخفة المؤدية إلى الطاعات فاستدعى الحمد عليها ولما كان ذلك تغييراً لوضع الشخص وحصول حركات غير مضبوطة بغير اختيار ولهذا قيل إنها زلزلة البدن أريد إزالة ذلك الانفعال عنه بالدعاء له والاشتغال بجوابه ولما دعى له كان مقتضى وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أن يكافئه بأكثر منها فلذا أمرنا بالدعوتين الأولى لصلاح الآخرة فهو دعاء له بخير الدارين وسعادة المنزلين اهـ. وقال الشيخ زكريا في تحفة القاري الحمد للعاطس في مقابلة نعمة جليلة هي رفع الأذى من الدماغ إذ العطاس يذهبه اهـ. وفي شرح الأنوار السنية لما أبان العطاس عن صحة ما ناسب أن يقول العاطس: الحمد الله ولما كان ذلك الصلاح برحمة الله ناسب ذلك أن يقال له يرحمك الله ولما كان ذلك

اللهُ وَيُصْلِحُ بالَكُمْ" قال العلماء: بالَكم: أي شأنكم. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أنس رضي الله عنه قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ بهداية الله ناسب ذلك أن يقول: يهديكم الله ولما كان العطاس صلاحاً ناسب ذلك أن يقول ويصلح بالكم أي يصلح حالك بالسلامة والنعمة كما أصلح حالي بالعطاس اهـ. "قال السيوطي نقلاً عن الحليمي" الحكمة في مشروعية الحمد للعاطس أن العطاس يرفع الأذى عن الدماغ الذي فيه قوة الفكر ومنه منشأ الأعضاء التي هي معدن الحسن وبسلامته تسلم الأعضاء فيظهر بهذا أنه نعمة جليلة فناسب أن يقابل بالحمد لما فيه من الإقرار لله بالخلق والقدرة وإضافة الخلق إليه لا إلى الطبائع قال: وحكمة تشميته بيرحمك الله أن أنواع البلاء والآفات كلها مؤاخذات والمؤاخذة عن ذنب فإذا جعل الذنب مغفوراً وأدركت العبد الرحمة لم تقع المؤاخذة وفيه الإشارة إلى تنبيه العاطس على طلب الرحمة والتوبة من الذنب ومن ثم شرع الجواب بقوله يغفر الله لنا ولكم أي كما جاء عند أبي داود وغيره وقال العاقولي ندب التشميت بيرحمك الله كأنه لإزالة الشماتة بما يكون في الصرع من تكشف عورة ونحو ذلك اهـ. وفي المرقاة شرع الترحم من جانب المشمت لأنه كان قريباً من الرحمة حيث عظم ربه بالحمد على نعمته وعرف قدرها وكان دعاء العاطس لمن شمته تألفاً للقلوب وجبراً لها. قوله: (قال العلماء بالكم أي شأنكم) وفي الحرز وقيل أي قلبكم أو حالكم وفي المفاتيح شرح المصابيح البال القلب تقول فلان ما يخطر ببالي أي بقلبي والبال رخاء العيش يقال: رخى البال والبال الحال تقول: وما بالك أي حالك والبال في الحديث يحتمل المعاني الثلاثة والأولى أن يحمل على المعنى الثالث أنسب لعمومه المعنيين الأولين أيضاً اهـ. وفي المرقاة الأول أولى فإنه إذا صلح القلب صلح الحال اهـ. "ثم لا بد في حصول السنة" من إسماع كل من التشميت وجوابه ويجوز الاكتفاء بأحد هذين أي يهديكم الله ويصلح بالكم، وإفراد الخطاب لكن التعظيم أكمل والجمع بينهما أفضل اهـ. وفي المرقاة بلفظ العموم أي الميم الدالة على عموم المخاطب وأنه جمع خرج مخرج الغالب فإن العاطس قلما يخلو عند عطاسه عن أصحابه أو هو

"عَطَسَ رجلان عند النبي -صلى الله عليه وسلم- "فشمَّت أحدَهما ولم يشمت الآخر، فقال الذي لم يشمِّته: عطس فلان فشَمَّتَّه وعطستُ فلم تشمِّتْني، فقال: هَذا حَمِدَ اللهَ تعالى، وإنَّكَ لَمْ تَحْمَدِ اللهَ تعالى". وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا عَطَسَ أحَدُكُمْ فَحَمِدَ الله تعالى فَشَمِّتُوهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ إشارة إلى تعظيمه واحترامه في الدعاء قلت فيكون من باب الزيادة في الجزاء لأنه أفرد لما خاطبه بقوله: رحمك الله فأتى بميم الجمع في جوابه تعظيماً لجنابه والله أعلم أو إلى أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- اهـ. قوله: (عطس رجلان) قال السيوطي في التوشيح هما عامر بن الطفيل ولم يحمد وابن أخيه وهو الذي حمد اهـ. قال الشيخ زكريا كذا في الطبراني زاد السيوطي في حاشيته على أبي داود في عامر أنه ابن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب الفارسي المشهور مات كافراً لكن يشكل عليه أن في بعض طرقه عند البخاري أنه قال: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا الخ وأجاب الحافظ: بأنه يحتمل أنه قالها غير معتقد بل باعتبار ما يخاطب به المسلمون قال شيخ الإسلام زكريا ويحتمل أنه كان مسلماً ثم ارتد ومات مشركاً اهـ. قوله: (فقال هذا حمد الله) أي قابل نعمة العطاس بالحمد عليها فاستحق الدعاء له بزيادة النعمة لأن الشكر سبب المزيد. (وأنت لم تحمد) فقاتك وفي شرح السنة في الحديث أن العاطس إذا لم يحمد الله لا يستحق التشميت قال مكحول كنت إلى جنب ابن عمر فعطس رجل من ناحية المسجد فقال: يرحمك الله إن كنت حمدت الله وقال الشعبي إذا سمعت الرجل يعطس من وراء جدار فحمد الله فشمته وقال إبراهيم: إذا عطست فحمدت وليس عندك أحد قل: يغفر الله لي ولكم فإنه يشمتك من سمعك كذا في بعض شروح المشكاة. قوله: (روينا في صحيح مسلم) قال السيوطي في الجامع الصغير ورواه أحمد في مسنده والبخاري في الأدب المفرد. قوله: (فشمتوه) ظاهره يقتضي الوجوب وبه قال جمع منهم الحنفية كما في المرقاة ومنهم مالك كما سيأتي في كلام الشيخ بما فيه فقد نقل المصنف الاتفاق على استحبابه ومراده اتفاق الجمهور قال المصنف: وهذا الخبر صريح في الأمر بالتشميت إذا

فإن لَمْ يَحْمَدِ اللهَ فَلا تُشَمِّتُوهُ". وروينا في "صحيحيهما" عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "أمَرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسبع، ونهانا عن سبع: أمَرَنا بعيادةِ المريض، واتِّباعِ الجنازة، وتشميتِ العاطس، وإجابةِ الداعي، ـــــــــــــــــــــــــــــ حمد العاطس وفي النهي عن تشميته إذا لم يحمد الله قال الحافظ: هذا منطوق الخبر لكن هل النهي فيه للتحريم أو للتنزيه الجمهور على الثاني اهـ. ويؤخذ من الخبر أن من أتى بلفظ غير الحمد لم يشمت وينبغي له رفع الصوت بالحمد حتى يسمعه من يشمته فلو حمد ولم يسمعه الإنسان لم يشمته قال مالك: لا يشمته الإنسان حتى يسمع حمده قال: فإن رأيت من يليه يشمته فشمته وسيأتي للمسألة مزيد في فصل إذا عطس ولم يحمد العاطس لا يشمت. قوله: (فإن لم يحمد الله لا تشمتوه) هذا نهى عن تشميت من لم يحمد الله بعد عطاسه وأقل الدرجات أن يكون الدعاء له مكروهاً عقوبة له على غفلته عن نعمة الله عليه في العطاس إذا خرج به ما احتقن في الدماغ من البخار قاله القرطبي نقلاً عن بعض شيوخه ثم قال: ولا خلاف يعلم أن من لم يحمد الله لا يشمت وقد ترك -صلى الله عليه وسلم- تشميت من لم يحمد الله ونص على أن ترك الحمد هو المانع منه اهـ. قوله: (وروينا في صحيحيهما) سبق تخريج الحديث والكلام على بعض فوائده أول كتاب السلام. قوله: (أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسبع) الأمر في هذا الخبر للطلب المتأكد الشامل للوجوب والندب فإن بعض الخصال واجب كفاية كرد السلام من الجمع المسلم عليهم أو عيناً كإجابة الدعوة في وليمة العرس بشرطه وبعضها مندوب كباقي الخصال ودلالة الإقتران غير حجة عندنا فيجوز قرن الواجب بالمندوب ومنه قوله تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}. قوله: (بعيادة المريض) بدل مما قبله بدل مفصل من مجمل بتقدير سبق العطف على الإبدال وعيادة المريض سنة كل وقت وقيل إنها فرض كفاية كما سبق ولا تكره في وقت إلا إن شقت على المريض وقول بعض أصحابنا يستحب في الشتاء في الليل وفي الصيف في النهار غريب. قوله: (واتباع الجنائز) أي تشييعها والمكث إلى الفراغ من دفنها. قوله: (وتشميت العاطس) أي إذا حمد الله تعالى قيل والأمر في هذه الثلاث للندب. قوله: (وإجابة الداعي) أي وليمة النكاح بشرطه في اليوم الأول وتسن الإجابة في

وردّ السلام ونصر المظلوم، وإبرارِ القَسم". وروينا في "صحيحيهما" عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "حَقُّ المُسْلِم على المُسْلِم خَمْسٌ: رَدُّ السلام، وَعِيادَةُ المَرِيضِ، واتِّباعُ الجَنائِزِ، وإجابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ". وفي رواية لمسلم: "حَقُّ المُسْلِم على المُسلِم سِتٌّ: ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني وكذا في باقي الولائم وتكره في الثالث من ولائم النكاح. قوله: (ورد السلام) أي وجوباً على العين تارة وعلى الكفاية أخرى. قوله: (ونصر المظلوم) أي ولو ذمياً بأن يمنع الظالم عن ظلمه وجوباً على من قدر على ذلك بفعله أو قوله وهذا يرجع إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهما واجبان عيناً تارة وكفاية أخرى. قوله: (وإبرار القسم) عند مسلم إبرار القسم أو المقسم بالشك أي إذا قال له أقسمت عليك بالله أو نحو والله لتفعلن كذا فيسن له حيث لا مانع من نحو مفسدة أو خوف ضرر تخليصه من ورطة الاستهتار بحقه في الأول والحنث في الثاني فإذا كان فيه مانع لم يبر قسمه كما ثبت أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما عبر الرؤيا بحضرته -صلى الله عليه وسلم- فقال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً فقال: أقسمت عليك يا رسول الله لتخبرني فقال: لا تقسم فلم يخبره رواه مسلم وقد تقدم. قوله: (وروينا في صحيحيهما عن أبي هريرة الخ) ورواه أبو داود لكن قدم ذكر بعض الخصال على باقيها. قوله: (حق المسلم على المسلم) أي المتأكد الطلب واجباً كان أو مندوباً كما سبق في الحديث قبله فيتأكد لكل مسلم حيث لا مانع على كل مسلم الإتيان له بذلك ولا منافاة بين قوله في هذا الخبر خمس وفي الخبر بعده ست لأن العدد لا مفهوم له على الأصح وعلى مقابله فمحله ما لم يعلم خلافه كما هنا فإن الحقوق المتأكدة كثيرة لا تنحصر فيما ذكر والاقتصار على ما ذكر إما لأنها المشروعة إذ ذاك وما عداها شرع بعد أو لأنها الأنسب بحال السامعين لتساهلهم فيها أو لشدة احتياجهم إليها. قوله: (وفي رواية لمسلم) وأخرجه البخاري في الأدب المفرد كما في الجامع الصغير والحديث عند الترمذي أيضاً بنحوه. قوله: (حق المسلم على المسلم ست) كذا فيما وقفت عليه من نسخ الأذكار ست في الإجمال وخمس في التفصيل وسقطت السادسة وهي الخامسة

إذا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإذَا دَعاكَ فأجِبْهُ، وَإذَا استَنْصَحَكَ فانْصَحْ لهُ، وإذا عَطَسَ فَحَمِدَ الله تعالى فَشَمِّتْهُ، وإذا مَرِضَ فَعُدْهُ، وإذا ماتَ فاتَّبِعْهُ". فصل: اتفق العلماء على أنه يستحب للعاطس أن يقول عقب عطاسه: الحمد الله، فلو قال: الحمد الله رب العالمين كان أحسن، ـــــــــــــــــــــــــــــ في الحديث أي قوله فإذا مرض فعده وإذا مات الخ. قوله: (إذا لقيته فسلم عليه الخ) عدل عن قوله السلام عليه إذا لقيه مع أنه مقتضى القياس لإفادة الاعتناء والاهتمام بهذه السنن الست لأنها أمهات مكارم الأخلاق والخطاب فيه عام شامل لكل صالح للخطاب من هذه الأمة وكذا فيما بعده والأمر في قوله فسلم عليه للوجوب على سبيل التعين إن كان واحداً وإلا فعلي الكفاية وقوله (وإذا دعاك فأجبه) أي وجوباً عينياء في وليمة النكاح بشرطه وعلى الكفاية إن دعاك لتخلصه من نحو مهلك كغرق وقد أطقت ذلك ووجدت من يقوم به غيرك حالاً وندباً إن دعاك إلى وليمة غير عرس ونحوها (وإذا استنصحك) أي طلب منك النصح وهو تحري ما به الصلاح من قول أو فعل من نصح الود والعسل خلص من الشوائب (فانصح له) وجوباً عليك بأن تذكر له ما به صلاحه وطلبه ليس بشرط للوجوب بل النصيحة مطلوبة لمن سأل ومن لم يسأل كما دلت عليه أحاديث أخر وإنما هو لإفادة أن تأكده بعد الطلب أكثر قال: أئمتنا ومنهم المصنف في باب ما يبيح الغيبة يجب على من علم عيباً بنحو مبيع أو مخالط أو خاطب أن يذكره لمن يريد الشراء أو المخالطة وإن لم يستشره فيه وكل من عيادة المريض بشرطها السابق وتشييع الجنازة سنة مؤكدة. فصل قوله: (يستحب للعاطس الخ) قال الحافظ ولا أصل لما اعتيد من استكمال الفاتحة والعدول عن الحمد إلى التشهد أو تقديمه على الحمد فكل ذلك مكروه اهـ. قوله: (فلو قال الحمد الله رب العالمين كان أحسن الخ) قال المصنف في شرح مسلم نقلاً عن ابن جرير إنه مخير بين هذه الصيغ الثلاث ثم قال: وهذا هو الصحيح وما ذكرناه هنا من أن الحمد الله رب العالمين أحسن نقل ابن بطال اختيار القول به عن طائفة ويشهد له

ولو قال: الحمد الله على كل حال كان أفضل. ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه ورد كذلك عند الطبراني والحاكم والبيهقي عن ابن مسعود وعند أحمد وأبي داود والترمذي والنسائي والحاكم والبيهقي عن سالم بن عبيد الأشجعي وعند الطبراني أيضاً من حديث ابن عباس مرفوعاً من عطس فقال الحمد الله قالت الملائكة: رب العالمين فإذا قال رب والعالمين قالت الملائكة: رحمك الله كما أشار إليه في الجامع الصغير. وقوله: (ولو قال الحمد الله على كل حال كان أفضل) المقتضى لأفضليته على كلا الكيفيتين استشهد له الشيخ بما ذكره بعده من حديث أبي داود وغيره وقد جاء طلب ذلك من العاطس عند أبي داود وعند الترمذي والنسائي والدارمي والحاكم في المستدرك عن أبي أيوب وعند الترمذي أيضاً وقال غريب وعند الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد عن ابن عمر وعند النسائي وابن ماجه والحاكم في المستدرك عن علي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا عطس أحدكم فليقل الحمد الله على كل حال ويرد عليه يرحمك الله ويرد عليهم يغفر الله لنا ولكم وعند النسائي والحاكم في المستدرك أيضاً عن ابن مسعود أشار إليه في السلاح زاد في الحرز أنه عند أبي داود والترمذي والنسائي عن رفاعة بن رافع اهـ. قال العلقمي اختارت طائفة أنه لا يزيد على قوله الحمد الله كما في حديث أبي هريرة عند الحاكم قال: وجمع شيخنا يعني السيوطي بين جميع الروايات فقال: يقول الحمد رب العالمين على كل حال قلت: ويوافقه ما قرره الشيخ من أنه إذا جاءت روايات في ذكر يسن الجمع بين الجميع وقد أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن علي موقوفاً من قال عند كل عطسة الحمد الله رب العالمين على كل حال ما كان لم يجد وجع ضرس ولا إذن أبداً قال الحافظ العسقلاني هذا موقوف ورجاله ثقات ومثله لا يقال من قبل الرأي فله حكم المرفوع والله أعلم قلت: وعند أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن رفاعة ابن رافع أنه قال صليت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعطست فقلت: الحمد الله حمداً كثيراً طيباً مباركاً عليه كما يحب ربنا ويرضى فلما صلى -صلى الله عليه وسلم- انصرف فقال: من المتكلم في الصلاة؟ فقال رفاعة ابن رافع ابن عفراء: أنا يا رسول الله قال: كيف قلت؟ قال: قلت الحمد الله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه مباركاً عليه كما يحب ربنا ويرضى فقال -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده" لقد ابتدرها بضع وثلاثون ملكاً أيهم يصعد بها قال الترمذي: حديث حسن قال: وكان هذا

روينا في سنن أبي داود وغيره بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا عَطَسَ أحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الحَمْدُ لِلَهِ على كل حالِ، وَلْيَقُلْ أخوهُ أو صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، وَيقُولُ هُوَ: يَهْدِيكُمُ اللهُ وَيُصْلِحُ بالَكُمْ". وروينا في كتاب الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن رجلاً عطس إلى جنبه فقال: الحمد الله والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال ابنُ عمر: وأنا أقول: الحمد الله والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وليس هكذا علمنا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- علمنا أن نقولَ: الحَمْدُ لِلهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث عند بعض أهل العلم أنه في التطوع لأن غير واحد من أهل العلم من التابعين قالوا: إذا عطس الرجل في الصلاة قالوا: إنما يحمد الله في نفسه ولم يوسعوا بأكثر من ذلك وذكر هذه الصيغة في السلاح والحصن في صيغ الحمد المطلوبة من العاطس وتقدم السلام على الحديث في أذكار الاعتدال من حديث الصحيحين وليس فيه عندهما ذكر أنه عطس حينئذٍ والله أعلم. قوله: (وليقل أخوه) أي في الإيمان فمن ثم لم يشمت الكافر إذا عطس وحمد بذلك كما سيأتي وتقدم ما يؤخذ منه الكلام على باقيه خصوصاً كلام السيوطي المنقول عن الحليمي. قوله: (وروينا في كتاب الترمذي) قال الحاكم حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث زيادة بن الربيع قال في السلاح ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد. قوله: (فقال الحمد الله والسلام على رسول الله) يحتمل أن يكون من جهله بالحكم الشرعي أو ظن أنه يستحب زيادة السلام عليه -صلى الله عليه وسلم- هنا لأنه من جملة الأذكار أو جزاء على تأديبه لنا أدب الأبرار وقياساً على ذكره بعد الحمد له في كثير من الأمور كابتداء الخطبة ودخول المسجد لكن لما كان هذا من باب القياس مع وجود الفارق قال ابن عمر: وأنا أقول الخ أي لأنهما ذكران شريفان لكن لكل مقام مقال كما أشار إليه بقوله (وليس هكذا) أي ليس ضم السلام إلى الحمد من الأدب المأمور به هنا بل الأدب الاتباع من غير زيادة ولا نقصان من تلقاء النفس إلا بقياس جلي ثم قال (علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الخ) أي فالزيادة المطلوبة هي المتعلقة بالحمد أما ضم ذكر آخر إليه فغير مستحسن

على كُل حالٍ". قلت: ويستحب لكل من سمعه أن يقول له: يرحمك الله، أو يرحمكم الله، أو رحمك الله، أو رحمكم الله. ويستحب للعاطس بعد ذلك أن يقول: يهديكم الله ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن من سمعه ربما يتوهم أنه من جملة المأمور به ثم قوله (على كل حال) لا يبعد أن يتعلق بقوله يقول فالمعنى أنه علمنا هذا الذكر أي الحمد الله عند العطسة على كل حال من الأحوال ويحتمل وهو الأقرب أنه في محل الحال فيتعلق بمحذوف أي الحمد الله كائناً على كل حال ووقع للطيبي في الكلام على هذا الحديث سوء أدب في التعبير تعقبه فيه في المرقاة والله أعلم. قوله: (أو يرحمكم الله) ظاهره أنه يقول ذلك وإن كان العاطس واحداً نظير ما تقدم أن العاطس يقول لمن شمته: يهديكم الله ويصلح بالكم بضمير الجمع وكما تقدم نظيره في السلام على الواحد والله أعلم ثم الجملة بألفاظها خبرية مبني إنشائية معنى والإتيان بلفظ المضارع هو الأصل وهو الوارد في الأحاديث وبلفظ الماضي تفاؤلاً بالقبول فكأنه استجيب له وحصل وأخبر عنه بما يخبر به عن الحاصل وذكر المصنف في شرح لمسلم أنه يقول: الحمد الله يرحمك الله وقيل: يقول: يرحمنا الله وإياكم اهـ. وسيأتي في الأصل عن ابن عمر أنه يأتي بذلك جواباً لمن شمته ويزيد في آخره ويغفر الله لنا ولكم. قوله: (ويستحب للعاطس أن يقول الخ) قال ابن بطال: ذهب الكوفيون إلى أنه يقول: يغفر الله لنا ولكم فقد أخرجه البخاري في الأدب المفرد والطبراني من حديث ابن مسعود زاد في الحرز وأخرجه النسائي والحاكم عن ابن مسعود وهما كذلك من حديث علي رضي الله عنه وتقدم ذكر لفظه وجاء عند أبي داود والترمذي والنسائي وابن حبان من حديث سالم بن عبيد لكن بلفظ الإفراد في قوله لي: وذهب الجمهور إلى أنه يقول: يهديكم الله ويصلح بالكم كما هو عند البخاري وأبي داود والنسائي والترمذي والحاكم في المستدرك وقال ابن بطال: ذهب مالك والشافعي إلى أنه يتخير بين اللفظين قال المصنف: في شرح مسلم وهذا هو الصواب فقد صحت الأحاديث بهما والله أعلم وقال ابن رشد يغفر الله لنا أولى لاحتياج المكلف إلى طلب الغفران لأنه إن هدى فيما يستقبل ولم يغفر له فيما تقدم من ذنبه بقيت التباعة

ويصلح بالكم، أو يغفر الله لنا ولكم. وروينا في "موطأ مالك" عنه عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: إذا عطس أحدكم فقيل له: يرحمك الله، يقول: يرحمنا الله وإياكم، ويغفر الله لنا ولكم. وكل هذا سُنَّة ليس فيه شيء واجب، قال أصحابنا: والتشميت وهو قوله: يرحمك الله، سُنَّة على الكفاية، لو قاله بعض الحاضرين أجزأ عنهم، ولكن الأفضل أن يقولَه كل واحد منهم لظاهر قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح الذي قدَّمناه: "كانَ حَقَّاً على كُل مُسْلِم سَمِعَهُ أنْ يَقُولُ لهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ" وهذا الذي ذكرناه من استحباب التشميت هو مذهبنا. واختلف أصحاب مالك في وجوبه، ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه فيها قال وإن جمع فيما إذا كان المشمت مسلماً أحسن واختاره ابن أبي جمرة فقال يجمع بين اللفظين فيكون أجمع للخير ويخرج من الخلاف ورجحه ابن دقيق العيد نقله العلقمي في شرح الجامع الصغير. قوله: (يغفر الله لنا ولكم) وجه استحباب تقديم الداعي نفسه إذا دعا وفيه أنه يأتي بضمير الجمع وإن كان المخاطب واحداً وتقدم حكمة تخصيص المخاطب بالدعاء في قوله: يهديكم الله ويصلح بالكم في كلام الكرماني وغيره. قوله: (والتشميت وهو قوله يرحمك الله سنة على الكفاية الخ) ووقع لابن الجزري في مفتاح الحصن أن تشميت العاطس سنة عين كالتسمية على الأكل وقد اعترضه في الحرز بأنه خالف مذهب إمامه الشافعي في المسألتين أي بكون التشميت والتسمية على الأكل سنتي عين فقد صرح النووي في شرح مسلم بأنهما سنتان على الكفاية إذا أتى بهما البعض سقط الطلب عن الباقين وإن كان الأفضل الإتيان بهما من الآكلين والحاضرين والله أعلم ولعله أراد بيان ما هو الأفضل وإن كان في كلامه بعد عن ذلك المحمل. قوله: (واختلف أصحاب مالك في وجوبه الخ) قال ابن القيم في حواشي السنن مقوياً لمن قال بالوجوب أنه جاء بلفظ الوجوب الصريح وبلفظ الحق الدال عليه وبلفظ على الظاهر فيه وبصيغة الأمر التي هي حقيقة فيه وبقول الصحابي: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:

فقال القاضي عبد الوهاب: هو سنة، ويجزيء تشميت واحد من الجماعة كمذهبنا، وقال ابن مزين: يلزم كل واحد منهم، واختاره ابن العربي المالكي. فصل: إذا لم يحمَد العاطس لا يُشَمَّتُ، للحديث المتقدم، وأقل الحمد والتشميت وجوابه أن يرفع صوتَه بحيث يُسمِع صاحبَه. ـــــــــــــــــــــــــــــ "ولا ريب أن الفقهاء أثبتوا وجوب أشياء كثيرة بدون مجموع هذه الأمور اهـ. وفي المرقاة التشميت عندنا أي الحنفية فرض كفاية اهـ. قوله: (قال القاضي عبد الوهاب هو سنة) وبه قال غيره من المالكية أنه ندب وإرشاد وليس بواجب. قوله: (وقال ابن مزين) كذا في نسخ الأذكار بالنون آخره بعد التحتية وهو كذلك في أصل مصحح من شرح مسلم للقاضي عياض لكن في نسخة من شرح مسلم للمصنف أنه ابن مريم والله أعلم ثم رأيت ابن فرحون قال في طبقات المالكية في الطبقة الرابعة أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم الأنصاري الأندلسي ثم الفرضي الفقيه المالكي عرف بابن مزين بالزاي المعجمة بعدها تحتية ثم نون يلقب بضياء الدين ثم ترجمه وذكر له اختصار الصحيحين وشرحاً على صحيح مسلم اهـ. ومزين بلفظ المصغر قال المصنف وهذا المذهب قال به الظاهرية أيضاً فأوجبوه على كل من سمعه لظاهر قوله -صلى الله عليه وسلم- فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته والقائلون بالاستحباب يحملون الحديث على الندب والأدب كقوله -صلى الله عليه وسلم-: "حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام" انتهى باختصار. قوله: (واختاره ابن العربي المالكي) هذا النقل من الشيخ لا يخالفه ما في شرح الجامع للعلقمي من حكايته ترجيح ابن العربي كابن رشد القول بأنه فرض كفاية كما قال به الحنفية وجمهور الحنابلة لأنه يحمل على أنه وقع عنده تردد في ذلك فتارة رجح هذا وتارة رجح الثاني وأنه رجح ما ذكره في شرح الجامع من حيث الدليل واختار ما نقله الشيخ هنا لما قام عنده مما يقتضيه والله أعلم. فصل قوله: (وإذا لم يحمد الله العاطس الخ) أي بل يكره تشميته حينئذٍ كما صرح به المصنف في فتاويه وتقدم في كلام المفهم وتردد الحافظ بينها وبين

فصل: إذا قال العاطس لفظاً آخر غير "الحمد الله" لم يستحق التشميت. روينا في سنن أبي داود والترمذي عن سالم بن عبيد الأشجعي الصحابي رضي الله تعالى عنه قال: "بينا نحن عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ عطس رجل من القوم، فقال: السلام عليكم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وعَلَيكَ وعلى أُمِّكَ"، ثم ـــــــــــــــــــــــــــــ الحرمة (قال بعض المتأخرين من المحدثين) خص من استحباب التشميت من لم يحمد الله كما ذكر وتقدم دليله والكافر فلا يشمت بالرحمة بل يقال يهديكم الله ويصلح بالكم والمزكوم إذا زاد على الثلاث بل يدعو له بالشفاء قيل ومن يكره التشميت فلا يشمت إجلالاً قال ابن دقيق العيد والذي عندي أنه لا يمتنع من ذلك إلا إن خاف من ضرره أما غيره فيستحب امتثالاً للأمر ومعارضة للمتكبر في مراده وكسراً لسورة الكبر في ذلك وهو أولى من إخلال التشميت قال الحافظ ابن حجر ويؤيده أن التشميت دعاء بالرحمة فناسب المسلم كائناً من كان، ومن عطس والإمام يخطب يوم الجمعة فالراجح عندنا استحباب تشميته كما علم مما تقدم في الفصول أول الكتاب ومن كان عند عطاسه في حال لا يطلب فيها ذكر الله تعالى كما إذا كان على الخلاء أو حال الجماع فيؤخر الحمد ثم يحمد فيشمت فلو خالف وحمد في تلك الحالة هل يستحق التشميت فيه نظر والله أعلم. فصل قوله: (روينا في سنن أبي داود والترمذي) قال في السلاح ورواه النسائي وابن حبان قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في مسنده ولفظ أبي داود والترمذي إذا عطس أحدكم فليقل الحمد الله رب العالمين وقال في آخره وليقل ويغفر الله لي ولكم بياء المتكلم في محل ضمير المتكلم ومعه غيره وقال الترمذي: هذا حديث اختلفوا في روايته عن منصور وقد أدخلوا بين هلال بن يسار وبين سالم رجلاً اهـ. وكذا قال في أسد الغابة روي عن هلال عن رجل عن سالم. قوله: (عن سالم بن عبيد) أي بالتصغير. قال في أسد الغابة هو من أهل الصفة سكن الكوفة قال في السلاح ليس لسالم في الكتب الستة سوى حديثين أحدهما هذا والثاني أغمي على النبي -صلى الله عليه وسلم- في مرضه رواه الترمذي في الشمائل وابن ماجه. قوله: (فقال السلام عليكم) قال ابن الملك: يجوز أنه ظن

قال: "إذا عَطَسَ أحَدُكُمْ فَلْيَحْمَدِ اللهَ تعالى"، فذكر بعض المحامد، وَلْيَقُلْ لهُ مَنْ عِنْدَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، وَلْيَرُدَّ -يعني عليهم- يَغْفِرُ اللَّهُ لَنا وَلَكُمْ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أن ذلك يقال بدل الحمد الله قال في المرقاة ويحتمل أنه من سبق اللسان كما يشاهد من غيره لكن رجح الأول حيث اعترض عليه فقال -صلى الله عليه وسلم-: "وعليك وعلى أمك" كذا في نسخ الأذكار بالواو في وعليك وهي محذوفة في السلاح وفي المرقاة عليك وعلى أمك بلا واو اهـ. قال بعضهم إنه لما جهل مشروعية الذكر المسنون شرعاً عند العطاس ذكر الأم لأن الإنسان إذا ربته أمه دون أبيه فإن الغالب عليه الجهل لأنهن ناقصات العقل والدين لم يعرفن تفصيل الآداب بخلاف الآباء فإنهم لمعاشرة العلماء لا يجهلون أمثال ذلك وقال التوربشتي نبه بقوله: وعلى أمك على بلاهته وبلاهة أمه وإنها كانت حمقة فصارا مفتقرين إلى السلام فيسلمان به من الآفات اهـ. وتعقب بأن تقدير السلام غير متعين في هذا المقام بل يجوز أن يكون التقدير عليك وعلى أمك من جهة عدم التعلم والإعلام وليس المراد رد السلام بل زجره عن هذا الكلام في غير المرام (قال بعضهم) سمع العارف أبو محمد المرجاني إنساناً عطس فقال: الله أكبر فقال له هذا بمنزلة من جعل الطراز على الذيل وما شمته. قال في المرقاة والظاهر أن من أتى بالسلام في هذه الحالة لا يستحق جواباً لأنه في غير محله المطلوب (فإن قلت) ما الفرق بين ما وقع بين الرجلين حيث اختلف الجوابان مع أن كلا منهما خالف السنة في الذكر المطلوب من العاطس (قلنا) الفرق ظاهر فإن الذي في حديث ابن عمر جاء بالذكر المطلوب وهو الحمد الله وزاد عليه السلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ظناً منه لطلبه أيضاً فأعلم بعدم طلبه هنا بخلاف الذي في حديث سالم فأنه وضع السلام المتعارف عند اللقاء مكان الحمد المطلوب حال العطاس ووقع للطيبي أنه قال: إن ما في حديث سالم لعله تكرر منه ذكر السلام في محل الحمد ولذا زجر أبلغ زجر وما في حديث ابن عمر ابتداء تعليم وإرشاد تعقبه في المرقاة بأنه يحتاج ذلك إلى نقل صريح وأنى به وليس بمعقول ولا في كتب السير منقول أنه -صلى الله عليه وسلم- نهى بعض أصحابه المؤمنين مراراً عن مثل هذا القول ويعود إلى المنهي عنه حتى يحتاج إلى الزجر ووقع للطيبي في هذا المقام أيضاً سوء أدب في التعبير في حق البشير النذير فاحذر من ذلك والله أعلم. قوله: (بعض المحامد) أي فليقل الحمد الله رب العالمين كما جاء عند الترمذي. قوله: (لنا ولكم)

فصل: إذا عطس في صلاته يستحب أن يقول: الحمد الله، ويسمع نفسه، هذا مذهبنا. ولأصحاب مالك ثلاثة أقوال. أحدها هذا، واختاره ابن العربي! والثاني: يحمَد في نفسه، والثالث قاله سحنون: لا يحمَد جهراً ولا في نفسه. ـــــــــــــــــــــــــــــ تقدم أنه عند الترمذي لي ولكم ولعل وجه الإفراد النظر إلى حال السائل وذلته ووجه الجمع النظر إلى عظم المسؤول ومنته فينبغي الاجتماع للتوجه إلى أبوابه لأن العادة عند قصد العظيم يكون بذلك والله أعلم وسبق جواز ذلك بضمير الإفراد وان كان بضمير الجمع أفضل لكونه وارداً والله أعلم. فصل قوله: (إذا عطس في صلاته يستحب أن يقول الحمد لله الخ) قال الأشخر في فتاويه قال الأصحاب ما لفظه يسن لمن عطس ولو في صلاته أن يحمد الله لكنه في الصلاة يسر به وشمل قولهم ولو في الصلاة من عطس أثناء قراءة الفاتحة فإن الحمد يسن له والحالة هذه وإن انقطعت به القراءة (فإن قلت) كان القياس إذا انقطعت ألا يندب الحمد لأنه يؤدي إلى قطع فرض لنفل (قلنا) لا محذور في ذلك فإنه في محل القراءة والإتيان بها مستأنفاً ممكن فاغتفر مثل هذا لتحصيل كل من المطلوبين أعني القراءة وحمد العاطس لأنه لو قلنا بعدم الحمد له لفاتت هذه السنة وبالجملة فالمحذور في منع قطع الفرض للنفل إنما هو في الأركان الفعلية وفيما ألحق بها كما هو مقرر في باب سجود السهو أما القولية فلا محذور في ذلك على أن قطع الفرض للنفل معهود في الجملة فمن ثم سن لمتيمم قدر على الماء في أثناء الصلاة التي يسقط فرضها بالتيمم أي والوقت متسع قطعها ليتوضأ (فإن قلت) إنما قطعها لفرض الوضوء (قلت) القطع سنة ومع ذلك طلب وإن كان الأصل في الواجبات حرمة الخروج منها هذا مع أن إتمام الفاتحة على من شرع فيها لا يقال: إنه واجب وإلا لحرم على من في أثنائها استئنافها بلا سبب ولا قائل به على الجديد من عدم إبطال تكرير الركن القولي اهـ كلامه. قوله: (هذا مذهبنا الخ) حكى المصنف في باب تحريم الكلام الصلاة من شرح مسلم أن الذي قلنا به من استحباب الحمد سراً قال به مالك وغيره وعن ابن عمر والنخعي وأحمد أنه يجهر به والأول أظهر اهـ.

فصل: السنَّة إذا جاءه العطاس أن يضع يده أو ثوبه أو نحو ذلك على فمه، وأن يخفض صوته. روينا في سنن أبي داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا عَطَسَ وضع يده أو ثوبه على فَمِه، وخفض أو غضَّ بها صوته -شك الراوي أي اللفظين قال- قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وروينا في كتاب ابن السني عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله عَز وَجَل يَكْرَهُ رَفْعَ الصَّوْتِ بالتَّثاؤبِ والعُطاسِ". وروينا فيه عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "التَّثاؤبُ الرَّفِيعُ وَالعَطْسَةُ الشَّدِيدَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل قوله: (السنة إذا جاءه العطاس أن يضع يده أو ثوبه أو نحو ذلك على فمه الخ) قال ابن العربي الحكمة فيه أنه لو بدر منه شيء آذى جليسه ولو لوى عنقه صيانة لجليسه لم يؤمن من الالتواء وقد شاهدنا من وقع له ذلك. قوله: (وأَن يخفض صوته فيه) قال ابن العربي أيضاً الحكمة في خفض الصوت به أن في رفع الصوت به إزعاجاً للأعضاء. قوله: (روينا في سنن أبي داود ألخ) وكذا رواه الحاكم في مستدركه كما في الجامع الصغير. قوله: (وخفض أو غض بها) أي بالعطسة والجار والمجرور متعلق بقوله (صوته) قال التوربشتي: في هذا الحديث نوع أدب بين الجلساء وذلك أن العاطس لا يأمن عند العطاس مما يكرهه الراءون من فضلات الدماغ اهـ. قوله: (شك الراوي أي اللفظين) أي في المكانين الأول قوله يده أو ثوبه والثاني قوله خفض أو غض والشك الأول عند كل من أبي داود والترمذي والثاني انفرد به أبو داود عن الترمذي قال أبو داود: شك يحيى يعني ابن سعيد الراوي عن محمد بن عجلان عن سمى عن صالح عن أبي هريرة والله أعلم. قوله: (إن الله يكره رفع الصوت بالتثاؤب والعطاس) ظاهر أن محل كراهة ذلك إذا كان بفعله واختياره أما إذا كان خلقياً لا قدرة له على تركه فظاهر أنه غير مكروه والله أعلم ثم هو هنا في الأصول التثاوب بالواو بعد الألف من غير همزة عليها وقد قدمنا ما في ذلك للمطرزي وغيره. قوله: (التثاؤب الرفيع الخ) أي المرفوع به الصوت وقد سبق وجه

مِنَ الشّيطَانِ". فصل: إذا تكرر العطاس من إنسان متتابعاً، فالسنة أن يشمِّته لكل مرة إلى أن يبلغَ ثلاث مرات. روينا في "صحيح مسلم" وسنن أبي داود والترمذي عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه "أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- ـــــــــــــــــــــــــــــ كون التثاؤب من الشيطان وكراهة الشارع له وأن المراد منه فعل ما ينشأ عنه التثاؤب من الشهوات والأطعمة الداعية له فإذا كان هو في أصله كذلك فإذا ضم إليه رفع الصوت به كان أكثر في ذلك وأما العطسة فبفتح العين وإسكان الطاء وبعدها سين مهملات واحده العطاس وجه كراهة شدتها ما تقدم من أنه يزعج البدن وربما يشوش على الجليس خصوصاً المتوجه لربه. فصل قوله: (إذا تكرر العطاس الخ) فإن جاوز الثلاث فلا يسن تشميته كما يأتي بما فيه. قوله: (روينا في صحيح مسلم وسنن أبي داود الترمذي الخ) قال الحافظ في فتح الباري الذي نسبه إلى أبي داود والترمذي من إعادة قوله للعاطس: يرحمك الله ليس في شيء من نسخهما كما سأبينه فقد أخرجه أبو عوانة وأبو نعيم في عمل يوم وليلة وابن حبان في صحيحه والبيهقي في الشعب كلهم من الوجه الذي أخرجه منه مسلم وألفاظهم متفاوتة وليس عند أحد منهم إعادة يرحمك الله في الحديث وكذا ما نسبه إلى أبي داود والترمذي أن عندهما ثم عطس الثانية أو الثالثة فيه نظر فإن لفظ أبي داود أن رجلاً عطس والباقي مثل سياق مسلم سواء إلا أنه لم يقل أخرى ولفظ الترمذي كما ذكره النووي إلى قوله ثم عطس فإنه ذكره بعده مثل أبي داود سواء وفي رواية أخرى للترمذي قال له في الثانية: أنت مزكوم وفي رواية له أيضاً قال له في الثالثة: أنت مزكوم وأكثر الروايات ليس فيها تعرض للثالثة ورجح الترمذي رواية من قال في الثالثة ووجدت الحديث من رواية يحيى القطان موافقاً لما ذكره النووي ورواه أحمد عن يحيى المذكور وفي روايتهما اختلاف شديد في لفظ الحديث والأكثر على ترك ذكر التشميت

وعَطَسَ عنده رجل، فقال له: "يَرْحَمُكَ الله، ثم عطس أخرى، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الرجُلُ مَزْكومٌ" هذا لفظ رواية مسلم. وأما رواية أبي داود والترمذي فقالا: قال سلمة: "عطس رجل عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا شاهد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد الأولى وعند ابن ماجه بلفظ يشمت العاطس ثلاثاً وما زاد فهو مزكوم فنقل الحديث كله مرفوعاً فأفاد تكرير التشميت ثلاثاً وهي رواية شاذة لمخالفة جميع أصحاب عكرمة الذي مدار الحديث عليه اهـ. قوله: (عطس الخ) جملة حالية من مفعول سمع وقوله (فقال يرحمك الله) قال الطيبي الظاهر أن يقال يقول له لأنه حال من النبي -صلى الله عليه وسلم- في الكشاف في قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ} تقول سمعت زيداً تكلم فتوقع الفعل عليه وتحذف المسموع وتجعله حالاً منه فأغناك عن ذكره فإذاً مقتضى السلام أن يقال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- شمته فقال: فلا إشكال حينئذٍ اهـ. وفي المطابقة بين ما فرعه بقوله فإذاً وبين كلام الكشاف ما لا يخفى. قوله: (ثم عطس أخرى فقال الرجل مزكوم) يحتمل أن يكون المراد من أخرى عطسة ثانية فقال -صلى الله عليه وسلم- إنه مزكوم وقال بعضهم بمقتضاه كما سيأتي نقل ابن العربي له في كلام المصنف ويحتمل أن المراد من الأخرى مرة أخرى فشمل الثالثة فيوافق ما سيأتي في الرواية الثانية والله أعلم. قوله: (هذا لفظ رواية مسلم) وهو كذلك عند أبي داود والترمذي وابن السني والله أعلم. قوله: (وأما أبو داود والترمذي فقالا الخ) الذي وقفت عليه في أصل مصحح من سنن أبي داود عن سلمة مثل ما رواه مسلم أن رجلاً عطس عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له يرحمك الله ثم عطس فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- الرجل مزكوم وكذا أخرجه الترمذي عن سلمة بهذا اللفظ من طريق عبد الله يعني ابن المبارك وقال ثم عطس الثانية فقال -صلى الله عليه وسلم-: "هذا رجل مزكوم" وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وأخرج الترمذي بعده عن سلمة أيضاً من طريق يحيى بن سعيد أي الذي روى هو وابن المبارك عن عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة عن أبيه نحوه إلا أنه قال له في الثالثة أنت مزكوم قال الترمذي: هذا أصح من حديث ابن المبارك وقد روى شعبة عن عكرمة بن عمار هذا الحديث نحو رواية يحيى بن سعيد ثم خرجها

"يَرْحَمُكَ الله"، ثم عطس الثانية أو الثالثة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يَرْحَمُكَ اللهُ، هَذا رَجل مَزْكُومٌ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وأما الذي رويناه في سنن أبي داود والترمذي ـــــــــــــــــــــــــــــ عن محمد بن جعفر عن شعبة عن عكرمة بهذا ولعل نسخ أبي داود مختلفة ففي نسخة الشيخ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك بعد أن شمته في المرات الثلاث أو أراد حديث الترمذي من طريق يحيى بن سعيد والله أعلم. قوله: (ثم عطس الثانية أو الثالثة الخ) أي أنه -صلى الله عليه وسلم- شمته في كل من المرات الثلاث. قوله: (وأما الذي رويناه في سنن أبي داود الخ) قال ابن القيم في الهدي هذا حديث فيه علتان إحداهما إرساله فإن عبيداً ليست له صحبة أي أخذ رواية فلا ينافي ما سيأتي والثانية أن فيه يزيد بن عبد الرحمن الدالاني وقد تكلم فيه وقال السيوطي في حواشي سنن أبي داود قال الحافظ ابن حجر الحديث مرسل فإن عبيد بن رفاعة ذكروه في الصحابة لكونه ولد في عهده -صلى الله عليه وسلم- وله رواية قال ابن السبكي: ولم يصح سماعه وقال البغوي: روايته مرسلة اهـ. ولو صح الحديث لحمل الأمر في قوله فشمته على الجواز المقابل للحرمة فلا يخالف ما جاء في تاريخ ابن عساكر إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه فإن زاد على ثلاثة فهو مزكوم فلا يشمت بعد ذلك أي لأن النهي فيه للتنزيه والله أعلم وهو عند أبي داود فإن ساق سنده إلى أبي هريرة وقال: لا أعلم إلا أنه رفعه وذكر قبله حديثاً بمعناه عن أبي هريرة مرفوعاً ثم قال في هذا الحديث إنه بمعنى ذلك الحديث فبين السيوطي في حاشيته عليه أن لفظه ما ذكر في تاريخ ابن عساكر ولذا عزا تخريجه في الجامع الصغير لأبي داود عن أبي هريرة أي مرفوعاً فإن الجامع الصغير لم يورد فيه سوى المرفوع والله أعلم (وبما ذكر) علم رد قول صاحب المرقاة بعد إيراد حديث عبييد بن رفاعة السابق المصرح فيه بالتخيير بين التشميت وتركه بعد الثلاث فقول النووي يستحب أن يدعى له لكن غير دعائه للعاطس وقع في غير محله إذ حاصل الحديث أي حديث سلمة أن التشميت واجب أو سنة مؤكدة على الخلاف في ثلاث مرات وما زاد فهو مخير بين السكوت وهو رخصة وبين التشميت وهو مستحب والله أعلم (ووجه رده)

عن عبيد الله بن رفاعة الصحابي رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يُشَمَّتُ العاطِسُ ثلاثاً، فإنْ زَادَ، فإن شِئْتَ فشمِّته، وإنْ شِئْتَ فلا" فهو حديث ضعيف، قال فيه الترمذي: حديث غريب، وإسناده مجهول. وروينا في كتاب ابن السني بإسناد فيه رجل لم أتحقق حاله وباقي إسناده صحيح عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا عَطَسَ أحَدُكُمْ فَلْيُشَمِّتْهُ جَلِيسُهُ، وإن زَاد على ثَلاَثةٍ فَهُوَ مَزْكُومٌ، وَلا يُشَمَّتُ بَعْدَ ثَلاثٍ". واختلف العلماء فيه، فقال ابن العربي المالكي: ـــــــــــــــــــــــــــــ ضعف ذلك الحديث وبفرض صحته فالجواز فيه صادق بالكراهة لأن معناه عدم الحرمة والله أعلم. قوله: (عن عبيد بن رفاعة) أي ابن رافع الزرقي الأنصاري قال في أسد الغابة سكن المدينة قيل إنه أدرك النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي صحبته اختلاف ثم أخرج فيها بسنده حديث الباب عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: يشمت العاطس ثلاثاً فإن شئت فشمته وإن شئت فكف: أي بعد الثلاث كما جاء عند أبي داود والترمذي فإن زاد فإن شئت فشمته وإن شئت فلا. وأخرج بسنده أيضاً عنه قال: دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعنده رجل من أصحابه ثم تكلم في صحة ذلك اهـ. وقد علمت مما تقدم في الكلام على علة الحديث أنه لم صح سماعه من النبي -صلى الله عليه وسلم- وإن ثبتت صحبته. قوله: (روينا في كتاب ابن السني الخ) سبق أنه عند أبي داود وفي الهدي في الباب حديث عن أبي هريرة يرفعه إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه وإن زاد على الثلاث فهو مزكوم ولا يشمته بعد الثلاث وهذا الحديث هو حديث أبي داود والذي قال فيه رواه أبو نعيم عن موسى بن قيس عن محمد بن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة وهو حديث حسن اهـ. وهذا الكلام الذي نقله عن أبي داود لم أجده في أبواب العطاس فلعله في غيره وعزو تخريجه الحديث لأبي داود سبق وجهه قريباً ولعل المصنف ترك تخريجه عن السنن لأبي داود لذلك وخرجه

قيل: يقال له في الثانية: إنك مزكوم، وقيل: يقال له في الثالثة، وقيل: في الرابعة، والأصح أنه في الثالثة. قال: والمعنى فيه أنك لست ممن يشمَّت بعد هذا، لأن هذا الذي بك زكام ومرض، لا خفة العطاس. فإن قيل: فإذا كان مرضاً، فكان ينبغي أن يدعى له ويشمت، لأنه أحق بالدعاء من غيره؟ فالجواب أنه يستحب أن يدعى له لكن غير دعاء العطاس المشروع، بل دعاء المسلم للمسلم بالعافية والسلامة ونحو ذلك، ولا يكون من باب التشميت. ـــــــــــــــــــــــــــــ من كتاب ابن السني لأنه فيه صريح معظم رواته من رجال الصحيح. قوله: (قيل يقال له في الثانية) أي أخذا برواية مسلم وغيره ممن سبق. قوله: (وقيل يقال في الثالثة) أخذا بحديث الترمذي من طريق يحيى بن سعيد وما في معناه لكن ظاهره أنه يشمته للثالثة ولقول مع التشميت إنك مزكوم ويدل له قولهم إنك لست ممن يشمت بعد فإن ذلك ظاهر في قرن هذا اللفظ مع التشميت. قوله: (فالجواب أنه يستحب أن يدعى له الخ) قال ابن القيم أي يدعى له كما يدعى للمريض ومن به داء أو وجع وأما سنة العطاس الذي يحبه الله وهو نعمة ويدل على خفة البدن وخروج الأبخرة المحتقنة فإنما يكون إلى تمام الثلاث وما زاد عليها يدعى لصاحبه بالعافية وقوله في الحديث الرجل مزكوم تنبيه على أن الدعاء له بالعافية لأن الزكمة علة وفيه اعتذار من ترك تشميته بعد الثلاث وفيه تنبيه على هذه العلة ليتداركها ولا يهملها فيصعب أمرها فكلامه -صلى الله عليه وسلم- كله حكمة ورحمة وعلم وهدى اهـ. وقوله: تنبيه على الدعاء له بالعافية يؤخذ منه استحباب قول: إنك مزكوم بعد الثلاث ليتنبه به العاطس على ما ذكر فيه والله أعلم ووقع في المرقاة هنا شيء مبني على قدمه من الاستحباب بعد الثلاث وهو خلاف صريح الأحاديث فاحذره.

فصل: إذا عطس ولم يحمد الله تعالى، فقد قدمنا أنه لا يشمَّت، وكذا لو حمِد الله تعالى ولم يسمعه الإنسان لا يشمِّته، فإن كانوا جماعة فسمعه بعضهم دون بعض، فالمختار أنه يشمته من سمعه دون غيره. وحكى ابن العربي خلافاً في تشميت الذين لم يسمعوا الحمد إذا سمعوا تشميت صاحبهم، فقيل: يشمته، لأنه عرف عطاسه وحمده بتشميت غيره، وقيل: لا، لأنه لم يسمعه. واعلم أنه إذا لم يحمد أصلاً يستحب لمن عنده أن يذكِّره الحمدَ، هذا هو المختار. وقد روينا في "معالم السنن" للخطابي نحوه عن الإِمام الجليل إبراهيم النخعي، وهو من باب النصيحة والأمر بالمعروف، والتعاون على البر والتقوى، ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل قوله: (فقيل يشمته لأنه عرف عطاسه وحمده) قلت: واستظهره ابن القيم في الهدى قال: إذ ليس القصد سماع المشمت للحمد إنما المقصود نفس حمده فمتى تحقق ترتب عليه التشميت كما لو كان المشمت أخرس ورأى حركة شفتيه بالحمد والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "فإن حمد الله فشمتوه فهذا هو الصواب اهـ. وفي تنظيره بالأخرس نظر أي نظر فإن ذلك إشارته لعجزه قائمة مقام عبارته ولا كذلك الناطق فاعتبر في حق المشمت سماع حمده حتى يشمته والله أعلم. قوله: (واعلم أنه إذا لم يحمد أصلاً يستحب لمن عنده أن يذكره الحمد هذا هو المختار) قلت: وقد ورد فيه حديث ضعيف فيه حصول نفع لفاعل ذلك المذكر به عند الطبراني بسند ضعيف عن علي رضي الله عنه مرفوعاً من بادر العاطس بالحمد عوفي من وجع الخاصرة ولم يشك ضرسه أبداً وأما حديث من سبق العاطس بالحمد أمن من الشوص واللوص والعلوص قال السخاوي في المقاصد الحسنة ذكره ابن الأثير في النهاية وهو ضعيف والشوص بفتح الشين المعجمة وجع الضرس وقيل وجع في البطن واللوص وجع الأذن وقيل وجع المخ والعلوص بكسر المهملة وفتح الكلام المشددة وسكون الواو بعدها صاد مهملة وجع في البطن من التخمة قال السخاوي وقد نظمه بعض أصحابنا فقال:

فصل: فيما إذا عطس يهودي

وقال ابن العربي: لا يفعل هذا، وزعم أنه جهل من فاعله، وأخطأ في زعمه، بل الصواب استحبابه لما ذكرناه، وبالله التوفيق. فصل: فيما إذا عطس يهودي روينا في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "كان اليهود يتعاطسون عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرجون أن يقول لهم: يرحمكم الله ـــــــــــــــــــــــــــــ من يبتديء عاطساً بالحمد يأمن من ... شوص ولوص وعلوص كذا وردا عنيت بالشوص داء الأذن ثم بما ... يليه داء البطن والضرس اتبع رشدا قوله: (وقال ابن العربي الخ) قال ابن القيم وظاهر السنة قول ابن العربي لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يشمت الذي لم يحمد وهذا تعزير له وحرمان لبركة الدعاء لما حرم نفسه بركة الحمد فنسي الله فصرف قلوب المؤمنين وألسنتهم عن تشميته والدعاء له ولو كان تذكيره سنة لكان النبي -صلى الله عليه وسلم- أولى بفعلها وتعليمها والإعانة عليها اهـ. وما استدل به من أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يذكر من لم يحمد يقال في جوابه ذلك الرجل كان كافراً كما سبق فلم يكن أهلاً لتذكير ما يستدعي دعاءه له -صلى الله عليه وسلم- ودعاء غيره من المؤمنين بالرحمة أما المؤمنون فكالبنيان بعضه بعضاً فلا بأس بالتذكير وإن ذكر وترك الحمد كان آية عدم توفيقه وحرمانه فظهر أن المختار ما قاله المصنف وأنه بالشريعة الشريفة أنسب لما فيه من التعاون على البر والتقوى والدعاء إلى ذكر المولى والله أعلم. فصل قوله: (فيما إذا عطس يهودي) ومثله النصراني فلو قال: إذا عطس كتابي كان أولى ليعمهما وكأن الاقتصار في الذكر على اليهودي لكونه محل النص وغيره مقيس عليه. قوله: (روينا في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما) أي فأخرجه النسائي وابن السني في عمل اليوم والليلة والحاكم في المستدرك. قوله: (يتعاطسون) أي يطلبون العطسة من أنفسهم. قوله: (يرجون أن يقول لهم يرحمكم الله) قال العاقولي: هذا من خبث اليهود حتى في طلب الرحمة أرادوا حصولها لا عن منة وانقياد اهـ. وقال الطيبي ولعل هؤلاء هم الذين عرفوه حق معرفته لكن منعهم عن الإسلام

فيقول: يهديكم الله ويُصْلِحُ بالَكُمْ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. فصل: روينا في "مسند ـــــــــــــــــــــــــــــ إما التقليد أو حب الرياسة وعرفوا أن ما هم فيه مذموم فتحروا أن يهديهم الله تعالى ويزيل عنهم ذلك ببركة دعائه اهـ. وتعقب بأنهم كانوا يرجون دعاءه بالرحمة لا بالهداية على ما سبق وإلا فدعاؤه بالهداية في وقع لجميع أمة الدعوة في قوله: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ودعوته -صلى الله عليه وسلم- مستجابة وتخلف من مات على كفره للسابقة بذلك قال تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} الآية اهـ. قوله: (فيقول يهديكم الله ويصلح بالكم) تعريض لهم بالإسلام أي اهتدوا وآمنوا يصلح الله بالكم اهـ. فصل قوله: (روينا الخ) قال السخاوي في المقاصد الحسنة حديث من حدث حديثاً فعطس عنده فهو حق. أبو يعلى من حديث بقية عن معاوية بن يحيى عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعاً وكذا أخرجه الطبراني والدارقطني في الأفراد بلفظ من حديث بحديث فعطس عنده فهو حق والبيهقي وقال إنه منكر عن أبي الزناد وقال غيره أنه باطل ولو كان سنده كالشمس ولكن قال النووي في فتاويه له أصل أصيل اهـ. وله شاهد عند الطبراني من حديث الخضر بن محمد بن شجاع عن غضيف بن سالم عن عمارة بن زادان عن ثابت عن أنس مرفوعاً أصدق الحديث ما عطس عنده وقال: لم يروه عن ثابت إلا عمارة تفرد به الخضر به معرفة الصحابة ومسند الديلمي كلاهما من جهة أبي رهم مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرفوعاً من سعادة المرء العطاس عند الدعاء اهـ. وقال السيوطي في اللآليء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة -بعد ذكر الحديث من تخريج ابن شاهين من حديث أبي هريرة من طريق بقية بن الوليد عن معاوية بن يحيى عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ونقل قول ابن الجوزي فيه إنه باطل تفرد به معاوية بن أبي يحيى وليس بشيء وتابعه عبد الله بن جعفر المديني بن علي عن أبي الزناد وعبد الله متروك- ما لفظه قلت أخرجه الحكيم الترمذي وأبو يعلي بن عدي والطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان من طريق معاوية وقال البيهقي معاوية بن يحيى هو

أبي يعلى الموصلي" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ حَدَّثَ حَدِيثاً فَعَطَسَ عِنْدَهُ فَهُوَ حَقٌّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو مطيع الاطرابلسي فيما زعم ابن عدي وهو منكر عن أبي الزناد وذكر السيوطي حديث الخضر بن محمد بن شجاع عند الطبراني السابق ثم قال: وقال الحكيم الترمذي بسنده إلى عطاء عن عطاء قال: العطسة الواحدة شاهد عدل والعطستان شاهدان وما زاد فبحساب ذلك وقال الترمذي أيضاً بسنده إلى أبي السمعي عنه إن مما يسعد به العطاس عند الدعاء وأسنده الترمذي الحكيم بسند فيه مبهم عن الرويهب السلمي مرفوعاً الفأل مرسل والعطاس شاهد قال الحكيم الترمذي أي أن هذه الأشياء مما يرسلها الله تعالى حتى يستقبلك كالبشير قال: والعطسة تنفس الروح وتحببه إلى الله تعالى وقد صح من حديث أبي هريرة مرفوعاً إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب وأخرج عن أنس بن مالك قال: عطس عثمان بن عفان عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث عطسات متواليات فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا عثمان ألا أبشرك هذا جبريل يخبرني عن الله تعالى قال: ما من مؤمن يعطس ثلاث عطسات متواليات إلا كان الإيمان في قلبه ثابتاً قال الحكيم الترمذي للروح كشف غطاء عن الملكوت وذكر هنالك وإذا تحرك لذلك تنفس وهو عطاسه فإذا كان ذلك الوقت كان وقت حق يحقق الحديث ويستجاب فيه الدعاء اهـ. قال الحافظ السيوطي وسئل النووي عن هذا الذي يقوله النّاس عند الحديث إذا عطس الإنسان أنه تصديق المحدث هل له أصل فأجاب: نعم له أصل أصيل روى أبو يعلى في مسنده بإسناد جيد حسن عن أبي هريرة إلى آخر ما ذكر هنا في الأذكار انتهى ما في اللآليء المصنوعة. قوله: (أبو يعلى الموصلي) بفتح الياء المثناة التحتية وإسكان العين المهملة وفتح اللام والموصلي بفتح الميم وكسر الصاد نسبة للموصل اسم بلدة كذا في نسخة ربيع الأبرار وتقويم البلدان وفي القاموس الموصل كمجلس دار أو أرض بين العراق والجزيرة. قوله: (فعطس عنده) بصيغة المعلوم أي عطس المتكلم عند إخباره والذهبي في الميزان ضبطه بالبناء للمجهول فيعم عطاس المتكلم وغيره قال الطاهر

كل إسناده ثقات متقنون إلا بقية ابن الوليد فمختلف فيه، وأكثر الحفاظ والأئمة يحتجون بروايته عن الشاميين، وقد روي هذا الحديث عن معاوية بن يحيى الشامي. فصل: إذا تثاءب، فالسُّنَّة أن يردَّه ما استطاع، للحديث الصحيح الذي قدمناه. والسُّنَّة أن يضع يده على فيه، لما رويناه في "صحيح مسلم" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا تَثَاءَبَ أحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بيَدِهِ على فَمِهِ، فإن الشيطانَ يَدْخُلُ". قلت: وسواء كان التثاؤب في الصلاة أو خارجها، يستحب وضع اليد على الفم، وإنما يكره للمصلي وضع يده على فمه في الصلاة إذا لم تكن حاجة كالتثاؤب وشبهه، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ الأهدل وهو الأشبه. قوله: (كل إسناده ثقات متقنون الخ) قد علمت مما تقدم في كلام البيهقي أن معاوية بن يحيى عن أبي الزناد منكر وقال غيره: باطل. قوله: (إلا بقية بن الوليد فمختلف فيه الخ) قال الذهبي في الجزء الذي ألفه فيمن تكلم فيه من رواة الستة بما لم يؤثر في قبول حديثه: بقية بن الوليد الحمصي من أوعية العلم خرج عنه الأئمة الأربعة مختلف في الاحتجاج به وبعضهم قبله على كثرة مناكيره إذا قال: ثنا أو أنا فهو ثقة قلت: خرج له في الشواهد اهـ. ويتحصل من جملة كلام المصنف هنا وفي فتاويه أن الحديث من جملة المقبول الشامل للصحيح والحسن والله أعلم. فصل قوله: (إذا تثاءب فالسنة أن يرده الخ) أي بأن يدفعه بإطباق فمه عند تمكنه منه فإن غلبه وضع يده على فيه وقال شيخ الإسلام زكريا في شرح البخاري قوله: إذا تثاءب أحدكم فليرده أي التثاؤب بأن يضع يده على فيه لئلا يبلغ الشيطان مراده من تشويه صورته ودخول فمه وضحكه منه اهـ. وينبغي حمل تفسير الرد بذلك على ما إذا لم يتمكن من دفع التثاؤب بإطباق الفم وإلا فهو أولى كما هو ظاهر لأنه أبلغ في إذهاب التثاؤب من أصله الذي هو محبوب للشيطان ثم

باب المدح

باب المدح اعلم أن مدح الإنسان والثناء عليه بجميل صفاته قد يكون في حضور الممدوح، وقد يكون بغير حضوره، فأما الذي في غير حضوره، فلا منع منه ـــــــــــــــــــــــــــــ رأيت الكرماني ذكر ذلك فقال لمجرده وذلك إما بتطبيق الشفتين لئلا يبلغ الشيطان مراده منه من الضحك عليه من تشويه صورته وقال بعد ذلك بيسير: الرد أي للتثاؤب يكون بوضع اليد على الفم كما يكون بتطبيق الشفة على الأخرى والوضع أسهل وأحسن قال ابن بطال ليس في الحديث أي حديث البخاري الوضع ولكن ثبت في بعض الروايات إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه اهـ. وقضية الأحسنية أفضلية الوضع على التطبيق وكأنه للنص عليه في هذا الحديث. باب المدح هو في اللغة باللسان على الجميل اختياريّاً كان أو غيره على جهة التعظيم وفي العرف ما يدل على اختصاص الممدوح بنوع من الفضائل والفواضل والحمد اللفظي في اللغة الثناء باللسان على الجميل الاختياري على جهة التعظيم وفي العرف فعل ينبيء عن تعظيم المنعم بسبب إنعامه فنسبة الحمد اللغوي مع كل من المدحين العموم المطلق لصدق الحمد اللغوي بالاختياري فقط وصدق المدحين بالاختياري وغيره ونسبة الحمد العرفي للمدح اللغوي العموم والخصوص الوجهي لاجتماعهما في الثناء باللسان على النعمة وانفراد الحمد العرفي بصدقه بالثناء بغير اللسان والمدح اللغوي بصدقه بالثناء على غير النعمة وقيل: بل المدح والحمد مترادفان قال الزمخشري في الكشاف المدح والحمد أخوان قال العلامة الثاني السعد التفتازاني في كتبه إنه يريد يكون اللفظين أخوين أن يكون بينهما اشتقاق كبير بأن يشتركا في الحروف الأصول من غير ترتيب كالحمد والمدح أو أكبر بأن يشتركا في أكثر الحروف الأصول فقط كالفلق والفلح والفلذ مع اتحاد في المعنى أو تناسب فمجرد كون المدح والحمد أخوين لا يدل على ترادفهما لكن سوق كلامه هنا وصريح كلامه في الفائق يدلان عليه اهـ. وعبارة الفائق الحمد هو المدح والوصف بالجميل. قوله: (والثناء عليه بجميل صفاته) عطف على مدح من عطف العام على الخاص. قوله: (في يكون في وجه الممدوح) أي بحضوره بدليل المقابلة أي بمحل يسمع فيه الثناء عليه

إلا أن يجازف المادح ويدخل في الكذب، فيحرم عليه بسبب الكذب لا لكونه مدحاً، ويستحب هذا المدح الذي لا كذب فيه إذا ترتب عليه مصلحة ولم يجرَّ إلى مفسدة بأن يبلغ الممدوح فيفتتن به، أو غير ذلك. وأما المدح في وجه الممدوح فقد جاءت فيه أحاديث تقتضي إباحته أو استحبابة، وأحاديث تقتضي المنع منه. قال العلماء: وطريق الجمع بين الأحاديث أن يقال: إن كان الممدوح عنده كمال إيمان، وحسن يقين، ورياضة ـــــــــــــــــــــــــــــ بحيث يقال ذكر بين يديه وهل مثله فيما يأتي مدحه في غيبته عند من يتحقق تبليغه له ذلك أولاً والأول أقرب نظراً للمعنى ثم رأيت قوله ولم يجر إلى مفسدة بأن يبلغ الممدوح الخ مصرحاً بما ذكرته فلله الحمد. قوله: (إلا أن يجازف المادح) الجزاف والجزاف المجهول مكيلاً كان أو موزوناً ومنه حديث لا تبتاعوا الطعام جزافاً هذا معناه بحسب اللغة والمراد منه هنا مجازفة القدر اللائق بجناب الممدوح من المدح بغلو أو كذب. قوله: (إذا ترتبت عليه مصلحة) بأن ينشط السامعين ذكر ذلك للإقبال على التحلي بما يتحلى به من الكمال وقال شيخ الإسلام زكريا في تحفة القاريء على صحيح البخاري في باب من أثنى على أخيه بما يعلم من غير مبالغة، في أثناء الكلام على قوله -صلى الله عليه وسلم- للصديق لما ذكر استرخاء إزاره لست منهم أي ممن يجره خيلاء: فيه جواز مدح الإنسان بما فيه من الفضل على وجه الإعلام ليقتدي به فيه اهـ. أو للتخلي عما كانوا فيه من سوء الأحوال والأفعال ومن ثم ذكر أصحابنا أنه لو ترتب على المدح مفسدة امتنع كأن ذكر ما ظهر من صورة محاسن ذي بدعة لئلا يؤدي ذكرها إلى ترويج بدعته والتدنس بسوء رزيته. قوله: (تقتضي إباحته) بأن لم يترتب على عدم ذكر الوصف الممدوح به مخل بكمال. قوله: (أو استحبابه) أي كما إذا ترتب عليه ذلك. قوله: (وأحاديث تقتضي المنع منه) أي على سبيل التحريم إن تحقق أو ظن ترتب المفسدة المذكورة في كلامه على المدح أو على سبيل التنزيه إن توهم ذلك أو شك فيه. قوله: (كمال إيمان الخ) أي ليمنعه ذلك

نفس، ومعرفة تامة، بحيث لا يفتتن، ولا يغتر بذلك، ولا تلعب به نفسه، فليس بحرام ولا مكروه، وإن خيف عليه شيء من هذه الأمور، ـــــــــــــــــــــــــــــ عن رؤية نفسه في صدر الممدوح به فلا تحصل له به فتنة فإن العبد إذا نور الله بصيرته وشهد ما يجب اعتقاده من أنه سبحانه وتعالى خالق أفعال العباد كلها كما قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} كان ذلك زاجراً له عن الإعجاب بتلك الطاعات والأوصاف المستحسنات وكيف يفخر بما ليس له بل إنما هو مظهر أبداه فيه مولاه وذلك التنوير يحصل بفضل الله تعالى للعبد عند رياضة نفسه بأمور التكاليف الشرعية وقيامه في مقام المجاهدة السنية قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} وهذا هو السالك المجذوب وقد تبغته الفيوض الربانية وتفجؤه الجذبات الروحانية ابتداء من غير جد وتعب وهو الذي شرف بمقام الجذب ثم تارة يرجع إلى مقام السلوك فيصير من أرباب الكمال إذ الذين يقتدي بهم السالك المجذوب والمجذوب السالك، وغيرهما من السالك غير المجذوب والمجذوب غير السالك لا يقتدي بهما بحال والله أعلم. قوله: (بحيث لا يفتتن) هذا بيان المعرفة التامة الحاصلة لذلك العبد المؤيد بالنور الإلهي الذي يجوز أن يمدح في وجهه وفتنته بثناء النّاس عليه لصالح العمل أن يركن لذلك في كون سبب عطبه وهذا فيمن هو موصوف بالحقيقة بما وصف به. قوله: (أو يغتر بذلك) بأن يغره ثناء النّاس عليه بوصف ليس هو قائماً به فتخيل له نفسه الخداعة وتغره بأن ذلك قائم به وأنه موصوف به ولذا مدح به قال بعض العارفين الغبي من ترك يقين ما عنده لظن ما عند النّاس وكان الصديق الأكبر رضي الله عنه يقول لما يمدح اللهم اجعلني كما يظنون واغفر لي ولهم ما لا يعلمون. قوله: (ولا تلعب به نفسه) فيعجب بما وصف به مما هو قائم به فيكون سبب هلكته ففي الحديث ثلاث منجيات وثلاث مهلكات إلى أن قال: وأما المهلكات فهوى متبع وشح مطاع وإعجاب المرء بنفسه وهي أشدهن وكان بعض أكابر الصالحين مقبلاً على العمل الصالح مع الدأب فيه فرأى إنساناً ينظر إليه فيعجب من مزيد اجتهاده فقال له: يا أخي لا يعجبك من أمري ما ترى فقد عبد إبليس ربه سبعين ألف عام فلم يفده ذلك يعني لا يكن نظرك إلي سبباً لإدخال العجب علي بما أنا فيه من العمل فإن العمل لا يوصل إلى الجنة بنفسه إنما يوصل إليها مجرد الفضل الإلهي والإحسان فالأعمال الصالحة

كره مدحه كراهة شديدة. فمن أحاديث المنع ما رويناه في "صحيح مسلم" عن المقداد رضي الله عنه "أن رجلاً جعل يمدح عثمان رضي الله عنه، فعمَد المقداد فجثا على ركبتيه فجعل يحثو في وجهه الحصباء، فقال له عثمان: ما شأنك؟ فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا رأيْتُمُ المَدَّاحِينَ فاحْثُوا في وجوهِهمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أمارات وليست مؤثرات فالاعتماد والركون لا يكون عليها إنما الاعتماد على مَنْ مَنَّ بها بفضله وإحسانه. قوله: (كره مدحه كراهة شديدة) يحتمل أن يكون وصف الكراهة بالشدة إشارة إلى الكراهة التحريمية ويحتمل أن يكون المراد المبالغة في الكراهة من غير انتهاء إلى التحريم وهذا الثاني أقرب لظاهر كلامه هنا ولو قيل بما سبق أول الباب من التفصيل لم يبعد والله أعلم. قوله: (فمن أحاديث المنع ما رويناه في صحيح مسلم الخ) هو فيه من رواية همام بن الحارث عن المقداد ورواه أبو داود في سننه عن همام بن الحارث قال جاء رجل الخ وأخرج الترمذي عن عبد الله بن سخبرة قال: قام رجل يثني على بعض الخلفاء فجعل المقداد يحثي عليه التراب. قوله: (فعمد المقداد) أي قصد ردع المادح عمداً. قوله: (فجثا على ركبتيه) أي جلس عليهما وفعل ذلك لأنه كان ضخماً كما في رواية فلا يتمكن من حسو التراب على ما يريد إلا بذلك. قوله: (فجعل يحثو في وجهه الحصباء) هو بالواو من الحثو عند جميع رواته قال المصنف في شرح مسلم في أواخر الكتاب قال أهل اللغة: يقال حثيت احثي حثياً وحثوت أحثو حثواً لغتان وقد جاءت كلمات لأماتها وأوتارة وياء أخرى جمعتها في مؤلف سميته "منهج من ألف فيما يرسم بالياء وبالألف" والحثو هو الحفن باليدين اهـ. والحصباء الحصى الصغار كما في النهاية والمراد به هنا ما كان قريباً من الرمل لأنه جاء في حديث الترمذي فجعل يحثو عليه التراب وفي حديث الباب أن المقداد استدل لفعله ذلك بأمره -صلى الله عليه وسلم- أن يحثو في وجوه المداحين التراب. قوله: (إذا رأيتم المداحين الخ) قال الديبع في تيسير الوصول المداحون هم الذين اتخذوا مدح النّاس عادة يستأكلون به الممدوح أما من مدح على الأمر الحسن أو الفعل المحمود ترغيباً له في امتثاله وتحريضاً للناس على الاقتداء به في أشباهه فليس بمداح وهذا الأمر بالحثو قد حمله على ظاهره

التُّرابَ". وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يثني على رجل ويُطريه في المِدْحة فقال: "أهْلَكْتُمْ أوْ قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ". قلت: قوله: يُطريه، بضم الياء وإسكان الطاء المهملة وكسر الراء وبعدها ياء مثناة تحت. والإطراء: المبالغة في المدح ومجاوزة الحد، وقيل: هو المدح. وروينا في "صحيحيهما" عن أبي بكرة ـــــــــــــــــــــــــــــ المقداد الذي هو راويه ووافقه طائفة وكانوا يحثون التراب في وجهه وقال آخرون: معناه خيبوهم ولا تعطوهم شيئاً لمدحهم وقيل إذا مدحتم فاذكروا أنكم من تراب فتواضعوا ولا تعجبوا قال المصنف في شرح مسلم: وهذا ضعيف اهـ. وقيل: المراد منه عيبوا المداح كما ذكره الربيع. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) رواه البخاري في الشهادات في الأدب وفي الرقائق ومسلم في آخر الكتاب. قوله: (يثني على رجل) أي يذكر أوصافه الجميلة. قوله: (ويطريه في المدحة) بكسر الميم أي جاوز الحد في مدحه وقول الشيخ فيما بعد: وقيل هو أي الإطراء المدح، تفسير له لا خصوص هذا الحديب كما يظهر إذ يبعده أنه بصير تقدير الخبر يمدح في المدحة وهو غير مراد. قوله: (أهلكتم الرجل أو قطعتم ظهره) شك من الراوي في اللفظ الصادر منه -صلى الله عليه وسلم- والمراد من الجملتين هنا معنى واحد قال شيخ الإسلام زكريا في حاشية البخاري قطعتم ظهره أي أهلكتموه استعارة من قطع العنق الذي هو القتل لاشتراكهما في الهلاك لكن هذا هلاك في الدين وذلك في الدنيا اهـ. قال المصنف في شرح مسلم وقد يكون في الدنيا لما يشتبه عليه من حاله بالإعجاب ثم قوله في الحديث أهلكتم الخ بضمير الجمع مع أن فاعل ذلك الثناء والإطراء واحد منهم إما لكسوتهم عن إنكار ذلك عليه فكأنهم فاعلوه فقال ذلك أو تكرر ذلك من أقوام وذكر أبو موسى ما رأى من فعل آخرهم وقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ما ذكره والله أعلم. قوله: (روينا في صحيحيهما الخ) ورواه أبو داود وقال في حديثه فقال له قطعت عنق صاحبك ثلاث مرات ورواه ابن ماجه وقال فيه كما عند الشيخين يقوله مراراً وباقيه عندهما بنحوه. قوله:

رضي الله عنه "أن رجلاً ذُكر عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فأثنى عليه رَجُلٌ خيراً، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ -يقوله مراراً- إن كانَ أحَدُكُمْ مادِحاً أخاه لا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أحْسِبُ كَذَا وَكَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (أن رجلاً ذكر عند النبي -صلى الله عليه وسلم-) ذكر فيه بصيغة المجهول. قوله: (فقال -صلى الله عليه وسلم- ويحك الخ) يحتمل أن سبب ذلك كون المادح جاوز في مدحته ودخل في الإطراء المنهي عنه لما فيه من الكذب كما سبق أول الباب ويحتمل أنه خشي على الممدوح أن يبلغه الثناء عليه فتحصل له به فتنة من عجب ونحوه والله أعلم، وويح كلمة ترحم وتوجع تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها كما سبق وأخرجه الشيخان في كتاب الشهادات وفي باب قول الرجل ويلك بلفظ فقال: ويلك وهو منصوب بمقدر من غير لفظه وهو في الأصل الحزن والمشقة من العذاب ويستعمل بمعنى التفجع والتعجب وهو هنا يصلح للأمرين كذا في تحفة القاري للشيخ زكريا. قوله: (يقوله مراراً) أخرجه البخاري هكذا في باب ما يكره من التمادح وأقل ما يصدق به ثلاث مرات وقد جاء مصرحاً به بلفظ ثلاث مرات عند البخاري في باب قول الرجل ويلك وكذا أخرجه أبو داود ووقع عند البخاري في آخر كتاب الشهادات فقال -صلى الله عليه وسلم-: "قطعت عنق صاحبك قطعت عنق صاحبك مراراً" قال الشيخ زكريا: ظاهره أنه قال الكلمتين مراراً فيصدق بأنه قال كلا منهما ست مرات بناء على أن أقل الجمع ثلاثة اهـ. قلت: بل ظاهر اللفظ أن التكرار مرة ثانية من كلام الراوي أراد ابتداء التكرار بقدر مرات تكراره -صلى الله عليه وسلم- فلما رأى طول ذلك اقتصر على الثانية وأشار إلى الكثرة بقوله مراراً فالذي يفيد الحديث حينئذٍ تكرار هذا المقال منه -صلى الله عليه وسلم- مراراً المحتمل للثلاث وما فوقها والله أعلم وبتقدير ثبوت ذلك فلا ينافي ما جاء من أنه قال ذلك ثلاثاً إما لأن ذكر الأقل لا ينفي الزائد وإما لاحتمال تعدد القصة والله أعلم. قوله: (لا محالة) هي بفتح الميم أي لا بد. قوله: (أحسب كذا وكذا الخ) أحسب بفتح السين أفصح من كسرها أي أظن وماضيه بكسرها فيهما ومصدره محسبة بفتح السين وكسرها وحسبان وأما

إن كانَ يَرَى أنَّهُ كَذَلِكَ، وحَسِيبُهُ اللهُ ولاَ يُزكي على اللَّهِ أحَداً". وأما أحاديث الإباحة فكثيرة لا تنحصر، لكن نشير إلى أطراف منها. فمنها قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح لأبي بكر رضي الله عنه: "ما ظَنُّكَ باثنينِ اللهُ ثالثهُما؟ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ حسبت بمعنى العدد فبفتح السين في الماضي وضمها في المضارع ومصدره حسب وحساب وحسابة وحسبان بالضم في الأخير كذا في تحفة القاري للشيخ زكريا. قوله: (إن كان الخ) أي يقول المادح أحسب كذا وكذا أي علم وكرم فلان إن كان المادح يرى أي يعلم أن الممدوح كذلك وإلا كان إطراء ومجاوزة للحد أو كذباً. قوله: (وحسيبه الله) أي محاسبه ربه على علمه وقيل معناه كافيه فهو فعيل بمعنى فاعل والمراد من علم ذلك ظنه كما يدل عليه قوله فليقل: أحسبه كذا الخ إذ القطع لا يعلمه إلا الله والجملة اعتراضية بين المتعاطفين تحريضاً على تحري الصدق والتثبت في ذلك. قوله: (ولا يزكي على الله أحداً) هكذا رواه البخاري في باب ما يكره من التمادح ورواه في آخر الشهادات ولا أزكي ويزكي بالبناء للفاعل وأحداً منصوب وفي نسخة من البخاري بالبناء للمفعول ورفع أحد والغرص من هذه الجملة منعه من الجزم بالتزكية على الله تعالى لأنه الذي يعلم السرائر ثم هم على رواية ولا أزكي معطوف على أحسب من جملة المقول أي فليقل: أحسب الخ ولا أزكي على الله أحداً أي لا أقطع له بعاقبة ولا بما في ضميره لأن ذلك مغيب عني وظاهر كلام الشيخ زكريا أنه كذلك على رواية التحتية لأنه أعرب جملة والله حسيبه معترضة بين المتعاطفين أي أحسب ولا يزكي والله أعلم. قوله: (وأما أحاديث الإباحة الخ) يوهم حصر أحاديث المنع فيما ذكر وهو غير مراد نعم أحاديث المنع أقل من أحاديث الإباحة ولم يعدل إلى الترجيح بالكثرة لأن محل العدول ما لم يمكن إعمال الدليلين وإلا فهو الأولى. قوله: (قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح الخ) أخرجه الشيخان والترمذي كما في جامع الأصول كلهم من حديث أبي بكر رضي الله عنه قال: نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رؤوسنا فقلت: يا رسول الله لو أن أحداً نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه فقال -صلى الله عليه وسلم-: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما اهـ. وقوله (الله ثالثهما) قال المصنف معناه ثالثهما بالنصر والمعونة والحفظ والتسديد وهو داخل في قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} وفيه بيان عظيم

وفي الحديث الآخر: "لَسْتَ مِنْهُمْ" أي لست من الذين يُسْبِلُون أُزُرَهم خُيَلاء. وفي الحديث الآخر: "يا أبا بَكْرٍ لا تَبْكِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ توكل النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى في هذا المقام وفيه فضيلة لأبي بكر رضي الله عنه وهي من أجل مناقبه والفضيلة من أوجه منها هذا الفضل ومنها بذل نفسه ومفارقة أهله وماله ورياسته في طاعة الله ورسوله وملازمة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعاداة النّاس فيه ومنها جعله نفسه وقاية عنه وغير ذلك اهـ. قوله: (وفي الحديث الآخر لست منهم الخ) أي وقوله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر رضي الله عنه هو حديث صحيح رواه البخاري وأبو داود والنسائي من حديث ابن عمر قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة" فقال أبو بكر: إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه فقال - صلى الله عليه وسلم -: "إنك لست تصنع ذلك خيلاء كذا في جامع الأصول وقال الربيع في التفسير بعد إيراده بهذا اللفظ أخرجه الخمسة إلا الترمذي ومراده بالخمسة الصحيحان والسنن غير سنن ابن ماجه ثم ظاهر إيراد الحديث عند من ذكر أنه بهذا اللفظ أي لست ممن يجر إزاره الخ وقضية تعبير المصنف أن لفظ الخبر لست منهم أي بضمير الجمع المذكر الغائب أورده كذا في كتاب الإيمان من شرح مسلم ولعله كذلك عند بعض رواته والله أعلم قال ابن النحوي في شرح البخاري في الحديث منقبة للصديق رضي الله عنه حيث شهد له الشارع بأنه ليس منهم قال الكرماني قال ابن قتيبة في كتاب المعارف كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه نحيفا أحني لا يستمسك إزاره يسترخي عن حقويه أقول لفظ أحني بالحاء المهملة وبالجيم يقال رجل أحنى الظهر بالمهملة أي في ظهره أحديداب ورجل أجنأ بالجيم مهموز أي أحدب الظهر ثم الاسترخاء يحتمل أن يكون من طرف القدم نظراً إلى الأحديداب ويحتمل أن يكون من اليمين أو الشمال نظراً إلى النحافة إذ الغالب أن النحيف لا يستمسك إزاره على السواء والله أعلم. قوله: (وفي الحديث الآخر) أي وقوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الآخر لأبي بكر أي عنه مخبراً بما له عنده من المرتبة وهو حديث صحيح رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري قال: خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- النّاس وقال: "إن الله تعالى خير عبداً

إن أمَنَّ النَّاس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر، ولَوْ كُنتُ مُتَّخِذاً مِنْ أُمَّتي خَلِيلاً لاتخَذْتُ أبا بَكْرِ خَلِيلاً". ـــــــــــــــــــــــــــــ بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله قال: فبكى أبو بكر فقلت في نفسي ما يبكي هذا الشيخ إن يكن الله خير عبداً بين الدنيا وبين عنده فاختار ما عنده فكان -صلى الله عليه وسلم- هو العبد وكان أبو بكر أعلمنا فقال -صلى الله عليه وسلم-: "يا أبا بكر لا تبك إن أمن النّاس علي في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام ومودته" والحديث قال المزي في الأطراف: أخرجه البخاري في كتاب الصلاة ومسلم في الفضائل والترمذي والنسائي في المناقب وقال الترمذي حسن صحيح. قوله: (إن أمن النّاس) بفتح الميم وتشديد النون أي أكثرهم جوداً بنفسه وماله بلا استثابة أي لا تعطي لتأخذ أكثر مما أعطيت فليس هو من السنن الذي يفسد الصنيعة فإنه لا منة عليه -صلى الله عليه وسلم- لأحد بل منته على جميع الخلق ووقع في نسخة من البخاري إن من أمن النّاس على الخ وعليها فتؤول لأجل رفع أبي بكر بأن من أمن صفة لمحذوف أي إن رجلاً من أمن النّاس أو يجعل اسم إن ضمير الشأن كما قيل به في حديث إن من أشد النّاس عذاباً يوم القيامة المصورون. قوله: (ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً) هكذا هو في رواية للبخاري وفي رواة أخرى ولو كنت متخذاً خليلاً وفي رواية لاتخذت أبا بكر بحذف خليلاً وفي أخرى يعني خليلاً والخليل فعيل بمعنى مفعول وهو كما قال الزمخشري المخال الذي يخالك أي يوافقك في خلالك أو يسايرك طريقك من الخل وهو الطريق في الرمل أو تسد خللك كما يسد خلله وقيل أصل الخلة الانقطاع فخليل الله المنقطع إليه والمعنى ها هنا لو كنت منقطعاً إلى غير الله لانقطعت إلا أبي بكر ولو اتسع قلبي لغير الله لاتسع له، وأما قول بعض الصحابة سمعت خليلي -صلى الله عليه وسلم- فانقطاع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك انقطاع إلى الله مع أن البعض هو الذي اتخذ النبي خليلاً لا أن النبي اتخذه خليلاً. ثم الحديث نظير حديث السيدة فاطمة حيث بكت لما أخبرها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقرب وفاته وأزال عنها أثر ذللك الحزن حيث بشرها بأنها سيدة نساء أهل الجنة فكذا الصديق لما حزن وبكى على ما فهمه من الإيذان بفراق المصطفى -صلى الله عليه وسلم- جبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- قلبه فكأنه قال:

وفي الحديث الآخر: "أرْجُو أنْ تَكُون مِنْهُمْ" أي من الذين يُدْعَون من جميع أبواب الجنة لدخولها. وفي الحديث الآخر: "ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرهُ بالجنَّةِ". ـــــــــــــــــــــــــــــ "لا تبك يا أبا بكر وأعلمه بما يسر به بقوله إن أمن النّاس على الخ" وهذا مما فتح الله علي به ولم أجده لأحد وهو واضح جلي والله أعلم. قوله: (وفي الحديث الآخر) أي وقوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الآخر لأبي بكر وهو حديث صحيح رواه البخاري ومسلم والترمذي واقتصر المصنف على قوله (وأرجو أن تكون منهم) ولم يقل: يا أبا بكر وعند البخاري بزيادة ذلك والحديث عند جميع من ذكر من حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعى من أبواب يعني أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعى من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعى من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعى من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دعى من باب الصيام باب الريان" فقال أبو بكر ما على الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة وهل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله فقال: نعم وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر قال المصنف في شرح مسلم وفي الحديث منقبة لأبي بكر رضي الله عنه جواز الثناء على الإنسان إذا لم يخف منه إعجاب اهـ. قال السيوطي في التوشيح الرجاء من الله ومن نبيه واقع، ثم إن أبواب الجنة ثمانية وعد في الحديث أعمال أربعة منها وبقي منها باب الحج ولم يرد فيه حديث وباب للمتوكلين وهو باب الأيمن وباب للكاظمين الغيظ وفيه حديث عند أحمد وباب للذكر أو العلم ففي الترمذي ما يوميء إليه اهـ. قوله: (وفي الحديث الآخر ائذن له وبشره بالجنة) أي ومن أحاديث الإباحة بالشرط السابق قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الطويل في قصة بئر أريس لما جعل أبو موسى الأشعري نفسه ملازماً للباب وفي رواية للترمذي أنه بأمره -صلى الله عليه وسلم- وجمع بينهما المصنف باحتمال أنه أمره أولاً بذلك لكونه -صلى الله عليه وسلم- كان يقضي حاجة الإنسان ويتوضأ ثم حفظ الباب أبو موسى من تلقاء نفسه قال: فجاء أبو بكر فدفع الباب فقال أبو موسى: من هذا فقال أبو بكر فقلت: على رسلك ثم ذهبت فقلت: يا رسول الله أبو بكر يستأذن فقال: ائذن له وبشره بالجنة فأقبلت حتى قلت لأبي بكر ادخل ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبشرك بالجنة ووقع مثله لعمر وعثمان رضي الله عنهما الحديث

وفي الحديث الآخر: "اثْبُتْ أُحُدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ رواه البخاري ومسلم والترمذي من حديث أبي موسى وفي بعض طرقه أن كلاًّ منهم قال حين بشر الحمد الله وقال عثمان الحمد الله والله المستعان وفي الحديث منقبة لمن ذكر فيه حيث بشروا بالجنة ولعثمان بزيادة الابتلاء ووقع كما أخبر -صلى الله عليه وسلم- وفيه معجزة له -صلى الله عليه وسلم-. وفي ترتيب الشيخ الأحاديث المذكورة في فضل الصديق تلميح إلى أن ترتبها في الخارج كذلك فإن داعي الخير سابقة الفضل والإعانة من الله سبحانه المدلول على ذلك بقوله ما ظنك باثنين الله ثالثهما ومن كانت له هذه المكانة من فضل ربه يحفظ من سائر المخالفات ومنها الخيلاء كما قال -صلى الله عليه وسلم- لست منهم أي من أرباب الخيلاء والتخلي من الرذائل والتحلي بالفضائل سبب لحلول الفيوض الإلهية والتجليات الربانية على القلب فيصير الإنسان من أرباب الإلهام والتحديث فيفهم ما لا يفهمه غيره من إشارات الخطاب ومنه ما في الحديث الثالث ولما كان منه ما كان من الحزن على فقد المصطفى وغلبه الحال حتى بكى جبر -صلى الله عليه وسلم- قلبه وبشره بما يسر له من قوله إن من أمن النّاس على الخ أي أسرعهم إجابة بنفسه وماله لداعي الله وهو الرسول ففيه الإيماء إلى أن من بادر لطاعة الرسول فقد بادر لطاعة مولاه وذلك سبب خيره في عاجله وعقباه ومن خير العقبى حلول الجنان خصوصاً مع مزيد الإكرام بأن يدعى من كل أبوابهما الثمان ويخير في الدخول من أيها شاء تنويها بشأنه وإعلاماً بعلى قدره ومكانه والله أعلم. قوله: (وفي الحديث الآخر) أي ومن أحاديث إباحة المدح بشرطه قوله لأحد لما رجف رجفة سرور وطرب بمن عليه وذلك بأن جعل الله فيه من الإدراك ما أدرك به كمال من عليه ويدل لذلك ظاهر قوله -صلى الله عليه وسلم- أحد جبل يحبنا ونحبه فلما رجف أحد وكان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر وعثمان قال: اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان والحديث رواه البخاري وأبو داود والترمذي من حديث أنس وفي رواية فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد وفي الحديث فضل عظيم لمن ذكر فيه. قوله: (أثبت أحد) أي يا أحد وهو الجبل المعروف بالمدينة.

فإنَّما عَلَيكَ نَبِيٌّ وَصِدَّيقٌ وَشَهِيدَانِ". وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "دَخَلْتُ الجَنَّةَ فَرَأيْتُ قَصْراً، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ قالوا: لِعُمَرَ، فأرَدْتُ أنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (فإنما عليك نبي الخ) حكمة هذه الجملة تبيين أن هزة أحد ليست من جنس رجفة الجبل بقوم موسى لما حرفوا الكلم لأن تلك رجفة غضب وهذه طرب كذا في تحفة القاري قال وفي نسخة وصديق بالواو في محل أو وفي أخرى وشهيد بالإفراد والمراد منه ما جاء في الثانية شهيدان قال: وصح تفسيره بهما لأن فعيلاً يستوي فيه المفرد والمثنى والجمع قال الكرماني فإن قلت وصديق بالواو وشهيد بالألف قلت: تغيير الأسلوب للإشعار بمغايرة حالهما لأن النبوة والصدق حاصلتان حينئذٍ بخلاف الشهادة والأولان حقيقة والثالث مجاز وفي بعضها بلفظ أو فيهما قيل أو بمعنى الواو اهـ. وفي ذكر هذا الحديث وما قبله بين الأحاديث التي في فضل الصديق والتي في فضل عمر لأنه جامع لفضلهما منوه بعلو شأنهما ففي الأول أنهم من أهل الجنة وفي الثاني الإخبار بشأن الصديق من الصديقية التي هي أعلى المراتب بعد وصف النبوة وبما لعمر من حوز الشهادة التي هي من أسنى أسباب السعادة وفي الحديث معجزة له -صلى الله عليه وسلم- فقد وقع لهم كما ذكر -صلى الله عليه وسلم- توفي عمر وعثمان شهيدا والصديق صديقاً حميداً. قوله: (وقال -صلى الله عليه وسلم- الخ) ينبغي أن يقدر قبله حرف مصدري ينسبك معه الفعل بالقول ليحصل التناسب بين المتعاطفات أو أنه أتى به كذلك لأن قوله في معنى ما قال أي دليل الإباحة ما قال مما تقدم في فضل الصديق وما قال -صلى الله عليه وسلم- مما يذكر في فضل عمر رضي الله عنه رأيتني دخلت الجنة ورأيت قصراً بفنائه جارية فقلت: لمن هذا فقيل لعمر فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرتك فقال: بأبي وأمي يا رسول الله أعليك أغار أخرجه مسلم من حديث جابر وأخرجه البخاري من حديثه أيضاً بنحوه وفيه زيادة أنه رأى في الجنة الرميصاء وبلالاً وعند البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة وفي آخره قال أبو هريرة فبكى عمر ونحن جميعاً في المجلس مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال عمر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أعليك أغار وأخرجه الترمذي من حديث أنس وليس فيه قوله فأردت أن أدخل الخ وأخرجه أيضاً من حديث بريدة بطول وفيه ذكر رؤيته لبلال في الجنة. قوله: (فرأيت فيها قصراً) من ذهب كما في حديث بريدة

فائدة

أدْخُلَهُ، فَذَكرْتُ غَيْرَتَكَ، فقال عمر رضي الله عنه: بأبي وأمي يا رسول الله، أعليك أغار؟ ". وفي الحديث الآخر: "يا عمر ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجِّك". ـــــــــــــــــــــــــــــ عند الترمذي قال: فأتيت على قصر مربع مشرف من ذهب الحديث. قوله: (غيرتك) هو بفتح الغين المعجمة مصدر غار الرجل على أهله غيرة وفي شرح الرسالة القشيرية للشيخ زكريا المغيرة هي سقوط الاحتمال وضيق الصدر عن الصبر وهي إن لم تكن في مباح مذمومة ولذا قال -صلى الله عليه وسلم- "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وإن كانت في مباح فهي ممدوحة ومطلوبة" اهـ. قوله: (بأبي وأمي) أي أنت مفدي بهما. قوله: (أعليك أغار) قال الكرماني (إن قيل) القياس أن يقال: أمنك أو بك أغار عليها (قلت) لفظ عليك ليس متعلقاً بقوله أغار بل معناه مستعلياً عليك أغار عليها مع أن القياس في ذلك ممنوع أي لأن المدار فيه على اتباع الرواية ولا محذور فيه اهـ. وقال الشيخ زكريا في تحفة القاري والحافظ السيوطي في التوشيح زاد عبد العزيز الحربي في فوائده وهل رفعني الله إلا بك وهل هداني إلا بك اهـ. قال ابن العز الحجازي وبكاء عمر محتمل أن يكون سروراً ويحتمل أن يكون تشوقاً وخشوعاً. قوله: (وفي الحديث الآخر) بفتح الخاء المعجمة أي ومن أحاديث الإباحة ما قاله -صلى الله عليه وسلم- في فضل عمر رضي الله عنه ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك أخرجه البخاري ومسلم من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعاً وأخرجه مسلم من حديث أبي هريرة. قوله: (فجاً) هو بفتح الفاء وتشديد الجيم أي طريقاً واسعاً. قوله: (إلا سلك فجاً غير فجك) قال المصنف هو على ظاهر وأن الشيطان يهرب إذا رآه وقال عياض: هو على ضرب المثل وأن عمر فارق سبل الشيطان وسلك طرق السداد فخالف فجه فج الشيطان "وفي التوشيح للسيوطي". فائدة وقع السؤال في هذه الأيام عن هذا الحديث مع حديث تفلت الشيطان على النبي -صلى الله عليه وسلم- ليقطع صلاته وهو أعظم وأجل وأجيب بأجوبة أقواها إن وقوع هذا التفلت له -صلى الله عليه وسلم- مرة مع الإمكان من قهره

وفي الحديث الآخر: "افْتَحْ لِعُثْمَانَ وَبَشِّرْهُ بالجَنَّةِ". وفي الحديث الآخر قال لعلي: "أنْتَ مِنِّي وأنا مِنْكَ". وفي الحديث الآخر قال لعلي: "أما تَرْضَى أنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وأسره لا يقتضي انحطاطاً بل فيه أعظم العلو وهو الإمكان منه مع أن من المعلوم حراسته -صلى الله عليه وسلم- من الشيطان بل حراسة السماء من الشياطين بسببه من يوم مولده وذلك أبلغ وأعظم من هروب الشيطان من عمر اهـ. قوله: (وفي الحديث الآخر الخ) أي ومن أحاديث الإباحة ما قال -صلى الله عليه وسلم-: افتح لعثمان قلت الذي عند الترمذي في حديث أبي موسى الأشعري في بعض طريقه أنه لما استأذن عليه -صلى الله عليه وسلم- في كل من الثلاثة قال افتح له ولعل الشيخ رواه بالمعنى وأحل الاسم الظاهر المراد في محل الضمير الثابت في الرواية أو أنه جاء ذلك في بعض طرقه والله أعلم والحديث سبق الكلام عليه فيما فيه مدح الصديق رضي الله عنه. قوله: (أنت مني وأنا منك) هذا حديث صحيح رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم فقال قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعلي: "أنت مني الخ" أي كل منا متصل بالآخر قرباً وعلماً فمن هذه تسمى الاتصالية. فائدة هذا الحديث من مناقب علي رضي الله عنه قال السيوط في التوشيح قال أحمد والنسائي وغيرهما لم يقع في أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر مما جاء في علي وكان السببب في ذلك أنه تأخر ووقع الاختلاف في زمانه وكثر محاربوه والخارجون عليه فكان ذلك سبباً لانتشار مناقبه لكثرة من كان يرويها من الصحابة ردّاً على من خالفه وإلا فالثلاثة لهم من المناقب ما يوازيه ويزيد عليه. قوله: (وفي الحديث الآخر الخ) هو حديث صحيح رواه البخاري ومسلم والترمذي من حديث سعد ابن أبي وقاص أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خلف علي بن أبي طالب في غزوة تبوك فقال: يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان فقال: أما ترضى الخ وعند من ذكر في رواية أخرى زيادة في آخره غير أنه لا نبي بعدي. قوله: (أما ترضى الخ) استدل به الرافضة على استحقاق علي للخلافة دون غيره من الصحابة فإن هارون كان خليفة موسى لما ذهب إلى الميقات وأجيب بأنه لم يكن خليفة بعد موته كما تبين بل في حياته وكذا علي فإن سببب قوله ذلك ما ذكره من تخليفه في غزوة تبوك له في أهله وإنما خصه هنا

وفي الحديث الآخر قال لبلال: "سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ في الجَنَّةِ". وفي الحديث الآخر قال لأُبي بن كعب: "لِيَهْنَأكَ العِلمُ أبا المُنْذِرِ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بهذه الخلافة لمكان القرابة فكان استخلافه في الأهل أقوى من غيره ففيه الدليل على فضله بل باقي قرابته -صلى الله عليه وسلم-. قوله: (وفي الحديث الآخر قال لبلال الخ) سبق تخريجه فيما ورد في مدح عمر رضي الله عنه وهو عند الشيخين بهذا اللفظ أخرجه البخاري في مناقب بلال معلقاً بصيغة الجزم فقال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة" وأسنده في باب فضل الطهور بالليل والنهار من حديث أبي هريرة ولفظه أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لبلال عند صلاة الفجر: "يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دف نعليك في الجنة" قال: ما عملت عملاً أرجى عندي من أني لم أتطهر طهراً في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب أن أصلي وهو عند مسلم من حديث أبي هريرة أيضاً كما يؤخذ من جامع الأصول وفي رواية لهما سمعت الليلة حشف نعليك بين يدي في الجنة والحديث من حديث أبي هريرة. قوله: (سمعت) أي في المنام كذا في التوشيح للسيوطي وقال الشيخ زكريا في تحفة القاري لأنه لا يدخلها أحد في اليقظة وإن كان المشهور أنه -صلى الله عليه وسلم- دخلها ليلة الإسراء يقظة إلا أن بلالاً لم يدخلها اهـ. قوله: (دف نعليك) الدف بفتح الدال المهملة وتشديد الفاء أي تحريكهما وقال آخرون صوت مشيك وهو الحركة أيضاً وفي الحديث فضل بلال واستحباب الصلاة عقب الطهارة وقد جاء عند أحمد ما أحدثت إلا توضأت وصليت فقال -صلى الله عليه وسلم- بهذا. قوله: (وفي الحديث الآخر) هو حديث صحيح رواه مسلم وأبو داود من حديث أبي بن كعب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم" قلت: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] "فضرب في صدري وقال: ليهنك العلم أبا المنذر، وفي رواية أبي داود قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أبا المنذر أي آية معك من كتاب الله أعظم قلت: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255]. قوله: (ليهنك العلم أبا المنذر) قال

وفي الحديث الآخر قال لعبد الله بن سلام: "أنْتَ على الإسلامِ حتى تَمُوتَ". وفي الحديث الآخر قال للأنصاري: "ضَحِكَ اللهُ عَز وَجَل، أوْ عَجبَ مِنْ فَعالِكُمَا". وفي الحديث الآخر قال للأنصار: ـــــــــــــــــــــــــــــ المصنف: فيه منقبة عظيمة لأبي المنذر ودليل على كثرة علمه وفيه تبجيل العالم فضلاء أصحابه وتكنيتهم وجواز مدح الإنسان في وجهه إذا كان فيه مصلحة ولم يخف إعجاب أو نحوه لكمال نفسه ورسوخه في التقوى. قوله: (وفي الحديث الآخر قال لعبد الله بن سلام) هو بفتح السين المهملة وتخفيف اللام سبقت ترجمته والحديث المذكور صحيح رواه الشيخان من حديث قيس بن عبادة وهو حديث طويل فيه منام رآه عبد الله بن سلام وذكره للنبي -صلى الله عليه وسلم- يعبره له وقال في آخره وتلك العروة عروة الوثقى وأنت على الإسلام حتى تموت وفي رواية لمسلم ولن تزال متمسكاً بها حتى تموت. قوله: (وفي الحديث الآخر قال للأنصاري رضي الله عنه الخ) سبق تخريجه في كتاب أذكار الطعام في باب من أكرم ضيفه. قوله: (ضحك الله أو عجيب) كنايتان عن الرضا وتقدم فيه في ذلك مزيد كلام. قوله: (من فعالكما) قال في البارع الفعال بالفتح اسم الفعل كالجود والكرم وفي التهذيب الفعال بالفتح فعل الواحد في الخير خاصة يقال هو كريم الفعال وفي يستعمل في الشرر والفعال بالكسر إذا كان الفعل بين اثنين يعني أنه مصدر فاعل كقاتل قتالاً كذا في التوشيح. قوله: (قال للأنصار الخ) الحديث صحيح رواه البخاري من حديث لأنس والأنصار اسم إسلامي لنصرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإنما كانوا يعرفون بأولاد قيلة وبالأوس والخزرج كما تقدم في أوائل كتاب الجهاد وفي شرح البخاري لابن النحوي لما وفد النعمان بن بشير مع قومه من الأنصار على معاوية قال للحاجب استأذن للأنصار فقال عمرو بن العاص ما هذا اللقب اخرج فناد من كان هنا من ولد عمرو بن عامر فليدخل فدخل ناس قليل ثم قال: اخرج فناد من كان هنا من أولاد قيلة أو من الأوس والخزرج فليدخل فلم يدخل أحد فقال معاوية: اخرج فقل ليدخل الأنصار فدخلوا يقدمهم النعمان يقول: يا عمرو لا تعد الدعاء فما لنا ... نسب نجيب به سوى الأنصار

"أَنتمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إلي". وفي الحديث الآخر قال لأشج عبد القيس: "إن فيكَ خَصْلَتَينِ يُحِبُّهُما الله تعالى وَرَسُولُهُ: الحُلْمُ وَالأناةُ". وكل هذه الأحاديث التي أشرت إليها في الصحيح مشهورة، فلهذا لم أُضفها، ونظائر ما ذكرناه من مدحه -صلى الله عليه وسلم- في الوجه كثيرة. وأما مدح الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والأئمة الذين يقتدى بهم رضي الله عنهم أجمعين فأكثر من أن تحصر، والله أعلم. قال أبو حامد الغزالي في آخر "كتاب الزكاة" من "الإحياء": إذا تصدَّق إنسان بصدقة، فينبغي للآخذ منه أن ينظر، فإن كان الدافع ممن يحب الشكر عليها ونشرها فينبغي للآخذ أن يخفيَها لأن قضاء حقه أن لا ينصره على الظلم، وطلبه الشكر ظلم، وإن ـــــــــــــــــــــــــــــ نسب تخيره الإله لصحبه ... اثقل به نسباً على الكفار إن الذي يغزو ببدر منكمو ... يوم القليب همو وقود النار ذكره أبو الفرج الأموي اهـ. قوله: (أنتم من أحب النّاس إلي) كرر ذلك مرتين في حديث أنس قال الشيخ زكريا هو حكم على المجموع أي مجموعكم أحب إلي من مجموع غيركم فلا ينافي قوله في جواب من قال له من أحب النّاس إليك قال أبو بكر اهـ. قوله: (وفي الحديث الآخر قال لأشج عبد القيس) هو حديث صحيح مروي في الصحيحين من حديث ابن عباس وأشج عبد القيس اسمه المنذر بن عائذ بالذال المعجمة القصري هذا هو الصحيح الذي قاله ابن عبد البر والأكثرون أو الكثيرون وقال الكلبي المنذر بن الحارث بن زياد بن عصر بن عوف وقيل اسمه المنذر بن عامر وقيل المنذر بن عبيد وقيل اسمه عائذ بن المنذر وقيل عبد الله بن عوف كذا في شرح مسلم للمصنف. قوله: (الحلم) هو العقل (والأناة) قال في القاموس الأناة كقناة الحلم والوقار وقال المصنف هو التثبت وترك العجلة وهي مقصورة. قوله: (فينبغي للآخذ أن يخفيها) أي معاملة له بنقيض قصده لينصره على نفسه من ظلمها له وطلبها ما فيه هلاكه من الظلم. قوله: (وإن

علم من حاله أنه لا يحب الشكر ولا يقصده فينبغي أن يشكرَه ويظهر صدقته. وقال سفيان الثوري رحمه الله: من عرف نفسه لم يضره مدح النّاس. قال أبو حامد الغزالي بعد أن ذكر ما سبق في أول الباب: فدقائق هذه المعاني ينبغي أن يلحظها من يراعي قلبه، فإن أعمال الجوارح مع إهمال هذه الدقائق ضحكة للشيطان لكثرة التعب وقلة النفع، ومثل هذا العلم هذا الذي يقال: إن تعلُّمَ مسألةٍ منه أفضلُ من عبادة سنة، ـــــــــــــــــــــــــــــ علم من حاله أنه لا يحب الشكر الخ) أي وذلك لحديث لا يشكر الله من لا يشكر النّاس وخرج من عمومه القسم الأول لما ذكر فيه. قوله: (من عرف نفسه الخ) أي من نور الله بصيرته فعرفه نفسه وأوصافها من الذلة والفقر والضعف والعجز لم يضره مدح النّاس فيوقعه في إعجاب ونحوه لأنه يعلم أنه عاجز ضعيف لا يقدر على جلب محمدة ولا رفع مذمة وإن ما أثنى به عليه من الله فضلاً ومنه فيكون سبباً لزيادة رجوعه إلى ربه وخروجه عن نفسه والله أعلم. قوله: (فدقائق هذه المعاني) أي خشية العجب والفتنة والسلامة من ذلك ينبغي للمادح أن يتأمل فيها وينظر بعين بصيرته حال الممدوح فيها فيعامله بما يليق به. قوله: (ومثل هذا العلم هو الذي يقال الخ) "قال الأستاذ الكبير أبو الحسن الشاذلي" من لم يدخل في طريقنا هذه مات وهو مصر على الكبائر لأن القوم رضي الله عنهم لما رزقهم الله من نور اليقين عرفوا معايب النفس وغرورها فاحترزوا من ذلك وأخذوا أنفسهم بالجد والإخلاص في الطاعة ففازوا بما فازوا به نفع الله بهم. قال عمي الشيخ العارف بالله تعالى أحمد بن علان البكري الصديقي النقشبندي سلمه الله تعالى: ليس هذا الكلام من الشيخ أبي الحسن على سبيل المبالغة بل هو على حقيقته لأن من لم يهذب نفسه بما ذكروه لا يؤمن عليه أن يطرقه العجب في عمله ويخشى عليه الهلاك بذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث منجيات وثلاث مهلكات" إلى أن قال وأما المهلكات فهوى متبع وشح مطاع وإعجاب المرء بنفسه وهي أشدهن، ثم قال العم: فيا أخي فأي عامل يعمل ويسلم من العجب الذي هو من المهلكات بل هو أشدهن إلا من عصمه الله ومن

باب مدح الإنسان نفسه وذكر محاسنه

إذ بهذا العلم تحيا عبادة العمر، وبالجهل به تموت عبادة العمر وتتعطل، وبالله التوفيق. باب مدح الإنسان نفسه وذكر محاسنه قال الله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32] اعلم أن ذِكْر محاسن نفسه ضربان: مذموم؟ ومحبوب، فالمذموم أن يذكره للافتخار وإظهار الارتفاع والتميز على الأقران وشبه ذلك، والمحبوب أن يكون فيه مصلحة دينية، وذلك بأن يكون آمراً بمعروف، أو ناهياً عن منكر، أو ناصحاً، أو مشيراً ـــــــــــــــــــــــــــــ درب نفسه بما ذكروه فحفظه الله والله أعلم. قوله: (إذ بهذا العلم تحيا عبادة العمر) فيصير للعمل اليسير منه ما ليس لغيره من كثير العمل لحياة قلبه ومزيد معرفته بربه وضده بضده والله أعلم. باب مدح الإنسان نفسه وذكر محاسنه قوله: (قال تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32] قال أبو حيان في النهر لا تنسبوها إلى زكاة العمل والطهارة عن المعاصي ولا تثنوا عليها واهضموها فقد علم الله منكم الزكي والتقي اهـ. ويعلم مما يأتي أن النهي مخصوص بما إذا قصد به الفخار ولم تترتب على التزكية مصلحة شرعية تقصد. قوله: (مذموم) أي وتتفاوت مراتبه بتفاوت مراتب القصد. قوله: (فالمذموم أن يذكره للافتخار الخ) وهو إنما يصدر عمن لم تنفتح عين بصيرته إذ كيف يفتخر بالعمل الصالح مثلاً وهو ليس له حقيقة إذ الكل الله ملكاً وإيجاداً وإنما الإنسان مظهر لتلك الأحوال فالمنة الله الملك المتعال قال تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} وقوله: (وإظهار الارتفاع) هو كالعطف التفسيري إذ الفخر ادعاء الشرف والعظم والكبر كما في النهاية وفيه تنبيه على أن ما يبديه المفتخر من إظهار الارتفاع والتميز ليس وصفاً له بالحقيقة إنما هو بحسب ادعائه وتسويل نفسه له ذلك. قوله: (وشبه ذلك) بكسر الشين المعجمة أي ما شابهه وحاكاه من المقاصد المذمومة. قوله: (والمحبوب فيه) أي المدح (أن يكون فيه) أي ذكر محاسنه (مصلحة دينية الخ) ثم محل كون ما ذكر محبوباً ألا يشينه بأن يقصد مع ذلك شيئاً من المذموم من

بمصلحة، أو معلماً، أو مؤدِّباً، أو واعظاً، أو مُذَكِّراً، أو مصلحاً بين اثنين، أو يدفع عن نفسه شراً، أو نحو ذلك، فيذكر محاسنه ناوياً بذلك أن يكون هذا أقرب إلى قبول قوله واعتماد ما يذكره، أو أن هذا الكلام الذي أقوله لا تجدونه عند غيري فاحتفظوا به، أو نحو ذلك، وفي جاء في هذا المعنى ما لا يحصى من النصوص، كقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنا النبيُّ لا كذِبْ". ـــــــــــــــــــــــــــــ إعجاب ونحوه كما هو ظاهر فذلك يفسده ويصيره مبغوضاً بعد أن كان محبوباً. قوله: (أو مؤدباً) بتشديد الدال المهملة المكسورة بعدها موحدة أي يعلم الآداب أي الأخلاق المحمودة. قوله: (أو واعظاً الخ) قال السيوطي في رسالته التي في التحذير من القصاص الوعظ تخويف يرق له القلب والتذكير تعريف الخلق نعم الله عليهم وحثهم على شكره وتحذيرهم من مخالفته اهـ. قوله: (ناوياً بذلك أن يكون هذا أقرب إلى قبول قوله) أي يمدح نفسه حال كونه ناوياً بذلك المدح أن يكون أقرب إلى قبول قوله) فيكون أدخل في حصول ما موله من امتثال المعروف الذي يأمر به وقبول نصحه واجتناب المنكر الذي ينهى عنه. قوله: (واعتماد ما يذكره) أي وأقرب إلى اعتماد المتعلم والمؤدب ما يذكر له فاعتماد مصدر مضاف لمفعوله. قوله: (أو أن هذا الكلام) معطوف على قوله محاسنه أي يذكر محاسنه بقصد كون كلامه أقرب إلى القبول والاعتماد أو يقول أن هذا الكلام الخ بقصد نصيحة الطالب ليعتني به ولذا فرع عليه قوله فاحتفظوا به وهذا يقع من الكبار كثيراً كقول المصنف في مدح هذا الكتاب أنه لا يستغني عنه طالب الآخرة ونحوه فالقصد بهذا الكلام بذل النصيحة لأهل الإسلام لا الافتخار. قوله: (كقول النبي -صلى الله عليه وسلم- أنا النبي لا كذب) سبق تخريجه والكلام على ما يتعلق به في كتاب الجهاد ومناسبته للباب أن في ذكره تثبيتاً للمؤمنين الذين معه أي أنا النبي الموعود بالنصر العزيز ووعد الله لا يخلف

"أنا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ". ـــــــــــــــــــــــــــــ فأثبتوا أيها المؤمنون فإن الله تعالى يقول: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} وجاء في الحديث عند الطبراني من حديث أبي سعيد زيادة في آخره (أنا أعرب العرب ولدتني قريش ونشأت في بني سعد بن بكر فإنى يأتيني اللحن) ذكره في الجامع الصغير. قوله: (أنا سيد ولد آوم) هذا حديث ثان وهو مبتدأ حديث أخرجه مسلم وأبو داود من حديث أبي هريرة أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع، وأخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث أبي سعيد الخدري بلفظ أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من بني يومئذٍ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر قال المصنف في شرح مسلم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة الخ قال الهروي: السيد هو الذي يفوق قومه في الخير وقال غيره: هو الذي يفزع إليه في النوائب والشدائد فيقوم بأمرهم ويتحمل عنهم مكارههم ويدفعها عنهم، وأما قوله يوم القيامة مع أنه سيدهم في الدنيا والآخرة فسبب التقييد أن في يوم القيامة يظهر سودده لكل أحد ولا يبقى منازع ولا معاند بخلاف الدنيا فقد نازعه فيها ملوك الكفار وزعماء المشركين وهذا التقييد قريب من معنى قوله تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} مع أن الملك له سبحانه قبل ذلك وبعده لكن كان في الدنيا من يدعي الملك أو يضاف إليه مجازاً فانقطع كل ذلك في الآخرة، قلت: وإنما قال سيد ولد آدم ولم يقل سيد آدم تأدباً معه لأبوته ولأنه إذا فضل على أولاده ومنهم إبراهيم الأفضل من آدم ثبت فضله على آدم والله أعلم قال العلماء

"أنا أوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأرْضُ". "أنا أعْلَمُكُمْ بالله وأتْقاكُمْ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: أنا سيد ولد آدم لم يقله فخراً بل صرح بنفي الفخر في الحديث المشهور أنا سيد ولد آدم ولا فخر وإنما قاله لوجهين أحدهما امتثال قوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} والثاني أنه من البيان الذي يجب عليه تبليغه إلى أمته ليعرفوه ويعتقدوه ويعملوا بمقتضاه ويوقروه -صلى الله عليه وسلم- بمقتضى مرتبته كما أمرهم الله تعالى وقيل: المراد لا أقوله على سبيل الادعاء الذي هو معنى الفخر بل هو أمر حقيقي جعله الله لنبيه وشرفه به على سائر الرسل وإليه أشار في النهاية وقيل: لا أقوله مفتخراً به بل فخري بالعبودية والافتقار إليه سبحانه إذ تلك أشرف الأوصاف -صلى الله عليه وسلم- قال المصنف: وفي هذا الحديث تفضيل له على الخلق كلهم لأن مذهب أهل السنة أن نوع البشر أفضل من الملائكة وهو -صلى الله عليه وسلم- أفضل جميع البشر لهذا الحديث وغيره وأما الحديث الآخر: لا تفضلوا بين الأنبياء فجوابه من خمسة أوجه أحدها أنه -صلى الله عليه وسلم- قاله قبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم فلما علم أخبر به قلت: واعترض بأنه بعيد فإن راوي الحديث أبا هريرة متأخر الإسلام إلى عام خيبر ويبعد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يطلع على تفضيله إلا حينئذٍ وقد يجاب بأنه يحتمل أن أبا هريرة سمعه من غيره ممن سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد قاله قبل والله أعلم والثاني قاله أدباً وتواضعاً والثالث أن النهي إنما هو عن تفضيل يؤدي إلى تنقيص المفضول والرابع إنما نهي عن تفضيل يفضي إلى الخصومة والفتنة كما هو المشهور في سبب الحديث والخامس أن النهي مختص بالتفضيل في نفس النبوة فلا تفاضل فيها وإنما التفاضل بالخصائص وفضائل أخرى ولا بد من اعتقاد التفضيل قد قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} اهـ. قوله: (أنا أول من تنشق عنه الأرض) جاء من جملة الحديث قبله وجاء أول حديث آخر أورده في الجامع الصغير من حديث ابن عمر مرفوعاً أنا أول من تنشق عنه الأرض ثم أبو بكر ثم عمر ثم آتى أهل البقيع فيحشرون معي ثم أنتظر أهل مكة رواه الترمذي والحاكم في المستدرك. قوله: (أنا أعلمكم بالله وأتقاكم له) حديث صحيح روى من طرق بألفاظ منها عند الشيخين من حديث أنس عن الثلاثة الواصلين لا زواجه -صلى الله عليه وسلم- للسؤال عن عبادته فتقالوها

"إني أبِيْتُ عِنْدَ رَبي". وأشباهه كثيرة، وقال يوسف -صلى الله عليه وسلم-: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55] ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي آخر الحديث فجاء -صلى الله عليه وسلم- إليهم فقال: "أنتم قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له" ومنها عندهما أيضاً من حديث عائشة صنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئاً فرخص فيه فتنزه عنه قوم فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فخطب فحمد الله ثم قال: ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه فوالله إني لأعلمهم بالله وأشهدهم له خشية. قوله: (إني أبيت عند ربي الخ) حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وفي بعض طرقه إني أظل وأخرجه الترمذي إني لست كأحدكم إن ربي يطعمني ويسقيني أشار بقوله إني أبيت الخ إلى وجه الفرق بينه وبين الأمة في حل مواصلة الصوم له - صلى الله عليه وسلم - وتحريمها عليهم بأنه تعالى يفيض عليه ما يسد مسد طعامه وشرابه إذا صام فلا يحس بجوع ولا عطش ويقويه على الطعام ويحرسه من ضعف القوى وكلال الحواس وأنشد في هذا المعنى: لها أحاديث من ذكراك يشغلها ... عن الشراب ويلهيها عن الزاد لها بوجهك نور يستضاء به .... ومن حديثك في أعقابها حادي أو أنه يطعمه ويسقيه حقيقة من الجنة قال المصنف الصحيح الأول إذ لو أكل حقيقة لم يكن مواصلاً اهـ. قال الشيخ زكريا في تحفة القاري وقد يقال: طعام الجنة ليس كطعام الدنيا فلا يقطع الوصل وقد حررت ما يتعلق بطعام الجنة المستعمل في الدنيا وفرقت بيين ما يجري على استعماله أحكام التكليف وبين ما لا يجري عليه ذلك في الباب الثالث من درر القلائد فيما يتعلق بزمزم وسقاية العباس من الفوائد. قوله: (وقال يوسف عليه الصلاة والسلام اجعلني على خزائن الأرض الخ) قال أبو حيان في النهر: اجعلني أي ولني على خزائن الأرض أي خزائن أرضك إني حفيظ أحفظ ما استحفظه عليم بوجوه التصرف وصف نفسه بالأمانة والكفاية وهما مقصود الملوك ممن يولونه إذ هما يعمان وجوه التشقيف

وقال شعيب -صلى الله عليه وسلم-: {إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [القصص: 27] وقال عثمان رضي الله عنه حين حصر ما رويناه في "صحيح البخاري" أنه قال: ألستم تعلمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ والحياطة ولا خلل معهما لعامل وجاء حفيظ بصيغة المبالغة وهو مقصوده ولمناسبة قوله عليم اهـ. قال السيوطي في الأكليل واستدل بالآية على جواز طلب الولاية كالقضاء ونحوه لمن وثق من نفسه بالقيام بحقوقه وجواز التولية عن الكافر والظالم. قوله: (وقال شعيب صلى الله على نبينا وعليه وعلى سائر النبيين والمرسلين وسلم ستجدني إن شاء الله من الصالحين) قال في النهر ستجدني إن شاء الله ذا وعد صادق مقرون بالمشيئة من الصالحين في حسن المعاملة ووطأة الحق اهـ. وفي الآيتين ثناء الإنسان على نفسه للحاجة إلى ذلك كما هو واضح. قوله: (وقال عثمان رضي الله عنه حين حصر) بالحاء المضمومة والصاد المكسورة وحروفه مهملات من الحصر وكان ذلك في عام أربعين من الهجرة وكان مدة حصره قيل أربعين يوماً وقيل: خمسين وقد سبق بيان ذلك في باب أذكار الوضوء وسبب حصره ما جرى من تزوير مروان بن الحكم عليه وإرساله رسولاً لأهل مصر في قتال محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما ومن معه إذا قدموا إليه فوقع الكتاب في يد محمد بن أبي بكر رضي الله عنهما فعاد من الطريق إلى المدينة فحلف عثمان رضي الله عنه أنه لم يأمر به ولم يرسله وصدق رضي الله عنه فهو أجل قدراً وأنبل ذكراً وأورع وأرفع من أن يجري مثل ذلك على لسانه أو يده أو يكون له خائنة الأعين أو الألسن فلما حلف لهم طلبوا منه أن يسلمهم مروان فأبى عليهم فطلبوا منه أن يخلع نفسه فأبى عليهم لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان قائلاً له: يا عثمان إنه لعل الله أن يلبسك قميصاً فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه فلما أبى عليهم من ذلك اجتمع نفر من أهل مصر والكوفة: والبصرة وساروا إليه فأغلق بابه دونهم فحاصروه عشرين أو أربعين يوماً وكان معه في الدار نحو ستمائة إنسان فطلبوا منه الخروج للقتال فكره ذلك وقال: إنما المطلوب نفسي وسأقي المسلمين بها فتسوروا إليه عن دار أبي حزم الأنصاري فقتلوه والمصحف بين يديه ووقع بشيء من ذمه عليه وكان ذلك يوم الجمعة ثاني عشر ذي الحجة سنة أربعين وكان يذكر لهم في أثناء مدة حصرهم له

"مَنْ جهَّزَ جَيشَ العُسْرَةِ فَلَهُ الجَنَّةُ؟ فجهزتُهم، ألستم تعلمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: مَنْ حَفَرَ بِئْرَ رُومَةَ فَلَهُ الجَنَّةُ، فحفرتُها؟ فصدَّقوه بما قال". وروينا في "صحيحيهما" عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال حين شكاه أهل الكوفة: إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقالوا: لا يُحْسِنُ يصلِّي، فقال سعد: والله إني لأول رجل من العرب رمى بسهم في سبيل الله تعالى، ـــــــــــــــــــــــــــــ ماله من الفضائل الجليلة والمآثر العديدة الجميلة وقصده بذلك أن ينقذهم مما هم فيه من المنكر ويدفع عن نفسه الضرر فلم يؤثر فيهم ذلك ليقضي الله أمراً كان مفعولاً وهذا الحديث أخرجه البخاري والترمذي والنسائي واللفظ الذي ساقه المصنف للبخاري وهو عندهم من حديث أبي عبد الرحمن السلمي قال واللفظ للبخاري وأن عثمان لما حوصر أشرف عليهم فقال: أنشدكم الله ولا أنشد إلا أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ألستم تعلمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من جهز جيش العسرة فله الجنة" فجهزتهم ألستم تعلمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من حفر بئر رومة فله الجنة" فحفرتها قال: وصدقوه بما قال. قوله: (من جهز جيش العسرة) التجهيز تهيئة الأسباب والمراد من العسرة وهي بالمهملتين ضد اليسرة غزوة تبوك سميت بذلك لأنها كانت في زمن شدة الحر وجدب البلاء وإلى شقة بعيدة وعدد كثير فجهز عثمان سبعمائة وخمسين بعيراً وخمسين فرساً وقيل غير ذلك وجاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بألف دينار. وقوله: (من حفر بئر رومة) هي بضم الراء وسكون الواو لما دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة لم يكن بها ماء عذب غير بئر رومة فقال: من اشترى بئر رومة أو قال: من حفرها فله الجنة فحفرها واشتراها بعشرين ألف درهم وسبلها على المسلمين ذكره الكرماني وغيره. قوله: (وروينا في صحيحيهما) أخرجاه عن قيس قال: سمعت سعداً يقول فذكره ورواه الترمذي. قوله: (حين شكاه أهل الكوفة: ) سبب شكواه أنه كان قواماً بالحق صالحاً لا تأخذه فيه ملامة وذلك صعب إلا على من ساعدته العناية وفي الحديث ما ترك الحق لعمر صديقاً. قوله: (فوالله إني لأول رجل من العرب رمي بسهم) قال الكرماني: وذلك أنه كان في سرية عبيدة بضم المهملة وفتح الموحدة ابن الحارث بن المطلب بن

ولقد كنا نغزو مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذكر تمام الحديث. وروينا في "صحيح مسلم" عن علي رضي الله عنه قال: "والذي فلق الحبة وبرأ النَّسَمة، ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد مناف بن قصي القرشي المطلبي كان أسن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعشر سنين بعثه -صلى الله عليه وسلم- في ستين راكباً من المهاجرين وفيهم سعد وعقد له اللواء وهو أول لواء عقده رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فالتقى عبيدة وأبو سفيان الأموي وكان أول قتال جرى في الإسلام وأول من رمى السهم هو سعد وفيه قال: ألا هل جاء رسول الله إني .. حميت صحابتي بصدور نبلي فما يعتد رام من بعد ... بسهم من رسول الله قبلي قوله: (ولقد كنا نغزو مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذكر تمام الحديث) هو قوله وما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى أن أحدنا ليضع كما يضع البعير أو الشاة ما له خلط ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الإسلام لقد خبت إذاً وضل سعي وقوله: إن أحدنا ليضع أي عند قضاء الحاجة فيخرج منه مثل ما يخرج الشاة والإبل أي من البعر ليبسه وعدم الغذاء المألوف وقوله ما له خلط أي لا يختلط بعض الخارج ببعض لجفافه وقوله: تعزرني بزاي مشددة فراء مهملة أي بأني لا أحسن الصلاة وقوله خبت من الخيبة وهي الحرمان أي إن كنت لا أحسنها فأحتاج إلى تعليمهم فقد ضل عملي فيما مضى حاشاه من ذلك ووجه ذكره لما ذكر في دفع ما رمى به من عدم إحسان الصلاة أن هذه السابقة في الإسلام والمآثر الحميدة تأبى ما نسبوه إليه وترد كذب من كذب عليه. قوله: (وروينا في صحيح مسلم) وكذا رواه الترمذي والنسائي عن زر بن حبيش عن علي كذا في جامع الأصول. قوله: (والذي فلق الحبة) قال المصنف معناه شقها بالنبات. قوله: (وبرأ النسمة) هو بالهمز أي خلق النسمة وهي بفتح النون والسين المهملة الإنسان وقيل النفس وحكى الأزهري أن النسمة هي النفس وأن كل دابة في جوفها روح فهي

إنه لعهد النبي -صلى الله عليه وسلم- إليّ أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق". قلت: برأ مهموز معناه: خلق، والنسمة: النَّفْس. وروينا في "صحيحيهما" عن أبي وائل قال: خطبنا ابن مسعود رضي الله عنه فقال: "والله لقد أخذت من في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بضعاً وسبعين سورة، ولقد علم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أني من أعلمهم بكتاب الله تعالى، وما أنا بخيرهم، ولو أعلم أن أحداً أعلم مني لرحلت إليه". ـــــــــــــــــــــــــــــ نسمة اهـ. قوله: (إنه لعهد النبي -صلى الله عليه وسلم- الخ) أي لأن من عرف قرب علي رضي الله عنه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحبه -صلى الله عليه وسلم- له وما كان له من نصرة الإسلام وسوابقه فيه أحبه ثم كان ذلك من دلائل صحة إيمانه وصدقه في إسلامه بظهور الإسلام والقيام بما يرضي الله سبحانه ونبيه -صلى الله عليه وسلم- ومن أبغضه فكان بضد ذلك واستدل على نفاقه وفساد سريرته والله أعلم. قوله: (وروينا في صحيحهما) ورواه النسائي كلهم عن أبي وائل وهو شقيق بن سلمة واللفظ له ورووه عن مسروق ولفظه قال عبد الله: والله الذي لا إله غيره ما نزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين نزلت ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيمن أنزلت ولو أعلم أحداً أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه كذا في جامع الأصول. قوله: (ولقد علم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أني من أعلمهم بكتاب الله الخ) وقع في النسخة التي شرح عليها المصنف من مسلم أني لأعلمهم بحذف "من" قال المصنف في الحديث جواز ذكر الإنسان نفسه بالفضيلة والعلم ونحوه للحاجة والنهي عن تزكية النفس إنما هو لمن زكاها ومدحها لا لحاجة بل للفخر والإعجاب وقد كثر تزكية النفس من الأماثل عند الحاجة كدفع شر عنه بذلك أو تحصيل مصلحة أو ترغيب في أخذ العلم عنه أو نحو ذلك فمن المصلحة قول يوسف عليه السلام اجعلني على خزائن الأرض أني حفيظ عليم ومن دفع الشر قول عثمان وقت حصاره ومن الترغيب قول ابن مسعود هذا وقول سهل بن سعد ما بقي أحد أعلم بذلك مني وقول ابن عباس على الخبير سقطت وفي الحديث استحباب الرحلة في طلب العلم والذهاب إلى الفضلاء حيث كانوا وفي

وروينا في "صحيح مسلم" عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن البدنة إذا أزحفت فقال: على الخبير سقطتَ -يعني نفسه .... وذكر تمام الحديث. ونظائر هذا كثيرة لا تنحصر، وكلها محمولة على ما ذكرنا، وبالله التوفيق. ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث أنهم لم ينكروا دعوى ابن مسعود المذكورة عليه أي أنه أعلمهم أي بكتاب الله كما صرح به فلا يلزم منه أن يكون أعلم من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم بالسنة ولا يلزم من ذلك أيضاً أن يكون أفضل منهم عند الله فقد يكون واحد أعلم بباب آخر من العلم أو بنوع والآخر أعلم من حيث الجملة وقد يكون واحد أعلم من آخر وذلك أفضل عند الله تعالى بزيادة تقواه وخشيته وورعه وزهده وطهارة قلبه وغير ذلك ولا شك أن الخلفاء الراشدين كل منهم أفضل من ابن مسعود اهـ. قوله: (وروينا في صحيح مسلم) والحديث عند أبي داود وليس فيه قوله على الخبير سقطت. قوله: (إذا أزحفت) أي أعيت ووقفت ويقال: أزحف البعير أي بالزاي والحاء المهملة والفاء فهو مزحف إذا وقف من الأعياء وأزحف الرجل إذا أعيت دابته كأن أمره أفضى إلى الزحف قال الخطابي صوابه أزحفت عليه غير مسمى الفاعل يقال: زحف البعير إذا قام من الأعياء وأزحفه السفر وزحف الرجل إذا انسحب على استه كذا في النهاية. قوله: (فقال على الخبير سقطت) قال المصنف معناه هنا صادفت خبيراً بحقيقة ما سألت عنه عالماً بخفيه وجليه حاذقاً فيه وقال الأبي في شرحه لصحيح مسلم قوله على الخبير هو مثل قال أبو عبيدة أصله لمالك بن جبير العائدي أحد حكماء العرب وقد تمثل به الفرزدق لما سأله الحسين عن أهل الكوفة: فقال على الخبير سقطت ألسنتهم معك وأيديهم مع غيرك وأمر الله ينزل من السماء فقال الحسين: لقد صدقتني اهـ. وقصد ابن عباس بهذا الكلام ترغيب السامع وتحريضه على حفظ ما يلقيه إليه في جواب مسألته فإنه عارف بحقيقتها حاذق فيها والله أعلم.

باب في مسائل تتعلق بما تقدم

باب في مسائل تتعلق بما تقدم مسألة: يستحبُّ إجابة من ناداك: "لبيك وسعديك" أو "لبيك" وحدها، ويستحبُّ أن يقول لمن ورد عليه: مرحباً، وأن يقول لمن أحسن إليه أو رأى منه فعلاً جميلاً: حفظك الله، وجزاك الله خيراً، وما أشبهه، ودلائل هذا من ـــــــــــــــــــــــــــــ باب في مسائل تتعلق بما تقدم المسألة والنتيجة والمقدمة والمطلوب والأخبار والخبر والقضية واحد باعتبار الذات مختلف بالاعتبار قال الشيخ سعد الدين التفتازاني في التلويح المركب التام المحتمل للصدق والكذب يسمى من حيث اشتماله على الحكم قضية ومن حيث احتماله الصدق والكذب خبراً ومن حيث إفادته الحكم أخباراً ومن حيث كونه جزءاً من الدليل مقدمة ومن حيث يطلب بالدليل مطلوباً ومن حيث يحصل من الدليل نتيجة ومن حيث يقع في العلم ويسأل عنه مسألة فالذات واحدة واختلاف العبارات باختلاف الاعتبارات اهـ. قوله: (تستحب إجابة من ناداك بلبيك وسعديك) أي لما في صحيح مسلم عن معاذ قال كنت ردف النبي -صلى الله عليه وسلم- ليس بيني وبينه إلا مؤخرة الرحل فقال: يا معاذ بن جبل قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك الحديث وفيه تكرار ذلك منه -صلى الله عليه وسلم- ومن معاذ ثلاثاً وتقدم معنى لبيك وسعديك في كتاب أذكار الحج والأظهر أن المراد منهما هنا إجابة لك بعد إجابة وساعدت طاعتك مساعدة أشار إليه المصنف في حديث معاذ. قوله: (وأن يقول لمن ورد عليه مرحباً) أي لما في حديث الإسراء من قوله كل ملك ذلك لجبريل لما يذكر ورود النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم معه فيقولون: مرحباً به ولقول كل الأنبياء له مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح ولقوله -صلى الله عليه وسلم- لوفد عبد القيس مرحباً بالقوم ومرحباً منصوب على المصدر استعملته العرب وأكثرت منه تريد به البر وحسن اللقاء ومعناه صادفت رحباً وسعة أي مكاناً واسعاً فأنزل. قوله: (وأن يقول لمن أحسن إليه الخ) أي لحديث مسلم السابق وقوله لأبي قتادة لما كان يحرسه -صلى الله عليه وسلم- تلك الليلة في سفره إلى تبوك

الحديث الصحيح كثيرة مشهورة. مسألة: ولا بأس بقوله للرجل الجليل في علمه أو صلاحه أو نحو ذلك: جعلني الله فداك، أو فداك أبي وأمي، وما أشبهه، ودلائل هذا من الحديث الصحيح كثيرة مشهورة حذفتها اختصاراً. مسألة: إذا احتاجت المرأة إلى كلام غير المحارم في بيع أو شراء، أو غير ذلك من المواضع التي يجوز لها كلامه فيها، فينبغي أن تُفَخم عبارتها وتغلظها ولا تُلينها مخافة من طمعه فيها. قال الإِمام أبو الحسن الواحدي من أصحابنا في كتابه "البسيط": قال أصحابنا: المرأة مندوبة إذا خاطبت الأجانب إلى الغلظة في المقالة، لأن ذلك أبعدُ من الطمع في الزيبة، وكذلك إذا خاطبت محرَّماً عليها بالمصاهرة، ألا ترى أن الله تعالى أوصى أمهاتِ المؤمنين وهن محرَّمات على التأبيد بهذه الوصية، فقال تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: 32]. قلت: هذا الذي ذكره الواحدي من تغليظ صوتها، كذا قال أصحابنا. قال الشيخ إبراهيم المروزي من أصحابنا؛ طريقها في تغليظه أن تأخذَ ظهر كفِّها بفيها وتجيب ـــــــــــــــــــــــــــــ من هذا؟ فقال أبو قتادة فقال: حفظك الله بما حفظت به نبيه أو كما قال -صلى الله عليه وسلم- وفي الحديث: "من صنع معكم معروفاً فكافئوه فإن لم تستطيعوا أن تكافئوه فكافئوه بالدعاء" وتقدم مزيد في هذا المعنى في باب دعاء المدعو والضيف لأهل الطعام وسيأتي له مزيد في باب دعاء الإنسان لمن فعل معه معروفاً. قوله: (لا بأس بقوله للرجل الجليل الخ) أي سواء كان أبو القائل حيين أو لا مسلمين أو لا لأن القصد منهما ليس الحقيقة أي جعلهما فداء له وإنما المراد الإيناس للمخاطب وقد ورد كما تقدم أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لكل من الزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما فداك أبي وأمي وأما قول الصحابة ذلك له -صلى الله عليه وسلم- ولبعضهم بعضاً وإقراره -صلى الله عليه وسلم-

كتاب أذكار النكاح وما يتعلق به

كذلك، والله أعلم. وهذا الذي ذكره الواحدي من أن المحرَّم بالمصاهرة كالأجنبي في هذا ضعيف وخلاف المشهور عند أصحابنا، لأنه كالمحرم بالقرابة في جواز النظر والخلوة. وأما أمهات المؤمنين، فإنهنَّ أمهات في تحريم نكاحهنَّ ووجوب احترامهنَّ فقط، ولهذا يحلُّ نكاح بناتِهن، والله أعلم. كتاب أذكار النكاح وما يتعلق به ـــــــــــــــــــــــــــــ بذلك فكثير جداً. قوله: (وهذا الذي ذكره الواحدي ضعيف الخ) أي للفرق الواضح بين المحرم بالمصاهرة وبين أمهات المؤمنين رضي الله عنهن فإن الأول صار محرماً حقيقة ويجري عليه جميع أحكام المحارم من تحريم نكاحه وجواز نظره والخلوة به وعدم نقض الوضوء بلمسه ولا كذلك أمهات المؤمنين فإنهن لسن محارم حقيقة وإنما هن بمنزلة المحارم في أشياء منها وجوب احترامهن أعظاماً له -صلى الله عليه وسلم- وحرمة التزويج بهن من بعده لذلك وإلا فيحل نكاح بناتهن، ولو كن أمهات في سائر الأحكام لما جاز ذلك لأن بناتهن حينئذٍ بمنزلة الأخوات ولا بهن ينقصن الوضوء بلمسهن ويحرم على الأجنبي منهن النظر إليهن والخلوة بهن وغير ذلك من أحكام الأجنبيات والله سبحانه أعلم قال الكرماني في أول شرح البخاري قوله: أم المؤمنين مقتبس من قوله تعالى: {وَأَزواجُهُ أُمهَاتُهُم} قال العلماء: أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- أمهات المؤمنين في وجوب احترامهن وتحريم نكاحهن لا في جواز الخلوة والنظر وتحريم نكاح بناتهن وهل يقال لأخواتهن وأخوتهن خالات وأخوال المؤمنين ويقال لبناتهن أخوات المؤمنين فيه خلاف ولا يقال لآبائهن وأمهاتهن أجداد وجدات المؤمنين وهل يقال إنهن أمهات المؤمنات مبني على الخلاف المعروف في الأصول هل يدخل النساء في خطاب الرجال وعن عائشة أنا أم رجالكم لا أم نسائكم وهل يقال للنبي -صلى الله عليه وسلم- أبو المؤمنين الأصح الجواز ومعنى قوله تعالى: {ومَا كاَنَ مُحَمَّدٌ أَبَاَ أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُم} أي لصلبه والله أعلم اهـ. كتاب أذكار النكاح وما يتعلق به هو في اللغة الضم وهو عندنا حقيقة في العقد مجاز في الوطء وعكس أبو حنيفة وقال

باب ما يقوله من جاء يخطب امرأة من أهلها لنفسه أو لغيره

باب ما يقوله من جاء يخطب امرأة من أهلها لنفسه أو لغيره يستحبُّ أن يبدأ الخاطب بالحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبدُهُ ورسوله، جئتكم راغباً في فتاتكم فلانة، أو في كريمتكم فلانة بنت فلان أو نحو ذلك. روينا في "سنن أبي داود وابن ماجه" وغيرهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كُلُّ كلامٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ به بعض أصحابنا وقيل إنه حقيقة فيهما بالاشتراك اللفظي وله عدة أسماء جمعها أبو القاسم اللغوي فبلغت ألف اسم وأربعين اسماً كذا في شرح البخاري لابن النحوي. باب ما يقول من جاء يخطب امرأة من أهلها لنفسه أو غيره عبر بقوله من أهلها لأنه هو الغالب وإلا فيستحب للخاطب أن يأتي بما سيأتي من الخطبة وما بعدها ولو خطبها من نفسها. قوله: (يستحب أن يبدأ الخاطب بالحمد الله الخ) قال إمامنا الشافعي رضي الله عنه: أحب أن يقدم المرء بين يدي خطبته وكل أمر أهمه حمد الله تعالى والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهذه الخطبة بضم الخاء للخطبة بكسرها وهي سنة والخطبة عند العقد آكد منها كما سيأتي في كلامه. قوله: (جئتكم راغباً الخ) يقوله هكذا إن كان الخاطب هو الخاطب فإن كان الخاطب للزوج غيره قال: قد جاءكم فلان. وقوله: (راغباً) حال من ضمير الفاعل. وقوله: (فلانة) كناية عن اسمها فيستحب أن يسميها باسمها وكما تستحب الخطبة من الخاطب تستحب أيضاً للمجيب فيحمد الله ويصلي ويسلم على نبيه - صلى الله عليه وسلم - ثم يقول للخاطب: لست بمرغوب عنك أو نحوه من الألفاظ الجميلة. قوله: (روينا في سنن أبي داود وابن ماجه الخ) تقدم الكلام على تخريج الحديث وبعض ما يتعلق به في كتاب الحمد ونزيد هنا بنقل كلام المصنف في أول شرح مسلم قال فيه بدأ بالحمد لحديث

وفي بعض الروايات "كُل أمْرٍ لا يُبْدَأ فِيهِ بالحَمْدُ لِلَّهِ فَهُوَ أجْذَمُ". وروي "أقْطَعُ" وهما بمعنى، هذا حديث حسن. وأجذم بالجيم والذال المعجمة ومعناه: قليل البركة. وروينا في "سنن أبي داود والترمذي" عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كُلُّ خُطْبَةٍ لَيسَ فِيها تَشَهُّدٌ فَهِيَ كاليَدِ الجَذْماءِ" قال الترمذي: حديث حسن. ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله أقطع" وفي رواية بحمد الله وفي رواية بالحمد فهو أقطع وفي رواية فهو أجذم وفي رواية لا يبدأ فيه بذكر الله وفي رواية ببسم الله الرحمن الرحيم روينا كل هذا في كتاب الأربعين للحافظ عبد القادر الرهاوي بسماعنا من صاحبه الشيخ أبي محمد عبد الرحمن بن سالم الأنباري عنه ورويناه فيه أيضاً من رواية كعب بن مالك الصحابي والمشهور رواية أبي هريرة والحديث حسن رواه أبو داود وابن ماجه في سننهما والنسائي في كتاب عمل اليوم والليلة روي موصولاً ومرسلاً ورواية الموصول إسنادها جيد اهـ. قوله: (وفي بعض الروايات كل أمر) هو هكذا عند أبي داود وابن ماجه كما ذكره السخاوي في المقاصد الحسنة. قوله: (وروي أقطع) قال السيوطي في الجامع الصغير رواه البيهقي عن أبي هريرة. قوله: (وهما بمعنى) في النهاية الجذم القطع وفي شرح مسلم يقال منه جذم يجذم كعلم يعلم. قوله: (ومعناه قليل البركة) أي ومعناه المراد في هذا المقام وإلا فالجذم القطع وهو يقتضي تفسير ذلك بمقطوع البركة من أصلها كما قيل به. قوله: (كل خطبة) هي بضم الخاء ثم قيل المراد بها الخطبة المعروفة: من خطبة الجمعة والعيد ونحوهما وخطبة الحاجة لأنها المعهودة في عهد الشارع دون خطب نحو الكتب وفي ترك الإتيان بها الترمذي في جامعه وشمائله وكذا أبو داود وهما راويا الحديث فدل صنيعهما على تخصيصه بما ذكر وقيل: بل الخطبة على عمومها ولعل أبا داود والترمذي أتيا بها لفظاً وأسقطاها خطأً وذلك كاف. قوله: (كاليد الجذماء) تشبيه بها في قلة الانتفاع ونقصه.

باب عرض الرجل بنته وغيرها ممن إليه تزويجها على أهل الفضل والخير ليتزوجوها

باب عرض الرجل بنته وغيرها ممن إليه تزويجها على أهل الفضل والخير ليتزوجوها روينا في "صحيح البخاري" أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما توفي زوجُ بنتِه حفصةَ رضي الله عنهما قال: لقيتُ عثمان فعرضتُ عليه حفصةَ فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فقال: ـــــــــــــــــــــــــــــ باب عرض الرجل ابنته وغيرها أي من باقي مولياته ونص على البنت لأنها مورد النص والغير مقاس عليها قياساً مساوياً والمراد جواز عرض الرجل موليته ممن إليه تزويجها (على أهل الخير) أي الدين (والفضل) أي العلم ليتزوجوها ولا نقص عليه في ذلك. قوله: (روينا في صحيح البخاري) قال في جامع الأصول وكذا أخرجه النسائي كلاهما من حديث ابن عمر وأشار إلى اختلاف في بعض ألفاظه بين راوييه وقال ابن النحوي في شرح البخاري حديث ابن عمر المذكور ذكره الحميدي وأبو مسعود في مسند أبي بكر انفرد به معمر عن الزهري من قول أبي بكر لأني علمت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد ذكرها وذكره خلف وابن عساكر في مسند عمر لقوله: خطبها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأنكحتها إياه ولما أخرجه الطرقي في مسند أبي بكر قال: قد أخرجت الأئمة أصحاب المسانيد هذا الحديث من عهد أحمد بن حنبل إلى زماننا في مسنده لقوله السالف إنه ذكرها اهـ. قوله: (لما توفي زوج ابنته حفصة) هو خنيس بضم الخاء المعجمة وفتح النون وسكون التحتية بعدها مهملة وقيل بفتح المعجمة وكسر النون وكان معمر بن رشد يقول: حبيش بحاء مهملة فموحدة مكسورة آخره معجمة قال الجياني روى أن معمراً كان يصحف في هذا الاسم فرد عليه خنيس فقال: لا بل هو حبيش وقد اختلف على عبد الرزاق عن معمر فروى عنه خنيس بالسين المهملة على الصواب وروى عنه خنيس أو حبيش على الشك وذكره البخاري وجماعات على الصواب بالخاء

سأنظر في أمري، فلبثت ليالي ثم لقيني فقال: قد بدا لي أن لا أتزوَّج يومي هذا، قال عمر: فلقيتُ أبا بكر الصديق رضي الله عنه، فقلت: إن شئت أنكحتُك حفصةَ بنتَ عمر، فصمت أبو بكر رضي الله عنه ... وذكر تمام الحديث. ـــــــــــــــــــــــــــــ المعجمة والسين المهملة وهو ابن حذافة السهمي توفي عنها بالمدينة من جراحة أصابته ببدر وقيل غير ذلك ذكره ابن النحوي في شرح البخاري. قوله: (فقال سأنظر الخ) فيه أن من عرض عليه ما فيه الرغبة فله النظر والاختيار وعليه أن يخبر بعد بما عنده لئلا يمنعها من غيره لقول عثمان بعد ليالي قد بدا لي ألا أتزوج يومي هذا وفيه الاعتذار اقتداء بعثمان في مقالته هذه وفي بعض الروايات أن عمر شكا عثمان إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال -صلى الله عليه وسلم-: "ينكح حفصة خير من عثمان وينكح عثمان خيراً من حفصة" فكان كذلك. فائدة النظر إذا استعمل بقي فهو بمعنى التفكر وباللام بمعنى الرأفة وبألى بمعنى الرؤية وبدون الصلة بمعنى الانتظار نحو انظرونا نقتبس من نوركم كما تقدم نقله عن الكرماني في أوائل الكتاب. قوله: (فصمت) هو بفتح الصاد المهملة والميم. قوله: (وذكر تمام الحديث) هو قوله فلم يرجع إلي شيئاً فكنت عليه أوجد مني على عثمان فلبثت ليالي ثم خطبها -صلى الله عليه وسلم- فأنكحتها إياه فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت على حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئاً فقلت: نعم فقال: إنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أني كنت علمت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد ذكرها فلم أكن لأفشي سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولو تركها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقبلتها قال ابن النحوي: سبب كونه أوجد على الصديق منه على عثمان أن الصديق لم يرد عليه الجواب بل تركه على الترقب ولأنه أخصص بعمر منه بعثمان لأنه -صلى الله عليه وسلم- آخى بينهما فكانت موجدته عليه أكثر لثقته به وإخلاصه له وفي الحديث كتمان السر فإن أظهره الله أو أظهره صاحبه جاز للذي أسر إليه إظهاره ألا ترى أنه -صلى الله عليه وسلم- لما تزوجها أعلم أبو بكر عمر بما كان أسر إليه منه وكذلك فعلته فاطمة في مرضه -صلى الله عليه وسلم- حين أسر إليها أنه يموت في مرضه ذلك وأنها أول أهل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بيته لحاقاً به فكتمته حتى توفي وأسر عليه السلام إلى حفصة تحريم مارية فأخبرت حفصة عائشة بذلك ولم يكن الشارع أظهره فذم الله تعالى فعل حفصة وقبول عائشة لذلك فقال: "إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما" أي مالت وعدلت عن الحق وفي قول أبي بكر لعمر لما تزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حفصة لعلك وجدت علي دليل على أن الرجل إذا أتى إلى أخيه ما لا يصلح أن يؤتي إليه من سوء المعاشرة أن يعتذر إليه ويعترف وأن الرجل إذا وجب عليه الاعتذار من شيء وطمع في شيء تقوى به حجته أن يؤخر ذلك حتى يظفر ببغيته ليكون أبرأ له عند من يعتذر إليه، وفي قول عمر له نعم دليل على أن الإنسان يخبر بالحق عن نفسه وإن كان عليه في ذلك شيء والمعنى الذي أسر لأبي بكر عن عمر ما أخبر به الشارع هو أنه خشي أبو بكر أن يذكر ذلك لعمر ثم يبدو لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- (ألا يتزوج فيقع في قلبه منه) مثل ما وقع في قلبه من الصديق أي يحصل له انكسار خاطر وتعب نفس من إعراضه -صلى الله عليه وسلم- عن تزوج ابنته لأنه قد يجد في ذلك -صلى الله عليه وسلم- كما لا يخفى وفي قول الصديق لعمر: علمت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكرها دلالة على أنه يجوز للرجل أن يذكر لأصحابه ولمن يثق به أنه يخطب المرأة قبل أن يظهر خطبتها وفيه أن الصديق لا يخطب امرأة علم أن صديقه يذكرها لنفسه وإن كان لم يركن إليه لما يخاف من القطيعة بينهما ولم تخف القطيعة بين غير الإخوان لأن الاتصال بينهما ضعيف غير اتصال الصداقة في الله وفي قول الصديق لو تركها تزوجتها دليل على أن الخطبة إنما تجوز بعد أن يتركها الخاطب وفيه الرخصة بتزويج من عرض -صلى الله عليه وسلم- فيها بخطبته أو أراد تزوجها ألا ترى قول الصديق ولو تركها لقبلتها وقد جاء في خبر آخر الرخصة في نكاح من عقد -صلى الله عليه وسلم- عليها ولم يدخل بها وأن الصديق كرهه ورخصه فيه عمر اهـ ملخصاً والله أعلم.

باب ما يقوله عند عقد النكاح

باب ما يقوله عند عقد النكاح يستحبُّ أن يخطب بين يدي العقد خُطبة تشتمل على ما ذكرناه في الباب الذي قبل هذا، وتكون أطول من تلك، وسواء خطب العاقد أو غيره. وأفضلها ما روينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرها بالأسانيد الصحيحة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ـــــــــــــــــــــــــــــ باب ما يقوله عند عقد النكاح قوله: (بين يدي العقد) أي يجعل العقد المتصل به. قوله: (خطبة) هي بضم الخاء. قوله: (تشتمل على ما ذكرناه) أي من الحمد والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والتشهد. قوله: (وتكون أطول من تلك) أي تكون الخطبة عند عقد النكاح أطول منها عند الخطبة لأن هذا القصد والخطبة وسيلة لهذا ومن ثم كانت الخطبة هنا آكد. قوله: (وسواء خطب العاقد أو غيره) أي غير العاقد يخطب والولي أو وكيله يوجب النكاح وذلك لأن القصد من الخطبة عود البركة على عقد النكاح وهي حاصلة بالإتيان بذلك سواء كان من العاقد أو غيره. قوله: (وأفضلها ما رويناه في سنن أبي داود الخ) قال في السلاح ورواه الحاكم في المستدرك وأبو عوانة في مسنده الصحيح زاد أبو داود في طريق آخر بعد قوله ورسوله أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً وزاد أيضاً عن الزهري مرسلاً ونسأل الله ربنا أن يجعلنا ممن يطيعه ويطيع رسوله ويتبع رضوانه ويجتنب سخطه فإنما نحن به وله اهـ. وزاد الحافظ فيمن أخرجه ذكر النسائي وزاد القاريء في الحرز وأخرجه الدارمي وما ذكره عن زيادة أبي داود عن الزهري الخ لم أره في باب خطبة النكاح من سننه والطريق الثانية للحديث التي أشار إليها صاحب السلاح فيها عمران هو أبو داود القطان وقد ضعفه النسائي ويحيى بن معين ثم الثلاثة الذين عزا الشيخ تخريج الحديث لهم وكذا النسائي اتفقوا على إخراجه من حديث أبي الأحوص عن عبد الله وزاد أبو بكر فأخرجه

خُطبة الحاجة: "الحَمْدُ لِلهِ نَسْتَعِينُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله قال الحافظ وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه فالمراد من الجمع في كلام الشيخ ما فوق الواحد بالنسبة لهذا الحديث عند من ذكر بها اللفظ وإن وقع فيه عندهم اختلاف كما ستجيء الإشارة إليه فهو اختلاف يسير وفي أوله عنه ابن ماجه من هذا الوجه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أوتي جوامع الخير وخواتيمه فعلمنا خطبة الصلاة أي التشهد فذكره وخطبة الحاجة وروى عند أبي داود أيضاً من طريق أبي عياض عن ابن مسعود وفيه زيادة ما تقدم نقله في كلام صاحب السلاح وباقي الحديث بنحوه وأخرجه الحاكم من طريق من طريقه وليس فيه ذكر الآيات كما قال الحافظ في تخريج أحاديث الرافعي قال: روى الحديث البيهقي عن شقيق بتمامه وروى الحديث موقوفاً على ابن مسعود رواه كذلك عنه أبو داود والنسائي من حديث وأصل الأحدب عن شقيق عن ابن مسعود اهـ. وبه تبين إبقاء الجمع في الأسانيد في كلام المصنف على حقيقته والله أعلم. قوله: (خطبة الحاجة) أي خطبة النكاح. قوله: (إن الحمد لله) قال في الحرز بكسر النون لالتقاء الساكنين فهي أن المخففة من المثقلة كقوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10] على ما نقله ميرك عن الطيبي وقال البيضاوي هي مخففة من المثقلة وقريء بها وبنصب الحمد وفي نسخة صحيحة بتشديد النون ونصب الحمد قال ابن الجزري يروى بتشديد النون وتخفيفها والمعنى فيهما واحد اهـ. قال الحنفي نصب الحمد مع تشديد النون واجب ورفعه مع التخفيف قال في الحرز مفهومه أنه لا يجوز غيرهما وليس كذلك بل يصح فيه أربعة أوجه النصب مع التشديد ووجهه ظاهر والرفع مع التشديد على الحكاية قلت أو على أن إن إن كانت همزتها مكسورة بمعنى نعم وقد ذكره كذلك السهيلي في الروض وكذا يجوز مع التخفيف وجهان قال ابن الجزري في تصحيح المصابيح ويجوز تخفيف أن وتشديدها ومع التخفيف يجوز رفع الحمد ونصبه رويناه بذلك اهـ. ثم هو هكذا عند أبي داود الذي أورده الشيخ بلفظه وعند الترمذي وحذفها لابن ماجه وفي نسخة منه إثباتها أيضاً. قوله: (نستعينه) هكذا هو عند الترمذي وعند أبن داود وابن ماجه بزيادة تحمده قبل نستعينه أي نستعينه

وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنا، مَنْ يَهْدِ الله فَلا مُضِل لهُ، ومَنْ يُضلِل فلاَ هادِيَ له، وأشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلا الَلَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ على أداء حمده وعلى سائر الأمور الدينية والدنيوية. قوله: (ونستغفره) أي من التقصير في أداء حمده وسائر ما يجب علينا فعله له. قوله: (من شرور أنفسنا) أي الأخلاق الدنية. قوله: (وسيئات أعمالنا) أي الأعمال الردية. قوله: (من يهده الله فلا مضل له) أي من أراد الباري هدايته وتعلقت به عنايته فلا سبيل لإضلاله. قوله: (ومن يضلل فلا هادي له) أي من يضلله الله ويخذله لعدم تعلق إرادة الباريء سبحانه به الهداية فلا هادي له قال تعالى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} وفي الإتيان بضمير المفعول في جانب الهداية وتركه في جانب الضلالة نكتة تشير إلى العناية. قوله: (وأشهد أن لا إله إلا الله الخ) قال ابن الجزري قوله: نستعينه الخ هو بالنون في الثلاثة الأفعال أي نحن نستعينه الخ وبالهمز في قوله: أشهد فيهما لأنه -صلى الله عليه وسلم- لا يشهد ولا يخبر عن غيره إنما يشهد ويخبر عن نفسه اهـ. قال الحنفي: وفيه بحث إذ لا تفاوت بين كل من الأفعال الثلاثة والشهادة فما ذكره في وجه إفراد أشهد ليس على ما ينبغي والأولى أن يقال كما قيل الضمير المستكن في الأفعال والثلاثة للمتكلم ومن معه من أصحابه الحاضرين والغائبين ويجوز أن يكون قولاً من اللسان البشري وخصص الشهادة بالإفراد إشارة إلى أن وجوب الشهادة على حدة ففيه إشارة إلى التفرقة أولاً وإلى الجمع ثانياً قال في الحرز وهذا مراد ابن الجزري فتدبر قلت وفي دلالة عبارته على كون ذلك مراده ما لا يخفى من البعد ثم إنه ثبت عند الأنصاري أحد رواة أبي داود زيادة قوله وحده لا شريك له. قوله: (يا أيها النّاس) قال البيضاوي خطاب يعم بني آدم. قوله: (من نفس واحدة) هي آدم. قوله: (وخلق منها زوجها) أي خلق من تلك النفس حواء خلقت من ضلع من أضلاعه والعطف إما على خلقكم أي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها أمكم حواء أو على محذوف تقديره من نفس واحدة خلقها وخلق منها زوجها وهو تقرير

وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ لخلقهم من نفس واحدة. قوله: (وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء) هذا بيان لكيفية تولدهم منها والمعنى ونشر من تلك النفس والروح المخلوقة منها بنين وبنات كثيرة واكتفى بوصف الرجال بالكثرة عن وصف النساء بها لأن الحكمة تقتضي أن يكن أكثر وقيل الاكتفاء بوصفهم بالكثرة للتنبيه على فضلهم وذكر كثيراً حملاً على معنى الجمع ورتب الأمر بالتقوى على هذه القصة لما فيها من الدلالة على القدرة القاهرة التي من حقها أن تخشى والنعمة الباهرة التي توجب طاعة موليها وقوله: واتقوا تأكيد لما سبق أو يقدر في أحدهما مخالفته وفي الآخر عقابه. قوله: (الذي تساءلون به) أي يسأل بعضكم بعضاً فيقول أسألك به ثم قريء بتخفيف السين على حذف إحدى التاءين وبتشديدها على إدغام التاء الثانية في السين. قوله: (والأرحام) بالنصب عطفاً على محل الجار والمجرور كقولك مررت يزيد وعمراً أو على الله أي اتقوا الله والأرحام فصلوها ولا تقطعوها وقرأ حمزة بالجر عطفاً على الضمير وهو ضعيف لما فيه من العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار والمراد منه قولهم أسألك بالله وبالرحم وقريء بالرفع على أنه مبتدأ محذوف الخبر تقديره والأرحام كذلك أي مما يتقي أو مما يتساءل به وقد نبه الله سبحانه إذ قرن الأرحام باسمه الكريم على أن صليها بمكان منه. قوله: (رقيباً) أي حافظاً مطلعاً ثم ما ذكر من الآية على سياق التلاوة هو ما في نسخة من الأذكار وكذا هو في الحصن وعزا تخريجه للأربعة والحاكم وأبي عوانة والظاهر أنه في الأذكار من تغيير الكتاب فإن الشيخ ذكر آخراً أن الحديث يورده بلفظ أبي داود في بعض رواياته والذي في أبي داود {وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: 1] وكذا هو عند البيهقي في السنن الكبير وشكل عليه ابن الصلاح وشكل كثير من نسخ الأذكار كذلك وفي نسخة من أبي داود بحذف يأيها الذين ءامنوا وعند الترمذي اتقوا الله والتلاوة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} إلى آخر الآية كما شرحنا والله أعلم ويوجد في بعض النسخ بزيادة الجلالة بعد قوله: يضلل وهو من الكتاب لأنه ليس كذلك عند أبي

اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [أل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71] هذا لفظ إحدى روايات أبي داود وفي رواية له أخرى بعد قوله: ورسوله ـــــــــــــــــــــــــــــ داود الذي لفظه رواية الكتاب. قوله: (اتقوا الله حق تقاته) أي حق تقواه وهو استفراغ الوسع في القيام بالمأمورات واجتناب المحارم لقوله تعالى: {فَاَتَّقُوُا اللهَ مَا أستَطَعتُم} فهي مبنية لها كما قال المصنف والقول بنسخها لها ضعيف كما تقدم بيانه في أول الكتاب في فصل ينبغي لمن بلغه شيء أن يعمل به الخ وأما ما رواه الحاكم عن ابن مسعود مرفوعاً وصححه المحدثون في تفسير قوله: فاتقوا الله حق تقاته هو أن يطاع فلا يعصى ويشكر فلا يكفر ويذكر فلا ينسى فمبني على كماله وقيل أن ينزه الطاعة عن الالتفات إليها وتوقع المجازاة عليها. قوله: (ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) أي لا تكونن على حال سوى الإسلام إذا أدرككم الموت فهو في الحقيقة أمر بدوام الإسلام فإن النهي عن المقيد بحال أو غيرها قد يتوجه النهي بالذات نحو القيد تارة والمقيد أخرى وقد توجه نحو المجموع وكذا النفي ذكره البيضاوي وقيل معناه وأنتم متزوجون لأن التزوج بالحلال من كمال الإسلام وتمام الأحوال قلت: واشتهر نقل هذا القول الأخير عن ابن عباس قال السيوطي في التحيير وهو من النقل الذي لم يصح والله أعلم. قوله: (قولاً سديداً) أي صدقاً وصواباً. قوله: (يصلح لكم أعمالكم) قال ابن عباس يتقبل حسناتكم وقال مقاتل يزكي أَعمالكم. قوله: (ومن يطع الله ورسوله) أي فيما يأمران به. قوله: (فاز فوزاً عظيماً) أي نال كل الخير وظفر به قال أصحابنا كان القفال يقول بعد هذه الخطبة أما بعد فإن الأمور كلها بيد الله يقضي فيها ما يشاء ويحكم ما يريد لا مؤخر لما قدم ولا مقدم لما أخر ولا يجتمع اثنان ولا يفترقان إلا بقضاء وقدر وكتاب الله قد سبق وإن مما قضى الله وقدر أن خطب فلان ابن فلان فلانة على صداق كذا أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم أجمعين. قوله: (وفي رواية أخرى) أي رواية لأبي داود وتقدم أنه رواها من طريق أبي

"أرْسَلَهُ بالحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً بَينَ يَدَي السَّاعة، مَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِما ـــــــــــــــــــــــــــــ عياض عن ابن مسعود. قوله: (أرسله بالحق) أي بالقرآن أو متلبساً بالحق أي بالصدق. قوله: (بشيراً) أي مبشراً للمطيعين بالجنة. قوله: (ونذيراً) أي منذر العصاة بالنار. قوله: (بين يدي الساعة) أي إمامها وقبل وقوعها. قوله: (فقد رشد) بفتح الشين على ما في النسخ المصححة ويجوز كسره ففي القاموس رشد كنصر وفرح رشداً ورشداً ورشاداً اهتدى قال ابن الجزري رشد بفتح الشين ويجوز كسرها يقال رشد يرشد أي كعلم يعلم ورشد بالفتح يرشد بالضم من الرشد وهو الهداية ضد الغى. قوله: (ومن يعصمها) قال في السلاح قوله في هذه الرواية ومن يعصهما يعارضه ما رواه مسلم وأبو داود والنسائي عن عدي بن حاتم أن رجلاً خطب عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوي فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بئس الخطيب أنت قل: ومن يعص الله ورسوله فقد غوى" وأعل طريق أبي داود هذه بأن فيها عمران وقد تقدم أنه ضعيف اهـ. وقال ابن الجزري قال القاضي عياض وجماعة من العلماء إنما أنكر يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه تشريكه في الضمير المقتضي للتسوية وأمره بالعطف تعظيماً الله تعالى بتقديم اسمه كما قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الآخر لا يقل أحدكم ما شاء الله وشاء فلان ولكن ما شاء الله ثم فلان اهـ. وسيأتي لهذا الحديث مزيد في الكتاب قال المصنف الصواب أن سبب النهي أن الخطب شأنها البسط والإيضاح واجتناب الإشارات وقول الأولين يضعف بأشياء منها أن مثل هذا الضمير قد كثر في الأحاديث الصحيحة في كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كقوله أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وغيره من الأحاديث وإنما ثنى هنا الضمير لأنه ليس خطبة وعظ وإنما هو تعليم حكم وكلما قل لفظه كان أقرب إلى حفظه بخلاف خطبة الوعظ فإنه ليس المراد حفظها وإنما يراد الاتعاظ بها قال ومما يؤيد هذا ما ثبت في سنن أبي داود بإسناد صحيح عن ابن مسعود قال: علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطبة الحاجة فذكره وفيه ومن يعصهما فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً قال في الحرز والذي وقع في سنن أبي داود من حديث ابن

فإنَّهُ لا يَضُرُّ إلا نَفْسَهُ، وَلا يَضُرُّ الله شَيئاً" قال الترمذي: حديث حسن. قال أصحابنا: ويستحب أن يقول مع هذا: أزوِّجك على ما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. وأقل هذه الخطبة: الحَمْدُ لِلهِ، والصَّلاةُ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أوصي بِتَقْوى الله. والله أعلم. واعلم أن هذه الخطبة سُنَّة، لو لم يأت بشيء منها صح النكاح باتفاق العلماء. ـــــــــــــــــــــــــــــ مسعود أن الرجل قال: من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما وقطع الكلام فقال: قم واذهب فبئس الخطيب أنت فعلى هذا إنما رد -صلى الله عليه وسلم- عليه وأنكر من حيث إنه سوى بين من أطاع الله ورسوله وبين من عصاهما وعلى هذا حمل الحديث الحافظ أبو عمرو الداني وغيره من العلماء اهـ. ثم قوله ومن يعصهما جوابه محذوف أي ومن يعصهما فقد ضل وغوى. قوله: (فإنه) أي العاصي. قوله: (لا يضر) أي بالعصيان (إلا نفسه) لأن وباله عليها. قوله: (ولا يضر الله شيئاً) أي لأنه منزه عن ذلك وجملة فإنه الخ تعليل للجواب المقدر فتدبر. قوله: (قال الترمذي حديث حسن الخ) لا منافاة بين قول الشيخ أولاً رويناه بالأسانيد الصحيحة الخ ونقله عن الترمذي تحسينه لأن المتن قد يتخلف عن حكم السند لما يعرض للمتن من شذوذ أو علة ولعل منه في المتن ورود قوله {يا أيها الذين آمنوا اتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} إذ هو مخالف للتلاوة والله أعلم. قوله: (ويستحب أن يقول مع هذا الخ) أي يقوله قبل العقد أيضاً فإن شرطه في نفس العقد لم يبطل لأن القصد منه الموعظة ولأنه شرط يوافق مقتضى العقد والشرع. قوله: (من إمساك بمعروف الخ) بيان لما أراد الله به والإمساك بالمعروف حسن العشرة والقيام بواجب الزوجة والتسريح بإحسان السراح الجميل الذي علمهم إياه نقله في النهر عن الكشاف. قوله: (وأقل هذه الخطبة الخ) إذ القصد عود بركة الحمد والصلاة على عقد النكاح وإنما أتى بالوصية بالتقوى اهتماماً بشأنها وإعلاماً بأنه لا ينبغي الغفلة عنها في شأن كما ذكروا نظيره في استحباب الخطبة يومي العيد بأنهما يوما لهو فأمر بالخطبة فيهما لتكون مذكرة للإنسان مقبلة به على المطلوب منه في كل آن وهو التقوى فلا يلهيه وظيفة

وحكي عن داود الظاهري رحمه الله أنه قال: لا يصحُّ، ولكن العلماءُ المحققون لا يعدُّون خلاف داود خلافاً معتبراً، ولا ينخرق الإجماع ـــــــــــــــــــــــــــــ اليوم وشأنه عما طلبه منه ربه والله أعلم. قوله: (وحكى عن داود الظاهري الخ) وكذا حكي عن أحمد في رواية عنه أن الخطبة واجبة. قوله: (ولكن المحققون لا يعدون خلاف داود خلافاً معتبراً) قال المصنف في التهذيب اختلف العلماء هل يعتبر قوله في الإجماع فقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني اختلف أهل الحق في نفاة القياس يعني داود وشبهه فقال الجمهور أنهم لا يبلغون رتبة الاجتهاد ولا يجوز تقليدهم القضاء وهذا ينفي الاعتداد به في الإجماع ونقل الأستاذ أبو منصور البغدادي من أصحابنا عن أبي علي بن أبي هريرة وطائفة من الشافعيين أنه لا اعتبار بخلاف داود وسائر نفاة القياس في الفروع ويعتبر خلافهم في الأصول وقال إمام الحرمين الذي ذهب إليه أهل التحقيق أن منكري القياس لا يعدون من علماء الأمة وجملة الشريعة لأنهم معاندون مباهتون فيما ثبت استفاضة وتواتراً لأن معظم الشريعة صادرة عن الاجتهاد ولا تفي النصوص بعشر معشارها وهؤلاء ملتحقون بالعوام وقال الشيخ ابن الصلاح بعد أن ذكر ما ذكرته أو معظمه قال الذي اختاره الأستاذ أبو منصور وذكر أنه الصحيح من المذهب أنه يعتبر خلاف داود قال الشيخ وهذا الذي استقر عليه الأمر كما هو الأغلب الأعرف من صنيع الأئمة المتأخرين الذين أوردوا مذهب داود في مصنفاتهم المشهوررة كالشيخ أبي حامد والمحاملي وشبههم فلولا اعتدادهم به لما ذكروا مذهبه في مصنفاتهم قال الشيخ والذي أجيب به بعد الاستخارة أن داود يعتبر قوله ويعتد به في الإجماع إلا فيما خالف فيه القياس الجلي وما أجمع عليه القياسيون من أنواعه أو بناه على أصوله التي قام الدليل القاطع على بطلانها فاتفاق من سواه على خلافه إجماع منعقد وقوله المخالف حينئذٍ خارج الإجماع ثم مثل الشيخ لذلك ثم قال فخلافه في هذا وشبهه غير معتد به لأنه مبني على ما يقطع ببطلانه والاجتهاد على خلاف الدليل القاطع مردود ينقض حكم الحاكم به قال الشيخ وهذا الذي اخترته ميل لي أن منصب الاجتهاد متجز ويكون الشخص مجتهداً في نوع دون نوع قال:

بمخالفته، والله أعلم. وأما الزوج، فالمذهب المختار أنه لا يخطب بشيء، بل إذا قال له الولي: زوَّجتك فلانة، يقول متصلاً به: قبلت تزويجها، وإن شاء قال: قبلت نكاحها، فلو قال: الحمد الله، والصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قَبِلْتُ، صحَّ النكاح، ولم يضر هذا الكلام بين الإيجاب والقبول، لأنه فصل يسير له تعلُّق بالعقد وقال بعض أصحابنا: يبطل به النكاح، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا فرق في ذلك بين زمن داود وما بعده فإن المذاهب لا تموت بموت أصحابها اهـ. ملخصاً وفي الطبقات الكبرى لابن السبكي بعد نقله عن ابن الصلاح أن داود لا ينكر القياس الجلي ما لفظه هو رأي ابن الصلاح وسماعي من الشيخ الإِمام الوالد أن الذي صح عنده عن داود أنه لا ينكر القياس الجلي وإن نقل إنكاره عنه ناقلون قال: وإنما ينكر الخفي فقط قلت وقفت لداود على رسالة وهي دالة على عظيم معرفته بالجدل وكبير صناعته في المناظرة ولم أجد فيها لفظة تدل على أنه يقول بشيء من القياس بل ظاهر كلامه إنكاره جملة وإن لم يصرح بذلك قال: والرسالة عندي بأصل صحيح قديم اعتقده كتبت في حدود سنة ثلاثمائة أو قبلها بكثير ثم نقل كلاماً آخر لداود في رسالة أخر قال: وهذا يؤيد منقول الوالد وهو قريب من نقل الآمدي فالذي أراد الاعتبار بخلاف داود نعم للظاهرية مسائل لا يعتد بخلافهم فيما لا من حيث إن داود ليس أهلاً للنظر بل من حيث خرقه فيها إجماعاً هدمه وعذره أنه لم يبلغه أو دليلاً واضحاً جداً اهـ. قوله: (وأما الزوج فالمذهب الخ) ومثله وكيله. قوله: (قبلت تزويجها) أو قبلت هذا النكاح أو التزويج. قوله: (ولم يضر هذا الكلام بين الإيجاب والقبول الخ) بهذا يرد قول بعضهم بأن الخطبة بين الإيجاب والقبول غير مستحبة فيتجه القول بأن تخلل القول مبطل كما صححه السبكي تبعاً للماوردي لأنها غير مشروعة حينئذٍ فأشبهت الكلام الأجنبي اهـ. والمعتمد القول الأول لما أشار إليه الشيخ من أن ذلك يسير وله تعلق بالعقد لعود بركته عليه ولذا قيل باستحبابه فلم يكن مبطلاً فإن طال الفاصل بينهما لم يصح النكاح جزماً لإشعاره بالأعراض وكونه مقدمة للقبول لا يستدعي اغتفار

باب ما يقال للزوج بعد عقد النكاح

وقال بعضهم: لا يبطل، بل يستحبُّ أن يأتيَ به، والصواب ما قدَّمناه أنه لا يأتي به، ولو خالف فأتى به، لا يبطل النكاح، والله أعلم. باب ما يقال للزوج بعد عقد النكاح السُّنَّة أن يقال له: بارك الله لك، ـــــــــــــــــــــــــــــ طوله لأن المقدمة التي قام الدليل عليها ما ذكر فقط فلم يغتفر طوله وضبط القفال الطول بأن يكون زمنه لو سكتا فيه لخرج الجواب عن كونه جواباً. قوله: (وقال بعضهم لا يبطل بل يستحب) هو ما في الروضة واصلها والمحرر وزاد فيه الوصية بالتقوى وأطال الأذرعي وغيره في تصويبه نقلاً ومعنى واستبعد الأول بأن عدم الندب مع عدم البطلان خارج عن كلامهم وتقدم في كلام المصنف الإشارة إلى الجواب عن استبعاد الأذرعي. قوله: (والصواب ما قدمناه أنه لا يأتي به) أي على سبيل الاستحباب بل يستحب تركه خروجاً من خلاف من أبطل به. باب ما يقال للزوج بعد عقد النكاح أي الشامل للذكر والأنثى من استعمال المشترك في معنييه دفعة وهو جائز عند الشافعية وعينهم الشيخ المصنف أو من عموم المجاز عند من منع ذلك فإن الزوج كما يقال للزوج يقال للزوجة أيضاً كما ذكره المصنف بل قال: استعمال الزوجة بالتاء لغة ضعيفة إلا في الفرائض للفرق وبفرض قصر عبارة المصنف على الزوج المقابل للزوجة فالاقتصار عليه كونه محلل النص والزوجة بطريق القياس عليه. قوله: (بارك الله لك) بفتح الكاف وهكذا عند مالك وأحمد والبخاري ومسلم وأصحاب السنن الأربعة والحميدي وابن أبي عمر والطبراني في الأوسط وابن السكن والإسماعيلي وأبي عوانة والبرقاني وأبي نعيم والبيهقي والبغوي وغيرهم وهو عند جمهور الرواة من مسند أنس وعند بعض رواته من مسند ابن عوف قاله القلقشندي في شرح العمدة ووهم صاحب الحرز فقال في هذا الحديث إنه بفتح الكاف وكسرها أيضاً اهـ. فإن الكسر لم تأت به رواية بل لا يصح بوجه لأن الخطاب فيه لعبد الرحمن بن

أو بارك الله عليك، وجمع بينكما في خير. ويستحب أن يقال لكل واحد من الزوجين: بارك الله لكل واحدٍ منكما في صاحبه، وجمع بينكما في خير. روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أنس رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه حين أخبره أنه تزوَّج: "بارَكَ الله لَكَ". ـــــــــــــــــــــــــــــ عوف كما سيأتي في الأصل ولعل مراده أنه بالكسر لا في هذا الحديث بل بطريق القياس على المنصوص وهو الفتح والله أعلم، وقوله: بارك الله لك أي كثر لك النمو والأنعام والأمن من كل مؤذ في هذا الأمر المهم الذي يحتاج إلى الأمداد ومن ثم جاء في الحديث ثلاثة حق على الله أن يعينهم وذكر منهم المتزوج عفافاً قال الكرماني في أواخر كتاب الدعوات من شرح البخاري أراد بقوله بارك الله لك اختصاص البركة وبقوله عليك استعلاءها عليه اهـ. قوله: (وبارك عليك) رواه الشيخان والترمذي والنسائي كلهم من حديث جابر. قوله: (وجمع بينكما في خير) أي بأن تجتمعا على الطاعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحسن المعاشرة والموافقة لما يدعو لدوام الاجتماع حسن الاستمتاع ثم قوله وجمع بينكما الخ لم يرد مع أحدى هذين اللفظين السابقين عند من ذكر بل هو من دعاء آخر ورد منه -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي هريرة كان -صلى الله عليه وسلم- إذا تزوج إنسان قال له الله: بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير رواه أصحاب السنن الأربعة وابن حبان والحاكم في المستدرك وبما ذكر علم أن قوله وجمع بينكما مجموع إلى ما قبله من الذكرين وإن كلاً من الذكرين الأولين جاء مستقلاً قاله في وقتين وجمعه تارة مع الثالث في وقت آخر والله أعلم. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) وسبق أن الحديث عند الترمذي والنسائي وأشار ابن النحوي في شرح البخاري إلى أنه عند ابن ماجه أيضاً وسبق ذكر ما في مخرجيه في كلام القلقشندي وعبد الرحمن بن عوف هو أبو محمد عبد الرحمن بن عوف بن الحارث وقيل ابن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري الصحابي الجليل أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الستة أصحاب الشورى وأحد الثمانية السابقين للإسلام وأحد المهاجرين الأولين

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأحد المفتين على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمين النبي -صلى الله عليه وسلم- على نسائه وأمه صفية بنت عبد مناف بن زهرة وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو وقيل عبد الكعبة فسماه النبي -صلى الله عليه وسلم- عبد الرحمن أسلم قديماً على يد أبي بكر الصديق قبل أن يدخل النبي -صلى الله عليه وسلم- دار الأرقم وآخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين سعد بن الربيع بالمدينة وبينه وبين أيمن بمكة ولزم النبي -صلى الله عليه وسلم- وشهد معه المشاهد وجرح في رجله يوم أحد عشرين جراحة أو أكثر فعرج وهاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة وكان كثير المال جداً كثير الإنفاق في سبيل الله والصدقة والعتق تصدق على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأربعة آلاف درهم ثم بأربعين ألفاً ثم بأربعين ألف دينار ثم بخمسمائة فرس في سبيل الله ثم بخمسمائة راحلة وأخرج أبو نعيم في الحلية عن جعفر بن برقان قال بلغني أن عبد الرحمن بن عوف أعتق ثلاثين ألف نسمة وأخرج أحمد والحارث بن أبي أسامة في مسنديهما مرفوعاً اللهم اسق عبد الرحمن بن عوف من سلسبيل الجنة وبعثه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى دومة الجندل وعممه بيده وأرخى له عذبة وسدلها بين كتفيه وقال: إن فتح الله عليك فتزوج بنت ملكهم أو شريفهم فتزوج تماضر بنت شريفهم ومن مناقبه العظيمة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- خلفه في غزوة تبوك حين أدركه وقد صلى بالناس ركعة والقصة في صحيح مسلم ولما قال لأهل الشورى هل لكم أن أختار لكم وانفصل فقال: علي أنا أول من رضيت فإني سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: أمين في أهل السماء والأرض روي أن عثمان ابن عفان اشتكى فدعا حمران فقال: اكتب العهد من بعدي لعبد الرحمن بن عوف فكتبه وانطلق إليه حمران يبشره فقام بين القبر والمنبر فقال: اللهم أمتني قبل عثمان فلم يعش بعد ذلك إلا ستة أشهر وفي السند ابن لهيعة روى له عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما قيل خمسة وستون حديث اتفقا منها على حديثين وانفرد البخاري بخمسة ومناقبة كثيرة ومات سنة اثنتين وثلاثين وله خمس وسبعون سنة وقيل غير ذلك وصلى عليه عثمان ودفن بالبقيع وخلف مالاً عظيماً حتى قطع الذهب بالفؤوس وصولحت امرأة من نسائه الأربع وهي تماضر بثمانين ألفاً قيل

وروينا في "الصحيح" أيضاً أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لجابر رضي الله عنه حين أخبره أنه تزوَّج: "بارَكَ اللهُ عَلَيكَ". وروينا بالأسانيد الصحيحه ـــــــــــــــــــــــــــــ ديناراً وقيل درهماً وأوصى لأمهات المؤمنين بحديقة بيعت بأربعمائة ألف درهم ولكل رجل ممن شهد بدراً بأربعمائة دينار وكان بقي منهم مائة وبألف فرس في سبيل الله رضي الله عنه كذا نقل من شرح العمدة للقلقشندي. قوله: (وروينا في الصحيح الخ) من حديث جابر وتقدم تخريجه وفي كل من الحديثين أنه -صلى الله عليه وسلم- سأل كلاً من عبد الرحمن وجابر عن التزوج فقال لعبد الرحمن وقد رأى عليه آثار صفرة ما هذا وفي رواية مهيم فقال: إني تزوجت امرأة وهي أم إناس بنت أبي الحيسر بمهملتين بينهما تحتية وآخره راء واسمه أنس بن رافع الأوسي كما في التوشيح على وزن نواة من ذهب فقال: بارك الله لك والبركة الزيادة وجاء في بعض طرق حديثه زيادة هي قال عبد الرحمن ولقد رأيتني ولو أقلب حجراً لرجوت أن أصيب ذهباً أو فضة أشار إلى قبول الدعوة النبوية بالبركة له كذا في شرح العمدة للقلقشندي أيضاً وقال لجابر: تزوجت يا جابر قال: نعم يا رسول الله وذكر اعتذاره من نكاح الثيب قال: فبارك الله عليك ففيه جواز سؤال الإِمام أصحابه عن مثل ذلك ومفاوضتهم فيه والسؤال عن حال الصاحب والنظر في أمره والدعاء للمتزوج والله أعلم. قوله: (وروينا بالأسانيد الصحيحة الخ) قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الشرح الكبير روى الحديث أحمد والدارمي وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم من حديث أبي هريرة وصححه أيضاً الحافظ أبو الفتح القشيري في الاقتراح على شرط مسلم وفي الباب عن عقيل بن أبي طالب رواه الدارمي وابن السني وغيرهما من طريق الحسن قال: تزوج عقيل بن أبي طالب امرأة من في جشم فقيل له بالرفاء والبنين فقال: قولوا كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بارك الله فيكم وبارك لكم" قلت:

فصل "يكره أن يقال للمتزوج بالرفاء والبنين لما قدمناه في كتاب النكاح" اهـ.

في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه وغيرها عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا رفَّأ الإنسانَ إذا تزوج قال: "بارَكَ الله لك، وبارَكَ عَلَيكَ، جَمَعَ بَيْنَكُما في خَيرٍ". قال الترمذي: حديث حسن صحيح. فصل: ويكره أن يقال له: بالرَّفاء والبنين، وسيأتي دليل كراهته إن شاء الله تعالى في "كتاب حفظ اللسان " في آخر الكتاب. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن النحوي في شرح البخاري بعد أن أخرجه عن الأشعت عن الحسن فذكره قال الطبري: إلا أن الحسن لم يسمع من عقيل وقد حدث به عن الحسن عن عقيل غير الأشعت فلم يرفعه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اهـ. ولعل هذا مراد الحافظ ابن حجر بقوله واختلف فيه على الحسن وأخرجه تقي بن مخلد من طريق غالب عنه عن رجل من بني تميم قال: كنا نقول في الجاهلية بالرفاء والبنين فعلمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: فذكره اهـ. قال ابن النحوي قال الطبري والذي أختار من الدعاء ما صحت به الرواية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إذا رفأ الرجل بتزويج قال: بارك الله لك وبارك عليك" ورواية الداودي عن سهل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قلت: والحديث عند أبي داود وفي آخره وجمع بينكما في خير، وغير محظور الزيادة على ذلك. قوله: (قال الترمذي حديث حسن صحيح) وكذا تقدم تصحيحه عن والحاكم وعن القشيري في الاقتراح. فصل قوله: (ويكره أن يقال له) أي للزوج (بالرفاء والبنين وسيأتي دليل كراهته في كتاب حفظ اللسان) اعلم أن الشيخ رحمه الله ونفع به عزم على ذكر دليله في ذلك الكتاب فحصل له نسيان من ذكره ثمة ولا عيب في ذلك وعبارته في ذلك الكتاب فيما رأيت من النسخ المصححة. فصل "يكره أن يقال للمتزوج بالرفاء والبنين لما قدمناه في كتاب النكاح" اهـ. قال الشيخ ابن النحوي في شرح البخاري في قول البخاري باب كيف يدعى للمتزوج ثم ساق حديث عبد الرحمن بن عوف هذا الحديث يأتي في الدعوات أيضاً وقد أخرجه مسلم أيضاً وكذا أبو داود والنسائي وابن ماجه وأراد بهذا الباب والله أعلم رد قول العامة عند

باب ما يقول الزوج إذا دخلت عليه امرأته ليلة الزفاف

والرّفاء بكسر الراء وبالمدّ: وهو الاجتماع. باب ما يقول الزوج إذا دخلت عليه امرأته ليلة الزفاف ـــــــــــــــــــــــــــــ العرس بالرفاء والبنين على ما كانت الجاهلية تقول عند العرس للمتزوج وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى أن يقال ذلك للمتزوج من حديث عقيل بن أبي طالب ذكره النسائي وأبو عبيد والطبري ثم ذكر ما تقدم نقله عنه في حديث عقيل قبيل الفصل من كلامه من الاختلاف الواقع في حديثه على الحسن راويه والله أعلم قال القاضي عياض فإن قلت الرفاء الألفة فكأنه دعا بالألفة والبنين فما وجه كراهية ذلك قلت: كانت الجاهلية تقول تفاؤلاً لا دعاء رجماً بالغيب ولو ذكره واحد بصيغة الدعاء ألف الله بينكما ورزقكما البنين لم يكره ذلك وقد ورد أبلى وأخلقى في حديث أم خالد لأنه منه -صلى الله عليه وسلم- دعاء وإن لم يكن بصيغة الدعاء أو كره الجزم بالبنين دون البنات لأنه تقرير لعادة الجاهلية في معاداة البنات وتأكيداً لما في نفس الزوج من طلب الذكر حتى لو رزق أنثى سخط بها لأنه لم يوطن نفسه عليها بل على الولد خاصة وهذا من بقايا الجاهلية والدعاء بالبركة يدخل فيه الولد على الإطلاق وإن كانت النسمة مباركة فلا ضير وإن كانت أنثى أو غير مباركة فلا خير وإن كانت ذكراً وقد قال -صلى الله عليه وسلم- لأبي طلحة وبارك ليلتكما فحملت بذكر وبورك فيه وفي ذريته وفي رواية فجاء منه عشرة كلهم علماء فقهاء والله أعلم. قوله: (والرفاء بكسر الراء وبالمد) أي وهمزته إما أصلية بناء على أن ماضيه رفأ بالهمز أو مبدلة من واو بناء على أنه رفأ بالألف اللينة يقال رفأت الثوب رفأ ورفوته رفواً أشار إليه في السلاح وقال الرفاء الالتئام والاتفاق. باب ما يقول الزوج إذا دخلت عليه امرأته ليلة الزفاف بكسر الزاي وبالفاءين هدية العروس إلى زوجها ومثل الزوجة في استحباب الإتيان بالذكر الآتي للزوج عند زفافها السرية والخادم كما صرح به في الحصن

يستحبُّ أن يسميَ الله تعالى ويأخذَ بناصيتها أول ما يلقاها ويقول: بارك الله لكل واحدٍ منا في صاحبه. ويقول معه ما رويناه بالأسانيد الصحيحة في سنن أبي داود وابن ماجه وابن السني وغيرها عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا تَزوَّجَ أحَدُكُم امْرأةً، أوِ اشْتَرى خادماً فَلْيَقُل: اللهُم إني أسألُكَ خَيرَها وَخَيرَ ما جَبَلْتَها عَلَيهِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّها وشَرِّ ما جَبَلْتَها عَلَيهِ. وَإذَا اشْتَرَى بَعِيراً فَلْيَأخُذْ بِذِرْوَةِ سَنامِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وجاء التصريح بالخادم في الخبر. قوله: (يستحب أن يسمي الله) أي يذكر اسمه تعالى بأي صيغة كانت من أنواع الذكر وأولاه البسملة ودليل استحباب الذكر قوله -صلى الله عليه وسلم-: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بذكر الله فهو أبتر كما جاء هكذا في رواية. قوله: (ويأخذ بناصيتها) في الصحاح الناصية الشعر الكائن في مقدم الرأس اهـ. والظاهر أن المراد هنا مقدم الرأس سواء كان فيه شعر أم لا ودليل الأخذ بالناصية حديث أبي داود والنسائي وأبي يعلى الموصلي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً بذلك. قوله: (ويقول معه ما رويناه بالأسانيد الصحيحة الخ) قال في السلاح رواه أبو داود واللفظ له والنسائي وابن ماجه والحاكم في المستدرك وقال صحيح على ما ذكرنا من رواية الأئمة الثقات عن عمرو بن شعيب اهـ. وزاد في الحصن فيمن خرجه أبو يعلى الموصلي وبقي عليهما ما زاد المصنف هنا من ابن السني. قول: (إني أسألك خيرها) الضمير راجع إلى المرأة أو إلى النفس الشاملة لها وللخادم وعند أبي يعلى أسألك من خيرها وهو يفيد التبعيض والمطلوب كل خيرها ثم المراد من خيرها كونها طيبة الذات بقرينة قوله "وخير ما جبلتها عليه" أي خلقتها وطبعتها عليه أي من الأفعال والصفات قاله ابن الجزري. قوله: (وإذا اشترى بعيراً الخ) مثل البعير فيما ذكر سائر الحيوانات كالخيل والبغال والحمير. قوله: (بذروة سنامه) وفي القاموس ذروة السنام بالضم والكسر أي للذال من كل شيء أعلى سنامه اهـ. ومثلها في المصباح قال في الفتح المبين قيل والقياس جواز فتحه أيضاً اهـ.

باب ما يقال للرجل بعد دخول أهله عليه

وَلْيَقُلْ مِثْلَ ذلك" وفي رواية: "ثُم ليأخُذْ بِنَاصِيَتِها وَلْيَدْعُ بالبَرَكَةِ في المَرأةِ وَالخَادِمِ". باب ما يقال للرجل بعد دخول أهله عليه روينا في "صحيح البخاري" وغيره عن أنس رضي الله عنه قال: " بنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بزينبَ رضي الله عنها، فأولم بخبز ولحم ... " وذكر الحديث ـــــــــــــــــــــــــــــ فيؤخذ منه ومما قبله ما قيل به من أن الذروة مثلث. قوله: (وليقل مثل ولك) أي مثل ما قال في الزوج والخادم اللهم إني أسألك خيرها الخ. قوله: (وفي رواية) لأبي داود رواها عن أحد شيخيه في هذا الحديث وهو عبد الله بن سعيد وعبارة أبي داود حدثنا عثمان بن أبي شيبة وعبد الله بن سعيد قالا: حدثنا أبو خالد حدثنا محمد بن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه الخ قال: وزاد عبد الله بن سعيد وليأخذ بناصيتها ويدع بالبركة في المرأة والخادم. باب ما يقال للرجل بعد دخول أهله عليه قوله: (روينا في صحيح البخاري وغيره) أخرجه مسلم أيضاً في صحيحه وأصل الحديث عند الترمذي وليس فيه مجيئه -صلى الله عليه وسلم- إلى بيت أزواجه وما معه. قوله: (بنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بزينب) أي دخل بها وأصله أن الرجل كان إذا دخل على المرأة بنى عليها قبة فأطلق هذا وأريد منه الدخول على الزوجة وقال الجوهري لا يقال بنى بها والصواب أن يقال بنى عليها قال الكرماني وهو غير مسلم له فقد جاء كذلك في الحديث الصحيح اهـ. وكان تزوجه -صلى الله عليه وسلم- بزينب في السنة الخامسة من الهجرة وقيل: في السنة الثالثة منها بعد طلاق زيد بن حارثة لها. قوله: (فأولم بخبز ولحم) وجاء في رواية عند مسلم ما أولم -صلى الله عليه وسلم- على امرأة من نسائه أكثر وأفضل مما أولم على زينب وجاء في رواية أنه -صلى الله عليه وسلم- أولم بشاة وفي أخرى أولم بحيس أرسلت به أم سليم ولا مانع كما قال ابن النحوي من أنه أولم بكل من الثلاث قال المصنف ويحتمل أن سبب مبالغته في وليمة زينب الشكر لنعمة الله تعالى أن زوجه إياها بالوحي لا بولي ولا بشهود بخلاف غيرها ومذهبنا المشهور الصحيح عند أصحابنا صحة

في "صفة الوليمة وكثرة من دعي إليها" ثم قال: فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فانطلق إلى حجرة عائشة فقال: "السلامُ عَلَيْكُمْ أهْلَ البَيتِ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ، فقالت: وعليكَ السلام ورحمة الله، كيف وجدتَ أهلك؟ بارك الله لك، ـــــــــــــــــــــــــــــ تزوجه -صلى الله عليه وسلم- بلا ولي ولا شهود لعدم الحاجة إلى ذلك في حقه -صلى الله عليه وسلم- والخلاف في غير زينب أما هي فمنصوص عليها اهـ. قوله: (وكثرة من دعي إليها) أي بحيث ملؤوا الحجرة لأنه -صلى الله عليه وسلم- سمى له جماعة ثم أذن له أن يدعو من لقي فكفاهم أجمعين ذلك الحيس فكان من معجزاته -صلى الله عليه وسلم- اطلاعه على المغيب من أن هذا الطعام اليسير يكفي هذا الجمع الكثير ومن معجزاته تكثير ذلك الطعام ببركته -صلى الله عليه وسلم-. قوله: (فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) أي لما تخلف أقوام بعد تمام الوليمة في بيته -صلى الله عليه وسلم- واشتغلوا بالحديث فلم يأمرهم -صلى الله عليه وسلم- بالخروج لأنه لا يليق بمكارم أخلاقه بل فعل ما يفهمون منه ذلك وهو خروجه ليخرجوا فلم يبرزوا إلا بعد ذلك كما هو مبين في الحديث. قوله: (فانطلق إلى حجرة عائشة رضي الله عنها فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله فقالت: وعليك السلام ورحمة الله الخ) في مسلم فجعل يمر على نسائه فيسلم على كل واحدة منهن يقول: كيف أنتم يا أهل البيت؟ فتقول: بخير كيف وجدت أهلك؟ فيقول: بخير قال المصنف في شرح مسلم في هذه القطعة فوائد منها أنه يستحب للإنسان إذا أتى منزله أن يسلم على امرأته وأهله وهذا مما يتكبر عليه كثير من الجاهلين المترفعين ومنها أنه إذا سلم على واحد قال: سلام عليكم أو السلام عليكم بصيغة الجمع قالوا: ليتناول ملائكته ومنها سؤال الرجل أهله عن حالهم فربما كانت في نفس المرأة حاجة فتستحي أن تبتديء بها فإذا سألها انبسطت لذكر حاجتها ومنها أنه يستحب أن يقال للرجل عقب دخوله بأهله: كيف حالك؟ ونحو هذا اهـ. وهذا صريح في استحباب قول ما ذكر للزوج عقب دخوله وعبارة الكتاب محتملة لذلك والاقتصار على قوله: بارك الله لك وإن كان ظاهر إيراده في هذا الكتاب الموضوع لما يطلب الإتيان به من الألفاظ والأذكار استحباب ذلك السؤال والذكر معاً ومن ثم قال ابن حجر الهيتمي في شرح المنهاج ظاهر كلام الأذكار سن ذلك ثم قال: وقد يقال قولهن: كيف وجدت أهلك؟ لا يؤخذ منه ندبه مطلقاً لما فيه من نوع استهجان مع الأجانب

باب ما يقوله عند الجماع

فتقرَّى حُجرَ نسائه كلّهن يقول لهنَّ كما يقول لعائشة، ويقلن له كما قالت عائشة". باب ما يقوله عند الجماع روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن ابن عباس رضي الله عنهما من ـــــــــــــــــــــــــــــ لا سيما العامة وقد يجاب بأن الاستفهام ليس على حقيقته بدليل أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يجب عنه وإنما هو للتقرير أي وجدتها على ما يجب ومع ذلك لا يندب هذا إلا لعارف بالسنة لما أشرت إليه اهـ. وكأنه أخذ عدم إجابته -صلى الله عليه وسلم- لنسائه عن هذا السؤال من رواية البخاري التي في الأصل وتقدم التصريح بالجواب منه -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك عند مسلم وأنه -صلى الله عليه وسلم- قال بخير فالسؤال حينئذٍ على حقيقته والله أعلم بأسرار شريعته ولعل منه التوصل بهذا الاستفصال إلى الوقوف على حقيقة الحال فيعامل كل مقام بما يستحقه من الأفعال والأقوال والله أعلم. قوله: (فتقرى) بالمثناة الفوقية والقاف المفتوحتين فالراء المفتوحة المشددة أي تتبع يقال: قريت الأرض أي تتبعتها أرضاً بعد أرض أي تتبع حجر نسائه أي باقيها بعد حجرة عائشة وفي تقديمها تنبيه على مالها عنده -صلى الله عليه وسلم- من الرفعة وعلو المرتبة ومزيد المحبة. باب ما يقوله عند الجماع قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم) وكذا رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة كلهم من حديث ابن عباس كذا في الجامع الصغير للسيوطي وفي شرح العمدة للقلقشندي وأخرجه عبد بن حميد والإسماعيلي وأبو عوانة والبرقاني وأبو نعيم والبيهقي وغيرهم ومداره عندهم على سالم عن كريب عن ابن عباس وعند النسائي عن منصور عن كريب ليس فيه سالم وفي بعضها عنده عن منصور عن سالك عن ابن عباس موقوفاً ولم يذكر كريباً وفي سند الصحيحين ذكر ثلاثة من التابعين في نسق منصور بن

طرق كثيرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَوْ أنَّ أحَدَكُمْ إذَا أتى أهْلَهُ قالَ: بسْمِ الله، اللَّهُمَّ جَنِّبْنا الشَّيطانَ وَجَنِّبِ الشَّيطانَ ما رَزَقْتَنا فَقُضِيَ بَيْنَهُما وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ معتمر وسالم وكريب اهـ. وهذا من لطائف السند عندهم وقال العراقي: هذا الحديث من أفراد ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يروه عن ابن عباس إلا كريب ولم يروه عن كريب إلا سالم قال البزار: لا نعلم روى هذا اللام عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا من هذا الوجه اهـ. قوله: (لو أن أحدهم) مرجع الضمير فيه يفسره سياق الكلام كقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ} وهو كثير ولفظ لو فيه شرطية وجوابها محذوف تقديره لم يضره الشيطان كما جاء مصرحاً به في رواية للبخاري والدليل على هذا الجواب هنا قوله فإنه أن يقدر بينهما ولد الخ. قوله: (جنبنا) بكسر النون الأولى المشددة وكون الموحدة أي بعدنا الشيطان أو جنبنا كيده فحذف المضاف واقيم المضاف إليه مقامه. قوله: (ما رزقتنا) المراد به الولد أي بفرض حصوله وإن كان اللفظ أعم ففيه أن الولد من الرزق. قوله: (فإنه أن يقدر بينهما ولد) أي خلق ولد وعلوقه. قوله: (لم يضره) أي بضم الراء وفتحها كما في تحفة القاري أي الشيطان قال المصنف قال القاضي المراد أنه لا يضره أي لا يصرعه الشيطان وقيل: لا يطعن فيه عند ولادته بخلاف غيره قال: ولم يحمله أحد على العموم في جميع الضرر والوسوسة والأغواء اهـ. قال ابن النحوي في شرح البخاري اختلف في الضرر المدفوع فقيل إنه الطعن الذي يطعن المولود الذي عصم منه عيسى عليه السلام وطعن أم مريم في الحجاب لما استعاذت منه وقيل: هو ألا يصرع ذلك المولود الذي يذكر اسم الله عليه ويستعاذ من الشيطان عند جماع أمه وكلا الوجهين جائز والله أعلم بالواجب منهما ولا يجوز أن يكون الضرر الذي يكفاه من الشيطان كل ما يجوز أن يكون من الشيطان فلو عصم أحد من ضرره لعصم منه الشارع وقد تعرض له في الصلاة والقراءة اهـ. وتعقبه بعضهم بأنه لا ينبغي أن يكون المدفوع هو المدفوع عن عيسى لأنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "كل مولود يولد يطعن الشيطان في خاصرته فيستهل صارخًا من الشيطان إلا مريم وابنها لقوله أم مريم: "وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم فليس لأحد بعد هذا أن يطمع في مساواة عيسى وأمه"، فإن قلت إنما اندفع ضرره عنهما

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالاستعاذة فينبغي لكل من استعاذ منه ذلك، قلت ذلك من الخصائص بنص الحديث والله أعلم وقال ابن النحوي في محل آخر من شرحه "ما" في الحديث بمعنى شيء ويكون لمن يعقل إذا كانت بمعنى شيء نبه عليه ابن التين أو لإيهام أمره كما في قوله تعالى: والله أعلم بما ولدت قال القلقشندي ومعنى لم يضره لم يكن له عليه سلطان بل يكون من جملة العباد المحفوظين المذكورين في قوله إن عبادي ليس لك عليهم سلطان أي ببركة هذا الذكر وحسن نية أبويهم وأبعد من قال إن المراد لم يصرعه وكذا من قال: لم يطعن فيه عند الولادة كما لم يطعن في عيسى وأمه واختار تقي الدين القشيري في شرح العمدة أن المراد لم يضره في بدنه وإن كان يحتمل الدين ويبعده انتفاء العصمة إذ لو عصم أحد من ضرره لعصم منه من اعترضه في الصلاة فأمكنه الله منه فأراد ربطه في سارية من سواري المسجد وفي القراءة كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} ويبعد حمله على العموم من ضرر الدنيا والدين أنه لو حمل على ذلك لاقتضى عصمة الولد من المعاصي كلها ولا يتفق ذلك أو يعز وجوده ولا بد من وقوع ما أخبر به الشارع -صلى الله عليه وسلم- وتعقب بأن اختصاص من خص بالعصمة بطريق الوجوب لا بطريق الجواز فلا مانع من أن يوجد من لا تصدر عنه معصية عمداً وإن لم يكن واجباً له وقال الشيخ زكريا في شرح البخاري كل مولود وإن كان يمسه الشيطان غير عيسى وأمه فلا بد له من وسوسة فالمراد هنا لم يتسلط عليه بحيث يمنعه العمل الصالح وقيل لا يصرعه وقيل لا يطعن فيه عند ولادته واقتصر الكرماني على الأول من هذه الثلاثة الأقوال وعبر عنه ابن الجزري في تصحيح المصابيح بقوله: أي لم يسلط عليه في دينه ولم تظهر مضرته في حقه بنسبة غيره وزاد فقال وقيل لم يطعن فيه طعناً شديداً عند الولادة بخلاف غيره قال: ولم يحمل أحد هذا الحديث على العموم في جميع الضرر والأغواء والوسوسة اهـ. قال في الحرز وكيف يحصل على ما لا يمتنع منه إلا معصوم لكن الصادق أخبر بهذا فلا بد أن يكون له تأثير ظاهر وإلا فما الفائدة فيه ومن وفقه الله للعمل بهذا رأى من البركة في ولده ما تحقق أنه -صلى الله عليه وسلم- ما ينطق عن الهوى، قلت: وأقل فائدة بعد ذكر الله ودعائه بسؤاله اجتناب الشيطان لنفسه تضمن طلب الولد الصالح من الله تعالى بذلك العمل المباح

وفي رواية للبخاري "لَمْ يَضُرَّهُ شَيطانٌ أَبَداً". ـــــــــــــــــــــــــــــ فيصير عبادة بحسن النية فنية المؤمن خير من عمله اهـ. وقال الداودي معنى لم يضره أي لم يفتنه عن دينه إلى الكفر وليس المراد عصمته عن المعصية وقيل لم يضره بمشاركة أبيه في الجماع وقد جاء عن مجاهد أن الذي يجامع ولم يسم الله يلتف الشيطان على أحليله ويجامع معه قال ابن النحوي وفي الحديث استحباب التسمية والدعاء المذكور في ابتداء الوقاع وفيه الاعتصام بذكر الله تعالى من نزعات الشيطان وأذاه وأن الدعاء يصرف به البلاء والتبرك باسمه تعالى والاستشعار بأن الله هو الميسر لذلك العمل والمعين عليه قال الطبري: إذا قال ذلك عند جماع أهله كان قد اتبع سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجونا له دوام الألفة بينهما ودخل فيه جماع الزوجة والمملوكة وهو كذلك وإن كان لفظ الحديث حين يأتي أهله إذ يمكن أن يحدث بينه وبين المملوكة ولد فيه الحث على ذكر الله تعالى ودعائه في كل حال لم ينه عنه الشارع حتى في حال ملاذ الإنسان ومثله حال الطهارة وفيه الرد على من كره ذلك وروي عن ابن عباس أنه كره الذكر على حالين الخلاء والوقاع قال ابن بطال: والحديث بخلافه قال ابن النحوي قلت: لا مخالفة إذ المراد بإتيانه أهله إرادة ذلك وحينئذٍ فليس خلافه قلت: ويؤيده أنه جاء في رواية في الصحيحين وإذا أراد أن يأتي أهله وأما رواية الدارمي والإسماعيلي حين يجامع أهله الظاهرة في أن القول مع الفعل فتحمل على المجاز حتى يندفع التعارض ويتبين بالرواية التي فيها يجامع أن المراد بالإتيان في الحديث الجماع وهو من كنايات الجماع لا من صرائحه عندنا ذكره القلقشندي في شرح العمدة قال ابن النحوي وكراهة الذكر على غير الطهر لأجل التعظيم قلت: وتقدم حكم الذكر في غير حال الطهارة في الفصول أول الكتاب وفي الحديث إشارة إلى ملازمة الشيطان لابن آدم من حين خروجه من ظهر أبيه إلى رحم أمه إلى موته أعاذنا الله الكريم منه وهو يجري من ابن آدم مجرى الدم وعلى خيشومه إذا نام وعلى قلبه إذا استيقظ فإذا غفل وسوس وإذا ذكر الله خنس ويضرب على قافية رأسه إذا نام ثلاث عقد عليك ليل طويل وتنحل عقده بالذكر والوضوء والصلاة اهـ. قوله: (وفي رواية البخاري الخ) قال

باب ملاعبة الرجل امرأته وممازحته لها ولطف عبارته معها

باب ملاعبة الرجل امرأته وممازحته لها ولطف عبارته معها روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن جابر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تَزَوَّجْتَ بكْراً، أمْ ثَيباً؟ قلت: تزوَّجتُ ثيباً، قال: هَلاَّ تَزَوَّجْتَ بكْراً تُلاعِبُها وتُلاعِبُكَ". ـــــــــــــــــــــــــــــ القلقشندي في شرح العمدة قوله: لم يضره الشيطان ورواية مسلم شيطان بالتنكير وهي عند البخاري في النكاح وفي الدعوات لم يضره فقط وعنده في صفة إبليس لم يضره الشيطان ولم يسلط عليه اهـ. وبه يعلم أن ما توهه العبارة من كونه بحذف شيطان فاعل يضره عند مسلم أيضاً غير مراد فإن الفاعل مذكور في رواية مسلم إلا أنه منكر وحذفه إنما هو في رواية البخاري في النكاح والدعوات والله أعلم. باب ملاعبة الرجل امرأته وممازحته لها ولطف عبارته معها الملاعبة مفاعلة من اللعب وقيل من اللعاب والممازحة والمزاح بكسر الميم مصدر مازح والمزاح هو انبساط مع الغير من غير إيذاء له وبه فارق الاستهزاء والسخرية والمراد المزاح الخالي من نحو تهييج الضغائن وعن الكذب وعن التسلط به إلى ضرر في بدن إنسان أو ماله فذلك المزاح المذموم والمحمود ما خلا عن ذلك كله ومنه ما جاء من مزاحه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إني أمزح ولا أقول إلا حقاً" "ولطف العبارة" بضم اللام أي تحسين الخطاب ولطفه. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم) وسبق تخريج حديث جابر في باب ما يقال للزوج بعد عقد النكاح. قوله: (تزوجت بكراً أم ثيباً) أي أتزوجت بكراً بتقدير الاستفهام لأن أم لا يعطف بها إلا بعد الاستفهام والثيب من ليس ببكر يطلق على الذكر والأنثى يقال رجل ثيب وامرأة ثيب. قوله: (قلت تزوجت ثيباً) هي سهيلة بنت شمعون الأوسية كذا في تحفة القاري على البخاري للشيخ زكريا. قوله: (تلاعبها) قال ابن النحوي يحتمل أن يكون من اللعاب أو اللعب المعروفة وقال العراقي في شرح التقريب قوله: تلاعبها وتلاعبك من اللعب المعروفة ويؤيده قوله: تضاحكها وتضاحكك وفي رواية لأبي

وروينا في كتاب الترمذي وسنن النسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أكمَلُ المُؤمِنِينَ إيمَاناً أحْسَنُهُمْ خُلُقاً وألْطَفُهُمْ لِأهلِهِ". ـــــــــــــــــــــــــــــ داود وتداعبها وتداعبك من الدعابة بالدال والعين المهملتين والموحدة وهي المزاح هكذا حكاه القاضي عياض عن جمهور المتكلمين في شرح هذا الحديث وقال بعضهم: يحتمل أن يكون من اللعاب وهو الريق وعند مسلم فأين أنت من العذارى ولعابها هو بكسر اللام مصدر لاعب من الملاعبة كقاتل مقاتلة وقتالاً قال القاضي عياض الرواية في كتاب مسلم بالكسر لا غير ورواه أبو ذر من طريق المستملي لصحيح البخاري ولعابها بضم اللام يعني به ريقها عند التقبيل قال أبو العباس القرطبي وفيه بعد والصواب الأول وقال عياض الأول أظهر وأشهر اهـ. وفي الحديث فضل التزوج بالإبكار وجواز سؤال الكبير أصحابه عن أمورهم وتفقد أحوالهم وإرشادهم إلى مصالحهم وتنبيههم على وجه المصلحة فيها وأن مثل ذلك من ذكر النكاح لا ينبغي الاستحياء منه وفيه ملاعبة الرجل امرأته وملاطفته لها وتضاحكهما وحسن العشرة بينهما. قوله: (وروينا في كتاب الترمذي الخ) والجملة الأولى أي قوله: أكمل المؤمنين أحسنهم خلقاً هي عند أحمد وأبي داود والترمذي وابن حبان والحاكم من حديث أبي هريرة وقال: هذا حديث لم يخرج في الصحيحين وهو على شرط مسلم وزاد الترمذي وخيركم خيركم لأهله وقال: هذا حديث حسن صحيح والحديث رواه ابن ماجه من حديث أبي هريرة أيضاً قال الحاكم ورواه ابن علية عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عائشة قال: وأخشى أن أبا قلابة لم يسمع من عائشة قال العراقي في أمالي المستدرك ومن خطه نقلت أخرج الترمذي الحديث عن ابن منيع عن ابن علية وقال: حديث حسن لا نعرف لأبي قلابة سماعاً عن عائشة ورواه النسائي في سننه الكبرى عن هارون بن إسحاق عن حفص بن غياث عن خالد الحذاء ورواية أبي قلابة عن عائشة لغير هذا الحديث في صحيح مسلم لكنه قرنه بالقاسم بن محمد اهـ. قوله: (أكمل المؤمنين أحسنهم خلقاً) بضم الخاء المعجمة وسكون اللام وهو للصورة الباطنة من النفس وأوصافها ومعانيها بمنزلة الخلق بفتح الخاء للصورة الظاهرة وأوصافها ومعانيها حسنة أو قبيحة لكن تعلق الكمال وضده بأوصاف

باب بيان أدب الزوج مع أصهاره في الكلام

باب بيان أدب الزوج مع أصهاره في الكلام اعلم أنه يستحب للزوج أن لا يخاطب أحداً من أقارب زوجته بلفظ ـــــــــــــــــــــــــــــ الثانية وقول ابن حجر الهيتمي في شرح الشمائل الخلق ملكة نفسانية ينشأ عنها جميل الأفعال وكمال الأحوال ليس بصواب إذ الناشيء عن الملكة يكون جميلاً تارة وقبيحاً أخرى كما علم مما تقرر ولعله أراد تعريف الخلق الحسن لا مطلق الخلق وكأنه لم يقف على قول الإِمام الراغب حد الخلق حال للإنسان داعية إلى الفعل من غير فكر ولا روية ولا على قول الغزالي الخلق هيئة للنفس تصدر عنها الأفعال بسهولة من غير احتياج إلى فكر وروية فإن كانت الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الحميدة عقلاً وشرعاً سميت الهيئة خلقاً حسناً وإن كان الصادر عنها الأفعال القبيحة سميت الهيئة التي هي المصدر خلقاً سيئاً وإنما كان من جمع بين الخلق النفيس واللطف للأهل أكمل المؤمنين إيماناً لأن الخلق الحسن تصدر عنه الأعمال المحمودة شرعاً بسهولة من القيام بالأوامر واجتناب المناهي وذلك شأن المؤمنين وإذا جمع إلى ذلك اللطف إلى العيال زاد كمالاً على كمال وقد بلغ -صلى الله عليه وسلم- من حسن الخلق ما لم يصل إليه أحد قال أبو علي الدقاق خصه الله تعالى بمزايا كثيرة ثم لم يثن عليه بشيء من خصاله بمثل ما أثنى عليه بخلقه فقال: وإنك لعلى خلق عظيم وقد كان ألطف المؤمنين بأهله كما يعلم ذلك من تتبع أحواله في لطفه مع أهله وعياله فهو سيد الخلق وأكملهم في كل حال بل كل وصف كامل إنما استعاره منه كاملو الرجال والله أعلم وقد عقد هذا الحديث الإِمام زين الدين العراقي فقال في أمالي المستدرك ومن خطه نقلت: إيمان كل امريء يزداد بالعمل ... أن يصحب المرء توفيق من الأزل وأكمل النّاس إيماناً أحاسنهم ... خلقاً فكن حسن الأخلاق تكتمل يكفيك مدحة خير الخلق منزلة ... في نون ممن كساه أشرف الحلل باب بيان أدب الرجل مع أصهاره في الكلام المراد من الصهر هنا الحم وهو قريب الرجل من جهة زوجته والختن أقاربها من جهة الزوج

فيه ذِكْر جماع النساء، أو تقبيلهن، أو معانقتهن، أو غير ذلك من أنواع الاستمتاع بهن، أو ما يتضمن ذلك أو يستدل به عليه أو يفهم منه. روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن علي رضي الله عنه قال: "كنت رجلاً مذَّاءً فاستحييت أن أسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمكان ابنته مني، ـــــــــــــــــــــــــــــ والصهر يعم الجميع. قوله: (وتقبيلهن) أي وغيره من مقدمات الجماع. قوله: (أو ما يتضمن ذلك) أي كالاستمتاع بالمرأة. قوله: (أو يستدل به عليه) أي كذكر المذي ونحوه. قوله: (أو ما يفهم منه) أي كأن يذكر الاغتسال. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم) قال القلقشندي في شرح العمدة الحديث أخرجه مالك وأحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان والإسماعيلي وأبو عوانة والدارقطني والبرقاني وأبو نعيم والبيهقي وغيرهم. قوله: (كنت رجلاً مذاء) يحتمل أن يكون على حد قوله وكان الله غفوراً رحيماً أي في الحال وما قبله لأن النّاس على ذلك في الحال فأخبرهم أنه كان في الماضي كذلك ويحتمل أنه حكاية عما مضى وانقطع عنه حين إخباره به واستبعد ومذاء بتشديد الذال والمد صيغة مبالغة على وزن فعال من المذي أي كثير المذي وهو ماء أبيض رقيق يخرج عند ثوران الشهوة من غير شهوة قوية وهو في النساء أكثر منه في الرجال يقال مذي وأمذى كما يقال مني وأمنى كذا في تحفة القاري. قوله: (فاستحييت) بتحتانيتين وهي اللغة الفصحى ويقال: استحيت بتحتانية واحدة ونقلها الأخفش عن تميم ونقل الأولى عن أهل الحجاز وقال هي الأصل وقال ابن القطاع أكثر العرب في اللغة لا تأتي بها على التمام واختلف في الياء المحذوفة في اللغة الثانية هل هي عين الفعل أو لامه والحياء شرعاً خلق يبعث على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير في حق صاحب الحق وهو محمود وممدوح وهو الذي لا يأتي إلا بخير ومذموم وهو ما كان مشوباً بشيء من الأنفة كتركه تعلم علم أو من الخور كترك إنكار منكر. قوله: (إن أسأل) محله النصب إن قدرنا استحى متعدياً بنفسه وإن قدرناه متعدياً بالحرف فمذهب الخليل والكسائي إن محله خفض ومذهب سيبويه والفراء نصب. قوله: (لمكان ابنته) اللام للتعليل وهذه علة الاستيحاء إذ

باب ما يقال عند الولادة وتألم المرأة بذلك

فأمرت المقداد فسأله". باب ما يقال عند الولادة وتألم المرأة بذلك ـــــــــــــــــــــــــــــ المذي غالباً يحصل عند ملاعبة الرجل زوجته وتقبيلها ونحو ذلك والمواجهة به مما يستحي منها فيؤخذ منه أن الأدب في مثله مما يستحي منه عرفاً ترك المواجهة به وكنى عن كونها زوجته بقوله لمكان ابنته مني ووقع في بعض طرقه عند مسلم والنسائي لمكان فاطمة مني بدل قوله لمكان ابنته مني. قوله: (فأمرت المقداد بن الأسود فسأله) ووقع في بعض طرقه عند أحمد والبخاري فأمرت رجلاً وعند أحمد وابن حبان أنه أمر عمار بن ياسر أن يسأل وعند أبي داود وابن خزيمة أن علياً سأل بنفسه وعند الإسماعيلي أن علياً قال: سألنا وعند عبد الرزاق في مصنفه عن المقداد فسألت وجمع ابن حبان بينها بأن علياً أمر عماراً أن يسأل ثم أمر المقداد أن يسأل ثم سأل بنفسه واستحسنه ابن النحوي وقال يؤيده رواية عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء أخبرني عياش بن أنس قال: تذاكر علي وعمار والمقداد المذي فقال على إني رجل مذاء فاسألا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك قال ابن عباس فسأله أحد الرجلين عمار أو المقداد قال عطاء وسماه ابن عباس ونسيته أنا ونقل ابن عبد البر أن هذه أحسن طرق حديث المذي وتبعه البرماوي وزعم أن النسائي أخرجه بنحو ذلك قال القلقشندي وليس كذلك ويعكر على هذا الجمع قوله: فاستحييت أن أسأله لمكان ابنته مني وجمع الإسماعيلي والنووي بأن سؤال علي محمول على المجاز لكونه الآمر به وجزم ابن بشكوال بأن الذي تولى السؤال عن ذلك هو المقداد فقط فعلى هذا فرواية من روى أن عماراً سأل محمولة أيضاً على المجاز أي قصد السؤال ووقع في المحدث الفاضل للرامهرمزي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى علياً ساخناً فقال: يا علي لقد سخنت فقال: سخنت من الاغتسال بالماء وأنا رجل مذاء فإذا رأيت منه شيئاً اغتسلت قال: لا تغتسل منه يا علي الحديث اهـ. وأخذ من الحديث جواز الاستنابة في الاستفتاء ويؤخذ منه جواز دعوى الوكيل بحضرة موكله قاله الحافظ في فتح الباري. باب ما يقال عند الولادة وتألم المرأة بذلك الولادة بكسر الواو وضع الولد من نطفة أو علقة والتألم أي حصول الألم لها بذلك.

باب الأذان في أذن المولود

ينبغي أن يكثر من دعاء الكرب الذي قدمناه. وروينا في كتاب ابن السني عن فاطمة رضي الله عنها "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما دنا وِلادُها أمر أمَّ سلمة وزينب بنت جحش أن يأتيا فيقرآ عندها آية الكرسي، و {إِنَّ رَبَكُمُ اللهُ ... } [الأعراف: 54] إلى آخر الآية ويعوِّذاها بالمعوِّذتين". باب الأذان في أذن المولود روينا في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما عن أبي رافع رضي الله عنه مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أذَّن في أُذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة رضي الله عنهم" قال الترمذي: حديث ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (لما دنى ولادها) أي حضر زمنه. قوله: ({إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الأعراف: 54] إلى آخر الآية) إلى قوله: تبارك الله رب العالمين. قوله: (بالمعوذتين) بكسر الواو سورتي الفلق والناس. باب الأذان في أذن المولود أي عقب ولادته ليكون الذكر أول شيء يطرق سمعه والمراد بالأذان في الترجمة ما يشمل الإقامة بدليل حديث الحسين وحديث الترمذي لا ينفيهما لأن السكوت عن الشيء لا يدل على نفيه فيؤذن في يمناه ويقام في يسراه أي يأتي بكلماتهما المعروفة: . قوله: (روينا في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما) وكذا رواه البيهقي وهو عند الحاكم من حديث حسين بالتصغير وعند الباقين مكبر قال الترمذي: حديث حسن صحيح وقال الحاكم صحيح الإسناد وجمع أبو نعيم في رواية من الطريق المذكورة وهذا لفظه عن أي رافع أنه عليه الصلاة والكلام أذن في أذن الحسن والحسين كذا في التخريج الصغير لأحاديث الرافعي لابن النحوي. قوله: (عن أبي رافع) هو بالراء والفاء المكسورة والعين المهملة وهو القبطي مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسبق ذكر ترجمته في باب ما يقول إذا قام إلى الصلاة. قوله: (أذن في أذن الحسن) أي أتى بكلمات الأذان المعروفة: في أذن الحسن عقب ولادته ليكون الذكر أول شيء يقرع سمعه ويشرع في قلبه

باب الدعاء عند تحنيك الطفل

حسن صحيح. قال جماعة من أصحابنا: يستحبُّ أن يؤذّن في أُذنه اليمنى ويقيم الصلاة في أذنه اليسرى. وقد روينا في كتاب ابن السني عن الحسين بن علي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأذَّنَ في أُذُنِهِ اليُمْنَى، وأقامَ في أُذُنِه اليُسْرَى لَمْ تَضُرَّهُ أُم الصُّبْيانِ". باب الدعاء عند تحنيك الطفل روينا بالإسناد الصحيح في سنن أبي داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يؤتى بالصبيان فيدعو لهم ويحنَّكهم" وفي رواية "فيدعو لهم بالبركة". وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أسماء بنتِ أبي بكر رضي الله عنهما قالت: "حملت بعبد الله بن الزبير بمكة، فأتيتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل لأن الشيطان ينخس فيه عند الولادة فاستحبَّ الأذان حينئذٍ لأن الشيطان يدبر عند سماعه. قوله: (لم تضره أم الصبيان) هي التابعة من الجن وقيل مرض يلحق الأولاد في الصغر قال ابن حجر في التحفة ويسن أن يقرأ في أذنه اليمنى فيما يظهر {وإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [أل عمران: 36] وورد أنه -صلى الله عليه وسلم- قرأ في أذن مولود "الإخلاص " فيسن ذلك أيضاً اهـ. باب الدعاء عند تحنيك الطفل يقال: حنكت الصبي بتخفيف النون وتشديدها إذا مضغت تمراً أو غيره حتى يصير مائعاً ثم دلكته بحنكه حتى يصل لجوفه والصبي محنوك ومحنك. قوله: (روينا في سنن أبي داود بالإسناد الصحيح) عزاه ابن جمعان في عدة الحصن إلى الترمذي واقتصر عليه. قوله: (بالصبيان) هو بكسر الصاد وضمها وذلك لتحل بركته -صلى الله عليه وسلم- على المولود. قوله: (فيدعو لهم) حذف المدعو به إيماء للتعميم والاقتصار على البركة في الرواية الثانية لا يقصر عموم الدعاء في الرواية الأولى عليه لأن ذكر بعض إفراد العام لا يخصصه. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) فرواه البخاري في باب هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- ورواه مسلم في باب الاستئذان قاله المزي في الأطراف. قوله: (فأتيت

المدينةَ فنزلتُ قباءَ، فولدتُ بقباءَ، ثم أتيتُ به النبي -صلى الله عليه وسلم-، فوضعه في حَجْره ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فيه، فكان أوَّل شيءٍ دخل جوفه ريقُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم حنَّكه بالتمرة، ثم دعا له وبارك عليه". ـــــــــــــــــــــــــــــ المدينة) معطوف على قولها في الحديث فخرجت وأنا متم فأتيت المدينة وهذه الجملة عند البخاري قال صاحب الأفعال أتمت كل حامل حان أن تضع وقال الداودي أي قرب وقت ولادتها وقال ابن فارس المتم الحبلي وكانت ولادته في السنة الثانية من الهجرة قاله ابن النحوي في شرح البخاري. قوله: (فوضعته في حجره) بفتح الحاء المهملة وكسرها وهو هكذا في نسخ الأذكار فوضعته بتاء الفاعل وفي نسخة من البخاري فوضعه بإضمار الفاعل يعني النبي -صلى الله عليه وسلم-. قوله: (ثم دعا بتمرة الخ) قال ابن النحوي تحنيكه بالتمر تفاؤلاً له بالإيمان لأنها ثمرة الشجرة التي شبهها -صلى الله عليه وسلم- بالمؤمن ولحلاوتها أيضاً فإن فقد التمر فحلو لم تمسه النار نظير الصائم قيل: إنما يتأتى على قول الروياني بتقديم الحلو على العلماء وهو ضعيف ثم ومع ذلك فالأوجه هنا ما ذكر من تقديم الحلو على العلماء ويفرق بينه وبين الصائم بأن الشارع ثمة جعل بعد التمر الماء فإدخال واسطة بينهما فيه استدراك على النص وهنا لم يرد بعد التمر شيء فألحقنا به ما في معناه نعم قياس ذلك أن الرطب هنا أفضل من التمر ثم الأنثى هنا مثل الذكر في التحنيك بما ذكر خلافاً للبلقيني. قوله: (ثم نقل في فيه) بالفوقية فالفاء أي بصق وتقدم تحقيق الكلام فيه وفي البصق والنفث وذلك لتزداد له البركات وتنمو له الفضائل والهبات وقد أسعده الله بوصول ريقه -صلى الله عليه وسلم- إلى جوفه رضي الله عنه فقد حصل فيه من البركة وحاز من الفضائل فإنه كان قارئاً للقرآن عفيفاً في الإسلام قال ابن النحوي فيه أنه يحسن أن يقصد بالمولود أهل الفضل والعلماء والأئمة الصالحون ويحنكونهم بالتمر وشبهه وإن كان ليس ريق أحدهم في البركة كريقه -صلى الله عليه وسلم- أي فما لا يدرك كله لا يترك كله ألا ترى إلي بركة ابن الزبير وما حازه من الفضائل وكذا عبد الله بن أبي طلحة فقد كان من أهل الفضل والتقدم في الخير ببركة تحنيكه -صلى الله عليه وسلم-. قوله: (ثم دعا له وبارك عليه)

كتاب الأسماء

وروينا في "صحيحيهما" عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "وُلد لي غلام، فأتيتُ به النبي -صلى الله عليه وسلم-، فسماه إبراهيم، وحنكه بتمرة، ودعا له بالبركة" هذا لفظ البخاري ومسلم، إلا قوله: "ودعا له بالبركة" فإنه للبخاري خاصة. كتاب الأسماء باب تسمية المولود السُّنَّة أن يُسمَّى المولودُ اليومَ السابعَ من ولادته أو يوم الولادة. فأما ـــــــــــــــــــــــــــــ ظاهر العطف أنه دعا له بدعوات وزاد عليها بالدعاء بالبركة وعليه فالعطف من عطف الخاص على العام ويحتمل أن يكون دعا له بالبركة ويكون العطف تفسير والأول أنسب بمقام فضله -صلى الله عليه وسلم- وعنايته بابن حواريه وحفيد صديقه رضي الله عنهم. قوله: (وروينا في صحيحيهما) قال الحافظ المزي رواه البخاري في العقيقة وفي الأدب ومسلم في الاستئذان. قوله: (فسماه إبراهيم وحنكه) قال ابن النحوي التسمية عندنا تستحب في اليوم السابع وأما التحنيك فيستحب ساعة يولد وتقييد البخاري أنه يسمى غداة يولد لمن لم يعق غريب نعم حكاه ابن التين عن مذهب مالك وحمله الخطابي على أن التسمية إنما تكون يوم السابع عند مالك قال وذهب كثير من النّاس إلى جواز تسميته قبل ذلك وقال المهلب تسمية المولود حين يولد وبعد ذلك بليلة أو ليلتين وما شاء إذا لم ينو الأب العقيقة عنه يوم سابعه وإن أراد أن ينسك عنه فالسنة أن يؤخر التسمية إلى يوم النسك وهو يوم السابع اهـ. وقال المصنف في شرح مسلم فيه يعني في الحديث جواز تسمية المولود يوم الولادة. كتاب الأسماء وباب تسمية المولود قال ابن حجر الهيتمي وردت أخبار صحيحة بتسميته يوم الولادة وحملها البخاري على من لم يرد العق يوم السابع وظاهر كلام أئمتنا ندبها يومه وإن أراد العق وكأنهم رأوا أن أخباره أصح وفيه ما فيه اهـ. قوله: (السنة أن يسمى المولود يوم السابع الخ) قد علمت وجه كل من القولين مما ذكر وعلى القول بأن التسمية يوم السابع

استحبابه يوم السابع، فلما رويناه في كتاب الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أمر بتسمية المولود في يوم سابعه، ووضع الأذى عنه، والعقّ" قال الترمذي: حديث حسن. ـــــــــــــــــــــــــــــ فاختلفوا هل يحسب منها يوم الولادة أولاً الأصح الأول. قوله: (فلما رويناه في كتاب الترمذي) تفرد بتخريجه عن باقي الستة وأخرجه في باب الاستئذان قاله الحافظ المزي. قوله: (أمر بتسمية المولود يوم السابع الخ) قال ابن النحوي ليس الأمر فيه على الحتم لما ورد من تسميته عليه الصلاة والسلام لابن أبي طلحة وابن الزبير وتحنيكهما قبل الأسبوع. قوله: (ووضع الأذى عنه) أي حلق الشعر الذي على رأس المولود وقيل إزالة النجاسة وما يخرج على الصبي من القذر حال ولادته قاله الكرماني فينحى ذلك حينئذٍ لتصلبه وتحمله لذلك إذ ذاك وقيل: كانوا يلطخون رأس المولود بدم العقيقة فنهوا عن ذلك وقيل المراد به الختان وعن محمد بن سيرين لما سمعنا هذا الحديث طلبنا من يعرف إماطة الأذى فلم أجد من يخبرني كذا في حاشية السيوطي على سنن أبي داود وفي المواهب اللدنية يحمل على أنها لا تؤخر عن السابع لا أنها لا تكون إلا فيه بل هي مشروعة من حين الولادة إلى السابع اهـ. وفي روى مالك في الموطأ أن فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وزنت شعر الحسين وتصدقت بزنته فضة وفي الترمذي من حديث محمد بن الحسين بن علي رضي الله عنهم قال عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الحسن بشاة وقال: يا فاطمة احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة فوزناه فكان وزنه درهماً أو بعض درهم وقال الترمذي حديث غريب وإسناده ليس بمتصل قال أصحابنا: فيستحب ذلك وإلا فبذهب وكذا نص عليه الفاكهاني في شرح الرسالة. قوله: (والعق) أي ذبح العقيقة وهي الشاة المذبوحة لذلك وأصل العقيقة الشعر الذي على رأس الصبي وسميت الشاة بذلك لأنه يحلق رأسه عند ذبحها سميت باسم ذلك الشعر كما سموا النجو عذره وإنما العذرة فناء الدار لأنهم كانوا يلقون ذلك بأفنيتهم وذلك كثير في كلام العرب أن

وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرها بالأسانيد الصحيحة عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كُلُّ غُلامٍ رَهِينة بِعَقِيقَتِه تُذْبَحُ عَنْهُ يَومَ سابعِهِ، وَيُحْلَقُ، وَيُسمَّى" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. ـــــــــــــــــــــــــــــ ينقلوا اسم الشيء إلى صاحبه إذا كثرت صحبته له قال ابن النحوي ومعنى الأمر بوضع الأذى عنه وإراقة الدم يوم السابع بالنسيكة تقرباً لله تعالى ليبارك فيه ويطهر بذلك اهـ. ثم يستحب أن يعق عن الذكر شاتان وعن الأنثى شاة وينبغي ألا تكسر عظامه تفاؤلاً بسلامة أعضاء المولود فإن فعل لم يكره لكنه خلاف الأولى ثم هو خير بين قسم لحمه نيئاً وطبخه وإطعام أهله. قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) وأخرجه البيهقي في شعبب الإيمان بنحوه من حديث سليمان بن عامر وليس فيه تقييد ذلك بيوم السابع أورده عنه في الجامع الصغير وقاله الحافظ المزي في الأطراف. قوله: (كل غلام رهينة بعقيقته) قال في النهاية: الرهينة الرهن والهاء للمبالغة كالشتيمة والشتم استعملا في معنى المرهون فقيل هو رهن بكذا أو رهينة به وعند الترمذي الغلام مرتهن بعقيقته قال الخطابي تكلم النّاس في هذا وأجود ما قيل فيه ما ذهب إليه أحمد بن حنبل قال: هذا في الشفاعة يريد أنه إذا لم يعق عنه فمات طفلاً لم يشفع في والديه وقيل المراد أن العقيقة لازمة لا بد منها فشبه المولود في لزومها له وعدم انفكاكه منها بالرهن في يد المرتهن وقيل: المعنى أنه مرهون بأذى شعره بدليل قوله وأميطوا عنه الأذى وقال ابن القيم في "كتاب أحكام المولود" اختلف في معنى هذا الارتهان فقالت طائفة: هو محبوس مرتهن عن الشفاعة لوالديه قاله عطاء وتبعه عليه أحمد وفيه نظر لا يخفى إذ لا يقال لمن لا يشفع لغيره إنه مرتهن ولا في اللفظ ما يدل على ذلك كالمرتهن المحبوس عن أمر بصدد نيله وحصوله والأولى أن يقال إن العقيقة سبب لفك رهانه من الشيطان الذي تعلق به من حين خروجه إلى الدنيا وطعنه في خاصرته فكانت العقيقة فداء وتخليصاً له من حبس

وأما يوم الولادة، فلما رويناه في الباب المتقدم من حديث أبي موسى. وروينا في "صحيح مسلم" وغيره عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وُلِدَ لي اللَّيْلَةَ غُلامٌ فَسَمَّيتُهُ باسْم أبي إبْراهِيمَ -صلى الله عليه وسلم- ". وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أنس قال: "وُلد لأبي طلحة غلام، فأتيت به ـــــــــــــــــــــــــــــ الشيطان له في أمره ومنعه له من سعيه في مصالح آخرته فهو بالمرصاد للمولود من حين يخرج إلى الدنيا يحرص أن يجعله في قبضته وتحت أسره ومن جملة أوليائه فشرع للوالدين أن يفكا رهانه بذبح يكون فداءه فإن لم يذبح عنه بقي مرتهناً كقوله ولهذا قال: فأريقوا عنه الدم وأميطوا عنه الأذى أمر بإراقة الدم عنه الذي يخلص به من الارتهان ولو كان الارتهان يتعلق بالأبوين لقال: فأريقوا عنكم الدم لتخلص لكم شفاعته فلما أمر بإزالة الأذى الظاهر عنه وإراقة الدم الذي يزيل الأذى الباطن بارتهانه علم أن ذلك تخليص للمولود من الأذى الباطن والظاهر والله أعلم بمراده ومراد رسوله اهـ. نقله عنه الحافظ السيوطي في حاشيته على الترمذي. قوله: (وأما يوم الولادة) أي دليل التسمية فيه وتقدم ون المصنف في حديث أبي موسى حمل الحديث في ذلك على الجواز وظاهر كلامه هنا الاستحباب وتقدم في أول الباب نقله عن جمع من الأصحاب وتوجيهه بأنه صح عندهم ما يقتضيه وسبق أن فيه ما فيه. قوله: (وروينا في صحيح مسلم وغيره) في الأطراف للمزي أخرجه البخاري في الجنائز ومسلم في فضائل النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو داود في الجنائز أيضاً وفي الجامع الصغير زيادة عزوه لتخريج أحمد أيضاً. قوله: (ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم) هذا الولد أمه مارية القبطية رضي الله عنها وسبق ذكر ترجمته وسنة مولده وعام وفاته رضي الله عنه وقوله فسميته يقتضي أن التسمية كانت عقب الولادة في الليلة والله أعلم قال المصنف في شرح مسلم في الحديث جواز تسمية المولود يوم ولادته وجواز التسمية بأسماء الأنبياء اهـ. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم). قوله: (ولد لأبي طلحة غلام) هو أثر دعوته -صلى الله عليه وسلم- له ولامرأته

النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فحنَّكه وسماه عبدَ الله". وروينا في "صحيحيهما" عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: "أتيَ بالمنذر بن أبي أُسَيْد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين ولد، فوضعه النبي -صلى الله عليه وسلم- على فخذه وأبو أُسيد جالس، فَلَهِيَ النبي -صلى الله عليه وسلم- بشيءٍ بين يديه، فأمر أبو أسيد بابنه فاحتُمل من على فخذ النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأَقْلبُوه، فاستفاق النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أيْنَ الصَّبِي؟ فقال أبو أسَيْد: أقْلَبْناه يا رسول الله، ـــــــــــــــــــــــــــــ أم سليم لما صبرت على موت ولدها وتعرضت له حتى أصابها فقال -صلى الله عليه وسلم-: "بارك الله لكما في ليلتكما فجاء لهما هذا الولد وكان خيراً كاملاً كما تقدم في كلام ابن النحوي في باب التحنيك وولد عشرة أولاد كلهم فقهاء علماء صالحين كما ذكره المصنف وغيره. قوله: (فحنكه وسماه عبد الله) في الحديث استحباب تحنيك المولود وفيه حمل المولود عند واحد من أهل الصلاح والفضل يحنكه بتمرة ليكون أول ما يدخل جوفه ريق الصالحين وفيه استحباب التسمية بعبد الله وفيه استحباب تفويض تسميته إلى صالح فيختار له اسماً يرتضيه قال المصنف وفيه جواز تسميته يوم ولادته اهـ. وعبد الله بن أبي طلحة ذكره ابن الأثير وغيره في الصحابة قال في أسد الغابة هو أخو أنس لأمه أمهما أم سليم وساق حديث وفاة الولد الصغير وما وقع من أم سليم ومن دعائه -صلى الله عليه وسلم- لهما بالبركة في ليلتهما إلى أن قال وولد لعبد الله بن أبي طلحة عشرة أولاد كلهم قرأ القرآن وروى أكثرهم العلم شهد عبد الله صفين مع علي وروى عنه ابناه إسحاق وعبد الله وقتل شهيداً بفارس وقيل مات بالمدينة في خلافه الوليد اهـ. قوله: (وروينا في صحيحيهما) قال الحافظ المزي في الأطراف أخرجه البخاري ومسلم في باب الأدب من صحيحيهما. قوله: (أتى بالمنذر بن أبي أسيد) المشهور في أبي أسيد ضم الهمزة وفتح السين ولم يذكر الجماهير غيره قال القاضي وحكى عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان بفتح الهمزة قال أحمد بن حنبل وبالضم قاله عبد الرزاق ووكيع وهو الصواب واسمه مالك بن ربيعة قالوا: وسبب تسمية النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا المولود بالمنذر أن ابن عمه المنذر بن عمرو وكان قد

قال: ما اسمُهُ؟ قال: فلان، قال: لا، ولكِنِ اسْمُهُ المُنْذِرِ، فسماه يومئذ المنذر". قلت: قوله: لهي، بكسر الهاء وفتحها لغتان: الفتح لطيء، والكسر لباقي العرب، وهو الفصيح المشهور، ومعناه: انصرف عنه، وقيل: اشتغل بغيره، وقيل: نسيه، وقوله: استفاق: أي: ذكره، وقوله: فأقلبوه: أي ردُّوه إلى منزلهم. ـــــــــــــــــــــــــــــ استشهد ببئر معونة وكان أميرهم فقال -صلى الله عليه وسلم- يكون خلفاً منه ذكره المصنف في شرح مسلم وترجمه في أسد الغابة بما ذكر في حديث الباب المذكور والله أعلم. قوله: (فقالوا فلان) قال شيخ الإسلام زكريا لم يجيء تعيينه وقوله ولكن اسمه المنذر أي ليس وهذا الاسم المكنى عنه بفلان لائقاً به ولكن اسمه المنذر. قوله: (قلت قوله فلهي) قال المصنف في شرح مسلم رويت هذه اللفظة على وجهين أحدهما فلها بفتح الهاء والثانية فلهي بكسرها وبالياء والأولى لغة طيئ أي يقلبون الكسرة فتحة ثم يقلبون الياء ألفاً لتحريكها وانفتاح ما قبلها والثانية لغة الأكثرين ومعناه اشتغل بشيء بين يديه واللهو فلها بالفتح لا غير يلهو والأشهر في الرواية هنا كسر الهاء وهي لغة أكثر العرب كما ذكرنا واتفق أهل الغريب والشراح على أن معناه اشتغل اهـ. وفي التوشيح للسيوطي لهي بالكسر إذا غفل وبالفتح إذا لعب. قوله: (استفاق) أي ذكره يعني تذكره تذكراً ناشئاً عن استفاقة عما كان مشغولاً به من الفكر ونحوه كما قال في شرح مسلم استفاق أي أفاق من شغله وفكره وذكره الذي كان فيه أي فلما أفاق من ذلك ذكره. قوله: (فأقلبوه أي ردوه إلى منزلهم) قال المصنف في شرح مسلم هكذا وقع في جميع نسخ صحيح مسلم فأقلبوه بالألف وأنكره أهل اللغة والغريب والحديث وقالوا صوابه قلبوه بحذف الألف قالوا: يقال قلبت الصبي والشيء صرفته ورددته ولا يقال: أقلبته وذكر صاحب التحرير أن أقلبوه بالألف هنا لغة قليلة فأثبتها لغة أعلم ولا سهو في زيادة الألف اهـ.

باب تسمية السقط

باب تسمية السقط يستحبُّ تسميته، فإن لم يُعلَم أذكر هو أو أنثى، سمي باسم يصلح للذكر والأنثى، كأسماءَ، وهِنْدٍ، وهُنيْدَة، وخارجة، وطلحةَ، وعُمَيْرَةَ، وزُرْعَة، ونحو ذلك. قال الإمام البغوي: يستحبُّ تسمية السقط لحديث ورد فيه، وكذا قاله غيره من أصحابه. قال أصحابنا ولو مات المولود قبل تسميته استحبَّ تسميتُه. باب استحباب تحسين الاسم روينا في سنن أبي داود بالإسناد الجيد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ـــــــــــــــــــــــــــــ باب تسمية السقط هو بتثليث سينه الولد الذي لم يستكمل مدة حمله وقيد ابن حجر في التحفة استحباب تسمية السقط بكونه نفخت فيه الروح لحديث ورد فيه قال ابن النحوي في التخريج الصغير لأحاديث الشرح الكبير وحديث سموا السقط غريب كذلك نعم روى السلفي من حديث أبي هريرة بإسناد واه بأنه يسمى أن استهل صارخاً وإلا فلا وفي عمل اليوم والليلة لابن السني أنه عليه الصلاة والسلام سمى السقط لكن بسند ضعيف اهـ. والحديث الذي أشار إليه هو حديث عائشة قالت: أسقطت من النبي - صلى الله عليه وسلم - سقطاً فسماه عبد الله وكناني بأم عبد الله وسيأتي تضعيفه في كلام الشيخ في بيان كنية من لم يولد له. قوله: (ولو مات المولود قبل التسمية استحبَّ تسميته) وكأن وجهه القياس على السقط بالأولى. باب استحباب تحسين الاسم قوله: (روينا في سنن أبي داود الخ) وكذا رواه الإِمام أحمد من حديث أبي الدرداء قال الشيخ زكريا في تحفة القاري وحديث أبي داود منقطع وهو لا ينافي

باب بيان أحب الأسماء إلى الله عز وجل

"إنكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ بأسْمَائِكُمْ وأسماءِ آبائِكُمْ فأحْسِنُوا أسْمَاءَكُمْ". باب بيان أحبِّ الأسماء إلى الله عزّ وجلّ روينا في "صحيح مسلم" عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أحبَّ أسمائِكُمْ إلى الله عَزَّ وجل: عَبْدُ الله وعَبْدُ الرَّحْمنِ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قول المصنف بإسناد جيد لأن جودة الإسناد لا تنافي نحو الانقطاع. قوله: (إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم) أي فيقال: فلان ابن فلان وترجم البخاري في صحيحه باب ما يدعى النّاس بآبائهم وأخرج فيه حديث ابن عمر من طريقين قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال: هذه غدرة فلان ابن فلان" قال في تحفة القاري يحمل قول من قال يدعى النّاس يوم القيامة بأمهاتهم إن صح مستنده على غير الغادرين اهـ. وبه يرد قول من قال: يدعى كل إنسان باسمه واسم أمه فيقال: يا ابن فلانة ستراً على آبائهم أخذاً بقوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} بناء على أن إمام جمع أم ورد بأنه لا يعرف جمع أم على إمام بل المراد به يدعون بمن يقتدون به قال أبو حيان في النهر الظاهر أن الإِمام هو الذي تقتدى به الأمة من نبي أو كتاب أو شريعة اهـ. قال ابن القيم في الهدى: في هذا والله أعلم تنبيه على تحسين الأفعال المناسبة لتحسين الأسماء لتكون الدعوة على رؤوس الأشهاد بالاسم الحسن والوصف المناسب له. باب بيان أحب الأسماء إلي الله عزّ وجلّ قوله: (روينا في صحيح مسلم الخ) وكذا رواه أبو داود من طريقين وليس في أوله أن أحب أسمائكم الخ، فيه التسمية بهذين الاسمين وتفضيلهما على سائر ما سمى به ولعل من حكمته اشتمالهما على وصف العبودية التي هي الحقيقة للإنسان ولذا كانت أشرف أوصافه كما قال أبو علي الدقاق لكن قضيته أن يكون من الأحب كل اسم فيه عبد مضاف إلى اسم من أسمائه تعالى فيحتمل أن يقال بذلك أخذاً من قاعدة يستنبط من النص معنى يعود عليه بالتعميم

وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن جابر رضي الله عنه قال: ولد لرجل منا غلام فسماه القاسم، فقلنا: لا نُكَنِّيك أبا القاسم ولا كَرَامَةَ، فأخبرَ النبي -صلى الله عليه وسلم- ـــــــــــــــــــــــــــــ ويحتمل قصره على هذين المذكورين والله أعلم ثم رأيت ابن القيم ذكر ما يقتضي الأخير قال في الهدى في تقرير التناسب بين الاسم والمسمى والارتباط بينهما فقال: لما كانت الأسماء قوالب للمعاني ودالة عليها اقتضت الحكمة أن يكون بينها وبين مسمياتها ارتباط وتناسب وألا تكون معها بمنزلة الأجنبي المحض الذي لا تعلق له به فإن حكمة الحكيم تأتي ذلك والواقع يشهد بخلافه بل للأسماء تأثير في المسميات وللمسميات تأثر عن اسمائها في الحسن والقبح والخفة والثقالة واللطافة والكثافة كما قيل: وقيل إذا بصرت عيناك ذا لقب ... إلا ومعناه إن فكرت في لقبه وذكر لذلك شواهد من الحديث والأثر إلى أن قال: ولما كان الاسم مقتضياً لمسماه ومؤثراً فيه كان أحب الأسماء إلى الله ما اقتضى أحب الأوصاف إليه كعبد الله وعبد الرحمن وكانت إضافة العبودية إلى اسم الله واسم الرحمن أحب إليه من إضافتها إلى غيرهما كالقاهر والقادر فعبد الرحمن إليه من عبد القادر وعبد الله أحب إليه من عبد ربه وهذا لأن التعلق الذي بين العبد وبين الله إنما هي العبودية المحضة والتعلق الذي بين الله وبين العبد الرحمة المحضة فبرحمته كان وجود الإنسان وكمال وجوده والغاية التي أوجده لأجلها أن يتألهه وحده محبة وخوف ورجاء وإجلالاً وتعظيماً فيكون عبدًا لله وفي عبده بما في اسم الله من معنى الإلهية التي يستحيل أن تكون لغيره ولما غلبت رحمته غضبه وكانت الرحمة أحب إليه من الغضب كان عبد الرحمن أحب إليه من عبد القاهر اهـ. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ). قوله: (لا نكنيك أبا القاسم) سيأتي حكم التكنية بهذه الكنية في باب مستقل. قوله: (ولا كرامة) أي لا تصيب من كرامة تكنى بها بهذه الكنية إذ المعنى في تكنيته -صلى الله عليه وسلم- بها من أنه قاسم لمال الله سبحانه وتعالى بين المسلمين مفقود في غيره -صلى الله عليه وسلم- أو

فقال: "سَم ابْنَكَ عَبْدَ الرحْمنِ". وروينا في سنن أبي داود والنسائي وغيرهما عن أبي وهب الجشمي الصحابي رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تَسَمَّوْا بأسْماءِ الأنْبياءِ، وأحَبُّ الأسْماءِ إلى الله تَعالى: عَبْدُ الله وعَبْدُ الرَّحْمنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لا نكرمك كرامة ويقر به قولهم في رواية أخرى لا ننعمك عيناً. قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) رواه أبو داود في الأدب ورواه النسائي في الحيل كذا في الأطراف للمزي وكذا رواه البخاري في الأدب المفرد كما في الجامع الصغير. قوله: (عن أبي وهب الجشمي (قال الحافظ ابن الأثير له صحبة روى عنه عقيل بن شبيب ثم أخرج حديثاً عن عقيل بن شبيب عن أبي وهب الجشمي قال: وكانت له صحبة وذكر الحديث ولم يذكر في ترجمته زيادة على ذلك. قوله: (تسموا بأسماء الأنبياء) قال ابن القيم: لما كان الأنبياء سادات بني آدم وأخلاقهم أشرف الأخلاق وأعمالهم أشرف الأعمال كانت أسماؤهم أشرف الأسماء فندب -صلى الله عليه وسلم- أمته إلى التسمي بأسمائهم كما في سنن أبي داود والنسائي عنه تسموا بأسماء الأنبياء ولو لم يكن في ذلك من المصالح إلا أن الاسم يذكر بمسماه ويقتضي التعلق بمعناه لكفى به مصلحة مع ما في ذلك من حفظ الأنبياء وذكرها وألا تنسى وأن تذكر أسماؤهم بأوصافهم وأحوالهم اهـ. قال الدميري في شرح المنهاج في تفسير القرطبي عند قوله تعالى المؤمن المهيمن عن ابن عباس أنه قال إذا كان يوم القيامة أخرج الله تعالى أهل التوحيد من النار وأول من يخرج منهم من وافق اسمه اسم نبي حتى إذا لم يبق فيها من وافق اسمه اسم نبي قال تعالى لباقيهم: أنتم المسلمون وأنا السلام وأنتم المؤمنون وأنا المؤمن فيخرجهم من النار ببركة هذين الاسمين وفي الخصائص لابن سبع عن ابن عباس قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد ألا ليقيم من اسمه محمد فليدخل الجنة لكرامة نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- اهـ. وفي التحفة لابن حجر نقلاً عن بعضهم جاء في التسمية بمحمد فضائل علية ومن ثم قال الشافعي في تسمية ولده محمداً: سميته محمداً بأحب الأسماء إلى الله وكأن

تتمة

وأصْدَقُها: حارِثٌ وهمَّامٌ، وأقْبَحُها، حَرْبٌ وَمُرَّةُ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بعضهم أخذ منه قوله معنى قوله في خبر مسلم أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن أنها أحبية مخصوصة لا مطلقاً لأنهم كانوا يسمون عبد الدار وعبد العزى فكأنهم قيل لهم: أحب الأسماء المضافة للعبودية هذان الاسمان لا مطلقاً لأن أحبها إليه كذلك محمد وأحمد إذ لا يختار لنبيه -صلى الله عليه وسلم- إلا الأفضل اهـ. وهو تأويل بعيد مخالف لما درجوا عليه وما علل به لا ينتج له ما قاله لأن من أسمائه -صلى الله عليه وسلم- عبد الله كما في سورة الجن ولأن المفضول قد يؤثر لحكمة هي هنا الإشارة إلى حيازته لمقام الحمد وموافقته للمحمود من أسمائه تعالى ويؤيد ذلك أنه -صلى الله عليه وسلم- سمى ولده إبراهيم دون واحد من تلك الأربعة الأحياء اسم أبيه إبراهيم ولا حجة له في كلام الشافعي وأن عدو له عن الأفضل إليه لنكتة لا تقتضي أن ما عدل إليه هو الأفضل مطلقاً ومعنى كونه أحب الأسماء إليه أي بعد ذينك فتأمله ولا تغتر بمن اعتمد خلافه غير مبال بمخالفته لصريح كلام الأصحاب، كلام ابن حجر. تتمة أخرج الحاكم في الكنى والطبراني عن أبي زهير الثقفي مرفوعاً إذا سميتم فعبدوا أي انسبوا عبوديتهم إلى أسماء الله فيشمل عبد الرحيم وعبد الملك وغيرهما اهـ. واختلف في التسمية بأسماء الملائكة فكرهه مالك ويؤيده حديث البخاري في تاريخه عن عبد الله بن جراد تسموا بأسماء الأنبياء ولا تسموا بأسماء الملائكة نقله في المرقاة وفي الديباجه على سنن ابن ماجه للدميري ومذهبنا ومذهب الجمهور جواز التسمية بأسماء الأنبياء والملائكة ولم ينقل فيه خلاف إلا عن عمر رضي الله عنه فإنه نهى عن التسمية بأسماء الأنبياء وعن الحارث بن مسكين أنه كره التسمية بأسماء الملائكة وعن مالك كراهة التسمية بجبريل وطه ويس اهـ. قوله: (وأصدقها حارث وهمام) أي لأن كل عبد متحرك بالإرادة والهم مبدأ الإرادة وترتب على إرادته حرثه وكسبه فكانا أصدق الأسماء إذ لا ينفك مسماهما عن حقيقة معناهما. قوله: (وأقبحها حرب) هو بفتح الحاء المهملة وسكون الراء والموحدة آخره (ومرة) بضم الميم وتشديد الراء قال ابن القيم لما كان مسمى الحرب والمرارة أكره شيء للنفوس وأقبحه عندها كان

باب استحباب التهنئة وجواب المهنأ

باب استحباب التهنئة وجواب المهنَّأ يستحبُّ تهنئة المولود له، قال أصحابنا: ويستحبُّ أن يهنأ بما جاء عن الحسين رضي الله عنه أنه علَّم إنساناً التهنئة فقال: قل: بارك الله لك في الموهوب لك، وشكرتَ الواهب، ـــــــــــــــــــــــــــــ أقبح الأسماء حرباً ومرة وعلى قياسه حنظلة وحزن وما أشبههما وما أجدر هذه الأسماء بتأثيرها في مسمياتها كما أثر اسم حزن الحزونة في سعيد وأهل بيته اهـ. باب استحباب التهنئة أي بالمولود (وجواب المهنأ) بصيغة المفعول أي المهنأ بالمولود من أصل وغيره قال ابن حجر في التحفة وينبغي امتداد زمن التهنئة ثلاثاً بعد العلم كالتعزية أيضاً اهـ. قوله: (ويستحب أن يهنأ بما جاء عن الحسين رضي الله عنه الخ) هكذا هو فيما وقفت عليه من نسخ الأذكار الحسين بضم الحاء وفتح السين المهملتين يعني ابن علي رضي الله عنهما ولم يذكر مخرجه والذي ذكره غيره أنه الحسن بفتح المهملتين مكبراً فقال السيوطي في وصول الأماني بأصول التهاني أخرج ابن عساكر عن كلثوم ابن جوشن قال: جاء رجل عند الحسن وقد ولد له مولود فقيل له يهنيك الفارس قال الحسن وما بدريك أفارس هو قال: كيف تقول يا أبا سعيد قال: تقول بورك لك في الموهوب وشكرت الواهب ورزقت بره وبلغ أشده وأخرج الطبراني في الدعاء من طريق اليسري بن يحيى قال ولد لرجل ولد فهنأه رجل فقال: ليهنك الفارس فقال الحسن البصري وما يدريك قل جعله الله مباركاً عليك وعلى أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- اهـ. وظاهر الرواية الأولى وصريح الرواية الثانية أن الحسن الذي جاء عنه هذا الذكر هو الحسن البصري لأنه الذي يكنى أبا سعيد وأما الحسن بن علي فكنيته أبو عبد الله وقد جزم بأنه البصري الأوزاعي لكن في التحفة لابن حجر أنه الحسن بن علي كما سيأتي آنفاً. قوله: (وشكرت الواهب) قال ابن حجر في التحفة في ذكرهم الواهب نظر إلا أن يكون صح به حديث ولم نره ثم رأيته في المجموع قال: قال أصحابنا يستحب أن يهنأ بما جاء عن الحسن رضي الله عنه أنه علم

باب النهي عن التسمية بالأسماء المكروهة

وبلغ أشدَّه، ورُزِقتَ بِرَّه. ويستحبُّ أن يردَّ على المهنّئ فيقولو: بارك الله لك، وبارك عليك، أو جزاك الله خيراً، ورزقك الله مثله، أو أجزل الله ثوابك، ونحو هذا. باب النهي عن التسمية بالأسماء المكروهة ـــــــــــــــــــــــــــــ إنساناً التهنئة فقال: قل بارك الله لك الخ اهـ. فأطباق الأصحاب على سن ذلك يبين أن المراد الحسن بن علي كرم الله وجهها لا البصري لأن الظاهر أن هذا لا يقال من قبل الرأي فهو حجة من الصحابي لا التابعي وحينئذٍ اتضح منه جواز استعمال الواهب وأنه من قبيل الأسماء التوقيفية ولم يستحضر بعضهم ذلك فأنكره بباديء رأيه وأما قول الأوزاعي إنه البصري فيرد بأنه يلزم عليه تخطئة الأصحاب كلهم لأن ما يجيء عن التابعي لا يثبت به سند اهـ. ولك أن تقول لعل للجمهور مستنداً في إطلاق الواهب عليه تعالى فلا يلزم من كون الحسن هنا البصري تخطئة الأصحاب أو لعله على مذهب من يكتفي بورود المشتق ولا يشترط اورود نفس اللفظ أو لعل ذلك على مذهب من يجوز إطلاق ما صح إطلاقه عليه سبحانه مما لا يوهم نقصاً وهي مذاهب لبعض الأشاعرة. قوله: (وبلغ أشده) قال ابن القيم في كتابه تحفة الودود بأحكام المولود وحكى الأزهري في تفسير لفظة الأشد أنه من بلوغ الإنسان مبلغ الرجال إلى أربعين سنة وقال الأشد محصور الأول والآخر غير محصور ما بين ذلك فبلوغ الأشد مرتبة بين البلوغ والأربعين ومعنى اللفظة من الشدة وهي القوة الجلادة اهـ. باب النهي عن التسمية بالأسماء المكروهة قال العاقولي في شرح المصابيح ما نهى الشارع عن التسمي به، منه ما كان النهي لكون ذلك لا يليق إلا باللهِ تعالى كملك الأملاك، ومنه ما نهى عن التسمي به لكونه خاصاً برسول الله -صلى الله عليه وسلم- كأبي القاسم لأنه ما يقسم بين العباد ما أعطاهم الله ومنه ما نهى عن التسمي به لغيره تفاؤلاً لصاحبه كحزن فسماه -صلى الله عليه وسلم- سهلاً الحديث ومنه ما نهى عن التسمي به لغيره كبرة فغيره -صلى الله عليه وسلم- وكانت زوجته لئلا يقال خرج

روينا في "صحيح مسلم" عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تُسَمِّيَنَّ غُلامَكَ يَساراً، ولا رَباحاً، ولا نَجاحاً، ولا أفْلَحَ، فإنَّكَ تَقُولُ: أثَمَّ هُوَ؟ فَلا يَكُونُ، فَتَقُولُ: لا، إنَّما هُنَّ أرْبَعٌ فَلا تَزِيدُنَّ عَليَّ". ـــــــــــــــــــــــــــــ من عند برة اهـ. قلت ومن الأخير التسمية بما يتطير من نفيه كسعادة وبركة ونحوهما. قوله: (وروينا في صحيح مسلم) أي من جملة حديث أوله أحب الكلام إلى الله أربع سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر لا يضر بأيهن بدأت ولا تسمين غلامك الخ. قوله: (لا تسمين) أي لا تسمين أيها الصالح للخطاب بهذا الخطاب العام أو أيها المخاطب الخاص وحكمه -صلى الله عليه وسلم- على الواحد حكمه على الأمة. وقوله: (غلامك) صبيك أو عبدك. قوله: (يساراً) بالتحتية فالمفتوحة المهملتين و (رباحاً) بالراء فالموحدة بعد الألف حاء مهملة و (نجاحاً) بالنون فالجيم وبعد الألف حاء مهملة وفي رواية نجيحاً بوزن فعيل و (أفلح) بالفاء أفعل تفضيل من الفلاح وهو الفوز. قوله: (فإنك تقول الخ) تعليل لكراهة التسمية بذلك أي لأنه يتطير من نفيها عند السؤال عنها وفي شرح السنة معنى هذا إن النّاس يقصدون بهذه الأسماء التفاؤل بحسن ألفاظها ومعانيها وربما ينقلب عليهم ما قصدوه إلى الضد إذا سألوا فقالوا: أثم يسار أو تجيح فقيل: لا فيتطيروا من نفيه وأضمروا اليأس من اليسر أو غيره فنهاهم عن السبب الذي يجلب سوء الظن والإياس من الخير قال حميد بن زنجويه فإذا ابتلى رجل في نفسه أو أهله ببعض هذه الأسماء فليحوله إلى غيره فإن لم يفعل وقيل: أثم يسار أو بركة فإن من الأدب أن يقال كل ما هنا يسر وبركة والحمد الله ويوشك أن يأتي الذي تريده ولا يقال: ليس هنا ولا خرج اهـ. قوله: (لا تزيدن على) قال المصنف في شرح مسلم هو بضم الدال المهملة ومعناه الذي سمعته أربع كلمات وكذا رويتهن فلا تزيدوا علي في الرواية ولا تنقلوا عني غير الأربع وليس فيه منع القياس على الأربع وأن يلحق بها ما في معناها قال أصحابنا: تكره التسمية بهذه الأسماء المذكورة في هذا الحديث وما في معناه ولا تختص الكراهة بها وحدها وهي كراهة تنزيه لا تحريم والعلة في الكراهة ما بينه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ -صلى الله عليه وسلم- في قوله: "فإنك وقول أثم هو فقول لا فكره بشاعة الجواب وربما أوقع بعض النّاس في شيء من الطيرة" اهـ. قال ابن القيم وقد تقع الطيرة وقل: من تطير إلا وقعت به طيرته وأصله طائره فأرشد - صلى الله عليه وسلم - أمته إلى منعهم من أسباب توجب لهم سماع المكروه ووقوعه وأن يعدل إلى أسماء يحصل بها المقصود من غير مفسدة هذا مع ما ينضاف إلى ذلك من تعليق ضد الاسم عليه بأن يسمى يساراً من هو أعسر النّاس ورباحاً من هو من الخاسرين فيكون قد وقع في الكذب عليه وعلى الله تعالى ومن أمر آخر وهو أن المسمى قد يطالب بقضية اسمه فلا يوجد ذلك عنده فيكون سبب ذمه وسبه كما قيل: سموك من جهلهم سديداً ... والله ما فيك من سداد أنت الذي كونه فساد ... في عالم الكون والفساد قال ولي من أبيات: وسميته صالحاً فاغتدى ... بضد اسمه في الورى سائرا وظن بأن اسمه ساتر ... لأوصافه فغدى شاهرا وأمر آخر هو ظن الممدوح في نفسه أنه كذلك فيقع في تزكية نفسه وترفعه على غيرها ولهذا غير -صلى الله عليه وسلم- اسم برة إلى زينب وقال لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم اهـ. وما جاء عن جابر أراد -صلى الله عليه وسلم- أن ينهي عن أن يسمى بيعلى وببركة وبأفلح وبيسار وبنافع وبنحو ذلك ثم رأيته بعد سكت عنها فلم يقل شيئاً ثم قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم ينه عن ذلك ثم أراد عمر أن ينهي عن ذلك ثم تركه هكذا وقع في معظم نسخ صحيح مسلم ببلادنا أن يسمى بيعلى وفي بعضها بمقبل بدل يعلى وذكر عياض أنه في أكثر النسخ بمقبل وفي بعضها بيعلى قال: والأشبه أنه تصحيف والمعروف بمقبل وهذا الذي أنكره القاضي ليس بمنكر بل هو المشهور وهو صحيح في الرواية وفي المعنى ومعنى قوله أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ينهي عن هذه الأسماء الخ فمعناه نهى تحريم فلم ينه وأما النهي الذي هو كراهة تنزيه فقد نهى عنه

وروينا في سنن أبي داود وغيره من رواية جابر، وفيه أيضاً النهي عن تسميته بركة. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ الله تَعالى رَجل تَسَمَّى مَلِكَ الأمْلاكِ". وفي رواية "أخنى" بدل "أخنع". وفي رواية لمسلم "أغيَظُ رَجُلٍ عِنْدَ الله يَوْمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ في الأحاديث الباقية اهـ. قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) رواه أبو داود عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن عشت إن شاء الله تعالى أنهي أمتي أن يسموا نافعاً وأفلح وبركة والله أعلم". قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) قال في الجامع الصغير رواه الشيخان وأبو داود والترمذي. قوله: (إن أخنع اسم عند الله الخ) قال أحمد بن حنبل: سألت أبا عمرو عن أخنع فقال: أوضع قال المصنف: هذا التفسير الذي ذكره أبو عمرو مشهور عنه وعن غيره فإن معناه أشد ذلاً وضغاراً يوم القيامة والمراد صاحب الاسم بدليل الرواية الثانية أغيظ رجل اهـ. قال الطيبي أو يراد بالاسم المسمى مجازاً أي أخنى الرجال رجل كقوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وفيه من المبالغة أنه إذا قدس اسمه عما لا يليق بذاته فكان ذاته أولى وهنا إذا كان الاسم محكوماً عليه بالهوان والصغار فكيف بالمسمى فإذا كان حكم الاسم ذلك فكيف بالمسمى وهذا إذا رضي المسمى بالاسم واستمر عليه ولم يبد له وهذا التأويل أبلغ من الأول اهـ. وقد سبق لهذا الوجه الذي ذكره الطيبي القاضي فقال: يستدل به على أن الاسم هو المسمى وفيه الخلاف المشهور وقيل أخنع بمعنى أفجر يقال خنع الرجل إلى المرأة والمرأة إليه أي دعاها للفجور وهو بمعنى أخبث أي أكذب الأسماء وقيل: أقبح. وقوله: (عند الله) أي هذا شأنه عند الله وإن عده العوام الذين هم كالهوام من أعظم ما يرام. قوله: (وفي رواية) هي للبخاري (أخنى بدل أخنغ) وهو بمعنى ما سبق أي أفحش وأفجر والخنا الفحش وقد يكون بمعنى أهلك لصاحبه المسمى والإخناء الهلاك يقال: أخنى عليه الدهر أي أهلكه قال أبو عبيد وروي أنخع أي أقتل والنخع القتل الشديد. قوله: (أغيظ رجل عند الله) وفي نسخة على الله بدل قوله عند الله قال المازري: أغيظ هنا مصروف عن

القِيامَةِ وأخْبَثُهُ رَجُلٌ كانَ يُسَمَّى مَلِكَ الأملاك، لا مَلِكَ إلاَّ اللهُ". قال العلماء: معنى أخنع وأخنى: أوضعُ وأذلُ وأرذلُ. وجاء في الصحيح عن سفيان بن عيينة قال: ملك الأملاك، مثل شاهان شاه. ـــــــــــــــــــــــــــــ ظاهره والله سبحانه لا يوصف بالغيظ فيتأول هذا الغيظ على الغضب نقله المصنف في شرح مسلم وقال العاقولي في شرح المصابيح أي أكثر من يغضب عليه غضباً اسم تفضيل بني للمفعول كألوم أضافه إلى المفرد على إرادة الجنس والاستغراق أي أشد أصحاب الأسماء الكريهة عقوبة وأغيظ وعلى ليس صلة لا غيظ كما يقال اغتاظ على صاحبه أي لأن الغيظ غضب العاجز عن الانتقام وهذا مستحيل في حقه تعالى بل هو مجاز معدول عن ظاهره وحمل مثلها على الله بالمعنى الغائي من الانتقام وحلول العقاب ممن تسمى بهذا الاسم في الآخرة ولهذا كان أحب الأسماء عبد الله وعبد الرحمن لأن المسمى بهما على بصيرة اهـ. وقال الطيبي لا بد في الحديث من الحمل على المجاز لأن التقييد بيوم القيامة مع أن حكمه في الدنيا كذلك للإشعار بترتب ما هو مسبب عنه من إنزال الهوان وحلول العقاب. قوله: (يسمى) بصيغة المجهول من التسمية نص عليه بعض المحدثين وفي نسخة بفتح الفوقية وتشديد الميم ماض معلوم من التسمي مصدر باب التفعل قال في المرقاة وقع في أصل مصحح في مسلم بصيغة المجهول من التسمية. وقوله: (ملك الأملاك) منصوب على المفعولية والأملاك جمع ملك كالملوك على ما في القاموس وقد جاء في رواية مسلم ما يشهد بذلك وهو قوله في آخر الحديث: لا ملك إلا الله فبين به علة تحريم التسمية بذلك إذ الملك الحقيقي ليس هو إلا الله تعالى وملكيته غير مستعارة فمن تسمى بهذا الاسم نازع الله عزّ وجلّ كبرياءه فلما استنكف ذلك المسمى عن أن يكون عبداً لله جعل له الخزي على رؤوس الأشهاد وقيل إنه جمع ملك بكسر الميم ويشهد له رواية لا مالك إلا الله رواه الشيخان وغيرهما فيكون بهذا المعنى أيضاً مذموماً واعلم أن التسمي بهذا الاسم حرام وكذا التسمي بأسمائه تعالى المختصة به كالرحمن والرحيم والملك والقدوس وخالق الخلق ونحوها. قوله: (وجاء في الصحيح الخ) في صحيح مسلم وقع في رواية شاهان شاه وزعم

باب ذكر الإنسان من يتبعه من ولد أو غلام أو متعلم أو نحوهم باسم قبيح ليؤدبه ويزجره عن القبيح ويروض نفسه

باب ذكر الإنسان من يتبعه من ولد أو غلام أو متعلم أو نحوهم باسم قبيح ليؤدِّبه ويزجره عن القبيح ويروِّض نفسه روينا في كتاب ابن السني عن عبد الله بن بُسْرٍ المازني الصحابي رضي ـــــــــــــــــــــــــــــ بعضهم الأصوب شاه شاهان وكذا جاء في بعض الأخبار في كسرى قالوا وشاه ملك وشاهان الملوك وكذا يقولون لقاضي القضاة موبذ موبذان قال القاضي ولا ينكر صحة ما جاءت به الرواية لأن كلام العجم مبني على التقديم والتأخير في المضاف والمضاف إليه فيقولون في غلام زيد زيد كلام فهذا أكثر كلامهم فرواية مسلم صحيحة اهـ. وفي البخاري بعد تخريجه الحديث من طريق أبي الزناد ما لفظه يقول غيره أي غير أبي الزناد تفسيره أي ملك الأملاك شاهان شاه قال الكرماني شاه بالفارسية الملك وشاهان الأملاك ومعناه ملك الأملاك لكن في قاعدة العجم تقديم المضاف إليه على المضاف وهو بسكون النون من شاهان لا بكسرها قال الشيخ زكريا والهاء ساكنة في الأخير وقال ابن القيم في الهدى لما كان الملك الله وحده ولا ملك على الحقيقة سواه كان أخنع اسم وأوضعه عند الله تعالى وأغضبه له شاهان شاه أي ملك الملوك وسلطان السلاطين فإن ذلك ليس لأحد غير الله تعالى فتسمية غيره بهذا من أبطل الباطل والله لا يحب الباطل اهـ. وقال شيخ الإسلام زكريا في شرح البخاري ومثل ملك الأملاك في التحريم أحكم الحاكمين وسلطان السلاطين ولا يلحق بذلك قاضي القضاة وأقضى القضاة وإن كان القضاء بمعنى الحكم إذ لا يلزم من كراهية ذكر أحد المترادفين كراهة ذكر الآخر كما أنه لا يلزم من كراهية خبثت نفسي كراهة تعست نفسي وإن كانا مترادفين اهـ. باب ذكر الإنسان من يتبعه من ولد أو غلام أو متعلم أو نحوهم أي من البنت والأمة وتابع الكبير (باسم قبيح) متعلق بذكر (ليؤدبه) بالموحدة من التأديب (ويزجره) من الزجر (عن القبيح) متعلق بأحد المصدرين المذكورين على سبيل التنازع (ويروض نفسه) أي يروض الإنسان نفسه أي نفس التابع بأن يدربها بالرياضة بالزجر والمجاهدة لتعود عن سفساف الأفعال إلى عليات المقامات

الله عنه -وهو بضم الباء الموحدة وإسكان السين المهملة- قال: "بعثتني أمي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقِطف من عنب، فأكلت منه قبل أن أُبلغَه إياه، فلما جئت به أخذ بأذني وقال: يا غُدَرُ". وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما في حديثه الطويل ـــــــــــــــــــــــــــــ والأحوال. قوله: (بعثتني أمي) لم أقف على من ذكر اسمها. قوله: (بقطف) بكسر القاف وسكون الطاء المهملة والفاء آخره هو العنقود وهو اسم لكل ما يقطف كالذبح والطحن وجمعه على قطاف وقطوف وأكثر المحدثين يرويه بفتح القاف وإنما هو بكسرها كذا في النهاية. قوله: (عنب) بكسر المهملة وفتح النون بعدها موحدة قوله: (أخذ بأذني) أي فتلها وفعل ذلك تأديباً لما صدر منه من التعرض للأمانة قبل بلوغها مقصدها. قوله: (فقال يا غدر) بضم الغين المعجمة وفتح الدال المهملة وبالراء معدول عن غادر للمبالغة يقال للذكر غدر وللأنثى غدار كحذار وهما مختصان بالنداء في الغالب وفي الصحاح الغدر ترك الوفاء وقد غدره فهو غادر وغدر أيضاً وأكثر ما يستعمل هذا في النداء بالشتم يقال: يا غدر. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) قال المزي في الأطراف أخرجه البخاري في الصلاة وفي علامات النبوة وفي الأدب وأخرجه مسلم في الأطعمة ورواه أبو داود في الإيمان والنذور اهـ. قوله: (عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما) هو القرشي التيمي يكنى أبا عبد الله وقيل أبو محمد بابنه الذي يقال له أبو عتيق وقيل أبو عثمان أمه أم رومان أم عائشة وشهد بدراً وأحداً مع الكفار ودعا إلى البراز فقام إليه أبو بكر ليبارزه فقال له -صلى الله عليه وسلم- متعني بنفسك وكان شجاعاً رامياً أسلم في هدنة الحديبية وحسن إسلامه وسكن المدينة وتوفي بمكة وكان اسمه عبد الكعبة فسماه -صلى الله عليه وسلم- عبد الرحمن شهد اليمامة مع خالد بن الوليد فقتل سبعة من أكابرهم وهو الذي قتل محكم اليمامة ابن طفيل رماه بسهم في نحره فقتله وكان محكم اليمامة في ثلمة من الحصن فلما قتله دخل المسلمون منها قال الزبير وكان عبد الرحمن أسن ولد أبي بكر قال المصنف في

المشتمل على كرامة ظاهرة للصديق رضي الله عنه، ومعناه: أن الصديق رضي الله عنه ضيَّف جماعة وأجلسهم في منزله وانصرف إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتأخر رجوعه، فقال عند رجوعه: أعشَّيتموهم؟ قالوا: لا، فأقبل على ابنه عبد الرحمن: يا غُنْثَرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ التهذيب روى له عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثمانية أحاديث اتفقا على ثلاثة منها اهـ. وخرج عنه الأربعة روى عنه أبو عثمان النهدي وعمرو بن ميمون وعمرو بن مهران وعبد الرحمن بن أبي ليلى وغيرهم خرج من المدينة إلى مكة قبل أن تتم البيعة ليزيد وكان قد طلب منه ذلك فامتنع فأرسل إليه بمائة ألف درهم بعد الامتناع يستعطفونه بها فردها وقال: لا أبيع ديني بدنياي فمات فجأة من نومة بمخل يقال له: حبشي على نحو عشرة أميال من مكة وحمل إلى مكة فدفن بها ولما اتصل خبر موته بأخته عائشة ظعنت إلى مكة حاجة فوقفت على قبره فبكت عليه وتمثلت: وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن نتصدعا فلما تفرقنا كأني ومالكاً ... لطول اجتماع لم ينبت ليلة معا أما والله لو حضرتك لدفنتك حيث مت ولو حضرتك ما بكيتك وكان موته سنة ثلاث وقيل سنة خمس وقيل ست وخمسين والأول أكثر قال العلماء: لا يعرف أربعة ذكور مسلمون متوالدون بعضه من بعض أدركوا النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحبوه إلا أبو قحافة وابنه أبو بكر وابنه عبد الرحمن وابنه محمد. قوله: (المشتمل على كرامة ظاهرة للصديق) هي قوله في الحديث قال: أي عبد الرحمن فايم الله ما كنا نأخذ من لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها حتى شبعنا وصارت أكثر مما

فَجَدَّعَ وسَبَّ. قلت: قوله: غنثر، بغين معجمة مضمومة، ثم نون ساكنة ثم تاء مثلثة مفتوحة ومضمومة ثم نون ساكنة ثم ثاء مثلثة مفتوحة ومضمومة ثم راء، ومعناه: يا لئيم، وقوله: فجدَّع، وهو بالجيم والدال المهملة، ومعناه: دعا عليه بقطع الأنف ـــــــــــــــــــــــــــــ كانت قبل ذلك فنظر إليها أبو بكر فإذا هي كما هي أو أكثر قال لامرأته: يا أخت بني فراس ما هذا قالت: لا وقرة عيني لهي الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرار قال: فأكل منها أبو بكر وقال: إنما كان ذلك من الشيطان يعني يمينه أي بالامتناع من الأكل معهم ثم أكل منها لقمة ثم حملها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأصبحت عنده قال: وكان بيننا وبين قوم عقد فمضى الأجل ففرقنا اثني عشر رجلاً مع كل رجل منه أناس الله أعلم كم مع كل رجل إلا أنه بعث معهم فأكلوا منها أجمعون أو كما قال. هذا لفظ مسلم وعند البخاري بنحوه قال المصنف في شرح مسلم: هذا الحديث فيه كرامة ظاهرة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه وفيه إثبات كرامات الأولياء وهو مذهب أهل السنة خلافاً للمعتزلة اهـ. قوله: (فجدع) بتشديد المهملة أي دعا بالجدع وهو قطع الأنف. قوله: (وسب) أي شتم. قوله: (قلت غنثر بغين معجمة الخ) قال المصنف في شرح مسلم بعد ذكره كذلك هذه الرواية المشهورة في ضبطه وهو الثقيل الوخم وقيل هو الجاهل مأخوذ من الغثارة بفتح الغين المعجمة الجهل والنون فيه زائدة وقيل هو السفيه وقيل: هو ذباب أزرق وقيل: هو اللئيم مأخوذ من الغثر وهو اللؤم وحكى القاضي عن بعض الشيوخ أنه قال: إنما هو غنثر

باب نداء من لا يعرف اسمه

ونحوه، والله أعلم. باب نداء من لا يعرف اسمه ينبغي أن ينادَى بعبارة لا يتأذَّى بها، ولا يكون فيها كذب ولا ملق كقولك: يا أخي يا فقيه يا فقير، يا سيدي، يا هذا، يا صاحب الثوب الفلاني، أو النعل الفلاني، أو الفرس، أو الجمل، أو السيف أو الرمح، وما أشبه هذا على حسب حال المنادي والمنادى. وقد روينا في سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه بإسناد حسن عن بشير بن معبد المعروفة بابن الخصاصية رضي الله عنه قال: "بينما أنا أماشي النبي -صلى الله عليه وسلم- نظر فإذا رجل يمشي بين القبور عليه نعلان فقال: ـــــــــــــــــــــــــــــ بفتح الغين والثاء ورواه الخطابي وطائفة عنتر بعين مهملة ومثناة مفتوحتين قالوا: وهو الذباب وقيل هو الأزرق منه شبهه به تحقيراً له اهـ. وفي النهاية في معناه بالمهملة والمثناة الفوقية هو الذباب شبهه به تحقيراً له وتصغيراً وقيل: هو الذباب الكبير الأزرق شبهه به لشدة أذاه اهـ. قوله: (ونحوه) أي من الأذن أو الشفة. باب نداء من لا يعرف اسمه أي بيان لفظ نداء من لا يعرف المنادي اسمه حال النداء أما بأن لا يعرف اسمه مطلقاً أو اشتبه عليه حينئذٍ. قوله: (بعبارة) أي بلفظ وسمي عبارة لأنه يعبر به عما في الضمير. قوله: (كذب) بكسر الذال المعجمة أي إخبار بخلاف الواقع بأن يصف إنساناً بخلاف ما هو به. قوله: (ولا ملق) بفتح أوليه قال في النهاية: هو الزيادة في التودد والدعاء والتضرع فوق ما ينبغي وفي الحديث ليس في خلق المؤمن الملق. قوله: (كقولك يا أخي) هذا مثال اللفظ الذي يطلب الإتيان به لخلوه عن الملق ونحوه. قوله: (على حسب حال المنادي) أي بصيغة اسم الفاعل (والمنادى) بضيغة المفعول أي بأن ألفاظ الخطاب تختلف باختلاف أحوال المخاطب فلكل مقام مقال فينبغي مراعاة ذلك لما يترتب على تركه مما لا يخفى قوله: (روينا في سنن أبي داود والنسائي الخ) سبق الكلام على الحديث تخريجاً ومعنى في آخر أذكار الجنائز قبل أذكار الصلاة المخصوصة. قوله: (أماشي) مضارع

باب نهي الولد والمتعلم والتلميذ أن ينادي أباه ومعلمه وشيخه باسمه

يا صَاحِبَ السبْتِيَّتْينِ وَيْحَكَ الْقِ سِبْتِيَّتَيْكَ ... " وذكر تمام الحديث". قلت: النعال السبتية بكسر السين: التي لا شعر عليها. وروينا في كتاب ابن السني عن جارية الأنصاري الصحابي رضي الله عنه -وهو بالجيم- قال: "كنت عند النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان إذا لم يحفظ اسم الرجل قال: يا ابن عبد الله". باب نهي الولد والمتعلم والتلميذ أن ينادي أباه ومعلمه وشيخه باسمه روينا في كتاب ابن السني عن أبي هريرة رضي الله عنه "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً معه غلام، فقال للغلام: مَنْ هَذَا؟ قال: أبي، قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ ماشي أي أمشي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قوله: (يا صاحب السبتيتين الخ) أي فناداه بهذا اللفظ لما لم يعرف اسمه فيقاس به غيره من الثوب والفرس وعن الصديق رضي الله عنه أنه مر به إنسان ومعه ثوب فقال: يا صاحب الثوب أتبيعه فقال: لا يرحمك الله قال: قل لا ويرحمك الله لئلا يلتبس الدعاء لي بالدعاء على أورد الثعلبي في كتاب اللطف واللطائف. قوله: (عن جارية الأنصاري رضي الله عنه وهو بالجيم) أي بالراء المكسورة بعدها تحتية ولم أر له ترجمة في أسد الغابة. قوله: (وكان) معطوف على قوله كنت وينبغي أن يحلق بما في الحديث يابن أمة الله ونحوه يا عبد الله وما أشبهه. باب نهي الولد والمتعلم والتلميذ أي بكسر المثناة الفوقية وسكون اللام وكسر الميم بعدها تحتية فذال معجمة المشتغل بالعلم فعطفه على المتعلم من عطف الخاص على العام للاهتمام وقوله (أن ينادي أباه ومعلمه وشيخه باسمه) مفعول نهى وفي العبارة لف ونشر مرتب وكان حكمة تقديم ذكر الوالد على من بعده كونه السبب في وجوده الصوري الظاهري الذي يتأهل به للتعلم وأخذ العلم فهو لكونه سابقاً عليهما قدم في الذكر وإن كان الشيخ أحق بالإكرام لكونه سبباً للحياة الأبدية ويحتمل أن يكون في العبارة ترق لكن يبعده أن المعلم للصناعات ليس أعظم حقاً من الأب بخلاف الشيخ المربي للإنسان المنقذ له من الجهل إلى العرفان فإنه أحق بالإكرام والإحسان والله أعلم وإنما نهى عن دعاء من ذكر باسمه لأنه خال عن التعظيم

فَلا تَمْشِ أمامَهُ، وَلا تَسْتَسِبَّ لَهُ، وَلا تَجْلِسْ قَبْلَهُ، ولاَ تَدْعُهُ باسْمِهِ". قلت: معنى لا تستسبَّ له: أي لا تفعل فعلاً يتعرض فيه لأن يسبك أبوك زجراً لك وتأديباً على فعلك القبيح. وروينا فيه عن السيد الجليل العبد الصالح المتفق على صلاحه عبيد الله بن زَحْر -بفتح الزاي وإسكان الحاء المهملة- رضي الله عنه قال: يقال: من العقوق أن تسميَ أباك باسمه، وأن تمشيَ أمامه في طريق. ـــــــــــــــــــــــــــــ المطلوب منه مع من ذكر وقد نهى الله عباده أن ينادوا النبي -صلى الله عليه وسلم- باسمه بل يدعونه بوصفه الشريف من الرسالة والنبوة ونحوهما قال تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} قوله: (فلا تمش أمامه) أي لأن في ذلك صورة ترفع عليه واستهانة بشأنه. قوله: (ولا تستسب له) أي لا تطلب سبه لك بوقوعك في فعل قبيح يدعوه أن يسبك من أجله ويؤذيك على فعله، وإنما نهى عن ذلك لما فيه من إيذائه وهذا ما ذكره المصنف رحمه الله ويحتمل أن يكون المعنى لا تطلب السب له من الغير وذلك بأن تسب ذلك الغير فيسب أباك وفي الحديث المتفق عليه عن عبد الله بن عمرو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من الكبائر شتم الرجل والديه" قالوا: يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه متفق عليه. قوله: (ولا تجلس قبله) أي فإن ذلك خلاف الأدب وفيه نوع من التكبر عليه. قوله: (ولا تدعه باسمه) يحتمل أن يراد من الاسم العلم بأنواعه من اسم ولقب وكنية وحينئذٍ فيدعوه بوصفه من نحو يا سيدي أو يا أبي أو يا مولانا أو يا أستاذنا أو نحوه ويحتمل أن المراد من الاسم هنا ما يقابلهما فيدعوه بكنيته ولقبه والأول أقرب إلى رعاية الأدب لكن ظاهر ما يأتي من قول المصنف باب جواز الكنى واستحباب مخاطبة أهل الفضل بها أن المراد من الاسم هنا ما يقابل اللقب والكنية فلا بأس بندائه بلقبه كيا زين العابدين أو كنيته كيا أبا الخير أو بنحو يا أبت كما في الكتاب العزيز حكاه عن بعض الأنبياء عليهم السلام. قوله: (وعن السيد) أي المرتفع المقدار. قوله: (عبيد الله بن زحر) هو بصيغة التصغير مما عاصر صغار التابعين

باب استحباب تغيير الاسم إلي أحسن منه

باب استحباب تغيير الاسم إلي أحسن منه فيه حديث سهل بن سعد الساعدي المذكور في باب تسمية المولود في قصة المنذر بن أبي أُسَيد. روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه "أن زينب كان اسمُها برَّةَ، فقيل: تزكي نفسها، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم ينسب لقبه لأحد من الصحابة وهو ضمري مولاهم إفريقي صدوق يخطيء خرج عنه البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن الأربعة كذا في تقريب الحافظ ابن حجر. باب استحباب تغيير الاسم إلي أحسن قوله: (فيه حديث سهل بن سعد الخ) أي وذلك قوله في آخره قال: ما اسمه قال: فلان قال: لا ولكن امه المنذر فسماه يومئذٍ المنذر. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) رواه البخاري في الأدب من صحيحه ومسلم في الاستئذان من صحيحه ورواه ابن ماجه كذا في الأطراف للحافظ المزي. قوله: (أن زينب) أي بنت جحش أم المؤمنين كما أشار إليه المصنف في شرح مسلم وصرح به شيخ الإسلام زكريا في تحفة القاري وقال الكرماني زينب بنت جحش أو زينب بنت أبي سلمة لأنه -صلى الله عليه وسلم- غير اسم كل منهما إلى زينب وكذا قال الحافظ في الفتح وزاد الأولى أم المؤمنين والثانية ربيبة النبي -صلى الله عليه وسلم- كذا قاله ابن عبد البر. قوله: (برة) بفتح الباء الموحدة وتشديد الراء مبالغة بارة إما على الوصفية أو المصدرية أي كثيرة البر. قوله: (فقيل تزكي نفسها) أي لأن لفظ برة مشتق من البر وفي كلام ابن القيم في الهدى من أثناء حكم نهيه عن أسماء معينة قال: وأمر آخر هو ظن المسمى واعتقاده في نفسه أنه كما سمى فيقع في تزكية نفسه وتعظيمها وترفعه على غيره وها هو المعنى الذي لأجله نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تسمى برة وقال: "لا تزكوا أنفسكم هو أعلم بأهل البر منكم" قال: وعلى هذا فتكره التسمية بالتقي والمتقي والمطيع والطائع والراضي والمحسن والمخلص ونحوها أما تسمية الكفار بذلك فلا يجوز التمكين منه ولا دعاؤهم بشيء من هذه الأسماء والأخبار عنهم بها والله عزّ وجلّ يغضب من تسميتهم بذلك اهـ. وقال ابن الملك تزكية الرجل نفسه ثناؤه عليها والبر اسم لكل فعل مرضي.

فسماها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زينبَ". وفي "صحيح مسلم" عن زينب بنت أبي سلمة رضي الله عنها قالت: ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (فسماها زينب) في القاموس زنب كفرح سمن والأزنب السمين وبه سميت المرأة زينب يعني أخباراً أو تفاؤلاً أو من زنابي العقرب لزباناها أو من الزينب لشجر حسن المنظر طيب الرائحة أو أصلها زين أب. قوله: (وفي رواية صحيح مسلم) هو حديث آخر غير ما قبله لأن حديث أبي هريرة في الصحيحين وهو في شأن زينب أم المؤمنين كما تقدم عن المصنف والشيخ زكريا أو هي أو بنت أبي سلمة كما قال الكرماني والحافظ وهذا في مسلم وهو في شأن زينب بنت أبي سلمة وإنما نبهت على ذلك لأن ظاهر العبارة يوهم أن هذا بيان رواية مسلم في الحديث السابق عن أبي هريرة وأن ما قدمه لفظ البخاري فيقتضي أن ذلك السابق أيضاً في زينب بنت أبي سلمة وقد علمت الخلاف فيه وفي بعض النسخ "وفي صحيح مسلم" بحذف قوله رواية وهي واضحة وفي شرح مسلم بعد الإشارة إلى حديثي أبي هريرة وزينب ذكر في الحديثين أنه -صلى الله عليه وسلم- غير اسم برة بنت أبي سلمة وبرة بنت جحش فسماهما زينب وقال: "لا تزكوا أنفسكم هو أعلم بأهل البر منكم" اهـ. قوله: (عن زينب بنت أبي سلمة) هي القرشية المخزومية ربيبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمها أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- ولدتها أمها بأرض الحبشة وقدمت بها معها وأخرج ابن الأثير عنها قالت: كانت أمي إذا دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يغتسل تقول: ادخلي عليه فإذا دخلت نضح في وجهي من الماء ويقول: ارجعي قال عطاف: قالت أمي: ورأيت زينب وهي عجوز كبيرة ما نقص من وجهها شيء روى لها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- سبعة أحاديث منها في الصحيحين حديثان أحدهما للبخاري والآخر لمسلم وخرج حديثها الجماعة روت عن أمها أم سلمة وزينب بنت جحش وروى عنها عروة وأبو سلمة بن عبد الرحمن تزوجها عبد الله بن زمعة بن الأسود الأسدي فولدت له وكانت من أفقه نساء زمانها، وروى

سميتُ برَّةَ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سموها زينبَ، قالت: ودخلت عليه زينبُ بنت جحش واسمها برَّة، فسماها زينبَ". وفي "صحيح مسلم" أيضاً عن ابن عباس قال: "كانت جويرية اسمها برَّة، فحوَّل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اسمها جويرية، وكان يكره أن يقال: خرج من عند برَّة. وروينا في "صحيح البخاري" عن سعيد بن المسيب بن حزن عن أبيه، أن أباه جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ـــــــــــــــــــــــــــــ جرير بن حازم عن الحسن قال: لما كان يوم الحرة قتل أهل المدينة وكان فيمن قتل ابنا زينب ربيبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحملا فوضعا بين يديها مقتولين فقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون والله أن المصيبة علي فيهما لكبيرة وهي علي في هذا أكبر منها في هذا لأنه جلس في بيته فدخل عليه فقتل مظلوماً وأما الآخر فإنه بسط يده وقاتل فلا أدري على ما هو من ذلك وهما ابنا عبد الله بن زمعة توفيت سنة ثلاث وسبعين بعد الحرة وحضر جنازتها عبد الله بن عمر. قوله: (سميت برة) بضم المهملة وكسر الميم مبني للمجهول وفي الحديث في مسلم لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم قالوا: بم نسميها قال: سموها زينب فعلة التغيير فيها وفي زينب بنت جحش ما في برة من التزكية وفي الجامع الصغير كان -صلى الله عليه وسلم- يلاعب زينب بنت أم سلمة ويقول: يا زوينب يا زوينب مراراً رواه الضياء عن أنس. قوله: (وفي صحيح مسلم أيضاً) قال الحافظ المزي في الأطراف رواه مسلم في الأدب والدعاء ورواه أبو داود في الصلاة ورواه ابن السني في اليوم والليلة اهـ. ملخصاً. قوله: (كانت جويرية) بضم الجيم تصغير جارية. وقوله: (اسمها برة) أي قبل الدخول في عصمته - صلى الله عليه وسلم -. وقوله: (فحول أسمها جويرية) منصوب على نزع الخافض أي إلى جويرية أو ضمن حول معنى صير فيكون متعدياً إلى مفعولين. قوله: (وكان يكره أن يقال خرج من عند برة) أي فعلة التغيير فيه خوف التطير قاله المؤلف في شرح مسلم. قوله: (وروينا في صحيح البخاري) قال المزي رواه البخاري في الأدب من صحيحه. قوله: (عن أبيه) هو المسيب بفتح الياء على المشهور وكان سعيد يكرهه ويقول سيب الله في النار من سيب أبي فالأولى أن يقرأ بكسرها هرباً من دعوة هذا التابعي الجليل والمسيب صحابي تقدمت ترجمته في أثناء كتاب السلام والاستئذان. قوله: (أن أباه) أي أبا المسيب وهو حزن

فقال: "ما اسْمُكَ؟ قال: حَزْن، فقال: أنْتَ سَهْل، قال: لا أغيِّر اسماً سمَّانيه أبي، قال ابن المسيب: فما زالت الحُزونةُ فينا بعدُ". قلت: الحُزُونَةُ: غِلَظُ الوجه ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم القرشي المخزومي كان من المهاجرين ومن أشراف قريش في الجاهلية وهو الذي أخذ الحجر الأسود من الكعبة حين أرادت قريش تبني الكعبة فبز الحجر الأسود من يده حتى رجع مكانه وقيل الذي رفع الحجر أبو وهب والد حزن وهو الصحيح وأنكر مصعب الزبيري هجرة حزن وقال: هو وابنه من مسلمة الفتح استشهد حزن يوم اليمامة وقيل: استشهد يوم بزاحة أول خلافة أبي بكر في قتال أهل الردة. قوله: (لا أغير اسماً الخ) في رواية أبي داود لأن السهل يوطأ ويمتهن أي لا غير اسمي لأن السهل يوطأ ويهان ويداس بالأقدام قال في المرقاة وفيه نوع نزعة من نزعات إبليس وقياساته من التلبيس حيث لم يدر أن من تواضع الله رفعه الله وأن المرء عند الامتحان يكرم أو يهان والحاصل إنه كما قيل الأسماء تنزول من السماء وافق اسمه حزنة الجبلية مطابقاً للحزن الجبلي وأبعد الطيبي في قوله: بل أنت سهل أي هذا الاسم غير مناسب لك لأنك حليم لين الجانب ينبغي أن تسمى سهلاً فإنه لو كان حليماً لين الجانب لراعى أدب جانب النبوة وعمل بمقتضى أخلاق الفتوة اهـ. وما سلكه الطيبي أنسب بالأدب مع الصحابة رضي الله عنهم. قوله: (الحزونة غلظ الوجه الخ) وقال في أسد الغابة قال سعيد تلك الحزونة فينا ففي ولده سوء خلق أخرجه في آخر الحديث المذكور وقال الكرماني الحزن لغة ما غلظ من وجه الأرض والحزونة الغلظ والأمر بتغيير الاسم لم يكن على سبيل الوجوب لأن الأسماء لم يسم بها لوجود معانيها في المسمى بل للتمييز ولو كان للوجوب لم يسغ له أن يثبت عليه وألا بغيره نعم الأولى التسمية بالاسم الحسن وتغيير الاسم القبيح إليه وكذا الأولى ألا يسمى بما معناه التزكية أو المذمة بل يسمى بما كان صدقاً وحقاً كعبد الله ونحوه اهـ. وقال الشيخ زكريا في شرح البخاري الحزونة الصعوبة

وشيءٌ من القساوة. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن ابن عمر رضي الله عنهما "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- غير اسم عاصيةَ، وقال: أنت جميلة". وفي رواية لمسلم أيضاً "أن ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال السيوطي الحزونة صعوبة الخلق. قوله: (وروينا في صحيح مسلم) وكذا رواه أبو داود في سننه كلاهما من حديث يحيى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن ابنة لعمر أي ابن الخطاب وصريح هذه الرواية أن التي غير النبي -صلى الله عليه وسلم- اسمها من عاصية إلى جميلة هي بنت لعمر وقد استدركها الغساني على ابن عبد البر أخذاً بهذا الخبر قال ابن الأثير وليس بشيء فإن جميلة امرأة عمر وهي بنت ثابت كان اسمها عاصية فسماها النبي -صلى الله عليه وسلم- جميلة كما رواه حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر اهـ. ونقل الطاهر الأهدل بهامش نسخته عن القسطلاني قوله هي جميلة بنت عاصم بن أبي الأفلح الأوسي امرأة عمر بن الخطاب اهـ. أقول: ولا مانع من تغيير اسم كل من امرأته وبنته سيما وقد جاء في مسلم وأبي داود في الرواية الأولى التصريح بأنه غير اسم بنت عمر ثم رأيت منقولاً عن خط البرهان الحلبي عدهما معاً فيمن غير النبي -صلى الله عليه وسلم- اسمه إلى اسم أحسن منه فقال: جميلة بنت عمر كان اسمها عاصية وجميلة زوجة عمر كان اسمها عاصية ذكرهما ابن الأثير وغيره اهـ. ثم تسميتها بعاصية لعله كان في الجاهلية يمكن ألا يكون من العصيان بل من العيص بالكسر الشجر الكثير الملتف ويطلق على المنبت ومنه عيص بن إسحاق ابن إبراهيم ولما أبدلت الياء ألفاً فتحت العين قيل: ومنه العاص وأبو العاص والحاصل أنه مؤنث العاصي لكن لما كان يتبادر منه هذا المعنى غيره وقال التوربشتي إنما كان ذلك التسمي في الجاهلية فإنهم كانوا يسمون بالعاص والعاصية ذهاباً إلى معنى الآباء عن قبول النقائص والرضا بالضيم فلما جاء الله بالإسلام كره له ذلك اهـ. ولعل حكمة تسميتها جميلة دون مطيعة مع أنه ضد العاصية مخافة التزكية ثم رأيت العاقولي ذكر ذلك فقال: عدل عن تسميتها بما يقابل اسمها وهو طائعة لأن فيه تزكية النفس

ابنة لعمر كان يقال لها: عاصية، فسماها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جميلة". وروينا في "سنن أبي داود" بإسناد حسن عن أسامة بن أخدري الصحابي رضي الله عنه -وأخدري بفتح الهمزة والدال المهملة وإسكان الخاء المعجمة بينهما- "أن رجلاً يقال له: أصرم كان في النفر الذين أتَوْا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما اسْمُكَ؟ قال: أصرم، قال: بَل أنْتَ زُرْعَةُ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وهي منهى عنها كما في برة والله أعلم. قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) أخرجه في الأدب من سننه وانفرد به عن باقي الكتب الستة. قوله: (عن أسامة بن أخدري الصحابي رضي الله عنه) وأخدري بفتح الهمزة والدال المهملة وسكون المعجمة بينهما وراء مكسورة ثم ياء نسبة قال المنذري الأخدري: حمار الوحش ويشبه أن يكون سمى به اهـ. وهو أسامة بن أخدر الشقري واسم شقرة الحارث بن تميم وإنما سمي شقرة ببيت قاله: وقد أحمل الرمح الأصم كعوبه ... به من دماء الحي كالشقرات والشقرات شقائق النعمان قد حمى أرضه وأنبته فيها فنسبت إليه نزل أسامة البصرة قال ابن الأثير وليس له إلا هذا الحديث يعني حديث الباب وقد تقدمت الإشارة لذلك وفي المرقاة قد قيل في صحبة أخدري وفي إسناد حديثه مقال اهـ. قوله: (يقال له أصرم) بفتح الهمزة وسكون الصاد وفتح الراء المهملتين وهو أصرم الشقري. قوله: (في النفر) هو اسم جمع يقع على جماعة من الرجال خاصة ما بين الثلاثة إلى العشرة ولا واحد له من لفظه كذا في النهاية. قوله: (أتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) أي مع الحي من شقرة وفي أسد الغابة لابن الأثير روى أسامة بن أخدري قال: قدم حي من شقرة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فيهم رجل ضخم يقال له أصرم قد ابتاع عبداً حبشياً فقال: يا رسول الله سمه وادع لي فيه بالبركة فقال: ما اسمك قال: أصرم قال: بل أنت زرعة أخرجه الثلاثة يعني ابن منده وأبا نعيم وابن عبد البر. قوله: (زرعة) بضم الزاي وسكون الراء وبالعين المهملة غير اسم أصرم لما فيه من الصرم وهو القطع إلى زرعة الذي فيه الإنبات والنفع قال العاقولي كأنه فهم من أصرم معنى القطع وهو مؤذن بأن

وروينا في سنن أبي داود والنسائي وغيرهما عن أبي شريح هانيء الحارثي الصحابي رضي الله عنه "أنه لما وفد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع قومه سمعهم يكنّونه بأبي الحكم، فدعاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن اللهَ هُوَ الحَكَمُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون المسمى به أبتر لا نسل له فسماه زرعة لبركة الزرع ونموه اهـ. وفي التجريد أصرم ابن يربوع سماه النبي -صلى الله عليه وسلم- سعيداً اهـ. قوله: (وروينا في سنن أبي داود والنسائي وغيرهما) قال الحافظ زين الدين العراقي في أماليه على المستدرك هذا حديث صحيح أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه وقال فيه: إن الله هو الحكم وإليه الحكم ورواه الحاكم وقال: قد ذكرت في كتاب المعرفة في ذكر المخضرمين شريح بن هانيء أدرك الجاهلية والإسلام ولم ير النبي -صلى الله عليه وسلم- فصار عداده في التابعين وقال: قبل إيراد هذا الحديث أن المقدام وأباه شريحاً من أكابر التابعين قال العراقي وليس المقدام من أكابر التابعين ولا من صغارهم إنما سمع من أبيه ولا أعلم له رواية عن أحد من الصحابة على القول الصحيح في تعريف الصحابي وقد ذكره ابن حبان في طبقة أتباع التابعين من الثقات اهـ. قوله: (أبي شريح هانيء الحارثي) وشريح بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون التحتية بعدها مهملة وهانئ الهمز بعد النون المكسورة وهو هانئ بن يزيد الحارثي والراء المهملتين والمثلثة منسوب إلى بني الحارث بن كعب بن غسلة بن خالد بن مالك بن أدد كما في لب اللباب للأصفهاني وأبو شريح ذكره ابن الأثير في أسد الغابة واقتصر من ذكر أحواله على حديث الباب وزاد قيل إن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا له ولولده. قوله: (يكنونه) بضم أوله مع تشديد النون وبفتحه مع تخفيفها والكنية قد تكون بالأوصاف كأبي الفضائل وأبي الحكم وقد تكون بالنسبة إلى الأولاد كأبي سلمة وأبي شريح وإلى ما يلابسه كأبي هريرة فإنه عليه الصلاة والسلام رآه معه هرة فكناه بذلك وقد تكون للعلمية الصرفة كأبي بكر وأبي عمر. قوله: (إن الله هو الحكم) بفتحتين بمعنى الحاكم وهو القاضي كذا في النهاية وتقدم فيه مزيد في الكلام على ما يتعلق بالأسماء الحسنى وعرف

وإلَيهِ الحُكْمُ، فَلِمَ تُكَنَّى أبا الحَكَم؟ فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتَوْني فحكمت بينهم، فرضي كلا الفريقين، فقال رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-: ما أحْسَنَ هَذَا، فمَا لَكَ مِنَ الوَلَدِ؟ قال: لي شريح، ومسلم، وعبد الله، قال: فَمَنْ أكْبَرَهُمْ؟ قلت: شريح، قال: فأنْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الخبر وأتى بضمير الفصل الدال على الحضر وأن هذا الوصف مختص به تعالى لا يتجاوز إلى غيره إذ منه مبدأ الحكم وإليه منتهاه قال تعالى: ({وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ولا راد لحكمه ولا يخلو حكمه عن حكمة وفي إطلاق الحكم على غيره إيهام الاشتراك في وصفه وقد غير قوله اسم عمرو بن هشام المكنى بأبي الحكم بأبي جهل. قوله: (وإليه الحكم) هو بضم الحاء وإسكان الكاف قال تعالى: {أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} وقد عقد العراقي هذا المعنى في قوله: الحكم لله ثم رسوله ... فهو المحكم منه والله الحكم قوله: (إن قومي الخ) أشار به إلى أنهم جعلوه حكماً بينهم أي يقبلون حكمه ويرضون به لمراعاته الجانبين والعدل بين الخصمين ونحو ذلك. كقوله: (ما أحسن هذا) أي حصول الائتلاف بين القوم بسببك لأنه دال على حسن السياسة الناشيء عنها رصاهم بحكمك لكن التسمية بأبي الحكم لمجرد هذا الأمر أو أي حكم كان من أحكام حكام الدنيا قبيح لأن التسمي بهذا الاسم لا يليق إلا بمن له الحكم في كل شيء على الإطلاق وهو الله تعالى ولما منعه -صلى الله عليه وسلم- من التكني بما لا يليق به أرشده إلى التكني بأحسن ما يليق به فدل على استحباب التكني باسم أكبر الأولاد قاله العاقولي واستظهر في المرقاة أن المشار إليه وجه التكنية قال: وأتى بصيغة التعجب مبالغة في حسنه لكن لما كان فيه من الإيهام ما سبق حول كنيته إلى ما يأتي قال: وأغرب المظهري في قوله "ما" للتعجب يعني الحكم بين النّاس حسن لكن هذه الكنية غير حسنة وتبعه الطيبي فقال: لما لم يكن جوابه مطابقاً قال له -صلى الله عليه وسلم-: "على ألطف وجه وأرشقه رداً عليه ما أحسن هذا لكن أين ذلك من هذا فاعدل إلى ما يليق بحالك من التكني بالأبناء وهو من باب الرجوع إلى ما هو أولى وأليق بحاله اهـ. قوله: (قال شريح)

أبُو شُرَيْحٍ". قال أبو داود: وغيَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- اسم العاصي، وعزيزٍ، وعتلةَ، وشيطانٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ هو صاحب علي بن أبي طالب ومن أجل أصحابه بعد كما قاله ابن الأثير وقد كان مفتياً في زمن الصحابة ولاه علي قاضياً وخالفه في قبول شهادة الحسن له والقضية مشهورة كذا في المرقاة وروى عنه مسلم كما قاله الأصفهاني في لب اللباب وظاهر الترتيب المقتضى لعقله أنه قدم الأكبر فالأكبر لكن الواو لدلالته على مطلق الجمع غير صريح في ذلك فقال -صلى الله عليه وسلم-: "فمن أكبرهم" قال شريح الخ. قوله: (وغير النبي -صلى الله عليه وسلم- اسم العاص الخ) قال العاقولي لأن المؤمن يليق به الطاعة اهـ. قال في المرقاة لكن المفهوم من القاموس أن العاص ليس من مادة العصيان حيث ذكر في معتل العين أن الأعياص من قريش أولاد أمية بن عبد شمس الأكبر وهم العاص وأبو العاص والعيص وأبو العيص قال والعيص المنبت فلعل التبديل الأسمى لأجل الاشتباه اللفظي اهـ. قال ابن الأثير في أسد الغابة في ترجمة مطيع بن الأسود القرشي العدوي كان اسمه العاص فسماه -صلى الله عليه وسلم- المطيع ثم أخرج عن عبد الملك بن المطيع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جلس على المنبر فقال للناس: "اجلسوا" فدخل العاص بن الأسود فسمع قوله: اجلسوا فجلس فلما نزل النبي -صلى الله عليه وسلم- جاء العاص فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " ما لي لم أرك في الصلاة فقال بأبي وأمي أنت يا رسول الله دخلت فسمعتك تقول: اجلسوا فجلست حيث انتهى إلى السمع فقال: "لست بالعاص ولكنك مطيع" فسمي مطيعاً يومئذٍ. قوله: (وعزيز) أي لأن العزة الحقيقية الله تعالى والعبد من حيث إنه عبد دليل فلذا من كساه الله عزة فلا ينبغي أن يدعيها لنفسه فإنها من الله لا من العبد نفسه أخرج في المسند وصاحب المشتبه وفي كتاب التجريد عن خيثمة بن عبد الرحمن قال: كان اسم أبي عزيزاً فغيره النبي -صلى الله عليه وسلم- وكذا لا ينبغي التسمية بنحو حميد وكريم لأنهما وصفان له تعالى. قوله: (وعتلة) بفتح المهملة وسكون الفوقية قيل: وفتحها كما سيأتي في كلام الشيخ وغيره لأن معناها الغلظة والشدة وهي عمود حديد يهدم به الحيطان وقيل حديدة كبيرة يقلع بها الشجر والحجر أي ومن صفات المؤمن اللين والسهولة قال -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمنون هينون". قوله: (وشيطان) أي غيره عمن سمى به

والحَكَم، وغراب، وحباب، وشهاب فسماه هاشماً، وسمى حرباً سلماً، وسمى المضطجع المنبعثَ، وأرضاً يقال لها. عقِرَة سماها خَضِرَة، وشَعْب الضلالة سماه شعبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه من الشطن وهو البعد عن الخير كله كما في شرح السنة وفي التجريد عن ابن المسيب كان رجل اسمه شيطان فسماه -صلى الله عليه وسلم- الحباب اهـ. (و) غير اسم (الحكم) بفتحتين لأنه هو الذي إذا حكم لا يرد حكمه وهذه الصفة ليست حقيقة إلا الله سبحانه وتعالى وإذا غير اسم أبي الحكم كما تقدم فاسم الحكم أولى (و) غير اسم (غراب) لما يسكن القلوب من التفاؤل به في القطيعة والبين لأنه مأخوذ من الغرب وهو البعد ثم هو خبيث لوقوعه على الجيف (و) غير اسم (حباب) بضم المهملة وتكرير الموحدة لأنه نوع من الحيات وروي أن الحباب اسم الشيطان كما قاله الخطابي في معالم السنن وفي التجريد للذهبي الحباب بن عبد الله بن أبي ابن سلول غيره النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى عبد الله. قوله: (وشهاب) أي غير اسمه وسماه بهشام لأن الشهاب شعلة من النار وهي أولى بالكفار وفي مبهمات الخطيب هشام بن عامر الأنصاري والد سعد بن هشام كان اسمه شهاب فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "بل أنت هشام" قال النجم بن فهد: وهو في المسند وفي المرقاة الظاهر أنه إذا أضيف شهاب إلى الدين مثلاً لا يكون مكروهاً أي من هذا المعنى وإن كره لما فيه من التزكية والله أعلم. قوله: (وسمى حرباً سلماً) أي لما في الحرب من البين والقطعية والسلم بكسر المهملة وفتحها الصلح وفي المسند من حديث علي قال: لما ولد الحسن سميته حرباً فجاء -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أروني ابني ما سميتموه" قلت: حرباً قال: "بل هو حسن" قال: فلما ولد الحسين سميته حرباً جاء - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أروني ابني ما سميتموه" قلت: حرباً قال: "بل هو حسين" الحديث. قوله: (وسمى المضطجع المنبعث) قال في أسد الغابة عن ابن إسحاق في ذكر حصار النبي -صلى الله عليه وسلم- للطائف قال: ونزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين كان محاصراً للطائف ممن أسلم المنبعث كان اسمه المضطجع فسماه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المنبعث وكان إلى عثمان بن عامر بن معتب أخرجه ابن مسنده وأبو نعيم اهـ. ووجه التغيير أن المضطجع يقتضي الجمود والقعود عن المعالي المطلوبة والمنبعث بخلافه. قوله: (وأرضاً يقال لها عقرة) بفتح المهملة وكسر القاف لا تحمل من العقر وخضرة بفتح الخاء وكسر الضاد

باب جواز ترخيم الاسم إذا لم يتأذ بذلك صاحبه

الهدى، وبنو الزّيْنة سماهم بني الرَّشدة، وسمى بني مُغْوِية بني رِشْدة. قال أبو داود: تركت أسانيدها للاختصار. قلت: عَتَلة بفتح العين المهملة وسكون التاء المثناة فوق، قاله ابن ماكولا، قال: وقال عبد الغني: عَتْلَةُ، بفتح التاء أيضاً، قال: وسماه النبي -صلى الله عليه وسلم- عتبة، وهو عتبة بن عبد السلمي. باب جواز ترخيم الاسم إذا لم يتأذَّ بذلك صاحبه روينا في الصحيح من طرق كثيرة "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رخَّم أسماء ـــــــــــــــــــــــــــــ المعجمتين قال في النهاية مر -صلى الله عليه وسلم- بأرض تسمى عقرة فسماها خضرة كأنه كره لها اسم العقر لأن العاقر المرأة التي لا تحمل وشجرة عاقرة لا تحمل فسماها خضرة تفاؤلاً بذلك ويجوز أن يكون من قولهم نخلة عقرة إذا قطعت رأسها فيبست اهـ. أخرج بقي بن مخلد من حديث عبدة عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر بأرض مجدبة فسماها خضرة أورده النجم بن فهد في نزهة العيون. قوله: (وبنو الزنية في الرشدة) في النهاية وفد عليه -صلى الله عليه وسلم- بنو مالك بن ثعلبة فقال: "من أنتم؟ " فقالوا: نحن بنو الزنية فقال: "بل أنتم بنو الرشدة"، الزنية بفتح الزاي وكسرها آخر ولد الرجل والمرأة كالعجزة وبنو مالك يسمون في الزنية لذلك وإنما قال لهم -صلى الله عليه وسلم-: "بل أنتم بنو الرشدة" نفياً لهم عما بوهمه لفظ الزنية من الزنى وهو نقيض الرشدة وجعل الأزهري الفتح في الزنية والرشدة أفصح اللغتين اهـ. قوله: (وسمى بني مغوية) بضم الميم وسكون الغين المعجمة وكسر الواو بعدها تحتية قال في لب اللباب مغوية الذي ينسب إليه المغوي هو أجرم بن ناهس بطن من خثعم وأما مغوية بضم الميم فهو الذي وفد على النبي -صلى الله عليه وسلم- فكناه أبا راشد اهـ. باب جواز ترخيم الاسم إذا لم يتأذ بذلك صاحبه ترجم البخاري في صحيحه باب من دعا صاحبه فنقص من اسمه حرفاً وهو أظهر من ترجمة المصنف لأن ما ترجم به يشمل أبا هر في أبي هريرة بخلاف ما ترجم

جماعة من الصحابة، فمن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- لأبي هريرة رضي الله عنه: يا أبا هِرّ" وقوله -صلى الله عليه وسلم- لعائشة رضي الله عنها "يا عائِشُ" ولأنجشة رضي الله عنه "يا أنْجَشُ". ـــــــــــــــــــــــــــــ به المصنف قال الكرماني: قال ابن بطال: ليس هذا من باب الترخيم وإنما هو نقل اللفظ من التأنيث والتصغير إلى التذكير والتكبير فهو وإن كان نقصاً في المبنى زيادة في المعنى اهـ. لكن خالفه فيه الشيخ زكريا في حاشيته على البخاري فقال: المراد من حرف في الترجمة الجنس فيشمل نقص ما فوق الواحد وإن غيرت صورته كما في ترخيم أبي هريرة بأبي هو اهـ. فجعله مرخماً من أبي هريرة وتغييره من توابع ترخيمه والأول أقرب إلى كلام النحاة فإنهم لم يذكروا مثل ذلك في الترخيم وكلام الشيخ زكريا يوافق صنيع المصنف هنا والله أعلم. قوله: (فمن ذلك قوله لأبي هريرة) هو عند البخاري عنه قال: قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا أبا هر" وليس هذا من الترخيم كما سبق في كلام ابن بطال. قوله: (وقوله لعائشة رضي الله عنها) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عنها ولفظها قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام فقلت وعليه السلام ورحمه الله قالت وهو يرى ما لا أرى"، وعائش ترخيم عائشة يجوز فيه الفتح الكرماني وعليه الأكثر قلت: وهي لغة من ينتظر ويجوز فيه الضم. قوله: (ولأنجشة) بالعطف على عائشة أي وقوله: لأنجشة (يا أنجش) وحديثه في البخاري عن أنس قال: كانت أم سلمة في الثقل وأنجشة غلام النبي -صلى الله عليه وسلم- يسوق بهن فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا أنجش رويدك سوقك بالقوارير" وسبق الكلام على من خرج الحديث في باب الحداء من كتاب أذكار المسافر وأنجشة بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الجيم والشين المعجمة غلام أسود كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأنجش بحذف الهاء مرخمة يجوز فيه الفتح والضم على قاعدة المرخمات وقد ذكر أنجشة ابن الأثير في أسد الغابة وقال في ترجمته العبد الأسود كان حسن الصوت بالحداء فحدا بأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع فأسرعت الإبل فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا أنجش رفقاً يالقوارير" وأخرج عن أنس كان أنجشة يحدو بالنساء والبراء

باب النهي عن الألقاب التي يكرهها صاحبها

وفي كتاب ابن السني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأسامة: "يا أسَيْمُ" وللمقدام "يا قُدَيْمُ". باب النهي عن الألقاب التي يكرهها صاحبها ـــــــــــــــــــــــــــــ بن مالك يحدو بالرجال وكان أنجشة حسن الصوت وكان إذا حدا عييت الإبل فقال -صلى الله عليه وسلم-: "يا أنجشة رويدك رفقاً بالقوارير" أخرجه الثلاثة يعني ابن عبد البر وأبا نعيم وابن منده. قوله: (وفي كتاب ابن السني الخ) الترخيم في حديثي ابن السني غير الترخيم في أحاديث الصحيح لأن الذي في أحاديث الصحيح هو المشهور وهو حذف آخر المنادى تخفيفاً وأما الذي في حديثي ابن السني فهو من باب تصغير الترخيم ومعناه أن تنظر إلى الاسم المشتمل على حروف أصول وزوائد فتحذف زوائده وتقتصر على حروفه الأصول وتصغر فإن "المقدم" حروفه الأصلية "قدم" وأسامة اسم فصغراً على قديم وأسيم ومنه الحديث الآتي في باب ما يقول إذا غضب عن عائشة قالت: دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا غضبى فأخذ بطرف المفصل من أنفي فعركه ثم قال: يا عويش قولي: اللهم اغفر لي ذنبي وأذهب غيظ قلبي وأجرني من الشيطان" رواه ابن السني وحينئذ ففي قول الشيخ في الترجمة ترخيم الاسم استعمال للمشترك في معنييه أي حذف حروف من الاسم للنداء أو للتصغير وهو جائز عند الشافعية وعينهم وإمامهم الشيخ المصنف وعلى منعه فهو من باب عموم المجاز والله أعلم. قوله: (يا أسيم) أخرجه من حديث أسامة خرجنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجته التي حجها فقال -صلى الله عليه وسلم-: "يا أسيم" قال الزهري وكذلك كان يدعوه يرخمه اهـ. قوله: (وللمقدام) أي ابن معد يكرب. قوله: (يا قديم) بتصغير الترخيم وحديثه أفلحت يا قديم إن من ولم تكن أميراً ولا كاتباً ولا عريفاً. باب النهي عن الألقاب التي يكرهها صاحب اللقب اللقب علم أشعر بضعة المسمى كبطة وقفة أو رفعته كزين العابدين قال المجد الشيرازي الألقاب ثلاثة لقب تشريف كالأشرف والأفضل ولقب تعريف

قال الله تعالى: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} [الحجرات: 11] ـــــــــــــــــــــــــــــ كالأعرج والأعور ولقب تسخيف كقطيط وبطيط وقال الحافظ ابن حجر في "نزهة الألباب في الألقاب" تنقسم الألقاب إلى أسماء وكنى أي كأبي الخير وأنساب إلى قبائل أي كهاشمي وبلدان كمكي ومواطن وصنائع وإلى صفات في الملقب فأشار به إلى أنه ليس المراد اللقب بالمعنى النحوي الذي هو أحد أنواع العلم بل أعم من ذلك وعليه يحمل في كلام الشيخ هنا والله أعلم. قوله: (قال تعالى: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ}) قال الحافظ في نزهة الألباب كان السبب فيه ما رواه أحمد وأبو داود وغيرهما من حديث أبي جبيرة بن الضحاك رضي الله عنه قال: فينا نزلت هذه الآية في بني سلمة: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} قدم -صلى الله عليه وسلم- المدينة وليس منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة فكان إذا دعا أحداً منهم باسم من تلك الأسماء قالوا: مه أنه يغضب من هذا الاسم فنزلت هذه الآية وروى ابن الجارود في تفسيره عن الحسين أن أبا ذر كان عند النبي -صلى الله عليه وسلم- وبينه وبين رجل منازعة فقال له: يا أبا ذر يابن اليهودية فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما ترى أحمر ولا أسود أنت أفضل منه إلا بالتقوى" ونزلت هذه الآية: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} وروى عبد الرزاق في تفسيره عن الحسن نحوه وعن قتادة في تفسيرها لا تقل لأخيك المسلم: يا فاسق يا منافق وعن مجاهد في تفسيرها لا تدعو الرجل بالكفر وهو مسلم وزعم مقاتل بن سليمان أن كعب بن مالك كان بينه وبين عبد الله بن حدرد الأسلمي كلام فقال له: يا أعرابي فقال له عبد الله: يا يهودي فنزلت فيهما: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} وروي عن ابن مسعود في تفسيرها كان الرجل يقول للرجل وقد كان يهودياً فأسلم: يا يهودي ويقول للرجل المسلم: يا فاسق فنزلت هذه الآية وروى الدارقطني في الإفراد من حديث ابن عمر رفعه بادروا أولادكم بالكنى قبل أن تغلب عليهم الألقاب وإسناده ضعيف والصحيح عن

واتفق العلماء على تحريم تلقيب الإنسان بما يكره، سواء كان صفة له، كالأعمش، والأجلح، والأعمى، والأعرج، والأحوال، والأبرص، والأشج، والأصفر، ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عمر قوله: وفي البخاري عن هلال الوزان كناني عروة قبل أن يولد لي فكأنه لحظ هذا اهـ. قوله: (واتفق العلماء على تحريم لقب الإنسان بما يكره) قال الحافظ ابن حجر روى الحاكم من حديث ابن عمر رفعه ما من رجل رمى رجلاً بكلمة تشينه إلا حبسه الله تعالى يوم القيامة في طينة الخبال حتى يخرج منها هذا كله إذا كان الملقب يكره اللقب فأما إن كان يحبه ويوجب له المدح فهو جائز بشرط الأمن من الإطرا وقد لقب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جماعة من أصحابه منهم خالد بن الوليد سيف الله وأبو عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة وأبو بكر بالصديق وعمر بالفاروق وعثمان بذي النورين وحمزة بأسد الله وجعفر بذي الجناحين وسمى قبيلتي الأوس والخزرج بالأنصار فغلب عليهم وعلى خلفائهم. قوله: (كالأعمش) قال الحافظ في نزهته لقب سليمان بن مهران الكوفي المحدث المشهور. قوله: (والأجلح) بجيم وحاء مهملة اسمه يحيى بن عبد الله بن حسان. قوله: (والأعرج) لقب جماعة أشهرهم عبد الرحمن بن هرمز شيخ أبي الزناد وثابت بن عياض وعبد الرحمن بن سعيد مولى الأسود بن سفيان تابعيون رووا عن أبي هريرة ثم ذكر جماعة كثيرين ممن لقب بذلك. قوله: (والأحوال) بالحاء المهملة قال: لقب جماعة منهم عاصم بن سليمان التابعي وعامر بن عبد الواحد وسليمان بن أبي مسلم وهشام بن عبد الملك ومحمد بن الحكم المروزي وعاصم بن النضر. قوله: (والأبرص) بالصاد المهملة هو من قام به البرص داء معروفة وجرت عادتهم بأبدال الصاد بالشين المعجمة فيقولون الأبرش. قوله: (والأصفر) بإسكان الصاد المهملة وبالفاء والراء لقب جماعة منهم مروان تابعي أخذ عن ابن عمر ومنهم بسطام بن حريث. قوله:

والأحدب، والأصم، والأزرق، والأفطس، والأشتر، والأثرم، والأقطع، والزَّمِن، والمقعد، والأشَل، ـــــــــــــــــــــــــــــ (والأحدب) قال: لقب جماعة منهم واصل بن حيان ومحمد بن عبيد وغيرهما. قوله: (والأصم) بالصاد المهملة من الصمم قال: لقب جماعة وعد منهم مالك بن جناب الكلبي بن يوسف محدث مشهور قوله: (والأفطس) بالفاء والطاء والسين المهملتين قال: لقب جماعة منهم سالم بن عجلان من رجال البخاري وإبراهيم بن سليمان والحسين بن الحسين بن علي بن أبي طالب وعبد الله بن سلمة عن الأعمش. قوله: (والأشتر) بالشين المعجمة والفوقية والراء المهملة قال: هو لقب للنخعي واسمه مالك بن الحارث من أصحاب علي رضي الله عنه والحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب حدث عن آبائه وقال إن الأشتر لقب أبيه. قوله: (والأثرم) بالمثلثة قال: لقب جماعة منهم صاحب أحمد بن حنبل وهو أحمد بن هانئ ومنهم علي بن المغيرة النحوي صاحب أبي عبيدة في آخرين. قوله: (والأقطع) قال اسمه وهيز روى عنه ابن عيينة. قوله: (والزمن) بكسر الميم من الزمانة لقب اثنين أبي موسى محمد بن المثنى العنزي البصري والآخر صدقة بن موسى. قوله: (والمقعد) بضم الميم وسكون القاف وفتح المهملة الأولى قال: لقب جماعة أشهرهم أبو معمر عبد الرحمن بن عمرو بن أبي الحجاج ومنهم صدقة بن سابق وعبد الرحمن بن سعد وهو أقدمهم. قوله: (والأشل) بالشين المعجمة وتشديد اللام لقب جماعة منهم منصور بن عبد الرحمن الغداني اهـ. وهذا الذي ذكرته من كتاب نزهة الألباب لبيان من عرف بهذه الألقاب من النّاس المتقدمين زيادة في الفائدة وليس المراد أن كراهة استعمال هذه الألقاب مقصورة عليهم بل يكره ذلك في

أو كان صفة لأبيه أو لأمه أو غير ذلك مما يكره، واتفقوا على جواز ذِكْرِه بذلك على جهة التعريف لمن لا يعرفه إلا بذلك، ودلائل ما ذكرته كثيرة مشهورة حذفتها اختصاراً واستغناءً بشهرتها. ـــــــــــــــــــــــــــــ حقهم وفي حق غيرهم من كل لقب بشيء منها وهو يكرهه كما هو ظاهر. قوله: (أو كان صفة لأبيه) كما في المسيب فإنه مشهور بفتح الياء وكان ولده يكره ذلك حتى قال سيب الله في النار من سيب أبي. قوله: (واتفقوا على جواز ذكره على جهة التعريف لمن لا يعرفه إلا بذلك) أي ليتميز من غيره قال الحافظ في نزهة الألباب قال أبو حاتم الرازي: حدثنا عبدة بن عبد الرحيم قال: سألت عبد الله بن المبارك عن الرجل يقول حميد الطويل وحميد الأعرج فقال: إذا أراد صفته ولم يزد عليه فلا بأس وقال الأثرم سمعت أحمد سئل عن الرجل يعرف بلقبه ثم قال إذا لم يعرف إلا به جاز ثم قال الأعمش إنما يعرفه النّاس بهذا فسهل في مثله إذا اشتهر به وسئل عبد الرحمن بن مهدي هل فيه غيبة لأهل العلم قال: لا اهـ. وخرج بقول المصنف على جهة التعريف ما إذا قصد التنقيص أو الذم فيحرم وإن لم يعرف إلا بذلك معاملة له بقصده وكذا إن كان يعرف بغير ذلك اللقب فلا يجوز ذكره لأن ما جاز للضرورة بعد أن كان محظوراً منه يتقدر بقدرها والأولى أن يسلك فيمن لا يعرف إلا بما يكرهه المسلك الحسن الذي سلكه إمامنا الشافعي حيث قال: أخبرني إسماعيل الذي يقال له ابن علية فجمع بين التعريف والتبري من التلقيب رحمه الله تعالى ورضي عنه. قوله: (ودلائل ما ذكرته كثيرة مشهورة) المذكور هنا شيئان الأول تحريم تلقيب الإنسان بما يكره لما فيه من الإيذاء ودليله ما تقدم من حديث الحاكم عن ابن عمر وما في معناه من الأحاديث الواردة في تحريم الغيبة وتقبيحها وقد عد الشيخ ابن حجر الهيتمي في الزواجر التنابز بالألقاب من جملة الكبائر قال: وقد عده منها واحد وأفردوه مع أنه من جملة الغيبة تبعاً للآية وكأن حكمته فيها أنه من أفحش أنواعها فقصد بإفراده تقبيح شأنه مبالغة في الزجر عنه اهـ. والثاني

باب جواز استحباب اللقب الذي يحبه صاحبه

باب جواز استحباب اللقب الذي يحبه صاحبه فمن ذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه، اسمه عبد الله بن عثمان، لقبه عتيق، هذا هو الصحيح الذي عليه جماهير العلماء من المحدثين وأهل السير والتواريخ وغيرهم. وقيل: اسمه عتيق، حكاه الحافظ أبو القاسم ابن عساكر في كتابه "الأطراف"، والصواب الأول، واتفق العلماء على أنه لقب خير. واختلفوا في سبب تسميته عتيقاً. فروينا عن عائشة رضي الله عنها من أوجه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أبُو بَكْرٍ عَتِيقُ اللهِ مِنَ النَّارِ" قال: فمن يومئذٍ سمي عتيقاً. ـــــــــــــــــــــــــــــ جواز ذلك عند الحاجة ومنه حديث أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه فإن هذا مما يكرهانه لكن الحاجة دعت إليه فذكره لذلك. باب جواز استحباب اللقب الذي يحبه صاحبه أي بشرط الأمن من المدح والإطراء كما تقدم عن الحافظ. قوله: (واسمه عبد الله) قيل سماه به أهله ابتداء وقيل بل سموه عبد الكعبة فسماه -صلى الله عليه وسلم- عبد الله حكاهما ابن الأثير. قوله: (ولقبه عتيق) وكذا لقب الصديق لقبه به النبي -صلى الله عليه وسلم- كما قاله الحافظ وغيره لما بادر لتصديقه في قصة الإسراء ولم يتوقف فيه وقال: إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك أصدقه في خبر السماء غدوة أو روحة وقال ابن النحوي في شرح البخاري ذكر ابن سعد أنه -صلى الله عليه وسلم- لما أسري به قال لجبريل أن قومي لا يصدقوني فقال له جبريل: يصدقك أبو بكر وهو الصديق وقال علي سماه الله على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم- صديقاً قال أبو محجن الثقفي: وسميت صديقاً وكل مهاجر ... سواك يسمى باسمه غير منكر سبقت إلى الإسلام والله شاهد ... وكنت جليساً في العريش المشهر قوله: (وقيل اسمه عتيق) حكاه في النهاية كذلك وقال العتيق الكريم الرابح من كل شيء. قوله: (فروينا عن عائشة الخ) في جامع الأصول عن عائشة قالت: دخل أبو بكر على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أبشر فأنت عتيق الله من النار" فمن يومئذٍ سمي عتيقاً أخرجه الترمذي قلت: وأخرجه

وقال مصعب بن الزبير وغيره من أهل النسب: سمي عتيقاً لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب به، وقيل غير ذلك، والله أعلم. ومن ذلك أبو تراب لقب لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكنيته أبو الحسن: ثبت في الصحيح " أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجده نائماً في المسجد وعليه التراب، فقال: قُمْ أبا تُرَاب، قُمْ أبا تُراب" فلزمه هذا اللقب الحسن الجميل. وروينا هذا في "صحيحي البخاري ـــــــــــــــــــــــــــــ في أسد الغابة كذلك وفي النهاية سماه النبي -صلى الله عليه وسلم- عتيقاً لما أسلم وعلى هذا فهو من العتق فمعنى عتيق أي معتوق من النار. قوله: (وقال مصعب بن الزبير) مصعب بضم الميم وسكون المهملة الأولى فتح الثانية بعدها والزبير هو ابن العوام رضي الله عنه. قوله: (وغيره من أهل النسب) قال في أسد الغابة قال الليث بن سعد وجماعة معه وقال الزبير بن بكار وجماعة معه: إنما قيل له عتيق لأنه لم يكن شيء في نسبه يعاب به وقال بعضهم: قيل له عتيق لحسن وجهه وجماله قلت وعلى هذين فهو مأخوذ من العتاقة بفتح العين بمعنى الحسن وقال ابن النحوي بعد أن ذكر ما تقدم من الأقوال وقيل لأنه قديم في الخير وكان له أخوان معتق وعتيق قالته عائشة فيما حكاه الزمخشري في ربيعه وقال أبو طلحة: سمي عتيقاً لأن أمه كان لا يعيش لها ولد فلما ولدته استقبلت به البيت ثم قالت: اللهم هذا عتيقك من الموت فهبه لي وقال ابن المعلى وكانت أمه إذا نقزته قالت: عتيق ما عتيق ... ذو المنظر الأنيق رشفت منه ريق ... كالزرنب العتيق فائدة من ألقاب الصديق الأواه فيما قاله إبراهيم النخعي وذو الخلال لعباءة كان يخلها على صدره كما في وشاح ابن دريد قال السهيلي وكان يلقب أمير السالكين فهذه خمسة ألقاب له. قوله: (ومن ذلك أبو تراب) أي ومن اللقب المحبوب أبو تراب لقب عين الأحباب أمير المومنين علي بن أبي طالب، تقدم أن المراد باللقب في هذا المقام ما أشعر بضعة أو رفعه اسماً كان أو لقباً أو كنية أو غيرها. قوله: (وكنيته أبو الحسن) كني بأكبر أولاده رضي الله عنهما. قوله: (ثبت في الصحيح الخ)

ومسلم" عن سهل بن سعد، قال سهل: وكانت أحبُّ أسماء عليّ إليه، وإن كان ليفرح أن يدعى بها. هذا لفظ رواية البخاري. ـــــــــــــــــــــــــــــ أخرج الشيخان من حديث سهل بن سعد قال: جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيت فاطمة فلم يجد علياً في البيت فقال: "أين ابن عمك فقال كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلن يقل عندي فقال -صلى الله عليه وسلم- لإنسان: "انظر أين هو" فجاء فقال: يا رسول الله هو في المسجد راقد فجاءه -صلى الله عليه وسلم- وهو مضطجع وقد سقط رداؤه عن شقه فأصابه تراب فجعل -صلى الله عليه وسلم- يمسحه عنه ويقول: قم أبا تراب قم أبا تراب قال في جامع الأصول رواه مسلم وأخرج هو والبخاري رواية أخرى قلت: أخرجه البخاري من حديث سهل بهذا اللفظ في باب نوم الرجال في المساجد وأخرجه في باب آخر من حديث سهل أيضاً قال: إن كانت أحب أسماء علي إليه لأبو تراب وإن كان ليفرح أن يدعى بها وما سماه أبو تراب إلا النبي -صلى الله عليه وسلم- غاضب يوماً فاطمة فخرج فاضطجع إلى الجدار في المسجد وجاءه - صلى الله عليه وسلم - يتتبعه فقيل هو ذا مضطجع إلى الجدار فجاءه أي النبي -صلى الله عليه وسلم- وامتلأ ظهره تراباً فجعل -صلى الله عليه وسلم- يمسح التراب عن ظهره ويقول: "اجلس يا أبا تراب" قال ابن النحوي في شرح البخاري وروى عمار أنه -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك لعلي في غزوة العشيرة رواه ابن إسحاق في السيرة والبخاري في التاريخ وأعله بالانقطاع وأما الحاكم فصححه قال ابن إسحاق وحدثني بعض أهل العلم أنه عليه الصلاة والسلام إنما سماه بذلك لأنه كان إذا عتب على فاطمة في شيء أخذ تراباً فيضعه على رأسه فكان عليه الصلاة والسلام إذا رأى التراب عرف أنه عاتب على فاطمة فيقول ما لك: يا أبا تراب فالله أعلم أي ذلك كان، وروى أو محمد المنذري في معجمه من حديث حفص بن جميع حدثنا سماك عن جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما آخى بين النّاس لم يؤاخ بين علي وبين أحد حتى أتى كثيب رمل فنام عليه فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "قم يا أبا تراب أغضبت إني لم أؤاخ بينك وبين أحد" قال: نعم قال: أنت أخي وأنا أخوك اهـ. ما ذكره ابن النحوي. قوله: (هذا لفظ البخاري) وسبق أنه كذلك عند مسلم ولعل التفاوت الذي أشار إليه تقديم قول سهل وكانت أحب أسماء علي إليه على الحديث وتأخيره عنه فالأول عند مسلم كما نقله في جامع الأصول والثاني عند المصنف كما ذكره المصنف هنا. قوله:

باب جواز الكنى واستحباب مخاطبة أهل الفضل بها

ومن ذلك ذو اليدين واسمه الخِرْباق -بكسر الخاء المعجمة وبالباء الموحدة وآخره قاف- كان في يديه طول. ثبت في الصحيح "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يدعوه ذا اليدين" واسمه الخِرْباق، رواه البخاري بهذا اللفظ في أوائل "كتاب البرِّ والصلة". باب جواز الكنى واستحباب مخاطبة أهل الفضل بها هذا الباب أشهر من أن نَذْكُرَ فيه شيئاً منقولاً، فإن دلائله يشترك فيها الخواص والعوام، والأدب أن يخاطَب أهل الفضل ومن قاربهم بالكنية، ـــــــــــــــــــــــــــــ (ومن ذلك ذو اليدين) أي ومن اللقب المحبوب ذو اليدين لقب الخرباق قال الكرماني: ولقب به لطول يديه. قوله: (رواه البخاري الخ) أي في قصة السهو الواقع في تسليمه -صلى الله عليه وسلم- من ركعتين من صلاته وفيه وفي القوم رجل كان -صلى الله عليه وسلم- يدعوه ذا اليدين فقال: يا نبي الله أنسيت أم قصرت الصلاة فقال: لم أنس ولم تقصر الصلاة قالوا: بلى قد نسيت يا رسول الله وفي رواية للبخاري أيضاً قال: أصدق ما يقول ذو اليدين فقال النّاس: نعم وفي رواية له أيضاً فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه أحق ما يقول قالوا: نعم الحديث وما أحسن ما أورده ابن فرحون المالكي في طبقاته للمالكية المسماة بالديباج المذهب في علماء المذهب في ترجمة أحمد بن عبد الله بن عميرة المالكي قال من شعر أحمد المذكور ملمحاً إلى حديث ذي اليدين فقال: عندي يد لك بعد أخرى قررت ... من ذلك الذخر المعد لما دهى والدهر عن حظي سها أفينبغي ... من ذي اليدين سكوته عمن سها باب جواز الكنى واستحباب مخاطبة أهل الفضل بها قوله: (والأدب أن يخاطب أهل الفضل) من ذي ولاية أو علم (ومن قاربهم) أي بشرف نسب أو ولاية أمر (بالكنية) متعلق بقوله يخاطب وإنما كان هذا أولى لما

وكذلك إن كُتِب إليه رسالةٌ، وكذا إن روي عنه رواية، فيقال: حدثنا الشيخ أو الإِمام أبو فلان، فلان بن فلان، وما أشبهه، والأدب أن لا يَذْكُرَ الرجلَ كنيته في كتابه ولا في غيره، إلا أن يعرَف إلا بكنيته، أو كانت الكنية أشهر من اسمه. قال النحاس: إذا كانت الكنية أشهر، يكنى على نظيره ويسمى لمن فوقه، ثم يلحق: المعروفُ أبا فلان أو بأبي فلان. ـــــــــــــــــــــــــــــ في ذلك من التعظيم. قوله: (وكذلك إن كتب إليه) أي إلى المذكور من ذي الفضل ومن قاربه (رسالة) بكسر الراء وبالسين المهملة أي مكتوباً وما أحسن قول بعضهم: جاءني من حبيب قلبي كتاب ... عجب النّاس حين أهدى رساله قلت لا تعجبوا فإن حبيبي ... مالكي وهو متحفي بالرساله قوله: (وما أشبهه) أي وما أشبه ما ذكر في الكنية في الدلالة على التعظيم من النعوت الحميدة والألقاب الفريدة. قوله: (والأدب ألا يذكر الرجل كنيته في كتابه) أي مكتوبه للغير لما فيه من تعظيم ذاته وهو لا ينبغي ومثل الكنية فيما ذكر ذكر ما يدل على تعظيمه من نحو الشيخ أو الإِمام لما ذكر. قوله: (ولا في غيره) أي بأن يذكره عند الإخبار عن نفسه نحو فعل أبو محمد كذا أو نحو ذلك. قوله: (قال النحاس) هو بفتح النون وبالحاء المشددة والسين المهملة ويعرف أيضاً بابن النحاس وهو أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادي صاحب أدب الكتاب وهو غير البهاء بن النحاس شيخ أبي حيان كما أشار إليه السيوطي في بغية الوعاة قوله: (إذا كانت الكنية أشهر من الاسم فيذكر كنيته التي هي أشهر من اسمه على نظيره) أي إذا كتب إلى نظيره وعبر بعلي لما في التكني حينئذٍ

باب كنية الرجل بأكبر أولاده

باب كنية الرجل بأكبر أولاده كُنّي نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- أبا القاسم بابنه القاسم وكان أكبر بنيه. وفي الباب حديث أبي شريح الذي قدمناه في باب استحباب تغيير الاسم إلى أحسن منه. ـــــــــــــــــــــــــــــ من الاستعلاء وإلا فمقتضى الظاهر أن يقال يكنى إلى نظيره أي إذا كتب إليه كما عبر باللام في قوله ويسمى لمن فوقه أي إذا كتب لمن فوقه بفضل أو نحوه فيذكر اسمه أولاً ثم يقول المعروفة بأبي فلان ونحوه وذلك لأن من فوق الإنسان لا يليق بالإنسان الاستعلاء عليه وفي ذكر الكنية نوع منه فترك في الكتابة لمن فوقه لكن لما احتيج إليها لزيادة التعريف لكونها أشهر أتى بها كالتتميم لزيادة التعريف لا للترفع والله سبحانه وتعالى أعلم. باب كنية الرجل بأكبر أولاده أي استحباب ذلك أخذاً من فعله -صلى الله عليه وسلم- فقد اكتني بأبي القاسم والقاسم أسن بنيه وكني علياً بأبي الحسن وكني هانئاً بأبي شريح وكل من الحسن وشريح أكبر أولاد أبيه ولو كني بغير الأكبر فلا بأس فقد كني جبريل النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا إبراهيم يوم ولدت إبراهيم أمه رواه ابن السني. قوله: (كني نبينا -صلى الله عليه وسلم- أبا القاسم بابنه القاسم) وكان أكبر بنيه والقاسم وغيره من بنيه وبناته -صلى الله عليه وسلم- من خديجة إلا إبراهيم فمن مارية ولد القاسم بمكة وكان بكر ولده وهو أول ميت من ولده بمكة قال مجاهد: مات وله سبعة أيام وقال الزهري: مات وهو ابن سنتين وقال قتادة: عاش حتى مشى قال أبو نعيم: لا أعلم أحداً من مقدمتنا ذكر القاسم ابن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الصحابة أي لأن الأكثر على موته قبل الدعوة إنما يذكر في أولاده لكن روى يونس بن بكير عن محمد بن علي قال: كان القاسم ابن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أبلغ أن يركب الدابة ويسير على النجيبة فلما قبضه الله تعالى قال عمرو بن العاص: لقد أصبح محمد أبتر فأنزل الله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)} عوضاً يا محمد عن مصيبتك بالقاسم: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} وهذا

باب كنية الرجل الذي له أولاد بغير أولاده

باب كنية الرجل الذي له أولاد بغير أولاده هذا الباب واسع لا يحصى من يتصف به، ولا بأس بذلك. باب كنية من لم يولد له وكنية الصغير روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أنس رضي الله عنه قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ يدل على أن القاسم توفي بعد أن أوحى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال العلامة ابن الأثير بعد تخريجه في أسد الغابة أخرجه ابن مسنده وأبو نعيم اهـ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. باب كنية الرجل الذي له أولاد الخ وترجم البخاري في صحيحه التكني بأبي تراب وإن كانت له كنية أخرى فلو قال الشيخ هنا تكنية الإنسان وإن كانت له كنية أخرى لشمل ما ذكره وغيره من تكنية ذي كنية وليس ذا ولد بكنية أخرى والله أعلم ومثال ما أشار إليه الشيخ من تكنية ذي الولد بغير ولد تكنية الصديق رضي الله عنه بأبي بكر وتكنية علي رضي الله عنه بأبي تراب وتكنية عمر رضي الله عنه بأبي حفص وعبد الرحمن بن صخر بأبي هريرة وهو كثير كما أشار إليه بقوله (ولا يحصى من يتصف بذلك ولا بأس بذلك) أي فهو مباح. باب كنية من يولد له وكنية الصغير قيل وتكنية الصغير مع أنه لا يتصور اتصافه بها تفاؤلاً له بأن يصل لذلك. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) قدم هذا الحديث مع أن مدلوله إفادة الجزء الأخير من الترجمة لكونه من أحاديث الصحيحين المتقدمة على غيرها عند التعارض وترجم البخاري باب الكنية للصبي وقيل إن يولد للرجل

كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أحسن النّاس خُلُقاً، وكان لي أخ يقال له: أبو عمير: قال الراوي: ـــــــــــــــــــــــــــــ وأورد فيه حديث أنس هذا فقط ووجه دلالته على الجزء الثاني من ترجمته الإشارة إلى أنه إذا جاز أن يكنى الصغير في حال صغره فالرجل أولى قاله الكرماني. قوله: (كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أحسن النّاس خلقاً) بضمتين وتقدم الخلق في باب ملاعبة الرجل امرأته وممازحته لها ولطف عبارته معها ويكفي دليلاً في حسن خلقه قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} سئلت عائشة عن خلقه فِئة فقالت: كان خلقه القرآن يغضبه ما يغضبه قال العلماء: قد بلغ -صلى الله عليه وسلم- من حسن الخلق ما لم يصل إليه أحد قال أبو علي الدقاق: قد خصه الله تعالى بمزايا كثيرة ولم يثن عليه بشيء منها مثل ما أثنى عليه بخلقه فقال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} قال العلماء: وصف بكونه على خلق عظيم ولم يوصف باللين أو السهولة أو نحوها مما يعتاد وصفه به إشارة إلى أن حسن خلقه -صلى الله عليه وسلم- لم يمنع من إقامة حدود الله وجهاد أعداء الله بل كان -صلى الله عليه وسلم- يعطي كل مقام ما يليق بشأنه فهو كما قال الشاعر: يتلقى الندا بوجه صبيح ... وصدور القنا بوجه وقاح فبهذا وذا تنم المعالي .... طرق الجد غير طرق المزاح ثم لا مخالفة بين قول أنس: كان أحسن النّاس خلقاً وقول عائشة: كان من أحسن النّاس خلقاً رواه الترمذي وغيره لأن من الأحسن على الدوام فهو أحسن الانام إذ لا يمكن هذه الاستدامة لعسر الاستقامة وفائدة الإتيان بمن مع أنها توهم خلاف ذلك دفع ما عساه يتوهم من عدم مشاركة باقي الأنبياء له في أصل حسن الخلق والله أعلم. قوله: (وكان لي أخ) أي من أمي. قوله: (يقال له أبو عمير) أي بضم المهملة وفتح الميم وسكون التحتية بعدها زاء قال الشيخ زكريا في تحفة القاري هو عبد الله اهـ، وقد تقدم أن عبد الله هو ابن أبي طلحة الذي جاء إجابة لدعوته -صلى الله عليه وسلم- لأبي طلحة ولأم سليم عقب موت أبي عمير هذا بقوله: بارك الله لكما في ليلتكما وفيه إن أنساً جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يسم نعم الصدقة فحنكه وسماه عبد الله اهـ، ولا مانع من أن كلا من الاثنين اسمه عبد الله ولعله -صلى الله عليه وسلم- أراد بتسمية المولود عبد الله مع كونه أحب

أحسبه قال: فَطِيم -وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا جاءه يقول: "يا أبا عُمَيرٍ، ما فَعَلَ النُّغَيْرُ" نُغَر كان يلعب به. ـــــــــــــــــــــــــــــ الأسماء أن يكون هذا الغلام خلقاً عن أخيه المتوفى قبله نظير ما تقديم في حكمة تسميته -صلى الله عليه وسلم- لابن أسيد الأنصاري بالمنذر كما تقدم بيانه في باب تسمية المولود. قوله: (أحسبه فطيم) هو بالرفع صفة لأخ لي وما بينهما اعتراض قاله في تحفة القاري والظاهر أن المراد منه حمله على الراوي أما قوله يقال له: أبو عمير ففي موضع الصفة لأخ أو في موضع الحال لتخصيص الأخ بوصفه بالظرف والله أعلم، والمراد من فطيم مفطوم من الطعام. قوله: (ما فعل النغير) هو بضم النون وفتح المعجمة وسكون التحتية تصغير نغر بضم ففتح جمع نغرة كهمزة ويجمع على نغران طير كالعصفور محمر المنقار وأهل المدينة يسمونه البلبل وقيل: هو الصقر كالعقعق وقيل: غير ذلك والأول أشهر أي ما شأنه وحاله قال الشيخ زكريا في شرح البخاري في الحديث جواز تكنية من لم يولد وجواز المزح وملاطفة الصبيان وتأنيسهم وبيان ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- من حسن الخلق وكرم الشمائل والتواضع وتمكين الولي الصغير من لعبه بالعصفور حيث لا يؤلمه وجواز صيد المدينة اهـ. وفي قوله وجواز صيد المدينة ما لا يخفى، ولعله من تحريف الكاتب أو لعله تبع فيه بعض المالكية فقد قال المصنف في شرح مسلم استدل به بعض المالكية على جواز الصيد من حرم المدينة ولا دلالة فيه لذلك لأنه ليس في الحديث تصريح ولا كناية أنه من حرم المدينة اهـ، وفيه أيضاً أن ممازحة الصبي الذي لا يميز جائزه وفيه ترك التكبر والترفع للإمام الأعظم وفيه الحكم على ما يظهر من الإمارات في الوجه من حزن أو غيره وجواز الاستدلال بالعين على حال صاحبها لأن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- استدل بالحزن الظاهر على الحزن الكامن وفيه التلطف بالصديق صغيراً أو كبيرًا والسؤال عن حاله وقبول أخبار الواحد لأن المجيب عن حزنه هو وفيه جواز إنفاق المال فيما يتلهى به الصبي من المباح وفيه جواز ادخال الصيد من الحل إلى الحرم وإمساكه بعد ادخاله وفيه تصغير الاسم ولو لحيوان وفيه جواز مواجهة الصغير بالخطاب حيث لا يطلب منه جواب والنهي عنه حيث طلب الجواب

وروينا بالأسانيد الصحيحة في سنن أبي داود وغيره عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "يا رسول الله كلّ صواحبي لهنَّ كنى، قال: فاكْتَنِي بابْنِك عبدِ الله" قال الراوي: يعني عبد الله بن الزبير وهو ابن أختها أسماء بنت أبي بكر، وكانت عائشة تكنى أمّ عبد الله. قلت: فهذا هو الصحيح المعروفة. وأما ما رويناه في كتاب ابن السني عن عائشة رضي الله عنها ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه معاشرة النّاس ومخاطبتهم على قدر عقولهم وفيه جواز السجع في الكلام حيث خلا عن التكلف وأنه لا يمتنع منه النبي كما يمتنع من الشعر وفيه دعاء الشخص بتصغير اسمه حيث لا يتأذى بذلك وفيه إكرام أقارب الخادم وإظهار المحبة لهم إلى غير ذلك من فوائد تزيد على المائة أفردها ابن القاص بجزء. قوله: (وروينا بالأسانيد الصحيحة في سنن أبي داود وغيره) أي كابن ماجه فقد أخرجه بسننه بنحوه وابن السني في عمل اليوم والليلة. قوله: (كل صواحبي لهن كنى) المراد من صواحبها باقي أمهات المؤمنين كما جاء عند ابن ماجه كل أزواجك كنيته غيري فقال: أنت أم عبد الله وظاهر ابن ماجه أن الكنية لكل منهن منه -صلى الله عليه وسلم- ويحتمل أن معنى كنيته أي دعوته بكنيته التي هي له من قبل غيري فليس لي كنية فتدعون بها. قوله: (فاكتني بابنك عبد الله الخ) وفي رواية ابن السني فاكتني بابنك عبد الله بن الزبير قال في شرح السنة في الحديث أن المرأة إذا لم يكن لها ولد تكنى بولد بعض أخواتها لأن الخالة أم فإن لم يكن لها ابن أخ ولا ابن أخت فبعض أولاد أخواتها لأن العمة تقوم مقام الأم في بعض الحالات وكذا الرجل يكتني ببعض ولد إخوته إذا لم يكن له ولد لأن العم أب فإن لم يكن له ولد ولا لأحد من أخوته ولد فبولد أخواته لأنه خال لهم فإن لم يكن أحد من النسب فمن الرضاع على ما وصفنا اهـ. قوله: (فكانت تكنى بأم عبد الله) بضم المثناة الفوقية وسكون الكاف

باب النهي عن التكني بأبي القاسم

قالت: "أسقطت من النبي -صلى الله عليه وسلم- سقطاً فسماه عبد الله، وكناني بأمِّ عبد الله" فهو حديث ضعيف. وقد كان في الصحابة جماعات لهم كنى قبل أن يولدَ لهم، كأبي هريرة، وأنس أبي حمزة، وخلائق لا يُحْصَوْن من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، ولا كراهة في ذلك، بل هو محبوب بالشرط السابق. باب النهي عن التكني بأبي القاسم روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن جماعة من الصحابة، منهم جابر، وأبو هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ وبفتحها وتشديد النون وعند ابن السني وكانت تدعى أم عبد الله. قوله: (فهو حديث ضعيف) قال ابن النحوي: سنده ضعيف قلت من رجال سنده داود بن المحبر وهو كما في الكاشف بصري واه قال أحمد: لا شيء. قوله: (كأبي هريرة) كني بهرة كان يلعب بها في صغره وقيل: رآه النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي كمه هرة فقال: يا أبا هريرة ذكره الكرماني وغيره. قوله: (وأنس أبي حمزة) عطف بيان على أنس أو بدل منه وأنس هو ابن مالك وكني بأبي حمزة بالحاء المهملة المفتوحة وإسكان الميم وبالزاي ببقلة فيها حموزة أي حموضة كان يحبها. قوله: (وخلائق لا يحصون من الصحابة) منهم صهيب بن سنان الرومي كناه -صلى الله عليه وسلم- بأبي يحيى مع أنه لم يولد له كما رواه ابن السني وترجم له باب تكنية من لم يولد له. قوله: (بل هو محبوب بشرطه السابق) أي ألا يكون فيه كذب ولا مجازفة أو مجاوزة حد. باب النهي عن التكني بأبي القاسم قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم عن جماعة من الصحابة الخ) قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الشرح الكبير للرافعي حديث تسموا باسمي الخ، متفق عليه من حديث جابر وأبي هريرة وأنس وفي الباب عن ابن عباس رواه ابن أبي خيثمة وفي سنده إسماعيل بن مسلم وهو ضعيف اهـ، وقال السيوطي في الجامع الصغير

"سَمُّوا باسمِي وَلا يكَنُّوا بِكُنْيَتِي". قلت: اختلف العلماء في التكني بأبي القاسم على ثلاثة مذاهب: فذهب الشافعي رحمه الله ومن وافقه إلى ـــــــــــــــــــــــــــــ رواه أحمد والشيخان والترمذي وابن ماجه عن أنس ورواه أحمد والشيخان وابن ماجه عن جابر وفي المرقاة ورواه الطبراني عن ابن عباس. قوله: (تسموا باسمي) أي فإنه لا يوجب الالتباس لأنهم منهيون عن دعائه -صلى الله عليه وسلم- باسمه قال تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} وللتعليم الفعلي من الله تعالى لعباده حيث ما خاطبه في كلامه إلا بيأيها النبي ونحوه بخلاف سائر الأنبياء إذ ناداهم بأسمائهم: يا آدم، يا إبراهيم، يا موسى. قوله: (ولا تكنوا بكنيتي) يحتمل أن يكون بضم الفوقية وتشديد النون من التكنية من باب التفعيل ويحتمل أن يكون بفتح الفوقية وسكون ثانيه وهما لغتان وقوله بكنيتي أي الكنية المخصوصة بي لأن مذهب العرب في العدول عن الاسم إلى الكنية هو التوقير والتعظيم ولما كان من حق الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما يراد به التعظيم ألا يشاركه فيه أحد كره أن يكنى أحد بكنيته قال تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} قيل: سبب هذا النهي ما روياه عن أنس قال: كان -صلى الله عليه وسلم- في السوق فقال رجل: يا أبا القاسم فالتفت إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إنما دعوت هذا، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "تسموا باسمي الخ" وقد أشار -صلى الله عليه وسلم- في حديث جابر عند الشيخين إلى علة النهي عن التكنية بذلك بقوله: فإني إنما جعلت قاسماً أقسم بينكم أي وهذا المعنى غير موجود في حقكم فيكون في حقكم مجرد اسم لفظاً وصورة وحاصله إني لست أبا القاسم لمجرد كون ولدي كان يسمى بقاسم بل لوحظ في معنى القاسمية باعتبار القسمة الأزلية في الأمور الدينية والدنيوية فلست كأحدكم في الذات ولا الصفات فعلى هذا يكون أبو القاسم نظير قولهم: الصوفي ابن الوقت أي صاحبه وملازمه الذي لا ينفك عنه فمعنى أبي القاسم صاحب هذا الوصف كما يقال: أبو الفضل وإن لم يكن له ولد يسمى بالفضل ومجمله إن هذه الكنية ترجع إلى معنى اللقب المحمود والله أعلم. قوله: (اختلف العلماء في التكني بأبي القاسم على ثلاثة مذأهب الخ)

أنه لا يحلُّ لأحد أن يتكنَّى أبا القاسم، سواء كان اسمه محمداً أو غيره، وممن روى هذا من أصحابنا عن الشافعي الأئمة الحفاظ الأثبات الفقهاء المحدثون: أبو بكر البيهقي، وأبو محمد البغوي في كتابه "التهذيب" في أول "كتاب النكاح"، وأبو القاسم بن عساكر في "تاريخ دمشق". والمذهب الثاني مذهب مالك رحمه ـــــــــــــــــــــــــــــ وزاد في شرح مسلم فحكى عن ابن جرير أنه حمل النهي على التنزيه والأدب لا على التحريم وتعقب بأنه خلاف الأصل في أن النهي للتحريم لا سيما وما يترتب عليه من الأذى به -صلى الله عليه وسلم- ولو في بعض الأحيان من حياته على أنه علل النهي بعلة دالة على اختصاص الاسم به حال وجوده وزاد الطيبي فحكى قولاً آخر أنه نهى عن التكني بأبي القاسم مطلقاً وأراد المقيد وهو النهي عن التسمية بالقاسم وقد غير مروان بن الحكم اسم ابنه حين بلغه هذا الحديث فسماه عبد الملك وكان اسمه القاسم وكذا عن بعض الأنصار ونازع فيه في المرقاة بأن جواز إطلاق أبي القاسم ومنع القاسم ممنوع لا وجه له والظاهر أن مروان غير اسم ابنه القاسم لما بلغه النهي عن التكني بأبي القاسم وخاف أن يكنى به ويقع في المحظور فغيره تخليصاً من المحذور وحكى الطيبي قولاً آخر أن التسمية بمحمد ممنوعة مطلقاً واستدل له بما لا دليل فيه. قوله: (إنه لا يحل لأحد أن يتكنى بأبي القاسم) قال في شرح مسلم وقال بعضهم: ينهي عن التكني به مطلقاً وعن التسمية بالقاسم لئلا يكنى أبوه بأبي القاسم قلت وقد سبق حديث الصحيحين عن جابر ولد الرجل من الأنصار ولد فسماه القاسم فقالوا: لا نكنيك أبا القاسم ولا كرامة فسأله -صلى الله عليه وسلم- فأمره أن يسمي ولده عبد الرحمن. قوله: (سواء كان اسمه محمداً أو غيره) قال في شرح مسلم لظاهر الحديث اهـ قيل ولأنه لما كان -صلى الله عليه وسلم- يكنى بأبي القاسم لأنه يقسم بين النّاس ما يوحى إليه وينزلهم منازلهم التي يستحقونها في الشرف والفضل وقسم الغنائم ولم يشاركه في هذا المعنى ولا في شيء منه أحد منع أن يكنى غيره بهذا المعنى. قوله: (والمذهب الثاني مذهب مالك الخ) أي فالنهي عنده منسوخ وكان الحكم في أول الأمر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في شرح مسلم وبه قال جمهور السلف وفي فقهاء الأمصار وجمهور العلماء قالوا: وقد اشتهر أن جماعة تكنوا بأبي القاسم في العصر الأول وفيما بعد ذلك إلى اليوم مع كثرة فاعلي ذلك وعدم الإنكار اهـ، وقال الحافظ في تخريج أحاديث الشرح الكبير ويدل له رواه أبو داود والترمذي من طريق قطر بن المنذر الثوري عن ابن الحنفية عن علي قال: قلت: يا رسول الله أرأيت أن ولد لي بعدك ولد اسميه محمداً وأكنيه بكنيتك قال: "نعم" وكانت لي رخصة صححه الترمذي والحاكم قال البيهقي: هذا يدل على إنه سمع النهي فسأل الرخصة له وحده وقال: حميد بن زنجويه سأل ابن أبي أوسى ما كان مالك يقول في الرجل يجمع بين كنية النبي -صلى الله عليه وسلم- واسمه فأشار إلى شيخ جالس معنا فقال: هذا محمد بن مالك سماه أبوه محمداً وكناه أبا القاسم وكان يقول: إنما نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك في حياته -صلى الله عليه وسلم- كراهة أن يدعى أحد باسمه وكنيته فيلتفت إليه -صلى الله عليه وسلم- أما اليوم فلا وكأنه استنبط من سياق الحديث الذي في الصحيح في سبب النهي عن ذلك اهـ، أي وهو أن رجلاً بالبقيع قال: يا أبا القاسم فالتفت إليه -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني لم أعنك فقال: "تسموا باسمي الخ" فإن قلت هذا المعنى موجود في التسمي باسمه مع أنه جائز قلت: لا لأنه -صلى الله عليه وسلم- لا ينادى باسمه تعظيماً له بخلاف تكنيته لما فيها من الإجلال والتعظيم والدلالة على الوصف المختص به من قوله: إنما أنا قاسم والله يعطي أو كما قال كما تقدم، قلت: وما رواه أبو داود من حديث صفية بنت شيبة عن عائشة قالت: جاءت امرأة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إني قد ولدت غلاماً وسميته محمداً وكنيته أبا القاسم فذكر لي أنك تكره ذلك فقال: "ما الذي أحل اسمي وحرم كنيتي أو ما الذي حرم كنيتي وأحل اسمي؟ " يشهد لهذا القول لكن قال الحافظ في تخريج أحاديث الشرح الكبير إن صح فيشبه أن يكون قبل النهي لأن أحاديث النهي أصح منه اهـ، ثم قول علي في حديث الترمذي وكانت لي رخصة كتب عليه شيخ الإسلام السراج البلقيني. فائدة قد تسمي جماعة محمداً وتكنوا أبا القاسم وهم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأذن لبعضهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك إذناً صريحاً فمنهم محمد بن طلحة بن عبيد الله أتى به أبوه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فمسح رأسه وسماه محمداً وكناه بأبي

الله أنه يجوز التكني بأبي القاسم لمن اسمه محمد ولغيره، ويجعل النهي خاصاً بحياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. والمذهب الثالث: لا يجوز لمن اسمه محمد، ويجوز لغيره. قال الإِمام أبو القاسم الرافعي من أصحابنا: يشبه أن يكون هذا الثالث أصح، لأن النّاس لم يزالوا يكتنون به في جميع الأعصار من غير إنكار، وهذا ـــــــــــــــــــــــــــــ القاسم وقد قيل: كنيته أبو سليمان والصحيح أبو القاسم كما في الاستيعاب لابن عبد البر ثم ذكر دليل من الكنيتين قال ابن عبد البر: قال راشد بن حفص الزهري: أدركت أربعة من أبناء أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلهم تسمى محمداً وتكنى أبا القاسم محمد بن علي ومحمد بن أبي بكر ومحمد بن طلحة ومحمد بن سعد بن أبي وقاص وذكر ابن عبد البر إن عائشة سمعت محمد بن أبي بكر محمداً وكنته أبا القاسم اهـ، وقال العجلي ثلاثة تكنوا بأبي القاسم محمد ابن الحنفية ومحمد بن أبي بكر ومحمد بن طلحة بن عبيد الله اهـ، نقله عنه ولده صالح فيما ألفه من ترجمة والده وفي فتح الباري زيادة على ذلك محمد بن حاطب بن أبي بلتعة وابن سعد بن أبي وقاص وابن جعفر بن أبي طالب وابن الأشعث بن قيس فكل هؤلاء سماهم آباؤهم محمداً وكونهم أبا القاسم وحمله الحافظ على إنهم فهموا تخصيص النهي بزمانه -صلى الله عليه وسلم- قال: وجزم الطبراني بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كنى محمد بن طلحة بأبي القاسم اهـ. قوله: (والمذهب الثالث لا يجوز لمن اسمه محمد ويجوز لغيره قال الرافعي يشبه أن يكون هذا الثالث أصح) قال في المهمات: هذا هو الصواب والراجح دليلاً فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "من تسمى باسمي فلا يكنى بكنيتي ومن تكنى بكنيتي فلا يتسمى باسمي" رواه أحمد وأبو داود من حديث جابر ورواه الترمذي وقال حسن غريب وقال البيهقي في شعب الإيمان إسناده صحيح وكذا صححه ابن حبان أيضاً من حديث أبي هريرة وصححه الترمذي من هذا الوجه قال الحافظ ابن حجر وبهذا القول جزم ابن حبان في صحيحه ثم ذكر الحافظ حديث جابر المذكور ونقل تحسين الترمذي وتصحيح ابن حبان له ثم قال: وفي الباب عن أبي حميد عند البزار في مسنده اهـ، وقال الشيخ زكريا في شرح البخاري رجح الرافعي وابن أبي الدم بعد أن نقلا نص الشافعي بتحريم التكني بذلك مطلقاً أن تحريم التكني بذلك فيمن اسمه

الذي قاله صاحب هذا المذهب فيه مخالفة ظاهرة للحديث. ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد خبر من تسمى باسمي الخ رواه ابن حبان في صحيحه وقال البيهقي إسناده صحيح وما رجحاه فيه جمع بين الخبرين بخلاف النص إذ فيه تقديم خبر الصحيحين على خبر ابن حبان وأما تكنية علي ولده محمد ابن الحنفية بذلك فرخصة من النبي -صلى الله عليه وسلم- كما قال ابن أبي الدم قال شيخنا يعني الحافظ ابن حجر وأما ما رواه أبو داود عن عائشة قالت: جاءت امرأة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إني ولدت غلاماً وسميته محمداً الخ فيشبه أن يكون قبل النهي لأن أحاديث النهي أصح اهـ، وضعف النووي ما قاله الرافعي وقال الأقرب: إن النهي يختص بحياته لما في الحديث من سبب النهي وهو إن اليهود تكنوا به وكانوا ينادون: يا أبا القاسم فإذا التفت -صلى الله عليه وسلم- قالوا: لم نعنك إظهاراً للإيذاء وقد زال ذلك المعنى اهـ، وما قاله إنه أقرب من سبب النهي مخالف لقاعدة إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب بل الأقرب ما رجحه الرافعي وقال الأسنوي: إنه الصواب لما فيه من الجمع بين الخبرين السابقين كما مر اهـ، كلام شرح البخاري للشيخ زكريا. تنبيه قال الحافظ في الفتح مما ينبه عليه إن النووي أورد هذا المذهب مقلوباً فقال: يجوز لمن اسمه محمد دون غيره وهذا لا يعرف به قائلاً وإنما هو سبق قلم وقد حكاه في الأذكار على الصواب ثم أجاب عما أورد على المصنف من تكنيته في خطبة منهاجه للرافعي بأبي القاسم مع اختياره تحريم ذلك مطلقاً بأنه إما إشارة إلى اختيار طريقة الرافعي أو إلى إنه مشتهر بذلك ومن شهر بشيء لم يمتنع تعريفه به ثم حكى الحافظ مذاهب أخرى في التكنية بأبي القاسم فليراجع منه. قوله: (فيه مخالفة ظاهرة للحديث) أي لأنه - صلى الله عليه وسلم - أطلق المنع عن التكني بكنيته ولم يفصل في المنع بين أن يكون مع التسمي باسمه أولاً وقدم مفهوم هذا الحديث على مفهوم حديث من تسمى باسمي الخ، لأن هذا لكونه من أحاديث الصحيحين مقدم على ذلك عند التعارض والله أعلم. وفي المرقاة هذا القول مع مخالفة ظاهر الحديثين المتفق عليهما من جواز التسمية ومنع التكنية أعم من أن يكون مقارناً بالتسمية أو مفارقاً لها لا يلائمه سبب ورود النهي المذكور عندهما في حديث أنس ولا يناسبه

باب جواز تكنية الكافر والمبتدع والفاسق إذا كان لا يعرف إلا بها أو خيف من ذكره باسمه فنتة

وأما إطباق النّاس على فعله مع أن في المتكنِّين به والمكنِّين الأئمةَ الأعلامَ، وأهل الحل والعقد والذي يقتدى بهم في مهمات الدين، ففيه تقوية لمذهب مالك في جوازه مطلقاً، ويكونون في فهموا من النهي الاختصاص بحياته -صلى الله عليه وسلم- كما هو مشهور من سبب النهي في تكني اليهود بأبي القاسم ومناداتهم: يا أبا القاسم، للإيذاء، وهذا المعنى قد زال. والله أعلم. باب جواز تكنية الكافر والمبتدع والفاسق إذا كان لا يعرف إلا بها أو خيف من ذكره باسمه فنتة قال الله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} واسمه عبد العزى، ـــــــــــــــــــــــــــــ العلة المسطورة في حديث جابر اهـ. قوله: (وأما إطباق النّاس على فعله) إما بفتح الهمزة حرف فيه معنى الشرط وجوابه قوله: ففيه تقوية لمذهب مالك. قوله: (في المتكنين) بضم الميم وفتح الفوقية وفتح الكاف وكسر النون وأصله متكنيين بياءين إحداهما لام الكلمة والأخرى ياء الجمع فحذفت الأولى بعد حذف كسرتها. قوله: (وأهل الحل والعقد) هم المفتون. قوله: (والذي يقتدى) أي يتأسى (بهم في مهمات الدين) أي فيما أهم من أمره وشأنه وهم العلماء العاملون أمتع الله بهم إلى يوم الدين ثم الخلاف في هذه الأقوال بالنسبة لأصل واضع هذه الكنية أما لو عرف إنسان بها فدعاه شخص بها لم يحرم ولذا قال المصنف في أول المنهاج وأتقن مختصر في الفقه المحرر للإمام أبي القاسم الرافعي اهـ. باب جواز تكنية الكافر والمبتدع والفاسق إذا كان لا يعرف إلا بها أو خيف من ذكره باسمه فنتة قوله: (قال تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} الخ) سبب نزول ذلك ما في الصحيحين عن ابن عباس إنه -صلى الله عليه وسلم- لما نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} ورهطك منهم

قيل: ذكر تكنيته لأنه يُعرَف بها، وقيل: كراهة لاسمه حيث جُعِل عبداً للصنم. ـــــــــــــــــــــــــــــ المخلصين خرج -صلى الله عليه وسلم- حتى صعد الصفا فهتف: "يا صباحاه" قالوا: من هذا؟ فاجتمعوا إليه قال: "أرأيتم أن أخبرتكم إن خيلاً تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟ " قالوا: نعم ما جربنا عليك كذباً قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد" فقال أبو لهب: تباً لك ما جمعتنا إلا لهذا؟ فنزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} وقد تب إلى آخرها هكذا قرأها الأعمش يومئذٍ وأورده البخاري عن ابن عباس من طريق آخر وليس فيها ذكر قوله لما نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} الخ، وقال بدل فصعد إلى الصفا خرج إلى البطحاء فصعد الجبل والباقي بنحوه وقوله: "وقد تب" هكذا قرأها الأعمش يومئذٍ يعني قرأها على الخبر عنه بأنه تب أي خسر وقرأه الجماعة بحذفها على إنه دعاء عليه وقوله: تبت أي خسرت والتباب الخسران. قوله: (قيل: ذكر بكنيته) قال السهيلي في الإعلام بما أبهم في القرآن من الأعلام أبو لهب اسمه عبد العزى ولما كان اسمه باطلاً من حيث أضيف إلى العزى ذكره تعالى بهذا السبيل فإن قيل: كنيته أبو لهب واللهب ليس بابن له فالجواب بأن الله تعالى خلقه للهب وإليه مصيره ألا تراه قال: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} تكنى بالابن وبما لصق بالمكنى ولزمه كقوله -صلى الله عليه وسلم- في علي رضي الله عنه: "أبو تراب" وفي أبي هريرة "بهرة" كانت معه تلازمه ولأنس أبو حمزة "ببقلة" كان يجتنيها وهي الحرف والعرب تقول للأحمق أبو دارص للعبه بها وهو جمع درص وهو ولد الكلبة وقيل ولد الهرة ونحو ذلك والقرآن نزل بلغة القوم وكانت كنية أبي لهب تقدمة لما يصير إليه من اللهب فكان بعد نزول السورة لا يشك المؤمنون في إنه من أهل النار بخلاف غيره من الكفار لطمعهم في إيمان جميعهم والله أعلم اهـ، قال المصنف في شرح مسلم في أبي لهب لغتان قريء هما فتح الهاء وإسكانها واسمه عبد العزى قال القاضي: وقد استدل بهذه السورة على جواز تكنية

وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركب على حمار ليعود سعد بن عبادة رضي الله عنه ... " فذكر الحديث ومرورَ النبي -صلى الله عليه وسلم- ـــــــــــــــــــــــــــــ الكافر وقد اختلف العلماء في ذلك واختلفت الرواية عن مالك في تكنية الكافر بالجواز والكراهة وقال بعضهم إنما يجوز من ذلك ما كان على وجه التأليف وإلا فلا إذ في الكنية تعظيم وتكبير وأما تكنية الله تعالى لأبي لهب فليست من هذا ولا حجة فيه إذ كان اسمه عبد العزى وهي تسمية باطلة ولهذا كني عنه وقيل لأنه إنما كان يعرف بها اهـ، قلت: قال الكواشي ويؤيد هذا ما قرئ أبو لهب كما يقال: علي بن أبو طالب لئلا يغير الاسم فيشكل على السامع اهـ، وقيل: إن أبا لهب لقب وليس بكنية وكنيته أبو عتبة وقيل: جاء ذكر أبي لهب لمجانسة الكلام والله أعلم اهـ، وقال الكواشي في التفسير الكبير بعد نقل ما ذكرنا وقيل كني لأنه كان مشرق اللون ملتهبه كما كنى -صلى الله عليه وسلم-: أبا المهلب أبا صفرة لصفرة كانت بوجهه وجوز بعضهم أن يكن كني استهزاء به واحتقاراً له اهـ، وقال الكرماني: كان وجهه يلتهب جمالاً فجعل الله ما كان يفتخر به في الدنيا ويتزين به سبباً لعذابه وهذه التكنية ليست للإكرام بل للإهانة إذ هو كناية عن الجهنمي إذ معنى الآية: {تَبَّتْ يَدَا} الجهمنى وفي الكشاف ثلاثة أجوبه كونه مشتهراً بكنيته دون اسمه فلما أريد تشهيره ذكر الأشهر وهو الكنية دون اسمه، والثاني: أن اسمه كان عبد العزى فعدل عنه إلى كنيته، والثالث: أنه لما كان من أهل النار وما له إلى نار ذات لهب وافقت حاله كنيته فكان جديراً بأن يذكر بها اهـ، قال في الفتح وقول الزمخشري: إنها كناية عن الجهنمي متعقب بأن الكنية لا ينظر فيها إلى مدلول اللفظ بل الاسم إذا صدر بأب أو أم فهو كنية سلمنا لكن اللهب لا يختص بجنهم وإنما المعتمد ما قاله غيره أن النكتة في التكنية بذلك أنه لما علم الله تعالى أن مآله إلى النار ذات اللهب ووافقت كنيته حال حسن أن يذكر بها اهـ. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) تقدمت

على عبد الله بن أبي ابن سلول المنافق، ثم قال: فسار النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- حتى دخل على سعد بن عبادة، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أيْ سَعْدُ، ألَمْ تَسْمَعْ إلى مما قالَ أبُو حُباب -يريد عبد الله بن أُبيّ- قالَ كَذَا وكَذَا ... " وذكر الحديث. قلت: تكرَّر في الحديث تكنية أبي طالب، واسمه عبد مناف، وفي الصحيح "هَذَا قَبْرُ أبي رُغالٍ" ونظائر هذا كثيرة، هذا كله إذا وجد الشرط الذي ذكرناه في الترجمة، ـــــــــــــــــــــــــــــ الإشارة إلى تخريجه وما يتعلق به في أواخر كتاب السلام والاستئذان. قوله: (على عبد الله بن أبي ابن سلول) أبي بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد التحتية وهو بالتنوين لأن أبيا المذكور بعده ليس وصفاً له فإن أبيا أبو عبد الله وسلولاً أمه فيعرب ابن بإعراب عبد الله لأنه صفة له لا صفة لأبي كما قدمت بيانه في الكلام على ترجمة ابن ماجه أول الكتاب وسلول بفتح المهملة وضم اللام الأولى غير منصرف للعلمية والتأنيث المعنوي. قوله: (أبو حباب) بضم المهملة وخفة الموحدة الأولى كنية عبد الله بن أبي قال المصنف إنما ذكره -صلى الله عليه وسلم- بكنيته تألفاً ودفعاً لما لعله يحصل من الفتنة من أتباعه لو دعاه باسمه. قوله: (هذا قبر أبي رغال) تقدم حديثه في كتاب الجنائز وتكنيته لأنه لا يعرف إلا بها، وكنية أبي طالب أشهر من اسمه بل لا يعرف اسمه إلا بعض العلماء. قوله: (إذا وجد الشرط الذي ذكرناه في الترجمة) أي من كون ذلك الإنسان لا يعرف إلا بكنيته أو يعرف باسمه لكن يترتب على ذكره به فتنة قال الحافظ في الفتح وقد تعقب كلامه بأنه لا حصر فيما ذكره بل قصة عبد الله بن أبي في ذكره بكنيته دون اسمه وهو باسمه أشهر ليس لخوف فتنة فإن الذي ذكر عنده كان قوياً في الإسلام فلا يخشى معه أن لو ذكر باسمه أن يجر بذلك إلى فتنة وإنما هو محمول على التأليف كما جزم به ابن بطال فقال: فيه جواز تكنية المشرك على وجه التأليف إما رجاء إسلامه أو لتحصل منفعة منه اهـ، وأقول قوله: فلا يخشى أن يجر بذلك إلى فتنة إن أراد من المذكور عندهم فمسلم وإن أراد مطلقاً فممنوع كما أشار إليه المصنف بقوله دفعاً لما يحصل من الفتنة من أتباعه لو دعاه باسمه فظاهر أنه لا مانع أن يكون لكل من دفع الفتنة كما قال المصنف وللتأليف

فإن لم يوجد، لم يزد على الاسم. كما رويناه في "صحيحيهما" أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتب: "مِنْ مُحَمدٍ عَبْدِ الله وَرَسُولِهِ إلى هِرَقْلَ" فسماه باسمه، ولم يُكنِّه ـــــــــــــــــــــــــــــ كما قال ابن بطال. قوله: (كما رويناه في صحيحيهما) أي من حديث ابن عباس عن أبي سفيان بن حرب. قوله: (كتب) أي أمر بالكتابة من غير خلاف في هذا الحديث فيما رأيت بخلافه في قصة الحديبية في قوله فكتب محمد بن عبد الله فالخلاف في أنه أمر بالكتابة أو كتب بنفسه ثمة شهير. قوله: (من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل) قال المصنف في شرح مسلم فيه أن السنة في المكاتبة والمراسلة بين النّاس أن يبدأ الكاتب بنفسه فيقول: من زيد إلى عمرو وهذه مسألة مختلف فيها قال الإِمام أبو جعفر النحاس في كتابه صناعة الكتاب قال أكثر العلماء يستحب أن يبدأ فيه بنفسه كما ذكرنا ثم روى فيه أحاديث وآثاراً قال وهذا هو الصحيح عند أكثر العلماء لأنه إجماع الصحابة قال: وسواء في هذا تصدير الكتاب والعنوان قال: ورخص جماعة في أن يبدأ بالمكتوب إليه فيقول في التصدير والعنوان إلى فلان من فلان ثم روى بإسناده إلى زيد بن ثابت كتب إلى معاوية فبدأ باسم معاوية وعن محمد ابن الحنفية وبكر بن عبد الله وأيوب السختياني أنه لا بأس بذلك وأما العنوان فالصواب أن يكتب عليه إلى فلان ولا يكتب لفلان لأنه إليه لا له إلا على مجاز قال: وهذا هو الصواب الذي عليه أكثر العلماء والصحابة والتابعين اهـ. وما حكاه النحاس من إجماع الصحابة على تقديم اسم المكتوب إليه نازعه في الإجماع الحافظ ابن حجر بأن فيه الخلاف بين الصحابة قلت: وممن نقل عنه خلاف ذلك زيد بن ثابت كما نقله النحاس نفسه وهرقل بكسر الهاء وفتح الراء وسكون القاف اسم لذلك المكتوب إليه وهو اسم أعجمي. قوله: (عظيم الروم) قال الحافظ في الفتح وما استشهد به النووي من الكتاب إلى هرقل فقد وقع في نفس الكتاب ذكره بعظيم الروم وذلك مشعر بالتعظيم والتلقيب لغير العرب كالكنى للعرب وقد قال النووي في محل آخر إذا كتب إلى مشرك وكتب فيه سلاماً أو نحوه فينبغي أن يكتب كما كتب به النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى هرقل فذكر الكتاب وفيه عظيم الروم وهذا ظاهره التناقض وقد جمع في نكت له على الأذكار بأن قوله عظيم الروم صفة

ولا لَقَّبه بلقب ملك الروم وهو قيصر، ونظائر هذا كثيرة، وقد أمرنا بالإغلاظ عليهم، فلا ينبغي أن نكنِّيَهم ولا نُرَقِّقَ لهم عبارةً، ولا نُلينَ لهم قولاً، ولا نُظْهِرَ لهم ودّاً ولا مؤالفة. ـــــــــــــــــــــــــــــ لازمة لهرقل لأنه عظيمهم فاكتفى به -صلى الله عليه وسلم- عن قوله: "ملك الروم" فإنه لو كتبها لتمسك بها هرقل في أنه أقره على المملكة قال: ولا يرد مثل ذلك في قوله تعالى حكايته عن صاحب مصر وقال: الملك لأنه حكاية عن أمر مضى وانقضى بخلاف هرقل اهـ، وينبغي أن يضم إليه أن ذكر عظيم الروم والعدول عن ملك الروم حيث كان لا بد من صفة تميزه عند الاقتصار على اسمه لأن من تسمى بهرقل كثير فقيل: عظيم الروم ليتميز عمن تسمى بهرقل وعلى هذا فلا يحتج به على جواز الكنية لكل مشرك بلا تقييد والله أعلم انتهى كلام الفتح. قوله: (ولا لقبه بلقب ملك الروم وهو قيصر) أي بفتح القاف وسكون التحتية وفتح المهملة وهذا لقب لكل من ملك الروم وكسرى بكسر الكاف وفتحها لقب لمن ملك الفرس والمقوقس لقب لمن ملك القبط والعزيز لمن ملك مصر والنجاشي لمن ملك الحبشة وتبع لمن ملك اليمن وسبق في كتاب أذكار الجنائز لهذا مزيد فراجعه قال المصنف في شرح مسلم في كتابه -صلى الله عليه وسلم- التوقي في المكاتبة واستعمال الورع فيها فلا يفرط ولا يفرط فلهذا قال هرقل عظيم الروم ولم يقل ملك الروم لأنه لا ملك له ولا لغيره لحكم دين الإسلام ولا سلطان لأحد إلا لمن ولاه -صلى الله عليه وسلم- أو ولاه من أذن له -صلى الله عليه وسلم- بشرطه وإنما تنفذ تصرفات الكفار للضرورة ولم يقل هرقل فقط بل أتى بنوع من الملاطفة فقال: عظيم الروم وقد أمر الله تعالى بإلانة القول لمن يدعى إلى الإسلام فقال: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} وقال تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} وغير ذلك فقول الشيخ هنا ولا يلين لهم قولاً محله ما إذا لم يكن ذلك للدعاء للإسلام أو لم ينجع ذلك فيهم فيشدد عليهم ويعاملون بنقيضة حالهم والله أعلم وقد أشار في كتاب السلام إلى نحو ذلك فقال: قال أبو سعيد: لو أراد تحية ذمي فعلها بنحو هداك الله لا أنعم الله صباحك قلت: وهذا الذي قاله أبو سعيد

باب جواز تكنية الرجل بأبي فلانة وأبي فلان والمرأة بأم فلان وأم فلانة

باب جواز تكنية الرجل بأبي فلانة وأبي فلان والمرأة بأم فلان وأم فلانة اعلم أن هذا كلَّه لا حَجْر فيه، وقد تكنَّى جماعات من أفاضل سلف الأمة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم بأبي فلانة، فمنهم عثمان بن عفان رضي الله عنه له ثلاث كنى: أبو عمرو، وأبو عبد الله، وأبو ليلى. ومنهم أبو الدرداء وزوجته أم الدرداء الكبرى صحابية اسمها خَيْرة وزوجته ـــــــــــــــــــــــــــــ لا بأس به إذا احتاج إليه أما إذا لم يحتج إليه فالاختيار ألا يقول شيئاً فإن ذلك بسط له وإيناس ونحن مأمورون بالأغلاظ عليهم اهـ، ولعل الشيخ أطلق هنا اعتماداً على التقييد المذكور في ذلك الكتاب والله أعلم بالصواب وفي فتح الباري ما استشهد به النووي من الكتاب إلى هرقل فقد وقع في بعض الكتاب ذكره بعظيم الروم وهو مشعر بالتعظيم واللقب لغير العرب كالكنية للعرب اهـ. باب جواز تكنية الرجل بأبي فلان وأبي فلانة والمرأة بأم فلان وأم فلانة قوله: (لا حجر فيه) بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم أي لا منع فيه. قوله: (أبو عمرو) كني بعمرو أحد أولاده. قوله: (وأبو عبد الله) هو ولده أيضاً أمه رقية بنت سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "في أسد الغابة يكنى أبا عبد الله" وقيل: أبا عمرو وقيل: كان يكنى أولاً بابنه عبد الله وأمه رقية بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم كني بابنه عمرو. قوله: (وأبو ليلى) بفتح اللامين وإسكان التحتية. قوله: (أبو الدرداء) هو عويمر وسبقت ترجمته. قوله: (زوجته أم الدرداء الكبرى صحابية اسمها خيرة) أي بفتح الخاء المعجمة وسكون التحتية وبالراء بعدها هاء تأنيث وهي بنت أبي حدرد الأسلمي قاله ابن حنبل وابن معين وقال: أم الدرداء الصغرى اسمها هجيمة الوصابية قاله أبو عمرو قال أبو نعيم: اسمها خيرة وقيل: هجيمة وكانت أم الدرداء الكبرى من فضلاء النساء وعقلائهن ومن ذوات العبادة توفيت قبل أبي الدرداء بسنتين وكانت وفاتها بالشام في خلافة عثمان قال في أسد الغابة قال أبو نعيم: اسمها خيرة وقيل: هجيمة

الأخرى أم الدرداء الصغرى اسمها هُجَيمة، وكانت جليلةَ القدر، فقيهةً، فاضلةً، موصوفة: بالعقل الوافر، والفضل الباهر، وهي تابعية. ومنهم أبو ليلى والد عبد الرحمن بن أبي ليلى، وزوجته أم ليلى، وأبو ليلى وزوجته صحابيان. ومنهم أبو أُمامة وجماعات من الصحابة. ومنهم أبو ريحانة، وأبو رِمْثة، وأبو رِيمَة، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهم لا شك فيه لأنهما واحدة وقد اختلف في اسمها وليس كذلك بل هما ثنتان أم الدرداء الكبرى واسمها خيرة ولها صحبة وأم الدرداء الصغرى وهي هجيمة الوصابية تابعية اهـ، وقال في محل آخر قال الأمير أبو نصر خيرة بنت أبي حدرد أم الدرداء الكبرى زوجة أبي الدرداء لها صحبة يقال إنها ماتت قبل أبي الدرداء وأم الدرداء الصغرى هجيمة بنت حيي الوصابية هي التي خطبها معاوية فأبت أن تتزوج فظهر أنهما ثنتان اهـ. قوله: (هجيمة) بضم الهاء وفتح الجيم وسكون التحتية وهي بنت حيي الوصابية. قوله: (ومنهم أبو ليلى الخ) قال الكرماني ابن أبي ليلى إذا أطلقه المحدثون يريدون عبد الرحمن أي ابن الصحابي وإذا أطلقه الفقهاء يريدون به ابنه محمد وأبو ليلى الصحابي والد عبد الرحمن أنصاري اختلف في اسمه فقيل: يسار بن نمير وقيل: أوس بن خولي وقيل: داود ابن بلال وقيل: داود بن بليل وقيل غير ذلك صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- وشهد معه أحداً وما بعدها من المشاهد ثم انتقل إلى الكوفة: كقوله بها دار وزوجته أم ليلى هي بنت رواحة الأنصاري أم عبد الرحمن بن أبي ليلى لقيت النبي -صلى الله عليه وسلم- ولها رواية. قوله: (ومنهم أبو أمامة) كنية جماعة من الصحابة فمنهم صدي بن عجلان الباهلي وأسعد بن زرارة الأنصاري وأبو أمامة بن ثعلبة الأنصاري الحارثي وأبو أمامة بن سهل ابن حنيف الأنصاري وغيرهم. قوله: (أبو ريحانة) وهو الأزدي وقيل: الدوسي وقيل: الأنصاري يقال: مولى النبي -صلى الله عليه وسلم- اختلف في اسمه فقيل عبد الله بن مطر وقيل غير ذلك. قوله: (وأبو رمثة) بكسر الراء المهملة وسكون الميم وفتح المثلثة كنية للصحابي البلوي وللصحابي التيمي واختلف في اسم أبي رمثة التيمي فقيل: حبان بن وهب وقيل: رفاعة بن يثربي وقيل: عمارة بن يثربي بن عوف وقيل: حشحاش وقيل غير ذلك. قوله: (وأبو ريمة) بكسر

وأبو عمرة بشير بن عمرو، وأبو فاطمة الليثي، قيل: اسمه عبد الله بن أُنَيْس، وأبو مريم الأزدي، وأبو رُقَيَّة تميم الداري، ـــــــــــــــــــــــــــــ الراء وإسكان التحتية كنية صحابي روى عنه عبد الله بن رباح. قوله: (وأبو عمرة) بفتح المهملة وسكون الميم وهو صحابي أنصاري قال الشيخ (بشير بن عمرو) هو بالموحدة المفتوحة فالمعجمة المكسورة فالتحتية الساكنة ضد النذير أبوه عمرو بفتح العين وهو أنصاري من في مالك بن النجار وقيل: من بني مازن بن النجار والأول أصح وقال الكلبي اسمه ثعلبة. قوله: (وأبو فاطمة الليثي) قال ابن الأثير أبو فاطمة الدوسي وقيل الأزدي وقيل الليثي وقيل الضمري قيل اسمه عبد الله قال أبو عمر وفيه نظر وقيل إن أبا فاطمة الأزدي شامي وأبا فاطمة الليثي مصري وقال أبو يونس الأزدي يقال له: الليثي وهو الدوسي شهد فتح مصر وروى عنه كثير بن كليب وإياس بن أبي فاطمة وقولهم دوسي وأزدي واحد فإن دوساً بطن من الأزد وقال الحافظ في التقريب فرق الحاكم بين الليثي والأزدي وهو الظاهر اهـ. قوله: (قيل اسمه عبد الله بن أنيس) أي بضم الهمزة وفتح النون وسكون التحتية آخره مهملة قال الحافظ في التقريب أبو فاطمة الليثي أو الدوسي اسمه أنيس وقيل: عبد الله بن أنيس سكن الشام ومصر ثم ذكر كلام الحاكم السابق آنفاً. قوله: (وأبو مريم الأزدي) قال ابن الأثير أبو مريم الكندي ويقال الأزدي يعد في الشاميين قيل: إنه أبو مريم الغساني وقيل: غيره وذكر ابن منده في ترجمة أبي مريم السلولي فقال: أراه الكندي ولا يبعد فإن سلول قبيلة من كندة اهـ. قوله: (وأبو رقية تميم الداري) بضم الراء وفتح القاف وتشديد التحتية كني بابنة له لم يولد له سواها وتميم بفتح الفوقية وكسر الميم الأولى بعدها تحتية والداري نسبة إلى جد له اسمه عبد الدار وهو قحطاني ويقال له: الديري بكسر المهملة وسكون التحتية نسبة لدير كان يتعبد فيه ومن مناقبه التي لم يقع لغيره نظيرها قصة رؤياه مع أصحابه الجساسة والدجال في البحر فحدث به النبي -صلى الله عليه وسلم- على المنبر أسلم تميم سنة سبع قيل: وهو أول من سرج السراج في المسجد

وأبو كَريمة المقدام بن معد يكرب، وهؤلاء كلُّهم صحابة. ومن التابعين أبو عائشة مسروق بن الأجدع، وخلائقُ لا يُحْصوْن. قال السعماني في "الأنساب" سمي مسروقاً، لأنه سرقه إنسان وهو صغير ثم وجد. وفي ثبت في الأحاديث الصحيحة تكنية النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا هريرة بأبي هريرة. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأول من قص في زمن عمر بإذنه ثم انتقل إلى الشام بعد قتل عثمان وكان -صلى الله عليه وسلم- أقطعه قرية بفلسطين مات سنة أربعين ودفن ببيت جبرين أو جبريل من بلاد فلسطين وهي قرية من قرى الخليل روى له عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثمانية عشر حديثاً له عند مسلم منها حديث واحد. قوله: (وأبو كريمة) أي بفتح الكاف وكسر الراء بعدها تحتية ساكنة فميم "ومعد يكرب" بكسر الراء آخره باء موحدة غير منصرف للعلمية والتركيب المزجي وسيأتي ترجمته بعد أبواب. قوله: (ومن التابعين أبو عائشة مسروق الخ) ومسروق بوزن مفعول من السرقة سمي بذلك لما نقله الشيخ في أول كتاب الأطعمة من شرح مسلم عن السمعاني من أنه سرق في صغره ثم وجد "والأجدع" بالجيم والدال والعين المهملتين وقد خرج حديثه الستة وغيرهم وهو ثقة فقيه عابد مخضرم قال في التقريب مسروق بن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي أبو عائشة الكوفي ثقة فقيه عابد مخضرم خرج عنه الجميع اهـ. قوله: (وفي ثبت في الأحاديث الصحيحة أنه - صلى الله عليه وسلم - كنى أبا هريرة بأبي هريرة) منها حديث مسلم لما أعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - النعل قال: "من لقيت خلف هذا الجدار يشهد أن لا إله إلا الله فبشره بالجنة" فلقيه عمر فسأله عن شأن النعل فأخبره فضربه بين ثدييه حتى خر لاسته فجهش بالبكاء وأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ما لك يا أبا هريرة" قال: لقيني عمر، الحديث ومنها حديث البخاري عن أبي هريرة قال: أصابني جهد شديد فلقيت عمر بن الخطاب واستقرأته آية من كتاب الله فدخل داره وفتحها علي فمشيت غير بعيد فخررت لوجهي من الجهد فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائماً على رأسي فقال: يا أبا هريرة فقلت: لبيك يا رسول الله وسعديك فأخذ بيدي فأقامني فعرف الذي بي، الحديث الخ وسبق وجه تكنيته بأبي هريرة غير مرة.

كتاب الأذكار المتفرقة

كتاب الأذكار المتفرقة اعلم أن هذا الكتاب أنثُر فيه إن شاء الله تعالى أبواباً متفرقة من الأذكار والدعوات يعظُم الانتفاع بها إن شاء الله تعالى، وليس لها ضابط تلتزم ترتيبها بسببه، والله الموفق. باب استحباب حمد الله تعالى والثناء عليه عند البشارة بما يسرّه اعلم أنه يستحبُّ لمن تجددت له نِعْمَةٌ ظاهرة، أو اندفعت عنه نقْمَةٌ ظاهرة، أن يسجد شكراً لله تعالى، وأن يحمَد الله تعالى، أو يُثني عليه بما هو أهله، ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الأذكار المتفرقة أعم من كون بعضها له اختصاص بوقت أو فعل أو حال أو لا اختصاص له بشيء من ذلك. قوله: (وليس لها) أي الأبواب المتفرقة. باب استحباب حمد الله والثناء عليه أي بأسماء ذاته ونعوت صفاته (عند البشارة بما يسر) ومنه اندفاع ما يكره أو يضر. قوله: (اعلم أنه يستحب لمن تجددت له نعمة الخ) وهذه السجدة يشترط لها شرط الصلاة من الطهارة وستر العورة والاستقبال وأركان السجدة في الصلاة من وضع الأعضاء السبعة والتحامل بالرأس على مسجده وتزاد النية والسلام عند الجلوس منها من غير تشهد ثم هي إنما تشرع خارج الصلاة فيبطل فعلها الصلاة وخرج بـ (تجددت له نعمة) النعمة الدائمة من نعمة الوجود أو الإيمان أو نحوه فلا يندب السجود وبقوله (ظاهرة) أي مما لها خطر من حدوث ولد أو مال أو سلامة صديق أو ذهاب عدو، النعمة الباطنة من المغفرة وستر المساوي كما قاله الشيخ زكريا وتعقبه بعض تلامذته فيه وقال: إن ذلك أولى بالسجود من كثير مما يشرع له السجود والأولى أن يقال: خرج ما لا خطر له كحصول نحو درهم واندفاع عدو لا يخشى منه بوجه فلا يشرع السجود لذلك قال وقد اشترط الإِمام في النعمة أن يكون لها بال

والأحاديث والآثار في هذا كثيرة مشهورة. وروينا في "صحيح البخاري" عن عمرو بن ميمون في مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديث الشورى الطويل، أن عمر رضي الله عنه أرسلَ ابنَه عبدَ الله إلى عائشة رضي ـــــــــــــــــــــــــــــ وحظر وهو يؤيد ما ذكر ثم قوله: تجددت له نعمة يشمل ما كان متوقعاً له قبل وما هجم عليه منه، نعم قيد بعض المتأخرين ذلك بكونه تأتيه النعمة من حيث لا يحتسب أي لا يدري قال: فلا سجود لما تسبب له مما يحصل عقب فعل ذلك السبب عادة ويقتضي العرف نسبة ذلك إليه كدفع ما يضره عن أرضه بسد بناه وأحكمه إذ ليس في ذلك من الوقع كما في الحدوث والاندفاع بغير فعله والله أعلم. قوله: (والأحاديث والآثار في هذا كثيرة مشهورة) المراد من الأحاديث هنا المرفوعة بدليل مقابلتها بالآثار والظاهر أن المراد من الآثار ما يشمل الموقوف وغيره، ومن الأحاديث المرفوعة ما رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم عن أبي بكرة كان -صلى الله عليه وسلم- إذا جاءه أمر يسر به خر ساجداً شكراً لله تعالى قال ابن حجر الهيتمي في الأمداد والحديث صحيح ومنها ما أخرجه العقيلي في تاريخه عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد وأطال فلما رفع قيل له في ذلك فقال: "أخبرني جبريل أن من صلى عليّ مرة صلى الله عليه عشراً" فسجدت شكراً لله تعالى قال ابن النحوي في التخريج الصغير لأحاديث الشرح الكبير ورواه أحمد والحاكم بنحوه وقال صحيح على شرط الشيخين قال: ولا أعلم في سجدة الشكر أصح منه اهـ، ومن الآثار ما في الصحيحين وغيرهما عن كعب بن مالك رضي الله عنه لما سمع قول المبشر على جبل سلع أبشر يا كعب قال: فخررت ساجداً وعلمت أنه قد حدث فرج. قوله: (روينا في صحيح البخاري الخ) انفرد بسياقه بطوله عن باقي الكتب الست البخاري. قوله: (الشورى) بضم الشين المعجمة وسكون الواو وفتح الراء بعدها ألف مقصورة مصدر بمعنى التشاور قاله ابن حبان وقد جعل أمر الخلافة كذلك يتشاور في الأحق بها هؤلاء الستة ويقيمون من يرونه أحق بها. وقوله: (الطويل) صفة حديث. قوله: (إن عمر رضي الله عنه أرسل ابنه الخ) في استئذانه لها دليل على أنها تملك البيت والسكنى إلى أن توفيت ولا يلزم

باب ما يقول إذا سمع صياح الديك ونهيق الحمار ونباح الكلب

الله عنها يستأذِنُها أن يُدفَن مع صاحبيه، فلما أقبل عبد الله قال عمر: ما لديك؟ قال: الذي تحب يا أمير المؤمنين، أذِنَتْ، قال: الحمد الله، ما كان شيء أهم إلي من ذلك. باب ما يقول إذا سمع صياح الديك ونهيق الحمار ونباح الكلب روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذَا سَمِعْتُمْ نُهاقَ الحَمِيرِ فَتَعَوَّذُوا بالله مِنَ الشَّيطَانِ، فإنَّهَا رأتْ شَيطاناً، وإذا سَمِعْتُمْ صِياحَ الدِّيَكَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ منه الإرث لأن أمهات المؤمنين محبوسات بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم- لا يتزوجن أي إلى أن يمتن فهن كالمعتدات في ذلك. وقوله: (الحمد الله) فيه الثناء على الله وحمده على جزيل منته وعظيم عطيته. وقوله: (ما كان شيء) وفي نسخة من البخاري من شيء (أهم) وأهم منصوب خبر كان ومن زائدة في الاسم والله أعلم. باب ما يقول إذا سمع صياح الديك ونهيق الحمار ونباح الكلب بضم النون ويجوز كسرها على ما في القاموس بعدها موحدة وآخره حاء مهملة أي صوت الكلب. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) أورده في السلاح بلفظ إذا سمعتم صياح الديكة فسلوا الله من فضله فإنها رأت ملكاً وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان الرجيم فإنها رأت شيطاناً وقال: أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي وفي رواية للنسائي إذا سمعتم الديك يصيح بالليل وفي الجامع الصغير مثله إلا أنه قال: صوت الديكة وليس فيه ذكر الرواية الأخرى عند النسائي. قوله: (فتعوذوا بالله من الشيطان) قال القاضي عياض: فائدة التعوذ ما يخشى من ضرر الشيطان ووسوسته فيلجأ إلى الله تعالى في دفع ذلك عنه. قوله: (وإذا سمعتم صياح الديكة) الصياح بكسر الصاد الصوت والديكة بكسر الدال وفتح التحتية جمع ديك وهو ذكر الدجاج وللديك خصائص في معرفة الوقت الليلي ليست لغيره ولا يكاد

باب ما يقوله إذا رأى الحريق

فاسألوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ فإنَّها رأتْ مَلَكاً". وروينا في سنن أبي داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذَا سَمِعْتُمْ نُباحَ الكِلابِ ونَهِيق الحَميرِ باللَّيلِ فتَعَوَّذُوا بالله، فإنَّهُنَّ يَرَيْنَ ما لا تَرَوْنَ". باب ما يقوله إذا رأى الحريق وروينا في كتاب ابن السني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذَا رَأَيْتُمُ الحَرِيقَ فَكَبِّرُوا، فإنَّ التَّكْبِيرَ يُطْفِئُهُ" ويستحب أن يدعو مع ذلك بدعاء الكرب وغيره مما قدَّمناه في "كتاب الأذكار للأمور العارضات وعند العاهات والآفات". ـــــــــــــــــــــــــــــ يختلف في أوقاته المعتادة لصياحه طال الليل أم قصر. قوله: (فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكاً) بفتح أوليه قال القاضي: سببه رجاء تأمين الملائكة على الدعاء واستغفارهم وشهادتهم بالتضرع والإخلاص وفيه استحباب الدعاء عند حضور الصالحين والتبرك بهم اهـ، وقيل: لعل المعنى أن الديك أقرب الحيوانات صوتاً إلى الذاكر من الله تعالى لأنها تحفظ أوقات الصلوات غالباً. قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) وكذا رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وابن حبان والحاكم في المستدرك من جملة حديث وفيه بعد قوله: ما لا ترون واقلوا الخروج إذا هدأت الرجل فإن الله عزّ وجلّ يبث في ليله من خلقه ما يشاء وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم. باب ما يقول إذا رأى الحريق أي اشتعال النار في المتاع. قوله: (فكبروا) أي على جهة التعظيم الله فإن التكبير يطفئه وسر ذلك أن في التهاب النار ظهور سلطانها ولا سلطان عند ذكر كبرياء الله وجلاله لغيره تعالى والله أعلم، وقال ابن القيم في الهدى كأن سبب ذلك أن الحريق سببه النار وهي مادة الشيطان التي خلق منها وكان فيه من الفساد العام ما يناسب

باب ما يقوله عند القيام من المجلس

باب ما يقوله عند القيام من المجلس روينا في كتاب الترمذي وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال ـــــــــــــــــــــــــــــ الشيطان عادته وفعله كأن للشيطان إعانة عليه وتنفيذ له وكانت النار تطلب بطبعها العلو والفساد وهذان الأمران وهما العلو والفساد هدى الشيطان وإليهما يدعو وبهما يهلك في آدم فالنار والشيطان كل منهما يريد العلو في الأرض والفساد، وكبرياء الله عز وجل يقمع الشيطان وفعله فلذا كان تكبير الله عزّ وجلّ له أثر في إطفاء الحريق فإن كبرياء الله عزّ وجلّ لا يقوم لها شيء فإذا كبر المسلم ربه أثر تكبيره في خمود النار وخمود الشيطان التي هي مادته فطفئ الحريق وقد جربنا نحن وغيرنا هذا فوجدناه كذلك والله أعلم اهـ. باب ما يقول عند القيام من المجلس بفتح الميم وكسر اللام اسم مكان أي من مكان جلوسه. قوله: (روينا في كتاب الترمذي الخ) قال في السلاح رواه أبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وابن حبان في صحيحيهما وقال الترمذي واللفظ له حسن صحيح غريب من هذا الوجه ورواه النسائي والحاكم في المستدرك من طرق: منها عن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا جلس مجلساً أو صلى صلاة تكلم بكلمات فسألته عائشة عن الكلمات فقال: "إن تكلم بخير كان طابعاً عليهن إلى يوم القيامة وإن تكلم بغير ذلك كان كفارة له" وذكر الحديث هذا لفظ النسائي وله في رواية عنها كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام من مجلس يكثر أن يقول سبحانك فذكره في أوله من طريق آخر سبحان الله وبحمده اهـ، وكذا روى هذا الذكر الطبراني من حديث ابن عمر وجبير بن مطعم ورواه ابن أبي شيبة عن أبي برزة الأسلمي كما نقله في الحرز عن ميرك وسبق في الأذكار بعد السلام في كتاب الحافظ عن الطبراني من مرسل الشعبي قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: "من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليقل

رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ جَلَسَ في مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ فقالَ قَبلَ أنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذلِكَ: سُبحانَكَ اللهُم وبِحَمْدِكَ، أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ أنْتَ، أسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إلَيْكَ، إلاَّ غُفِرَ لَهُ ما كانَ في مَجْلِسِهِ ذَلِكَ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وروينا في سنن أبي داود وغيره عن أبي برزة رضي الله عنه واسمه نضلة ـــــــــــــــــــــــــــــ حين يريد أن يقوم: سبحان ربك الخ". قوله: (وكثر فيه لغطه) لغط بفتح اللام والغين المعجمة وبالطاء المهملة وهو كما في النهاية صوت وضجة لا يفهم معناها اهـ، والمراد منه هنا اللام القريب من الهذيان وهو ما لا طائل تحته لمشابهته من حيث إن ذاك عري عن المعنى وهذا قريب منه ومثل الهذيان بل أولى منه ما يقع في المجلس من غيبة أو نميمة أو نحوها من آفات الاجتماع. قوله: (سبحانك اللهم وبحمدك) من الكلام على هذه الجملة مراراً قال الطيبي: قوله: اللهم معترض لأن قوله: وبحمدك متصل بما قبله إما بالعطف أي أسبحك وأحمدك أو بالحال أي أسبح حامداً لك قال ابن حجر في شرح المشكاة: ينبغي ألا يذكر هذا الذكر أي المشتمل على قوله: أستغفرك وأتوب إليك إلا بعد أن توجد منه توبة صحيحة مما هو فيه من المعاصي أما المقيم على المعصية القائل ذلك فهو قولها ذب بين يدي الله تعالى فربما يخشى عليه من المقت فليتنبه له فإنه كثيراً ما يغفل عنه اهـ، وتقدم كلام في هذا المعنى في الذكر عقب الوضوء وحاصله أنه يأتي بهذا الذكر وإن لم يكن متلبساً بها لأن الجملة خبر بمعنى الإنشاء أي أسألك أن تتوب عليّ أو باق على خبريته والمعنى فيه أني بصورة التائب الخاضع الذليل. قوله: (وروينا في سنن أبي داود عن أبي برزة الأسلمي الخ) وكذا رواه من حديثه ابن أبي شيبة كما تقدم نقله في تخريج الحديث قبله. قوله: (واسمه نضلة) أي بفتح النون وسكون الضاد المعجمة وقد اختلف في اسمه واسم أبيه وهذا الذي قاله المصنف في اسمه هو أصح ما قيل فيه واسم أبيه على الأصح عدي بن عبيد قاله أحمد بن حنبل وابن معين وقيل: نضلة بن عبد الله ويقال: ابن عايد

قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول بأخَرة إذا أراد أن يقوم من المجلس: "سُبْحَانَكَ اللهم وَبحَمْدِكَ، أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاّ أنتَ، أستغْفرُكَ، وأتُوبُ إلَيْكَ"، فقال رجل: يا رسول الله إنك لتقَول قولاً ما كنتَ تقوله فيما مضى، قال: "ذلكَ كَفَارَةٌ لِمَا يَكُونُ في المَجْلِسِ" ورواه الحاكم في "المستدرك" من رواية عائشة رضي الله عنها وقال: صحيح الإسناد. قلت: قوله: بأخرة، هو بهمزة مقصورة مفتوحة وبفتح الخاء، ومعناه: في آخر الأمر. وروينا في "حلية الأولياء" عن علي رضي الله عنه قال: من أحبَّ أن يكتال بالمكيال الأوفى فليقل في آخر مجلسه ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الخطيب عن الهيثم اسم أبي برزة خالد بن نضلة وقيل: اسمه عبد الله بن نضلة بن عبيد وقيل: غير ذلك سبق ذكر ترجمته في كتاب. قوله: (بأخرة) هو بالهمزة المقصورة والمعجمة والراء المفتوحات آخره تاء قال في النهاية أي في آخر جلوسه ويجوز أن يكون في آخر عمره اهـ، وقول الشيخ معناه في آخر الأمر مراده هذا معنى لفظ الآخرة لا في خصوص هذا الحديث أو يراد من آخر الأمر، الأمر الحاصل منه في ذلك المجلس أي آخر شؤونه وأحواله في مجلسه هذا الذكر والله أعلم. قوله: (فقال رجل) في رواية للنسائي والحاكم عن عائشة نحوه وأنها سألته عن ذلك وتقدم في كلام السلاح ذكر ذلك. قوله: (وروينا في حليلة الأولياء) بكسر الحاء المهملة وسكون اللام وفتح التحتية وفي الدر المنثور للسيوطي كما رأيت بخط شيخي العلامة عبد الرحيم الحساني نقلاً عنه أخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى فليقل في آخر مجلسه: سبحان ربك رب العزة عما يصفون الخ" فأورده مرفوعاً مرسلاً والله أعلم، وقال القرطبي في التذكار في فضل الأذكار وابن الشعبي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سره الخ" ذكره الثعلبي من حديث علي رضي الله عنه مرفوعاً اهـ. قوله: (من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى) قال ابن حجر الهيتمي في الدر المنضود المكيال الأوفى كناية عن كثرة الثواب إذ التقدير به يغلب في الكثير وبالوزن يغلب في القليل وأكد ذلك بقوله:

باب دعاء الجالس في جمع لنفسه ومن معه

من حين يقوم: سبحان ربِّك رب العزَّة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد الله ربّ العالمين. باب دعاء الجالس في جمع لنفسه ومن معه روينا في كتاب الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "قلما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقوم من مجلس حتى يدعوَ بهؤلاءِ الدعواتِ لأصحابه: "اللهم ـــــــــــــــــــــــــــــ الأوفى. قوله: (أو حين يقوم) أي عند قيامه ثم يحتمل أن يكون على تقدير مضاف أي إرادة قيامه لقوله في الحديث السابق فقال: قبل أن يقوم من مجلسه الخ، ويحتمل أن يكون بعد تمام القيام فيكون لكل من الحالين قبل القيام وبعده ذكر مخصوص والله أعلم. قوله: (رب العزة) أي الغلبة (عما يصفون) أي من أن له ولداً (وسلام على المرسلين) أي المبلغين عن الله التوحيد والشرائع (والحمد الله رب العالمين) أي على نصرهم وهلاك الكافرين والله سبحانه أعلم. باب دعاء الجالس في جمع لنفسه ومن معه قوله: (روينا في كتاب الترمذي وغيره) وقد سقط لفظ "وغيره" من نسخ متعددة قال في السلاح رواه الترمذي والنسائي والحاكم في المستدرك واللفظ للترمذي وقال حسن وقال الحاكم صحيح على شرط البخاري وزاد في أوله: اللهم اغفر ما قدمت وما أخرت وما أسررت وأعلنت وأنت أعلم به مني. قوله: (قلما) ما فيه كافة لقل عن طلب الفاعل مهيئة لها للدخول على الجملة الفعلية وهو في معنى النفي قال ابن هشام في المغني: لم تكف ما من الأفعال إلا ثلاثة قل: وطال وكثر قال: وعلة ذلك شبههن برب ولا يدخلن إلا على جملة فعلية صرح بفعلها اهـ، وذكر قطب الدين في حواشي الكشاف إن ما المتصلة بهذه الأفعال يحتمل أن تكون مصدرية وأن تكون كافة وتظهر ثمرة ذلك في فصلها ووصلها خطاً فعلى الأول تفصل وعلى الثاني توصل.

أقْسِمْ لَنا مِنْ خَشْيَتكَ ما تَحُولُ به بَينَنا وبَينَ مَعاصِيكَ، ومِنْ طَاعَتِكَ ما تُبَلغُنا به جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقِينِ ما تُهَوِّنُ بهِ عَلَينا مَصَائِبَ الدُّنْيا، اللهُمَّ مَتِّعْنا بأسماعنا وأبْصَارِنا ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (اقسم لنا من خشيتك) أي اجعل لنا قسماً ونصيباً من خشيتك أي خوفك المقرون بعظمتك قال ابن حجر الهيتمي في شرح الشمائل: الخوف والخشية والوجل والرهبة متقاربة المعنى فالخوف توقع العقوبة على مجاري الأنفاس واضطراب القلب من ذكر المخوف والخشية أخص منه إذ هي خوف مقرون بمعرفة ومن ثم قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} وقيل: الخوف حركة والخشية سكون ألا ترى إن من يرى عدواً له جاءه تحرك للهرب منه وهو الخوف وحالة استقراره في محل لا يصل إليه يسكن وهو الخشية، والرهبة إلا معان في الهرب من المكروه والوجل خفقان القلب عند ذكر من يخاف سطوته، والهيبة تعظيم مقرون بالحب، والخوف للعامة والخشية للعلماء العارفين والهيبة للمحبين والإجلال للمقربين وعلى قدر العلم والمعرفة تكون الهيبة والخشية قال -صلى الله عليه وسلم-: "أنا أتقاكم الله وأشدكم له خشية" اهـ. وأصله للقسطلاني في المواهب اللدنية. قوله: (تحول) أي تحجز وتمنع أنت أو هي ويدل على الأول قوله من ويؤيد الثاني أنه ضبطه بعض المحققين بالتحتية بصيغة التذكير على أن الضمير لما أي يحجب بيننا وبين معاصيك. قوله: (تبلغنا) بتشديد اللام المكسورة ويجوز تخفيفها أي توصلنا. قوله: (ومن اليقين) أي بك ونفوذ قضائك وإنه لا راد له وبأنه لا يصيبنا إلا ما كتب الله لنا وبأن ما أخطأنا لم يكن ليصيبنا وما أصابنا لم يكن ليخطئنا وبأن ما قدرته لا يتخلف عن حكمة ومصلحة واستجلاب منفعة. قوله (تهون) بكسر الواو المشددة وبالتحتية والفوقية أي تسهل وتخفف وفي نسخة مقروءة على ابن العماد تهون به قال ابن الجزري: رواية ما تهون علينا بحذف به تقتضي أن تكون بالتحتية وإثباته يقتضي أن تكون بالفوقية. قوله (مصائب الدنيا) بالنصب وفي نسخة بالرفع على أن يهون بفتح أوله وضم الهاء مضارع هان بالتحتية والفوقية. قوله (متعنا بأسماعنا وأبصارنا) أي لأنهما طرائق الدلائل الموصلة

وَقُوَّتِنا مَا أحْيَيتَنَا، واجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنا، وَاجْعَلْ ثأرَنا على مَنْ ظَلَمَنا، وَانْصُرْنا على مَنْ عَادَانا، وَلاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا في دِينِنَا، وَلاَ تَجْعَلِ الدُّنْيا أكبَرَ هَمِّنا وَلا مَبْلَغَ عِلْمِنا، وَلا تُسَلِّط عَلَينا مَنْ لا يَرْحَمُنا" قال الترمذي: حديث حسن. ـــــــــــــــــــــــــــــ لمعرفة الله تعالى وتوحيده من البراهين المأخوذة إما من الآيات المنزلة وطريق ذلك السمع أو من الآيات في الآفاق والأنفس وطريق ذلك البصر. قوله: (وقوتنا) أي قوة قلبنا الذي عليه مدار إيماننا أو المراد قوة سائر قوانا من الحواس الظاهرة والباطنة وباقي الأعضاء البدنية أي متعنا بذلك مدة إحيائنا وتقدم الكلام على قوله: ومتعنا بأسماعنا إلى قوله: واجعل ثأرنا على من ظلمنا في باب ما يقول إذا أراد النوم. قوله: (واجعل ثأرنا) بالمثلثة أي انتقامنا ونصرنا مقصوراً (على من ظلمنا) ولا تجعلنا ممن تعدى في طلب ثأره وأخذ به غير الجاني كما كان أهل الجاهلية تفعله أو اجعل إدراك ثأرنا على من ظلمنا فندرك ثأرنا وأصل الثأر الحق والغضب ثم استعير لمطالبة دم القتيل. وقوله: (وانصرنا الخ) تعميم بعد تخصيص. قوله: (ولا تجعل مصيبتنا في ديننا) أي لا تصبنا بما ينقص ديننا من أكل الحرام واعتقاد السوء والفترة في العبارة والغفلة عن الطاعة. قوله: (ولا تجعل الدنيا الخ) الهم المقصد والحزن أي لا تجعل أكبر قصدنا أو حزننا لأجل الدنيا بل اجعله مصروفاً في عمل الآخرة وفيه ويؤخذ منه إن القليل من الهم مما لا بد منه في أمر المعاش مرخص فيه بل مستحب على ما صرح به القاضي عياض وفي الحديث وأصدقها أي الأسماء حارث وهمام. قوله: (ولا مبلغ علمنا) بفتح الميم والكلام بينهما موحدة ساكنة وهو الغاية التي يبلغها الماشي والمحاسب فيقف عندها أي لا تجعلنا بحيث لا نعلم ولا نتفكر إلا في أحوال الدنيا بل اجعلنا متفكرين في أمر العقبى متفحصين عن العلوم الفاخرة المتعلقة بأمور الآخرة ومجمله لا تجعل علمنا غير متجاوز عن الدنيا مقصوراً عليها بل اجعله متجاوزاً عنها إلى الآخرة. قوله: (ولا تسلط علينا الخ) أي من الكفار والفجار والظلمة بتوليتهم علينا ولا تجعلنا مغلوبين لهم ويجوز حمله على ملائكة العذاب في القبر أو في النار ولا مانع من إرادة الجميع والله أعلم.

باب كراهة القيام من المجلس قبل أن يذكر الله تعالى

باب كراهة القيام من المجلس قبل أن يذكر الله تعالى روينا بالإسناد الصحيح في سنن أبي داود وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لاَ يَذْكُرُونَ الله تَعالى فِيهِ إلاَّ قامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمارٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ باب كراهة القيام من المجلس قبل أن يذكر الله تعالى الضمير في يذكر عائد إلى الجالس الدال عليه المجلس. قوله: (روينا بالإسناد الصحيح في سنن أبي داود وغيره الخ) في السلاح بعد ذكر حديث أبي هريرة ما جلس قوم مجلساً رواه أبو داود والترمذي واللفظ له وقال حسن والنسائي والحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم ولفظه ما من قوم جلسوا مجلساً وتفرقوا منه لم يذكروا الله فيه إلا كأنما تفرقوا عن جيفة حمار وكان عليهم حسرة يوم القيامة زاد النسائي وابن حبان وما مشى أحد ممشى لم يذكر الله فيه إلا كان عليه ترة وما أوى أحد إلى فراشه لم يذكر الله فيه إلا كان عليه ترة اهـ، وفيه إيهام لا يخفى واللفظ الذي ذكره الشيخ هنا هو عند أبي داود كذلك، ثم هذا الحديث في تقدم في باب كراهة النوم على غير ذكر الله أخرجه المصنف من طريق أبي داود ونبه الحافظ ثمة على أنه حديث حسن روى عنه من طرق وأشار إلى اختلاف في سنده ثم قال: وإنما حسنه الترمذي لمجيئه من غير وجه. قوله: (لا يذكرون) بحذف الواو في جميع الأصول المصححة فهو في محل الحال. قوله: (إلا قاموا الخ) أي مثل قيام المتفرقين عن جيفة حماراً استثناء مفرغ من أعم الأحوال أي لا يوجد لمن ذكر حال قيام عن مجلسهم حال من الأحوال إلا حال من قام عن مثل جيفة الحمار المنتنة فإنهم اشتغلوا بغير ذكر الله سيما إن كان اللام صفة الدنيا فكأنهم استعملوا من جيفة الحمار وتفرقوا بما باءوا به من النقص والأوزار وفيه تنفير عن الغفلة وترهيب منها وترغيب في الذكر شبه من أكل من الطيبات واستعمل المستلذات ثم تخصيص الحمار لأنه أبلد الحيوان فشبه به من أخلى المجلس عن ذكر ربه لأنه ضيع أنفس الأشياء في جنب أحقرها

وكانَ لَهُمْ حَسْرَةً". وروينا فيه عن أبي هريرة أيضاً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ قَعَدَ مَقْعَداً لَمْ يَذْكُرِ الله تَعالى فِيهِ كانَتْ عَلَيهِ مِنَ اللهِ تِرَةٌ، وَمَنِ اضْطَجَعَ مَضْجَعاً لا يَذْكُرُ الله تَعالى فِيهِ كانَتْ عَلَيهِ مِنَ الله تِرَةٌ". قلت: تِرة بكسر التاء وتخفيف الراء، ومعناه: نقص، وقيل: تَبِعة، ويجوز أن يكون حسرة كما في الرواية الأخرى. وروينا في كتاب الترمذي عن أبي هريرة أيضاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِساً لَمْ يَذْكُرُوا الله تَعالى فِيهِ، ولَمْ يُصَلُّوا على نَبِيهِمْ فِيهِ، إلاَّ كانَ عَلَيهِمْ تِرَةً، فإنْ شاءَ عَذبَهُمْ، وإنْ شَاءَ غفَرَ لَهُمْ" قال الترمذي: حديث حسن. ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو اللهو واللعب لاستيلاء حجاب الغفلة حتى منعه عن ذلك النفيس الذي لا أنفس منه وهو ذكر الله تعالى قال ابن الجزري قوله عن جيفة حمار أي عن نتنه وقبحه والجيفة جثة الميت زاد في النهاية إذا نتن ومجمله إنه شبه مجلس الغفلة بالجيفة والقيام عنه بالتفرق عنها في الجملة قيل وضمن قام معنى تجاوز أو تعدى فعدى بعن. قوله: (وكان لهم حسرة) أي ما ذكر من الجلوس مع الغفلة عن الذكر والقيام عنه كذلك أو كان ذلك المجلس لهم متعلقاً بحسرة وهي خبر كان ووقع في نسخة برفع حسرة فتكون كان تامة أي وقع لهم أي عليهم كقوله تعالى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} أي فلها حسرة وندامة حيث لا تنفع الندامة. قوله: (وروينا فيه) أي في سنن أبي داود وتقدم الكلام على سنده وما يتعلق به في باب كراهة النوم من غير ذكر الله تعالى. قوله: (مقعداً) إما أن يكون مفعولاً مطلقاً أو ظرف مكان. قوله: (ترة الخ) الهاء فيه عوض عن الواو المحذوفة: مثل وعد عدة. قوله: (وروينا في كتاب الترمذي) أي بهذا اللفظ وإلا فالحديث عنده وعند أبي داود والنسائي والحاكم وابن حبان كما سبق في كلام السلاح وفي الحرز وكذا رواه ابن ماجه عن أبي هريرة وأبي سعيد. قوله: (فإن شاء عذبهم) أي على ذنوبهم الماضية لا على ترك الذكر فإنه ليس بمعصية كذا في الحرز وقيل: إنه على سبيل الزجر والتهديد إذ الله أن يعذب من غير ذنب فكيف

باب الذكر في الطريق

باب الذكر في الطريق روينا في كتاب ابن السني عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما مِنْ قَوْمٍ جَلَسُوا مَجْلِساً لَمْ يَذْكُرُوا الله عَز وَجَل فِيهِ إلا كانَتْ عَلَيهِمْ تِرَةٌ، وما سلَكَ رَجُلٌ طَرِيقاً لَمْ يَذْكُرِ الله عَز وَجَل فِيهِ إلا كانَتْ عَلَيهِ تِرَةٌ". وروينا في كتاب ابن السني و"دلائل النبوَّة" للبيهقي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: "أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جبريلُ -صلى الله عليه وسلم- وهو بتبوك فقال: يا محَمَّدُ اشْهَدْ جَنَازَةَ مُعاويَةَ بْنِ معاوية المُزَنِي، فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ونزل جبريل عليه السلام في سبعين ألفًا من الملائكة، فوضع جناحه الأيمن على الجبال فتواضعت، ووضع جناحه الأيسر على الأرضين فتواضعت، حتى نظر إلى مكة والمدينة، فصلى عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجبريل والملائكة عليهم السلام، فلما فرغ قال: "يا جبْريل بِمَ بَلَغَ مُعاوِيَةُ هَذِهِ المَنْزِلَةَ؟ قال: بِقِرَاءَتِهِ: قُلْ هُوَ الله أَحَدُ، قَائِماً وَرَاكباً وَمَاشِياً". ـــــــــــــــــــــــــــــ وتفويت ذكره والصلاة على أفضل خلقه بالكلمات التي تجري في المجالس الموجبة للعقوبة غالباً في غاية من التفريط والاستهتار بجانب الحق سبحانه ورسوله -صلى الله عليه وسلم- فعلم إن ذلك المجلس لما كان مظنة للذنب نزل ما وقع فيها منزلة الذنب فهددوا بذلك تنفيراً للناس عن خلو مجالسهم عن أحد الأمرين الذكر أو الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-. باب الذكر في الطريق أي ما جاء فيه والطريق مؤنثة معنوية ويقال فيها السبيل. قوله: (إلا كانت عليه ترة) كذا في نسخ الأذكار بإثبات التاء في كانت والذي رأيته في أصل صحيح من كتاب ابن السني بحذفها ونصب ترة وكأنه لكونه الرواية وإلا فتقدم في مثله جواز النصب والرفع والتذكير والتأنيث وتوجيه ذلك ظاهر. قوله: (وروينا في كتاب ابن السني الخ) وأخرجه ابن الأثير في أسد الغابة من حديث أنس قال: نزل

باب ما يقول إذا غضب

باب ما يقول إذا غضب قال الله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ... } [آل عمران: 134] الآية وقال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: 200]. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" ـــــــــــــــــــــــــــــ جبريل على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو بتبوك فقال: يا محمد مات معاوية بن معاوية المزني بالمدينة فتحب أن تصلي عليه قال: نعم فضرب بجناحه الأرض فلم تبق شجرة ولا أكمة إلا تضعضعت ورفع له بربوة حتى نظر إليه فصلى عليه وخلفه صفان من الملائكة في كل صف ألف ملك فقال -صلى الله عليه وسلم- لجبريل: "يا جبريل بم نال هذه المنزلة" قال: "بحبه قل هو الله أحد وقراءته إياها جائياً وذاهباً وقائماً وقاعداً وعلى كل حال"، وقد روي في كل صف ستون ألف ملك وروي من طريق أخرى عن أنس وفيها معاوية بن معاوية الليثي ورواه بقية بن الوليد عن محمد بن زياد عن أبي أمامة نحوه وقال معاوية بن مقرن المزني قال أبو عمر: أسانيد هذه الأحاديث ليست بالقوية ومعاوية بن مقرن المزني وإخوته النعمان وسويد ومعقل وكانوا سبعة معروفين في الصحابة مشهورين قال: وأما معاوية بن معاوية فلا أعرفه بغير ما ذكر وفضل: قل هو الله أحد لا ينكر اهـ، ونقله المصنف في التهذيب أيضاً عن ابن عبد البر وأقره عليه. باب ما يقول إذا غضب بكسر الضاد المعجمة. الغضب غليان دم القلب طلباً لدفع المؤذي عند خشية وقوعه أو للانتقام ممن حصل منه الأذى بعد وقوعه وقيل: عرض يتبعه غليان دم القلب لإرادة الانتقام ويؤيد الأول حديث أحمد والترمذي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال في خطبته: "إلا إن الغضب جمرة تتوقد في قلب ابن آدم ألا ترون إلى انتفاخ أوداجه واحمرار عينيه" الحديث. قوله: (والكاظمين الغيظ) أي الممسكين ما في أنفسهم من الغيظ بالصبر فلا يظهر له تأثير في الخارج وغرض الشيخ إن الله تعالى جعل هذه الأوصاف في جملة أوصاف المحسنين الذين يحبهم رب العالمين والغيظ كما في مفردات الراغب أشد غضب وهو الحرارة التي يجدها الإنسان من فوران دم قلبه اهـ. قوله: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ} [الأعراف: 200] أي

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّما الشَّديدُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ". وروينا في "صحيح مسلم" عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما تَعُدُّونَ الصُّرعَةَ فِيكُمْ؟ " قلنا: الذي لا تصرعه الرِّجال، قال: "ليسَ بذلكَ، ولَكِنهُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ". قلت: الصرعة -بضم الصاد وفتح الراء- وأصله الذي يصرع النّاس كثيراً كالهُمَزة واللُّمَزة الذي يهمزهم كثيراً. وروينا في سنن أبي ـــــــــــــــــــــــــــــ ينخسنك بأن يحملك على وسوسة ما لا يليق فاطلب العياذ بالله منه وهو اللوذ والاستجارة وإن شرطية وما صلة ونزغ هو الفاعل وهو مصدر يراد به اسم الفاعل أي نازغ وختم بهاتين الصفتين المحيطتين بما في الضمائر كذا في النهر لأبي حيان. قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) وعند أحمد والشيخين من حديث أبي هريرة مرفوعاً ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب. قوله: (تعدون) بفتح الفوقية وضم المهملتين قال المصنف: أي تعتقدون. قوله: (ليس بذلك) أي الذي ينصرف إليه اسم الصرعة عند الاطلاق ليس من تعتقدون بل هو الذي يملك نفسه الخ وفيه إن مجاهدة النفس أشد من مجاهدة العدو وهي الجهاد الأكبر والشجاعة الحقيقية. قوله: (الصرعة الخ) قال المنذري في الترغيب الصرعة بضم الصاد وإسكان الراء من يصرعه النّاس كثيراً حتى لا يكاد يثبت مع أحد وكل من يكثر منه الشيء يقال فيه: فعلة بضم الفتح أي كهمزة لمزة فإن سكنت ثانيه انعكس وصار بمعنى من يفعل به ذلك كثيراً اهـ، وقال الكرماني: الصرعة بضم إلصاد المهملة وفتح الراء الذي يصرع الرجل مكثراً فيه وهو بناء للمبالغة كحفظة أي كثير الحفظ اهـ، وقال في كتاب الإيمان في حديث عمر في قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} الخ، الفرق بين فعلة ساكن العين وفي علة متحركه إن الساكن بمعنى المفعول والمتحرك بمعنى الفاعل يقال: رجل ضحكه بسكون الحاء أي مضحوك عليه وضحكة بحركة الحاء أي ضاحك على غيره وكذا همزة لمزة وهذه قاعدة كلية اهـ. قوله: (يهمزهم) أي يغتابهم والهمز الاغتياب واللمز الإعابة. قوله: (وروينا في سنن أبي

داود، والترمذي، وابن ماجه، عن معاذ بن أنس الجهني الصحابي رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ كظَمَ غَيظاً وهُوَ قادِرُ على أنْ يُنْفِذَهُ دعاه اللهُ سُبحانَهُ وتَعالى على رؤوسِ الخَلائِقِ يَومَ القِيامَةِ حتَّى يُخَيَّرَهُ مِنَ الحُورِ ما شَاءَ" قال الترمذي: حديث حسن. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن سليمان بن صُرَد الصحابي ـــــــــــــــــــــــــــــ داود الخ) قال ابن حجر الهيتمي في شرح الأربعين رواه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي اهـ. قوله: (وهو قادر على أن ينفذه) قيد في حصول ثواب كظم الغيظ المذكور. قوله: (دعاه الله على رءوس الخلائق) أي تنويها بشأنه وتشريفاً له وعند ابن أبي الدنيا في ذم الغضب من حديث أبي هريرة مرفوعاً من كظم غيظاً وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله قلبه أمناً وإيماناً وعنده أيضاً من حديث ابن عمر مرفوعاً من كف غضبه ستر الله عورته. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) ورواه أبو داود والنسائي وفي رواية لأبي داود والترمذي والنسائي من حديث معاذ اللهم إني أعوذ بك من شر الشيطان الرجيم كذا في السلاح. قوله: (عن سليمان بن صرد) الصحابي بضم الصاد وفتح الراء وبالدال المهملات مصروف الخزاعي كان اسمه في الجاهلية يساراً فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - سليمان وكان خيراً فاضلاً ذا دين وعبادة وشرف في قومه سكن الكوفة: أول ما كوفها سعد ونفى عنها الأعاجم وشهد مع علي رضي الله عنه حروبه وكان ممن كتب إلى الحسين بن علي بعد موت معاوية فلما قتل الحسين سقط في يده ندماً فسار هو والمسيب بن نحبة الفزاري وجميع من خذل الحسين وقالوا: ما لنا توبة إلا أن نطلب بدمه فخرجوا من الكوفة مستهل ربيع الآخر من سنة خمس وستين ولو أمرهم سليمان بن صرد وسموه أمير التوابين وساروا إلى عبيد الله بن زياد وكان قد سار من الشام في جيش كبير يريد العراق فالتقوا بعين الوردة من أرض الجزيرة وهي رأس عين فقتل سليمان بن صرد وكثير ممن معه وحمل رأس سليمان إلى مروان بن الحكم بالشام وكان عمر سليمان حين قتل ثلاثاً وتسعين سنة روي لسليمان رضي الله عنه خمسة عشر حديثاً اتفقا منها على هذا الحديث وانفرد البخاري بحديث قال - صلى الله عليه وسلم - يوم الأحزاب: "اليوم نغزوهم ولا يغزونا"

رضي الله عنه قال: كنت جالساً مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ورجلان يستبَّان، وأحدهما قد احمرَّ وجهه، وانتفخت أوداجُه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنيِ لأعْلَمُ كَلمَة لَوْ قالَها لَذَهَبَ عنْهُ ما يَجدُ، لَوْ قال: أعُوذُ باللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ، ذهَبَ عَنْهُ ما يَجدُ، فقالوا له: ـــــــــــــــــــــــــــــ وخرج له الأربعة. قوله: (ورجلان يستبان) بفتح التحتية وسكون السين المهملة وفتح الفوقية بعدها موحدة مشددة افتعال من السباب أي يسب كل منها صاحبه. قوله: (وأحدهما قد احمر وجهه) أي من شدة الغضب لأنه يثير في القلب حرارة عظيمة قد يقتل صاحبها بإطفائها الحرارة الغريزية وقد لا لانتشارها في بقية الأعضاء لا سيما الوجه لأنه ألطفها وأقربها إلى القلب والبشرة لصفائها كالزجاجة تحكي لون ما وراءه ثم محل كون الحمرة تعلو وجه الغضبان إذا غضب على من دونه واستشعر القدرة عليه فإن كان الغضب ممن فوقه وأيس من الانتقام منه انقبض الدم إلى جوف القلب وكمن فيه فصار حزناً فاصفر اللون أو من مساويه الذي يشك في القدرة عليه تردد الدم بين انقباض وانبساط فيصير لونه بين حمرة وصفرة فالغضب فوران الدم وغليانه كما مر. قوله: (وانتفخت أوداجه) في النهاية الأوداج ما أحاط بالعنق من العروق التي يقطعها الذابح واحدها ودج قلت هو بفتح الواو والدال المهملة وبالجيم قال في المصباح وكسر الدال لغة وقيل الودجان عرقان غليظان عن جانبي ثغرة النحر ومنه حديث فانتفخت أوداجه. قوله (كلمة) المراد منها معناها اللغوي. قوله: (لذهب عنه) أي ببركتها. قوله: (ما يجد) أي ما يجده من الغضب الذي يخشى عليه منه وهذا مستمد من قوله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} الآية. قوله: (لو قالها الخ) الجملة الأولى الشرطية وجوابها في محل الصفة لكلمة وقوله لو قال الخ كذلك بدل من الجملة قبلها وقوله: أعوذ بالله الخ خلف من الضمير العائد للموصوف. قوله: (أعوذ) أي أعتصم وألتجئ (بالله من الشيطان الرجيم) فإنه هو الذي يثير الغضب في القلب ويحسنه للإنسان حتى يوقعه في الهلاك الحسي أو الشرعي. قوله: (فقالوا) أي الصحابة الحاضرون (له) أي للرجل

إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: تَعَوَّذْ بالله مِنَ الشيطانِ الرَّجِيمِ، فقال: وهل بي من جنون؟ ". وروينا في كتابي أبي داود والترمذي بمعناه، من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ـــــــــــــــــــــــــــــ المغضب. قوله: (إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الخ) هذه رواية منهم بالمعنى لا بخصوص المبنى الصادر منه - صلى الله عليه وسلم -. قوله: (فقال وهل بي من جنون) قال المصنف: هذا قول من لم يتفقه في دين الله ولم يتهذب بأنوار الشريعة المكرمة ويوهم أن الاستعاذة مختصة بالجنون ولم يعلم أن الغضب من نزغات الشيطان ولهذا يخرج الإنسان عن اعتدال حاله ويتكلم بالباطل ويفعل المذموم ومن ثم قال -صلى الله عليه وسلم- لمن قال له: "أوصني لا تغضب" فكرر السؤال فكرر الجواب، ولم يزد عليه ففيه دليل على عظيم مفسدة الغضب وما ينشأ منه وفي فتح الإله هذا الجواب إنما يصدر من منافق أو من جفاة العرب المنطوي على ما منع تأثير نور النبوة فيه وقد يعتذر عنه بفرض أنه من غير منافق بأن شدة سورة الغضب أدهشته عن أن يسمع ما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- على وجهه وحمله على أنه بادر بهذا الكلام قبل تأمله فلذا لم يعاتبه -صلى الله عليه وسلم- وهذا أوضح من قول النووي هذا قول من لم يتفقه في دين الله الخ، قال ابن حجر الهيتمي نقلاً عن بعضهم في رواية أبي داود ذلك الرجل هو معاذ فإن صح أنه معاذ وأنه ابن جبل فيتعين تأويله على أنه وقع منه قرب إسلامه ومع ذلك يعتذر عنه بما تقدم آنفاً لأنه من أكابر الصحابة وقد قال في حقه -صلى الله عليه وسلم-: "أعلم أمتي بالحلال والحرام" معاذ بن جبل وولاه -صلى الله عليه وسلم- اليمن مدة طويلة فظهرت له آثار عظيمة وقال له -صلى الله عليه وسلم-: "يا معاذ إني أحب لك ما أحب لنفسي" فإذا فرغت من صلاتك فقل: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك فتأمل قوله: "أحب لك ما أحب لنفسي" بحد مرتبته تأبى ذلك القول وقد يؤيد ما تقرر فيه قوله وطلب من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يوصيه قال: "لا تغضب" فقال: يا رسول الله أوصني فقال: "لا تغضب" فأعاد ذلك فقال: "لا تغضب" فهذا يدل على أنه كان عنده سورة غضب شديدة فوقع منه ما سبق لكن بالتأويل المذكور فتأمله اهـ، وقال الشيخ زكريا في حديث أن رجلاً قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أوصني قال: "لا تغضب"

قال الترمذي: هذا مرسل: يعني أن عبد الرحمن لم يدرك معاذاً. وروينا في كتاب ابن السني، عن عائشة رضي الله عنها قالت: "دخل عليَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وأنا غضبَى، فأخذ بطرف المَفْصِل من أنفي، فعرَكه، ثم قال: يا عُوَيْشُ قُولي: اللَّهُمَّ اغفِر لي ذَنْبي، واذهِبْ غَيظَ قَلْبي، وأجِرْني مِنَ الشيطانِ". وروينا في سنن أبي داود، عن عطية بن عروة السعدي الصحابي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الغَضَبَ مِنَ الشَّيطَانِ، وإن الشيطانَ خُلِقَ مِنَ النارِ، وإنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بالماءِ، فإذَا غَضِبَ أحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ". ـــــــــــــــــــــــــــــ إنه جارية بالجيم والتحتية آخره تاء ابن قدامة ولعله صدر منه لكل من الاثنين فلا مخالفة. قوله: (قال الترمذي هذا مرسل الخ) قال الترمذي لأن معاذاً مات في خلافة عمر بن الخطاب وقتل عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن أبي ليلى غلام ابن ست سنين هكذا روى شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى وقد روى عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمر بن الخطاب ورآه، وعبد الرحمن بن أبي ليلى يكنى أبا عيسى وأبو ليلى اسمه يسار روى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- اهـ، كلام الترمذي في الجامع. وقوله: (وأنا غضبى) مؤنث غضبان. قوله: (فأخذ بطرف المفصل من أنفي) كأنه برأس الأرنبة وفركه ليسكن ما عندها من الغضب. قوله: (يا عويش) خاطبها بتصغير اسمها تصغير ترخيم تلطفاً معها كما قال من قال: ما قلت حبيبي من التحقير ... بل يعذب اسم الشخص للتصغير ويجوز في عويش الفتح والضم على الانتظار وتركه كما تقدم. قوله: (اللهم اغفر لي ذنبي) أي لأن الذنب يوقع الإنسان في حبائل الشيطان الذي يوسوس بالأذى ويبعث على الغضب. قوله (وأذهب غيظ قلبي) أي أشد غضبه والغضب تقدم تعريفه بما يدل على أن منشأه غليان دم القلب وفورانه لأمر يعرض على خلاف المراد. قوله: (وأجرني من الشيطان) أي الذي يوسوس بكل قبيح من غيظ وغضب

باب استحباب إعلام الرجل من يحبه أنه يحبه وما يقوله له إذا أعلمه

باب استحباب إعلام الرجل من يحبه أنه يحبه وما يقوله له إذا أعلمه روينا في سنن أبي داود والترمذي عن المقدام بن معد يكرب رضي الله ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا أجير الإنسان من الشيطان، بفضل المنان، وادخل ساحة التوحيد، ورأى الأمور من الفعال لما يريد، وأن من يظهر عليه الأثر إما واسطة كبرى وهو من له عقل واختيار كالإنسان أو صغرى وهو من انتفيا عنه كالعصا أو وسطى وهو من فيه الثاني دون الأول فلا يغضب من شيء لأنه إما أن يغضب على الخالق وهو جراءة تنافي العبودية أو على المخلوق وهو إشراك ينافي التوحيد وسيد أهل هذا المقام سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم- أبد الآبدين حيث قال: أنس خدمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين فما قال لي لشيء فعلته لم فعلته ولا لشيء تركته لم لم تفعله ولكن يقول قدر الله ما شاء فعل ولو قدر الله لكان ذلك لكمال معرفته -صلى الله عليه وسلم- بأنه تعالى هو الفاعل المعطي المانع النافع الضار وما أحسن ما قيل في هذا المعنى: إذا ما رأيت الله في الكل فاعلاً ... رأيت جميع الكائنات ملاحا وقول آخر: وكل الذي شاهدته فعل واحد ... بمفرده لكن بحجب الأكنه باب استحباب إعلام الرجل من يحبه أنه يحبه وما يقوله أي المحبوب (له) أي المحب (إذا أعلمه) بمحبته له وذكر الرجل لكونه هو الأفضل وإلا فالمرأة إذا أحبت المرأة أو محرماً لها أو زوجاً ونحوه فينبغي لها الإعلام بذلك. قوله: (روينا في سنن أبي داود الخ) وكذا رواه ابن السني. قوله: (عن المقدام بن معد يكرب) بكسر الميم وسكون القاف ومعدي بفتح الميم وسكون العين وكسر الدال المهملتين وسكون الياء وكرب بوزن علم وهو أبو كريمة وقيل: أبو يحيى المقدام بن معد يكرب بن عمرو بن يزيد معد يكرب الكندي أحد الوفد الذين وفدوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من كندة بالشأم مات بالشأم سنة سبع وثمانين وهو ابن جدي وتسعين سنة عداده في أهل الشام روى له عن رسول الله

عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أحَبَّ الرَّجُلُ أخاهُ فَلْيُخْبِرْهُ أنَّهُ يُحِبهُ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وروينا في سنن أبي داود، عن أنس رضي الله عنه "أن رجلاً كان عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، فمرّ رجل فقال: يا رسول الله إني لأحبُّ هذا، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أعْلَمْتَهُ؟ " قال: لا، قال: "أعْلِمْهُ"، فلحقه فقال: إني أحبك في الله، قال: "أحبَّكَ الذي أحببتني له". وروينا في سنن أبي داود والنسائي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ بيده وقال: "يا مُعاذُ، واللهِ إني لأُحِبُّكَ، أُوصِيكَ يا مُعاذ لا تَدَعَنَّ في دُبُرِ كُل صَلاةٍ أنْ تقولَ: اللهُم أَعِنِّي ـــــــــــــــــــــــــــــ - صلى الله عليه وسلم - سبعة وأربعون حديثاً روى له البخاري في صحيحه حديثين وخرج عنه الأربعة روى عنه خالد بن معدان وشريح بن عبيد وراشد بن سعد وغيرهم. قوله: (إذا أحب الرجل أخا) أي محبة زائدة على ما تقتضيه عموم محبة المؤمنين. قوله: (فليخبره أنه يحبه) أي ليحبه صاحبه أيضاً فيكونا من المتحابين بذلك ويكتبا كذلك. قوله: (وروينا في سنن أبي داود) قال في السلاح وكذا رواه النسائي وابن حبان قلت: واقتصار الشيخ على أبي داود لكونه رواه بهذا اللفظ. قوله: (أعلمته) أي بأنك تحية محبة خاصة. قوله: (أعلمه) أي ليحبك الله كما أحببته له. قوله: (إني أحبك في الله) أي لله قال يحيى بن معاذ علامة الحب في الله ألا يزيد بالبر ولا ينقص بالجفاء. قوله: (أحبك الذي الخ) أي أحبك الله الذي أحبني لأجله أي لأمره بالتحابب والتوادد كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "وكونوا عباد الله إخواناً" والجملة دعائية أخرجها مخرج الماضي تحقيقاً له وحرصاً على وقوعه. قوله: (ورينا في سنن أبي داود الخ) قال في السلاح عن معاذ أنه -صلى الله عليه وسلم- أخذ بيده يوماً ثم قال: "يا معاذ والله إني لأحبك" فقال له معاذ: بأبي أنت وأمي يا رسول الله وأنا والله أحبك قال: "أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" وأوصى بذلك معاذ الصنابحي وأوصى به الصنابحي أبا عبد الرحمن هو الحبلي بضم الموحدة والمهملة وأوصى به أبو عبد الرحمن عقبة بن مسلم رواه أبو

على ذِكرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ". وروينا في كتاب الترمذي عن يزيد بن نعامة الضبي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا آخَى الرجُلُ الرَّجُلَ فَلْيَسْأَلْهُ عَنِ اسْمِهِ واسْم أبِيهِ وَمِمَّنْ هُوَ، فإنهُ أوْصَلُ لِلْمَوَدَّةِ". قال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، قال: ولا نعلم ليزيد بن نعامة سماعاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ـــــــــــــــــــــــــــــ داود والنسائي واللفظ له والحاكم وابن حبان في صحيحيهما وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين اهـ، قال الشيخ عز الدين بن فهد في مسلسلاته وصححه ابن حبان قال شيخنا السخاوي في كونه على شرطهما نظر فإنهما لم يخرجا لعقبة ولا من رواية الصنابحي عن معاذ شيئاً ولا أخرج البخاري للحبلي وزاد العز بن فهد فذكر في مخرجه ابن خزيمة قال: فأخرجه في صحيحه والبزار اهـ، والحديث عند ابن السني من حديث معاذ. قوله: (على ذكرك) أي الشامل للقرآن وغيره من الأذكار وفيه تلميح إلى قوله تعالى: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} إذ لا وصول للعبد إلى شيء من الخيرات إلا بحول الله وقوته. قوله: (وشكرك) أي شكر نعمك الظاهرة والباطنة الدنيوية والأخروية التي لا يمكن إحصاؤها قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} قوله: (وحسن عبادتك) أي بالقيام بالشرائط والأركان والآداب والخضوع والخشوع والإخلاص فيها والتوجه التام الحاصل بها وتقدم الكلام على الحديث متناً وإسناداً في باب الأذكار بعد الصلاة. قوله: (وروينا في كتاب الترمذي الخ) قال في الجامع الصغير: أخرجه ابن سعد والبخاري في التاريخ والترمذي من حديث يزيد بن نعامة الضبي ويزيد بفتح التحتية الأولى وسكون الثانية بينهما زاي مكسورة آخره قال مهملة ونعامة بضم النون وفتح العين المهملة والضبي بفتح الضاد المعجمة وتشديد الموحدة نسبة إلى ضبة. قوله: (إذا آخى الرجل) آخى بهمزة ممدودة أي صيره أخاً له ويقال وأخاً بإبدال الهمزة واواً ومنه وأخى -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار. قوله: (وممن هو) أي من أي القبائل. قوله: (فإنه أوصل للمودة) أي لأسعاره بالاعتناء بشأنه ومعرفة قبيلته. قوله: (قال: ولا نعلم ليزيد بن نعامة الخ) قال في أسد الغابة

باب ما يقول إذا رأى مبتلى بمرض أو غيره

قال: ويروى عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحو هذا ولا يصحُّ إسناده. قلت: وقد اختلف في صحبة يزيد بن نعامة، فقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: لا صحبة له، قال: وحكى البخاري أن له صحبة، قال: وغُلِّطَ. باب ما يقول إذا رأى مُبتلى بمرضٍ أو غيره روينا في كتاب الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ رأى مُبْتلىً فقال: ـــــــــــــــــــــــــــــ يزيد بن نعامة الضبي وقيل: السوائي مختلف في صحبته ذكره ابن أبي عاصم وأبو مسعود في الصحابة قال أبو حاتم: ليس له صحبة وقال الترمذي في حديث الباب: لا يعرف ليزيد بن نعامة سماع من النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال أبو أحمد العسكري: ذكر البخاري أن له صحبة وغلط يروي عن أنس بن مالك وعلي بن عامر بن عبد قيس وعن عتبة بن غزوان مرسلاً قال: وقال أبو حاتم يزيد بن نعامة أبو مودود البصري تابعي لا صحبة له اهـ. قوله: (قال) أي ابن أبي حاتم قوله: (غلط) بضم الغين المعجمة وتشديد اللام مبني للمفعول. باب ما يقول إذا رأى مبتلى بمرض أو غيره أي من جنون واختلال دين أو سوء عقيدة وهو سالم من ذلك. قوله: (من رأى مبتلى) أي ابتلاء دينياً كارتكاب معصية فقد قال أصحابنا: يسن لما رأى فاسقاً مجاهراً بفسقه أن يسجد للشكر إذ أنجاه الله منه أو دنيوياً من مال يلهيه عن عبادة ربه أو يسيء بتصرفه فيه أو جاء وسيع يفضي به إلى الظلم أو مرض أو سيئ سقم وهو خال من ذلك قال بعض المحققين: الظاهر أن المراد بالرؤية العلم ليشمل من سمع صوته من مبتلى وإن لم يره. قوله: (فقال) أي في نفسه كما نبه عليه في الأصل قال الترمذي عقب تخريجه هذا الحديث: روى عن أبي جعفر محمد بن علي إنه كان إذا رأى صاحب بلاء يتعوذ ويقول ذلك في نفسه ولا يسمع صاحب البلاء اهـ، وقيل: إن كان البلاء دينياً جاز إسماعه بل هو أفضل إن لم يترتب عليه فساد دنيوي

الحَمْدُ لِلَهِ الَّذِي عافانِي مِمَا ابْتَلاَكَ بهِ وَفَضَّلَنِي على كَثِيرٍ مِمَنْ خَلَقَ تَفْضِيلاً، لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ البَلاءُ" قال الترمذي: حديث حسن. وروينا في كتاب الترمذي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ رأى صاحِبَ بلاءٍ فقالَ: الحَمْدُ لِلهِ الذي عافانِي مِمَّا ابْتَلاَكَ بهِ وَفَضَّلَنِي على كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلاً، إلاَّ عُوفِيَ مِنْ ذلكَ البَلاءِ كائِناً ما كانَ ما عَاشَ" ضعف الترمذي إسناده. قلت: قال العلماء من أصحابنا وغيرهم: ينبغي أن يقول هذا الذِّكْر ـــــــــــــــــــــــــــــ أو لم يجر إلى ضرر ديني وقد كان الشبلي إذا رأى بعض أرباب الدنيا قال: اللهم إني أسألك العافية. قوله: (عافاني مما ابتلاك به) استشكل عد العافية من البلاء فضلاً مع ما أعده الله للمبتلين مما إذا شاهده المعافون تمنوا أن لو كانوا ابتلوا ليحصل لهم مثل ذلك كما ورد ويجاب بأن البلاء مظنة الجزع وعدم الصبر وحينئذٍ يكون محنة أي محنة وفتنة فالسلامة منه بالنظر إلى هذا فضيلة ولذا أمر -صلى الله عليه وسلم- بسؤال العافية فقال: عافيتك أوسع لي وفي لا تتمنوا لقاء العدو فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ولكن سلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واثبتوا. قوله: (وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً) أي بزيادة الفضيلة الدينية أو البدنية المستعان بها على الأمور الأخروية. قوله: (كائناً ما كان) حال من نائب فاعل عوفي القائل لذلك حال كونه كائناً ما كان أي موجوداً على أي حالة كان، أو حال من الظرف أي حال كون ذلك البلاء موجوداً ما بقي ذلك القائل في الدنيا. قوله: (ضعف الترمذي إسناده) وعبارته حديث غريب وعمرو بن دينار الراوي ليس بالقوي والحديث عند ابن ماجه من حديث ابن عمر كما في المشكاة. قوله: (قال العلماء من أصحابنا وغيرهم الخ) ولا ينافي ندب السر بالذكر عند رؤية نحو المبتلى الذي لم يعص بسبب بلائه أو تاب منه قوله: (في الحديث: الذي عافاني مما ابتلاك) أي بصيغة الخطاب لأن الخطاب

باب استحباب حمد الله تعالى للمسؤول عن حاله وحال محبوبه مع جوابه إذا كان في جوابه إخبار بطيب حاله

سراً بحيث يُسمِع نَفْسَه ولا يَسْمَعُه المبتلي لئلا يتألم قلبه بذلك، إلا أن تكون بليته معصية فلا بأس أن يُسْمِعَهُ ذلك إن لم يَخَفْ من ذلك مفسدة، والله أعلم. باب استحباب حمد الله تعالى للمسؤول عن حاله وحال محبوبه مع جوابه إذا كان في جوابه إخبار بطيب حاله روينا في "صحيح البخاري" عن ابن عباس رضي الله عنهما "أن علياً رضي الله عنه خرج من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في وجعه الذي توفي فيه، فقال النّاس: يا أبا حسن كيف أصبح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أصْبَحَ بِحَمْدِ الله تعالى بارِئاً". ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يقتضي الجهر فإن الإنسان قد يخاطب من لا يسمع متصوراً لخطابه ذهباً لا خارجاً وأما قول بعضهم: هذا الخطاب فيه إشعار بأن المبتلى لم يكن مريضاً ولا ناقصاً في خلقه بل كان عاصياً منخلعاً خليع العذار ولذا خاطبه بقوله: مما ابتلاك به ولو كان المراد به المريض لم يحسن الخطاب وينصره تعقيبه بقوله وفضلني الخ اهـ، فمخالف لكلامهم الذي ذكرناه من أنه يسر هذا الذكر عند رؤية كل مبتلى في دينه أو بدنه ويدفع الإشعار الذي ذكره ما ذكرته من أن الخطاب لا يدل وقوله: لم يحسن الخطاب ممنوع بل هو حسن لأن القصد منه شكر نعمة العافية في الدين والبدن فحسن ذكر ذلك عند رؤية كل وقوله: وفضلني الخ لا يخالف ذلك لأن التفضيل شامل للتفضيل في البدن والدين. قوله: (إلا أن تكون بليته معصية) أي من معصيته كالقطع المرتب على السرقة أو المراد إلا أن يكون البلاء نفسه في الدين كمعصية وسوء عقيدة فيأتي بالذكر في الحالين جهراً إن لم يخش تولد فتنة نعم إن تاب من الذنب الذي عوقب بسببه بالقطع فلا يجهر بالذكر المذكور له والله أعلم. باب استحباب حمد الله تعالى للمسؤول عن حاله أو حال محبوبه مع جوابه أي يكون الحمد مصحوباً بجواب السائل عن الحال (إذا كان في جوابه إخبار بطيب

باب ما يقول إذا دخل السوق

باب ما يقول إذا دخل السوق روينا في كتاب الترمذي وغيره عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ دَخَلَ السوقَ فَقَالَ: لا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شريك لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، يُحْيِي ويُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ حاله) أي حال المسؤول عنه منه أو من المحبوب، فإن قلت الحديث إنما فيه دلالة على الجزء الثاني من الترجمة ولم يورد في الباب ما يدل على الجزء الأول منها قلت هو قال على جزء الترجمة الأول بالقياس الأولوي والثاني بالنص والله أعلم والحديث سبق الكلام عليه في أبواب أذكار المريض. باب ما يقول إذا دخل السوق بضم المهملة مؤنث سماعي وقد ذكر كما أشار إليه الكرماني سميت بذلك لسوق البضائع إليها وقيل لقيام النَّاس فيها على سوقهم جمع ساق وقيل لتصاكك السوق فيها من الازدحام. قوله: (روينا في كتاب الترمذي الخ) قال المنذري وإسناده حسن متصل ورواته ثقات أثبات وفي أزهر بن سنان خلاف قال ابن عدي وأرجوانه لا بأس به اهـ، ورواه أحمد وابن ماجه ورواه الحاكم في المستدرك من طرق كثيرة كما سيأتي في الأصل ورواه ابن السني وإنما صرح بالترمذي وأبهم غيره لأن اللفظ له وزاد الترمذي في رواية أخرى وبنى الله له بيتاً في الجنة مكان قوله ورفع له ألف ألف درجة وهذه الزيادة عند ابن السني أيضاً كما عزاها لهما في الحصن، قال المنذري في الترغيب ورواه بهذا اللفظ ابن ماجه وابن أبي الدنيا والحاكم وصححه كلهم من رواية عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن جده ورواه الحاكم أيضاً من حديث ابن عمر مرفوعاً وقال صحيح الإسناد كذا قال وفي إسناده مسروق بن المرزبان قال أبو حاتم ليس بالقوي ووثقه غيره اهـ، وقال الترمذي عمرو بن دينار البصري ليس بالقوي في الحديث وقد تفرد عن سالم بن عبد الله بن عمر بأحاديث منها هذا الحديث

بِيَدِهِ الخَيرُ، وَهُوَ عَلَى كُل شَيءٍ قَديرٌ: كَتَبَ اللهُ لَهُ ألْفَ ألْفِ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ ألْفَ ألْفِ سَيئَةٍ، وَرَفَعَ لَهُ ألْفَ ألْفِ دَرَجَةٍ" رواه الحاكم أبو عبد الله في "المستدرك ـــــــــــــــــــــــــــــ وحديث من رأى مبتلى فقال: الحمد الله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً عافاه الله من ذلك البلاء كائنا ما كان وقال ابن أبي حاتم سألت أبي عن حديث ابن عمر هذا فقال حديث منكر جداً لا يحتمل سالم هذا الحديث قال الدميري في الديباجة: هكذا هو عند الترمذي والنسائي وابن ماجه ألف ألف حسنة الخ، أي بتكرار لفظ ألف وافراده وعند ابن السني ألفاً ألف أي بتثنية ألف المضاف إلى ألف وإفراد المضاف إلى حسنة وسيئة ودرجة اهـ. قوله: (بيده الخير) أي بقدرته الخير وكذا الشر قال تعالى: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} وإنما لم يقل والشر لأن من أدب الشريعة الشريفة أنه لا يضاف إليه تعالى بالخصوص إلا الجليل، وغيره لا يضاف إليه وحده بل مع غيره فيقال: يا خالق كل شيء يا خالق الإنسان والحيوان والكلاب وهذا محمل قوله في دعاء الافتتاح في الصلاة والشر ليس إليك وسبقت فيه أوجه أخر ثم قضية هذا الخبر أن من لم يقل هذا الذكر عقب دخوله السوق لا يأتي به بعد وفي رواية لصاحب المصابيح في شرح السنة من قال: في سوق جامع يباع فيه بدل قوله: من دخل السوق فقال: وهذه الرواية تقتضي طلب ذلك وهو الأقرب لأن حكمة ترتب هذا الثواب العظيم على هذا الذكر اليسير أنه ذاكر الله تعالى في الغافلين فهو بمنزلة المجاهد مع الفارين ثم إن رفع صوته به كان فيه تذكير أولئك الغافلين حتى يقولوا مثل قوله ففي ذلك القول والنفع المتعدي ما يقتضي ذلك الثواب ثم ظاهر رواية الكتاب وشرح السنة حصول هذا الثواب لقائل هذا الذكر سراً أو جهراً وما في رواية مما يقتضي التقييد بالثاني لعله لبيان الأفضل، قال في الحرز: وهذا دليل لما اختاره السادة النقشبندية من أكابر الصوفية حيث قالوا: "الخلوة في الجلوة والعزلة في الخلطة والصوفي في كائن بائن غريب قريب"، وغير ذلك من العبارات لهم نفعنا الله بهم ومن تتبع أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- وعرف أخباره وأحواله وعلم أقواله وأفعاله تبين له أن هذه الطريقة هي التي اختارها -صلى الله عليه وسلم- بعد البعثة وبعث

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أمته على هذه الحالة: وتبعه أكابر الصحابة دون ما ابتدعه المبتدعة وإن كان مستحسناً في الجملة اهـ، وقال بعض العلماء إنما خص السوق بالذكر لأنه مكان الاشتغال عن الله تعالى وعن ذكره بالتجارة والبيع والشراء فمن ذكر الله تعالى فيه دخل في زمرة من قيل من حقهم رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وجاء أن الأسواق محل الشياطين وإن إبليس باض وفرخ كناية عن ملازمته لها ومن ثم يسن تقديم اليسرى عند دخولها واليمنى عند الخروج منها كالخلاء ثم إنه لم يلازمها إلا على كيفية تقتضي أسوة لأهلها وأنه اختار فيهم ضرب رقه عليهم ولم ينج منه إلا القليل منهم بتوفيقه تعالى لذلك الذكر أو غيره وتلك الكيفية هي أنه نصب كرسيه فيها وركز رايته وبث جنده فيها ليرغبوا أهلها في تحصيل الدنيا على أي وجه كان من تطفيف كيل أو نقص وزن أو إنفاق سلعة بحلف كاذب وتملك بعقد فاسد فهم غافلون ومن نزول العذاب بهم لذلك ليسوا بآمنين إلا من ذكر ربه وآثر قربه فإنه متعرض لرد غضبه هازم للشيطان وجنده متدارك لدفع ما اقتضاه فعلهم داخل في قوله تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} فدفع بكلمات هذا الذكر قضايا أفعالهم، فبكلمة التوحيد ذلت قلوبهم الممتلئة بالهوى قال تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} وبـ "وحده لا شريك له" ما رسخ فيها من حب المال الحامل على أخذه بغير حقه، وبـ {لَهُ المُلك} ما يسارعون إليه من تملك الأموال بالعقود الفاسدة وبـ {لَهُ اَلحَمْدُ} ما تمالؤوا عليه من عدم الشكر للنعم والتعرض للنقم وبـ (يُحيي وَيُميتُ} غفلتهم عن شؤم حركاتهم المؤدي دوامها إلى موت قلوبهم والرجوع عنها إلى إحيائها وبقوله: "وهو حي لا يموت" ما جهلوه ما يجب له تعالى المؤدي الجهل به إلى كون الجاهل به على مدرجة الهلاك الأبدي وبقوله: "بيده الخير" ما ضيعوه من النظر إليه حتى تحاسدوا وباعوا واشتروا على بيع وشراء بعضهم على بعض ووقعوا في العقود الفاسدة وبقوله: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ما غفلوا عنه من قدرته على أن يحل بهم عذاباً يستأصلهم من آخرهم فظهران الآتي بهذا الذكر

على الصحيحين" من طرق كثيرة، وزاد فيه بعض طرقه: "وَبَنَى لَه بَيتاً في الجنَّةِ" وفيه من الزيادة: قال الراوي: فقدمت خراسان، فأتيتُ قتيبةَ بن مسلم فقلتُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ في السوق جدير أن يحصل له ما ذكر في الخبر من ذلك الفضل العظيم. قوله: {وزاد الحاكم فيه} أي في الحديث المذكور (في بعض طرقه وبنى له بيتاً في الجنة) قال في السلاح بعد ذكر الحديث رواه الترمذي وابن ماجه وهذا لفظ الترمذي وزاد في رواية أخرى وبني له بيتاً في الجنة رواه الحاكم من عدة طرق اهـ، وقوله: وبنى له أي بنى الله تعالى بأن يوجد لمن قال هذا الذكر بيتاً أي مكاناً عظيماً في الجنة وفيه إشعار بأن الأذكار في الدنيا تورث بناء القصور وغرس الأشجار في العقبى وإنها مهور الحور ومتجرة المتجر في الجنة وسبق حديث الجنة قيعان وغراسها سبحان الله والحمد لله الحديث. قوله: (وفيه) أي في المستدرك في بعض طرقه كما في السلاح. قوله: (من الزيادة) أي على ما في رواية الترمذي. قوله: (فقال الراوي) هو محمد بن واسع. قوله: (خراسان) بضم المعجمة وبالراء والسين المهملتين محلة بالعجم. قوله: (وأتيت قتيبة بن مسلم) بضم القاف وفتح الفوقية وسكون التحتية بعدها موحدة وآخره هاء ومسلم بلفظ فاعل الإسلام وهو باهلي كان أمير خراسان وليها عشرين سنة وكان بطلاً شجاعاً هزم الكفار غير مرة وافتتح عدة مدائن ولي خراسان أيام عبد الملك بن مروان من جهة الحجاج الثقفي لأنه كان أمير العراقين وكل من وليهما كانت خراسان مضافة إليه وكان قبلها على الري وولي خراسان بعد يزيد بن المهلب وكان والده مسلم كبير القدر عند يزيد بن معاوية فلما مات الوليد بن عبد الملك سنة ست وتسعين وتولى الأمر أخوه سليمان وكان يكره قتيبة خاف قتيبة على نفسه وخلع بيعة سليمان وخرج عليه وأظهر الخلاف فلم يوافقه على ذلك أكثر النّاس فخرج عليه طائفة من جنده بفرغانة وقتلوه في آخر ذي الحجة سنة ست وتسعين وقيل: سنة سبع وتسعين وفيه يقول جرير: ندمتم على قتل الأعز بن مسلم ... وأنتم إذا لقيتم الله أندم لقد كنتمو في غزوة وغنيمة ... وأنتم لمن لاقيتم اليوم مغنم على أنه أفضى إلى حور جنة ... وتطبق بالبلوى عليكم جهنم

أتيتك بهدية فحدَّثته بالحديث، فكان قتيبة بن مسلم يركب في موكبه حتى يأتيَ السوق فيقولها ثم ينصرف. ورواه الحاكم أيضاً من رواية ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال الحاكم: وفي الباب عن جابر، وأبي هريرة، وبريدة الأسلمي، وأنس، قال: وأقربها من شرائط هذا الكتاب حديث بريدة بغير هذا اللفظ. فرواه بإسناده عن بريدة قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل السوق قال: "بسْم الله، اللَّهُم إني أسألُكَ خَيرَ هَذِهِ السوق وَخَيرَ ما فِيها، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّها وشَرَّ ما فِيهَا، اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ أنْ أُصِيبَ فِيها يَمِيناً فاجِرَةً أوْ صَفْقَةً خَاسِرَةً". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (موكبه) بفتح الميم وسكون الواو وكسر الكاف وبالموحدة وفي النهاية الموكب جماعة ركاب يسيرون برفق وهم أيضاً القوم الركوب للزينة والتنزه اهـ، والمراد في أبهته وحشمه. قوله: (فيقولها) أي عقب وصوله (ثم ينصرف) بعد ذلك إذ لا غرض له سوى ذلك وهذا نظير ما سبق عن ابن عمر من أنه كان يدخل السوق ثم يرجع إلى منزله من غير بيع ولا شراء وغرضه أداء السلام وإشاعته. قوله: (وأقربها) أي الطرق لهذا الحديث (من شرائط هذا الباب) أي شرائطه التي بنى عليها الحاكم كتابه المستدرك من الصحة على شرط الشيخين أو أحدهما. قوله: (فرواه) أي روى حديث بريدة الحاكم وكذا روى حديثه ابن السني أيضاً. قوله: (بسم الله) أي أدخلها. قوله: (خير هذه السوق) أي ذاتها أو مكانها. قوله: (وخير ما فيها) أي مما ينتفع به من الأمور الدنيوية ويستعان به على القيام بوظائف العبودية وللوسائل حكم المقاصد. قوله: (شرها) أي في ذاتها أو مكانها لكونه مكان إبليس كما سبق بيانه. قوله: (وشر ما فيها) أي مما يشغل عن ذكر الرب سبحانه أو مخالفة من غش وخيانة أو ارتكاب عقد فاسد وأمثال ذلك. قوله: (يميناً فاجرة) أي حلفاً كاذباً. قوله: (أو صفقة خاسرة) أي عقداً فيه خسارة دنيوية أو دينية وذكرهما تخصيص بعد تعميم لكونهما أهم ووقوعهما أغلب قال ابن الجزري وقوله: صفقة أي بيعة ومنه ألهاهم الصفق بالأسواق أي التبايع اهـ، وألهاه عن كذا شغله كما في النهاية ومنه ألهاكم التكاثر.

باب استحباب قول الإنسان لمن تزوج تزوجا مستحبا، أو اشترى أو فعل فعلا يستحسنه الشرع: أصبت أو أحسنت ونحوه

باب استحباب قول الإنسان لمن تزوَّج تزوجاً مستحباً، أو اشترى أو فعل فعلاً يستحسنه الشرع: أصبت أو أحسنت ونحوه روينا في "صحيح مسلم" عن جابر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تَزَوَّجْتَ يا جابِرُ؟ " قلت: نعم، قال: "بكْراً أمْ ثَيباً؟ " قلتُ: ثيباً يا رسول الله، قال: "فهَلاَّ جارِيَةً تُلاعِبُها وتُلاعِبُكَ؟ " أو قال: "تُضَاحكُها وَتُضَاحِكُكَ"، قلت: ـــــــــــــــــــــــــــــ باب استحباب قول الإنسان لمن تزوج تزوجاً مستحباً أو اشترى أو فعل فعلاً يستحسنه الشرع: أصبت أو أحسنت ونحوه أي مما يدل على تصويب الفعل أو تحسينه. قوله: (روينا في صحيح مسلم الخ) قال الحافظ في تخريج الرافعي الحديث متفق عليه من حديث جابر وفي رواية لهما مالك وللعذارى ولعابها قال القاضي عياض بكسر اللام لا غير من اللعب كذا قال وثبت لبعض رواة البخاري بضم اللام أي ريقها وسبق الكلام في باب ملاعبة الرجل زوجته وممازحته لها قال العراقي في شرح التقريب وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وله طرق عند الشيخين بعضها متفق عليه وبعضها لأحدهما وعند ابن أبي خيثمة ومن حديث كعب بن عجرة أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لرجل فذكر نحوه وفيه فهلاَّ بكراً تعضها وتعضك. قوله: (بكراً أم ثيباً) منصوب بمحذوف أي أتزوجت بكراً أم ثيباً والبكر الجارية الباقية على حالها الأولى والثيب التي دخل بها الزوج وكأنها ثابت إلى حال النساء الكبار غالباً. قوله: (قلت ثيب) هكذا هو في نسخة مقروءة على ابن العماد قال العراقي في شرح التقريب ثيب في روايتنا بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي المنكوحة ثيب اهـ، وفي نسخة (ثيباً) بالنصب بإضمار تزوجت ثيباً. قوله: (فهلاَّ جارية) أي بكراً وهو منصوب بفعل محذوف أي هلاَّ نكحت بكراً وفي بعض روايات الصحيح فهلاَّ بكراً وفي بعضها فهلاَّ تزوجت بكراً. قوله: (أو قال تضاحكها وتضاحكك) أو فيه لبيان شك الراوي في اللفظ هل هو تلاعبها أو تضاحكها وفي رواية لهما من طريق حماد تلاعبها وتلاعبك وتضاحكها وتضاحك بالواو من غير شك نبه عليها العراقي في شرح التقريب.

باب ما يقول إذا نظر في المرآة

إن عبد الله -يعني أباه- توفي وترك تسع بنات أو سبعاً، وإني كرهت أن أجيئهن بمثلهنَّ، فأحببت أن أجيء بامرأة تقوم عليهنَّ وتصلحهنَّ، قال: "أصَبْتَ ... " وذكر الحديث. باب ما يقول إذا نظر في المرآة روينا في كتاب ابن السني عن علي رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا نظر في المرآة قال: "الحَمْدُ لِلهِ، اللهُم كما حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (إن عبد الله يعني أباه توفي) أي شهيداً يوم أحد. قوله: (تسع بنات أو سبعاً) بتقديم الفوقية في الأولى وتقديم المهملة في الثانية هكذا هو بالشك عندهما وعند الترمذي أيضاً من طريق حماد بن زيد وعند الشيخين من حديث سفيان ابن عيينة وترك تسع بنات بتقديم الفوقية على المهملة من غير شك قال العراقي: وهذه الرواية التي فيها الجزم مقدمة على طريق حماد التي فيها التردد فإن من حفظ حجة على من لم يحفظ. قوله: (فأحببت أن أجيء بامرأة الخ) فيه فضيلة لجابر حيث آثر مصلحة أخواته على حظ نفسه وإنه عند تزاحم المصلحتين ينبغي تقديم أهمهما وقد صوبه -صلى الله عليه وسلم- فيما فعل وهو المقصود من الحديث بالترجمة. قوله: (وذكر الحديث) أي في قصة بيع الجمل من النبي - صلى الله عليه وسلم -. باب ما يقول إذا نظر في المرآة نظر بفتح الظاء المعجمة أي أبصر يتعدى بإلى في الأكثر وقد تعدى بنفسه والمرآة بكسر الميم وسكون الراء وهمزة ممدودة بعدها هاء المنظرة. قوله: (روينا في كتاب ابن السني عن علي) في الحصن والسلاح بعد ذكر الذكر بزيادة في آخره وحرم وجهي على النار رواه البزار قال في الحرز أي رواه البزار عن ابن مردويه عن عائشة عن أبي هريرة وعند ابن حبان من حديث ابن مسعود والدارمي من حديث عائشة: اللهم أنت حسنت خلقي فحسن خلقي كما في الحصن والسلاح رواه البيهقي في الدعوات من حديث عائشة ولفظه كان إذا نظر وجهه في المرآة قال فذكره. قوله: (كما حسنت خلقي) هو بفتح المعجمة أي صورتي الظاهرة وفيه إيماء إلى قوله تعالى:

ورويناه فيه من رواية ابن عباس بزيادة. ورويناه فيه من رواية أنس قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا نظر وجهه في المرآة قال: "الحَمْدُ لِلهِ الذي سَوَّى خَلْقي فَعَدَّلَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} سيما هو -صلى الله عليه وسلم- فكان أحسن النّاس خلقاً وخلقاً ففي الترمذي ما بعث الله نبياً إلا حسن الوجه حسن الصوت وكان نبيكم أحسنهم وجهاً وأحسنهم صوتاً وقال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} قوله: (فحسن خلقي) هو بضم المعجمة واللام أي الأخلاق الباطنة والمراد منه بالنسبة له -صلى الله عليه وسلم- التثبيت على ذلك والدوام عليه ولغيره تحصيل ذلك وتكميله وهذا من سؤال الفضل والتوسل في حصول الفضل بالفضل على أحد الوجوه السالفة في قوله: اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم وفي الذكر المذكور إشارة إلى أن حسن الصورة إنما يكون ممدوحاً مع حسن السيرة الناشيء عن حسن الخلق ثم ختم الذكر بقوله عند البزار: "وحرم وجهي" أي ذاتي من التعبير عن الكل بالبعض "على النار" لأنه المقصود وحذفه في رواية ابن السني لحصول ما ينجي منها غالباً بحسن الأخلاق إذ هي ملكة يصدر عنها الأفعال الحسنة بسهولة ومن حسنت أفعاله بأن كانت على وزان الشرع فالجنة مآله بفضل الله. قوله: (ورويناه فيه) أي في كتاب ابن السني (عن ابن عباس بزيادة) هي قوله في آخره وزان مني ما شأن من غيري. قوله: (ورويناه فيه) أي في كتاب ابن السني الخ وكذا رواه الطبراني في الأوسط من حديث أنس. قوله: (وعدله) بتشديد الدال المهملة وتخفيفها كما قرئ بهما قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} فالتعديل جعل البنية متناسبة الأعضاء أو معدلة بما يسعدها من القوى وأما بالتخفيف فمعناه إنه عدل بعض أعضائك ببعض حتى اعتدلت أو صرفك عن خلقة غيرك وميزك بخلقة فارقت بها خلقة

باب ما يقول إذا طنت أذنه

وَكرَّمَ صُورَةَ وَجْهِي فَحَسَّنَها، وَجَعَلَنِي مِنَ المُسْلِمِينَ". باب ما يقول عند الحجامة روينا في كتاب ابن السني عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن قَرأ آيَةَ الكُرْسِي عِنْدَ الحِجامَةِ كانَتْ مَنْفَعَةَ حِجامَتِهِ". باب ما يقول إذا طنَّت أذنه روينا في كتاب ابن السني عن أبي رافع رضي الله عنه مولى رسول الله ـــــــــــــــــــــــــــــ سائر الحيوانات كذا حققه البيضاوي وقال الجنيد تسوية الخلق بالمعرفة وتعديلها بالإيمان. قوله: (وكرم صورة وجهي) أي الذي عليه ممدار الحسن. قوله: (فحسنها) أي جعلها حسنة. قوله: (وجعلني من المسلمين) أي إنه سبحانه جمع له بين الحسن الصوري وهو حسن الوجه وتسوية الخلق وتعديله والحسن المعنوي أي الإيمان بالله الذي عليه المدار إذ لا عبرة بحسن الصورة مع فقد ذلك قال تعالى في حق المنافقين: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} فالمدار على هذا الحسن أي الإيمان الذي يرد به الإنسان موارد الإحسان حققه الله لنا بالإخلاص وزيادة الإيقان وأدامه لنا في الحياة وفي الممات وسائر الأحيان آمين. باب ما يقول عند الحجامة قوله: (كانت منفعة حجامته) يحتمل أن يكون منفعة بالرفع وكان تامة أي حصلت منفعة حجامته وأثرها ببركة قراءة الآية لما فيها من الإقرار الله بأوصافه العلا ويحتمل أن يكون بالنصب واسم كان يعود على الآية والإسناد إليها مجازي لأنها سبب حصول منفعة الحجامة وظهور أثرها فيكون الإسناد مجازياً. باب ما يقول إذا طنَّت أذنه الطنين بالمهملة المشددة ونونين أولاهما مكسورة وبينهما تحتية صوت بعرض في الأذن وهو في الأصل كما في النهاية اسم لصوت الشيء الصلب وفي القاموس الطنين كأمير صوت الذباب والطست. قوله: (روينا في كتاب ابن السني الخ)

باب ما يقوله إذا خدرت رجله

-صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا طَنَّتْ أُذُنُ أحَدكم فَلْيَذْكُرْنِي، وَلْيُصَلِّ عَلي، وَلْيَقُلْ: ذَكَرَ اللهُ بِخَير مَنْ ذَكَرِني". باب ما يقوله إذا خدرت رجله روينا في كتاب ابن السني عن الهَيْثم بن حَنَش قال: "كنا عند عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فخَدِرَت رجله، فقال له رجل: اذكر أحبَّ النّاس ـــــــــــــــــــــــــــــ قال السخاوي في القول البديع رواه الطبراني وابن عدي وابن السني في اليوم والليلة والخرائطي في المكارم وأبو موسى المديني وابن بشكوال وسنده ضعيف وفي رواية بعضهم إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني وليصل عليّ وليقل ذكر الله من ذكرني بخير قلت وهي رواية ابن السني قال السخاوي وقد أخرجه ابن خزيمة في صحيحه ومن طريقه أبو اليمن بن عساكر وذلك عجيب لأن إسناده غريب كما صرح به أبو اليمن وغيره وفي ثبوته نظر وقد قال أبو جعفر العقيلي إنه ليس له أصل اهـ، وأخرجه ابن أبي عاصم أيضاً كما نقله القسطلاني في مسالك الحنفا قال ابن حجر الهيتمي في الدر المنضود الحديث أخرجه جمع بسند ضعيف وإخراج ابن خزيمة له في صحيحه متعجب منه فإن إسناده غريب بل قال العقيلي: ليس له أصل اهـ. قوله (فليذكرني) أي لأن بذكره -صلى الله عليه وسلم- تنشرح النفس ويحصل النشاط ويزول أثر ذلك وذلك بأن يقول نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- نظير ما يأتي فيمن خدرت رجله. قوله: (وليصل عليّ) أي بأن يأتي بها بعد ذكره فالعطف على أصله من التغاير واستظهر في الحرز أنه تفسيري. قوله: (ذكر الله بخير من ذكرني) أي بخير والجملة خبرية مبنى إنشائية معنى والله أعلم. باب ما يقول إذا خدرت رجله بفتح المعجمة وكسر المهملة أي رقدت من الخادر بمعنى الفاتر الكسلان على ما في الصحاح وفي المصباح خدر العضو خدراً من باب تعب استرخى فلا يطيق الحركة اهـ. قوله: (روينا في كتاب ابن السني عن الهيثم) هو بفتح الهاء المهملة وسكون التحتية وبالمثلثة المفتوحة وحنش بفتح المهملة والنون آخره معجمة ورواه ابن بشكوال من طريق أبي سعيد فذكره قال

إليك، فقال: يا محمد، -صلى الله عليه وسلم-، فكأنما نُشِطَ من عِقَال. وروينا فيه عن مجاهد قال: "خَدِرَتْ رِجل رجُل عند ابن عباس، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: اذكر أحبَّ النّاس إليك، فقال: محمد -صلى الله عليه وسلم-، فذهب خَدَرُه". ـــــــــــــــــــــــــــــ السخاوي: ولا أعلم أبو سعيد أكنية الهيثم أم لا قلت: وأخرجه ابن السني أيضاً من طريق أبي سعيد وكذا أخرجه أبو نعيم في المستخرج على كتاب ابن السني. قوله: (فكأنما نشط من عقال) بضم النون وكسر المعجمة آخره طاء مهملة أي فك من عقال وهو الحبل الذي يعقل به البعير وهو كناية عن ذهاب الكسل أو المرض وحصول النشاط أو الصحة وفي النهاية كأنما أنشط من عقال أي حل وقد تكرر في الحديث وكثيراً ما يجيء في الروايات نشط من عقال أي بحذف الألف وليس بصحيح يقال: نشطت العقدة إذا عقدتها وأنشطتها وانتشطتها إذا حللتها اهـ، ومثله في المصباح وعبارته نشطت الحبل نشطاً من باب ضرب عقدته بأنشوطة والأنشوطة أفعولة بضم الهمزة ربطة دون العقدة إذا مدت بأحد طرفيها انفتحت وأنشطت الأنشوطة بالألف حللتها وأنشطت العقال حللته وأنشطت البعير من عقاله أطلقته اهـ، والأولى حمل ما في الروايات على أنه تجوز بلفظ نشط واستعمل في معنى أنشط أو أن ذلك لغة قليلة وما ذكره في النهاية والمصباح هو الكثير والله أعلم. قوله: (وروينا فيه عن مجاهد الخ) يحتمل أن يكون هو الحديث قبله والرجل المبهم الذي خدرت رجله هو ابن عمر المصرح باسمه في الرواية السابقة وابن عباس القائل اذكر أحب النّاس إليك هو المبهم في الرواية الأولى وتكون القصة شهدها كل من مجاهد والهيثم ولا مخالفة بين قول مجاهد كذا عند ابن عباس وقول الهيثم عند ابن عمر لأنهما كانا كبيري المجلس والحضور المدلول عليه بعند كان عند كل منهما فذكر كل منهما من يروي عنه كثيراً ويحتمل تعدد القصة وهذا ظاهر سياق الشيخ وغيره وقد جاء عند ابن السني أيضاً عن عبد الرحمن بن سعد قال: كنت عند ابن عمر فخدرت رجله فقلت: يا أبا عبد الرحمن ما لرجلك قال: اجتمع عصبها من

وروينا فيه عن إبراهيم بن المنذر الحزامي أحد شيوخ البخاري الذين روى عنهم في "صحيحه" قال: كان أهل المدينة يعجبون من حسن بيت أبي العتاهية: وتَخْدَرُ في بعض الأحايين رِجْلُهُ ... فإن لم يقل: يا عتْبُ لم يَذْهِبَ الخَدَر ـــــــــــــــــــــــــــــ ها هنا قلت: ادع أحب النّاس إليك قال: يا محمد فانبسطت ولعل عبد الرحمن هو المبهم القائل له ذلك في الرواية المذكورة في حديث ابن عمر المذكور أول الباب والله تعالى أعلم. قوله: (وروينا فيه) أي في كتاب ابن السني وكذا أخرجه أبو نعيم أيضاً في كتاب عمل اليوم والليلة. قوله: (أحد شيوخ البخاري الخ) هذا التعريف من المصنف مزيد على كتاب ابن السني وإبراهيم بن المنذر بن المغيرة الحزامي بالزاي القرشي المدني أبو إسحاق روى عنه البخاري في مواضع من الصحيح ثم روى فيه عن محمد بن أبي غالب عنه في الاستئذان قال ابن منصور: سألت يحيى بن معين عن الحزامي فقال ثقة مات سنة ست وثلاثين ومائتين بالمدينة وجرت له مع أحمد قصة أعرض فيها عنه لما جاءه ذكرها الكرماني في أول كتاب العلم من شرح البخاري. قوله: (يعجبون) أي من حيث كمال المحبة بهذا المحبوب بحيث تمكن حبه في الفؤاد حتى إذا ذكره ذهب عنه الخدر وفي كتاب ابن السني أيضاً في معنى ذلك قال الوليد بن يزيد بن عبد الملك في حياته: أثيبي مغرماً كلفاً محباً ... إذا خدرت له رجل دعاك وفيه أيضاً عن أبي بكر الهذلي قال: دخلت على محمد بن سيرين وقد خدرت رجلاه فنقعهما بالماء وهو يقول: إذا خدرت رجلي تذكرت قولها ... فناديت لبني باسمها ودعوت دعوت التي لو أن نفسي تطيعني ... لألقيت نفسي نحوها فقضيت

باب جوازه دعاء الإنسان على من ظلم المسلمين أو ظلمه وحده

باب جوازه دعاء الإنسان على من ظلم المسلمين أو ظلمه وحده اعلم أن هذا الباب واسع جداً، وقد تظاهر على جواز نصوص الكتاب والسنَّة وأفعال سلف الأمة وخلفها، وقد أخبر الله سبحانه وتعالى في مواضع كثيرةٍ معلومةٍ من القرآن عن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم بدعائهم ـــــــــــــــــــــــــــــ فقلت: يا أبا بكر تنشد مثل هذا الشعر فقال: يالله! وهل هو إلا كلام حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيحه اهـ، وأخرجه أبو نعيم كذلك. باب جواز دعاء الإنسان على من ظلم المسلمين أو ظلمه وحده المراد من الجواز ما يشمل الاستحباب فهو بمعنى عدم الحرمة والكراهة ثم إن كان الدعاء على من ظلم النّاس ليندفع أذاه فهو مستحب وإن كان على من ظلمه هو أو آذاه فإنه يباح له الدعاء والأفضل أن يعفو ويصفح كما تقدم في أذكار الصباح والمساء في حديث ما ضر أحدكم أن يكون كأبي ضمضم وأفضل منه أن يترحم على ظالمه ويدعو له بأن الله يهديه كما وقع له -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد لما شجوا رأسه وكسروا رباعيته فقال الصحابة: يا رسول الله ادع الله عليهم فقال: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" فصفح فيما يتعلق بحقه -صلى الله عليه وسلم- ودعا لهم بغفران ما يتعلق بذلك الذنب واعتذر عنهم ونقل عن إبراهيم بن أدهم أن جندياً شج رأسه فقيل له: إنه إبراهيم بن أدهم فعاد إليه معتذراً فقال له: إنك بمجرد ما شجيت رأسي دعوت لك بالجنة قال: وكيف يا سيدي قال: لأنك كنت سبباً لإيصال خير إليّ فلا أكون سبباً لإيصال شر إليك. قوله: (وقد تظاهرت على جوازه الخ) تظاهرت بالهاء أي تتابعت وأظهر بعضها بعضاً أو شد بعضها ظهر بعض ومحل جواز الدعاء على الظالم أن يكون بحسب ما ظلم به وإلا كان متعدياً وذلك بأن يقول: اللهم انتقم منه

على الكفار. روينا في "صحيح البخاري ومسلم" عن علي رضي الله عنه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال يوم الأحزاب: "مَلأ اللهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ ناراً ـــــــــــــــــــــــــــــ أو عامله بعدلك أو نحوه. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) قال القلقشندي في شرح العمدة: أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأصحاب السنن الأربعة وابن خزيمة والإسماعيلي وأبو عوانة والبرقاني وأبو نعيم والبيهقي وغيرهم اهـ. قوله: (يوم الأحزاب) وفي بعض طرقه في الصحيحين يوم الخندق وهي غزاة لها هذان الاسمان وكانت في شوال سنة أربع من الهجرة قاله موسى بن عقبة ومالك ومال إليه البخاري وقيل: في ذي القعدة وقيل في شوال سنة خمس قاله ابن إسحاق وجزم به غيره من أهل السير وسميت بالأحزاب لتحزب الكفار على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أجلى في النضير فخرج نفر منهم إلى مكة فحرضوا قريشاً على قتاله فلما أقبلوا نحو المدينة أشار سلمان الفارسي بحفر الخندق فحفر حول المدينة في ستة أيام وكانت أول غزاة غزاها سلمان وأقبلت قريش في عشرة آلاف حتى نزلوا بمجتمع الأسيال وعليهم أبو سفيان بن حرب وخرج -صلى الله عليه وسلم- واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم وجعل سلعاً وراء ظهره والخندق بينه وبين القوم وهو في ثلاثة آلاف من المسلمين وأقاموا بضع عشرة ليلة وقيل أربعة وعشرين يوماً ثم أرسل الله عليهم ريحاً فانهزموا والخندق فارسي معرب جمعه خنادق. قوله: (ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً) وقع عند البخاري ملأ الله عليهم قبورهم وبيوتهم ناراً وقع في بعض طرقه زيادة أو أجوافهم على الشك وفي بعضها أو قال: قبورهم وبطونهم والبيوت بضم الموحدة وكسرها جمع بيت والقبور جمع قبر ويجمع القبر على أقبر قال الخليل: القبر مدفن الإنسان والقبر مما أكرم به بنو آدم حيث لم تجعل جيفته ملقاة كجيفة باقي الحيوان قال تعالى: ممتنا بذلك {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ}: "وللقبر أسماء" الرمس والجدث والجدف بإبدال الثاء فاء والبيت والضريح والريم والرجم والبلد ذكرهن صاحب المخصص والجنان والدمس بالدال والمنهال ذكرهن ابن السكيت والعسكري والحاموض ذكره صاحب المنتخب كذا في غاية الأحكام

كما شَغَلُونا عَنِ الصَّلاةِ الوُسْطَى". وروينا في "الصحيحين" من طرق أنه -صلى الله عليه وسلم- دعا على الذين قتلوا القُرَّاء رضي الله عنهم، وأدام الدعاءَ عليهم شهراً يقول: ـــــــــــــــــــــــــــــ للقلقشندي قال العراقي في شرح التقريب: وهذه الجملة دعاء عليهم بدليل قوله في رواية الترمذي: اللهم املأ قبورهم وبيوتهم ناراً ففيه الدعاء على المشركين بمثل هذا. قوله: (كما شغلونا) بفتح المعجمتين أوله والشغل فيه أربع لغات بضم الشين مع سكون الغين وضمها وفتح الشين مع سكون الغين وفتحها والجمع أشغال ولا يقال: أشغلته لأنها لغة رديئة قاله الجوهري وفي المصباح إنه هجر استعماله في فصيح الكلام ووقع في رواية المستملي كلما شغلونا بزيادة لام قال الحافظ في فتح الباري إنها خطأ. قوله: (عن الصلاة الوسطى) بضم الواو فعلى تأنيث أفعل وكلاهما لا يستعمل إلا بأل أو الإضافة أو من ومادة وسط لها معنيان للغاية في الجودة وما كان بين طرفين نسبته من الجهتين سواء إما باعتبار العدد أو الزمان أو المكان والوسطى صفة للصلاة ووقع عند مسلم في بعض طرقه صلاة الوسطى وهو مؤول على طريق البصريين المانعين إضافة الشيء لنفسه بأن التقدير صلاة الساعة الوسطى أي عن فعلها وبعده في الصحيحين قوله: صلاة العصر ففيه التصريح بأن الصلاة الوسطى هي العصر وهو الصحيح عند أصحاب الشافعي وإليه ذهب كثير من الصحابة والتابعين فمن بعدهم وقال به أبو حنيفة وأحمد وقال الشافعي: إذا صح الحديث فهو مذهبي وصح الحديث بأنها العصر فهو مذهبه أيضاً وللعلماء في ذلك أقوال كثيرة وقد ألف في ذلك الحافظ شرف الدين الدمياطي جزءاً حافلاً سماه: كشف المغطى عن الصلاة الوسطى ذكر فيه سبعة عشر قولاً. قوله: (وروينا في الصحيحين) كان الأخضر أن يقول فيهما. قوله: (من طرق الخ) فأخرج مسلم في باب القنوت في صلاة الصبح عن خفاف بن إيماء الغفاري قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم العن بني لحيان ورعلا وذكوان وعصية" عصت الله ورسوله الحديث. قوله: (على الذين قتلوا أصحابه القراء الخ) هم أصحاب بئر معونة ماء لبني سليم وكانت في صفر سنة أربع وأميرها

"اللهم الْعَنْ رِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ". وروينا في "صحيحيهما" عن ابن مسعود رضي الله عنه في حديثه الطويل في قصة أبي جهل وأصحابه من قريش حين وضعوا سَلَى الجزور على ظهر النبي -صلى الله عليه وسلم- فدعا عليهم ـــــــــــــــــــــــــــــ المنذر قال ابن سعد كانت سرية المنذر في صفر على رأس ستة وثلاثين شهراً من مهاجره قالوا: قدم عامر بن مالك بن جعفر أبو براء ملاعب الأسنة الكلابي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأهدي له فلم يقبل منه وعرض عليه الإسلام فلم يسلم ولم يبعد وقال: لو بعثت معي نفراً من قومك إلى قومي لرجوت أن يجيبوا دعوتك فقال: "إني أخاف عليهم أهل نجد" قال: أنا لهم جار فبعث معه سبعين رجلاً من الأنصار شببة يسمون القراء وأمر عليهم المنذر فلما نزلوا بئر معونة قدموا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى عامر بن الطفيل فقتل حراماً واستصرح عليهم في عامر فأبوا وقالوا: لا نحفر أبا براء فاستصرخ عليهم قبائل من سليم عصية ورعل وذكوان ورعب والقارة ولحيان فنفروا معه فقتل الصحابة كلهم إلا عمرو ابن أمية وأخبر جبريل عليه السلام النبي -صلى الله عليه وسلم- يخبرهم تلك الليلة قيل وذكر لحيان فيمن قتل القراء ببئر معونة وهم إنما هم من هذيل الذين قتلوا أصحاب ابن الدثنة ومنهم خبيب لكن الوقعتان في زمن واحد فالتبس ذلك على الراوي نبه عليه الشرف الدمياطي وغيره وقد سلف ذكر القصة في كتاب الجهاد. فائدة في شرف المصطفى جاءت الحمى إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: اذهبي إلى رعل وذكوان وعصية عصت الله ورسوله فأتتهم فقتلت منهم سبعمائة بكل رجل من المسلمين عشرة نقله ابن النحوي في شرح البخاري. قوله: (اللهم العن رعلا) بكسر الراء وسكون المهملة (وذكوان) بفتح المعجمة وسكون الكاف (وعصية) بضم المهملة الأولى وفتح الثانية وتشديد التحتية قبائل من سليم. قوله: (وروينا في صحيحيهما عن ابن مسعود الخ) قال الحافظ المزي في الأطراف أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه منها: باب الطهارة وباب مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخرجه مسلم في المغازي وأخرجه النسائي في الطهارة اهـ، ملخصاً. قوله: (حين وضعوا سلى الجزور) الواضع له هو أشقاه

وكان إذا دعاد دعا ثلاثاً ثم قال: "اللهُم عَلَيكَ بقُرَيْشٍ"، ثلاثَ مرَّاتٍ، ثم قال: "اللهم عليك بأبي جَهْل وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ... ـــــــــــــــــــــــــــــ عقبة بن أبي معيط ونسب الشيخ الوضع إليهم لأنهم أشاروا بذلك ورضوا به وإلا فالذي في صحيح البخاري فانبعث أشقاهم وفي مسلم فانبعث أشقى القوم فلما سجد -صلى الله عليه وسلم- وضعه بين كتفيه ولبث النبي -صلى الله عليه وسلم- ساجداً الحديث والسلى بفتح المهملة وبالقصر وعاء جنينها ومثلها سائر الحيوانات وهي من الآدمي المشيمة والجزور بفتح الجيم وبالزاي آخره راء المنحور من الإبل يقع على الذكر والأنثى وهي مؤنث قاله الجوهري وقوله على ظهر النبي -صلى الله عليه وسلم- أي بين كتفيه كما تقدم آنفاً. قال المصنف في شرح مسلم والجواب المرضي عن استمراره -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة مع وضع السلا المذكور على ظهره إنه -صلى الله عليه وسلم- لم يعلم ما وضع على ظهره فاستمر في سجوده استصحاباً للطهارة، وتعقب بأنه مشكل على قولنا بوجوب الإعادة في مثل هذه الصورة، وأجاب بأن الإعادة إنما تجب في الفريضة وما يدري هل كانت هذه الصلاة فريضة فتجب إعادتها أم غيرها فلا تجب فإن وجبت إعادتها فالوقت متسع لها والله أعلم. قال في فتح الباري وتعقب بأنه لو أعاد لنقل وبأن الله لا يقره على التمادي في صلاة باطلة وقد خلع نعليه وهو في الصلاة فإن جبريل أخبره بأن فيهما قذراً، ويدل على أنه علم بما ألقى على ظهره إن فاطمة ذهبت به قبل أن يرفع رأسه وعقب هو صلاته بالدعاء عليهم اهـ، ويمكن أن يقال إن الله أعلمه به بعد رفع فاطمة له فعقب صلاته دعا عليهم. قوله: (وكان إذا دعا دعا ثلاثاً) فيه استحباب تكرار الدعاء وهذا اللفظ عند مسلم في كتاب الصلاة. قوله: (عليك بقريش) أي أهلكهم والمراد كفارهم أو من سمي منهم فهو عام مخصوص. قوله: (ثلاث مرات) أي كرر هذا اللفظ ثلاث مرات على عادته في تكرار الدعاء والسؤال ثلاثاً زاد مسلم في رواية زكريا وكان إذا دعا دعا ثلاثاً وإذا سأل سأل ثلاثاً. قوله: (عليك بأبي جهل) هو فرعون زمانه عمرو بن هشام وقد جاء في رواية إسرائيل بعمرو بن هشام قال في فتح الباري

وذكر تمام السبعةَ ... وتمام الحديث". وروينا في "صحيحيهما" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو: "اللهُم ـــــــــــــــــــــــــــــ فلعله سماه وكناه معاً. قوله: (وذكر تمام السبعة) وهم شيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة أي بالمثناة فالموحدة ووقع في بعض نسخ مسلم بالقاف في محل المثناة وهو غلط قديم نبه عليه ابن سفيان الراوي عن مسلم وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وعمارة بن الوليد قال عبد الله: فوالله لقد رأيتهم صرعى يوم بدر سحبوا إلى القليب قليب بدر ثم قال -صلى الله عليه وسلم- وأتبع أصحاب القليب لعنة قال المصنف: هذه إحدى دعواته - صلى الله عليه وسلم - المجابة، وقول ابن مسعود: لقد رأيتهم الخ، المراد منه ما عدا عمارة بن الوليد فإنه لم يحضر بدراً إنما مات بجزيرة بأرض الحبشة فالمراد من قوله: رأيتهم أي رأيت أكثرهم وإلا فعقبة بن أبي معيط لم يقتل ببدر وإنما حمل منها أسيراً وقتله النبي -صلى الله عليه وسلم- صبراً بعد انصرافه من بدر بعرق الظبية وهو بمعجمة مضمومة فموحدة ساكنة فتحتية مفتوحة قال الراوي على ثلاثة أميال مما يلي المدينة من الروحاء، قال الشيخ زكريا وفي الحديث الدعاء على أهل الكفر إذا آذوا المؤمنين ولم يرج إسلامهم قال صاحب المفهم: ولا خلاف في جواز لعن الكفرة والدعاء عليهم قال: واختلفوا في جواز الدعاء على أهل المعاصي فأجازه قوم ومنعه آخرون قال العراقي أما إذا كان الدعاء على أهل المعاصي أو لعنهم من غير تعيين فلا خلاف في جوازه، وفي فتح الباري فيه جواز الدعاء على الظالم لكن قال بعضهم: محله إذا كان كافراً أما المسلم فيستحب الاستغفار له والدعاء بالتوبة ولو قيل لا دلالة فيه على الدعاء على الكافر لما كان بعيداً لاحتمال أن يكون أطلع -صلى الله عليه وسلم- على أن المذكورين لا يؤمنون والأولى أن يدعي لك حي بالهداية اهـ، وسيأتي لهذا مزيد وفي الحديث حجة للجمهور في جواز الدعاء لمعين وعلى معين في الصلاة ومنعه أبو حنيفة فيها وفيه حجة عليه أيضاً في منعه ما ليس بلفظ القرآن من الدعاء في الصلاة وخالفه غيره في ذلك ذكره القرافي. قوله: (وروينا في صحيحيهما) ورواه أبو داود. قوله: (كان يدعو) أي يقنت بذلك لما يرفع رأسه من الركوع ويقول: اللهم أنج الوليد

اشْدُدْ وَطأتَكَ على مُضَرَ، اللهم اجْعَلْهَا عَلَيهِمْ سِنينَ كَسِنِي يُوسُفَ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن ربيعة والمستضعفين بمكة اللهم اشدد وطأتك الخ. ققوله: (اشدد وطأتك) بفتح الواو وسكون المهملة وبالهمز أي خذهم أخذاً شديداً قاله صاحب النهاية قال ومنه حديث خولة بنت حكم في مسند أحمد آخر وطأة يطؤها الله بوج قال: والوطء في الأصل الدوس بالقدم فسمى به الغزو والقتل والمعنى إن آخر أخذة ووقعة أوقعها الله في الكفار كانت بوج وكانت غزوة الطائف آخر غزوات النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه لم يغز بعدها إلا غزوة تبوك ولم يكن فيها قتال اهـ. قوله: (على مضر) أي على كفار قريش أولاد مضر. قوله: (اجعلها) أي الوطأة أو السنين أو الأيام. قوله: (سنين كسنين يوسف) قال الشيخ زكريا في تحفة القاريء سنين جمع سنة شذوذاً بتغير مفرده من الفتح إلى الكسر وكونه غير علم لعاقل ومخالفته لجموع السلامة في جواز إعرابه بثلاثة أوجه بالحروف وبالحركات على النون منوناً وغير منون منصرفاً وغير منصرف اهـ، وهو في الأصول التي وقفت عليها من الأذكار بإثبات النون في قوله: كسنين يوسف وبحذف الألف من قوله: سنين الأول وهو محتمل لأن يكون من لغة من أعربه بالحركات ومنع صرفه أو أعربه بها وصرفه وحذف الألف على لغة ربيعة وفي البخاري كسني يوسف بحذف نون الجمع للإضافة، قال العراقي: وهي لغة شاذة والصحيح إثباتها اهـ، وسنين يوسف هي السبع المجدبة وأضيفت إليه لأنه هو الذي قام بأمور النّاس فيها ووقع للقرطبي في المفهم إنه أول هذا الدعاء بحديث ابن مسعود فقال: واستجيب له -صلى الله عليه وسلم- فيهم وأجدبوا سبعاً أكلوا فيها كل شيء وذكر الحديث وقال فيه حتى جاء أبو سفيان وكلم النبي -صلى الله عليه وسلم- فدعا لهم فسقوا على ما ذكرناه عن ابن مسعود في كتاب التفسير اهـ، قال العراقي في شرح التقريب وهذا فيه أوهام في قوله: فأجدبوا سبعاً وليس في واحد من الصحيحين وليس بصحيح فإنه كشف عنهم قبل بدر وكانت في السنة الثانية من الهجرة وأيضاً فأبو هريرة راوي الحديث

وروينا في "صحيح مسلم" عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه "أن رجلاً أكل بشماله عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "كُلْ بِيَمِينِكَ"، قال: لا أستطيع، قال: "لا اسْتَطَعْتَ، ما منعه إلا الكِبْر"، قال: فما رفعها إلى فيه". قلت: هذا الرجل هو بُسر -بضم الباء وبالسين المهملة- ابن راعي العَيْر الأشجعي، صحابي ففيه جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن جابر بن سمرة قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ شهد قنوت النبي -صلى الله عليه وسلم- ودعاءه عليهم بذلك وإنما أسلم أبو هريرة في السنة السابعة فلا صح حمله على دعائه على قريش قبل بدر وحديث ابن مسعود الذي في الصحيحين إن قريشاً استصعبوا عليه قال: اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف فأخذتهم السنة حتى حصت كل شيء حتى أكلوا العظام والجلود وفي رواية الميتة بدل العظام وجعل يخرج من الأرض كهيئة الدخان فأتاه أبو سفيان فقال: يا محمد إن قومك قد هلكوا فادع الله أن يكشف عنهم فدعا وفي رواية فدعا ربه فكشف عنهم فعادوا فانتقم الله منهم ففي هذا الحديث إن دعاءه على قريش كان قبل وقعة بدر وهذا لم يشهده أبو هريرة والذي أوقع القرطبي في ذلك إن في بعض طرقه في الصحيحين ذكر مضر فظن إنها قصة واحدة وليس كذلك: قصة الدعاء على قريش كانت قبل بدر ولم ينقل فيها قنوت ولم يشهدها أبو هريرة وقريش هي من مضر وقصة القنوت كانت بعد خيبر بعد إسلام أبي هريرة وكان فيها دعاؤه على مضر وهو اسم جامع لقريش وغيرها اهـ. قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) سبق تخريجه والكلام على ما يتعلق به في باب وعظ وتأديب من يسيء في أكله. قوله: (وروينا في صحيح البخاري ومسلم الخ) قال الحافظ المزي بعد أن أورده من حديث جابر عن سعد بنحو من ذلك أخرجه البخاري في الصلاة ومسلم ورواه أبو داود والنسائي كلهم

"شكا أهل الكوفة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه إلى عمر رضي الله عنه، فعزله واستعمل عليهم ... " وذكر الحديث ... إلى أن قال: "أرسل معه عمر رجالاً أو رجلاً إلى الكوفة: يسأل عنه، فلم يَدَعْ مسجداً إلا سأل عنه ويثنون معروفاً، حتى دخل مسجداً لبني عَبْس، فقام رجل منهم يقال له: أسامة بن قتادة، يكنى أبا سعدة، فقال: أما إذا نشدتنا فإن سعداً لا يسير بالسرِّية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل ـــــــــــــــــــــــــــــ في الصلاة أيضاً اهـ، ملخصاً. قوله: (شكا أهل الكوفة) أي بعضهم وسميت كوفة: لاستدارتها من قولهم للرمل المستدير كوفا وقيل: لأن ترابها مخالط حصى وكل ما كان كذلك يسمى كوفة. قوله: (رجالاً أو رجلاً) شك من الراوي فالرجل قال الشيخ زكريا اسمه محمد بن مسلمة. قوله: (يسأل عنه) جملة في محل الحال المقدرة واقتصر على سؤال الرجل اكتفاء وإلا فكان الأصل يسألون أو يسأل عنه والمعنى يسأل كل منهم. قوله: (فلم يدع) أي لم يترك. قوله: (لبني عيسى) بفتح العين وسكون الموحدة وبمهملة قبيلة من قيس. قوله: (أبا سعدة) هو بفتح السين وسكون العين المهملتين. قوله: (أما) بتشديد الميم وقسيمها محذوف أي أما نحن إذ نشدتنا أي سألتنا فنقول كذا وأما غيرنا فأثنى عليه. قوله: (كان) وبحذفها في نسخة. قوله: (بالسرية) بتخفيف الراء قطعة من الجيش سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشيء السري النفيس كما في المصباح وغيره وفي التوشيح للسيوطي السرية من مائة إلى خمسمائة فإن زاد على خمسمائة فإنه منسر بالنون ثم المهملة قلت وبعدها راء فإن زاد على ثمانمائة فجيش فإن زاد على أربعة آلاف سمي جحفلاً فإن زاد فجيش جرار اهـ، وفي فتح الباري السرية هي التي تخرج بالليل والسارية التي تخرج بالنهار قال وقيل: سميت بذلك يعني السرية لأنها تخفي ذهابها وهذا يقتضي إنها أخذت من السر ولا صح لاختلاف المادة ثم ذكر بعد ما تقدم في المنسر والجحفل قوله: والخميس الجيش العظيم وما افترق من السرية يسمى بعثاً والكثيبة ما اجتمع

في القضية. قال سعد: أما والله لأدعونَّ بثلاث: اللهُم إن كان عبدك هذا كاذباً قام رياءً وسمعةً فأطل عمره، وأطل فقره، وعرِّضْه للفتن، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم ينتشر اهـ، وفي المصباح والمنسر فيه لغتان مثل مسجد ومقود دخيل من المائة إلى المائتين وقوله: الفارابي جماعة من الخيل ويقال: المنسر الجيش لا يمر بشيء إلا اقتلعه اهـ، والباء في قوله بالسرية للمصاحبة. قوله: (في القضية) أي الحكومة والقضاء. قوله: (أما هي) بتخفيف الميم حرف استفتاح قال المصنف في أوائل شرح مسلم في حديث وفاة أبي طالب قال الإِمام أبو السعادات هبة الله العلوي الحسني المعروف بابن الشجري ما المزيدة للتوكيد ركبوها مع همزة الاستفهام واستعملوا مجموعهما على وجهين أحدهما أن يراد به معنى حقاً كما في قولهم أما والله لأفعلن والآخر أن يكون افتتاحاً للكلام بمنزلة ألا كقولك أما إن زيداً منطلق وتحذف ألفها وأكثر ما تحذف إذا كان بعدها قسم ليدل على شدة اتصال الثاني بالأول نحو أم والله لأفعلن كذا. قوله: (قام رياء وسمعة) أي ليراه النّاس ويسمعوا به ويشهروا ذلك عنه ليكون له به ذكر. قوله: (فأطل عمره) أي بأن يرد إلى أرذل العمر وينكس في الخلق نقمة لا نعمة وللطغرائي: من يطلب التعمير فليدرع ... صبراً على فقد أحبائه ومن يعمر يلق في نفسه ... ما يتمناه لأعدائه وفي رواية سيف بعد وأطل عمره: وأكثر عياله ولسيف أنه عمي واجتمع عنده عشر بنات كذا في التوشيح. قوله: (وعرضه للفتن) أي اجعله عرضة لها وإنما ساغ لسعد أن يدعو على أسامة مع أنه مسلم لأنه ظلمه بالافتراء عليه والحكمة في دعواته الثلاث إن أسامة نفى عنه الفضائل الثلاث التي هي أصول الفضائل الشجاعة التي هي كمال القوة الغضبية حيث قال: لا يسير بالسرية والعفة التي هي كمال القوة الشهوية حيث قال: لا يقسم بالسوية والحكمة التي هي كمال القوة العقلية حيث قال: لا يعدل في القضية والثلاث تتعلق بالنفس والمال والدين فقابلها سعد بثلاث مثلها فدعا عليه بما يتعلق بالنفس وهو طول العمر وبما يتعلق بالمال وهو الفقر وبما يتعلق بالدين وهو الوقوع في الفتن وقال ابن المنير في الدعوات الثلاث مناسبة للحال أما طول عمره فليراه من سمع بأمره فيعلم كرامة سعد وأما طول فقره فلنقيض

فكان بعد ذلك يقول: شيخ مفتون أصابتني دعوة سعد". قال عبد الملك بن عمير الراوي عن جابر بن سمرة: فأنا رأيته بعدَ ذلك قد سقط حاجباه على عينيه من الكِبَر، وإنه ليتعرَّض للجواري في الطرق فيغمزهنَّ. وروينا في "صحيحيهما" عن عروة بن الزبير أن سعيد بن زيد رضي الله عنهما خاصَمَتْهُ أروى بنت أوس -وقيل: أويس- إلى مروان بن الحكم، وادَّعت أنه أخذ شيئاً من أرضها، فقال سعيد رضي الله عنه: ـــــــــــــــــــــــــــــ مطلوبه لأن حاله يشعر بأنه أمراً دنيوياً وأما تعرضه للفتن فلكونه قام فيها ورضيها دون أهل بلده لبلده. قوله: (فكان إذا سئل) أي عن حال نفسه وعند ابن عيينة إذا قيل له: كيف أنت. قوله: (شيخ كبير) زاد الطبراني فقير أي أنا شيخ كبير بالدعوة الأولى فقير بالدعوة الثانية مفتون بالدعوة الثالثة وعلى حذف قوله: فقير كما هو عند الشيخين فاكتفى عن الثانية بعموم قوله أصابتني دعوة سعد فإنها تعم الثلاث وعند ابن عيينة ولا تكون فتنة إلا وهو فيها وفي فوائد الملخص إنه عاش إلى أن أدرك فتنة المخباث الكذاب الذي ادعى النبوة فقتل فيها. فائدة كان سعد معروفاً بإجابة الدعوة روى الترمذي وابن حبان والحاكم عن سعد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهم استجيب لسعد إذا دعاك" قوله: (يغمزهن) أي يعصر أصابعهن بأصابعه وفيه إشارة إلى الفتنة والفقر إذ لو كان غنياً لما احتاج لذلك. قوله: (وروينا في صحيحيهما الخ) وخرجه البخاري في بدء الخلق ومسلم في البيوع. قوله: (أروى بنت أوس) بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الواو وبالألف المقصورة وأوس بفتح الهمزة وسكون الواو وبالسين المهملة وقيل: أويس مصغر وعليه اقتصر الكرماني فقال: بنت أبي أويس ومثله في شرح البخاري للشيخ زكريا قال الكرماني: قال ابن الأثير: لم أتحقق أنا صحابية أو تابعية اهـ. قوله: (إلى مروان) متعلق بخاصمته أي ترافعاً إليه وهو كان يومئذٍ متولي المدينة قال الشيخ زكريا في شرح البخاري فترك سعد الحق لها ودعا عليها وفي باب المظالم من شرح البخاري للكرماني إن مروان أرسل إلى

أنا كنتُ آخذ شيئاً من أرضها بعد الذي سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: ما سمعتَ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَنْ أخذ شِبْراً مِنَ الأرضِ ظُلْماً طُوّقَهُ إلى سَبْعِ أرَضِينَ" فقال له مروان: لا أسألك بينة بعد هذا، فقال سعيد: اللهُم إن كانت كاذبة فَأعْمِ بصرها، واقتُلْها في أرضها، ـــــــــــــــــــــــــــــ سعد ناساً يكلمونه في شأن أروى بنت أويس وكانت شكته إلى مروان في أرض فقال سعد: تروني ظلمتها وقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول فذكر الحديث فترك سعد لها ما ادعت ثم قال: اللهم إن كانت كاذبة الخ. قوله: (إن كنت) أنا نافية بمعنى ما كنت. قوله: (بعد الذي سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) سكت عن بيانه أولاً لتتوجه النفس نحوه فيكون ذكره أمكن في النفس. قوله: (قال) أي مروان. قوله: (قال) أي سعد. قوله: (طوقه) هو بضم المهملة وتشديد الواو مبني للمجهول و (من سبع أرضين) متعلق بقوله طوقه وأرضين بفتح الراء وقد تسكن ولتطويقه معنيان أحدهما أن يكلف ثقل ما ظلم منها في القيامة إلى المحشر في حديث الطبراني وغيره ثانيهما أن نخسف به الأرض المغصوبة كما في الحديث الآخر فتصير في عنقه كالطوق ويطول عنقه حتى يسع ذلك كما في غلظ جلد الكافر وعظم ضرسه. قوله: (فقال مروان: لا أسألك بينة بعد هذا) أي لأن القصد من البينة ما يغلب به الظن في صدق دعوى صاحبها وهذا الحديث إذا كان عند مثل سعد أقوى في إفادة الظن بصدقه فيما قال من البينة. قوله: (اللهم إن كانت كاذبة الخ) دعاؤه عليها بعد أن ترك لها ما ادعته كما تقدم وإنما دعا عليها بما ذكر لأنها نسبته إلى الظلم في غصب الأرض المبتني على حبه لها وقد جاء في الحديث حبك للشيء يعمي ويصم فلما نسبته إلى ما يقتضي عمى البصيرة وصممها دعا عليها بعمى البصر وإنما لم يدع عليها بعمى البصيرة إسقاطاً لبعض حقه ولما كان طمعها دعاها إلى الدعوة الكاذبة في تلك الأرض فدعا بأن تكون تلك الأرض محل حتفها لتكون كالباحث عن حتفه بظلفه والله أعلم، وتبين حينئذٍ أن دعاءه عليها بجزاء ما وقع منها كما سبق نظيره في دعوات سعد

باب التبري من أهل البدع والمعاصي

قال: فما ماتت حتى ذهب بصرها، وبينما هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت. باب التبرِّي من أهل البدع والمعاصي روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي بردة بن أبي موسى قال: "وجع أبو موسى رضي الله عنه وجعاً، فغشي عليه، ورأسه في حَجْر امرأة ـــــــــــــــــــــــــــــ والله أعلم، وسيأتي له في أدب الدعاء مزيد. قوله: (فما ماتت حتى ذهب بصرها) قال ابن الأثير في أسد الغابة فكان أهل المدينة يقولون: أعماك الله كما أعمى أروى يريدونها ثم صار أهل الجهل يقولون: أعماك الله كما أعمى أروى يريدون الأروى التي في الجبل يظنونها ويقولون إنها عمياء وهذا جهل منهم وفي ربيع الأبرار للزمخشري إن المرأة سألت سعيداً أن يدعو لها حين عميت وقالت: إني ظلمتك فقال: لا أرد ما أعطانيه الله تعالى اهـ. باب التبري من أهل البدع والمعاصي قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) تقدم الكلام على تخريج الحديث في باب تحريم النياحة وقال الحافظ السخاوي بعد تخريجه: هذا حديث صحيح رواه مسلم في صحيحه عن الحكم بن موسى وابن حبان في صحيحه عن أبي يعلى وأبو عوانة في مستخرجه على الصحيح عن ابن عبدوس وأبي حفص القاص كلاهما عن الحكم وعلقه البخاري في صحيحه فقال وقال الحكم وذكره ووهم أبو الوقت في روايته حيث وقع عنده فيها حدثنا بدل وقال: بل الصواب أنه من تعاليقه ويتأيد بأطباق الجامعين شيوخ البخاري على عدم ذكرهم للحكم في شيوخه وعلى كل حال فقول الشيخ: روينا في صحيحي البخاري ومسلم صحيح ثم أشار السخاوي إلى أن كلاًّ من الحكم ومن فوقه إلى أبي بردة لم ينفرد بهذا الحديث بل له متابع من طبقته وبين ذلك وأخرج الحديث النسائي من وجه آخر وفي رواية أخرى للنسائي إن المرأة المذكورة أم ولد لأبي موسى اهـ، وأبو بردة هو ابن أبي موسى الأشعري. قوله: (فغشي عليه) بضم الغين وكسر الشين المعجمتين أي أغمي عليه. قوله: (في حجر امرأة) بفتح المهملة وكسرها والمرأة هي زوجته أم عبد الله صفية

من أهله، فصاحت امرأة من أهله فلم يستطع أن يردَّ عليها شيئاً، فلما أفاق قال: أنا بريء ممن برئ منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برئ من الصالِقة والحالِقة والشَّاقَّة". قلت: الصالقة: الصائحة بصوت شديد، والحالقة: التي تحلق رأسها عند المصيبة، والشاقة: التي تشقُّ ثيابها عند المصيبة. وروينا في "صحيح مسلم" عن يحيى بن يَعْمَر قال: قلت لابن عمر رضي الله عنهما: أبا ـــــــــــــــــــــــــــــ بنت أبي دومة. قوله: (فصاحت امرأة) ظاهره أن التي صاحت عليه غير التي كان في حجرها لأن النكرة إذا تكررت كان الثاني غير الأول وفي رواية لمسلم والنسائي أقبلت امرأته أي أبي موسى أم عبد الله تصيح برنة ثم أفاق فقال: ألم تعلمي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أنا بريء" وذكره قال راوي الحديث وكان أبو موسى حدثها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك وفي رواية ربعي عند أبي نعيم فأكبت عليه امرأته بنت أبي دومة قال السخاوي فاستفيد من مجموع ذلك كنيتها وكنية آبائها ووقع لغير واحد ذكرها في الصحابة لهذا الحديث وقوله لها: أما سمعت ما قاله -صلى الله عليه وسلم- قالت: بلى وكذا في رواية للنسائي وفي هذا نظر لأنه أشار بقوله: أما سمعت إلى ما سمعته منه قبل ذلك ولم يرد أنها سمعته -صلى الله عليه وسلم- ثم ذكر السخاوي ما يؤيد ذلك من رواية للنسائي وقال: نعم روى دعلج في فوائده عن موسى بن هارون عن عبد الله بن براد الأشعري قال: اسم أبي بردة عامر وأمه أم عبد الله بنت دمي هاجرت مع أبي موسى وقال غيره كما تقدم ابنة أبي دومة وسماها عمرو بن شبة في تاريخ البصرة صفية بنت دحون وقال أيضاً: إنها أم أبي بردة وإن ذلك وقع منها وأبو موسى أمير على البصرة من قبل عمر بن الخطاب رضي الله عنه. قوله: (الصالقة) هو بالصاد ويقال بالسين المهملة. قوله: (الصالقة الخ) وقيل: الصالقة هي التي تضرب وجهها. قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) أخرجه أول كتاب الإيمان وفي الأطراف للمزي أنه عند النسائي. قوله: (عن يحيى بن يعمر) هو بفتح الميم ويقال بضمها غير منصرف للعلمية ووزن الفعل وكنية يحيى بن يعمر أبو سليمان ويقال: أبو سعيد ويقال: أبو عدي البصري ثم المروزي قاضيها من بني

عبد الرحمن، إنه قد ظهر قِبَلنا ناس يقرؤون القرآن، ويزعمون أن لا قَدَر، وأنَّ الأمر أُنُفٌ، فقال: إذا لقيتَ أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء ـــــــــــــــــــــــــــــ عوف بن بكر بن أسد نفاه الحجاج إلى خراسان فقتله قتيبة بن مسلم فولاه خراسان. قوله: (ويزعمون أن لا قدر الخ) اعلم أن مذهب أهل الحق إثبات القدر ومعناه أنه سبحانه وتعالى قدر الأشياء في الأزل وعلم سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده سبحانه على صفات مخصوصة فهي تقع على حسب ما قدرها سبحانه وأنكرت القدرية هذا وابتدعت وزعمت أنه سبحانه لم يقدرها ولم يتقدم علمه سبحانه بها وأنها مستأنفة العلم أي أنه إنما يعلمها سبحانه بعد وقوعها وكذبوا على الله سبحانه وتعالى وجل عن أقوالهم الباطلة علواً كبيراً وسميت هذه الفرقة قدرية لإنكارهم القدرة قال أصحاب المقالات من المتكلمين وقد انقرضت القدرية القائلون بهذا القول الشنيع ولم يبق أحد من أهل القبلة عليه وصارت القدرية في الأزمان المتأخرة تعتقد إثبات القدر ولكن يقولون الخير من الله والشر من غيره تعالى عن قولهم بل كل من عند الله وفي الحديث عن ابن عمر مرفوعاً القدرية مجوس هذه الأمة رواه أبو حازم وأبو داود في سننه والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع أبي حازم من ابن عمر شبههم بهم لتقسيمهم الخير والشر في حكم الإرادة كما قسمت المجوس فصرفت الخير إلى يزدان والشر إلى أهرمن وقال الخطابي: إنما جعلهم مجوساً لمضاهاة مذهبهم مذهب المجوس في قولهم بالأصلين النور والظلمة يزعمون أن الخير من فعل النور والشر من فعل الظلمة فصاروا ثنوية وكذلك القدرية يضيفون الخير إلى الله سبحانه والشر إلى غيره والله سبحانه وتعالى خالق الجميع لا يكون شيء منهما إلا بمشيئته فهما مضافان إليه تعالى خلقاً وإيجاداً وإلى الفاعلين من العباد فعلاً واكتساباً والله أعلم اهـ، كذا تلخص من كلام المصنف في شرح مسلم. قوله: (فإذا لقيت أولئك الخ) زاد في الحديث والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر قال المصنف هذا القول من ابن عمر ظاهر في تكفير القدرية قال القاضي عياض في القدرية الأول الذين نفوا علم الله تعالى بالكائنات والقائل بهذا كافر بلا خلاف

باب ما يقوله إذا شرع في إزالة منكر

مني. قلتُ: أنف بضم الهمزة والنون: أي مستأنف لم يتقدَّم به علم ولا قدر، وَكَذَب أهلُ الضلالة، بل سبق علم الله تعالى بجميع المخلوقات. باب ما يقوله إذا شرع في إزالة منكر روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة يوم الفتح، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون نُصُباً، فجعل يَطْعُنُها ـــــــــــــــــــــــــــــ وهؤلاء الذين ينكرون القدر الفلاسفة في الحقيقة وقال غيره يجوز أنه لم يرد بهذا الكلام التكفير المخرج عن الملة فيكون من قبيل كفران النعمة إلا أن قوله ما قبله الله منه ظاهر في التكفير فإن إحباط العمل إنما يكون بالكفر إلا أنه يجوز أن يقال في المسلم لا يقبل الله عمله بمعصية وإن كان صحيحاً كما إن الصلاة في الدار المغصوبة صحيحة غير موجبة للقضاء عند جماهير العلماء بل بإجماع السلف وهي غير مقبولة ولا ثواب فيها على المختار عند أصحابنا اهـ. قوله: (أي مستأنف لم يتقدم به علم) أي وإنما يعلمه بعد وقوعه وتقدم أن هذا قول غلاة القدرية وقد انقرضوا ولله الحمد والمنة. باب ما يقول إذا شرع في إزالة منكر قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) قال المزي أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه منها التفسير وأخرجه مسلم في المغازي قال ورواه الترمذي في التفسير وقال حسن صحيح ورواه النسائي في التفسير أيضاً اهـ، ملخصاً. قوله: (نصباً) قال ابن النحوي بضم النون والصاد ويجوز إسكان الصاد ويجوز فتح النون مع ذلك وكلها واحد الأنصاب نبه عليه ابن التين والنصب الحجر والصنم المنصوب للعبادة ومنه وما ذبح على النصب. قوله: (يطعنها) بضم العين على المشهور ويجوز فتحها في لغة وهذا الفعل إذلالاً للأصنام ولعابديها وإظهار كونها لا تضر ولا تنفع عن أنفسها كما قال تعالى: {وإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا

باب ما يقول من كان في لسانه فحش

بعود كان في يده ويقول: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81] {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ: 49]. باب ما يقول من كان في لسانه فحش روينا في كتابي ابن ماجه وابن السني عن حذيفة رضي الله عنه قال: "شكوت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذَرَبَ لساني، فقال: أيْنَ أنْتَ مِنَ الاستغْفَارِ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ}. قوله: (بعود كان في يده) في مسلم فجعل يطعنه بسية قوسه وهو بكسر المهملة وتخفيف التحتية المنعطف من طرفي القوس وسيأتي في كلام النهر أنه كان بالمخصرة فلعله كان تارة بهذا وتارة بهذا. قوله: (ويقول جاء الحق) قال المصنف في شرح مسلم في هذا استحباب قراءة هاتين الآيتين عند إزالة المنكر وفي النهر لأبي حيان جاء الحق أي القرآن وزهق الباطل أي الشيطان وهذه الآية نزلت بمكة لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يستشهد بها يوم فتح مكة وقت طعنه الأصنام وسقوطها لطعنه إياها بالمخصرة حسبما ذكر في السير وزهوقاً صفة مبالغة في اضمحلاله وعدم ثبوته في وقت ما. قوله: (جاء الحق) قال في النهر أخبر سبحانه أن الحق قد جاء وهو القرآن والوحي وبطل ما سواه من الأديان ولم يبق لغير الإسلام ثبات لا في بدء ولا في عاقبة فلا يخاف على الإسلام ما يبطله. باب ما يقول من كان في لسانه فحش أي بالشتم وسيأتي في أواخر باب تكره ألفاظ فصل في بيان الفحش والبذاء وآخر في طلب الاستغفار لمن كثر لغوه وأراد تكفير ذلك فيستغفره. قوله: (روينا في كتابي ابن ماجه وابن السني الخ) وكذا رواه النسائي بل قال في السلاح: إن اللفظ له ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم وفي رواية النسائي إني لأستغفر الله في اليوم وأتوب إليه مائة مرة اهـ، وزاد في الحصن فيمن خرجه ابن أبي شيبة في المصنف. قوله: (ذرب لساني) قال ابن الجزري بفتح المعجمة والراء أي حدته فلا يبالي ما يقول اهـ، وفي القاموس ذرب اللسان محركة فساد اللسان وإيذاؤه والفحش. قوله: (أين أنت من الاستغفار) أي

إني لأسْتَغْفِرُ اللهَ عَز وجل كل يَوْمٍ مائَةَ مرَّةٍ". قلت: الذرَب بفتح الذال المعجمة والراء، قال أبو زيد وغيره من أهل اللغة: هو فحش اللسان. ـــــــــــــــــــــــــــــ كيف يغيب عن فهمك الاستغفار وكان ينبغي أن تستحضره وتعلم أن من لزمه أذهب الله عنه فحش لسانه ولا منافاة بين ملازمة الاستغفار لذي البذاءة والاستحلال ممن آذاه بلسانه فإنه مع الاستحلال لا يستغني عن الاستغفار لحق الله سبحانه فيجمع بين الأمرين: الاستحلال والاستغفار ليؤدي الحقين. قوله: (إني) أي مع جلالة قدري وعصمة أمري. قوله: (لأستغفر الله في اليوم سبعمائة مرة) أي لأمتي أو لتقصيري في عبادتي أو لغفلتي عن حقيقتي أو لقناعتي بمرتبتي في الحال وعدم الاستزادة في العلم وقرب المتعال فإنه لا نهاية لغايتها عند أرباب الكمال أو لتنزلي عن مرتبة العين إلى مرتبة الغين وما يحصل في البين فبين أنواع استغفار الأبرار والاستغفار الصادر من الفجاريون عند ذوي البصيرة والأبصار، والمراد بالمائة الكثرة لأن حال السالك في ميدان المحاربة بين الحضور والغيبة متردد بين الفرة والكرة إنما الاختلاف في الغلبة كذا في الحرز وفي الفتح للحافظ أجوبة أخر منها قول ابن الجوزي هفوات الطباع البشرية لا يسلم منها أحد ومنها قول ابن بطال الأنبياء أشد النّاس اجتهاداً في العبادة لما أعطاهم الله من المعرفة فهم دائبون في شكره معترفون له بالتقصير اهـ، ومحصل جوابه أن الاستغفار من التقصير من أداء الحق الذي يجب الله تعالى ويحتمل أن يكون الاستغفار لاشتغاله بالأمور المباحة من أكل أو شرب أو نحو ذلك بالنسبة إلى المقام العلي وهو الحضور في حظيرة القدس ومنها أن استغفاره تشريع لأمته وقال الغزالي: كان -صلى الله عليه وسلم- دائم الترقي فإذا ارتقى إلى حال رأى ما قبلها ذنباً فاستغفر من الحال السابقة وقال السهرودي لما كان روح النبي ولا ريب أن حركة الروح والقلب أسرع من نهضة النفس فكانت خطى النفس تقصر عن مداهما في العروج فاقتضت الحكمة إبطاء حركة القلب لئلا تنقطع علاقة النفس عنه فيبقى العباد محرومين وكان -صلى الله عليه وسلم- يفزع إلى

باب ما يقوله إذا عثرت دابته

باب ما يقوله إذا عثرت دابته روينا في سنن أبي داود عن أبي المليح التابعي المشهور عن رجل قال: "كنت رديف النبي -صلى الله عليه وسلم- فعثرت دابته، فقلت: تَعَس الشيطان، فقال: "لا تَقُلْ: تَعَسَ الشَّيطَانُ، فإنَّكَ إذَا قُلْتَ ذلكَ تَعَاظَم حَتى يَكُونَ مِثْلَ البَيتِ وَيَقُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستغفار لقصور النفس عن تناول القلب والله أعلم اهـ، ثم وجه المناسبة بين هذه الجملة وما قبلها الحث والخص لأنه إذا كان المصطفى -صلى الله عليه وسلم- مع تنزهه عن كل وصف دني وتحليه بكل نعت سني يكثر من الاستغفار لعظم ثمرته وشرف نتيجته فمن ابتلى بالنقص أولى بملازمته كالصابون لدرنه والله تعالى أعلم. باب ما يقول إذا عثرت دابته بفتح المثلثة أي زلت دابته وفي القاموس عثر كضرب ونصر وعلم وكرم عثراً فهو مثلث العين في الماضي والمضارع. قوله: (عن أبي المليح) بفتح الميم وكسر اللام آخره مهملة واسمه عامر بن أسامة بن عمير ويقال: زيد بن أسامة بن عامر بن عمير وقيل غير ذلك. قوله: (التابعي) هو من اجتمع بالصحابي واختلف في أنه هل يعتبر طول المدة هنا بخلاف الصحابي لأن نور النبوة يؤثر في الزمن اليسير ما لا يؤثر غيره في زمن طويل أولاً وعلى الأول فقيل يعتبر سنة. قوله: (عن رجل) وكذا رواه أحمد لكن عن أبي تميمة عمن كان رديفاً للنبي -صلى الله عليه وسلم-. قوله: (كنت رديف النبي -صلى الله عليه وسلم-) الرديف بوزن الشريف ويقال: الردف بكسر الراء وسكون الدال هذه اللغة الفصيحة وحكى القاضي عياض عن أبي علي الطبراني بفتح الراء وكسر الدال وهو الراكب خلف الراكب يقال منه ردفة يردفه بكسر الدال في الماضي وفتحها في المضارع إذا ركب خلفه وأردفته أنا وأصله من ركوبه على الردف وهو العجز قال القاضي: ولا وجه لما روى عن الطبراني إلا أن يكون فعل هذا اسم فاعل مثل عجل وزمن اهـ. قوله: (تعس) بفتح المثناة وكسر العين وبالسين المهملتين يقال: تعس يتعس إذا عثر وانكب لوجهه وقد تفتح العين وهو دعاء عليه بالهلاك كذا في النهاية وسيأتي في الأصل كلام الجوهري فيه. قوله: (تعاظم) أي لأنه يرى

بِقُوَّتِي، وَلَكِنْ قُلْ: بِسْمِ الله، فإنَّكَ إذَا قُلْتَ ذَلِكَ تَصَاغَرَ حتَّى يَكونَ مِثْلَ الذُّبَابِ". قلت: هكذا رواه أبو داود عن أبي المليح عن رجل هو رديف النبي -صلى الله عليه وسلم-. ورويناه في كتاب ابن السني عن أبي المليح عن أبيه، وأبوه صحابي اسمه أسامة على الصحيح المشهور، وقيل فيه أقوال أُخر، وكلا الروايتين صحيحة متصلة، فإن الرجل المجهول في رواية أبي داود صحابي، والصحابة رضي الله عنهم كلهم عدول لا تضرُّ الجهالة بأعيانهم. وأما قوله: تَعَس، فقيل: معناه: هلك، وقيل: سقط، وقيل: عثر، وقيل: لزمه الشرّ، وهو بكسر العين وفتحها، والفتح أشهر، ولم يذكر الجوهري في "صحاحه" غيره. ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه نسب إليه حصول العثور ودعا عليه بالهلاك لسببه ولا فاعل إلا الله سبحانه ولذا قال في الحديث يقول: بقوتي عثرت الدابة أي إن قائل هذا اللفظ ربما توهم إن عثورها بقوة الشيطان فدعا عليه لذلك فنهى عنه. قوله: (بسم الله) أي أعوذ باسمه ومن عاذ بمولاه كفى شر أعدائه والشيطان للإنسان عدو مبين. قوله: (تصاغر) إذ لا بقاء للباطل عند وجود الحق بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق. قوله: (هكذا رواه أبو داود) أي عن أبي المليح عن رجل مبهم من الصحابة ورواه أحمد عن أبي تميمة عمن كان رديف النبي -صلى الله عليه وسلم- ويحتمل أن هذا المبهم هو أبو أبي المليح وأنه أبهمه تارة لغرض وصرح باسمه تارة أخرى ويحتمل أنه غيره وهو ظاهر كلام الشيخ هنا ولا يضر إبهامه وعدم تعيينه لأن الصحابة كلهم عدول. قوله: (ورويناه في كتاب ابن السني) وكذا رواه النسائي بهذا اللفظ عن أبي المليح عن أبي الحاكم وكان العزو إليه أولى منه إلى ابن السني وأخرجه الحاكم في المستدرك. قوله: (وأبوه صحابي اسمه أسامة) قيل: أسامة بن عمير وقيل ابن عامر بن عمير وقيل غير ذلك وسبقت ترجمته وترجمة أبيه في باب ما يقول بعد ركعتي سنة الصبح والله سبحانه أعلم.

باب بيان أنه يستحب لكبير البلد إذا مات الوالي أن يخطب الناس ويعظهم ويأمرهم بالصبر والثبات على ما كانوا عليه

باب بيان أنه يستحبُّ لكبير البلد إذا مات الوالي أن يخطب النَّاس ويعظهم ويأمرهم بالصبر والثبات على ما كانوا عليه روينا في الحديث الصحيح في خطبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه يوم وفاة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وقوله رضي الله عنه: "من كان يعبد محمداً، فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت". وروينا في "الصحيحين" عن جرير بن عبد الله أنه يوم مات المغيرة بن شعبة وكان أميراً على البصرة والكوفة: قام ـــــــــــــــــــــــــــــ باب بيان أنه يستحب لكبير البلد إذا مات الوالي أن يخطب النَّاس ويعظهم ويأمرهم بالصبر والثبات على ما كانوا عليه قوله: (روينا في الحديث الصحجح) رواه البخاري من حديث ابن عباس. قوله: (ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت) فيه تذكيرهم ووعظهم وأمرهم بالثبات على عبادة الحي الذي لا يموت سبحانه وتتمة الخبر قال الله عز وجل: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} إلى قوله: {اَلشَّاَكِرينَ} قال: والله لكأن النّاس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر فتلقاها النّاس كلهم فما أسمع بشراً من النّاس إلا يتلوها. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) رواه البخاري في كتاب الإيمان بل هو آخر حديث في الإيمان منه ورواه مسلم. قوله: (يوم موت المغيرة بن شعبة) كان ذلك في سنة خمسين من الهجرة كما في الفتح وإنما خطبهم جرير آمراً بما في الخطبة لأن الغالب أن وفاة الأمراء تؤدي إلى اضطراب وفتنة لا سيما ما كان عليه أهل الكوفة: إذ ذاك من مخالفة ولاة الأمور. قوله: (وكان أميراً على البصرة والكوفة) المعروف أنه كان أميراً على الكوفة: فقط وذلك أيام معاوية ومات بها سنة خمسين وفي أوائل العسكري أول من جمع له العراقان زياد كان على البصرة وأعمالها إلى سنة خمسين فلما مات المغيرة بن شعبة بالكوفة وهو أميرها كتب معاوية إلى زياد بعهده إلى الكوفة: مع البصرة وكان

باب دعاء الإنسان لمن صنع معروفا إليه أو إلى الناس كلهم أو بعضهم، والثناء عليه وتحريضه على ذلك

جرير فحمِد الله تعالى وأثنى عليه وقال: عليكم باتِّقاء الله وحدَه لا شريك له، والوقار والسكينة حتى يأتيَكم أميرٌ فإنما يأتيكم الآن. باب دعاء الإنسان لمن صنع معروفاً إليه أو إلى النَّاس كلهم أو بعضهم، والثناء عليه وتحريضه على ذلك ـــــــــــــــــــــــــــــ أول من جمعتا له فشخص إلى الكوفة: واستخلف على البصرة سمرة بن جندب رضي الله عنه اهـ. قوله: (فحمد الله وأثنى عليه) قيل: العطف منه على أصله من عطف المغاير فالحمد ثناء عليه سبحانه بالتحلي بأوصاف الكمال والثناء عليه أي بالتخلي والتنزه عن النقائض وقيل: هو من عطف العام على الخاص وقيل: هو من عطف الشيء على نفسه لتغاير اللفظين كما في قوله: أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة كذا يستفاد من تحفة القاريء. قوله: (عليكم باتقاء الله) أي الزموا تقوى الله تعالى ومنها طاعة ولاة الأمور فيما ليس فيه معصية الخالق فاثبتوا على الطاعة وإن مات الأمير فسيأتي أمير ثان الآن. وقوله: (حتى يأتيكم أمير) أي بدل الأمير المتوفى وحتى غاية للأمر بالاتقاء الله وحده وتالييه من الوقار وهو الحلم والرزانة والسكينة أي السكوت المشار بهما إلى مصالح الدنيا ومفهوم الغاية من أن المأمور به ينتهي بمجيء الأمير ليس مراداً بل يلزم عند مجيئه بالأولى إذ شرط اعتبار المفهوم ألا يعارضه مفهوم الموافقة. قوله: (فإنما يأتيكم الآن) أراد بالآن كما قال الحافظ تقريب المدة تسهيلاً عليهم فإن معاوية لما بلغه موت المغيرة كتب إلى نائبه على البصرة وهو زياد أن يسير إلى الكوفة: أميراً عليها ويحتمل أن يراد بالآن حقيقته فيكون ذلك الأمير جريراً نفسه لما روى أن المغيرة استخلف جريراً على الكوفة: عند موته كذا في تحفة القاريء لشيخ الإسلام زكريا. باب دعاء الإنسان لمن صنع معروفاً إليه أو إلى النَّاس كلهم أو بعضهم والثناء عليه وتحريضه -أي صانع المعروف- على الدوام عليه بالثناء عليه والدعاء له وتحريض الإنسان لمن صنع معروفاً والثناء عليه

روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "أتى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الخلاء، فوضعتُ له وضوءاً، فلما خرج قال: مَنْ وَضعَ هَذا؟ فأُخْبِرَ. قال: اللهُم فَقِّهْهُ" زاد البخاري "فَقِّهْهُ في الدِّينِ". وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي قتادة رضي الله عنه في حديثه الطويل العظيم المشتمل على معجزات متعدّدات لرسول الله ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (روينا في صحيحي البخارى ومسلم) قال في جامع الأصول بعد ذكر اختلاف الصحيحين في قوله: "في الدين" ما لفظه قال الحميدي وحكى أبو مسعود قال: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل قال: ولم أجده في الكتابين اهـ، وفي السلاح أن الحديث رواه النسائي. قوله: (الخلاء) هو بالمد موضع قضاء الحاجة. قوله: (وضوءاً) بفتح الواو على الأفصح أي ما يتوضأ به. قوله: (قال) أي بعد خروجه. قوله: (فأخبر) بالبناء للمفعول والمخبر به ميمونة لأنه كان في بيتها كذا في تحفة القارئ للشيخ زكريا لكن في صحيح مسلم فقالوا وفي رواية قلت: ابن عباس اهـ، ويمكن إنه وقع التبيين من كل منه ومن ميمونة ونسب البيان إلى باقي الجماعة في قوله: قالوا لأنهم مقرون بذلك قائلون به والله أعلم. قوله: (فقال اللهم فقهه) دعاء له سروراً بانتباهه مع صغر سنه إلى وضع الماء عند الخلاء وهو من أمور الدين ففيه الدعاء لمن أحسن في خدمته وإن الأدب فيما ذكر أن يليه الأصاغر وفيه دلالة على إجابة دعائه -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس لأنه صار فقيهاً أي فقيه. قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) وفي شرح العمدة كان مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر فنعس فدعمته غير مرة فقال: حفظك الله كما حفظت نبيه خرجه أبو داود وفي السلاح بعد أن أفرد الحديث بلفظ مختصر رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه اهـ. قوله: (المشتمل على معجزات الخ) منها إخبار بوصول الماء في غد فكان كذلك ومنها قوله لأبي قتادة في الحديث أحفظ علينا ميضأتك فسيكون لها نبأ فلما وصل إلى القوم صب أبو قتادة من تلك الميضأة على يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وروى القوم من آخرهم ففيها الأخبار عن مغيب أي

-صلى الله عليه وسلم- قال: "فبينا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يسير حتى ابهارَّ الليل وأنا إلى جنبه، فَنَعَس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فمال عن راحلته، فأتيتُه فَدَعَمْتُهُ من غير أن أُوقِظَه حتى اعتدل على راحلته، ثم سار حتى تهوَّر الليلُ مال عن راحلته، فدعَمته من غير أن أُوقظه حتى اعتدل على راحلته، ثم سار حتى إذا كان من آخر السَّحَر مال ميلة هي أشدُّ من الميلتين الأوليين حتى كاد ينجفلُ، فأتيته فدعَمْتُه، فرفع رأسه فقال: مَنْ هَذَا؟ قلت: أبو قتادة، قال: مَتَى كانَ هَذَا مَسيرَكَ مِنِّي؟ قلت: ما زال هذا مسيري منذ الليلة، قال: حَفِظَكَ الله بِما حَفِظْتَ بِهِ نَبيَّهُ .. " ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون تلك الميضأة لها بناء وتكثير الماء ببركته -صلى الله عليه وسلم- حتى كفى ذلك الجمع عن آخرهم وارتووا. قوله: (فبينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) وفي نسخة من مسلم فبينما وأصلها بين أشبعت الفتحة فتولدت الألف في بينا وزيدت ما لكافة في بينما والجملة بعدها في محل جر بإضافة بينا أو بينما إليها كذا قال ابن هشام ونوقش فيه بما حاصله إن الجملة لا محل لها من الإعراب لأن ما كافة عن الإضافة فالجملة مستأنفة. قوله: (وأنا إلى جنبه) جملة حالية. قوله: (فنعس) بفتح النون والعين وبالسين المهملتين هو مقدمة النوم وهي ريح لطيفة تأتي من قبل الدماغ تغطي على العين ولا تصل إلى القلب فإذا وصلت القلب كان نوماً ولا ينتقض الوضوء من النعاس مطلقاً وقدمت في أوائل الفصول أول الكتاب الفرق بين النوم والنعاس بزيادة إيضاح. قوله: (فدعمته) أي أقمت ميله من النوم وصرت تحته كالدعامة للبناء فوقها. قوله: (حتى اعتدل) أي استوى وعاد إلى حاله الذي كان قبل الميل بسبب النوم. قوله: (تهور الليل) قال الشيخ: أي ذهب معظمه وقال في شرح مسلم مأخوذون تهور الباء وهو انهدامه يقال: تهور الليل وتوهر. قوله: (قال: من هذا؟ قلت: أبو قتادة) فيه إنه إذا قيل للمستأذن ونحوه من هذا يقول: فلان باسمه وإنه لا بأس أن يقول أبو فلان إذا كان مشهوراً بكنيته. قوله: (حفظك الله بما حفظت به نبيه) الباء سببية وما فيه مصدرية قال

وذكر الحديث. قلت: ابهارّ، بوصل الهمزة وإسكان الباء الموحدة وتشديد الراء، ومعناه: انتصف، وقوله: تهوَّر: أي ذهب معظمه، وانجفل، بالجيم: سقط، ودعَمته: أسندته. وروينا في كتاب الترمذي عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ صُنِعَ إليهِ مَعْروفٌ فقالَ لِفاعِلِهِ: جَزَاكَ الله خَيراً، فَقَدْ أبْلَغَ في الثناءِ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وروينا في سنن النسائي وابن ماجه وكتاب ابن السني عن عبد الله بن أبي ربيعة الصحابي رضي الله عنه قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ المصنف: أي بسبب حفظك نبيه، وفيه أنه يستحب لمن صنع إليه معروفة أن يدعو لفاعله. قوله: (وذكر الحديث) وفيه ذكر قضاء الفائتة وذكره مسلم في ذلك الباب. قوله: (دعمته أسندته) أي أقمت ميله الحاصل بسبب النوم حتى يعود لما كان عليه قبل الميل. قوله: (وروينا في كتاب الترمذي) وكذا رواه النسائي وابن حبان كما في الجامع الصغير وبجانبه علامة الصحة وللحديث شواهد من حديث عائشة وأبي هريرة وغيرهما وقد ذكرت ذلك وبينت من خرجه في باب دعاء والضيف لأهل الطعام إذا فرغ من أكله. قوله: (جزاك الله خيراً) أي تولى الكريم جزاك بالخير والكريم إذا تولى الجزاء دل ذلك على سعة العطاء فمن دعا بذلك لأخيه فقد أبلغ في الثناء لأن القصد من الثناء عود أمر ملائم لصاحب الجميل من ذكره بالخير وهذا اللفظ لكون السؤال فيه بأمر ملائم له على الدوام أبلغ في المراد والمرام وقيل: بالغ في الثناء حيث أظهر عجزه عن جزائه وأحاله على ربه. قوله: (وروينا في سنن النسائي) رواه النسائي في البيوع وفي عمل اليوم والليلة قاله الدميري في الديباجة. قوله: (عن عبد الله بن أبي ربيعة الصحابي رضي الله عنه) قال الدميري في الديباجة: اسم أبي ربيعة عمرو، قلت في أسد الغابة، وقيل: حذيفة وقيل: اسمه كنيته والأكثر يقول: اسمه عمرو وهو ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي وكنية عبد الله أبو عبد الرحمن وهو أخو عياش بن أبي ربيعة ليس له في الكتب الستة سوى هذا الحديث وكان يقال له في الجاهلية العدل لأنه كان يكسو الكعبة

"استقرض النبي -صلى الله عليه وسلم- مِنِّي أربعين ألفاً، فجاءه مال فدفعه إليَّ وقال: بارَكَ اللهُ لَكَ في أهْلِكَ ومَالِكَ، إنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الحَمْدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ سنة وجميع أهل مكة يكسونها سنة أخرى وكان يعادلهم في ذلك فسموه عدلاً وأما قولهم: وضع على يدي عدل فقال ابن السكيت: هو العدل بن جزء بن سعد العشيرة وكان على شرطة تبع فكان تبع إذا أراد قتل رجل دفعه إليه فقال النّاس: وضع على يدي عدل ثم قيل ذلك لكل شيء أيس منه اهـ، وفي أسد الغابة عبد الله بن أبي ربيعة هو والد عمرو بن عبد الله بن أبي ربيعة الشاعر المشهور كان اسم عبد الله في الجاهلية بجيراً فسماه -صلى الله عليه وسلم- عبد الله وله يقول ابن الزبعرى: بجير بن ذي الرمحين قرب مجلسي ... وراح علينا فضله غير عاتم وكان أبو ربيعة يقال له: ذو الرمحين وكان عبد الله من أشراف قريش في الجاهلية وأسلم يوم الفتح وكان من أحسن النّاس وجهاً وهو الذي أرسلته قريش مع عمرو بن العاص إلى النجاشي في طلب الصحابة الذين كانوا بالحبشة وقيل: غيره وقيل: إنه الذي استجار بأم هانيء يوم الفتح وكان مع الحارث بن هشام فأراد على قتلهما فمنعته منهما وأتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته بذلك فقال: أجرنا من أجرت يا أم هانيء ولاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجند من اليمن ومخاليفها فلم يزل والياً عليهما حتى قتل عمر رضي الله عنه وكان عمر قد أضاف إليه صنعاء ثم ولى عثمان الخلافة فولاه أيضاً فلما حصر عثمان جاء لينصره فسقط على راحلته بقرب مكة فمات يعد في أهل المدينة ومخرج حديثه عنهم ثم أخرج له حديث الباب وقال: رواه الثلاثة يعني ابن عبد البر وابن مسنده وأبا نعيم اهـ. قوله: (استقرض مني النبي -صلى الله عليه وسلم- أربعين ألفاً) هذا اللفظ لفظ الحديث عند ابن السني والذي في ابن ماجه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استسلف منه حين غزا حنينا ثلاثين أو أربعين ألفاً بالشك والله أعلم. قال الدميري في الديباجة وجملة ما استسلفه عام الفتح مائة وثلاثون ألفاً استسلف من صفوان بن أمية خمسين ألف درهم ومن

والأدَاءُ". وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: "كان في الجاهلية بيت لخثعم يقال له: الكعبة اليمانية، ويقال له: ذو الخَلَصة، فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هَلْ أنْت ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله ابن أبي ربيعة أربعين ألفاً ومن حويطب بن عبد العزاى أربعين ألفاً قسم النبي -صلى الله عليه وسلم- جميع ذلك بين أصحابه من أهل الضعف فكان يصيب الرجل الخمسين الدرهم أو أقل من ذلك ثم قضاها -صلى الله عليه وسلم- داعياً لهم وقال جزاء القرض الحمد والثناء أي لأنه صنيع جميل ومعروف وقد ورد من صنع معكم معروفاً فكافئوه فإن لم تستطيعوا أن تكافئوه فكافئوه بالدعاء. قوله، (والأداء) أي أداء ماله الذي أقرضه ومعه الحمد جبراً لما صنعه من الجميل بقرضه وعند ابن ماجه الثناء في محل الأداء والمراد كما هو ظاهر إنهما له في مقابلة صنعه الجميل مع وفائه بماله من الحق وأدائه إليه. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) وكذا رواه أبو داود مختصراً كما في جامع الأصول. قوله: (لخثعم) بفتح المعجمة وسكون المثلثة وفتح المهملة قبيلة ينسبون إلى خثعم بن أنمار بن إراش بكسر الهمزة وبالمعجمة وإخوته لأبيه الغوث وعبقر وجهينة وخزيمة وأسهل وسهل وطريف وخزاعة والحارث بنو أنمار وأمهم بجيلة بنت صعب أخت باهل كذا في شرح البخاري لابن النحوي وبه يعلم وجه ما جاء في بعض رواياته بيت لخثعم وبجيلة يسمونه اليمانية بتخفيف الياء نسبة إلى اليمن وسموها كعبة مضاهاة للبيت الحرام وفي مسلم كان يقال لها: الكعبة اليمانية والكعبة الشامية قال ابن النحوي أي من أجله ومجيء له بمعنى من أجله لا ينكر. قوله: (ذو الخلصة) نائب فاعل وضمير له يعود إلى بيت خثعم أي يسمى البيت بالكعبة اليمانية وبذي الخلصة يقال: والخلصة بفتح أوليه وقيل بفتح الخاء وسكون اللام وقيل بفتحها وضم اللام وقيل بضمها والخلصة في اللغة نبت طيب الريح يتعلق بالشجر له حب كحب الثعلب وجمع الخلصة خلص ذكره أبو حنيفة وزعم المبرد أن

مُرِيحي مِنْ ذِي الخَلَصَةِ؟ " فنفرتُ إليه في مائة وخمسين فارساً من أحْمَسَ فَكَسَّرْناه، وقلنا من وجدنا عنده، فأتيناه فأخبرناه، فدعا لنا ولأحمس". وفي رواية: "فبرَّك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على خيلِ أَحْمَسَ ورجالها خمس مرات". وروينا في "صحيح البخاري" عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتى زمزم وهم يسقون ـــــــــــــــــــــــــــــ موضع ذي الخلصة الآن مسجد جامع لأهله يقال له: العبلات من أرض خثعم وكان بعث جرير إليه قبل موته - صلى الله عليه وسلم - بشهرين أو نحوهما ذكره السهيلي. قوله: (مريحي) بضم الميم وكسر الراء وسكون التحتية بعدها مهملة اسم فاعل من أراح هكذا رواه البخاري في مناقب جرير وفي المغازي: ألا تريحني وفي الجهاد: هل تريحني بلفظ المضارع فيهما وسبب هذا المقال منه -صلى الله عليه وسلم- كراهة أن يعبد غير الله تعالى. قوله: (فنفرت في مائة وخمسين الخ) وقع عند ابن سعد في طبقاته كان ذو الخلصة بيتاً لخثعم قال جرير: فنفرت في تسعين ومائة فارس من أحمس قال ابن النحوي: وهو خلاف رواية البخاري السالفة في المغازي أنه نفر في مائة وخمسين قلت: ويمكن الجمع بأن المائة والخمسين هي خيار القوم كما قال في الحديث من أحسن عسكرنا وقيل العدد كالاتباع لأولئك المكثرين لسوادهم والله أعلم. قوله: (خيل أحمس) قال ابن النحوي: أحمس هذا بالحاء المهملة هو أحمس بجيلة وهو ابن الغوث بن أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث بن نبيت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ وهو غير أحمس بن ضبيعة بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان وهما من حمس الرجل إذا شجع وإذا هاج وغضب فهو حمس وأحمس كرجل وأرجل والأصل فيه الشدة ومنه حمست الحرب وحمس الشيء إذا اشتد وكان يقال لقريش: الحمس أي المتشددون في دينهم ويقال لهم أيضاً: الأحماس وفي الحديث بركة دعائه -صلى الله عليه وسلم- وكرر الدعاء لهم لحسن أثرهم في إذهاب هذا المنكر. قوله: (ورينا في صحيح البخاري الخ) أخرجه في المناسك. قوله: (وهم) أي العباس وذووه من آل عبد المطلب (يسقون)

باب استحباب مكافأة المهدي بالدعاء للمهدى له إذا دعا له عند الهدية

ويعملون فيها، فقال: "اعْمَلُوا فإنَّكمْ عَلى عَمَلٍ صَالِحٍ". باب استحباب مكافأة المهدي بالدعاء للمهدى له إذا دعا له عند الهدية روينا في كتاب ابن السني عن عائشة رضي الله عنها قالت: "أهديت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- شاة، قال: اقسمِيها، فكانت عائشةُ إذا رجعتِ الخادمُ تقول: ما قالوا؟ تقول الخادم: قالوا: بارك الله فيكم، فتقول عائشةُ: وفيهم بارك الله، نردُّ عليهم مثل ما قالوا، ويبقى أجرنا لنا". ـــــــــــــــــــــــــــــ أي يحصل منهم السقي فهو من تنزيل المتعدي منزلة اللازم أنه من حذف المفعول للعموم أي يسقون كل النّاس لا يميزون شريفاً عن مشروف (ويعملون فيها) أي ينزحون منها الماء ويصبونه في الأحواض ليشربه النّاس. قوله: (على عمل صالح) هو نفع المسلمين العام لا سيما بهذا الشراب الذي به حياة النفوس والله أعلم. باب استحباب مكافأة المهدي بالدعاء للمهدى له إذا دعا له عند الهدية اللام لام التقوية والمهدي مفعول المكافأة وهو مصدر مضاف لفاعله والمراد يستحب أن يكافيء المهدي بصيغة اسم الفاعل بالدعاء المهدي له بصيغة اسم المفعول إذا دعا له عند وصول الهدية ليكون الدعاء في مقابلة الدعاء ويفوز بما سبق له من الفضل والعطاء. قوله: (إذا رجعت الخادم) ظرف لتقول أي تقول عائشة وقت رجوع الخادم. قوله: (ما قالوا) أي المهدي إليهم. قوله: (قالوا: بارك الله فيكم) أي طلباً لمكافأة الإحسان ببذل الدعاء. كقوله: (نرد عليهم) أي نرد عليهم دعاءهم مثل ابتدائهم بالدعاء إلينا ليكون الدعاء منا مقابل الدعاء لنا ويبقى لنا أجر ما لنا أي الأجر الكامل وإلا فالظاهر أن دعاء المتصدق عليه وسكوت المتصدق لا يذهب أجر صدقته والله أعلم.

باب استحباب اعتذار من أهديت إليه هدية فردها لمعنى شرعي بأن يكون قاضيا أو واليا أو كان فيها شبهة أو كان له عذر غير ذلك

باب استحباب اعتذار من أهديت إليه هدية فردَّها لمعنى شرعي بأن يكون قاضياً أو والياً أو كان فيها شبهة أو كان له عذر غير ذلك روينا في "صحيح مسلم" عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن الصعب ـــــــــــــــــــــــــــــ باب استحباب اعتذار من أهديت إليه هدية أي مثلاً كمن تصدق عليه بصدقة أو ذهب هبة (وردها لمعنى شرعي بأن يكون قاضياً أو والياً) أي ولم يكن ذلك المهدي يهدى إليه قبل الولاية أو زاد بعدها وإلا فيجوز القبول فيثيب عليها (أو كان فيها شبهة) بأن كانت من أموال السلاطين أو القضاة الذين لا يتقيدون بالدين (أو كان له عذر غير ذلك) أي كالإحرام في حديث الباب بالنسبة لإهداء الحيوان الوحشي البري المأكول. قوله: (روينا في صحيح مسلم) قال القلقشندي في شرح العمدة بعد أن أورده صاحب المنن بلفظ فقال: إنا لم نرده عليك إلا إنا حرم: أخرجه مالك والشافعي وأحمد وإسحاق والبخاري في الحج والهبة ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والطبراني والإسماعيلي وأبو عوانة والدارقطني والبرقاني وأبو نعيم والبيهقي والبغوي وغيرهم ووقع في الموطأ رواية ابن وهب وفي رواية لمسلم عن ابن عباس أن الصعب بن جثامة فجعله من مسند ابن عباس وهو وهم والصواب أنه من مسند الصعب يرويه ابن عباس عنه اهـ. قوله: (إن الصعب بن جثامة) الصعب بفتح المهملة الأولى وإسكان الثانية آخره موحدة وجثامة ضبطه في الأصل بفتح الجيم تشديد المثلثة وبعدها ميم خفيفة ثم تاء تأنيث وهو الليثي الحجازي المدني الصحابي الجليل أخو محكم ابن جثامة قال في أسد الغابة: اسمه يزيد بن قيس بن ربيعة بن عبد الله بن يعمر الشداخ قلت: قال القلقشندي لأنه شدخ الدماء بين بني أسد وخزاعة أي أهدرها -ابن عوف بن كعب بن عامر بن ليث ابن بكر بن عبد مناة بن كنانة الكناني الليثي أمه زينب أخت أبي سفيان بن حرب حالف جثامة قريشاً وكان الصعب ينزل ودان والأبواء من أرض الحجاز وتوفي في خلافة أبي بكر رضي الله عنه وتعقب ابن منده في قوله إنه شهد فتح فارس بأنه مناقض لكونه مات في أيام أبي بكر كما قاله ابن منده وغيره فإن فتح فارس إنما كان في زمن عمر رضي

بن جثَّامة رضي الله عنه أهدى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- حمار وحش وهو مُحْرِم، فردَّه عليه وقال: "لَوْلا أنَّا مُحْرِمُون لَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ". قلت: جثامة بفتح الجيم وتشديد الثاء المثلثة. ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عنه اهـ، قلت: قال ابن حبان مات في آخر خلافة عمر وقال الحافظ ابن حجر الصحيح أنه عاش إلى خلافة عثمان وعلى هذا صح كونه شهد فتح فارس نعم فيه مخالفة بين كلاميه والله أعلم، قال القلقشندي: هاجر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وعداده في أهل الطائف وآخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين عوف بن مالك روى له عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ستة عشر حديثاً أخرج الشيخان منها هذا الحديث الواحد وقال المزي روى الصعب ثلاثة أحاديث صعبة هذا الحديث وحديث لا حمى إلا لله ورسوله وحديث أهل الدار يبيتون. قوله: (حمار وحش) هذه رواية الأكثر وقال الشافعي: إنها أثبت من رواية من روى لحم حمار وحش وقال الترمذي إنها محفوظة وهي ظاهرة في أنه كان بجملته حال حياته وترجم عليه البخاري باب إذا أهدى للمحرم حماراً وحشياً حياً لم يقبل وترجم عليه البيهقي نحوه ونقل أيضاً عن مالك وقال المصنف: ليس في سياق الحديث تصريح بذلك ونقلوا هذا التأويل عن مالك وهو باطل فإن الطرق التي أوردها مسلم صريحة في أنه مذبوح وأنه أهدى بعضه لأكله وتعقب إطلاقه بطلان التأويل قلت عند مسلم في بعض طرقه عجز حمار وحشي يقطر دماً وفي بعضها عنده من لحم حمار وحشي وجمع القرطبي بينهما باحتمال أن يكون أحضره له مذبوحاً ثم قطع منه عضواً بحضرته فقدمه له فمن قال: إنه أهدى حماراً أراد مذبوحاً بتمامه ومن قال: لحم حمار أراد ما قدمه له، قال: ويحتمل أن يكون من قال حماراً أطلق وأراد البعض مجازاً ويحتمل أنه أهداه له حياً فلما رده له ذكاه وأتاه بعضو منه لظنه أن الرد لمعنى يختص بجملته فأعلمه بامتناعه وإن حكم الجزء من الصيد حكم الكل قال: والجمع مهما أمكن أولى من توهيم بعض الروايات، وقال الشافعي في الأم إن كان الصعب أهدى الحمار للنبي -صلى الله عليه وسلم- فليس للمحرم ذبح حمار وحشي حي وإن كان أهدي له لحماً فقد يحتمل أن يكون علم أنه صيد له فرده عليه لأنه لا يحل له ما صيد له ولا يحتمل إلا هذين الوجهين، وفي

باب ما يقول لمن أزال عنه أذى

باب ما يقول لمن أزال عنه أذى روينا في كتاب ابن السني عن سعيد بن المسيب عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، أنه تناول من لحية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أذىً، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَسَحَ اللهُ عَنْكَ يا أبا أيُّوب ما تَكْرَهُ". وفي رواية عن سعد: أن أبا أيوب أخذ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئاً، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَكُنْ بِكَ السُّوءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث جواز أكل الحمار الوحشي وجواز الهدية وقبولها إن لم يكن مانع والاعتذار عن ردها تطييباً لقلب المهدي وإن الهبة لا تدخل في ملك الموهوب له إلا بالقبول. باب ما يقول لمن أزال عنه أذى بفتح الألف والمعجمة مقصوراً أي ما يؤذيه أو كل ما يتأذى عرفاً منه من وسخ على بدنه أو ثوبه. قوله: (مسح الله يا أبا أيوب ما تكره) وفي نسخ مسح الله عنك وكذا هو في أصل مصحح من كتاب ابن السني وهذا من قبيل ما سبق في حديث من صنع إليكم معروفاً فكافئوه الخ، وفي بهجة المجالس ونزهة الجالس للحافظ ابن عبد البر: وقد روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لأبي أيوب الأنصاري: "وقد نزع منه أذى نزع الله عنك أذى يا أيوب" وفيه أيضاً حديث الحسن البصري أن رجلاً تناول من رأس عمر بن الخطاب رضي الله عنه شيئاً فتركه مرتين ثم تناول الثالثة فأخذ عمر بيده وقال: أرني ما أخذت فإذا هو لم يأخذ شيئاً فقال: انظروا إلى هذا قد صنع هذا ثلاث مرات يريني أنه يأخذ من رأسي شيئاً ولا يأخذه فإذا أخذ أحدكم من رأس أخيه شيئاً فليره إياه وقال الحسن: نهاهم أمير المؤمنين عن الملق قال الحسن: لو أن إنساناً أخذ من رأسي شيئاً قلت: صرف الله عنك السوء وكان محمد بن سيرين إذا أخذ أحد من لحيته أو رأسه قال: لأعدمت نافعاً. قوله: (وفي رواية) أي لابن السني. قوله: (أخذ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئاً) يحتمل أن تكون هي القصة الأولى لاتحاد المخرج ويؤذن به قول المصنف وفي رواية الخ، ولعله دعا بكل من الدعاءين فروى سعيد أحدهما تارة والآخر أخرى ويحتمل وهو

باب ما يقول إذا رأى الباكورة من الثمر

يا أبا أيوب لا يكن بك السوء وروينا فيه عن عبد الله بن بكر الباهلي قال: أخذ عمر رضي الله عنه من لحية رجل أو رأسه شيئاً، فقال الرجل: صرف الله عنك السوء، فقال عمر رضي الله عنه: صُرِفَ عنا السوءُ منذ أسلمنا، ولكن إذا أُخِذَ عنك شيء فقل: أخَذَتْ يداك خيراً. باب ما يقول إذا رأى الباكورة من الثمر ـــــــــــــــــــــــــــــ الأقرب تعددها". قوله: (لا يكن بك السوء) أي لا يوجد بك السوء لتنحيتك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما نحيت ولا دعائية والفعل بعدها مجزوم بها وتكرار الدعاء اهتماماً بشأن أبي أيوب والسوء ما يسوء الإنسان في نفسه أو أهله أو ماله فهو دعاء له بصرف كل سوء بنا على أن أل في السوء للاستغراق أو لصرف حقيقة السوء المنتفي بانتفائها كل ما يطلق عليه أنه سوء بناء على أن أل للجنس والله أعلم. قوله: (صرف الله عنك السوء) أي الكفر والعصيان الذي هو سوء الحال والمآكل وأما سائر ما يراه الإنسان من الامتحان في البدن أو الأهل أو المال فليس من السوء لأنه من نعمة المولى بعبده إذ يترقى به إلى المنازل العلا إن صبر على البلا فإن رضي به كان أسنى مقاماً وأعلى إنما السوء ما يؤول بالعبد إلى غضب الجبار وهو الإشراك بالله والعياذ بالله ومعاصيه وقد صرف ذلك عن المؤمنين بالإيمان فالدعاء به تحصيل الحاصل. قوله: (أخذت يداك خيراً) أي ثواباً لتنحية الأذى عن المؤمنين. باب ما يقول إذا رأى الباكورة من الثمر الباكورة بوزن فاعولة قال في النهاية أول كل شيء باكورته يقال: ابتكر الرجل إذا أكل باكورة الفواكه اهـ، والثمر بالمثناة وإسكان الميم ثمر النخل ويحتمل أن يقرأ بالمثلثة والميم المفتوحتين فيشمل سائر الثمار وهذا أنسب بإدخال المصنف حديث

_ قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذه الصفحة انتقلت في المطبوعة إلى ص 333

روينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النّاس إذا رأوْا أوَّل الثمر جاؤوا به إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإذا أخذه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "اللَّهُمَّ بارِكْ لنا في ثَمرنا، وبارِكْ لنا في مَدِينَتِنا، وبارِك لنا في صاعِنا، وبارِك لنا في مُدِّنا، ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن السني في الباب الشامل لباكورة كل الثمار. قوله: (روينا في صحيح مسلم) وكذا رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن السني في عمل اليوم والليلة. قوله: (كان النّاس إذا رأوا أول التمر جاءوا به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-) قال العلماء كانوا يفعلون ذلك رغبة في دعائه في التمر والمدينة والصاع والمد وإعلاماً له -صلى الله عليه وسلم- بابتداء صلاحها لما يتعلق بها من الزكاة وغيرها وتوجيه الخارص كذا قال المصنف في شرح مسلم وهو يقتضي أنه التمر بالمثناة إذ الذي تجب فيه الزكاة من ثمر المدينة يومئذٍ ويتوجه له الخارص هو التمر لا غير وضبطه بعض شراح الشمائل بالمثلثة والميم المفتوحتين وظاهر أن المراد منه تمر النخل لأنه الذي كان حينئذ بالمدينة والباء في به للتعدية وفي الحديث أنه يستحب الإتيان بالباكورة لأكبر القوم علماً وعملاً. قوله: (اللهم بارك بنا في تمرنا) أي بالنمو والحفظ من الآفات. قوله: (وبارك لنا في مدينتنا) أي بكثرة الأرزاق وبقائها على أصلها وإقامة شعائر الإسلام فيها وإظهاره على غاية لا توجد في غيرها. قوله: (في صاعنا وبارك لنا في مدنا) بضم الميم وتشديد المهملة قال القاضي عياض: يحتمل أن تكون هذه البركة دنيوية بحيث يكفي المكيال فيها من لا يكفيهم إضعافه في غيرها وقد استجاب الله دعاءه -صلى الله عليه وسلم- كما هو محسوس فالبركة بمعنى الزيادة في نفس مكيالها ويحتمل أنها آثاره الدينية بمعنى دوام أحكامه المتعلقة به في نحو الزكاة والكفارة فتكون البركة بمعنى الثبات والبقاء لها كبقاء الحكم ببقاء الشريعة ودوامها ويجوز أن يراد بالبركة في الكيل البركة في التصرف به بنحو تجارة حتى يزداد الربح ويتسع عيش أهلها أو إلى كثرة ما يكال بها من غلات المدينة وثمارها ويجوز أن تكون الزيادة فيما يكال بها لاتساع عيشهم وسعته بعد ضيقه لما فتح الله عليهم ووسع من فضله لهم

ثم يدعو أصغر وليد له فيعطيه ذلك الثمر". وفي رواية لمسلم أيضاً "بَرَكَةَ مع بركة، ثم يعطيه أصغر من يحضره من الولدان". وفي رواية الترمذي "أصغر وليد يراه". وفي رواية لابن السني عن أبي هريرة رضي الله ـــــــــــــــــــــــــــــ وملكهم من بلاد الخصب والريف بالشام والعراق ومصر حتى كثر الحمل إلى المدينة واتسع عيشهم حتى صارت هذه البركة في نفس الكيل فزاد مدهم فصار هاشمياً مثل مد النبي -صلى الله عليه وسلم- مرتين أو مرة ونصفاً اهـ، ولا مانع من إرادة إحاطة البركة بالكل وقدم الثمار قضاء لحق المقام إذ هو مستدع لذلك ثم ذكر الصاع والمد اهتماماً بشأنهما ففي كلامه إجمال بعد تفصيل وتفصيل بعد إجمال وهو من اللطائف، والصاع مكيال معروفة وصاع المصطفى -صلى الله عليه وسلم- الذي بالمدينة المشار إليه هنا أربعة أمداد وذلك خمسة أرطال وثلث بالبغدادي وقول الحنفية ثمانية أرطال منع بأن الزيادة عرف طار على عرف الشرع لما روي أن أبا يوسف اجتمع لما حج مع الرشيد بمالك بالمدينة فقال أبو يوسف: الصاع ثمانية أرطال فقال مالك: خمسة وثلث فأحضر مالك جماعة شهدوا بقوله فرجع أبو يوسف والمد رطل وثلث. قوله: (يدعو) أي ينادي. قوله: (أصغر وليد) بفتح الواو وكسر اللام أي المولود والمراد أن يدعو أصغر طفل فيعطيه ذلك التمر لشدة فرح الولدان وكثرة رغبتهم وشدة تلفتهم وتطلعهم للباكورة أو لكمال المناسبة بينهم وبين الباكورة في قرب عهدها بالإبداع وإنما لم يأكل منه قمعاً للشره الموجب لتناوله وكسراً للشهوة المقتضية لذوقه وإشارة إلى أن النفوس الزكية والأخلاق المرضية لا تتشوف إلى شيء من أنواع الباكورة إلا بعد عموم الوجود فيقدر كل أحد على تحصيله وفيه أن الآخذ للباكورة يسن أن يدعو بهذا الدعاء وإن وقت رؤية الباكورة مظنة إجابة الدعاء، ثم التقييد يكون الوليد له -صلى الله عليه وسلم- عند مسلم في رواية وليس هو عند غيره وحينئذٍ فيحتمل أن يقضي بما في مسلم على ما في غيره لأن المطلق يحمل على المقيد ويحتمل تأويل رواية مسلم لهذه بأن معنى كونه له أنه منتسب إليه

باب استحباب الاقتصاد في الموعظة والعلم

تعالى عنه، رأيتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-، إذا أتِيَ بباكورة وضعها على عينيه ثم على شفتيه وقال: "اللهُم كما أرَيْتنا أوَّلَهُ فأرِنا آخِرَهُ، ثم يعطيه من يكون عنده من الصبيان". باب استحباب الاقتصاد في الموعظة والعلم اعلم أنه يستحبُّ لمن وعظ جماعة، أو ألقى عليهم علماً، أن يقتصد في ذلك، ولا يطوِّل تطويلاً يُمِلُّهم، لئلا يضجَروا وتذهبَ حلاوتُه وجلالتُه من قلوبهم، ولئلا يكرهوا العلم وسماع الخير فيقعوا في المحذور. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن شقيق بن سلمة قال: "كان ابن مسعود رضي الله عنه يُذكِّرنا في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذَكَرتنا كل يوم، ـــــــــــــــــــــــــــــ بكونه من أمته وهذا على كون الظرف مستقراً صفة لوليد ويحتمل أن يكون الظرف لغواً متعلقاً بقوله يدعو وعليه فقدم المفعول اهتماماً به والمعنى ثم يدعو لذلك التمر وليداً وعليه فيكون كالروايات الخالية منه وهذا أنسب بعلى مقامه الشريف أن لا يدفع ذلك لصغار قرابته والله أعلم. قوله: (وضعها على عينيه ثم على شفتيه) أي لقرب عهدها بتكوين الله تعالى كما كان يخرج يغتسل من ماء المطر ويقول: إنه قريب عهد بربه أي بتكوينه. قوله: (فأرنا آخره) أي فأبقنا حتى نرى آخره. باب استحباب الاقتصاد في الموعظة والعلم الموعظة: النصح والتذكير بالعواقب وعطف العلم عليها من عطف العام على الخاص. قوله: (ولا يطول تطويلاً يملهم) وكذا لا يجحف عليهم بالمجلس بحيث لا يستوفي ما يحتاج إليه لقصر المجلس فخير الأمور أوساطها والملل كراهة الشيء بعد استحلائه. قوله: (وتذهب حلاوته) أي لثقله عليه بسبب طوله. قوله: (فقال له رجل) قال الحافظ في فتح الباري: هذا المبهم يشبه أن يكون هو يزيد بن معاوية النخعي وفي سياق البخاري لهذا الحديث في أواخر الدعوات ما يرشد إليه اهـ. قوله: (لوددت) بكسر

فقال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أمِلُّكم، وإني أتخوَّلكم بالموعظة كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتخوَّلنا بها مخافة السآمة علينا". وروينا في "صحيح مسلم" عن عمَّار بن ياسر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن طُولَ صلاةِ الرَّجُلِ وقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فأطِيلُوا الصَّلاةَ واقْصُرُوا الخُطْبَةَ". ـــــــــــــــــــــــــــــ المهملة الأولى أي أحببت وهو جواب قسم محذوف. قوله: (أما إنه) أما بالتخفيف حرف تنبيه أو بمعنى حقاً وقوله إنه بكسر الهمزة على الأول وبفتحها على الثاني والضمير للشأن والجملة بعده خبر وقوله: أني أكره بفتح الهمزة من: أني، فاعل يمنعني. قوله: (أملكم) بضم الهمزة أي أوقعكم في الملل وهو الضجر. وقوله: (وإني) بكسر الهمزة عطف على إنه على الأول أو استئناف على الثاني. قوله: (ويتخولنا) أي يتعاهدنا هذا هو المشهور في تفسيره قال القاضي عياض وقيل: يصلحنا وقال ابن الأعرابي ومعناه يتخذنا خولاً وقيل: يفاجئنا بها وقيل: يذللنا وقيل: يحبسنا كما يحبس الإنسان خوله وهو بالخاء المعجمة عند الجميع وباللام إلا أبا عمرو بن العلاء فقال: الصواب يتخولنا بالنون ومعناه يتعهدنا وإلا أبا عمرو الشيباني فعنده بالمهملة أي يطلب حالاتهم وأوقات نشاطهم قال الحافظ ابن حجر: والصواب من حيث الرواية الأول وقد صح المعنى فيه. قوله: (مخافة السآمة علينا) أي السآمة الطارئة علينا أو ضمن السآمة معنى المشقة والصلة محذوفة: والتقدير والسآمة من الموعظة كذا في فتح الباري وفي تحفة القاريء، وعلينا متعلق بمخافة أو بالسآمة يتضمنها معنى المشقة أو صفة لها أي كراهة السآمة الطارئة علينا أو حال أي كراهة السآمة حال كونها طارئة علينا اهـ. قوله: (وروينا في صحيح مسلم) وكذا رواه أحمد كما في الجامع الصغير. قوله: (فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة) قال المصنف: الهمزة في واقصروا الخطبة همزة وصل

باب فضل الدلالة على الخير والحث عليها

قلت: مَئِنَّةٌ بميم مفتوحة ثم همزة مكسورة ثم نون مشددة: أي علامة دالة على فقهه. وروينا عن ابن شهاب الزهري رحمه الله قال: إذا طال المجلس كان للشيطان فيه نصيب. باب فضل الدلالة على الخير والحث عليها قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2]. وروينا في "صحيح مسلم" ـــــــــــــــــــــــــــــ فقل عن ابن الصلاح إنه جاز كون الهمزة فيه همزة وصل وهمزة قطع وليس هذا الحديث مخالفاً للأحاديث المشهورة في الأمر بتخفيف الصلاة ولا لما ورد من كون خطبته قصدًا وصلاته قصداً لأن المراد بالحديث الذي نحن فيه أن الصلاة تكون بالنسبة إلى الخطبة لا تطويلاً يشق على المؤمنين وهي حينئذٍ قصد أي معتدلة والخطبة قصد بالنسبة إلى وضعها. قوله: (قلت مئنة الخ) قال المصنف في شرح مسلم قال الأزهري والأكثرون الميم فيها زائدة وهي مفعلة قال الهروى قال الأزهري: غلط أبو عبيد في جعله الميم أصلية وقال القاضي عياض: قال شيخنا ابن سراج: هي أصلية اهـ. قوله: (وروينا عن ابن شهاب) رواه عنه. قوله: (كان للشيطان فيه نصيب) أي أنه يوسوس بما يؤدي إلى ترك جلالة العلم والنفرة عند والوقوع فيما لا ينبغي. باب فضل الدلالة على الخير والحث عليها الدلالة بتثليث الدال والحث بفتح المهملة وبالمثلثة المشددة التحريض والضمير في قوله: عليها يرجع للدلالة بمتعلقها أي والتحريض على الدلالة على الخير. قوله: (وتعاونوا على البر والتقوى) قال ابن عباس: البر ما أمرت به والتقوى ما نهيت عنه كذا في النهر ومما أمر به الدلالة على الخير لأنها من الأمر بالمعروف. قوله: (وروينا في صحيح وسلم الخ) تقدم الكلام على تخريج الحديث وما يتعلق به في أوائل

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ دَعا إلى هُدًى كانَ لَهُ مِنَ الأجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيئاً، وَمَنْ دَعا إلى ضلالَةٍ كانَ عَلَيهِ مِنَ الإثْمِ مِثْلُ آثامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذلكَ مِنْ آثامِهِمْ شَيئاً". وروينا في "صحيح مسلم" أيضاً عن أبي مسعود الأنصاري البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ دَل على خَيرٍ فَلَهُ مِثْلُ أجْرِ فاعِلِهِ". وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لعليٍّ رضي الله عنه: "فواللهِ لأنْ يَهْدِيَ اللهُ بكَ رَجُلاً واحِداً خَيرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ". وروينا في "الصحيح" قوله -صلى الله عليه وسلم-: "وَاللهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أخِيهِ" والأحاديث في هذا الباب كثيرة في الصحيح مشهورة. ـــــــــــــــــــــــــــــ شرح الكتاب نعم اقتصر فيه ثمة على الأول من الشقين أي الدلالة على الهدى وذكره هنا بكماله. قوله: (ومن دعا إلى ضلالة) من أرشد غيره إلى فعل مأثم وإن قل أمر به أو أعانه عليه وفي شرح المشكاة لابن حجر الهيتمي لو تاب الداعي للإثم وبقي العمل به فهل ينقطع إثم دلالته بتوبته لأن التوبة تجب ما قبلها أولاً لأن شرطها رد الظلامة والإقلاع وما دام العمل بدلالته موجوداً فالفعل منسوب إليه فكأنه لم يرد ولم يقلع كل محتمل ولم أر في ذلك نقلاً والمنقدح الآن الثاني اهـ. قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) هو بمعنى صدر حديث أبي هريرة السابق عليه. قوله: (خير لك من حمر النعم) يعني الإبل وذلك لأن خيرها حمرها وهي أحسن أموال العرب يضربون بها المثل في نفاسة الشيء وليس عندهم شيء أعظم منها وتشبيههم الآخرة بأعراض الدنيا إنما هو للتقريب إلى الفهم وإلا فذرة من الآخرة خير من الأرض وما فيها وأمثالها معها. قوله: (وروينا في الصحيح) رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري وسبق تخريجه أول الكتاب وذكر من خرجه من حديثه غير

باب حث من سئل علما لا يعلمه ويعلم أن غيره يعرفه على أن يدله عليه

باب حثّ من سُئل علماً لا يعلمه ويعلم أن غيره يعرفه على أن يدله عليه فيه الأحاديث الصحيحة المتقدمة في الباب قبله. وفيه حديث: "الدين النصيحة" وهذا من النصيحة. روينا في "صحيح مسلم" عن شريح بن هانيء قال: "أتيتُ عائشةَ رضي الله عنها أسألُها عن المسح على الخفين، فقالت: عليك بعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فاسْأَلْه، فإنه كان يسافر مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسألناه ... " وذكر الحديث. وروينا في "صحيح مسلم" الحديث الطويل في ـــــــــــــــــــــــــــــ مسلم أيضاً وخرجه مسلم من حديث أبي هريرة في حديث طويل سبقت الإشارة إليه في الفصول أوائل الكتاب. باب حث من سئل عما لا يعلمه ويعلم أن غيره يعرفه على أن يدل عليه قوله: (على أن يدل عليه) متعلق بقوله حث وقوله أولاً لا يعلمه وثانياً يعرفه تفنن في التعبير أما إذا كان يعلمه فيذكره للسائل وإن كان عند غيره أيضاً نعم إن كان ذلك الغير أتقن فيه أشار إليه قالوا: أما إلقاء الحديث فالأولى ألا يحدث بحضرة من هو أولى منه بالتحديث لسنه أو علمه أو زهده أو سنده بل قيل: بكراهة التحديث وفي البلد من هو أولى منه قالوا: ولا يلتحق بذلك الافتاء وإقراء العلم فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يفتون في عهده -صلى الله عليه وسلم- وفي بلده حسبما عقد ابن سعد في طبقاته لذلك باباً ولم يزل السلف والخلف على استفتاء المفضول وتدريسه مع وجود الفاضل وبحضرته والفرق بينه وبين التحديث ظاهر. قوله: (عن شريح بن هانئ) بضم المعجمة وفتح الراء وسكون التحتية ثم حاء مهملة وهانئ بالهمزة في آخره وتقدم في كلام الأسماء أنه تابعي وأن أباه أبا شريح صحابي كناه -صلى الله عليه وسلم- به بعد أن كان كنيته أبا الحكم الخ. قوله: (فقالت: عليك بعلي بن أبي طالب الخ) قال المصنف في شرح مسلم في الحديث من الأدب ما قاله العلماء أنه يستحب للمحدث

قصة سعد بن هشام بن عامر لما أراد أن يسأل عن وِتْر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأتى ابنَ عباس يسأله عن ذلك، فقال ابنُ عباس: ألا أدلُّكَ على أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: من؟ قال: عائشة فأتِها فاسْألها ... " وذكر الحديث. وروينا في "صحيح البخاري" عن عِمْرانَ بن حِطَّانَ قال: سألتُ عائشةَ رضي الله عنها عن الحرير، فقالت: ائت ابنَ عباس فاسْأَلْهُ، فقال: سل ابنَ عمر، فسألتُ ابنَ عمر، فقال: أخبرني أبو حفص -يعني عمرَ بنَ الخطاب -رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّمَا يَلْبَسُ الحَرِيرَ في الدُّنْيا مَنْ لاَ خَلاَقَ لهُ في الآخِرَةِ". قلت: لا خلاق: أي لا نصيب. والأحاديث الصحيحة بنحو هذا كثيرة مشهورة. ـــــــــــــــــــــــــــــ والمفتي إذا طلب منه ما يعلمه عند من هو أجل منه أن يرشده إليه، وإن لم يعرفه قال: سل عنه فلاناً. قوله: (سعد بن هشام بن عامر) الأنصاري يروي عن أبيه وعائشة وروي عنه زرارة بن أوفى والحسن وحميد بن هلال استشهد بمكران خرج عنه الستة كذا في الكاشف. قوله: (ألا أدلك على أعلم أهل الأرض الخ) قال المصنف فيه أنه يستحب للعالم إذا سئل عن شيء ويعرف أن غيره أعلم منه أن يرشد إليه السائل فإن الدين النصيحة ويتضمن مع ذلك الإنصاف والاعتراف بالفضل لأهله والتواضع اهـ. قوله: (عن عمران بن حطان) هو بكسر المهملة الأولى وتشديد الثانية وعمران يروي عن عمر وأبي موسى وجمع وعنه قتادة ومحارب بن دثار وعدة وثق وكان خارجياً مدح ابن ملجم روى عنه البخاري وأبو داود والنسائي كذا في الكاشف. قوله: (من لا خلاق له في الآخرة) قال الكرماني: أي لا نصيب له فيها يعني الكافر وقيل: من لا حرمة له اهـ، فإن قلت أحاديث الباب فيها دلالة العالم العارف بالمسألة للسائل على من هو أعلم منه بذلك والترجمة معقودة لدلالة من لا يعلم على من يعلم قلت: هي دالة على ما في الترجمة بالطريق الأولى لأنه إذا كان العالم مع علمه يدل على من هو أعلم به منه فدلالة من لا علم عنده على العالم به من باب أولى وهذا هو الأولى وقد تقدم في أول الباب جواز افتاء المفضول وتدريسه مع وجود الأفضل.

باب ما يقول من دعي إلى حكم الله تعالى

باب ما يقول من دُعي إلى حكم الله تعالى ينبغي لمن قال له غيره: بيني وبينك كتابُ الله أو سُنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو أقوال علماء المسلمين، أو نحو ذلك، أو قال: اذهب معي إلى حاكم المسلمين، أو المفتي لفصل الخصومة التي بيننا، وما أشبه ذلك، أن يقول: سمعنا وأطعنا، أو سمعاً وطاعةً، أو نعم وكرامةً، أو شِبْه ذلك، قال الله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)} [النور: 51]. ـــــــــــــــــــــــــــــ باب ما يقول من دعي إلى حكم الله تعالى قوله: (ينبغي) أي يطلب على سبيل الندب وقوله: "أن يقول سمعنا وأطعنا الخ" فاعل ينبغي. قوله: (بيني وبينك) أي وصل بيني وبينك (كتاب الله) أي ما فيه من الأحكام فكتاب مبتدأ خبره ما قبله. قوله: (أو نحو ذلك) من المسألة المستنبطة من النص أو بطريق القياس له على غير المنصوص عليه. قوله: (ليفصل الخصومة) أي الحاكم بالإلزم والمفتي بتبيين حكم الله في ذلك. قوله: (أو شبه ذلك) أي من الألفاظ الدالة على كمال الانقياد والطاعة للحق الذي دعي إليه. قوله: (إنما كان قول المؤمنين) بالرفع. قوله: (سمعنا) أي قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (وأطعنا) أمره وإن كان ذلك مما تكرهه الأنفس، أي علامة الإيمان وشأن أهله تقديم طاعة الله تعالى على هوى النفس وإن كان مشقاً عليها قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به" قال الحافظ السيوطي في الإكليل في الآيات: وجوب الحضور على من دعي لحكم الشرع وتحريم الامتناع واستحباب أن يقول: سمعنا

فصل: ينبغي لمن خاصمه غيرُه أو نازعه في أمر فقال له: اتَّقِ الله تعالى، أو خَفِ الله تعالى أو راقب الله، أو اعلم أن الله تعالى مطلع عليك، أو اعلم أن ما تقوله يكتب عليك وتحاسب عليه، أو قال له: قال الله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا} [آل عمران: 30]، {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281] أو نحو ذلك من الآيات، وما أشبه ذلك من الألفاظ، أن يتأدَّب ويقول: سمعاً وطاعةً، أو أسأل الله تعالى التوفيقَ لذلك أو أسأل الله الكريمَ لطفَه، ثم يتلطَّفُ في مخاطبة من قال له ذلك، وليحذرْ كل الحذر مِنْ تساهله عند ـــــــــــــــــــــــــــــ وأطعنا اهـ. فصل قوله: (راقب الله) أي اعمل عمل من يرى أن ربه ناظر إليه ومن كان من أهل ذلك الشهود منعه ذلك العصيان بحول الله وبه المستعان. قوله: (أو اعلم أن الله مطلع عليك) اعلم بصيغة الأمر خطاباً للخصم قال تعالى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} فإذا كان كذلك فليحذر من وبال العصيان والمخالفة. قوله: (اعلم أن ما نقوله يكتب عليك وتحاسب عليه) قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} ثم إن نوقش الإنسان الحساب هلك وإن تداركه ربه برحمته أدخله في جنته. قوله: (من الآيات) أي الدالة على الحساب في المآب والجزاء بالأعمال الحسنة والسيئة مثلاً بمثل وكما قيل: النّاس مجزيون بأعمالهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر نعم إن تفضل المنان عفا عن السيئات وتفضل بالإحسان. قوله: (إن يتأدب) أي بأن يأتي بما يدل على انقياده لحكم الله وإيمانه بذلك وتسليمه لما هنالك ويسأل التوفيق للقيام بحق هذه المسالك. قوله: (أو أسأل الله الكريم لطفه) أي إرادته الخير بنا في المآل وإسباغ الفضل علينا في كل حال فعند ذلك يظفر العبد بأسنى الأحوال. قوله: (وينبغي أن يتلطف في مخاطبة من قال له ذلك) أي يتلطف معه بالقول أو بالفعل وفي النهر لأبي حيان وقف يهودي لهارون الرشيد فقال: اتق الله يا أمير المؤمنين فنزل عن دابته وخر

باب الإعراض عن الجاهلين

ذلك في عبارته، فإن كثيراً من النّاس يتكلمون عند ذلك بما لا يليق، وربما تكلَّم بعضهم بم يكون كفراً، وكذلك ينبغي إذا قال له صاحبه: هذا الذي فعلتَه خلافُ حديثِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو نحو ذلك، أن لا يقول: لا ألتزم الحديثَ، أو لا أعمل بالحديث، أو نحو ذلك من العبارات المستبشعة وإن كان الحديث متروك الظاهر لتخصيص أو تأويل أو نحو ذلك، بل يقول عند ذلك: هذا الحديث مخصوص أو متأوّل أو متروك الظاهر بالإجماع، وشبه ذلك. باب الإعراض عن الجاهلين قال الله سبحانه وتعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] ـــــــــــــــــــــــــــــ ساجداً لله تعالى وقضى حاجته فقيل له في ذلك فقال: ذكرت قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّه} الآية اهـ. قوله: (فإن كثيراً يتكلمون عند ذلك بما لا يليق) من الألفاظ الدالة على الامتناع وعدم الانقياد والتي فيها الغلاظة على الخصم ونحو ذلك قال السيوطي في الإكليل: قال ابن مسعود: من أكبر الذنب أن يقول الرجل لأخيه اتق الله فيقول عليك بنفسك أخرجه ابن المنذر اهـ. قوله: (بل يقول عند ذلك) المشار إليه هو كون الحديث متروك الظاهر لتخصيص أو تأويل أو نحوه. قوله: (أو متروك الظاهر بالإجماع) أي وذلك كالأمر بقتل السكران بعد الثالثة فإنه متروك الظاهر بالإجماع وليس المراد أن الإجماع هو الصارف للحديث عن ظاهره بل الصارف له مستند الإجماع الثابت عند أهله من كتاب أو سنة. باب الإعراض عن الجاهلين قوله: (خذ العفو الخ) قال في النهر: هذا خطاب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويعم جميع أمته وهو أمر بجميع مكارم الأخلاق وقد أمر بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "يسروا ولا تعسروا" وقال حاتم الطائي: خذي العفو مني تستديمي مودتي ... ولا تنطقي في سورتي حين أغضب وقال ابن النحوي في شرح البخاري: قال مجاهد فيما ذكره الطبري: خذ العفو من

وقال تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: 55] ـــــــــــــــــــــــــــــ أخلاق النّاس وأعمالهم من غير تحبيس عليهم وعن ابن عباس: خذ العفو من أموال المسلمين وهو الفضل قال ابن جرير أمر بذلك قبل نزول الزكاة أي الصدقة كانت تؤخذ قبل الزكاة ثم نسخت بها والعرف المعروف كما ذكر البخاري ومنه صلة الرحم والعفو عمن ظلم وقال ابن الجوزي: العرف حكم والمعروف ما عرف من طاعة الله تعالى وقال الثعلبي: العرف والمعروف والعارفة كل خصلة حميدة وقال عطاء وأمر بالعرف لا إله إلا هو وأعرض عن الجاهلين أبي جهل وأصحابه وأخرج البخاري عن ابن الزبير خذ العفو وأمر بالعرف قال: ما أنزل الله ذلك إلا في أخلاق النّاس وأخرج عن ابن الزبير أمر الله نبيه أن يأخذ العفو من أخلاق النّاس أو كما قال قتادة: هذه الآية أخلاق أمر الله نبيه بها قال ابن النحوي: قال البخاري وأولى هذه الأقوال قول ابن الزبير وما بعدها يدل له وإما ينزعنك من الشيطان نزغ اهـ. وفي الإكليل للحافظ السيوطي قال ابن الغرس: أي من أخلاق النّاس أخرجه البخاري وأخرج الطبراني عن ابن عمر قال: أمر الله نبيه أن يأخذ العفو من أخلاق النّاس وقوله: وأمر بالعرف، قال ابن الغرس: المعنى اقض بكل ما عرفته النفوس مما لا يرده الشرع وهذا أصل القاعدة الفقهية في اعتبار العرف وتحتها مسائل كثيرة لا تحصى ثم أخرج في قوله: وأعرض عن الجاهلين حديث الحر بن قيس عند البخاري الآتي آخر الكتاب. قوله: (اللغو) الشتم والأذى من الكفار. قوله: (سلام عليكم) قيل هو متاركة أي سلمتم منا عن الشر وغيره قيل: وهو منسوخ بآية السيف. قوله: (لا نبتغي الجاهلين) أي لا نصحبهم وقيل: لا نبتغي دينهم وقيل: لا نريد أن يكونوا جهالاً وقال ابن النحوي في شرح البخاري وقيل: المراد أي من الجاهلين المؤلفة قلوبهم وهو ظاهر استشهاد الحر بن قيس أي في حديث البخاري الآتي في قصة عيينة مع عمر فهي منسوخة بآية السيف وقيل: إنما هي أمر

وقال تعالى: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا} [النجم: 29] {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر: 85]. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "لما كان يوم حنين آثر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ناساً من أشراف العرب ـــــــــــــــــــــــــــــ باحتمال من ظلمه اهـ، وفي كونها منسوخة بآية السيف والمراد منها المؤلفة بعد لا يخفى بخلافها على القول الأول أي بأنه أمر بالإعراض عن الجاهلين أي الكافرين وتركهم بما لهم بعد الإنذار فالنسخ عليه ظاهر والله أعلم، وقال الكرماني: قال جعفر الصادق: ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها ولعل ذلك إن المعاملة إما مع نفسه أو مع غيره والغير إما عالم أو جاهل أو لأن الأخلاق ثلاثة لأن القوى الإنسانية عقلية وشهوية وغضبية ولكل قوة فضل هي وسطها للعقلية الحكمة وبها الأمر بالمعروف وللشهوية العفة ومنها خذ العفو وللغضبية الشجاعة ومنها الإعراض عن الجهال اهـ. قوله: (فأعرض عمن تولى عن ذكرنا) قال في النهر: موادعة منسوخة بآية السيف. قوله: (فاصفح الصفح الجميل) أعرض عنهم إعراضاً لا جزع فيه وهذا منسوخ بآية السيف أيضاً ومراد الشيخ من ذكر هذه الآية إن المؤمن مطلوب منه التخلق بالصفح الجميل وبالإعراض عن الجاهلين من المؤمنين عند صدور إساءة أدب من أحد منهم معه كما وقع له -صلى الله عليه وسلم- من صبره على جفاة الأعراب وعفوه عما صدر منهم من سيئ الآداب. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) أي وهذا اللفظ لمسلم وعند البخاري فقال رجل من الأنصار: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر". قوله: (يوم حنين) بضم المهملة وفتح النون الأولى وسكون التحتية وهو حربه -صلى الله عليه وسلم- مع هوازن وكان بعد فتح مكة في شوال من ذلك العام. قوله: (آثر ناساً من أشراف العرب) أي تألفاً لهم وطلباً لتمكين الإيمان في قلوبهم كما في حديث الصحيحين عن سعد مرفوعاً إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه مخافة أن يكبه الله في النار على وجهه وممن أعطاه في ذلك اليوم صفوان والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن وأعطى كلاًّ منهم مائة من الإبل وكذا أعطى ناساً

في القسمة، فقال رجل: والله إنّ هذه قِسْمةٌ ما عُدِل فيها، وما أريد فيها وجه الله تعالى، فقلت: والله لأخبرنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأتيته فأخبرته بما قال، فتغيَّر وجهه حتى كان ـــــــــــــــــــــــــــــ من أشراف قريش تألفاً لهم. قوله: (في القسمة) أي في قسمة غنائم هوازن. قوله: (فقال رجل) جاء في البخاري من الأنصار قال ابن النحوي: هو غريب وأما الذي قال له: اعدل فهو ذو الخويصرة جاء ذكره في الحديث كما نبه عليه السهيلي وهو غير ذي الخويصرة اليماني الذي بال في المسجد وقال: اللهم ارحمني ومحمداً ويذكر عن ابن سعد كاتب الواقدي في أثناء ترجمة حرقوص بن زهير السعدي من سعد تميم وكان لحرقوص هذا مشاهد كثيرة محمودة في حرب العراق مع الفرس أيام عمر ثم كان خارجياً ولذا قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنه سيكون من ضئضئ هذا قوم تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم" وذكر صفة الخوارج وليس ذو الخويصرة هذا ذا الثدية الذي قتله علي بالنهروان ذاك اسمه نافع ذكره أبو داود أي مرجحاً له على من سماه حرقوصاً والذي ذكره جماعة إنه حرقوص وقال في باب علامات النبوة بعد نقل كلام ابن سعد المعروف إن ذا الثدية اسمه حرقوص وهو الذي حمل على علي ليقتله فقتله علي وروي إن قائل ذلك كان أسود يوم حنين وقد أخبر عليه السلام أنه لا يدخل النار من شهد بدراً والحديبية حاشا رجلاً معروفاً منهم قيل: حرقوص السعدي هو ذو الخويصرة اليماني الذي بال في المسجد وقال: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً اهـ. وقد علمت إن الصحيح إن حرقوصاً هو ذو الخويصرة اليماني هو الذي قال: اعدل الخ وهو من الخوارج وهو غير ذي الخويصرة اليماني الذي بال في المسجد وقال: اللهم ارحمني ومحمداً وسمى الشيخ زكريا في تحفة القارئ إن الرجل الذي قال هذه قسمة الخ معتب بن قشير. قوله: (إن هذه قسمة ما عدل فيها أو ما أريد بها وجه الله) قال المصنف في شرح مسلم قال القاضي عياض: حكم الشرع إن من سب النبي -صلى الله عليه وسلم- كفر وقتل ولم يذكر في هذا الحديث إن هذا الرجل قتل قال المازري يحتمل إنه لم يفهم

كالصِّرف ثم قال: فمَنْ يَعْدِلُ إذَا لَمْ يَعْدِل الله وَرَسُولُهُ، ثم قال: يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بأكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ". قلت: الصِّرف بكسر الصاد المهملة وإسكان الراء: وهو صبغ أحمر. وروينا في "صحيح البخاري" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قَدِم عُيينة بن حصن بن حذيفة، ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه الطعن في النبوة وإنما نسبه إلى ترك العدل في القسمة والمعاصي ضربان كبائر وصغائر فهو -صلى الله عليه وسلم- معصوم من الكبائر بالإجماع واختلفوا في إمكان وقوع الصغائر ومن جوزها منع من إضافتها إلى الأنبياء على طريق التنقص وحينئذ فلعله -صلى الله عليه وسلم- لم يعاقب هذا القائل لأنه لم يثبت عليه ذلك وإنما نقله عنه واحد وشهادة الواحد لا يراق بها الدم قال القاضي: هذا تأويل باطل يدفعه قوله: اعدل يا محمد واتق الله يا محمد وخاطبه خطاب المواجهة بحضرة الملأ حتى استأذن عمر وخالد النبي -صلى الله عليه وسلم- في قتله فقال: معاذ الله أن يتحدث إن محمداً -صلى الله عليه وسلم- يقتل أصحابه فهذه هي العلة وسلك معه مسلك غيره من المنافقين الذين آذوه وسمع منهم في غير موطن ما كرهه لكنه صبر استبقاء لانقيادهم وتأليفاً لغيرهم لئلا يتحدث النّاس أنه يقتل أصحابه فينفروا وقد رأى النّاس هذا الصنف في جماعاتهم وعدوه في جملتهم اهـ، وظاهر كلام القاضي عياض إن قائل هذه قسمة ما أريد بها الخ، هو قائل: اعدل يا محمد وقد عرفت من كلام ابن الملقن والشيخ زكريا إنهما اثنان فإن قائل: اعدل الخ، جاء في البخاري التصريح بأنه ذو الخويصر التميمي وقائل إنها قسمة جاء في الصحيح أيضاً التصريح بأنه من الأنصار وسماه الشيخ زكريا معتب بن قشير والله أعلم. قوله: (كالصرف الخ) ضبطه في الأصل هو بكسر الصاد المهملة وإسكان الراء صبغ أحمر زاد في شرح مسلم يصبغ به الجلود قال ابن دريد وقد يسمى الدم أيضاً صرفاً اهـ. وفي الحديث مزيد صفحه وحلمه وإعراضه عن جهل الجاهلين وعدم انتصاره لحق نفسه. قوله: (وروينا في صحيح البخاري الخ) رواه في كتاب التفسير والاعتصام من صحيحه. قوله: (قدم عيينة بن حصن بن حذيفة) عيينة بضم العين المهملة وفتح التحتية وبعد الثانية نون ثم هاء وحصن بكسر

فنزل على ابن أخيه الحُرّ بن قيس، وكان من النَّفَرِ الذين ـــــــــــــــــــــــــــــ المهملة الأولى وسكون الثانية وحذيفة بضم المهملة وفتح المعجمة بعدها تحتية ففاء فهاء مصغر ابن بدر بن عمرو بن حوبة بن لوذان المزاري يكنى أبا مالك أسلم بعد الفتح وقيل: قبل الفتح شهد الفتح مسلماً وشهد حنيناً والطائف أيضاً وكان من المؤلفة قلوبهم ومن الأعراب الحفاة قيل: إنه دخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير إذن فقال له: أين الإذن؟ فقال: ما استأذنت على أحد من مضر وكان ممن ارتد وتبع طليحة الأسدي وقاتل معه وأخذ أسيراً وحمل إلى أبي بكر رضي الله عنه فكان صبيان المدينة يقولون له: يا عدو الله أكفرت بعد إيمانك فيقول ما آمنت بالله طرفة عين فأسلم فأطلقه أبو بكر وكان عيينة في الجاهلية من الحرارين كان يقود عشرة آلاف وتزوج عثمان بن عفان ابنته فدخل عليه يوماً فأغلظ له فقال عثمان: لو كان عمر ما أقدمت عليه فقال: إن عمر أعطانا فأغنانا وأحشانا فأبقانا وقال أبو وائل سمعت عيينة بن حصن يقول لابن مسعود: أنا ابن الأشياخ الشم فقال عبد الله ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم كذا في أسد الغابة وترجمة المصنف كذا في التهذيب مختصراً. قوله: (فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس) بضم المهملة الأولى وتشديد الراء وأبوه قيس هو ابن حصن بن بدر الفزاري والحر صحابي أحد الوفد الذين قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرجعه من تبوك وهو الذي تمارى مع ابن عباس في صاحب موسى الذي سأل موسى السبيل إلى لقائه فقال ابن عباس: هو الخضر فسأل عنه أبي بن كعب فذكر فيه خبراً مرفوعاً عنه - صلى الله عليه وسلم - والحديث كذلك أخرجه البخاري في كتاب العلم وغيره وهذا غير خلاف ابن عباس مع نوف البكالي المروى في الصحيحين أيضاً فإن ذاك في أن موسى طالب الخضر هل هو ابن عمر إن صاحب التوراة أو موسى بن ميشا بكسر الميم وسكون التحتية بعدها معجمة قال العلائي: كان للحر بن شيعي وابنة حرورية وامرأة معتزلة وأخت مرجية فقال لهم: الحر أنا وأنتم كما قال تعالى: {طَرَائِقَ قِدَدًا}. قوله: (وكان من النفر) هو بفتح أوليه الرهط من الثلاثة

يُدنيهم عمر رضي الله عنه، وكان القُرَّاءُ أصحابَ مجلس عمر رضي الله عنه ومشاورته، كُهُولاً كانوا أو شباناً، فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي، لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه، فاستأذنَ، فأذن له عمر، فلما دخل قال: هي يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجَزْل، ولا تحكم فينا بالعَدْلِ، فغضب عمر رضي الله عنه حتى همَّ أن يُوقِعَ به، فقال له الحرّ: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى العشرة اسم جمع لا واحد له من لفظه. قوله: (يدنيهم) أي يقربهم. قوله: (كهولاً) بضم الكاف قال ابن النحوي الكهل الذي وخطه الشيب قاله ابن فارس وقال المبرد هو ابن ثلاث وثلاثين سنة قال في تحفة القاريء على البخاري في كتاب الرقاق قال الأطباء: سن الطفولية ما قبل البلوغ وسن الشباب وهو خمس وثلاثون سنة وسن الكهولة وهو خمسون سنة وسن الشيخوخة وهو ستون اهـ. وبه يعلم أن الثلاث والثلاثين ابتداء الكهولة أي ويستمر هذا الوصف إلى بلوغ الستين ويحتمل إنهما قولان متعارضان في ابتداء الكهولة فذاك قول بعض اللغويين والثاني قول الأطباء وعليه فابن الثلاث والثلاثين فما فوقه إلى الخمسين شاب والله أعلم. قوله: (شباناً) بضم الشين المعجمة وتشديد الموحدة جمع شاب وفي نسخة شباباً بفتح الشين وبموحدتين أولاهما مخففة وفيه مؤازرة الإِمام أهل الفضل والعلم. قوله: (فلما دخل) معطوف على مقدر أي فدخل فلما دخل. قول: (هي) قال في تحفة القارئ كسر الهاء وسكون التحتية كلمة تهديد وقيل هي ضمير وثم محذوف أي هي داهية وفي نسخة هيه بهاء السكت في آخره وفي أخرى آيه وهما بمعنى كما قال ابن الأثير يقال: إيه بالكسر بلا تنوين أي زدني من الحديث المعهود بيننا وآية بالتنوين أي زدني من حديث ما غير معهود. قوله: (ما تعطينا الجزل) قال ابن النحوي: ما تجزل لنا من العطايا وأصل الجزل ما عظم من الحطب. قوله: (حتى هم) أي أراد. قوله: (يوقع به) أي شيئاً من العقوبة لجفائه وسوء أدبه معه. قوله: (إن الله قال لنبيه

باب وعظ الإنسان من هو أجل منه

-صلى الله عليه وسلم-: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] وإن هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقَّافاً عند كتاب الله تعالى. باب وعظ الإنسان من هو أجلّ منه فيه حديث ابن عباس في قصة عمر رضي الله عنه في الباب قبله. اعلم أن هذا الباب مما تتأكَّد العناية به، فيجب على الإنسان النصيحةُ، والوعظُ، والأمرُ بالمعروف، والنهيُ عن المنكر لكل صغير وكبير إذا لم يغلب على ظنه تَرَتُّبَ مفسدةٍ على وَعظِهِ، قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ -صلى الله عليه وسلم-) أي وقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة. قوله: (وإن هذا من الجاهلين) أي من المؤلفة الذين قيل إنهم المرادون من الآية كما سبق عن ابن النحوي بما فيه. باب وعظ الإنسان من هو أجل منه أي أداء لحق النصيحة المأمور بها لعامة المؤمنين. قوله: (حديث ابن عباس) أي في قصة عيينة مع عمر وقول الحر لعمر مذكراً له بكتاب الله ومحرضاً له على الوقوف عنده إن الله قال لنبيه الخ. قوله: (النصيحة) أي بذكر ما فيه الخير للمنصوح له في الدارين فإن تعارضا راعى مصلحة الدين لدوام نفعه وأشار به وقدمه على ما يقتضي صلاح الدنيا. قوله: (إذا لم يغلب على ظنه ترتب مفسدة على وعظه) وإلا ترك الوعظ حينئذ دفعاً لأعظم المفسدتين بارتكاب أخفهما وذلك كما إذا رأى إنساناً يظلم محترماً ويأخذ ماله ويعلم الرجل إنه إذا وعظه أداه جهله إلى قتل ذلك المظلوم أو وقع في مكفر من قول أو فعل فيترك الوعظ والتذكير حينئذٍ دفعاً لأعظم المفسدتين. قوله: (ادع إلى سبيل ربك) قال ابن الجوزي في زاد المسير السبيل قال مقاتل: هو دين الإسلام وفي المراد بالحكمة ثلاثة أقوال فقيل: القرآن رواه أبو صالح عن ابن عباس وقيل: الفقه رواه الضحاك عن ابن عباس وقيل: النبوة قاله

وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]. وأما الأحاديث بنحو ما ذكرنا فأكثر من أن تحصر. وأما ما يفعله كثير من النّاس من إهمال ذلك ـــــــــــــــــــــــــــــ الزجاج (والموعظة الحسنة) قيل: مواعظ القرآن قاله أبو صالح عن ابن عباس وقيل: الأدب الجميل الذي تعرفونه قاله الضحاك وعن ابن عباس (وجادلهم بالتي هي أحسن) قيل: بالقرآن وقيل: بلا إله إلا الله، رويا عن ابن عباس وقيل: جادلهم غير فظ ولا غليظ ولين لهم جانبك قاله الزجاج قال بعض علماء التفسير وهذا منسوخ بآية السيف اهـ، ووجه مناسبة الآية للباب أنه تعالى أمر نبيه -صلى الله عليه وسلم- بدعاء الخلق إلى سبيل الحق بالموعظة الحسنة وأمته مأمورون بما أمر به مقتدون بة فيما لم يقم الدليل على اختصاصه به. قوله: (وأما الأحاديث بنحو ما ذكرناه فأكثر من أن تحصر) أي الأحاديث المشتملة على عرض المفضول على الإِمام ما بدا له وظهر له صوابه فأكثر من أن تحصر فمن ذلك قول عمر رضي الله عنه في حديث أبي هريرة عند مسلم لما أعطاه -صلى الله عليه وسلم- نعليه وقال: من لقيت وراء الحائط يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة أو كما قال فقال عمر: لا تفعل يا رسول الله لئلا يتكلوا قال: فلا تفعل إذاً ومن ذلك لما أذن -صلى الله عليه وسلم- لبعض الصحابة أن ينحروا ظهرهم لمجاعة أصابتهم فقال: يا رسول الله إذا فعلوا ذلك على ما يركبون ثم أشار بأن يدعو -صلى الله عليه وسلم- بأزواد القوم ويدعو عليها بالبركة ففعل الحديث عند مسلم وغير ذلك وعقد له المصنف فيما يأتي باباً ترجمة بقوله باب ما يقول التابع للمتبوع: إذا فعل شيئاً في ظاهره مخالفة للصواب مع أنه صواب أو نحو ذلك هذا إن حملنا الأحاديث على المرفوع منها أما إذا حملناه على ما يشمل الموقوف فكثير جداً وقد رجع على الصديق عن ورجع عمر عما نهى عنه من المغالاة في الصداق لما قالت له تلك المرأة: إن الله تعالى يقول:

في حقِّ كبار المراتب، وتوهُّمِهم أن ذلك حياءٌ، فخطأٌ صريح، وجهل قبيح، فإن ذلك ليس بحياءٍ، وإنما هو خَوَرٌ ومَهانة وضَعفٌ وعجز، فإن الحياءَ خير كلُّه، والحياءُ لا يأتي إلا بخير، وهذا يأتي بشرٍّ، فليس بحياءٍ، وإنما الحياء عند العلماء ـــــــــــــــــــــــــــــ {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} [النساء: 20] فرجع وقال: كل النّاس أفقه منك يا عمر وعما أراد من رجم تلك المرأة التي جاءت بالولد لستة أشهر فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن الله تعالى يقول: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} وقال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} والباقي من الثلاثين ستة أشهر وهي زمن الحمل أي أقل مدته فرجع عما أراد. قوله: (في حق كبار المراتب) أي لعلم أو سن أو ولاية. قوله: (إن ذلك) أي إهمال وعظهم وترك تذكيرهم. قوله: (فخطأ صريح) أي لما فيه من ترك الأمر بالمعروف تارة وعدم النهي عن المنكر أخرى. قوله: (وإنما هو خور) بفتح الخاء المعجمة والواو أي ضعف في قوى النفس قال في النهاية خار يخور إذا ضعفت قوته ووهت. قوله: (ومهانة) أي لنفسه عن إقامتها في هذا المقام السني. قوله: (وضعف) بفتح الضاد المعجمة وضمها لغتان مشهورتان وعطف الضعف على الخور كالعطف التفسيري والعجز عدم القدرة زاد في شرح مسلم على قوله هنا وضعف وعجز ما لفظه وتسمية ذلك حياء من إطلاق بعض أهل العرف أطلقوه مجازاً لمشابهته الحياء الحقيقي اهـ. قوله: (فإن الحياء خير كله) أي لحسن ثمرته من القيام بالأوامر واجتناب النواهي. قوله: (والحياء لا يأتي إلا بخير) هذا حديث رواه مسلم. قوله: (وهذا) أي احتشام الكبير وعدم نهيه عما يتعاطاه من المنكر ويتساهل فيه من عدم فعل المعروف: (يأتي بشر) أي وقوع فيما نهى الله عنه وترك ما أمر الله أن يفعل فليس إذا هو بحياء لانتفاء ثمرة الحياء وهذا مأخوذ من جواب ابن الصلاح وغيره عما أورده على حديث الحياء لا يأتي إلا بخير وحديث الحياء خير كله نقله المصنف في شرح مسلم وحاصل

الرَّبانيين، والأئمةِ المحققين، خُلُق يَبعَثُ على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في حقِّ ذي الحقِّ، وهذا معنى ما رويناه عن الجنيد رضي الله عنه في "رسالة" القشيري، قال: الحياء ـــــــــــــــــــــــــــــ الجواب أن ما ذكر ليس حياء بل هو عجز وخور لعموم قوله في الحديث: الحياء خبر كله. وقوله الحياء لا يأتي إلا بخير لا إشكال فيه إذ الحياء يبعث على أفعال البر ويمنع من العصيان. قول، : (الربانيين) بفتح الراء وتشديد الموحدة جمع رباني نسبة إلى الرب بزيادة الألف والنون والرباني الكامل في العلم والعمل ووجه النسبة إخلاصهم للرب تعالى قال ابن عباس: كونوا ربانيين علماء حلفاء فقهاء رواه عنه البخاري في كتاب العلم قال البخاري ويقال الرباني الذي يربي النّاس بصغار العلم قبل كباره أي بجزئياته قبل كلياته وقيل: بفروعه قبل أصوله وقيل: مقاصده وبما وضح منه قبل ما دق وعلى هذا الذي يقال فالرباني منسوب إلى التربية وفي النهر لأبي حيان قال ابن عباس هو الفقيه ولما مات ابن عباس رضي الله عنهما قال محمد ابن الحنفية اليوم مات رباني هذه الأمة اهـ. قوله: (خلق) بضمتين ويسكن ثانيه وهو ملكه حاصله للنفس ينشأ عنها ما تمرنت عليه النفس واعتادته بسهولة. قوله: (ويبعث على ترك القبيح) أي من فعل منهى عنه ولو على سبيل الكراهة أو ترك مأمور به ولو على سبيل الندب (ويمنع من التقصير في حق ذي الحق) أي كما ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- قام حتى تورمت قدماه فقيل له: أتفعل ذلك وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبداً شكوراً" وكما ورد نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه أي لو لم يكن عنده من الخوف شيء لما وقع في العصيان لما عنده من الحياء الوازع عن القبيح المانع من التقصير في حق ذي الحق. قوله: (وهذا) أي التعريف للحياء المنقول عن العلماء والأئمة قال بعض المحققين: الحياء على هذا التعريف ليس في الوسع بخلافه على تفسير الجيد فإن العبد إذا طالع نعم مولاه وتقصيره في شكرها حصل له الحياء وعلى الأول فهو لكونه من أجل الأخلاق التي يحبها الله تعالى من العبد ويجبله

رؤية الآلاء، ورؤية التقصير، فيتولد بينهما حالة تسمى حياء. وقد أوضحت هذا مبسوطاً في أول "شرح صحيح مسلم"، ولله الحمد، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ عليها يحمل على المكتسب أي وهو ما أشار إليه الجنيد ويعين عليه ولذا قال -صلى الله عليه وسلم-: "الحياء لا يأتي إلا بخير" أي لأن من استحى من النّاس أن يروه يأتي بقبيح عادة دعاه ذلك إلى أن يكون أشد حياء من ربه وخالقه سبحانه فلا يضيع فريضة ولا يرتكب معصية. قوله: (رؤية الآلاء ورؤية التقصير) أي رؤية العبد آلاء ربه أي نظر واحدها إلي كمعي مع رؤيته تقصيره في القيام بحق شكرها يتولد عنها حالة تبعثه على ترك كل قبيح وأداء الحق لذي الحق حسب القدرة والطافة فذاك التعريف كالمتفرع على هذا التعريف المبني عليه فلذا كان بمعناه ولم يكن هواياه والله أعلم وقيل: إنه غيره لأنه على ذلك التعريف يكون من الجبليات التي ليست في الوسع بخلافه على الثاني والأصح إن أصل الحياء جبلي وتمامه مكتسب كما أفاده بعض الأحاديث من معرفة الله تعالى ومعرفة عظمته وقربه من عباده وعلمه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور وهذا هو الذي كلفنا به وهو من أعلى خصال الإيمان بل من أعلى درجات الإحسان وفي يتولد الحياء من الله تعالى من مطالعة نعمه ورؤية التقصير في شكرها كما أشار إليه الجنيد وأول الحياء وأولاه الحياء من الله سبحانه بأن لا يراك حيث نهاك ولا يفقدك من حيث أمرك وكماله إنما ينشأ عن معرفته تعالى ومراقبته المعبر عنها بقوله: إن تعبد الله كأنك تراه الخ وأهل المعرفة يتفاوتون في هذا الحياء بحسب تفاوت أحوالهم وقد جمع الله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم- كمال نوعي الحياء فكان في الحياء الغريزي أشد حياء من العذراء في خدرها وفي الكسبي وأصلاً إلى أعلى غايته ودروتها. قوله: (وقد أوضحت هذا مبسوطاً في أول شرح مسلم) أي في كتاب الإيمان منه وقد نقلنا ما زاد هناك في أثناء كلامه هنا والله الموفق.

باب الأمر بالوفاء بالعهد والوعد

باب الأمر بالوفاء بالعهد والوعد قال الله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، وقال تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: 34] والآيات في ـــــــــــــــــــــــــــــ باب الأمر بالوفاء بالوعد قوله: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: 34] قال في النهر: وأوفوا بالعهد عام فيما عقده الإنسان بينه وبين ربه وبينه وبين آدمي في طاعة إن العهد كان مسؤولاً ظاهره إن العهد هو المسؤول من المعاهد أن يفي له فلا يضيعه وقيل هو على حذف مضاف أي إن أداء العهد كان مسؤولاً إن لم يف به واسم كان مضمر يعود على العهد أو على ذي العهد ومسؤولاً خير كان وفيه ضمير المفعول أي مسؤولاً هو أي عدم الإيفاء اهـ. قوله: (بعهد الله) في النهر عهد الله علم لما عقده الإنسان والتزمه وفي الآية كما في الإكليل الحث على الوفاء بالعهود. قوله: (أوفوا بالعقود) العقود جمع عقد وهو ما التزمه الإنسان من مطلوب شرعي وهو عام يندرج تحته ما ربطه الإنسان على نفسه أو مع صاحب له مما يجوز شرعاً وأصل العقد في الإجرام ثم توسع فيه فأطلق في المعاني كذا في النهر وفي الإكليل قال ابن عباس: العقود ما أحل الله يعني ما أحل الله وما حرم وما فرض وما حد في القرآن كله لا تغدروا ولا تنكثوا، أخرجه ابن أبي حاتم وقيل: هي العهود وقيل ما عقده الإنسان على نفسه من بيع وشراء ويمين ونذر وطلاق ونكاح ونحو ذلك، فيدخل تحتها من المسائل ما لا يحصى وقال زيد بن أسلم: العقود خمس: عقدة النكاح، وعقدة الشركة، وعقدة اليمين، وعقدة العهد، وعقدة الحلف، أخرجه ابن جرير وأخرج مثله عن عبد الله

ذلك كثيرة، ومن أشدِّها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2، 3]. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "آيَةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ: إذَا حدَّثَ كَذَبَ، وإذَا وَعَدَ أخْلَفَ، وإذَا اؤتُمِنَ خَانَ". زاد في رواية: "وإنْ صامَ وصَلَّى وزَعَمَ أنهُ مُسْلِمٌ". والأحاديث بهذا المعنى كثيرة، وفيما ذكرناه ـــــــــــــــــــــــــــــ بن عبيدة وذكر بدل عقدة الشركة عقدة البيع اهـ. قوله: (ومن أشدها) أي أقواها في طلب الوفاء بالعهد. قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 104] أشار في النهر إلى احتمالين في المخاطب بذلك من المؤمنين والمنافقين قال: وعلى الأول يراد به التطلف في العتاب وعلى الثاني فمعنى آمنوا أي بألسنتهم والاستفهام للتقريع والتوبيخ وتهكم بهم في إسناد الإيمان إليهم (لم) يتعلق بالفعل بعده وإذا وقف عليه فبألف أو بسكون الميم ومن أسكن في الوصل فلإجرائه مجرى الوقف قال في النهر: والظاهر انتصاب (مقتاً) على التمييز وفاعل "كبر" أن تقولوا، وهو من التمييز المنقول عن الفاعل والتقدير كبر مقت قولكم ما لا تفعلون. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم) وكذا رواه أحمد والنسائي كما في الجامع الصغير ورواه أبو عوانة بلفظ علامات المنافق الخ وعند مسلم من علامات المنافق ثلاث الخ. قوله: (آية المنافق) أفرد الآية لإرادة الجنس وعند مسلم من علامات المنافق كما تقدم آنفاً وهي أوضح للزيادة على الثلاث في حديث آخر عند البخاري وغيره، ووجه الاقتصار على الثلاث هنا إنها منبهة على ما عداها إذ أصل الديانات منحصر في القول والفعل والنية فنبه على فساد القول بالكذب وعلى فساد الفعل بالخيانة وعلى فساد النية بالخلف لأن خلف الوعد لا يقدح إلا إذا كان العزم عليه مقارناً للوعد فإن وعد ثم عرض له بعد مانع أو بدا له رأي فليس بصورة النفاق قاله الغزالي وفي الحديث ما يشهد له ففي الطبراني من حديث سلمان إذا وعد وهو يحدث نفسه إنه يخلفه وفي الترمذي من حديث ابن أرقم إذا وعد الرجل

كفاية. وقد أجمع العلماء على أن من وعد إنساناً شيئاً ليس بمنهيٍّ عنه فينبغي أن يفيَ بوعده، وهل ذلك واجب، أم مستحب؟ فيه خلاف بينهم، ذهب الشافعي وأبو حنيفة والجمهور إلى أنه مستحبّ، فلو تركه فاته الفضل، وارتكب المكروه كراهةَ تنزيهٍ شديدةً، ولكن لا يأثم، ـــــــــــــــــــــــــــــ أخاه ومن نيته أن يفي له فلم يف فلا إثم عليه، فإن قلت: قد توجد هذه الخصال في المسلم أجيب بأن المراد نفاق العمل لا نفاق الكفر كما أن الإيمان يطلق على العمل كالاعتقاد وقيل: المراد من اعتاد ذلك وصار ديد ناله وقيل: المراد التحذير من هذه الخصال التي هي صفات المنافقين وإنها خصال نفاق وصاحبها شبيه بالمنافقين ومتخلق بأخلاقهم. قوله: (من وعد إنساناً شيئاً) أي من الوعد فهو مفعول مطلق أو من العطاء فهو مفعول به. قوله (فينبغي) أي يطلب. قوله: (ذهب الشافعي وأبو حنيفة والجمهور إلى أنه مستحب الخ) قال المهلب: إنجاز الوعد مأمور به مندوب إليه عند الجميع وليس بفرض لاتفاقهم على أن الموعود لا يضارب بما وعد به الغرماء وتعقب الحافظ دعوى الاتفاق على عدم الفرضية بقول المصنف وذهب جماعة إلى أنه واجب وسيأتي قريباً الجواب عن قوله لاتفاقهم على أن الموعود لا يضارب بما وعد به. قوله: (وارتكب المكروه كراهة تنزيه شديدة) قال الحافظ ابن حجر في الفتح: قرأت بخط أبي رحمه الله في إشكالات على الأذكار: لم يذكر جواباً عن الآيات والحديث أي التي صدر بها الباب وقال: الدلالة للوجوب منها قوية فكيف حملوه على كراهة التنزيه مع هذا الزجر الشديد الذي لم يرد مثله إلا في المحرمات الشديدة التحريم أي من قوله تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} وخلف الوعد من آية المنافق اهـ، قال السخاوي في جزئه المسمى: "التماس السعد في الوفاة بالوعد" لم ينفرد والد شيخنا بالبحث في ذلك فقد قال الشيخ تقي الدين السبكي: وناهيك به قول الأصحاب لا يجب الوفاء بالشرط مشكل لأن ظواهر الآيات والسنة تقتضي وجوبه وإخلاف الوعد كذب والخلف والكذب ليسا من أخلاق المؤمنين قال:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا أقول بقي ديناً حتى يقضي من تركته وإنما أقول يجب الوفاء تحقيقاً للصدق وعدم الإخلاف وتصير الواجبات ثلاثة: منها ما هو ثابت في الذمة ويطالب بإدائه وهو الدين على موسر وكل عبادة وجبت وتمكن منها، ومنها ما يثبت في الذمة ولا يجب أداؤه كهذا، قلت: قال الشيخ تاج الدين بن السبكي في توشيح التوشيح بعد أن حكى عن والده أن أدلة الكتاب تقضي بوجوب الوفاء بالوعد وأذكر أني كتبت إليه مرة إنقاضاه وعداً: يا مالكاً في وفاء الوعد مذهبه ... كما لك هات قد قلت الوفا يجب كذا تلقيت هذا منك واسمي ... لم يزل إلى مثله التلقين ينتسب يا من له أنا كسب وهو لي سبب ... فيما أروم ونعم الوالد السبب أشرت إلى تلقين القاضي عبد الوهاب في مذهب الإِمام مالك رضي الله عنه، وبكوني كسباً له إلى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "وإن أولادكم من كسبكم"، وبكونه سبباً إلى قول الفقهاء إن الوالد سبب وجود الولد اهـ، قال السخاوي: وسلك شيخنا أي الحافظ طريقاً أخرى قال: وينظر هل يمكن أن يقال يحرم الإخلاف ولا يجب الوفاء أي يأثم بالإخلاف وإن كان لا يلزم بوفاء ذلك قال: قلت ونظير ذلك نفقة القريب فإنها إذا مضت مدة يأثم بعدم الدفع ولا يلزم به ونحوه قولهم في فائدة القول بأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة تضعيف العذاب عليهم في الآخرة مع عدم إلزامهم بالإتيان بها والله المستعان وقد أشار إلى هذا الاستشكال صاحب الخادم في آخر الهبة فقال: فإن قيل: فيجب الوفاء بالعهد للخروج عن الكذب فإنه حرام وترك الحرام واجب وقد ذكر الماوردي في الشهادات في الكلام على المروءة أن مخالفة الوعد كذب ترد به الشهادة، فالجواب ما قاله الغزالي في الإحياء إن إخلاف الوعد إنما يكون كذباً إذا لم يكن في عزمه حين الوعد الوفاء به أما لو كان عازماً عليه ثم بدا له ألا يفعل فليس بكذب لأنه حينئذٍ إخبار عما في نفسه وكان مطابقاً له فيكون صدقاً اهـ، وفي

وذهب جماعة إلى أنه واجب، قال الإِمام أبو بكر بن العربي المالكي: أجلُّ من ذهب هذا المذهب عمر بن عبد العزيز، ـــــــــــــــــــــــــــــ إحياء الغزالي من حقوق المسلم ألا يعد مسلماً إلا ويفي به، والخلاف في الوعد بالخير أما الوعد بالشر فيستحب إخلافه وقد يجب ما لم يترتب على ترك إنفاذه مفسدة اهـ. قوله: (وذهب جماعة إلى أنه واجب) خرج البخاري في صحيحه تعليقاً أن ابن أشوع قضى بالوعد وذكر ذلك عن سمرة بن جندب اهـ. وقد أسنده وكيع في العزو من الأخبار إلى محمد بن عبيد عن أبيه قضى له ابن أشوع بعده وابن أشوع سعيد بن عمرو بن أشوع الهمذاني الكوفي القاضي حدث عن الشعبي وقد اتفقا عليه مات في ولاية خالد القسري على العراق وكانت ولايته في سنة خمس ومائة إلى أن عزل عنها في سنة عشرين ومائة كذا نقله السخاوي عن خط الحافظ الدمياطي قال السخاوي ولخصه شيخنا يعني الحافظ حيث قال: كان قاضي الكوفة: في زمن إمارة خالد القسري على العراق وذلك بعد المائة وقال في الفتح وقعت رواية ابن أشوع للوفاء بالوعد عن سمرة في تفسير إسحاق بن راهويه قال: ورأيت إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه يحتج بحديث ابن أشوع يعني عن سمرة في القول بوجوب إنجاز الوعد الحسن وترجم البخاري من أمر بإنجاز الوعد قال: وفعله أي الأمر بإنجاز الوعد الحسن وكأنه البصري راوي حديث العدة عطية. قوله: (أجل من ذهب إلى هذا المذهب الخ) صرح ابن عبد البر أيضاً بأن المذكور أجل من قال به وحكى القول بوجوب الوفاء بالوعد عن الإِمام أحمد هذا وقد عد في الزواجر عدم الوفاء بالعهد من الكبائر ثم قال: وعده منها هو ما وقع في كلام غير واحد لكن منهم من عبر بما مر ومنهم من عبر بخلف الوعد والعبارتان إما متحدتان أو متغايرتان وعلى كل فقد استشكل عدهما من الكبائر بأنه قد تقرر في مذهبنا أن الوفاء بالوعد مندوب لا واجب وفي العهد أنه ما أوجبه الله أو حرمه ومخالفة المندوب جائزة والوجب والحرام تارة يكون كبيرة وتارة يكون صغيرة فكيف يطلق أن عدم الوفاء بذلك كبيرة ويجاب بحمل الأول أي الوعد بناء على تغايرهما على الملتزم بالنذر ونحوه

باب استحباب دعاء الإنسان لمن عرض عليه ماله أو غيره

قال: وذهبت المالكية مذهباً ثالثاً أنه إن ارتبط الوعد بسبب، كقوله: تزوَّجْ ولك كذا، أو احلف أنك لا تشتمني ولك كذا، أو نحو ذلك، وجب الوفاء، وإن كان وعداً مطلقاً، لم يجب. واستدلَّ من لم يوجبه بأنه في معنى الهبة، والهبة لا تلزم إلا بالقبض عند الجمهور، وعند المالكية: تلزم قبل القبض. باب استحباب دعاء الإنسان لمن عرض عليه ماله أو غيره روينا في "صحيح البخاري" وغيره عن أنس رضي الله عنه قال: لما قدموا المدينة نزل عبد الرحمن بن عوف على سعد بن الربيع فقال: ـــــــــــــــــــــــــــــ وكون منعه كبيرة ظاهر إذ النذر يسلك به مسلك واجب الشرع ويحمل الثاني على شيء خاص لا يعلم إلا من التصريح بهذا وهو ما لو بايع إماماً ثم أراد الخروج عليه بلا موجب ولا تأويل فهذا كبيرة كما يستفاد من الأخبار الصحيحة وهو المراد بنكث الصفقة وقد ورد فيه وعيد شديد اهـ باختصار. قوله: (قال) أي ابن العربي المالكي (وذهب المالكية الخ). تتمة قال السخاوي جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما الأنبياء لا يخلفون الوعد رواه البخاري في باب من أمر بإنجاز الوعد ولفظ ابن عباس في جواب عن سؤال لابن جبير في شأن موسى مع شعيب فقال ابن عباس: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قال فعل والمراد من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه من اتصف بذلك ولم يرد شخصاً معيناً وهذا يحتمل أن يكون وجوباً ويحتمل خلافه وجزم غير واحد بأن إنفاذ الصديق لعدة النبي -صلى الله عليه وسلم- مخصوص به -صلى الله عليه وسلم- اهـ. باب استحباب دعاء الإنسان لمن عرض عليه ماله أو غيره أي من أهله أو منصبه. قوله: (روينا في صحيح البخاري وغيره) وكذا رواه ابن عبد البر وابن منده وأبو نعيم في كتاب معرفة الصحابة وقال في السلاح بعد إيراده بنحو ما أورده المصنف مختصراً رواه البخاري والترمذي والنسائي. قوله: (لما قدموا المدينة) أي في الهجرة. قوله: (على سعد بن الربيع) بن عمرو بن أبي زهير

باب ما يقوله المسلم للذمي إذا فعل به معروفا

أقاسمك مالي، وأنزلُ لك عن إحدى امرأتي، قال: بارك الله لك في أهلك ومالك. باب ما يقوله المسلم للذمي إذا فعل به معروفاً اعلم أنه لا يجوز أن يدعى له بالمغفرة وما أشبهها مما لا يقال للكفار، ـــــــــــــــــــــــــــــ مالك بن امريء القيس بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج الأنصاري الخزرجي عقبى بدري نقيب كان أحد نقباء الأنصار قال عروة وابن شهاب وموسى بن عقبة وجميع أهل السير إنه كان نقيب في الحارث بن الخزرج هو وعبد الله بن رواحة وكان كاتباً في الجاهلية شهد العقبة الأولى والثانية وقتل يوم أحد شهيداً ولما التمس في القتلى وجد وهو حي فقال لملتمسه -قال أبو سعيد الخدري: وهو أبي بن كعب-: ما شأنك؟ قال: بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لآتيه بخبرك قال: اذهب إليه فأقرئه مني السلام وأخبره أني قد طعنت اثنتي عشرة طعنة وأني قد أنفذت مقاتلي وأخبر قومك أنهم لا عذر لهم عند الله إن قتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأحد منهم حي وقال للرجل: قل لقومك يقول لكم سعد بن الربيع الله الله وما عاهدتم عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة العقبة فوالله ما لكم عند الله عذر إن خلص إليه وفيكم عين تطرف قال أبي: فلم أبرح حتى مات فرجعت فأخبرت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال رحمه الله: نصح لله ولرسوله حياً وميتاً وهو الذي آخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين عبد الرحمن بن عوف ومات سعد عن بنتين فأعطاهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الثلثين فكان ذلك أول بيانه للآية في قوله عز وجل: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} وفي ذلك نزلت الآية وبذلك علم مراد الله منها وأنه أراد اثنتين فما فوقهما كذا في أسد الغابة. قوله: (أقاسمك مالي) أي أشاطرك إياه وذلك لأن الأنصار أشركوا المهاجرين معهم في دورهم وأموالهم واستمرت مشاركتهم حتى فتح الله بني النضير وغيرها فغني المهاجرون وردوا للأنصار ما أشركوهم فيه من أموالهم. قوله: (وأنزل) بفتح الهمزة وكسر الزاي أي بأن يطلقها وتنقضي عدتها فتتزوج من عبد الرحمن. قوله: (بارك الله لك الخ) أي لا حاجة لي في مالك وأهلك ودعا له في مقابلة جميلة ومعروفه في بذل ذلك كله بقوله: بارك الله أي جعل البركة الكثيرة والثبات في أهلك ومالك. باب ما يقوله المسلم للذمي إذا فعل به معروفاً أي معه. قوله: (وما أشبهها) أي من الرحمة أو دخول الجنة أو رضوان الله

باب ما يقوله إذا رأى من نفسه أو ولده أو ماله أو غير ذلك شيئا فأعجبه وخاف أن يصيبه بعينه أو يتضرر بذلك

لكن يجوز أن يدعى له بالهداية وصحة البدن والعافية، وشبه ذلك. روينا في كتاب ابن السني عن أنس رضي الله عنه قال: استسقى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فسقاه يهودي، فقال له النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "جَمَّلَكَ الله" فما رأى الشيب حتى مات. باب ما يقوله إذا رأى من نفسه أو ولده أو ماله أو غير ذلك شيئاً فأعجبه وخاف أن يصيبه بعينه أو يتضرَّر بذلك روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى. قوله: (أن يدعى له بالهداية) قال -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم اهد دوساً" وقال: "اللهم اهد ثقيفاً" فهداهم الله فآمنوا إجابة لدعوته والمراد من الهداية المسؤولة لهم هي الإيصال إلى الإسلام لأن الدلالة على طريقة قد رزقوها إذ ما من ذرة في الكون إلا وهي دالة على وجود صانعها ومنشئها لكن تأثير ذلك والعمل بقضيته يحتاج إلى لطف رباني وتأييد إلهي قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}. قوله: (وشبه ذلك) بكسر المعجمة أي ما أشبه ذلك من تكثير العدد لتؤخذ جزيتهم فتكون عوناً للمسلمين وكثرة ما لهم ليكون غنيمة للموحدين. قوله: (استسقى النبي -صلى الله عليه وسلم-) أي طلب أن يسقي ماء. قوله: (جملك الله) لا ينافي ما جاء من أن الشيب نور ووقار لأنه كذلك عند الأخيار أما عند النساء فمكروه وكذا عند غير الأخيار من أهل الغفلة الأشرار. باب ما يقول إذا رأى من نفسه أو ولده أو ماله أو غير ذلك أي من خادمه وتابعه (شيئاً) أي معجباً (فأعجبه وخاف أن يصيبه بعينه) أي لاستحسانه له (وأن يتضرر) أي المرء (بذلك) أي الإعجاب. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم) وكذا رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث أبي هريرة ورواه ابن ماجه أيضاً من حديث عامر بن ربيعة كذا في الجامع الصغير. قوله:

"العَينُ حَقٌّ". وروينا في "صحيحيهما" عن أُمِّ سلمة رضي الله عنها: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى في بيتها جارية في وجهها سَفْعَةٌ فقال: "اسْتَرْقُوا لَهَا فإنَّ بِهَا النَّظْرَةَ". قلت: السفعة بفتح السين المهملة وإسكان الفاء: هي تغيُّرٌ وصُفرة. ـــــــــــــــــــــــــــــ (العين حق) قال المصنف في شرح مسلم قال الإِمام أبو عبد الله المازري: أخذ جماهير العلماء بظاهر الحديث وقالوا: العين حق وأنكره طوائف من المبتدعة والدليل على فساد قولهم إن كل معنى ليس مخالفاً في نفسه ولا يؤدي إلى قلب حقيقة ولا إفساد دليل فإنه من مجوزات العقول فإذا أخبر الشرع بوقوعه وجب اعتقاده ولا يجوز تكذيبه ثم قرر مذهب الطبائعيين في العين وأبطله ثم قال: ومذهب أهل السنة أن العين إنما تفسد وتهلك عند نظر العائن بفعل الله تعالى أجرى الله سبحانه العادة أن يخلق الضرر عند مقابلة هذا الشخص لشخص آخر وهل ثم جواهر خفية أم لا، هذا من مجوزات العقول لا يقطع فيه بواحد من الأمرين وإنما يقطع بنفي الفعل عنها وإضافته إلى الله تعالى فمن قطع من أطباء الإسلام بانبعاث الجواهر فقد أخطأ في قطعه وإنما هو من الجائزات اهـ. قوله: (وروينا في صحيحيهما عن أم سلمة) قال المصنف في شرح مسلم: هذا الحديث مما استدركه الدارقطني لعلة فيه قال: رواه عقيل عن الزهري عن عروة مرسلاً قلت: كما ذكره البخاري فإنه قال بعد تخريجه: مسنداً عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة فذكره وذكر متابعه ثم قال وقال عقيل عن الزهري: أخبرني عروة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلاً قال الدارقطني: وأرسله مالك وغيره من أصحاب يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن عروة قال الدارقطني: وأسنده أبو معاوية ولا يصح قال وقال عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد ولم يصنع شيئاً اهـ. قوله: (في وجهها سفعة) هذا لفظ البخاري وعند مسلم رأى بوجهها. قوله: (هي تغير وصفرة) فسر في الحديث في مسلم السفعة بالصفرة وقال الكرماني: السفعة الصفرة والشحوب في الوجه وأصل السفع الأخذ بالناصية يريد أن بها مسّاً

وأما النظرة فهي العين، يقال: صبيٌّ منظور: أي أصابته العين. وروينا في "صحيح مسلم" عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "العَيْنُ حَقٌّ ولَوْ كانَ شَيءٌ سابَقَ القَدَرَ سَبَقَتْهُ العَيْنُ، وإذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فاغْسِلُوا". قلت: قال العلماء: الاستغسال أن يقال للعائن، وهو الصائب بعينه الناظر بها بالاستحسان: ـــــــــــــــــــــــــــــ من الجن أخذاً منها بالناصية اهـ. قال المصنف في شرح مسلم وقيل: هي سواد وقال ابن قتيبة: لون يخالف لون الوجه وقيل: أخذة من الشيطان. قوله: (وأما النظرة فهي العين) أي إصابتها قال في شرح مسلم وقيل: هي المس أي مس الشيطان اهـ. قوله: (استرقوا) فيه دليل جواز الرقى والنهي عنها محمول على الرقية بما يجهل معناه من رقي الجاهلية ونحوها. قوله: (وروينا في صحيح مسلم) وكذا أخرجه أحمد كما في الجامع الصغير لو كان شيء سابق القدر سبقته العين، فيه إثبات القدر وهو حق بالنصوص وإجماع أهل السنة ومعناه إن الأشياء كلها بقدر الله تعالى ولا تقع إلا على حسب ما قدرها سبحانه وتعالى وسبق بها علمه فلا يقع ضرر العين ولا غيره من الخير والشر إلا بقدر الله تعالى وفيه صحة أمر العين وأنها قوية الضرر. قوله: (قال العلماء: الاستغسال الخ) أجمل المصنف في هذا المحل وبسط الكلام فيه في شرح مسلم فقال نقلاً عن المازري ورد الشرع بأمر العائن بالوضوء في حديث سهل بن حنيف رواه مالك في الموطأ وصفة وضوء العائن عند العلماء أن يؤتى بقدح ماء ولا يوضع القدح في الأرض فيأخذ منه غرفة فيتمضمض بها ثم يمجها في القدح ثم يأخذ منه ماء يغسل به وجهه ثم يأخذ بشماله ماء يغسل به كفه اليمنى ثم بيمينه ماء يغسل به اليسرى ثم بشماله ماء يغسل به مرفقه الأيمن ثم بيمينه ماء يغسل به مرفقه الأيسر ولا يغسل ما بين المرفقين والكفين ثم يغسل قدمه اليمنى ثم اليسرى ثم ركبته اليمنى ثم اليسرى على الصفة المتقدمة وكل ذلك في القدح ثم داخلة إزاره وهو الطرف المتدلي الذي يلي حقوه الأيمن وقد ظن بعضهم أن داخلة الإزار كنى به عن الفرج وجمهور العلماء على ما قدمناه فإذا استكمل هذا صبه من خلفه على رأسه وهذا المعنى لا يمكن تعليله ومعرفة وجهه وليس في قوة العقل الاطلاع على أسرار جميع

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المعلومات فلا يدفع هذا بأن لا يعقل معناه قال: وقد اختلف العلماء في العائن هل يجبر على الوضوء للمعين أم لا؟ واحتج من أوجبه بقوله -صلى الله عليه وسلم- في رواية مسلم هذه: "وإذا استغسلتم فاغسلوا" وبرواية الموطأ وفيها أنه -صلى الله عليه وسلم- أمر عائنه بالوضوء والأمر للوجوب قال المازري: والصحيح عندي الوجوب ويبعد الخلاف إذا خشي المعين الهلاك وكان وضوء العائن مما جرت العادة بالبرء به أو كان الشرع أخبر به خبراً عاماً ولم يكن زوال الهلاك إلا بوضوء العائن فإنه يصير من باب من تعين عليه إحياء نفس مشرفة على الهلاك وقد تقرر أنه يجبر على بذل الطعام للمضطر فهذا أولى وبهذا التقرير يرتفع الخلاف فيه اهـ، قال القاضي عياض بعد أن ذكر قول المازري الذي حكيته بقي من تفسير هذا الغسل على قول الجمهور -وفسر به الزهري وأدرك أن العلماء يصفونه واستحسنه علماؤنا ومضى به العمل- أن غسل العائن وجهه إنما هو صبة واحدة بيده اليمنى وكذلك باقي الأعضاء إنما هو صبه على ذلك العضو في القدح ليس على صفة غسل الأعضاء في الوضوء وغيره وكذلك غسل داخلة الإزار إنما هو داخله وغمسه في القدح الذي في يده القدح يصبه على رأس المعين من ورائه على جميع جسده ثم يكفأ القدح وراءه على الأرض وقيل: يستغفله بذلك عند صبه عليه وهذه رواية ابن أبي ذئب عن ابن شهاب وقد جاء عن ابن شهاب من رواية عقيل مثل هذا إلا أن فيه الابتداء بغسل الوجه قبل المضمضة وفيه في غسل القدمين أنه لا يغسل جميعهما وإنما قال ثم يفعل ذلك في طرق قدمه اليمنى من عند أصول أصابعه واليسرى كذلك وقد جاء في حديث سهل بن حنيف من رواية مالك في صفته أنه قال للعائن: اغتسل له فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف قدميه ظاهرهما في الإناء قال: وحسبته قال: وأمره فحسا منه حسوات والله أعلم، قال القاضي وفي الحديث من الفقه ما قاله بعض العلماء أنه ينبغي إذا عرف واحد بالإصابة بالعين أن يجتنب ويحترز منه وينبغي للإمام منعه من مداخلة النّاس ويأمره بلزومه بيته فإن كان فقيراً رزقه ما يكفيه ويكف أذاه عن النّاس فضرره أشد من ضرر آكل الثوم والبصل الذي منعه -صلى الله عليه وسلم- دخول المسجد لئلا يؤذي المسلمين ومن ضرر المجذوم الذي منعه عمر والعلماء بعده الاختلاط بالناس وهذا الذي قاله هذا القائل صحيح متعين ولا يعرف عن غيره تصريح

اغسل داخل إزارك مما يلي الجلد بماءٍ، ثم يصبُّ على المعينِ، وهو المنظور إليه. وثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يُؤمَر العائنُ أن يتوضأ ثم يغتسل منه المَعين. رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم. وروينا في كتاب الترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتعوَّذ من الجانّ وعين الإنسان حتى نزلت المعوّذتان، فلما نزلتا أخذ بهما وترك ما سواهما" قال الترمذي: حديث حسن. وروينا في "صحيح البخاري" حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي كان يعوَّذ الحسن والحسين: "أعِيذُكُما بكَلِماتِ الله التامَّةِ مِنْ كُل شَيطَانٍ وهَامَّةٍ ومِنْ كُل عَيْنٍ لامَّةٍ، ويقول: إن أباكما كان يعوِّذ بهما إسماعيل وإسحاق". ـــــــــــــــــــــــــــــ بخلافه اهـ. قوله: (داخلة إزارك) قال القاضي عياض: المراد بداخلة الإزار ما يلي الجسد منه وقيل: المراد موضعه من الجسد وقيل: المراد مذاكيره كما يقال: عفيف الإزار أي الفرج وقيل: المراد وركه إذ هو معقد الإزار. قوله: (المعين) بفتح الميم وكسر المهملة أي الذي أصابته العين. قوله: (يتعوذ من الجان) بتشديد النون أي أبي الجن وهو إبليس أو من جنسهم الشامل لجميع الشياطين وفي المغرب الجان أبو الجن وحية بيضاء صغيرة. قوله: (وعين الإنسان) أي التي تصيب بالسوء إشارة إلى قوله تعالى: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ} قال الحافظ عماد الدين بن كثير: قال ابن عباس ومجاهد: يزلقونك ينفذونك بأبصارهم أي ليعينوك بأبصارهم لولا وقاية الله تعالى لك وحمايته إياك منهم وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بإذن الله تعالى كما وردت به الأحاديث المروية من طرق متعددة اهـ. قوله: (حتى نزلت المعوذتان) بكسر الواو أي سورة الفلق والناس فإن ضم إليهما الإخلاص قيل: المعوذات بالجمع على طريق التغليب. قوله: (وروينا في صحيح البخاري) وكذا رواه أحمد كما قاله الحافظ وأصحاب السنن الأربعة كما في السلاح قال: ولفظ أبي داود والترمذي والنسائي أعيذكما بكلمات الله

وروينا في كتاب ابن السني عن سعيد بن حكيم رضي الله عنه قال: كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إذا خاف أن يصيبَ شيئاً بعينه قال: "اللهم بارِكْ فيهِ وَلا تَضُرَّهُ". وروينا فيه عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ رأى شَيئاً فأعْجَبَهُ فقالَ: ما شاءَ الله لا قُوّةَ إلاَّ باللهِ لَمْ يَضُرَّهُ". وروينا فيه عن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذَا رَأى أحَدُكُمْ ما يُعْجِبُهُ في نَفْسِهِ أو مالِهِ فَلْيُبَرِّكْ عَلَيهِ، فإنَّ العَينَ حَقٌّ". وروينا فيه ـــــــــــــــــــــــــــــ التامة الخ وكذا رواه ابن السني وعند البخاري: أعوذ بالله الخ، وسبق الكلام على الحديث قبيل أذكار المرض والموت وهذا مما تفرد به البخاري عن مسلم كما يوميء إليه صنيع المصنف وبه صرح العماد بن كثير في تفسيره. قوله: (وروينا في كتاب ابن السني عن سعيد بن حكيم رضي الله عنه) مقتضى عادة المصنف في التنبيه على من كان من الصحابة لا يعرفه إلا أهل العلم بالفن من إلحاقه بقوله الصحابي أن يقول هنا كذلك ولم يذكر ترجمته ابن الأثير في أسد الغابة والظاهر أنه ليس بصحابي ثم رأيت الحافظ ابن حجر قال في تقريب التهذيب سعيد بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري البصري أخو بهز صدوق من السادسة أي ممن عاصر صغار التابعين ولم يثبت له لقي بأحد من الصحابة روى عنه أبو داود والنسائي، ونحوه في الكاشف للذهبي والله أعلم، وحينئذٍ فالحديث معضل. قوله: (اللهم بارك فيه ولا تضره) أي فيدفع الله تعالى أثر العين عن المنظور إليه. قوله: (وروينا عن أنس الخ) بجانبه في الجامع الصغير علامة الضعف. قوله: (ما شاء الله) أي كان أو الكائن ما شاء الله وهذا منتزع من قوله تعالى حكايته عن أحد ذينك الرجلين حيث قال: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} أي لتندفع عنك العوارض والمهلكات. قوله: (وروينا فيه) أي في كتاب ابن السني وكذا رواه النسائي بلفظ إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو أخيه شيئاً يعجبه فليدع بالبركة فإن العين حق ورواه ابن ماجه والحاكم في المستدرك وكان العزو إلى النسائي وابن ماجه

عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا رأى أحدُكم من نفسِه ومالِه وأعْجَبَهُ ما يُعْجِبُهُ فَلْيَدع بالبَرَكةِ". وذكر الإِمام أبو محمد القاضي حسين من أصحابنا رحمهم الله في كتابه "التعليق" في المذهب قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ أولى من العزو إلى كتاب ابن السني ولعل لا ثار الشيخ لكتاب ابن السني سبباً خفى علينا وجهه والله أعلم. قوله: (عن عامر بن ربيعة) اختلف فيه هل هو من عنز أو مذحج وعنز بفتح النون والصحيح أنه بسكونها وهو أخو بكر بن وائل وعامر كنيته أبو عبد الله وهو حليف الخطاب ابن نفيل والد عمر بن الخطاب أسلم قديماً وهاجر إلى الحبشة هو وامرأته وعاد إلى مكة ثم إلى المدينة أيضاً ومعه امرأته ليلى بنت أبي جثمة وقيل: إنه أول من هاجر إلى المدينة وقيل: أبو سلمة بن عبد الأسد أول من هاجر إلى المدينة شهد عامر بدراً وروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- توفي سنة اثنتين وثلاثين حين نشم النّاس في أمر عثمان روى مالك عن يحيى بن سعيد عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه أنه قام من الليل يصلي حين نشم النّاس في أمر عثمان والطعن عليه ثم قام فأتى في المنام فقيل له: قم فاسأل الله أن يعيذك من الفتنة التي أعاذ منها صالح عباده، فقام يصلي ثم دعا ثم اشتكى فما خرج بعد إلا بجنازته وقيل: توفي بعد قتل عثمان بأيام كذا في أسد الغابة وحديثه وحديث سهل واحد أخرج النسائي واللفظ له وأخرجه من ذكر معه أيضاً عن عامر بن ربيعة فقال: خرجت أنا وسهل بن حنيف نلتمس الخمر أي بفتح أوليه كل ما ستر من شجر أو جبل أو نحو ذلك فأصبنا غديراً خمراً أي بوزن فرح فكان أحدنا يستحي أن يتجرد وأحد يراه واستتر حتى إذا رأى أن في فعل نزع جبة صوف عليه فنظرت إليه فأعجبني خلقه فأصبته بعيني فأخذته قعقعة فدعوته فلم يجبني فأتيت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته فقال: "قوموا بنا فرفع عن ساقيه حتى خاض إليه الماء" فكأني أنظر إلى وضح ساقي النبي -صلى الله عليه وسلم- فضرب صدره ثم قال: "بسم الله، اللهم أذهب حرها وبردها ووصبها" ثم قال: "قم بإذن الله" فقام فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا رأى أحدكم من نفسه

نظر بعض الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين إلى قومه يوماً فاستكثرهم وأعجبوه، فمات منهم في ساعة سبعون ألفاً، فأوحى الله سبحانه وتعالى إليه: أنَّكَ عِنْتَهُمْ، وَلَوْ أنَّكَ إذْ عِنْتَهُمْ حَصَّنْتَهُم، لَمْ يَهْلِكُوا، قال: وَبأيِّ شَيْءٍ أحَصِّنُهُمْ؟ فأوحى الله تعالى إليه: تقولُ: حَصَّنْتُكُم بالحَيِّ القَيُّوم الَّذِي لا يَمُوتُ أبَداً، وَدَفَعْتُ عَنْكُمُ السُّوءَ بِلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلاَّ بالله العَليِّ العَظِيم". قال المعلِّق عن القاضي حسين: وكان عادة القاضي رحمه الله إذا نظر إلى أصحابه فأعجبه ـــــــــــــــــــــــــــــ أو ماله أو أخيه شيئاً يعجبه فليدع بالبركة فإن العين حق" أورده في السلاح هكذا ووهم صاحب الحرز السمين في شرح الحصن الحصن في هذا المحل وهما فاحشاً فاحذره. قوله: (وليبرك عليه) أي كأن يقول: اللهم بارك فيه ويضم إلى ذلك ما شاء الله لا قوة إلا بالله كما قال السيوطي ودليله سبق في حديث أنس ولعل ضعفه لم يصل إلى المنع من العمل به في الفضائل. قوله: (فإن العين حق) أي إصابتها المعين بقدر الله حق أي والإتيان بالذكر المذكور يدفع ذلك الأثر بإذن الله. قوله: (نظر بعض الأنبياء الخ) أخرجه في أماليه في باب ما يقول بعد الصلاة عن صهيب رضي الله عنه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحرك شفتيه بشيء أيام حنين إذا صلى الغداة فقلنا: يا رسول الله لا تزال تحرك شفتيك بعد صلاة الغداة ولم تكن تفعله فقال: "إن نبياً كان قبلي أعجبته كثرة أمته فقال: لا يروم هؤلاء أحسبه قال شيء فأوحى الله إليه أن خير أمتك بين ثلاث إما أن أسلط عليهم الجوع أو العدو أو الموت فعرض عليهم ذلك فقالوا: أما الجوع فلا طاقة لنا به ولا العدو ولكن الموت فمات منهم في ثلاثة أيام تسعون ألفاً فأنا اليوم أقول: اللهم بك أحاول وبك أقاتل وبك أصاول" قال الحافظ: حديث صحيح أخرجه أحمد وأخرج النسائي طرفاً منه وأخرج الترمذي نحو القصة بسنده على شرط مسلم اهـ، ولعل القاضي حسيناً أشار إلى هذه القصة ويحتمل أنه أراد غيرها لقوله فمات في ساعة واحدة سبعون ألفاً والله أعلم. قوله:

باب ما يقول إذا رأى ما يحب وما يكره

سَمْتهم وحسن حالهم، حصَّنهم بهذا المذكور، والله أعلم. باب ما يقول إذا رأى ما يحبُّ وما يكره روينا في كتاب ابن ماجه وابن السني بإسناد جيد عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى ما يحبُّ قال: "الحَمْدُ لِلهِ الَّذي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصّالِحَاتُ"، وإذا رأى ما يكره قال: "الحَمْدُ لِلهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (سمتهم) بفتح المهملة وسكون الميم وبالفوقية أي طريقهم. قوله: (وحسن حالهم) من إضافة الصفة إلى الموصوف أي وحالهم الحسنة وأنت المصنف لفظ حالة والأفصح تذكير لفظها وتأنيث معناها فيقال: حال حسنة. باب ما يقول إذا رأى ما يحب أو ما يكره وظاهر ترجمة السلاح بقوله ما يقول إذا حدث له مما يجب أو يكره يقتضي تخصيص حديث الباب بما يخص الإنسان من ذلك لكن في الحرز تعميم ذلك فيما يتعلق بالإنسان نفسه أو غيره وسبق من المصنف رحمه الله أنه يقول في مثل ذلك: اللهم إن العيش عيش الآخرة فإن كان محرماً قال: لبيك إن العيش الخ، وحينئذٍ فينبغي ضم ذلك إلى ما ذكر في هذا الباب والمراد من الرؤية في الترجمة: العلم. قوله: (روينا في كتاب ابن السنن ألخ) ورواه الحاكم أيضاً كما أشار إليه الشيخ بقوله: قال الحاكم الخ، وكان حق الترتيب تقديم ابن ماجه في الذكر لأنه أحد أصحاب السنن خصوصاً واللفظ كما قال في السلاح قال: وعند الحاكم في رواية كان -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما يمنع أحدكم إذا عرف الإجابة من نفسه فشفي من مرض أو قدم من سفر أن يقول: الحمد الله الذي بعزته وجلاله تتم الصالحات" اهـ، وقد رأيت في نسخ أخرى مصححة بتقديم ابن ماجه في الذكر على ابن السني وهي العبادة كما تقدم. قوله: (بنعمته) أي بسبب نعمته أو بمصاحبتها أي بإنعامه. قوله: (تتم الصالحات) أي تكمل الأعمال الصالحة من الصلاح ضد الفساد. قوله: (يكرهه) بفتح التحتية ويجوز ضمها وفي

باب ما يقول إذا نظر إلى السماء

على كل حالٍ". قال الحاكم أبو عبد الله: هذا حديث صحيح الإسناد. باب ما يقول إذا نظر إلى السماء يستحبُّ أن يقول: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 191] إلى آخر الآيات، لحديث ابن عباس رضى الله عنهما المخرج في "صحيحيهما" أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك، وقد سبق بيانه، والله أعلم. باب ما يقول إذا تطيَّر بشيء ـــــــــــــــــــــــــــــ نسخ أخرى يكره بحذف المفعول وعليه فتتعين التحتية. قوله: (على كل حال) أي من الشدائد المكروهة للنفس أي ما تكرهه النفس مما لا يؤول إلى عذاب الآخرة موجب للحمد والشكر إذ هو إما كفارة سيئات أو رفع درجات. باب ما يقول إذا نظر إلى السماء ترجم البخارى في كتاب باب رفع البصر إلى السماء وساق فيه أحاديث ابن عباس هذا قال الكرمانى: قال ابن بطال: فيه رد على أهل الزهد في قولهم: إنه لا ينبغي النظر إلى السماء تخشعاً وتذللاً لله اهـ. ومثله في تحفة القارئ إلا أنه قال: وفيه رد على من قال لا ينبغي النظر الخ. قوله: (وقد سبق بيانه) أي في باب ما يقول إذا استيقظ من الليل وخرج من بيته والله أعلم. باب ما يقول إذا تطيَّر بشيء أي حصل له في قلبه تغير من ذكر ما يقع منه الطيرة وفي شرح عدة الحصن لابن جعمان قال ابن الأثير: الطيرة بكسر الطاء وفتح التحتية وقد تسكن وهي التشاؤم بالشيء وهو مصدر تطير يقال: تطير طيرة وتخير خيرة ولم يجيء من المصادر هكذا غير هذين وأصل التطير فيما يقول: هو التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظبي

روينا في "صحيح مسلم" عن معاوية بن الحكم السُّلَمي الصحابي رضي ـــــــــــــــــــــــــــــ أي مما لا تأثير له فيما اعتقدوه إنما هو تكلف لتعاطي ما لا أصل له إذا لا نطق للطير والظبي يستدل من قوله عليه وطلب العلم من غير مظانة جهل من فاعله كذا في الحزر قال في شرح العمدة: السانح ما مر من الطير والوحش بين يديك من جهة يسارك إلى يمينك والعرب نتيمن به لأنه أمكن للرمي والصيد والبارح ما مر من يمينك إلى يسارك والعرب تتطير به لأنه لا يمكنك أن ترميه حتى تنحرف وفي الحديث برح ظبي ذكر ذلك في النهاية وكان ذلك يصد أهل الجاهلية عن مقاصدهم مع أن كثيراً منهم كانوا لا يرون للطيرة شيئاً ويمدحون من كذب بها كما قال الشاعر: لا يقعدنك عن بغا ... ء الخير تعقاد التمائم ولقد غدوت وكنت لا ... أغدو على واق وحائم وإذا الأشائم كالأيا ... من والأيامن كالأشائم وكذاك لا خير ولا ... شر على أحد بدائم قد خط ذلك في خطا ... ت الأوليات القدائم والتمائم جمع تميمة وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم ينفون بها العين في زعمهم فأبطل ذلك الإسلام قال عكرمة: كنت عند ابن عباس فمر طائر يصيح فقال رجل من القوم: خير فقال ابن عباس: ما عند هذا خير ولا شر قال السيوطي: إنما أخذت الطيرة من اسم الطير لما ذكر من أنها كانت تتشاءم ببروح الطير نقله في مرقاة الصعود قال الحليمي في منهاجه: التطير قبل الإسلام كان من وجوه منها: زجر الطير وصوت الغراب ومرور الظبي والعجم يتطيرون برؤية الطير حين يذهب إلى العلم ويتيمنون برجوعه وكذا يتشاءمون بالسقاء وعلى ظهره قربة مملوءة مشدودة وبالحمال المثقل الحمل وهذا كله باطل وقد نهينا عن الباطل وحديث الشؤم في ثلاث: المرأة والدار والفرس ليس من التطير ثم بين وجه ذلك وأطال في بيانه. قوله: (روينا في صحيح مسلم) ورواه أبو داود والنسائي كلهم في كتاب الصلاة كما ذكر الحافظ المزي في أطرافه. قوله: (عن معاوية بن الحكم) بضم الميم وفتح المهملة وكسر الواو

الله عنه قال: قلت: يا رسول الله منَّا رجال يتطيرون، قال: "ذلكَ شَيءٌ يَجِدُونَه في صُدُورِهِمْ، فَلا يَصُدَّنَّهُمْ". ـــــــــــــــــــــــــــــ وبعدها تحتية فهاء تأنيث والحكم بفتح المهملة والكاف والسلمي بضم السين المهملة سكن معاوية المدينة قال المصنف في التهذيب: روى معاوية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة عشر حديثاً خرج عنه مسلم هذا الحديث وهو يجمع أحاديث اقتصر هنا على بعضه وخرج له داود والنسائي روى عنه أبو سلمة وعطاء بن يسار. قوله: (يتطيرون) قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: الفرق بين التطير والطيرة إن التطير هو الظن السيئ الذي يقع في النفس والطيرة هي الفعل المرتب على الظن السيئ قال: وإنما حرم التطير والطيرة لأنهما من باب سوء الظن بالله تعالى وحسن الفأل لأنه من باب حسن الظن بالله تعالى وقد قال تعالى: "أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء" وفي رواية: "فليظن بي خيراً" قال: وسأل رجل بعض العلماء فقال: إني إن ظننت الخير وقع لي وإن ظننت الشر حل بي هل يشهد لك شيء من الشريعة قال: نعم، قوله -صلى الله عليه وسلم- حكايته عن الله عز وجل: "أنا عند ظن عبدي بي وليظن بي خيراً ما شاء" وفي رواية مرقاة الصعود نقلاً عن صاحب النهاية: إنما أحب -صلى الله عليه وسلم- الفأل لأن النّاس إذا أملوا فائدة الله ورجوا عائدته عند كل سبب ضعيف أو قوي فهم على خير ولو غلطوا في جهة الرجاء فإن الرجاء خير لهم فإذا قطعوا أملهم ورجاءهم من الله كان ذلك من الشر وأما الطيرة فإن فيها سوء الظن بالله وتوقع البلاء اهـ. قوله: (ذلك الشيء يجدونه في صدورهم فلا يصدهم) قال الخطابي: يريد أن ذلك شيء يوجد في النفوس البشرية ويعتري الإنسان من قبل الظنون والأوهام من غير أن يكون له تأثير من جهة الطباع أو يكون فيه ضرر كما كان يزعمه أهل الجاهلية وقال المصنف في شرح مسلم: هذا الحديث أن الطيرة تجدونها في نفوسكم ضرورة فلا عيب عليكم في ذلك فإنه غير مكتسب لكم فلا تكليف به ولكن لا تمتنعوا بسببه عن التصرف في أموركم فهذا هو الذي تقدرون عليه وهو مكتسب لكم فيقع به التكليف فنهاهم عن العمل بالطيرة والامتناع من تصرفاتهم بسببها وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة في النهي عن التطير والطيرة

باب ما يقول عند دخول الحمام

وروينا في كتاب ابن السني وغيره عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الطِّيَرَةِ فقال: "أصْدَقُها الفألُ، ولاَ تَرُدُّ مُسْلِماً، وإذَا رأيْتُمْ مِنَ الطيَرَةِ شيئاً تَكْرَهُونَهُ فَقُولُوا: اللهم لا يأتِي بالحَسَناتِ إلا أنْتَ، وَلا يَذْهَبُ بالسيئاتِ إلاَّ أنْتَ، وَلا حَوْلَ وَلاَ قُوّةَ إلاَّ بالله". باب ما يقول عند دخول الحمام ـــــــــــــــــــــــــــــ وهي محمولة على العمل بها لا على ما يوجد في النفس من غير عمل على مقتضاه عندهم اهـ. قوله: (وروينا في كتاب ابن السني وغيره) ورواه أبو داود في سننه وابن أبي شيبة في مصنفه وقال: لا حول ولا قوة إلا بك روياه عن عروة بن عامر المكي وهو مختلف في صحبته ذكره ابن أبي حاتم في ثقات التابعين فالحديث مرسل على كونه تابعياً لكنه يعمل به في مثل ذلك عندنا أيضاً لكونه من الفضائل. قوله: (أصدقها الفأل) قال في النهاية: جاءت الطيرة بمعنى الجنس والفأل بمعنى النوع. قوله: (ولا ترد مسلماً) أي شأن المسلم المعتقد أن الله هو الفعال لما يشاء وأنه ليس لغيره أثر في شيء أن لا ترده الطيرة عما يقصده من شيء وإن وقع في قلبه منها شيء لما تقرر من أن المكلف بتركه هو التطير لأنه المكتسب للإنسان لا الطيرة نفسها لأنه من شأن الطبع أن يتغير منها فلا يؤاخذ به والله أعلم. قوله: (يأتي بالحسنات) قيل: الباء للتعدية أي لا يقدر ولا يحصل المستحسنات (إلا أنت). قوله: (بالسيئات) أي المكروهات. باب ما يقول عند دخول الحمام بفتح المهملة وتشديد الميم قال ابن العماد في مؤلفه المسمى بالقول التمام في دخول عربي مذكر لا مؤنث كما نقله الأزهري في تهذيب اللغة عن العرب وجمعه حمامات ويسمى بالديماس أيضاً وأول من اتخذه سليمان -صلى الله عليه وسلم- وعلى نبينا وعلى سائر النبيين روى الحافظ أبو نعيم في تاريخ أصبهان عن أبي موسى الأشعري عن النبي

قيل: يستحبُّ أن يسميَ الله تعالى، وأن يسألَه الجنَّةَ، ويستعيذَه من النار. روينا في كتاب ابن السني بإسناد ضعيف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "نِعْمَ البَيْتُ الحَمَّامُ يَدْخُلُهُ المُسْلِمُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ -صلى الله عليه وسلم- قال: "أول من صنعت له النورة ودخل الحمام سليمان بن داود فلما دخل وجد حره وغمه فقال: أوه من عذاب الله وأوه قبل ألا تكون أوه" اهـ، وفي الأوائل للسيوطي: أول من دخل الحمام سليمان أخرجه الطبراني عن أبي موسى مرفوعاً وتقدم في الفصول أول الكتاب زيادة في الكلم على الحمام مأخوذة من التهذيب للمصنف قالوا ولم تكن الحمامات بأرض العرب ولم يدخل النبي -صلى الله عليه وسلم- حماماً وما نقله الدميري من أنه دخل حمام الجحفة ردوه بأنه موضوع ولو ورد حمل على أن المراد بالحمام فيه الماء الحار لا المكان المسمى بذلك والله أعلم. قوله: (قيل يستحب أن يسمي الله تعالى) قال في شرح الروض ويستحب بعدها التعوذ كأن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم أعوذ بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث ويستحب تقديم يسراه دخولاً ويمناه خروجاً اهـ. قوله: (وأن يسأله الجنة ويستعيذ به من النار) أي يذكر بحرارته برد الجنة فيسألها أو حر النار فيستعيذ منها وفي المجموع في آداب داخل الحمام وأن يذكر بحرارته حر نار جهنم لشبهه بها أي فيستعيذ به منها وظاهر تعبير المصنف بقيل إنه غير مرتض له لكن في المجموع في آداب دخوله والتسمية ثم التقديم وأن يذكر بحرارته حر جهنم الخ، وقد ذكر الشيخ هنا مستند طلب سؤال الجنة والاستعاذة من النار واستحباب التسمية والتعوذ بالقياس على محل قضاء الحاجة لأنه مظنة لكشف العورة التي يراها الشيطان فأتى بهذا الذكر ليكون عوناً منه ومانعاً له والله أعلم. قوله: (روينا في كتاب ابن السني). قوله: (نعم البيت الحمام) أي لكونه وسيلة إلى التذكر بحر جهنم وبرد الجمعة فيستعاذ من الأولى ويسأل الثانية ويبادر إلى الأعمال الصالحة الموصلة لذلك. قوله: (يدخله المسلم)

باب ما يقول إذا اشترى غلاما أو جارية أو دابة، وما يقوله إذا قضى دينا

إذَا دَخَلَهُ سألَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ الجنّة وَاسْتَعاذَهُ مِنَ النارِ". باب ما يقول إذا اشترى غلاماً أو جارية أو دابة، وما يقوله إذا قضى دَيناً يستحبُّ في الأول أن يأخذ بناصيته ويقول: اللهُمَّ إني أسألُكَ خَيْرَهُ وَخَيْرَ ما جُبِلَ عَلَيْهِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وشَرِّ ما جُبِلَ عَلَيْهِ. وقد سبق في كتاب أذكار النكاح الحديث الوارد في نحو ذلك في سنن أبي داود وغيره. ويقول في قضاء الدَّين: "بارَكَ اللهُ لَكَ في أهْلِكَ ومَالِكَ وَجَزَاكَ خَيْراً". ـــــــــــــــــــــــــــــ يحتمل أن يكون في موضع الحال أو الصفة لأن أل في الحمام للجنس وسبق في باب المسائل التي تتفرع على السلام ما يقال لمن يخرج من الحمام بما فيه. قوله: (إذا دخله سأل الله الجمعة) أي تذكر بحره بردها فيسألها من الله أي أن يوفقه للأعمال الموصلة إليها بفضل الله تعالى. باب ما يقول إذا اشترى غلاماً أو جارية أو دابة وما يقوله إذا قضى ديناً قوله: (في الأول) أي المشتري من غلام أو جارية أو دابة. قوله: (في كتاب أذكار النكاح) أي في باب ما يقول: إذا دخلت عليه امرأته ليلة الزفاف وسبق الكلام على تخريج الحديث وما يتعلق بمعناه. قوله: (ويقول في قضاء الدين الخ) سبق في باب دعاء الإنسان لمن صنع إليه معروفاً أو إلى النّاس كلهم أو بعضهم والثناء عليه وتحريضه على ذلك حديث ابن السني عن عبد الله بن ربيعة الصحابي رضي الله عنه قال: استقرض مني النبي -صلى الله عليه وسلم- أربعين ألفاً فجاءه مال فدفعه إلي وقال: "بارك الله لك في أهلك ومالك" الحديث وسبق في الباب المذكور أيضاً حديث أسامة مرفوعاً من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيراً فقد أبلغ في الثناء فجمع الشيخ الذكر المذكور من هذين الخبرين والله أعلم. وسكت المصنف عما يقوله الدائن للمدين إذا قضاه قال في السلاح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان لرجل على النبي -صلى الله عليه وسلم- سن من الإبل فجاء يتقاضاه فقال: أعطوه فطلب سنه فلم

باب ما يقول من لا يثبت على الخيل ويدعى له به

باب ما يقول من لا يثبت على الخيل ويدعى له به روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: "شكوتُ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أني لا أثبت على الخيل، فضرب بيده في صدري وقال: "اللهم ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ يجدوا إلا سناً فوقها فقال: أعطوه فقال: أوفيتني أوفى الله بك فقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن خياركم أحسنكم قضاء" رواه الجماعة إلا أبا داود وفي رواية للبخاري أيضاً أوفيتني وفي الله بك وفي أخرى له أوفاك الله وهذا الذكر وإن كان موقوفاً من ذلك القائل لكن أقره عليه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فهو من جملة سنته فيعد من الذكر المأثور عنه -صلى الله عليه وسلم-. باب ما يقول من لا يثبت على الخيل ويدعى له به أي ما يقوله من عرض حاله ممن لا يثبت على الخيل لمن ترجى بركته وتستجاب دعوته من العلماء الوارثين والأولياء الواصلين وما يدعو به ذلك المسؤول منه الدعاء المشرف بمقام وراثة الرسول ليبلغ السائل المراد من المسؤول. قوله: (روينا في صحيحى البخارى ومسلم) قضية كلام جامع الأصول إنهما انفردا به عن أصحاب السنن الأربع وفي الأطراف للمزي فيما رواه قيس بن أبي حازم البجلي عن جرير ما حجبني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم وزاد ابن إدريس من حديثه وشكوت إليه أني لا أثبت على الخيل فضرب بيده وقال: اللهم اجعله هادياً مهدياً رواه البخاري في الجهاد والأدب من صحيحه ومسلم في الفضائل والترمذي في المناقب وقال حسن صحيح والنسائي فيها أيضاً وابن ماجه في السنة اهـ، ومخلصاً. قوله: (شكوت إليه إلخ) هذه الشكوى سأل دفعها ليشرف بمقام الجهاد وإعلاء كلمة الإسلام على الدوام. قوله: (فضرب بيده في صدري) إنما ضرب في صدره

باب نهي العالم وغيره أن يحدث الناس بما لا يفهمونه، أو يخاف عليهم من تحريف معناه وحمله على خلاف المراد

هادياً مَهْدِياً". باب نهي العالِمِ وغيره أن يحدّث النَّاس بما لا يفهمونه، أو يخاف عليهم من تحريف معناه وحمله على خلاف المراد قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4]. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لمعاذ رضي الله عنه حين طوَّل الصلاة بالجماعة: ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن فيه القلب الذي بثباته يحصل الثبات. قوله: (هادياً) أي يهدي غيره إلى السبيل الحميد. وقوله: (مهدياً) أي في ذاته لذلك فيكون وأصلاً مرشداً والله أعلم. باب نهي العالم وغيره أي من الواعظ والقاص (أن يحدث النّاس بما لا يفهمونه) مما لا تطيق عقولهم قبوله (أو) بما يفهمونه لكن (يخاف عليهم من تحريفه) إذا أرادوا نقله والتعبير عنه وحاصله نهى من ذكر عن التحدث بما يخاف على السامع من تحريفه لعدم قدرته على التعبير عنه على ما هو عليه لغموضه ودقته وإن كان مما يتسع له عقل المخاطب. وقوله: (وحمله) أي ومن حمل المخاطب بذلك لذلك (على خلاف المراد منه) هو كالتفسير للتحريف بأن يكون خلاف المراد هو المتبادر منه لكونه معناه الأصلي أو المعنى الحقيقي إلا أنه غير مراد لما يمنع من إرادته فينهي العالم عن ذكر ذلك من غير بيان الحال لئلا يحمله المخاطب على خلاف المراد وذلك نحو ذكر الوجه أو اليد أو نحو ذلك له عزّ وجلّ فهذا ربما يحمله بعض السامعين على المتبادر منه من الجارحة المعروفة: لكون ذلك هو المعنى الأصلي للفظ إلا أنه غير مراد لما يلزم عليه من اتصافه تعالى بأوصاف الحادث تعالى عن ذلك فحينئذٍ إذا ذكر العالم ذلك عند من يخشى منه حمله على خلاف المراد عقبه بقوله وظاهر هذا غير مراد أو نحو ذلك والله أعلم. قوله: (وما أرسلنا من رسول الله بلسان قومه) أي بلغتهم (ليبين لهم) أي ليفهمهم ما أتى به. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) ورواه أبو داود والنسائي. قوله: (حين طول الصلاة بالجماعة) وتلك الصلاة: صلاة العشاء

"أَفَتَّانٌ أنْتَ يا معاذُ"؟ . وروينا في "صحيح البخاري " عن عليٍّ رضي الله عنه قال: "حدَّثوا النّاس بما ـــــــــــــــــــــــــــــ كما في البخاري وفي أبي عوانة إنها المغرب فأما إن القضية تعددت أو تحمل المغرب على العشاء مجازاً وقرأ معاذ في تلك الصلاة بالبقرة كما في البخاري وعند أحمد فقرأ: اقتربت الساعة قال السيوطي: وهي شاذة وكان ذلك في مسجد بني سلمة والرجل الذي انصرف من الصلاة جاء في رواية البزار أنه حزم بن أبي كعب وإنه كان يريد أن يسقي نخله قال الحافظ: وهو تصحيف من حرام وقد ظنه جماعة حرام بن ملحان خال أنس يعني بمهملتين قال: وهو تصحيف ولأحمد من وجه آخر إنه سليم وصحفه بعضهم سلماً بفتح أوله وسكون ثانيه وجمع بأنهما واقعتان للاختلاف في الصلاة هل هي المغرب أو العشاء؟ أو في السورة هل هي البقرة أو اقتربت؟ وفي عذر الرجل هل هو لأجل التطويل فقط أو لكونه جاء من العمل وهو تعبان أو لكونه أراد أن يسقي نخله أو لكونه خاف على الماء في النخل؟ واستشكل هذا الجمع لأنه لا يظن بمعاذ العود إلى التطويل بعد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتخفيف وأجيب باحتمال أنه قرأ أولاً بالبقرة فلما نهاه قرأ اقتربت ظناً إنها لا تستطال وجمع المصنف باحتمال أنه قرأ في الأولى البقرة فانصرف رجل ثم قرأ اقتربت في الثانية فانصرف آخر أما ما في الصحيحين أيضاً من حديث أبي مسعود الأنصاري: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان مما يطيل بنا فما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- غضب في موعظة أشد مما غضب يومئذٍ الحديث فقال الحافظ: من قال إنه معاذ ابن جبل فقد وهم وإنما هو أبي بن كعب كما أخرجه أبو يعلى بإسناد حسن من حديث جابر كان أبي بن كعب يصلي بأهل قباء فاستفتح سورة طويلة فدخل معه غلام من الأنصار في الصلاة فلما رآه استفتحها انتقل من صلاته فغضب أبي فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- يشكو الغلام وأتى الغلام يشكو أبياً الحديث. قوله: (أفتان) بتشديد الفوقية صيغة مبالغة من الفتنة وفي البخاري إنه قال ذلك ثلاثاً أو قال فاتن كذلك ومعنى الفتنة هنا إن التطويل سبب لخروجهم من الصلاة ولكراهة الجماعة وقيل: العذاب لأنه عذبهم بالتطويل كذا في التوشيح. قوله: (وروينا في صحيح البخاري عن علي) انفرد به عن الستة. قوله: (حدثوا النّاس) أي كلموهم (بما

باب استنصات العالم والواعظ حاضري مجلسه ليتوفروا على استماعه

يعرفون، أتحبُّون أن يُكذب الله ورسولُه". باب استنصات العالم والواعظ حاضري مجلسه ليتوفروا على استماعه روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوادع: "اسْتَنْصِتِ الناسَ"، ثم قال: "لا تَرْجِعُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ يعرفون) أي يدركون بعقولهم زاد أبو نعيم في مستخرجه ودعوا ما ينكرون واتركوا ما يشتبه عليهم فهمه. قوله: (أن يكذب الله) بفتح الذال المعجمة المشددة لأن السامع لما لم يفهمه يعتقد استحالته جهلاً فلا يعرف وجوده فيلزم التكذيب روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: حفظت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جرابي علم أما أحدهما: فبثثته وأما الثاني: فلو بثثته لشق مني هذا البلعوم قيل: إنه كان فيما لا تسعه العقول من الحقائق وغير ذلك. باب استنصات العالم والواعظ أي المذكر بالله سبحانه (حاضري مجلسه ليتوفروا على استماعه). قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) ورواه أحمد والنسائي وابن ماجه كلهم عن جرير ورواه أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن ابن عمر ورواه البخاري والنسائي عن أبي بكرة ورواه البخاري والترمذي عن ابن عباس كذا في الجامع الصغير للسيوطي. قوله: (في حجة الوداع) بفتح الحاء والواو وكسرهما والفتح في الوداع على أنه اسم والكسر فيه على أنه مصدر من المفاعلة. قوله: (استنصت لي النّاس) في آخر كتاب العلم من البخاري أنه -صلى الله عليه وسلم- قال له في حجة الوداع الخ، وادعى أن لفظة له زائدة لأن جرير أسلم بعد حجة الوداع بنحو شهرين فيما جزم به ابن عبد البر ورد بأن البغوي وابن حبان قالا: إنه أسلم قبلها في

باب ما يقوله الرجل المقتدى به إذا فعل شيئا في ظاهره مخالفة للصواب مع أنه صواب

بَعْدِي كُفاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ". باب ما يقوله الرجل المقتدى به إذا فعل شيئاً في ظاهره مخالفة للصواب مع أنه صواب اعلم أنه يستحب للعالِم والمعلِّم والقاضي والمفتي والشيخ المربِّي وغيرهم ـــــــــــــــــــــــــــــ رمضان واللفظة ثابتة في الأمهات القديمة فتقدم كذا في التوشيح للحافظ السيوطي وتقدم في هذا المعنى مزيد في ترجمة جرير رضي الله عنه. وقوله: (كفاراً) أي كالكفار في استحلال بعضكم دماء بعض فهو منصوب بنزع الخافض على تضمين ترجعوا معنى تشبهوا أو بالخبرية على تفسير ترجعوا بتصيروا كذا في تحفة القارئ. وقوله: (يضرب بعضكم) قال القاضي عياض: الرواية بالرفع أي لا تفعلوا فعل الكفار فتشبهوهم في حال قتل بعضهم بعضاً قال عياض: ومن جزم أحال المعنى، ثم رفعه على الاستئناف بيان لترجعوا أو حال من ضمير ترجعوا أو صفة لكفاراً وجوز في تحفة القارئ جزمه على أنه جواب شرط مقدر أي فإن ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض. فائدة قال السيوطي في مصباح الزجاجة نقلاً عن المصنف في معناه سبعة أقوال: أحدها: أن ذلك كفر في حق المستحل، الثاني: المراد كفر النعمة وحق الإسلام، الثالث: أنه يقرب من الكفر ويؤدي إليه، الرابع: أنه فعل كفعل الكفار، الخامس: المراد حقيقة الكفر ومعناه لا تكفروا بل دوموا على الإسلام، والسادس: حكاه الخطابي وغيره إن المراد الكفار المتكفرون بالسلاح يقال: تكفر الرجل بسلاحه إذا لبسه قال الأزهري في التهذيب يقال للابس السلاح كافر، والسابع: قاله الخطابي معناه لا يكفر بعضكم بعضاً تستحلوا قتال بعضكم بعضاً وأظهر الأقوال الرابع وهو اختيار القاضي عياض اهـ. باب ما يقوله الرجل المقتدى به إذا فعل شيئاً في ظاهره مخالفة للصواب مع أنه صواب أي في نفس الأمر. قوله: (للعالم) أي من كان من أهل العلم وإن لم ينتصب لتعليمه فعطف المعلم عليه من عطف الخاص على العام. قوله: (والشيخ المربي) أي الذي يربي المريدين بأن يسوسهم بالأخلاق الرضية ويخرجهم من الأخلاق الردية ويؤهلهم للوصول إلى ساحات الفيوضات الربانية. قوله: (وغيرهم) أي كمرشد

ممن يقتدَى به ويؤخَذُ عنه: أن يجتنبَ الأفعالَ والأقوالَ والتصرفاتِ التي ظاهرها خلاف الصواب وإن كان محقاً فيها، لأنه إذا فعل ذلك تَرَتَّبَ عليه مفاسد، من جملتها: توهُّم كثير ممن يعلم ذلك منه أن هذا جائز على ظاهره بكل حال، وأن يبقى ذلك شرعاً وأمراً معمولاً به أبداً، ومنها وقوع النّاس فيه بالتنقُّص، واعتقادهم نقصه، وإطلاق ألسنتهم بذلك، ومنها أن النّاس يسيئون الظن به فينفرون عنه، وينفِّرون غيرَهم عن أخذ العلم عنه، وتسقط رواياته وشهادته، ويبطل العمل بفتواه، ويذهب ـــــــــــــــــــــــــــــ السالكين أو من كان معتقداً لكونه من الصالحين وإن لم يكن من المربين ولا من المرشدين. قوله: (أن يجتنب الأفعال الخ) قال بعضهم: إياك وما يعتذر منه وإن عددت له مخرجاً صحيحاً. قوله: (لأنه إذا فعل ذلك) أي المذكور من الأقوال والأفعال التي ظاهرها خلاف الصواب وعلمه ذلك منه لكونه يراه يفعله ولا يدري محمله فيه فيحمله على إطلاقه وإنه مشروع كذلك كما أشار إليه المصنف. قوله: (وأن يبقى ذلك) أي المحذور (شرعاً) أي على عمومه من غير تقييد بالمحمل الذي صحبه مقصوراً عليه. قوله: (ومنها وقوع النّاس فيه) أي لأنه إن لم يقف على المحمل المسوغ لذلك يقع في فاعله (أو تنقصه) بكونه يباشر ما لا يجوز. قوله: (فينفرون عنه) يضم الفاء من النفرة. قوله: (وينفرون) بتشديد الفاء من التنفير وحذف معموله للتعميم أي فيذهب المقصود من الاقتداء به وأخذ العلم عنه من الانتفاع به والسعي في حصول الثواب بهذا الأمر الذي ظاهره غير روي. قوله: (وتسقط روايته وشهادته) أي وذلك لانطلاق الألسنة فيه المقتضى عادة لقلة الوثوق ممن كان كذلك. قوله: (بفتياه) بضم الفاء ويقال بفتح الفاء وهو ذكر حكم حديث لأمر حديث. قوله:

ركون النفوس إلى ما يقوله من العلوم، وهذه مفاسد ظاهرة، فينبغي له اجتناب أفرادها، فكيف بمجموعها؟ فإن احتاج إلى شيء من ذلك وكان محقاً في نفس الأمر لم يظهره، فإن أظهره أو ظهر أو رأى المصلحة في إظهاره ليعلم جوازه وحكم الشرع فيه، فينبغي أن يقول: هذا الذي فعلتُه ليس بحرام، أو إنما فعلتُه لتعلموا أنه ليس بحرام إذا كان على هذا الوجه الذي فعلته، وهو كذا وكذا، ودليله كذا وكذا. روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام على المنبر، فكبَّرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ركون القلوب) أي استنادها واعتمادها. قوله: (اجتناب أفرادها) أي باجتناب ما يدعو إليها من الأفعال الردية وإن كان لها عنده محامل رضية إلا لحاجة تدعوه لذلك وتلجئه إليه. قوله: (لم يظهره) أي ما ذكر من الفعل الذي ظاهره معترض وله فيه محمل مرضي خشية من حصول الضرر المذكور على ذلك. قوله: (فإن أظهره) أي قصداً. قوله: (أو ظهر) أي من غير قصده (أو رأى المصلحة في إظهاره) أي أو لم يظهره ولا ظهر ولكن رأى نحو العالم المصلحة في ظهوره بأن كل من الأحكام التي لا يعرفها إلا قليل وخشي جهل الباقين لها فيظهر أنه فعل ذلك ويبين حكمه ليعلم كان يطوف إنسان راكباً على دابة بقصد بيان جواز ذلك وإنه لا كراهة فيه فضلاً عن حرمته ومن عبر بكراهة ذلك أراد بها ما يسميها المتأخرون بخلاف الأولى. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) وأخرجه أبو داود والنسائي كما في مختصر جامع الأصول. قوله: (قام على المنبر) قال العلماء: المنبر بكسر الميم وسكون النون وفتح الموحدة مأخوذ من المنبر وهو الارتفاع وكان المنبر الذي صنع له -صلى الله عليه وسلم- ثلاث درجات كما صرح به مسلم في روايته وصلاته هذه بعد خطبته كما في تحفة القارئ والإمام

وكبَّر النّاس وراءَه، فقرأ وركع وركع النّاس خلفَه، ثم رفع، ثم رجع القهقرى فسجد على الأرض، ثم عاد إلى المنبر حتى فرغ من صلاته، ثم أقبل على النّاس فقال: أيُّها النَّاسُ إنَّمَا صَنَعْتُ هَذا لتَأتمُّوا بِي ولِتَعَلمُوا صَلاتي". والأحاديث في هذا الباب كثيرة. كحديث "إنَّها صَفِيَّةُ". ـــــــــــــــــــــــــــــ في الصلاة على المنبر ليريهم أعمال الصلاة كما ذكر ذلك آخر الحديث قال المصنف: وفي الحديث جواز صلاة الإِمام مرتفعاً على موضع المأمومين ويقاس به عكسه ثم إن كان الارتفاع لغير حاجة فمكروه ولا تبطل مطلقاً على الصحيح وإن كان لحاجة كتعليمهم أفعال الصلاة لم يكره بل يستحب لهذا الحديث ولذا إذا أراد المأموم إعلام المأمومين بصلاة الإِمام واحتاج إلى الارتفاع لم يكره. قوله: (وكبر النّاس وراءه) أي عقب تكبيره. قوله: (ثم رجع القهقرى) تقدم في الفصول أول الكتاب أنه المشي إلى الخلف والمراد أنه نزل بعد إكمال الاعتدال إلى أصل المنبر بمشي القهقرى إلى خلفه وفعل ذلك محافظة على الاستقبال وقدمنا إن درجات المنبر كانت ثلاثة والثالثة المستراح فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان في الثانية فنزل منها إلى الأرض في خطوتين فيؤخذ منه جواز الفعل اليسير في الصلوات فالخطوتان لا تبطلان الصلاة لكن الأولى ترك ذلك إلا لحاجة فإن كان لحاجة فلا كراهة كما فعل -صلى الله عليه وسلم- وفيه إن العمل الكثير إذا لم يكن متوالياً لا يبطل الصلاة لأن النزول عن المنبر والصعود تكرر وجملته كثيرة لكن إفراده المتفرقة كل واحد منها قليل. قوله: (فلما فرغ) أي من الصلاة. قوله: (قال صنعت هذا) أي صعود المنبر ثم النزول منه في الصلاة الذي هو لولا حاجة البيان خلاف الأولى (لتأتموا بي) أي لتقتدوا ويرى الجميع الأفعال بالعيان فيتعلموا كيفيتها بالرؤية ولذا قال (ولتعلموا صلاتي) أي لتتعلموها فحذف إحدى التاءين تخفيفاً. قوله: (كحديث إنها صفية) وذلك ما أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والبزار والإسماعيلي وأبو عوانة والبرقاني وأبو نعيم والبيهقي عن صفية قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- معتكفاً فأتيته أزوره ليلًا فحدثته ثم قمت لانقلب فقام معي ليقلبني وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد فمر رجلان

وفي البخاري: "أن علياً شرب قائماً وقال: رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعل كما رأيتموني فعلت" والأحاديث والآثار في هذا المعنى في الصحيح مشهورة. ـــــــــــــــــــــــــــــ من الأنصار فلما رأيا النبي -صلى الله عليه وسلم- أسرعا فقال -صلى الله عليه وسلم-: "على رسلكما إنها صفية بنت حيي" فقالا: سبحان الله يا رسول الله فقال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما، هذا أحد ألفاظ رواية الصحيحين وفيهما روايات بنحو ذلك كما أشار إليه القلقشندي في شرح عمدة الأحكام، والرجلان قيل: هما أسد بن حضير وعباد بن بشر صاحبا المصباحين قاله ابن العطار في شرح العمدة وقوله: إنها صفية قال السيوطي في مصباح الزجاجة على سنن ابن ماجه أخرج ابن عساكر في تاريخه من طريق أبي محمد بن أبي حاتم حدثنا محمد بن روح عن إبراهيم بن محمد الشافعي قال: كنا في مجلس ابن عيينة والشافعي حاضر فحدث حديث إنها صفية فقال ابن عيينة للشافعي ما فقه هذا الحديث يا أبا عبد الله قال: إن كان القوم قد اتهموا النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا بتهمتهم إياه كفاراً لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- أدب من بعده فقال: "إذا كنتم هكذا فافعلوا هكذا حتى لا يظن بكم ظن السوء" لا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يتهم وهو أمين الله في أرضه فقال ابن عيينة: جزاك الله خيراً يا أبا عبد الله ما يجيئنا منك إلا كل ما نحبه اهـ. قوله: (وفي البخاري) ورواه في الشمائل والنسائي كذا في الأطراف للمزي. قوله (شرب قائماً) أي وذلك برحبة الكوفة: . قوله: (إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعل) أي شرب قائماً (كما رأيتموني أفعل) أي أشرب ذلك، وفعل علي لتبليغ شرعه -صلى الله عليه وسلم- وفعله -صلى الله عليه وسلم- لبيان الجواز وإن نهيه عن الشرب قائماً ليس على سبيل التحريم بل على سبيل الكراهة والتنزيه وقد أشار إلى هذا الحمل الحافظ ابن حجر حيث قال: إذا رمت تشرب فاجلس تفز ... بسنة صفوة أهل الحجاز وقد صححوا شربه قائماً ... ولكنه لبيان الجواز (والأحاديث) أي المرفوعة (والآثار) أي الموقوفة: والمقطوعة.

باب ما يقوله التابع للمتبوع إذا فعل ذلك أو نحوه

باب ما يقوله التابع للمتبوع إذا فعل ذلك أو نحوه اعلم أنه يستحبُّ للتابع إذا رأى من شيخه وغيره ممن يقتدى به شيئاً في ظاهره مخالفة للمعروف أن يسأله عنه بنية الاسترشاد، فإن كان في فعله ناسياً تداركه، وإن كان فعله عامداً وهو صحيح في نفس الأمر، بيَّنَه له. فقد روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: "دفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عرفة حتى إذا كان بالشِّعب نزل فبال ـــــــــــــــــــــــــــــ باب ما يقوله التابع للمتبوع إذا فعل أي المتبوع (ذلك) أي ما ظاهره غير صواب وهو صواب في نفس الأمر (أو نحوه) أي ما ظاهره مكروه أو خلاف الأولى وليس كذلك في نفس الأمر وهذا على سبيل التذكير واستبانة الأمر لا على وجه الاعتراض وامتحان نحو الأستاذ فإنه قبيح. قوله: (في ظاهره مخالفة للمعروف) أي بأن يكون ظاهره محرماً أو مكروهاً وليس كذلك في الحقيقة. قوله: (بنية الاسترشاد) أي بأن يرشده الأستاذ لبيان ما خفى عليه وجهه. قوله: (فإن كان قد فعله ناسياً الخ) ووجه الإرشاد في هذه الأعلام أن ما فعله الأستاذ ليس من المشروع حتى يقتدي به فيه الطالب بل إنما صدر على سبيل النسيان الذي لا يكاد يخلو منه إنسان. قوله: (بيّنه وله) أي بيّن له ما ذكر من صحة العبادة في نفس الأمر وذلك ببيان الدليل إن كان ذلك الحكم للعموم أو بيان وجه الرخصة إن كان لعذر به دعاه لذلك. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم) ورواه مالك والنسائي وأبو داود كما في تيسير الوصول للديبع. قوله: (دفع -صلى الله عليه وسلم- من عرفة) أي أفاض وسمى ذلك دفعاً لأن بعضهم يدفع بعضاً أي يزحمه كما في تحفة القارئ. قوله: (حتى إذا كان بالشعب) بكسر المعجمة وسكون المهملة قال الطبري في القرى: الشعب هو انفراق بين الجبلين من

ثم توضأ، فقلت: الصلاةُ يا رسول الله، فقال: "الصلاةُ أمامَكَ". قلت: إنما قال أسامة ذلك، لأنه ظنَّ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نسي صلاة المغرب، وكان قد دخل وقتُها وقَرُبَ خروجُه. وروينا في "صحيحيهما" قول سعد بن أبي وقاص: "يا رسول الله، ما لك عن فلان والله إني لأراه مؤمناً". ـــــــــــــــــــــــــــــ طريق ونحوه قال البخاري أي الشعب الأيسر الذي دون المزدلفة وقال الملأ على يسرة الطريق بين المأزمين ويقال له: شعب الأذخر اهـ. قوله: (ثم توضأ) أي وضوء الصلاة لكن مقتصراً فيه على أقل مجزئ بأن اقتصر على غسل أعضاء الوضوء من غير تكرار وبالتخفيف وفعله ذلك لاستعجاله ومبادرته به ليكون على طهارة إذ لا يخلو من ذكر الله تعالى ثم جدد الوضوء وأتى به على الكمال بمزدلفة ويجوز أن يكون طرأ ما يوجبه بالمزدلفة وفي الحديث دليل على أن الوضوء عبادة في نفسه وإن لم يرد به الصلاة كذا في القرى. قوله: (الصلاة) بالنصب على الإغراء أو بإضمار يريد وأل في الصلاة للعهد أي المغرب. قوله: (الصلاة أمامك) مبتدأ وخبر أي مشروعة بين يديك أي في المزدلفة قال في تحفة القارئ: ويجوز نصبها بمقدر. قوله: (ذلك) أي الصلاة أي صلاة المغرب. قوله: (دخل وقتها) أي وهم بعرفة. قوله: (وقرب خروجه) أي خروج وقت المغرب عند نزوله بذلك الشعب فذكر بها لذلك فبين له النبي -صلى الله عليه وسلم- أن التأخير لجمع التأخير. قوله: (وروينا في صحيحيهما) وكذا رواه أبو داود والنسائي كذا في الأطراف. قوله: (سعد الخ) أي وذلك لما أعطى النبي -صلى الله عليه وسلم- جمعاً كثيراً ولم يعط رجلاً يعلم سعد حاله فتوهم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نسيه فذكره بشأنه بقوله: يا رسول الله ما لك عن فلان واسمه جعيل بن سراقة الضمري. وقوله: (ما لك عن فلان) أي ما سبب عدو لك عنه. ووله: (لأراه مؤمناً) الرواية بضم الهمزة قال المصنف: الصواب الفتح بمعنى العلم لقوله بعد غلبني ما أعلم منه فالضم

وفي "صحيح مسلم" عن بريدة "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى الصلواتِ يوم الفتح بوُضوء واحد، فقال عمرُ رضي الله عنه: لقد صنعتَ اليوم شيئاً لم تكن تصنعُه، فقال: "عَمْداً صَنَعْتُهُ يا عُمَرُ" ونظائر هذا كثيرة في الصحيح مشهورة. ـــــــــــــــــــــــــــــ بمعنى الظن قال الحافظ ابن حجر ويجوز أن يكون العلم في كلامه بمعنى الظن فيوافق الضم وتتمة الخبر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أو مسلماً" بسكون الواو أي أنكر عليه الجزم بالإيمان الذي محله القلب ولا اطلاع عليه وأرشده إلى أن إطلاق الإسلام على من لم يختبر باطن حاله أولى من إطلاق الإيمان لأن الإسلام معلوم بحكم الظاهر وليس ذلك لكون جعيل ليس من المؤمنين فقد ورد في حديث عند الروياني في مسنده بسند صحيح عن أبي ذر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له: "كيف ترى جعيلاً" فقلت: كشكله من المهاجرين قال: "كيف ترى فلاناً" قلت: سيد من سادات النّاس قال: "فجعيل خير من ملء الأرض من فلان" قلت: ففلان هكذا وأنت تصنع به ما تصنع قال: "إنه رأس قومه فأنا أبي الرجل" لفهم به فعلم من هذا أن قوله أو مسلماً إرشاد إلى التحري في العبارة لا إنكار كون المتروك مؤمناً ولا تعليل لترك إعطائه وقد بين سبب ترك الإعطاء بقوله إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه مخافة أن يكبه الله في النار. قوله: (وفي صحيح مسلم) رواه مسلم في الطهارة من صحيحه ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه في كتاب الطهارة من سننهم وقال الترمذي حسن صحيح. قوله: (يوم الفتح) أي في يوم من إقامته بمكة زمن الفتح ويمكن أن يكون نفس اليوم الذي وقع فيه فتح مكة ودخول النبي -صلى الله عليه وسلم- بها. قوله: (عمداً صنعته يا عمر) العامل في عمداً محذوف يفسره المذكور بعده والقصد من هذا الفعل بيان إن الأمر بالطهارة عند القيام عند كل صلاة كان أولاً وأنه يجوز الجمع بين صلوات بطهر واحد نعم الأفضل التجديد لمن صلى بطهره الأول صلاة ما.

باب الحث على المشاورة

باب الحث على المشاورة قال الله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159] والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة مشهورة، وتغني هذه الآية الكريمة عن كل شيء، فإنه إذا أمر الله سبحانه وتعالى في كتابه نصاً جلياً نبيَّه -صلى الله عليه وسلم- بالمشاورة مع أنه أكمل الخلق، فما الظنُّ بغيره؟ . واعلم أنه يستحبُّ لمن همَّ بأمر أن يشاور فيه من يثق بدِينه ـــــــــــــــــــــــــــــ باب الحث على المشاورة أي الحض على الاستضاءة برأي الغير فيما يريد الإنسان فعله. قوله: (وشاورهم في الأمر) في ذلك دليل على المشاورة وتحرير الرأي وتنقيحه والفكر فيه وإن ذلك مطلوب شرعاً وأمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - بمشاورتهم تطييباً لخواطرهم وتنبيهاً على رضاه -صلى الله عليه وسلم- حيث جعلهم أهلاً للمشاورة إيذاناً بأنهم أهل المحبة الصادقة والمناصحة إذ لا يستشير الإنسان إلا من كان فيه المودة والعقل والتجربة، ومنهج العرب وعادتها الاستشارة في الأمور وإذا لم يشاور أحداً منهم حصل في نفسه شيء ولذا عز على علي وأهل البيت كونهم استبد عليهم بترك المشاورة في خلافة أبي بكر، وفي أمره -صلى الله عليه وسلم- بالمشاورة التشريع للأمة ليقتدوا به في ذلك قال ابن عطية الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام ومن لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب وهذا مما لا خلاف فيه والمستشار في الدين عالم دين وقلماً يكون ذلك إلا في عاقل اهـ، لفظه وفيه بعض تلخيص. قوله: (وتغني هذه الآية) أي للأمر فيها للنبي -صلى الله عليه وسلم- مع كماله وزيادة فضله بالمشاورة فغيره بالأولى. قوله: (نصّاً جليّاً) وصف توضيحي ونصبه إما بنزع الخافض أو على الحال أو وصف للمصدر أي أمر نبيه بالمشاورة أمراً نصاً جلياً. قوله: (مع أنه أكمل الخلق) أي عقلاً ورأياً وعلماً وفي سائر أنواع الكمال. قوله: (لمن هم بأمر) أي خطر بخاطره وأراد فعله. قوله: (بدينه) إذ من لا دين له لا وثوق برأيه فقد يحمله هواه مع عدم دينه على الإرشاد بما فيه الضرر.

وخِبْرته وحِذْقه ونصيحته وورَعه وشفقته. ويستحبُّ أن يشاور جماعة بالصفة المذكورة ويستكثر منهم، ويعرفهم مقصوده من ذلك الأمر، ويبين لهم ما فيه من مصلحة ومفسدة إن علم شيئاً من ذلك، ويتأكدُ الأمر بالمشاورة في حق وُلاة الأمور العامة، كالسلطان، والقاضي، ونحوهما، والأحاديث الصحيحة في مشاورة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصحابَه ورجوعَه إلى أقوالهم كثيرة مشهورة، ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (وخبرته) بضم المعجمة وسكون الموحدة أي معرفته لبواطن الأمور إذ من لا معرفة له بالشيء لا يظهر خيره من غيره. قوله: (وصدقه) أي في نفسه فإن من كان بخلاف ذلك ربما حمله طلب استمالة الخواطر إلى الإشارة بما الخير في نفس الأمر بخلافه. قوله: (ونصيحته) أي لمن استشار مطلقاً أوله بخصوصه والأول أكمل فإن من يوثق بنصيحته النفس لقوله أسكن. قوله: (وورعه) أي ليمنعه الورع من الإشارة بخلاف ما يتبع. قوله: (وشفقته) أي على جميع الخلق أو عليه بخصوصه والأول أكمل لكون شفقة أشمل. قوله: (ويستحب أن يشاور جماعة) أي ليقوي سكون قلبه لذلك الفعل لما اتفق عليه القوم من الإشارة به وإذا اختلف المشيرون عليه قدم رأي ذي الدين والورع والنصح الخير على غيره. قوله: (ويبين لهم ما فيه من مصلحة ومفسدة إن علم شيئاً من ذلك) أي ليزداد الخبير بها بذكر ذلك معرفة إلى معرفته وتحصل به الخبرة لغيره. قوله: (ويتأكد الأمر بالمشاورة في حق ولاة الأمور) أي لأن أمورهم تعود على العباد صلاحاً وفساداً. قوله: (والأحاديث الصحيحة في مشاورات عمر بن الخطاب أصحابه ورجوعه إلى قولهم كثيرة مشهورة) من ذلك ما في صحيح البخاري لما أراد الذهاب إلى الشام فأخبر بالوباء فاستشار الصحابة في القدوم إلى الشام مع الوباء والرجوع عنها لذلك فأشار الأكثرون بالعود فعاد ثم جاء عبد الرحمن بن عوف وروى في ذلك خبراً مرفوعاً

ثم فائدة المشاورة القبول من المستشار إذا كان بالصفة المذكورة، ولم تظهر المفسدة فيما أشار به، وعلى المستشار بذلُ الوسع في النصيحة وإعمالُ الفكر في ذلك. فقد روينا في "صحيح مسلم" عن تميم الداري رضي الله عنه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ"، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: "للهِ وكتَابِهِ وَرَسُولِهِ وأئمةِ المُسْلِمِينَ وعَامَّتِهِمْ". وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المُسْتَشارُ مُؤْتَمَنٌ". ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه النهي عن القدوم على الأرض الوبيئة ومنها ما في. قوله: (ثم فائدة المشاورة القبول الخ) فإن المشير إذا علم العمل بإشارته وكان موصوفاً بما تقدم زاد في محض النصح وحسن الإشارة بخلاف ما إذا توهم إن ذلك لمجرد استبانة الرأي من غير عمل ربما حمله ذلك على التساهل في الأمر لكونه لا يخشى ترتب شيء على ما أشار به. قوله: (وعلى المستشار بذل الوسع) بضم الواو أي الطاقة في النصيحة أي لكون المستشير رضي برأيه فحقه أن يبالغ في ذلك أداء لحق النصح قال بعضهم وآفة من استشير ولم ينصح الابتلاء بخلل في عقله. قوله: (وإعمال الفكر في ذلك) أي في النصيحة ومحض الرأي والنظر في عواقب الأمر ديناً ودنيا والله الموفق. قوله: (فقد روينا في صحيح مسلم الخ) وترجمة تميم سبقت في كتاب الأسماء والكنى والكلام على حديثه سيأتي في الكلام على الأحاديث التي ختم بها الشيخ الكتاب. قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) قال في الجامع الصغير رواه أصحاب السنن الأربعة عن أبي هريرة ورواه الترمذي عن أم سلمة ورواه ابن ماجه عن ابن مسعود ورواه الطبراني في الكبير عن سمرة وزاد فيه إن شاء أشار وإن شاء لم يشر ورواه الطبراني في الأوسط عن علي رضي الله عنه وزاد بعد قوله مؤتمن فإذا استشير فليشر بما هو صانع لنفسه وتقدم في أذكار المسافر زيادة بسط في تخريج هذا الحديث وفي فوائد متعلقة بالمشاورة. قوله: (المستشار مؤتمن) أي

باب الحث على طيب الكلام

باب الحثِّ على طيب الكلام قال الله تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر: 88]. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن حق المؤتمن ألا يخون فيما اؤتمن فيه فليمحض الرأي وليمحض النصح وإلا كان فيما اؤتمن فيه خائناً والله سبحانه وتعالى أعلم. باب الحث على طيب الكلام قوله: (واخفض جناحك للمؤمنين) قال في النهر: هو كناية عن التلطف والرفق وأصله أن الطائر إذا ضم الفرخ إليه بسط جناحه ثم قبضه على فرخه والجناحان من ابن آدم جانباه اهـ. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) قال في الجامع الصغير ورواه أحمد وفي الجامع بدل قوله: فمن لم يجد فإن لم تجدوا وروى قوله: اتقوا النار ولو بشق تمرة دون ما بعده الشيخان والنسائي عن عدي وأحمد عن عائشة والبزاز والطبراني في الأوسط والضياء عن أنس والبزار عن النعمان بن بشير وعن أبي هريرة والطبراني في الكبير عن ابن عباس وعن أبي أمامة اهـ، وقال السخاوي في أمالي الأذكار ومن خطه نقلت. قوله: (عن عدي بن حاتم) هو الطائي والده الجواد المشهور وعدي يكنى أبا ظريف وقيل: أبا وهب قدم على النبي -صلى الله عليه وسلم- في شعبان سنة تسع من الهجرة فأسلم وكان نصرانياً روى له عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ستة وعشرون حديث اتفقا منها على ثلاثة وانفرد مسلم بحديثين روى عنه قيس بن أبي حازم ومصعب بن سعد وسعيد بن جبير في آخرين نزل الكوفة: وتوفي بها سنة تسع وستين وقيل: ثمان وستين وهو ابن مائة وعشرين سنة قال ابن قتيبة: وكان عدي طويلاً إذا ركب الفرس كادت رجله تخط الأرض شهد مع علي الجمل ثم صفين قال ولم يبق له عقب إلا من قبل ابنتيه أسد وعمرة وإنما أعقب حاتم من ولده عبد الله بن حاتم ولما توفي -صلى الله عليه وسلم- قدم عدي على الصديق في وقت

"اتقُوا النَّارَ ولَو بِشِقِّ تَمْرةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيبَةٍ". وروينا في "صحيحيهما" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كلُّ سُلامى مِنَ النَّاس عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الردة بصدقة قومه وثبت على الإسلام وثبت معه قومه فلم يرتدوا فيمن ارتد من العرب وكان رضي الله عنه جواداً شريفاً في قومه معظماً عندهم وعند غيرهم حاضر الجواب روي عنه أنه قال: ما دخل علي وقت صلاة إلا وأنا مشتاق إليها وكان -صلى الله عليه وسلم- يكرمه إذا دخل عليه وشهد فتوح العراق زمن عمر رضي الله عنهما وشهد وقعة القادسية ووقعة مهران وغير ذلك وكان مع خالد بن الوليد حين سار إلى الشام وشهد معه بعض فتوحه وأرسل معه خالد بن الوليد الأخماس إلى الصديق وكان يفت الخبز للنمل ويقول: إنهن جارات ولهن حق وفي الصحيحين واللفظ للبخاري قال له عمر في قصة نعم والله لأعرفك آمنت إذ كفروا وأقبلت إذ أدبروا ووفيت إذ غدروا وإن أول صدقة بيضت وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووجوه أصحابه صدقة طيئ جئت بها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال عدي: فلا أبالي كذا في التهذيب للمصنف مع نوع تلخيص. قوله: (اتقوا النار الخ) قال في النهاية بشق تمرة أي بنصف تمرة يريد أن لا تستقلوا من الصدقة شيئاً اهـ، وقال المصنف في شرح مسلم شق التمرة بكسر الشين المعجمة نصفها وجانبها وفيه الحث على الصدقة وأنه لا يمتنع منها لقلتها وإن قليلها سبب للنجاة من النار. وقوله: (فمن لم يجد) أي مما يتقيها به من المال. قوله: (فبكلمة طيبة) وهي الكلمة التى تطيب قلب الإنسان إذا كانت مباحة أو طاعة وقال ابن حجر في شرح المشكاة التي فيها نفع للنفس أو للغير وظاهر أن المراد كون الكلمة النافعة لنفسه طيبة النافعة له في دينه أو دنياه المستعين بها عليه أي فإنها سبب للنجاة من النار أيضاً. قوله: (وروينا في صحيحيهما) وكذا رواه الإِمام أحمد كما في الجامع الصغير وقال السخاوي (من النَّاس) هو صفة للمبتدأ وقوله (عليه صدقة) خبر وتذكير الضمير رعاية لـ "لكل" المضافة لنكرة جائز وإن كان الأكثر اعتباره بالمضاف إليه كما في كل نفس ذائقة الموت إن كل نفس

صَدَقَةٌ، كل يَوْم تَطْلَعُ فيهِ الشَّمْسُ تَعْدِلُ بَينَ الاثْنَينِ صَدَقَةٌ، وتُعِينُ الرَّجُلَ في دابَّتِهِ فتَحْمِلهُ عَلَيهَا أو تَرْفَعُ لَهُ عَلَيها مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، قال: والكَلِمَةُ الطيبَةُ صَدَقَةٌ، وبِكُل خُطوةٍ تمشِيَها إلى الصّلاة صَدَقَةٌ، وتُمِيطُ الأذَى عنِ الطّريقِ صَدَقَةٌ". قلت: السُّلامى بضم السين وتخفيف اللام: أحد مفاصل أعضاء الإنسان وجمعه: سُلاميات بضم السين وفتح الميم وتخفيف الياء وتقدم ضبطها في أوائل الكتاب. ـــــــــــــــــــــــــــــ لما عليها حافظ وطلب منه الصدقة شكراً لنعمة موجده وقوله (كل يوم) أعربه الطيبي مبتدأ والجمل بعده أخباره والرواجع فيها محذوفة: أي يعدل فيه وهكذا ويصح نصبه على الظرفية ويعدل الخ، بدل منه وعلى الأول استئناف جواب لسؤال محذوف كأنه قيل: من يقدر على هذا وأي شيء يتصدق به فقيل: كل يوم يعدل فيه بين الاثنين أي فيه صدقة الخ، كذا يستفاد من شرح المشكاة لابن حجر وقوله (تطلع فيه الشمس) صفة كاشفة والمراد بطلوعها وجودها وإن استترت بنحو غيم. قوله: (تعدل) بالرفع بتقدير إن، والفعل وإن في تأويل المبتدأ أي عدلك بين الاثنين أي المتخاصمين أي بالإصلاح بينهما ودوى ظلم الظالم منهما صدقة على كل من المظلوم لدفع الظلم عنه وعلى الظالم لمنعه مما فيه هلاك دينه وتقدم أنه على رفع يوم يكون فيه ضمير محذوف أي عدلك بين اثنين فيه صدقة والجملة خبر عنه ومثله في الجمل بعده وعلى النصب يكون بدلاً أي بدل اشتمال. قوله: (وتعين الرجل) بتقدير إن أي وإعانة الرجل وذكره لأنه الغالب فمثله المرأة. قوله: (فتحمله عليها) بأن تمسك له الدابة حتى يركبها. قوله: (أو ترفع له عليها متاعه) أي وحده أو مع صاحبه. قوله: (وتميط) بتقدير إن كذلك أي إماطة الأذى عن الطريق فلذا عطفه على الجمل الاسمية تارة وعطفها عليه أخرى كما عملت. قوله: (وتقدم ضبطها في أوائل الكتاب) أي في باب فضل الذكر والذي تقدم ثمة هو ما ذكره الشيخ

باب استحباب بيان الكلام وإيضاحه للمخاطب

وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: قال لي النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- "لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْروفِ شَيْئاً وَلَو أنْ تَلقَى أخاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ". باب استحباب بيان الكلام وإيضاحه للمخاطب وروينا في سنن أبي داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلاماً فصلاً يفهمه كلُّ من يسمعه. وروينا في "صحيح البخاري" عن أنس رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- "أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً حتى تُفهَم عنه، وإذا أتى على قوم فسلَّم عليهم، سلَّم عليهم ثلاثاً". ـــــــــــــــــــــــــــــ هنا سواء وتقدم زيادة على ذلك في هذا الشرح من ذلك الباب. قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) تقدم الكلام على ما يتعلق بالحديث منه في آخر كتاب السلام في فضل البشاشة أما سنده فقال السخاوى ... باب استحباب بيان الكلام وإيضاحه للمخاطب قوله: (روينا في سنن أبي داود) ورواه الترمذي في الشمائل بنحوه وقال السخاوي (كلاماً فصلاً) أي مفصولاً بعضه من بعض لبيانه ووضوحه مع اختصاره وحاصله أنه لا يلتبس معناه بمعنى غيره ويحتمل أن يكون المراد فاصلاً بين الحق والباطل أو مفصولاً عن الباطل ومصوناً عنه فليس في خاص ويحتمل أن المراد من قوله كل من يسمعه كل من خاطبه النبي -صلى الله عليه وسلم- بكلامه فيفهمه ذلك السامع المخاطب لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يخاطب كلاًّ بقدر فهمه وعلى حسب استعداده والله أعلم. قوله: (روينا في صحيح البخاري الخ) سبق الكلام على ما يتعلق بالحديث متناً وإسناداً في آخر كيفية السلام والله أعلم.

باب المزاح

باب المزاح روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول لأخيه الصغير: "يا أبا عُمَيرٍ ما فعَلَ النُّغَيْرُ". ـــــــــــــــــــــــــــــ باب المزاح بكسر أوله مصدر مازح فهو بمعنى الممازحة وبضمه مصدر مزح كذا قرره جمع وفي المصباح مزح مزحاً من باب نفع ومزاحة بالفتح والاسم المزاح بالضم والمزحة المرة ومازحته ممازحة ومزاحاً من باب قاتل ويقال: إن المزاح مشتق من زحت الشيء عن موضعه وأزحته عنه إذا نحيته لأنه تنحية له عن الجد وفيه ضعف لأن باب مزح غير باب زوج والشيء لا يشتق مما يغايره في أصوله اهـ، وبالجملة هو انبساط مع الغير من غير إيذاء له وبه فارق الاستهزاء والسخرية وقد سئل بعض السلف عن مزاحه -صلى الله عليه وسلم- فقال: كانت له مهابة فلذا كان ينبسط النّاس بذلك: يتلقى الندا بوجه صبيح ... وصدور القنا بوجه وقاح فبهذا وذا تتم المعالي ... طرق الجد غير طرق المزاح قال ابن قتيبة إنما كان -صلى الله عليه وسلم- يمزح لأن النّاس مأمورون بالتأسي به والاقتداء بهديه فلو ترك الطلاقة والبشاشة ولزم العبوس والقطوب لأخذ النّاس أنفسهم بذلك على ما في مخالفة الغريزة من المشقة والعناء فمزح ليمزحوا ولا يناقض ذلك خبر ما أنا من الدد ولا الدد مني فإن الدد اللهو والباطل وهو كان إذا مزح لا يقول إلا حقاً وأخرج جمع عن عائشة أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يمزح ويقول: إن الله لا يؤاخذ المزاح الصادق في مزاحه. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) تقدم الكلام عليه في باب كنية من لم يولد له وكنية الصغير وروى هذه الجملة من الحديث الترمذي في الشمائل وابن السني في عمل اليوم والليلة. قوله: (كان يقول) على سبيل الممازحة وجبر خاطر ذلك الصغير لما أصابه من الحزن على ذلك الطير (لأخيه)

وروينا في كتابي أبي داود والترمذي عن أنس أيضاً أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: "يا ذا الأذُنيِن" قال الترمذي: حديث صحيح. وروينا في كتابيهما عن أنس أيضاً "أن رجلاً أتى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله احملني، فقال: "إني حامِلُكَ على وَلَدِ النَّاقَةِ"، فقال: يا رسول الله: وما أصنع بولد الناقة؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وهَلْ ـــــــــــــــــــــــــــــ من أمه. قوله: (وروينا في كتابي أبي داود والترمذي) وأخرجه ابن السني في كتاب عمل اليوم والليلة. قوله: (قال له) على سبيل المزاح، في الشمائل للترمذي بعد تخريج الحديث قال محمود: يعني ابن غيلان قال أسامة يعني يمازحه قال الشيخ وإنما كان مزاحاً مع كون معناه صحيحاً يقصد بالإفادة لأن في التعبير عنه بذا الأذنين مباسطة وملاطفة حيث سماه بغير اسمه فهو من جملة مزحه ولطيف أخلاقه كما قال للمرأة عن زوجها: ذاك الذي في عينه بياض. قوله: (يا ذا الأذنين) أي يا صاحب الأذنين ووصفه به مدحاً لذكائه وفطنته وحسن استماعه لأن من خلق الله له أذنين سميعتين كان أدعى لحفظه ووعيه جميع ما يسمعه وبما تقدم عن الترمذي ظهر وجه كون هذا الكلام من المزاح. قوله: (وروينا في كتابيهما) وكذا أخرجه الترمذي في الشمائل: أن رجلاً كان فيه نوع من البله، ولم أر من بين اسمه. قوله: (احملني) أي أركبني على دابة. قوله: (إني حاملك) أي مريد لحملك. قوله: (على ولد الناقة) وفي الشمائل على ولد ناقة بحذف أل وهذا الكلام أراد به - صلى الله عليه وسلم - المباسطة للسائل والملاطفة معه مما عساه أن يكون شفاء لبلهه بعد ذلك وإظهاراً لتحققه فيه فإن أكثر أهل الجنة البله على ما ورد والمراد بهم البله في أمور الدنيا مع كمال فطانتهم في أمور العقبى فهم من الأبرار عكس صفة الكفار التي قال الله تعالى في بيانها: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} قال بعض العارفين سموا بلها حيث رضوا بالجنة ولم يطلبوا الزيادة قال تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى} فالحسنى الجمعة والزيادة اللقاء. قوله: (وما أصنع الخ) سبق إلى خاطر السائل استصغار ما يصدق عليه لفظ البنوة كما هو المتبادر للفهم من ذلك فقال: ما أصنع الخ. قوله: (وهل

تَلِدُ الإبِلُ إلاَّ النُّوقُ؟ " قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وروينا في كتاب الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسول الله، إنك تداعبنا، قال: "إني ـــــــــــــــــــــــــــــ تلد الإبل الخ) أي إن الإبل صغرت أو كبرت ما تلدها جميعها (إلا النوق) جمع ناقة وهي أنثى الإبل قال أبو عبيد ولا تسمى ناقة حتى تجذع كأنه يقول له لو تدبرت لم تقل ذلك ففيه مع المباسطة الإيماء إلى إرشاده غيره إلى أنه ينبغي إذا سمع قولاً أن يتأمله ولا يبادر برده إلا بعد أن يدرك غوره ولا يسارع إلى ما يقتضيه الصورة. قوله: (وروينا في كتاب الترمذي) أي جامعه وكذا رواه في شمائله. قوله: (إنك تداعبنا) بدال وعين مهملتين أي تمازحنا قال الزمخشري: الدعابة كالنكاية والمزاحة مصدر داعب إذا مزح والمداعبة مفاعلة منه اهـ، وقال في المصباح: دعب يدعب كمزح يمزح وزناً ومعنى فهو داعب بالضم اسم لما يستملح من ذلك اهـ، قال بعضهم وتصدير الجملة: "إن" يدل على إنكار سابق كأنهم قالوا سبق أنك منعتنا عن المزاح ونحن أتباعك مأمورون باتباعك في الأفعال والأخلاق فقال: لا أقول إلا حقاً جواباً للسؤال على وجه يتضمن العلة الباعثة على نهيهم عن المداعبة والمعنى إني لا أقول إلا حقاً فمن قدر على المداعبة كذلك فجائزة والنهي عما ليس كذلك وأطلق النهي نظراً إلى حال الأغلب من النّاس كما هو من القواعد الشرعية في بناء الأمر على الحال الأغلب وقال آخر وجه الاستبعاد لوقوع المزاح منه -صلى الله عليه وسلم- جليل مكانته وعظيم رتبته فكأنهم سألوا عن الحكمة في ذلك، وأما قول الطيبي تصدير الحديث: "إن" الدالة على الإنكار كأنهم قالوا: لا ينبغي لمثلك في صدر الرسالة ومكانتك من الله المداعبة فرد عليهم من باب القول بالموجب وقال إني لا أقول إلا حقاً أي نعم أداعب غير أني لا أقول إلا حقاً الخ فالمداعبة كذلك لا تنافي الكمال بل هي من توابعه وثباته حيث جرت على طبق القانون الشرعي اهـ. فتعقب بأنه يبعد أن يخطر ببال الصحب أنه يصدر عنه -صلى الله عليه وسلم- ما لا ينبغي فضلاً عن اعتراضهم عليه فكأنهم قصدوا السؤال عن المداعبة هل هي من خصائصه

لا أقُولُ إلاّ حَقاً" قال الترمذي: حديث حسن. وروينا في كتاب الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " لا تُمَارِ أخاكَ، ولا تُمازِحْهُ، وَلا تَعِدْهُ مَوْعِداً فَتُخْلِفَه". قال العلماء: المزاح المنهي عنه، هو الذي فيه إفراط ويداوم عليه، فإنه يورث الضحاك وقسوة القلب، وَيشْغَلُ عن ذكر الله تعالى والفكر في مهمات الدين، ـــــــــــــــــــــــــــــ فلا يقتدي به فيها فأجاب بأني لا أقول إلا حقاً فمن حافظ على الحق وتجنب الكذب مع إبقاء المهابة والوقار فله ذلك أي فهو عند السلامة من المحذور مندوب لا مباح خلافاً للعصام إذ الأصل في أفعاله وأقواله - صلى الله عليه وسلم - وجوباً أو ندباً الافتداء به فيها إلا لدليل يمنع ولا مانع هنا. قوله: (قال الترمذي حديث حسن) زاد ورجاله ثقات. قوله: (وروينا في كتاب الترمذي) أي وقال: حديث غريب وفي الجامع الصغير رمز التضعيف بجانبه وفي التماس السعد للسخاوي بعد ذكر الحديث: في الأدب المفرد. قوله: (لا تمار أخاك) أي لا تحاجه وتجادله أي بالباطل قال الراغب في مفرداته الامتراء والمماراة المحاجة فيما فيه مرية وأصل ذلك من مريت الناقة إذا مسحت ضرعها للحلب اهـ. قوله: (ولا تعده موعداً فتخلفه) بالنصب في جواب النهي وسبق في باب الوفاء بالوعد أن الخلف المذموم هو ما كان مقارناً للوعد أو ترك الوفاء من غير عذر ما لو وعد وعزم على الوفاء وعرض ما منع منه فلا يدخل في ذلك وينبغي أن يحترز من ذلك أيضاً ولا يجعل نفسه معذوراً من غير ضرورة حافة. قوله: (قال العلماء المزاح الخ) وكذا من المنهي عنه المزاح المشتمل على كذب أو غيبة أو نحو ذلك من المحظورات لما سبق من قوله -صلى الله عليه وسلم- ولا أقول إلا حقاً أي فيما كان المزاح كذلك وكان لا على سبيل الإكثار فجائز بل مندوب وإلا فلا. قوله: (وقسوة القلب) أي الناشئة من كثرة الضحك والاشتغال بما لا يعني. قوله: (والفكر) أي ويشغل الفكر عن التفكر (في مهمات الدين) أي في أمر الدين المهم وعطفه على ما قبله من باب التدلي إذ الذكر أرقى من الفكر لأن الذكر يوصل

ويؤول في كثير من الأوقات إلى الإيذاء، ويورث الأحقاد، ويسقط المهابة والوقار. فأما ما سلم من هذه الأمور فهو المباح الذي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعله، فإنه -صلى الله عليه وسلم- إنما كان يفعله في نادر من الأحوال لمصلحة ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى مقام المشاهدة ولا كذلك التفكر نعم يوصل بها إلى معرفة أوصافه العلية من كمال القدرة والعظمة الأزلية. قوله: (ويؤول في كثير من الأوقات إلى الإيذاء) أي للمخاطب بذكر ما يتأذى به مما يظن المتكلم إن السامع لا يتأثر منه فيذكره على وجه المباسطة له فيحصل منه ذلك. قوله: (ويورث الأحقاد) جمع حقد أي إخفاء الضغينة. قوله: (فأما ما سلم من هذه الأمور) أي وما في معناها من الكذب والغيبة والنميمة (فمباح) أي ما لم يقترن به ما يصيره مطلوباً مندوباً من نحو جبر خاطر أو إيناس وإلا فيصير مندوباً كما سيأتي في آخر كلامه، وحاصل كلام المصنف إذا خلا عن المحظور وما ذكر من المندوب مباح ومع الأول منهي عنه تنزيهاً تارة كأن أكثر منه واشتغل به عن مهمات الدين المندوبة وتحريماً أخرى كأن اشتمل على محرم من نحو غيبة أو كذب ومندوب إن اشتمل على مندوب كإيناس وجبر خاطر لكن قضية كلام ابن حجر الهيتمي وغيره أنه عند خلوه عن المنهي عنه مندوب إلا أن يقال مزاحه -صلى الله عليه وسلم- لا يفارق شيئاً مما يصير المباح مندوباً والله أعلم، وعبارته: الأظهر إن ما كان خالياً عن ذلك أي المنهي عنه مثل مزاحه -صلى الله عليه وسلم- مندوب وما قيل إنه مباح لا غير فضعيف إذ الأصل في أفعاله -صلى الله عليه وسلم- وجوباً أو ندباً التأسي به فيها إلا لدليل يمنع من ذلك ولا مانع هنا فتعين الندب كما هو مقتضى كلام الفقهاء والأصوليين اهـ. قوله: (وللمصلحة: ) أي التي منها قدرة أصحابه على التشريف بمجالسته وسماع لذيذ خطابه إذ لولا ما طبع عليه -صلى الله عليه وسلم- من حسن الخلق وملاطفة أصحابه وتواضعه معهم لما أطاقوا مجالسته ولا شهود حضرته لما أسبغ عليه من المهابة والجلال فمن المصالح المرتبة على مزاحه معهم في بعض الأوقات اقتدارهم على مجالسته والتلقي عنه نقل الشريعة الشريفة، ومن المصالح ما فعله من مج الماء في وجه محمود بن الربيع كما في صحيح البخاري وكان عمره أربع

باب الشفاعة

وتطييب نفس المخاطب ومؤانسته، وهذا لا منع منه قطعاً، بل هو سُنَّةٌ مستحبة إذا كان بهذه الصفة، فاعتمد ما نقلناه عن العلماء وحققناه في هذه الأحاديث وبيان أحكامها، فإنه مما يعظم الاحتياج إليه، وبالله التوفيق. باب الشفاعة اعلم أنه تستحب الشفاعة إلى ولاة الأمر وغيرهم ـــــــــــــــــــــــــــــ سنين فترتب عليه أنه تشرف بمقام الصحبة وأخذ منه أن من يبلغ لذلك السنن يقال فيه: سمع ما حضر فيه من قراءة الحديث. قوله: (وتطييب نفس المخاطب) أي ومن فوائد مزاحه تطييب نفس المخاطب كقوله: لأخي أنس عند موت طائره وحزنه عليه يا أبا عمير ما فعل النغير. قوله: (ومؤانسته) أي المخاطب كقوله: الأذنين. قوله: (بل هو سنة مستحبة) أي مؤكدة وما خلا عن المنهي عنه والمأمور به مندوب كما علم مما تقدم بما فيه. باب الشفاعة تقدم تحقيق الكلام على معنى الشفاعة ومأخذها في باب ما يقول من سمع المؤذن والمقيم، قال القرطبي في التفسير أصل الشفاعة والشفعة من الشفع وهو الزوج في العدد ومنه الشفيع لأنه يصير مع صاحب الحاجة شفعاً ومنه ناقة شفوع إذا جمعت بين محلبين في حلبة واحدة وناقة شفيع إذا اجتمع لها حمل وولد يتبعها والشفع بضم الشين ضم واحد إلى واحد والشفاعة إذاً ضم غيرك إلى جاهك ووسيلتك فهي على التحقيق إظهار لمنزلة الشفيع عند المشفع وإيصال منفعته إلى المشفوع له اهـ. قوله: (إنه تستحب الشفاعة إلى ولاة الأمور الخ) أي لما فيه من السعي في حاجة الأخ المؤمن وقد ورد في الصحيح والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه قال القرطبي في المفهم ولا يخفى ما في الشفاعة المسنونة من الأجر والثواب لأنها من صنائع المعروف فليس كل يقدر على الوصول إلى ذي الأمر ولذا كان

من أصحاب الحقوق والمستوفين لها ما لم تكن شفاعةً في حدٍّ أو شفاعةً في أمر لا يجوز تركه، كالشفاعة إلى ناظر على طفل، أو مجنون، أو وقف أو نحو ذلك في ترك بعض الحقوق التي في ولايته، فهذه كلها شفاعة محرَّمة تحرم على الشافع ويحرم على المشفوع إليه قبولها، ويحرم على غيرهما السعي فيها إذا علمها، ودلائل جميع ما ذكرته ظاهرة في الكتاب والسنة وأقوال علماء الأمة، قال الله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ -صلى الله عليه وسلم- يقول: مع كمال تواضعه وقربه من النّاس قويهم والضعيف وعدم احتجابه منهم أبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها اهـ. قوله: (من أصحاب الحقوق) أي ممن له حق على غيره بأن جنى غيره على نفسه بما يؤدي إلى هلاكها أو على عضوه بأن قطع نحو يده أو تعدى على عرضه بأن قذفه بالسوء فينبغي أن يشفع عند صاحب الحق في جميع ما ذكر ونحوه في إسقاطه. قوله: (والمستوفي لها) أي الحقوق ممن أقيم لذلك وهو داخل في ولاة الأمور. قوله: (ما لم تكن شفاعة في حد) أي بعد روفعه للحاكم وثبوته عنده فلا تجوز الشفاعة في ذلك لأن الله أولى بالعباد وقد شرع الحدود لمن فيها من مصالح العباد وقطع دائرة الفساد والعناد ولا تنبغي الشفاعة بعد وصولها لمحلها قال تعالى: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} أما قبل الرفع إلى الحاكم فاختار أكثر العلماء الشفاعة فيها إلا إن كان ممن يعظم ضرره ويكثر شره بأن يجاهر بذلك واشتهر بالتعرض له فلا تنبغي الشفاعة فيه بل ينبغي رفع ذلك إلى الحاكم ليزجر أولئك الفجرة الطعام. قوله: (أو شفاعة في أمر لا يجوز تركه الخ) كان يشفع في تنقيص أجرة نحو دار عن أجرة المثل في مال صبي أو نحو ذلك أو عن شرط الواقف في وقفه. قوله: (فهذه كلها شفاعة محرمة) أي لأنها وسيلة لمحرم وللوسائل حكم المقاصد. قوله: (ويحرم على المشفوع إليه قبولها) أي لما فيه من إعانته على العصيان فإن الشافع إذا علم أنه يقبل في ذلك المحرم جره إلى الوقوع ففي قبوله منه إعانة على ذلك وحض على الوقوع فيه وفي عدم القبول زجر عن ذلك. قوله: (من يشفع شفاعة حسخة) أي كأن راعى بها حق مسلم ودفع

نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} [النساء: 85]. المقيت: المقتدر والمقدّر، هذا قول أهل اللغة، وهو محكي عن ابن عباس وآخرين من المفسرين. وقال آخرون منهم: المقيت: الحفيظ، وقيل: ـــــــــــــــــــــــــــــ بها عنه شراً أو جلب إليه نفعاً ابتغاء لوجه الله ومنها الدعاء لمسلم وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "من دعا لأخيه يظهر الغيب استجيب له" وقال له الملك ولك مثل ذلك. قوله: (نصيب منها) هو ثواب الشفاعة والتسبب إلى الخير الواقع بها. قوله: (شفاعة سيئة) يريد بها محرماً قال في النهر قال الحسن: الشفاعة الحسنة هي في البر والطاعة والسيئة في المعاصي قال القرطبي: وهذا القول جامع. قوله: (كفل منها) أي نصيب من وزرها مساو لها في القدر كذا في تفسير البيضاوي وقال الكواشي: فرق بعضهم بين الكفل والنصيب فقال: النصيب الحظ والكفل هنا مستعار من الكفل الردي من الشيء واشتقاقه من الكفل لمشقة الركوب عليه ثم صار متعارفاً للحمل على شدة اهـ، وقال في النهر الظاهر: إن من للسبب أي نصيب من الخير وكفل من الشر بسببها وغاير في النصيب فذكره بلفظ الكفل في الشفاعة السيئة لأنه أكثر ما يستعمل في الشر وإن كان قد استعمل في الخير أي في قوله تعالى: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} قالوا: وهو مستعار من كفل البعير كساء يدار على سنامه ليركب عليه وسمي كفلاً لأنه لم يعم الظهر بل بعضاً منه اهـ. قوله: (المقيت المقتدر) قال البيضاوي: من أقات الشيء إذا قدر قال -أي الزبير بن عبد المطلب كما في تفسير القرطبي: وذي ضغن كففت الضغن عنه ... وكنت على مساءته مقيتا

المقيت: الذي عليه قوت كل دابة ورزقها، وقال الكلبي: المقيت: المجازي بالحسنة والسيئة، وقيل: المقيت: الشهيد، وهو راجع إلى معنى الحفيظ. وأما الكِفْل، فهو الحظ والنصيب، وأما الشفاعة المذكورة في الآية، فالجمهور على أنها هذه الشفاعة المعروفة: وهي شفاعة النّاس بعضهم في بعض، وقيل: الشفاعة الحسنة: أن يشفع إيمانه بأن يقاتل الكفار، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: فالمعنى أن الله يعطي كل إنسان قوته ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقيت" على من رواه هكذا أي من هو تحت قدرته وفي قبضته من عيال وغيره ذكره ابن عطية. قوله: (وقال آخرون منهم) أي من المفسرين وممن قال به من أهل اللغة أبو عبيدة. قوله: (المقيت الحفيظ) قال البيضاوي وقيل: شهيداً حافظاً واشتقاقه من القوت فإنه يقوي البدن ويحفظه قال القرطبي قال النحاس وقول أبي عبيدة أولى لأنه مشتق من القوت معناه مقدار ما يحفظ الإنسان اهـ. قوله: (وقيل المقيت الذي عليه قوت كل دابة الخ) هذا القول يرجع إلى قول أبي عبيدة إذ الإقاتة من الحفظ. قوله: (وهو) أي ما ذكر من الأقوال الثلاثة الأخيرة راجع إلى معنى الحفيظ فإن من كان شهيداً على الأمر أو كان مجازياً به لكونه شهيداً عليه فهو حفيظ له. قوله: (وأما الكفل فهو النصيب والحظ) وغاير بينه وبين النصيب في استعماله في الشر والنصيب في الخير لما تقدم. قوله: (فالجمهور على أن هذه الشفاعة الخ) وبه قال مجاهد والحسن وأبو زيد وغيرهم كما في تفسير القرطبي. قوله: (هي شفاعة النّاس بعضهم لبعض) أي فمن يشفع لينفع فله نصيب ومن يشفع ليضر فله كفل وإن لم يشفع في الحالين عملاً بنيته وشفاعته قال الله تعالى ومن يشفع ولم يقل ومن يشفع. قوله: (وقيل الشفاعة الحسنة الخ) حكاه القرطبي في التفسير بقيل ولم يبين قائله فقيل المعنى من يكن شفيعاً لصاحبه

وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال: "اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، ويَقضي الله على لسانِ نَبِيِّهِ ما أحَبَّ". وفي رواية "ما شاءَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ في الجهاد يكن له نصيب من الأجر ومن يكن شفيعاً لآخر في باطل يكن له نصيب من الوزر وزاد فيه وقيل: الشفاعة الحسنة هي في البر والطاعة والسيئة في المعاصي فمن يشفع شفاعة حسنة ليصلح بين النّاس استوجب الأجر ومن سعى بالنميمة والغيبة إثم وهذا قريب من معنى القول الأول أي قول الجمهور وقيل يعني بالشفاعة الحسنة الدعاء للمؤمنين، والسيئة الدعاء عليهم، في صحيح الخبر من دعا لأخيه بظهر الغيب استجيب له وقال الملك: آمين ولك بمثله فهذا هو النصيب وكذا في الشر بل يرجع شؤم دعائه عليه كما كانت اليهود تدعو على المسلمين. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) في الجامع الصغير عزوا تخريج قوله: اشفعوا الخ، لكن بلفظ ما شاء بدل قوله: ما أحب إلى أبي داود والنسائي والترمذي والدارقطني في السنن وكلهم عن أبي موسى. قوله: (تؤجروا) بالجزم جواب الشرط المقدر أي إن تشفعوا تؤجروا ووقع في بعض نسخ مسلم رواية للبخاري في كتاب الأدب فلتؤجروا بزيادة فاء ولام قال القرطبي: فينبغي أن تكون مكسورة لأنها لام كي وإن الفاء زائدة كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "قوموا فلأصلي لكم" في بعض رواياته ويكون معنى الحديث على تلك الرواية اشفعوا لكي تؤجروا قال: ويحتمل أنها لام الأمر والمأمور به التعرض للأجر بالاستشفاع كأنهم استشفعوا وتعرضوا بذلك للأجر وعلى هذا فيجوز كسر اللام وسكونها، وقال الشيخ زكريا الفاء للسببية وهي التي ينتصب بعدها الفعل المضارع واللام بالكسر لام كي وجاز اجتماعهما لأنهما أمر واحد أو هي زائدة على مذهب الأخفش أو عاطفة على اشفعوا والكلام بالسكون للأمر أو على مقدر كما في وإياي فارهبون وقيل: الفاء والكلام زائدتان ويوافقه سقوطها من نسخة، قال الكرماني في تفسير معنى الحديث أي إذا عرض المحتاج

وفي رواية أبي داود "اشْفَعُوا إليّ لِتُؤْجَرُوا، ولْيَقْضِ اللهُ على لِسانِ نَبِيهِ ما شاءَ" وهذه الرواية توضح معنى رواية الصحيحين. وروينا في "صحيح البخاري" عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة بريرة وزوجها قال: قال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: ـــــــــــــــــــــــــــــ على حاجته فاشفعوا له إلي فإنكم إذا شفعتم حصل لكم الأجر سواء قبلت شفاعتكم أم لا ويقضي الله أي يجري الله على لساني ما أحب أي شاء من موجبات قضاء الحاجة أو عدمها أي إن قضيتها أو لم أقضها فهو بتقدير الله وقضائه. قوله: (وفي رواية ما شاء) هي كذلك عند البخاري في كتاب الأدب من الصحيح وتقدم أنها عند الثلاثة من أصحاب السنن والدارقطني أيضاً وحينئذٍ فإن لوحظ صدور أقضية الحاجات باعتبار موردها على يده -صلى الله عليه وسلم- فتحمل رواية شاء على أحب لأنه لا يبرز على يده -صلى الله عليه وسلم- من المقضيات إلا المحبوب لله سبحانه وإن أريد ما هو أعم من بروزها على يده فشمل ما برز على يد غيره من الأقدار على يد ولاة الأمور فلا تخصص رواية شاء برواية أحب لأن ذكر بعض أفراد العام لا يخصصه. قوله: (وفي رواية أبي داود الخ) اللام في لتؤجروا تعليلية أي أمركم بالشفاعة عندي ليعود عليكم الأجر ويصح حملها على الأمر على ما تقدم في كلام القرطبي وغيره. قوله: (وليقضي الله) هكذا هو بالنصب في نسخة معطوف على المنصوب قبله بإعادة حرف التعليل وفي نسخة مصححة وليقض بالجزم قال القرطبي: وصحت به الرواية كذلك هنا أي في صحيح مسلم باللام وجزم الفعل وحمل ذلك على أن الأمر وقع فيها موقع الخبر كما قد جاء ذلك كثيراً انتهى. قوله: (توضح رواية الصحيحين الخ) أي لأنها تبين أن المرابطة بين الأجر والشفاعة المدلول عليها بجزم الفعل في جواب الأمر في قوله اشفعوا تؤجروا لأنها سبب لحصوله. قوله: (وروينا في صحيح البخاري الخ) قال المزي في الأطراف رواه البخاري في كتاب الطلاق والترمذي في النكاح (في قصة بريرة) هي بفتح الموحدة وكسر الراء الأولى وسكون التحتية بينهما أي لما عتقت وفسخت نكاحها من زوجها لكونه رقيقاً. قوله: (وزوجها) اسمه مغيث وهو عبد أسود وما روي عن عائشة أن زوجها كان حراً فمعارض بأنه قد صح عنها أنه كان عبداً. قوله: (قال) أي ابن عباس (قال لها) أي

"لَوْ راجَعْتِيهِ؟ " قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: "إنما أشْفَعُ"، قالت: لا حاجةَ لي فيه". ـــــــــــــــــــــــــــــ لبريرة (لو راجعتيه) بإثبات الياء بعد ضمير المخاطبة تولدت من إشباع الكسرة قال ابن النحوي في شرح البخاري في الحديث استشفاع الإِمام والعالم والخليفة في الحوائج والرغبة إلى أهلها في الإسعاف لسائلها وإن ذلك من مكارم الأخلاق، وفيه أن الساعي في ذلك مأجور وإن لم تنقض الحاجة، وفيه أنه لا حرج على الإِمام والحاكم إذا ثبت الحق على أحد الخصمين عنده وسأله من ثبت عليه الحق في الشفاعة إلى صاحب الحق في إسقاط حق أو تأخير أو وضع فيشفع في ذلك لأنه -صلى الله عليه وسلم- شفع إلى بريرة فقال لها: "لو راجعتيه بعد إعلامه إياها" بما لها من الخيار بين القرار معه والفسخ، وفيه أن من سئل من الأمور ما هو غير واجب فعله فله رد سائله وترك قضاء حاجته وإن كان الشفيع سلطاناً أو عالماً أو شريفاً لأنه -صلى الله عليه وسلم- لم ينكر على بريرة ردها إياه فيما شفع فيه وليس أحد من الخلق أعلى رتبة منه - صلى الله عليه وسلم - فغيره من الخلق أحرى أن لا يكون منكراً رده فيما يشفع فيه، وفيه أنه لا حرج على المسلم في حبه امرأة مسلمة سواء ظهر ذلك أو خفي فلا إثم عليه وإن أفرط فيه ولم يأت محرماً فإن مغيثاً كان يتبع بريرة بعد أن بانت منه في سكك المدينة مبدياً لها ما يجده في نفسه من فرط الهوى وشدة الحب وكان ذلك بعد بينونتها منه كما يدل عليه قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لو راجعتيه" وإذا كان كذلك فغير ملوم من ظهر منه محبة امرأة يحل تزوجها سواء تزوجها بعد أم لا ما لم يغش مأثماً ويأت محرماً اهـ، ما يؤخذ من كلام ابن النحوي بتلخيص، وفي كشف الأسرار لابن العماد الأفقهسي استصعب النّاس قول بريرة أتأمر رسول الله أم تشفع فقال: بل أشفع قالت: لا حاجة لي فيه وقالوا: كيف يظن بهذه الصحابية أنها لم تقبل شفاعته - صلى الله عليه وسلم - وقالت: لا حاجة لي فيه مع شفاعته عندها فيه قال: والجواب الصحيح في ذلك موقوف على معرفة الفرق بين الأمر والسؤال والشفاعة وقد فرق اليماني في شرح اللمع بينهما فقال الطلب: إن كان من الأعلى للأدنى فأمر وإن كان من الأدنى للأعلى لمن هو دونه سمي الطالب شافعاً

باب استحباب التبشير والتهنئة

وروينا في "صحيح البخاري" عن ابن عباس قال: لما قدم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر نزل على ابن أخيه الحز بن قيس، وكان من النفر الذين يُدنِيهم عمرُ رضي الله عنه، فقال عيينة: يا ابن أخي لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه، فاستأذن، فأذن له عمرُ، فلما دخل قال: هي يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتى همَّ أن يوقع به، فقال الحر: يا أمير المؤمنين إن الله عزّ وجل قال لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] وإن هذا من الجاهلين، فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافاً عند كتاب الله تعالى. باب استحباب التبشير والتهنئة ـــــــــــــــــــــــــــــ والمطلوب منه مشفوعاً إليه والمطلوب له مشفوعاً له والشيء مشفوعاً فيه فكل شافع فهو داع وسائل وطالب وراغب وكل مشفوع إليه مدعو ومسؤول ومرغوب إليه هذا كلامه فشرط في تسميتها شفاعة أن يكون الشافع دون المشفوع إليه وحينئذ فقول بريرة أتأمر أم تشفع ترد حقيقة الشفاعة لفقدان شرطها بل المعنى أم تخير وقوله بل أشفع معناه بل أخير ولم تفهم بريرة غير ذلك وإطلاق الشفاعة على التخيير مجاز لما بينهما من عدم الإيجاب في الموضعين ويجوز أن يكون أراد -صلى الله عليه وسلم- من كلامه هذا اختبار بريرة هل لها رغبة في زوجها فيأمرها برده فلما قالت: لا حاجة لي فيه ظهر له كراهتها له فلم يأمرها برده اهـ، ملخصاً. فولى: (وروينا في صحيح البخاري الخ) تقدم الكلام عليه في باب الإعراض عن الجاهلين. باب استحباب التبشير والتهنئة ألف الحافظ السيوطي في هذا المعنى جزءاً وسماه محصول الأماني بأصول التهاني وأورد فيه أحاديث وآثاراً في التهنئة بأحدال عالية وأزمنة فاضلة وأعمال كاملة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وحوادث مسفرة: فمن الأول: حديث الشيخين عن أنس قال: أنزلت على النبي -صلى الله عليه وسلم-: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} مرجعه من الحديبية فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أنزلت علي آية أحب إليّ مما على الأرض" ثم قرأها عليهم فقالوا: هنيئاً لك يا رسول الله الحديث، ومنه حديث الحاكم في المستدرك عن أسامة تبعت النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى بيت حمزة فلم يجده فقال له: جئت يا رسول الله وأنا أريد أن آتيك وأهنئك أخبرني أبو عمارة يعني حمزة إنك أعطيت نهراً في الجنة يدعى الكوثر، ومنه حديث ابن عساكر عن عبد الله بن جعفر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا عبد الله هنيئاً لك مريئاً خلقت من طين وأبوك يطير مع الملائكة في الجنة"، ومنه حديث أحمد ومسلم عن أبي بن كعب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سأله: "أي آية في كتاب الله أعظم؟ " قال: آية الكرسي، قال: "ليهنك العلم أبا المنذر"، ومنه تهنئة كعب بتوبته وسيأتي في الأصل، ومن الثاني: التهنئة بشهر رمضان أخرج الأصبهاني في الترغيب عن سلمان الفارسي قال: خطب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في آخر يوم من شعبان فقال "أيها النّاس قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك فيه ليلة خير من ألف شهر" الحديث، قال ابن رجب في اللطائف: هذا الحديث أصل في التهنئة بشهر رمضان ومنه التهنئة بالعيد وأورد فيه آثاراً كثيرة عن الصحابة والتابعين، ومنه التهنئة بالصباح والمساء أخرج الطبراني بسند حسن عن أبي بكر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرجل: "كيف أصبحت يا فلان" قال: أحمد الله إليك يا رسول الله فقال -صلى الله عليه وسلم-: "ذلك الذي أردت منك"، ومن الثالث: التهنئة بالحج أخرج البخاري عن عروة بن مضرس قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- بمنى فقال: "أخرج روعك يا عروة" أي ذهب الفزع ومنه التهنئة بالقدوم من الحج وسبق في أذكار المسافر ما يقال لمن قدم من الحج من قوله -صلى الله عليه وسلم- قبل الله حجك وأخلف نفقتك، ومنه التهنئة بالقدوم من الغزو أخرج الحاكم في المستدرك عن عروة رضي الله عنه قال: لما قفل النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من بدر استقبلهم المسلمون بالروحاء يهنئونهم مرسل صحيح الإسناد وتقدم حديث ابن السني عن عائشة قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة فلما دخل استقبلته وأخذت بيده فقلت: الحمد لله الذي نصرك وأعزك وأكرمك وأخرج ابن سعد عن عبد الله بن أبي سفيان إلى أحمد قال: لقي أسيد بن حضير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أقبل من بدر فقال: الحمد لله الذي أظفرك وأقر عينك ومن الرابع:

قال الله تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى} [آل عمران: 39]، وقال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى} [العنكبوت: 31]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ التهنئة بالنكاح وبالمولود وبدخول الحمام وتقدم ما يقال للأول في كتاب النكاح وللثاني في كتاب الأسماء وللثالث في أواخر باب السلام في الاستئذان. تتمة قال القمولي في الجواهر لم أجد لأصحابنا كلاماً في التهنئة بالعيد والأعوام والأشهر كما يفعله النّاس ورأيت من فوائد الشيخ زكي الدين بن عبد العظيم المنذري أن الحافظ أبا الحسن المقدسي سئل عن التهنئة في أوائل المشهور والسنين أهو بدعة أم لا فأجاب أن النّاس لم يزالوا مختلفين فيه قال: والذي أراه أنه مباح ليس بسنة ولا بدعة ونقله الشريف الغزي في شرح المنهاج الفرعي ولم يرد عليه وأجاب الحافظ ابن حجر بعد اطلاعه على ذلك بأنها مشروعة واحتج له بأن البيهقي عقد لذلك باباً وقال: باب ما روي في قول النّاس بعضهم لبعض في العيد: تقبل الله منك وساق فيه أخباراً وآثاراً ضعيفة لكن مجموعها يحتج به في مثل ذلك ثم قال: ويستدل لعموم التهنئة لما يحدث من نعمة أو يندفع من نقمة مشروعية سجود الشكر والله أعلم. ثم التبشير مصدر بشر من البشارة بتثليث بائه الموحدة كما ذكره النسفي في تفسيره وهي القول السار للمخبر قال البيضاوي في التفسير: فإنه يظهر أثر السرور في البشرة ولذا قال الفقهاء: البشارة هو الخبر الأول حتى لو قال الرجل لعبيده: من بشرني بقدوم ولدي فهو حر فأخبروه فرادى عتق الأول ولو قال: من أخبرني عتقوا جميعاً اهـ، والتهنئة الدعاء بالهناء لمن فاز بخير ديني أو دنيوي لا يضره في دينه. قوله: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ} أي مناد من جنسهم كما يقال: فلان يركب الخيل فإن المنادي كان جبريل وحده. قوله: {وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ} أي قائماً في الصلاة ويصلي صفة قائم أو خبر أو حال آخر عن الضمير في قائم والمحراب المسجد أو أشرف مواضعه أو مقدمها سمي به لأنه محل محاربة الشيطان. قوله: (إن الله يبشرك بيحيى) أي بأن الله يشرك ويحيى اسم أعجمي وإن جعل عربياً فمنع صرفه للتعريف ووزن الفعل كيعمر. قوله: (جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى) يعني الملائكة قيل:

رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى} [هود: 69]، وقال تعالى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} [الصافات: 101] وقال تعالى: {قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات: 28] وقال تعالى: {قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الحجر: 53]، وقال تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ كانوا تسعة وقيل: ثلاثة: جبريل ومكائيل وإسرافيل والبشرى بشارة الولد وقيل: هلاك قوم لوط. قوله: (فبشرناه) أي إبراهيم (بغلام حليم) بشره بالولد وبأنه ذكر يبلغ أو إن الحلم فإن الصبي لا يوصف بالحلم أو يكون حليماً وأي حلم مثل حلمه حين عرض عليه أبوه الذبح وهو مراهق فقال: ستجدني إن شاء الله من الصابرين وقيل: ما نعت الله نبيّاً بالحلم لعزة وجوده غير إبراهيم وابنه عليهما السلام وحالهما المذكور بعد في الآيات بعد هذه الآية يشهد عليه، لخص وما قبله من تفسير البيضاوي. قوله: (لا توجل) قال في النهر صرح في هذه الآية الآية أي بقوله: {إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ} [الحجر: 52] بأنه كان وجل منهم بعد تقريبه إليهم ما ضافهم به من العجل الحنيذ وامتناعهم من الأكل، وفي هود: وأوجس في نفسه خيفة فيمكن أن هذا التصريح كان بعد إيجاس الخيفة ويحتمل أن يكون القول هنا مجازاً بأنه قد ظهر عليه مخايل الخوف حتى صارت كالمصرح بها اهـ، وتقدم في باب الفرق بينه وبين الخوف بالاعتبار وإن كانا متحدين بالذات. قوله: (إنا نبشرك بغلام عليم) استئناف في معنى التعليل للنهي عن الوجل، بشروه بأمرين: أحدهما: أنه ذكر والثاني: وصفه بالعلم على سبيل المبالغة. قوله: (وامرأته) أي امرأة إبراهيم وهي سارة بنت هاران بن ناحور وهي ابنة عمه وقوله (قائمة) أي لخدمة الضيفان وكان نساؤهم لا يحتجبن كعادة العرب ونازلة البوادي والصحراء ولم يكن التبرج مكروهاً عندهم وكانت عجوزاً وخدمة الأضياف مما تعد من مكارم الأخلاق. قوله: (فضحكت) قال مجاهد: أي حاضت وقال الجمهور: هو الضحك المعروف فقيل: هو مجاز معبر به عن طلاقة الوجه وسرورها بنجاة أخيها وهلاك قومه كذا في النهر وهو مشكل لأنه يقتضي حل التزوج

فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود: 71]، وقال تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ ... } الآية [آل عمران: 45] وقال تعالى: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الشورى: 23] ـــــــــــــــــــــــــــــ ببنت الأخ لأن لوطاً كان ابن هاران أخي إبراهيم لكن في تفسير سورة الأنبياء من تفسير العماد بن كثير حكايته قول رواه ابن جرير إن سارة ابنة ملك حران قال العماد: وهو غريب والمشهور أنها ابنة عم إبراهيم عليه السلام. قوله: (فبشرناها بإسحاق) هذا موافق لقوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى} والمعنى بشرناها على لسان رسلنا بشرتها الملائكة بإسحاق وبأن إسحاق سيلد يعقوب. قوله: (يبشرك) بتشديد الشين مضارع بشر وقرئ بتخفيف الشين مضارع أبشر. قوله: (بكلمة) بفتح الكاف وكسر اللام في جميع القرآن قال البيضاوي أي بعيسى وسمي بذلك لأنه وجد بأمره تعالى دون أب فشابه البدعيات التي هي عالم الأمر أو بكتاب الله سمى كلمة كما قيل كلمة الحويدرة لقصيدته. قوله: (اسمه المسيح عيسى ابن مريم) تقدم السلام على لغات المسيح ولم سمي عليه السلام بذلك في آخر أذكار الصلاة وعيسى معرب أشيوع والقول بأنه مشتق من العيس وهو بياض يعلوه حمرة قال القاضي البيضاوي: تكلف لا طائل تحته وابن مريم لما كانت صفة يتميز تمييز الأسماء نظمت في سلكها ولا ينافي تعدد الخبر إفراد المبتدأ فإنه اسم جنس مضاف ويحتمل أن يراد الذي يعرف به ويتميز عن غيره هذه الثلاثة ويجوز أن يكون عيسى خبر مبتدأ محذوف وابن مريم صفته وإنما قيل: ابن مريم والخطاب لها تنبيهاً على أنه يولد من غير أب إذ الأولاد تنسب للآباء ولا تنسب للأم إلا إذا فقد الأب. قوله: (وجيهاً في الدنيا والآخرة) حال مقدرة من كلمة وهي وإن كانت نكرة لكنها موصوفة وتذكيره للمعنى والوجاهة في الدنيا النباهة وفي الآخرة الشفاعة. قوله: (ومن المقربين) أي من الله قرباً معنوياً وقيل: إشارة إلى علو درجته في الجمعة ورفعه إلى السماء وصحبته الملائكة. قوله: (ذلك) المشار به إليه ما أعد الله لهم من الكرامة وهو مبتدأ خبره

وقال تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 17، 18] وقال تعالى: {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30] وقال تعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [الحديد: 12] وقال تعالى: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ} [التوبة: 21]. ـــــــــــــــــــــــــــــ الموصول والعائد عليه محذوف أي ذلك الذي يبشر الله به عباده حذف حرف الجر فانتصب الضمير ثم حذف قال الزمخشري أو ذلك التبشير الذي يبشر الله به عباده اهـ. واعترض النهر كلام الكشاف بأنه لم يتقدم في السورة لفظ البشرى ولا ما يدل عليها من مبشر أو شبهه قال ومن النحاة من جعل الذي مصدرية حكاه ابن مالك عن يونس وتأول عليه هذه الآية أي ذلك تبشير الله عباده وليس بشيء لأنه إثبات الاشتراك بين مختلفي الحد بلا دليل وقد ثبتت اسمية الذي فلا يعدل عن ذلك لشيء لا يقوم به دليل ولا شبهة اهـ. قوله: (فبشر عبادي) أي المجتنبين الطاغوت المنيبين إلى الله تعالى ووضع الظاهر موضع المضمر ليدل على أنهم هم وليرتب على الظاهر الوصف وهم (الذين يستمعون القول) وهو عام في جميع الأقوال (فيتبعون أحسنه) ثناء عليهم بنفوذ بصائرهم وتمييزهم. قوله: (يوم ترى المؤمنين الخ) العامل في يوم هو العامل في لهم والتقدير ومستقر لهم أجر كريم يوم ترى المؤمنين أو اذكر يوم ترى إعظاماً لذلك اليوم والرؤية هنا رؤية العين والنور حقيقة والظاهر أن النور يتقدم لهم بين أيديهم ويكون أيضاً بأيمانهم فيظهر أنهما نوران: نور ساع بين أيديهم، ونور بأيمانهم فلذلك تضيء الجهة التي يؤمونها وهذا يضيء به ما حوله من الجهات. قوله: (بشراكم اليوم جنات) جملة معمولة لقول محذوف تقديره تقول لهم الملائكة الذين يتلقونهم بشراكم اليوم جنات أي دخول جنات. قوله: (مقيم)

وأما الأحاديث الواردة في البشارة، فكثيرة جداً في الصحيح مشهورة. فمنها حديث تبشير خديجة رضي الله عنها ببيت في الجنة من قصب لا نصب فيه ولا صخب. ـــــــــــــــــــــــــــــ أي دائم. قوله: (وأما الأحاديث الواردة في البشارة فكثيرة جداً في الصحيح الخ) فمنها حديث البخاري ومسلم والترمذي وهذا لفظ البخاري في إحدى رواياته عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل حائطاً -أي وهو البستان الذي فيه بئر أريس عند قباء- وأمرني بحفظ الباب فجاء رجل يستأذن فقال: ائذن له وبشره بالجنة فأذن أبو بكر ثم جاء عمر فقال: ائذن له وبشره بالجنة ثم جاء عثمان فقال: ائذن له وبشره بالجنة الحديث ومنها حديث البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة وسمعت خشفة فقلت: من هذا؟ فقال: بلال ورأيت قصراً بفنائه جارية فقلت: لمن هذا فقالوا لعمر بن الخطاب فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرتك فوليت مدبراً" الحديث، ومنها حديث البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري قال: كنت عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة ومعه بلال فأتى أعرابي فقال: ألا تنجز لي يا محمد ما وعدتني فقال له: "أبشر" فقال: قد أكثرت على من أبشر فأقبل عليّ وعلى بلال كهيئة الغضبان فقال: "إن هذا رد البشرى فأقبلا أنتما" فقلنا: قبلنا ثم دعا بقدح فيه ماء فغسل به يديه وجهه ومج فيه ثم قال: "اشربا وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وأبشرا" فأخذنا القدح ففعلنا فنادت أم سلمة: من وراء الستر إن أفضلا لأمكما من إنائكما فأفضلنا لها منه طائفة. قوله: (فمنها حديث تبشير خديجة رضي الله عنها الخ) أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة والقصب بالقاف والصاد المهملة وبالموحدة اللؤلؤة المجوفة والنصب بفتح النون والصاد المهملة بعدها موحدة المشقة والتعب والصخب بفتح الصاد المهملة والخاء المعجمة بعدها موحدة الصوت المختلط المرتفع والمراد إنه خال من التعب الذاتي بالسلامة من النصب والعارض بالخلو من الصخب وفي تحفة القارئ تفصيل

ومنها حديث كعب بن مالك رضي الله عنه المخرَّج في "الصحيحين" في قصة توبته قال: سمعتُ صوتَ صارخٍ يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر، فذهب النّاس يبشروننا، وانطلقت أتأمَّم رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يتلقاني النّاس فوجاً فوجاً يهنؤوني بالتوبة، ويقولون: ليَهْنِكَ توبة الله تعالى عليك، ـــــــــــــــــــــــــــــ في التفضيل بين خديجة ومن يذكر معها فخديجة أفضل من حيث السبق في الإسلام وإعانة النبي -صلى الله عليه وسلم- في المهمات وعائشة أفضل من حيث العلم وفاطمة أفضل من حيث القرابة ومريم من حيث الاختلاف في نبوتها وذكرها مع الأنبياء وآسية امرأة فرعون من هذه الحيثية لكن لم تذكر مع الأنبياء وعلى ذلك تنزل الأخبار الواردة في تفضيلهن اهـ. قوله: (ومنها حديث كعب بن مالك المخرج في الصحيحين) ورواه أبو داود والترمذي والنسائي أيضاً كلهم عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن أبيه وكان قائد كعب بن مالك عن كعب أبيه رضي الله عنهما. قوله: (توبته) أي من تبعه تخلفه عن شهود غزوة تبوك مع النبي -صلى الله عليه وسلم-. قوله: (قال) يعني كعب بن مالك. قوله: (صوت صاروخ) أي رافع صوته وكان الصاروخ أو في على جبل سلع ونادى بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر فذهب النّاس يبشروننا، فيه استحباب التبشير وتهنئة من تجددت له نعمة ظاهرة أو اندفعت عنه كربة شديدة ونحو ذلك وهذا الاستحباب عام في كل نعمة حصلت أو كربة انكشفت سواء كان من أمور الدنيا أو الدين. قوله: (أتأمم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) أي أقصده يقال: تأممه وتيممه وأمه ويمه أي قصده قال الشاعر: وما أدري إذا يممت أرضاً ... أريد الخير أيهما يليني أألخير الذي أنا أبتغيه ... أم الشر الذي هو يبتغيني قوله: (فوجا) بالنصب على الحال والفوج الجماعة من النّاس والفيج بالتحتية مثله وهو مخفف من الفيج وأصله الواو يقال: فاج، يفوج فهو فيج ويخفف فيقال: فيج كذا يؤخذ من النهاية. قوله: (يهنئوني بالتوبة) فيه تهنئة من رزقه الله خيراً ظاهراً.

باب جواز التعجب بلفظ التسبيح والتهليل ونحوهما

حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حوله النّاس، فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنَّأني، وكان كعبٌ لا ينساها لطلحة، قال كعب: فلما سلَّمتُ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال وهو يبرقُ وجهه من السرور: "أبْشِرْ بخَيْرِ يَوْم مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ". باب جواز التعجب بلفظ التسبيح والتهليل ونحوهما ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (حتى دخلت المسجد) أي المسجد النبوي (فإذا برسول الله -صلى الله عليه وسلم-) إذا فيه فجائية والباء فيه زائدة ورسول الله مبتدأ والخبر محذوف أي بارز ظاهر. وقوله: (حوله النّاس) بفتح اللام من حول وتقدم لغاته في أذكار صلاة الاستسقاء والجملة في محل الحال قال ابن هشام في شرح اللمحة ومما في يخفى على الطلبة إعرابه قولك: خرجت فإذا به قائم وتقريره إن الباء زائدة والضمير مبتدأ والأصل فإذا هو موجود قائماً اهـ. قوله: (فقام طلحة بن عبيد الله) الخ قال المصنف: فيه استحباب مصافحه القادم والقيام له إكراماً والهرولة إلى لقائه بشاشة له وفرحاً. قوله: (يبرق وجهه من السرور) قال في النهاية أي يلمع ويستنير كالبرق اهـ. أي وذلك بسبب سروره بتوبة الله تعالى على كعب ففيه استحباب سرور الإِمام وكبير القوم بما يسر أصحابه وأتباعه. قوله: (أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك) أي سوى إسلامك وإنما لم يستثنه لأنه معلوم لا بد منه والله أعلم. باب التعجب بلفظ التسبيح والتهليل ونحوهما أي كالتكبير والحوقلة وترجم البخاري باب التكبير والتسبيح عند التعجب، أخرج البخاري في تعليقاته بصيغة الجزم عن ابن أبي ثور عن ابن عباس عن عمر قال: قلت للنبي -صلى الله عليه وسلم-: طلقت نساءك قال: "لا" قلت: الله أكبر وأخرج أبو داود عن غضيف بن الحارث قال: قلت لعائشة: أرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يغتسل من الجنابة في أول الليل أم في آخره قالت: ربما اغتسل في أوله وربما اغتسل في آخره قلت: الله أكبر الحمد لله الذي جعل في الأمور سعة الحديث وفيه مثل ذلك لما أجابته بتعجيل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالوتر تارة وتأخيره أخرى ولما أجابته بجهره -صلى الله عليه وسلم- بالقراءة

روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن ـــــــــــــــــــــــــــــ تارة وإسراره بها أخرى، وأخرج البخاري وغيره عن ابن موسى الأشعري قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر فكنا إذا علونا كبرنا فقال -صلى الله عليه وسلم-: "أيها النّاس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً ولكن تدعون سميعاً بصيراً" ثم أتى علي وأنا أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله فقال: "يا عبد الله بن قيس قل لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة" أو قال: "ألا أدلك على كلمة هي كنز من كنوز الجنة: لا حول ولا قوة إلا بالله" ثم التعجب استعظام زيادة في وصف الفاعل خفي سببها وخرج بها المتعجب منه عن نظائره أو قل: نظيره قاله ابن عصفور وفي كشف الأسرار لابن العماد إنما تكون الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- طاعة إذا قصد بها التحية والقربة أما إذا اتخذها عادة كالبياع الذي يقولها على معاشه فإنه لا يثاب عليها لأنه يقولها للتعجب من حسن بضاعته تنفيقاً لها وقد حكى الحليمي في المنهاج: أنه يكفر بذلك اهـ، وفي الدر المنضود لابن حجر الهيتمي: كره سحنون المالكي الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- عند التعجب وقال الحليمي: من أئمتنا لا يكره ذلك كسبحان الله ولا إله إلا الله أي لا يأتي بالنادر وغيره إلا الله فإن صلى عليه -صلى الله عليه وسلم- عندما يستقذر أو يضحك منه فأخشى على صاحبه فإن عرف أنه جعلها عجباً ولم يجتنبها كفر اهـ، ونظر فيه القونوي والذي يتجه إنه لا بد من الكفر من قيد زائد على ذلك ربما يؤدي إليه فحوى كلامه وهو أن يذكرها عند المستقذر والمضحوك منه بقصد استقذارها أو جعلها ضحكة فيكفر حينئذٍ كما هو ظاهر وجزم البدر العيني بحرمتها كالتسبيح والتهليل عند عمل محرم أو غرض يبلغه اهـ، وللتعجب عبارات كثيرة واردة في الكتاب والسنة وكلام العرب فمن الكتاب قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} ومن السنة أحاديث الباب ومن كلام العرب قولهم لله دره فارساً وإنما لم يبوب في النحو لما عدا صيغتي ما أفعله وأفعل به لأن ما عداهما لم يدل على التعجب بالوضع بل بالقرينة كما في التصريح للشيخ خالد الأزهري. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) وأخرجه أبو داود وكذا أخرجه الترمذي وابن ماجه

النبي -صلى الله عليه وسلم- لقيه وهو جُنُب، فانسلَّ فذهب فاغتسل، فتفقَّدَه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما جاء قال: "أيْنَ كنْتَ يا أبا هُرَيْرَةَ؟ " قال: يا رسول الله لقيتَني وأنا جنب فكرهت أن أُجالسَك حتى أغتسل، فقال: "سُبْحانَ الله إنّ المُؤْمِنَ لا يَنْجُسُ". ـــــــــــــــــــــــــــــ لكن ليس فيه قوله سبحان الله. قوله: (جنب) هو بضمتين لفظ يستوي فيه الواحد وغيره قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} والجنابة في الأصل البعد وسمي الشخص جنباً لأنه نهى أن يقرب الصلاة ما لم يتطهر. قوله: (فانسل) من النسلان وهو كما في النهاية الإسراع في المشي ووجه الإتيان بضمير الغائب في هذه الأفعال كونه نقلاً لكلام أبي هريرة بالمعنى ويجوز أن يكون صدر ذلك منه بأن يجعل نفسه غائباً ويحكي عنها ومثله يسمى بالتجريد يعني جرد من نفسه شخصاً وأخبر عنه وعلى هذا يكون النقل لعينه بلفظه أيضاً أشار إليه الكرماني. قوله: (يا أبا هريرة) قال الكرماني بحذف الألف من الأب تخفيفاً. قوله: (سبحان الله) استعمل للتعجب ومعنى التعجب هنا كيف يخفى مثل هذا الظاهر عليك وفيه التسبيح عند التعجب من الشيء واستعظامه قال الخطابي في الحديث دليل على جواز تأخير الاغتسال عن أول وقت وجوبه قال ابن بطال هذا يدل على أن النجاسة إذا لم تكن عيناً في الأجسام فإن المؤمن حينئذٍ طاهر لما المؤمن عليه من التطهر والنظافة لأعضائه بخلاف ما عليه المشرك من ترك التحفظ من النجاسة والقذر فحملت كل طائفة على خلقها وعادتها قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} تغليباً للحال وقد قيل في الآية: إنه ليس بمعنى نجاسة الأعضاء بل بمعنى نجاسة الأفعال والكراهة لهم وإبعادهم عما قدس الله تعالى من بقعة أو كتاب أو رجل صالح ولا خلاف بين الفقهاء في طهارة عرق الجنب قيل: لما أباح الله نكاح نساء أهل الكتاب ومعلوم أن عرقهن لا يسلم منه من ضاجعهن ولا غسل عليه من الكتابية إلا كما عليه من المسلمة دل على أن ابن آدم ليس بنجس في ذاته ما لم تعرض له نجاسة تحل به قال المصنف: هذا الحديث أصل عظيم في طهارة المسلم حياً وميتاً أما الحي

وروينا في "صحيحيهما" عن عائشة رضي الله عنها، أن امرأة سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن غسلها من الحيض، فأمرها كيف تغتسل قال: "خُذِي ـــــــــــــــــــــــــــــ فطاهر وأما الميت ففيه خلاف والصحيح من قولي الشافعي أنه طاهر وأما الكافر فحكمه في الطهارة حكم المسلم وأما قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} فالمراد نجاسة الاعتقاد لا نجاسة أعضائهم وإذا ثبتت طهارة الآدمي مسلماً كان أو كافراً فعرقه ودمعه ولعابه طاهرة سواء كان محدثاً أو جنباً أو حائضاً وفي الحديث استحباب احترام أهل الفضل وإن يوقرهم جليسهم ومصاحبهم فيكون على أكمل الهيئات وأحسن الصفات وقد استحبَّ العلماء لطالب العلم أن يحس حاله عند مجالسة شيخه فيكون متطهراً متنظفاً بإزالة الشعور المأمور بإزالتها وقص الأظفار وإزالة الروائح المكروهة وغير ذلك وفي الحديث من الآداب أن العالم إذا رأى من تابعه أمراً يخاف عليه فيه خلاف الصواب سأله عنه وقال له: صوابه وبين له حكمه. قوله: (وروينا في صحيحيهما الخ) وأخرجه أبو داود والنسائي. قوله: (إن امرأة) جاء في رواية الصحيحين ومن ذكر معهما زيادة قوله من الأنصار قال العراقي في مبهماته قال الخطيب: هي أسماء بنت يزيد بن السكن خطيبة النساء وكذا قال غيره وفي رواية صحيح مسلم أن أسماء وهي بنت شكل أي بفتح الشين والكاف وقيل بإسكان الكاف فيجوز أن القصة جرت للمرأتين وقال ابن بشكوال: هي أسماء بنت شكل قال ابن طاهر كذا ذكرها مسلم في صحيحه والصواب أسماء بنت يزيد بن السكن قلت: نقل الشيخ تقي الدين السبكي في شرح المنهاج عن شيخه الحافظ عبد المؤمن بن خلف الدمياطي إن أسماء بنت شكل نسبة إلى جدها وتصحيف في اسمه اهـ، وقال السيوطي في الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج ذكر الخطيب وغيره إن اسم السائلة أسماء بنت يزيد بن السكن وجزم به جماعة منهم الشرف الدمياطي وقال: إن الذي في مسلم تصحيف قال ابن حجر وهو رد للرواية الثابتة بغير دليل قال: ويحتمل أن يكون شكل لقباً لأسماء اهـ. قوله: (قال: خذي

فِرْصَةً مِنْ مِسْكٍ فَتَطَهَّري بها"، قالت: كيف أتطهر بها؟ قال: "تَطَهّري بها"، قالت: كَيفَ؟ قال: "سُبْحانَ الله تَطَهَّري، فاجتذبتُها إليَّ" فقلت: تتبَّعي أثر الدم". قلت: هذا لفظ إحدى روايات البخاري، وباقيها وروايات مسلم بمعناه، والفِرصة بكسر الفاء وبالصاد ـــــــــــــــــــــــــــــ فرصة الخ) قال الكرماني: هو بيان لأمرها، فإن قلت: كيف يكون بياناً للاغتسال وهو إيصال الماء إلى جميع البشرة لا أخذ الفرصة قلت: السؤال لم يكن عن نفس الاغتسال لأنه معلوم لكل أحد بل عما كان مختصاً بغسل الحيض فلذا أجاب به أو الجملة حالية لا بيانية قلت: ويقوي هذا قوله في إحدى روايات مسلم قال: تأخذ إحداكن ماءها وسدرها فتطهر فتحسن الطهور فتصب على رأسها فتدلكه دلكاً شديداً حتى تبلغ شؤون رأسها ثم تصب عليها الماء ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها قالت: أسماء كيف نتطهر بها قال: سبحان الله تطهري بها قالت عائشة: كأنها تخفي ذلك تتبعي بها أثر الدم. قوله: (سبحان الله) المراد بها في مثل هذا الموضع التعجب كما تقدم ومعنى التعجب هنا: كيف يخفى مثل هذا الظاهر الذي لا يحتاج الإنسان إلى فهمه إلى ذكر قال المصنف: فيه جواز التسبيح عند التعجب وكذا عند التنبيه على الشيء والتذكير به. قوله: (فاجتذبتها) وفي بعض نسخ البخاري فاجتبذتها بتقديم الموحدة على المعجمة وهو مقول عائشة رضي الله عنها. قوله: (تتبعي) أمر للواحدة من التتبع وهو المراد من تطهيري قال المصنف: وجمهور العلماء قالوا: تعني بقولها أثر الدم الفرج وقال المحاملي من الشافعية في كتابه المقنع بضم الميم إنه يستحب أن تطيب جميع المواضع التي أصابها الدم وهذا الذي قاله. غريب لا أعرفه لغيره اهـ، لكن ظاهر الحديث حجة له قال الكرماني: وفي الحديث جواز تفسير كلام الرئيس بحضوره وفيه ورود الأمر لغير الإيجاب. قوله: (وباقيها وروايات مسلم بمعناه) روايات مرفوع عطفاً على باقيها ففي رواية لهما خذي فرصة ممسكة فتوضئ ثلاثاً ثم إن النبي -صلى الله عليه وسلم- استحيا وأعرض بوجهه وتقدمت رواية لمسلم. قوله: (والفرصة بكسر الفاء وبالصاد

المهملة: القطعة، والمسك بكسر الميم: وهو الطيب المعروف، وقيل الميم مفتوحة، والمراد الجلد، وقيل أقوال كثيرة، والمراد أنها تأخذ قليلاً من مسك فتجعله في قطنة أو صوفة أو خرقة أو نحوها فتجعله في الفرج لتطيب المحلّ وتزيل الرائحة ـــــــــــــــــــــــــــــ المهملة القطعة أي من قطن أو صوف تفرص أي تقطع قال في النهاية وحكى أبو داود في رواية عن بعضهم قرصة بالقاف والصاد المهملة أي شيئاً يسيراً من القرصة بطرف الأصبعين وحكى بعضهم عن ابن قتيبة قرضة بالقاف والضاد المعجمة أي قطعة من القرض القطع قلت: ضعف في شرح مسلم قول ابن قتيبة وصوب ما في الأصل من أنه فرصة بالفاء والصاد المهملة. قوله: (والمسك بكسر الميم الطيب المعروف) قال المصنف في شرح مسلم: هذا هو الصحيح الذي رواه المحققون وعليه الفقهاء وغيرهم من أهل العلوم اهـ، وأشار الكرماني إلى أن تقدير الحديث عليه خذي قطعة من نحو قطن مطيبة من مسك. قوله: (وقيل الميم مفتوحة) قال القاضي عياض: فتح الميم هي رواية الأكثرين أي والسين ساكنة على الوجهين وقول ابن ياطيس: إن الجلد بفتح أوله جميعاً خطأ صريح وجهل قبيح باتفاق أهل اللغة قاله المصنف في التهذيب وتقدير الحديث على هذا الوجه خذي فرصة من جلد عليه صوف قاله ابن بطال لا أرى التفسير بالمشموم بالجلد وبالذي عليه الصوف صحيحاً إذ ما كان منهن من يستطيع أن يمتهن بالمسك هذا الامتهان ولا يعلم في الصوف معنى يخصه به دون القطن ونحوه والذي عندي فيه أن النّاس يقولون للحائض: احملي معك كذا يريدون عالجي به قبلك أو امسكي معك كذا يكنون به فيكون أحسن من الإفصاح اهـ. قال المصنف: والصحيح أن الرواية بكسر الميم وإنه الطيب المعروف. قوله: (إنها) الحائض ومثلها النفساء لأنها في معنى الحائض. قول: (ليطيب) بضم التحتية الأولى وكسر الثانية المخففة بدليل ويزيل الرائحة بضم

الكريهة، وقيل: إن المطلوب منه إسراع علوق الولد وهو ضعيف، والله أعلم. وروينا في "صحيح مسلم" عن أنس رضي الله عنه "أن أخت الرُّبَيِّعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ التحتية. قوله: (وقيل إن المطلوب الخ) حكى الماوردي القولين المذكورين في المسألة وجهين للأصحاب قال الصنف والصحيح المختار الأول قال الماوردي فإن قلنا بالأول ففقدت المسك استعملت ما يخلفه في طيب الرائحة وإن قلنا بالثاني استعملت ما قام مقامه في ذلك من القسط والأظفار وشبههما قال المصنف وقول من قال: إن المراد الإسراع في العلوق ضعيف أو باطل فإنه على مقتضى قوله: ينبغي أن يخص به ذات الزوج الحاضر الذي يتوقع جماعة في الحال وهذا شيء لم يصل إليه أحد بعمله وإطلاق الأحاديث ترد على من التزمه بل الصواب إن المراد تطييب المحل وإزالة الرائحة الكريهة وإن ذلك مستحب لكل مغتسلة من الحيض والنفاس سواء ذات الزوج وغيرها فإن لم تجد مسكاً فتستعمل أي طيب فإن لم تجد طيباً استحبَّ لها استعمال طين ونحوه مما يزيل الكراهة نص عليه أصحابنا فإن لم تفعل شيئاً فالماء كاف لكنها إن تركت التطيب مع التمكن منه كره لها وإلا فلا كراهة في حقها اهـ، ثم محل استحباب التطيب لغير نحو محرمة ومحدة أما الأولى فيحرم عليها الطيب مطلقاً والآخرة تأخذ نحو قسط وأظفار والله أعلم. قوله: (وروينا في صحيح مسلم أوخ) وكذا رواه البخاري وأبو داود والنسائي كما في جامع الأصول ونبه الشيخ على سبب عزو الحديث لمسلم مع أنه في الصحيحين إن مسلماً انفرد بذكر التعجب بقوله: سبحان الله ورواية البخاري إنها كسرت ثنية جارية ورواية مسلم في الجرح وفي رواية البخاري فقال أنس بن النضر وفي رواية مسلم فقالت أم الربيع. قوله: (إن أخت الربيع) بضم الراء وفتح الموحدة وتشديد التحتية -وكذا ضبط الربيع الجارحة على رواية البخاري- كذا في رواية مسلم إن الجاني أخت الربيع ورواية البخاري إن الجاني الربيع وبما ذكر في هذه القولة وما قبلها علم إن بين روايتي البخاري ومسلم اختلافاً

أمَّ حارثة جرحت إنساناً، فاختصموا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: القصاصَ القصاصَ، فقالت أمُّ الربيِّع: يا رسول الله أتقتصُّ من فلانة، واللهِ لا يُقْتَصُّ منها! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: سُبْحانَ اللهِ يا أُم الرُّبَيع القِصَاصُ كتابُ اللهِ". قلت: ـــــــــــــــــــــــــــــ كثيراً وجعلهما الحميدي في الجمع بين الصحيحين حديثاً واحداً وقد أخرجه في المتفق عليه قال في جامع الأصول: كان كل واحد من روايتي البخاري ومسلم منفرد لما ذكر من الاختلاف في الجاني وفي الجناية وفي القاتل اهـ، وفي شرح مسلم بعد بيان اختلاف روايتي الصحيحين في اسم الجارح واسم القائل أهي أم الربيع بفتح الراء وكسر الموحدة أو أنس بن النضر قال العلماء المعروف في الروايات رواية البخاري وقد ذكرها من طرقه الصحيحة كما ذكرنا عنه وكذا رواه أصحاب كتب السنن قلت: يحتمل أنهما قضيتان اهـ، أقول في صحيح البخاري في كتاب الديات في باب القصاص بين الرجال والنساء في الجراحات تعليقاً مجزوماً به وجرحت أخت الربيع إنساناً فقال -صلى الله عليه وسلم- "القصاص". قال الشيخ زكريا في تحفة القارئ صوب بعضهم حذف أخت ليوافق ما مر في البقرة وبعضهم أنهما قضيتان اهـ. قوله: (أم حارثة) أي ابن سارقة الذي استشهد بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببدر فأتت أمه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: أخبرني عن حارثة فإن كان في الجنة صبرت واحتسبت وإن كان غير ذلك اجتهدت في البكاء فقال: إنها جنان وإنه أصاب الفردوس الأعلى لكن الذي في أسد الغابة إن أم حارثة هي الربيع بصيغة التصغير بنت النضر وهو الموافق لما سبق عن البخاري ثم نقل فيه القول بأنها أخت الربيع وأنها أم حارثة. قوله: (القصاص القصاص) بنصبهما أي أدوا القصاص وسلموه لمستحقه. قوله: (فقالت أم الربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة وتقدم إن الذي في البخاري إن قائل ذلك أنس بن النضر. قوله: (لا والله لا يقتص منها) قال المصنف: ليس معناه رد حكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بل المراد به الرغبة إلى مستحق القصاص أن يعفوا وإلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في الشفاعة إليهم في العفو وإنما حلفت ثقة بهم أن لا يحنثوها أو ثقة بفضل الله ولطفه بها أن لا يحنها بل يلهمهم العفو. قوله: (كتاب الله القصاص) أي حكم كتاب الله وجوب القصاص وفي الحديث استحباب

أصل الحديث في "الصحيحين"، ولكن هذا المذكور لفظ مسلم، وهو غرضنا هنا، والرُّبَيِّعِ بضم الراء وفتح الباء الموحدة وكسر الياء المشددة. وروينا في "صحيح مسلم" عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما في حديثه الطويل، في قصة المرأة التي أسرت، فانفلتت وركبت ناقة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ونذرت إن نجَّاها الله تعالى لتنحرنَّها، فجاءت، فذكروا ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "سُبْحانَ الله بِئْسَ ما جَزَتْها". وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في حديث الاستئذان أنه قال لعمر رضي الله عنه ... الحديث، وفي آخره، "يا ابْنَ الخَطَّاب لا تَكونَنَّ عَذاباً على أصْحابِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ العفو عن القصاص واستحباب الشفاعة في العفو وإن فيه الخيرة في القصاص والدية إلى مستحقه لا المستحق عليه وفيه إثبات القصاص بين الرجل والمرأة. قوله: (أصل الحديث الخ) تقدم ما بين روايتي الصحيحين من الاختلاف. قوله: (وهو غرضنا هنا) لأن فيه الإتيان بسبحان الله في التعجب، أي كيف يخفى مثل هذا الحكم الظاهر عليك. قوله: (والربيع الخ) أي التي وقع منها الجناية كما هو عند البخاري أو الربيع المضاف إليها أخت في أخت الربيع أما الربيع الذي أضيف إلى أم فبفتح الراء كما تقدم وقد بينه هكذا المصنف في شرح مسلم. قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) وأخرجه أبو داود وأخرج الترمذي منه طرفاً يسيراً كذا في جامع مع الأصول. قوله: (في المرأة التي أسرت) قال في الحديث: وأسرت امرأة من الأنصار الحديث قال المصنف: هي امرأة أبي ذر رضي الله عنهما. قوله: (وركبت نافة النبي -صلى الله عليه وسلم-) هي العضباء كما صرح به في الرواية. قوله: (سبحان الله) وجه التعجب قبح المجازاة كما صرح به بقوله: بئسما جزتها الخ. قوله: (وروينا في صحيح مسلم) وأصل الحديث في البخاري والترمذي لكن ليس فيه عندهما قول عمر: سبحان الله إنما سمعت شيئاً الخ. قوله: (وفي آخره يا بن الخطاب لا تكونن عذاباً الخ)

باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

سبحان الله، إنما سمعت شيئاً فأحببت أنَ أتثبَّت". وروينا في "الصحيحين" في حديث عبد الله بن سلام الطويل لما قيل: إنك من أهل الجنة، قال: سبحان الله ما ينبغي لأحد أن يقول ما لم يعلم ... وذكر الحديث. باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـــــــــــــــــــــــــــــ قائل هذا الكلام هو أبي ذر بن كعب رضي الله عنه كما صرح به في الحديث في رواية مسلم وإن كان في العبارة ما يوهم أنه أبو موسى. قوله: (سبحان الله) وجه التعجب إنكاره على أبي حيث أنكر عليه التثبت في الأمر وقصد عمر مما فعله مع أبي موسى زجر من لا خلاق له من المبتدعة والمنافقين ونحوهم من القول على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما لم يقل فإن من وقعت له قضية وضع فيها حديثاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فأراد سد الباب خوفاً من غير أبي موسى لا شكاً في رواية أبي موسى فإنه عند عمر أجل من أن يظن به أن يحدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما لم يقل بل أراد زجر غيره بطريقة فإن من دون أبي موسى إذا رأى هذه القضية أو بلغته وكان في قلبه مرض وأراد وضع حديث خاف من مثل قضية أبي موسى فامتنع من وضع الحديث والمسارعة إلى الرواية بغير يقين ومما يدل على أن هذا مراده قوله: سبحان الله الخ، أشار إليه المصنف في شرح مسلم. قوله: (وروينا في الصحيحين) أي من حديث قيس بن عبادة بضم المهملة وخفة الموحدة. قوله: (سبحان الله ما ينبغي الخ) قال المصنف: هذا إنكار من ابن سلام حيث قطعوا له بالجنة فيحمل على أنهم بلغهم حديث سعد بن أبي وقاص ما سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول لحي يمشي إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام رواه مسلم وهو لم يسمع ذلك ويحتمل أنه كره الثناء عليه بذلك تواضعاً وإيثاراً للخمول وكراهة الشهرة اهـ. باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المعروف يشمل الواجب والمندوب والمباح والمنكر المحرم ومنه تعاطى ما منع الشرع

هذا الباب أهمُّ الأبواب، أو من أهمها لكثرة النصوص الواردة فيه، ـــــــــــــــــــــــــــــ منه من عبادة فاسدة أو عقد كذلك وهل المنكر يشمل المكروه فيه كلام يأتي للبيضاوي. قوله: (أهم الأبواب) إذ هو معظم الشريعة التي هي أمر بمعروف أو نهي عن منكر. قوله: (أو من أهمها) فأهم الأبواب الإيمان بالله تعالى وبرسوله -صلى الله عليه وسلم- وما يتعلق بذلك ومعرفة العلم العيني والقيام بالفرض العيني. قوله: (لكثرة النصوص) أي من الكتاب والسنة وسيأتي بعضها. قوله: (الواردة فيه) أي في طلبه وإيجابه قال المصنف: وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأمة وهو أيضاً من النصيحة التي هي الدين ولم يخالف في ذلك إلا بعض الرافضة ولا يعتد بخلافهم كما قال أبو المعالي إمام الحرمين لا يكترث بخلافهم في هذا فقد أجمع المسلمون عليه قبل أن ينبغ هؤلاء ووجوبه بالشرع لا بالعقل ثم هو فرض كفاية تارة فإذا قام به بعض النّاس سقط عن الباقين وإذا تركه الجميع إثم كل من يتمكن منه بلا عذر ولا خوف وفرض عين أخرى كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو ولا يتمكن من إزالته إلا هو قال العلماء: ولا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه بل يجب عليه فعله فإن الذكرى تنفع المؤمنين وعليه الأمر والنهي لا القبول كما قال عز وجل: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ}، ثم لا يشترط في الآمر والناهي أن يكون كامل الحال ممتثلاً ما يأمر به مجتنباً ما ينهي عنه بل عليه الأمر وإن كان مخلاً بما أمر به والنهي وإن كان متلبساً بما ينهى عنه فإنه يجب عليه شيئان أن يأمر نفسه وينهاها ويأمر غيره وينهاه فإذا دخل بأحدهما كيف يباح له الإخلال بالآخر ولا يختص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأصحاب الولايات بل ذلك جائز لآحاد المسلمين قال إمام الحرمين والدليل عليه إجماع المسلمين فإن غير الولاة في الصدر الأول والعصر الذي يليه كانوا يأمرون الولاة بالمعروف وينهونهم عن المنكر مع تقرير المسلمين إياهم

لعِظَم موقعه، وشدة الاهتمام به، وكثرة تساهل أكثر النّاس فيه، ولا يمكن استقصاء ما فيه هنا، لكن لا نخل بشيء من أصوله، وقد صنف العلماء فيه ـــــــــــــــــــــــــــــ وترك توبيخهم على التشاغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نعم شرط الآمر والناهي أن يكون عالماً بما يأمر به وينهى عنه فكل أحد أهل للأمر بالواجبات الظاهرة كالصلاة والصوم والنهي عن المنكرات كذلك كشرب الخمر والزنى إذ جميع المسلمين علماء بذلك أما دقائق الأفعال والأقوال وما يتعلق بالاجتهاد فلا مدخل فيه للعوام وليس لهم إنكاره بل ذلك للعلماء ثم الإنكار إنما يكون فيما أجمع عليه أما المختلف فيه فلا إنكار إلا إن كان الفاعل يعتقد تحريمه أو أراد المنكر النصيحة إلى الخروج عن الخلاف كما أشار إليه المصنف في شرح مسلم اهـ، ملخصاً منه. قوله: (ولعظم موقعه) إذ به يحصل انتظام أمر الدارين. قوله: (وشدة الاهتمام به) أي شرعاً لعظم ثمرته. قوله: (ولكثرة تساهل النّاس فيه) أتى باللام في المعطوفات إشارة إلى أن كل واحد منها علة للاهتمام بهذا الباب وإنه أهم أو من أهم الأبواب، قال المصنف في شرح مسلم: واعلم أن هذا الباب أي باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد ضيع أكثره من أزمان متطاولة ولم يبق منه في هذه الأزمان إلا رسوم قليلة جداً وهو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله بعقابه فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم وينبغي للمعتني بالآخرة أن يعتني بهذا الباب فإن نفعه عظيم لا سيما وقد ذهب معظمه ويخلص نيته ولا يهابن من ينكر عليه لارتفاع منزلته فإن الله تعالى قال: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} ولا يتاركه أيضاً لصداقته ومحبته وطلب الجاه عنده ودوام المنزلة لديه فإن صداقته توجب له حقاً ومن حقه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته وينقذه من مضاره وصديق الإنسان من يفعل به ذلك اهـ. قوله: (ولا يمكن استقصاء ما فيه) أي لا يمكن في هذا الكتاب استقصاء أي طلب أقصى ما فيه من النصوص الطالبة له ومن حسن ثمراته. قوله: (لكن لا يخل بشيء من أصوله) إذ ما لا يدرك كله لا يترك كله وقليل الخير كثير قال الشاعر:

متفرَّقات، وقد جمعت قطعةً منه في أوائل "شرح صحيح مسلم" ونبَّهتُ فيه على مهمّات لا يستغنى عن معرفتها، قال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ افعل الخير ما استطعت وإن ... كان قليلاً فلن تطيق لكله ومتى تفعل الكثير من الخيـ ... ـر إذا كنت تاركاً لأقله وهذا أحسن من قول محمود الوراق. لو رأيت الصغير من عمل الخيـ ... ـر ثواباً عجبت من كبره أو رأيت الحقير من عمل الشر ... جزاء أشفقت من حذره قوله: (متفرقات) أي فبعضها في الأمر بالجمعة ونحو ذلك من المعروف وبعضها في النهي عن التعرض للصحابة رضي الله عنهم بسوء وبعضها في النهي عن الابتداع ونحو ذلك من المنكرات. قوله: (وقد جمعت قطعة صالحة الخ) قد لخصنا منها مهمها فيما سبق ومما بقي منه قوله: ينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يرفق ليكون أقرب إلى تحصيل المطلوب ففد قال إمامنا الشافعي: من وعظ أخاه سراً فقد نصحه وزانه ومن وعظه جهراً فقد فضحه وشانه ومما يتساهل أكثر النّاس فيه من هذا الباب ما إذا رأى إنساناً يبيع متاعاً معيباً ونحوه فإنهم لا ينكرون ذلك ولا يعرفون المشتري بعينه وهذا خطأ ظاهر وقد نص العلماء على أنه يجب على من علم ذلك أن ينكر على البائع وأن يعلم به المشتري اهـ. قوله: (ولتكن منكم أمة) من للتبعيض لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفاية ولأنه لا يصلح له كل أحد كما علم مما تقدم قال البيضاوي: إذ المتصدي له شرط لا يشترك فيها جميع الأمة كالعلم بالأحكام ومراتب الاحتساب وكيفية إقامتها والتمكن من القيام بها خاطب الجميع وطلب فعل بعضهم ليدل على إنه واجب على الكل حتى لو تركوه رأساً أثموا جميعاً ولكن يسقط أي الوجوب بفعل بعضهم وكذا كل ما هو فرض كفاية أو للتبيين بمعنى كونوا أمة تأمرون قال في لباب التفاسير فيلزم الجميع الدعاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أي كونوا كلكم آمرين بالمعروف

أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104] وقال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، وقال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)} [التوبة: 71] وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 71] وقال تعالى: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة: 79] والآيات بمعنى ما ذكرته مشهورة. ـــــــــــــــــــــــــــــ ناهين عن المنكر. قوله: (يدعون إلى الخير) عام للدعاء إلى ما فيه صلاح ديني ودنيوي وعطف الأمر بالمعروف وما بعده عليه عطف الخاص على العام إيذاناً بفضله قال القاضي البيضاوي: والأمر بالمعروف يكون واجباً ومندوباً على حسب ما يأمر به والنهي عن المنكر واجب كله لأن جميع ما أنكره الشرع حرام اهـ. وقال الشيخ زكريا في حاشيته عليه قوله والنهي عن المنكر واجب كله ليس كذلك إذ المكروه منكر يندب تركه ولا يجب اهـ. قوله: (وأولئك هم المفلحون) أي مخصوصون بكمال الفلاح روى عنه -صلى الله عليه وسلم- سئل من خير النّاس قال: آمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأتقاهم لله وأوصلهم قال الحافظ في تخريج أحاديث الكشاف أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني والبيهقي في الشعب. قوله: ({خُذِ الْعَفْوَ} الآية) تقدم السلام على شيء مما يتعلق بها في باب الإعراض عن الجاهلين. قوله: (والمؤمنون والمؤمنات الخ) لما عدد مثالب المنافقين ذكر بعدها مناقب المؤمنين وبضدها تتميز الأشياء. قوله: (بعضهم أولياء بعض) أي يتولون ويتناصرون حتى إن الرجل يخرج إلى الجهاد وامرأته تهيئ أسبابه ويخرجن النساء مع الرجل فيداوين الجرحى ويعالجن المرضى ويصلحن الطعام ويحملن الماء قيل: ذكر في المنافقين بعضهم من بعض ولم يقل بعضهم أولياء بعض لأن المؤمنين يتوالون ويتناصرون على الدين الحق والكفار لهم دين باطل يتوالون عليه أما المنافقون فليس لهم دين يظهرونه ويمكنهم التوالي عليه لكن بعضهم على صفة بعض. قوله: ({كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة: 79] الآية) قال في النهر: ظاهره التفاعل بمعنى الاشتراك أي لا ينهي بعضهم بعضاً وذلك إنهم جمعوا بين فعل المنكر والتجاهر به وعدم النهي عنه والمعصية إذا فعلت وقدرت على العبد ينبغي أن يستتر بها، في الحديث من بلي منكم بشيء من هذه القاذورات فليستتر فإذا فعلت جهاراً وتواطؤوا

وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَنْ رَأى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ـــــــــــــــــــــــــــــ على عدم الإنكار كان ذلك تحريضاً على فعلها وسبباً مثيراً لإفشائها كثيراً اهـ. قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) ورواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة كما في الجامع الصغير. قوله: (عن أبي سعيد الخ) قال: حين لم يلتفت مروان بن الحكم لرجل أنكر عليه لما عزم على تقديم خطبة العيد على صلاته: أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الخ. قوله: (من رأى منكم) خطاب لكل من يتأتى توجيه الخطاب إليه كما في ولو ترى إذ وقفوا على النار ورأى يجوز أن يكون من رؤية البصر فليس عليه إنكار ما علمه ولم يره أو من رؤية البصيرة فهو أعم مما أبصره أو علمه لتناوله إياهما. وقوله: (فليغيره) أي يزله ويبدله بغيره وهو المعروف إذ لا واسطة بينهما إذ المعروف كما تقدم ما عرفه الشرع من واجب أو مندوب أو مباح والمنكر ما أنكره الشرع وأباه فيجب تغييره إن كان حراماً دفعاً لمفسدة المنكر ويكون التعبير بالمعروف لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "من أمر بمعروف فليكن أمره فيه بمعروف" ثم ظاهر الأمر بتغييره يقتضي وجوبه مطلقاً قدر أو لم يقدر والتحقيق وجوبه مع القدرة عليه وإلا منّ على نفسه ولم تعارض مصلحة الإنكار مفسدة راجحة أو مساوية وإلا فهو معذور والمكلف به غيره وظاهره أيضاً أنه لا يتوقف على إذن الإِمام أو نائبه وسبق أول الباب عن إمام الحرمين نقل إجماع المسلمين عليه نعم خص من ذلك من خاف من ترك إذنه مفسدة بانحرافه عليه بأنه افتيات عليه فيجب استئذانه في تغييره دفعاً للمفسدة وخص عمومه في الأشخاص بغير المكلف كالصبي والمجنون إذ لا قدرة على تغييره بخلاف المكلف القادر عليه والتغيير باليد لمن قدر عليه أبلغ في إزالة المنكر كإراقة الخمر وتفكيك آلة اللهو. قوله: (فبلسانه) أي فليغيره بلسانه

فَبِقَلْبِهِ، وذَلِكَ أضْعَفُ الإيمَانِ". وروينا في كتاب الترمذي عن حذيفة رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "والَذي نَفْسِي بيَدِهِ لتَأْمُرُنَّ بالمَعْرُوف، ولتَنْهَونَّ عَنِ المُنْكَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كأن يصيح عليهم فيتركوه أو يسلط عليهم من يغيره. قوله: (فبقلبه) أي فليكرهه بقلبه وينوي أنه لو قدر على تغييره لغيره لأن الإنسان يجب عليه إيجاب عين كراهة ما كرهه الله تعالى وهذا تدريج في التغيير بحسب الاستطاعة الأبلغ فالأبلغ كقوله لعمران بن الحصن: صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب وعكسه قول الفقهاء في دفع الصائل يتنزل من الكلام إلى العصا إلى السيف ونحوه الأسهل فالأسهل. قوله: (وذلك أضعف الإيمان) أي كراهيته بالقلب أقل الإيمان ثمرة إذ لا يحصل بها زوال مفسدة المنكر المطلوب زواله فهو قاصر بخلافه باليد واللسان فإنه متعد لأنه كراهة وإزالة وفي رواية زيادة ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل أي ليس وراء هذه المرتبة مرتبة أخرى لأنه إذا لم يكرهه بقلبه فقد رضي به وذلك ليس من شأن أهل الإيمان وهذا يقتضي أن تغييره من الإيمان وقد مر أنه مؤول بأنه من آثاره وثمراته لا من حقيقته أي وذلك أضعف الإيمان وثمراته. قوله: (لتأمرن) بضم الراء والفاعل محذوف ضمير الجماعة المخاطبين. قوله: (ولتنهون) بفتح اللام والفوقية وسكون النون وفتح الهاء وضم الواو وتشديد النون وأصله لتنهوون فتحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً ثم حذفت فالتقى ساكنان الواو ونون التوكيد المدغمة ولا يمكن حذف إحداهما فحركت الواو بحركة تجانسها وهي الضمة ولم تقلب ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها لأن الحركة عارضة وما سلكته من أن المحذوف الألف المنقلبة من الواو والباقي واو الضمير حركت لدفع التقاء الساكنين أولى مما سلكه القلقشندي في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لتسون صفوفكم أو

أَوْ ليُوشكَنَّ الله تعالى يَبْعَثُ عَلَيكُمْ عِقَاباً منْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ" قَالَ الترْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ ليخالفن الله بين قلوبكم وهو إن الأصل لتسوون كما جاء كذلك في رواية ثم حذفت إحدى الواوين تخفيفاً وأبقيت الضمة على الواو قبلها دالة عليها لما فيه من جعل المحذوف ضمير الفاعل والأصل عدم حذفه ولا يعدل إلى الحكم به إلا عند تعذره نعم يقر به إنه عليه مناسب لتأمرن في كون المحذوف في كل منهما ضمير الرفع وأبقيت الضمة لتدل عليه. قوله: (أو ليوشكن الله) أي إن لم تأمر بالمعروف وتنهوا عن المنكر و"أو" للتقسيم يعني أحد الأمرين لازم لا يخلوا الحال عنه وابن مالك يعبر عنه بالتفريق المجرد قال العاقولي في شرح المصابيح: والذي نفسي بيده الخ، القسم واقع على أن أحد هذين الأمرين كائن لا محالة إما أمرهم بالمعروف أو بعث العذاب عليهم ثم إذا دعوا الله لا يستجيب لهم والله إن أحد الأمرين كائن إما ليكن منكم الأمر بالمعروف أو ليكن إنزال عذاب عظيم من عند الله ثم بعد ذلك ليكن منكم الدعاء ومنه تعالى عدم إجابتكم اهـ، وهذا الحديث فيه استعمال مضارع أو شك ومثله قول الشاعر: يوشك من فر من منيته ... في بعض غراته يوافيها قوله: (ثم تدعونه) كذا في نسخة من الترمذي بإثبات واو الجماعة والنون خفيفة نون الرفع ووقع في المشكاة ثم لتدعنه بلام جواب القسم وحذف واو الضمير وإبقاء الضمة دالة عليه ويؤخذ من هذا الحديث وأمثاله ما صرح به في الزواجر من أن ترك النهي عن المنكر من غير عذر من الكبائر ونقله عن صاحب العدة وسيأتي نقله في أوائل باب الغيبة في كلام الأذرعي. قوله: (قال الترمذي حديث حسن) وجه الحكم بحسنه

_ قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذه الصفحة انتقلت في المطبوعة إلى ص 233

وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه بأسانيد صحيحة عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا أيها النّاس، إنكم تقرؤون هذه الآية: ـــــــــــــــــــــــــــــ الاختلاف في حال عبد الله الأنصاري وهو ابن عبد الرحمن الأشهلي فوثقه عبد الله بن عبد الصمد بن أبي خداش الأسدي الموصلي عن المعافى وابن عيينة في آخرين وضعفه أبو حاتم لكن اعتضد بشواهد وتوابعه من أحاديث الباب وباقي رجاله رجال الصحيح والله أعلم. قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) هذا أحد ألفاظ روايات أبي داود وفي أخرى له ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب وفي أخرى له ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي وهم أكثر ممن يعمله ولفظ رواية الترمذي وابن ماجه أن النّاس إذا رأوا منكراً فلم يغيروا يوشك أن يعمهم الله بعقابه كما أشار إلى ذلك في المشكاة وبه يعلم إن عزو الحديث لتخريج من عدا أبا داود أريد به رواية أصل المعنى لا بخصوص هذا المبنى ثم راجعت كتاب الترمذي فرأيته رواه بلفظ الكتاب المعزو لأبي داود ومن معه وابن ماجه فرأيته كما في المشكاة. قوله: (بالأسانيد الصحيحة) فيه إن مدار سنده عند الترمذي وابن ماجه على إسماعيل بن أبي خالد فسنده واحد نعم الطرق إلى إسماعيل متعددة فيصح إطلاق الجمع في الأسانيد بهذا الاعتبار لكن سبق عن الحافظ تعقب الشيخ في قوله في مثل ذلك بالأسانيد المتعددة بما من ثم رجاله رجال الصحيح إلا إسماعيل بن أبي خالد فروى عنه هو وابن ماجه وقد ضعف كما في الكاشف للذهبي ولم يصحح الترمذي الحديث ولا حسنه نعم حكى اختلافاً على إسماعيل في رفع الحديث ووقفه فقال: هكذا روى غير هذا الحديث عن إسماعيل نحو حديث يزيد أي موقوفاً ورفعه بعضهم عن إسماعيل ووقفه بعضهم والله أعلم. كقوله: (وتقرءون) وفي نسخة لتقرءون بلام الزيادة التأكيد والنون مخففة على كلا النسختين وكأنه احتيج للتأكيد لاقتضاء المقام ذلك أو من مخاطبة غير المنكر بخطاب المنكر لكون حاله كالمنكر كما يقال كتارك الصلاة العالم بفرضيتها إن

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] وإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنّ النَّاسَ إذَا رأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا على يَدَيهِ أوْشَكَ أنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الصلاة لواجبة. قوله: ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} الخ) بيان للآية أو بدل منها فهو في محل نصب أو خبر مبتدأ محذوف أي هي فهو في محل رفع. قوله: (وإني سمعت الخ) قال العاقولي: الفاء فيه فصيحة تدل على محذوف كأنه قال: إنكم تقرءون هذه الآية وتجرون على عمومها وليس كذلك فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أيها النّاس الخ" وهذا عام في حق جميع النّاس فيجب العمل به. قوله: (فلم يأخذوا على يديه) أي بمنعه من الظلم في النهاية يقال: أخذت على يد فلان إذا منعته عما يريد أن يفعله كأنك أمسكت يده اهـ. وقوله: (أو شك) أي قرب قال ابن جر في الزواجر: ومن أقبح البدع أن بعض الجهلة إذا أمر بمعروف أو نهى عن منكر قال: قال تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} وما علم الجاهل بقول أبي بكر إن من فعل ذلك ازداد إثم معصيته بإثم تفسيره القرآن برأيه أي وهو من الكبائر وإنما معنى الآية: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قاله ابن المسيب وفيها أقوال أخر اهـ. قال الإِمام الواحدي في تفسيره الوسيط خاف الصديق أن يتأول النّاس الآية غير متأولها فتدعوهم إلى ترك الأمر بالمعروف فأراد أن يعلمهم إنها ليست كذلك وإنه لو كان وجهها ذلك ما تكلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخلافها والذي أذن الله في الإمساك عن تغييره من المنكر الشرك الذي ينطق به المعاهد من أجل أنهم أهل ملل يتدينون بها ثم إن قد صولحوا على أن شرط لهم ذلك فأما الفسق والعصيان والريب من أهل الإسلام فلا يدخل في الآية ويدل على صحة هذه الجملة حديث ابن عباس وهو حينئذٍ ضرير ذكر الصديق فقال رحمه الله قعد على منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم مد يده فوضعها على المجلس الذي كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجلس من منبره ثم قال: سمعت الحبيب وهو جالس في هذا المجلس إذا

وروينا في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما عن أبي سعيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ تأول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] فسرها وكان تفسيره لها أن قال: نعم ليس من قوم عمل فيهم بمنكر وسن فيهم بقبيح فلم يغيروه أو لم ينكروه إلا وحق على الله أن يعمهم بالعقوبة جميعاً ثم لا يستجاب لهم ثم أدخل إصبعيه في أذنيه فقال: إلا أكن سمعتها من الحبيب فصمتا قال الواحدي بعد تخريجه ولابن مسعود رضي الله عنه طريق أخرى في هذه الآية وأخرج عنه أنه قال: لم يجيء تأويل هذه الآية بعد إذ القرآن حين نزل كان منه أي مضى تأويلها قبل أن ينزل ومنه أي وقع تأويلها على عهده -صلى الله عليه وسلم- ومنه أي وقع تأويلها بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسنين ومنه أي يقع تأويلها عند الساعة فما دامت قلوبكم واحدة ولم تلبسوا شيعاً ولم يذق بعضكم بأس بعض فمروا وانهوا فإذا اختلفت القلوب والأهواء وألبستم شيعاً وذاق بعضكم بأس بعض فليأمر كل امرئ نفسه قال الواحدي: يدل على صحة ما ذهب إليه ابن مسعود في تأويل هذه الآية حديث أبي ثعلبة الخشني قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنها فقال: "نعم بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً وديناً مؤثراً وإعجاب كل ذي رأى برأيه ورأيت الأمر لا يدان لك فعليك نفسك ودع أمر العوام" الحديث اهـ، بتلخيص. قوله: (وروينا في سنن أبي داود والترمذي الخ) قال السخاوي في المقاصد الحسنة: أخرجه أبو داود في الملاحم من حديث أبي سعيد مرفوعاً وزاد في آخره أو أمير جائر رواه الترمذي في الفتن من جامعه بلفظ إن من أعظم الجهاد وذكره بدون أو أمير جائر وقال: إنه حسن غريب وهو عند ابن ماجه في الفتن أيضاً بلفظ أبي داود أفضل الجهاد كلمة عدل الخ ولم يذكر فيه أو أمير جائر وأخرجه ابن ماجه أيضاً من حديث أبي أمامة قال: عرض لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجل عند الجمرة الأولى فقال: يا رسول الله أي الجهاد أفضل؟ فسكت عنه فلما رمى الجمرة الثانية سأله فسكت عنه فلما رمى جمرة العقبة ووضع رجله في

"أفْضَلُ الجهادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطانٍ جائِرٍ". قال الترمذي: حديث حسن. قلت: والأحاديث في الباب أشهر من أن تذكر، وهذه الآية الكريمة مما يَغترُّ بها كثير من الجاهلين ويحملونها على غير وجهها، بل الصواب في معناها: أنكم إذا فعلتم ما أُمرتم به فلا يضركم ضلالة من ضل. ومن جملة ما أُمروا به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والآية قريبة المعنى من قوله تعالى: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ} [العنكبوت: 18]. واعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن ـــــــــــــــــــــــــــــ الغرز ليركب قال: أين السائل؟ قال: أنا يا رسول الله قال: كلمة حق عند سلطان جائر اهـ، وقال في الجامع الصغير وأخرجه ابن ماجه لكن قال كلمة حق يدل قوله: كلمة عدل وأخرجه باللفظ الذي عند ابن ماجه أحمد والطبراني في الكبير والبيهقي في الشعب عن أبي أمامة وأخرجه ابن عبد البر في التمهيد من حديث أبي أمامة وفي الدرر المنتثرة للسيوطي حديث أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر البيهقي في الشعب من حديث أبي أمامة بسند لين وله شاهد من مرسل طارق بن شهاب قلت: والحديث عند أبي داود والترمذي من حديث أبي سعيد أي بنحوه اهـ. قوله: (أفضل الجهاد الخ) قال الخطابي: إنما صار ذلك أفضل الجهاد لأن من جاهد العدو كانّ متردداً بين رجاء وخوف لا يدري هل يغلب أو يغلب وصاحب السلطان مقهور في يده فإذا قال الحق وأمر بالمعروف فقد تعرض للتلف وأهدف نفسه للهلاك فصار أفضل أنواع الجهاد من أجل علبة الخوف. قوله: (على خلاف وجهها) أي من إن الإنسان إذا قام بالطاعة بنفسه لا يضره فعل غيره للضلال من فعل المنكر ومنه ترك الواجب. قوله: (والصواب الخ) أي فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من جملة ما هو على الإنسان وكلف به فإذا قام بهما ولم يسمع منه فقد أتى بالواجب الذي عليه ولا يضره وضلال غيره بعد السماع فهي كما قال الشيخ قريبة المعنى من قوله عز وجل: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} وقريب منه قوله تعالى:

كتاب حفظ اللسان

المنكر له شرط وصفات معروفة ليس هذا موضع بسطها، وأحسن مظانها "إحياء علوم الدين"، وقد أوضحتُ مهماتها في "شرح مسلم"، وبالله التوفيق. كتاب حفظ اللسان قال الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]. وقال الله تعالى: ـــــــــــــــــــــــــــــ {إنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قوله: (له شروط) بعضها لأصل طلبه بأن يكون المنكر عالماً بما ينكره وقد تقدم تفصيله وبعضها لجوازه بأن لا يترتب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محذور أشد منه كأن عرف أنه متى أنكر عليه غصب درهم من الإنسان غلبه الحمق فغصب مائة أو قتل نفساً محترمة وبعضها لوجوبه بأن يأمن على نفسه وماله وتقدمت جملة صالحة من ذلك أوائل الباب. قوله: (مظانه) جمع مظنة بكسر الظاء كما تقدم نقله عن الحافظ عثمان. قوله: (وقد أوضحت مهماته الخ) وقد لخصت مهمه فيما تقدم أول الباب والله أعلم. كتاب حفظ اللسان أي عن محرم وجوباً وعما لا يعني ولو من مباح ندباً وقوله: حفظ اللسان من باب إضافة المصدر إلى مفعوله. قوله: (قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ} الخ) قال في النهر ظاهر ما يلفظ العموم قال مجاهد ويكتب عليه كل شيء حتى أنينه في مرضه وقال السيوطي في الإكليل استدل به ابن عباس على أنه يكتب كل ما يتكلم به حتى قوله: أكلت، شربت، ذهبت، جئت، أخرجه ابن أبي حاتم من طريق علي بن طلحة عنه لكن أخرج الحاكم من طريق عكرمة عنه قال: إنما يكتب الخير والشر لا يكتب يا غلام أسرج الفرس ويا غلام اسقني الماء وجرى على الثاني الوارد من طريق عكرمة البيضاوي فقال: لعله أي الملك يكتب ما فيه من ثواب أو عقاب اهـ، وعلى هذا القول الثاني فالآية مخصوصة بالقول الثاني المترتب عليه ثواب أو عقاب وسبق في أول الكتاب في الكلام على الذكر القلبي عن المصنف إن الأصح أن الملك يطلع على ذلك وقوله (رقيب) أي ملك يرقب عمله و (عتيد) أي معد حاضر وفي الحديث كاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات فإذا عمل حسنة كتبها ملك اليمين وإذا عمل سيئة قال

{إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14] وقد ذكرت ما يسر الله سبحانه وتعالى من الأذكار المستحبة ونحوها فيما سبق، وأردت أن أضم إليها ما يكره أو يحرم من الألفاظ ليكون الكتاب جامعاً لأحكام الألفاظ، ومبيناً أقسامها، فأذكر من ذلك مقاصد يحتاج إلى معرفتها كل متدين، وأكثر ما أذكره معروفة، فلهذا أترك الأدلة في أكثره، وبالله التوفيق. ـــــــــــــــــــــــــــــ صاحب اليمين لصاحب الشمال: دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر وللحديث طرق فأخرجه الثعلبي والبغوي والطبراني والبيهقي من حديث أبي أمامة وعند الطبراني دخل عثمان بن عفان على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله كم مع العبد ملك الحديث أشار إليه الحافظ في تخريج أحاديث الكشاف. قوله: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} في النهر المرصاد المكان الذي يتقرب فيه الرصد مفعال من رصده وهذا تمثيل لإرصاده العصاة بالعقاب اهـ، أي فلا يهمل سبحانه شيئاً وإن كان قد تفضل بإمهال من سبقت له العناية وتنصل مما جناه من الجناية وإن ذلك الإمهال من جملة آثار إن ربك لبالمرصاد لما فيه من استدراجه الزيادة في العصيان فيبوء بزيادة العذاب. قوله: (ونحوها) أي نحو الأذكار من الأقوال كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبذل النصيحة ووعظ إنسان أخاه وغيرها مما سبق. قوله: (إليها) أي الأذكار وما معها مما يطلب التلفظ به إما لذاته كالذكر أو لثمرته كالأمر بالمعروف ونحوه. قوله: (ما يكره) أي كراهة تنزيه والمراد منه ما يشمل خلاف الأولى والكراهة إما لورود النهي عن خصوص ذلك اللفظ أو لغيره كأن كل فيه اشتغال بما لا يعني ففي الحديث من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. قوله: (ليكون الكتاب جامعاً لأحكام الألفاظ) أي من الوجوب والندب فيما يطلب والكراهة والتحريم بالتصريح والإباحة بالمفهوم فيما عدا ما ذكره من اللفظ المباح وكان التلفظ به مما يعني الإنسان. قوله: (ومبيناً أقسامها) أي بالصراحة تارة وبغيرها أخرى. قوله: (كل متدين) أي متخلق بالدين وفي التعبير به إشارة

فصل: اعلم أنه ينبغي لكل مكلَّف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاماً تظهر المصلحة فيه، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنَّة الإمساك عنه، لأنه في ينجرُّ الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، بل هذا كثير أو غالب في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى مشقة القيام به إلا على من يسره الله عليه وأعانه وأوصله بفضله إليه وما أحسن ما أنشدنا شيخنا العلامة عبد الرحيم الحساني للعلامة الثاني السعد التفتازاني وفيه جناس تام: قد كنت قدماً مثرياً متمولاً ... متجملاً متعففاً متدينا والآن صرت وقد عدمت تمولي ... متجملاً متعففاً متدينا أراد من المتدين في الأول ذا دين بكسر المهملة وفي الثاني ذا دين بفتحها والله أعلم. فصل: اعلم أنَّه ينبغي لكل مكلف الخ في أحاسن المحاسن للرقي في ترجمة مجاهد قال: إن من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام وكانوا يعدون فضوله ما عدا كتاب الله تعالى أن تقرأ أو تأمر بمعروف أو تنهى عن منكر أو تنطق بحاجتك في معيشتك التي لا بد لك منها أتنكرون إن عليكم حافظين كراماً كاتبين عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد أما يستحي أحدكم إن لو نشرت صحيفته التي أملى صدر نهاره كان أكثر ما فيها ليس من أمر دينه ولا دنياه اهـ. قوله: (والسلامة لا يعد لها شيء) أي فينبغي الاعتناء بما وصل إليها وهو الصمت عما لا يعني وإن كان من المباح. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) في الجامع الصغير وأخرجه أحمد والترمذي

"مَنْ كانَ يُؤمِنُ بالله واليَوْم الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيراً أوْ لِيَصْمُتْ". قلت: فهذا الحديث المتفق على صحته نص صريح في أنه لا ينبغي أن يتكلّم إلا إذا كان ـــــــــــــــــــــــــــــ وابن ماجه عن أبي شريح وعن أبي هريرة من جملة حديث لفظه: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت في الأربعين للمصنف بتقديم هذه الجملة أي فليقل خيراً الخ، وقال: فليصمت وقال: رواه الشيخان وفي جاء عند الشيخين بلفظ فليصمت وبلفظ فليسكت اهـ، وفي بعض شروح الأربعين حديثاً للمصنف قال ابن أبي زيد أمام المالكية بالمغرب في زمانه جماع الخير متفرع من أربعة أحاديث قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل: خيراً أو ليصمت" وقوله: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" وقوله: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" وقوله: "لا تغضب". قوله: (من كان يؤمن بالله) أي الإيمان الكامل المنجي من عذابه الموصل إلى رضاه فالمتوقف على امتثال ما في الخبر كمال الإيمان لا حقيقته أو هو على المبالغة في الاستحباب إلى ما فيه كما يقول القائل لولده إن كنت ابني فأطعني تحريضاً وتهييجاً على الطاعة والمبادرة إليها مع شهود حق الأبوة وما يجب لها لا على إنه بانتفاء طاعته ينتفي إنه ابنه. قوله: (واليوم الآخر) هو يوم القيامة وهو محل الجزاء على الأعمال حسنها وقبيحها ففي ذكره دون نحو الملائكة مما ذكر معه في حديث جبريل تنبيه وإرشاد لما أشير إليه مما يوقظ النفس ويحركها في الهمة للمبادرة إلى امتثال جزاء الشرط أي قوله: فليقل واللام فيه للأمر ويجوز إسكانها وكسرها حيث دخلت عليها الواو أو الفاء أو ثم بخلافها في ليسكت فإنها مكسورة لا غير والمراد فليقل ما ظهر له بعد تفكره فيه إنه خبر محقق لا تترتب عليه مفسدة ولا يجر إلى محرم أو مكروه. قوله: (أو ليصمت) قال المصنف: قال أهل اللغة: صمت يصمت بضم الميم صموتاً وصماتاً سكت قال الجوهري: أصمت بمعنى صمت والتصميت أيضاً السكوت اهـ، واعترض بأن المسموع والقياس

الكلام خيراً، وهو الذي ظهرت له مصلحته، ومتى شك في ظهور المصلحة فلا يتكلم. وقد قال الإِمام الشافعي رحمه الله: إذا أراد الكلام فعليه أن يفكِّر قبل كلامه، فإن ظهرت المصلحة تكلم، وإن شك لم يتكلَّم حتى ـــــــــــــــــــــــــــــ كسرها إذ قياس فعل مفتوح العين يفعل بكسرها، ويفعل بضمها دخيل نص عليه ابن جني قال ابن حجر الهيتمي: وإنما يتجه إن شبرت كتب اللغة فلم ير ما قاله وإلا فهو حجة في النقل وهو لم يقل هذا قياساً حتى يعترض بما ذكر وإنما قاله نقلاً كما هو ظاهر من كلامه فوجب قبوله قيل: وآثر يصمت على يسكت أي في هذه الرواية لأن الصمت يكون مع القدرة على الكلام بخلاف السكوت فإنه أعم والمراد من الحديث: ليسكت أو إن لم يظهر له ذلك فيسن له الصمت عن المباح لأنه ربما أدى إلى مكروه أو محرم وعلى فرض أن لا يؤدي إليهما ففي ضياع الوقت فيما لا يعني ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. قوله: (ومتى شك في ظهور المصلحة فلا يتكلم) أي إذا لم يظهر إن في السلام نفعاً ولا ضرراً أمسك عنه واشتغل بما هو أهم مما تحققت أو ظهرت مصلحته من ذكر الله تعالى وما في معناه ثم في الحديث إن قول الخير خير من الصمت لتقديمه عليه ولأنه أمر به عند عدم قول الخير وأن الصمت خير من قول الشر وإن قول الخير غنيمة والسكوت عن الشر سلامة وفوات الغنيمة والسلامة ينافي حال المؤمن وما يقتضيه شرف الإيمان المشتق من الأمان ولا أمان لمن فاتته الغنيمة والسلامة وإن الإنسان إما أن يتكلم أو يسكت فإن تكلم فإما بخير وهو ربح وإما بشر وهو خسارة وإن سكت فإما عن شر فهو ربح أو عن خير فهو خسارة فله ربحان وخسارتان فينبغي أن يتجنبهما ويكتسب الربحين ثم قيل: هذا الأمر عام مخصوص بما لو أكره على قول شر أو سكوت عن خير أو خاف على نفسه من قول الخير ونحوه لحديث رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه فالمكره عليه منهما هو خير وكذا المأتي به منهما عند النسيان

تظهرَ. وروينا في "صحيحيهما" عن أبي موسى الأشعري قال: قلت: يا رسول ـــــــــــــــــــــــــــــ لارتفاع العقاب فيه. قوله: (وروينا في صحيحيهما الخ) ورواه النسائي لكن هذا اللفظ البخاري ولفظ مسلم أن رجلاً سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي المسلمين خير؟ فقال: "من سلم المسلمون الخ" كذا في المشكاة قال شارحها: ابن حجر فرق بين خير وأفضل وإن كانا أفعل تفضيل بأن الأول من الكيفية إذ هو النفع في مقابلة الشر والثاني من الكمية إذ هو كثرة الثواب في مقابلة القلة اهـ، ثم لهذا الحديث شواهد كحديث المسلم: من سلم المسلمون من لسانه ويده أخرجه مسلم عن جابر مرفوعاً وقد اتفق على هذا اللفظ الشيخان ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث جابر مرفوعاً أسلم المسلمين إسلاماً من سلم المسلمون من لسانه ويده وأخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم عن أبي هريرة مرفوعاً بزيادة والمؤمن من أمنه النّاس على دمائهم وأموالهم، قال العراقي: وهذه الزيادة أي والمؤمن الخ، صحيحه على شرط مسلم اهـ، ورواه البخاري وأبو داود والنسائي عن ابن عمر وزاد في آخره والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه وليس فيه قوله: والمؤمن الخ، كما في الجامع الصغير ورواه الحاكم أيضاً من حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه بزيادة والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب قال الحاكم: وهذه الزيادة على شرطهما ولم يخرجاها ذكره العراقي في أماليه ثم قال بعد إخراجه من طرق حديث صحيح أخرجه ابن ماجه مقتصراً على المؤمن والمهاجر وأخرجه الترمذي والنسائي في سننه الكبرى مقتصرين على ذكر المجاهد وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، قال العراقي: ومما قلته في هذا المعنى: المسلم الكامل الإسلام من تجده ... قد سلم النّاس من لسانه ويده والمؤمن الكامل الإيمان من أمنوا ... منه على النفس والأموال من رشده ومن يكن هاجراً ما الله عنه نهى ... فهو المهاجر مع سكناه في بلده ومن يجاهد فيه نفسه فهو الـ ... ـمجاهد الجاهد الساعي ليوم غده

الله، أيُّ المسلمين أفضل؟ قال: "مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسانِهِ وَيَدِهِ". ـــــــــــــــــــــــــــــ اهـ. قوله: (من لسلم المسلمون) أي الشامل للمسلمات كما في النصوص إلا لدليل والتقييد بالمسلمين لكونه خرج مخرج الغالب لا مفهوم له فأهل الذمة مثلهم على إنه جاء في رواية ابن حبان المسلم من لسلم النّاس الخ، وهم الإنس بل والجن كما في العباب والقاموس فيؤخذ منه إن الخير والأفضل من ترك إيذاء الجن بقول: وكذا فعل إن تصور، وزعم بعض إن المراد بالناس فيها المسلمون ليس في محله. قوله: (من لسانه ويده) أي من أذى لسانه وعبر به دون القول ليشمل إخراجه استهزاء بغيره وقدم لأن الإيذاء به أكثر وأسهل ولأنه أشد نكاية ومن ثم قال -صلى الله عليه وسلم- لحسان: "اهج المشركين" فإنه أشق عليهم من رشق النبل ولأن الإيذاء به أعم لأنه يتعدى إلى الماضين والحاضرين وإن شاركه في هذا الإيذاء باليد بالكتابة وقوله: ويده أي ومن أذى يده أي سائر جوارحه فهي كناية عن سائر الجوارح لأن سلطنة الأفعال إنما تظهر بها إذ بها البطش والقطع والوصل والأخذ والمنع ومن ثم غلبت فقيل في كل عمل مما عملت أيديهم وإن لم يكن وقوعه بها ولا يدخل في الحديث طلب الإيذاء على وجه الحد والتعزير والدفع لنحو الصائل لأن ذلك استصلاح السلامة والمراد من كون الخير والأفضل من سلم المسلمون الخ، إذا جمع إلى ذلك باقي أركان الإسلام فجمع بين أداء حق الله تعالى بأن أتى بأركان الإسلام وأداء حق المسلمين بأن كف عنهم أذاه وكأن التقدير خير المسلمين من أسلم وجهه الله ورضي بقضائه فلم يتعرض لأحد بنوع من أذى ولا سيما إخوانه المسلمين وجماع ذلك حسن التخلق مع العالم وقد فسر الحسن البصري الأبرار بأنهم الذين لا يؤذون الذر ولا يرضون الشر فكنى بالذر عن كل حيوان فلم يصل منه لشيء من الحيوانات شيء من الأذى فهذا أمر معروف من العارفين إذ هم المتخلفون بكمال الرحمة للعالم وفيه إشارة إلى حسن المعاملة مع الحق لأنه إذا أحسن معاملة أقرانه كان محسناً لمعاملة مولاه بالأولى كذا قيل، وتعقب بأن المفهوم من الإشارة ما دل عليه اللفظ لا بطريق القصد وهذا ليس كذلك وأجيب بأنه ليس المراد بالإشارة هنا نظير قولهم أشار قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} إلى صحة صوم

وروينا في "صحيح البخاري" عن سهل بن سعد رضي الله عنه، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ يَضْمَنُ لي ما بينَ لَحْيَيْهِ ومَا بينَ رِجْلَيْهِ، أضْمَنُ لَهُ الجنَّةَ". وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة، أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن ـــــــــــــــــــــــــــــ الجنب، بل ما دل عليه اللفظ بذلك القيد وهذا قد دل عليه اللفظ دلالة أولوية كدلالة ولا تقل لهما أف على حرمة الضرب وإن كانت الأولوية ثمة أظهر منها ها هنا والمراد إن من أحسن معاملة الخلق لكمال إسلامه وحسن استسلامه فهو أولى بحسن معاملة الحق فلا يقال: نجد كثيراً يحسن معاملة الخلق دون الحق. قوله: (وروينا في صحيح البخاري الخ) قال في المرقاة ورواه أحمد والحاكم عن أبي موسى بلفظ من حفظ ما بين فقميه ورجليه دخل الجنة والفقم بالضم والفتح اللحي على ما في النهاية ورواه الترمذي وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة مرفوعاً من وقاه الله شر ما بين لحييه وشر ما بين رجليه دخل الجنة قلت: وسيأتي الحديث في الأصل قريباً وفي رواية للبيهقي عن أنس من وقي شر لقلقه وقبقبه وذبذبه فقد وجبت له الجنة اللقلق اللسان والقبقب البطن والذبذب الذكر كذا في مختصر النهاية للسيوطي اهـ. قلت: وفي الموطأ من حديث عمار بن ياسر إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: من وقاه الله شر ثنتين ولج الجنة فقال رجل: يا رسول الله ألا تخبرنا فسكت -صلى الله عليه وسلم- ثم عاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال مثل مقالته الأولى إلى تمام المرة الثالثة وأراد الرجل أن يقول مثل مقالته الأولى فاسكته رجل إلى جنبه فقال -صلى الله عليه وسلم-: "من وقاه الله شر ثنتين فقد ولج الجنة ما بين لحييه وما بين ورجليه ما بين لحييه وما بين رجليه ما بين لحييه وما بين رجليه وهذه شواهد لحديث الكتاب. قوله: (من يضمن) بالجزم على أن من شرطية. قوله: (ما بين لحييه) بفتح اللام العظمان في جانب الفم وما بينهما هو اللسان (وما بين رجليه) هو الفرج قال الشيخ زكريا في تحفة القارئ المراد بالضمان الأول والثاني لازمهما وهو أداء الحق في الأول والمجاوزة في الثاني أي من أدى الحق الذي على لسانه من النطق بما يجب عليه أو الصمت عما لا يعنيه وأدى الحق الذي على فرجه من وضعه في الحلال وكفه عن الحرام جازيته بالجنة اهـ. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) في الجامع الصغير بعد إيراده بلفظ ما بين المشرق

العَبْدَ يَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ ما يَتَبَينُ فيهَا يَزِلُّ بهَا إلى النَّارِ أبْعَد مِمَا بَينَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ" وفي رواية البخاري "أبْعَدُ مِمَّا بَينَ المَشْرِقِ" من غير ذكر "المغرب"، ومعنى يتبين: يتفكر في أنها خير أم لا. وروينا في "صحيح البخاري" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ الله تَعالى ما يُلْقِي لَهَا بالاً، يَرْفَعُ اللهُ تَعالى بِها دَرَجَاتٍ، وإنَّ العَبْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمغرب رواه أحمد والشيخان اهـ، وظاهره أن لفظ والمغرب من زيادات مسلم وحينئذٍ فما في تلك النسخة من غلط الكاتب. قوله: (يزل) بفتح أوله وكسر الزاي أي يسقط. وقوله: (أبعد) صفة مصدر محذوف أي هو يا بعيد المبدأ والمنتهى جداً وفي نسخة صحيحة من الأذكار ينزل بزيادة نون. قوله: (وفي رواية البخاري الغ) وعليه قال في المشرق للجنس أي بين محلي الشروق إذ مشرق الصيف غير مشرق الشتاء أو المراد من رواية البخاري ما جاء في رواية مسلم والمغرب واكتفى بأحدهما عن الآخر كما في قوله تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} أشار إليه الشيخ زكريا في التحفة. قوله: (ومعنى ما يتبين الخ) أي لا يتطلب معنى تلك الكلمة ولا يتأمله ويتفكر فيه أخير هو فيأتي به أم لا فيدعه. قوله: (وروينا في صحيح البخاري) ورواه أحمد من حديث أبي هريرة أيضاً كما في الجامع الصغير قلت: ورواه في الموطأ وقال إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالاً يرفعه الله بها في الجنة وفي الجامع الصغير من حديث أبي هريرة مرفوعاً إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً يهوي بها سبعين خريفاً في النار رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم في المستدرك قلت: وقال صحيح على شرط مسلم ورواه البيهقي بنحو حديث الباب وزاد البيهقي وإن الرجل ليزل على لسانه أشد مما يزل على غيره. قوله: (من رضوان الله) أي مما يرضاه الله بضم الراء أفصح من كسرها ومن بيانية حال من الكلمة وكذا (لا يلقي لها بالاً) أي لا يعرف لها قدراً ويظنها هينة قليلة الاعتبار وهي عند الله عظيمة المقدار. قوله: (يرفع الله) جملة مستأنفة

لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ تَعالى لا يُلْقي لَها بالاً يَهْوِي بِها في جَهَنَّمَ". قلت: كذا في أصول البخاري "يَرْفَعُ اللهُ بِها دَرَجاتٍ" وهو صحيح: أي درجاتِه، أو يكون تقديره: يرفعه، ويُلقي، بالقاف. ـــــــــــــــــــــــــــــ بيان للموجب كأن قائلاً يقول: ماذا يستحق بعد أي بطريق الوعد والفضل قيل: يرفع الله أي له بها درجات والاستئناف البياني ما كان جواباً لسؤال مقدر اهـ. قوله: (من سخط الله) بفتحتين أو بضم فسكون أي مما يسخط أي يوجب غضبه وانتقامه إن لم يتفضل بالعفو. قوله: (يهوي) بفتح أوله وكسر الواو أي يسقط (بها) أي بتلك الكلمة (في جهنم) تقدم الكلام عليها أعاذنا الله منها وقد زاد الترمذي وابن ماجه وغيرهما سبعين خريفاً كما تقدم. قوله: (وهو صحيح أي درجاته) قلت: جاء كذلك عند بعض رواة البخاري ويجوز أن يكون التقدير يرفعه الله درجات فعلى تقدير الضمير بعد درجات يكون مفعولاً به وعلى الثاني يكون مثل قوله تعالى: {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} قال السفاقسي: درجات منصوب على المصدر لأن الدرجة بمعنى الرفعة أو على الحال أو على المفعول الثاني لرفع على طريقة التضمين أي بلغ أو على إسقاط حرف الجر وهو على أو إلى ويحتمل أن يكون بدل اشتمال أي رفع درجات بعضهم على درجات بعض اهـ، وتقدير البدل في الحديث يرفع الله يرفعه درجات والله أعلم. قوله: (ويلقي بالقاف) سكت عن ضبط إعرابه قال بعضهم: هي بضم الياء وكسر القاف وبالاً بالنصب مفعول أي لا يرى لها شأناً وفي بعض نسخ المشكاة بفتح الياء والقاف والمعنى أنه لا يجد لها عظمة عنده وفي شرح المشارق أنه بفتحهما ورفع البال فالبال على هذا بمعنى الحال قيل: والظاهر أنه في المصابيح كذلك فإن شارحه زين العرب قال: أي لا يلحقه بأس وتعب في قولها أو لا يحضر باله أي قلبه لما يقوله منها أو هو من قولهم: ليس هذا على بالي أي مما أباليه والمعنى أنه يتكلم بكلمة يظنها قليلة وهي عند الله

وروينا في موطأ مالك وكتابي الترمذي وابن ماجه عن بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه أن ـــــــــــــــــــــــــــــ جليلة فيحصل له رضوانه اهـ، وفي التوشيح لا يلقي لها بالاً أي لا يتأملها بخاطره ولا يتفكر في عاقبتها ولا يظن أنها تؤثر شيئاً وفسرها ابن عبد البر بالكلمة تقال عند السلطان قلت: وسيأتي نقل عبارته في حديث مالك المذكور بعده وفسرها القاضي عياض بالتعريض بالمسلم أو الاستهزاء وابن عبد السلام بالكلمة لا تعرف حسنها من قبيحها اهـ. قوله: (وروينا في موطأ الإِمام مالك الخ) أشار ابن عبد البر في التمهيد إلى اختلاف في سند الحديث قال: فرواه مالك عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن بلال بن الحارث هكذا رواه عنه جميع رواة الموطأ وقال غير مالك عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن جده عن بلال فهو من رواية مالك غير متصل ومن رواية من قال عن أبيه عن جده متصل سند وقد تابع مالكاً على مثل روايته الليث وابن لهيعة فروياه عن ابن عجلان عن محمد بن عمرو عن أبيه عن بلال بن الحارث ولم يقولا عن جده ورواه الدراوردي وسفيان بن عيينة ومعاذ بن جبل وأبو معاوية الضرير في آخرين عن محمد ابن عمرو عن أبيه عن جده عن بلال وتابعهم حيوة بن شريح عن ابن عجلان عن محمد بن عمرو عن أبيه عن جده ورواه الثوري وموسى بن عقبة عن محمد بن عمرو عن جده علقمة لم يقولا عن أبيه والقول عندي فيه والله أعلم، قول من من قال عن أبيه عن جده وإليه مال الدارقطني اهـ وفي الجامع الصغير رواه مالك وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم عن بلال بن الحارث مرفوعاً فذكره بمثله وكذا رواه في شرح السنة كما في المشكاة بنحوه وفي الإحياء كان علقمة يقول وكم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث اهـ، قال ابن حجر الهيتمي: إن الحديث رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه بلفظ إن أحدكم والباقي سواء. قوله: (عن بلال بن الحارث المزني) قال المصنف في التهذيب هو أبو عبد الرحمن بن بلال بن الحارث بن عصم بن سعد بن فيره بن خلاوة بفتح المعجمة بن ثعلبة بن ثور بن هذبة بضم الهاء وإسكان الذال المعجمة بن لاطم بن عثمان بن عمرو بن أد بن طلحة بن إلياس

رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ الله تعالى ما كانَ يَظُن أنْ تَبْلُغَ ما بَلَغَتْ، يَكْتُبُ اللَّهُ تَعالى لَهُ بِها رِضْوَانَهُ إلى يَوْم يَلْقاهُ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ تَعالى ما كانَ يَظُنُّ أنْ تَبْلُغَ ما بَلَغَتْ، يَكْتُبُ اَللهُ تَعالى بِها سَخَطَهُ إلى يَوْمِ يَلْقَاهُ". قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وروينا في كتاب الترمذي والنسائي وابن ماجه ـــــــــــــــــــــــــــــ بن مضر بن نزار المزني وولد عثمان المذكور يقال لهم: مزنيون نسبة إلى أمه مزينة وبلال مدني وفد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في وفد وكان يحمل لواء مزينة يوم فتح مكة ثم سكن البصرة وتوفي سنة ستين وهو ابن ثمانين سنة روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثمانية أحاديث. قوله: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة الخ) قال ابن عبد البر في التمهيد: لا أعلم خلافاً في قوله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث إن الرجل ليتكلم بالكلمة إنها الكلمة عند السلطان الجائز الظالم ليرضيه بها فيما يسخط الله عزّ وجلّ ويزين له باطلاً يريده من إراقة دم أو ظلم مسلم ونحوه مما ينحط به في حبل هواه فيبعد من الله وينال سخطه وكذا الكلمة التي يرضى بها الله عزّ وجلّ عند السلطان ليصرفه عن هواه ويكفه عن معصية يريدها وهكذا فسره ابن عيينة وغيره وذلك بين في هذه الرواية اهـ. قوله: (ما كان يظن) أي ما يقع في باله لكونه يظن إنها يسيرة قليلة وهي عند الله عظيمة جليلة. قوله: (يكتب الله بها رضوانه الخ) قال العاقولي: يوفقه لما يرضي الله تعالى من الطاعات ويثبته على ذلك إلى يوم يموت فيلقى الله عزّ وجلّ مطيعاً ويحصل له ثواب الطائعين اهـ، وظاهر تقريره إن رضوان فيه مصدر مضاف لمفعوله قيل والأظهر أنه مضاف لفاعله لمقابلة القرينة الآتية. قوله: (وروينا في كتاب الترمذي الخ) قال العراقي في تخريج أحاديث الأحياء وهو عند مسلم دون آخر الحديث الذي فيه ذكر اللسان اهـ، قلت ولفظ حديث مسلم عن سفيان بن عبد الله قال: قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك قال: "قل: آمنت

عن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، حدثني بأمر أعتصم به، قال: "قُلْ رَبي اللَّهُ ثم اسْتَقِمْ"، قال: قلت: يا رسول الله، ـــــــــــــــــــــــــــــ بالله ثم استقم" وبه يعلم إن مراد العراقي يكون ذلك عند مسلم أي أصل المعنى لا بخصوص اللفظ والمبنى وفي الجامع الصغير حديث: قل: آمنت بالله ثم استقم رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال العراقي ورواه النسائي عن عبد الله الثقفي قال: قلت يا رسول الله حدثني بأمر اعتصم به الحديث قال ابن عساكر: وهو خطأ والصواب سفيان بن عبد الله كما رواه الترمذي وصححه وابن ماجه اهـ، ووقع في نسخ المصابيح سعيد بن عبد الله الثقفي وذكر قوله قلت: يا رسول الله ما أخوف الخ قال ابن الجزري والصواب سفيان بن عبد الله اهـ. قوله: (عن سفيان بن عبد الله الثقفي) قال المصنف في التهذيب: هو أبو عمرو وقيل أبو عمرة سفيان بن عبد الله بن أبي ربيعة الثقفي الطائفي الصحابي كان عاملاً لعمر بن الخطاب على الطائف استعمله إذ عزل عثمان بن أبي العاص ونقله عنها روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- سبعة أحاديث روى منها مسلم في صحيحه حديثاً واحداً وهو أنه قال: قلت: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً الخ، وهذا الحديث أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام روى عنه ابنه عبد الله وعروة وجبير بن نفير وغيرهم اهـ، وخرج له الترمذي والنسائي وابن ماجه. قوله: (بأمر) أي جامع لمعاني الدين وشعبه بحيث يكفيني في مطلوبي بحيث (أعتصم) أي استمسك (به) من عصم بمعنى منع. قوله: (قل ربي الله) وعند مسلم كما تقدم آمنت بالله والمراد جدد إيمانك متفكراً بجنانك ذاكراً بلسانك مستحضراً لتفاصيل الإيمان التي أشير إليها في حديث جبريل فإنه لا بد في الإيمان من ذلك. قوله: (ثم استقم) أي على عمل الطاعات والانتهاء عن المخالفات إذ لا يتأتى مع شيء من الاعوجاج فإنها ضده وما في الحديث منتزع من قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} الآية، أي آمنوا به ووحدوه مع شهود ألوهيته وربوبيته لهم ثم استقاموا واعتدلوا على ذلك وعلى طاعته

ما أخوف ما يخاف علي، فأخذ بلسان نفسه ثم قال: "هَذا" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. ـــــــــــــــــــــــــــــ عقداً وقولاً وفعلاً وداوموا على ذلك إلى أن توفاهم عليه ويؤيد ذلك قول الصديق رضي الله عنه لم يشركوا بالله شيئاً ولم يلتفتوا إلى إله غيره واستقاموا على أن الله ربهم وقول عمر رضي الله عنه استقاموا والله على طاعته ولم يروغوا روغان الثعلب وكذا قال آخرون والمراد بذلك كله الاستقامة على التوحيد الكامل وهو مستلزم للتحقيق بجميع ما قلناه أولاً ويؤيده أنه جاء عن الصديق أنه فسرها أيضاً بأنهم لم يلتفتوا إلى غير الاستقامة ونهايتها والاستقامة هي الدرجة القصوى التي بها كمال المعارف والأحوال وصفاء القلوب في الأعمال وتنزيه العقائد عن سفاسف البدع والضلال. ومن ثم قال الأستاذ أبو القاسم القشيري من لم يكن مستقيماً في أحواله ضاع سعيه وخاب جده ونقل أنه لا يطيقها إلا الأكابر لأنها الخروج عن المألوفات ومفارقة الرسوم والعادات والقيام بين يدي الله تعالى على حقيقة الصدق ولعزتها أخبر -صلى الله عليه وسلم- أن لن يطيقوها بقوله عند أحمد استقيموا ولن تطيقوا وقد جمع -صلى الله عليه وسلم- لهذا السائل في هاتين الكلمتين جميع معاني الإيمان والإسلام اعتقاداً وقولاً وعملاً كما أشرنا إلى ذلك في تقرير معناهما وحاصله أن الإسلام توحيد وطاعة فالتوحيد حاصل بالجملة الأولى والطاعة بجميع أنواعها في ضمن الجملة الثانية إذ الاستقامة امتثال كل مأمور واجتناب كل منهي ومن ثم قال ابن عباس في قوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} ما أنزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- في جميع القرآن آية كانت أشد ولا أشق عليه من هذه الآية ولذا قال -صلى الله عليه وسلم-: "شيبتني هود وأخواتها" وأخرج ابن أبي حاتم لما نزلت هذه الآية شمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما رأى ضاحكاً. قوله: (ما أخوف ما يخاف علي) ما الأولى استفهامية مبتدأ خبره خوف وهو اسم تفضيل بني للمفعول نحو أشهر وألوم وما الثانية موصولة فهي مضاف إليه والعائد محذوف على طريقة جد جده فالمضاف إليه المصدر المنسبك من الموصول وصلته والباء في قوله: بلسانه زائدة في المفعول وقوله: هذا مبتدأ أو خبر والمعنى هذا أكثر خوفي عليك منه وأسند الخوف إلى اللسان لأنه زمام الإنسان فإنه إذا أطلق لزم منه ما لا يرضى صاحبه شاء

وروينا في كتاب الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تُكْثِروا الكلامَ بغَيرِ ذِكْرِ اللهِ، فإنَّ كَثْرَةَ الكَلامِ بِغَيرِ ذِكْرِ اللهِ تَعالَى قَسْوَة لِلْقَلْبِ، وإن أبْعَدَ النَّاسِ مِنَ الله تَعالىَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أو أبى وليس هذا الوصف في عضو آخر من الأعضاء سواه قاله العاقولي وقال بعضهم: قال هذا تنبيهاً على أن أعظم ما تراعي استقامته بعد القلب من الجوارح: اللسان فإنه ترجمان القلب والمعبر به عنه وقد أخرج أحمد لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه وفي الإحياء إنما أسند -صلى الله عليه وسلم- شدة خوفه على أمته في سائر الأخبار إلى اللسان لأنه أعظم الأعضاء عملاً إذ ما من طاعة أو معصية إلا وله فيها مجال فمن أطلق عذبه اللسان وأهمله مرخي العنان سلك به الشيطان في كل ميدان وساقه إلى شفا جرف هار إلى أن يضطره إلى البوار ولا يكب النّاس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم ولا ينجي من شره إلا أن يقيد بلجام الشرع، وعلم ما يحمد إطلاق اللسان فيه أو يذم غامض عزيز والعمل بمقتضاه على من عرفه ثقيل عسير لكن على من يسره الله يسير اهـ. قوله: (وروينا في كتاب الترمذي) قال المنذري ورواه البيهقي. قوله: (قسوة للقلب) أي سبب للقسوة ففيه الإخبار بها مبالغة وهي غلظة وحينئذ يجفو عن قبول ذكر الله تعالى والتأثر بالمواعظ قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} أخرج الحاكم اطلبوا المعروف من رحماء أمتي تعيشوا في أكنافهم ولا تطلبوه من القاسية قلوبهم فإن اللعنة تنزل عليهم وأخرج الخرائطي في مكارم الأخلاق بنحوه وفي آخره ولا تطلبوا من القاسية قلوبهم فإنهم ينتظرون سخطي وفي مسند البزار عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أربعة من الشقاء: جمود العبرة وقساوة القلب وطول الأمل والحرص على الدنيا" ولما تضمنه الأحاديث من اللعنة والسخط وكونه من الشقاء قال بعضهم: قسوة القلب من الكبائر وقيده ابن حجر في الزواجر إذا كانت بحيث تحمل على منع إطعام المضطر مثلاً اهـ. قوله: (وإن أبعد النّاس من الله)

القَلْبُ القَاسِي". وروينا فيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ وَقاهُ اللهُ شَرَّ ما بَين لَحْيَيهِ، وشرَّ ما بَيْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي من رحمته ورضاه وشهوده رؤياه. قوله: (القلب القاسي) أي صاحبه لأنه عري من خوف الله تعالى ورجائه ومحبته وامتلأ بمحبة الأغيار واستأنس بمحادثة الأشرار وعبر بالقلب عن الشخص لأنه أشرف ما فيه فيكون مجازاً مرسلاً أو إنه على تقدير المضاف فيكون من مجاز الحذف. قوله: (وروينا فيه الخ) قال في الجامع الصغير وأخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك كلهم من حديث أبي هريرة وفي تقدم الكلام على حديث البخاري من يضمن لي ما بين لحييه الخ، من حديث عمار بن ياسر أخرجه مالك في الموطأ وهو شاهد لهذا الحديث أيضاً وفي الترغيب للمنذري أخرجه ابن أبي الدنيا إلا أنه قال: من حفظ ما بين لحييه وأحاديث أخر في الباب تقدمت ثمة. قوله: (من وقاه الله شر ما بين لحييه الخ) قال ابن عبد البر معلوم أنه أراد بقوله ما بين لحييه اللسان وما بين رجليه الفرج قال وفي الحديث من الفقه أن الكبائر أكثر ما تكون والله أعلم من الفرج والفم وفي وجدنا الكفر وشرب الخمر وأكل الربا وقذف المحصنات وأكل أموال النّاس ظلماً من الفم واللسان ووجدنا الزنى من الفرج وأحسب أن المراد من الحديث أن من اتقى لسانه وما يأتي منه من القذف والغيبة والسب كان أحرى أن يتقي القتل ومن اتقى أكل الربا لم يعمل به لأن البغية من العمل به التصرف في أكله فهذا وجه في تخصيص الجارحتين في الحديث وضمان الجنة لمن وقي شرهما ويحتمل أن ذلك خطاب منه -صلى الله عليه وسلم- لقوم بأعيانهم اتقى عليهم من اللسان والفرج ما لم يتق عليهم من سائر الجوارح ويحتمل أيضاً أن يكون قبل قوله ذلك كلام لم يسمعه الناقل كأنه قال من عافاه الله وقاه كذا وكذا وشر ما بين لحييه ورجليه دخل الجنة فسمع الناقل بعض الحديث ولم يسمع بعضه فنقل ما سمع وإنما احتجنا إلى هذه الاحتمالات لإجماع الأمة أن من أحصن فرجه عن الزنى ومنع لسانه من كل سوء ولم يتق ما سوى ذلك من القتل والظلم أنه لا تضمن

رِجْلَيهِ دَخَلَ الجَنةَ" قال الترمذي: حديث حسن. وروينا فيه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله ما النجاة؟ قال: "أمْسِك عَلَيكَ لِسَانَكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ له الجنة بل إن مات كذلك ولم يتب تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له إن مات على الإسلام ثم قال ابن عبد البر بعد ذكر عدة أحاديث فيها جملة من الكبائر فمن وقاه الله الكبائر وعصمه منها ضمنت له الجمعة ما أدى فرائضه فمن مات كذلك ثم زحزح عن النار وأدخل الجنة كان مضمون ذلك ومن أتى كبيرة من الكبائر ثم تاب منها توبة صحيحة كان كمن لم يأتها ومن أتى كبيرة ومات مسلماً على غير توبة فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له اهـ، بتلخيص. قوله: (وروينا فيه) أي في كتاب الترمذي قال المنذري ورواه ابن أبي الدنيا في العزلة وفي الصمت ورواه البيهقي في كتاب الزهد كلهم عن أبي أمامة عن عقبة اهـ، وفي المرقاة ورواه أحمد وروى ابن قانع والطبراني عن الحارث بن هشام أملك عليك لسانك اهـ، وهذا شاهد لصدر الحديث وللحديث شاهد من حديث ثوبان رضي الله عنه قال: طوبى لمن ملك لسانه ووسعه بيته وبكى على خطيئته رواه الطبراني في الأوسط والصغير بإسناد حسن. قوله: (أمسك عليك لسانك) هكذا هو في نسخ الأذكار بالسين المهملة قال الشيخ زكريا في شرح الرسالة رواه الترمذي بلفظ أمسك اهـ، أي لا تطلقه إلا فيما ينفعك وفي المصابيح أملك باللام وكذا في الجامع الصغير قال العاقولي أي لا تجريه إلا بما يكون لك لا عليك قلت وأصله في النهاية وهو حاصل المعنى وأصل معناه كما في المرقاة أمسك عليك لسانك حافظاً عليك أمورك مراعياً لأحولك ففيه نوع من التضمين وعن بعضهم أي اجعل لسانك مملوكاً لك فيما عليك وباله وتبعته فأمسكه عما يضرك وأطلقه فيما ينفعك وهو ناظر إلى أن الصيغة من الثلاثي المجرد ففي القاموس ملكه يملكه ملكاً مثلثة احتواه قادراً على الاستبداد وأملكه الشيء وملكه إياه تمليكاً بمعنى اهـ، لكن في النسخ المصححة والأصول المعتمدة بفتح الهمزة وكسر اللام من المزيد ولعل الإتيان به من المزيد

وَلْيَسَعْكَ بَيتُكَ وَابْكِ عَلى خَطِيئَتِكَ" قال الترمذي: حديث حسن. وروينا فيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا أصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فإنَّ الأعْضَاءَ كُلَّها تُكَفِّرُ اللسان فَتَقُولُ: اتقِ اللهَ فِينَا فإنما ـــــــــــــــــــــــــــــ لزيادة المبالغة في التعدية اهـ، قال العاقولي والطيبي هو من أسلوب الحكيم سئل عن حقيقة النجاة فأجاب عن سببه لأنه أهم وكان الظاهر أن يقول حفظ اللسان فأخرجه على سبيل الأمر المقتضى لوجوبه مزيد للتقرير اهـ، قيل وفيه من التكليف ما لا يخفى بل من التعسف في حق الصحابي فإنه جعل العدول عن معرفة حقيقة النجاة بالنسبة إليه أولى فالأولى أن تقدير السؤال ما سبب النجاة على تقدير المضاف بقرينة الجواب وقيل: معنى ما النجاة: ما الخلاص من الآفات حتى أحترس به وعليهما فالمطابقة حاصلة والله أعلم. قوله: (وليسعك بيتك) أمر للبيت وفي الحقيقة أمر لصاحبه أي اشتغل بما هو سبب للزوم البيت وهو طاعة الله تعالى والاعتزال عن الأغيار ولا تضجر من الجلوس فيه بل تراه من الغنيمة لأنه سبب الخلاص من الشر والفتنة ولذا قيل: هذا زمن السكوت وملازمة البيوت والقناعة بالقوت. قوله: (وابْكِ على وخطيئتك) ضمن ابْكِ معنى اندم فعدى بعلى أي ابْكِ نادماً على خطيئتك. قوله: (وروينا فيه الخ) ورواه من حديث أبي سعيد بن خزيمة والبيهقي في الشعب كما في الجامع الصغير. قوله: (تكفر اللسان) كذا في نسخ الأذكار وفي الجامع الصغير بتعريف اللسان ونصبه في نسخه مصححة من المشكاة للسان بلام الجر قبل اللسان وعليها شرح صاحب المرقاة وكذا هو في النهاية وهو ظاهر ولعل الأول من النساخ قال في النهاية فإن الأعضاء كلها لتكون للسان أي تذل وتخضع والتكفير هو أن ينحني الإنسان ويطأطئ رأسه قريباً كما يفعل من يريد الركوع اهـ، ورواه ابن الأثير في جامع الأصول لتستكفي اللسان ومثله في مختصره للديبع أي تطلب منه كفاية الشر وإنما كان كذلك لأن الترجمان عما فيه صلاحاً أو فساداً قال الطيبي إن قلت كيف التوفيق بين هذا وبين قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن في الجسد لمضغة" إلى أن قال: ألا وهي القلب قلت: اللسان ترجمان القلب

نَحْنُ بِكَ، فإنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وإنِ اعْوَجَجْتَ اعْوجَجْنا". وروينا في كتاب الترمذي وابن ماجه عن أم حبيبة رضي الله عنها عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ـــــــــــــــــــــــــــــ وخليفته في ظاهر البدن فإذا أسند إليه الأمر يكون على سبيل المجاز في الحكم كما في قولك شفي الطبيب المريض قال في المرقاة: لا يخفى ظهور توقف صلاح الأعضاء وفسادها على القلب بحسب صلاحه وفساده فإنه معدن الأخلاق الكريمة كما أنه منبع الأحوال الذميمة فهو كالملك المطاع والرئيس المتبع فإنه إذا صلح المتبوع صلح التبع وأما تعلق الأعضاء جميعها باللسان فلم يظهر لي مدة من الزمان حتى ألهمني الله تعالى ببركة الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو أن اللسان من أعضاء الإنسان للكفر والإيمان فمع استقامته ينفع استقامة سائر الأعضاء ومع اعوجاجه تبطل أحوالها سواء كانت مستقيمة أو معوجة اهـ. قوله: (وروينا في كتابي الترمذي وابن ماجه) قال الحافظ المنذري في الترغيب ورواه ابن أبي الدنيا وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه عن محمد بن زيد بن حنين قال المنذري ورواته ثقات وفي محمد بن زيد كلام قريب لا يقدح وهو شيخ صالح. قوله: (عن أم حبيبة رضي الله عنها) هي أم المؤمنين بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف اسمها رملة وبه قال الأكثرون كنيت بابنتها حبيبة بنت عبيد الله بن جحش وكانت من السابقين إلى الإسلام هاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى الحبشة فتوفي عنها فتزوجها النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي هناك سنة ست من الهجرة قال أبو عبيدة وخليفة ويقال: سنة سبع قال أبو عبيد القاسم بن سلام والواقدي توفيت سنة أربع وأربعين وقال أبو خيثمة: توفيت قبل وفاة معاوية بسنة ووفاة معاوية في سنة ستين وهذا غريب ضعيف قال الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق قدمت زائرة أخاها معاوية وقيل: إن قبرها بها قال والصحيح أنها ماتت بالمدينة قال ابن منده: توفيت سنة اثنتين وأربعين وقيل: سنة أربع وأربعين وكان النجاشي أمهرها من عنده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان وليها عثمان بن عفان قال أبو نصر الكلاباذي: أمهرها النجاشي أربعة آلاف درهم وبعثها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- مع شرحبيل ابن حسنة وقال أبو نعيم

"كل كلامِ ابْنِ آدَمَ عَلَيهِ لا لَهُ، إلاَّ أمْراً بِمَعْرُوفٍ، أو نَهْياً عَنْ مُنْكَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأصبهاني مهرها أربعمائة دينار وتولاها عثمان بن عفان وقيل: خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس وقال غيره: كان التزويج سنة ست من الهجرة وقيل: سنة سبع وقدم بها إلى المدينة ولها بضع وثلاثون سنة وكان الخاطب عمرو بن أمية الضمري وكان زوجها قبل النبي -صلى الله عليه وسلم- عبيد الله بن جحش تنصر بالحبشة ومات نصرانياً وهو أخو عبد الله بن جحش الصحابي الجليل استشهد يوم أحد نقله المصنف في التهذيب وفي رياض العامري خرج حديثها الأربعة وغيرهم روى لها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخرج منها في الصحيحين أربعة أحاديث اتفقا على حديثين والآخران لمسلم روى عنها معاوية وعنبسة وعروة اهـ. قوله: (كل كلام ابن آدم عليه لا له) أي يكتب إثمه عليه لا يكتب له ثواب في مقابلته ويستثني المباح فإنه لا عليه ولا له كما هو معلوم من الأدلة والإجماع وعدم ذكره للعلم به من ذلك أو إيهاماً لدخوله في المستثنى منه تحذيراً عنه وتنفيراً منه فإن به تضييع الوقت الذي لا أنفس منه فيما لا فائدة فيه وقيل المباح ليس بمستثني بل هو داخل تحت قوله كل كلام ابن آدم عليه فإنه من جملته لأنه محاسب به أخذاً بظاهر قوله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} ولأنه يورث قساوة القلب كما تقدم وقال الطيبي: الكلام في الخير أجر وهو المستثنى وفي الشر إثم وفي المباح عفو وهذا يؤيد عدم الاستثناء وإن المباح مما عليه إذ العفو يقتضي الجريمة فعفى عنها تفضلاً والحاصل أن قوله كل كلام ابن آدم الخ دل على أن جميع ما ينطق به مضرته عليه ولذا ورد من صمت نجا، ثم خص هذا العام بما لا بد للإنسان منه من الأمور الدينية من ذكر الله وما والاه وأخرى بالأمور الدنيوية وما نظام أمر المكلف عليه من المباحات تفضلاً من الله تعالى عفواً عنه وتعقبه ابن حجر في شرح المشكاة بأن قوله في المباح أقله أن يحاسب عليه ليس في محله كيف والإجماع على أن المباح لا عقاب عليه أصلاً على أن جزمه بأنه لا بد أن يحاسب عليه يحتاج إلى حديث صحيح صريح فإن

أوْ ذِكْراً لِلَهِ تَعَالى". وروينا في كتاب الترمذي عن معاذ رضي الله عنه ـــــــــــــــــــــــــــــ فرض وروده كان معنى المحاسبة أن يعدد ما فعله من تلك المباحات إظهاراً للنعمة عليه حيث لم يؤاخذ بها وليس في قوله رقيب عتيد ما يخالف ذلك لأنه جاء أن الكاتبين يكتبان ما يلفظ به ثم بعد يمحي ما لا إثم فيه ولا ثواب، وأخذه من قول غيره والمباح عفو الاستدلال على أن المباح عليه ليس في محله فإن العفو على نوعين عفو بمعنى المجاوزة عن إثم الفعل بعد وجوده وكتابته على المكلف وعفو بمعنى عدم جعل شيء من العقاب في مقابلة الفعل وهذا هو المراد فجعله دليلاً لما ذكره وقوله إن العفو يقتضي الجريمة ممنوع قال على أنه ناقض نفسه حيث جعل المباح مستثنى من قوله جميع ما نطق به تعود مضرته عليه ولو قال ما أشرنا إليه فيما من أن المباح لما كان فيه ضياع الوقت الذي لا أنفس منه فيما لا فائدة فيه نزل منزلة ما هو عليه فجعل داخلاً فيه تنفيراً وتحذيراً ويستثنى الطاعة التي ذكر بعض أفرادها في قوله إلا أمر بمعروف الخ، المراد به هنا كما قال بعضهم ما فيه رضي الله تعالى من الكلام كالتلاوة والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- والتسبيح والدعاء للمؤمنين وما أشبه ذلك فذكر بعض الأفراد اهتماماً بشأنه والله أعلم. قوله: (وروينا في كتاب الترمذي الخ) قال السخاوي في تخريج الأربعين الحديث التي جمعها المصنف بعد تخريجه هذا الحديث: هذا حديث حسن أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي في الأدب المفرد وقال الترمذي حسن صحيح وكل هؤلاء مداره عندهم على أبي وائل عن معاذ قلت: نظر الحافظ المنذري في سماع أبي وائل من معاذ وقال: إنه أدركه بالسن وفي سماعه منه نظر وكان أبو وائل بالكوفة ومعاذ بالشام وقال: قال الدارقطني: هذا الحديث معروف من رواية شهر ابن حوشب عن معاذ وهو أشبه بالصواب على اختلاف فيه عليه هكذا وقال شهر مع ما قيل فيه لم يسمع معاذاً اهـ، قال السخاوي وممن روى الحديث عن معاذ ميمون بن أبي شبيب وعبد الرحمن بن غنم وعروة بن النزال أو النزال بن عروة وفي إيراد طرق ذلك طول قلت: وقد بينه المنذري في الترغيب ما عدا رواية عروة بن النزال والنزال بن عروة فقال: ورواه البيهقي وغيره عن

قال: قلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يُدخلني الجنة ويباعدني من النار، قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ ميمون بن شبيب عن معاذ وميمون هذا كوفي ثقة ما أراه سمع معاذاً بل ولا أدركه فإن أبا داود لم يدرك ميمون ابن أبي شبيب وعائشة تأخرت بعد موت معاذ نحواً من ثلاثين سنة وقال عمرو بن علي كان يحدث عن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وليس عندنا في شيء منه يقول: سمعت ولم أخبر أن أحداً يزعم أنه سمع من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ورواه أحمد وغيره عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم أن معاذاً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكر الحديث بنحوه اهـ، ولم يتعرض في الترغيب لرواته وقد عزا شيخي يعني الحافظ ابن حجر في تلخيص تخريج أحاديث الكشاف طريق ابن أبي وائل للحاكم وهو سهو فإنما هو عنده من طريق ابن أبي شبيب وليس هو على شرط الشيخين كما قال فميمون لم يدرك معاذاً اهـ. قوله: (قال) قلت كان هذا في السفر كما في أول الحديث عن أحمد ومن معه. قوله: (أخبرني بعمل الخ) فيه عظيم فصاحته فقد أوجز وأبلغ ومن ثم مدح -صلى الله عليه وسلم- مسألته وعجب من فصاحته حيث قال: لقد سألت عن عظيم أي عن عمل عظيم وعظمته إما لأن عظم المسبب يستدعي عظم السبب والمسبب أي دخول الجنة والتباعد من النار أمر عظيم سببه امتثال الأوامر واجتناب النواهي وذلك عظيم صعب جداً ولذا قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُور} {وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} وأما لأنه صعب على النفوس والغالب عدم وفائها لما يطلب له وفيه من الوسائل والمقاصد الواجبة والمندوبة وأجلها الإخلاص إذ هو روح العمل رأسه المقوم له وأنى به لا يوجد كماله إلا للشاذ النادر من العاملين ولعزته كان مما استأثر به تعالى كما تقدم في الحديث القدسي في أول الكتاب إنه سر بين الله وعبده لم يطلع عليه ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً. قوله: (يدخلني الجنة) مرفوع على أنه صفة عمل إما مخصصة أو مادحة أو كاشفة إذ العمل إذا لم يكن كذلك كأنه لا عمل أو مجزوم جواباً للأمر أي أخبرني بعمل إن تخبرني يدخلني الجمعة بمعنى أن الخبر وسيلة إلى العمل والعمل وسيلة إلى الإدخال وإسناد الإدخال إلى العمل إسناد إلى السبب أو شبه العمل لكونه سبباً للمطلوب بالفاعل الحقيقي وجعل نسبة الإدخال تخييلاً للمكنية. قوله: (ويباعدني) أخرج

"لَقَدْ سألْتَ عَنْ عَظِيم، وإنَّه لَيَسِيرٌ على مَنْ يَسَّرَه الله تَعالى عَلَيْهِ: تَعْبُدُ الله لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً، وَتُقِيمُ الصلاةَ، وتُؤْتَي الزكاةَ، وتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ البَيْتَ، ثم قال: ألا أدُلُّكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ على صيغة المفاعلة مبالغة في البعد. قوله: (وإنه ليسير) أتى بهذه الجملة بعد ما قبلها للإعلام بأنه ليس القصد من تلك استعظام الجزاء ونتيجة العمل بل هو في نفسه لما سبق من وجهيه والذي سهل عليه هو من وفقه الله سبحانه للقيام بالطاعة على ما ينبغي وشرح صدره إلى السعي فيما يكمل له القربة والقرب من ربه. قوله: (تعبد الله الخ) تفسير للعظيم المسؤول عنه وعدل إليه عن صيغة الأمر تنبيهاً على أن المأمور كأنه يسارع إلى الامتثال فهو مخبر عنه إظهاراً للرغبة في وقوعه وقوله: تعبد الله أي توحده وقيل: معناه تأتي بجميع عباداته وقوله: لا تشرك بي شيئاً في محل الحال من الفاعل. قوله: (وتقيم الصلاة) أي تعدل أركانها وتحفظها عن أن يقع زيغ في أفعالها من أقام العود إذا قومه أو تواظب عليها من قامت السوق إذا نفقت وأقمتها جعلتها نافقة أو تشمر لأدائها من غير فتور من قام بالأمر وأقامه إذا جد فيه وتجلد أو تؤديها عبر عن الأداء بالإقامة لاشتمال الصلاة على القيام كما عبر عنها بالقنوت والركوع والسجود والتسبيح فعلى الأول: استعارة تبعية شبه تعديل أركانها بتقويم الرجل العود واستعير له الإقامة ثم اشتق منه الفعل، وعلى الثاني: كناية عن الدوام، وعلى الثالث: مجار في الإسناد بمعنى تجعلها قائمة فيفيد التشمير، وعلى الرابع: كذلك إذ المعنى توجد قيامها فيكون من إطلاق الجزء وإرادة الكل. قوله: (وتؤتي الزكاة) الإيتاء الإعطاء. قوله: (وتحج البيت) أي إن استطعت إليه سبيلاً فالمطلق محمول على المقيد وحذف لعلم المخاطب به فعلم أن دخول الجنة يتوقف على تلك الأعمال والحكم ليس مقصوراً على معاذ بن جبل بل يعم كل مؤمن إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. قوله: (ثم قال) أي النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد فراغه من جواب سؤال معاذ مستطرداً أمر النوافل لتكميل الفرائض (ألا أدلك الخ) وهذا عرض أي

عَلى أبْوابِ الخَيْرِ؟ الصَّومُ جُنَّةٌ، والصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أعرض ذلك عليك فهل تحبه وفيه غاية التشويق إلى ما سيذكره له ليكون أوقع في نفسه وأبلغ في ملازمته. وقوله: (على أبواب الخير) فيه زيادة في التشويق والمراد بالخير هنا ضد الشر واللام في الخير للجنس ثم الإضافة إن كانت بيانية كان المراد به الأعمال الصالحة التي يتوصل بها إلى أعمال أخرى أكمل منها كما استفيد من تسميتها أبواباً من المجاز البليغ لما فيه من تشبيه المعقول بالمحسوس وأوثر فيه جمع القلة إشارة إلى تسهيل الأمر على السامع ليزيد نشاطه واقباله وهو أولى مما قيل إنما أوثر لأنه ليس له جمع كثرة كأقلام وآذان وأقسام وإن كانت بمعنى اللام كان المراد به الجزاء العظيم والثواب الجسيم وبها سائر الأعمال الصالحة على طريق الاستعارة المكنية شبه الخير بدار فيها كل ما يتمناه وأثبت لها الباب تخييلاً ويدل للثاني رواية ابن ماجه ألا أدلك على أبواب الخير وللأول تخصيصه بعض الأعمال بالذكر من الصوم والصدقة وغيرهما مما يأتي وإنما لم يتوقف -صلى الله عليه وسلم- حتى يقول معاذ بلى كما في السؤالين الآتيين بل سرد السلام تنبيهاً على أنه لا ينبغي أن ينتظر تصديقه اهتماماً بشأنه فقال: والصوم جنة الخ. قوله: (الصوم) أي الإكثار من نفله لأن فرضه مر قبله ومثله في التقييد بالنفل لما ذكر قوله الآتي والصدقة فاللام فيه للعهد الخارجي ولا يجب فيه تقديم المعهود كما ظن بل في يستغني عنه بعلم المخاطب بالقرائن كقولك: لمن دخل البيت أغلق الباب قاله الكازروني. قوله: (جنة) بضم الجيم أي وقاية من سورة الشهوة في الدنيا والنار في العقبى كالجنة ففيه تشبيه المعقول بالمحسوس وقيل إن مثله استعارة. قوله: (تطفيء الخطيئة) أي تمحو الخطيئة أي الصغيرة المتعلقة بحق الله تعالى حتى يذهب أثرها ففيه استعارة تبعية شبه إذهاب الصدقة الخطيئة بالإطفاء واستعير له ثم اشتق منه الفعل أو يقال شبه الخطيئة بالنار وأثبت لها ما يلازمها من الإطفاء تخييلاً قاله الكازروني وقال ابن حجر الهيتمي استعار لمحو الخطيئة الإطفاء لمقابلته بقوله كما الخ، أو أن الخطيئة يترتب عليها النار الذي هو أثر الغضب المستعمل فيه الإطفاء يقال: طفيء غضبه لما من أن الغضب فوران دم

كما يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ، وصلاَةُ الرَّجُلِ في جَوْفِ الليل، ـــــــــــــــــــــــــــــ القلب عند غلبة الحرارة اهـ. قوله: (كما يطفيء الماء النار) ما فيه مصدرية أي إطفاء مثل إطفاء النار وخصت الصدقة بذلك كأنه لتعدي نفعها ولأن الخلق عيال الله وهي إحسان إليهم والعادة أن الإحسان إلى عيال الشخص يطفيء غضبه وسبب إطفاء الماء النار ما بينهما من غاية التضاد إذ هي حارة يابسة وهو بارد رطب فقد ضادها بكيفيتيه جميعاً والضد يقمع الضدد بإطفاء الخطيئة يتنور القلب وتصفو الأعمال فلذا كانت الصدقة باباً عظيماً كغيرها من الأعمال الفاضلة. قوله: (وصلاة الرجل في جوف الليل) مبتدأ خبره محذوف أي تطفيء الخطيئة أو هي من أبواب الخير والأظهر أن يقدر الخبر شعار الصالحين كما في جامع الأصول والأولى أن يقال: حذف الخبر إشعاراً بأنه لا يكتنه كنهه أي صلاة الرجل في جوف الليل لا تعلم نفس ما أخفى لهم ولفظ من للابتداء أي ابتداء قيامه من جوف الليل ليكون من القائمين لأن من قام فيه قام سائر الأوقات وقيل إنها بمعنى في وبها عبر في نسخة لكن الرواية على الأول وذكر الرجل في الخبر لأنه السائل أو لأن الخير غالب في الرجال إذ أكثر أهل النار النساء لا للاحتراز عن المرأة لأنها مثله في ذلك وقدم الصلاة على الزكاة أولاً وعكس ثانياً لأن الأول مسوق لبيان أمر الدين فقدم الأهم فالأهم والثاني لتكميله فالترقي أولى ولذا شبه الصوم بالجنة التي هي دون الماء لأنها تدفع العدو والماء يعميه ويطفئه ثم النفل في الليل أفضل منه في النهار لأن الخشوع والتضرع فيه أسهل وأكمل ومن ثم كان باباً عظيماً من أبواب الخير لأنه يوصل إلى صفاء السر ودوام الشكر والذكر والذي وهو بعد النوم أفضل منه فيه قبله ويحصل فضل قيامه بصلاة ركعتين وأفضل أجزائه كما دلت عليه الأحاديث النبوية وذهب إليه الشافعي النصف الثاني إن جزأه نصفين والثلث الأخير إن جزأه أثلاثاً والسدس الرابع والخامس إن جزأه أسداساً وهذا هو الأكمل على الإطلاق لأنه الذي واظب عليه -صلى الله عليه وسلم- وقال: أفضل الصلاة صلاة أخي داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه.

ثم تلا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} حتى بلغ {يَعْمَلُونَ} [السجدة: 16]، ثم قال: "ألا أُخْبِرُكَ بِرأس الأمْرِ، وَعَمودِهِ، وَذِرْوَةِ سنامِهِ؟ " قلت: بلى يا رسول الله، قال: "رأسُ الأمْرِ الإسلامُ، وَعَمُودُه الصلاة، وَذِرْوَةُ سنامه الجهاد ثم قال ألا أخبرك ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (ثم تلا) أي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (تتجافى) أي تتنحى وتبتعد (جنوبهم عن المضاجع) أي مواضع الهجوع وهي كناية عن التجهد كما قاله الجمهور وهو الذي يدل عليه سياق الحديث بل والآية حيث قال: {فلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} الخ على إنهم لما أخفوا عملهم جوزوا بما أخفى لهم من قرة الأعين وإنما يتم إخفاؤه بالصلاة في جوف الليل المصرح به في هذا الحديث لأن المصلي حينئذٍ ترك نومه ولذته وآثر ما يرجوه من ربه عليهما فحق له أن يجازي ذلك الجزاء العظيم وقد جاء أن الله تعالى يباهي بقوام الليل في الظلام الملائكة يقول: انظروا إلى عبادي قد قاموا في ظلم الليل حيث لا يراهم غيري أشهدكم إني قد أبحتهم كرامتي وقوله: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} أي يعبدونه {خَوْفًا} من سخطه {وَطَمَعًا} في رحمته {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} في وجوه الخير {فلا تَعْلَمُ نَفْسٌ} لا ملك مقرب ولا نبي مرسل {مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} أي ما تقر به عيونهم سروراً من الثواب {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي جزوا جزاء وأخفى الجزاء، وقال الراوي (حتى بلغ) أي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (يعملون) للاختصار وجعلت هذه الأشياء أبواباً للخير لما تقدم ولأن من اعتادها مع شدتها يسهل عليه كل خير ولأن العمل إما بدني أو مالي فالصدقة مالية والصلاة والصوم بدنيان نهاري وليلي. قوله: (برأس الأمر) أي الدين وفيه وما بعده من الأوصاف التشويق المرة بعد المرة تحريضاً عليه. قوله: (وعموده) مادة ع م د للاستناد والقصد ومنه الاعتماد والعمد والقصد عمد إذ المقاصد متوكل على المقصود جزماً والعمود من حيث يعتمد عليه الخيمة ويستعمل مجازاً في كل ما يتخذه الإنسان من أي نوع كان. قوله: (وذروة سنامه الجهاد) إذ به الذب عن الدين ودفع غوائل المشركين فيكون من أعلى شعبه والحديث هكذا في نسخ الأذكار كما

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نبه عليه ابن حجر الهيتمي وقال: وكذلك في نسخ الأربعين الحديث للمصنف ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه الجهاد وقد سقط منه شطر ثابت في أصل الترمذي لا يتم الكلام إلا به ومع ذلك لم يتنبه له أكثر الشراح وكأنه انتقل نظره من سنامه إلى سنامه إذ لفظ الترمذي بعد سنامه المذكور قلت: بلى يا رسول الله قال: رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد وكأن المصنف قلد فيه الحافظ ابن الصلاح لما ذكر الأحاديث التي قيل إنها أصول الإسلام أو الدين أو التي عليها مدارهما أو مدار العلم ذكر من جملتها هذا الحديث بالإسقاط المذكور لكن عذر بأن ابن ماجه ذكره كذلك فلا اعتراض عليه لأنه لم يلتزم رواية شخص بخصوصها بخلاف المصنف فإنه إنما ساق لفظ والترمذي ولفظه ليس فيه الإسقاط المذكور ويقع في بعض نسخ الأربعين ذكر ذلك الإسقاط فيحتمل أن المصنف تنبه له بعد فألحقه ويحتمل أنه من فعل بعض تلامذته أو غيرهم اهـ، قلت وعلى نسخة عدم الإسقاط أكثر الشراح وهي نسخة السخاوي التي خرج عليها فلذا لم يذكر ذلك ثم في قوله رأس الأمر الإسلام الخ، استعارة بالكناية تتبعها استعارة ترشيحية لأنه شبه الأمر المذكور بفحل وبالبيت القائم على عمد وأضمر هذا التشبيه في النفس ثم ذكر ما يلائم المشبه به وهو الرأس والسنام والعمود ووجه إيثار الإبل بالذكر أنها خيار أموالهم ومن ثم كانوا يشبهون بها رؤساءهم وإنما كان الإسلام المراد به الإيمان هو الرأس لأنه لا حياة لشيء من الأعمال بدونه كما أنه لا حياة للحيوان بدون رأسه والصلاة هي العمود لأنه الذي يقيم البيت ويرفعه ويهيئه للانتفاع به والصلاة هي التي تقيم الدين وترفعه وتهيئ فاعلها لتحليه بمعالي القرب واستغراقه في أنوار الشهود، والجهاد هو ذروة السنام لأن ذروة الشيء أعلاه والجهاد على أنواع الطاعات من حيث إن به ظهور الإسلام والعلو على سائر الأديان وليس ذلك لغيره من العبادات فهو أعلاها بهذا الاعتبار وإن كان فيها ما هو أفضل منه ووجه رواية ابن ماجه التي جرى عليها المصنف هنا وفي بعض نسخ الأربعين الحديث أن الجهاد مقرون بالهداية قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} والهداية محصلة لمقصود هذا السائل إذ يلزمها دخول

ثم قال: "كُفَّ عَلَيْكَ هَذا"، قلت: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلَّم به؟ فقال: ـــــــــــــــــــــــــــــ الجنة والمباعدة من النار فكان الجهاد رأس أمر السائل وعموده وذروة سنامه. قوله: (بملاك ذلك) بكسر الميم -قال ابن حجر الهيتمي والفتح- أي بمقصوده وجماعة أي بما يقوم به وقال الكازروني: ملاك الشيء ما به إحكامه وقوامه الذي يملك به م ل ك للربط والشد والملاك بكسر الميم لما يعتمد عليه ويقوم به وبالفتح التماسك ومنه ماله ملاك والذي في الخبر بالكسر اهـ، ومعنى كون قوام الأمر كف اللسان أي عمالاً يعني أنه إذا وجد كانت تلك الأعمال على غاية من الكمال ونهاية من صفات الأحوال وذلك غنيمة وكف اللسان عن المحارم سلامة وهي في نظر العقلاء مقدمة على الغنيمة وفي هذا إشارة إلى أن جهاد النفس بقمعها عن الكلام فيما يؤذيها أشق عليها من جهاد الكفار ولذا كان الجهاد الأكبر وجهاد الكفار الجهاد الأصغر إذ منعها هواها من أجل ما اقتناه الإنسان ومن أعظم الآداب الصمت وترك الكلام فيما لا يعني وسيأتي حديث من صمت نجا. قوله: (كف عليك) أي عنك أو ضمن كف معنى احبس والمراد حبس اللسان عن الشر لقوله في الخير السابق فليقل خيراً أو ليصمت وتقديم المجرور على المنصوب للاهتمام وجمعه -صلى الله عليه وسلم- بين إمساكه لسانه وقوله: كف الخ، مع أنه كان يمكنه أن يقول كف عليك لسانك لأن النفس بالحسيات أكف منها بالعقليات لتأخر زمن إدراك هذه عن زمن إدراك تلك فكان ذكر المعنى العقلي الجلي ثم تعيينه بالتمثيل الحسي أبلغ وأوقع في النفس لما فيه من زيادة القوة بنقله من الخفاء إلى الظهور على أكمل وجه وأبلغه. قوله: (وإنا لمؤاخذون الخ) قال الكازروني: معطوف على مقدر أي أنعزم على قولك يا نبي الله اهـ، والاستفهام فيه للتثبت والتعجب والاستغراب ولا ينافي خفاء هذا عليه قوله -صلى الله عليه وسلم- "أعلمكم

"ثَكَلَتْكَ أُمُّكَ، وهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النارِ على وُجُوهِهِمْ إلاَّ حَصَائِدُ ألْسِنَتِهِمْ؟ ". قال الترمذي: حديث حسن صحيح. قلت: الذِّروة بكسر الذال المعجمة وضمها: ـــــــــــــــــــــــــــــ بالحلال والحرام" معاذ لأنه إنما صار أعلمهم بعد هذا السؤال وأمثاله من أنواع التعلم والاستعادة أو المراد بالحلال والحرام المعاملات الظاهرة بين النّاس وهذا في معاملة العبد مع ربه. قوله: (ثكلتك أمك) أي فقدتك لفقدك إدراك المؤاخذة بذلك مع ظهورها والثكل من فقد الشيء والأكثر أنه يستعمل في المصاب بفلذة الكبد ومصدره الثكل بفتح الثاء وضمها يقال: فلان ثاكل وفلانة ثكلى وظاهره الدعاء عليه بالموت وليس المراد بل هذا مما جرت به عادة العرب للتحريض على الشيء والتهييج إليه أو لاستعظامه بحسب المقام وخص الثكل بالأم لقلة صبرها وشدة جزعها عن فقد الولد. قوله: (وهل ويكب الخ) الاستفهام إنكاري معطوف على مقدر أي علمت ما قلت وهل يكب، الاستفهام بمعنى النفي أي ما يكب النّاس أي أكثرهم أي يلقيهم و (حصائد) بالرفع فاعل يكب جمع حصيدة بمعنى محصودة وهي في الأصل ما يحصد من الزرع والمراد منه ما تلفظ به ألسنتهم شبه ما تكسبه الألسنة من الكلام الحرام بحصائد الزرع بجامع الكسب وشبه اللسان في تكميله ذلك بحد المنجل الذي يحصد به الزرع ففيه استعارة بالكناية من حيث تشبيه ذلك الكلام بالزرع المحصود واللسان بالمنجل بجامع أنه يحصد ولا يميز بين الرطب واليابس فكذلك اللسان فتكون الاستعارة مصرحة قاله الكازروني والحصر في ذلك إضافي إذ من النّاس من يكبه عمله لا كلامه لكن خرج ذلك مخرج المبالغة في تعظيم جرم اللسان نحو الحج عرفة أي فعظمه ذلك كما أن معظم أسباب النار الكلام كالكفر والغيبة والنميمة ونحوها ولأن الأعمال يقارنها الكلام غالباً فله حصة في ترتب الجزاء عليه عقلاً وثواباً. قوله: (بكسر الذال وضمها) قال ابن حجر

وهي أعلاه. وروينا في كتاب الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مِنْ حُسْنِ إسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ ما لا ـــــــــــــــــــــــــــــ الهيتمي قيل والقياس فتحها. قوله (وروينا في كتابي الترمذي وابن ماجه الخ) ورواه أحمد وأبو يعلى من حديث أبي هريرة أيضاً قال بعضهم وكذا رواه من حديث البيهقي في الشعب وبه صرح في المشكاة قال في الجامع الصغير وأخرجه أحمد والطبراني في الكبير عن الحسن بن علي والترمذي وابن ماجه عن أبي هريزة وأخرجه الحاكم في الكنى عن أبي بكر الشيرازي عن أبي نارنجة وأخرجه الحاكم في تاريخه عن علي ابن أبي طالب قلت وأخرجه عن علي أيضاً العسكري كما قاله السخاوي في المقاصد قال في الجامع وأخرجه الطبراني في الأوسط عن زيد بن ثابت وأخرجه ابن عساكر عن الحارث بن هشام اهـ، وقال ميرك: شاه حديث من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه الخ، رواه ابن ماجه والترمذي من حديث أبي هريرة وقال غريب: لا نعرفه إلا من هذا الوجه قال: وحدثنا قتيبة عن مالك عن الزهري عن علي ابن الحسين عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن من حسن إسلام المرء الخ" قال وهكذا روى غير واحد من أصحاب الزهري عنه عن علي بن الحسين نحو حديث مالك قال وهذا عندنا أصح من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة اهـ، كلام الترمذي وطريقه عن أبي سلمة عن أبي هريرة جيدة وقال الشيخ النووي: حديث حسن قاله الشيخ الجزري وقال جماعة من الحفاظ الصواب أنه عن علي بن الحسين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلاً كذا قاله أحمد وابن معين والبخاري وغيرهم وكذا رواه مالك عن الزهري عن علي بن الحسين ذكره المنذري والله أعلم وسيأتي عقب الكلام على الحديث ترجيح رواية أبي سلمة عن أبي هريرة. قوله: (من حسن إسلام المرء الخ) وجه الإتيان بالحسن الإشارة إلى أنه لا عبرة لأعمال الظاهرة الشاملة للفعل والترك الذي هو مسمى الإسلام فعلاً وتركاً إلا إذا اتصفت بالحسن بأن وجدت شروط مكملاتها فضلاً عن مصححاتها وجعل ترك

يَعْنِيهِ" حديث حسن. ـــــــــــــــــــــــــــــ ما لا يعني من الحسن مبالغة مع الإشارة لما ذكر وعبر بالإسلام دون الإيمان لأنه من الأعمال الظاهرة والفعل والترك إنما يتعاقبان عليها لأنها حركات اختيارية يتأتيان فيها اختياراً وأما الباطنة الواجعة للإيمان فاضطرارية متابعة لما يخلقه الله في النفوس ويوقعه فيها. وقوله: (يعنيه) هو بفتح التحتية من عني بالأمر تعلقت عنايته به وكان من غرضه والذي يعني به الإنسان من الأمور ما يتعلق بضرورة حياته في معاشه مما يشبعه من جوع ويرويه من عطش ونحو ذلك مما يدفع الضرورة دون ما فيه تلذذ واستمتاع واستكثار وفي معاده هو الإسلام والإيمان والإحسان وذلك يسير بالنسبة إلى ما لا يعنيه فإذا اقتصر على ما يعنيه سلم من سائر الآفات وجميع الشرور والمخاصمات وكان ذلك من الفوائد الدالة على حسن إسلامه ورسوخ إيمانه وحقيقة تقواه ومجانبة هواه لاشتغاله بمصالحه الأخروية وإعراضه عن أغراضه الدنيوية من التوسع في الدنيا وطلب المناصب وغير ذلك مما لا يعود منه نفع أخروي فإنه ضياع للوقت الذي لا يمكن أن يعوض فائته فيما لم يخلق لأجله ثم "من" في الحديث قيل: تبعيضية ويجوز أن تكون بيانية وبيانه أن تركه ما لا يعنيه هو حسن إسلام المرء وكماله فيه وتقديم الخبر لكون التركيب من باب على التمرة مثلها زبداً قال الطيبي: وعلى أن تكون تبعيضية إشارة إلى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه" الحديث بعد الإيمان والإسلام وأنت تعلم أن التحلية مسبوقة بالتخلية فالترك بعض من الإحسان فيكون إشارة إلى الانسلاخ عما يشغله عن الله تعالى فإذا أخذ السالك في السلوك تجرد بحسب أحواله ومقاماته شيئاً فشيئاً مما لا يعنيه إلى أن يتجرد عن جميع أوصافه ويتوجه بكليته إلى الله سبحانه وتعالى وإليه يلمح قوله تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} وقول إبراهيم: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} اهـ، وفي الحديث إشارة إلى أن الشيء إما أن يعني الإنسان أولاً وعلى كل إما أن يعني بتركه أو بفعله فالأقسام أربعة: فعل ما يعني، ترك ما لا يعني وهما حسنان. ترك ما يعني وفعل ما لا يعني وهما قبيحان. قوله: (حديث حسن) قال ابن حجر الهيتمي في شرح الأربعين

وروينا في كتاب الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ صَمَتَ نَجا" إسناده ضعيف، وإنما ـــــــــــــــــــــــــــــ بل أشار ابن عبد البر إلى صحته وفي الأربعين للمصنف رواه الترمذي وغيره وهكذا قال ابن حجر أي موصولاً ولا ينافيه رواية مالك له في الموطأ عن الزهري مرسلاً لأن للزهري فيه إسنادين أحدهما مرسل وهو ما رواه مالك والآخر موصول وصله عن أبي سلمة عن أبي هريرة وهو ما رواه الترمذي وغيره قلت: كابن ماجه وأبي يعلى فقد صرح السخاوي بأنه عندهم بهذا السند والله أعلم، والاتصال مقدم على الإرسال وبهذا يجاب عن قول أحمد والبخاري وابن معين والدارقطني لا صح إلا مرسلاً على أن له طرقاً مرفوعة إذا اجتمعت أحدثت له قوة ولعل هذا من أسباب تحسين المصنف له والسخاوي في تخريج الأربعين الحديث موافق لأحمد وغيره وعبارته وفسره آخر ووثقه وإن ضعفه قوم ووثقه آخرون ومن ثم قال ابن عبد البر: رواته ثقات اهـ. قوله: (وروينا في كتاب الترمذي) زاد في الجامع الصغير ورواه أحمد وفي المقاصد الحسنة للسخاوي رواه الترمذي وقال غريب والدارمي وأحمد وآخرون من حديث عبد الله بن عمرو ومداره على ابن لهيعة رواه عن يزيد بن عمرو عن أبي عبد الرحمن الحبلي عنه ولو شواهد كثيرة منها: عند الطبراني بسند جيد اهـ، زاد السيوطي في حسن السمت في مخرجيه ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب قلت ومن شواهده ما جاء من حديث معاذ عند الطبراني مرفوعاً إنك لن تزال سالماً ما سكت فإذا تكلمت كان لك أو عليك أورده في الترغيب. قوله: (من صمت) أي سكت عن الشر (نجا) أي فاز وظفر بكل خير أو نجا من آفات الدارين قال الراغب: الصمت أبلغ من السكوت لأنه قد يستعمل فيما لا قوة له للنطق وفيما له قوة النطق ولذا قيل: لما لا نطق له للصامت والصمت والسكوت يقال لما له نطق فيترك استعماله قاله الغزالي اعلم أن ما ذكره -صلى الله عليه وسلم- من فصل الخطاب وجوامع الكلم وجواهر الحكم ولا يعرف أحد ما تحت كلماته من بحار المعاني إلا خواص العلماء

ذكرته لأبينه لكونه مشهوراً، والأحاديث الصحيحة بنحو ما ذكرته كثيرة، وفيما أشرت به كفاية لمن وفق، وسيأتي إن شاء الله في "باب الغيبة" جمل من ذلك، وبالله التوفيق. وأما الآثار عن السلف وغيرهم في هذا الباب ـــــــــــــــــــــــــــــ وذلك أن خطر اللسان عظيم وآفاته كثيرة من الخطأ والكذب والنميمة والغيبة والرياء والسمعة والنفاق والفحش والمراء وتزكية النفس والخوض في الباطل وغيرها ومع ذلك فالنفس مائلة إليها لأنها سباقه إلى اللسان لا تثقل عليه ولها حلاوة في النفس وعليها بواعث من الطبع ومن الشيطان والخائض فيها قلما يقدر على أن يزم اللسان فيطلقه بما يحب ويكفه عما لا يحب ففي الخوض خطر وفي الصمت سلامة مع ما فيه من جمع الهم ودوام الوقار والفراغة للفكر والعبادة والذكر والسلامة من تبعات القول في الدنيا ومن حسابه في العقبى قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} ويدلك على لزوم الصمت أمر هو أن الكلام أربعة أقسام: قسم هو ضرر محض، وقسم هو نفع محض، وقسم فيه ضرر ومنفعة، وقسم لا ضرر فيه ولا منفعة، أما الذي هو ضرر محض فلا بد من السكوت عنه وكذا ما فيه ضرر ونفع لا يفي بالضرر أما ما لا منفعة فيه ولا ضرر فهو فضول والاشتغال به تضييع الوقت وهو عين الخسران فلم يبق إلا القسم الرابع وفيه خطر إذ قد يمتزج به ما فيه إثم من دقائق الرياء والتصنع والغيبة ونحو ذلك امتزاجاً يخفي مدركه فيكون الإنسان مخاطراً اهـ، وحاصله أن آفات اللسان محصورة وفي الصمت سلامة منها وقد قيل: اللسان جرمه صغير وجرمه كبير وكثير. قوله: (لا يبينه) أي ضعف إسناده. قوله: (لمن وفق) بضم الواو وشدة الفاء وبالقاف آخره مبني للمجهول ولو قريء البناء للمعلوم صح وكان العائد ضميراً منصوباً محذوفاً أي لمن وفقه الله. قوله: (وأما الآثار) الأثر يطلق مرادفاً للخبر والحديث بمعنى ما أضيف إليه -صلى الله عليه وسلم- أو إلى من دونه من قول أو فعل أو نحوه ويطلق

فكثيرة، ولا حاجة إليها مع ما سبق، لكن نُنَبِّهُ على عيوب منها، بلغنا أن قُسَّ بن ساعدة وأكثم بن صيفي اجتمعا، فقال أحدهما لصاحبه: كم وجدت في ابن آدم من العيوب؟ فقال: هي أكثر من أن تحصى، والذي أحصيته ثمانية آلاف عيب، ووجدت خَصلةً إن استعملَها سترتِ العيوب كلَّها، قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ مغايراً لهما فالأكثر أن يخص بما جاء عن الصحابي وقد يطلق على ما جاء عن غير الصحابي ومنه قول الشيخ وأما الآثار عن السلف أي من حكماء الجاهلية ومن الصحابة والتابعين وأتباعهم وغيرهم أي من بعدهم. قوله: (بلغنا الخ) لم يذكر المصنف مخرجه ولم أر من تكلم عليه. قوله: (قس بن ساعدة) بضم القاف وتشديد السين المهملة وهو ابن ساعدة بالمهملة الأيادي وقد أورده ابن الأثير في أسد الغابة وقال: وهو مشهور أورده عبدان وابن شاهين وحديثه لما رآه -صلى الله عليه وسلم- كان قبل المبعث. قوله: (وأكثم بن صيفي) ذكره ابن الأثير في أسد الغابة أيضاً وقال فيه بعد خلاف طويل قدمه في نسب أكثم بن صيفي الصحيح أنه أكثم بن صيفي بن رباح بن الحارث بن مخاش بن معاوية بن شريف بن حروه بن أسيد بن عمرو بن تميم هكذا نسبه غير واحد من العلماء منهم ابن حبيب وابن الكلبي وابن ماكولا لا اختلاف عندهم أنه من تميم ثم من أسيد اهـ، وأكثم بفتح الهمزة وسكون الكاف وبالمثلثة وقد عقدت ما ذكراه في قولي: عيوب ابن آدم لا تحصر ... وكثرتها فوق ما تذكر وحفظ اللسان لها كلها ... غداً ساتراً فادر ما يستر قوله: (سترت العيوب كلها) لأن العيوب إنما تبدو بالتنقيب والتفتيش وذلك إنما يكون عند إرسال الإنسان لسانه بما لا يعني وإطلاقه له في الأعراض قال بعضهم من غربل النّاس: نخلوه أي من بحث عن أحوالهم بحثوا عن أحواله حتى صيروه نحالة إلى هذا أشار من قال: إذا شئت أن تحيا سليماً من الأذى ... وعقلك موفور وعرضك صين لسانك لا تذكر به عورة امريء ... فكلك عورات وللناس ألسن

ما هي: قال: حِفْظُ اللسان. وروينا عن أبي عليّ الفضيل بن عياض رضي الله عنه قال: من عدَّ كلامُه من عمله قلَّ كلامُه فيما لا يعنيه، وقال الإِمام الشافعي رحمه الله لصاحبه الربيع: يا ربيع لا تتكلَّم فيما لا يَعْنِيكَ، فإنك إذا ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (وروينا عن أبي علي الفضيل) تقدم ضبط اسمه وأنه بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة وسكون التحتية في باب الإخلاص من أول الكتاب وكنى بعلي أكبر أولاده توفي في حياته وعياض بكسر العين المهملة بعدها تحتية وآخره ضاد معجمة. قوله: (من عد كلامه من عمله) أي من تنبه وعلم أن الكلام من جملة ما يحاسب به من العمل ويجازى عليه فعد كلامه من عمله بالغ في التجنب عما لا يعنيه منه لأنه علم أنه محاسب بما قال: مجازي بما لا يليق من ذلك المقال فصان لسانه وأخذ حذره وأمانه وقد نقل مثل ذلك عن عمر بن عبد العزيز قال الأوزاعي كتب إلينا عمر بن عبد العزيز: أما بعد فإن من أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير ومن عد كلامه من عمله قل كلامه فيما لا يعنيه ذكره في المرقاة وقد جاء هذا المعنى في خبر مرفوع عند ابن حبان في صحف إبراهيم وعلى العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله أن يكون له أربع ساعات ساعة يناجي فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب إلى أن قال: ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه أي خوف أن يجره إلى الوقوع فيما يكون سبب العذاب في المآب. قوله: (وقال الإِمام الشافعي لصاحبه الربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة وسكون التحتية آخره مهملة وهو الربيع بن سليمان المرادي وهذا الأثر مقتبس مما تقدم آنفاً من حديث معاذ مرفوعاً عند الطبراني إنك لن تزال سالماً ما سكت فإذا تكلمت كان ذلك لك أو عليك وقد عقد هذا المعنى محمد بن عبيد الله بن الزنجي البغدادي أخرجه عنه ابن النجار من طريق ابن السني فقال: أنت من الصمت آمن الزلل ... ومن كثير الكلام في وجل لا تقل القول ثم تتبعه ... يا ليت ما كنت قلت لم أقل

تكلمتَ بالكلمة ملكتك ولم تملكها. وروينا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قالرفع: ما من شيء أحق بطول السجن من اللسان. وقال غيره: مَثلُ اللسان مَثَلُ السَّبُع إن لم تُوثِقْه عدا عليك. وروينا عن الأستاذ أبي القاسم القشيري رحمه الله في "رسالته" المشهورة قال: الصمت سلامة، وهو الأصل، والسكوت في وقته صِفَةُ الرِّجال، كما أن النُّطْقَ في موضعه أشرفُ الخصال، قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (وروينا الخ) قال ابن عبد البر في التمهيد: روى عن ابن مسعود قال: ما الشر إلا في اللسان وما شيء أحق بطول السجن منه. قوله: (ما من شيء أحق بطول السجن من اللسان) أي لكثرة البلاء المرتب عليه إذا أطلق فيما لا يعنيه وتقدم في أوائل الباب من حديث البيهقي أن الرجل ليزل على لسانه أشد مما يزل على غيره. قوله: (وقال غيره مثل اللسان الخ) بمعناه ما في شرح الأربعين الحديث لابن حجر الهيتمي في الحكمة لسانك أسدك أن أطلقته فرسك وإن أمسكته حرسك. قوله: (وهو الأصل) قال الشيخ زكريا: الأولى وهي يعني بضمير المؤنث وذلك منه باعتبار إن المرجع السلامة ولاحظ القشيري اعتبار محط الفائدة وهو الأصل فذكر الضمير لذلك قال: النحاة إذا دار الضمير بين مذكر ومؤنث جاز التذكير والتأنيث زاد بعضهم ومراعاة الخبر أولى لأنه محط الفائدة وإنما كانت السلامة الأصل لأنه لا غنيمة إلا بعد السلامة فكل غانم سالم. قوله: (والسكوت في وقته صفة الرجال) أي كأن يسكت خوفاً من الزلل ثم إن المصنف حذف من كلام الرسالة قوله: والصمت عليه ندامة إذا ورد عنه الزجر فالواجب أن يعتبر فيه الشرع والأمر ولا يظهر فيه وجه حذفه فإنه كما يطلب الصمت في محله بأن لم تتيقن المصلحة فيه يطلب الكلام في محله بأن ترتب عليه مصلحة دينية أو معاشية فالصمت حينئذٍ ليس بمحبوب إلا أنه لما كان مضمون قوله والسكوت في وقته الخ، بمعناه اكتفي به. قوله: (والنطق في موضعه) أي كأن يأمر بمعروف أو بتغيير منكر أو يتكلم بكلمة حق عند من يخاف أو يرجى. قوله: (قال) أي القشيري، لا يحتاج إليه لأن المنقول عنه عن أبي

سمعت أبا علي الدقاق رضي الله عنه يقول: من سكت عن الحق فهو شيطان أخرس. قال: فأما إيثار أصحاب المجاهدة السكوت، فلما عَلِموا ما في الكلام من الآفات، ثم ما فيه من حظّ النفس وإظهار صفات المدح، والميل إلى أن يتميز بين أشكاله بحسن النطق وغير هذا من الآفات، وذلك نعت أرباب الرياضة، وهو أحد أركانهم في حكم المنازلة وتهذيب الخُلُق. ومما أنشدوه في هذا الباب: ـــــــــــــــــــــــــــــ علي الدقاق متصل بالكلام الذي نقله عن القشيري قبله فيها. قوله: (من سكت عن الحق) أي من أمر بمعروف أو نهي عن منكر. قوله: (فهو شيطان أخرس) أي كشيطان أخرس فهو تشبيه بليغ والجامع أن الشيطان يوسوس بالباطل ويسكت عن الحق فلما سكت من ذكر عن الحق أشبهه. قوله: (قال) أي القشيري وأتى به لئلا يتوهم إن ما بعده من كلام أبي علي. قوله: (علموا ما في الكلام من الآفات) أي وهي كثيرة عد منها جانباً كثيراً في الإحياء وقد أشرنا إلى نقل بعضه في حديث من صمت نجا. قوله: (ثم ما فيه) أي ثم علموا ما فيه. قوله: (وذلك) أي السكوت لما في الكلام من تلك الآفات أي وصف أرباب الرياضة. قوله: (وهو أحد أركانهم في حكم المنازلة) هي من المقامات وتهذيب الأخلاق قال الشيخ زكريا ويدل لذلك الخبر الصحيح إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالاً يهوي بها في نار جهنم وقد قال أبو بكر الصديق لعمر رضي الله عنهما لما رآه آخذاً بلسانه وقال له عمر: مه غفر الله لك: هذا الذي أوردني الموارد ورؤي ابن عباس آخذاً بثمرة لسانه يقول: قل خيراً تغنم واسكت عن شر تسلم فحفظ اللسان من أهم الأمور لأنه ترجمان ما في القلب وسلامته من الزلل تستلزم تثبته بقلبه وينبغي التحفظ أيضاً مما يقوم مقام اللسان من إشارة وكتابة وغيرهما فكم من ساكت هو متكلم اهـ. قوله: (ومما أنشدوه الخ)

باب تحريم الغيبة والنميمة

احْفظْ لسانَكَ أيُّها الإنسانُ ... لا يلدغَنَّكَ إنَّهُ ثُعْبَانُ كم في المقابر من قتيلِ لسانِهِ ... كانتْ تهاب لقاءَه الشُّجْعَانُ قال الرياشي رحمه الله: لعمركَ إن في ذَنْبي لشُغْلاً ... لنفسي عن ذنوب بني أميَّه على ربِّي حسابهُم إليَّه ... تناهى علم ذلك لا إليَّه وليس بضائري ما قد أتَوْهُ ... إذا ما الله أصلح ما لديه باب تحريم الغيبة والنميمة اعلم أن هاتين الخصلتين من أقبح القبائح وأكثرها انتشاراً في النّاس، ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا من كلام المصنف وليس هو في الرسالة. قوله: (احفظ لسانك الخ) هو عقد لما تقدم من نحو لسانك أسدك الخ وقريب منه ما أورده في التمهيد من شعر نصر بن أحمد فقال: لسان الفتى حتف الفتى حيث يجهل ... وكل امريء ما بين فكيه مقتل وكم فاتح أبواب شر لنفسه ... إذا لم يكن قفل على فيه مقفل قوله: (الرياشي بكسر الراء وخفة التحتية وستين معجمة بعدها ياء النسب. قوله: (إن في ذنبي) أي في اشتغالي به والتفكر فيما يترتب عليه. قوله: (على ربي حسابهم الخ) فيه اقتباس من قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} ومن قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث ابن عمر: "وحسابهم على الله". قوله: (بضائري) اسم فاعل من ضار أي أوقع في الضير أي الضر وفيه اقتباس من قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} والله أعلم، ثم الهاء في إليه وفي لديه هاء السكت أتى بها بعد ياء المتكلم لفقد حركتها حال الوقف ولمناسبة البيت قبله والله أعلم. باب تحريم الغيبة والنميمة قوله: (من أقبح القبائح) من إضافة الصفة إلى موصوفها أي القبائح القبيحة وقد

حتى ما يسلم منهما إلا القليل من النّاس، فلعموم الحاجة إلى التحذير منهما ـــــــــــــــــــــــــــــ نقل المنذري إجماع الأمة على تحريم النميمة وعلى أنها من أعظم الذنوب عند الله عزّ وجلّ واختلف العلماء في الغيبة فقيل: إنها من الصغائر مطلقاً ونقل عن صاحب العدة وسكت المصنف عليه كالرافعي ومال إليه الجلال البلقيني واستدل له بما هو متعقب فيه كما بينه ابن حجر الهيتمي في الزواجر قال الأذرعي: إطلاق القول بأنها من الصغائر ضعيف أو باطل وقد نقل القرطبي المفسر وغيره الإجماع على أنها من الكبائر ويوافقه كلام جماعة من أصحابنا وقد غلظ أمرها في الكتاب والسنة ومن تتبع الأحاديث فيها علم أنها من الكبائر ولم أر من صرح بأنها من الصغائر غير الغزالي وصاحب العدة والعجب أنه أطلق إن ترك النهي عن المنكر من الكبائر وقضيته أن يكون السكوت عن النهي عنها من الكبائر أيضاً إذ هي من أقبح المنكرات لا سيما غيبة الأولياء وأهل الكرامات وأقل الدرجات إن لم يثبت إجماع أن يفصل بين غيبة وغيبة لتفاوت مراتبها ومفاسدها والتأذي بحسب الخفة والثقل والأذى ثم قال: بعد بيان بعض خفيف الألفاظ من ثقيلها فيقرب أن يقال ذكر الأعرج والأعمش والأسود وعيب الملبوس ونحو ذلك من الصغائر لخفة التأذي بها بخلاف الوصف بالفسق والفجور وغير ذلك من عظائم المعاصي ويجوز أن لا يفصل سداً للباب كما في الخمر ويقال للغيبة حلاوة كحلاوة التمر وضراوة كضراوة الخمر عافانا الله منها وقضى عنا حقوق أربابها فلا يحصيهم غيره سبحانه ثم نقل عن الشافعي وأكابر من أئمة المذهب القول بما قاله من أنها كبيرة قال والعجب من سكوت الرافعي على كلام صاحب العدة وقد جزم الرافعي قبله بأن الوقيعة في أهل العلم وحملة القرآن من الكبائر وفسروا الوقيعة بالغيبة والقرآن والأحاديث متظاهرة على ذلك أي كونها كبيرة مطلقاً وقال ابن حجر في الزواجر بعد ذكر كلام طويل فظهر أن الذي دلت عليه الدلائل الكثيرة الصحيحة الظاهرة أنها كبيرة لكنها تختلف عظماً وضده باختلاف مفسدتها كما مر في كلام الأذرعي وظهر أيضاً أنها الداء العضال والسم الذي هو أحلى في الألسن من الزلال وقد جعلها من أوتي جوامع الكلم عديلة غصب المال وقتل النفس بقوله: كل المسلم على المسلم حراً

بدأتُ بهما. فأما الغيبة: فهي ذِكْرُكَ الإنسان بما فيه مما يكره، سواء كان في بدنه، أو دِينِهِ، أو دُنْياه أو نفسه، أو خَلْقه، أو خُلُقه، أو ماله، أو ولده، ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث والغصب والقتل كبيرتان إجماعاً فكذا ثلب العرض قلت وفي التمهيد لابن عبد البر قال الشاعر: احذر الغيبة فهي الـ ... ـفسق لا رخصة فيه إنما المغتاب كالآ ... كل من لحم أخيه وتردد الزركشي في تحريم غيبة الصبي والمجنون قال في الزواجر بعد نقله ذلك عن الخادم والوجه حرمة غيبتهما وأما التوبة منها فتتوقف على أركانها ومنها هنا الاعتذار لكنه إن فات بنحو موت ووجدت باقي أركان التوبة سقط حق الله وبقي حق الآدمي. قوله: (الغيبة) أي بكسر الغين المعجمة وسكون التحتية. قوله: (ذكرك الإنسان) أي سواء كان مسلماً أو ذمياً والتعبير بالأخ في الآية والحديث نحو ذكرك أخاك الخ للعطف والتذكير بالسبب الباعث على تركها نعم الترك آكد في حق المسلم إنه أشرف وأعظم حرمة وسواء كان الإنسان حياً أو ميتاً وسواء كان ذلك بحضرته أو غيبة. قوله: (بما فيه) خرج ذكره بما يكرهه مما ليس فيه فذلك مع كونه غيبة أيضاً بهت وكذب وسيأتي ذلك في حديث مسلم قال: إن كان فيه فقد اغتبته وإلا فقد بهته المرو ليس إذ بالذكر في الحديث اللساني فقط بل هو وما يقوم مقامة من إشارة ورمز كما سيأتي في كلام المصنف. قوله: (أو في دينه) وقول بعض: لا غيبة في ذكر ما يكرهه من أمر الدين -لأنه ذم من ذمه الله تعالى ولأنه -صلى الله عليه وسلم- ذكر له عبادة امرأة وإنها تؤذي جيرانها فقال: "هي في النار" وعن امرأة أنها بخيلة فقال: "فما خيرها إذاً" -قال الغزالي إنه فاسد لأنهم كانوا يذكرون ذلك لحاجاتهم إلى تعرف الأحكام بالسؤال ولم يكن غرضهم التنقيص ولا يحتاج إلى ذلك في غير مجلسه -صلى الله عليه وسلم- والدليل عليه إجماع الأمة أن من ذكر غيره بما يكرهه فهو مغتاب لأنه داخل فيما ذكره -صلى الله عليه وسلم-. قوله: (أو نفسه) أي النفس الناطقة المعبر عنها عند قوم بالروح والوصف الذي يكره لها نحو الجهل والدناءة. قوله: (أو خلقه) بفتح المعجمة هو والخلق بضمها في الأصل بمعنى لكن خصص العرف المفتوح بما يدرك بالبصر من الأوصاف

أو والده، أو زوجه، أو خادمه، أو مملوكه، أو عِمامته، أو ثوبه، أو مِشْيته، وحَرَكته وبَشَاشتَه وخلاعَته، وعُبُوسه، وطلاقته، أو غير ذلك مما يتعلَّق به، سواء ذكرته بلفظك أو كتابك، أو رمزتَ، أو أشرت إليه بعينك، أو يدك، أو رأسك، أو نحو ذلك. أما البدن، فكقولك: أعمى، أعرج، أعمش، أقرع، قصير، طويل، أسود، أصفر. وأما الدِّين، فكقولك: فاسق، سارق، خائن، ظالم، متهاون بالصلاة، متساهل في النجاسات، ليس بارّاً بوالده، لا يضع الزكاة مواضعها لا يجتنب الغيبة. وأما الدنيا: فقليل الأدب، يتهاون ـــــــــــــــــــــــــــــ الظاهرة والمضموم بالمعاني المدركة بالبصيرة وتقدم في باب مزيد بيان لهذا المقام ثم مثال ما يكره بالخلق نحو هيئته قبيحة أو صورته فظيعة. قوله: (مشيته) بكسر الميم. قوله: (وبشاشته) هي بالموحدة المفتوحة وبالمعجمتين الخفيفتين بينهما ألف فرحة وسروره بالمرء وانبساطه إليه والأنس به كما في النهاية وذلك بأن يذكر فيها ما يلحقها بالذل والضعة ونحوها. قوله: (وطلاقته) هو بمعنى البشاشة وفي الخبر الصحيح لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقي أخاك بوجه طلق. قوله: (وخلاعته) بالمعجمة المفتوحة وبعد الألف عين مهملة وهي الاستهتار باللهو. قوله: (سواء ذكرته بلفظك) هذا هو المنصوص عليه في الخبر، والكتابة وما بعدها مقيسة عليه بجامع الإيذاء في الكل وهو تفهيم الغير نقصان المغتاب وهو موجود حيث أفهمت الغير ما يكرهه المغتاب. قوله: (فأما البدن) أي ما من شأنه أن يكرهه الإنسان من أوصاف البدن وتقدم عن الأذرعي إن ذكر نحو الأقرع والأعمش والأصفر والأسود وعيب العمامة والملبوس والدابة ونحو ذلك أخف من الوصف بالفسق والفجور والظلم وعقوق الوالدين والتهاون بالصلاة ونحو ذلك وإنه تردد بين كون الأول من الصغائر والثاني من الكبائر لما بينهما من التفاوت في الخفة والثقل أو الكل من الكبائر سداً للباب لكن يختلف عظمها وضده بحسب اختلاف مفسدتها. قوله: (فقليل الأدب) أي مع النّاس أما قلته مع الله عز وجل فهو ما يتعلق بالدين والأدب

بالناس، لا يرى لأحد عليه حقاً، كثيرَ الكلام، كثيرَ الأكل أو النوم، ينام في غير وقته، يجلس في غير موضعه. وأما المتعلق بوالده، فكقوله: أبوه فاسق، أو هندي، أو نَبَطي، أو زنجي، إسكاف، بزَّاز، نخَّاس، نجَّار، حداد، حائك. وأما الخُلُق، فكقوله: ـــــــــــــــــــــــــــــ عند أهل الله ثلاثة أقسام أدب الشريعة وهو امتثال الأمر واجتناب النهي على ما جاء به مرسوم الشريعة وأدب الطريقة وهو التلبس بالعمل مع عدم الركون إليه وأدب الحقيقة وهو أن تعرف أوصافه من العز والبقاء والقدرة والغنى وتعرف أوصافك من الذل والفناء والعجز والفقر قال بعض العارفين: العمل يوصل إلى الجنة والأدب فيه يوصل إلى الله عز وجل. قوله: (لا يرى لأحد عليه حقاً) أي لأحد من كبراء الدنيا ممن لم يؤمر الإنسان بتعظيمهم من الرؤساء والأغنياء بل أمر بالترفع عليهم ففي الحديث من تواضع لغني لغناه ذهب ثلثا دينه أما عدم رؤية الحق لمن أمر الله برؤيته له من الشيخ والوالدين والكبير فذلك من القدح بما يتعلق بالدين. قوله: (يجلس في غير موضعه) أي باعتبار نظر أبناء الزمان والتفاتهم إلى ما لا يعني من عالي المكان أما إذا أريد به الكناية عن كونه ذا كبر وعجب فلا يرى لنفسه إلا أعلى مكان فذلك من الثلم بما يرجع إلى الدين. قوله: (وأما المتعلق بوالده) لم يتقدم لهذا ذكر في إجمال ما تكون به المذمة ولعله أدرجه فيما يتعلق بالدنيا لأن الفخر بالنسب من شأن أبناء الدنيا أما أبناء الآخرة فانتسابهم إلى عبودية مولاهم وافتخارهم بحوزهم لتقواهم نفعنا الله بهم ثم رأيته ذكر والده في إجمال ما يذم به في نسخة. قوله: (أو نبطي) هو بفتح النون والموحدة وبالطاء المهملة نسبة للنبط واحد الأنباط كسبب وأسباب سموا بذلك لاستخراجهم ينابيع الأرض. قوله: (زنجي) بكسر الزاي وسكون النون وبالجيم منسوب إلى الزنج طائفة معروفة. قوله: (جزار) ويقال له القصاب. قوله: (نخاس) بالنون والمعجمة وآخره مهملة دلال الرقيق. قوله: (وأما الخلق) أي بضم المعجمة واللام ويجوز تسكينها تخفيفاً أي الأمور

سيئ الخُلُق، متكبِّر، مُراءٍ، عَجول، جبار، عاجز، ضعيف القلب، متهوِّر، عبوس، خليع، ونحوه. وأما الثوب: فواسع الكمّ، طويل الذيل، وسخ الثوب ونحو ذلك، ويقاس الباقي بما ذكرناه وضابطه: ذِكْره بما يكره. وقد نقل الإِمام أبو حامد الغزالي إجماع المسلمين على أن الغيبة: ذِكْرُكَ غيرك بما يكره، وسيأتي الحديث الصحيح المصرّح بذلك. وأما النميمة: فهي نقل كلام النّاس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد. هذا بيانهما. وأما حكمهما، فهما محرمتان بإجماع المسلمين، وقد تظاهر على تحريمهما الدلائل الصريحة من الكتاب والسُّنَّة وإجماع الأمة، قال الله تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: 12] وقال تعالى: ـــــــــــــــــــــــــــــ التي يكره ذكرها مما يتعلق بالأوصاف الباطنة المدركة بالبصيرة. قوله: (سيئ الخلق) هو من صدر القبيح عنه وسهل ذلك عليه. قوله: (جبان) ضد الشجاع. قوله: (متهور) أي يسقط على الأمور ولا يثبت فيها. قوله: (طويل الذيل) وطوله إن كان بمجاوزة العقب فمكروهة وكلما زاد الطول زادت الكراهة لقربه من احتمال النجاسة ومحل الكراهة إذا لم يكن على وجه الخيلاء وإلا فيحرم ومحلها بالنسبة للرجال أما للنساء فتستحب إطالة الجلباب وأن تكون زائدة على الساتر بشبر وهل ذلك من أول ما يماس الأرض أو من العقب فيه خلاف. قوله: (وضابطه الخ) أي إن استيعاب جميع ما من شأنه أن يكره سواء عاد إلى النفس أو إلى ما ذكر معه صعب لكن الضابط الذي لا يشذ عنه شيء منه ذكرك أخاك بما يكره. قوله: (فهما محرمتان بإجماع المسلمين) هذا أصل حكمهما ثم قد تجب الغيبة تارة وتباح أخرى كما سيأتي بيانه وتقدم إن النميمة كبيرة بالإجماع وإن الأصح في الغيبة إنها كذلك وإن اختلفت مراتبها بتفاوت المغتاب به في الإيذاء خفة وثقلاً كما تقدم عن الزواجر. قوله: (وقد تظاهرت) من التظاهر وهو التعاون قال تعالى: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} أي تتعاونا عليه والمراد هنا شد بعض الأدلة بعضاً فصار في غاية القوة. قوله: (ولا يغتب بعضكم بعضاً)

{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة: 1]، وقال تعالى: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم: 11]. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن حذيفة رضي الله ـــــــــــــــــــــــــــــ أي لا يتكلم أحد منكم في حق أخيه في غيبته بما هو فيه مما يكرهه وألحق به التكلم بذلك في حضرته للإيذاء بل هو أبلغ في الأذية. قوله: (ويل لكل همزة لمزة) قال مجاهد: الهمزة الطعان في النّاس واللمزة الذي يأكل لحوم النّاس وروى البيهقي عن الليث اللمزة الذي يعيبك في وجهك والهمزة الذي يعيبك بالغيب اهـ، وروى عن ابن جرير الهمز بالعين والشدق واليد واللمز باللسان وقيل اللمز بالقول وغيره والهمز بالقول فقط وقيل اللمزة النمام وتقدم في باب ما يقول إذا غضب إن همزة ولمزة لمن يكثر منه الهمز واللمز وسبق في ذلك الباب الفرق بين فعلة مضموم الفاء مفتوح العين وفعلة مضموم الفاء ساكن العين وفي مفردات الراغب ويل قبوح وقد يستعمل على التحسر ومن قال: ويل واد في جهنم لم يرد أن ويلاً في اللغة موضوع لذلك إنما أراد من قال الله فيه ذلك فقد استحق مقراً من النار وثبت ذلك له نحو ويل لكل همزة لمزة اهـ. قوله: (ولا تطع كل حلاف) أي كثير الحلف بالباطل (مهين) فعيل من المهانة وهي القلة في الرأي والتمييز قال الواحدي قال عطاء: يعني الأخنس بن شريق أي فهو عام أريد به خاص أو المراد هو ومن كان بوصفه المذكور في الآية وقال مقاتل يعني الوليد بن المغيرة عرض على النبي -صلى الله عليه وسلم- المال ليرجع عن دينه قوله: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} هماز مغتاب طعان للناس مشاء بنميم أي يمشي بالنميمة بين النّاس ليفسد بينهم. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) في جامع الأصول أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن حذيفة قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يدخل الجنة قتات" ولمسلم مثله وقال نمام: وعبارة التيسير للديبع بعد إيراده بلفظ لا يدخل الجمعة قتات أخرجه الخمسة إلا النسائي يعني الشيخين وأبا داود والترمذي ولفظ مسلم لا يدخل الجنة نمام انتهت فأفادت إن لفظ نمام لمسلم وإنه عند البخاري بلفظ قتات وهو كذلك عند مسلم أيضاً وإنما عزا المصنف الحديث للبخاري باعتبار إنه عنده بالمعنى وإن اختلف بعض المبنى إذا النمام هو القتات وقيل: النمام الذي يكون مع جمع متحدثون فينم عليهم والقتات

عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ نَمَّامٌ". وروينا في "صحيحيهما" عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مر بقبرين، فقال: ـــــــــــــــــــــــــــــ هو الذي يسمع عليهم وهم لا يعلمون ثم ينم وبالجملة فهما سواء في كون كل منهما نماماً. قوله: (لا يدخل الجنة نمام) قال المصنف: أي لا يدخلها مع الناجين أو يحمل على المستحل من غير تأويل مع العلم أي بالحرمة اهـ. قوله: (وروينا في صحيحيهما) وكذا رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة وغيرهم وفي رواية أحمد والطبراني واللفظ للطبراني عن أبي بكرة قال: بينما النبي -صلى الله عليه وسلم- يمشي بيني وبين رجل آخر إذا أتى على قبرين فقال: "إن صاحبي هذين القبرين يعذبان فائتياني بجريدة" قال: فاستبقت أنا وصاحبي فأتيته بجريدة فشقها نصفين فوضع في هذا القبر واحدة وفي ذا القبر واحد قال: "لعله يخفف عنهما ما دامتا رطبتين إنهما يعذبان بغير كبير الغيبة والبول" وسند الحديث صحيح كما قاله ابن حجر في الزواجر قال: وفي رواية لابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة كان أحدهما لا يستنزه من البول وكان الآخر يؤذي النّاس بلسانه ويمشي بينهم بالنميمة وللحديث طرق كثيرة مشهورة عن جماعة من الصحابة في الصحاح وغيرها وبتأملها يعلم أن القصة متعددة وبه يندفع ما يوهمه ظواهرها من التعارض ثم رأيت الحافظ المنذري أشار لبعض ذلك فقال: أكثر الطرق إنهما يعذبان في البول والنميمة والظاهر إنه اتفق مروره -صلى الله عليه وسلم- مرة بقبرين يعذب أحدهما في النميمة والآخر في البول ومرة بقبرين يعذب أحدهما في الغيبة والآخر في البول اهـ. قوله: (مر بقبرين) قيل: المراد بصاحبي قبرين فعبر بهما عن صاحبهما من تسمية الحال باسم المحل ففيه مجاز مرسل قال الحافظ ابن حجر: لم يعرف اسم المقبورين ولا أحدهما والظاهر إن ذلك كان على عمد من الرواة لقصد الستر عليهما وهو عمل مستحسن وينبغي أن لا يبالغ في الفحص عن تسمية من وقع في حقه ما يذم به قال وقد اختلف فيهما فقيل: كانا كافرين وبه جزم أبو موسى المديني قال: لأنهما لو كانا مسلمين لما كانا لشفاعته إلى أن ييبس الجريدتان معنى ولكنه لما رآهما يعذبان لم

"إنَّهُما لَيُعَذَّبانِ وَما يُعَذبانِ في كبِيرٍ" قال: وفي رواية البخاري "بَلى إنَّه كبِيرٌ، أمَّا أحدُهُما، ـــــــــــــــــــــــــــــ يستجز للطفه وعطفه حرمانهما من إحسانه فشفع لهما إلى المدة المذكورة قيل: وهو الأظهر وقال الحافظ ابن حجر: هو الظاهر من مجموع طرق الحديث. قوله: (إنهما) قيل: أعاد الضمير على غير مذكور اكتفاء بدلالة سياق الكلام عليه كقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} وقيل: أعاده على القبرين مجازاً أو أراد من فيهما كما تقدم. قوله: (في كبير) قال ابن مالك: فيه شاهد على ورود في للتعليل وهو مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "عذبت امرأة في هرة" وخفي ذلك على أكثر النحويين ومع ورود القرآن به كقوله تعالى: {لمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ} قوله: (قال وفي رواية البخاري الخ) قال القلقشندي: هي من زيادات جرير على الأعمش وهي ترد على ابن بطال استدلاله برواية الأعمش على أن التعذيب لا يختص بالكبائر بل قد يقع على الصغائر معللاً بأن الاستتار من البول لم يرد فيه وعيد شديد. قوله: (إنه لكبير) اختلفوا في معنى هذا الكلام منه -صلى الله عليه وسلم- فقال البوني شارح الموطأ: يحتمل أنه -صلى الله عليه وسلم- ظن أن غير كبير فأوحى إليه في الحال إنه كبير فاستدرك قيل: ويحتمل أن الضمير في وإنه عائد إلى العذاب لما ورد في صحيح ابن حبان من حديث أبي هريرة عذاباً شديداً في ذنب هين وقال الداودي وابن العربي كبير المنفى بمعنى أكبر والمثبت واحد الكبائر أي ليس ذلك بأكبر الكبائر كالقتل مثلاً وإن كان كبيراً في الجملة قال المصنف: فعلى هذا يكون المراد الزجر والتحذير لغيرهما من توهم إن التعذيب لا يكون إلا في أكبر الكبائر كالموبقات فإنه يكون في غيرها وقيل: المعنى ليس بكبير في الصورة لأن تعاطيه يدل على الدناءة والحقارة وهو كبير في الإثم وقيل: ليس بكبير في اعتقاد المخاطبين وهو عند الله كبير كقوله تعالى: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} وهذا القول بدأ به المصنف وقيل: ليس بكبير إزالته والاحتراز منه فإنه سهل على من يريد التوقي منه وهذا جزم به الخطابي والبغوي والمنذري وقال ابن دقيق العيد: إنه الذي يجب حمل الحديث عليه وقيل: ليس كبيراً بمجرده وإنما صار كبيراً بالمواظبة عليه ويرشد إلى ذلك السياق فإنه وصف كلاًّ منهما بما يدل على تكرر ذلك واستمراره عليه للإتيان بصيغة المضارع بعد كان وقيل غير ذلك. قوله: (أما أحدهما) أما حرف شرط وتفصيل كما

فكان يَمْشِي بالنمِيمَةِ، وأما الآخَرُ، فكان لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلهِ". قلت: قال العلماءُ: معنى "وما يعذَّبان في كبير" ـــــــــــــــــــــــــــــ هو معروفة عند النحاة وزاد الزمخشري إنه حرف توكيد وذكرنا كلام شرح التوضيح فيها سابقاً. قوله: (لا يستتر) بتحتية فمهملة ثم مثناتين فوقيتين أولاهما مفتوحة والأخرى مكسورة من الاستتار وكذا في أكثر الرواية وفي رواية للصحيحين لا يستنزه بنون ساكنة بعدها زاي من التنزه وهو كذلك عند النسائي وفي رواية للبخاري وقال الإسماعيلي إنها أشبه الروايات لا يستبريء موحدة ساكنة وهمزة بعد الراء من الاستبراء وفيه روايات أخر عند غير الصحيحين وقوله: لا يستتر يحتمل أن يحمل على الاستتار عن الأعين وهو الحقيقة فيكون العذاب على كشف العورة ويحتمل أن يحمل على المجاز بأن يراد بالاستتار التنزه عن البول والتوقي منه إما بعدم ملابسته أو بالاحتراز عن مفسدة تتعلق به كانتقاض الطهارة وعبر بالاستتار عن التوقي مجازاً ووجه العلاقة بينهما إن التستر عن الشيء فيه بعد عنه واحتجاب وذلك شبيه بالبعد عن ملابسة البول قال القلقشندي نقلاً عن ابن دقيق العيد: والحمل على المجاز المذكور أقرب لوجهين أحدهما أنه لو حمل على حقيقته للزم إن مجرد كشف العورة يحصل به العذاب وإن لم يكن ثم بول والحديث يدل على أن للبول بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصية وأيضاً فإن لفظة من لما أضيفت إلى البول وهي لابتداء الغاية حقيقة أو ما يرجع إلى ابتداء الغاية مجازاً اقتضت نسبة الاستتار الذي عدمه سبب العذاب إلى البول أن يكون المعنى سبب عذابه من البول ولو حملناه على كشف العورة زال هذا المعنى ثانيهما أن في بعض الروايات لا يتوقى البول وهي رواية وكيع وفي بعضها لا يستنزه فيحمل على تلك لتتفق الروايات ثم قال القلقشندي ويتأبد أيضاً بأن مخرج الحديث واحد وبأن في حديث أبي بكرة عند أحمد وابن ماجه أما أحدهما فيعذب في البول ومثله في الطبراني عن أنس وقد أجيب عما قاله ابن دقيق العيد أولاً بأن تقييده بالبول لأن الأغلب في التكشف إنما هو عنده أو إن الغالب التكشف له قائماً قبل القعود وعن الثاني بأنا وإن سلمنا إن "من" حقيقة فيما ذكر فقد يستعمل المجاز بالقرينة ويترجح على الحقيقة لا سيما وقد اختلفت الروايات اهـ. قوله: (يمشي بالنميمة) أي يصير في النّاس متصفاً بهذه الصفة فالباء

أي: في كبير في زعمهما، أو كبير تركه عليهما. وروينا في "صحيح مسلم" وسنن أبي داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أتَدْرُون ما الغِيبَةُ؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "ذِكْرُكَ أخاكَ بِمَا يَكْرَهُ"، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقولُ، قال: "إنْ كانَ فيهِ ما تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وإن لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتهُ" قال الترمذي: حديث ـــــــــــــــــــــــــــــ حينئذ للمصاحبة وجوز بعضهم أن تكون سببية أي يمشي بسبب ذلك. قوله: (أي في كبير في زعمها) أي ولكنه كبير عند الله. قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) وأخرجه ابن عبد البر في التمهيد من طريقين عن أبي هريرة وقال المنذري في الترغيب قد روى هذا الحديث من طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة اكتفينا بهذا عن سائرها اهـ، قال ابن عبد البر: هذا الحديث يخرج في التفسير المسند في قول الله سبحانه: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} فبيّن -صلى الله عليه وسلم- الغيبة وكيف هي وما هي وهو المبين عن الله سبحانه. قوله: (ذكرك أخاك الخ) يشمل ذكره بما يكرهه في غيبته وحضوره وسبق أن الأول لما فيه من مزيد النكاية أتم في الإثم، وفي الخادم للزركشي من المهم ضابط الغيبة هل هي: ذكر المساويء في الغيبة كما يقتضيه اسمها أو لا فرق بين الغيبة والحضور وقد دار السؤال بين جماعة ثم رأيت ابن فورك ذكر في مشكل القرآن في تفسير سورة الحجرات ضابطاً حسناً فقال: الغيبة ذكر العيب بظهر الغيب وكذا قال سليم الرازي في تفسيره الغيبة أن يذكر الإنسان من خلفه بسوء وإن كان فيه اهـ، وفي المحكم لا يكون إلا من ورائه اهـ، وبفرض اختصاص مفهوم الغيبة بذكر العيب في الغيبة فذكره في الحضور حرام بل شديد الحرمة لما فيه من الإيذاء مع مزيد النكاية إذا واجهه بما ذكره والله أعلم، ويشمل ما يكرهه في خلقه أو خلقه أو ينسب إليه مما تقدم في كلام المصنف. قوله: (أفرأيت) أي فأخبرني. قوله: (بهته) هو بتخفيف الهاء المفتوحة من البهت وهو الكذب والافتراء أي كذبت وافتريت عليه وقال المصنف: يقال بهته بفتح الهاء مخففة أي قلت فيه: البهتان وهو الباطل

حسن صحيح. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي بَكْرَةَ رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في خُطْبَتِهِ يوم النحر بمنى في حَجة الوداع: "إن دِماءَكُمْ وَأمْوَالَكُمْ وَأعْرَاضَكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأصل البهت أن يقال له: الباطل في وجهه وهما يعني الغيبة والنميمة حرامان اهـ. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) أي رواه البخاري في التفسير وفي بدء الخلق وفي المغازي وفي غيرها من صحيحه ورواه مسلم في الديات من صحيحه وأخرجه أيضاً النسائي في العلم كذا في الأطراف للمزي ملخصاً. قوله: (في خطبته) أي في ضمن خطبته التي أتى بها يوم النحر وهو يوم عاشر ذي الحجة ومنه ومن أحاديث أخر -بعضاً في الصحيحين كحديث عبد الله بن عمرو وبعضها في السنن كحديث أبي أمامة عند أبي داود وحديث الهرماس بن زياد الباهلي عند أبي داود والنسائي وألفاظهم في المنسك الكبير لابن جماعة- أخذ أصحابنا استحباب خطبة يوم النحر يعلم القوم فيها أحكام المناسك لكن قالوا: يسن فعلها بعد صلاة الظهر وقد استشكل بأن الذي في الأحاديث الصحيحة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب يوم النحر ضحى أجاب عن ذلك المصنف بأن رواية ابن عباس في الصحيح تدل على أنه كان بعد ذلك الزوال إذ فيها أن بعض السائلين قال: رميت بعدما أمسيت والمساء يطلق على ما بعد الزوال أي فقدمت لأنها أصح وأشهر وأجاب السبكي بأنه ورد في طبقات ابن سعد عن عمرو بن يثربي بتحتية مفتوحة فمثلثة ساكنة فراء مكسورة فموحدة فياء النسب أنه حفظ خطبته -صلى الله عليه وسلم- الغد يوم النحر بعد الظهر وهو على ناقته القصوى وكان يحكيها بطولها وكأن بعضهم جمع بين الحديثين حيث قال: خطب -صلى الله عليه وسلم- خطبتين يوم النحر في وقتين قال ابن جماعة بعد أن أورد أحاديث وهو مقتضى هذه الأحاديث اهـ. قوله: (في حجة الوداع) بكسر الواو وفتحها وسبق بيان وجهها في باب استنصات العالم والواعظ. قوله: (إن دماءكم) بدأ بها لأنها آكد الثلاثة وأخطرها ومن ثم كان أكبر الكبائر بعد الشرك القتل على الأصح وقدم الأموال على الأعراض مع أن الأعراض أخطر لأن الابتلاء بالجناية فيها أكثر والأعراض جمع عرض وله معان كثيرة منها النفس وليس مراداً

حَرامٌ عَلَيكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، في شَهْرِكُمْ هَذَا، في بَلَدِكُمْ هَذَا ألا ـــــــــــــــــــــــــــــ هنا وإلا كان تكراراً مع دماءكم أو جانب الرجل الذي يصونه من نفسه وحسبه أن ينتقص ويثلب أو (سواء) كان في نفسه أو (سلفه أو) من يلزمه أمره أو موضع المدح والذم منه أو (ما) يفتخر به من حسب وشرف وقد يراد به الآباء والأجداد والخليقة المحمودة اهـ، قال في فتح الإله وكلها مناسبة هنا إذ المراد بتحريم الأعراض تحريم التعرض إلى الإنسان بما يعير أو ينقص به في نفسه أو أحد من أقاربه بل يلحق بذلك كله من له علقة بحيث يؤدي تنقيصه أو تعييره إليه أخذاً من قولهم في حد الغيبة ذكرك أخاك بما يكره في نفسه وأهله ومماليكه وغيرهم وفي قول الشاعر: إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فكل رداء يرتديه جميل وقول أبي ضمضم: اللهم إني تصدقت بعرضي على عبادك فمن شتمني لا أشتمه إلى آخر ما يناسب ما ذكرته وأما قول من قال: إن المراد بالأعراض هنا الأخلاق النفسانية فهو وإن أمكن إرجاعه إلى ما قلناه لكن ما قلناه أوضح ثم رأيت بعضهم أرجعه إليه فقال وحين كان المدح نسبة الشخص إلى الأخلاق الحميدة والذم نسبته إلى الذميمة سواء كانت فيه أو لا، قال: من قال العرض الخلق إطلاقاً لاسم اللازم على الملزوم اهـ، وقول النهاية العرض موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو سلفه صحيح موافق لما قلناه إلا أن ما ذكرناه أعم اهـ. قوله: (كحرمة يومكم الخ) كأن وجه هذا التشبيه مع كون الثلاثة المشبهة أعلى حرمة من الثلاثة المشبه بها هو أحد الوجوه في قوله: كما صليت على إبراهيم وهو تشبيه من لم يشتهر وإن كان أفضل بما اشتهر وإن كان مفضولاً ليحصل له من الشهرة ما يوازي شهرة المشبه به، وقوله كحرمة يومكم هذا أي كحرمة معصيتكم فيه حال اليوم على وجه التجوز، في بلدكم هذا وحرمة المعصية بها عظيمة فقد قال: جمع بمضاعفة السيئات بمكة كما تضاعف الحسنات بها

هَلْ بلَّغْتُ؟ ". وروينا في سنن أبي داود والترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "حَسْبُكَ من صفيةَ كذا وكذا" قال بعض الرواة: تعني قصيرة، فقال: "لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ البَحْرِ لَمَزَجَتْهُ"، قالت: ـــــــــــــــــــــــــــــ وأول بأن المراد العظم في الكيف لا في الكم لأن قوله تعالى: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا} لا مخصص له وقوله: ومن يرد فيه بالحاد بظلم دليل للعظم الذي ذكرناه لا للتعدد الذي ذكروه ولعظم شرف ذي الحجة كان عظم المعصية فيه أكثر منه في غيره. قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) ورواه أحمد كما في المشكاة والبيهقي كما في الترغيب المنذري. قوله: (حسبك) أي يكفيك (من صفية) أي من عيوبها البدنية. وقوله: (كذا وكذا) كناية عن ذكر بعضها وهو كذلك في جميع نسخ الأذكار كنسخ المشكاة قيل: وهو تحريف والصواب حسبك من صفية إنها كذا وكذا وقيل: إن قولها كذا إشارة إلى شبرها قال في المرقاة: الظاهر من كذا تعداد نعتها فلعلها قالت بلسانها إنها قصيرة وأشارت بشبرها إلى أنها في غاية القصر فأرادت بالتأكيد الجمع بين القول والفعل والله أعلم. قوله: (قال بعض الرواة) قال أبو داود بعد إخراجه من طريق مسدد بلفظ كذا وكذا قال غير مسدد وحسبك من صفية قصرها وكأن هذا وجه عزو ابن الأثير في جامع الأصول الحديث بهذا اللفظ أي قصرها إلى أبي داود والترمذي. قوله: (لو مزجت بماء البحر الخ) أشار العاقولي إلى أن في بعض نسخ أبي داود ولو مزج بها البحر لمزجته إلى أن حق اللفظ لو مزجت بالبحر كما أورد المصنف هنا قال: لكن المزج يستدعي الامتزاج فكل من الممتزجين يمتزج بالآخر ومثله فاختلط به نبات الأرض كان من حق اللفظ فاختلط نبات الأرض ووجه مجيئه فيما قاله صاحب الكشاف أن كل مختلطين موصوف كل واحد منهما بصفة صاحبه على أن هذا التركيب أبلغ لأنه حينئذٍ من باب عرض الناقة على الحوض اهـ، ونقل مثله الطيبي وسكت عليه وقوله: حق اللفظ الخ وجهه إن العادة والعرف إن ينسب القليل إلى الكثير لا عكسه وإن جاز ذلك لغة فإنه نحو اختلط الماء باللبن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعكسه وحكمة ما جاء في تلك الرواية الإشارة اللطيفة إلى عظم تلك الكلمة فكأنه قال: إن هذه الكلمة وإن كانت صغيرة وقليلة عندك فهي عند الله كبيرة وكثيرة بحيث لو مزجت بماء البحر بأجناسه وأصنافه وأنواعه ووسعه من طوله وعرضه وعمقه لغلبته وهذا من البلاغة غاية مبلغها وفيه من الزجر نهايته ومنتهاه وأما قول الكشاف في قوله تعالى: {فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ} حق اللفظ الخ فقال بعضهم: إنه خطأ فاحش لأنه ليس المعنى على أنه اختلط بالماء نبات الأرض إذ ليس تحته طائل بل الصواب أن الباء للسببية وأن المختلط هو بعض نبات الأرض ببعضه وتوضيحه أن المطر سابق وجوده على تحقق النبات على ما أشار إليه الفاء التعقيبية في قوله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ}، فإن قلت: لعل صاحب الكشاف أراد اختلاط ماء أثر المطر بما تنبت به الأرض من الحبة مثلاً قلت: الظاهر أن هذا مطمح نظره ومطلع فكره لكنه يرده قوله تعالى: {فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ} فأصبح هشيماً تذروه الرياح إذ تعقيبه الأصباح المذكور إنما هو عند حصول اختلاط النبات بعضه ببعض لا حين اختلاط الماء بالحب والنوى كما لا يخفى ومما يدل صريحاً على كون الباء للسببية قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ} ثم رأيت الكشاف اختار ما اخترناه وحرر ما حررناه حيث قال: فالتف بسببه وتكاثف حتى خالط بعضه بعضاً ثم قال وقيل: نجع في النبات الماء فاختلط به حتى روى ورف رفيفاً وكان حق اللفظ على هذا التفسير فاختلط بنبات الأرض ووجه صحته إن كلا من المختلطين موصوف بصفة صاحبه اهـ، كلامه ففي نقل كلام الكشاف قصور من الناقلين لأن ما ذكر مبني على شيء أسسه ومهده والله أعلم، وفي قوله حق اللفظ مع سوء الأدب بالنسبة إلى الآية القرآنية دسيسة اعتزالية والله ولي دينه وناصر نبيه اهـ، وقول العاقولي والطيبي على أن هذا التركيب من باب عرضت الناقة الخ اعترض بأنه ممنوع ومدفوع بأن العرض إنما يكون على أرباب التمييز فبهذه القرينة تعرف أن السلام مقلوب بخلاف ما نحن فيه فإن

وحكيتُ له إنساناً فقال: "ما أُحِبُّ أني حَكَيتُ إنساناً وأنَّ لي كَذ وكَذَا" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. قلت: مزجته أي خالطته مخالطة يتغير بها طعمه أو ريحه لشدَّة نتنها وقبحها، وهذا الحديث من أعظم الزواجر عن الغيبة أو أعظمُها، وما أعلم شيئاً من الأحاديث يبلغ في الذم لها هذا المبلغ {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (3) {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4] نسأل الله الكريم لطفه والعافية من كل مكروه. وروينا في سنن أبي داود عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أظْفارٌ مِنْ نُحاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤلاءِ يا جِبْرِيلُ؟ قال: هَؤلاءِ الّذِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لكل من الطرفين قابلية الخلط والمزج والله أعلم. قوله: (وحكيت له إنساناً) أي ذكرته بما يكرهه ذلك الإنسان أو حكيت ما يكره من أفعاله أو أحواله. قوله: (ما أحب أني حكيت إنساناً) أي بما يكرهه. قوله: (وإن لي كذا الخ) إشارة إلى عظم إثم الغيبة وإنه لا يقاومها ما أعطيه من غيرها أي وإن كان كثيراً كما يدل عليه كذا وكذا إذ هي كناية عن الأعداد الكثيرة وإنما كان كذلك لأن ترك الاغتياب سلامة وعمل البر غنيمة والسلامة مقدمة على الغنيمة كما تقدم والله أعلم. قوله: (أي خالطته مخالطة) أي لو كانت أجساماً محسوسة لغيرت طعمه لشدة قبحها وريحه لنتنها أي عفونتها ففي العبارة لف ونشر مشوش. قوله: (أو أعظمها) أي بل أعظمها فأو بمعنى بل ويحتمل أن يكون حصل للشيخ تردد في الأمرين فأتى بأو المؤذنة لذلك وقد أشارت آية الحجرات في الغيبة إلى أعظم زجر عنها وقد بين ذلك ابن حجر في الزواجر بياناً شافياً. قوله: (وروينا في سنن أبي داود) قال المنذري في الترغيب وذكر أي أبو داود أن بعضهم رواه مرسلاً اهـ، وفي الجامع الصغير ورواه أحمد والضياء في المختارة كلهم من حديث أنس. قوله: (يخمشون وجوههم) قال الحافظ ابن حجر في مقدمته للفتح خموش أي خدوش وهي الجراحات التي

يأكُلُونَ لَحُومَ النَّاسِ وَيقَعُونَ في أعْرَاضِهِمْ". وروينا فيه عن سعيد بن زيد رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن مِنْ أرْبَى الرِّبا الاِسْتِطالَةَ في عِرْضِ المُسْلِمِ بِغَيرِ حَقٍّ". وروينا في كتاب الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ـــــــــــــــــــــــــــــ لا أثر بها اهـ، قال بعضهم ومنه حديث أبي داود يخمشون وجوههم. قوله. (يأكلون لحوم النّاس) أي بالاغتياب كما قال عز وجل: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} وفي الحديث عن عائشة قالت: قلت لامرأة مرة وأنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إن هذه لطويلة الذيل فقال: "الفظي، الفظي" أي ارمي ما في فيك فلفظت بضعة من لحم رواه ابن أبي الدنيا وبمعناه أحاديث كثيرة عن جماعة من الصحابة. قوله: (ويقعون في أعراضهم) فيه استعارة مكنية شبه الأعراض بوهدة من شأن المار الوقوع فيها إلا من احترز فالتشبيه المضمر في النفس استعارة مكنية وإثبات الوقوع استعارة تخييلية. قوله: (وروينا فيه) أي في سنن أبي داود وكذا رواه الإِمام أحمد كما في الجامع الصغير وفي الترغيب عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إن من أربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه رواه البزار بإسناد جيد قوي وهو في بعض نسخ أبي داود إلا أنه قال من أكبر الكبائر استطالة الرجل في عرض رجل مسلم بغير حق ومن الكبائر السيئتان بالسيئة ورواه ابن أبي الدنيا أطول منه ولفظه الربا سبعون حوباً وأيسرها كنكاح الرجل أمه وإن أربى الربا عرض المسلم اهـ. قوله: (الاستطالة في عرض المسلم) قال في النهاية أي احتقاره والترفع عليه والوقيعة فيه وخرج بقوله بغير حق ما إذا كانت بحق كأن عزره بالكلام لفعله ما يقتضيه أو اغتابه بسبب مبيح للغيبة من استفتاء ونحوه. قوله: (وروينا في كتاب الترمذي) وكذا رواه مسلم من جملة حديث إلا أنه قال: لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره

"المُسْلِمُ أخُو المُسْلِم لا يَخونُهُ وَلا يَكْذِبُهُ وَلا يَخْذُلُهُ، كُلُّ المُسْلِم على المُسلِم حَرَامٌ عِرْضُهُ، ومالُهُ وَدَمُهُ، التَّقْوَى ها هُنا، بِحَسْبِ امْرِئٍ منَ الشَّرِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وزاد بعد قوله التقوى ها هنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات والباقي سواء وسيأتي حديث مسلم في باب تحريم احتقار المسلمين والسخرية منهم. قوله: (المسلم أخو المسلم) أي بشهادة إنما المؤمنون إخوة أي إخوة نسب أو دين أو إخوة الدين أقوى وأعظم ومن ثم ورث الشافعي المؤمنين بعضهم بعضاً عند فقد الوارث ولم يورث بإخوة النسب عند الافتراق في الدين وهذا استعطاف منه -صلى الله عليه وسلم- لكل على الآخر وتليين لقلبه كما يقال: إنه أخوك لا مجرد إخبار بذلك. قوله: (لا يخونه) أي إذا ائتمنه من الخيانة أولاً ينسبه إليها من التخوين. قوله: (ولا يكذبه) بفتح التحتية وكسر المعجمة المخففة أي لا يخبره بأمر على خلاف ما هو عليه لأنه غش وخيانة وهو من حيث هو أشد الأمور ضرراً والصدق من حيث هو أشد نفعاً إلا أن يعرض لهما ما يصير به الكذب نافعاً والصدق ضاراً كأن سأله ظالم عن إنسان يريد قتله فإن صدق ضره وإن كذبه نفعه. قوله: (ولا يخذله) بضم الذال المعجمة أي لا يترك إعانته ونصره من غير عذر فترك نصره وإعانته خذلان سواء كان دنيوياً كأن رأى عدواً يريد أن يبطش به فيتركهما أو دينياً كأن يرى الشيطان مستولياً عليه في أمر يريد أن يستفزه ويهلكه في دينه فلا يخلصه من خبالته بوعظ أو نحوه فكل ذلك حرام. قوله: (كل المسلم الخ) جملة مركبة من مبتدأ وخبر وإضافة كل إلى المعرفة دليل لجوازه وإن منعه البعض. قوله: (عرضه الخ) بدل مما قبله بدل مفصل من مجمل، وجعله هذه الثلاثة كل المسلم وحقيقته لشدة احتياجه إليها، واقتصاره عليها لأن ما سواها فرع عليها وراجع إليها وقدم العرض اهتماماً به لكثرة الابتلاء بالوقوع فيه ثم المال لكثرة الوقوع في الظلم به أكثر من الدماء. قوله: (التقوى هاهنا) أي في القلب كما جاء التصريح به في مسلم والتقوى اتقاء عذاب الله بفعل أو أمره واجتناب نواهيه ومعنى كون التقوى في القلب أن محل سببها الذي هو خشية الله الحاملة عليها هو القلب لا حقيقتها الذي هو الاتقاء من العذاب. قوله: (بحسب امريء من الشر الخ) حسب بإسكان السين أي كما فيه من خلال الشر ورذائل الأخلاق وهو مبتدأ. وقوله:

باب بيان مهمات تتعلق بحد الغيبة

أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسلمِ" قال الترمذي: حديث حسن. قلت: ما أعظم نفع هذا الحديث وأكثر فوائده، وبالله التوفيق. باب بيان مهمات تتعلق بحدِّ الغيبة قد ذكرنا في الباب السابق أن الغيبة: ذِكْرُكَ الإنسان بما يكره، سواء ذَكَرْتَهُ بلفظك أو في كتابك، أو رمزتَ أو أشرتَ إليه بعينك، أو يَدِك أو رَأسِكَ. وضابطه: كلُّ ما أفهمت به غيرك نقصانَ مسلم فهو غيبة ـــــــــــــــــــــــــــــ (أن يحقر أخاه المسلم) خبره ويستوي في حسب الواحد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث لأنه مصدر قال بعضهم إذا كان ما بعده معرفة فرفعه على الخبرية والإضافة لفظية أو على الابتداء، وإن كان نكرة فرفعه على الابتداء فقط والإضافة معنوية ثم في هذه الجملة تفظيع لشأن الاحتقار وتعظيم له وذلك لأن الله عزّ وجلّ لم يحتقر الإنسان إذ خلقه في أحسن تقويم وخلق له ما في الأرض وسخر له ما في السموات وما في الأرض وسخر له الأنهار وسخر له الشمس والقمر دائبين وسخر له الليل والنهار وآتاه من كل ما سأله فمن حقر أخاه المسلم فقد حقر ما عظم الله وكفاه ذلك شراً، ومن احتقاره أن يسلم عليه فلا يرد عليه السلام. قوله: (حديث حسن) تقدم أنه جاء من حديث مسلم باختلاف يسير وحديث مسلم صحيح ولا يبعد أن يصير به حديث الباب صحيحاً وتكون صحته لغيره. قوله: (ما أعظم نفع هذا الحديث) أي حيث اشتمل على جميع ما يطلب فعله من الأفعال الجميلة، والأخلادق الجليلة، من التقوى ونصر المؤمن وإعانته وعلى ما يطلب تركه من الأخلاق الرذيلة من الكذب والخيانة، وترك نصر المؤمن والإعانة. باب بيان مهمات تتعلق بحد الغيبة قوله: (نقصان مسلم) ومثله كما علم مما تقدم الذمي ولذا عبر فيما يأتي آخر الباب بقوله: الضابط تفهيمك المخاطب تنقيص إنسان أي محترم وإلا فنحو الحربي لا

محرَّمة، ومن ذلك المحاكاة، بأن يمشي متعارجاً أو مطأطئاً أو على غير ذلك من الهيئات، مريداً حكايته هيئة من يتنقَّصه بذلك، فكل ذلك حرام بلا خلاف، ومن ذلك إذا ذَكَرَ مُصَنِّفُ كتابٍ شخصاً بعينه في كتابه قائلاً: قال فلان كذا مريداً تنقُّصه والشناعة عليه فهو حرام، فإن أراد بيان غَلَطِهِ لئلا يقلَّد، أو بيان ضعفه في العلم لئلا يغترَّ به ويقبل قوله، فهذا ليس غيبةً، بل نصيحةٌ واجبة يثاب عليها إذا أراد ذلك، وكذا إذا قال المصنف أو غيره: قال قوم أو جماعة كذا، أو هذا غلط أو خطأ أو جهالة ـــــــــــــــــــــــــــــ تحرم غيبته. قوله، (بأن يمشي متعارجاً الخ) قال الغزالي: هو أعظم الغيبة أي لأنه أبلغ في التصوير والتفهيم وأنكى للقلب. قوله: (ومن ذلك) أي ذكر الغير بما يكره (إذا ذكر مصنف كتاب الخ). قوله (قال فلان الخ) أي لكون ذلك القول من الغلط الذي يكره قائله نسبته إليه (فإن أراد بيان غلطه) أي الشخص القائل فالمصدر مضاف للفاعل أو القول فالإضافة بيانية ومحل كونه عند إرادة بيان نحو غلطه لا يكون غيبة إذا كان على وجه النصيحة كما يؤذن به قول المصنف بل نصيحة لا على وجه التنقيص والفضيحة وإلا فيحرم ولو ضم إليه قصد إرادة البيان. قوله: (أو ضعفه) أي ضعف القائل بدليل قوله: لئلا يغتر به ويقبل قوله. قوله: (فهذا ليس بغيبة) أي وإن تأذى به من ذكر عنه لأنه عند عدم قصده إيذاءه انتفى عنه إثمها بل وجب عليه ذلك بذلاً للنصيحة وحفظاً للشريعة فلذا كان مثاباً عليها عند إرادة ذلك. قوله: (وكذا) أي ليس بغيبة (إذا قال المصنف قال قوم الخ) محله ما لم يفهم منه المخاطب معيناً ولو بقرينة خفية ويقصد المتكلم تنقيصه وإلا فيحرم نظير ما يأتي في قول المصنف ومن الغيبة قول فعل بعض النّاس كذا إذا كان المخاطب يفهمه بعينه ويوميء إليه تعليل المصنف بقوله: إنما الغيبة ذكر إنسان بعينه أو جماعة معينين، وقد تقدم أن الذكر لا يشترط اأن يكون بصريح العبارة بل يكفي ما يقوم

وغفلة ونحو ذلك فليس غيبة، إنما الغيبة ذِكْرُ الإنسان بعينه أو جماعة معينين. ومن الغيبة المحرَّمة قولك: فعل كذا بعض النّاس، أو بعض الفقهاء، أو بعض من يدعي العلم، أو بعض المفتين، أو بعض من ينسب إلى الصلاح أو يدَّعي الزهدَ، أو بعض من مرَّ بنا اليوم، أو بعض من رأيناه، أو نحو ذلك إذا كان المخاطَب يفهمه بعينه لحصول التفهيم. ومن ذلك غِيبة المتفقِّهين والمتعبِّدين، فإنهم يعرِّضون بالغيبة تعريضاً يفهم به كما يفهم بالصريح، فيقال لأحدهم: كيف حال فلان؟ فيقول: الله يصلحنا، الله يغفر لنا، الله يصلحه، نسأل الله العافية، نحمد الله الذي لم يبتلنا بالدخول على الظَّلَمة، نعود بالله من الشرِّ، الله يعافينا من قِلَّةِ الحياء، الله يتوب علينا، وما أشبه ذلك مما يفهم ـــــــــــــــــــــــــــــ مقامها في الإفهام ولو من التعريض والرمز والإشارة. قوله: (فليس غيبة) أي فلا حرمة. قوله: (إذا كان المخاطب يفهمه) أي ولو بقرينة خفية، وإلا: أي بأن لم يعرفه المخاطب فلا يحرم كما في الإحياء وغيره قال في الزواجر فإن قلت ينافيه قولهم تحرم الغيبة بالقلب أيضاً فلا عبرة بفهم المخاطب قلت: الغيبة بالقلب هي أن تظن السوء وتصمم عليه بقلبك من غير أن تستند في ذلك إلى مسوغ شرعي فهذا هو الذي يتعين أن يكون مرادهم بالغيبة بالقلب وأما مجرد الحكاية عن مبهم لمخاطبك ولكنه معين عندك فليس فيه ذلك الاعتقاد بالقلب فافترقا ثم أيد ذلك بكلام للإحياء في الغيبة وإنها عقد القلب وحكمه على غيره بالسوء. قوله: (ومن ذلك غيبة المتفقهين الخ) في الزواجر من أخبث أنواع الغيبة غيبة من يفهم المقصود بطريقة الصالحين إظهاراً للتعفف عنها ولا يدري أنه بجهله جمع بين فاحشتي الريا والغيبة كما يقع لبعض المراءين أنه يذكر عنده إنسان فيقول: الحمد لله الذي ما ابتلانا بقلة الحياء الله يصلحنا وليس قصده بدعائه إلا أن يفهم عيب الغير اهـ. قوله: (فإنهم يعرضون الخ) ولا بد من قصد ذلك التعريض والتنقيص كما صرح به ابن حجر آنفاً.

منه تنقُّصه، فكل ذلك غِيبة محرَّمة، وكذلك إذا قال: فلان يبتلى بما ابتُلينا به كلُّنا، أو ما له حيلة في هذا، كلنا نفعله، وهذه أمثلة، وإلا فضابط الغيبة: تفهيمك المخاطب نفص إنسان كما سبق، وكلُّ هذا معلوم من مقتضى الحديث الذي ذكرناه في الباب الذي قبل هذا عن "صحيح مسلم" وغيره في حد الغيبة، والله أعلم. فصل: اعلم أن الغيبة كما يحرم على المغتاب ذِكرُها، يحرم على السامع استماعها وإقرارها، فيجب على من سمع إنساناً يبتدئ بغيبة محرَّمة أن ينهاه إن لم يخف ضرراً ظاهراً، فإن خافه وجب عليه الإنكار بقلبه ومفارقة ذلك المجلس إن تمكَّن من مفارقته، فإن قدَر على الإنكار بلسانه، أو على قطع الغيبة بكلام آخر، لزمه ذلك، إن لم يفعل عصى، فإن قال بلسانه: اسكت وهو يشتهي بقلبه استمراره، فقال أبو حامد الغزالي: ذلك نفاق لا يخرِجه عن الإثم، ولا بدَّ من كراهته بقلبه، ومتى اضطر إلى المقام في ذلك المجلس الذي فيه الغيبة، وعجز عن الإنكار، أو أنكر فلم يقبل منه ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (في حد الغيبة) وفي نسخة في حديث الغيبة أي الذي فيه حدها. فصل قوله: (يحرم على السامع استماعها) جعله في الزواجر من إفرادها حيث قال: أخبث أنواع الغيبة: الإصغاء للمغتاب على جهة التعجب ليزداد نشاطه واسترساله في الغيبة وما درى الجاهل أن التصديق بالغيبة غيبة بل الساكت عليها شريك المغتاب كما في خبر المستمع أحد المغتابين فلا يخرج عن الشركة إلا أن أنكر ولو بأن يخوض في كلام آخر فإن عجز فبقلبه اهـ، وكأنه أدخله تحت الذكر وأراد به ما يشمل الذكر بالقوة فإنه لما تسبب لها بإصغائه صار كأنه قالها. قوله: (أو قطع الغيبة بكلام آخر)

ولم يمكنه المفارقة بطريق حرم عليه الاستماع والإصغاء للغيبة، بل طريقه أن يذكر الله تعالى بلسانه وقلبه، أو بقلبه، أو يفكر في أمر آخر ليشتغل عن استماعها، ولا يضرُّ بعد ذلك السماع من غير استماع وإصغاء في هذه الحالة المذكورة، فإن تمكَّن بعد ذلك من المفارقة وهم مستمرُّون في الغيبة ونحوها، وجب عليه المفارقة، قال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي يشغل المغتاب عن الغيبة فينتفي المحرم فهي قائمة مقام الإنكار عند عدم القدرة عليه كما يشعر به عبارة المصنف هنا وكلام الزواجر يقتضي أنه من أنواع الإنكار وإنه يكتفي به مع القدرة على صريح الإنكار باللسان وكلام المصنف أقعد لأن في الإنكار إعلاماً بأنها من المنكر الذي يتعين إنكاره على من يقدر عليه بخلاف قطعها بالخوض في كلام آخر فإنه محتمل لذلك ولغيره والله أعلم. قوله: (الاستماع) أي قصد سماعها لإسماعها أي وصولها لسمعه من غير توجه. قوله: (ليشتغل عن استماعها) أي فإن القلب ليس له إلا وجهة واحدة فإذا اشتغل بأمر منعه اشتغاله به من غيره قال تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ}. قوله: (وإصغاء) في مفردات الراغب أصغيت إلى فلان ملت بسمعي نحوه اهـ، فالعطف للتفسير والبيان. قوله: (فإن تمكن بعد ذلك) أي ما ذكر من الأعراض والتفكر في أمر آخر، وتمكنه منها بأن زال من المجلس من كان يخشى منه لو فارق المجلس بحضوره. قوله: (قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ}) هذا خطاب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويدخل فيه المؤمنون لأن علة النهي وهو سماع الخوض في آيات الله تشمله وإياهم ورأيت هنا بصرية ولذا تعدت إلى واحد ولا بد من تقدير حال محذوفة أي وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا وهم خائضون فيها والخوض أصله في الماء شبه تنقلهم في آيات الله بالخوض في الماء، وتنقلهم قولهم في الآيات هذا سحر هذا افتراء هذا أساطير الأولين. قوله: (فأعرض عنهم) أمر له عليه الصلاة والسلام بالإعراض

وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68]. وروينا عن إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه أنه دعي إلى وليمة، فحضر، فذكروا رجلاً لم يأتهم، فقالوا: إنه ثقيل، فقال إبراهيم: أنا فعلت هذا بنفسي حيث حضرت موضعاً يُغتاب فيه النّاس، فخرج ولم يأكل ثلاثة أيام. ومما أنشدوه في هذا ـــــــــــــــــــــــــــــ عنهم وهو تركهم أي ترك الجلوس معهم، يبينه قوله تعالى وقد نزل عليكم الآية وفيها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره. قوله: (وإما ينسينك الشيطان) أي بشغله لك عن النهي عن مجالستهم. قوله: (فلا تقعد) أي معهم (بعد الذكرى) أي بعد ذكرك النهي أي تذكرك وما أحسن مجيء الشرط الأول بإذا التي للمحقق لأن كونهم يخوضون في الآيات محقق ومجيء الشرط الثاني بأن لأن أن لغير المحقق وجاء (مع القوم الظالمين) تنبيهاً على علة الخوض في الآيات والطعن فيها وإن سبب ذلك ظلمهم وهو مجاوزة الحد وما زائدة بعد إن الشرطية والفعل وفي لحقته النون الشديدة وكثر ذلك في القرآن ويجوز في غير القرآن حذف ما ونون التوكيد وحذف أيهما شئت فتقول: إما تقم أقم وإن تقومن أقم نص على ذلك سيبويه كذا في النهر لأبي حيان وبه يعلم ما في قول البيضاوي في قوله تعالى: {فإِمَّا تَرَيِنَّ}: ما مزيدة للتأكيد ولذا أكد بالنون. قوله: (وروينا عن إبراهيم بن أدهم) البلخي الولي الجليل من شيوخ الطائفة الجليلة الصوفية ومن رجال الرسالة القشيرية والقصة ذكرها في الرسالة فقال: وقيل دعي إبراهيم إلى وليمة الخ، قال شيخ الإسلام في شرح الرسالة: فيه دلالة على أن من حضر الغيبة ورضي بها كان شريكاً فيها ولما فرط إبراهيم في الحضور مع من لا يحترز منها أدب نفسه بالجوع ثلاثة أيام مقابلة للشيء بضده أي لأنه لما حضر ذلك المجلس لشهوة الطعام هذا مع أنه لم يرض الغيبة بل أنكرها بحسب قدرته وقام ولم يأكل اهـ. قو له: (ومما أنشدوه في هذا المعنى) قال في التمهيد أحسن محمود في قوله: تحر من الطرق أوساطها ... وعد من الموضع المشتبه وسمعك صن عن سماع القبيح الخ قال: وهذا مأخوذ من

باب بيان ما يدفع به الغيبة عن نفسه

المعنى: وسَمْعَك صُنْ عن سماع القبيح ... كَصَوْنِ اللسان عن النُّطْقِ به فإنك عند سماع القبيح ... شريكٌ لقائله فانتبه باب بيان ما يدفع به الغيبة عن نفسه اعلم أن هذا الباب له أدلة كثيرة في الكتاب والسُّنَّة، ولكني أقتصر ـــــــــــــــــــــــــــــ كلام كعب بن زهير: فالسامع الذم شريك له ... ومعظم المأكول كالآكل باب بيان ما يدفع به الغيبة عن نفسه أي العلاج الذي تندفع به نفسه عن اغتياب الغير قال في الزواجر يتعين معرفة علاج الغيبة، وهو إما إجمالي بأن تعلم أنك قد تعرضت بها لسخط الله تعالى وعقوبته كما دلت عليه الآيات والأخبار أيضاً فهي تحبط حسناتك لما في خبر مسلم في المفلس من أنه تؤخذ حسناته إلى أن تفنى فإن بقي عليك شيء وقع عليك من سيئات خصمك ومعلوم إن من زادت حسناته كان من أهل الجمعة أو سيئاته كان من أهل النار فإن استويا فمن أهل الأعراف فاحذر أن تكون الغيبة سبباً لفناء حسناتك وزيادة سيئاتك فتكون من أهل النار على أنه روى ما النار في اليبس بأسرع من الغيبة في حسنات العبد ومن آمن بتلك الأخبار فطم نفسه عن الغيبة فطماً كلياً خوفاً من عقابها المترتب عليها في الأخبار، ومما ينفعك أيضاً أنك تتدبر في عيوب نفسك وتجتهد في الطهارة منها لتدخل تحت ما روى عنه من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب النّاس ويستحي من دم غيره بما هو متلبس به أو بنظيره" فإن كان أمراً خلقياً فالذم له ذم للخالق إذ من ذم صنعة ذم صانعها قال رجل لحكيم: يا قبيح الوجه قال: ما كان خلق وجهي إلي فأحسنه فإن لم تجد عيباً فأشكر الله إذ تفضل عليك بالنزاهة عن العيوب فلا تسم نفسك بأعظمها، وينفعك أيضاً أن تعلم أن تأذى غيرك بالغيبة كتأذيك بها فكيف ترضى تؤذي غيرك بما تتأذى به، وإما تفصيلي بأن تنظر في باعثها فتقطعه من أصله إذ علاج العلة إنما يكون بقطع سببها كأن تستحضر في الغضب أحد أسبابها أنك إذا أمضيت غضبك فيه بغيبته أمضى الله غضبه

منه على الإشارة إلى أحرف، فمن كان موفقاً انزجر بها، ومن لم يكن كذلك فلا ينزجر بمجلدات. وعمدة الباب أن يعرِض على نفسه ما ذكرناه من النصوص في تحريم الغيبة، ثم يفكر في قول الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]، وقوله تعالى: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15]. وما ذكرناه من الحديث الصحيح "إنّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ الله تَعالى ما يُلْقِيَ لَها بالاً يَهْوِي بِهَا في جَهَنَّمَ" وغير ذلك مما قدمناه في "باب حفظ اللسان" و"باب الغيبة"، ويضمّ إلى ذلك ـــــــــــــــــــــــــــــ فيك لاستخفافك بنهجه وجرأتك على وعيده وفي الحديث إن في جهنم باباً لا يدخله إلا من شفى غيظه بمعصية الله تعالى، وفي الموافقة أنك إذا أرضيت المخاليق بغضب الله عاجلك بعقوبته إذ لا أغير من الله، وفي الحسد أنك جمعت بين خسارتي الدنيا بحسدك له على نعمته وكونك معذباً بالجسد والآخرة لأنك نصرته بإهداء حسناتك إليه أو طرح سيئاته عليك فصرت صديقه وعدو نفسك فجمعت إلى خبث حسدك جهل حماقتك، وفي الاستهزاء أنك إذا أخزيت غيرك عند النّاس فقد أخزيت نفسك عند الله وشتان ما بينهما اهـ. قوله: (فمن كان موفقاً) بأن أراد الله به الخير في المال (انزجر) لحلول باعث الانزجار في قلبه بمشيئة الله ومعونته قال تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ}. قوله: (ومن لم يكن كذلك) أي موفقاً (فلا ينزجر) وإن أوضحت له الزواجر واتضحت عنده الآيات والدلائل قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} وقال الأستاذ أبو الحسن الشاذلي العلوم في الصدور كالدراهم في الأيدي إن شاء نفعك بها وإن شاء منعك نفعها وقال الشاعر: لا تنتهي الأنفس عن غيها ... ما لم يكن منها لها زاجر قوله: (من النصوص) أي القرآن والسنة سواء كان نصاً فيها نحو ولا يغتب بعضكم بعض ونحوه أو بطريق العموم لها نحو ما يلفظ من قول: إلا لديه رقيب عتيد وقد تقدم الكلام على ما يتعلق بالآية في أول كتاب حفظ اللسان. قوله: (وتحسبونه هيناً) أي ذنباً صغيراً (وهو عند الله عظيم) أي من الكبائر. قوله: (ويضم إلى ذلك)

ذلك قولهم: الله معي، الله شاهدي، الله ناظر إلي. وعن الحسن البصري رحمه الله أن رجلاً قال له: إنك تغتابني، فقال: ما بلغ قدرُك عندي أن أحكِّمْك في حسناتي. وروينا عن ابن المبارك رحمه الله قال: لو كنت مغتاباً أحداً لاغتبت والديَّ لأنهما أحق بحسناتي. ـــــــــــــــــــــــــــــ أي النصوص المحرمة للغيبة من الكتاب والسنة إما بالخصوص لها أو بالعموم لها ولغيرها. قوله: (قولهم الله معي الخ) في ترجمة سهل بن عبد الله التستري من الرسالة القشيرية بسنده إلى سهل قال: قال لي خالي محمد بن سواد يوماً وكان عمري إذ ذاك ثلاث سنين ألا تذكر الله الذي خلقك فقلت: كيف أذكره قال: قل بقلبك عند تقلبك في ثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرك لسانك: الله معي الله ناظر إلي الله شاهدي فقلت ذلك ليالي ثم أعلمته قال: قل في كل ليلة سبع مرات فقلت ذلك ثم أعلمته قال: قل في كل ليلة إحدى عشرة مرة فقلت فوقع في قلبي حلاوة فلما كان بعد سنة قال لي خالي: احفظ ما علمتك ودم عليه إلى أن تدخل القبر فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة فلم أزل على ذلك سنين فوجدت لها حلاوة في سري ثم قال لي خالي يوماً أي منبهاً على فائدة تلك الكلمات وترقياً من المبني إلى المعنى يا سهل من كان الله معه وهو ناظر إليه وشاهده أيعصيه -أي وجوابه لا فإن من استشعر من الله ذلك لم يعصه- إياك والمعصية وساق بقية القصة فقوله: إياك والمعصية وتنبيهه على سبب تركها والمعصية شاملة لأنواع العصيان باللسان أو الجنان أو الأركان. قوله: (وعن الحسن البصري الخ) فيه تنبيه على أن الغيبة لا تصدر من كاملي العقول لما فيها من تحكيم الخصم في حسنات الإنسان وفي الرسالة قيل للحسن البصري إن فلاناً اغتابك فبعث إليه طبق حلوى وقال: بلغني أنك أهديت إلي حسناتك فكافأتك قال الشيخ زكريا هذا من أحسن التأديب والإرشاد إلى ترك الغيبة فإنه نبهه بذلك على أنه أهدى إليه أحسن ما عنده مما ينفع في الآخرة فكافأه على ذلك من طيبات الدنيا وهي الحلوى. قوله: (وروينا عن ابن المبارك الخ) وإنما كان والده أحق بحسناته لانتفاعهما به وفيه الزجر عن الغيبة وأنها تضر في الدنيا والآخرة وتحكم المغتاب في حسنات من اغتابه.

باب بيان ما يباح من الغيبة

بِسمِ اللهِ الرّحَمَنِ الرّحَيمِ باب بيان ما يباح من الغيبة اعلم أن الغيبة وإن كانت محرَّمة فإنها تباح في أحوال للمصلحة. والمجوِّز لها غرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول إليه إلا بها، وهو أحد ستة أسباب. الأول: التظلُّم، فيجوز للمظلوم أن يتظلَّم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ـــــــــــــــــــــــــــــ باب بيان ما يباح من الغيبة قوله: (فإنها تباح الخ) في الزواجر قد تجب وسيأتي منه قول المصنف في جرح الرواة وذلك جائز بل واجب وقوله في المستشير وجب عليك أن تذكر له الخ. قوله: (والمجوز لها غرض صحيح الخ) ثم إن كان ذلك الغرض واجباً وجبت أو مباحاً أبيحت فللوسائل حكم المقاصد. قوله: (وهو أحد ستة أسباب) وقد نظمها الشيخ ظهير الدين محمد بن ظهير خطيب حماه فقال: لم تستبح غيبة في حالة أبداً ... إلا لستة أحوال كما سترى استفت عرف تظلم حذر استعنا ... على إزالة ظلم واحك ما ظهرا وقد بسط المسائل التي تباح فيها الغيبة ابن العماد الأقفهسي وأوصلها إلى سبعة عبر موضعاً ونظمها فقال: وما عليك إذا ما غبت منتدباً ... لقول رشد ونصح المستشير ولا أن تذكر العالم المخطي لصاحبه ... أو تستغيث على ذي ذلة عدلا أو تذكر اسماً قبيحاً عند سامعه ... كي يستبين به مقصود ما جهلاً كأسود قاله أو أعور مثلاً ... أو أعمش مخبر أو أعرج نقلا

ولاية أو له قدرة على إنصافه من ظالمه، فيذكر أن فلاناً ظلمني، وفعل بي كذا، وأخذ لي كذا، ونحو ذلك. الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر وردِّ العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا فازجره عنه، ونحو ذلك، ويكون مقصوده التوصل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حراماً. الثالث: الاستفتاء، بأن يقول للمفتي: ظلمني أبي، أو أخي، أو فلان بكذا، فهل له ذلك، أم لا؟ وما طريقي في الخلاص منه وتحصيل حقي ودفع الظلم عني؟ ونحو ذلك. وكذلك قوله: زوجتي ـــــــــــــــــــــــــــــ أو عضة العرض في جرح التي سقطت ... كذلك القدح في الفتوى قد احتملا كذاك في ذكر من يشكو ظلامته ... إلى القضاة أو الوالي إذا عدلا ومظهر البدعة اذكره لمنكرها ... ومخفي البدعة اذكره لمن جهلا ومظهر الفسق للإعجاب منتدبا ... من عرضه ما جرى في لفظه سهلا وحجة الدين في الإحياء قد حظلا ... لذاك من عالم فاحذر وطب عملا مساوي الخصم إن تذكر لحاكمه ... حين السؤال أو الدعوى فلا تهلا وغيبة الكافر العربي قد سهلت ... وعكسها غيبة الذمي قد عقلاً وتارك الدين لا فرض الصلاة ولا ... جناح فيه إذا ما اغتبت لا خللا قوله: (وله قدرة على إنصافه) أي ولو بان يظن ذلك. قوله: (فيذكر أن فلانا ظلمني) أي ويكون مقصوده رفع ظلامته وإلا كان مغتاباً أخذاً مما ذكره المصنف فيما بعده وظاهر جريانه فيه واعتبار القصد في جميع ما يأتي بأن لا يقصد تنقيص المغتاب إلا في المجاهر بفسقه. قوله: (فإن لم يقصد ذلك كان حراماً) ولم يكن ذلك المغتاب مجاهراً بفسقه لما يأتي فيه. قوله: (ظلمنى أبي) أي وكان المخاطب يعرفه حتى يكون من الغيبة المحرمة لولا حاجة نحو الاستفتاء أما إذا لم يكن المخاطب يعرفه فتقدم أنه لا يحرم مطلقاً فلا حاجة

تفعل معي كذا، أو زوجي يفعل كذا، ونحو ذلك، فهذا جائز للحاجة، ولكن الأحوط أن يقول: ما تقول في رجل كان من أمره كذا، أو في زوج أو زوجة تفعل كذا، ونحو ذلك، فإنه يحصل به الغرض من غير تعيين، ومع ذلك فالتعيين جائز، لحديث هند الذي سنذكره إن شاء الله تعالى، وقولها: "يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح ... " الحديث، ولم ينهها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. الرابع: تحذير المسلمين من الشرِّ ونصيحتهم، وذلك من وجوه: منها جرح المجروحين من الرواة للحديث والشهود، وذلك جائز بإجماع المسلمين، بل واجب للحاجة. ومنها إذا استشارك إنسان في مصاهرته، أو مشاركته، أو إيداعه، أو الإيداع عنده، أو معاملته بغير ذلك، وجب عليك أن تذكر له ما تعلمه منه على جهة النصيحة، فإن حصل الغرض بمجرد قولك: لا تصلح لك معاملته، أو مصاهرته، أو لا تفعل هذا، أو نحو ـــــــــــــــــــــــــــــ لاستثنائه والله أعلم. قوله: (ولكن الأحوط أن يقول الخ) أي أن يبهمه وهذا هو الأفضل لحصول المقصود من السؤال معه. قوله: (ومع ذلك) أي حصول الغرض مع الإبهام (فالتعيين جائز) وإنما التصريح باسمه لأن المفتي قد يدرك مع تعيينه معنى لا يدركه مع إبهامه فكان في التعيين مصلحة. قوله: (ولم ينهها) فدل تقريره -صلى الله عليه وسلم- على الجواز إذ لا يقر على محرم والمعنى في الجواز ما ذكرناه من أن المفتي قد يدرك مع التعيين معنى لا يدركه مع إبهام المسؤول عنه. قوله: (كجرح الرواة والشهود) ومثله جرح المصنفين والمتصدين لإفتاء أو إقراء مع عدم أهلية أو نحو فسق أو بدعة وهم دعاة إليها ولو سرى فيجوز إجماعاً بل يجب ذكر ذلك دفعاً للضرر. قوله: (وجب عليك أن تذكر ما تعلمه) أي مما فيه من كل قبيح مضر كفسق أو بدعة أو طمع أو غير ذلك كفقر في الزوج لما يأتي في حديث وأما معاوية فصعلوك لا مال له والمراد من ذكر ما يعلمه الإشارة بقضيته لا التصريح بذكره لقوله فإن حصل الغرض بمجرد

ذلك، لم تجزئه الزيادة بذكر المساويء وإن لم يحصل الغرض إلا بالتصريح بعينه فاذكره بصريحه. ومنها إذا رأيت من يشتري عبداً يعرف بالسرقة أو الزنى أو الشرب أو غيرهما، فعليك أن تبيِّن ذلك للمشتري إن لم يكن عالماً به، ولا يختص بذلك، بل كل من علم بالسلعة المبيعة عيباً وجب عليه بيانه للمشتري إذا لم يعلمه. ومنها إذا رأيت متفقِّهاً يتردد إلى مبتدع أو فاسق يأخذ عنه العلم وخفت أن يتضرَّر المتفقه بذلك، فعليك نصيحته ببيان حاله، ويشترط أن يقصد النصيحة، وهذا مما يُغلَط فيه، وقد يحمل المتكلِّمَ بذلك الحسدُ، أو يلبِّس الشيطان عليه ذلك ويخيل إليه أنه نصيحة وشفقة، فليُتفطن لذلك. ومنها أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها، إما بأن لا يكون صالحاً لها، وإما بأن يكون فاسقاً أو مغفَّلاً ونحو ذلك، فيجب ذِكْرُ ذلك لمن له عليه ولاية عامة ليزيله ويولِّيَ مَن يصلح أو يعلم ذلك منه ليعامله بمقتضى حاله ولا يغترَّ به، وأن يسعى في أن ـــــــــــــــــــــــــــــ قولك لا تصلح لك معاملته الخ. قوله: (وإن لم يحصل الغرض إلا بذكر عيبه فاذكره بصريحه) أي إن علم إفادة الذكر وإلا أمسك وعلى الأول فإن حصل الغرض بذكر عيب واحد من عيوبه فلا تزد عليه أو عيبين اقتصر عليهما لأن ذلك كإباحة الميتة للمضطر بقدر الحاجة والضرورة قال البارزي ولو استشير في أمر نفسه للنكاح فإن كان فيه ما يثبت الخيار ذكره للزوجة وإن كان فيه ما يقل الرغبة عنه ولا يثبت الخيار كسوء الخلق والشح استحبَّ ذكره وإن كان فيه شيء من المعاصي وجب عليه التوبة في الحال وستر نفسه أو يقول لست أهلاً للولاية اهـ. قال الشيخ زكريا ووجوب التفصيل بعيد والأوجه دفع ذلك بنحو قوله أنا لا أصلح لكم وفي التحفة لابن حجر فإن رضوا به مع ذلك فواضح وإلا لزمه الترك أو الإخبار بما فيه من كل مذموم شرعاً أو عرفاً نظير من استشير في غيره ويجب ذكر ما ذكر

يحثه على الاستقامة أو يستبدل به. الخامس: أن يكون مجاهراً بفسقه أو بدعته، والمجاهر بشرب الخمر، ومصادرة النّاس، وأخذ المَكْس، وجباية الأموال ظلماً، وتولِّي الأمور الباطلة، فيجوز ذِكْره بما يجاهر به، ويحرم ذِكْره بغيره من العيوب، إلا أن يكون لجوازه سبب آخر مما ذكرناه. السادس: التعريف، فإذا كان الإنسان معروفاً بلقب: كالأعمش، والأعرج، والأصم، والأعمى، والأحول، ـــــــــــــــــــــــــــــ على هذا الترتيب وإن لم يستشر كما هو قياس من علم بمبيعه عيباً لزمه ذكره مطلقاً انتهى ملخصاً. قوله: (أن يكون مجاهراً بفسقه أو بدعته) أي بأن لم يبال بما يقال فيه من جهة ذلك الذي جاهر به لخلعه جلباب الحياء فلم يبق له حرمة. قوله: (وأخذ المكس) قال المصنف في التهذيب مكس الظلمة ما ينقصونه من أموال النّاس ويأخذونه منهم. قوله: (وجباية الأموال ظلماً) أي جمعها حال كونها مأخوذة على وجه الظلم من مصادرة أو مكس أو نحو ذلك. قوله: (فيجوز ذكره بما يجاهر به) وفي التحفة لابن حجر ينبغي أن يكون مجاهرته بصغيرة كذلك فيذكر بها فقط. قوله: (إلا أن يكون لجوازه) أي جواز ذكر غير ما جاهر به سبب آخر من استفتاء أو تعريف أو نحوه قال الأذرعي في أذكار النووي مما يباح من الغيبة أن يكون مجاهراً بفسقه الخ وهو تابع في ذلك للغزالي وفي الجواز لا لغرض شرعي نظر وإطلاق كثيرين يأباه اهـ. وفي الخادم للزركشي وجدت بخط الإِمام تقي الدين بن دقيق العيد أنه روى بسنده إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال ما كرهت أن تواجه به أخاك فهو غيبة وخصها القفال في فتاويه بالصفات التي لا تذم شرعاً بخلاف نحو الزنى فيجوز ذكره لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "اذكروا الفاسق" بما فيه يحذره النّاس غير أن المستحب الستر حيث لا غرض وإلا كتجريحه أو إخبار مخالطة فيلزمه بيانه اهـ. وما ذكره من أن الجواز في الأول لغرض شرعي ضعيف لا يوافق عليه والحديث المذكور ضعيف وقال أحمد فنكر وقال البيهقي ليس بشيء فإن صح حمل على فاجر يعلن بفجوره أو يأتي بشهادة أو يعتمد عليه فيحتاج إلى بيان حاله لئلا يقع الاعتماد عليه اهـ. وهذا الذي حمله عليه

والأفطس، وغيرهم، جاز تعريفه بذلك بنية التعريف، ويحرم إطلاقه على جهة التنقص ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى. فهذه ستة أسباب ذكرها العلماء مما تباح بها الغيبة على ما ذكرناه. وممن نص عليها هكذا الإِمام أبو حامد الغزالي في "الإحياء" وآخرون من العلماء، ودلائلها ظاهرة من الأحاديث الصحيحة المشهورة، وأكثر هذه الأسباب مجمع على جواز الغيبة بها. روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن عائشة رضي الله عنها ـــــــــــــــــــــــــــــ البيهقي متعين ونقل عن شيخه الحاكم أنه غير صحيح وأورده ليس للفاسق غيبة ويقضى عليه عموم خبر مسلم الذي فيه حد الغيبة بأنها ذكرك أخاك بما يكره وقد أجمعت الأمة على أنه ذكره بما يكره وهذا كله يرد ما قاله القفال انتهى كلام الخادم وأخذ ما يتعلق بما مر عن القفال من قول شيخه الأذرعي وما ذكره القفال لا لغرض ضعيف بمرة والحديث المذكور غير معروف ولو صح لتعين حمله على حالة الحاجة وفي التوسط للأذرعي الحديث المذكور في كلام القفال لا أصل له يرجع إليه اهـ. قوله: (بنية التعريف) ويحرم إطلاقه على جهة التنقيص، في التحفة لابن حجر يظهر في حالة الإطلاق أنه لا حرمة. قوله: (ولو أمكن التعريف الخ) وإنما جاز التعريف بما يكرهه مع حصول التعريف بغيره لأن ذلك لكونه أشهر أنص على المقصود وهو من جملة الأغراض التي يعني بها الإنسان. قوله: (فهذه ستة أسباب مما تباح به الغيبة) وقد يقال ظاهر أنه بقي أسباب أخر لإباحتها وهو غير مراد ففي الزواجر ينحصر أي الغرض المبيح للغيبة في ستة أسباب ويجاب بأن من فيه بيانية أي هذه الستة الأسباب الشيء الذي تباح به الغيبة. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) وأخرجه مالك الموطأ من جملة بلاغاته به وقال بئس العشيرة أو بئس رجل العشيرة وفي رواية أخرى فقال بئس أخو العشيرة وروي الحديث أبو داود والترمذي في الشمائل وابن السني قال ابن عبد البر في التمهيد روى الحديث عن عائشة من وجوه صحاح من حديث عبد الله بن دينار عن عروة عن عائشة ومن حديث مجاهد عن عائشة

أن رجلاً استأذن على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ائْذَنوا لَهُ بِئْسَ أخُو العَشيرَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن حديث ابن المنكدر عن عروة عن عائشة وهو حديث مجمع على صحته وأصح أسانيده محمد بن المنكدر عن عروة عن عائشة. قوله: (أن رجلاً استأذن الخ) قال ابن عبد البر يقال هذا الرجل عيينة بن حصن وقال المصنف في المبهمات قال الخطيب يقال إنه مخرمة بن نوفل بن عبد مناف القرشي وقيل عيينة بن حصن بن بدر الفزاري اهـ. وفي شرح مسلم له قال القاضي عياض هذ الرجل عيينة بن حصن وفي بعض شروح الشمائل هو عيينة بن حصن الفزاري الذي يقال له الأحمق المطاع وجاء في بعض الروايات التصريح عن عائشة بأنه خزيمة بن نوفل فإن كانت الواقعة تعددت فظاهر وإلا فالذي عليه المعول هو الأول لصحة روايته، وأما خبر تسميته خزيمة ففيه أبو يزيد المدني وفيه كلام وأبو عامر صالح بن رستم الجزار ضعفه ابن معين وأبو حاتم ولذا قال الخطيب وعياض وغيرهما الصحيح أنه عيينة قالوا ويبعد أن يقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في حق خزيمة ما قال لأنه كان من خيار الصحابة. قوله: (بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة) شك من محمد بن المنكدر أحد رواته ففي التمهيد قال الحميدي قال سفيان قلت لمحمد بن المنكدر وأنت لمثل هذا تشك في هذا الحديث قال أبو عمر يعني قوله بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة اهـ. أي بئس الرجل هو من قوله، قال القاضي عياض: لم يكن أسلم عيينة وإن كان قد أظهر الإسلام فأراد -صلى الله عليه وسلم - أن يبين حاله لتعرفه النّاس ولا يغتر به من لا يعرف حاله قال وكان منه في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعد موته ما دل على ضعيف إيمانه وارتد مع المرتدين وجيء به أسيراً إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه قلت قال بعض شراح الشمائل لما جيء به إلى أبي بكر رضي الله عنه أسيراً كان الصبيان يصيحون به في أزقة المدينة هذا الذي خرج من الدين فيقول عمكم لم يدخل حتى خرج اهـ. فوصف النبي -صلى الله عليه وسلم- لعيينة بأنه الخ من أعلام النبوة لأن ظهر كما وصف اهـ. وليس هذا منه -صلى الله عليه وسلم- ككل ما يصف له أحد من أمته غيبة بل هو من النصيحة والشفقة على الأمة ليعرفوا حال المقول عنه والعشيرة القبيلة وإضافة الابن والأخ إليها كإضافة

احتج به البخاري على جواز غيبة أهل الفساد وأهل الرِّيب. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قِسْمَةً، فقال رجل من الأنصار: والله ما أراد محمد بهذا وجه الله تعالى، فأتيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرتُه، فتغير وجهه وقال: "رَحِمَ اللهُ مُوسَى لَقَدْ أوذِيَ بأكثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ" وفي بعض رواياته: "قال ابن مسعود: فقلت: لا أرفع إليه بعد هذا حديثاً". قلت: احتجّ به البخاري في إخبار الرجل أخاه بما يقال فيه. وروينا في ـــــــــــــــــــــــــــــ الأخ إلى العرب في يا أخا العرب لواحد منهم. قوله: (احتج به البخاري الخ) فإنه ترجم بذلك وأورد الحديث المذكور فيه (والريب) جمع ريبة قال الشيخ زكريا هي النميمة. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) وأخرجه أبو داود والترمذي بنحوه من جملة حديث وفيه قال عبد الله فأتى -صلى الله عليه وسلم- بمال فقسمه فانتهيت إلى رجلين جالسين وهما يقولان والله ما أراد محمد بقسمته التي قسمها وجه الله ولا الدار الآخرة فثبت حتى سمعتها فأتيت فأخبرت النبي -صلى الله عليه وسلم- فاحمر وجهه وقال دعني عنك فقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر وتقدم الكلام على ما يتعلق بالحديث في باب الإعراض عن الجاهلين. قوله: (قسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قسمة) أي وهي غنائم حنين. قوله (وفي بعض رواياته) هي للصحيحين كما في جامع الأصول. قوله: (لا أرفع إليه بعدها) أي بعد هذه المرة (حديثاً) في مثل هذا المعنى أي لأنه رأى كمال تغيره -صلى الله عليه وسلم- عند سماع ذلك ثم عفوه فلم ير لقوله ثمرة إلا إيصال سبب التغير إليه -صلى الله عليه وسلم-. قوله: (قلت احتج به البخاري الخ) فإنه ترجم فيه بذلك والمراد جواز الإخبار بذلك إذا كان على جهة النصيحة ووجه الاستدلال عدم إنكاره -صلى الله عليه وسلم- ذلك ولو كان يحرم لما سكت عليه ومن هذا القبيل قول الرجل كما أخبر عنه عزّ وجلّ {يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ}. قوله: (وروينا في

"صحيح البخاري" عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَا أَظُن فُلاناً وَفُلاناً يَعْرِفانِ من دِينِنا شَيئاً" قال الليث بن سعد أحد الرواة: كانا رجلين من المنافقين. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: "خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر، فأصاب الناسَ فيه شدَّةً، فقال عبد الله بن أُبيّ: لا تنفقوا على من عند رسول الله ـــــــــــــــــــــــــــــ صحيح البخاري) أورده في باب ما يكون من الظن أي ما يجوز منه كظن السوء بالفجرة قال الشيخ زكريا. وقوله: (ما أظن الخ) النفي فيه نفي لظن الخير الصادق بظن السوء وبعدم الظن أصلاً فيجامع إثبات ظن السوء في الترجمة اهـ. قوله: (قال الليث الخ) رواه عنه البخاري في الباب المذكور. قوله: (عن زيد بن ارقم) هو أبو عمرو وقيل أبو عامر وقيل أبو سعد وقيل أبو سعيد وقيل أبو حمزة وقيل أبو أنيسة زيد بن أرقم بن زيد بن قيس بن نعمان بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج الأنصاري المدنى غزا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- سبع عشرة غزوة استصغره يوم أحد وكان يتيماً في حجر عبد الله بن رواحة وسار معه في غزوة مؤتة روى له عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبعون حديث اتفقا منها على أربعة وانفرد البخاري بحديثين ومسلم بستة روى عنه أنس بن مالك وابن عباس وخلق من التابعين نزل الكوفة وتوفي بها سنة ست وخمسين وقال ابن سعد وآخرون سنة ثمان وخمسين كذا في التهذيب للمصنف. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) ورواه الترمذي وهذا من باب إخبار الشخص بما قيل عنه على وجه النصيحة. قوله: (خرجنا في سفر) يحتمل أن يكون سفرهم في تبوك. قوله: (فقال عبد الله بن أبي) هو

-صلى الله عليه وسلم- حتى ينفضوا من حوله، وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنَّ الأعزُّ منها الأذل، فأتيتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبرتُه بذلك، فأرسل إلى عبد الله بن أُبي ... وذكر الحديث. وأنزل الله تعالى تصديقه: ({إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} [المنافقون: 1]. وفي الصحيح حديث هند امرأة ـــــــــــــــــــــــــــــ المنافق. قوله: (وأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته) وفي رواية للبخاري فذكرت ذلك لعمي فذكر عمي للنبي -صلى الله عليه وسلم- فدعاني فحدثته وفي رواية للطبراني فذكرت ذلك لسعد بن عبادة قال ابن النحوي في شرح البخاري ولا منافاة بين ذلك فقد يخبر عمه أو غيره ثم يسأله النبي -صلى الله عليه وسلم- فيخبره ويجوز أن تقول أخبرته إذا أوصلت الخبر إليه، وعمه هو ثابت بن زيد بن قيس بن زيد أخو أرقم بن زيد كما نبه عليه الدمياطي ويحتمل أن يريد به سعد بن عبادة لأنه شيخ من شيوخ قبيلة الخزرج ويحتمل أنه أراد عمه زوج أمه ابن رواحة وفعل عبد الله بن أبي ما فعل غيرة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال محمد بن يوسف بلغني أن ابنه وقف فقال والله لا تمر حتى تقول إنك الأذل ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأعز فلم يمر حتى قالها. قوله: (وذكر الحديث) تمامه فأرسل إلى عبد الله بن أبي فسأله فاجتهد يمينه ما فعل فقالوا كذب زيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوقع في نفسي مما قالوا شدة حتى أنزل الله تصديقي. قوله: (وفي الصحيح) أخرجه البخاري ومسلم وأخرجه البيهقي وفي بعض روايات البخاري رجل مسيك واختلف في ضبطه هل هو بكسر الميم وتشديد المهملة أو بوزن عظيم والمعنى بخيل قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري نقلاً عن النهاية المشهور عند المحدثين فتح الميم وتخفيف السين وعند اللغويين كسر الميم وتشديد السين والذي رأيته في النهاية مسيك مثل بخيل وزناً ومعنى وقال أبو موسى إنه مسيك بالكسر والتشديد بوزن خمير وسكير أي شديد الإمساك لماله وهو من أبنية المبالغة قال وقيل المسيك البخيل إلا أن المحفوظ الأول اهـ. قوله: (حديث هند) هي هند بنت عتبة ابن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشية العبشمية زوج أبي سفيان بن حرب وهي أم معاوية بن أبي سفيان أسلمت في الفتح بعد إسلام زوجها

أبي سفيان وقولها للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن أبا سفيان رجل شحيح ... " إلى آخره. وحديث فاطمة بنت قيس ـــــــــــــــــــــــــــــ بليلة وحسن إسلامها وشهدت اليرموك مع زوجها أبي سفيان توفيت أول خلافة عمر في اليوم الذي مات فيه والد أبي بكر الصديق رضي الله عنهم وروى الأزرقي أن هنداً هذه لما أسلمت جعلت في بيتها تضرب صنماً بالقدوم فلذة فلذة وتقول كنا منك في غرور وفي تاريخ دمشق أن هنداً هذه قدمت على معاوية في خلافة عمر رضي الله عنهم روى عنه ابنها معاوية وعائشة رضي الله عنهم كذا في تهذيب المصنف. قوله: (وقولها) هو بالجر عطفاً على هند واللام في (للنبي -صلى الله عليه وسلم-) للتبليغ. قوله: (إن أبا سفيان رجل شحيح) في الحديث سماع كلام الأجنبية عند الإفتاء والحكم وكذا ما في معناه وفيه جواز ذكر الإنسان بما يكرهه إذا كان للاستفتاء والشكوى ونحوه وفيه جواز خروج الزوجة من بيتها لحاجتها إذا أذن لها زوجها في ذلك أو علمت رضاه وأخذ منه بعضهم جواز الدعوى والحكم على الغائب قال المصنف ولا صح هذا الأخذ لأن أبا سفيان كان حاضراً بالمدينة وشروط القضاء على الغائب أن يكون غائباً عن البلد أو مستتراً لا يقدر عليه أو متعززاً ولم يكن هذا الشرط في أبي سفيان موجوداً فلا يكون قضاء على غائب بل هو إفناء وسكت المصنف عن باقي الحديث لأن المقصود منه وهو جواز ذكر الإنسان بما يكره إذا كان على وجه الاستفتاء لا يكون محرماً حاصل بما ذكره ووجه الاستدلال سكوته -صلى الله عليه وسلم- وعدم إنكاره عليها قولها شحيح لأنه ذكر في موضع الاستفتاء والله أعلم. قوله: (وحديث فاطمة بنت قيس) أي وفي الصحيح أيضاً حديث فاطمة وقد أخرجه مسلم وأصحاب السنن الأربعة كما في التيسير للديبع وأصله عند البخاري في مسكن العدة دون باقي الحديث وفاطمة بنت قيس بن خالد الأكبر بن وهب ابن ثعلبة الفهرية القرشية وهي أخت الضحاك بن قيس قيل كانت أكبر منه بعشر سنين وكانت من المهاجرات الأول ذات عقل وافر وكان في بيتها اجتمع أصحاب الشورى روى لها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أربعة وثلاثون حديثاً لها في الصحيحين أربعة أحاديث أحدها متفق عليه وهو بعض هذا الحديث وهو قولها لا نفقة ولا سكنى

وقولُ النبي -صلى الله عليه وسلم- لها: "أما مُعَاوِيةُ فَصُعْلُوك، وأمّا أبُو جَهْم فَلا يَضَع العَصَا عَن عاتِقِهِ". ـــــــــــــــــــــــــــــ للمعتدة وانتقالها وإنكار عائشة لذلك والباقي لمسلم وهي طوال كلها روى عنها ابن المسيب وعروة والشعبي تأخرت وفاتها. قوله: (وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لها) أي لما خطبها معاوية وأبو جهم بعد انقضاء عدتها واستشارت النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أما معاوية فصعلوك" والمراد منه معاوية بن أبي سفيان كما جاء التصريح بأنه كذلك في مسلم قال المصنف وهو الصواب وقيل إنه معاوية آخر وهو غلط نبهت عليه لئلا يغتر به والصعلوك بضم الصاد وسكون العين المهملتين الفقير والجمع صعاليك كما جاء في رواية لمسلم صعلوك لا مال له وفيه مجاز فإن من المعلوم أنه كان له ثوب يلبسه ونحو ذلك من المحقر لكن لما كان كثير الحمل لها جاز إطلاق هذا اللفظ وقد نص أصحابنا على جواز استعمال مثله وسيأتي بيانه في أواخر الكتاب إن شاء الله تعالى. قوله: (وأما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه) قيل المراد به كثير الأسفار وقيل كثير الضرب للنساء وقد جاء في رواية لمسلم وأما أبو جهم فضراب للنساء قال في الزواجر وبها يرد التفسير الأول أي أنه كناية عن كونه كثير الأسفار ويؤيده أنه في رواية للحاكم وأما أبو جهم فإني أخاف عليك من شقاقه وأبو جهم بفتح الجيم مكبراً وهو المذكور في حديث الانبجانية واسمه عامر بن حذيفة بن غانم القرشي العدوي من بني عدي وهو غير أبي الجهيم المذكور في حديث التيمم واسمه عبد الله بن الحارث بن الصمة الأنصاري فذاك مصغر ثم هذا الكلام منه -صلى الله عليه وسلم- على سبيل الإشارة والنصيحة وليس من الغيبة المحرمة بحال (لطيفة) قال الحاكم في كتاب مناقب الشافعي من لطيف استنباطه ما رواه محمد بن جرير الطبري عن الربيع قال كان الشافعي يوماً بين يدي مالك بن أنس فجاء رجل إلى مالك فقال يا أبا عبد الله إني رجل أبيع القمري وإني بعت يومي هذا قمرياً فبعد زمان أتى صاحب القمري فقال إن قمريك لا يصيح فتناكرنا إلى أن حلفت بالطلاق أن قمري لا يهدأ من الصياح فقال ما لك طلقت امرأتك فانصرف الرجل حزيناً فقام الشافعي إليه وهو يومئذ ابن اربع عشرة سنة وقال للسائل أصياح قمريك أكثر أم سكوته قال السائل بل صياحه قال الشافعي امض فإن زوجتك ما طلقت ثم رجع الشافعي إلى الحلقة فعاد السائل إلى مالك وقال يا أبا عبد الله تفكر

باب أمر من سمع غيبة شيخه أو صاحبه أو غيرهما بردها وإبطالها

باب أمر من سمع غيبة شيخه أو صاحبه أو غيرهما بردها وإبطالها اعلم أنه ينبغي لمن سمع غيبة مسلم أن يردَّها ويزجر قائلها، فإن لم ينزجر بالكلام زجره بيده، فإن لم يستطع باليد ولا باللسان، فارق ذلك المجلس، فإن سمع غيبة شيخه أو غيره ممن له عليه حقٌّ، أو كان من أهل الفضل والصلاح، كان الاعتناء بما ذكرناه أكثر. وروينا في كتاب الترمذي عن أبي الدرداء ـــــــــــــــــــــــــــــ في واقعتي تستحق الثواب فقال ما لك الجواب ما تقدم قال فإن عندك من قال الطلاق غير واقع فقال مالك ومن هو فقال السائل هو هذا الغلام وأومأ بيده إلى الشافعي فغضب مالك وقال من أين هذا الجواب فقال الشافعي لأني سألته أصياحه أكثر أم سكوته فقال إن صياحه أكثر فقال مالك وهذا الدليل أقبح وأي تأثير لقلة سكوته وكثرة صياحه في هذا الباب فقال الشافعي لأنك حدثتني عن عبد الله بن يزيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أنها أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت يا رسول الله إن أبا جهم ومعاوية خطباني فأيهما أتزوج فقال لها أما معاوية فصعلوك وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وقد علم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أبا جهم كان يأكل وينام ويستريح فعلمنا أنه عليه الصلاة والسلام عنى بقوله لا يضع العصا عن عاتقه على تفسيره بظاهره أن الأغلب من أحواله ذلك فكذا هنا قوله هذا القمري لا يهدأ من الصياح أن الأغلب من أحواله ذلك فما سمع مالك ذلك من الشافعي لم يقدح في قوله البتة. باب أمر من سمع غيبة شيخه أو صاحبه أو غيرهما أي من أقاربه ومن إخوانه المؤمنين (بردها وإبطالها) الظرف متعلق بأمر. قوله: (ينبغي) أي يجب عند عدم العذر لأنه من إنكار المنكر الواجب حينئذٍ. قوله: (فإن لم يستطع باليد ولا باللسان فارق ذلك المجلس) أي إن أمن محذوراً على نفسه وماله. قوله: (أو غيره ممن له عليه حق) كوالديه وأقاربه وأصحابه. قوله: (أو كان من أهل الفضل) أي العلم (والصلاح) أي القيام بما عليه من حق الله ومن حق العباد والمراد الجامع بين فضيلتي العلم والعمل وإن لم يكن له على الإنسان مشيخة ولا حق صحبة لما قام به من شرف التوفيق. قوله: (روينا في كتاب الترمذي) قال الحافظ

رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "منْ ردَّ عَن عِرْضِ أخِيهِ رد اللهُ عَنْ وَجْهِهِ النارَ يَوْمَ القِيَامَة" قال الترمذي: حديث حسن. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" في حديث عِتْبان -بكسر العين على المشهور، وحكي ضمها- رضي الله عنه ـــــــــــــــــــــــــــــ المنذري ورواه أبو الشيخ في كتاب التوشيح ولفظه من رد عن عرض أخيه رد الله عنه عذاب القبر يوم القيامة وتلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} وفي الجامع الصغير بعد تخريجه عن الترمذي والطبراني من حديث أبي الدرداء بهذا اللفظ من رد عن عرض أخيه كان له حجاباً من النار رواه البيهقي في السنن عن أبي الدرداء. قوله: (من رد عن عرض أخيه) أي إذا اغتيب إما بتكذيب القائل أو يحمل ما تكلم به عنه على محمل حسن يخرج به عن كونه ذماً. قوله: (رد الله عن وجهه النار) وذلك أنه لما رد أخاه المؤمن عن الوقوع في النار باغتياب أخيه المسلم وأخذ على يده ودفع عن المغتاب ذكره بما يكره رد الله عنه النار مجازاة من جنس عمله. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) أي وهذا لفظ البخاري ولفظ مسلم فقضى أي -صلى الله عليه وسلم- الصلاة وقال أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله قالوا إنه يقول ذلك وما هو في قلبه قال لا يشهد أحد أنه لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار أو تطعمه النار ومقصود المصنف من الحديث ما فيه من الرد عن ابن الدخشم عما رمي به من النفاق وتبرئته من ذلك بقوله في رواية البخاري قد قال لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله. قوله: (في حديث عتبان بكسر العين على المشهور) أي وبإسكان المهملة ثم باء موحدة وفي شرح مسلم هذا هو الصحيح المشهور ولم يذكر الجمهور سواه. قوله: (وحكي ضمها) قال في شرح مسلم قال صاحب المطالع قد ضبطه من طريق ابن سهل بالضم اهـ. وعتبان هو ابن مالك بن عمرو بن العجلان الأنصارى الخزرجي السلمي البدري إمام قومه كان ضرير البصر وطلب من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يصلي في منزله ليتخذه مصلى فجاء -صلى الله عليه وسلم- حين الضحى وصلى وأطعمه خزيرة وهو حديث الباب وسكت المصنف عن ذكر ذلك لعدم تعلقه بمقصود الترجمة ولم يخرج

في حديثه الطويل المشهور قال: "قام النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي، فقالوا: أين مالك بن الدُّخْشُم؟ فقال رجل: ذلك منافق لا يحبُّ الله ورسوله، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا تَقُلْ ذلكَ، ألا تَرَاهُ قَدْ قالَ: لا إلهَ إلاَّ الله، يُريدُ بِذلِكَ وَجْهَ الله؟ ". وروينا في "صحيح مسلم" ـــــــــــــــــــــــــــــ له غير هذا الحديث رواه أنس بن مالك عنه في رواية وفي أخرى عن محمود بن الربيع عنه وكلاهما عند مسلم قال المصنف ولا مخالفة لاحتمال أن أنساً سمعه أولاً من محمود عن عتبان ثم اجتمع بعتبان فسمعه منه وفيه على الطريقة الأخيرة لطيفتان أخذ أكابر عن الأصاغر فإن أنساً أكبر من محمود سناً وقدراً وفيه توالى ثلاثة من الصحابة توفي عتبان في زمن معاوية وكان مقيماً بديار قومه في سالم إلى أن توفي. قوله: (فقالوا أين مالك بن الدخشم) لفظ فهو أي النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي في منزلي وأصحابه يتحدثون بينهم ثم أسندوا عظم ذلك وكبره إلى مالك بن دخشم قال ودوا أنه دعا عليه فهلك ودوا أنه أصابه شيء فقضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصلاة وقال أليس يشهد أن لا إله إلا الله إلى آخر ما تقدم ومالك بن الدخشم بن مالك بن غنم بن عوف بن عمرو بن عوف وقيل في نسبه غير ذلك والدخشم بدال مهملة مضمومة ثم خاء معجمة ساكنة ثم شين معجمة مضمومة ثم ميم ويقال الدخشيم بالتصغير ويقال الدخشن والدخيشن بالنون مكبراً -أي بضم الدال والشين وقال ابن الصلاح ويقال بكسرها- ومصغراً شهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم باتفاق العلماء واختلفوا في شهوده العقبة فقال ابن عقبة وابن اسحق شهدها وقال أبو معشر لم يشهدها وعن الواقدي روايتان في شهوده وهو الذي أسر سهيل بن معن ويوم بدر وهو الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم ليحرق مسجد الضرار هو وعمرو بن عدي فأحرقاه قال ابن عبد البر لا صح عنه النفاق فقد ظهر من حسن إسلامه ما يمنع من اتهامه اهـ. وحديث الباب نص على إيمانه باطناً وبراءته من النفاق والله أعلم. قوله: (يريد بذلك وجه الله) أي وما كان كذلك فهو الإيمان النافع بخلاف ما كان منه باللسان لحقن الدم وحفظ المال مع مخالفة الجنان فذلك النفاق المبرأ منه ابن الدخشم. قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) ورواه أحمد عن عائذ بن عمرو

عن الحسن البصري رحمه الله: أن عائذ بن عمرو وكان من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل على عبيد الله بن زياد فقال: أي بنيَّ إني سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن شرَّ الرِّعاءِ الحُطَمَةُ، فإيَّاكَ أنْ تَكُونَ مِنْهُمْ"، فقال له: اجلس، فإنما أنت من نُخالة أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقال: وهل كانت لهم نخالة: "إنما كانت النُّخَالة بعدهم وفي غيرهم". ـــــــــــــــــــــــــــــ أيضاً كما في الجامع الصغير. قوله: (أن عائذ بن عمرو) هو ابن هلال المزني البصري شهد عائذ بيعة الرضوان وكان شريفاً جواداً خرج له في الصحيحين ثلاثة أحاديث أحدها للبخاري موقوف عليه والآخران لمسلم وشاركهما عنه النسائي روى عنه ابنه حشرج والحسن ومعاوية بن قرة صلى عليه يوم موته أبو برزة الأسلمي رضي الله عنهما. قوله: (عبيد الله بن زياد) هو ابن أبيه وهو الذي استلحقه معاوية بأبيه أبي سفيان. قوله: (فقال أي بني) أي فقال له على وجه النصيحة وأداء ما عليه من الأمر بالمعروف أي بني بضم الموحدة وفتح النون مصغر ويجوز كسر الياء وفتحها كما تقدم في باب ما يقول إذا دخل بيته. قوله: (شر الرعاء الحطمة) هو العنيف برعاية الإبل في السوق والإيراد والإصدار ويلقي بعضها على بعض ويعسفها، ضربه مثلاً لوالي السوء ويقال أيضاً حطم بلا هاء كذا في النهاية ونحوه قول العاقولي الحطمة من الحطم الكسر يريد به اللفظ القاسي الذي يظلمهم ولا يرق لهم ولا يرحمهم. قوله: (نخالة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) النخالة ما يبقى في المنخل بعد نزول الدقيق الناعم الطيب من قشر نحو الحب وكني به عن الرديء من الشيء الذي لا يلتفت إليه. قوله: (وهل كانت لهم نخالة) أي كل من شرف بنظر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وصحبته جيد سني وليس فيهم ولا منهم ردى ويدل على جودة جميع الصحابة الأخبار النبوية كحديث أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم وإن كان سنده ضعيفاً فيجبر في الفضائل. قوله: (إنما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم) وفي الحديث

وروينا في "صحيحيهما" عن كعب بن مالك رضي الله عنه في حديثه الطويل في قصة توبته قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو جالس في القوم بتبوك: "ما فَعَلَ كَعْبُ بنُ مالِكِ؟ " فقال رجل من بني سَلمة: يا رسول الله حبسه بُرْداه والنظر في عِطْفيه، فقال له معاذ بن جبل رضي الله عنه: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا ـــــــــــــــــــــــــــــ خير النّاس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يأتي من بعدهم قوم يتسمنون ويحبون السمن يعطون الشهادة قبل أن يسألوها أخرجه الترمذي والحاكم في المستدرك من حديث عمران بن حصين مرفوعاً وعند الطبراني عن أبي مسعود مرفوعاً ثم يجيء قوم لا خير فيهم. قوله: (وروينا في صحيحيهما الخ) وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي كما تقدم بيان ذلك في باب التبشير والتهنئة لما ذكر المصنف بشارة كعب بالتوبة وهو حديث طويل نحو ورقتين ذكر المصنف منه في كل ترجمة ما يناسب مقصودها. قوله: (بتبوك) قال المصنف في التهذيب هو بفتح التاء مكان في طرق الشام من جهة القبلة بينه وبين المدينة النبوية نحو أربع عشرة مرحلة وبينها وبين دمشق إحدى عشرة مرحلة وكانت آخر غزوته -صلى الله عليه وسلم- بتبوك سنة تسع من الهجرة ومنها راسل عظماء الروم وجاء إليه -صلى الله عليه وسلم- من جاء من العظماء وهي آخر غزواته -صلى الله عليه وسلم- بنفسه والمشهور ترك صرف تبوك للتأنيث باعتبار البقعة والعلمية وروايته في صحيح البخاري في قصة كعب في آخر كتاب المغازي ولم يذكرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى بلغ تبوكاً بالألف باعتبار الموضع. قوله: (فقال له رجل من بني سلمة) قال الواقدي في المغازي اسمه عبد الله بن قيس نقله الحافظ في تخريج أحاديث الكشاف. قوله: (فقال معاذ بن جبل الخ) فائدة وقع لصاحب الكشاف أنه أورد قطعة من حديث كعب في تخلفه وفيه فقلت ما خلفه إلا حسن برديه والنظر في عطفيه فقال -صلى الله عليه وسلم-: "معاذ الله ما أعلم إلا فضلاً وإسلاماً" قال الشيخ سعد الدين وقدما كان يختلج في صدري أنه ليس بحسن الانتظام أن يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حقه مثل هذا الكلام وينهى عن مكالمته حتى تبين باتفاق مطالعة الوسيط وجامع الأصول أن هذا تصحيف وتحريف الصواب فقال معاذ والله يعني معاذ بن جبل صرح

خيراً، فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قلت: سَلِمة بكسر اللام، وعِطْفاه: جانباه، وهي إشارة إلى إعجابه بنفسه. وروينا في سنن أبي داود عن جابر بن عبد الله وأبي طلحة رضي الله عنهم قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما مِنِ امْرِئٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ بذلك فيهما وهذا المقام مما لم ينتبه له أحد من الناظرين في الكتاب والله الموفق للصواب والعجب العجاب من الفاضل الطيبي كيف لم ينبه عليه فلقد كان في غاية التصفح لكتب الحديث والتفحص عن القصص والتواريخ اهـ. وقد نبه الحافظ العسقلاني في تخريجه على أن هذا الوهم من صاحب الكشاف. قوله: (فسكت النبي -صلى الله عليه وسلم-) أي عن شأنه ووجه مناسبته لمقصود الترجمة أن معاذاً رد عن كعب ما نسب إليه من الزهو والإعجاب وأنه ما علم عليه إلا خيراً وهو يستلزم عدم الإعجاب إذ هو من الشر بل رأس الشر وفي الحديث ثلاث منجيات وثلاث مهلكات إلى أن قال في المهلكات وإعجاب المرء برأيه وهي أشدهن فسكت النبي -صلى الله عليه وسلم- على رده عن كعب رضاً به وتحريضاً على سلوك ذلك. قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) وأخرجه ابن أبي الدنيا وغيره كما في الترغيب للمنذري قال واختلف في إسناده اهـ. وكذا أخرجه أحمد والضياء عن جابر وأبي طلحة أيضاً كما في الجامع الصغير وقد جاء بمعنى خبره شاهد من حديث أنس قال قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من حمى عرض أخيه في الدنيا بعث الله عزّ وجلّ ملكاً يوم القيامة يحميه عن النار" رواه ابن أبي الدنيا عن شيخ من أهل البصرة ولم يسمه عنه قال المنذري وأظن أن هذا الشيخ أبان بن أبي عياش فقد جاء مسمى في رواية غيره وهو متروك اهـ. وبمعنى الأولى شاهد من حديث أنس أيضاً قال -صلى الله عليه وسلم-: "من اغتيب عنده أخوه المسلم فلم ينصره وهو يستطيع نصره أدركه إثمه في الدنيا والآخرة" رواه أبو الشيخ في كتاب التوبيخ والأصبهاني أطول منه وهو بمعنى حديث الباب ولفظه قال من اغتيب عنده أخوه فاستطاع نصره فنصره نصره الله تبارك وتعالى في الدنيا والآخرة وإن لم ينصره أدركه إثمه في الدنيا والآخرة أورده المنذري في الترغيب. قوله: (وأبي طلحة) زاد في الجامع الصغير ابن سهل وهو زيد بن سهل الأنصاري زوج

يَخْذِلُ امْرَأً مُسْلِماً في مَوْضِع تُنْتَهَكُ فيهِ حُرْمَتُهُ وينْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إلاَّ خَذَلَهُ الله في مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَما مِنِ امْرِيءٍ يَنْصُرُ مُسْلِماً في مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إلا نَصَرَهُ اللهُ في مَوْطِنٍ يُحِب نُصْرَتَهُ". وروينا فيه عن معاذ بن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو قال: "مَنْ حَمَى مُؤْمِناً مِنْ مُنَافِقٍ -أراه قال- بَعَث اللهُ تعالى مَلَكاً يَحْمِي لَحْمَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ نارِ جَهَنَّمَ، ومَنْ رَمَى مُسْلِماً بِشَيءٍ يُريدُ شَينَهُ به حَبَسَهُ الله على جِسْرِ جَهَنَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أم سليم وهي أم أنس بن مالك وقد تقدمت ترجمته. قوله: (يخذل امرأ مسلماً) بضم الذال أي يترك نصره وإعانته من غير عذر. قوله: (ينتهك عرضه) أي يبالغ في شتمه يقال انتهك عرضه أي بالغ في شتمه. قوله: (إلا خذله الله) أي مقابلة لخذلانه أخاه المأمور بإعانته ونصره. قوله: (موطن) بفتح الميم وكسر المهملة وجمعه مواطن. قوله: (وروينا فيه) أي في سنن أبي داود ورواه ابن أبي الدنيا كما قال المنذري في الترغيب وأشار إلى مقال في سهل بن معاذ راوي الحديث عن أبيه قال وقد أخرج الحديث ابن يونس في تاريخ مصر من رواية عبد الله بن المبارك عن يحيى بن أيوب بسند مصري كما أخرجه أبو داود وقال ابن يونس ليس هذا الحديث فيما أعلم بمصر ومراده إنما وقع له من حديث الغرباء اهـ. قوله: (من حمى مؤمناً) أي رد المغتاب عن ثلم عرضه ومنعه عن ذلك بلسانه أو بيده. قوله: (بعث الله تعالى ملكاً) أي مقابلة لدفعه الأذى عن أخيه المؤمن بعث الله له من يحمي لحمه وهو كناية عن حماية جملته من العذاب. قوله: (ومن رمى مؤمناً) في نسخة مسلماً. قوله: (يريد شينه) هو خلاف الزين أي يريد به أذاه وتنقيصه. قوله: (حبسه الله على جسر جهنم) بفتح الجيم وكسرها وقد ورد في صحيح البخاري في كتاب المظالم أن المؤمنين إذا جاوزوا الصراط يحبسون بقنطرة بين الجنة والنار فيتقاصون مظالم كانت بينهم حتى إذا نقوا وهذبوا أذن لهم بدخول الجنة الحديث ثم يدخلون الجنة

باب الغيبة بالقلب

حتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قالَ". باب الغيبة بالقلب اعلم أن سوء الظنّ حرام مثل القول، فكما يحرم أن تحدِّث غيرك بمساوئ إنسان، يحرم أن تحدِّث نفسك بذلك وتسيء الظن به، قال الله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} [الحجرات: 12]. ـــــــــــــــــــــــــــــ وليس لأحد عند أحد طلبة وقد ورد بهذا المعنى أخبار أخر. قوله: (حتى يخرج مما قال) أي من تبعة ما قاله إما بأن يرضي الله عنه خصمه أو بأن يعطى الخصم من حسنات مغتابه أو يضع عليه من سيئاته أو ما يشاء الله. باب الغيبة بالقلب أي حكمها ومعرفة حقيقتها به. قوله: (سوء الظن) أي الظن السيئ (بالمسلم حرام مثل القول) أي السيئ في الحرمة وإن اختلفت مراتب الحرمة. قوله: (وكما يحرم أن تحدث غيرك بمساوي إنسان) أي على وجه الاغتياب والمساوي جمع مساءة أي ما يسوء ذكره. قوله: (وتسيء الظن به) أي بسبب ما حدثت به نفسك. قوله: (اجتنبوا كثيراً من الظن) أمر باجتناب كثير من الظن لئلا يجري أحد على ظن إلا بعد نظر وتأمل وتمييز بين حقه وباطله قال في النهر المأمور باجتنابه هو بعض الظن المحكوم عليه بأنه إثم وفي الزواجر علل ذلك الأمر بالإخبار بأن بعض الظن إثم وهو ما تخيلت وقوعه من غيرك من غير مستند يبني ذلك عليه وقد صمم عليه أو تكلم به لسانه من غير مسوغ شرعي وبعض الظن ليس بإثم بل منه ما هو واجب كظنون المجتهدين في الفروع المترتبة على الأدلة الشرعية فيلزمهم الأخذ بها ومنه ما هو مندوب ومنه قوله -صلى الله عليه وسلم- ظنوا بالمؤمن خيراً ومنه ما هو مباح وقد يكون هو الحزم والرأي وهو محمل خبر إن من الحزم سوء الظن وقد عقد بعضهم ذلك حيث قال: لا يكن ظنك إلا سيئا ... إن سوء الظن من أقوى الفطن

وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إيَّاكُمْ والظن فإن الظن أكْذَبُ الحَديث" والأحاديث بمعنى ما ذكرته كثيرة، والمراد بذلك عقد القلب وحكمه على غيرك بالسوء، فأما الخواطر، وحديث النفس، ـــــــــــــــــــــــــــــ ما رمى الإنسان في مهلكة ... أبدا شيء سوى الظن الحسن وذلك بأن يقدر المتوهم واقعاً كمطل معاملك الذي تجهل حاله حتى تسلم بسبب ذلك من أن يلحقك أذى من غيرك أو خديعة وهذا الظن ليس فيه إلحاق النقص بالغير بل المبالغة في حفظ النفس وإيثارها عن أن يلحقها سوء. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) وكذا رواه مالك كما في الترغيب للمنذري ورواه أحمد والنسائي وابن ماجه كلهم من حديث أبي هريرة كما في الجامع الصغير وهو بعض حديث قال في الترغيب رواية مسلم فيه أتم الروايات. قوله: (فإن الظن أكذب الحديث) أي أكثر كذباً من باقي الكلام والكذب وإن كان من صفات الأقوال إلا أن المراد هنا عدم المطابقة للواقع سواء كان قولاً أم لا. قوله: (والمراد بذلك) أي ظن السوء المنهي عنه. قوله: (عقد القلب) أي تحقيق الظن وتصديقه بأن تركن إليه النفس ويميل إليه القلب لا ما يهجس في النفس ولا يستقر وهذا القول نقله المصنف في شرح مسلم عن الخطابي وصوبه ثم قال نقل القاضي عن سفيان أنه قال الظن الذي يأثم به هو ما ظنه وتكلم به فإن لم يتكلم يأثم أي إن لم يعقد عليه القلب لما سيأتي من المؤاخذة على ذلك وقال بعضهم يحتمل أن المراد الحكم في الشرع بظن مجرد من غير بناء على أصل ولا استدلال قال المصنف وهذا ضعيف أو باطل. قوله: (وأما الخواطر وحديث النفس الخ) قال العلماء ما يرد على القلب أربعة أقسام رحماني وملكي وشيطاني ونفساني فالأولان في الخير والآخران في الشر والفرق بين الأولين أنه إن لم يجد المرء بداً مما وقع في قلبه من داعي الخير وإجابته فهو رحماني وإلا فملكي وبين الأخيرين أنه إن كان إذا انتقل عنه إلى خاطر سوء آخر انصرف الخاطر الأول فشيطاني وإلا فنفساني لأن الشيطان غرضه مطلق العصيان فإذا أبدل خاطر السوء بمثله حصل مراده ولا كذلك النفساني فقد يكون غرضها

إذا لم يستقرَّ ويستمرَّ عليه صاحبه فمعفوٌّ عنه باتفاق العلماء، لأنه لا اختيار له في وقوعه، ولا طريق له إلا الانفكاك ـــــــــــــــــــــــــــــ معصية خاصة لا تنصرف عنها إلى غيرها وإن ماثله ثم الخواطر وحديث النفس لها خمس مراتب هاجس فواجس فحديث نفس فعزم فتصميم فالأول ما يهجس فيها ثم يذهب فوراً والثاني يتحرك فيها قليلاً ثم يذهب ولا مؤاخذة بهما والثالث أن يتحرك فيها مع ضده فتصير النفس راكنة لهذا تارة ولهذا أخرى من غير أن يعزم على واحد منهما ولا مؤاخذة بذلك أيضاً على الأصح بل حكي الاتفاق عليه وهذه المراتب الثلاث لا أجر فيها في الحسنات أيضاً الرابع هو أن يتحرك فيها ويثبت ويكون أرجح من ضده ويعزم عليه واختلفوا في المؤاخذة عليه فقال المحققون نعم كما نقله عنهم السبكي للخبر في التقاء المسلمين بسيفيهما المعلل لأثم المقتول بأنه كان حريصاً على قتل صاحبه ونقل عياض قبله مثل ذلك عن عامة السلف وأهل العلم من الفقهاء والمحدثين للأحاديث -أي والآيات الدالة على المؤاخذة على ذلك قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا} - وقد تظاهرت نصوص الشرع على تحريم أعمال القلب من نحو الغيبة وإرادة السوء بالمؤمن مع العزم المستقر وخالف بعضهم فقال لا يؤاخذ به ونسب للشافعي وابن عباس لتصريح اللغويين بأن الهم هو العزم وفيه نظر إذ اللغويون لا يراعون هذه الدقائق وقيل يؤاخذ بالهم بالمعصية في حرم مكة دون غيره وهو رواية عن أحمد وبه قال ابن مسعود {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} الآية ويرد بأن الإرادة القصد وهو العزم الذي هو أخص من الهم ويتأيد بما مر عن المحققين والخامس هو أن يصمم عليه بحيث ينعدم ضده وبه المؤاخذة بالأولى كما ذكره في فتح الإله. قوله: (إذا لم يستقر) أي حديث النفس أي ومثله الخواطر أو الفاعل يعود لما ذكر من الخواطر وحديث النفس والمراد أنه يعفى عما ذكر إذا لم يستقر بأن دفعه بمجرد ما خطر ولم يسترسل ولا عزم عليه أو تكلم به. قوله: (باتفاق العلماء) هذا بالنسبة إلى حديث النفس أما بالنسبة للخاطر إذا دفعه أول

عنه. وهذا هو المراد بما ثبت في الصحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الله تَجاوَزَ لأُمَّتي ما حدَّثت بِه أنْفُسَها ما لَمْ تَتَكَلَّمْ بِه أو تَعْمَلْ". قال العلماء: المراد به الخواطر التي لا تستقرُّ. قالوا: وسواء كان ذلك الخاطر غِيبَةً أو كُفْراً أو غيره، فمن خطر له الكفر مجرَّد خطران من غير تعمُّد لتحصيله، ثم صرَفَه في الحال، ـــــــــــــــــــــــــــــ أمره ولم يصل لرتبة حديث النفس السابقة فمعفو عنه بالإجماع كما علم مما ذكر آنفاً. قوله: (وهذا) أي العفو عن الخواطر ما لم يعزم عليها أو يتكلم بها (هو المراد لما ثبت في الصحيح) أي في كتب الصحيح وقد رواه الشيخان وأصحاب السنن الأربعة من حديث أبي هريرة ورواه الطبراني في الكبير من حديث عمران بن حصين كما في الجامع الصغير. قوله: (تجاوز لأمتي) كذا رواه في الجامع الصغير لكن في المشكاة عن أمتي قال شارحها ابن حجر لكن في رواية تجاوز لي عن أمتي أي لم يؤاخذهم بذلك لأجلي فله -صلى الله عليه وسلم- علينا المنة التي لا منتهى لأدناها فضلاً عن أقصاها. قوله: (ما حدثت به أنفسها) بالرفع والنصب قال في فتح الإله والنصب هو الأولى لموافقته لحديث آخر يصرح به ولدلالته على العفو ولو مع الاختيار أي كما يؤخذ مما تقدم نقله عنه. قوله: (ما لم تتكلم به) أي بذلك الخاطر (أو تعمل) أي به فحينئذٍ يؤاخذ بما تكلم وعمل وقضية الحديث أنه حينئذٍ يؤاخذ بالهم وما قبله لكن ما مر أنه لا مؤاخذة في الأولين إجماعاً فقوله ما لم الخ لا مفهوم له فيهما وما بعدهما مثلهما كما اقتضاه حديث الصحيحين أيضاً وإن هم بها -أي السيئة- فعملها كتبت سيئة واحدة، وجرى عليه السبكي في موضع لكن أفتى ابن رزين من أئمتنا بأنه متى لم يُنسب أخذ بعزمه لأنه إصرار وجرى عليه السبكي في موضع آخر ورجحه بعضهم وانتصر للأول بأنه يلزم على الثاني أنه يعاقب على المعصية مرتين ويرد بأنه لا يلزم عليه ذلك لأن الهم معصية مستقلة والفعل معصية أخرى مستقلة وفي الحديث دليل لما عليه الأكثرون أن من حدث نفسه بنحو طلاق وصمم عليه ولم يتلفظ به لا يقع. قوله: (ثم صرفه عنه) أي بأن اشتغل بغيره من ذكر أو نحوه ولم يعقد قلبه

فليس بكافر، ولا شيء عليه. وقد قدَّمنا في "باب الوسوسة" في الحديث الصحيح أنهم قالوا: "يا رسول الله يجد أحدنا ما يتعاظم أن يتكلّم به، قال: ذلكَ صَريحُ الإيمانِ" وغير ذلك مما ذكرناه هناك وما هو في معناه. وسبب العفو ما ذكرناه من تعذُّر اجتنابه، وإنما الممكن اجتناب الاستمرار عليه، فلهذا كان الاستمرار وعقد القلب حراماً ومهما عرض لك هذا الخاطر بالغيبة وغيرها من المعاصي، وجب عليك دفعه بالإعراض عنه وذكر التأويلات الصارفة له على ظاهره. قال الإِمام أبو حامد الغزالي في "الإحياء": إذا وقع في قلبك ظن السوء، فهو من وسوسة الشيطان يلقيه إليك، فينبغي أن تكذِّبه فإنه أفسق الفسَّاق، وقد قال الله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ على ذلك. قوله: (ولا شيء عليه) أي من الإثم. قوله: (ذلك) أي تعاظم الكلام فيه وكراهة ذلك الخاطر وذكره (صريح الإيمان). قوله: (من تعذر اجتنابه) لأنه ليس من عمل الإنسان ولا كسبه. قوله: (وإنما الممكن اجتناب الاستمرار عليه) أي على نحو الخاطر بأن يشتغل قلبه عن ذلك بشيء آخر وأحسن ما يشغله به ذكر الله فإن ذلك الخاطر إذا كان من الشيطان ذهب وانقطع لذهاب الشيطان لأنه يخنس عن المؤمن عند ذكر الله عز وجل وإن كان من النفس انقلب بأكسير الذكر نحاسها ذهباً. قوله: (وغيرها من المعاصي) أي من الحسد أو احتقار المسلم أو بغضه وإرادة السوء به أو نحوها من معاصي القلب. قوله: (إذا وقع في قلبك ظن السوء) أي بإنسان محترم (فهو من وسوسة الشيطان) أي من الأمور المحرمة التي يوسوس بها للناس وإنما حرم ظن السوء لأن نيات القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب فليس لك أن تعتقد في غيرك سوءاً إلا إذا انكشفت لك بعبارة لا تحتمل التأويل فعند ذلك لا يمكنك أن لا تعتقد كما علمته وشاهدته، وما لم تشاهده بعينك وتسمعه بأذنك ثم وقع في قلبك فهو من وسوسة الشيطان يلقيها بين أهل الإيمان لتحصل البغضاء والشنآن. قوله: (إن جاءكم فاسق) أي والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وإنما

نَادِمِينَ} [الحجرات: 6] فلا يجوز تصديق إبليس، فإن كان هناك قرينة تدل على فساد، واحتمل خلافه، لم تجز إساءة الظنّ، ومن علامة إساءة الظنِّ أن يتغيَّر قلبك معه عما كان عليه، فتنفر منه وتستثقله وتفتر عن مراعاته وإكرامه والاغتمام بسيئته، فإنَّ الشيطان قد يقرب إلى القلب بأدنى خيال مساويء النّاس، ويلقي إليه: إن هذا من فِطْنتك وذكائكَ وسرعةِ تنبهك، وإن المؤمن ينظر بنور الله، وإنما هو على التحقيق ناطق بغرور الشيطان وظُلمته، وإن أخبرك عدل بذلك، فلا تصدِّقه ولا تكذِّبه لئلا تسيء الظن بأحدهما، ومهما خطر لك سوء في مسلم، فزِدْ في مراعاته وإكرامه، فإن ذلك يُغيظُ الشيطانَ ويدفعه عنك فلا يلقي إليك مثله ـــــــــــــــــــــــــــــ قلنا بعموم فاسق لأنه نكرة في سياق الشرط فتعم. قوله: (فلا يجوز تصديق إبليس) كيف وهو الكذوب كما تقدم في كتاب فضل القرآن في حديث أبي هريرة في قصة الشيطان الذي كان يأخذ من زكاة الفطر لقد صدقك وهو كذوب أتدري من تخاطب شيطانا أو كما قال. قوله: (لم تجز إساءة الظن به) أي ما لم تكن القرينة الدالة على الفساد أقوى وإلا كظن السوء بأهل الفساد لا يحرم لما فيه من القرينة القوية وهي استمرار فسادهم مع احتمال خلافه بالتوبة. قوله: (والاغتمام بسببه) بالجر عطفاً على مراعاته ويجوز رفعه عطفاً على محل فينفر عنه. قوله: (لئلا تسيء الظن بأحدهما) لأنك إن صدقت الخبر أسأت الظن بالمخبر عنه أو لم تصدق المخبر أسأت الظن بالمخبر باعتقاد الكذب فيه قال في الزواجر وحينئذٍ فعليك أن تبحث هل ثمة تهمة في المخبر من نحو عداوة بينهما فإن وجدتها فتوقف وأبق المخبر عنه على ما كان عندك من عدم السوء فيه. قوله: (ويدفعه عنك) أي يدفع ما ذكر من مراعاتك

خيفةً من اشتغالك بالدعاءِ له، ومهما عرَفْتَ هفوةَ مسلم بحجةٍ لا شكَّ فيها، فانصحة في السرِّ، ولا يخدعنَّكَ الشيطان فيدعوك إلى اغتيابه، وإذا وعظتَه فلا تعِظْه وأنت مسرور باطلاعك على نقصه فينظر إليك بعين التعظيم وتنظر إليه بالاستصغار، ولكن اقصد تخليصه من الإثم وأنت حزين كما تحزن على نفسك إذا دخلك نقص، وينبغي أن يكون تَرْكُهُ لذلك النقص بغير وعظك أحبَّ إليك من تركه بوعظك، هذا كلام الغزالي. قلت: قد ذكرنا أنه يجب عليه إذا عرض له خاطر بسوءِ الظنِّ أن يقطعه، وهذا إذا لم تدع إلى الفكر في ذلك مصلحة ـــــــــــــــــــــــــــــ وإكرامك أخاك كيد الشيطان عنك أي عن وقوعك في الغيبة في القلب فلا يلقى إليك مثله أي من مساوي إنسان آخر لأنه يعلم من ديدنك أنه إن ذكر لك إنساناً دعوت له فيثاب وهذا خلاف غرضه من ذكره وهو وقوعك في هوة عرض أخيك فتهلك. قوله: (هفوة مسلم) أي زلته. قوله: (بحجة لا شك فيها) أي من رؤيته بعينه أو سماعه بأذنه أو بينة عادلة وفي الزواجر تأمل خبر إن الله حرم من المسلم دمه وماله وأن يظن به السوء فعلم منه أنه لا يسوغ لك ظن السوء به إلا ما يسوغ لك أخذ ماله من تيقن مشاهدة أو بينة عادلة وإلا فبالغ في دفع الظن عنك ما أمكنك. قوله: (فانصحه في السر) أي لأنه أدعى للمقصود من قبوله وعوده إلى الصواب ومن كلام إمامنا الشافعي: "من وعظ أخاه سراً فقد نصحه وزانه ومن وعظه جهراً فقد فضحه وشانه". قوله: (لا يخدعنك الشيطان) أي ينبغي أن يكون اطلاعك على هفوة أخيك سبباً لخيرك من الأمر بالمعروف وخير أخيك من إنقاذه من هوة المخالفة ولا يخدعنك الشيطان فيصيرها سبباً لهلاكك يوقعك في غيبة أخيك المؤمن. قوله: (ولكن اقصد تخليصه وأنت حزين) لتجمع بين أجر الوعظ وأجر الهم والإعانة له على دينه. قوله: (وينبغي أن يكون الخ) هذه علامة لكون قصد الإنسان مجرد الوعظ وإعانة أخيه على دينه أنه لو وعظه غيره وعاد عن النقص لكان أحب إليه وإنما كان أحب إليه خشية أن يداخله عند حصول ذلك نوع من الإعجاب، والسلامة غنيمة.

باب كفارة الغيبة والتوبة منها

شرعية، فإن دعت جاز الفكر في نقيصته والتنقيب عنها كما في جرح الشهود والرواة وغير ذلك مما ذكرناه في "باب ما يباح من الغيبة". باب كفارة الغيبة والتوبة منها اعلم أن كلَّ من ارتكب معصية لزمه المبادرةُ إلى التوبة منها، والتوبةُ من حقوق الله تعالى يشترط فيها ثلاثة أشياء: أن يُقْلِعَ عن المعصِية في الحال، وأن يندَم على فعلها، وأن يَعْزِمَ ألاَّ يعود إليها. والتوبةُ من حقوق الآدميين ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (والتنقيب) بالفوقية فالنون فالقاف فالتحتية أي التفتيش والبحث. باب كفارة الغيبة والتوبة منها قوله: (معصية) أي ولو صغيرة. قوله: (لزمه المبادرة إلى التوبة) أي وجوباً فتاركها عاص قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ووجوبها عندنا بالسمع وعند المعتزلة بالعقل. قوله: (أن يقلع عن المعصية حالاً) أي بتركها وعدم مزاولتها إن كان ملابساً لها فيمسك لسانه عن الغيبة وعينه عن النظر المحرم وهكذا وكذا إن لم يكن ملابسها لها ولكنه مصر على المعاودة فهذا الشرط إنما يعتبر بالنسبة لهذين إذ يستحيل حصول الندم الحقيقي على شيء هو ملازم له في الحال أو مصر على معاودته. قوله: (وأن يندم على فعلها) أي خوفاً من الله تعالى وإجلالاً له متمنياً كونه لم يفعل المعصية من حيث إنها معصية أما إذا ندم على فعلها بما لحقه من الأذى في نفسه أو ماله فلا عبرة به في التوبة شرعاً وفي الندم عليها لخوف النار تردد وكذا في الندم عليها لقبحها مع غرض آخر والحق إن جهة القبح إن كانت بحيث لو انفردت لتحقق الذم فتوبة وإلا فلا كما إذا كان الغرض مجموع الأمرين لا كل واحد منهما ولا بد من التأسف للقطع بأن مجرد تركه كالماجن إذا مل مجونه فاستروح لمباح ليس بتوبة. قوله: (وأن يعزم على أن لا يعود) اعترض هذا الشرط بأن فعلها في المستقبل قد لا يخطر بالبال لذهول أو جنون وقد لا يقتدر

يشترط فيها هذه الثلاثة، ورابعٌ: وهو ردُّ الظُّلامة إلى صاحبها أو طلبُ عفوه عنها والإبراء منها، فيجب على المغتاب التوبةُ بهذه الأمور الأربعة، لأن الغيبَةَ حقُّ آدميٍّ، ولا بد من استحلاله ممن اغتابه، ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه لخرس في القذف وجب في الزنى ورد بأن المراد العزم على ترك المعاودة على تقدير الحضور والاقتدار حتى لو سلب القدرة لم يشترط عزم عليه وقول إمام الحرمين إنما يقارن التوبة في بعض الأحوال لامتناع اطراده بعدم صحته من المجبوب والأخرس يشير إلى ما ذكرناه وفي المقاصد تبعاً للمواقف أن هذا القيد زيادة بيان وتقرير لما ذكر لا للتقييد والاحتراز إذ النادم عليها لقبحها لا يكون إلا عازماً على ترك معاودة مثلها هذا وقد عرف الغزالي في منهاجه نقلاً عن شيخه التوبة بقوله ترك ذنب سبق منه مثله فلم يدخل في مفهوم الندم قال لأنه ليس من كسب الإنسان حتى يعتبر في التوبة التي هي من الواجبات على المكلف والله أعلم. قوله: (وهو رد الظلامة) أي وإن بقيت فإن تلفت فبدلها (أو طلب عفوه) أي أو طلب الظالم عفوه أي المظلوم (عنها) فالطلب مصدر مضاف للمفعول (والإبراء منها) قضية تقريره أنه لو أبرأه منها من غير طلب لم يبرأ وليس مراداً فإذا حصل عفو المظلوم وإبراؤه برئت ذمة الظالم من حق الآدمي وبقي حق الله فتعتبر فيه الثلاثة الشرط الأول فقط والله أعلم. قوله: (فيجب على المغتاب) أي فاعل الغيبة. قوله: (لا بد من استحلاله) أي من طلب تحليله (من اغتابه) أي إن كان مكلفاً إذ مسامحة غير المكلف لا تذهب حقه من تبعة ذلك سواء كان الطلب من المغتاب أو غيره وقال الحسن يكفيه الاستغفار عن الاستحلال واحتج بخبر كفارة من اغتبته أن تستغفر له وقيل كفارة ذلك أن تثني عليه وتدعو له بالخير والأصح أنه لا بد من استحلاله وزعم أن العرض لا عوض له فلا يجب استحلاله منه بخلاف المال مردود بأنه وجب في العرض حق القذف وفي الروضة أيضاً أفتى الحناطي بأن الغيبة إذا لم تبلغ المغتاب كفاه الندم والاستغفار وجزم به ابن الصباغ حيث قال إنما يحتاج لاستحلال المغتاب إذا علم ما داخله من الضرر والغم بخلاف ما إذا لم يعلم فلا فائدة لتأذيه فليتب فإذا تاب أغناه عن ذلك نعم إن كان تنقصه عند قوم رجع إليهم وأعلمهم أن ذلك لم يكن حقيقته اهـ.

وهل يكفيه أن يقول: قد اغتبتك فاجعلني في حلّ، أم لا بد أن يبين ما اغتابه به؟ فيه وجهان لأصحاب الشافعي رحمهم الله. أحدهما: يشترط بيانه، فإن أبرأه من غير بيانه، لم يصحّ، كما لو أبرأه عن مال مجهول. والثاني: لا يشترط، لأن هذا مما يتسامح فيه، فلا يشترط علمه، بخلاف المال، والأول أظهر، لأن الإنسان قد يسمح بالعفو عن ـــــــــــــــــــــــــــــ وتبعهما كثيرون منهم المصنف واختاره ابن الصلاح في فتاويه وغيرهم قال الزركشي وهو المختار وحكاه ابن عبد البر عن ابن المبارك وأنه ناظر سفيان فيه وقال له لما أنكر عليه لا تؤذه مرتين وحديث كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته تقول اللهم اغفر لنا وله فيه ضعف كما قاله البيهقي وقال ابن الصلاح هو وإن لم يعرف له إسناد معناه ثابت بالكتاب والسنة قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} وقال -صلى الله عليه وسلم- أتبع السيئة الحسنة تمحها، وحديث حذيفة لما اشتكى ذرب اللسان على أهله أي أنت من الاستغفار اهـ. واعترض بأنه صح ما يعارضه وهو قوله -صلى الله عليه وسلم- لتلك المرأة قد اغتبتها قومي فتحلليها وبأنه لو أجزأ هذا الاستغفار لأجزأ في أخذ المال وأجيب بمنع المعارضة بأن يحمل هذا على أنه أمر بالأفضل أو بما يمحو أثر الذنب بالكلية على الفور بخلاف الأول فإنه ليس كذلك وبوضوح الفرق بين الغيبة وأخذ المال ومن ثم وجهوا القول بأنها صغيرة مع عظيم ما ورد فيها من الوعيد بأن عموم ابتلاء النّاس بها اقتضى المسامحة بكونها صغيرة لئلا يلزم فسق النّاس إلا الفذ النادر منهم وهذا حرج عظيم فلأجله خفف فيها بذلك فلم تكن كالأموال حتى تقاس بها. قوله: (وهل يكفيه الخ) أي هل يكفي الاستحلال من الغيبة المجهولة وقد حكي الوجهين في الروضة ورجح هنا أنه لا بد من بيانها وتعيينها وعلله بقوله لأن الإنسان الخ لكن في الزواجر كلام الحليمي وغيره يقتضي الجزم بالصحة لأن من يسمح بالعفو من غير كشف وقد وطن نفسه عليه مهما كانت الغيبة ويوافقه قول الروضة قلت ومثله عبارة الأذكار الآتية وأما حديث أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم الخ فمعناه لا أطلب مظلمتي في الدنيا ولا في الآخرة وهذا ينفع في إسقاط مظلمة كانت

غيبة دون غيبة، فإن كان صاحب الغيبة ميتاً أو غائباً فقد تعذَّر تحصيل البراءة منها، لكن قال العلماء: ينبغي أن يكثر من الاستغفار له والدعاء ويكثر من الحسنات. واعلم أنه يستحب لصاحب الغيبة أن يبرئه منها ولا يجب عليه ذلك لأنه تبرُّعٌّ وإسقاط حق، فكان إلى خِيرته، ولكن يستحب له استحباباً متأكّداً الإبراءُ ليخلّص أخاه المسلم من وبال هذه المعصية، ويفوزَ هو بعظيم ثواب ـــــــــــــــــــــــــــــ موجودة قبل الإبراء لا ما يحدث بعده الخ ففي عبارتهما هذه تصريح بالسقوط مع الجهل بالمبرأ منه الواقع من قبل فيوافق قضية كلام الحليمي. فائدة نقل ابن القشيري عن القاضي أنه لو أظهر الاعتذار بلسانه حتى طاب قلب خصمه كفاه وعن أبي هاشم أنه لو أظهر بلسانه دون باطنه لم يكف ثم قال والحق إنه لو لم يخلص فيه كان ذنباً فيما بينه وبين الله والأظهر بقاء مطالبة خصمه في الآخرة لأنه لو علم عدم إخلاصه في اعتذاره لتأذى بذلك وما ذكره صرح به الإِمام فقال عليه أن يخلص في الاعتذار إذ هو قول النفس عند أصحابنا والعبارة ترجمة عنه فإن لم يخلص فهو ذنب فيما بينه وبين الله ويحتمل أن تبقي لخصمه عليه مطالبة في الآخرة لأنه لو علم أنه غير مخلص لما رضي اهـ. ومحل اعتبار استحلاله بتفصيله في الغيبة باللسان أما غيبة القلب فلا يجب الإخبار بها على قياس ما صححه المصنف في الحسد ونظر فيه الأذرعي اهـ. ملخصاً من الزواجر. قوله: (فإن كان صاحب الغيبة ميتاً الخ) مثله ما إذا تعسر بأن كان بغيبة شاسعة. قوله: (تعذر تحصيل البراءة) ولا اعتبار بتحليل الورثة كما ذكره الحناطي وغيره وأقره في الروضة. قوله: (ويكثر من الحسنات) أي فإنها تذهب السيئات وسبق دليله آنفاً في كلام ابن الصلاح. قوله: (ولكن يستحب له استحباباً مؤكداً) وجه الاستدراك أنه لما قال في تعليل عدم الوجوب فكان إلى خيرته ربما يتوهم أن طلب الإبراء وإن كان سنة إلا أنه ليس على سبيل التأكيد فيكون من الأدب القريب من المباح في الخيرة في الترك فدفع هذا الوهم بما ذكره من قوله ولكن يستحب له أي لصاحب الغيبة استحباباً متأكداً الإبراء. قوله: (من وبال هذه المعصية) أي عذابها والوبال في الأصل الثقل والذي يندفع

الله تعالى في العفو ومحبة الله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] وطريقه في تطييب نفسه بالعفو أن يُذَكِّرَ نَفْسَه أن هذا الأمر قد وقع، ولا سبيل إلى رفعه، فلا ينبغي أن أفوِّت ثوابه وخلاص أخي المسلم، وقد قال الله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 43] قال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ ... } الآية [الأعراف: 199] والآيات بنحو ما ذكرنا كثيرة. وفي الحديث الصحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "وَاللهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أخِيهِ" وقد قال الشافعي رحمه الله: من استُرضيَ فلم يَرْضَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالإبراء حق الإنسان ويبقى حق الله حيث تجرأ على معصيته سامحنا الله مما جنينا بمنه وكرمه. قوله: (في العفو) في سببية والظرف في محل الصفة لثواب. قوله: (ومحبة الله) عطف على عظيم وفيه ترق لأن الثواب هو الجنة والمحبة منه عزّ وجلّ المراد منها غايتها من الرضا وإرادة التوفيق بالعبد فهي أعلى لأن الثواب بالجنة من بعض ثمرات المحبة. قوله: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} سبق الكلام على ذلك في باب ما يقول إذا غضب. قوله: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} أي عن ظلمهم {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} لهذه الأفعال أي يثيبهم. قوله: (ولا ينبغي أن أفوِّت ثوابه) أي عفوه بالامتناع منه. قوله: (ومن صبر) أي على ظلامته فلم ينتصر (وغفر) تجاوز (إن ذلك) أي الصبر والتجاوز (لمن عزم الأمور) أي معزومها بمعنى المطلوبات شرعاً. وقوله: ({خُذِ الْعَفْوَ} الآية) تقدم الكلام فيها في باب الإعراض عن الجاهلين. قوله: (وفي الحديث الصحيح) رواه مسلم من جملة حديث طويل من حديث أبي هريرة. قوله: (والله في عون العبد) أي إعانته. قوله: (ما كان العبد) أي ما دام (في عون أخيه) ففيه فضيلة عون الأخ على أموره وأهمها أمور دينه إن كان الحق له أو بالتماس العفو من صاحب الحق إن كان لغيره وبوعظه وتذكيره بسوء العصيان وإعانته عليه بأن ينقذه من العذاب بالعفو عنه فضل ولا فرق في الإعانة بين كونها بالقلب أو البدن أو بهما. قوله: (قال الشافعي الخ) ورد في هذا المعنى خبر مرفوع صحيح عند ابن

فهو شيطان. وقد أنشد المتقدِّمون: قيل لي: قد أساءَ إليك فلانٌ ... ومُقام الفتى على الذلِّ عارُ قلت: قد جاءنا وأحْدَثَ عُذْراً ... دِيةُ الذَّنْبِ عندنا الاعتذارُ فهذا الذي ذكرناه من الحثِّ على الإبراء عن الغيبة هو الصواب. وأما ما جاء عن سعيد ابن المسيب أنه قال: لا أحلِّل من ظلمني. وعن ابن سيرين: لم أحرُمها عليه فأحلِّلها له، لأن الله تعالى حرَّم الغيبة عليه، وما كنت لأحلِّل ما حرَّمه الله تعالى أبداً، فهو ضعيف أو غلط، فإن المبرئ لا يحلِّل محرَّماً، وإنما يُسْقِط حقاً ثبت له، وقد تظاهرت نصوص الكتاب والسُّنَّة على استحباب العفو وإسقاط الحقوق المختصة بالمسقط، أو يحمل كلام ابن سيرين على أني لا أبيح غيبتي أبداً، وهذا صحيح فإن الإنسان لو قال: أبحت عرضي لمن اغتابني لم ـــــــــــــــــــــــــــــ ماجه من حديث جودان قال قال -صلى الله عليه وسلم- من اعتذر إليه أخوه بمعذرة فلم يقبلها كان عليه من الخطيئة مثل صاحب مكس وأخرجه الضياء أيضاً وحينئذٍ ففي كلام الشافعي اقتباس. قوله: (فهو شيطان) أي مثل الشيطان في الكبر والنظر للنفس إذ لولا ذلك لقبل عذر أخيه وقد اعتذر إليه. قوله: (فهذا الذي ذكرناه الخ) وهو مذهب إمامنا الشافعي وإليه ذهب محمد بن سيرين والقاسم بن محمد كما تقدم نقله عن القرطبي في أذكار المساء والصباح وأيده بأن التمسك بالعموم هو الأصل لا سيما مع حديث أبي ضمضم. قوله: (وعن ابن سيرين الخ) لعل له في المسألتين قولين أحدهما جواز العفو مطلقاً وهو ما نقله عنه القرطبي والثاني المنع كذلك وهو ما نقله المصنف هنا. قوله: (لا يحلل محرماً) أي لا يصبر الغيبة حلالاً بأن جوز أن يغتابه أحد في مستقبل الزمن (وإنما يسقط حقاً ثبت له) بالغيبة السابقة مع بقائها على وصف الحرمة أي وإذا بطلت العلة بطل المعلول إن لم يكن له علة

باب في النميمة

يَصِرْ مباحاً، بل يحرم على كل أحد غِيبة غيره. وأما الحديث "أيَعْجزُ أحَدُكُمْ أنْ يَكُونَ كأبي ضَمْضَم كانَ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيتِهِ قالَ إني تَصَدَّقْتُ بِعِرْضِي على النَّاسِ" فمعناه: لا أطلب مظلمتي ممن ظَلمني لا في الدنيا ولا في الآخرة، وهذا ينفع في إسقاط مظلمة كانت موجودة قبل الإبراء، فأما ما يحدث بعده، فلا بدَّ من إبراءٍ جديدٍ بعدَها، وبالله التوفيق. باب في النميمة ـــــــــــــــــــــــــــــ أخرى صحيحة. قوله: (كما تحرم غيبة غيره) أي ممن لم يقل ذلك. قوله: (ممن ظلمني) أي ممن وقع ظلمه لي وتحقق فعله، وقوله فمعناه الخ: يقتضي صحة العفو عن الغيبة وإن لم يعين لصاحب الغيبة كما تقدم عن الزواجر فيخالف كلامه السابق من أن الأظهر اعتبار التعيين وتقدم ما فيه. قوله: (بعده) أي بعد ذلك القول. باب في النميمة قال ابن سيدة هي التوريش والإغراء ورفع الحديث على وجه الإشاعة والإفساد وفي الجامع ثم الرجل إذا أظهر ما عنده من الشر وفي مجمع الغرائب النمام الساعي بين النّاس بالشر وقال أبو عبيد في غريبه نميت الحديث بالتشديد في الشر ونميت بالتخفيف بالخير وقال في الصحاح ثم الحديث ينمه وينمه -أي بالضم والكسر- أي قته والاسم النميمة والرجل نم ونمام وزاد غيره ونموم ومنم والاسم الميم أيضاً كما قال {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} وقيل هو اسم جنس واحده نميمة كتمر وتمرة كذا في شرح العمدة للقلقشندي وقال ابن حجر الهيتمي في رسالته في الغيبة بعد أن نقل كلام الغزالي في تعريف النميمة كما ذكره عنه المصنف وزاد فإن كان ما ينم به نقصاً في المحكي فنميمة وغيبة انتهى كلام الغزالي أي وهو يقتضي أن بينهما العموم والخصوص الوجهي وكلام أئمتنا لا يساعده بل الحاصل من كلامهم أن بينهما عموماً وخصوصاً مطلقاً فكل

قد ذكرنا تحريمها ودلائلها وما جاء في الوعيد عليها، وذكرنا بيان حقيقتها، ولكنه مختصر، ونزيد الآن في شرحه. قال الإِمام أبو حامد الغزالي رحمه الله: النميمة إنما تطلق في الغالب على من يَنِمُّ قولَ الغير إلى المقول فيه، كقوله: فلان يقول فيك كذا، وليست النميمة مخصوصة بذلك، بل حدُّها: كشف ما يكره كشفه، سواء كرهه المنقول عنه، أو المنقول إليه، أو ثالث، وسواء كان الكشف بالقول أو الكتابة أو الرمز أو الإيماء أو نحوها، وسواء كان المنقول من الأقوال أو الأعمال، وسواء كان عيباً أو غيره، فحقيقة النميمة: إفشاء السرِّ، وهتك الستر عما يكره كشفه، وينبغي للإنسان أن يسكتَ عن كل ما رآه من أحوال النّاس إلا ما في حكايته فائدة لمسلم أو دفع معصية، واذا رآه يخفي مال ـــــــــــــــــــــــــــــ نميمة غيبة وليس كل غيبة نميمة فإن الإنسان قد يذكر أخاه بما يكره ولا إفساد فيه بينه وبين أحد فهذا غيبة فقط وقد يذكر عن غيره ما يكره وفيه إفساد فهذا غيبة ونميمة اهـ. قوله: (قد ذكرنا تحريمها) أي وإنها من أقبح القبائح أي من الكبائر قال الحافظ المنذري أجمعت الأئمة على تحريم النميمة وأنها من أعظم الذنوب عند الله وتقدم الجواب عن قوله وما يعذبان في كبير في أول باب في تحريم الغيبة والنميمة، وكونها من الكبائر مبني على تفسير الكبيرة بما فيه وعيد شديد وهو كما في المصنف والرافعي أكثر ما يوجد لهم وكلامهم أميل إليه عند تفاصيل الكبائر وبه يندفع اعتراض الكرماني على المصنف في عده النميمة من الكبائر بأنه لا يصح على قاعدة الفقهاء لأن الكبيرة عنهم هي الموجبة للحد ولا حد على مرتكب النميمة إلا أن يقال الإصرار على الصغيرة حكمه حكم الكبيرة أو أراد بالكبيرة معنى غير المعنى الاصطلاحي اهـ. قوله: (من ينم قول الغير إلى المقول فيه) أي على وجه الإفساد بينهم. قوله: (وليست النميمة مخصوصة بذلك الخ) قال في الزواجر وما ذكره إن أراد بكونه نميمة أنه كبيرة في سائر الأحوال

نفسه فذكره، فهو نميمة. قال: وكل من حُمِلت إليه نميمة وقيل له: قال فيك فلان كذا، لزمه ستة أمور. الأول: أن لا يصدِّقه، لأن النَّمام فاسق، وهو مردود الخبر. الثاني: أن ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبِّح فعله. الثالث: أن يُبغِضَهُ في الله تعالى، فإنه بغيض عند الله تعالى، والبُغض في الله تعالى واجب. الرابع: ـــــــــــــــــــــــــــــ التي ذكرها ففيه بإطلاقه نظر ظاهر لأن ما فسروا به النميمة لا يخفى أن وجه كونه كبيرة ما فيه من الإفساد المترتب عليه من المضار والمفاسد ما لا يخفى نحو الحكم على ما هو كذلك بأنه كبيرة ظاهر جلي وليس في معناه بل ولا قريباً منه مجرد الإخبار بشيء عمن يكره كشفه من غير أن يترتب عليه ضرر ولا هو عيب ولا نقص فالذي يتجه أن هذا وإن سلم للغزالي تسميته نميمة لا يكون كبيرة ويؤيده أنه نفسه شرط في كونه غيبة كونه عيباً ونقصاً حيث قال فإن كان ما ينم به نقصاً وعيباً في المحكي عنه فهو غيبة فإذا لم توجد الغيبة إلا مع كونه نقصاً فالنميمة أقبح من الغيبة ينبغي أن لا توجد بوصف كونها كبيرة إلا إذا كان فيما ينم به مفسدة كمفسدة الغيبة وإن لم يصل إلى مفسدة الإفساد بين النّاس اهـ. قوله: (لأن النمام فاسق) قال في الزواجر إجماعاً (وهو مردود في الخبر) قال تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} الآية وحكي أن سليمان بن عبد الملك عاتب من نم عليه عنده بحضرة الزهري فأنكر الرجل فقال له من أخبرني صادق فقال الزهري النمام لا يكون صادقاً فقال له سليمان صدقت اذهب أيها الرجل بسلام ومن كلامهم من نم لك نم عليك وهذه إشارة إلى أن النمام ينبغي أن يبغض ولا يؤتمن ولا يوثق بصداقته وكيف لا يبغض وهو لا ينفك عن الكذب والغيبة والغل والحسد والإفساد بين النّاس والخديعة وهو ممن سعى في قطع ما أمر الله به أن يوصل ذكره في الزواجر. قوله: (ويقبح فعله) أي بنحو ما ذكره المصنف عن عمر بن عبد العزيز. قوله: (أن يبغضه في الله تعالى) إن لم تظهر له التوبة. قوله: (والبغض في الله تعالى واجب) في للسببية أي بسبب وبغض

باب النهي عن نقل الحديث إلى ولاة الأمور إذا لم تدع إليه ضرورة لخوف مفسدة ونحوها

أن لا يظنَّ بالمنقول عنه السوء، لقول الله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} [الحجرات: 12]. الخامس: أن لا يحملك ما حكى لك على التجسس والبحث عن تحقيق ذلك، قال الله تعالى: {وَلَا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12]. السادس: أن لا يرضى لنفسه ما نهى النَّمام عنه، فلا يحكي نميمته. وقد جاء أن رجلاً ذكَر لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه رجلاً بشيء، فقال عمر: إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت كاذباً فأنت من أهل هذه الآية {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] وإن كنت صادقاً، فأنت من أهل هذه الآية {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم: 11] وان شئت عفونا عنك، فقال: العفو يا أمير المؤمنين، لا أعود إليه أبداً. ورفع إنسان رقعة إلى الصاحب بن عبَّاد يحثُّه فيها على أخذ مال يتيم وكان مالاً كثيراً، فكتب على ظهرها: النميمة قبيحة وإن كانت صحيحة، والميت رحمه الله، واليتيم جبره الله، والمال ثمَّره الله، والساعي لعنه الله. باب النهي عن نقل الحديث إلى ولاة الأمور إذا لم تدع إليه ضرورة لخوف مفسدة ونحوها روينا في كتابي أبي داود والترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه ـــــــــــــــــــــــــــــ الله له لمخالفته لأمره وبغض الله تعالى كناية عن إرادة الانتقام أو نفس الانتقام. قوله: (ألا يظن بالمنقول عنه السوء) أي لأنه لم يتحقق أن ما نقل إليه عنه صدر عنه ولا يجوز الظن بالسوء فيما كان كذلك. باب النهي عن نقل الحديث إلى ولاة الأمور أي على وجه الإفساد والإضرار بالمنقول عنه وهو قريب من النميمة. قوله: (إذا لم تدع إليه ضرورة) فإن دعت إليه ضرورة كأن قال إنسان لأطلعن الكفار على عورات المسلمين وتوهم منه فعل ذلك رفع ذلك لولاة الأمور ليقمعوه ويدفعوا ما أراد من المفسدة ويدل له حديث زيد بن أرقم في البخاري في رفع ما قاله ابن أبي.

باب النهي عن الطعن في الأنساب الثابتة في ظاهر الشرع

قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يُبَلِّغْني أحدٌ مِنْ أصْحابي عَنْ أحَدٍ شَيئاً، فإني أحِبُّ أنْ أخرُجَ إلَيكُمْ وأنا سَلِيمُ الصَّدْرِ". باب النهي عن الطعن في الأنساب الثابتة في ظاهر الشرع قال الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36]. وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "اثْنَتَا في النّاسِ هُما بِهِمْ كُفْرٌ: الطعْنُ في النَّسَبِ، والنُياحَةُ على المَيِّتِ". باب النهي عن الافتخار قال الله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: 32]. وروينا في "صحيح ـــــــــــــــــــــــــــــ باب النهي عن الطعن في الأنساب الثابتة في ظاهر الشرع الطعن في النسب هو قدح بعض النّاس في نسب بعض من غير علم وقال العلقمي في شرح الجامع الصغير الطعن في الأنساب الوقوع في أعراض النّاس بالذم والغيبة ونحوهما وخرج بالثابتة في ظاهر الشرع وهي ما كانت عن فراش أو ملك يمين ما إذا كان إنسان مجهول النسب وانتسب إلى إنسان لم يثبت نسبه منه في ظاهر الشرع. قوله: (ولا تقف أي) لا تتبع. قوله: (والفؤاد) أي القلب وقيل بل هو أخص من القلب. قوله: (كان عنه مسؤولاً) أي يسأل صاحبه ماذا فعل به. قوله: (وروينا في صحيح مسلم) وكذا رواه أحمد كما في الجامع الصفير والحديث قد تقدم الكلام عليه في باب تحريم النياحة. باب النهي عن الافتخار قوله: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} أي لا تنسبوها إلى زكاة العمل والطهارة عن المعاصي ولا تثنوا عليها واهضموها. وقوله: (هو اعلم بمن اتقى) أي اتقى الشرك وقال علي رضي الله عنه أي عمل حسنة وارعوى عن معصية والجملة كالتعليل لما قبلها أي إذا كان هو أعلم بأرباب التقى فلا تزكوا أنفسكم بالثناء. قوله: (وروينا في صحيح

مسلم" وسنن أبي داود وغيرهما عن عياض بن حمار الصحابي رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن اللهَ تَعَالى أوحَى إلي أنْ تَواضعُوا حتَّى لا يَبْغِيَ أحدٌ على أحَدٍ وَلا يَفْخَرَ أحدٌ على أحَدٍ". ـــــــــــــــــــــــــــــ مسلم) وكذا رواه ابن ماجه من حديث عياض بن حمار ورواه البخاري في الأدب وابن ماجه أيضاً من حديث أنس وقال فيه بعد قوله تواضعوا ولا يبغي بعضكم على بعض وليس فيه قوله ولا تفخروا الخ فهو شاهد لأول الحديث. قوله: (عن عياض بن حمار) وهو عياض بكسر المهملة وتخفيف التحتية آخره ضاد معجمة ابن حمار بكسر المهملة وتخفيف الميم ابن أبي حمار بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم وقيل عياض ابن حمار بن عرفجة بن ناجية يجتمع هو والأقرع بن حابس في عقال بن محمد بن سفيان التميمي المجاشعي كانت له وفادة وهو معدود في البصريين خرج عنه مسلم حديثاً واحداً وخرج عنه الأربعة روى عنه مطرف ويزيد ابنا عبد الله بن الشخير والحسن وأبو الساج وكان صديقاً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- قديماً وكان إذا قدم مكة لا يطوف إلا في ثياب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عاش إلى حدود الخمسين. قوله: (إن تواضعوا) تفاعل من الضعة وهي الذل والهوان. قوله: (حتى لا يبغي أحد على أحد) أصل البغي مجاوزة الحد كما في النهاية وقريب منه قول بعضهم البغي التعدي والاستطالة وقال العاقولي البغي الظلم. قوله: (ولا يفخر أحد على أحد) في النهاية الفخر ادعاء العظم والكبر والشرف وحتى في الحديث للتعليل فإن البغي على الغير والافتخار إنما يكون لمن تكبر بنفسه واستطال بما قام بها أما من شرف بخلق التواضع فإنه يتحلى بحلية حديث المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.

باب النهي عن إظهار الشماتة بالمسلم

باب النهي عن إظهار الشماتة بالمسلم روينا في كتاب الترمذي عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تُظْهِرِ الشَّماتَةَ لأخيكَ فَيَرْحَمُهُ اللهُ ويَبْتَلِيكَ" قال الترمذي: حديث حسن. باب تحريم احتقار المسلمين والسخرية منهم قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 79] وقال ـــــــــــــــــــــــــــــ باب النهي عن إظهار الشماتة بالمسلم فرح الإنسان ببلية تنزل بمن يعاديه يقال شمت به يشمت من باب علم فهو شامت وأشمته غيره كذا في النهاية قال العاقولي ويقال أشمت الله به العدو. قوله: (عن واثلة) بالمثلثة (ابن الأسقع) بالقاف والعين المهملة الليثي الكناني من أهل الصفة وأول مشاهده تبوك وشهد فتح دمشق وحمص واستوطن الشام بقرب بيت المقدس ورحل إلى البصرة وكان له بها دار وكان فارساً شجاعاً ممدوحاً فاضلاً قال المصنف في التهذيب روي له عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ستة وخمسون حديثاً روى البخاري حديثاً ومسلم آخر روى عنه مكحول ويونس بن ميسرة مات سنة ست وثمانين عن مائة وخمسين وقيل عن ثمان وتسعين سنة. قوله: (لا تظهر الشماتة) أي الفرح ببلية أخيك. قوله: (فيرحمه الله) أي فيتسبب عن كسر خاطره بإظهار الفرح ببليته رحمة الله له رغماً لأنفك فيزول عنه ذلك (ويبتليك) قال العاقولي أي حيث زكيت نفسك اهـ. والظاهر أنه بالنصب عطفاً على يرحمه ولو روي بإسكان الياء على الاستئناف لم يمتنع أو على أنه منصوب حذفت الفتحة منه لازدواجه بآخر الفقرة قبله والله تعالى أعلم. باب تحريم احتقار المسلمين والسخرية منهم قوله: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ} أي يعيبون. قوله: {فَيَسْخَرُونَ} عطف على يلمزون. قوله: {سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُم} أي جازاهم على سخريتهم وهذه الجملة خبر عن الذين إذ هو مبتدأ ثم الآية

الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ نزلت فيمن عاب المتصدقين وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حث على الصدقة فتصدق عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف وأمسك مثلها فبارك له الرسول فيما أعطي وفيما أمسك وتصدق عمر بنصف ماله وعاصم بن عدي بمائة وسق وعثمان بن عفان بصدقة عظيمة وأبو عقيل الاياسي بصاع تمر وترك لعياله صاعاً وكان أجر نفسه يسقي نخلا بهما وتصدق رجل بناقة عظيمة وقال هي وذو بطنها صدقة يا رسول الله وألقى إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطامها فقال المنافقون ما تصدق هؤلاء إلا رياء وسمعة وما تصدق أبو عقيل إلا ليذكر بنفسه فيعطى من الصدقات والله غني عن صاعه وقال بعضهم تصدق بالناقة وهي خير منه وكان الرجل أقصر النّاس قامة وأشدهم سواداً فنظر إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال بل هو خير منك ومنها يقولها ثلاثاً. قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} السخرية النظر إلى المسخور منه بعين النقص أي لا تحقر غيرك عسى أن يكون عند الله خيراً منك وأفضل وأقرب فرب أشعت أغبر ذي طمرين لا يؤبه به لو أقسم على الله لأبره وقد احتقر إبليس اللعين آدم عليه السلام فباء بالخسران الأبدي وفاز آدم بالعز الأبدي وشتان ما بينهما وقد يحتمل أن يكون المراد بعسى يصير أي لا تحتقر غيرك فإنه ربما صار عزيزاً وصرت ذليلاً فينتقم منك قال الشاعر: لا تهين الفقير علك أن ... تركع يوماً والدهر قد رفعه قوله: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} أي لا يعب بعضكم على بعض وتقدم في أول باب الغيبة والنميمة

وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ... } الآية [الحجرات: 11]. وقال تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة: 1]. وأما الأحاديث الصحيحة في هذا الباب فأكثر من أن تحصر، وإجماع الأمة منعقد على تحريم ذلك، والله أعلم. وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة ـــــــــــــــــــــــــــــ معنى اللمز والفرق بينه وبين الهمز. قوله: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} تقدم سبب نزول الآية في باب النهي عن الألقاب التي يكرهها الإنسان والنبز الطرح، واللقب كما تقدم ثمة ما أشعر برفعة المسمى أو ضعته أي لا تراموا بها وهو هنا أن يدعى الإنسان بغير ما سمي به وبنحو يا منافق يا فاسق وقد تاب من فسقه أقوال أولها عليه الأكثر وقدمت السخرية لأنها أبلغ الثلاثة في الإذاية لاستدعائها تنقيص المرء في حضرته ثم اللمز لأنه العيب بما في الإنسان وهذا دون الأول ثم النبز وهو نداؤه بلقبه وهذا دون الثاني إذ لا يلزم مطابقة معناه للقبه فقد يلقب الحسن بالقبيح وعكسه وكأنه قال لا تتكبروا فتستحقروا إخوانكم بحيث لا تلتفتوا إليهم أصلاً وأيضاً لا تعيبوهم طلباً لحط درجاتهم وأيضاً فلا تسموهم بما يكرهون ونبه تعالى بقوله أنفسكم على دقيقة ينبغي التفطن لها هي أن المؤمنين كلهم بمنزلة البدن الواحد إذا اشتكى بعضه اشتكى كله فمن عاب غيره ففي الحقيقة إنما عاب نفسه نظراً لذلك وأيضاً فتعييبه للغير تسبب إلى تعييب الغير له فكأنه الذي عاب نفسه فهو على حد الخبر الآخر لا يسبن أحدكم أباه قالوا وكيف يسب أباه قال يسب أبا الرجل فيسب أباه وغاير بين صيغتي تلمزوا وتنابزوا لأن الملموز قد لا يقدر في الحال على عيب يلمز به لامزه فيحتاج إلى تتبع أحواله حتى يظفر ببعض عيوبه بخلاف النبز فإن من لقب بما يكره قدر على تلقيب الآخر بنظير ذلك حالاً فوقع التفاعل، وقوله بئس: الاسم الفسوق أي من فعل أحد هذه الثلاثة استحق اسم الفسق وهو غاية النقص بعد أن كان كاملاً بالإيمان وضم عزّ وجلّ إلى هذا الوعيد قوله: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} إشارة إلي عظم إثم كل واحد من الثلاثة. قوله: ({وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} تقدم الكلام عليها في أول باب تحريم الغيبة والنميمة. قوله: (روينا في صحيح مسلم) تقدمت الإشارة إلى تخريجه في باب

رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تَحاسَدُوا ولا تَنَاجَشُوا، وَلا تَباغَضُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَلا يَبْغ بَعْضُكُمْ على بَعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ الله إخوَاناً، المُسلِمُ أخُو المُسْلِم، لا يَظْلِمُهُ، وَلا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحقُرُه، التَّقْوى هاهُنا -ويشير إلى صدره ثلاث مرات- بحَسْبِ امرئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ، كل المُسْلِمِ على المُسْلِمِ حَرَام: دَمُهُ ومالُهُ وَعِرْضُهُ". قلت: ما أعظم نفع هذا الحديث وأكثر فوائده لمن تدبَّره. وروينا في "صحيح مسلم" عن ابن مسعود ـــــــــــــــــــــــــــــ تحريم الغيبة والنميمة. قوله: (لا تحاسدوا) أي لا تتحاسدوا والحسد إنبعاث القوة إلى محبة زوال نعمة الغير وإن لم تحصل له والغبطة أن يتمنى مثل ما للغير وهو في يكون واجباً إذا كانت النعمة دينية واجبة أو مندوباً كما في تشهير العلم أو مباحاً والحسد مذموم شرعاً وعقلاً. قول: (ولا تَناجشوا) هو تفاعل من النجش وهو إثارة الصيد والمراد إثارة بعضهم بعضاً بالفتنة أو برفع الثمن للمعروض وهو غير راغب بل ليخدع غيره. قوله: (ولا تباغضوا) أي لا تشتغلوا بأسباب العداوة إذ المحبة والعداوة مما لا اختيار فيه وقيل لا توقعوا العداوة والبغضاء بين المسلمين فيكون نهياً عن النميمة لما فيها من تأسيس الفساد. قوله: (ولا تدابروا) أي لا تتكلموا في أدبار اخوانكم بالغيبة والبهتان وقيل لا تقاطعوا لأنه إذا فعل ذلك أعرض كل عن صاحبه وولى دبره وقيل لا تولوا أدباركم استثقالا بل ابسطوا وجوهكم. قوله: (ولا يبع بعضكم على بيع بعض) بأن تدعوا المشتري قبل لزوم البيع إلى الفسخ ليبيع منه مثله. قوله: (وكونوا عباد الله إخوانا) خبر كان وعباد الله منصوب على الاختصاص أو خبر قبل خبر أو على النداء يعني أنتم مستوون في كونكم عبيد الله وملتكم واحدة فلا تحاسدوا والتباغض والتقاطع منافيان لحالكم وباقي الحديث تقدم الكلام عليه في الباب المذكور. قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) وكذا رواه أبو داود كما أشار إليه المصنف فيما يأتي نقله عنه في

رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ [كان] في قَلْبهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِنْ كبْرٍ، فقال رجل: إن الرجل يحبُّ أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنةً، ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله غمط النّاس ورواه الترمذي كما في الترغيب للمنذري وقد رواه الحاكم فقال ولكن الكبر من غمط الحق وازدرى النّاس وقال احتجا برواته. قوله: (لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر) اختلف في تأويله فذكر الخطابي فيه وجهين أحدهما أن المراد التكبر عن الإيمان فصاحبه لا يدخل الجنة أصلاً إذا مات، والثاني أنه لا يكون في قلبه كبر حال دخوله الجنة كما قال تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} قال المصنف في شرح مسلم وهذان التأويلان فيهما بعد فإن هذا الحديث ورد في سياق النهي عن الكبر المعروف وهو الارتفاع على النّاس واحتقارهم ودفع الحق فلا ينبغي أن يحمل على هذين التأويلين المخرجين له عن المطلوب بل الظاهر ما اختاره القاضي عياض وغيره من المحققين أنه لا يدخلها دون مجازاة إن جازاه وقيل هذا جزاؤه لو جازاه وقد تكرم بأنه لا يجازيه بل لا بد أن يدخل كل الموحدين الجنة إما أولاً وإما ثانياً بعد تعذيب أصحاب الكبائر الذين ماتوا مصرين عليها وقيل لا يدخلها مع المتقين أول وهلة وأما قوله -صلى الله عليه وسلم- لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فالمراد به دخول الكفار وهو دخول الخلود قلت قال القرطبي أولاً يدخل النار المعدة للكفار اهـ. وفي الحديث زيادة الإيمان ونقصه. قوله: (فقال رجل) قال المصنف هذا الرجل هو مالك بن مرارة الرهاوي، قاله القاضي عياض وأشار إليه أبو عمر بن عبد البر وقد جمع الحافظ أبو القاسم بن بشكوال في اسمه أقوالاً من جهات فقيل هو أبو ريحانة واسمه شمعون ذكره ابن الأعرابي وقال علي بن المديني في الطبقات اسمه ربيعة بن عامر وقيل سواد بالتخفيف ابن عمرو ذكره ابن السكن وقيل معاذ بن جبل ذكره ابن أبي الدنيا في كتاب الخمول، والتواضع وقيل مالك بن مرارة بضم الميم وبراء مكررة آخرها هاء الرهاوي ذكره أبو عبيد في غريب الحديث وقيل عبد الله بن عمرو بن العاص ذكره معمر في جامعه وقيل خريم بن فاتك هذا

قال: إن اَللهَ جَميل يُحِب الجَمَالَ، الكِبْرُ: بَطَرُ الحَق وغَمْطُ النّاسِ". قلت: بطر الحقِّ، بفتح الباء والطاء المهملة وهو دفعه وإبطاله، وغمط، بفتح الغين المعجمة وإسكان الميم وآخره طاء مهملة، ويروى: غمص، بالصاد المهملة ومعناهما واحد وهو الاحتقار. ـــــــــــــــــــــــــــــ ما ذكره ابن بشكوال. قوله: (إن الله جميل) اختلفوا في معناه فقيل معناه كل أمره سبحانه حسن جميل فله الأسماء الحسنى وصفات الكمال وقيل جميل بمعنى مجمل ككريم بمعنى مكرم. وقال القشيري معناه مكرم وحكى الخطابي أنه بمعنى ذكر النور والبهجة أي مالكهما وقيل معناه جميل الأفعال بكم والنظر إليكم يكلفكم اليسير ويعين عليه ويثيب عليه الجزيل ويشكر عليه واعلم أن هذا الاسم ورد في الخبر الصحيح ولكنه من أخبار الآحاد وورد أيضاً في حديث الأسماء الحسنى وفي إسناده مقال والمختار جواز إطلاقه على الله تعالى وقد اختلف أهل السنة في تسمية الله تعالى ووصفه بوصف من أوصاف الكمال والجلال والمدح بما لم يرد به الشرع ولا منعه فأجازه طائفة ومنعه آخرون إلا أن يرد به شرع مقطوع به من نص كتاب أو سنة متواترة أو إجماع على إطلاقه فإن ورد خبر آحاد فقد اختلفوا فيه أجازه طائفة وقالوا الدعاء به والثناء من باب العمل وذلك جائز ومنعه آخرون لكونه راجعاً إلى اعتقاد ما يجوز أو يستحيل عليه تعالى وطريق هذا القطع قال القاضي والصواب جوازه لاشتماله على العمل ولقوله تعالى: {ولِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} اهـ. من شرح مسلم للمصنف ملخصاً. قوله: (دفعه) وإهماله على وجه التكبر والتجبر. قال العاقولي بطر الحق بفتح الموحدة والطاء والراء المهملتين قيل هو أن يجعل ما جعله الله حقاً من توحيده وعبادته باطلاً وقيل هو أن يتجبر عن الحق فلا يقبله والكل قريب ومعنى الحديث أن الهيئة الظاهرة متابعة الباطن فإن لبس أحد ثوباً حسناً ليرى أثر نعمة الله عليه فهو حسن وإن لبسه ليختال ويرى النّاس فضله عليهم احتقاراً لهم فهو قبيح لأنه مختال فخور. قوله: (وغمط النّاس الخ) قال المصنف كذا هو في نسخ صحيح مسلم قال القاضي عياض لم نرو هذا الحديث عن جميع شيوخنا هنا وفي البخاري

باب غلظ تحريم شهادة الزور

باب غلظ تحريم شهادة الزور قال الله تعالى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: 30] وقال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36]. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي بَكْرة نُفَيع بن الحارث رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أُنَبِّئُكُم بأكْبَرِ الكبائِرِ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ إلا بالطاء قال وبالطاء ذكره أبو داود في مصنفه وذكره أبو عيسى الترمذي وغيره غمص بالصاد وهما بمعنى واحد يقال في الفعل منه غمطه يغمطه كضرب يضرب وغمط يغمط كعلم يعلم اهـ. باب غلظ تحريم شهادة الزور قوله: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} أي الشرك بالله في تلبيتهم أو شهادة الزور وفي الإكليل قول الزور عام في كل باطل أخرج أحمد والترمذي من حديث خريم بن فاتك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال عدلت شهادة الزور الإشراك بالله ثم تلا هذه الآية اهـ. قوله: (ولا تقف ما ليس لك به علم) تقدم الكلام عليها في باب النهي عن الطعن في الأنساب. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) وكذا رواه الترمذي. قوله: (أنبئكم) وعند الترمذي أحدثكم دليل على أنه ينبغي للعالم أن يعرض على أصحابه ما يريد أن يخبرهم به وكثيراً ما كان يقع ذلك من المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ويحتمل ذلك أموراً منها أن يحدث عندهم قابلية لما يريد إخبارهم به لاحتمال كونهم مشغولين بشيء آخر ومنها حثهم على التفرغ والاستماع لما يريد إخبارهم به ومنها أن يكون وجد هناك سبب يقتضي التحذير مما يحذرهم أو الحض على الإتيان بما فيه صلاحهم. قوله: (بأكبر الكبائر) اختلف في تعريف الكبيرة والذي عليه عمل الفقهاء من أئمتنا أنها كل ذنب ورد فيه وعيد شديد بحد في الدنيا أو عقوبة في العقبى وقد استشكل بأن أكبر الكبائر لا يكون إلا واحداً وهو الشرك فكيف عدده

-ثلاثاً- قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشْرَاكُ بالله، وعُقُوقُ الوالدَيْنِ" وكان متكئاً فجلس فقال: ـــــــــــــــــــــــــــــ وأجيب بأجوبة أوضحها أن المراد الأكبر النسبي لا الحقيقي وهو يكون متعدداً والأكبر بالنسبة لبقية الكبائر أشياء متعددة أشار إليها وإلى أشباهها الشارع بقوله اتقوا الموبقات فالأكبر هنا لتعدده في الجواب يراد به الأكبر النسبي وأورد أن القتل ظلماً ونحو الزنى أعظم مما ذكر هنا ودفع بأان النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يراعي أحوال الحاضرين كما قال مرة أفضل الأعمال الصلاة ومرة أفضل الأعمال الجهاد فاختلاف الأقوال لاختلاف الأحوال. قوله: (ثلاثاً) إنما أعاد هذه الجملة ثلاثاً اهتماماً بشأن الخبر المذكور وأنه أمر له شأن ومن قال إن المراد بقوله ثلاثاً عدد الكبائر وهو حال فقد أبعد عن المرام في هذا المقام والله أعلم. قوله: (قلنا بلى يا رسول الله) بلى أي حدثنا يا رسول الله وفائدة النداء مع عدم الاحتياج إليه الإشارة إلى عظم الإذعان لرسالته المصطفوية وما ينشأ عنها من بيان الشريعة واستجلاب ما عنده من الكمالات العلية. قوله: (الإشراك باللهِ) أي الكفر به وخص الإشراك بالذكر لأنه أغلب أنواع الكفر سيما في بلاد العرب فذكره تنبيهاً على غيره. قوله: (وعقوق الوالدين) وكذا أحدهما لأن عقوق أحدهما يستلزم عقوق الآخر غالباً أو يجر إليه لأن من تجرأ على أحدهما تجرأ على الآخر وقيده في رواية الحاكم بالمسلمين فيحمل ذلك المطلق على هذا المقيد وهو من العق وهو لغة الشق والقطع وشرعاً أن يفعل به ما من شأنه أن يتأذى به تأذياً ليس بالهين في العرف لا بالنسبة للأصل بخصوصه على ما استظهره ابن حجر الهيتمي حتى لو أمر ولده بفراق حليلته أو بعدم فراقها لم تجب طاعته والمراد بالوالدين الأصلان وإن علوا ومال الزركشي الشافعي إلى إلحاق العم والخال بهما ولم يتابع عليه. قوله: (وجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) أي للتنبيه على عظم شهادة الزور وسبب الاهتمام به كون قول الزور أو شهادته أسهل وقوعاً على النّاس والتهاون بهما أكثر فإن الإشراك ينبو عنه قلب المسلم والعقوق يصرف عنه الطبع السليم والعقل القويم وأما الزور فالحوامل والبواعث عليه كثيرة

"ألا وَقَوْلُ الزُّورِ، وشهادَةُ الزُّورِ" فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت". قلت: ـــــــــــــــــــــــــــــ كالعداوة والحسد وغيرهما فاحتيج إلى الاهتمام بتعظيمه وليس ذلك لتعظيمه بالنسبة إلى ما ذكر معه من الإشراك قطعاً بل لكون مفسدته متعدية إلى الشاهد وغيره أيضاً بخلاف الإشراك بالله فإن مفسدته قاصرة على الفاعل غالباً وقيل خص شاهد الزور بذلك لأنها تشمل الكافر إذ هو شاهد زور وقيل واستوجهه بعضهم إن سببه أنه يترتب عليها الزنى والقتل وغيرهما فكانت أبلغ ضرراً من هذه الحيثية فنبه على ذلك بجلوسه وتكريره ذلك فيها دون غيرها. قوله: (إلا وقول الزور وشهادة الزور) يحتمل أن يكون من عطف الخاص على العام فإن قول الزور أعم من شهادة الزور ويحتمل أن العطف للتفسير وقال ابن دقيق العيد ينبغي أن يحمل على التأكيد ويجعل من باب العطف التفسيري فإنا لو حملنا القول على إطلاقه لزم كون الكذبة الواحدة مطلقاً كبيرة وليس كذلك قال ولا شك أن عظم الكذب مراتبه متفاوتة بحسب تفاوت مراتبه وقال بعضهم يحتمل أن يكون من عطف العام على الخاص لأن كل قول زور شهادة زور من غير عكس ويحمل قول الزور على نوع منه وفي النهاية الزور بضم الزاي الكذب والباطل والتهمة وقال الطبري أصل الزور تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته حتى يخيل لمن سمعه بخلاف ما هو به وقيل للكذب زور لأنه حائل عن جهته قال القرطبي شهادة الزور هي الشهادة بالكذب ليتوصل بها إلى الباطل من إتلاف نفس أو أخذ مال أو تحليل حرام أو تحريم حلال فلا شيء أعظم ضرراً منه ولا أكبر فساداً بعد الشرك بالله ولم يؤخر عنه العقوق لأن العطف بالواو التي لمطلق الجمع وهي لا تدل على الترتيب. قوله: (فما زال يقولها) أي ألا وما بعدها. قوله: (حتى قلنا ليته سكت) تمنوا سكوته شفقة عليه وكراهة لما عجه وخوفاً من أن يجري على لسانه ما يوجب

باب النهي عن المن بالعطية ونحوها

والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وفيما ذكرته كفاية، والإجماع منعقد عليه. باب النهي عن المنِّ بالعطيَّة ونحوها قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة: 264] قال ـــــــــــــــــــــــــــــ نزول البلاء عليهم وفي الحديث ما كانوا عليه من الأدب معه -صلى الله عليه وسلم- والمحبة والشفقة عليه وفيه أن الواعظ والمفيد ينبغي له أن يتحرى التكرار والمبالغة وإتعاب النفس في الإفادة حتى يرحمه السامعون والمستفيدون. قوله: (والأحاديث في الباب كثيرة) أورد منها جملة مستكثرة الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب قبيل كتاب الحدود. قوله: (والإجماع منعقد عليه) أي على غلط التحريم المترجم به والله أعلم. باب النهي عن المن بالعطية ونحوها المن بالعطية الاعتداد بها على من أعطاه أو يذكرها لمن لا يحب الآخذ إطلاعه عليها وهو مذموم يفسد ثواب العطية. قوله: (بالمن) قال الواحدي هو أن يمن بما أعطى وقال الكلبي بالمن على الله تعالى في صدقته اهـ. وقوله: (والأذى) أي للمتصدق عليه بأن ينهره أو يعيره أو يشتمه فهذا مثل المن في إسقاط الثواب والأجر وليس ظاهر الآية أنه يبطل الأجر المن والأذى معادون أحدهما لأن مدلول الآية طلب اتقاء كل منهما على أن قضية كلام سفيان أنهما متلازمان فإنه قال هما أن تقول قد أعطيت فما شكرت قال السيوطي في الإكليل قال النووي في المجموع يحرم المن بالصدقة فلو من بها بطل ثوابه للآية واستشكل ذلك ابن عطية بأن العقيدة أن السيئات لا تبطل الحسنات وقال غيره تمسك المعتزلة بهذه الآية في أصلهم أن السيئة تبطل الحسنة واستنبط العلم العراقي من هذه الآية دليلاً لقاعدة أن المانع الطارئ كالمقارن لأن الله تعالى جعل طريان المن والأذى بعد الصدقة كمقارنة الرياء لها في الابتداء قال ثم إن الله ضرب مثالين: "أحدهما" للمقارن المبطل في الابتداء في قوله {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ} الآية فهذا فيه أن الوابل الذي نزل قارنه الصفوان وهو الحجر الصلد وعليه التراب اليسير فأذهبه الوابل فلم يبق محل يقبل النبات

المفسرون: أي لا تبطلوا ثوابها. وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يوْمَ القِيامَةِ وَلا يَنْظُرُ إلَيهِمْ وَلا يُزكيهِم ولهُمْ عَذَابٌ أليم" فقرأها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث مرات، قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: "المُسْبِلُ، والمنَّانُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وينتفع بهذا الوابل كذلك الرياء وعدم الإيمان إذا قارنا إنفاق المال "الثاني" الطارئ في الدوام وأنه يفسد الشيء من أصله بقوله {أيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ} الآية فمعناها إن هذه الجنة لما تعطل الانتفاع بها بالاحتراق عند كبر صاحبها وضعفه وضعف ذريته فهو أحوج ما يكون إليها فكذلك طريان المن والأذى يحبطان أجر المتصدق أحوج ما يكون إليه يوم فقره وفاقته اهـ. قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة كما في الجامع الصغير. قوله: (ثلاثة) أي من النّاس أو أصناف ثلاثة أو هو مبتدأ أو جاز الابتداء به لما ذكر. قوله: (لا يكلمهم الله الخ) قال المصنف هو على لفظ الآية الكريمة قيل معنى لا يكلمهم أي لا يكلمهم تكليم أهل الخير وبإظهار الرضى بل بكلام السخط والغضب وقيل المراد الإعراض عنهم وقال جمهور المفسرين لا يكلمهم كلاماً ينفعهم ويسرهم وقيل لا يرسل إليهم الملائكة بالتحية ومعنى (لا ينظر إليهم) أي يعرض عنهم ونظره تعالى لعباده رحمته ولطفه بهم ومعنى (لا يزكيهم) لا يطهرهم من دنس الذنوب وقال الزجاجي وغيره معناه لا يثني عليهم (ولهم عذاب أليم) مؤلم قال الواحدي هو العذاب الذي يخلص إلى قلوبهم وجعه قال والعذاب كل ما يعني الإنسان ويشق عليه. قوله: (المسبل) اسم فاعل من الإسبال أي إرخاء نحو الإزار والقميص والعدبة على وجه الخيلاء كما جاء مفسراً في الحديث الآخر لا ينظر الله إلى من يجر ثوبه خيلاء والخيلاء الكبر وهذا التقييد بالجر خيلاء يخصص عموم المسبل ويدل على أن المراد بالوعيد من جره خيلاء قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر وقد قال إن أحد شقي إزاري ليسترخي إذا لم أتعاهده لست منهم إذ كان جره لغير الخيلاء بل جاء في رواية إنك لست ممن

باب النهي عن اللعن

والمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بالْحَلَفِ الكاذِبِ". باب النهي عن اللعن روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه وكان من أصحاب الشجرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لَعْنُ المُؤمِنِ كَقَتْلِهِ". وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ـــــــــــــــــــــــــــــ يصنعه خيلاء قوله وجاء في رواية عند مسلم والمنان الذي لا يعطي شيئاً إلا منة. قوله: (بالمحلف) بكسر اللام وإسكانها وممن ذكر الإسكان ابن السكيت في إصلاح المنطق. باب النهي عن اللعن قوله: (عن ثابت بن الضحاك وكان من أصحاب الشجرة) هو ثابت بن الضحاك بن أمية ابن ثعلبة بن جشم بن مالك بن سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج الأنصاري الخزرجي كذا نسبه ابن منده وأبو نعيم وقال أبو عمر سالم بن عمرو بن عوف بن الخزرج وكنيته أبو زيد كان يسكن الشام ثم انتقل إلى البصرة وهو أخو أبي جبيرة بن الضحاك كان ثابت بن الضحاك رديف النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الخندق ودليله إلى حمراء الأسد يوم أحد وكان ممن بايع تحت الشجرة بيعة الرضوان وكان صغيراً قاله ابن عبد البر ونظر فيه ابن الأثير بأن من كان دليلاً في حمراء الأسد وهي سنة ثلاث كيف يكون صغيراً في بيعة الرضوان وهي سنة ست ولا يكون الدليل إلا كبيراً وقوله إنه أخو أبي جبيرة غير مستقيم أيضاً لأن أبا جبيرة فيما نسبه ابن عبد البر والكلبي أنصاري أشهلي اهـ. روي له عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أربعة عشر حديث قاله ابن الجوزي في مختصر التلقيح وقال قال البرقي له أحاديث اتفقا منها على واحد وانفرد مسلم بحديث وخرج له الأربعة روى عنه أبو قلابة وغيره توفي سنة خمس وأربعين. قوله: (لعن المؤمن كقتله) أي في كون كل منهما مؤثماً وإن تفاوتت رتب الإثم. قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) وكذا رواه غيره ورواه الحاكم ولفظه قال لا يجتمع أن يكون

قال: "لا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أنْ يَكُونَ لَعَّاناً ". وروينا في "صحيح مسلم" أيضاً عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعاءَ ولا شُهَدَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ اللعانون صديقين كذا في الترغيب للمنذري. قوله: (لا ينبغي لصديق أن يكون لعاناً) أي لا ينبغي لمن هذه صفته أن يجعل اللعنة شعاراً له وإنما جاء هنا وفيما بعده بصيغة التكثير ولم يقل لاعناً لأن الذم في الحديث إنما هو لمن كثر منه اللعن لا لمرة ونحوها ولأنه يخرج منه أيضاً اللعن المباح وهو الذي ورد به الشرع وهو {لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} لعن الله اليهود والنصارى وغيرهم ممن هو مشهور في الأحاديث الصحيحة. قوله: (وروينا في صحيح مسلم ايضاً) ورواه أبو داود ولم يقل يوم القيامة كذا في الترغيب للمنذري. قوله: (لا يكون اللعانون) أي الذين صار اللعن شعارهم ودثارهم واشتهروا به لا يكونون (شفعاء) أي في إخوانهم الذين استوجبوا النار لأن الشفاعة طلب خلاص الغير من العذاب واللعنة طلب عذاب الغير فكيف يكون هذا وهما غيران متباينان (ولا شهداء) أي على الأمم بتبلغ الأنبياء عليهم السلام إليهم الرسالات وقيل لا يكونون شهداء في الدنيا أي لا تقبل شهادتهم لفسقهم وقيل لا يرزقون الشهادة في سبيل الله تعالى قال المصنف ففي الحديث الزجر عن اللعن وأن من تخلق به لا تكون فيه هذه الصفات الحميدة لأن اللعنة في الدعاء يراد بها الإبعاد من رحمة الله تعالى وليس الدعاء بهذا من أخلاق المؤمنين الذين وصفهم الله تعالى بالرحمة بينهم والتعاون على البر والتقوى وجعلهم كالبنيان يشد بعضه بعضاً فمن دعا على أخيه المسلم باللعنة وهي الإبعاد من رحمة الله تعالى فهو من نهاية المقاطعة والمدابرة وهذا غاية ما يؤديه المسلم للكافر ويدعو عليه به وقال ابن القيم في بدائع الفوائد إنما لم يكونوا شفعاء يوم القيامة لأن اللعنة إساءة من أبلغ الإساءة والشفاعة إحسان فالمسيء في هذه الدار باللعن يسلبه الله الإحسان في الآخرة بالشفاعة فإن الإنسان إنما يحصد ما يزرع والإساءة مانعة من الشفاعة التي هي إحسان، وأما منع

يَوْمَ القِيَامَةِ". وروينا في سنن أبي داود والترمذي عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تَلاعَنُوا بِلَعْنَةِ اللهِ وَلا بِغَضَبِهِ وَلا بالنَّارِ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وروينا في كتاب الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " لَيْسَ المُؤمِنُ بالطَّعَّانِ ولاَ اللَّعانِ وَلا الفاحِشِ وَلا البَذِيء" قال الترمذي: حديث حسن. وروينا في سنن أبي داود عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنّ العَبْدَ إذَا لَعَنَ شَيئاً ـــــــــــــــــــــــــــــ اللعنة من الشهادة فإن اللعنة عداوة وهي منافية للشهادة ولذا كان -صلى الله عليه وسلم- سيد الشفعاء وشفيع الخلائق لكمال إحسانه ورحمته ورأفته بهم اهـ. قوله: (وروينا في سنن أبي داود والترمذي) قال المنذري في الترغيب ورواه الحاكم وقال صحيح الإسناد ورووه كلهم من رواية سليم بن البصري عن سمرة بن جندب واختلف في سماعه منه. قوله: (لا تلاعنوا بلعنة الله) أي نحو قول النّاس بعضهم لبعض لعنه الله أو عليه غضب الله أو أدخله الله جهنم أو النار وهو من باب عموم المجاز لأنه في بعض فراده حقيقة وفي بعضها مجاز وهذا مختص بالمعين لأن اللعن بالوصف الأعم جائز نحو {أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}. قوله: (وروينا في كتاب الترمذي الخ) هو حديث صحيح أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وابن حبان والحاكم كلهم عن ابن مسعود. قوله: (بالطعان) أي في الأنساب الثابتة في ظاهر الشرع. قوله: (ولا الفاحش) أي ذي الفحش في كلامه وأفعاله. قوله: (ولا البذي) أي من البذاء الفحش فهو من عطف الرديف. قوله: (وقال حديث حسن) رمز السيوطي في جامعه الصغير علامة الصحة على الحديث ولا ينافي كلام الترمذي لاحتمال أن صحته لغيره وحسنه لذاته أو أن الصحة باعتبار إسناده والحسن باعتبار آخر. قوله: (لعن شيئاً) عام في كل

صَعِدَتِ اللعنَةُ إلى السَّماءِ فَتغلَقُ أبْوَابُ السَّماءِ دُونَهَا، ثم تَهْبِطُ إلى الأرْضِ فَتُغْلَقُ أبْوَابُها دُونَها، ثم تأخُذ يَمِيناً وشِمَالاً، فإذَا لم تَجِدْ مَساغاً رَجَعَتْ إلى الذِي لُعِنَ، فإنْ كانَ أهْلاً لِذَلِكَ وإلاَّ رَجَعَتْ إلى قائِلِها". وروينا في كتابي أبي داود والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من لَعَنَ شَيئاً لَيْسَ لَه بأهْل رَجَعَتِ اللعْنَةُ عَلَيهِ". وروينا في "صحيح مسلم" عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما، قال: "بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضَجِرَتْ فلعنتها، فسمعها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "خُذُوا ما عَلَيها ودَعوهَا فإنَّها ملعُونَةٌ". قال عمران: فكأني أراها الآن تمشي في ـــــــــــــــــــــــــــــ شيء من إنسان وغيره. قوله: (صعدت) بكسر العين. قوله: (مساغا) بفتح الميم وبالمهملة وبعد الألف معجمة أي مدخلا وعدم وجدانها المدخل في السماء والأرض لغلق أبوابها دونها. قوله: (فإن كان أهلاً لذلك) شرط جوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه أي رجعت إليه وذلك بأن كان الملعون مات على الكفر أو كانت اللعنة لذي وصف مذموم على الجملة نحو "ألا لعنة الله على الفاسقين". قوله: (وإلا) أي وإن لم يكن الذي لعن أهلاً لذلك (رجعت إلى قائلها) أي بالطرد والوبال. قوله: (وروينا في كتابي أبي داود والترمذي) قال المنذري في الترغيب ورواه ابن حبان في صحيحه وقال الترمذي حديث غريب لا نعلم أحداً أسنده غير بشر وبشر هذا هو الزهراني ثقة احتج به البخاري ومسلم وغيرهما ولا أعلم فيهم مجروحاً اهـ. قوله: (وليس له بأهل) أي ليس ذلك الشيء بمستحق في نفس الأمر له أي للمعنى المدلول عليه بلعن. قوله: (وروينا في صحيح مسلم) قال المنذري ورواه غيره. قوله: (خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة) وفي الرواية الآتية بعده عن أبي هريرة لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة قال المصنف في شرح مسلم إنما قال هذا زجراً لها ولغيرها وكان قد سبق نهيها ونهي غيرها عن اللعن فعوقبت بإرسال الناقة والمراد النهي عن مصاحبته تلك الناقة في الطريق وأما بيعها ونحوه وركوبها في غير مصاحبته -صلى الله عليه وسلم- وغير ذلك من التصرفات التي كانت جائزة قبل

فصل في جواز لعن أصحاب المعاصي غير المعينين والمعروفين

النّاس ما يعرض لها أحد. قلت: اختلف العلماء في إسلام حصين والد عمران وصحبته، والصحيح: إسلامه وصحبته، فلهذا قلتُ: رضي الله عنهما. وروينا في "صحيح مسلم" أيضاً عن أبي برزة رضي الله عنه، قال: "بينما جارية على ناقة عليها بعض متاع القوم، إذ بَصُرَتْ بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وتضايق بهم الجبل، فقالت: حَلْ اللَّهُم العنها، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تُصَاحِبُنا ناقَةٌ عَلَيها لَعْنَةٌ" وفي رواية: "لا تُصَاحِبُنا راحِلَةٌ عَلَيها لَعنَةٌ مِنَ اللهِ تعالى". قلت: حَلْ بفتح الحاء المهملة وإسكان اللام، وهي كلمة تزجر بها الإبل. فصل في جواز لعن أصحاب المعاصي غير المعينين والمعروفين ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا فهي باقية على الجواز لأن الشرع إنما ورد بالنهي عن المصاحبة فبقي الباقي كما كان اهـ. قال ابن حجر الهيتمي في الزواجر واستفيد من الأحاديث المذكورة في لعن الدواب أنه حرام وبه صرح أئمتنا والظاهر أنه صغيرة إذ ليس فيه مفسدة عظيمة ومعاقبته -صلى الله عليه وسلم- لمن لعنت ناقتها بتركها لها تعزيراً وتأديباً لا يدل على أن ذلك بمجرده كبيرة لا سيما وفي علل الأمر بالترك في حديث آخر بأن دعوته باللعن علي دابته أجيبت ثم نقل عن بعضهم القول بأنه كبيرة ونظر فيه وقال الأوجه ما قلناه من أن لعن الدابة صغيرة اهـ. ومن هذا الحديث أخذ بعضهم جواز التعزير بأخذ المال. قوله: (اختلف العلماء في إسلام حصين) تقدم ذكر إسلامه عن المحدثين والحفاظ في ترجمة ولده عمران في كتاب إذكار المرض والموت. قوله: (وروينا في صحيح مسلم أيضاً). قوله: . (وهي كلمة تزجر بها الإبل) وقال المصنف في شرح مسلم هي كلمة زجر للإبل واستحثاث يقال حل حل بإسكان اللام فيهما قال القاضي ويقال أيضاً حل حل بكسر اللام فيهما بالتنوين وبغير التنوين. باب في جواز لعن أصحاب المعاصي غير المعينين والمعروفين

ثبت في الأحاديث الصحيحة المشهورة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "قال: لَعَنَ اللهُ الواصلَةَ والمُسْتَوصِلَةَ ... " الحديث. وأنه قال: "لَعَنَ الله آكِلَ الرِّبا ... " الحديث. وأنه قال: "لَعَنَ اللهُ المُصَوِّرِين ... ". وأنه قال: "لَعَنَ الله مَنْ غيَّر مَنارَ الأرض". ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي نسخة فضل بدل الباب. قوله: (لعن الله الواصلة والمستوصلة) أخرج أحمد والشيخان وأصحاب السنن الأربعة كما في الجامع الصغير عن ابن عمر قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة، والواصلة التي تصل شعرها بآخر ليطول والمستوصلة من تطلب من يفعل بها ذلك وحكم وصل الشعر أنه إذا كان بشعر نجس أو طاهر من آدمي حرم مطلقاً وإن كان طاهراً من غير آدمي فإن أذن لها حليلها جاز وإلا فلا وإن لم تكن ذات حليل فلا يحرم لها الوصل، والوشم غرز نحو إبرة في البدن حتى يسيل الدم ثم يحشى ذلك الموضع بكحل أو نورة ليخضر والواشمة فاعلة الوشم والمستوشمة طالبة فعل ذلك بها. قوله: (لعن الله آكل الربا) الذي رأيته في مسلم عن ابن مسعود قال: لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا وموكله ورواه أبو داود وابن حبان وزادوا فيه وشاهديه وكاتبه وفي سندهم انقطاع بين عبد الرحمن ووالده عبد الله بن مسعود فإنه لم يسمع منه وفيه عن جابر بن عبد الله قال: لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه وقال هم سواء ومثله لفظ البخاري كما سيجيء ولعل ذلك مراد الشيخ رحمه الله ثم الربا من الكبائر بالإجماع. قوله: (وأنه قال لعن الله المصورين) في البخاري في أبواب الربا وفي أبواب من لعن المصور من جملة حديث علي جحيفة ولعن أي النبي -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا وموكله والواشمة والمستوشمة والمصور قال المصنف في شرح مسلم قال أصحابنا وغيرهم من العلماء تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم وأما تصوير الشجر ورحال الإبل وغير ذلك مما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام. قوله: (وأنه قال لعن الله من غير منار الأرض) رواه أحمد ومسلم والنسائي من حديث علي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- والمراد بالمنار أعلام الطريق فإن فيه إتعاب المسلمين بإضلالهم الطريق وقيل المراد منه إدخال أرض الغير في أرضه فيكون في معنى

وأنه قال: "لَعَنَ الله السَّارِقَ يَسْرِقُ البَيْضَةَ". وأنه قال: "لَعَنَ اللهُ مَنْ لعَنَ والدَيْهِ، ولعَنَ الله مَنْ ذَبَحَ لغَيرِ اللهِ". ـــــــــــــــــــــــــــــ الغاصب والمنار العلم والحد بين الأرضين وأصله من الظهور. قوله: (وأنه قال لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده) رواه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وتتمته ويسرق الحبل فتقطع يده ثم هذا الحديث قيل إنه منسوخ وأنه كان يقطع سرقة التافه كالحبل والبيضة ثم نسخ ذلك نقله البيضاوي في شرح المصابيح وقيل المراد بالبيضة بيضة الحديد وبالحبل حبل السفينة وكل واحد منهما يساوي أكثر من ربع دينار وأنكر المحققون هذا وضعفوه بأن حبل السفينة وبيضة الحرب لهما قيمة ظاهرة وليس هذا السياق موضع استعمالها بل بلاغة الكلام تأباه لأنه لا يذم في العرف من خاطر بيده في شيء له قدر إنما يذم من خاطر بها فيما لا قدر له فهو موضع تقليل لا تكثير والصواب أن المراد التنبيه على عظيم ما خسر وهو يده في مقابلة حقير من المال وهو ربع دينار فإنه يشارك البيضة والحبل في الحقارة أو أراد جنس البيض وجنس الحبال أنه إذا سرق البيضة فلم يقطع جره ذلك إلى سرقة ما هو أكثر منها فيقطع فكانت سرقة البيضة هي سبب قطعه أو أن المراد يسرق البيضة والحبل فيقطعه بعض الولاة سياسة لا قطعاً جائزاً شرعياً وقيل إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال هذا عند نزول آية السرقة مجملة من غير نصاب فقال هذا على ظاهر اللفظ اهـ. من شرح مسلم للمصنف. قوله: (وأنه قال لعن الله من لعن والديه ولعن الله من ذبح لغير الله) هو حديث واحد وآخره ولعن الله من آوى محدثاً ولعن الله من غير منار الأرض رواه أحمد ومسلم والنسائي من حديث علي مرفوعاً كما تقدم وفي الصحيحين من حديث ابن عمر إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه قيل وكيف يلعن الرجل والديه قال يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه وفي رواية لهما من الكبائر شتم الرجل والديه قالوا يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه قال نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه وسب الوالدين إذا كان من الكبائر بالتسبب فسبهما بالمباشرة أشد

وأنه قال: "مَنْ أحدَثَ فينا حدَثاً، أوْ آوَى مُحدِثاً، فعَلَيْهِ لعنَةُ الله والملائكَةِ والناسِ أجمَعِينَ". وأنه قال: "اللهم العَنْ رِعلاً وذكْوانَ وعُصَيَّةَ عصَتِ اللهَ ورَسُولَهُ"، وهذه ثلاث قبائل من العرب. وأنه قال: "لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيهِمُ الشُّحُومُ فباعُوها". وأنه قال: "لَعَنَ الله اليَهودَ والنَّصارى اتَّخَذُوا قُبورَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأعظم في العقوق، والذبح لغير الله المراد به أن يذبح باسم غير الله من صنم أو صليب أو كعبة فكله حرام ولا تحل هذه الذبيحة مسلماً كان الذابح أو نصرانياً أو يهودياً بل إن قصد به تعظيم المذبوح له غير الله تعالى كان ذلك كفراً فإن كان قبل ذلك مسلماً صار بذلك مرتداً كذا في شرح مسلم للمصنف. قوله: (وأنه قال) أي فيما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس (من أحدث فيها) أي المدينة. قوله: (أو آوى) بالمد على الأفصح. قوله: (محدثاً) قال القاضي لم نروه إلا بكسر الدال وقال المازري بوجهين كسر الدال وفتحها قال فمن فتح أراد لإحداث نفسه ومن كسر أراد فاعل الحدث. قوله: (فعليه لعنة الله الخ) هذا وصف شديد لمن ارتكب هذا قال القاضي عياض واستدلوا بالحديث على أن هذا من الكبائر لأن اللعنة لا تكون إلا في كبيرة ومعناه أن الله يلعنه وكذا تلعنه الملائكة والناس أجمعون وهذا مبالغة في إبعاده عن رحمة الله فإن اللعن في اللغة هو الطرد والإبعاد قالوا والمراد باللعن هنا العذاب الذي يستحقه على ذنبه والطرد عن الجنة أول الأمر وليس هو كلعنة الكفار الذين يبعدون من رحمة الله كل الإبعاد اهـ. قوله: (وأنه قال اللهم العن رعلا) تقدم تخريجه في القنوت في كتاب الصلاة. قوله: (وأنه قال لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم الخ) رواه الشيخان بلفظ قاتل الله اليهود الخ. وقوله: (فباعوها) أي بعد أن أجملوها والإجمال الإذابة يقال أجمل الشحم وجمله أي أذابه. قوله: (وأنه قال لعن الله اليهود والنصارى) رواه الشيخان وأبو داود والنسائي من حديث عائشة. وقوله: (أتخذوا الخ) علة للعنهم وذلك لأنها إن نبشت قبور الأنبياء لاتخاذ مكانها مسجداً فلما فيه من الاستهانة وإن لم تنبش فلما فيه من المغالاة والتعظيم الممنوع منه وكل منهما مذموم ويلحق بالأنبياء أتباعهم بخلاف الكفرة

أنبيائِهِمْ مسَاجِدَ". وأنه قال: "لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال" وجميع هذه الألفاظ في "صحيحي البخاري ومسلم" بعضها فيهما، وبعضها في أحدهما، وإنما أشرت إليها ولم أذكر طرقها للاختصار. وروينا في "صحيح مسلم" عن جابر، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى حماراً قد وُسِمَ في وجهه فقال: " لَعَن اللهُ الذي وَسَمَهُ". وفي "الصحيحين" أن ابن عمر رضي الله عنهما مرَّ بفتيان من قريش ـــــــــــــــــــــــــــــ فلا حرج في نبش قبورهم لانتفاء العلتين وبه يعلم أنه لا تعارض بين نبشه قبور الكفار واتخاذ مسجده مكانه وبين لعنه من اتخذ قبور الأنبياء مساجد ثم إن البخاري اقتصر على اليهود في كتاب المساجد وقال في الجنائز وغيرها لعن الله اليهود والنصارى لكن تعليلهم باتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد لا يتأتى في النصارى لأنهم لا يزعمون نبوة عيسى ولا موته حتى يكون له قبر بل يزعمون أنه ابن الله تعالى أو إله أو غير ذلك على اختلاف مللهم الباطلة كذا في تحفة القارئ. قوله: (وأنه لعن المتشبهين من الرجال بالنساء الخ) رواه البخاري ومسلم وقد بينا عقب كل حديث من خرجه منهما أو من أحدهما أو من غيرهما. قوله: (روينا في صحيح مسلم الخ) ورواه الطبراني مختصراً من حديث جابر لعن الله من يسم في الوجه. قوله: (لعن الله الذي وسمه) قال المصنف في شرح مسلم الوسم في الوجه منهي عنه بالإجماع للحديث أما الآدمي فوسمه حرام مطلقاً لكرامته ولأنه لا حاجة به إليه فلا يجوز تعذيبه وأما غير الآدمي فقال جماعة من أصحابنا إنه يكره وقال البغوي من أصحابنا لا يجوز فأشار إلى تحريمه وهو الأظهر لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لعن فاعله واللعن يقتضي التحريم وأما وسم غير الوجه من غير الآدمي فجائز بلا خلاف لكن يستحب في نعم الجزية والزكاة ولا يستحب في غيرهما ولا ينهى عنه قال أهل اللغة الوسم أثر كية يقال بعير موسوم وقد وسمه يسمه وسماً وسمة والميسم الشيء الذي يوسم به وهو بكسر الميم وفتح السين جمعه مياسم ومواسم وأصله كله من السمة وهي العلامة ومنه موسم الحج أي معلم لجمع النّاس اهـ. قوله: (بفتيان) بكسر الفاء وسكون الفوقية بعدها تحتية

قد نصبوا طيراً وهم يرمونه فقال ابن عمر: لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَعَنَ اللهُ مَنِ اتَّخَذَ شيئاً فيهِ الرُّوحُ غَرَضاً". فصل: اعلم أن لعن المسلم المصون حرام بإجماع المسلمين، ويجوز لعن أصحاب الأوصاف المذمومة، كقولك: لعن الله الظالمين، لعن الله الكافرين، لعن الله اليهود والنصارى، لعن الله الفاسقين، لعن الله المصوِّرين، ونحو ذلك، كما تقدم في الفصل السابق. وأما لعن الإنسان بعينه ممن اتصف بشيء من المعاصي كيهودي، أو نصراني، أو ظالم، أو زانٍ أو مصوّرٍ، أو سارق، أو آكل ربا، فظواهر الأحاديث أنه ليس بحرام. وأشار الغزالي إلى تحريمه إلا في حقِّ من عَلِمْنا أنه مات على الكفر، كأبي لهب، وأبي جهل، وفرعون، وهامان، وأشباههم، قال: لأن اللعن هو الإبعاد عن رحمة الله تعالى، وما ندري ما يختم به لهذا الفاسق أو الكافر، قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ وبعد الألف نون جمع فتى ويجمع على فتية أيضاً قال تعالى: {وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا} وقال إذ أوى الفتية ذكره الراغب في مفرداته. قوله: (قد نصبوا طيراً وهم يرمونه) قال المصنف هكذا هو في النسخ طيراً المراد به واحد والمشهور في اللغة أن الواحد يقال له طائر والجمع طير وفي لغة قليلة إطلاق الطير على الطير الواحد وهذا الحديث جار على تلك اللغة. قوله: (من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً) أي يرمى إليه كالغرض من الجلود وغيرها وهو حرام لما فيه من تعذيب الحيوان وإتلاف نفسه وتضييع ماليته وتفويت ذكاته إن كان مذكى ومنفعته إن لم يكن مذكى. فصل وفي نسخة باب. قوله: (إما لعن إنسان بعينه ممن اتصف بشيء من المعاصي الخ) قال الحافظ ابن حجر واحتج شيخنا الإِمام البلقيني على ما قاله المهلب من جواز لعن المعين بالحديث الوارد في المرأة إذا دعاها زوجها إلى فراشه فأبت

وأما الذين لعنهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأعيانهم، فيجوز أنه -صلى الله عليه وسلم- عَلِمَ موتَهم على الكفر، قال: ويقرب من اللعن الدعاء على الإنسان بالشر حتى الدعاء على ـــــــــــــــــــــــــــــ لعنها الملائكة حتى تصبح وتوقف فيه بعض من لقيناه فإن اللاعن هنا الملائكة فيتوقف الاستدلال به على جواز التأسي بهم وعلى التسليم فليس في الخبر تسميتها والذي قاله شيخنا أقوى فإن الملك معصوم والتأسي بالمعصوم مشروع والبحث في جواز لعن المعين وهو موجود اهـ. قال العلقمي في شرح الجامع الصغير لعل قول الملائكة اللهم العن فلانة الممتنعة من فراش زوجها أو هذه الممتنعة الخ فهي معينة بالاسم أو بالإشارة إليها فيتجه ما قاله البلقيني لأن قوله -صلى الله عليه وسلم- لعنتها الضمير يخصها فلا بد من صفة تميزها وذلك إما بالاسم أو بالإشارة إليها اهـ. وبه يجاب عما قال الجلال البلقيني بحثت معه يعني مع السراج البلقيني في ذلك باحتمال أن يكون لعن الملائكة ليس بالخصوص بل بالعموم بأن يقولوا لعن الله من باتت مهاجرة فراش زوجها قال ابن حجر في الزواجر ولو استدل لذلك بخبر مسلم أنه -صلى الله عليه وسلم- من بحمار وسم في وجهه فقال من فعل هذا لعن الله من فعل هذا لكان أظهر إذ الإشارة بقوله هذا صريحه في لعن معين إلا أن يؤول بأن المراد جنس فاعل ذلك لا هذا المعين وفيه ما فيه اهـ. قال العلقمي ونقل القاضي عياض عن بعضهم جواز لعن المعين ما لم يحد لأن الحد كفارة قال وهذا ليس بسديد لثبوت النهي عن اللعن فحمله على المعين أولى ثم نقل العلقمي عن الحافظ أنه نظر في استدلال المهلب على جواز لعن المعين بالحديث المذكور وقال الحق إن من منع اللعن أراد به معناه اللغوي من الإبعاد من رحمة الله ولهذا لا يليق أن يدعى به على المسلم بل يطلب له الهداية والتوبة والرجوع عن المعصية ومن أجاز أراد به معناه العرفي وهو مطلق السب ولا يخفى أن محله أيضاً حيث يرتدع عن المعصية قال، وأما الحديث فليس فيه إلا أن الملائكة تفعله ولا يلزم منه جواز الإطلاق اهـ. قوله: (وأما الذين لعنهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الخ) ويجوز أن يكون اللعن منه -صلى الله عليه وسلم- لمعين لم يعلم موته على الكفر وحينئذٍ

الظالم، كقول الإنسان: لا أصحَّ الله جسمه، ولا سلَّمه الله، وما جرى مجراه، وكل ذلك مذموم. وكذلك لعن جميع الحيوانات والجمادات، فكله مذموم. فصل: حكى أبو جعفر النحاس عن بعض العلماء أنه قال: إذا لعن الإنسان ما لا يستحقُّ اللعن، فليبادر بقوله: إلا أن يكون لا يستحق. فصل: ويجوز للآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر، وكل مؤدِّب أن يقول لمن يخاطبه في ذلك الأمر: ويلك، أو يا ضعيف الحال، أو يا قليل النظر لنفسه، أو يا ظالم نفسه، وما أشبه ذلك، بحيث لا يتجاوز إلى الكذب، ولا يكون فيه لفظ قذف، ـــــــــــــــــــــــــــــ فيكون لذلك المدعو عليه بها زكاة ورحمة ففي صحيح مسلم مرفوعاً اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعلها له زكاة وأجراً والحاصل أن المعين المدعو عليه من جانبه -صلى الله عليه وسلم- باللعنة إن كان مسلماً في نفس الأمر فهي له زكاة وأجر وإن كان منافقاً أو ممن علم الشارع موته كذلك فهي في موقعها والله أعلم. قوله: (وكل ذلك مذموم الخ) وما تقدم في باب الدعاء على الظالم يحمل المرفوع منه على بيان الجواز والموقوف على أن اجتهاده اقتضى أرجحية ذلك وتقدم في باب أذكار الصباح والمساء وفي باب الغيبة ما يؤخذ منه أن العفو عمن ظلمه الإنسان وترك الدعاء عليه أولى اكتفاء بنصر الله تعالى ففي الترمذي من دعا على ظالمه فقد انتصر وإن كان لو انتصر بقدر مظلمته لا حرج عليه فلا تناقض بين كلامه هنا وبين ما قدمه في باب جواز الدعاء على الظالم وقد يقال في الجمع أن ما في ذلك الباب محمول على الظالم المتمرد الذي عم ظلمه أو كثر أو تكرر أو فحش أو أمات حقاً أو سنة أو أعان على باطل وما هنا محمول على خلافه. قوله: (لعن جميع الحيوانات الخ) تقدم عن الزواجر أنه حرام وأن الأوجه أنه من الصغائر. ووقوله: (فليبادر الخ) أي لئلا ترجع اللعنة على قائلها إذا كان المدعو عليه بها ليس مستحقاً لها كما جاءت الأخبار به. فصل قوله: (قذف) بفتح القاف وإسكان الذال المعجمة وبالفاء رمى

صريحاً كان، أو كناية، أو تعريضاً، ولو كان صادقاً في ذلك، وإنما يجوز ما قدمناه، ويكون الغرض منه التأديب والزجر، وليكون الكلام أوقع في النفس. روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أنس رضي الله عنه "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً يسوق بدنة، فقال: ارْكَبْها، فقال: إنها بدنة، قال: ارْكبْها، قال: إنها بدنة، قال في الثالثة: ارْكبْها وَيْلَكَ". وروينا في "صحيحيهما" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينا نحن عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يَقسم قَسْماً، أتاه ذو الخويصرة، رجل من بني تميم، فقال: يا رسول الله اعدل، فقال رسول الله ـــــــــــــــــــــــــــــ الشيء بقوة ثم استعمل في الرمي بالزنى ونحوه من المكروهات. قوله: (صريحاً) قال ابن حجر في شرح المنهاج: ما لم يحتمل غير ما وضع له من القذف بالكلية، وإن ما يفهم منه المقصود بالقرائن تعريض قال وهذا الفرق هو الأحسن. قوله: (ولو كان صادقاً الخ) أي الأولى اجتناب ما فيه قذف بأنواعه ولو كان صادقاً فيما قذف به لأن قصده تأديبه وزجره لا تبكيته وهتكه. قوله: (ويكون الغرض منه التأديب) جملة حالية من ما الموصولة وخرج به ما إذا كان غرضه تنقيصه وإيذاءه فيحرم. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) قال الديبع في التيسير وأخرجه الترمذي والنسائي من حديث أنس وأخرجه مالك والشيخان وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة زاد البخاري في رواية عن أبي هريرة فلقد رأيته راكباً وهو يساير النبي -صلى الله عليه وسلم- والنعل في عنقها اهـ. قوله: (اركبها) محمول على أنه اضطر لركوبها لخبر مسلم عن جابر قال -صلى الله عليه وسلم- لما سئل عن ركوب الهدي اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهراً، فشرط جواز ركوبها -كما في المجموع وشرح مسلم وهو المعتمد- الضرورة إليها وإنما قال له ويلك مع أنها كلمة عذاب تأديباً له لمراجعته مع عدم خفاء الحال عليه ولم يرد بها الدعاء عليه بل جرت على لسانه نظير قوله في الحديث الآخر تربت يداك. قوله: (وروينا في صحيحيهما) ذكره البخاري في الأدب واستتابة المرتدين كلاهما من صحيحه وأخرجه مسلم في الزكاة. قوله: (وهو يقسم قسماً) وكان ذلك بالجعرانة. قوله: (ذو الخويصرة

-صلى الله عليه وسلم-: "وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلْ إذَا لَمْ أعْدِلْ". وروينا في "صحيح مسلم" عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، أن رجلاً خطب عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بِئْسَ الخَطِيبُ أنْتَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ التميمي واسمه حرقوص) وهو أصل الخوارج وهو الذي حمل على علي رضي الله عنه ليقتله فقتله علي وهو غير ذي الخويصرة اليماني الذي بال في المسجد كما تقدم في باب ما يقول في المسجد ونبه عليه ابن النحوي في شرح البخاري. قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) ورواه النسائي. قوله: (رشد) بفتح الشين المعجمة وكسرها. قوله: (غوى) بفتح الواو وكسرها قال القاضي عياض الصواب الفتح لأنه من الغي وهو الانهماك في الشر. قوله: (بئس الخطيب أنت) قال القرطبي ظاهره أنه أنكر عليه جمع اسم الله تعالى واسم رسوله في ضمير واحد ويعارضه ما تقدم في حديث ابن مسعود في خطبة النكاح ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه رواه أبو داود وفي حديث أنس ومن يعصهما فقد غوى وهما صحيحان ويعارضه قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} فجمع بين ضمير الله وملائكته ولهذه المعارضة صرف بعض القراء هذا الذم إلى أن ذلك الخطيب وقف على ومن يعصهما وهذا تأويل لم تساعده الرواية فإن الرواية الصحيحة أنه أتى باللفظين في سياق واحد وأن آخر كلامه فقد غوى ثم إن النبي -صلى الله عليه وسلم- رد عليه وعلمه صواب ما أخل به فقال قل ومن يعص الله ورسوله فقد غوى فظهر أن ذمه من حيث الجمع بين الاسمين في ضمير واحد وحينئذٍ توجه الإشكال، ويتخلص عنه من أوجه (أحدها) أن المتكلم لا يدخل تحت عموم خطاب نفسه إذا وجهه لغيره فقوله بئس الخطيب أنت منصرف لغيره -صلى الله عليه وسلم- لفظاً ومعنى (ثانيها) أن إنكاره على ذلك الخطيب يحتمل أن يكون كان هناك من يتوهم التسوية من جمعهما في الضمير الواحد فمنع ذلك من أجله وحيث عدم ذلك جاز الإطلاق (ثالهما) أن ذلك الجمع تشريف ولله تعالى أن يشرف من شاء بما شاء ويمنع من مثل ذلك الغير كما أقسم بكثير من المخلوقات ومنعنا من القسم بها فقال تعالى: {إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} وكذا أذن لنبيه -صلى الله عليه وسلم- في إطلاق مثل ذلك ومنع

قُلْ: ومَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ". وروينا في "صحيح مسلم" أيضاً عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن عبداً لحاطب رضي الله عنه جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشكو حاطباً فقال: يا رسول الله ليدخلن حاطبٌ النار، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كَذَبْتَ لا يَدْخُلُها، فإنَّهُ شَهِدَ بَدْراً وَالحُدَيْبِيَةَ". وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه لابنه عبد الرحمن حين لم يجده ـــــــــــــــــــــــــــــ منه الغير على لسان نبيه (رابعها) أن العمل بخبر المنع أولى لأنه تقعيد قاعدة والخبر الآخر يحتمل الخصوص كما قررناه ولأن هذا الخبر ناقل والآخر مبقي على الأصل فكان الأول أولى ولأنه قول والثاني فعل فكان أولى اهـ. وسبق عن المصنف في أذكار النكاح أن الصواب أن سبب النهي أن الخطب شأنها البسط والإيضاح واجتناب الإشارات والرموز فلذا ثبت في الصحيح كان -صلى الله عليه وسلم- إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً لتفهم قال وأما القول بأن سبب الإنكار تشريكه في الضمير المقتضي للتسوية فلذا أمره بالعطف تعظيماً لاسمه تعالى فيضعف بأشياء منها أن مثل هذا الضمير قد تكرر في الأحاديث الصحيحة فيما ليس هو من الخطب وإنما ثنى الضمير فيها لما تقدم من أنها ليست خطبة وعظ وإنما هي تعليم حكم فكلما قل لفظه كان أقرب إلى حفظه بخلاف خطبة الوعظ فإنه ليس المراد حفظها وإنما يراد الاتعاظ بها اهـ، وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام من خصائصه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يجوز له الجمع في الضمير بينه وبين ربه تعالى وذلك ممتنع على غيره قال وإنما امتنع على غيره دونه لأن غيره إذا جمع أوهم إطلاقه التسوية بخلافه هو فإن منصبه لا يتطرق إليه إبهام ذلك. قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) وكذا رواه الترمذي. قوله: (أن عبداً لحاطب) لم أقف على من سماه. قوله: (لا يدخلها) أي النار. قوله: (فإنه شهد بدراً والحديبية) فيه فضل أهل بدر والحديبية وفي الصحيحين أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لعمر وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وبدر اسم للمحل المعروفة سمي باسم بئر والحديبية بتخفيف الياء على الأفصح محل على تسعة فراسخ من مكة بتقديم الفوقية وهي التي هم -صلى الله عليه وسلم- بالدخول منها

باب النهي عن انتهار الفقراء والضعفاء واليتيم والسائل ونحوهم، وإلانة القول لهم والتواضع معهم

عَشَّى أضيافه: يا غُنْثَر، وقد تقدَّم بيان هذا الحديث في "كتاب الأسماء". وروينا في "صحيحيهما" أن جابراً صلى في ثوب واحد وثيابه موضوعة عنده، فقيل له: فعلتَ هذا؟ فقال: فعلتُه ليراني الجُهَّالُ مثلكم، وفي رواية: ليراني أحمقُ مثلُكَ. باب النهي عن انتهار الفقراء والضعفاء واليتيم والسائل ونحوهم، وإلانة القول لهم والتواضع معهم ـــــــــــــــــــــــــــــ فصده المشركون وكان فيها بيعة الرضوان. قوله: (وروينا في صحيحيهما أن جابراً صلى في ثوب واحد) أي مشتملاً به كما في مسلم يعني ملتحفاً به أي اشتمالاً ليس باشتمال الصماء المنهي عنه وفيه دليل لجواز الصلاة في ثوب واحد مع وجود الثياب لكن الأفضل أن يزيد على ثوب عند الإمكان وإنما فعل جابر هذا للتعليم كما قال أردت أن يدخل على الخ. قوله: (فقيل له) القائل له عبادة بن الصامت راوي الحديث. قوله: (ليراني الجهال) أي فيقتدوا بي ويعلموا جواز ذلك بالسؤال عن مستندي في ذلك فأبين أنه من قوله -صلى الله عليه وسلم- فالمقصود المتسبب عن الرواية من السؤال والوقوف على حقيقة الحال (وفي رواية ليراني أحمق) وفي رواية لمسلم وهي في حديث أبي اليسر المذكور آخر صحيح مسلم قال -أي عبادة- فقال -أي جابر- بيده في صدري هكذا وفرق بين أصابعه فقوسها أردت أن يدخل على الأحمق مثلك فيراني كيف اصنع فيصنع مثله، قال المصنف المراد بالأحمق هنا الجاهل وحقيقة الجاهل من يعمل ما يضره مع علمه بقبحه وهذا جوز مثل هذا اللفظ للتعزير والتأديب وزجر المتعلم وتنبيهه ولأن لفظة الأحمق والظالم قل من ينفك من الاتصاف بمعناهما وهذه الألفاظ التي يؤدب بها المتقون والورعون من استحق التأديب والتوبيخ والإغلاظ في القول لا بما يقوله غيرهم من ألفاظ السفه اهـ. باب النهي عن انتهار الفقراء والضعفاء واليتيم والسائل ونحوهم وإلانة القول لهم

قال الله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [الضحى: 9 - 10] {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} ... إلى قوله تعالى: {فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 52] وقال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} [الكهف: 28] وقال تعالى: {وَاخْفِضْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} أي لا تحقره وقال الزجاج لا تقهره على ماله فتذهب بحقه لضعفه كما كانت العرب تفعله في أموال اليتامى تأخذ أموالهم وتظلمهم حقوقهم وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خير بيت المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه وشر بيت المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه ثم قال بأصبعه أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا رواه البخاري في الأدب وابن ماجه وأبو نعيم في الحلية. قوله: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} قال المفسرون يريد السائل على الباب يقول لا تنهره ولا تزجره إذا سألك فإما أن تطعمه وإما أن ترده رداً ليناً يقال نهره وانتهره إذا استقبله بكلام يزجره قال قتادة رد السائل برحمة ولين وقال إبراهيم بن أدهم نعم القوم السؤال يحملون زادنا إلى الآخرة وقال إبراهيم السائل بريد الآخرة يجيء إلى باب أحدكم فيقول هل توجهون إلى أهليكم بشيء وروي عن الحسن في قوله تعالى: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} قال طالب العلم. قوله: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} قال سعد بن أبي وقاص نزلت فينا ستة في وفي ابن مسعود وصهيب وعمار والمقداد وبلال قالت قريش إنا لا نرضى أن نكون لهؤلاء أتباعاً فاطردهم عنك فوقع في نفس النبي -صلى الله عليه وسلم- ما شاء الله فنزلت رواه ابن حبان والحاكم ووقع في تفسير البيضاوي روي أنهم قالوا لو طردت هؤلاء الأعبد يعنون فقراء المسلمين كعمار وصهيب وخباب وسلمان جلسنا إليك الخ ومثله في الكواشي وقال الحافظ العسقلاني أخرجه البيهقي في الشعب والواحدي في الأسباب وقد استشكل ذكر سلمان في الخبر بأن السورة مكية كلها وقيل إلا ست آيات ليس هذه منها وسلمان إنما أسلم بالمدينة فكيف ذكر في قصة وقعت قبل الهجرة ولعل هذا سبب عدم إيراد الحافظ السيوطي له في كتاب أسباب النزول له في جملة الأقوال والله أعلم، وقوله {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ}

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قيل الظاهر أن المراد منه يسألون ويلجأون إليه ويقصدونه بالدعاء والرغبة، وقوله بالغداة والعشي كناية عن الزمان الدائم ولا يراد بهما خصوص زمنهما كما تقول الحمد لله بكرة وأصيلاً تريد على كل حال فكنى بالغداة عن النهار وبالعشي عن الليل أو خصهما بالذكر لأن الشغل غالب فيهما على الناس ومن كان يغلب عليه الذكر في هذين الوقتين كان الذكر في وقت الفراغ أغلب عليه، وقوله يريدون جملة حالية وذو الحال الواو في يدعون وهي فاعل والعامل في الحال يدعون، وقوله وجهه كناية عن الله تعالى إذ الجسمانية تستحيل بالنسبة إليه، وفي قوله يريدون وجهه -أي لا شيئاً من أعراض الدنيا- شهادة لهم بالإخلاص وقد سبق بعض الكلام على هذه الجملة من الآية في باب إذكار المساء والصباح، وقوله {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} قال السيوطي في الجلالين إن كان باطنهم غير مرضي اهـ. أي لو كان ذلك على سبيل الفرض مع قطع النظر عن الإخبار عنهم بما في أول الآية أما مع النظر إلى ذلك فلا يستقيم هذا التفسير لأن الله عزّ وجلّ شهد لهم بأنهم يريدون بعبادتهم وجهه وهذه شهادة بحسن باطنهم فلا يحسن أن يقال إن كان باطنهم غير مرضي لأنه فرض مخالف لما أخبر الله به من خلوص بواطنهم ونياتهم الله عزّ وجلّ وفي وقع في الكشاف نحو ذلك فتعقبه أبو حيان بما ذكره، ومن في قوله من شيء زائدة وهو في موضع المبتدأ ومن حسابهم في موضع الحال وعليك في موضع الخبر كأنه قيل ما شيء من حسابهم كائن عليك والمعنى نفي حسابهم عنه وجوابه قوله فتطردهم فينتفي الطرد كأنه قيل لا حساب عليك فكيف يكون طرد ولما نفى حسابهم عليه نفى حسابه عليهم في قوله وما من حسابك عليهم من شيء، وفي الكشاف إن قلت ما كفى قوله ما عليك من حسابهم من شيء حتى ضم إليه وما من حسابك عليهم من شيء قلت قد جعلت الجملتان بمنزلة جملة واحدة وقصد بهما مؤدى واحد وهو المعني في قوله {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ولا يستقل بهذا المعنى إلا الجملتان كأنه قيل لا تؤاخذ أنت ولا هم بحساب صاحبه اهـ. وتعقب بأن قوله لا تؤاخذ أنت الخ تركيب غريب وإصلاح التركيب أن يقال لا يؤاخذ واحد منكم ولا منهم بحساب صاحبه أو لا تؤاخذ أنت بحسابهم ولا هم بحسابك. وقوله {فَتَكُونَ

جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر: 88]. وروينا في "صحيح مسلم" عن عائذ بن عمرو -بالذال المعجمة- الصحابي رضي الله عنه: أن أبا سفيان أتى على سلمانَ وصهيبٍ وبلالٍ في نفر، فقالوا: ما أخذتْ سيوفُ الله من عنق عدوِّ الله مأخذَها، فقال أبو بكر رضي اللهَ عنه: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيِّدهم، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره، فقال: "يا أبا بَكْرٍ لَعَلَّكَ أغضَبْتَهُمْ؟ لَئِنْ كُنْتَ أغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أغْضَبْتَ رَبَّكَ" فأتاهم فقال: يا إخوتاه أغضبتُكم؟ فقالوا: لا. قلت: قولهم: مأخذها، بفتح الخاء: أي لم تستوف حقها من عنقه لسوء فَعَالِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ مِنَ الظَّالِمِينَ} وهو جواب للنهي في قوله {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ} فصار جواب كل من النهي ومن النفي ما يناسبه. قوله: (وروينا في صحيح مسلم أن أبا سفيان الخ) هذا الإتيان كان وهو كافر في الهدنة بعد صلح الحديبية. قوله: (يا أبا بكر لعلك أغضبتهم الخ) قال المصنف في الحديث فضيلة ظاهرة لسلمان ورفقته هؤلاء وفيه مراعاة قلوب الضعفاء وأهل الدين وإكرامهم وملاطفتهم. قوله: (لا يغفر الله لك يا أخي) قال المصنف أما قولهم يا أخي فضبطوه بضم الهمزة على التصغير وهو تصغير تحبيب وترفيق وملاطفة وفي بعض النسخ بفتحها قال القاضي قد روي عن أبي بكر أنه نهى عن مثل هذه الصيغة وقال قل عافاك الله رحمك الله لا تزد لا أي لا تقل قبل الدعاء لا فتصير صورته صورة نفي الدعاء قال بعضهم قل لا ويغفر الله لك اهـ. وفي المحرر في النحو للفخر الرازي روي عن أبي بكر الصديق أنه دخل السوق فقال لبياع أتبيع هذا الثوب فقال لا عافاك الله فقال له أبو بكر لو علمتم علمتم قل لا وعافاك الله وهذا من لطائف النحو لأنه عند حذف الواو يوهم كونه دعاء عليه وعند ذكر الواو لا يبقى ذلك الاحتمال اهـ. قوله: (مأخذها بفتح الخاء) هذا أحد الوجهين حكاهما المصنف في شرح مسلم في ضبطه والثاني بالمد وكسر الخاء.

باب في ألفاظ يكره استعمالها

باب في ألفاظ يكره استعمالها روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن سهل بن حنيف وعن عائشة رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يَقُولَن أحَدُكُمْ: خَبُثَتْ نَفْسِي، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِي". وروينا في سنن أبي داود بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يَقُولن أحَدُكُمْ: جاشَتْ نَفْسي، ولَكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسي". قال العلماء: معنى لقست وجاشت: غثت، قالوا: وإنما كره "خبثت" للفظ الخبث والخبيث. قال الإِمام أبو سليمان الخطابي: لقست وخبثت معناهما واحد، وإنما كره خبث للفظ الخبث، وبشاعة الاسم منه، وعلَّمهم الأدبَ في استعمال الحسن منه، وهجران القبيح، و"جاشت" بالجيم والشين المعجمة، و"لقست" بفتح اللام وكسر القاف. فصل: روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه ـــــــــــــــــــــــــــــ باب في ألفاظ يكره استعمالها قوله: (قال العلماء معنى لقست غثت) وقال ابن الأعرابي معناه ضاقت اهـ. وجاشت أي غثت وهي من الارتفاع كأن ما في البطن يرتفع إلى الحلق فحصل الغثي. قوله: (وإنما يكره لفظ الخبيث) يعلم منه أن أحد الرديفين قد يختص عن الآخر بحكم مخالف له لمعنى في لفظه لم يوجد في لفظ الآخر ثم الكراهة تنزيهية من باب أدب اللفظ ولا يرد عليه ما في الحديث الآخر من قوله فيصبح خبيث النفس كسلان لأن المنهي عنه إخبار المرء بذلك عن نفسه والنبي -صلى الله عليه وسلم- إنما أخبر عن صفة غيره وعن شخص منهم مذموم الحال ولا يمنع إطلاق هذا اللفظ في مثل ذلك. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) عند أبي داود ولا يقولن أحدكم الكرم فإن الكرم الرجل

قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يَقُولُونَ: الكَرْمُ إنَّمَا الكَرْمُ قَلْبُ المُؤمِنِ" وفي رواية لمسلم: "لا تُسَمُّوا العِنَبَ الكَرْمَ، فإن الكَرْمَ المُسْلِمُ" وفي رواية: "فإنَّ الكَرْمَ قَلْبُ المُؤمِنِ". وروينا في "صحيح مسلم" عن وائل بن حجر رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تَقُولُوا: الكَرْمَ، وَلَكِنْ قُولُوا: العِنَبَ والحَبَلَةَ". قلت: والحَبَلَةَ بفتح الحاء والباء، ويقال أيضاً بإسكان الباء، قاله الجوهري وغيره، والمراد من هذا الحديث النهي عن تسمية العنب كرماً، وكانت الجاهلية تسميه كرماً، وبعض النّاس اليوم تسميه كذلك، ونهى النبي ـــــــــــــــــــــــــــــ المسلم. قوله: (يقولون الكرم) في البخاري ويقولون الكرم بزيادة واو العطف في أوله والمعطوف عليه محذوف أي يقولون العنب ويقولون الكرم فالكرم خبر مبتدأ محذوف تقديره هو أو مبتدأ خبره محذوف أي شجر العنب الكرم. قوله: (إنما الكرم قلب المؤمن) قال الشيخ زكريا الكرم بسكون الراء وفتحها مصدر يوصف به المفرد والمذكر وضدهما يقال رجل كرم وامرأة كرم وهو بمعنى كريم وصف به للمبالغة كعدل والحصر فيه ادعائي لا حقيقي إذ المعنى أن اللائق باسم الكرم المؤمن لا أن غيره لا يسمى به قلت ويصح جعل الحصر حقيقياً باعتبار استحقاق إطلاق الاسم كما سيجيء في كلام المصنف. قوله: (النهي عن تسمية العنب كرماً) النهي فيه محمول على الكراهة التنزيهية قال المصنف: قال العلماء سبب كراهة ذلك أن لفظة الكرم كانت العرب -أي في الجاهلية- تطلقها على شجر العنب وعلى العنب وعلى الخمر المتخذة من العنب سموها كرماً لكونها متخذة منه ولأنها -أي فيما يدعونه- تحمل على الكرم والسخاء فكره الشارع إطلاق هذه اللفظة على العنب وشجره لأنهم إذا سمعوا اللفظة ربما تذكروا بها الخمر وهيجت نفوسهم إليها فوقعوا فيها أو قاربوا ذلك وقال إنما يستحق ذلك الرجل المسلم أو قلب المؤمن لأن الكرم مشتق من الكرم بفتح الراء وقال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} فسمي قلب

-صلى الله عليه وسلم- عن هذه التسمية، قال الإِمام الخطابي وغيره من العلماء: أشفق النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يدعوَهم حسنُ اسمها إلى شرب الخمر المتخذة من ثمرها، ـــــــــــــــــــــــــــــ المؤمن كرماً لما فيه من الإيمان والهدى والنور والتقوى والصفات المستحقة لهذا الاسم وكذا الرجل المسلم اهـ. وقال ابن الجوزي نهى عن تسميتها بما يمدح به لتأكيد ذمها وتحريمها، واعلم أن قلب المؤمن لما فيه من نور الإيمان أولى بذلك اهـ. وفي شرح الأنوار السنية قال ابن حجر ظاهر الحديث يدل على أن حقيقة تسمية الكرم إنما هي بقلب المؤمن وأما في غيره فمجاز فإن قلنا إنه تعبد فلا بحث وإن قلنا لحكمة فهي والله أعلم لما كان اشتقاقه كمن الكرم والأرض الكريمة هي أحسن الأرض وهذه الصفة حيث وجدت فهي أحسن الصفات ولا يليق إلا أن يعبر بها عن قلب المؤمن الذي هو خير الأشياء لأن المؤمن هو خير البرية على أحد الوجوه وخير ما في المؤمن قلبه وكيف لا يكون كذلك وهو أرض لنبات ثمرة الإيمان وفي الكرمة أيضاً شبه من المؤمن لأنها لينة قريبة الجنى حلوة الذات وتغني عن الطعام لآكلها وعن الماء لمن استعملها اهـ. وقال القاضي عياض في المشارق نهى -صلى الله عليه وسلم- أن يقال للعنب الكرم وكان اسم الكرم أليق بالمؤمن واغلق به لكثرة خيره ونفعه واجتماع الخصال المحمودة من السخاء وغيره فيه فقال إنما الكرم الرجل المؤمن وفي رواية قلب المؤمن قال الإِمام قوله وإنما الكرم قلب المؤمن أي أن الكرم حبس النفس عن شهواتها وإمساكها عن المحرمات عليها فهذه الحالة أحق أن تسمى كرماً اهـ. قال الباجي ويحتمل عندي أن يكون معناه أن العنب وإن كان فيه منافع ورزق وخصب لمن رزقه فإن القلب أكثر خيراً منه وأنفع لنفسه وللناس ولم يرد بذلك النهي عن أن يسمى العنب كرماً ولذا لم يتلقه النّاس على النهي ولا امتنعوا من تسمية العنب كرماً ولكنه إنما أراد تفضيل قلب المؤمن عليها كما قال ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب وفي هذا الذي يظهر لي اهـ. وتردد ابن القيم في الهدي بين ما قاله الباجي وبين ما قاله غيره من أن الحديث للنهي عن التسمية بذلك ثم قال والأولى أن لا يسمى شجر العنب كرماً والله أعلم. قوله: (أشفق -صلى الله عليه وسلم- أن يدعوهم حسن أسمها الخ) ظاهره

فسلبها هذا الاسم، والله أعلم. فصل: روينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذَا قالَ الرجُلُ: هَلَكَ الناسُ فَهُوَ أهْلَكُهُمْ". قلت: روي أهلكهم برفع الكاف وفتحها، والمشهور الرفع، ويؤيده أنه جاء في رواية رويناها في "حلية الأولياء" في ترجمة سفيان الثوري: "فَهُوَ مِنْ أهْلَكِهِمْ". قال الإمام الحافظ أبو عبد الله الحميدي في "الجمع بين الصحيحين" في الرواية الأولى، قال بعض الرواة: لا أدري هو بالنصب أم بالرفع؟ قال الحميدي: والأشهر الرفع، أي: أشدهم هلاكاً، قال: وذلك إذا قال ذلك على سبيل الإزراء عليهم والاحتقار لهم وتفضيل نفسه عليهم، ـــــــــــــــــــــــــــــ أن الكرم في الجاهلية اسم للعنب وظاهر كلام ابن الجوزي أنه اسم للخمر وتقدم عن المصنف أنه يطلق على كل منهما وهو أنسب بما ذكر في وجه التسمية وعلى شجر العنب ولعل إطلاقه على العنب وشجره لأن الخمر الناشئة منهما تحمل على الكرم في رأيهم والله أعلم. قوله: (وروي أهلكهم برفع الكاف) أي على أنه أفعل تفضيل أي أشدهم هلاكاً. قوله: (وفتحها) أي على أنه فعل ماض أي نسبهم إلى الهلاك لا أنهم هلكوا حقيقة فكأنه قال هو الذي نطق بذلك من غير تحقيق ولا دليل من جهة الله تعالى قال القرطبي من قيده بالنصب معناه أن الذي قال لهم ذلك مقنطاً لهم هو أهلكهم بهذا القول فإن الذي يسمعه قد يئس من رحمة الله فيهلك وقد يغلب على القائل رأي الخوارج فيهلك النّاس بالخروج عليهم ويشق عصاهم بالقتال وغيره كما فعلت الخوارج فيكون قد أهلكهم حقيقة وحساً اهـ. قوله: (قال بعض الرواة) هو أبو إسحق إبراهيم بن سفيان الراوي عن مسلم صحيحه. قوله: (لا أدري الخ) أي شك في ضبط هذا الحرف قال القرطبي وقد قيده النّاس بعده بالوجهين. قوله: (وذلك إذا قال ذلك على سبيل الإزراء) قال القرطبي ومن كان كذلك -أي

لأنه لا يدري سِرَّ الله تعالى في خلقه، هكذا كان بعض علمائنا يقول، هذا كلام الحميدي. وقال الخطابي: معناه: لا يزال الرجل يعيب النّاس ويذكر مساويهم ويقول: فسد النّاس وهلكوا ونحو ذلك، فإذا فعل ذلك فهو أهلكهم: أي أسوأ حالاً منهم فيما يلحقه من الإثم في عيبهم والوقيعة فيهم، وربما أدَّاه ذلك إلى العُجْب بنفسه ورؤيته أن له فضلاً عليهم، وأنه خيرٌ منهم فيهلك، هذا كلام الخطابي فيما رويناه عنه في كتابه "معالم السنن". وروينا في سنن أبي داود رضي الله عنه قال: حدثنا القعنبي عن مالك عن سهل ابن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، فذكر هذا ـــــــــــــــــــــــــــــ محقراً للناس مزرياً بهم معجباً بنفسه وعمله- أحق بالهلاك منهم فهو أشدهم هلاكاً. قوله: [لأنه لا يدري سر الله في خلقه) أي فقد يكون ذو العمل السيئ ممن سبقت له السعادة فيوفق آخراً للعمل بها وضده بضده كما في خبر ابن مسعود مرفوعاً فوالذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها الحديث فالأعمال أمارات لا مؤثرات فحق المؤمن إذا رأى أخاه المؤمن خالف طريق السداد أن ينصحه ويعظه ولذكره لا أن يزدريه به وينتقصه ويحقره ويرى نفسه لتخييلها عليه وخداعها له خيراً من أخيه وإن كان عمل الإنسان في الظاهر حسناً فقد يختم لذلك الفاسق بحسن العمل ويبلغ الأمل والله الفعال لما يشاء. قوله: (معناه الخ) فهو كناية عن ترك الاغتياب وتنبيه على قبح ما يترتب عليه من كون صاحبها في أشد الهلاك. قوله: (فيهلك) أي هلاكاً مضموماً إلى هلاك غيبته. قوله: (عنه) أي عن أبي

الحديث، ثم قال: قال مالك: إذا قال ذلك تحزُّناً لما يرى في النّاس قال: يعني من أمر دينهم فلا أرى به بأساً، وإذا قال ذلك عجباً بنفسه وتصاغراً للناس فهو المكروه الذي نهي عنه. قلت: فهذا تفسير بإسناد في نهاية من الصحة، وهو أحسن ما قيل في معناه، وأوجزه، ولا سيما إذا كان عن الإِمام مالك رضي الله عنه. فصل: روينا في سنن أبي داود بالإسناد الصحيح عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تَقُولُوا: ما شاءَ اللهُ وشاءَ فُلانٌ، ولَكِنْ قُولُوا: ما شاءَ اللهُ ثُمَّ ما شاءَ فُلانٌ". قال الخطابي وغيره: هذا إرشاد إلى الأدب، وذلك أن الواو للجمع والتشريك، و"ثم" للعطف مع الترتيب والتراخي، فأرشدهم -صلى الله عليه وسلم- إلى تقديم مشيئة الله تعالى على مشيئة من سواه. وجاء عن إبراهيم النخعي أنه كان يكره أن يقول الرجل: أعوذ بالله وبك، ويجوِّز أن يقول: أعوذ بالله ثم بك، قالوا: ويقول: لولا الله ثم فلان لفعلت كذا ولا يقول: لولا الله وفلان. ـــــــــــــــــــــــــــــ داود. قوله: (تحزناً) أي إظهاراً للحزن على ما فاتهم من الخير المديني. قوله: (فلا أرى) بضم الهمزة أي أظن (به بأساً) قال القرطبي أما لو قال ذلك على جهة الشفقة على أهل عصره وأنهم بالنسبة إلى من تقدمهم من أسلافهم كالهالكين فلا يتناوله هذا الذم فإنها عادة جارية في أهل العلم والفضل يعظمون أسلافهم ويفضلونهم على من بعدهم ويقصرون بمن خلفهم وقد يكون هذا على وجه الوعظ والتذكير ليقتدي اللاحق بالسابق فيجتهد المقصر ولتدارك المفرط كما قال الحسن لقد أدركت أقواماً لو أدركتموهم لقلتم مرضى ولو أدركوكم لقالوا هؤلاء لا يؤمنون بيوم الحساب اهـ. قوله: (عجباً) بضم المهملة وسكون الجيم. قوله: (وتصاغراً) أي رؤية الصغر في غيره من النّاس. قوله: (لأن الواو للجمع والتشريك) أي فربما توهم مقارنة مشيئة العبد بمشيئة الله

فصل: ويكره أن يقول: مُطِرْنا بنوءِ كذا، فإن قاله معتقداً أن الكوكب هو الفاعل فهو كفر، وإن قاله معتقداً أن الله تعالى هو الفاعل، وأن النَّوْء المذكور علامة لنزول المطر، لم يكفر، ولكنه ارتكب مكروهاً لتلفُّظه بهذا اللفظ الذي كانت الجاهلية تستعمله، مع أنه مشترك بين إرادة الكفر وغيره. وقد قدمنا الحديث الصحيح المتعلِّق بهذا الفصل في "باب ما يقول عند نزول المطر". فصل: يحرم أن يقولَ: إن فعلتُ كذا فأنا يهودي أو نصراني، أو بريء من الإسلام ونحو ذلك، فإن قاله وأراد حقيقة تعليق خروجه عن الإسلام بذلك، صار كافراً في الحال، وجرت عليه أحكام ـــــــــــــــــــــــــــــ سبحانه لو أتى بالواو وليس الأمر كذلك إذ مشيئته تعالى هي السابقة فأتى بثم الدالة على هذا المعنى دفعاً لذلك الإيهام. فصل قوله: (وقد قدمنا الحديث الصحيح الخ) تقدم الكلام ثمة على ما في هذا الفصل بزيادات وتتمات. فصل قوله: (يحرم أن يقال الخ) ومثله قوله هو بريء من الله أو رسوله أو من الإسلام أو من الكعبة أو جميع ما ذكر ليس بيمين لعروه عن ذكر اسم الله تعالى وصفته ولأن المحلوف به حرام فلا ينعقد به اليمين كقوله إن فعلت كذا فأنا زان أو سارق، فإن قلت يشكل على ما ذكر ما في صحيح البخاري من عدة طرق إن خباباً طلب من العاص بن وائل السهمي ديناً له فقال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد فقال: لا أكفر به حتى يميتك الله ثم يبعثك وقد يجاب بأنه لم يقصد التعليق وإنما أراد تكذيب ذلك اللعين إنكار البعث ولا ينافيه قوله حتى لأنها تأتي بمعنى إلا المنقطعة فتكون بمعنى لكن التي صرحوا بأن ما بعدها كلام مستأنف وعليه خرج حديث حتى يكون أبواه يهودانه أي لكن أبواه أشار إليه بعض المحققين. قوله: (صار كافراً في الحال) أي لأن العزم على الكفر ولو بطريق التعليق على حصول أمر كفر.

المرتدين، وإن لم يرد ذلك لم يكفر، لكن ارتكب محرماً، فيجبُ عليه التوبةُ، وهي أن يقلع في الحال عن معصيته، ويندم على ما فعل، ويعزم على أن لا يعود إليه أبداً، ويستغفر الله تعالى، ويقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله. فصل: يحرم عليه تحريماً مغلظاً أن يقول لمسلم: يا كافر. روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قالَ الرَّجُلُ لِأخِيهِ: يا كافِرُ، فَقَدْ باءَ بها أحَدُهُما، فإنْ كانَ كما قالَ، وإلا رَجَعَتْ عَلَيْهِ". وروينا في "صحيحيهما" عن أبي ذر ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (ارتكب محرماً) وعده ابن حجر في الزواجر من الكبائر. قوله: (وتجب عليه التَوبة) عبارة الروضة يستحب لكل من تكلم بكلام قبيح أن يستغفر الله وتجب التوبة من كلام محرم. قوله: (ويستغفر الله) أي استحباباً وكذا يستحب الاستغفار من كل ذنب ولا يجب لصحة التوبة بدونه. قوله: (ويقول لا إله إلا الله محمد رسول الله) ظاهر كلامه الإيجاب وقد صرح صاحب الروض باستحباب الإتيان بهما قال الشيخ زكريا وبه صرح النووي في نكته قال وظاهر خبر من حلف فقال في حلفه باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله الاقتصار على لا إله إلا الله اهـ. فصل قوله: (يحرم عليه تحريماً مغلظاً أن يقول لمسلم يا كافر الخ) ثم إن أراد به إنه كافر حقيقة وإن الإسلام كفر صار بذلك مرتداً وإن لم يرد به ذلك بل أراد مجرد السب ارتكب كبيرة وتصريح السيوطي بكراهة ذلك غلط كما قاله ابن حجر الهيتمي. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم) وكذا رواه مالك وأحمد وأبو داود والترمذي كلهم من حديث ابن عمر ورواه البخاري من حديث أبي هريرة وليس فيه قوله فإن كان الخ. قوله: (إذا قال الرجل) قال المصنف: هذا الحديث مما عده بعض العلماء من المشكلات من أن ظاهره غير مراد وذلك أن مذهب أهل الحق أنه لا يكفر مسلم بالمعاصي كالقتل والزنى وكذا قوله لأخيه يا كافر من غير اعتقاد بطلان دين الإسلام، إذا عرف ما ذكرناه فقيل في تأويل الحديث أوجه

رضي الله عنه أنه سمعَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَنْ دَعا رَجُلاً بالكُفْرِ أو قالَ: عَدُو الله ولَيسَ كَذَلِكَ، إلا حارَ عَلَيْهِ" هذا لفظ رواية مسلم، ولفظ البخاري بمعناه، ومعنى حار: رَجَع. ـــــــــــــــــــــــــــــ (أحدها) أنه على المستحل لذلك أي مع العلم بتحريمه وهذا يكفر فعلى هذا باء بها أي بكلمة الكفر وكذا حار عليه وهو معنى رجعت عليه أي رجع عليه الكفر فباء وحار بمعنى واحد (والثاني) معناه رجعت نقيصته لأخيه ومعصية تكفيره (والثالث) أنه محمول على الخوارج من المؤمنين وهذا نقله القاضي عياض عن مالك وهو ضعيف لأن الصحيح الذي قاله الأكثرون والمحققون أن الخوارج لا يكفرون كسائر أهل البدع (والقول الرابع) إن معناه أن ذلك يؤول به إلى الكفر وذلك أن المعاصي بريد الكفر ويخاف على المكثر منها أن تكون عاقبته المصير إلى الكفر ويؤيد هذا الوجه ما جاء في رواية لأبي عوانة في مستخرجه على مسلم فإن كان كما قال وإلا باء بالكفر وفي رواية إذا قال لأخيه يا كافر وجب الكفر لأحدهما قلت ولم يظهر لي وجه التائييد من هذه الرواية إذ هي مثل لفظ رواية مسلم والله أعلم (والخامس) معناه فقد رجع عليه تكفيره فليس الراجع حقيقة الكفر بل التكفير لكونه جعل أخاه المؤمن كافراً أو كأنه كفر نفسه إما لأنه كفر من هو مثله وإما لأنه كفر من لا يكفره إلا كافر فيعتقد بطلان دين الإسلام والله أعلم. قوله: (من دعا رجلاً بالكفر أو قال عدو الله - إلا حار عليه) هذا الاستثناء قيل إنه واقع على المعنى وتقديره ما يدعوه أحد إلا حار عليه وعدو الله ضبطناه بالرفع والنصب ويحتمل أن يكون معطوفاً على الأول أي قوله في أول الحديث ليس من رجل ادعى ما ليس لأبيه وهو يعلمه إلا كفر إلى أن قال ومن دعا الخ فيكون الاستثناء جارياً على اللفظ وهو أرجح فالنصب على النداء أي يا عدو الله والرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو عدو الله ذكره المصنف في شرح مسلم. قوله: (ومعنى حار) أي بالمهملتين (رجع) وكذا معنى باء بالموحدة بعدها ألف ممدودة.

فصل: لو دعا مسلم على مسلم فقال: اللهُم اسلبه الإيمان، عصى بذلك، وهل يكفر الداعي بمجرد هذا الدعاء؟ فيه وجهان لأصحابنا حكاهما القاضي حسين من أئمة أصحابنا في الفتاوى، أصحهما: لا يكفر، وقد يحتج لهذا بقول الله تعالى إخباراً عن موسى -صلى الله عليه وسلم-: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل لو دعا مسلم على مسلم الخ تقدم عن الزركشي في باب أذكار المسافر جواز الدعاء على الظالم بسوء الخاتمة والفتنة في الدين وما استدل به وعن بعضهم التفصيل بين المتمرد فيجوز ذلك فيه وغيره فيمنع ذلك منه. قوله: (أصحهما أنه لا يكفر) قالوا لأنه ليس رضا بالكفر وإنما هو دعاء عليه بتشديد الأمر والعقوبة عليه هذا ما ذكره الشيخان قال ابن حجر الهيتمي في الإعلام بقواطع الإسلام وأنت خبير من قولهما لأنه ليس رضا بالكفر الخ أن محل ذلك ما إذا لم يذكر ذلك رضي بالكفر وإلا كفر قطعاً والذي يظهر من فحوى كلامهما أنه لو أطلق فلم يقله على جهة الرضى بالكفر ولا على وجه تشديد العقوبة لا يكون كافراً وهو ظاهر واستشكل عدم كفره فيما إذا ادعى عليه بسلب الإيمان بما إذا قال له يا كافر بلا تأويل وأجيب بأن الكفر ثم إنما جاء من تسمية الإسلام كفراً كما مر وهنا ليس فيه ذلك فإن قلت ما تقرر في الدعاء بسلب الإيمان ينافيه ما اقتضاه كلام الأحياء من أنه لو لعن كافراً معيناً في وقتنا كفر ولا يقال لعن لكونه كافراً في الحال كما يقال للمسلم رحمه الله لكونه مسلماً في الحال وإن كان يتصور أن يرتد لأن معنى رحمه الله يثبته الله على الإسلام الذي هو سبب الرحمة ولا يقال ثبت الله الكافر على الكفر الذي هو سبب اللعنة لأن هذا سؤال الكفر وهو في نفسه كفر اهـ. قال الزركشي فتفطن لهذه فإنها غريبة وحكمها متجه وقد زل فيها جماعة اهـ. قال ابن حجر الهيتمي ولا منافاة لأنه إن أراد بلعنه الدعاء عليه بتشديد الأمر أو أطلق لم يكفر وإن أراد سؤال بقائه على الكفر أو الرضى بذلك كفر وفي الدعاء بسلب الإيمان إن أراد الدعاء بسؤال الكفر له أو رضي به كفر وإن أراد الدعاء بتشديد العقوبة أو أطلق لم يكفر فتدبر ذلك فإنه تفصيل متجه قضت به كلماتهم اهـ. قوله: (وقد يحتج لهذا بقول الخ) أي من حيث تمنى موسى عدم إيمان فرعون ودعاؤه بذلك ولم يضره

أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا} الآية [يونس: 88] وفي هذا الاستدلال نظر، وإن قلنا: إن شرع من قبلنا شرع لنا. فصل: لو أكْرَهَ الكفارُ مسلماً على كلمة الكفر، فقالها وقلبه مطمئن بالإيمان، لم يكفر بنص القرآن وإجماع المسلمين، وهل الأفضل أن يتكلَّم بها ليصون نفسه من القتل؟ فيه خمسة أوجه لأصحابنا. الصحيح: أن الأفضل أن يصبر للقتل ولا يتكلَّم بالكفر، ودلائله من الأحاديث الصحيحة، وفعل الصحابة رضي الله عنهم مشهورة. والثاني: الأفضل أن يتكلَّم ليصون نفسه من القتل. والثالث: إن كان في بقائه مصلحة للمسلمين، بأن كان يرجو النِّكاية في العدو، أو القيام ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك ولا عاتبه الله عليه ولا زجره عنه. قوله: (وفي هذا الاستدلال الخ) ولأنه يجوز أن موسى عليه السلام علم عدم إيمانه فسأله قصداً والكلام فيمن انطوت عاقبته قال في الإعلام وقد يجاب بأنه وإن كان شرعاً لمن قبلنا إلا أنه لم يرد في شرعنا ما يخالفه فيكون حجة، على الخلاف، ولأن الأصل في السؤال طلب حصول ما ليس بحاصل فلا نظر لاحتمال المذكور على أنه ورد في القضية ما يخالفه وهو أن الإجابة لم تقع إلا بعد أربعين سنة من السؤال وأيضاً فقوله قد أجيبت دعوتكما امتنان عليهما بالإجابة وما كان واقعاً قبل الإجابة في علم السائل لا يمتن عليه بأنه استجيب له فيه اهـ. فصل قوله: (بنص القرآن) أي كقوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} قوله: (أن الأفضل أن يصبر للقتل) أي مطلقاً سواء كان ممن في بقائه مصلحة للناس من نشر علم أو نكاية عدو أو لا. قوله: (ودلائله من الأحاديث وفعل الصحابة مشهورة) منها ما تقدم في ترجمة بلال عن الكشاف من قصة الرجلين اللذين جيء بهما إلى مسيلمة فقال لأحدهما: ما تقول في محمد فقال: رسول الله فقال: ما تقول في فقال: وأنت أيضاً وقال للآخر ما تقول في محمد فقال: رسول الله قال ما تقول في قال: أنا أصم فأعاد عليه ثلاثاً فأعاد عليه جوابه

بأحكام الشرع، فالأفضل أن يتكلم بها، وإن لم يكن كذلك، فالصبر على القتل أفضل. والرابع: إن كان من العلماء ونحوهم ممن يُقتَدى بهم، فالأفضل الصبر لئلا يغترَّ به العوام. والخامس: أنه يجب عليه التكلُّم، لقول الله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، وهذا الوجه ضعيف جداً. فصل: لو أكره المسلمُ كافراً على الإسلام، فنطق بالشهادتين، فإن كان الكافر حربياً، صح إسلامه، لأنه إكراه بحق، وإن كان ذمياً، لم يصر مسلماً، لأنا التزمنا الكف عنه، فإكراهه بغير حق، ـــــــــــــــــــــــــــــ فقتله فبلغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أما أحدهما فقد أخذ برخصة الله وأما الثاني فقد صدع بالحق فهنيئاً له، وفي تخريج أحاديث الكشاف للحافظ ابن حجر ذكره ابن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن علية عن يونس عن الحسن أن عيوناً لمسيلمة أخذوا رجلين من المسلمين فأتوه بهما فقال لأحدهما: تشهد أن محمداً رسول الله قال: نعم فقال: أتشهد أني رسول الله فأهوى إلى أذنيه فقال: إني أصم فأعاد عليه فقال مثله فأمر به فقتل وقال للآخر: أتشهد أن محمداً رسول الله قال: نعم قال: أتشهد أني رسول الله قال: نعم فأرسله فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: هلكت قال: وما شأنك فأخبره بقصته وقصة صاحبه فقال: أما صاحبك فمضى على إيمانه وأما أنت فأخذت بالرخصة وأخرجه عبد الرزاق في التفسير عن معمر قال: سمعت أن مسيلمة أخذ رجلين فذكر بنحوه وذكر الواقدي في المغازي أن اسم المقتول حبيب بن زيد عم عبادة بن تميم واسم الآخر عبد الله بن وهب الأسلمي قال وكانا في الساقة وذكروا أنه قطعه عضواً عضواً وأحرقه بالنار. فصل قوله: (فإن كان الكافر حربياً صح إسلامه) ومثله المرتد (لأنه إكراه بحق) أي وهو معتد به تترتب عليه الأحكام كما لو أكرهه الحاكم على بيع ماله

وفيه قول ضعيف أنه يصير مسلماً، لأنه أمره بالحق. فصل: إذا نطق الكافر بالشهادتين بغير إكراه، فإن كان على سبيل الحكاية، بأن قال: سمعت زيداً يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، لم يحكم بإسلامه، وإن نطق بهما بعد استدعاء مسلم، بأن قال له مسلم: قل: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فقالهما، صار مسلماً، وإن قالهما ابتداءً لا حكايةً ولا باستدعاءٍ، فالمذهب الصحيح المشهور الذي عليه جمهور أصحابنا أنه يصير مسلماً، وقيل: لا يصير لاحتمال الحكاية. فصل: ينبغي أن لا يقال للقائم بأمر المسلمين: خليفةُ الله، بل يقال: الخليفة، وخليفةُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأميرُ المؤمنين. روينا في "شرح السنة" للإمام أبي محمد البغوي عنه قال رحمه الله: لا بأس أن يسمى القائم بأمر المسلمين: أميرَ المؤمنين، والخليفةَ، وإن كان مخالفاً لسيرة أئمة العدل، لقيامه بأمر المؤمنين وسمع المؤمنين له. قال: ويسمى خليفةً لأنه خلف ـــــــــــــــــــــــــــــ لوفاء حق ترتب عليه. قوله: (وفيه قول ضعيف). فصل قوله: (لم يحكم بإسلامه) أي كما لم يحكم بكفر جاكي كلمة كفر غيره. قوله: (صار مسلماً) ثم إن كان معتقداً لذلك بجنانه مطابقاً لما نطق به بلسانه كان نافعاً له في الآخرة أيضاً وإلا كان أثره مقصوراً على الدنيا فقط ويخلد في الآخرة في النار. قوله: (لاحتمال الحكاية) ورد بأن الأصل عدمها وتشوف الشارع إلى الدخول في الإسلام والعصمة في الدماء اقتضتا التوسعة في ذلك فإدخال مائة في الإسلام أهون من إخراج واحد عنه. فصل قوله: (ينبغي) أي يجب. قوله: (عنه) أي عن البغوي. قوله: (وإن كان مخالفاً) مثله إذا

الماضي قبله، وقام مقامه. قال: ولا يسمى أحدٌ خليفةَ الله تعالى بعد آدم وداود عليهما الصلاة والسلام. قال الله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] وقال الله تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ}: [ص: 26] وعن ابن أبي مليكة أن رجلاً قال لأبي بكر الصديق رضي الله عنه: يا خليفةَ الله، فقال: أنا خليفةُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأنا راض بذلك. وقال رجل لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: يا خليفةَ الله، فقال: ويلك لقد تناولت تناولاً بعيداً، إن أُمي سمتني عمر، فلو دعوتني بهذا الاسم قبلتُ، ثم كَبِرْتُ فكُنيت أبا حفص، فلو دعوتني به قبلتُ، ثم وليتموني أموركم فسميتموني أميرَ المؤمنين، فلو دعوتني بذاك كفاك. ـــــــــــــــــــــــــــــ كان فاسقاً. قوله: (ولا يسمي أحد خليفة الله تعالى) في شرح الروض لأنه إنما يستخلف من يغيب أو يموت والله منزه عن ذلك وقضية هذه العلة امتناع ذلك حتى على آدم وداود والآيتان ليس فيهما إطلاق خليفة الله على كل منهما إنما فيهما إطلاق خليفة مجرداً عن الإضافة وذلك جائز على كل إمام للمسلمين ولم أر من نبه على هذا وعلى ثبوت مستند إطلاق خليفة الله على كل منهما فالإضافة للتعظيم فلا يراد من الخليفة ما تقدم بل يراد به أن الله جعله قائماً في تنفيذ أحكامه في عباده وفي المصباح المنير لا يقال خليفة الله بالإضافة إلا آدم وداود لورود النص بذلك وقيل يجوز وهو القياس لأن الله جعله خليفة كما جعله سلطاناً وقد سمع سلطان الله وجنود الله وحزب الله والإضافة تكون بأدنى ملابسة وعدم السماع لا يقتضي عدم الإطراد مع وجود القياس ولأنه نكرة تدخله اللام للتعريف فيدخلها ما يعاقبها وهو الإضافة كسائر أسماء الأجناس. قوله: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} أي من يقوم بأحكامي فيها. قوله: (ابن أبي مليكة) وهي كنية زاهد تابعي. قوله: (فقال ويلك) قال له ذلك كأنه لأنه علم أن القائل يعلم أنه لا ينبغي التلفظ بذلك فخالف وخاطبه وعزره بذلك. قوله: (تناولت متناولاً بعيداً) كناية عن الجموح والطموح إلى ما لا ينال. قوله: (ثم كبرت) أي بكسر الباء أي في السن وهو بالضم بمعنى كبر القدر يأباه المقام. قوله: (قبلت) أي قبول رضي الله لأنه اسمي وكنيتي وإن خلا النداء بهما عن التعظيم. قوله: (كفاك)

وذكر الإِمام أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي البصري الفقيه الشافعي في كتابه "الأحكام السلطانية" أن الإِمام سمي خليفة، لأنه خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أمته، قال: فيجوز أن يقال: الخليفةُ، على الإطلاق، ويجوز: خليفةُ رسول الله. قال: واختلفوا في جواز قولنا: خليفة الله، فجوَّزه بعضهم لقيامه بحقوقه في خلقه، ولقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ في الْأَرْضِ} [فاطر: 39] وامتنع جمهور العلماء من ذلك، ونسبوا قائله إلى الفجور، هذا كلام الماوردي. قلت: وأوَّلُ من سُمي أميرَ المؤمنين عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه، لا خلاف في ذلك بين أهل العلم. وأما ما توهمه بعض الجهلة في "مسيلمة" فخطأ صريح، وجهل قبيح، مخالف ـــــــــــــــــــــــــــــ أي في مرادك من تعظيمي في الخطاب. قوله: (وذكر أقضى القضاة) تقدم في كتاب الأسماء جواز إطلاق ذلك. قوله: (فيجوز أن يقال الخليفة على الإطلاق) أي عن الإضافة وأطلق عليه ذلك لأنه خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أمته وخلف الماضي قبله. فائدة في الأوائل للسيوطي أول من سمي الخليفة أبو بكر اهـ. قوله: (ويجوز خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) لما تقدم فيما قبله والإضافة فيه للتعظيم والتشريف. قوله: (واختلفوا في جواز قولنا خليفة الله) قال ابن حجر الهيتمي في كتاب تنبيه الأخيار ظاهر كلام السيوطي التبري مما قاله الماوردي وإن ذلك مكروه فقط اهـ. قلت لكن جرى على الحرمة في الروض ووافقه عليها شارحه. قوله: (ولقوله تعالى {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ في الْأَرْضِ} قال في الإكليل استدل به من أجاز أن يقال للإمام خليفة الله تعالى. فائدة روي البيهقي وغيره حديث السلطان ظل الله في أرضه فإذا أحسن فله الأجر وعليكم الشكر وإن أساء فعليه الوزر وعليكم الصبر قال الخطابي معنى "ظل" العز والمنفعة ويحتمل أن يريد به الستر كما يقول القائل للرجل الشريف أنا في ظلك أي في سترك وقيل إنما وصفه بالظل لأنه يدفع الأذى عن النّاس كما يدفع الظل أذى الشمس اهـ. قوله: (وأول من سمي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب) قال ابن العطار ذكر الواقدي في

لإجماع العلماء، وكتبُهم متظاهرةٌ على نقل الاتفاق على أن أول من سمي أميرَ المؤمنين عمرُ ابن الخطاب رضي الله عنه. وقد ذكر الإِمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر في كتابه "الاستيعاب" في أسماء الصحابة رضي الله عنهم بيان تسمية عمر أمير المؤمنين أو لا، وبيان سبب ذلك، وأنه كان يقال في أبي بكر رضي الله عنه: خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. ـــــــــــــــــــــــــــــ تاريخه في السنة الثانية من الهجرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث فيها في شهر رجب عبد الله بن جحش في سرية فيها اثنا عشر رجلاً من المهاجرين ثم قال وفي هذه السرية لقب عبد الله ابن جحش أمير المؤمنين والله أعلم، وفي الأجوبة المرضية عن الأسئلة السبكية للحافظ السيوطي جواباً عن قول الشيخ تاج الدين بن السبكي في ألغازه. من عد من أمراء المؤمنين ولم ... يحكم على النّاس في بدو ولا حضر ولم يكن من قريش حين عد ... ولا يجوز أن يتولى إمرة البشره هو أسامة بن زيد مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمره على جيش فيه أبو بكر وعمر فلم ينفذ حتى توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان الصحابة في ذلك السفر يدعونه أمير المؤمنين وروينا عن عمر بن الخطاب كان إذا رأى أسامة بن زيد قال السلام عليك أيها الأمير فيقول أسامة غفر الله لك أمير المؤمنين تقول لي هذا فيقول لا أزال أدعوك ما عشت بالأمير مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنت علي أمير اهـ. وبما ذكر يحمل كلام المصنف على أنه أراد من سمي بذلك أمير المؤمنين من الخلفاء وليس مراده أنه أول من سمي به مطلقاً وعبارة ابن حجر الهيتمي في شرح الأربعين أول من سمي به من الخلفاء عمر مطلقاً فقد سمي به عبد الله بن جحش حين أمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السرية التي أرسلها أول مقدمه المدينة وفيها أنزل {يسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ} الآيتين اهـ. قوله: (وقد ذكر الحافظ ابن عبد البر) عبارته، القصة التي ذكرت في تسمية عمر نفسه أمير المؤمنين، ذكر الزبير قال عمر لما ولي كان أبو بكر يقال له خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكيف يقال خليفة خليفة يطول هذا قال فقال له المغيرة بن شعبة أنت أميرنا ونحن المؤمنون فأنت أمير

فصل: يحرم تحريماً غليظاً أن يقول للسلطان وغيره من الخلق: شاهان شاه، لأن معناه: ملك الملوك، ولا يوصف بذلك غير الله سبحانه وتعالى. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أخْنَعَ اسمٍ عِنْدَ اللهِ تعالى رَجُل تسمَّى مَلِكَ الأمْلاكِ" وقد قدَّمنا بيان هذا في "كتاب الأسماء" وأن سفيان بن عيينة قال: ملك الأملاك، مثل شاهان شاه. ـــــــــــــــــــــــــــــ المؤمنين قال فذاك إذا، وأعلى من ذلك ما حدثني به خلف بن القاسم إلى أن قال عن الزهري أن عمر بن عبد العزيز سأل أبا بكر بن سليمان بن أبي خيثمة لأي شيء كان أبو بكر خليفة رسول الله وكان عمر يكتب من خليفة أبي بكر، ومن أول من كتب من أمير المؤمنين فقال حدثتني الشفاء وكانت من المهاجرات الأول أن عمر بن الخطاب كتب إلى عامل العراق أن ابعث إلي برجلين جلدين نبيلين أسألهما عن العراق وأهله فبعث إليه لبيد بن ربيعة العامري وعدي بن حاتم الطائي فلما قدما المدينة أناخا راحلتيهما بفناء المسجد ودخلا المسجد فإذا هما بعمرو بن العاص فقالا له استأذن لنا على أمير المؤمنين فقال عمرو أنتما والله أصبتما اسمه نحن المؤمنون وهو أميرنا فوثب عمرو فدخل على عمر فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال عمر ما بالك في هذا الاسم يعلم الله لتخرجن مما قلت فأخبره قال فجرى الكتاب بذلك من يومئذٍ قلت وأخرجه كذلك الطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك كلاهما من طريق ابن شهاب فذكراه وخرج ابن عبد البر وجهاً آخر قال روينا من وجوه أن عمر كان يرمي الجمرة وأتاه حجر فوقع على ضلعه فأدماه وثم رجل من بني لهب فقال أشعر أمير المؤمنين لا يحج بعدها ثم جاء إلى الجمرة الثانية فصاح رجل يا خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال لا يحج أمير المؤمنين بعد عامه هذا فقتل عمر بعد رجوعه من الحج قال ابن عبد البر ولهب بكسر اللام قبيلة من الأزد تعرف فيها القافة والزجر اهـ. فصل قوله: (يحرم تحريماً غليظاً الخ) تقدم بما فيه في كتاب

فصل: في لفظ السيد: اعلم أن السيد يطلق على الذي يفوق قومه، ويرتفع قدره عليهم، ويطلق على الزعيم والفاضل، ويطلق على الحليم الذي لا يستفزَّه غضبه، ويطلق على الكريم، وعلى المالك، وعلى الزوج، وقد ـــــــــــــــــــــــــــــ الأسماء. فصل قوله: (السيد يطلق على الذي يفوق على قومه الخ) هذا قول الهروي وقال غيره هو الذي يفزع إليه في النوائب والشدائد فيقوم بأمرهم ويتحمل عنهم مكارههم ويدفعها عنهم ثم هذه الأقوال والإطلاقات التي ذكرها الشيخ وغيره مأخوذة أقوال المفسرين وأهل اللغة، وأما المشايخ العارفون فقال بعضهم هو الراضي بالقضاء وقيل المتوكل وقيل عظيم الهمة وقيل المستغني عن غير مولاه وقيل من لا يحسد غيره فالحسود لا يسود وقيل المتحقق بحقيقة الدين الحق وقيل المباين للخلق وصفاً وخلقاً وحالاً وقيل من صحح نسبته مع أهل حضرة الحق فاستوجب به ميراث نسبته وقيل من جاد بالكونين في حب مولاه فقربه وتولاه وقيل من استوت أحواله عند المنع والعطاء وقيل المتبع لأمره مولاه وقيل من غلب شهوته وهواه وقيل من تخلى من أوصاف البشرية وتخلق بما ينبغي التخلق به من أوصاف الربوبية فهذه عشرون قولاً من أقوالهم وكل تكلم على قدر علمه وهمته وحاله قال اليافعي والظاهر الذي لا شك فيه أن السيادة فيما يرجع إلى عرف النّاس تختلف باختلاف أحوال النّاس فالسيد عند المشايخ العارفين السادات ما تقتضيه أحوالهم المذكورة وعند العلماء الفضلاء ما تقدم من أقوالهم المذكورة والأوصاف التي يسود بها الإنسان عند أهل الدنيا من يتميز عنهم بأمر من أمورها التي يعظمونها كتولي أمر من أمور السلطنة يرتفع به على من دونه أو جمع مال أو علو جاه أو غير ذلك مما يتعاظمونه والسيد الكامل عند العرب من اجتمعت فيه صفات عديدة جميلة منها الكرم والشجاعة والرأي والحلم وحسن الخلق ورزانة العقل على ما ظهر لي من سرهم وأقوالهم وفهمته من قرائن أحوالهم وقد يكتفون بالثلاثة الأول أعني الكرم والشجاعة والرأي وبالأولين منها وبالأول منها اهـ. قوله: (ويطلق على الزعيم الخ) أي زعيم القوم وفي الصحاح زعيم القوم سيدهم. قوله: (وعلى الحليم الذي لا يستفزه غضبه) أي لا يستخفه والمراد أنه لا يحمله غضبه على الخفة والخروج عما أمر بالوقوف عنده وفي النهاية ويطلق على الحليم وليس فيها قوله الذي الخ

جاءت أحاديث كثيرة بإطلاق سيد على أهل الفضل. فمن ذلك ما رويناه في "صحيح البخاري" عن أبي بكرة رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صَعِد بالحسن بن علي رضي الله عنهما المنبر فقال: "إنَّ ابْني هذا سَيِّدٌ، ولَعَلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولعل ما هنا أقصى الحلم المدلول عليه بصيغة المبالغة وأما أصل الحلم بكسر الحاء المهملة المأخوذ منه الحليم فهو التثبت والأناة في الأمر وزاد في النهاية أن السيد يطلق على الرب وعلى الشريف وعلى متحمل أذى قومه وعلى الرئيس والمقدم وسيأتي فيه بعض زيادة قال وأصله من ساد يسود فهو سيود فقلبت الواو ياء لأجل الياء الساكنة قبلها ثم أدغمت اهـ. وقدمنا في أول الكتاب عن بعضهم قولاً آخر إن أصله سويد بوزن فعيل بتقديم الواو على الياء فأعل كما ذكر. قوله: (فمن ذلك ما رويناه في صحيح البخاري) ورواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي كلهم من حديث أبي بكرة. قوله: (إن ابني هذا سيد) قال في النهاية قيل أراد به الحليم لأنه قال في تمامه ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين. قوله: (ولعل الله) استعمل لعل استعمال عسى لاشتراكهما في معنى الرجاء وقد تحقق ما وعد به -صلى الله عليه وسلم- ففي البخاري عن أبي موسى قال سمعت الحسين يقول استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال فقال عمرو بن العاص إني لأرى كتائب لا تولى حتى تقتل أقرانها فقال معاوية وكان والله خير الرجلين أي عمرو إن قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور النّاس من لي بنسائهم من لي بضيعتهم فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس: عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز فقال اذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه وقولا له واطلبا إليه فأتياه فدخلا عليه فتكلما وقالا له فطلبا إليه فقال لهما الحسن ابن علي إنا بني عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها قال فإنه يعرض عليك كذا وكذا ويطلب لك ويسألك قال فمن لي بهذا قالا نحن فما سألهما شيئاً إلا قالا نحن لك به فصالحه اهـ.

اللهَ تعالى أن يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَينِ مِنَ المُسْلِمِينَ". وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال للأنصار لما أقبل سعد بن معاذ رضي الله عنه: "قُومُوا إلى سَيِّدِكُمْ" أو "خَيْرِكُمْ" كذا في بعض الروايات "سيدكم أو خيرِكم" وفي بعضها "سيدكم" ـــــــــــــــــــــــــــــ وأخذ من قوله بين فئتين من المسلمين عدم تكفير الفئة الباغية. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) وكذا رواه أبو داود. قوله: 0 للأنصار) أخرج ابن سيد النّاس في السيرة عن ابن إسحاق قصة نزول بني قريظة إلى أن قال فلما انتهى سعد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قوموا إلى سيدكم فأما المهاجرون من قريش فيقولون إنما أراد -صلى الله عليه وسلم- الأنصار وأما الأنصار فيقولون عم بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المهاجرين والأنصار قال في المرقاة وهذا مع قوله في حديث الصحيحين فقال للأنصار قوموا فيه نظر إذ كيف يتصور فيه حينئذٍ العموم الشامل للمهاجرين نعم يحتمل عموم الأنصار وخصوص قومه منهم والله أعلم ولك أن تقول تعيين الأنصار في خبر الصحيحين من فهم بعض الصحابة فروى ما فهم وقد خالفه غيره فيه ففهم أن الخطاب للجميع فتعارض فيه الفريقان وإنما كان يرتفع الاحتمال لو قال في نفس الحديث قوموا يا معشر الأنصار لسيدكم فافهم والله أعلم. قوله: (قوموا إلى سيدكم أو خيركم) وهذا الحديث احتج به الشيخان وأبو داود على مشروعية القيام قال مسلم لا أعلم في قيام الرجل للرجل حديثاً أصح من هذا ونازع فيه جماعة منهم ابن الحاج بأنه -صلى الله عليه وسلم- إنما أمرهم بالقيام لسعد لينزلوه عن الحمار لكونه كان مريضاً كما في بعض الروايات ففي مسند أحمد زيادة قوموا إلى سيدكم فأنزلوه قال ولو كان القيام المأمور به لسعد هو المنازع فيه لما خص الأنصار فإن الأصل في أفعال القرب التعميم وقال التوربشتي في شرح المصابيح معنى قوله قوموا إلى سيدكم أي إلى إعانته وإنزاله من دابته ولو كان المراد التعظيم لقال قوموا لسيدكم وتعقبه الطيبي بأن الفرق بين إلى واللام ضعيف لأن إلى في هذا المقام أفخم من اللام كأنه قيل قوموا أي امشوا إليه تلقياً وإكراماً وهذا مأخوذ من ترتيب الحكم على الوصف

بغير شك. وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: "يا رسول الله أرأيت الرجل يجد مع امرأته رجلاً أيقتله؟ ... الحديث، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "انْظُرُوا إلى ما يَقُولُ سَيدُكُمْ". وأما ما ورد في النهي، فما رويناه بالإسناد الصحيح في "سنن أبي داودَ" عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَقُولُوا لِلمُنافِقِ سَيِّدٌ، فإنهُ إنْ يَكُ سيِّداً فقَد أسخَطْتُمْ رَبكُمْ عَزَّ وَجَلَّ". قلت: والجمع بين ـــــــــــــــــــــــــــــ المشعر بالعلية فإن قوله سيدكم علة للقيام له وذلك لكونه شريفاً على القدر ذكره السيوطي في مرقاة الصعود وقول ابن الحاج لو كان القيام المأمور به لسعد الخ يجاب عنه بما في كلام السيوطي من أن المقتضي لزيادة الإكرام السيادة له المقصورة على الأنصار على أنه قد جاء أن الأنصار يقولون بأنه -صلى الله عليه وسلم- عم بها المسلمين الحاضرين من الأنصار والمهاجرين وقد تقدم الكلام في حكم القيام في أواخر كتاب السلام والاستئذان والله أعلم. قوله: (وروينا في صحيح مسلم) وأخرجه مالك في الموطأ وأبو داود. قوله: (أيقتله الحديث) تتمته قال لا قال سعد بلى والذي أكرمك بالحق فقال -صلى الله عليه وسلم- اسمعوا إلى ما يقول سيدكم قال المازري وغيره ليس هذا القول من سعد رداً لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومخالفة لأمره وإنما هو إخبار عن حالة الإنسان عند رؤية الرجل مع امرأته واستيلاء الغضب عليه فإنه حينئذٍ يعاجله بالسيف وإن كان عاصياً وأما السيد فقال ابن الأنباري وغيره هو الذي يفوق قومه في الفخر قالوا والسيد أيضاً الحليم وهو أيضاً حسن الخلق وهو أيضاً الرئيس ومعنى الحديث تعجبوا من قول سيدكم. قوله: (وأما ما ورد في النهي) عن استعمال السيد (فما رويناه بالإسناد الصحيح في سنن أبي داود الخ) قال المنذري في الترغيب وكذا رواه النسائي بإسناد صحيح أيضاً ورواه الحاكم والبيهقي عن بريدة ولفظه إذا قال الرجل للمنافق يا سيد فقد أغضب ربه وقال صحيح الإسناد كذا قال اهـ. قلت وأخرجه ابن السني في كتاب عمل اليوم والليلة. قوله: (ولا تقولوا للمنافق سيد) أي لا تقولوا هو سيد لأن المنافق يجب عليك

هذه الأحاديث أنه لا بأس بإطلاق فلان سيد، ويا سيدي، وشبه ذلك إذا كان المسوَّد فاضلاً خيِّراً، إما بعلم، وإما بصلاح، وإما بغير ذلك، وإن كان فاسقاً، أو متَّهماً في دينه، أو نحو ذلك، كُره له أن يقال: سيد. وقد روينا عن الإِمام أبي سليمان الخطابي في "معالم السنن" في الجمع بينهما نحو ذلك. فصل: يكره أن يقول المملوك لمالكه: ربي، بل يقول: سيدي، ـــــــــــــــــــــــــــــ أن تسخطه والسيد يجب عليك أن لا تسخطه فلو اعتقدت أن المنافق سيد ثم أسخطته فقد أسخطت ربك لأن السيد الحقيقي هو الله تعالى أو قد أسخطت ربك على زعمك أي زعمت أن المنافق ربك كرب الدابة ثم أسخطته والعبد لا يسخط مولاه والعجم تعظم الطبيب اليهودي إلى الآن ويدعونه مولاهم على وجه التعظيم وهو داخل في النهي والتحذير منه قاله العاقولي وفي النهاية فإنه إن كان سيدكم وهو منافق فحالكم دون حاله والله لا يرضى لكم ذلك وقال الطيبي فإنه إن يك سيداً لكم فيجب عليكم طاعته فإذا أطعتموه فقد أسخطتم ربكم أو لا تقولوا للمنافق سيد فإنكم إن قلتم ذلك فقد أسخطتم ربكم فوضع الكون موضع القول تحقيقاً له اهـ. قلت والأظهر أن حاصله النهي عن إطلاق لفظ السيد على وجه التعظيم لأنه يتسبب عنه سخط الله عز وجل وذلك لأن التعظيم يؤدي إلى التواد والتحاب ووصف أهل الإيمان أن لا يوالوا من عادى الله رسوله بشنآن والله أعلم. قوله: (إما بعلم) أي شرعي أو آلته. فصل قوله: (يكره) أي تنزيهاً كما عليه الجمهور وقضية كلام بعضهم أنه على سبيل التحريم قال العراقي في شرح التقريب وليس كذلك وفاعل يكره قوله (أن يقول المملوك لمالكه ربي) وكذا يكره لغيره أن يقول له ربك ومحل كون لفظ رب مختصاً بالله تعالى إذا لم يكن مضافاً نحو الرب أما المضاف فيطلق عليه تعالى نحو رب العالمين وعلى غيره نحو ارجع إلى ربك كما سيأتي في كلام المصنف

وإن شاء قال: مولاي. ويكره للمالك أن يقول: عبدي وأمتي، ولكن يقول: فتاي وفتاتي أو غلامي. روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما لفظ المولى والسيد فلا يختصان به تعالى وإنما كره إطلاقه على السيد لأن حقيقة الربوبية لله سبحانه لأن الرب هو المالك والقائم بالشيء ولا يوجد حقيقة هذا إلا في الله تعالى وأما ما جاء في قوله -صلى الله عليه وسلم-: وأن تلد الأمة ربتها فأجيب بأنه محمول على بيان الجواز وأن النهي عن ذلك على سبيل الأدب والتنزيه لا التحريم أو أن النهي إنما هو عن الإكثار من استعمال هذه اللفظة واتخاذها عادة شائعة ولم ينه عن إطلاقها في نادر من الأحوال واختار القاضي عياض هذا الأخير. قوله: (ويكره للمالك) أي تنزيهاً (أن يقول لمملوكه عبدي) وذلك حذراً من إيهام الشركة أي لأن لفظ عبدي وأمتي يشترك فيه الخالق والمخلوق فيقال عبد الله وأمة الله فيكره ذلك للاشتراك ولأن حقيقة العبودية إنما يستحقها الله سبحانه ولأن فيها تعظيماً لا يليق بالمخلوق استعماله لنفسه وقد بين -صلى الله عليه وسلم- العلة في ذلك حيث قال كلكم عبيد الله وكل نسائكم إماء الله فنهى عن التطاول في اللفظ كما نهى عن التطاول في الأفعال وفي إسبال الإزار وغيره وأما غلامي وجاريتي وفتاتي فليست دالة على الملك كدلالة عبدي مع أنها تطلق على الحر والمملوك وإضافته ليست للملك وإنما هي للاختصاص قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ} {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ}، وأما استعمال الجارية في الحرة الصغيرة فمشهور معروفة في استعمال العرب مشهور في الجاهلية والإسلام وأصل الفتوة الشباب وقد تستعمل فيمن كملت فضائله ومكارمه كما جاء لا فتى إلا علي ومنه أخذ الصوفية الفتوة المتعارفة بينهم وأصل مدلول الغلام الصغير إلى أن يبلغ وقد يطلق على الرجل المستحكم القوة قال المصنف والظاهر أن المراد بالنهي في الأحاديث عن استعمال ما ذكر فيها استعماله على جهة التعاظم والارتفاع لا للوصف والتعريف وقال العراقي ينبغي استمرار الكراهة ولو قصد التعريف دون التعاظم لكن إن أمكن التعريف بغيره للاشتراك في اللفظ كما تقدم وإن خلا عن القصد القبيح استعمالاً للأدب في الألفاظ وهذا مقتضى الحديث. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) قال العراقي في شرح التقريب أخرجه الشيخان من هذا الوجه البخاري عن

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يَقُلْ أحَدُكُمْ: أطْعِمْ رَبَّكَ، وَضئْ رَبَّكَ، اسْقِ رَبَّكَ، وَلْيَقُلْ: سَيِّدِي ومَولايَ، ولا يَقُلْ أحَدُكُمْ: ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد وهو ابن يحيى الذهلي ومسلم عن محمد بن رافع كلاهما عن عبد الرزاق أي عن همام عن أبي هريرة وأخرجه مسلم والنسائي في عمل اليوم والليلة من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي كلكم عبيد الله ونساؤكم إماء الله ولكن ليقل غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي وأخرجاه أيضاً من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ لا يقولن أحدكم عبدي فإن كلكم عبيد الله ولكن ليقل فتاي ولا يقل أحدكم مولاي فإن مولاكم الله ولكن ليقل سيدي وأخرجه أبو داود والنسائي في اليوم والليلة من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة بلفظ لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي ولا يقل المملوك ربي وربتي ولكن ليقل المالك فتاي وفتاتي والمملوك سيدي وسيدتي فإنكم المملوكون والرب الله تعالى قلت محمد الراوي عن أبي هريرة هو ابن سيرين كما صرح به ابن السني في اليوم والليلة وأخرج الحديث بهذا اللفظ من هذا الطريق. قوله: (لا يقل أحدكم أطعم ربك) أي لا يقل أحدكم للمملوك على سبيل التنزيه أطعم ربك أي سيدك ودخل في هذا النهي السيد فإنه قد يقول اسق ربك فيضع الظاهر موضع الضمير تعظيماً لنفسه بل هو أولى بالنهي من قول العبد أو الأجنبي ذلك عن السيد. قوله: (وليقل سيدي ومولاي) المعطوف عليه محذوف من هذه الرواية وهو لا يقل أحدكم ربي وقد جاء مصرحاً به في رواية لمسلم كما أشار إليه الشيخ بقوله بعد وفي رواية لمسلم ولا يقل الخ لكن ظاهر كلامه هذا أن قوله ولا يقل أحدكم ربي ساقط من حديث أبي هريرة هذا عند مسلم في بعض رواياته عنه ولم أره كذلك فيه بل صريح كلام العراقي أنه ثابت عنده من هذه الطريق فلعل في النسخ اختلافاً قال العراقي فيه إنه لا بأس

عَبْدِي، أمَتي، وَلْيَقُلْ: فَتايَ، وَفَتاتي وغُلامي". وفي رواية لمسلم "وَلا يَقُلْ أحَدُكُمْ: رَبي، وَلْيَقُلْ: سَيِّدِي وَمَولاي". وفي رواية له: "لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ: عَبْدِي، فَكُلُّكُمْ عَبِيدٌ، وَلا يَقُل العَبْدُ: رَبي، وَلْيَقُلْ: سَيِّدي". وفي رواية له "لا يَقُولَنَّ أحَدُكُم: عَبْدِي وأمَتي، كُلُّكُمْ عبِيدُ الله، وكُلُّ نِسائِكُمْ إماءُ الله، ـــــــــــــــــــــــــــــ بقول المملوك عن مالكه سيدي وذلك لأن لفظ السيد غير مختص بالله اختصاص لفظ الرب ولا مستعمل فيه كاستعماله حتى نقل القاضي عياض عن مالك أنه كره الدعاء بسيدي ولم تأت تسمية الله تعالى بالسيد في القرآن ولا في حديث متواتر قال النووي فليس في قول العبد سيدي إشكال لأنه يستعمله غير العبد والأمة وقال القرطبي إنا فرق بين الرب والسيد لأن الرب من أسماء الله تعالى بالاتفاق واختلف في السيد فإن قلنا ليس من أسمائه فالفرق واضح إذ لا التباس ولا إشكال يلزم من إطلاقه كما يلزم من إطلاق لفظ الرب وإذا قلنا إنه من أسمائه تعالى فليس هو في الشهرة والاستعمال كلفظ الرب فيحصل الفرق بذلك وأما من حيث اللغة فالرب من رب الشيء يربه ورباه يربيه إذا قام عليه بما يصلحه ويكمله فهو رب وراب والسيد من السودد وهو المتقدم ولا شك في تقديم السيد على غلامه فلما حصل الافتراق جاز الإطلاق اهـ. وفيه أنه لا بأس بقول المملوك مولاي أيضاً ويعارضه ما تقدم عند مسلم والنسائي من النهي وقد بين مسلم الاختلاف على الأعمش وأن أبا معاوية ووكيعاً ذكراها عن الأعمش دون جرير بن عبد الحميد قال القاضي عياض وحذفها أصح وقال القرطبي روي من طرق متعددة مشهورة ليس ذلك مذكوراً فيها فظن أن اللفظ الأول أرجح وإنما صرنا للترجيح للتعارض بينهما والجمع متعذر والعلم بالتاريخ مفقود فلم يبق إلا الترجيح كما ذكرناه اهـ. وقال النووي في توجيه ذلك إن المولى يقع على ستة عشر معنى منها الناصر والمالك اهـ. كلام العراقي ثم نقل بعده كلاماً وقال مقتضاه أن استعمال مولاي أسهل وأقرب إلى عدم الكراهة من سيدي وقال ابن حزم الظاهري فإن قال مولاي فذلك مباح والأفضل سيدي اهـ. قوله: (ولا يقل أحدكم ربي) أي لا لسيده ولا لغيره ممن يعظمه من عالم وصالح لما تقدم. قوله: (كلكم عبيد الله وكل نسائكم إماء الله) علة للنهي عن إطلاق لفظ العبد والأمة.

وَلَكِنْ لِيَقُلْ: غُلامي وَجارِيتي، وفتَايَ وفَتَاتِي". قلت: قال العلماء: لا يطلق الربُّ بالألف واللام إلا على الله تعالى خاصة، فأما مع الإضافة فيقال: رب المال، ورب الدار". وغير ذلك. ومنه قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح في ضالة الإبل: "دَعْها حتى يَلْقاها رَبُّها" والحديث الصحيح: "حَتى يُهِمَّ ربّ المالِ مَنْ يَقْبَل صَدَقَتَهُ" وقول عمر رضي الله عنه في "الصحيح": ربُّ الصُّرَيْمَة والغُنَيْمَةِ. ونظائره في الحديث كثيرة مشهورة. وأما استعمال حملة الشرع ذلك، فأمر مشهور معروف. قال العلماء: وإنما كره للمملوك أن يقول لمالكه: ربي، لأن في لفظه مشاركة الله تعالى في الربوبية. وأما حديث "حتى يلقاها ربُّها" و"ربُّ الصريمة" وما في معناهما، فإنما استعمل لأنها غير مكلفة، فهي كالدار والمال، ولا شك أنه لا كراهة في قول: ربّ الدار، وربّ المال. وأما قول يوسف -صلى الله عليه وسلم-: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: 42] فعنه جوابان: أحدهما: أنه ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (لا يطلق الرب الخ) وأما يا رب الرب فمن ألفاظ الجاهلية. قوله: (في الحديث الصحيح في ضالة الإبل) رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي كلهم من حديث زيد بن خالد وفيه روايات عديدة جمع جملة منها ابن الأثير في جامع الأصول. قوله: (والحديث الصحيح الخ) رواه مسلم من جملة حديث أبي هريرة. قوله: (حتى يهم) بضم التحتية من أهم. قوله: (وقول عمر في الصحيح) رواه. قوله: (رب الصريمة والغنيمة) بالنصب مفعول أدخل الذي حذفه المصنف لعدم تعلق غرضه به وإلا فلفظ عمر لمولاه أدخل رب الصريمة الخ واللفظان مصغران أي أدخل إبل صاحب الإبل القليلة وغنم صاحب الغنم القليلة في المرعى والحمى. قوله: (وأما قول يوسف الخ) وهو في شرح مسلم وكذا يجاب عن قوله أن ربي

خاطبه بما يعرفه، وجاز هذا الاستعمال للضرورة، كما قال موسى -صلى الله عليه وسلم- للسامري: {وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ} [طه: 97] أي الذي اتخذته إلهاً. والجواب الثاني: أن هذا شرع مَنْ قبلنا لا يكون شرعاً لنا إذا ورد شرعنا بخلافه، وهذا لا خلاف فيه. وإنما اختلف أصحاب الأصول في شرع مَنْ قبلنا إذا لم يرد شرعنا بموافقته ولا مخالفته، هل يكون شرعاً لنا، أم لا؟ . فصل: قال الإِمام أبو جعفر النحاس في كتابه "صناعة الكُتَّاب": أما المولى، فلا نعلم اختلافاً بين العلماء أنه لا ينبغي لأحدٍ أن يقول لأحد من المخلوقين: مولاي. قلت: وقد تقدم في الفصل السابق جواز إطلاق مولاي، ولا مخالفة بينه وبين هذا، فإن النحاس تكلَّم في المولى بالألف واللام، وكذا قال النحاس: يقال: سيد، لغير الفاسق، ولا يقال: السيد، بالألف واللام لغير الله تعالى، والأظهر أنه لا بأس بقوله: المولى والسيد ـــــــــــــــــــــــــــــ أحسن مثواي. قوله: (خاطبه بما يعرفه) أي تبكيتاً له وتقبيحاً لفعله إذ جعل الأهل من ليس أهلاً لذلك. قوله: (وجاز هذا الاستعمال للضرورة) أي لضرورة إفهام المخاطب المراد إذ لا يفهم إلا ما يعرفه. قوله: (هل يكون شرعاً لنا) وبه قال المصنف وقال بعضهم الأظهر في الجواب عن قوله تعالى: {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} أن الضمير لله تعالى أي أن الله خالقي أحسن منزلتي ومأواي بأن عطف على القلوب فلا أعصيه وعن قوله {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} أي اذكر حالي عند الملك كي يخلصني فأنساه الشيطان ذكر ربه أي أنسى يوسف ذكر الله تعالى حتى استعان بغير الله ويؤيده قوله -صلى الله عليه وسلم- رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اذكرني عند ربك لما لبث في السجن سبعاً بعد الخمس كذا في تفسير البيضاوي وقال أبو سعيد القرشي لما قال لصاحب

فصل: في النهي عن سب الريح

بالألف واللام بشرطه السابق. فصل: في النهي عن سبِّ الريح وقد تقدم الحديثان في النهي عن سبِّها، وبيانهما في "باب ما يقول إذا هاجت الريح". فصل: يكره سب الحمى روينا في "صحيح مسلم" عن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل على أمّ السائب -أو أمّ المسيب- فقال: "ما لَكِ يا أُمَّ السَّائِب -أو يا أم المسيِّب- تُزَفْزِفِينَ؟ " قالت: الحمى لا بارك الله فيها، فقال: "لا تَسُبِّي الحُمَّى، ـــــــــــــــــــــــــــــ السجن اذكرني عند ربك نزل جبريل عليه السلام فقال له الله يقرئك السلام ويقول لك من حببك إلى أبيك من بين إخوتك ومن قيض لك السيارة بتخليصك ومن طرح في قلب من اشتراك من مودتك حتى قال {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} الآية ومن صرف عنك وبال المعصية قال الله تعالى قال فإنه يقول لك أنا الذي حفظتك في هذه المواضع أخشيت أن أنساك في السجن حتى استعنت بغيري وقلت اذكرني عند ربك إذا كان ربك أقرب منك وأقدر على خلاصك من رب صاحب السجن لتلبثن فيه بضع سنين قال يوسف عليه السلام وربي عني راض قال: نعم قال: لا أبالي ولو إلى الساعة كذا في حقائق السلمي. قوله: (بشرطه السابق) أي أن لا يقوله في فاسق أو متهم في دينه أو نحو ذلك. قوله: (وبيانهما في باب ما يقول إذا هاجت الريح) أي في كتاب أذكار صلوات مخصوصة. قوله: (روينا في صحيح مسلم) ورواه ابن عبد البر في الاستيعاب وابن منده في معرفة الصحابة وغيرهم. قوله: (دخل على أم السائب أو أم المسيب) هي امرأة من الأنصار وقع الشك في اسمها وقد ذكره كذلك ابن الأثير في أسد الغابة. قوله: (لا تسبي الحمى) فيه أنها دعت عليها أن لا يبارك فيها ولم تصرح بسبها لكن لما كان مثل هذا الدعاء يتضمن تنقيص المدعو عليه وذمه صار ذلك

فإنَّهَا تُذْهِبُ خَطايا بَني آدَمَ كَما يُذْهِبُ الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ". قلت: تزفزين: أي تتحركين حركة سريعة، ومعناه: ترتعد، وهو بضم التاء وبالزاي المكررة وروي أيضاً بالراء المكررة، والزاي أشهر، وممّن حكاهما ابن الأثير، ـــــــــــــــــــــــــــــ كالتصريح بالذم والسب قال القرطبي ففيه ما يدل على أن التعريض والتضمين كالتصريح في الدلالة فيحد كل من فهم منه القذف من لفظه وإن لم يصرح به اهـ. وأصحابنا الشافعية قالوا الأصل براءة الذمة فلا بد في اشتغالها من سب صريح أو ما يقوم مقامه من الكناية والله أعلم. قوله: (فإنها تذهب خطايا بني آدم) تعليل لمنع سب الحمى بما يكون عنها من الثواب فيتعدى ذلك لكل مشقة أو شدة يرجى عليها ثواب فلا ينبغي أن يذم شيء من ذلك ولا يسب وحكمة ذلك أن سب ذلك إنما يصدر في الغالب عن الضجر وضعف الصبر أو عدمه وربما يفضي صاحبه إلى السخط المحرم مع أنه لا يفيده فائدة ولا يخفف عنه ألماً. قوله: (كما يذهب الكير) في الصحاح قال أبو عمرو الكير كير الحداد وهو زق أو جلد غليظ ذو حافات وأما المبني من الطين فهو الكور بضم الكاف اهـ. قوله: (وهو بضم التاء) قال القرطبي كالقاضي عياض: وبفتحها. من الزفزفة وهو صوت حفيف الريح يقال زفزف الريح الحشيش أي حركه وزفزف النعام في طيرانه حرك جناحه. قوله: (وروي بالراء) أي مع الفاء وروي في خبر مسلم بالراء وبالقاف بدل الفاء قال المصنف ومعناه تتحركين حركة شديدة أي ترعدين قال القرطبي: قال أبو مروان بن سراج يقال بالقاف والفاء بمعنى واحد بمعنى ترعدين قال القرطبي ورواية الفاء -أي مع الزاي كما يدل عليه باقي كلامه- أعرف رواية وأصح معنى وذلك أن الحمى تكون معها حركة

فصل: في النهي عن سب الديك

وحكى صاحب "المطالع" الزاي وحكى الراء مع القاف، والمشهور أنه بالفاء سواء كان بالزاي أو بالراء. فصل: في النهي عن سب الديك روينا في سنن أبي داود بإسناد صحيح عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تسُبُّوا الدِّيكَ، فإنَّهُ يُوقِظُ للصلاةِ". فصل: في النهي عن الدعاء بدعوى الجاهلية وذمّ استعمال ألفاظهم روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَيسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الخُدُودَ، وَشقَّ الجُيُوبَ، وَدَعَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ضعيفة وحسن صوت يشبه الزفزفة التي هي حركة الريح وصوتها في الشجر وقالوا ريح زفزاف وزفزف وأما الرقرقة بالراء والقاف فهي التلألؤ واللمعان ومنه رقراق السراب ورقراق الماء ما ظهر من لمعانه غير أنه لا يظهر لمعانه إلا إذا تحرك وجاء وذهب فلهذا حسن أن يقال مكان الزفزفة لكن يفارق الزفزفة الرقرقة بأن الزفزفة معها صوت وليس ذلك مع الرقرقة فانفصلا اهـ. قوله: (وحكى صاحب المطالع) أي لكن في غير مسلم كما ذكره المصنف في شرحه عليه. قوله: (لا تسبوا الديك) أي سواء كان أبيض أو لا والديك ذكر الدجاج جمعه ديكة كفيلة وديوك. قوله: (فإنه يوقظ للصلاة) علة للنهي أي لا يحملكم قيامكم من المنام عند سماع صوت الديك على سبه لما تجدونه من فقد لذة النوم فإنه يوقظ للصلاة التي هي خير من النوم. فصل في النهي عن الدعاء بدعوى الجاهلية أي نحو واجبلاه واكهفاه (وذم استعمال ألفاظهم) التي لم يقررها الشارع أي نحو إطلاقهم لفظ صفر على ما يزعمون من أن القتيل إذا قتل ظلماً يخرج منه صوت يقول: أنا عطشان فلا يسكت حتى يقاد من قاتله ونحو تغول الغول وحديث الفضل تقدم في باب تحريم النياحة على الميت وتقدم الكلام على ما يتعلق

بدَعْوَى الجاهِلِيَّةِ" وفي رواية "أوْ شَقَّ أوْ دَعا" بأو. فصل: ويكره أن يسمى المحرَّم صفراً، لأن ذلك من عادة الجاهلية. ـــــــــــــــــــــــــــــ به ثمة. قوله: (وفي رواية) هي لمسلم كما صرح به المصنف في الباب المذكور والحاصل أنه ليس على الهدي المحمدي من أتى بأحد هذه الثلاث بعد العلم حرمتها والواو في تلك الرواية محمولة على معنى أو إذ لا يعتبر في الخروج عن الهدي المحمدي مجموع الخصال الثلاث بل أحدها كاف. فصل قوله: (يكره أن يسمى المحرم صفراً) قيل كانوا يسمونه صفر الأول ويقولون لصفر صفر الثاني فلهذا سمي المحرم شهر الله قال الحافظ السيوطي سئلت لم خص المحرم بقولهم شهر الله دون سائر الشهور مع أن فيها ما يساويه في الفضل أو يزيد عليه كرمضان ووجدت ما يجاب به أن هذا الاسم إسلامي دون سائر المشهور فإن أسماءها كلها على ما كانت عليه في الجاهلية وكان اسم المحرم في الجاهلية صفر الأول والذي بعده صفر الثاني فلما جاء الإسلام سماه الله المحرم فأضيف إلى الله تعالى بهذا الاعتبار وهذه فائدة لطيفة رأيتها في الجمهرة اهـ. ونقل ابن الجوزي أن الشهور كلها لها أسماء في الجاهلية غير هذه الأسماء الإسلامية قال فاسم المحرم بائق وصفر نقيل وربيع الأول طليق وربيع الآخر تاجر وجمادى الأولى أسلح وجمادى الآخرة افتح ورجب احلك وشعبان كسع ورمضان زاهر وشوال بط وذو القعدة حق وذو الحجة نعيش اهـ. وحينئذٍ فيحتاج إلى بيان حكمة إضافته إلى الله سبحانه ولعله لما اختص به مما وقع فيه من الآيات لكثير من الأنبياء وكونه بدء العام وقد فسر به قوله الفجر في أفصح الكلام والله أعلم وسمي المحرم قال بعضهم لكونه من الأشهر الحرم وقال علم الدين السخاوي عندي أنه سمي بذلك تأكيداً لتحريمه فإن العرب كانت تتقلب فيه فتحله عاماً وتحرمه عاماً وقد زدت هذا المقام وضوحاً في مؤلفي في أعمال يوم عاشوراء. قوله: (لأن ذلك عادة الجاهلية) هم ما قبل الإسلام سموا بذلك لكثرة جهالاتهم.

فصل: يحرم أن يدعى بالمغفرة ونحوها لمن مات كافراً، قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113] وقد جاء الحديث بمعناه، والمسلمون مجمعون عليه. ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل قوله: (لمن مات كافراً) أي كأبي لهب وأبي جهل. قوله: (تعالى ما كان للنبي الخ) أخرج الشيخان من طريق سعيد بن المسيب عن أبيه قال لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال أي عم قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزالا يكلمانه حتى كان آخر شيء كلمهم به هو على ملة عبد المطلب فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فنزلت {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} الآية وأنزل في أبي طالب {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} الآية وظاهر هذا أن الآية مكية وأخرج الترمذي وحسنه الحاكم عن علي قال: سمعت رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان فقلت له: أتستغفر لأبويك وهما مشركان فقال: استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك فذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنزلت {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} الآية وأخرج والحاكم والبيهقي في الدلائل وغيرهما عن ابن مسعود قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوماً إلى المقابر فجلس إلى قبر منها فناجاه طويلاً ثم بكى فبكينا لبكائه فقال: إن القبر الذي جلست عنده قبر أمي وإني استأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي فأنزل الله ({مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} الآية قال الحافظ ابن حجر يحتمل أن يكون لنزول الآية أسباب متقدم وهو أمر أبي طالب ومتأخر وهو أمر آمنة وقصة علي وجمع غيره بتعدد النزول. قلت وما ورد في حق آمنة محمول على أول الأمر وإلا فقد جاء في حديث حسن لتعدد طرقه واعتضاد بعضها ببعض أن الله أحيا له أبويه فآمنا به. قوله: {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} أي بأن ماتوا على الكفر وفيه دليل على جواز الاستغفار

فصل: يحرم سب المسلم من غير سبب شرعي يجوز ذلك

فصل: يحرم سبُّ المسلم من غير سبب شرعي يجوِّز ذلك روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "سِبابُ المُسْلِم فُسُوقٌ". وروينا في "صحيح مسلم" وكتابي أبي داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "المُسْتبَّانِ ما قالا، فعَلَى البادِئِ مِنْهُما ما لَمْ يَعْتَدِ المَظْلُومُ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. ـــــــــــــــــــــــــــــ لأحيائهم فإنه طلب توفيقهم إلى الإيمان وبه دفع النقض بإبراهيم فقال: وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها -أي وعدها إبراهيم- أباه -بقوله لأستغفرن لك أي لأطلبن مغفرتك بالتوفيق للإيمان فإنه يجب ما قبله ويدل عليه قراءة من قرأها وعدها إياه وإن فاعل وعد المستكن يرجع إلى أبي إبراهيم والضمير المنفصل يرجع إلى إبراهيم أي عن عدة وعد بها إبراهيم أبوه وهي الوعد بالإيمان- فلما تبين له أنه عدو لله -بأن توفي على الكفر أو أوحي إليه أنه لا يؤمن- تبرأ منه، قطع استغفاره. قوله: (من غير سبب شرعي يجوز ذلك) أي من نحو تعزير وتأديب. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم) ورواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه كلهم من حديث ابن مسعود ورواه ابن ماجه عن أبي هريرة وسعد ورواه الطبراني عن عبد الله بن مغفل وعن عمرو ابن النعمان بن مقرن ورواه الدارقطني في الإفراد عن جابر وآخر الحديث عند كلهم وقتاله كفر زاد الطبراني في رواية وحرمة ماله كحرمة دمه كذا في الجامع الصغير. قوله: (سباب) هو بكسر السين المهملة مصدر سب يقال سبه سباً وسباباً والحديث محمول على من سب أو قاتل مسلماً مستحلاً لذلك من غير تأويل وقيل إنما هو على جهة التغليظ لا أنه يخرجه إلى الفسوق والكفر ذكره في النهاية. قوله: (روينا في صحيح مسلم الخ) ورواه أحمد ايضاً. قوله: (المستبان ما قالا الخ) قال القرطبي المستبان تثنية مستب من السب وهو الشتم والأذى مرفوعان بالابتداء

فصل: ومن الألفاظ المذمومة المستعملة في العادة قوله لمن يخاصمه: يا حمار، يا تيس، يا كلب، ونحو ذلك، فهذا قبيح لوجهين. أحدهما: أنه كذب، والآخر: أنه إيذاء، وهذا بخلاف قوله: يا ظالم ونحوه فإن ذلك يُسامَحُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وما موصولة وهي في موضع رفع بالابتداء أيضاً وصلتها قالا والعائد محذوف تقديره قالاه وعلى الأول خبر ما ودخلت الفاء على الخبر لما تضمنه الموصول من معنى الشرط وما خبرها خبر المبتدأ الأول اهـ. وحاصل معناه أن اسم السباب الواقع من اثنين يختص بالبادئ منهما كله أي إنه ظالم حيث ابتدأ به من غير سبب ولا استحقاق والثاني منتصر لا إثم عليه ولا جناح ومع كونه كذلك فعلى البادئ إثمه أيضاً من حيث إنه سبب محوج إلى ذلك فعاد عليه إثم ذلك السب وإن لم يكن المنتصر آثماً بشرطه من حيث إنه تسبب في التلفظ بما لولا الاستيفاء لكان حراماً ومحل جواز الاستيفاء واختصاص البادئ بالإثم ما لم يتجاوز الثاني قدر الانتصار فيقول للبادئ أكثر مما قال له وفي هذا جواز الانتصار ولا خلاف في جوازه وقد تظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة ومع ذلك فالصبر والعفو أفضل قال تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} والحديث عند مسلم ما زاد عبد بعفو إلا عزاً ولا يجوز للمسبوب أن ينتصر إلا بمثل ما سبه به ما لم يكن كذباً أو قذفاً أو سباً لأسلافه فمن صور المباح أن ينتصر بيا ظالم أو يا أحمق أو يا جافي أو نحو ذلك لأنه لا يكاد أحد ينفك من هذه الأوصاف وقال القرطبي: فلو قال له يا كلب فالانتصار أن يقول له بل هو الكلب فلو كرر هذا اللفظ مرتين كان متعدياً بالزائد على الواحدة فله الأولى وعليه إثم الثانية وكذا لو رد عليه بأفحش من الأولى فقال: يا خنزير مثلاً كان كل منهما آثماً جانياً على الآخر وهذا كله مقتضى قوله {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} اهـ. قالوا وإذا انتصر المسبوب استوفى ظلامته وبرئ الأول من حقه وبقي عليه إثم الابتداء والإثم المستحق الله تعالى وقيل يرتفع عنه جميع ذلك الإثم بالانتصار منه ويكون معنى على البادئ أي اللوم والذم لا الإثم ذكره المصنف في شرح مسلم. قوله: (ومن الألفاظ المذمومة الخ)

به لضرورة المخاصمة، مع أنه يُصَدّق غالباً، فقلَّ إنسان إلا وهو ظالم لنفسه ولغيرها. فصل: قال النحاس: كره بعض العلماء أن يقال: ما كان معي خَلْقٌ إلا الله. قلت: سبب الكراهة بَشَاعَةُ اللفظ من حيث إن الأصل في الاستثناء أن يكون متصلاً، وهو هنا محال، وإنما المراد هنا الاستثناء المنقطع، تقديره: ولكن كان الله معي، مأخوذ من قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4] ويَنْبَغي أن يقال بدل هذا: ما كان معي أحد إلا الله سبحانه وتعالى، قال: وكره أن يقال: اجلس على اسم الله، وليقل: اجلس باسم الله. فصل: حكى النحاس عن بعض السلف أنه يكره أن يقول الصائم: وحق هذا الخاتم الذي على فمي، واحتجَّ له بأنه إنما يختم على أفواه الكفار، وفي هذا الاحتجاج نظر، وإنما حجته أنه حلف بغير الله ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن حجر في تنبيه الأخيار يحرم -وقول الحافظ السيوطي أي في أذكار الأذكار يكره غلط قبيح إلا أن يكون من تحريف النساخ- أن يقول لخصمه يا حمار يا تيس قال في الأذكار فهذا قبيح لأنه كذب وإيذاء -أي والأصل في كل منهما أنه حرام بالإجماع- ففهم الكراهة من هذا عجيب بل لو صرح بها تعين حملها على كراهة التحريم وقد صرح السيوطي بحرمة احتقار المسلم وحرمة سبه من غير سبب شرعي يجوزه اهـ. قوله: (بشاعة اللفظ) أي تمجه الأسماع وتكره ظاهره الطباع. قوله: (وهو معكم) أي بالعلم والحفظ. قوله: (وكره أن يقال اجلس على اسم الله) أي بشاعة للفظ من حيث إن فيه استعلاء على اسم الله تعالى عما لا يليق به علواً كبيراً وكذا ينبغي كراهة قول العامة "الحملة على الله" لذلك. قوله: (اجلس باسم الله) أي متبركاً باسمه مستعيناً به. قوله: (وفي هذا الاحتجاج نظر) ظاهره أن القول بالكراهة لا تنظير فيه وإنما التنظير في

سبحانه وتعالى، وسيأتي النهي عن ذلك إن شاء الله تعالى قريباً، فهذا مكروه لما ذكرنا ولما فيه من إظهار صومه لغير حاجة، والله أعلم. فصل: روينا في سنن أبي داود عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أو غيره عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما قال: "كنا نقول في الجاهلية: أنعَم الله بك عيناً، وأنعِم صباحاً. فلما كان الإسلام نهينا عن ذلك". قال عبد الرزاق: قال معمر: يكره أن يقول الرجل: أنعم الله بك عيناً، ولا بأس أن يقول: أنعم الله عينك. قلت: هكذا رواه أبو داود عن قتادة أو غيره، ومثل هذا الحديث قال أهل العلم: لا يحكم له بالصحة، لأن قتادة ثقة وغيره مجهول، وهو محتمل أن يكون عن المجهول، فلا يثبت ـــــــــــــــــــــــــــــ الاحتجاج وبذلك صرح الدميري فقال فيكره كما قاله المصنف. قوله: (أنعم الله بك عيناً) أي قر الله عينك بمن تحبه وأنعم صباحاً من النعومة وأنعم عليك من النعمة ذكره في الصحاح وفي المرقاة الباء في قوله أنعم الله بك عيناً زائدة لتأكيد التعدية والمعنى أقر الله عينك بمن تحبه أو بما تحبه من النعمة وعيناً تمييز محول من المفعول ويجوز كونه من أنعم الرجل إذا دخل في النعيم فالباء للتعدية وقيل للسببية أي أنعم الله بسببك عيناً أي عين من يحبك (وأنعم) بقطع الهمزة وكسر العين وفي نسخة بهمزة وصل وفتح العين من النعومة وقوله (صباحاً) تمييز أو ظرف أي طاب عيشك في الصباح وإنما خص الصباح لأن الكلام فيه هذا حاصل المرام في حل المقام قال الجوهري النعم بالضم ضد البؤس ونعم الشيء بالضم نعومة أي صار ناعماً ليناً ويقال أنعم الله عليك من النعمة وأنعم الله صباحك من النعومة وأنعم الله بك عيناً وقال صاحب النهاية في حديث مطرف لا تقل نعم الله بك عيناً فإن الله لا ينعم بأحد عيناً بل قل أنعم الله بك عيناً قال الزمخشري الذي منع منه مطرف صحيح فصيح في كلامهم وعيناً

فصل: في النهي أن يتناجى الرجلان إذا كان معهما ثالث وحده

به حكم شرعي، ولكن الاحتياط للإنسان اجتناب هذا اللفظ لاحتمال صحته، ولأن بعض العلماء يحتجُّ بالمجهول، والله أعلم. فصل: في النهي أن يتناجى الرجلان إذا كان معهما ثالث وحده روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذَا كُنْتُمْ ثَلاثة فَلا يَتَنَاجَى اثْنانِ دُونَ الآخَرِ حتى تَخْتَلِطُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ نصب على التمييز من الكاف والباء للتعدية والمعنى نعمك الله عيناً أي أنعم عينك وأقرها وقد يحذفون الجار ويوصلون الفعل فيقولون نعمك الله عيناً وأما أنعم الله بك عيناً فالباء زائدة لأن الهمزة كافية في التعدية تقول نعم زيد عيناً وأنعمه الله عيناً ويجوز أن يكون من أنعم إذا دخل في النعيم فيتعدى بالباء قال ولعل مطرفاً نظر إلى انتصاب التمييز في هذا الكلام عن الفاعل فاستعظمه تعالى أن يوصف بالحواس علواً كبيراً كما يقولون نعمت بهذا الأمر عيناً والباء للتعدية فحسب أن الأمر في نعم الله بك عيناً كذلك قال الطيبي يحتمل أن تكون الباء سببية وعيناً مفعول أنعم والتنوين للتفخيم أي أنعم الله بسببك عيناً أي عين من يحبك فيكون كناية عن حفظ عيشة ورفاهية لا يحوم حولها خشونة وقوله وأنعم صباحاً معناه طاب عيشك في الصباح وإنما خص الصباح به لأن الغارات والمكارة تقع صباحاً. قوله: (لكن الاحتياط الخ) قال ابن حجر الهيتمي أخذ الكراهة من هذا عجيب وإن قال بها معمر أحد رواته وأما أنعم الله عينك وأنعم الله صباحك فلا كراهة فيهما اتفاقاً اهـ. وسبق في الفصول أول الكتاب ما يزول به هذا الاستعجاب فإن الحديث الضعيف وإن لم يثبت به شيء من الأحكام إلا أن الأحوط ترك ما جاء النهي به عنه لاحتمال ثبوت ذلك الخبر وتقدم تحقيقه وهذا من ذلك فلا إشكال والله أعلم بحقيقة الحال. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم) ورواه أحمد والترمذي وابن ماجه كلهم عن ابن مسعود. قوله: (فلا يتناجى اثنان) قال العلقمي في شرح الجامع الصغير كذا للأكثر بالألف المقصورة ثابتة في الخط بصورة ياء وتسقط في اللفظ لالتقاء الساكنين وهو بلفظ الخبر ومعناه النهي وهو نهي تحريم ثم كما يحرم

فصل: في نهي المرأة أن تخبر زوجها أو غيره بحسن بدن امرأة أخرى إذا لم تدع إليه حاجة شرعية من رغبة في زواجها ونحو ذلك

بالناسِ مِنْ أجْلِ أنَّ ذلك يُحْزِنُه". وروينا في "صحيحيهما" عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذَا كُنْتُمْ ثَلاثةَ فَلا يَتَنَاجى اثنانِ دُونَ الثالِثِ" ورويناه في سنن أبي داود، وزاد قال أبو صالح الراوي عن ابن عمر: قلت لابن عمر: فأربعة؟ قال: لا يضرُّك. فصل: في نهي المرأة أن تُخبر زوجها أو غيره بحسن بدن امرأة أخرى إذا لم تَدْعُ إليه حاجة شرعية من رغبة في زواجها ونحو ذلك روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ تناجى اثنين دون الثالث يحرم الثلاثة أو الأربعة دون واحد منفرد منهم فيحرم على الجماعة المناجاة دون واحد منهم إلا أن يأذن ومذهب جماهير العلماء أن النهي عام في كل وقت حضراً وسفراً وقال بعضهم: إنما ينهى عنها في السفر لأنه مظنة الخوف وادعى بعضهم أن الحديث منسوخ وأنه كان أول الإسلام فلما فشا وأمن النّاس سقط قاله المصنف وهذا البعض كما قال الحافظ هو القاضي عياض وتعقبه القرطبي بأنه تحكم وتخصيص لا دليل عليه وقال ابن العربي الخبر عام اللفظ والمعنى والعلة الحزن وهو موجود حضراً وسفراً فوجب أن يعمهما النهي جميعاً اهـ. قال الحافظ واختلف فيما إذا انفرد جماعة بالتناجي دون جماعة قال ابن التين حديث عائشة في قصة فاطمة دال على الجواز وحديث ابن مسعود فأتيته وهو في ملأ فساررته ففي ذلك دليل على أن المنع يرتفع إذا بقي جماعة لا يتأذون بالسرار والله أعلم. قوله: (وروينا في صحيحيهما) وكذا رواه مالك. قوله: (إذا كانوا ثلاثة) الأكثر بالنصب على أنه خبر كان وفي رواية بالرفع على لغة أكلوني البراغيث وكان تامة ولمسلم وإذا كان ثلاثة بالرفع كذا في شرح الجامع للعلقمي. قوله: (قال لا يضرك) أي إذا تساررت مع واحد من الثلاثة إما إذا تسار ثلاثة دون واحد فدخل تحت النهي لوجود المعنى فيه وهو الحزن كما تقدم. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم) قال السخاوي في ختم كتاب

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تُباشِرِ المَرأةُ المَرأةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مسلم وقع لأبي منصور الديلمي في مسنده عزو هذا الحديث إلى صحيح مسلم ولم أره فيه وأما عزو البيهقي بعد أن أخرجه بزيادة جملة النهي عن تناجي الاثنين دون الثالث فأراد أصل الحديث فإن جملة التناجي خاصة فيه اهـ. وقد أخرج هذا الحديث الذي ذكره المصنف عن الصحيحين أحمد وأبو داود والترمذي كما في الجامع الصغير. قوله: (لا تباشر المرأة الخ) قال ابن النحوي في شرح البخاري قال أبو الحسن القابسي هذا الحديث. من أبين ما يحمي به الذرائع نهى -صلى الله عليه وسلم- أن تباشر المرأة المرأة وبين لما نهاها عن ذلك وأخبر أن ذلك قد ينتهي بها إلى أن تصف لزوجها ما رأت منها صفة تقوم مقام نظره إليها فلعل ذلك يدخل في قلب زوجها من الموصوفة فتنة فيكون ذلك سبباً لطلاق زوجته ونكاحها إن كانت أيماً وإن كانت ذات بعل كان ذلك سبباً لبغضه زوجته ونقصان منزلتها عنده وإن وصفتها بقبيح كان ذلك غيبة، وقد جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن مباشرة الرجل الرجل مثل نهيه المرأة وقد أخرجه الطبري من حديث ابن عباس قال الطبري: فيه -أي حديث ابن عباس- من البيان أن مباشرة الرجل الرجل والمرأة المرأة مفضياً كل واحد منهما بجسده إلى جسد صاحبه غير جائزة قال ابن النحوي وقد جاء مصرحاً به في حديث جابر مرفوعاً نهى أن يباشر الرجل الرجل في ثوب واحد والمرأة المرأة في ثوب واحد أخرجه أحمد وفي رواية الإسماعيلي في الأول إلا أن يكون بينهما ثوب، وهذه الأخبار على العموم فيما عنيت به وعلى الخصوص فيما يحتمله ظاهرها فإن الحجة قامت بالمصافحة في الرجال والنساء وذلك مباشرة من كل واحد منهما لصاحبه ببعض جسده فكان معلوماً بذلك إذا لم يكن في النهي عن المباشرة استثناء وكانت المصافحة مباشرة وهي من الأمور التي ندب إليها -ثم ساق بإسناده عن الحسن عن البراء مرفوعاً أن المسلمين إذا التقيا فتصافحا تحاتت ذنوبهما وعن عبد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعاً تمام تحيتكم بينكم المصافحة ونحو ذلك من الأخبار الدالة على أن المسلمين مندوب إلى مباشرة بعضهم بعضاً بالأكف

فَتَصِفُها لِزَوْجِها كأنهُ يَنْظُرُ إلَيها". فصل: يكره أن يقال للمتزوِّج: بالرِّفاء والبنين، وإنما يقال له: بارك الله لك، وبارك عليك، كما ذكرناه في "كتاب النكاح". فصل: روى النحاس عن أبي بكر محمد بن يحيى -وكان أحد الفقهاء العلماء الأدباء- أنه قال: يكره أن يقال لأحد عند الغضب: اذكر الله تعالى خوفاً من أن يحمله الغضب على الكفر، قال: وكذا لا ـــــــــــــــــــــــــــــ مصافحة عند الالتقاء- وكان محالاً اجتماع الأمر بفعل الشيء والنهي عنه في حال واحد علم أن الذي ندب العبد إلى المباشرة به جسم أخيه غير الذي نهى عنه من مباشرته ولا يحتاج إلى ما ذكره اهـ. قوله: (فتصفها) بالنصب جواب النهي. قوله: (لزوجها) أي زوج الناعتة. قوله: (كما ذكرناه في النكاح) وتقدم ما فيه ثمة. قوله: (يكره أن يقال لأحد الخ) وكذا يكره أن يقال صل على النبي -صلى الله عليه وسلم- خوفاً مما ذكر. قوله: (خوفاً من أن يحمله الغضب الخ) وقد تقدم في باب ما يقول إذا غضب من حديث سليمان بن صردانة لما استب رجلان عند النبي -صلى الله عليه وسلم- واحمر وجه أحدهما فقال - صلى الله عليه وسلم -: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال أعوذ باللهِ من الشيطان الرجيم ذهب عنه ما يجد فقالوا له إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: تعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقال: وهل بي من جنون، لم يضبط نفسه من ثورة الغضب حتى صدر عنه ذلك اللفظ الذي لا يصدر من كامل المعرفة بقدر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- كما تقدم تحقيقه وفي تنبيه الأخيار لابن حجر وكره أن يقال للغضبان اذكر الله خوفاً من كفره وما صح من أمره -صلى الله عليه وسلم- أن يقال له تعوذ بالله من الشيطان الرجيم لا ينافيه لأن سورة الغضب إن حملت على نحو سب إنما تقع هنا للشيطان على أن في سماعه أعظم زاجر وأبلغ راشد إلى أن غضبه من الشيطان فيكف عنه ومن ثم يبعد أخذ ندب هذا من

يقال له: صلِّ على النبي -صلى الله عليه وسلم-، خوفاً من هذا. فصل: من أقبح الألفاظ المذمومة، ما يعتاده كثيرون من النّاس إذا أراد أن يحلف على شيء فيتورَّع عن قوله: والله، كراهية الحنث أو إجلالاً لله تعالى وتَصوُّناً عن الحلف، ثم يقول: الله يعلم ما كان كذا، أو لقد كان كذا ونحوه، وهذا العبارة فيها خطر، فإن كان صاحبها متيقناً أن الأمر كما قال فلا بأس بها، وإن تَشَكَّكَ في ذلك فهو من أقبح القبائح، لأنه تعرَّض للكذب على الله تعالى، فإنه أخبر أن الله تعالى يعلم شيئاً لا يتيقن كيف هو، وفيه دقيقة أخرى أقبح من هذا، وهو أنه تعرَّض ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الحديث. قوله: (من أقبح الألفاظ المذمومة الخ) أخذ منه السيوطي كراهة ذلك فقال: وكره عند التورع عن الحلف الله يعلمه وتعقبه ابن حجر الهيتمي في تنبيه الأخيار بأنه ليس بصحيح بإطلاقه ولا مطابق لأصله يعني الأذكار بل المستفاد منه انها إما كفر بأن تيقن عدم وقوع شيء ونسب علم وقوعه إلى الله تعالى أو عكسه كأن قال الله يعلم أني ما فعلت كذا وهو عالم بأنه فعله لأنه ينسب إلى الله تعالى الجهل بنسبته إليه العلم بخلاف ما في الواقع أو مباحة بأن نسب لعلمه ما هو واقع يقيناً كالله يعلم أني فعلت كذا وقد فعله بل لا يبعد ندبه إذا علم من منكر فعله أنه لا يصدقه في حلفه لظنه تورية أو غيرها ويصدقه إذا قال ذلك ويؤيد الندب هنا استحبابهم اليمين لنحو تأكيد خبر وإما حرام بأن شك هل فعل كذا ثم قال: الله يعلم أني فعلته والحرمة في هذه ظاهرة يدل لها جعل الأذكار من أقبح الألفاظ المذمومة تارة ومن أقبح القبائح أخرى والمكروه لا يطلق فيه واحد من هذين إلا على تجوز بعيد وأيضاً فيبعد في محل يحتمل الكفر والكذب على السواء أن يعد من حيز المكروه وعلى كل فإطلاق الجلال الكراهة ليس في محله إذ لا نزاع في الحكمين الأولين والحرمة في الثالث أقرب من الكراهة اهـ. قوله: (متيقناً أن الأمر كما قال) أي من نفى الفعل إن قصد النافية أو ثبوته إن قصد بها -ما-. قوله: (فلا بأس بها)

لوصف الله تعالى بأنه يعلم الأمر على خلاف ما هو، وذلك لو تحقق كان كفراً، فينبغي للإنسان اجتناب هذه العبارة. فصل: ويكره أن يقول في الدُّعاء: اللهُم اغفر لي إن شئت، أو إن أردت، بل يجزم بالمسألة. روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ: اللهُم ـــــــــــــــــــــــــــــ أي هي مباحة. قوله: (ويكره أن يقال في الدعاء) أي على سبيل التنزيه. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم) وكذا رواه. قوله: (لا يقولن أحدكم) أي على سبيل الكراهة التنزيهية وبه صرح المصنف في شرح مسلم وقال ابن عبد البر في التمهيد لا يجوز لأحد أن يقول اللهم أعطني إن شئت من أمور الدين والدنيا لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- ولأنه كلام مستحيل لا وجه له لأنه لا يفعل إلا ما يشاء لا شريك له اهـ. وظاهره التحريم وقد يؤول على نفي الجواز المستوي الطرفين وهو بعيد من كلامه قال العلماء سبب كراهته أنه لا يتحقق استعمال المشيئة إلا في حق من يتوجه عليه الإكراه والله تعالى منزه عن ذلك وهو معنى قوله في الحديث الثاني فإنه لا مستكره له وقيل سبب الكراهة إن في هذا اللفظ صورة الاستغناء عن المطلوب والمطلوب منه وكان هذا القول يتضمن أن هذا المطلوب إن حصل وإلا استغنى عنه ومن كان هذا حاله لم يتحقق من حاله الافتقار والاضطرار الذي هو روح عبادة الدعاء وكان ذلك دليلاً على قلة اكتراثه بذنوبه وبرحمة ربه وأيضاً فإنه لا يكون موقناً بالإجابة وقد قال عليه الصلاة والسلام ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب من قلب غافل لاه ثم إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكتف بالنهي عن ذلك حتى أمر بنقيضه فقال ليعزم المسألة في الدعاء أي ليجزم في طلبه وليحقق رغبته ويتيقن الإجابة فإنه إذا فعل ذلك دل على علمه بعظم قدر ما يطلب من المغفرة والرحمة وعلى أنه مفتقر لما يطلب مضطر إليه وقد وعد الله المضطر بالإجابة

اغْفِرْ لي إنْ شِئْتَ، اللهُم ارْحَمْنِي إنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمِ المسألة، فإنَّهُ لا مُكْرِهَ لَهُ". وفي رواية لمسلم: "وَلَكِنْ لِيَعْزِم المسألة وَلْيُعظِم الرَّغْبَةَ، فإن اللهَ لا يَتَعَاظَمُهُ شَيءٌ أعْطاهُ". وروينا في "صحيحيهما" عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دَعا أحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمِ المَسألَةَ، ولا يَقُولَنَّ: اللَّهُمَّ إنْ شِئْتَ فأعْطِني، فإنَّهُ لا مُسْتكْرِهَ لهُ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بقوله {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} كذا في المفهم للقرطبي وقال العراقي بعد أن ذكر الكراهة إن في هذا اللفظ صورة الاستغناء عن المطلوب والمطلوب منه ما لفظه والمعتمد ما ذكر في الحديث. قوله: (ليعزم المسألة) عزم المسألة الشدة في طلبها والجزم به من غير ضعف في الطلب ولا تعليق على المشيئة ونحوها وقيل هو حسن الظن في الإجابة. قوله: (فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه) أي لا يعجزه شيء. قوله: (وروينا في صحيحهما) ورواه أحمد والنسائي كلهم من حديث أنس كما في الجامع الصغير قال السخاوي ورواه أبو عوانة. قوله: (فإنه لا مستكره له) قال القرطبي هذا إظهار لعدم فائدة تقييد الاستغفار والرحمة بالمشيئة لأن الله تعالى لا يضطره إلى فعل شيء دعاء ولا غيره بل يفعل ما يريد ويحكم ما يشاء ولذا قيد الإجابة بالمشيئة في قوله تعالى {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ} فلا معنى لاشتراط مشيئته فيما هذا سبيله اهـ. وتقدم عن بعضهم في باب الأذان أن هذه الآية مقيدة للآيات التي فيها إجابة الدعاء مطلقة عن ذلك القيد، فإن قلت قد ورد التقييد في قوله عليه السلام أحيني ما علمت الحياة خيراً لي وتوفني ما علمت الوفاة خيراً لي، قلت إنما قيد هناك طلب الحياة بكونها خيرة له وطلب الوفاة بكونها خيرة له مع أنه قد يقدر له الحياة مع كون الخيرة في قرب وفاته لما يكون في تلك الحياة من الغيبة وقد يقدر له الوفاة مع كون الخيرة له في طول الحياة لما فيها من اكتساب الخير وهذا مثل الاستخارة في الأمور المشتبهة وقد ورد بها الحديث الصحيح أما مشيئة الله تعالى

فصل: ويكره الحلف بغير أسماء الله تعالى وصفاته، سواء في ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-، والكعبةُ، والملائكةُ، والأمانةُ، والحياةُ، والروحُ، وغير ذلك. ومن أشدها كراهة: الحلف بالأمانة. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله يَنْهَاكُمْ أنْ تَحْلِفُوا بآبائِكُمْ، فمَنْ كانَ حالِفاً فَلْيَحْلِفْ باللهِ، أو لِيَصْمُتْ" وفي رواية في الصحيح: "فمَن كانَ حالِفاً فلاَ يَحْلِفْ إلا بالله أوْ لِيَسْكُتْ". وروينا في النهي عن ـــــــــــــــــــــــــــــ فلا تقع ذرة في الوجود إلا بها فلا معنى لتعلق الطلب بها. قوله: (يكره الحلف بغير أسماء الله وصفاته) أي لخبر الصحيحين إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم الخ ولخبر لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا تحلفوا إلا بالله رواه النسائي وابن حبان وصححه قال الإِمام وقول الشافعي أخشى أن يكون الحلف بغير الله معصية محمول على المبالغة في التنفير من ذلك نعم إن اعتقد في المحلوف به من التعظيم ما يعتقده في الله تعالى كفر وعليه يحمل خبر الحاكم من حلف بغير الله فقد كفر، ثم الكراهة في الأول إذا حلف بالقصد وخلا عن ذلك التعظيم فإن سبق لسانه بلا قصد فلا كراهة بل هو لغو يمين وعليه حمل خبر الصحيحين في قصة الأعرابي الذي قال لا أزيد على هذا ولا أنقص أفلح وأبيه. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) ورواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة من حديث ابن عمر، قال السخاوي واختلف فيه على رواية الزهري، والبخاري عن ابن عيينة ومعمر وعن أولهما أخرجه مسلم كلاهما عن الزهري عن سالم عن ابن عمر واتفقا عليه من غير جهتهما عن الزهري لكن بقيد كونه من حديث ابن عمر عن أبيه وهو صحيح من هذا الوجه أيضاً وإلى الاختلاف عن الزهري أشار البخاري في كتاب الإيمان والنذور من صحيحه اهـ. قوله: (أو ليصمت) بضم الميم تخيير بين الحلف بالله وترك الحلف رأساً. قوله: (وفي رواية في الصحيح) قال السخاوي بعد تخريجها وزاد في آخر الحديث وكانت قريش تحلف بآبائها: فقال -يعني النبي -صلى الله عليه وسلم-- لا تحلفوا بآبائكم

الحلف بالأمانة تشديداً كثيراً. فمن ذلك ما رويناه في سنن أبي داود بإسناد صحيح عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "مَنْ حَلَفَ بالأمانَةِ فَلَيسَ مِنَّا". فصل: يكره إكثار الحلف في البيع ونحوه وإن كان صادقاً. ـــــــــــــــــــــــــــــ أخرجه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي. قوله: (فمن ذلك ما رويناه في سنن أبي داود) قال في الترغيب ورواه أحمد وإسناده صحيح والنسائي والبزار وابن حبان في صحيحه وهو أول حديث تتمته ومن خبب على امرئ زوجه أو مملوكه فليس منا وقال السخاوي بعد تخريجه بجملته هذا حديث حسن رواه أبو يعلى في مسنده والحاكم في مستدركه وقال إنه صحيح الإسناد وأورده الضياء في المختارة اهـ. قوله: (فليس منا) أي على هدينا وطريقتنا أو ليس على ملتنا إن اعتقد في الأمانة من التعظيم ما يعتقده في الله سبحانه وتعالى كما تقدم قال الخطابي وسبب ذلك أنه إنما أمر أن يحلف بالله وصفاته وليس الأمانة من صفاته وإنما هي أمر من أمره وفرض من فروضه فنهوا عنه لما في ذلك من التسوية بينها وبين أسماء الله وصفاته اهـ. فائدة بحث الجلال البلقيني في حرمة الحلف بحياة مخلوق أو برأسه لأن ذلك خص الله به نبيه تكرمة له بقوله لعمرك إنهم الآية قال ابن حجر الهيتمي في تنبيه الأخيار ويرد بأنه مع مخالفته لصريح كلام الأئمة لا يتم إلا لو أذن الله للناس في الحلف بحياة نبيه دون غيره ولم يقع ذلك وإنما الذي وقع تخصيصه تعالى بحلفه بحياته مع التأكيد باللام وغيرها ولم يفعل ذلك لغيره وهي الكرامة العظمى ولا يؤخذ منها ما ذكر الحلال بوجه وقد نهى -صلى الله عليه وسلم- النّاس عن الحلف به وبغيره من الخلق فتحريم بعض الصور فقط تحكم اهـ. قوله: (يكره إكثار الحلف في البيع ونحوه) قال تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} أي لا تكثروا منها لتصدقوا ولخبر إنما الحلف حنث أو ندم رواه ابن حبان في صحيحه. قوله: (وإن كان صادقاً) إن قيل العبارة صريحة في كراهة الإكثار من الإيمان في حال الكذب أيضاً مع أنها حرام حينئذٍ

روينا في "صحيح مسلم" في أبي قتادة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إياكُمْ وَكَثْرَةَ الحَلفِ في البَيعِ، فإنَّهُ يُنْفقُ ثم يَمْحَقُ". فصل: يكره أن يقال: قوس قزح لهذه التي في السماء. روينا في "حلية الأولياء" لأبي نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تَقولُوا: قَوْسَ قُزَحَ، فإنَّ قُزَحَ شَيطانٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولذا حذف الجلال السيوطي هذه الغاية في اختصاره قلت هو صحيح يفيد تحقيقاً حسناً غفل عنه الجلال السيوطي إذ معناه أن الإكثار من حيث هو إكثار مكروه في حالتي الصدق والكذب والحرمة في الكذب لأمر آخر فعلم أنه لا يلزم من الحرمة العرضية خروج الإكثار عن حكمه وهو الكراهة من حيث هو إكثار ونظيره قولهم يسن للصائم صون لسانه عن الكذب والغيبة أي أن إمساكه عن ذلك من حيث إنه صوم سنة وإن كان في ذاته واجباً ذكره ابن حجر في تنبيه الأخيار. قوله: (روينا في صحيح مسلم) وكذا رواه أحمد والنسائي وابن ماجه كلهم من حديث أبي قتادة كما في الجامع الصغير. قوله: (ينفق) بضم التحتية وفتح النون وكسر الفاء وبالقاف من النفاق ضد الكساد. قوله: (ثم يمحق) في الصحاح محقه الله ذهب ببركته. قوله: (روينا في حلية الأولياء الخ) قال الحافظ السخاوي بعد تخريجه حديث ضعيف لضعف رواية زكريا يعني ابن حكيم الخبطي ذكره العقيلي في ترجمته من كتاب الضعفاء ولفظ حديثه فإن قزح هو الشيطان ولبعضه شاهد عند الطبراني في معجمه الكبير والأوسط بسند لين عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمان لأهل الأرض من الغرق القوس الحديث وعند البخاري في الأدب المفرد من حديث يوسف بن مهران عن ابن عباس قال القوس أمان لأهل الأرض من الغرق والمجرة باب السماء الذي تنشق منه ومن حديث أبي الطفيل قال: سأل ابن الكوا علياً رضي الله عنه عن المجرة فقال: هي شرج السماء ومنها فتحت السماء بماء منهمر اهـ. قوله: (فإن قزح شيطان) قال في

ولَكِنْ قُولُوا: قَوسُ الله عَزَّ وَجَلَّ، فَهُوَ أمانٌ لأهْلِ الأرْضِ". قلت: قزح بضم القاف وفتح الزاي، قال الجوهري وغيره: هي غير مصروفة، وتقوله العوام: قدح، بالدال، وهو تصحيف. فصل: يكره للإنسان إذا ابتلي بمعصية أو نحوها أن يخبرَ غيره بذلك، بل ينبغي أن يتوبَ إلى الله تعالى، فيقلع عنها في الحال، ويندم على ما فعل، ويعزم أن لا يعود إلى مثلها أبداً، فهذه الثلاثة هي أركان التوبة، لا تصح إلا باجتماعها، فإن أخبر بمعصيته شيخه أو شبهه ممن يرجو بإخباره أن يعلِّمه مخرجاً ـــــــــــــــــــــــــــــ النهاية أي من أسماء الشيطان قيل سمي به لتسويله للناس وتحسينه إليهم المعاصي من التقزيح وهو التحسين وقيل من القزح وهو الطرائق والألوان التي في النفوس الواحدة قزحة أو من قزح الشيء إذا ارتفع قال ابن حجر في تنبيه الأخيار وبالحديث يرد زعم أنه قوس قزع لأن القزع السحاب. قوله: (ولكن قولوا قوس الله) كأنه كره ما كانوا عليه من عادات الجاهلية وأمر أن يقال قوس الله ليرفع قدرها كما يقال بيت الله وقالوا قوس الله أمان من الغرق. قوله: (غير مصروفة) أي للعلمية والعدل التقديري. فائدة قال السيوطي في جمع الجوامع في علم النحو له ما جاء علماً وهو معدول تقديراً محصور بحسب السماع في أربعة عشر اسماً عمر وزفر ومضر وقثم وزحل وجشم وجمح وقزح وعصم وجحى ودلف وهبل وبلع وثعل وعدل الجميع عن فاعل إلا الأخير فعن أفعل. قوله: (ونحوها) الظاهر أن مراده بها ما يعد هتكاً للمروءة كذكر جماع الحليلة من غير تفاصيله وإلا كان كبيرة. قوله: (أن يخبر بذلك غيره) أي إذا لم يكن على وجه التفكه والتذكر لحلاوتها وإلا فيحرم لأنه يبعث على العودة إليها. قوله: (فهذه الثلاثة أركان التوبة) تقدم الكلام على ما يتعلق بالتوبة في باب تحريم الغيبة والنميمة. قوله: (فإن أخبر بمعصيته شيخه الخ) هذا هو الصحيح وإطلاق السيوطي كراهة الإخبار بالمعصية ليس في محله كما

من معصيته، أو ليعلِّمه ما يَسْلم به من الوقوع في مثلها، أو يعرِّفه السبب الذي أوقعه فيها، أو يدعوَ له، أو نحو ذلك، فلا بأس به، بل هو حسن، وإنما يُكره إذا انتفت هذه المصلحة. روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "كلُّ أمَّتي معافىً إلا المُجاهِرينَ، وإنَّ مِنَ المُجاهَرَةِ أنْ يعمَلَ الرَّجُلُ باللَّيلِ عَمَلاً ثم يُصْبِحُ وقَدْ سَتَرَهُ اللهُ تعالى علَيهِ، فيَقُولُ: يا فُلانُ عَمِلْتُ البارِحَةَ كَذَا وكَذَا، وقَدْ باتَ يَسْتُرُهُ ربَّهُ، ويُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَليهِ". فصل: يحرم على المكلِّفَ أن يحدِّث عبدَ الإنسان، أو زوجتَه، أو ابنَه، أو غلامَه، ونحوهم بما يفسدهم عليه إذا لم يكن ما يحدِّثهم به أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر. قال الله تعالى: ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن حجر في التنبيه. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم) قال السخاوي ورواه أبو عوانة والبيهقي في الشعب والخرائطي في مساوي الأخلاق كلهم من حديث أبي هريرة اهـ. ورواه الطبراني في الأوسط لكن من حديث أبي قتادة وفي معنى الحديث من الآثار ما رواه الخرائطي عن مريم ابنة طارق أن امرأة قالت لعائشة إن كريباً أخذ بساقي وأنا محرمة فقال حجري حجري حجري وأعرضت بوجهها وقالت بكفها وقالت: يا نساء المؤمنين إذا أذنبت إحداكن ذنباً فلا تخبرن به النّاس ولتستغفر الله ولتتب إليه فإن العباد يغيرون ولا يغيرون والله يغير ولا يغير. قوله: (معافى) أي معفو عن ذنبه. قوله: (إلا المجاهرين) كذا هو في نسخة من البخاري بالياء على الأصل وفي نسخة منه إلا المجاهرون بالواو وقال الشيخ زكريا ووجهه أن العفو متضمن معنى الترك فكان الاستثناء من منفي أو أن إلا بمعنى لكن وما بعدها مبتدأ حذف خبره أي لا يعافون

{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وقال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]. وروينا في كتابي أبي داود والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ خَبَّبَ زوجَةَ امرئٍ أو مَمْلوكَهُ فليسَ مِنَّا". قلت: خبب بخاء معجمة ثم باء موحدة مكررة، ومعناه: أفسده وخدَعه. فصل: ينبغي أن يقال في المال المُخرَج في طاعة الله تعالى: أنفقتُ وشبهه، فيقال: أنفقتُ في حجتي ألفاً، وأنفقتُ في غزوتي ألفين، وكذا أنفقتُ في ضيافة ضيفاني، وفي ختان أولادي، وفي نكاحي، وشبه ذلك، ولا يقول ما يقوله كثيرون من العوام: غرمت في ضيافتي، وخسرت في حجتي، وضيَّعت في سفري. وحاصله أنَّ أنفقتُ وشبهه يكون في ـــــــــــــــــــــــــــــ والمجاهر هو الذي جاهر بمعصيته وأظهرها. قوله: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} قال في النهر قال ابن عباس البر ما أمرت به والتقوى ما نهيت عنه. {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ} المعاصي {وَالْعُدْوَانِ} التعدي في حدود الله اهـ. قوله: (رقيب) في مفردات الراغب رقبته احفظه والرقيب الحافظ وذلك إما لمراعاته رقبة المحفوظ وإما لرفعه رقبته والعتيد الحاضر المهيأ وتقدم الكلام على الآية في أول كتاب حفظ اللسان. قوله: (وروينا في كتابي أبي داود والنسائي) هذا أحد ألفاظ أبي داود وفي لفظ له ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبداً على سيده ورواه النسائي وابن حبان في صحيحه ولفظه من خبب عبداً على أهله ومن أفسد امرأة على زوجها فليس منا ورواه الطبراني في الصغير والأوسط من حديث ابن عمر ورواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس ورواة أبي يعلى كلهم ثقات وقال السخاوي بعد تخريجه بلفظ رواية ابن حبان المذكورة إلا أنه قال من خبب خادماً والباقي سواء حديث حسن أخرجه أحمد وهو عند البيهقي والحاكم

الطاعات. وخسرتُ وغرمتُ وضيعتُ ونحوها يكون في المعاصي والمكروهات، ولا تستعمل في الطاعات. فصل: مما ينهى عنه ما يقوله كثيرون من النّاس في الصلاة إذا قال الإِمام: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فيقول المأموم: إياك نعبد وإياك نستعين، فهذا مما ينبغي تركه والتحذير منه، فقد قال صاحب "البيان" من أصحابنا: إن هذا يبطل الصلاة، إلا أن يقصد به التلاوة، وهذا الذي قاله وإن كان فيه نظر والظاهر أنه لا يوافَق عليه، فينبغي أن يجتَنب، فإنه وإن لم يبطل الصلاة فهو مكروه في هذا الموضع، والله أعلم. فصل: مما يتأكد النهي عنه والتحذير منه ما يقوله العوام وأشباههم ـــــــــــــــــــــــــــــ في صحيحه اهـ. وسبق في النهي عن الحلف بغير أسماء الله تخريج الحديث من حديث بريدة. قوله: (وغرمت الخ) أي فالتعبير بها في الخير خلاف الأولى وخلاف الأدب في التعبير وهو مراد الجلال السيوطي من ذكره ذلك في حيز المكروه قاله ابن حجر في تنبيه الأخيار. قوله: (فقد قال صاحب البيان الخ) وتبعه عليه المصنف في التحقيق والفتاوى وقال ابن حجر في شرح المنهاج اعتمده أكثر المتأخرين وإن نازع فيه في المجموع وغيره ولا ينافيه اللهم إنا نستعينك إياك نعبد في قنوت الوتر إذ لا قرينة تصرفه إليها بخلافه هناك فاندفع ما للأسنوي هنا ومثل قصد التلاوة قصد الدعاء وقضية ما تقرر أنه لا أثر لقصد الثناء وقد يوجه بأنه خلاف موضوع اللفظ وفيه نظر لأنه بتسليم ذلك لا لموضوعه فإنه مثل كم أحسنت إلي وأسأت فإنه غير مبطل لإفادته ما يستلزم الثناء أو الدعاء اهـ. وعلى هذا فيحرم قول المأموم ذلك ومثله قوله استعنا بالله إن لم يقصد ما ذكر إن كان في صلاة فرض أو نفل لم يقصد قطعه وفي شرح المنهاج للرملي وكذا يبطل بقوله استعنا به قاصداً به الثناء والذكر على ما يؤخذ من التحقيق والمجموع وغيرهما إذ لا عبرة بقصد ما لم يفده اللفظ. قوله: (والظاهر أنه لا يوافق عليه الخ) ومثله

في هذه المكوس التي تؤخذ مما يبيع أو يشترى ونحوهما، فإنهم يقولون: هذا حق السلطان، أو عليك حق السلطان، ونحو ذلك من العبارات المشتملة على تسميته حقاً أو لازماً ونحو ذلك، وهذا من أشد المنكرات، وأشنع المستحْدثات، حتى في قال بعض العلماء: من سمى هذا حقاً فهو كافر خارج عن ملة الإسلام، والصحيح أنه لا يكفر إلا إذا اعتقده حقاً مع علمه بأنه ظلم، فالصواب أن يقال فيه: المكس، أو ضريبة السلطان، أو نحو ذلك من العبارات، وبالله التوفيق. فصل: يكره أن يسأل بوجه الله تعالى غير الجنة. روينا في سنن أبي داود عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يُسألُ بِوَجْهِ الله إلاَّ الجَنَّةُ". ـــــــــــــــــــــــــــــ في المجموع وظاهر كلام شرح الروض ترجيحه وفيه أن المحب الطبري بحث في الصحة وجرى عليه الأسنوي وفي التجريد للمزجد قال المحب الطبري بعد ذكره كلام البيان الظاهر الصحة لأنه ثناء علي الله تعالى اهـ. والحاصل أن قول المأموم ما ذكر بعد قراءة الإِمام بدعة مبطلة عند الأكثرين إن لم يقصد تلاوة أو دعاء نهى عنها كما صرح به في المجموع وغير مبطلة مطلقاً على ما في المجموع وجرى عليه هنا. قوله: (وهذا من أشد المنكرات الخ) صرح السيوطي بأن هذا القول مكروه -أي عند عدم قصد حقيقة ذلك- قال ابن حجر وهو من تصرفه الغير الحسن والذي دل عليه قول المصنف إنه من أشد المنكرات ويتأكد النهي عنه والتحذير منه أنه حرام وذلك لأنه كذب قبيح جداً. قوله: (يكره أن يسأل بوجه الله تعالى غير الجنة) وألحق بها كل خير. قوله: (المكس) في الصحاح المكس الخيانة والمكاس العشار وفي النهاية حديث لا يدخل الجنة صاحب مكس المكس الضريبة التي يأخذها الماكس وهو العشار. قوله: (روينا في سنن أبي داود) ورمز السيوطي إلى علامة الصحة بجانبه وقال ورواه الضياء المقدسي كلاهما عن جابر قال السخاوي وهو عند الديلمي في مسنده من وجهين عن جابر مرفوعاً

فصل: يكره منع من سأل بالله تعالى وتشفَّع به. روينا في سنن أبي داود والنسائي بأسانيد صحيحة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال في تكملة أمالي شيخه بعد تخريج الحديث باللفظ المذكور حديث غريب رواه أبو داود عن القلوري قال ابن شاهين إنه تفرد به قال ولا أعلم أحداً حدث به إلا القلوري وهو حديث غريب اهـ. قال السخاوي رواه غير القلوري ثم بين ذلك وذكر الاختلاف في اسم القلوري وهو بكسر القاف وتشديد اللام وسكون الواو ثم راء مهملة قال وفي روينا في الجزء الثامن من حديث عبد الله الخراساني أن كلاًّ من عطاء وابن جريج قال بلغنا أنه يكره أن يسأل الله شيئاً من الدنيا بوجهه اهـ. فهي شواهد لحديث الباب. قوله: (يكره منع من سأل بوجه الله تعالى) قال ابن حجر لا دليل في الحديث للكراهة إلا إن أريد بها خلاف الأولى اهـ. وفيه أن الأمر بالشيء نهي عن ضده والمكروه ما نهى عنه نهياً غير جازم وهذا منه وقد أخذ الفقهاء كراهة أشياء من ورود الأمر بضدها لما ذكرناه والله أعلم. قوله: (روينا في سنن أبي داود والنسائي) ورواه أحمد وابن حبان والحاكم في المستدرك كلهم من حديث ابن عمر وقال السخاوي بعد تخريجه باللفظ المذكور إلا أنه قال فأثنوا عليه بدل قوله فادعوا له والباقي سواء حديث حسن أخرجه أحمد في مسنده وأبو داود في الأدب والزكاة من سننه والنسائي في الزكاة والسراج وعبد بن حميد في مسنديهما والبيهقي والضياء في المختارة وابن حبان والحاكم في صحيحيهما وقال الحاكم في الزكاة والبيوع إنه على شرط الشيخين زاد في البيوع ولم يخرجاه للخلاف الذي بين أصحاب الأعمش أي فإن جمهور الرواة عنه أخرجوه عنه عن مجاهد عن ابن عمر وأخرجه محمد بن أبي عبيدة من ذرية عبد الله بن مسعود عن أبيه عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن مجاهد رواه من طريقه ابن حبان في صحيحه هكذا وإلى هذه الطريق أشار الحاكم بقوله بعد روايته ورواه أبو بكر بن عياش عن

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنِ اسْتعَاذَ باللهِ فأعِيذُوهُ، وَمَنْ سألَ باللهِ تَعالى فَأعْطُوهُ، وَمَنْ دَعَاكُمْ فأجِيبُوهُ، ومَنْ صَنَعَ إلَيْكُمْ مَعْرُوفاً فكافِئُوهُ فإنْ لَمْ تَجِدُوا ما تُكافِئُونَهُ فادْعُوا لَهُ حتَّى تَرَوْا أنَّكُمْ قَدْ كافأتُمُوهُ". فصل: الأشهر أنه يكره أن يقال: أطال الله بقاءَك. قال أبو جعفر النحاس ـــــــــــــــــــــــــــــ الأعمش فقال عن أبي حازم عن أبي هريرة أخرجه الحاكم في صحيحه وعند البيهقي في الشعب وصحح الحاكم إسناده ورواه إسماعيل بن زكريا عن الأعمش فقال عن مجاهد عن ابن عباس ورواه وضاح بن يحيى النهشلي عن مندل عن الأعمش فقال عن نافع عن ابن عمر ورواه شريك عن الأعمش فقال عن مجاهد مرسلاً لم يذكر ابن عمر ولا غيره أشار إليها الدارقطني وقد رواه أحمد من حديث ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر وكذا رواية العوام عن مجاهد وأصحها الأول كما قاله الدارقطني وكذا صحح حديث ليث ومن جهتهما أخرجه الضياء في المختارة وله شاهد أخرجه أبو داود عن ابن عباس رفعه بلفظ من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سألكم بوجه الله فأعطوه وهو عند أحمد في مسنده وابن خزيمة في التوحيد وأفادت هذه الرواية استحباب الإعطاء لمن سأل بذلك مع كونه ارتكب منهياً وقد قال البيهقي في الشعب ينبغي للسائل أن يعظم أسماء الله تعالى فلا يسأل بشيء منها من عرض الدنيا شيئاً وينبغي للمسؤول إذا سئل باللهِ ألا يمنع ما استطاع وجاء عن ابن عباس حديث مرفوع في الترهيب من تركه ولفظه ألا أنبئكم بشر النّاس منزلة الذي يسأل بوجه الله أخرجه البيهقي وكذا أخرجه النسائي والترمذي وقال الترمذي حسن غريب وعند البيهقي من حديث يعقوب بن عاصم عن عبد الله بن عمر ولا أعلمه إلا رفعه قال من سئل بوجه الله فأعطى كتب له سبعون حسنة اهـ. قوله: (من استعاذ بالله) أي من مكروه تقدرون على رفعه عنه. قوله: (ومن دعاكم فأجيبوه) أي وجوباً في وليمة النكاح ندباً في باقي الولائم. قوله: (فكافئوه) أي بمعروف من جنسه أو من غير جنسه. قوله: (فادعوا له) وتقدم من قال لأخيه جزاك الله خيراً فقد أبلغ في الثناء. قوله: (الأشهر أنه يكره أن يقال أطال الله بقاءك) نازع الأذرعي في إطلاق الكراهة

في كتابه "صناعة الكتَّاب" كره بعض العلماء قولهم: أطال الله بقاءك، ورخص فيه بعضهم. قال إسماعيل بن إسحاق: أول من كتب "أطال الله بقاءك" الزنادقة. وروي عن حماد بن سلمة رضي الله عنه أن مكاتبة المسلمين كانت: من فلان إلى فلان: أما بعد، سلام عليك، فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو، وأسأله أن يصلي على محمد وعلى آل محمد، ثم أحدثت الزنادقة هذه المكاتبات التي أولها: أطال الله بقاءك. فصل: المذهب الصحيح المختار أنه لا يكره قول الإنسان لغيره: فداك أبي وأمي، أو جعلني الله فداك، وقد تظاهرت على جواز ذلك الأحاديث المشهورة في "الصحيحين" وغيرهما، وسواء كان الأبوان مسلمَين أو كافِرَين، وكره ذلك بعض العلماء إذا كانا مسلمَين. قال النحاس: وكره مالك بن أنس: جعلني الله فداك، وأجازه بعضهم. قال القاضي عياض: ذهب جمهور العلماء إلى جواز ذلك، سواء كان المفدَّى به مسلماً أو كافراً. قلت: وقد جاء من الأحاديث الصحيحة في جواز ذلك ما لا يحصى، وقد نبَّهتُ على جمل منها في "شرح صحيح مسلم". فصل: ومما يذمُّ من الألفاظ: المِرَاءُ، والجِدال، والخُصومة. قال ـــــــــــــــــــــــــــــ واختار أن الدعاء بذلك لأهل الدين والعلم وولاة العدل قربة ولغيرهم مكروه بل حرام. قوله: (المذهب الصحيح المختار أنه لا يكره قول الإنسان لغيره فداك أبي وأمي) وقد تقدم في ترجمة سعد بن أبي وقاص أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له وقال للزبير أيضاً فداك أبي وأمي ولا يحصى تقريره الصحابة على قولهم ذلك له -صلى الله عليه وسلم-. قوله: (وسواء كان الأبوان مسلمين أو كافرين) أي لأنه ليس القصد به ظاهره وحقيقته بل التواد والملاطفة مع المخاطب. قوله: (من الأحاديث الصحيحة) بيان لما في قوله ما لا يحصى. قوله:

الإِمام أبو حامد الغزالي: المِراء: طَعْنُكَ في كلام الغير لإظهار خلل فيه لغير غرض سوى تحقير قائله، وإظهار مزيتك عليه، قال: وأما الجِدال، فعبارةٌ عن أمر يتعلق بإظهار المذاهب وتقريرها، قال: وأما الخصومة، فَلَجاج في الكلام ليستوفيَ به مقصودَه من مال أو غيره، وتارة يكون ابتداءً، وتارة يكون اعتراضاً، والمراء لا يكون إلا اعتراضاً، هذا كلام الغزالي. واعلم أن الجدال قد يكون بحق وقد يكون بباطل، قال الله تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: 46] وقال تعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] وقال تعالى: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} [غافر: 4] فإن كان الجدال الوقوف على الحق وتقريره كان محموداً، وإن كان في مدافعة الحقِّ، أو ـــــــــــــــــــــــــــــ (لإظهار خلل فيه) علة للطعن وكذا قوله لغير غرض. قوله: (تحقير قائله) أي بإظهار الخلل في كلامه. قوله: (مزيتك) بفتح الميم وكسر الزاي وتشديد التحتية أي ارتفاعك عليه. قوله: (وأما الجدال الخ) فهو أخص من المراء وفي التهذيب الجدل والجدال والمجادلة مقابلة الحجة بالحجة قال وأصله الخصومة الشديدة سمي جدلاً لأن كل واحد يحكم خصومته وحجته إحكاماً بليغاً على قدر طاقته تشبيهاً بجدل الحيل وهو إحكام فتله. قوله: (واعلم أن الجدال قد يكون بحق) أي في يكون قصده إقامة الحق وإظهاره لا تحقير غيره وحينئذٍ فإطلاق الجدال عليه مجاز لأنه صورته. قوله: (وقد يكون بباطل) بأن يكون قصده تحقير غيره أو إقامة باطل. قوله: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} أي من الملاطفة في الدعاء إلى الله والتنبيه على آياته. قوله: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا}. قوله: (فإن كان الجدال للوقوف على الحق الخ) وعليه ينزل ما جاء من مدح الجدال وعلامة ذلك أن لا يغضب من ظهور الحق على لسان خصمه ولذا قال إمامنا الشافعي رضي الله عنه ما ناظرت أحداً

كان جدالاً بغير علم كان مذموماً، وعلى هذا التفصيل تُنَزَّلُ النصوص الواردة في إباحته وذمه، والمجادلة والجدال بمعنى، وقد أوضحتُ ذلك مبسوطاً في "تهذيب الأسماء واللغات". قال بعضهم: ما رأيت شيئاً أذهب للدِّين، ولا أنقص للمروءة، ولا أضيع للذة، ولا أشغل للقلب من الخصومة. فإن قلت: لا بد للإنسان من الخصومة لاستبقاء حقوقه. فالجواب ما أجاب به الإِمام الغزالي: أن الذمَّ المتأكِّد إنما هو لمن خاصم بالباطل أو بغير علم، كوكيل القاضي، فإنه يتوكل في الخصومة قبلَ أن يَعْرِفَ أن الحقَّ في أي جانب هو فيخاصم بغير علم. ويدخل في الذمِّ أيضاً مَنْ يطلب حقه، لكنه لا يقتصر على قدر الحاجة، بل يظهر اللَّدَد والكذب للإيذاء والتسليط على خصمه، وكذلك من خلط بالخصومة كلمات تؤذي، وليس له إليها حاجة في تحصيل حقه، وكذلك من يحمله على الخصومة محضُ العِناد لقهر الخصم وكسره، فهذا هو المذموم، وأما المظلوم الذي ينصُرُ حجَّتَه بطريق الشرع من ـــــــــــــــــــــــــــــ إلا ورجوت أن يظهر الحق على يده. قوله: (وعلى هذا التفصيل الخ) قال في التهذيب وقد ذكر الخطيب في كتابه كتاب الفقيه والمتفقه جميع ما جاء في الجدل ونزله على هذا التفصيل وكذا ذكر غيره. قوله: (ما رأيت أذهب للدين الخ) وجه الخصومة مذهبة له أنه قل من يضبط من محرمات نحو الخصام من غيبة وسعاية وحقد ونحو ذلك عند الخصام إلا من حفظه الله تعالى. قوله: (الذم المتأكد إنما هو لمن خاصم بالباطل) أي فهو حرام حينئذ لما فيه من تقوية الباطل والخصومة في إقامته. قوله: (وليس له إليها حاجة) أما عند الحاجة فظاهر كلامه جواز الإيذاء عند الحاجة إليه بأن عرف من عادة الخصم أنه لا يقر بالحق إلا بردعه ببعض الكلمات المؤذية له فلا بأس بها حينئذٍ. قوله: (فهذا هو المذموم) أي فيحرم كما يفهم من قوله الآتي ففعله هذا أي الجامع لتلك الشرط ليس حراماً. قوله: (أما المظلوم الذي ينصر حجته بطريق الشرع من غير لدد وإسراف

غير لَدَدٍ وإسرافٍ وزيادة لجَاج على الحاجة، من غير قصد عناد ولا إيذاءٍ، ففعله هذا ليس حراماً، ولكن الأولى تركه ما وجد إليه سبيلاً، لأن ضبط اللسان في الخصومة على حدِّ الاعتدال متعذِّر، والخصومة تُوغِر الصدور، وتهيِّج الغضب، وإذا هاج الغضب حصل الحِقد بينهما، حتى يفرح كل واحد بمساءَة الآخر، ويحزن بمسرَّته، ويطلق اللسان في عرضه، فمن خاصم فقد تعرَّض لهذه الآفات، وأقلُّ ما فيه اشتغال القلب حتى أنه يكون ـــــــــــــــــــــــــــــ وزيادة لجاج على الحاجة من غير قصد عناد ولا إيذاء) أي غير محتاج إليه وإلا كإرسال رسول القاضي ليحضره لا حرج فيه وإن تأذى به (ففعله ليس حراماً)، أفهم أنه متى وجد شيء مما نفاه حرمت الخصومة أما حرمتها في نصرة حجته بغير طريق الشرع فواضحة جلية وأما حرمتها فيما إذا نصرها بالشرع لكن مع إلداد وإسراف أو عناد أو زيادة لجاج على قدر الحاجة للإيذاء. وقوله: (لغير حاجة) ظاهره يجوز اللجاج للحاجة وكذا ما قبله لكن إن أدى اللدد وما بعده إلى نحو كذب أو تمويه باطل ضمه لحجته حرم ذكره ابن حجر في تنبيه الأخيار ثم قوله: "ففعله ليس حراماً" صريح في تحريم ما قبله من المراء والجدال بغير الحق وتحريم الخصومة إذا وجد فيها شيء مما نفاه، وقد وقع للجلال السيوطي في أذكار الأذكار أنه أطلق القول بكراهة المراء والجدال والخصومة ولم يقيدها بما ذكره المصنف وتعقبه ابن حجر بقوله كيف ساغ له الجزم بكراهة المراء مع تفسيره له بأنه ليس القصد منه إلا تحقير الغير الذي هو محرم إجماعاً فالصواب أنه حرام غليظ التحريم وبكراهة الجدال بغير حجة مع تفسير النووي له بأنه الجدال في مدافعة الحق والجدال بغير الحق في كل من هذين تحريمه ظاهر جلي فمن أظهر مذهبه بما يعلم بطلانه فقد جادل بغير حجة وارتكب عظيم الإثم لنصرته الباطل أو ترويجه على السامع وبكراهة الخصومة من غير قيد مع اشتراط النووي لعدم تحريمها أن ينصر حجته بطريق الشرع الخ. قوله: (ولكن الأولى تركه) فكثرة الخصومات عدها صاحب العدة من الصغائر وإن كان الشخص

في صلاته وخاطره معلَّق بالمحاجة والخصومة، فلا يبقى حاله على الاستقامة. والخصومةُ مبدأُ الشرِّ، وكذا الجدالُ والمراء، فينبغي أن لا يفتحَ عليه باب الخصومة إلا لضرورة لا بد منها، وعند ذلك يحفظ لسانه وقلبه عن آفات الخصومة. روينا في كتاب الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كفَى بِكَ إثْماً أنْ لا تَزَالَ مُخاصِماً". وجاء عن عليٍّ رضي الله عنه قال: إن للخصومات قُحَماً. قلت: القحم بضم القاف وفتح الحاء المهملة: هي المهالك. فصل: يكره التقعير في الكلام بالتَّشَدُّق وتكلَّفِ السَّجْع والفَصَاحة والتصنَّع بالمقدمات التي يعتادها المتفاصحون وزخارف القول، فكل ذلك من التَكلُّف المذموم، وكذلك تكلُّف السجع، وكذلك التحرِّي في دقائق ـــــــــــــــــــــــــــــ محقاً كما نقله عنه الشيخان ثم بعضهم قال أراد بالصغيرة ما يقابل الكبيرة فيأثم بذلك واستشكل بأنه يبعد تأثيم المحق في خصومته إلا أن يقال من أكثر الخصومات وقع في الإثم وبعضهم قال أراد بالصغيرة ما يشبهها في رد الشهادة وإن لم يكن فيه إثم واعترض بأن إطلاق الصغيرة على ذلك خارج عن اصطلاح الفقهاء. قوله: (وكذا الجدال) أي المذموم. قوله: (روينا في كتاب الترمذي) وقال الترمذي إنه حديث غريب. قوله: (وجاء عن علي الخ) في كتاب الأم للشافعي عن علي أنه وكل في خصومة وهو حاضر وكان يقول إن الخصومة لها قحماً. قوله: (القحم بضم القاف وفتح الحاء هي المهالك) في النهاية القحم هي الأمور العظيمة الشاقة واحدتها قحمة اهـ. وعد المطرزي في المغرب فتح الحاء خطأ. قوله: (وتكلف السجع والفصاحة) أي وأما البلاغة ما لم تصل إلى حد الإسهاب فمحمودة عند العلماء فإن وصلت إليه فمذمومة وكذا إذا كان ممن يجادل بها لتزيين الباطل وتحسينه بلفظه ويريد إقامته

الإعراب ووحشيِّ اللغة في حال مخاطبة العوام، بل ينبغي أن يقصدَ في مخاطبته لفظاً يفهمه صاحبه فهماً جلياً ولا يستثقله. روينا في كتابي أبي داود والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله ـــــــــــــــــــــــــــــ في صورة الحق فهذا هو المذموم الذي ورد فيه التغليط الشديد، وفي كتاب معيد النعم للقاضي تاج الدين السبكي في ذكر طوائف العلماء ومنهم طائفة استغرق حب النحو واللغة عليها وملأ فكرها فأداها إلى التقعر في الألفاظ وملازمة وحشي اللغة بحيث خاطبت به من لا يفهمه وحن لا ننكر أن الفصاحة فن مطلوب واستعمال غريب اللغة عزيز حسن لكن مع أهله ومع من يفهمه كما حكي أن أبا عمرو بن العلاء قصده طالب ليقرأ عليه فصادفه بكلام البصرة وهو مع العامة يتكلم بكلامهم لا يفرق بينه وبينهم فنقص من عينه ثم لما نجز شغل أبي عمرو مما هو فيه تبعه الرجل إلى أن دخل الجامع فأخذ يخاطب الفقهاء بغير ذلك اللسان فعظم في عينه وعلم أنه كلم كل طائفة بما يناسبها من الألفاظ فهذا هو الصواب فإن كل واحد يكلم على قدر فهمه ومن اجتنب اللحن وارتكب العالي من اللغة والغريب منها وتحدث بذلك مع كل واحد فهو ناقص العقل وربما أتى بعض هذه الطائفة من ملازمته هذا الفن بحيث اختلط بلحمهم ودمهم فسبق لسانهم إليه وإن كانوا يخاطبون من لا يفهمه ثم أخرج عن أبي العباس أحمد بن إبراهيم الوراق أنه قال ازدحم النّاس على عيسى بن عمرو النحوي وقد سقط عن حماره وغشي عليه فلما أفاق وأخذ في الاستواء للجلوس قال: ما بالكم تكأكأتم علي ولا تكأكؤكم على ذي جنة افرنقعوا عني، وافرنقعوا بلغة أهل اليمن تنحوا فهذا الرجل كان إماماً في اللغة وكانت هذه الحالة منه لا تقتضي أن يقصد هذه الألفاظ بل هي دأبه فسبق إليها لسانه، ثم أخرج حكايات عديدة من هذا القبيل قال ولا ينكر أنهم يأتون بالألفاظ الكثرة استعمالهم لها وغلبتها على ألسنتهم ظناً منهم أن كل أحد يعرفها وإلا فكيف يذكرونها في وقت لا يظهر فيه لاستعمالها سبب غير ذلك ووحشي اللغة هي الكلمة الغريبة في الاستعمال وذلك مخل بالفصاحة. قوله: (بل ينبغي أن يقصد في مخاطبته الخ) أي فيخاطب كلاً بما يليق به كما تقدم عن أبي عمرو بن العلاء. قوله: (روينا في كتابي أبي داود والترمذي) وكذا رواه الإِمام أحمد كما في الجامع الصغير وأورد

-صلى الله عليه وسلم- قال: "إنّ الله يُبْغِضُ البليغَ مِنَ الرجالِ الذي يتَخَلَّلُ بلسانِهِ كما تَتَخَلَّلُ البَقَرَةُ" قال الترمذي: حديث حسن. وروينا في "صحيح مسلم" عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ" قالها ثلاثاً. قال العلماء: يعني بالمتنطعين: المبالغين في الأمور. وروينا في كتاب الترمذي عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " إن مِنْ أحبَّكُمْ إليَّ، وأقْرَبِكُمْ منِّي مَجْلِساً ـــــــــــــــــــــــــــــ في النهاية وقال في آخر كلما تتخلل الباقرة الكلأ بلسانها قال العاقولي ضرب المثل بالبقرة لأنها تأخذ نبات الأرض والعلف بألسنتها دون سائر الدواب فإنها تأخذ ذلك بأسنانها فنبه بذلك على أن أولئك لا يهتدون إلى مأكل إلا بهذه الطريق كما أن البقرة لا تتمكن أن تأكل إلا بهذه الطريق وأنهم في فعلهم هذا لا يفرقون بين قول الحق والباطل بل أنهم بصدد تحصيل شيء سواء كان بقول باطل أو بحق والباقرة جمع البقر واستعماله بالتاء قليل. قوله: (يتخلل بلسانه) هو الذي يتشدق بالكلام ويقحم به لسانه ويلفه كما تلف البقرة الكلأ بلسانها لفاً. قوله: (وروينا في صحيح مسلم) ورواه أحمد وأبو داود كلهم من حديث ابن مسعود. قوله: (هلك المتنطعون) بتقديم المثناة الفوقية على النون هم المتعمقون المغالون في الكلام المتكلمون بأقصى طرقهم مأخوذ من النطع وهو الغار الأعلى من الفم ثم استعمل في كل تعمق قولاً وفعلاً قال العاقولي ويدخل في هذا الذم ما يكون القصد فيه مقصوراً على مراعاة اللفظ ومجيء المعنى تابعاً للفظ أما إذا كان بالعكس فهو الممدوح وهو أن يدع الرجل نفسه تجري على سجيتها فيما يروم التعبير عنه من المعاني كما قال: أرسلت نفسي على سجيتها ... وقلت مما قلت غير محتشم قوله: (المبالغين في الأمور) ودخل فيها المبالغة في الكلام والتكلف في الفصاحة وهذا وجه إيراده هنا. قوله: (وروينا في كتاب الترمذي). قوله: (إن من أحبكم الخ) مبني على قاعدة وهي أن المؤمنين من حيث الإيمان محبوبون ثم قد

يَوْمَ القِيامَةِ، أحاسِنُكُمْ أخْلاقاً، وإنَّ أبْغَضَكُمْ إليّ، وأبعدَكُمْ مِنِّي يَومَ القِيامَةِ، الثَّرثَارُونَ والمتَشَدِّقُونَ والمُتَفَيهِقُونَ"، قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والْمتشدِّقون، فما المتفيهقون؟ قال: "المُتَكَبِّرُون) قال الترمذي: هذا حديث حسن. قال: والثرثار: هو الكثير الكلام. والمتشدِّق: من يتطاول على النّاس في الكلام ويبذو عليهم. واعلم أنه لا يدخل في الذم تحسين ألفاظ الخُطَب والمواعظ إذا لم يكن فيها إفراط وإغراب، لأن المقصود منها تهييج القلوب إلى طاعة الله عز وجل، ولحسن اللفظ في هذا أثر ظاهر. ـــــــــــــــــــــــــــــ يتفاضلون في صفات الخير وشعب الإيمان فيتميز الفاضل بزائد محبة وقد تفاوتون في الرذائل فيصيرون مبغوضين من حيث هم كذلك ويصير بعضهم أبغض من بعض وقد يكون الشخص الواحد محبوباً من وجه مبغوضاً من وجه آخر وعلى هذه القاعدة فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحب المؤمنين كافة من حيث هم مؤمنون وأحسنهم أخلاقاً من اشدهم حباً عنده ويبغض العصاة من حيث هم عصاة وأسوءهم أخلاقاً من أشدهم بغضاً عنده. قوله: (فما المتفيهقون قال المتكبرون) أي ومن كبرهم ينشأ تشدقهم بالكلام إذ المتفيهق الذي يتوسع في الكلام ويفتح به فاه مأخوذ من الفهق وهو الامتلاء والاتساع يقال أفهقت الإناء ففهق فهقاً والثرثار هو الكثير الكلام قال العاقولي الثرثار هو الذي يكثر الكلام تكلفاً وخروجاً عن الحق والثرثرة كثرة الكلام وترديده. قوله: (والمتشدق ... في الكلام الخ) وقال آخرون المتشدق المتوسع في الكلام من غير احتياط واحتراز وقيل المتشدق المستهزيء بالناس يلوي شدقه بهم وعليهم. قوله: (إفراط) أي مجاوزة الحد الذي ينبغي. قوله: (وإغراب) أي إتيان باللفظ الغريب الوحشي. قوله: (ولحسن اللفظ في هذا) أي تهييج القلوب إلى الطاعة (أثر ظاهر) ولذا استحب كونها بليغة أي في غاية من

فصل: ويكره لمن صلى العشاء الآخرة أن يتحدث بالحديث المباح في غير هذا الوقت، وأعني بالمباح الذي استوى فِعْله وتَرْكُه، فأما الحديث المحرَّم في غير هذا الوقت أو المكروه، فهو في هذا الوقت أشد تحريماً وكراهة، وأما الحديث في الخير، كمذاكرة العلم، وحكايات الصالحين، ومكارم الأخلاق، والحديث مع الضيف، فلا كراهة فيه، بل هو مستحب، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة به، وكذلك الحديث للعذر والأمور العارضة لا بأس به، وقد ـــــــــــــــــــــــــــــ الفصاحة ورصانة السبك وجزالة اللفظ وعللوا ذلك بأنها حينئذٍ تكون أوقع في النفس بخلاف المبتذلة الركيكة كالمشتملة على الألفاظ المألوفة أي في كلام العوام أو نحوهم فلا ينافي قولهم فيها مفهومة أي قريبة اللهم لأكثر الحاضرين خالية عن الغريب لأن الغريب الوحشي لا ينتفع به. قوله: (ويكره لمن صلى العشاء الآخرة) أي إن دخل وقتها وفعلها فيه أو قدره إن جمعها تقديماً لا قبل ذلك على الأوجه وإنما كره لأنه ربما فوت صلاة الليل وأول وقت الصبح أو جميعه وليختم عمله بأفضل الأعمال ومقتضى الأول كراهته قبلها أيضاً لكن فرق الأسنوي بأن إباحة الكلام قبلها ينتهي بالأمر بإيقاعها في وقت الاختيار وأما بعدها فلا ضابط له فكان خوف الفوات فيه أكثر وحينئذٍ فيكره الكلام قبلها إن فوت وقت الاختيار أي أنه خلاف الأولي وإلا فلا ووصف العشاء بالآخرة بمد الهمزة وكسر المعجمة للتأكيد أو احترازاً من المغرب فإن العرب كانت تسميه العشاء ولذا جاء النهي عن تسمية بذلك ولا كراهة في وصفها بذلك خلافاً للأصمعي. قوله: (الحديث المحرم) أي كالغيبة ونحوها. قوله: (والمكروه) كالمباح الذي لا يعني ويخشى منه أن يجر إلى المكروه. قوله: (فلا كراهة) بل هو مستحب لما صح فيه من فعله -صلى الله عليه وسلم- ذلك ولأن هذا خير ناجز

اشتهرت الأحاديث بكل ما ذكرتُه، وأنا أشير إلى بعضها مختصراً، وأرمز إلى كثير منها. روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي برزة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها. وأما ـــــــــــــــــــــــــــــ فلا يترك لمفسدة متوهمة. قوله: (بكل ما ذكرته) أي من الكراهة تارة وعدمها أخرى. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم) أي من جملة حديث وقد أخرج الحديث بجملته أحمد والشيخان وأصحاب السنن الأربعة وابن خزيمة والطبراني والإسماعيلي وأبو عوانة والدارقطني والبرقاني وأبو نعيم والبيهقي وغيرهم كذا في شرح العمدة للقلقشندي وزاد السخاوي وأخرجه الدارمي قال وأخرج الدارقطني في الأفراد هذا الحديث عن ابن عباس قال نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النوم قبلها والحديث بعدها يعني العشاء وقال إنه غريب من هذا الوجه اهـ. قوله: (كان يكره النوم قبل العشاء) أي قبل صلاتها لأنه قد يكون سبباً لفوات وقتها وتأخيرها عن وقتها المختار ولئلا يتساهل النّاس في ذلك فينامون عن صلاتها جماعة وقد اختلف العلماء في ذلك فمنهم من كرهه ونقل عن عمر وابنه وابن عباس وأبي هريرة وقال به مالك والشافعي ومنهم من رخص فيه ونقل عن علي وابن مسعود وأبي موسى وذهب إليه بعض الكوفيين ومنهم من قيد الرخصة برمضان ومنهم من قيدها بالذي له من يوقظه أو عرف من عادته أنه لا يستغرق وقت الاختيار بالنوم وقال ابن الصلاح هذا الحكم ليس خاصاً بالعشاء بل جميع الصلوات كذلك وقال الأسنوي في المهمات سياق كلامهم يشعر بأن الكراهة بعد دخول الوقت ويحتمل قبل دخوله بعد فعل المغرب لخوف فوات الوقت وإن كان غير مخاطب بها وتبعه بعض من تأخر عنه ومحل جواز النوم بعد دخول الوقت إن غلبه بحيث صار لا تمييز له ولم يمكنه دفعه أو غلب على ظنه أنه يستيقظ وقد بقي من الوقت ما يسعها وطهرها وإلا حرم قال كثيرون ولو قبل دخول الوقت إلا أنه كما قال أبو زرعة خلاف المنقول. قوله: (والحديث بعدها) لما تقدم ولأن الله جعل الليل سكناً وهذا يخرجه عن ذلك ولأن السهر في الليل سبب للكسل في النهار عما يتوجه من الطاعات والمصالح

الأحاديث بالترخيص في الكلام للأمور التي قدَّمتها فكثيرة. فمن ذلك حديث ابن عمر في "الصحيحين" أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى العشاء في آخر حياته، فلما سلم قال: "أرَأيْتَكُمْ لَيلَتَكُمْ هذِهِ، فَإنَّ عَلى رَأسِ مائَةِ سَنَةٍ لا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلى ظَهْرِ الأرْضِ اليَوْمَ أحدٌ". ومنها حديث أبي موسى الأشعري في "صحيحيهما": "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعتم بالصلاة حتى ابهارّ الليل، ثم خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى بهم، فلما قضى صلاته قال لمن حضره: عَلى رِسْلِكُمْ أعْلِمُكُمْ، وأبشِرُوا أنَّ مِنْ نعمَةِ الله علَيكُمْ أنَّهُ ليسَ مِنَ النّاسِ أحدُّ يصلِّي ـــــــــــــــــــــــــــــ الدنيوية وقد يقع فيه من اللغط والفحش ما لا يليق ختم اليقظة به وكان عمر رضي الله عنه يضرب النّاس على الحديث بعد العشاء أسمراً أول الليل ونوماً آخره أريحوا كتابكم وهذا محمول على الحديث المباح الذي لا مصلحة فيه. قوله: (فمن ذلك حديث ابن عمر الخ) قال السخاوي بعد تخريجه بهذا اللفظ حديث صحيح أخرجه أحمد والشيخان وأبو عوانة والترمذي والنسائي. قوله: (صلى العشاء في آخر حياته) في رواية جابر أنه كان قبل موته بشهر. قوله: (أرأيتكم) بفتح التاء ضمير المخاطب والكاف كذلك ولا محل لها من الإعراب والهمزة للاستفهام والرؤية بمعنى العلم أو البصر والجواب محذوف أي قالوا: نعم قال: احفظوها واحفظوا تاريخها. قوله: (على رأس) أي عند رأس. قوله: (لا يبقى ممن هو على وجه الأرض اليوم أحد) أي بعد المائة. قوله: (ومنها حديث أبي موسى الأشعري الخ) وكذا رواه أبو عوانة وأبو نعيم في المستخرج قاله السخاوي. قوله: (أعتم بالعشاء) أي أخرها حتى اشتدت عتمة الليل أي ظلمته. قوله: (إبهار الليل) بإسكان الموحدة وتشديد الراء أي انتصف. قوله: (على رسلكم) بكسر الراء وفتحها لغتان الكسر أفصح أي تأنوا. قوله: (أن من نعمة الله الخ) بفتح الهمزة معمول لقوله أعلمكم وكذا قوله إنه بفتح الهمزة هي ومعمولاها في تأويل مصدر اسم أن الأولى وفي الحديث جواز الكلام بعد

هذ الساعَةَ غَيرُكُمْ" أو قال: "ما صَلَّى أحدٌ هَذِهِ السَّاعَةَ غيرُكُمْ". ومنها حديث أنس في "صحيح البخاري": "أنهم انتظروا النبي -صلى الله عليه وسلم- فجاءَهم قريباً من شطر الليل، فصلى بهم: يعني العشاء، قال: ثم خطبَنا فقال: ألا إنَّ الناسَ قَدْ صَلوْا ثُم رَقَدُوا، وإنَكُمْ لَنْ تَزَالُوا في صَلاةٍ ما انْتَظَرْتُمُ الصَّلاةَ". ومنها حديث ابن عباس رضي الله عنهما في مبيته في بيت خالته ميمونة قوله: "إن النبي -صلى الله عليه وسلم- ـــــــــــــــــــــــــــــ صلاة العشاء إذا كان في خير. قوله: (ومنها حديث أنس في صحيح البخاري قال السخاوي بعد تخريج الحديث بهذا اللفظ -إلا أنه قال محل انتظرتم: ما انتظرتم زاد في آخره: فكأني أنظر إلى وبيص خاتمه في يده- حديث صحيح رواه أحمد والبخاري موصولاً ومعلقاً وأخرجه مسلم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس نحوه والحديث عند الطحاوي من حديث أنس بن عياض وعبد الله بن بكر السهمي وعبد الله بن عمر وعند المخلص في الأول من حديثه من حديث حميد عن أنس اهـ. قوله: (لا) حرف استفتاح. قوله: (إن النّاس) أي المعهودين. قوله: (وما انتظرتم الصلاة) أي مدة انتظاركم إياها. قوله: (ومنها حديث ابن عباس الخ) رواه البخاري في باب السمر من كتاب العلم وغيره وقال السخاوي بعد أن أخرجه بتمامه ولفظه عن ابن عباس قال بن في بيت ميمونة ليلة كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندها ليعلم كيف صلاته -صلى الله عليه وسلم- بالليل فتحدث أهله ساعة ثم رقد فلما بقي ثلث الليل الآخر أو نصفه قعد فنظر في السماء فقال {إِنَّ في خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} حتى قرأ هذه الآيات ثم قام فتوضأ واستن ثم صلى إحدى عشرة ركعة ثم أذن بلال بالصبح فصلى ركعتين ثم خرج فصلى بالناس الصبح أخرجه البخاري في تفسير سورة آل عمران والتوحيد بتمامه وفي الأدب ورواه مسلم وأبو عوانة والطحاوي وترجم البخاري لهذا الحديث في العلم بالسمر في العلم وأورده من طريق الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس بلفظ بت في بيت خالتي ميمونة وكان -صلى الله عليه وسلم-

صلى العشاء، ثم دخل فحدَّث أهله، وقوله: نام الغُلَيم". ومنها حديث عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما في قصة أضيافه واحتباسه عنهم حتى صلى العشاء، ثم جاء وكلَّمهم، وكلَّم امرأته وابنه وتكرر كلامهم، وهذان الحديثان في "الصحيحين"، ونظائر هذا كثيرة لا تنحصر، وفيما ذكرناه أبلغ كفاية، ولله الحمد. فصل: يكره أن تسمَّى العشاءُ الآخِرةُ العتمةَ، للأحاديث الصحيحة المشهورة ـــــــــــــــــــــــــــــ عندها في ليلتها فصلى العشاء ثم جاء إلى منزله فصلى أربع ركعات ثم نام ثم قام ثم قال: نام الغليم أو كلمة تشبهها ثم قام فقمت عن يساره وذكر الحديث فتكلف غير واحد من الأئمة لمطابقته للترجمة غافلين عن كونه كما أفاده شيخي أشار بإيراده إلى ما في الرواية التي أوردتها وهو قوله فتحدث مع أهله ساعة. فائدة روى الطبراني في الدعاء هذا الحديث من وجه آخر وفيه أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل منزله قال يا ميمونة قالت لبيك يا رسول الله قال ما أتاك ابن أختك قالت بلى هو هذا قال: أفلا عشيتيه إن كان عندك شيء قالت: قد فعلت قال: فوطأت له قالت: نعم فمال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى فراشه، يحتمل أن يفسر به ما أبهمه في قوله فتحدث مع أهله ساعة في روايتنا ولكن الظاهر أنه إنما اراد أخص من ذلك اهـ. قوله: (نام الغليم) بضم المعجمة تصغير غلام وفي بعض نسخ البخاري يا أم الغليم قال الحافظ ابن حجر هو تصحيف لم يثبت به رواية. قوله: (ومنها حديث عبد الرحمن) رواه الشيخان وتقدم الكلام عليه في كتاب الأسماء. قوله: (يكره أن تسمى العشاء الآخرة عتمة) أي بفتح المهملة والفوقية والميم وهي شدة الظلمة. قوله: (للأحاديث الصحيحة المشهورة) منها حديث ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا إنها العشاء وهم يعتمون بالإبل رواه مسلم ورواه الشافعي وزاد في روايته وكان ابن عمر إذا سمعهم يقولون العتمة صاح وغضب وجاء من حديث أبي هريرة مرفوعاً نحوه أخرجه ابن ماجه بسند حسن وجاء من حديث عبد الرحمن بن عوف مرفوعاً لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم فإنها في كتاب الله العشاء وإنما سمتها الأعراب العتمة من أجل إبلها لحلابها

في ذلك ويكره أيضاً أن تسمَّى المغربُ عشاءً. روينا في "صحيح البخاري" عن عبد الله بن مغفَّل المزني رضي الله عنه -وهو بالغين المعجمة- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: طلا تَغْلِبنَّكُمُ الأعْرَابُ على اسْم صَلاَتكُمُ المَغْرِب" قال: ويقول الأعراب [هي]: العشاءُ. وأما الأحاديث الورادة بتسمية العِشاءِ عتمةً، كحديث: "لو يَعْلَمُونَ مَا لي الصُّبْح وَالْعَتَمَةِ لأتوْهُمَا وَلَوْ حَبْواً". فالجواب عنها من وجهين: أحدهما: ـــــــــــــــــــــــــــــ أخرجه أبو يعلى وأبو نعيم والبيهقي وآخرون وفي سند الحديث رجل مبهم. قوله: (روينا في صحيح البخاري الخ) قال السخاوي بعد تخريجه هذا حديث صحيح أخرجه أحمد والبخاري والإسماعيلي في مستخرجه ومن طريقه أخرجه البيهقي في السنن لكن قال لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم فإن الأعراب تسميها عتمة وهو بهذا اللفظ عند الطبراني وعند أبي نعيم في مستخرجه رواه من حديث علي بن عبد العزيز البغوي عن أبي معمر شيخ البخاري فيه وقال الإسماعيلي عقبه إنه يدل على أنه في صلاة عشاء الآخرة ولذا روي عن ابن عمر أي شيخ أبي معمر عن عبد الوارث بن عبد الصمد عن أبيه قال البيهقي إلا أن الذين رووه عن عبد الصمد على اللفظ الأول وكذا قال السخاوي وصدق فيما قال فقد رواه عنه الأكثر كذلك فلذلك كانت روايتهم أرجح لكن الذي جنح إليه شيخنا يعني الحافظ كونهما حديثين أحدهما في المغرب والآخر في العشاء وكانا جميعاً عند عبد الوارث بسند واحد اهـ. قوله: (لا يغلبنكم) بالتحتية وفي نسخة بالفوقية و (الأعراب) كما تقدم في باب أذكار المساجد سكان البوادي. قوله: (صلاتكم المغرب) بجر المغرب صفة لصلاة وبالرفع خبر مبتدأ محذوف وبالنصب بأعني والمعنى لا تتبعوا الأعراب في تسميتهم المغرب عشاء لأن الله تعالى سماها مغرباً وتسمية الله أولى من تسميتهم والسر في النهي خوف الاشتباه على غيرهم من المسلمين كذا في تحفة القارئ والنهي فيه للتنزيه لا للتحريم لما سيأتي عقبه في الفصل. قوله: (كحديث لو تعلمون الخ) رواه أحمد والشيخان والنسائي وابن خزيمة وغيرهم. قوله: (ولو حبواً) أي كان مجيئهم حبواً. قوله: (وإنما

أنها وقعت بياناً لكون النهي ليس للتحريم، بل للتنزيه. والثاني: أنه خوطب بها من يخاف أنه يلتبس عليه المراد لو سماها عشاءً. وأما تسمية الصبح غداةً، فلا كراهة فيه على المذهب الصحيح، وقد كثرت الأحاديث الصحيحة في استعمال غداةٍ، وذكر جماعة من أصحابنا كراهة ذلك، وليس بشيء، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقعت بياناً الخ) ومثل ذلك واجب عليه -صلى الله عليه وسلم- يثاب عليه ثواب الواجب. قوله: (الثاني أنه خوطب بها الخ) أي فيكون على طبق حديث حدثوا النّاس بما يفهمون وذلك أنه لو ذكر العشاء بلفظه لما فهم ذلك المخاطب إلا أن المراد بها المغرب إذ هو المسمى بالعشاء عندهم فلدفع ذلك عبر بلفظ العتمة عنها قال المصنف وقواعد الشرع متظاهرة على احتمال أخف المفسدتين لدفع أعظمهما وذكر بعضهم أنه يحتمل كون ذلك قبل النهي عنه وقال ابن القيم في الهدي قال -صلى الله عليه وسلم-: لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم إلا وأنها العشاء وأنهم يسمونها العتمة وصح عنه أنه قال لو يعلمون ما في العتمة الخ فقيل هذا ناسخ للمنع وقيل بالعكس والصواب خلاف القولين فإن العلم بالتاريخ متعذر ولا تعارض بين الحديثين فإنه لم ينه عن إطلاق اسم العتمة بالكلية إنما نهى عن هجران اسم العشاء وهو الاسم الذي سماها الله به في كتابه ويغلب عليها اسم العتمة فإذا سميت العشاء وأطلق عليها العتمة أحياناً فلا بأس وهذا محافظة منه - صلى الله عليه وسلم - على الأسماء التي سمى الله تعالى بها العبادات فلا تهجر ويؤثر غيرها كما فعله المتأخرون في هجران ألفاظ النصوص وإيثار المصطلحة الحادثة عليها ونشأ بسبب ذلك من الفساد ما الله به عليم وهذا كما يحافظ على تقديم ما قدمه الله تعالى وتأخير ما آخره كما بدأ بالصفا وقال: ابدؤوا بما بدأ الله به وبدأ في العيد بالصلاة ثم نحو بعدها وأخبر أن من ذبح قبلها فلا نسك له تقديماً لما بدأ الله به في قوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} ونظائره كثيرة اهـ. ثم ما جزم به هنا وفي المنهاج والروضة من الكراهة خالفه في المجموع فقال نص الشافعي على أنه يستحب أن لا يسمى بذلك وذهب إليه المحققون من أصحابنا وقالت طائفة قليلة يكره اهـ. قوله: (وقد كثرت الأحاديث في استعمال الغداة) أي كحديث أبي قتادة الطويل

ولا بأس بتسمية المغرب والعشاءِ عشاءَين، ولا بأس بقول: العشاءِ الآخِرةِ. وما نقل عن الأصمعي أنه قال: لا يقال: العشاء الآخرةُ، فغلط ظاهر. فقد ثبت في "صحيح مسلم" أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أيُّمَا امْرأةٍ أصَابَتْ بَخُوراً فَلاَ تَشْهَدْ مَعَنَا العِشَاءَ الآخِرَةَ". وثبت من ذلك كلام خلائق لا يحصون من الصحابة في "الصحيحين" ـــــــــــــــــــــــــــــ في نومهم عن الصبح حتى طلعت الشمس ففيه فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ركعتين ثم صلى الغداة وكحديث عمران بن حصين في ذلك أيضاً ففيه فصلى بنا الغداة وكلاهما في مسلم وكحديث أبي برزة كان -صلى الله عليه وسلم- ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه متفق عليه. قوله: (ولا بأس بتسمية المغرب والعشاء عشاءين) أي على سبيل التغليب كما قال في الظهر والعصر الظهرين والعصرين. قوله: (فقد ثبت في صحيح مسلم) ورواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان كلهم من حديث أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: أيما امرأة أصابت بخوراً الخ قال السخاوي بعد أن ذكر أن مدار الحديث عند هؤلاء على أبي علقمة قال: حدثني يزيد بن خصيفة عن بشر بن سعيد عن أبي هريرة فذكره قال النسائي: لا نعلم أحداً تابع ابن خصيفة على قوله عن أبي هريرة وقد خالفه يعقوب ابن عبد الله بن الأشج فرواه عن بشر بن سعيد فقال عن زينب الثقفية يعني بدل أبي هريرة وكذا رواه بكير بن عبد الله بن الأشج أخو يعقوب والزهري لكنه غير محفوظ من حديثه خاصة كلاهما عن بشر ورواية بكير في صحيح مسلم أيضاً واختلف على كل من الأخوين فيه أما يعقوب فقد روي عنه كرواية ابن خصيفة أخرجه المحاملي في الثاني عشر من فوائده ولفظه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لزينب امرأة عبد الله إذا خرجت إلى المسجد لصلاة المغرب فلا تطيبين، وأما بكير فقد روي عنه أيضاً عن بشر عن زيد بن خالد الجهني رفعه لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات أي تاركات للطيب اهـ. والبخور بفتح الموحدة وتخفيف المعجمة ففي الحديث نهي من إرادات شهود المسجد من الطيب ومنع المتطيبة من حضوره وفيه دليل على جواز قول النّاس العشاء الآخرة وأما ما نقل عن الأصمعي أنه قال من المحال قول العامة

وغيرهما، وقد أوضحتُ ذلك كلَّه بشواهده في "تهذيب الأسماء واللغات" وبالله التوفيق. فصل: ومما يُنهى عنه إفشاءُ السرِّ، والأحاديث فيه كثيرة، وهو ـــــــــــــــــــــــــــــ العشاء الآخرة لأنه ليس لنا إلا عشاء واحدة فلا توصف بالآخرة فهذا القول غلط لهذا الحديث قال في شرح مسلم فقد صح ذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعائشة وأنس والبراء وجماعة آخرين اهـ. وحديث أنس عند البخاري أخر -صلى الله عليه وسلم- العشاء الآخرة. قوله: (وقد أوضحت ذلك الخ) لم أجده في نسختي من التهذيب ولعله سقط من الكاتب. قوله: (ومما ينهى عنه إفشاء السر) أي إذاعة وإشاعة ما يسر به إليك إنسان ويستره عندك يترتب على إفشائه مضرة عليه أولاً. قوله: (والأحاديث فيه كثيرة) أي فمنها ما أخرجه البيهقي بسند حسن عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم مرسلاً إنما يتجالس المتجالسان بالأمانة فلا يحل لأحدهما أن يفشي على صاحبه ما يكره وأخرجه ابن لال في مكارم الأخلاق من حديث ابن مسعود ومنها ما أخرجه الديلمي في مسنده عن أسامة مرفوعاً المجالس أمانة فلا يحل لمؤمن أن يرفع على مؤمن قبيحاً ومنها ما أخرجه أبو داود من حديث ابن أبي ذؤيب عن ابن أخي جابر عن عمه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال المجالس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس سفك دم حرام أو فرج حرام أو اقتطاع مال بغير حق وأوله عند العسكري والديلمي عن علي، ومنها ما أخرجه أبو يعلى والطبراني وغيرهما عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: يا أنس اكتم سري تكن مؤمناً، ومنها ما أخرجه مسلم عن أنس قال بعد: ولقد سألتني عنه أم سليم فما أخبرتها وأخرجه مسلم عن أنس أيضاً أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعثه في حاجة فقالت له ما حاجتك فقلت إنها سر قالت لا تحدثني بسر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال أنس والله لو حدثت به أحداً لحدثتك يا ثابت وأخرج هذا الحديث البخاري في الأدب المفرد كما سبقت الإشارة إليه في كتاب السلام ومنها ما أخرجه مسلم وأبو داود عن أبي سعيد مرفوعاً إن من أعظم

حرام إذا كان فيه ضرر أو إيذاء. روينا في سنن أبي داود والترمذي عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذَا حَدَّثَ الرجُلُ بالحَدِيثِ ثُمَّ التَفَتَ فَهِيَ أمانَةٌ" قال الترمذي: حديث حسن. فصل: يكره أن يُسأَلَ الرَّجُلُ فيم ضرب امرأته من غير حاجة. قد روينا في أول هذا الكتاب في "حفظ اللسان" الأحاديث الصحيحة في السكوت عما لا تظهر فيه المصلحة. وذكرنا الحديث الصحيح "مِن حُسْنِ إسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ ما لا يَعْنِيهِ". وروينا في سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يُسألُ الرجُلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها ذكر ذلك السخاوي. قوله: (ضرر) أي في النفس أو المال أو غيرهما. قوله: (أو إيذاء) أي يتأذى بإشاعة ذلك وإن لم يحصل منه ضرر فإن لم يترتب عليه أذى ولا ضرر كره. قوله: (روينا في سنن أبي داود والترمذي) وكذا رواه أحمد والضياء كلهم من حديث جابر ورواه أبو يعلى في مسنده من حديث أنس كذا في الجامع الصغير. قوله: (إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة) قال المظهري أي إذا حدث أحد عندك حديثاً ثم غاب عنك صار حديثه أمانة عندك ولا يجوز إضاعتها قال الطيبي والظاهر أن اللفت هنا عبارة عن التفات خاطره إلى ما تكلم به فالتفت يميناً وشمالاً احتياطاً وكذا قال العاقولي المراد من الالتفات الالتفات بوجهه والمعنى أن حديثه عندك أمانة إذا التفت بوجهه فلا تضيع أمانته فكيف إذا غاب. قوله: (فهو) أي الحديث وفي نسخة فهي وأنثه مع عوده إلى الحديث لأنه بمعنى الحكاية. قوله: (قد روينا في أول هذا الكتاب حفظ اللسان) بالجر بدل من أول أو نعت له ويصح فيه الرفع على أنه خبر عن مبتدأ محذوف والنصب بتقدير أعني. قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) وكذا رواه الإِمام أحمد كما في تسديد القوس والحديث صحيح كما قاله ابن حجر في تنبيه الأخيار. قوله: (لا يسأل الرجل) أي لاحتمال أن يكون سبب ذلك مما يستحي من ذكره

فيمَ ضَرَبَ امرأتَهُ". فصل: أما الشِّعْر فقد روينا في مسند "أبي يعلى الموصلي" بإسناد حسن عن عائشة رضي الله عنهما قالت: سُئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الشِّعْر فقال: "هُوَ كلامٌ حَسَنُهُ كحسن الكلام، وقَبِيحُهُ كقَبِيحِ الكلامِ". قال العلماء: معناه: أن الشعر كالنثر، لكن التجرُّد له والاقتصار عليه ـــــــــــــــــــــــــــــ كالامتناع من المطاوعة والتمكين. قوله: (أما الشعر الخ) الشعر كلام موزون قصداً بوزن عربي وحرج بقيد المقصد أي قصد كونه شعراً ما جاء موزوناً من الآيات والأحاديث نحو قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} ونحو قوله -صلى الله عليه وسلم-: أنا النبي لا كذب أنا عبد المطلب وبقولنا بوزن عربي أي وهو ما كان على وزان أحد البحور الخمسة عشر أو الستة عشر ما كان على غيرها من باقي الأبحر المولدة فلا يقال فيه شعر بل نظم فالنظم أعم عن الشعر. قوله: (فقد روينا الخ) قال في الإمتاع أخرجه البيهقي في السنن الكبير مرفوعاً من عدة طرق وقال الصحيح إنه مرسل اهـ. ورواه في الجامع الصغير بلفظ الشعر بمنزلة الكلام فحسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام وقال رواه البخاري في الأدب المفرد والطبراني في الأوسط عن ابن عمر وعبد الرزاق في الجامع عن عائشة مرفوعاً وروي عن الشافعي عن عروة مرسلاً أي والمرسل حجة عند الشافعي إذا اعتضد وهو هنا كذلك للمسند قبله قال ابن عبد البر وجاء موقوفاً عن ابن سيرين والشعبي وروي عن الشافعي. قوله: (حسنه) أي كالمشتمل على التوحيد والزهديات في الدنيا والترغيب في الآخرة ومدح النبي -صلى الله عليه وسلم- ومدح الإسلام وذم الكفر وهجاء الكفرة وعلى جمع فوائد علمية أو نحو ذلك مما يعود نفعه فهذا حسن لحسن عائدته وجميل فائدته. قوله: (وقبيحه) كهجاء المسلمين والتشبيب بامرأة أو أمرد معين أو مدح الخمرة أو مدح ظالم أو نحوه أو المغالاة في المدح أو نحو ذلك قال الفقهاء المميز للشعر الجائز من غيره أن ما جاز في النثر جاز في الشعر. قوله: (أن الشعر كالنثر) أي والمدح والذم إنما يدوران مع المعنى ولا عبرة باللفظ موزوناً كان أو لا. قوله: (لكن التجرد له والاقتصار عليه) أي

مذموم. وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سمع الشعر، وأمر حسان بن ثابت بهجاء الكفار. ـــــــــــــــــــــــــــــ بحيث يكون الشعر مستولياً عليه بحيث يشغله عن القرآن وغيره من العلوم الشرعية وذكر الله تعالى قال المصنف في شرح مسلم فهذا مذموم في أي شيء كان فأما إذا كان القرآن والحديث وغيرهما من العلوم الشرعية هو الغالب عليه فلا يضره حفظ اليسير من الشعر أي الخالي عن الفحش والقبح مع هذا لأن جوفه ليس ممتلئاً شعراً. قوله: (وقد ثبتت الأحاديث بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سمع الشعر) أخرج أحمد من رواية جابر بن سمرة قال شهدت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر من مائة مرة في المسجد وأصحابه يتذاكرون الشعر وأشياء من أمر الجاهلية فربما تبسم -صلى الله عليه وسلم- وأخرجه الترمذي وصححه وأخرجه الطبراني في معجمه الكبير والأحاديث في ذلك كثيرة منتشرة قال ابن عبد البر وما استنشده رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنشد بين يديه أكثر من أن يحفظ. قوله: (وأمر حسان بن ثابت بهجاء الكفار) في رواية هاجهم وفي رواية صحيحة أهجهم وجبريل معك رواه البخاري في الصحيح عن سليمان بن حرب ورواه مسلم من أوجه عن شعبة وتقدم في باب أذكار المساجد حديث أبي هريرة عند البخاري لما استشهده حسان هل سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول يا حسان أجب عن رسول -صلى الله عليه وسلم- اللهم أيده بروح القدس فقال أبو هريرة نعم وكان يوضع لحسان بن ثابت منبر في المسجد يهجو الكفار عليه وقال له -صلى الله عليه وسلم- لما استأذنه في هجو المشركين كيف تعمل بحسبي ونسبي فقال لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين وأنشد حسان في ذلك قصيدته المشهورة التي فيها: هجوت محمداً فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء فإن أبي ووالدتي وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء أتهجوه ولست له بكفء ... فشركما لخيركما الفداء وذلك ثابت في الصحيح ثم اعلم أن هجو الكافر إن كان بصيغة عامة فلا خلاف في جوازه كما يجوز لعن الكافرين على العموم وإن كان في معين فإن كان حربياً أو مشركاً جاز وإن كان ذمياً فالمتجه المنقول الحرمة قياساً على غيبته. وحسان بن ثابت هو أحد شعراء النبي

وثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَة". ـــــــــــــــــــــــــــــ -صلى الله عليه وسلم- كما تقدم في باب الحداء وهو أبو عبد الرحمن ويقال أبو الوليد ويقال أبو الحسام لمناضلته عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقطيعه الكفار بشعره وتمزيق أعراضهم حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بالراء ابن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري النجاري المدني وأمه الفريعة بنت خالد روينا عن محمد بن إسحاق وآخرين بأسانيد قالوا عاش حسان بن ثابت وأبوه ثابت وأبوه المنذر وأبوه حرام كل واحد من الأربعة مائة وعشرين سنة وهذه طرفة عجيبة لا تعرف في غيرهم كذا قاله أبو نعيم وجماعة من الأئمة وعاش حسان ستين سنة في الجاهلية وستين سنة في الإسلام وتوفي بالمدينة سنة أربع وخمسين وشاركه في هذا حكيم بن حزام فإنه أيضاً عاش ستين في الجاهلية وستين في الإسلام وتوفي سنة أربع وخمسين ولا يعرف لها ثالث في هذا والمراد بالإسلام من حيث انتشر وشاع في النّاس وذلك قبل هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- بنحو ست سنين روى عنه ابنه عبد الرحمن وسعيد بن جبير قال العلماء كان المشركون يهجون الصحابة والإسلام فانتدب لهجوهم ثلاثة من الأنصار حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة يعيرونهم بالكفر وبعبادة الأوثان فكان قوله أهون عليهم من قول صاحبيه فلما أسلموا وفقهوا كان قول عبد الله أشد عليهم وقال أبو عبيد اجتمعت العرب على أن أشعر أهل المدن أهل يثرب ثم عبد القيس ثم ثقيف وعلى أن أشعر أهل المدر حسان وهب له النبي -صلى الله عليه وسلم- جارية اسمها سيرين وهي أخت مارية القبطية كذا في التهذيب للمصنف. قوله: (وثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- قال إن من الشعر لحكمة) رواه مالك وأحمد وأبو داود من حديث ابن عباس مرفوعاً وقال حكماً أي بصيغة الجمع وضبطه في المرقاة بضم فسكون قال أي حكمة قال تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} أي الحكمة ورواه أبو داود أيضاً من حديث بريدة كذا في الجامع الصغير وهو عند البخاري في الصحيح من حديث ابن كعب بلفظ إن من الشعر لحكمة قال الجوهري الحكمة الكلام المحكم لفظه الواقع معناه قال شارح الأنوار

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ السنية ولنذكر شيئاً من الشعر الذي فيه حكمة على جهة الأمثلة للحديث فمن ذلك ما أنشد القرطبي قال أبو العباس الحماني فأحسن: ليس في كل ساعة وأوان ... تتهيا صنائع الإحسان فإذا أمكنت فبادر إليها ... حذراً من تعذر الإمكان وأنشد الباجي في الصبر: إن الأمور إذا انسدت مسالكها ... فالصبر يفتح منها كل ما ارتتجا لا تيأسن وإن طالت مطالبة ... إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا وأنشد بعضهم في الشكر: إن لله علينا أنعما ... عجز الوصف عن الحصر لها فله الحمد على إنعامه ... وله الشكر على الشكر لها وفي العمل الصالح: وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد ... ذخراً يكون كصالح الأعمال وفي التفويض لله عز وجل: فوض إلى الله لا تركن إلى أحد ... فهو الذي يرتجى للضر والبوس دعها سماوية تجري على قدر ... لا تفسدنها برأي منك منكوس وفي التوكل على الله عز وجل: توكل على الرحمن في كل حاجة ... ولا ؤثرن العجز يوماً على الطلب ألم تر أن الله قال لمريم ... وهزي إليك الجذع يساقط الرطب ولو شاء أدنى الجذع من غير هزها ... إليها ولكن كل شيء له سبب وفي التقوى لأبي الدرداء: يريد المرء أن يعطى مناه ... ويأبى الله إلا ما أرادا يقول المرء فائدتي ومالي ... وتقوى الله أولى ما استفادا وفي الافتقار إلى الله سبحانه:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلهي لك الحمد العظيم حقيقة ... وما للورى مهما منعت نقير وقالوا فقير وهو عندي حاله ... نعم صدقوا إني إليك فقير وفي التوبة قال ابن عبد البر في التمهيد أحسن محمود الوراق حيث يقول: قدم لنفسك توبة مرجوة ... قبل الممات وقبل قبض الألسن بادر بها غلق النفوس فإنها ... أجر وغنم للمنيب المحسن وفي التحدث بالنعم: الحمد لله حمداً دائماً أبداً ... الله حسبي كفى بالله لي سندا كم نعمة سبقت من فضل رحمته ... منه إلي فلا أحصي لها عددا وفي المبادرة إلى الخير: سابق إلى الخير وبادر به ... فإنما خلفك ما تعلم وقدم الخير فكل امريء ... على الذي قدمه يقدم وفي ترك الظلم: لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً ... فالظلم مصدره يفضي إلى الندم تنام عيناك والمظلوم أعينه ... تدعو عليك وعين الله لم تنم وفي ذم البغي: يا صاحب البغي إن البغي مصرعة ... فاعدل فخير فعال المرء أعدله فلو بغى جبل يوماً على جبل ... لاندك منه أعاليه وأسفله وفي اليأس من روح الله: توقع صنع ربك كيف يأتي ... بما تهواه من فرج قريب ولا تيأس إذا ما ناب خطب ... فكم في الغيب من عجب عجيب وأنشد بعضهم في التحذير من الدنيا: هي الدنيا تقول بملء فيها ... حذار حذار من بطشي وفتكي فلا يغرركمو حسن ابتسامي ... فقولي مضحك والفعل مبكي وفي فضل العلم قال سابق:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العلم يحيي قلوب العالمين كما ... تحيا البلاد إذا ما مسها المطر والعلم يجلي العمي عن قلب صاحبه ... كما يجلي سواد الظلمة القمر وللفقيه الزاهد إبراهيم بن مسعود التبوكي: إن أولى العلم بما في الفتن ... تهيبوها من قديم الزمن واستعصموا الله فكان التقى ... أوقى لهم فيها من أقوى الجنن واجتمعوا في حسن توفيقه ... وافترقوا في كل معنى حسن فعالم مستبحر عامل ... يسلك بالناس سواء السنن وبهمة مخترط سيفه ... يغمده في هام أهل الوثن وحابس في بيته نفسه ... معتزل مستمسك بالسنن وهارب شحاً على دينه ... إلى البراري ورؤوس القنن وتائب من ذنبه مشفق ... يبكي بكاء الواكفات الهنن وصامت في قلبه مقول ... بالذكر لله طويل اللسن تراه كالأبله في ظاهر ... وهو من أذكى النّاس فيما بطن فهم خصوص الله في أرضه ... حقاً بهم تدرأ عنا المحن فليتني كنت لهم خادماً ... وليتني إذ لم أكن لم أكن ومن سواهم فرجال رجوا ... أن يعبروا البحر بغير السفن انتهى ملخصاً، وفي البحر للروياني الشعر ينقسم إلى محرم ومباح ومستحب والمستحب على قسمين الأول ما حذر من الآخرة كقول علي رضي الله عنه: ولو أنا إذا متنا تركنا ... لكان الموت راحة كل حي ولكنا إذا متنا بعثنا ... ونسأل بعد ذا عن كل شي وكقول الحسن بن علي رضي الله عنهما: الموت خير من ركوب العار ... والعار خير من دخول النار

وثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لأنْ يَمتَلِئَ جَوْفُ أحَدِكُمْ قَيحاً خَيرٌ لَهُ مِنْ أنْ يَمْتَلِئَ شِعْراً" وكل ذلك على حسب ما ذكرناه. فصل: ومما ينهى عنه، الفحش وبذاءة اللسان، والأحاديث الصحيحة فيه كثيرة معروفة، ومعناه: التعبير عن الأمور المستقبَحة بعبارة صريحة، وإن كانت صحيحة والمتكلِّم بها صادق، ويقع ذلك كثيراً في ألفاظ الوِقاع ونحوها. وينبغي أن يستعمل في ذلك الكنايات، ويعبِّر عنها بعبارة جميلة يفهم بها الغرض، وبهذا جاء القرآن العزيز والسنن الصحيحة المكرَّمة، قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187]. وقال الله تعالى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: 21]. وقال تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ فالله من هذا وهذا جاري والقسم الثاني ما حث على مكارم الأخلاق كما حكي عن مالك أنه من بباب قوم فسمع رجلاً ينشد: أنت أخي وأنت حرمة جاري ... وحقيق على حفظ الجوار إن للجار أن تغيب عنا ... حافظاً للمغيب في الأسرار ما أبالي أكان بالباب ستر ... مسبل أم بقي بغير ستار فدق مالك الباب وقال علموا صبيانكم مثل هذا الشعر اهـ. ومن المستحب مدح النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة وأهل العلم والتقوى كما لا يخفى والقسمان الأخيران ستأتي أمثلتهما. قوله: (وثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لأن يمتليء جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتليء شعراً) رواه البخاري من حديث ابن عمر هكذا ورواه أحمد والشيخان والأربعة من حديث أبي هريرة وقالوا لأن يمتليء جوف أحدكم حتى يريه الخ ويريه بفتح التحتية وكسر المهملة من الورى داء يفسد الجوف وقيل أن يصل إلى الرئة ويفسدها ورد بأن المشهور في الرواية الهمز قال المصنف الصواب أن هذا محمول على من يكون الشعر غالباً عليه حتى يشغله عن القرآن وغيره من العلوم

تتمة

مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] والآيات والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة. قال العلماء: فينبغي أن يُستعمَل في هذا وما أشبهه من العبارات التي يستحيي من ذكرها بصريح اسمها الكناياتُ المفهمةُ، فيكنَّى عن جماع المرأة بالإفضاء والدخول والمعاشرة والوقاع ونحوها ولا يصرَّح بالنَّيك والجماع ونحوهما، وكذلك يكنى عن البول والتغوُّط بقضاء الحاجة، والذهاب إلى الخلاء، ولا يصرَّح بالخِرَاءَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الشرعية وذكر الله تعالى كما تقدم، وقال الأبي الحديث إنما يدل على ذم الإكثار منه والمائة والمائتان ليس من الإكثار وقال ابن الجوزي هذا الحديث محمول على من جعل جميع شغله حفظ الشعر ولم يحفظ شيئاً من القرآن ولا من العلم لأنه إذا امتلأ الجوف بالشيء لم يبق فيه سعة لغيره وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يسمع الشعر ويستنشده وقد مدحه بقوله إن من الشعر لحكمة وكان الخلفاء الراشدون الأربعة يقولون الشعر وكان علي رضي الله عنه أشعرهم اهـ. تتمة ذكر ابن حزم في رسالته في مراتب العلوم أنه إذا عانى الإنسان الشعر فليكن فيما فيه الحكم والخير قال وينبغي أن يجتنب من الشعر أربعة أضرب "أحدها" الأغزال فإنها العون على عدم الصيانة وتدعو إلى الفتن وتصرف النفس إلى الخلاعة "الثاني" الأشعار المقولة في التصعلك وذكر الحروب فإنها تهيج الطبع وتسهل على المرء موارد التلف "الثالث" أشعار التغرب وصفات المفاوز والبلدان فإنها تسهل التغرب والتحول "الضرب الرابع" الهجاء، وصنفان من الشعر لا ينهى عنهما نهي تام ولا يحض عليهما بل هما عندنا من المباح المكروه وهما المدح والثناء، قال الأذفوي وما قاله غير جيد وهو مردود بعمل النّاس في كل ورد وصدر وهو يأتي باليسر والذرر والتمزق والحجر وقد سلك في هذا الباب التعليل لا ما يدعيه من إقامة الدليل وهو خلاف طريقته اهـ. فائدة ورد الأمر بالاشتغال بأشعار العرب لأن بها يعرف معاني الكتاب والسنة ويحفظ الشرع وفي الروضة يكره أشعار المولدين المشتملة على الغزل والبطالة ويباح منها ما ليس فيه سخف ولا شيء مما

والبول ونحوهما، وكذلك ذِكر العيوب كالبرص والبخر والصُّنان وغيرها يعبَّر عنها بعبارات جميلة يفهم منها الغرض، ويلحق بما ذكرناه من الأمثلة ما سواه. واعلم أن هذا كلَّه إذا لم تَدْعُ حاجةٌ إلى التصريح بصريح اسمه، فإن دعت حاجة لغرض البيان والتعليم، وخيف أن المخاطَب لا يفهم المجاز، أو يفهم غير المراد، صرَّح حينئذ باسمه الصريح ليحصل الإفهام الحقيقي، وعلى هذا يحمل ما جاء في الأحاديث من التصريح بمثل هذا، فإن ذلك محمول على الحاجة كما ذكرنا، فإن تحصيل الإفهام في هذا أولى من مراعاة مجرَّد الأدب، وبالله التوفيق. روينا في كتاب الترمذي عن عبد الله بن مسعود ـــــــــــــــــــــــــــــ يكره ولا يؤدي إلى شر أو تثبيط عن الخير قال الجلال السيوطي ولي فيه بحث من جهة أن أشعارهم يستشهد بها في المعاني والبيان والبديع كما صرحوا به وهي من العلوم الواجبة التي يطلع بها على غرائب القرآن ويدرك إعجازه فينبغي أن تكون في رتبة أشعار العرب من هذه الحيثية اهـ. ولك رده بأن المكروه من أشعارهم إنما هو المشتمل على السخف والبطالة كما صرح به في كلام الروضة المفسرة بالسخف والأداء إلى الشر والتثبيط عن الخير وهذا شيء قليل بالنسبة إلى بقية أشعارهم فلا يلزم من كراهة ذلك القليل عدم الاستشهاد به في تلك العلوم فالبحث المذكور ليس في محله قاله ابن حجر في تنبيهه قال ويباح إنشاد الشعر إلا ما فيه هجو محرم فيحرم وإن صدق فيه كالغيبة بل هو من جزئياتها والتشبب بغير معين يباح وكذا بمعين من حليلة لكنه خارم للمروءة إن كان مما ينبغي إخفاؤه وأجنبية وأمرد فسق ولإنشاده حكم إنشائه اهـ. قوله: (فإن دعت حاجة لغرض البيان الخ) ويكون التصريح حينئذٍ سنة بل ربما يجب لأن مراعاة الإفهام أولى من مراعاة الأدب اللفظي. قوله: (وعلى هذا يحمل ما جاء في الأحاديث) أي كحديث ماعز لما كرر عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله لعلك لمست لعلك فاخذت أنكتها قال: نعم قال: اذهبوا به فارجموه. قوله: (روينا في كتاب الترمذي الخ) في الجامع الصغير ورواه الإِمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد وابن حبان والحاكم في

رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لَيْسَ المُؤْمِنُ بالطعَّانِ وَلاَ اللَّعَّانِ وَلا الفَاحِشِ وَلاَ البَذِيءِ" قال الترمذي: حديث حسن. وروينا في كتابي الترمذي وابن ماجه عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما كانَ الفُحْشُ في شَيءٍ إلاَّ شانَهُ، وما كانَ الحَيَاءُ في شَيءٍ إلاّ زانَهُ" قال الترمذي: حديث حسن. ـــــــــــــــــــــــــــــ المستدرك كلهم من حديث ابن مسعود وفي المشكاة ورواه البيهقي في الشعب من حديثه أيضاً وفي رواية للبيهقي ولا الفاحش البذي. قوله: (ليس المؤمن) أي الكامل. قوله: (بالطعان) أي كثير الطعن في الأنساب الثابتة. قوله: (ولا اللعان) أي كثير اللعن بل قد يقع منه لمن يجوز لعنه من الشيطان ونحو الكافر. قوله: (ولا الفاحش) من الفحش أي فاعله أو قائله ففي النهاية البذاءة بالمد الفحش في القول وهو بذي اللسان وقد قال بالهمز وليس بكثير اهـ. وبمعناه البذي هو من عطف الرديف ولا زائدة وتؤيده الرواية الثانية عند البيهقي وقيل بل يحمل الفحش على العموم ويكون البذي تخصيصاً بعد تعميم لزيادة الاهتمام به لأنه متعد، وقيل البذي لا حياء له وقيل الفحش النطق بما لا ينبغي من القول والبذاءة سوء الخلق. قوله: (قال الترمذي الخ) قال ميرك رجاله رجال الصحيحين سوى محمد بن يحيى شيخ الترمذي وثقه ابن حبان والدارقطني. قوله: (وروينا في كتابي الترمذي وابن ماجه) وكذا رواه الإِمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد كلهم من حديث أنس. قوله: (ما كان الفحش في شيء إلا شانه) يحتمل أن تكون كان تامة وفي شيء متعلق به وأن يكون الفحش في شيء يتصف بشيء من الأوصاف إلا صفة الشين والشيء عام في الأعراض والذات ومثله في هذا الإعراب الجملة الثانية وقد تقدم في المتن تعريف الحياء وما يتعلق به.

فصل: يحرم انتهار الوالد والوالدة وشبههما تحريماً غليظاً، قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــ باب تحريم انتهار الوالد والوالدة تحريماً مغلظاً وفي نسخة "فصل يحرم انتهار الوالد الخ" ولفظ تحريم يدل على أنه من الكبائر وتقديم الوالد في الذكر لأنه أشرف ولذا قدم في الفطرة الملحوظ فيها تقديم الأشرف وكذا في الحج بعد الموت وقوله تحريماً منصوب على المفعولية المطلقة بالمصدر قبله فهو من باب أن جهنم جزاؤكم جزاءً موفوراً. قوله: {وَقَضَى رَبُّكَ} قال ابن عباس رضي الله عنهما أي أمر {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} أن مفسرة قال أبو البقاء ويجوز أن تكون في موضع نصب أي الزم ربك عبادته ولا زائدة اهـ. قال أبو حيان وهو وهم بدخول إلا على مفعول تعبدوا فلزم أن يكون منفياً أو منهياً ولا تعبدوا نهي وإحساناً مصدر بمعنى الأمر عطف ما معناه أمر على نهي كما في قوله: يقولون لا تهلك أسى وتحمل وقد اعتنى تعالى بالأمر بالإحسان إلى الوالدين حيث قرنه بقوله: {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} وبتقديمهما اعتناء بهما على قوله إحساناً ومناسبة اقتران بر الوالدين بإفراد الله تعالى بالعبادة من حيث إنه تعالى هو الموجد حقيقة والوالدان وساطة في إنشائه وهو تعالى المنعم بإيجاده ورزقه وهما ساعيان في مصالحه. وقوله: (إما يبلغن) قال في الكشاف إما هي أن الشرطية زيدت عليها ما توكيداً لها ويبلغن فعل الشرط وعندك متعلق به وأحدهما فاعل يبلغن أو كلاهما معطوف على أحد وقريء يبلغان فالألف للتثنية والفاء في {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا}) جواب الشرط وأحدهما على هذا بدل من الضمير، أو كلاهما، وفي هذه المراءة الثانية كلام لصاحب الكشاف في توجيه الإعراب المذكور ولابن عطية فيها كلام بعضه معترض وقد بينه في النهر، وأف اسم فعل بمعنى أتضجر ولم يأت اسم فعل بمعنى المضارع إلا قليلاً وإذا نهى أن يستقبلهما

وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 23، 24] الآية. ـــــــــــــــــــــــــــــ بهذه اللفظة الدالة على الضجر والتبرم بهما فالنهي عما هو أشد كالشتم والضرب هو بجهة الأولى وفي أف لغات نظمها الجلال السيوطي وأوردها في قلائد الفوائد فقال: أف لغات خير ثم ثلث ... مبتداه مشدد أو مخفف وبتنوينه وبالترك أفي ... لا ممالا وبالإمالة مضعف وبكسر ابتدا وأفي مثلث ... وزد الها في أف أطلق لا أف ثم مد بكسر أف وأف .... ثم أفوه أحفظ ودع ما يزيف ولما نهى تعالى أن يقول لهما ما مدلوله الضجر منه ارتقى إلى ما هو من جهة الوضع أشد من أف وهو نهرهما وإن كان النهي عن نهرهما اشتمل عليه النهي عن قول أف أي لأنه إذا نهى عن الأدنى كان ذلك نهياً عن الأعلى بجهة الأولى والمعنى لا تزجرهما عما يتعاطيانه مما لا يعجبك {وَقُلْ لَهُمَا} بدل قول أف ونهرهما {قَوْلًا كَرِيمًا} أي جامعاً للمحاسن من المبرة وجودة اللفظ ثم أمر تعالى بالمبالغة في التواضع معهما بقوله {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} قال القفال في تقريره وجهان أحدهما أن الطائر إذا ضم فرخه للتربية خفض له جناحه فخفض الجناح كناية عن فعل التواضع من هذا الوجه اهـ. ثم أمره تعالى أن يدعو الله لهما بأن يرحمهما برحمته الباقية إذ رحمته لا فناء لها ثم نبه على العلة الموجبة للإحسان إليهما والبر بهما واسترحام الله تعالى لهما بتربيتهما له صغيراً وتلك الحالة مما تزيده إشفاقاً لهما ورحمة إذ هي تذكير لهما بحالة إحسانهما له وقت أن لا يقدر بالإحسان لنفسه والظاهر أن الكاف في كما للتعليل أي رب ارحمهما

وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مِنَ الكَبَائِرِ شَتْمُ الرّجُلِ وَالِدَيْهِ، قالوا: يا رسول الله، وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: نَعَمْ، يَسُبُّ أبَا الرّجُلِ فَيَسُبُّ أباهُ، ويَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أمَّهُ". وروينا في سنن أبي داود والترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان تحتي امرأة وكنتُ أُحِبُّها، وكان عمر يكرهها، فقال لي: طلِّقْها، فأَبَيْتُ، فأتى عمرُ رضي الله عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر ذلك له، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: طلِّقْها"، قال الترمذي: حديث حسن صحيح. ـــــــــــــــــــــــــــــ لتربيتهما لي وإحسانهما إلى حالة الصغر والافتقار كذا في النهر. قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم) قال في الترغيب ورواه أبو داود والترمذي أي كلهم من حديث ابن عمرو بن العاص قال وفي رواية للبخاري ومسلم أن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه قيل يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه قال يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه. قوله: (من أكبر الكبائر) أي لأنه من أبلغ العقوق الذي هو من الكبائر. قوله: (أن يلعن الرجل والديه) هذا من الإسناد المجازي لأنه سبب للعن والديه وإذا نهي عن التسبب للعنهما أو لعن أحدهما أو سبه فالنهي عن مباشرة ذلك بالأولى. قوله: (وروينا في سنن أبي داود والترمذي) في الترغيب ورواه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم بتقديم وتأخير وقال صحيح الإسناد. قوله: (فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- طلقها) أخذ منه الخطابي أن المراد من قوله -صلى الله عليه وسلم-: أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق أسباب الطلاق من سوء العشرة وأما الطلاق فمباح وقد وقع منه -صلى الله عليه وسلم- فعله وثبت أنه أمر به ابن عمر ولا يأمر بالمبغوض إلى الله تعالى اهـ. ورأيت منقولاً عن صحيح ابن حبان يستحب أن يطيع أباه في طلاق زوجته إلا إذا كان في الطلاق قطيعة رحم أو علم من نفسه أنه لا يصبر عنها اهـ.

باب النهي عن الكذب وبيان أقسامه

باب النهي عن الكذب وبيان أقسامه قد تظاهرت نصوص الكتاب والسنَّة على تحريم الكذب في الجملة، وهو من قبائح الذُّنوب وفواحش العيوب. وإجماعُ الأمة منعقد على تحريمه مع النصوص المتظاهرة، فلا ضرورة إلى نقل أفرادها، وإنما المهمُّ بيان ما يستثنى منه، والتنبيه على دقائقه، ويكفي في التنفير منه الحديث المتفق على صحته. وهو ما رويناه في "صحيحيهما" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "آيَةُ المُنافِقِ ثلاثٌ: إذا حدَّثَ كذَبَ، وإذَا وَعَدَ أخْلَفَ، وإذا اؤتُمِنَ خانَ". وروينا في "صحيحيهما" عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أربَعٌ مَنْ كُنَّ فيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ باب النهي عن الكذب وبيان أقسامه قوله: (في الجملة) أي فلا يرد جواز بل وجوب بعض الكذب كما سيأتي. قوله: (وهو من أقبح القبائح) أي وإن تفاوتت رتب الأقبحية بتفاوت الأثر المترتب على الكذب فإن كان فيه حد أو كان كذباً على الأنبياء أو أحدهم أو يترتب عليه ضرر فهو كبيرة وإلا فصغيرة وصرح الروياني بأنه كبيرة مطلقاً وإن لم يضر فقال من كذب قصداً ردت شهادته وإن لم يضر بغيره لأن الكذب حرام بكل حال وروي فيه حديثاً قال ابن حجر في الزواجر وظاهر الأحاديث أو صريحها يوافقه وكان وجه عدولهم عن ذلك ابتلاء أكثر النّاس به فكان كالغيبة على ما من فيها عن جماعة وقال الأذرعي قد تكون الكذبة الواحدة كبيرة. قوله: (وهو ما رويناه في صحيحهما) سبق الكلام على تخريج الحديث وما يتعلق به في باب الوفاء بالوعد. قوله: (وروينا في صحيحيهما) قال في الجامع الصغير ورواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي. قوله: (أربع) أي خصال أربع أو أربع من خصال فأربع مبتدأ جاز الابتداء به لما ذكر والجملة الشرطية خبر عن

كانَ مُنافِقاً خالِصاً، وَمَنْ كانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ نِفَاقٍ حَتَّى يَدَعَهَا: إذَا اؤتُمِنَ خَانَ، وإذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا عَاهَدَ غَدَرَ، وإذَا خَاصَمَ فَجَرَ" وفي رواية مسلم "إذا وعد أخلف" بدل "وإذا اؤتمن خان". وأما المستثنى منه. فقد روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أم كلثوم رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المبتدأ. قوله: (كان منافقاً خالصاً) أي نفاق عمل أو أن المرء إذا اعتيد ذلك خشي أن يجره إلى النفاق الحقيقي والعياذ بالله فالمعاصي بريد الكفر. قوله: (وأما المستثنى منه) أي من تحريمه وإلا فهو من جملة أفراد الكذب إذ هو إخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه في الواقع لكن لترتب المصلحة على ذلك جاز تارة ووجب أخرى. قوله: (فقد روينا في صحيحي البخاري ومسلم) ورواه الإِمام أحمد وأبو داود والترمذي كلهم من حديث شداد بن أوس كذا في الجامع الصغير. قوله: (عن أم كلثوم) هو بضم الكاف كما صرح به في المعنى وفي نسخة بفتحها وفي القاموس أم كلثوم كزنبور اهـ. وهي بنت عقبة بن أبي معيط القرشية الأموية أخت عثمان بن عفان لأمه أسلمت قديماً وهاجرت سنة سبع ويقال إنها أول قرشية بايعت النبي -صلى الله عليه وسلم- تزوجها زيد بن حارثة واستشهد يوم مؤتة ثم الزبير بن العوام وطلقها ثم تزوجها عبد الرحمن بن عوف فمات عنها ثم تزوجها عمرو بن العاص فماتت عنه قيل أقامت عنده شهراً ثم ماتت وهي أم حميد وإبراهيم بن عبد الرحمن التابعي المشهور خرج حديثها الستة غير ابن ماجه وليس لها في الصحيحين غير هذا الحديث روى عنها أبناؤها إبراهيم وحميد وبسرة بن صفوان ماتت في خلافة علي رضي الله عنه. قوله: (ليس الكذاب الذي يصلح بين النّاس) معناه ليس الكذاب المذموم من يفعل ما يأتي بل وهذا محسن فالكذاب مرفوع اسم ليس وفي نسخة بالنصب على أنه خبر لها مقدم قيل وهو أظهر رواية لأنه المحكوم به والظاهر أن الفعال هنا للنسبة كلبان وتمار أي ذو كذب كما قيل به في قوله: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} أي بذي

فَيَنْمِي خَيراً أو يَقُولُ خَيْراً" هذا القدر في "صحيحيهما". وزاد مسلم في رواية له "قالت أم كلثوم: ولم أسمعه يرخِّص في شيء مما يقول النّاس إلا في ثلاث: يعني الحرب، والإصلاح بين النّاس، وحديث الرجل امرأته والمرأة زوجها" فهذا الحديث صريح في إباحة بعض الكذب للمصلحة، وقد ضبط العلماء ما يباح منه. وأحسن ما رأيته في ضبطه، ما ذكره الإِمام أبو حامد الغزالي رحمه الله فقال: الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمودٍ يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعاً، فالكذب فيه حرام، لعدم الحاجة إليه، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب، ولم يمكن بالصدق، ـــــــــــــــــــــــــــــ ظلم إذ لا يلزم من نفي المبالغة نفي أصل الفعل والمعنى من كذب للإصلاح بين النّاس ليس كاذباً مذموماً. قوله: (فينمي خيراً أو يقول خيراً) أي يقول قولاً متضمناً للخير دون الشر كأن يقول للإصلاح بين زيد وعمرو يا عمرو يسلم عليك زيد ويمدحك ويقول: أنا أحبه ويجيء إلى زيد ويقول له كما قال لعمرو قال في النهاية يقال نميت الحديث أنميه إذا بلغته على وجه الإصلاح وطلب الخير فإذا بلغته على وجه الإفساد والنميمة قلت نميته بالتشديد هكذا قال أبو عبيدة وابن قتيبة وغيرهما من العلماء قلت فقوله خيراً أي حديث خير للتأكيد أو على إرادة التجريد وقال الحربي مشددة وأكثر المحدثين يقولونها مخففة وهذا لا يجوز ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يلحن ومن خفف لزمه أن يقول خير بالرفع وهذا ليس بشيء فإنه ينتصب بنمى كما ينتصب بقال وكلاهما على زعمه لازمان وإنما نمى متعد يقال نميت الحديث أي رفعته وأبلغته اهـ. وفي القاموس نما ينمو نمواً زاد كنمى ينمى نمياً ونمى والحديث ارتفع ونميته ونميته رفعته وعزوته وأنماه أذاعه على وجه النميمة. قوله: (ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول النَّاس إلا في ثلاث الخ) قال القاضي عياض لا خلاف في جواز الكذب في هذه الصور واختلف في المراد بالكذب المباح فيها ما هو فقالت طائفة هو على إطلاقه وأجازوا قول ما لم يكن في هذه المواضع للمصلحة

فالكذب فيه مباح إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحاً، وواجب إن كان المقصود واجباً، فإذا اختفى مسلم من ظالم وسأل عنه، وجب الكذب بإخفائه، وكذا لو كان عنده أو عند غيره وديعةٌ، وسأل عنها ظالم يريد أخذها، وجب عليه الكذب بإخفائها، حتى لو أخبره بوديعة عنده فأخذها الظالم قهراً، وجب ضمانها على المودَع ـــــــــــــــــــــــــــــ وقالوا الكذب المذموم ما فيه مضرة واحتجوا بقول إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} {إِنِّي سَقِيمٌ} وقوله إنها أختي وقول منادي يوسف {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يوسف: 70] قالوا لا خلاف أنه لو قصد ظالم قتل رجل هو عنده مختف وجب عليه الكذب في أنه لا يعلم أي هو قال آخرون منهم الطبري لا يجوز الكذب في شيء أصلاً قالوا وما جاء من الإباحة في هذا فالمراد التورية واستعمال المعاريض لا صريح الكذب مثل أن يعد زوجته أن يحسن إليها وينوي إن قدر الله تعالى كذلك وحاصله أنه يأتي بكلمات محتملة يفهم المخاطب منها ما يطيب قلبه وإذا سعى في الإصلاح نقل عن هؤلاء إلى هؤلاء كلاماً جميلاً ومن هؤلاء إلى هؤلاء كذلك ووري وكذا في الحرب بأن يقول لعدوه مات إمامكم الأعظم وينوي إمامهم في الأزمان الماضية ونحوه من المعاريض المباحة فهذا جائز وتأولوا قصة إبراهيم ويوسف وما جاء على هذا من المعاريض وأما كذبه لزوجته وكذبها له فالمراد به إظهار الود والوعد بما لا يلزم ونحو ذلك فأما المخادعة في منع حق عليه أو عليها أو أخذ ما ليس له أو لها فهو حرام بإجماع المسلمين اهـ. قال ابن حجر في الزواجر الذي يتجه عدم وجوب التورية لأن العذر المجوز للكذب مجوز لترك التورية لما فيها من الحرج ثم رأيت الغزالي صرح بذلك بقوله والأحسن أن يوري. قوله: (فالكذب فيه مباح إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحاً) أي كالصلح بين اثنين أو رجل وامرأته. قوله: (وواجب إن كان المقصود واجباً) كالمثال الذي ذكره في قوله وإذا اختفى مسلم من ظالم أي يريد قتله وسأل عنه وجب الكذب بإخفائه لوجوب عصمة دم المعصوم. قوله: (وجب ضمانها على المودع) بفتح الدال اسم

المخبر، ولو استحلفه عليها لزمه أن يحلف ويورِّي في يمينه، فإن حلف ولم يورّ، حنث على الأصح، وقيل: لا يحنث، وكذلك لو كان مقصود حرب، أو إصلاح ذات البين، أو استمالة قلب المجني عليه في العفو عن الجناية لا يحصل إلا بكذب، فالكذب ليس بحرام، وهذا إذا لم يحصل الغرض إلا بالكذب، والاحتياط في هذا كلِّه أن يورّيَ، ومعنى التورية: أن يقصد ـــــــــــــــــــــــــــــ مفعول (المخبر) بكسر الموحدة اسم فاعل وذلك لأنه عرضها للتلف فضمنها، في شرح الروض وإن أعلم بها هو لا غيره من يصادر الملك وعين له موضعها فضاعت بذلك ضمن لمنافاته للحفظ بخلاف ما إذا أعلمه بها غيره لأنه لم يلزم حفظها وبخلاف ما إذا ضاعت بغير ذلك أو به ولم يعين موضعها وقضية كلامه كأصله أنه يضمن ولو أعلمه بها كرهاً لكن نقل الماوردي عن مذهب الشافعي أنه لا يضمن حينئذ كالمحرم إذا دل على صيد لم يضمنه تقديماً للمباشرة وقال غيره يضمن لأنه بالدلالة مضيع لها قال السبكي وهذا يجب القطع به لليد والتزام الحفظ بخلاف المحرم وقال الزركشي الظاهر أن مراد السبكي أن لا يكون قرار الضمان عليه لا أن لا يكون ضامناً أصلاً قال في الاستقصاء لو أكره حتى دل عليها فهو على الوجهين اهـ. قوله: (ولو استحلفه عليه لزمه أن يحلف) ولذا أطلق الغزالي وجوب حلفه كاذباً لأن الكذب ليس محرماً لعينه قال ابن حجر في الزواجر هذا ضعيف والأصح عدم وجوبه بل له ذلك وله تركه وفي شرح الروض قال الأذرعي يتجه وجوب الحلف إذا كانت الوديعة رقيقاً والظالم يريد قتله أو الفجور به. قوله: (ويوري في يمينه) أي وجوباً إذا أمكنته التورية وكان يعرفها لئلا يحلف كاذباً وذلك بأن ينوي بقوله ما له عندي حق أي متعلقاً بالبدن أو لازماً لذمتي ونحو ذلك. قوله: (فإن حلف ولم يور حنث في الأصح) أي لأنه كاذب فيها وعليه أن يكفر لذلك. قوله: (والتورية أن يقصد الخ) هو قريب من قول علماء البلاغة إطلاق لفظ له معنيان قريب وبعيد وإرادة البعيد منهما. قوله:

بعبارته مقصوداً صحيحاً ليس هو كاذباً بالنسبة إليه وإن كان كاذباً في ظاهر اللفظ. ولو لم يقصد هذا، بل أطلق عبارة الكذب، فليس بحرام في هذا الموضع. قال أبو حامد الغزالي: وكذلك كل ما ارتبط به غرض مقصود صحيح له أو لغيره، فالذي له، مثل أن يأخذه ظالم، ويسأله عن ماله ليأخذه، فله أن ينكره، أو يسأله السلطان عن فاحشة بينه وبين الله تعالى ارتكبها، فله أن ينكرها ويقول: ما زنيت، أو ما شربت مثلاً. وقد اشتهرت الأحاديث بتلقين الذين أقروا بالحدود الرجوع عن الإقرار. وأما غرض غيره، فمثل أن يسأل عن سرِّ أخيه فينكره ونحو ذلك، وينبغي أن يقابل بين مفسدة الكذب والمفسدة المترتبة على الصدق، فإن كانت المفسدة في الصدق أشد ضرراً فله الكذب، ـــــــــــــــــــــــــــــ (مقصوداً صحيحاً) أي في نفس الأمر تدل عليه العبارة إلا أنه بعيد من ظاهرها. قوله: (بالنسبة إليه) أي مقصوده. قوله: (وإن كان كاذباً في ظاهر اللفظ) أي باعتبار معناه القريب. قوله: (فليس بحرام) أي لرجحان المصلحة المترتبة عليه على وصمة الكذب (وكذلك كل ما ارتبط به غرض مقصود) أو من شأنه أن يقصد صحيح أو جائز شرعاً. قوله: (ويقول ما زنيت) ستراً على نفسه. قوله: (وقد اشتهرت الأحاديث بتلقين الذين أقروا بالحدود الرجوع عن الإقرار) كقوله في الخبر الصحيح لماعز لعلك لمست لعلك قبلت ففيه جواز الكذب بذلك ستراً على نفسه ثم تلقين مصدر مضاف لمفعوله الأول والرجوع مفعوله الثاني. قوله: (عن سر أخيه) أي ما أسره وأخفاه أخوه مما يترتب على إذاعته ضرر. قوله: (فإن كانت المفسدة في الصدق) أي بسبب الصدق ففي بمعنى الباء ويصح إبقاؤها على معنى الظرفية إلا أنها ظرفية مجازية كالنجاة في الصدق أي باعتبار الغالب فلا ينافي ما ذكر من كون مفسدته أشد ضرراً من مفسدة الكذب. قوله: (فله الكذب) أي جائز والمراد من الجواز عدم الامتناع فيشمل وجوبه تارة وإباحته

وإن كان عكسه، أو شك، حرم عليه الكذب، ومتى جاز الكذب، فإن كان المبيح غرضاً يتعلق بنفسه، فيستحب أن لا يكذب، ومتى كان متعلقاً بغيره، لم تجز المسامحة بحق غيره، والحزم في كل موضع أبيح، إلا إذا كان واجباً. واعلم أن مذهب أهل السُّنَّة أن الكذب هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو، سواء تعمدتَ ذلك أم جهلتَه، لكن لا يأثم في الجهل، وإنما يأثم في العمد. ودليل أصحابنا تقييد النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ كَذَبَ عَليَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَؤَّأ مَقْعَدَهُ مِنَ النارِ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أخرى. قوله: (وإن كان عكسه أو شك حرم عليه الكذب) بقي ما إذا تساوت مفسدتا الكذب والصدق ومصلحتاهما. قوله: (فيستحب له أن لا يكذب) أي وإن كان فاته بالصدق بعض المصالح. قوله: (لم تجز المسامحة) أي فيحرم الصدق حينئذٍ أي إن كان يترتب عليه إضرار بالغير. قوله: (والحزم) أي الجد الذي ينبغي التمسك به. قوله: (في كل موضع أبيح) بأن ترتب على الكذب مصلحة تعود عليه من غير ضرر بأحد كالكذب لإرضاء الزوجة كما تقدم فالحزم أن يترك الكذب حينئذٍ ويتكلم بالصدق والله المعين. قوله: (واعلم أن مذهب أهل السنة) قال في شرح مسلم إنه مذهب المتكلمين من أصحابنا قال وهو مذهب أهل السنة وقالت المعتزلة شرطه العمل به فعلى مذهب أهل السنة من أخبر بشيء على خلاف ما هو عليه وهو يظنه كذلك فهو كاذب وليس بآثم فيتقيد كون الكذب صغيرة أو كبيرة بالعلم. قوله: (لا يأثم في الجهل) بالإجماع والنصوص المتظاهرة من الكتاب والسنة ومثله الغلط والنسيان. قوله: (ودليل أصحابنا الخ) قال في شرح مسلم فإنه قيده بالعمل لكونه في يكون الغلط عمداً وقد يكون سهواً مع أن الإجماع والنصوص المتظاهرة من الكتاب والسنة على أنه لا إثم على الناسي وألفاظ اهـ. قوله: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) هذا الحديث رواه أحمد والشيخان والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه كلهم من حديث أنس ورواه أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وابن ماجه من حديث النربير ورواه مسلم من حديث أبي هريرة ورواه الترمذي من حديث علي ورواه أحمد وابن ماجه من حديث جابر وأبي سعيد ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث ابن مسعود ورواه أحمد والحاكم في المستدرك من حديث خالد بن عرفطة ومن حديث زيد بن أرقم ورواه أحمد من حديث سلمة بن الأكوع ومن حديث عقبة بن عامر ومن حديث معاوية بن أبي سفيان ورواه الطبراني في الكبير من حديث السائب بن يزيد ومن حديث سلمان بن خالد الخزاعي ومن حديث صهيب ومن حديث طارق بن أشيم ومن حديث طلحة بن عبيد الله ومن حديث ابن عباس ومن حديث ابن عمر ومن حديث عتبة بن غزوان ومن حديث العرس بن عميرة ومن حديث عمار بن ياسر ومن حديث عمران بن حصين ومن حديث عمرو بن حريث ومن حديث عمرو بن عبسة ومن حديث عمرو بن مرة الجهني ومن حديث المغيرة بن شعبة ومن حديث يعلى بن مرة ومن حديث أبي عبيدة بن الجراح ومن حديث أبي موسى الأشعري ورواه الطبراني في الأوسط من حديث البراء ومن حديث معاذ بن جبل ومن حديث نبيط بن شريط ومن حديث أبي ميمون ورواه الدارقطني في الأفراد من حديث أبي رمثة ومن حديث ابن الزبير ومن حديث أبي رافع ومن حديث أم أيمن ورواه الخطيب من حديث سلمان الفارسي ومن حديث أبي أمامة ورواه ابن عساكر من حديث رافع بن خديج ومن حديث يزيد بن أسود ومن حديث عائشة ورواه ابن صاعد في طرقه من حديث أبي بكر الصديق ومن حديث عمر بن الخطاب ومن حديث سعد بن أبي وقاص ومن حديث حذيفة بن أسيد ومن حديث حذيفة بن اليمان ورواه أبو مسعود بن الفرات في جزئه من حديث عثمان بن عفان ورواه البزار من حديث سعيد بن وزيد ورواه أصحاب السنن الأربعة من حديث أسامة بن زيد

باب الحث على التثبت فيما يحكيه الإنسان والنهي عن التحديث بكل ما سمع إذا لم يظن صحته

باب الحث على التثبت فيما يحكيه الإنسان والنهي عن التحديث بكل ما سمع إذا لم يظن صحته قال الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36] وقال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14]. وروينا في "صحيح مسلم" عن حفص بن عاصم التابعي الجليل عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كفَى بالمَرْءِ كَذِباً أنْ يُحَدِّثَ بكُل مَا سَمِعَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن حديث بريدة ومن حديث سفينة ومن حديث أبي قتادة ورواه أبو نعيم في المعرفة من حديث جندع بن عمرو ومن حديث سعد بن المدحاس ومن حديث عبد الله بن زغب ورواه ابن قانع من حديث عبد الله بن أبي أوفى ورواه الحاكم في المدخل من حديث عفان بن حبيب ورواه العقيلي في الضعفاء من حديث عتبة ابن غزوان ومن حديث ابن أبي كبشة ورواه ابن الجوزي في مقدمة الموضوعات عن أبي ذر وعن أبي موسى الغافقي، ذكره في الجامع الصغير، ثم الكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم- مع التعمد من الكبائر ومثله سائر الأنبياء وقال أبو محمد الجويني الكذب عليه -صلى الله عليه وسلم- كفر وهو هفوة إن لم يحمل على المستحل مع علم الحرمة والله أعلم. باب الحث على التثبت فيما يحكيه الإنسان والنهي عن التحديث بكل ما سمع إذا لم يظن صحته تقدم الكلام على الآية الأولى في باب وعلى الثانية والثالثة في أول كتاب حفظ اللسان. قوله: (وروينا في صحيح مسلم) ورواه أبو داود في سننه أيضاً متصلاً ومرسلاً قال في المرقاة في كتاب الأسماء ورواه أبو داود والحاكم عن ابن عمر مرفوعاً كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع. قوله: (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع) الباء زائدة في المفعمول وكذباً منصوب على التمييز وأن يحدث مؤول بالتحديث

ورواه مسلم من طريقين: أحدهما هكذا، والثاني عن حفص بن عاصم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلاً لم يذكر أبا هريرة، فتقدَّم رواية من أثبت أبا هريرة، فإن الزيادة من الثقة مقبولة، وهذا هو المذهب الصحيح المختار الذي عليه أهل الفقه والأصول، والمحققون من المحدِّثين، أن الحديث إذا روي من طريقين، أحدهما مرسل، والآخر متصل، قدم المتصل، وحكم بصحة الحديث، وجاز الاحتجاج به في كل شيء من الأحكام وغيرها، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ فاعل كفى أي كفى المرء من حديث الكذب تحديثه بكل ما سمعه. وذلك لأنه يسمع في العادة الصدق والكذب فإذا حدث بكل ما سمع فقد كذب لإخباره بما لم يكن وقد قدمنا أن مذهب أهل الحق أن الكذب الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو ولا يشترط التعمد فيه لكن التعمد شرط في كونه إثماً فيكره الحديث بكل ما سمع لذلك فإن قلت جاء في رواية أخرى كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع وهو يقتضي حرمة ذلك فكيف قالوا بكراهيته قلت المعنى أن كل من حدث بكل ما سمع وقع في الكذب وهو لا يشعر فعبر عن الكذب بالإثم تجوزاً لكونه ملازماً له غالباً وقرينة التجوز ما عرف من القواعد أن لا إثم في الكذب إلا مع التعمد. قوله: (رواه مسلم) هذا تفصيل للإجمال في قوله أولاً وروينا في صحيح مسلم فليس تكراراً. قوله: (هكذا) أي متصلاً مذكوراً فيه الصحابي، رواه مسلم هكذا عن علي بن حفصة عن شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن عن علي بن عاصم عن أبي هريرة. قوله: (والثاني عن حفص بن عاصم مرسلاً) رواه مسلم وكذا من رواية معالم ابن معاذ وعبد الرحمن بن مهدي كلاهما عن شعبة عن خبيب عن علي بن عاصم وكذا رواه غندر عن شعبة فأرسله قال الدارقطني الصواب المرسل عن شعبة كما رواه معاذ بن مهدي وغندر قال المصنف وقد رواه أبو داود في سننه أيضاً مرسلاً ومتصلاً فرواه مرسلاً عن حفص بن عمر النميري عن شعبة ورواه

وروينا في "صحيح مسلم" عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "بحسب المرء من الكذب أن يحدِّث بكل ما سمع". وروينا في "صحيح مسلم" عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مثله، والآثار في هذا الباب كثيرة. وروينا في سنن أبي داود بإسناد صحيح عن ابن مسعود أو حذيفة بن اليمان قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "بئْسَ مَطِيَّةُ الرّجُلِ زَعَمُوا" قال الإِمام أبو سليمان الخطابي فيما روينا عنه في "معالم السنن": أصل هذا الحديث أن الرجل إذا أراد الظعن في حاجة والسير إلى بلد، ركب مطية، ولعمار حتى يبلغ حاجته، فشبَّه النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يقدم الرجلُ أمام كلامه ويتوصلُ به إلى حاجته من قولهم "زعموا" بالمطية، وإنما يقال: زعموا في حديث لا سند له ولا ثبت، إنما هو شيء يحكى على ـــــــــــــــــــــــــــــ متصلاً عن علي بن حفص عن شعبة اهـ. والحاصل أن الدارقطني رجح بالكثرة والقوة والمصنف نظر إلى قبول زيادة الثقة مطلقاً فقدم المتصل على المرسل وعليه الفقهاء وأصحاب الأصول وجماعة من أهل الحديث وقد أفصح المصنف بهذا الذي ذكرناه من الباء فقال: ولا يضر كونه روي مرسلاً فإن الوصل زيادة ثقة وهي مقبولة اهـ. قوله: (وروينا في صحيح مسلم) أي موقوفاً على عمر. قوله: (بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع) الباء فيه زائدة وهو مبتدأ وأن يحدث خبره أي يكفيه من خلال الكذب تحديثه بكل ما سمع. قوله: (والآثار في ذلك كثيرة) فروى مسلم عن عبد الله يعني ابن مسعود قال بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع وهو الذي أشار إليه الشيخ بقوله وروينا في صحيح مسلم عن عبد الله الخ وكذا روى مسلم عن مالك بن أنس اعلم أنه ليس بسلم رجل حدث بكل ما سمع ولا يكون إماماً أبداً وهو يحدث بكل ما سمع وجاء عن غيره بنحوه. قوله: (وروينا في سنن أبي داود) ورواه الإِمام أحمد وأبو داود عن حذيفة أي من غير شك.

باب التعريض والتورية

سبيل البلاغ، فذم النبي -صلى الله عليه وسلم- من الحديث ما هذا سبيله، وأمر بالتوثُّق فيما يحكيه والتثبُّت فيه، فلا يرويه حتى يكونَ معزوّاً إلى ثبت. هذا كلام الخطابي، والله أعلم. باب التعريض والتورية اعلم أن هذا الباب من أهم الأبواب، فإنه مما يكثر استعماله وتعمُّ به البلوى، فينبغي لنا أن نعتنيَ بتحقيقه، وينبغي للواقف عليه أن يتأمَّله ويعملَ به، وقد قدمنا ما في الكذب من التحريم الغليظ، وما في إطلاق اللسان من الخطر، وهذا البابُ طريق إلى السلامة من ذلك. واعلم أن التورية والتعريض معناهما: أن تطلق لفظاً هو ظاهر في معنى، وتريد به معنى آخر يتناوله ذلك اللفظ، لكنه خلاف ظاهره، وهذا ضرب من التغرير والخداع. قال العلماء: فإن دعت إلى ذلك مصلحة شرعية راجحة على ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (فذم النبي -صلى الله عليه وسلم- الخ) قال بعضهم ففي الحديث مبالغة في الاجتناب من إخبار النّاس كيلا يقع في الكذب لأن الرجل إذا كان مذموماً مع قوله زعموا أن الأمر كذا وكذا حيث أسند إلى النّاس ولم يجعله إنشاء من تلقاء نفسه ولا جزم به بل عبر بالزعم الذي هو بمعنى الادعاء والافتراء فكيف لا يكون مذموماً إذا أسند إليهم القول على وجه التحقيق أو نسب إلى نفسه من غير إسناد إلى من سمعه منه أو كذب عليه -صلى الله عليه وسلم- والحاصل من الحديث أنه ينبغي تبديل هذه اللفظة وهذه الإضافة فأما أن يحقق الكلام فينسبه إلى قائله أو يسكت كما قال -صلى الله عليه وسلم-: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت اهـ. ورواه. باب التعريض والتورية قوله: (ويريد به معنى آخر يتناوله ذلك اللفظ) فإن كان ذلك المعنى مما وضع له اللفظ إلا أنه بعيد الفهم منه فتورية وإن لم يكن كذلك فتعريض وتقدم الفرق بين الكناية

خداع المخاطب أو حاجة لا مندوحة عنها إلا بالكذب، فلا بأس بالتعريض، وإن لم يكن شيء من ذلك فهو مكروه وليس بحرام، إلا أن يتوصل به إلى أخذ باطلٍ أو دفع حقٍ، فيصير حينئذ حراماً، هذا ضابط الباب. فأما الآثار الواردة فيه، فقد جاء من الآثار ما يبيحه وما لا يبيحه، وهي محمولة على هذا التفصيل الذي ذكرناه، فمما جاء في المنع. ما رويناه في "سنن أبي داود" بإسناد فيه ضعف لكن لم يضعفه أبو داود، فيقتضي أن يكون حسناً عنده كما سبق بيانه عن سفيان بن أسيد -بفتح الهمزة- رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "كَبُرَتْ خِيانَةً أنْ تُحَدِّثَ أخاكَ حَدِيثاً هُوَ لَكَ بِهِ مُصَدِّقٌ وأنْتَ بِهِ كاذِبٌ". وروينا عن ابن سيرين رحمه الله أنه قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ والتعريض في أبواب الغيبة. قوله: (فلا بأس بالتعريض) وكذا التورية لأنه ليس في كل منهما كذب فلا ضرورة به وقد تمكن منهما -إلى الكذب الصراح. قوله: (فهو مكروه) لما فيه من التغرير والخداع. قوله: (إلا أن يتوصل به الخ) أي لأن للوسائل حكم المقاصد. قوله: (فمما جاء في المنع ما رويناه في سنن أبي داود) وكذا رواه البخاري في الأدب المفرد من حديث سفيان بن أسد وأخرجه أحمد والطبراني في الكبير من حديث النواس بن سمعان كذا في الجامع الصغير. قوله: (كبرت) بضم الموحدة و (خيانة) تمييز محول عن الفاعل و (أن تحدث الخ) هو المخصوص بالذم. وقوله: (هو لك به مصدق الخ) في محل الحال من المفعول. قوله: (عن سفيان بن أسد) قال في أسد الغابة ويقال ابن أسيد أي بضم الهمزة وفتح المهملة بعدها تحتية بصيغة المصغر للفظ الأسد وعلى الأول. بلفظ أسد الحيوان المعروفة وهو الحضرمي الشامي روى عنه جبير بن نفير ثم أخرج من طريقه هذا الحديث وقال أخرجه الثلاثة يعني أبا نعيم وابن منده وابن عبد البر اهـ. قوله: (وروينا عن ابن سيرين) هو محمد بن سيرين قيل أصله شيرين بالمعجمة اسم أعجمي ومحمد بن سيرين

الكلام أوسعُ من أن يكذِبَ ظريفٌ. مثال التعريض المباح ما قاله النخعي رحمه الله: إذا بَلَغَ الرجلَ عنك شيءٌ قلتَه فقل: الله يعلم ما قلتُ من ذلك من شيء، فيتوهم السامع النفي، ومقصودك: الله يعلم الذي قلته. وقال النخعي أيضاً: لا تقل لابنك: أشتري لك سُكَّراً، بل قل: أرأيتَ لو اشتريتُ لك سُكَّراً. وكان النخعي إذا طلبه رجل قال للجارية: قولي له: اطلبه في المسجد. وقال غيره: خرج أبي في وقت قبل هذا. وكان الشعبي يخط دائرة ويقول للجارية: ضعي أصبعك فيها وقولي: ليس هو ها هنا. ومثل هذا قول النّاس في العادة لمن دعاه لطعام: أنا على نية، موهماً أنه صائم، ومقصوده: على نية ترك الأكل، ومثله: أبصرتَ فلاناً؟ فيقول ما رأيته، أي: ما ضربت رِئَتَه، ونظائر هذا كثيرة. ولو حلف على شيء من هذا، وورَّى في يمينه، لم ـــــــــــــــــــــــــــــ تابعي جليل. قوله: (الكلام) أي طرق الكلام لكثرة أنواعها (أوسع من أن يكذب ظريف) إذ له مندوحة عنه بالتورية والكناية والمعاريض. قوله: (من ذلك) بيان لما الموصول. قوله: (من شيء) بدل من ذلك بإعادة الخافض. قوله: (ومقصودك الله يعلم الذي قلته من كذا) أي وأنت تتيقن أن الأمر كما قلت فتصدق أما مع الشك في ذلك فتقدم في أوائل الباب ما فيه. قوله: (أشتري لك سكراً) أي لأنه محتمل للوعد وقد لا يتيسر وفاؤه. قوله: (وكان الشعبي) بفتح المعجمة وسكون المهملة عامر بن شراحيل نسبة إلى شعب بطن من همدان وقيل من حمير وروى الشعبي عن مائة وخمسين صحابياً ولد سنة عشرين وقيل سنة إحدى وثلاثين وتوفي سنة تسع ومائة وقيل سنة خمسين وقيل سنة أربع ومائة كذا في لب اللباب. قوله: (فيقول ما رأيته أي ما ضربت رئته) ومن هذا القبيل قول الشاعر:

يحنث، سواء حلف بالله تعالى، أو حلف بالطلاق، أو بغيره، فلا يقع عليه الطلاق، ولا غيره، وهذا إذا لم يحلِّفه القاضي في دعوى، فإن حلَّفه القاضي في دعوى، فالاعتبار بنية القاضي إذا حلَّفه بالله تعالى، فإن حلَّفه بالطلاق، فالاعتبار بنية الحالف، لأنه لا يجوز للقاضي تحليفه بالطلاق، فهو كغيره من النّاس، والله أعلم. قال الغزالي: ومن الكذب المحرَّم الذي يوجب الفسْقَ، ما جرت به العادة في المبالغة، كقوله: قلتُ لك مائة مرة، وطلبتُكَ مائة مرة ونحوه، فإنه لا يراد به تفهيم المرات، بل تفهيم المبالغة، فإن لم يكن طلبه إلا مرَّة واحدة كان كاذباً، وإن طلبه مرَّات لا يُعتَاد مثلُها في الكثرة، لم يأثم، وإن لم يبلغ مائة مرَّة، وبينهما درجات، يتعرض المبالغ للكذب فيها. قلت: ودليل جواز المبالغة وأنه لا يعد كاذباً، ما رويناه في "الصحيحين" أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أمّا أبُو جَهْمٍ فلا يَضَعُ العَصَا عَن عَاتِقِهِ، وأمَّا مُعاوِيَةُ فَلا مالَ ـــــــــــــــــــــــــــــ إني رأيت عجيباً في محلتكم ... شيخاً وجارية في بطن عصفور أي قطع رئة. قوله: (وهذا إذا لم يحلفه القاضي) أي محل كونه إذا ورى لا يحنث ما لم يحلفه الحاكم الشرعي في دعوى صحيحة يميناً قد توجهت عليه باسم الله تعالى أو بشيءٍ من صفاته. قوله: (لأنه لا يجوز للقاضي تحليفه بالطلاق) يؤخذ من العلة أنه لو جاز له ذلك بأن كان مذهبه يقتضي جواز التحليف فالعبرة بنية القاضي قال ابن حجر وهو الظاهر وكما لا يعتبر نية الحاكم في مسألة المتن لتعديه لا تعتبر فيما إذا حلفه بالله تعالى في غير دعوى صحيحة أو فيها ولم يتوجه عليه فإذا ورى فيهما اعتبرت نية الحالف. قوله: (وإن طلبه مرات لا يعتاد مثلها في الكثرة لم يأثم) أي لا يكون كاذباً لما ذكر من أنه لا يراد من هذا اللفظ تفهيم المرات بل تفهيم المبالغة. قوله: (ودليل الجواز الخ) تقدم الكلام على إسناد الحديث وما يتعلق بمعناه في باب ما يباح فيه الغيبة قال الشيخ ابن حجر في تنبيه الأخيار: فهم الجلال السيوطي أن قول

باب ما يقوله ويفعله من تكلم بكلام قبيح

لهُ" ومعلوم أنه كان له ثوب يَلْبَسُهُ، وأنه كان يضع العصا في وقت النوم وغيره، وبالله التوفيق. باب ما يقوله ويفعله من تكلم بكلام قبيح قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [فصلت: 36] وقال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 200، 201] ـــــــــــــــــــــــــــــ المصنف قلت ودليل جواز المبالغة الخ اعتراض على تفصيل الغزالي -أي وإنه لا تحرم المبالغة مطلقاً- فلذا أطلق فقال في أذكار الأذكار وتكره المبالغة كقلت له مائة مرة وليس كما فهم بل هو تقرير له لأنه -صلى الله عليه وسلم- لم يقل عنهما ذلك إلا بعد علمه وقوعه منهما فإطلاق الجلال الكراهة ليس في محله اهـ. وأما المبالغة في المدح والإطراء فلا يلحق بالكذب على الصحيح ولا ترد به الشهادة لأن الكاذب يوهم الكذب بخلاف الشاعر إنما ذكر صناعة قال في الزواجر وعلى هذا فلا فرق بين القليل والكثير قال الشيخان بعد نقلهما ذلك عن القفال والصيدلاني وهذا حسن بالغ اهـ. والله سبحانه وتعالى أعلم. باب ما يقول ويفعله من تكلم بكلام قبيح قوله: ({وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ} الخ) تقدم الكلام عليها في باب ما يقول إذا عرض له شيطان أو خافه وفي باب ما يقول إذا غضب. قوله: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا} قال ابن عطية قال الكسائي الطيف اللمم والطائف ما طاف حول الإنسان وكيف هذا وقد قال الأعشى: ويصبح عن غيب السرى وكأنها ... ألم بها من طائف الجن أولق اهـ قال في النهر لا يتعجب من تفسير الكسائي الطائف بما طاف حول الإنسان بهذا البيت لأنه صح فيه معنى ما قاله الكسائي لأنه إن كان تعجبه حيث خصص الإنسان فالذي قاله الأعشى تشبيه لأنه قال كأنها وإن كان تعجبه من حيث فسر بأنه ما طاف

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ حول الإنسان فطائفة الجن يصح أن يقال ما طاف حول الإنسان وشبه هو الناقة في سرعتها ونشاطها وقطعها الفيافي عجلة بحالتها إذا ألم بها أولق من طائف الجن وقريء طيف مخفف من طيف كما قالوا ميت في ميت ثم النزغ من الشيطان أخف من مس الطائف من الشيطان لأن النزغ أدنى حركة والمس الإصابة والطائف ما يطوف به ويدور عليه فهو أبلغ لا محالة فحال المتقين في ذلك غير حال الرسول فحيث كان الكلام للرسول كان الشرط بلفظ أن الموضوعة للتردد وحيث كان للمتقين كان بلفظ إذا الموضوعة للتحقيق أو الترجيح وعلى هذا فالنزغ يمكن أن يقع وأن لا يقع والمس واقع لا محالة أو مرجح وقوعه وهو إلصاق البشرة وهو هنا استعارة وفي تلك الجملة أمره -صلى الله عليه وسلم- بالاستعاذة وهنا جاءت الجملة خبرية في ضمنها الشرط وجاء الجزاء تذكروا فدل على تمكن مس الطائف حتى حصل نسيان فتذكروا ما نسوه فالمعنى تذكروا ما أمر به تعالى وما نهى عنه وبنفس التذكر حصل إبصارهم وفاجأهم إبصار الحق والسداد فاتبعوه وطردوا عنهم مس الطائف واتقوا كل ما يتقى اهـ. بيسير تلخيص. قوله: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} قال في النهر نزلت بسبب نبهان التمار أتته امرأة تشتري تمراً فقبلها وضمها ثم ندم وقيل ضرب على عجزها قال ابن عباس الفاحشة الزنى وظلم النفس ما دون ذلك من النظر واللمسة. وقوله: {وَلَمْ يُصِرُّوا} معطوف على فاستغفروا والإصرار على الذنب المداومة عليه وعدم التوبة منه ويحدث نفسه أنه ما قدر عليه فعله ولا ينوي توبة ولا يرجو وعداً لحسن ظنه ولا يخاف وعيداً على سوء عمله هذا حقيقة الإصرار ومقام هذا العتو والاستكبار ويخاف على مثل هذا سوء الخاتمة لأنه سالك طريقها والعياذ بالله وفي الحديث ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم مائة مرة وقيل الإصرار إتيان الذنب عمداً إصراراً حتى يتوب منه، وأصل الإصرار الثبات على الشيء وقيل الإصرار موافقة المعصية إذا هم العبد بها ذكره ابن رسلان في شرح جمع الجوامع. وقوله: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ} من فيه استفهام بمعنى النفي والجملة اعتراض بين المتعاطفين

وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 135، 136]. وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ حَلَفَ فقالَ في حَلِفِهِ: باللاَّتِ وَالْعُزَّى، فَلْيَقُلْ: لا إلهَ إلاَّ الله، ـــــــــــــــــــــــــــــ فيها ترفيق للنفس وداعية إلى رجاء الله وسعة عفوه واختصاصه بغفران الذنب اهـ. وقوله: {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} قال البيضاوي حال من يصروا أي لم يصروا على قبيح فعلهم عالمين به. وقوله: ({أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} الخ) خبر عن قوله: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} إن أعرب الذين مبتدأ وجملة مستأنفة مبينة لما قبلها إن عطف على المتقين أو على الذين ينفقون ولا يلزم من إعداد الجنة للمتقين والتائبين جزاء لهم أن لا يدخلها المصرون كما لا يلزم من إعداد النار للكافرين جزاء لهم أن لا يدخلها غيرهم وتنكير جنات على الأول يدل على أن ما لهم دون ما للمتقين الموصوفين بتلك الصفات المذكورة في قوله: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ} والخ وكفاك فارقاً بين القبيلين أنه فصل آيتهم بأن بين أنهم محسنون مستوجبون لمحبة الله تعالى إذ حافظوا على حدود الشرع وتخطوا إلى التخصيص بمكارمه وفصل هذه الآية بقوله {وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} لأن المتدارك لتقصيره كالعامل لتحصيل بعض ما فوت على نفسه وكم بين المحسن والمتدارك والمحبوب والأجير ولعل تبديل لفظ الجزاء بالأجر لهذه النكتة والمخصوص بالمدح محذوف تقديره {وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} ذلك يعني المغفرة والجنان اهـ. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) ورواه أبو داود والترمذي والنسائي كما في تيسير الوصول. قوله: (من حلف فقال في حلفه باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله) قال المصنف إنما أمر بقول لا إله إلا الله لأنه تعاطى صورة تعظيم الأصنام حين حلف قال أصحابنا إذا حلف باللات والعزى أو بغيرهما من الأصنام أو قال إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني أو بريء من دين الإسلام أو نحو ذلك لم تنعقد يمينه بل يجب عليه أن يستغفر الله تعالى ويقول لا إله إلا الله

وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ، فَلْيَتَصَدَّقْ". واعلم أن من تكلم بحرام أو فعله، وجب عليه المبادرة إلى التوبة، ولها ثلاثة أركان: أن يقلعَ في الحال عن المعصية، وأن يندمَ على ما فعل، وأن يعزم أن لا يعود إليها أبداً، فإن تعلَّق بالمعصية حق آدمي، وجب عليه مع ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا كفارة عليه سواء فعله أم لا هذا مذهب مالك والشافعي وجماهير العلماء وقال أبو حنيفة تجب الكفارة في كل ذلك إلا في قوله أنا مبتدع أو بريء من النبي -صلى الله عليه وسلم- أو واليهودية واحتج أن الله تعالى أوجب على المظاهر كفارة لأنه منكر من القول وزور والحلف بهذه الأشياء منكر من القول وزور واحتج أصحابنا والجمهور بظاهر هذا الحديث فإنه -صلى الله عليه وسلم- إنما أمره بقول لا إله إلا الله فلم يذكر الكفارة ولأن الأصل عدمها حتى يثبت فيها شرع وأما قياسهم على المظاهر فينتقض بما استثنوه اهـ. وقد تقدم في أوائل باب في ألفاظ يكره استعمالها. فصل يتعلق بهذا المقام فليكن منك ببال والحاصل أن من حلف بما ذكر فإن أراد تعظيمه كتعظيمه لله عزّ وجلّ أو الخروج مما علق الخروج عليه ولو في المآل كفر في الحال ويجب عليه الإسلام وإن لم يرد ذلك كان عاصياً بهذا اللفظ الشنيع ووجب عليه التوبة منه ولا تجب عليه الكفارة في الحالين عند الجمهور. قوله: (ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق) قال العلماء أمر بالصدقة تكفيراً لخطيئته في كلامه بهذه المعصية قال الخطابي معناه فليتصدق بمقدار ما أراد أن يقامر به والصواب الذي عليه المحققون وهو ظاهر الحديث أنه لا يختص بذلك المقدار بل يتصدق بما تيسر مما ينطلق عليه اسم الصدقة ويؤيده رواية لمسلم من طريق معمر فليتصدق بشيء قال القاضي عياض في الحديث دلالة لمذهب الجمهور أن العزم على المعصية إذا استقر في القلب كان ذنباً ويكتب عليه بخلاف الخاطر الذي لا يستقر في القلب وقد سبق تحقيق المسألة. قوله: (إن من تكلم بحرام) أي بقول حرام صغيرة كان ككذب على غير النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يترتب عليه حد

الثلاثة رابع، وهو رد الظلامة إلى صاحبها أو تحصيل البراءة منها، وقد تقدَّم بيان هذا، وإذا تاب من ذنب، فينبغي أن يتوبَ من جميع الذنوب، فلو اقتصر على التوبة من ذنب صحت توبته منه، وإذا تاب من ذنب توبة صحيحة كما ذكرنا ثم عاد إليه في وقت، أثم بالثاني، ووجب عليه التوبة منه، ولم تبطل توبته من الأول، هذا مذهب أهل السنة، خلافاً للمعتزلة في المسألتين، وبالله التوفيق. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا ضرر ولا مصلحة أو كبيرة من غيبة أو نميمة وتقدم الكلام على ما يتعلق بالتوبة في كفارة الغيبة والتوبة منها. قوله: (وهو رد الظلامة) أي المظلمة إن بقي عينها وإن تلفت فبدلها من مثل أو قيمة. قوله: (فلو اقتصر على ... ذنب واحد) أي مع الإصرار على غيره (صحت التوبة) عندنا معاشر الأشاعرة قالوا للإجماع على أن من أسلم تائباً عن كفره مع إصراره على بعض معاصيه صح إسلامه وتوبته ولأن حقيقتها ليس إلا الإقلاع والندم والعزم وقد وجدت. قوله: (توبة صحيحة) بأن وجد أركانها من الندم والإقلاع والعزم على عدم العود إلى مثل ذلك الذنب. وكقوله: (ولم تبطل توبته من الأول) أي لأنها قد وجدت وتحققت بوجود حقيقتها والشيء بعد تحققه لا يرتفع من أصله. قوله: (خلافاً للمعتزلة في المسألتين) قال في شرح المقاصد شبهة أبي هاشم أي من المعتزلة في قوله شرط صحة التوبة تعميمها لكل معصية إن الّندم عليها يجب أن يكون لقبحها وهو شامل للمعاصي كلها فلا يتحقق الندم على قبيح مع الإصرار على قبيح، وأجيب بأن الشامل للكل هو القبح لا قبحها والتحقيق على ما ذكره صاحب التجريد هو أن الدواعي إلى الندم عن القبائح وإن اشتركت في كون الندم على القبح لكن يجوز أن يترجح بعض الدواعي بأمور تنضم إليه كعظم المعصية أو قلة غلبة الهوى فيها فيبعثه ذلك الترجيح على الندم عن هذا البعض خاصة دون البعض الآخر لانتفاء ترجيح الداعي بالنسبة إليه ولا يلزم من ذلك

باب في ألفاظ حكي عن جماعة من العلماء كراهتها وليست مكروهة

باب في ألفاظ حكي عن جماعة من العلماء كراهتها وليست مكروهة اعلم أن هذا الباب مما تدعو الحاجة إليه لئلا يُغتَرَّ بقول ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يكون الندم على ذلك البعض الذي يتحقق معه الترجيح لا لقبحه إذ لا يخرج الداعي بهذا الترجيح عن الاشتراك في كونه داعياً إلى الندم على القبيح لقبحه وقال بعضهم هذا الذي ذكره المعتزلة خروج عن المعقول ومناب الشرع فإن من بدرت منه بوادر وصدرت منه عظائم يصح في مجرى العادة التنصل من جماهيرها والاعتذار عنها مع الإصرار على شيء منها وقال غيره وما قاله المعتزلة مبني على أصلهم في التقبيح والتحسين العقلي ويرد عليهم قوله تعالى: {خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا} وآيات أخر في معنى ذلك، وفصل بعض أصحابنا في ذلك فقال الحليمي تصح التوبة من كبيرة دون أخرى من غير جنسها ومقتضاه عدم الصحة إذا كانت من جنسها وبه صرح الأستاذ أبو بكر لكن قال الأستاذ أبو إسحاق يصح حتى لو تاب عن الزنى بامرأة مع الإقامة على الزنى بمثلها صح قال ابن القشيري وأباه الأصحاب قال وقال الإِمام: إن كان يعتقد أن العقوبة على إحداهما صحت التوبة من إحداهما دون الأخرى ثم قال الصوفية لا تكون توبة السالك مفتاحاً للمقامات حتى يتوب عن جميع الذنوب لأن كدورة بعض القلب واسوداده يمنع من السير إلى الله تعالى وقال في المقاصد التوبة الصحيحة عبادة لا يبطل ثوابها بمعاودة الذنب والتوبة ثانياً عبادة أخرى ولم يتعرض في الشرح لخلاف المعتزلة في هذه المسألة وسيأتي بسط لهذه المسألة في أوائل كتاب الاستغفار والخلاف في هذه المسألة لبعض أهل السنة نقل عن القاضي أبي بكر أنه ينقض توبته بواحد من الذنب الذي تاب منه وبهذا يعلم أن قول المصنف هذا مذهب أهل السنة مراده مذهب جمهورهم المعتمد عليه والله أعلم. باب في ألفاظ حكي عن جماعة من العلماء كراهتها وليست مكروهة أي في نفس الأمر ما استدلوا به للكراهة تارة وبطلانه أخرى. قوله: (يغتر بقول

باطل ويعوَّل عليه. واعلم أن أحكام الشرع الخمسة، وهي: الإيجاب، والندب، والتحريم، والكراهة، والإباحة لا يثبت شيء منها إلا بدليل، وأدلة الشرع معروفة، فما لا دليل عليه لا يلتفت إليه، ولا يحتاج إلى جواب، لأنه ليس بحجة، ولا يُشْتَغَلُ بجوابه، ومع هذا فقد تبرع العلماء في مثل هذا بذِكر دليل على إبطاله. ومقصودي بهذه المقدِّمة أن ما ذكرتُ أن قائلاً كرهه ـــــــــــــــــــــــــــــ باطل ويعول عليه) يصح في كل من الفعلين أن يقرأ بصيغة المعلوم ومرجع الضمير ما دل عليه السياق وهو المكلف وأن يقرأ بصيغة المجهول والظرف فيهما نائب الفاعل. قوله: (واعلم أن أحكام الشرع الخمسة) إن قلت بقي من الأحكام خلاف الأولى والصحيح والباطل والفاسد قلت لعل المصنف جرى على مذهب المتقدمين من عدم الفرق في الإطلاق بين المكروه وخلاف الأولى فإن أول من ذكر الفرق كما قال السبكي هو إمام الحرمين ومن قبله كانوا يقولون فيما النهي فيه مقصود ومخصوص مكروه كراهة شديدة وفي غيره مكروه، أو يقال خلاف الأولى داخل في كلامه بأن يراد من الكراهة ما يشمله بأن يفسر بالخطاب المقتضي لترك الفعل اقتضاء غير جازم سواء كان بنهي مخصوص وهو المكروه أو لا وهو خلاف الأولى وأما الصحيح والفاسد والباطل فمن خطاب الوضع والكلام في أقسام خطاب التكليف. قوله: (وهي الإيجاب الخ) وجه الحصر في الأحكام الخمسة أن الخطاب إن اقتضى الفعل اقتضاء جازماً فإيجاب أو اقتضاء غير جازم فندب أو الترك اقتضاء جازماً فتحريم أو غير جازم بنهي مخصوص أو لا فكراهة وإن لم يقتض فعلاً ولا تركاً فإباحة وقوله لا يثبت شيء منها إلا بدليل خبر لأن. قوله: (وأدلة الشرع معروفة) هي الكتاب والسنة والإجماع والقياس والاستصحاب. قوله: (فما لا دليل عليه) أي من الأدلة الشرعية. قوله: (فقد تبرع العلماء) أي تكلموا في رده على وجه التبرع بالكلام إذ لم يحتاجوا إلى الكلام فيه لبطلانه لعدم دليله

ثم قلتُ: ليس مكروهاً، أو هذا باطل أو نحو ذلك، فلا حاجة إلى دليل على إبطاله، وإن ذكرته كنت متبرعاً به، وإنما عقدت هذا الباب لأبيِّن الخطأ فيه من الصواب لئلا يُغترَّ بجلالة من يضاف إليه هذا القول الباطل. اعلم أني لا أسمي القائلين بكراهة هذه الألفالظ لئلا تَسْقُطَ جلالتهم ويُساءَ الظنُّ بهم، وليس الغرض القدح فيهم، وإنما المطلوب التحذير من أقوال باطلة نقلت عنهم، سواء أصحت عنهم أم لم تصح، فإن صحت لم تقدح في جلالتهم كما عرف، وقد أضيفُ بعضَها لغرض صحيح، بأن يكون ما قاله محتَملاً فينظر غيري فيه، فلعل نظره يخالف نظري فيعتضده نظره بقول هذا الإِمام السابق إلى هذا الحكم، وبالله التوفيق. فمن ذلك ما حكاه الإِمام أبو جعفر النحاس في كتابه "شرح أسماء الله سبحانه وتعالى" ـــــــــــــــــــــــــــــ الشرعي. قوله: (أو هذا) أي ما ذكره ذلك القائل. قوله: (لأبين الخطأ فيه من الصواب) أي أميزه منه. قوله: (لئلا يغتر بجلالة من يضاف إليه هذا القول الباطل) قال المصنف والرد على العالم بعض ما قاله لا ينافي جلالته فكل واحد يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب الشرع وكذا لا يمنع جلالة العالم من التكلم معه ومطالبته بإثبات دليل ما ذكره وإلا لبطل الاحتجاج مع الإجلاء. قوله: (لا أسمي القائلين) أي غالباً أو إذا كان غلط القول المنقول عنه أو ضعفه كالمتحقق بدليل قوله بعد وقد أضيف بعضها إلى القائل بها واسميه لاحتمال قوله للصواب. قوله: (لئلا تسقط جلالتهم) أي سند الجهال. قوله: (لم تقدح في جلالتهم) أي في الحقيقة ولذا السيف ينبو والجواد يكبو ولا يخل ذلك من شرفها فالكريم من عدت سقطاته وحسبت هفواته. ومن ذا الذي ترضي سجاياه كلها ... كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه قوله: (وقد أضيف بعضها) أي الأقوال المردودة لقائلها. قوله: (محتملاً) بفتح الميم أي

عن بعض العلماء أنه كره أن يقال: تَصدَّق الله عليك، قال: لأن المتصدِّق يرجو الثواب. قلت: هذا الحكم خطأ صريح وجهل قبيح، والاستدلال أشدُّ فساداً. وقد ثبت في "صحيح مسلم" عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في قصر الصلاة: "صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِها عَلَيكُمْ فاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ". فصل: ومن ذلك ما حكاه النحاس أيضاً عن هذا القائل المتقدِّم ـــــــــــــــــــــــــــــ محمولاً على وجه صحيح على طريق الاحتمال. قوله: (لأن المتصدق) أي من المكلفين (يرجو الثواب) على صدقته فكره ذلك القائل إطلاق هذا اللفظ في حقه تعالى لئلا يتوهم في حقه لازم التصدق من المكلف وهو رجاء الثواب. قوله: (والاستدلال أشد فساداً) أي وما استدل به أشد فساداً وذلك لأن الألفاظ تختلف ملزوماتها بل ومعانيها بحسب ما تطلق فيه مثلاً الاستواء أي في حق المخلوق التمكن من الحيز وفي حقه سبحانه الاستيلاء على الشيء على وجه القهر والغلبة وهو القاهر فوق عباده، فدعوى أن لفظ تصدق يكره أن يقال في حقه تعالى -لأنه يوهم رجاء الثواب له تعالى لكونه إذا وقع من المخلوق يكون لرجاء الثواب- ظاهر الفساد لما ذكر من اختلاف معاني الكلمات ولوازمها بحسب مواردها ومواقعها، فليس المراد من التصدق في حقه تعالى هذا المعنى بل التفضل والإحسان والله أعلم وإنما كان الحكم خطأ صريحاً لمصادمته النص الصحيح الصريح بإطلاق هذا اللفظ في حقه تعالى ولعل القائل بذلك لم يستحضر الخبر وقت بحثه ذلك والله أعلم. قوله: (وقد ثبت في صحيح مسلم) وكذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي كما في التيسير والحديث عن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب: ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا فقد آمن النّاس فقال عجبت وما عجبت منه فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال: صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته.

ذكْره أنه كره أن يقال: اللهُم أعتقني من النار، قال: لأنه لا يُعتق إلا من يطلب الثواب. قلت: وهذه الدعوى والاستدلال من أقبح الخطأ وأرذل الجهالة بأحكام الشرع، ولو ذهبتُ أتتبَّع الأحاديث الصحيحة المصرِّحة بإعتاق الله تعالى من شاء من خلقه لطال الكتاب طولاً مُمِلاً. وذلك كحديث: "مَنْ أعْتَقَ رَقَبَةً أعْتَقَ الله تَعالى بِكُل عُضْوٍ مِنْها عُضْواً مِنْهُ مِنَ النارِ". وحديث: "ما مِنْ يَوْمٍ أكْثَرُ أنْ يُعْتِقَ الله تَعالى فِيهِ عَبْداً مِنَ النارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ". فصل: ومن ذلك قول بعضهم: يكره أن يقول: افعل كذا على ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (لأنه لا يعتق) بضم التحتية وكسر الفوقية ودليله هذا نظير ما تقدم فيما قبله. قوله: (كحديث من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار) رواه البخاري ومسلم وابن ماجه من حديث أبي هريرة وتتمته حتى فرجه قال المصنف في الحديث بيان فضل العتق وأنه من أفضل الأعمال ومما يحصل به العتق من النار ودخول الجنة وفيه استحباب عتق كامل الأعضاء فلا يكون خصياً ولا فاقد غيره من الأعضاء وفي الخصي أيضاً وغيره الفضل لكن الكامل أولى وأفضله أغلاه ثمناً وأنفسه، وظاهر إطلاق الحديث حصول الإعتاق بعتق الكافر لكن جاء في حديث أي امرئ أعتق امرأ مسلماً كان فكاكه من النار يجزى كل عضو منه عضواً منه رواه أبو داود والترمذي والنسائي ففيه التقييد يكون الرقبة مؤمنة قال المصنف فيدل على أن هذا الفضل الخاص إنما هو في عتق المؤمنة أما غير المؤمنة ففيه أيضاً فضل بلا خلاف لكن دون فضل المؤمنة ولذا أجمعوا على اشتراط الإيمان في عتق كفارة القتل وحكى القاضي عياض عن مالك أن الأغلى ثمناً أفضل وإن كان كافراً قال وخالفه غير واحد من أصحابه وغيرهم قال وهذا أصح اهـ. قوله: (وحديث ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة) رواه مسلم والنسائي وابن خزيمة من حديث عائشة قال المصنف في الحديث دلالة

اسم الله، لأن اسمه سبحانه على كل شيء. قال القاضي عياض وغيره: هذا القول غلط. فقد ثبتت الأحاديث الصحيحة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه في الأضحية: "اذْبَحُوا على اسْم اللهِ" أي قائلين: باسم الله. فصل: ومن ذلك ما رواه النحاس عن أبي بكر محمد بن يحيى قال: وكان من الفقهاء الأدباء العلماء، قال: لا تقل: جمع الله بيننا في مستقر رحمته، فرحمة الله أوسع من أن يكون لها قرار، قال: ولا تقل: ـــــــــــــــــــــــــــــ ظاهرة في فضل يوم عرفة وهو كذلك ولو قال امرأتي طالق في أفضل الأيام فللأصحاب فيه وجهان أحدهما تطلق يوم الجمعة لحديث خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة رواه مسلم وأصحهما يوم عرفة للحديث المذكور ويتأول حديث الجمعة على أنه أفضل أيام الأسبوع. قوله: (هذا القول غلط) أي لورود النص بخلافه وفارق ما تقدم من كراهة اجلس على اسم الله بأن في اللفظ إيهام استعلاء على اسم الله بالجلوس عليه وإن كان مراده منها معنى الباء لأن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض إلا أن اللفظ بشع وذلك مفقود فيما نحن فيه. قوله: (فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه في الأضحية اذبحوا على اسم الله) رواه مسلم قال المصنف قوله فليذبح على اسم الله هو بمعنى رواية فليذبح باسم الله هذا هو الصحيح في معناه وقال القاضي يحتمل أربعة أوجه أحدها أن يكون معناه فليذبح لله والباء بمعنى اللام والثاني فليذبح بسنة الله والثالث بتسمية الله على ذبيحته إظهاراً للإسلام ومخالفة لمن يذبح لغيره وقمعاً للشيطان والرابع تبركاً باسمه وتيمناً بذكره كما يقال سر على بركة الله وسر باسم الله وكره بعض العلماء أن يقال افعل كذا على اسم الله الخ قال القاضي ليس هذا بشيء وهذا الحديث يرد عليه والحاصل أن ما توهمه ذلك القائل مبني على بقاء على معناها من الاستعلاء واسم الله تعالى عال على كل شيء وليس كما توهم بل على فيه إما بمعنى الباء أو بمعنى اللام. قوله: (عن أبي بكر محمد بن يحيى) قال في شرح العباب ومنعه أحمد أيضاً. قوله: (قال لا تقل جمع الله بيننا في مستقر رحمته) قال ابن القيم في بديع الفوائد

ارحمنا برحمتك. قلت: لا نعلم لما قاله في اللفظين حجة، ولا دليل له فيما ذكره، فإن مراد القائل بمستقر الرحمة: الجنة، ومعناه: جمع بيننا في الجنة التي هي ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يمتنع الدعاء المشهور بين النّاس قديماً وحديثاً اللهم اجمعنا في مستقر رحمتك وذكره البخاري في كتاب الأدب المفرد عن بعض السلف وحكي فيه الكراهة قال: لأن مستقر رحمته ذاته وهذا بناء على أن الرحمة هنا صفة وليس مراد الداعي ذلك بل مراده الرحمة المخلوقة التي هي الجنة ولكن الذين كرهوا ذلك لهم نظر دقيق جداً وهو أنه إذا كان المراد بالرحمة الجنة نفسها لم يحسن إضافة المستقر إليها ولذا لا يحسن أجمعنا في مستقر رحمتك فإن الجنة نفسها هي دار القرار وهي المستقر نفسه كما قال تعالى: {حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا} فكيف يضاف المستقر إليها والمستقر هو المكان الذي يستقر فيه الجنة فتأمله ولذا قال مستقر رحمته ذاته والصواب أن هذا لا يمتنع وحتى لو صرح بقوله أجمعنا في مستقر رحمتك لم يمتنع وذلك أن المستقر أعم من أن يكون رحمة أو عذاباً فإذا أضيف إلى أحد أنواعه أضيف إلى مناسبه وغيره من غيره كأنه قيل في المستقر الذي هو رحمتك لا في المستقر الآخر ونظير هذا أن يقال اجلس في مستقر المسجد أي المستقر الذي هو المسجد والإضافة في مثل ذلك غير ممتنعة ومستكرهة وأيضاً فإن الجنة وإن سميت رحمة لا يمتنع أن يسمى ما فيها من أنواع النعيم رحمة ولا ريب أن مستقر ذلك النعيم هو الجنة فالداعي يطلب أن يجمعه الله ومن يحب في المكان الذي تستقر فيه تلك الرحمة المخلوقة في الجنة والله أعلم وحاصله أن الإضافة على الأول بيانية وعلى الأخير لامية وقال بعضهم موجها للقول بالكراهة لعله أراد أن الاستقرار يشعر بالانتهاء ورحمة الله لا انتهاء لها اهـ. قوله: (ارحمنا برحمتك) المراد من الرحمة هنا صفته تبارك وتعالى وهي المتوسل بها والباء للقسم الاستعطافي وهو من باب سؤال الفضل بالفضل على أحد الوجوه التي ذكرت في قوله صل على سيدنا محمد كما صليت على إبراهيم ولعل وجه الكراهة توهم كون الباء تكون للاستعانة والظرف حال من فاعل ارحمنا أي حال كونك مستعيناً برحمتك وهو عزّ وجلّ غني عن كل شيء لكن هذا الإيهام لا عبرة به فقد

دار القرار ودار المقامة ومحل الاستقرار، وإنما يدخلها الداخلون برحمة الله تعالى، ثم من دخلها استقر فيها أبداً، وأمن الحوادث والأكدار، وإنما حصل له ذلك برحمة الله تعالى، فكأنه يقول: اجمع بيننا في مستقر نناله برحمتك. فصل: روى النحاس عن أبي بكر المتقدِّم قال: لا يقل: اللهم أجرنا من النار ولا يقل: اللهم ارزقنا شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإنما يَشْفَعُ لمن استوجب النار. قلت: هذا خطأ فاحش، وجهالة بيِّنة، ولولا خوف الاغترار بهذا الغلط وكونه قد ذكر في كتب مصنَّفة لما تجاسرت على حكايته، فكم من حديث في الصحيح جاء في ترغيب المؤمنين الكاملين بوعدهم شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم-، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قالَ مِثْلَ ما يَقُولُ المُؤَذِّنُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ جاء النص الصحيح الصريح بجوازه فقد تقدم في أدعية الكرب يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ولعل له ملحظاً آخر والله أعلم. قوله: (وإنما يدخلها الداخلون) إيماء إلى أن الإضافة لامية وأنها لأدنى ملابسة. قوله: (لا تقل اللهم أجرنا من النار) هذا يرده حديث مسلم عن أبي هريرة قال قال -صلى الله عليه وسلم- ما استجار عبد من النار سبع مرات إلا قالت النار يا رب إن عبدك فلاناً استجار مني فأجره الحديث فإن الاستجارة طلب الإجارة ومن ألفاظها اللهم أجرني من النار وتقدم في باب ما يقال بعد صلاة المغرب اللهم أجرني من النار. قوله: (فإنما يشفع لمن استوجب النار) أي إن عذبه الله تعالى على ذنبه وإلا فالنار لا تجب البتة إلا لمن مات على الكفر ولذا قال بعضهم في رد هذا القول وزعم أن الشفاعة لا تكون إلا للمذنبين فسؤالها سؤال للذنب خطأ صريح لأنها تكون في رفع الدرجات وقد أجمعوا على طلب سؤال المغفرة وإن استدعت وقوع الذنب وطلب العفو عنه اهـ. قوله: (كقوله -صلى الله عليه وسلم- من قال مثل ما يقول المؤذن حلت له شفاعتي) صريحة وجوب الشفاعة للمجيب وإن لم يسأل بعده

وغير ذلك. ولقد أحسن الإِمام الحافظ الفقيه أبو الفضل عياض رحمه الله في قوله: قد عُرِف بالنقل المستفيض سؤالُ السلف الصالح رضي الله عنهم شفاعة نبينا -صلى الله عليه وسلم- ورغبتهم فيها قال: وعلى هذا لا يلتفت إلى كراهة من كره ذلك لكونها لا تكون إلا للمذنبين، لأنه ثبت في الأحاديث في "صحيح مسلم" وغيره إثبات الشفاعة لأقوام في دخولهم الجنة بغير حساب، ولقوم في زيادة درجاتهم في الجنة، قال: ثم كل عاقل معترِفٌ بالتقصير، محتاجٌ إلى العفو، مشفقٌ من كونه من الهالكين، ويلزم هذا القائل أن لا يدعوَ بالمغفرة والرحمة، لأنهما لأصحاب الذنوب، وكل هذا خلاف ما عُرف من دعاء السلف والخلف. فصل: ومن ذلك ما حكاه النحاس عن هذا المذكور، قال: لا تقل: توكلت على ربي الرب الكريم، وقيل: توكلت على ربي الكريم. قلت: لا أصل لما قال. ـــــــــــــــــــــــــــــ الوسيلة وفي تقدم في باب إجابة المؤذن نقل ذلك عن بعضهم ولعل هذا من مستنده. قوله: [لأنه في ثبت في صحيح مسلم الخ) كحديث عكاشة لما سأل من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يدعو له بأن يكون من السبعين ألفاً الذين يدخلون الجمعة بلا حساب فقال: أنت منهم وهذا منع لقوله إن الشفاعة لا تكون إلا للمذنبين. وقوله: (ثم قال كل عاقل الخ) ثم هذا تنزل على تسليم أن الشفاعة لا تكون إلا للمذنبين: فمن ذا الذي ما ساء قط، ومن له الحسنى فقط، والكامل كلما علت مرتبته وعظمت معرفته بربه كان أشد في الخوف من ربه والإعظام في الاتهام لنفسه وعدم الرضى بما يصدر عنها كما روي عن بعض العارفين أنه كان يصلي في كل يوم ألف ركعة ثم يقبل على نفسه ويقول يا مأوى كل سوء والله ما أرضاك له ساعة واحدة. قوله: (لا تقل توكلت على ربي الرب الكريم) حذراً من توهم إضافة رب إلى الرب لأن الياء تحذف في اللفظ

فصل: ومن ذلك ما حكي عن جماعة من العلماء أنهم كرهوا أن يسمى الطواف بالبيت شوطاً أو دوراً، قالوا: بل يقال للمرَّة الواحدة: طوفة، وللمرتين: طوفتان، وللثلاث: طَوْفَات، وللسبع: طَوَافٌ. قلت: وهذا الذي قالوه لا نعلم له أصلاً، ولعلهم كرهوه لكونه من ألفاظ الجاهلية، والصواب المختار أنه لا كراهة فيه. فقد روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أمرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يَرْمِلوا ثلاثة أشواط ولم يمنعه أن يأمرَهم أن يُرْمِلوا الأشواط كلَّها إلا الإبقاءُ عليهم". فصل: ومن ذلك: صمنا رمضان، وجاء رمضان، وما أشبه ذلك إذا ـــــــــــــــــــــــــــــ لالتقاء الساكنين لكن على هذا الإيهام لا يلتفت إليه ولا يعول عليه وأنه بعينه متأت فيما قاله من قوله وقيل توكلت على ربي الكريم إلا أن يقال لفظ الرب مختص بالله تعالى ولا كذلك لفظ الكريم فالإيهام في ذلك أتم والله أعلم. قوله: (ما حكي عن جماعة من العلماء) قال المصنف في إيضاح المناسك كره الشافعي أن يسمى الطواف شوطاً ودوراً وروي كراهته عن مجاهد قال ابن حجر في حاشية الإيضاح تبع الشافعي على ذلك الأصحاب وروى كراهته عن مجاهد أي حيث قال وأكره ما كره مجاهد لأن الله سماه طوافاً فقال {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}. قوله: (والصواب المختار أنه لا كراهة فيه) يوافقه قوله في المجموع وهذا استعمله ابن عباس تقدم في قول مجاهد ثم إن الكراهة إنما تثبت بنهي الشرع ولم يثبت في تسميته شوطاً نهي فالمختار أنه لا يكره واعترض بأن قول ابن عباس أمرهم -صلى الله عليه وسلم- أن يرملوا ثلاثة أشواط من قوله فلا حجة فيه بل قوله -صلى الله عليه وسلم- لو تعلمون ما في العتمة الحديث لا يدل على عدم كراهة تسمية العشاء بذلك لأنه لبيان الجواز ويرد بان الأصل عدم الكراهة إلا لدليل ولم يرد، والمصنف إنما ذكر ذلك استئناساً وكون الشوط الهلاك لا يقتضي

أريد به الشهر، واختلف في كراهته، فقال جماعة من المتقدمين: يكره أن يقال: رمضان من غير إضافة إلى الشهر، روي ذلك عن الحسن البصري ومجاهد. قال البيهقي: الطريق إليهما ضعيف، ومذهب أصحابنا أنه يكره أن يقال: جاء رمضان، ودخل رمضان، وحضر رمضان، وما أشبه ذلك مما لا قرينة تدل على أن المراد الشهر، ولا يكره إذا ذكر معه قرينه تدل على الشهر، كقوله: صمت رمضان، وقمت رمضان، ويجب صوم رمضان، وحضر رمضان الشهر المبارك، وشبه ذلك، هكذا قاله أصحابنا، ونقله الإمامان: أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي في كتابه "الحاوي" وأبو نصر بن الصباغ في كتابه "الشامل" عن أصحابنا، وكذا ـــــــــــــــــــــــــــــ بمجرده كراهة والظاهر أن الشافعي لم يقصد بالكراهة إلا أنه يبغي التنزه عن التلفظ بذلك لإشعاره بما لا ينبغي ونظيره كراهتهم تسمية المذبوح عن المولود عقيقة ويؤيد ذلك أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يحب الفال الحسن ويكره ضده. قوله: (فقال جماعة من المتقدمين) قال المصنف في شرح مسلم وهذا قول أصحاب مالك زعم هؤلاء أن رمضان من أسماء الله تعالى فلا يطلق على غيره إلا بقيد اهـ. ونازع الحطاب المالكي في شرح المختصر في ثبوت ذلك عندهم قال والعجب من الأبي في شرح مسلم والفاكهاني في شرح العمدة كيف أقرأ النووي على ذلك مع كثرة تعقبهما له في أقل من هذا. قوله: (ومجاهد) قال القرطبي قال مجاهد رمضان اسم من أسماء الله تعالى وكان يكره أن يجمع ويقول بلغني أنه اسم من أسماء الله عزّ وجلّ وعن مجاهد أيضاً قال: لا آمن أن يكون من أسماء الله تعالى ثم قال القرطبي بعد كلام طويل وهذا أي حديث البخاري ينفي أن يكون رمضان من أسماء الله تعالى وهو الصحيح إذ قد استقرت القلوب أنه اسم واقع على الشهر فارتفع بذلك الإشكال وأما إن رمضان اسم له تعالى فلم يستقر إذ ليس من الأسماء الواردة ولا في أثر مقطوع بصحته اهـ. قوله: (ومذهب أصحابنا) أي أكثر أصحابنا كما عبر به في شرح مسلم.

نقله غيرهما من أصحابنا عن الأصحاب مطلقاً. واحتجوا بحديث رويناه في سنن البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تَقُولُوا: رَمَضَانَ، فإن رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أسْماءِ اللهِ تَعالى، وَلكِنْ قولوا: شَهْرُ رَمَضَان) وهذا الحديث ضعيف ضعفه البيهقي، والضعف عليه ظاهر، ولم يذكر أحد رمضان في أسماء الله تعالى، مع كثرة من صنَّف فيها. والصواب -والله أعلم- ما ذهب إليه الإِمام أبو عبد الله البخاري في "صحيحه" وغير واحد من العلماء المحققين أنه لا كراهة مطلقاً كيفما قال، لأن الكراهة لا تثبت إلا بالشرع، ولم يثبت في كراهته شيء، بل ثبت في الأحاديث جواز ذلك، والأحاديث فيه في "الصحيحين" وغيرهما أكثر من أن تحصر. ولو تفرَّغتُ لجمع ذلك رَجَوْتُ أن تبلغَ أحاديثُه مئين، لكن الغرض يحصل بحديث واحد. ويكفي من ذلك كله ما رويناه في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذَا جاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (رويناه في سنن البيهقي الخ) قال القرطبي في شرح أسماء الله الحسنى رواه ابن عدي من حديث أبي معشر نجيح عن سعيد المقبري عن أبي هريرة فذكره إلى قوله من أسماء الله، أبو معشر هذا من ضعفه أكثر ممن وثقه ومع ضعفه يكتب حديثه هذا اهـ. قوله: (لا تقولوا رمضان الخ) ذكره في شرح مسلم مستنداً للقول الأول وهنا مستنداً لهذا القول والأول ظاهر وأما هنا فوجهه أن القرينة قامت مقام ذكر الشهر فأغنت عنه. قوله: (وهذا الحديث ضعيف) أي وأسماء الله توقيفية لا تثبت إلا بالكتاب أو المقبول من الصحيح أو الحسن من الحديث وهل يعتبر في ذلك التواتر أو لا الأصح الثاني كما تقدم قريباً قال المصنف ولو ثبت أنه اسم لم يلزم منه كراهة أي لأنه لا بد في الكراهة من ثبوت النهي عن ذلك الشيء. قوله: (ما رويناه في صحيحي البخاري ومسلم) قال المنذري في الترغيب وفي رواية لمسلم

رَمَضَانُ فُتحَتْ أبوَابُ الجنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبوَابُ النارِ، وَصُفِّدَتِ الشياطِينُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ فتحت أبواب الرحمة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين ورواه الترمذي وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي كلهم من رواية أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه ولفظهم قال: إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وقال ابن خزيمة الشياطين مردة الجن بغير واو وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب وينادي منادياً باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة قال الترمذي وهو حديث غريب ورواه النسائي والحاكم بنحو هذا اللفظ وقال الحاكم صحيح على شرطهما اهـ. زاد السخاوي في تكملته تخريج شيخه وكذا أخرجه أحمد والدارمي في مسنديهما وكذا رويناه في رابع المخلصيات وفي رواية للشيخين إذا دخل رمضان وعند مسلم وحده بلفظ إذا كان رمضان ورواه كذلك الإِمام مالك لكن وقفه وأخرج الحديث أبو عوانة في صحيحه مرفوعاً. قوله: (فتحت أبواب الجنة الخ) قال القاضي عياض يحتمل أنه على ظاهره وحقيقته وأن تفتيح أبواب الجنة وتغليق أبواب جهنم وتصفيد الشياطين علامة لدخول شهر رمضان وتعظيم لحرمته ويكون التصفيد ليمتنعوا من إيذاء المؤمنين والتهويش عليهم قال ويحتمل أن يكون المراد المجاز ويكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو وأن الشياطين يقل إغواؤهم وإيذاؤهم فيصيرون كالمصفدين ويكون تصفيدهم عن أشياء دون أشياء وناس دون ناس قال المصنف ويؤيد هذا قوله في الرواية الثانية فتحت أبواب الرحمة قال القاضي ويحتمل أن يكون فتح الجنة عبارة عما يفتحه الله تعالى لعباده من الطاعات في هذا الشهر التي لا تقع في غيره عموماً كالصيام والقيام وفعل الخيرات والانكفاف عن كثير من المخالفات وهذه أسباب لدخول الجنة وأبواب لها وكذا تغليق أبواب النار وتصفيد الشياطين عبارة عما ينكفون عنه من المخالفات قال ابن المنير والأول أوجه إذ لا ضرورة تدعو إلى صرف اللفظ عن ظاهره وأما الرواية التي فيها أبواب الرحمة فالمراد به الجنة بدليل ما يقابله اهـ. ومعنى صفدت غللت والصفد

وفي بعض روايات "الصحيحين" في هذا الحديث: "إذَا دَخَلَ رَمَضَانُ" وفي رواية لمسلم: "إذَا كانَ رَمَضَانُ" وفي الصحيح: "لا تقدموا رَمَضَانَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بفتحتين الغل بضم الغين اهـ. قال الحليمي يحتمل أن يكون المراد أن الشياطين مسترقو السمع منهم وقد منعوا في زمن نزول القرآن من استراق السمع فزيدوا التسلسل مبالغة في الحفظ ويحتمل أن يكون المراد أن الشياطين لا يخلصون من إفساد المؤمنين إلى ما يخلصون إليه في غيره لاشتغالهم بالصيام الذي فيه قمع الشهوة وبقراءة القرآن والذكر وقال غيره المراد بالشياطين بعضهم وهم المردة بدليل ما جاء عند النسائي ويغل فيه مردة الشياطين وقال القرطبي بعد أن رجح حمل الحديث على ظاهره من منع الشياطين من الوسوسة فيه فإن قلت فكيف نرى بعض الشرور المعاصي واقعة في رمضان كثيراً فلو صفدت الشياطين لم يقع ذلك فالجواب أنها إنما تغل عن الصائمين الذين حافظوا على شروطه وراعوا آدابه قال والمصفد بعضهم أي المردة لا كلهم أو التصفيد تقليل الشرور فيه وهذا أمر محسوس فإنها فيه أقل منها في غيره أو يقال لا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شر ولا معصية لأن لذلك أسباباً غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الإنسية اهـ. قوله: (وفي رواية للصحيحين) وهكذا هي عند النسائي في الصغرى. قوله: (وفي الصحيح) رواه الشافعي وأحمد والشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والإسماعيلي وأبو عوانة والبرقاني وأبو نعيم والبيهقي وغيرهم قاله القلقشندي في شرح العمدة زاد السخاوي فقال في تكملته ورواه أبو داود السجستاني والدارمي في مسنديهما ورواه عبد الله ابن الإِمام أحمد والدارقطني من طريق آخر عن أبي هريرة. قوله: (لا تقدموا رمضان) تمام الحديث بصوم يوم أو يومين إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه وتقدموا أصله تتقدموا بتاءين حذفت إحداهما تخفيفاً لتماثل الحركتين فيهما ومنه ولا تيمموا الخبيث قال البرماوي ويروى لا تقدموا بضم الفوقية مضارع قدم

وفي الصحيح: "بُنِيَ الإسْلامُ على خَمْسٍ" منها صوم رمضان، وأشباه هذا كثيرة معروفة. فصل: ومن ذلك ما نقل عن بعض المتقدمين أنه يكره أن يقول: سورة البقرة، وسورة الدخان، والعنكبوت، والروم، والأحزاب، وشبه ذلك، قالوا: وإنما يقال: السورة التي يذكر فيها البقرة، والسورة التي يذكر فيها النساء، وشبه ذلك. قلت: وهذا خطأ مخالف للسنَّة، فقد ثبت في الأحاديث استعمال ذلك فيما لا يحصى من المواضع. ـــــــــــــــــــــــــــــ إما بمعنى تقدم فيكون كالأول وإما لأن المعنى لا تقدموا صوماً قبله والمفعول محذوف ويكون قوله بصوم يوم أو يومين كالتفسير لذلك الصوم المنهي عن تقديمه أي تقدموا صوماً على رمضان بأن تصوموا يوماً أو يومين ورمضان منصوب على أنه مفعول به وسمي رمضان لأنه يحرق الذنوب كما جاء ذلك في خبر عن أنس مرفوع بسند ضعيف والاعتراض عليه بأن التسمية به ثابتة قبل الشرع وحرق الذنوب به إنما ثبت بعد الشرع ضعيف فإنه من الجائز أن يكون حرقه للذنوب سابقاً على بعثه -صلى الله عليه وسلم- في علمه تعالى غايته أن ظهور ذلك كان بعد بعثته -صلى الله عليه وسلم- نظير ما ذكروه في الجمع بين ما ورد من حديث تحريم إبراهيم لمكة وحديث أن مكة حرام يوم خلق الله السموات والأرض الحديث والله أعلم. قوله: (وفي الصحيح) رواه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي وابن خزيمة وأبو عوانة من حديث ابن عمر ورواه جرير بن عبد الله البجلي وغيره من الصحابة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. قوله: (وأشباه هذا كثيرة) أي كحديث أبي هريرة رضي الله عنه من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه أخرجه الشيخان وعندهما في رواية أخرى من صام رمضان الخ. قوله: (ومن ذلك ما نقل عن بعض المتقدمين الخ) نقله في التبيان عن بعض السلف وقد تقدم الكلام على ما يتعلق بذلك في كتاب أدب التلاوة وبيان ذكر وجه القائل بالكراهة. قوله: (فيما لا يحصى من المواضع) قال الحافظ ابن حجر الذي ثبت من ذلك صريحاً ومقدار لا يبلغ المرفوع منه من لفظ النبي -صلى الله عليه وسلم- خمسين

كقوله -صلى الله عليه وسلم-: "الآيَتانِ مِنْ آخِرِ سورَةِ البَقَرَةِ مَنْ قَرَأهُما في لَيلَةٍ كَفَتَاه" وهذا الحديث في "الصحيحين" وأشباهه كثيرة لا تنحصر. فصل: ومن ذلك ما جاء عن مطرِّف رحمه الله أنه كره أن يقول: إن الله تعالى يقول في كتابه، قال: وإنما يقال: إن الله تعالى قال، كأنه كره ذلك لكونه لفظاً مضارعاً، ومقتضاه الحال أو الاستقبال، وقول الله تعالى هو كلامه، وهو قديم. قلت: وهذا ليس بمقبول، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة استعمال ذلك من جهات كثيرة، وقد نبَّهت على ذلك في "شرح صحيح مسلم" وفي كتاب "آداب القراء" قال الله تعالى: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الأحزاب: 4]. وفي "صحيح مسلم" عن أبي ذرّ قال: قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] ". وفي "صحيح البخاري" ـــــــــــــــــــــــــــــ حديثاً وقد تقدم ثمة بيان جملة منها قال وأما عن الصحابة ومن بعدهم فكثير جداً اهـ. قوله: (كقوله -صلى الله عليه وسلم-) تقدم الكلام على الحديث سنداً ومتناً في أذكار المساء والصباح. قوله: (ما جاء عن مطرف) بضم الميم وفتح الطاء وكسر الراء المهملتين وهو ابن عبد الله بن الشخير التابعي المشهور. قوله: (وهذا ليس بمقبول) قال في التبيان هذا الذي أنكره مطرف خلاف ما جاء به القرآن والسنة ونقلته الصحابة ومن بعدهم اهـ. وما استدل به من أن المضارع الخ يجاب عنه أن هذا أصل وضعه وحقيقته وقد يراد به الاستمرار نحو فلان يقري الضيف أي مستمر على ذلك ومنه ما نحن فيه إذ قوله تعالى كلامه القديم الذي لا يحد بزمن ولا يحد بحرف ولا صوت. قوله: (وفي صحيح مسلم الخ) رواه عن أبي كرب عن أبي معاوية عن الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر وقد رواه عن الأعمش وكيع كما عند مسلم ورواه أحمد والحاكم من حديث همام عن عاصم ومن حديث منصور عن ربعي كلاهما عن المعرور به نحوه ذكره السخاوي. قوله: (وفي صحيح البخاري) وكذا

كتاب جامع الدعوات

في تفسير {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا} [آل عمران: 92] قال أبو طلحة: "يا رسول الله إن الله تعالى يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} ". كتاب جامع الدعوات اعلم أن غرضَنا بهذا الكتاب ذكر دعواتٍ مهمة مستحبة في جميع الأوقات غير مختصة بوقت أو حال مخصوص. واعلم أن هذا الباب واسع جداً لا يمكن استقصاؤه ولا الإحاطة بمعشاره، لكني أشير إلى أهمّ المهم من عيونه. فأوَّل ذلك الدعوات المذكورات في القرآن التي أخبر الله سبحانه وتعالى بها عن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وعن ـــــــــــــــــــــــــــــ رواه أحمد ومسلم والدارمي وأبو عوانة والنسائي وابن خزيمة والله أعلم. كتاب جامع الدعوات جمع دعوة بفتح الدال وسكون العين المهملة المرة الواحدة من الدعاء وسيأتي في باب آداب الدعاء الخلاف في أنه هل الأفضل الدعاء أو الاستسلام. قوله: (مهمة) بضم الميم وكسر الهاء وأهميتها لكونها من الجوامع. قوله: (أو حال مخصوص) أي من سرور أو خبر ترح ومن يسر أو عسر. قوله: (فأول ذلك) أي أهم المهم. قوله: (الدعوات المذكورات في القرآن) فمنها {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} الآيات {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} الآيتين {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} الآيات {فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} {وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} {رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} {رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ} الآيتين {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} وتقدم أول الكتاب

الأخيار، وهي كثيرة معروفة، ومن ذلك ما صحَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه فعله أو علمه غيره، وهذا القسم كثير جداً تقدم جمل منه في الأبواب السابقة، وأنا أذكر منه هنا جملاً صحيحة تضم إلى أدعية القرآن، وبالله التوفيق. روينا بالأسانيد الصحيحة في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدُّعاءُ هُوَ العِبَادَةُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عن المصنف أن الاشتغال بغير إذكار الكتاب والسنة لا بأس به غير أن الخير والفضل إنما هو إتباع المأثور في الكتاب والسنة وهذا أي غير إذكارهما ليس كذلك وفيهما ما يكفي السالك في سائر أوقاته وقال الطرطوشي من العجب العجاب أن تعرض عن الدعوات التي ذكرها الله تعالى في كتابه عن الأنبياء والأولياء والأصفياء مقرونة بالإجابة ثم تقتفى ألفاظ الشعراء والكتاب كأنك في زعمك في دعوت بجميع دعواتهم ثم استعنت بدعوات من سواهم. قوله: (ومن ذلك) أي أهم المهم. قوله: (روينا بالأسانيد الصحيحة الخ) كذا رواه ابن أبي شيبة في مصنفه قال في السلاح والحاكم وابن حبان في صحيحيهما وقال الحاكم صحيح الإسناد وقال السخاوي بعد تخريج الحديث من طرق هذا حديث حسن أخرجه أحمد في مسنده وأبو داود الطيالسي والبخاري في الأدب المفرد ورواه الدارقطني في الإفراد من طريق أخرى عن النعمان وقال إنه غريب من هذا الوجه قال السخاوي وفي الباب عن أنس والبراء وابن عباس مما رواه مجاهد عنه اهـ. وفي الحرز ورواه البخاري في تاريخه والطبراني في كتاب الدعاء له كلاهما من حديث النعمان أيضاً ورواه أبو يعلى في مسنده عن البراء اهـ. وستأتي ترجمة النعمان في الأحاديث التي ختم بها المصنف الكتاب. قوله: (الدعاء هو العبادة) أي دعاء العبد ربه هو العبادة أي عبادة الخلق وأتى بضمير الفصل والخبر المعرف باللام ليدل على الحصر في أن العبادة ليست غير الدعاء مبالغة ومعناه أن الدعاء معظم العبادة كما قال -صلى الله عليه وسلم- الحج عرفة أي معظم أركانه الوقوف بعرفة كذا ذكره ميرك قال في الحرز والأظهر أن

قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وروينا في "سنن أبي داود" بإسناد جيد عن عائشة رضي الله عنها قالت: ـــــــــــــــــــــــــــــ الحصر حقيقي لا ادعائي فإن إظهار العبد العجز والاحتياج من نفسه والاعتراف بأن الله قادر على إجابته سواء استجاب له أو لم يستجب كريم غني لا بخل له ولا احتياج به إلى شيء حتى يدخر لنفسه ويمنعه من عباده هو عين العبادة ومخها كما روي عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال الدعاء مخ العبادة رواه الترمذي وقال حديث غريب من هذا الوجه لا يعرف إلا من حديث ابن لهيعة كذا في الترغيب للحافظ المنذري ومخ الشيء خالصه وما يقوم به كمخ الدماغ الذي هو نصه ومخ العين شحمها ومعناه أن العبادة لا تقوم إلا بالدعاء كما أن الإنسان لا يقوم إلا بالمخ وقال القاضي أي هو العبادة الحقيقية التي تستأهل أن تسمى عبادة لدلالته على الإقبال على الله والإعراض عما سواه اهـ. وفي شرح المشكاة لابن حجر وأتى بحصرين مبالغة في أنه ليس غيرها أي فالحصر ادعائي وقول شارح أتى بضمير الفصل والخبر المعرف باللام ليدل على الحصر وأن العبادة ليست غير الدعاء فمقلوب وصوابه وأن الدعاء ليس غير العبادة كما قررته بل هو العبادة الحقيقية التي تستأهل أن تسمى عبادة لدلالته على أن الداعي مقبل بسره على ربه معرض عما سواه لا يرجو إلا إياه ولا يخشى إلا منه فالمراد من العبادة هنا معناها اللغوي أو المعنى الشرعي والمراد أنه متضمن لغايتها المقصودة منه وهي التذلل والافتقار أي الدعاء ليس إلا إظهار غاية التذلل والافتقار والاستكانة والخضوع إذ العبادة ما شرعت إلا للخضوع إلى الباري والافتقار إليه اهـ. قوله: (قال الترمذي حديث حسن صحيح) وفي بعض نسخ الترمذي الاقتصار على قوله حسن. قوله: (روينا في سنن أبي داود) ورواه الحاكم من حديث أبي هريرة كما في الجامع قال السخاوي بعد تخريج الحديث هذا حديث حسن أخرجه أحمد وأبو داود وفي سنده أبو نوفل بن أبي عقرب وهو الذي روى الحديث عن عائشة وقد اختلف في اسمه وفي أبي عقرب هل هو أبوه أو جده وهو ثقة أخرج له

"كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستحب الجوامع من الدعاء ويَدَعُ ما سوى ذلك". وروينا في كتاب الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ـــــــــــــــــــــــــــــ مسلم وكذا البخاري في الأدب المفرد وكان شعبة يسأله عن الفقه وأبو عمرو بن العلاء عن العربية. قوله: (كان يستحب الجوامع من الدعاء) مقتبس من قوله في ذكر ما اختص به وأوتيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام اختصاراً فهي ما قل لفظه جداً وكثرت معانيه كثرة تحير أرباب البلاغة وفرسان الفصاحة فيها نحو سؤال الفلاح والعافية فإن كلا منهما يشمل طلب حصول كل خير ديني أو دنيوي وكذا ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ومن ذهب إلى تعيين كل من تينك الحسنتين فقد قصر اللفظ على بعض أفراده من غير دليل كما تقدم قال بعضهم الوجه أن المراد بحسنة الدنيا كل ما فيه ملاءمة للنفس مما تحمد عاقبته وبحسنة الآخرة كل ما يليق بالداعي. قوله: (ويدع ما سوى ذلك) أي من الأدعية الخاصة بطلب أمور جزئية كارزقني زوجة حسنة فإن أولى منه ارزقني الراحة في الدنيا فإنها تعم الزوجة الحسنة وغيرها من كل ملائم للنفس نعم قد تتعلق النفس بمحبة شيء مخصوص بحيث يستغرق وجودها فلا ينطق لسانها بغيره كمن ابتلي بمرض مخصوص فإنه يكثر ابتهاله في التنصيص عليه في دعائه ولا يقنع بشمول العافية له ومع ذلك فاتباعه -صلى الله عليه وسلم- في الإتيان بالجوامع ولو في هذه الحالة أفضل كما هو ظاهر كما في فتح الإله. قوله: (وروينا في كتاب الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة) قال السخاوي بعد تخريجه حديث حسن غريب وأخرجه البيهقي في الدعاء وغيره والحديث غريب انفرد به عمران القطان عن قتادة عن سعيد بن أبي الحسن عن أبي هريرة وقد صرح بهذا التفرد الإِمام الترمذي والعقيلي في الضعفاء حيث أورد هذا الحديث في ترجمته وقال إنه لا يتابع عليه بهذا اللفظ ولا يعرف به قال السخاوي وهو ممن

قال: "لَيسَ شَيءٌ أكْرَمَ على اللهِ تعالى مِنَ الدعاءِ". وروينا في كتاب الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ اختلف فيه توثيقاً وتضعيفاً والحق إنه كما قال البخاري صدوق يهم ونحوه قول الدارقطني كان كثير المخالفة والوهم وممن وثقه ابن حبان وقال الحاكم إنه صدوق وأخرج كل منهما حديثه في صحيحه اهـ. وفي الحرز ورواه من حديث أبي هريرة كذلك أحمد والبخاري في الأدب المفرد ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد وابن حبان في صحيحه ولفظهم واحد قال السخاوي ومن شواهده حديث أبي هريرة مرفوعاً إن أفضل العبادة الدعاء. قوله: (أكرم) بالنصب أي أكثر كرامة. قوله: (على الله) أي عنده (من الدعاء) وذلك لاشتماله على التضرع والثناء والمعنى ليس شيء من أنواع العبادات القولية التي شرفت لغاياتها أكرم عنده تعالى من الدعاء لما تقرر أنه مخ العبادة أي خالصها وخالص الشيء أشرف ما فيه فأشرفيته ليست ذاته بل لما يتضمنه من التذلل بين يدي الله تعالى وإظهار الافتقار لما عنده والإعراض عن كل ما سواه وحينئذ فلا ينافي هذا أن قراءة القرآن والذكر المخصوص ونحو الصلاة أشرف من الدعاء لأن هذه شرفت لذاتها ولا كذلك الدعاء قال ابن حجر في شرح المشكاة وهذا كله وإن لم أر من ذكره إلا أنه واضح من القواعد وكلامهم قلت وبه يندفع قول الحنفي في شرح الحصن هذا الحديث بظاهره ينافي قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}. قوله: (وروينا في كتاب الترمذي) وكذا رواه الحاكم من حديث وأبي هريرة أيضاً وأورده في السلاح من حديث سلمان مرفوعاً من سره أن يستجاب له عند الكرب والشدائد فليكثر الدعاء في الرخاء رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد وقال السخاوي بعد تخريج والحديث عن أبي هريرة مرفوعاً حديث حسن أخرجه الترمذي عن محمد بن مرزوق عن عبيد وقال: إنه غريب قلت بل أخرجه الطبراني في الدعاء من حديث معاوية بن صالح عن أبي عمرو الألهاني عن أبي هريرة به مرفوعاً ومن أجل ذلك حسنته وإلا فعبيد ضعيف وشهر يعني ابن حوشب الذي خرج السخاوي يعني الحديث عنه عن أبي هريرة مرفوعاً فيه مقال وقد أخرج له مسلم

سَرَّهُ أنْ يَسْتَجِيبَ الله تَعَالى لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالكُرَبِ فَلْيُكْثِرِ الدُّعاءَ في الرَّخاء". وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أنس رضي الله عنه قال: كان أكثر دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهُم آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ واستمر الأمر على توثيقه لا سيما وللحديث أيضاً شواهد منها عن شداد بن أوس رفعه إذا ذكر العبد ربه في الدعاء أغاثه عند البلاء أخرجه الطبراني في الدعاء اهـ. قوله: (سره) أي أعجبه وأوقعه في الفرح والسرور (أن يستجيب الله) فاعل سره ومفعول يستجيب محذوف أي دعاءه وقوله (عند الشدائد) ظرف للاستجابة أي حصول الأمور الشديدة من المكروهات (والكرب) بضم ففتح جمع كربة وهي الغم يأخذ بالنفس وكذا الكرب بفتح فسكون كما في الصحاح. وقوله: (فليكثر الدعاء الخ) جواب الشرط و (الرخاء) بفتح المهملة وبالمعجمة ممدود حال سعة العيش وحسن الحال وإنما كان كذلك لأن إكثاره في وقت الرخاء يدل على صدق العبد في عبوديته والتجائه إلى ربه في جميع أحواله وأنه يشكره في الرخاء كما يشكره في الشدة ويتوجه إليه بكليته ليكون له عدة وأي عدة فلذا استجيب أدعيته إذا حق اضطراره وتوالت النعم عليه وسبقت النجاة إليه وأما من يغفل عن مولاه في حال رخائه ولم يلتجئ إليه حينئذٍ بقوة توجهه ورجائه فهو عبد نفسه وهواه البعيد عن بابه الحقيق بأن لا يستجاب له عند الشدائد لكفرانه نعم ربه في حال شيخوخته وشبابه فهو كمن أخبر عنهم تعالى في حال خشية الغرق يدعون الله مخلصين له الدين فإذا نجاهم من ذلك عادوا لكفرهم وإشراكهم والحاصل أن من شأن المؤمن الحازم أن يريش السهم قبل الرمي ويديم الالتجاء إلى الله سبحانه في كل أحيانه بخلاف الكفار وأرباب الغفلة فإنهم كما قال تعالى: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ} فذو دعاء عريض. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) ورواه أبو داود والنسائي وغيرهما كما تقدم الكلام على معنى الذكر في باب

حَسَنةً وَقِنا عَذَابَ النارِ" زاد مسلم في روايته قال: "وكان أنس إذا أراد أن يدعوَ بدعوة دعا بها، فإذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه". وروينا في "صحيح مسلم" عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: "اللهُم إني أسألُكَ الهُدَى والتُّقَى وَالعَفافَ وَالغِنَى". وروينا في "صحيح مسلم" عن طارق بن أشْيَم الأشجعي الصحابي رضي الله عنه قال: كان الرجل إذا أسلم علَّمه النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلاة، ثم أمره ـــــــــــــــــــــــــــــ دعاء الكرب. قوله: (زاد مسلم) وكذا زاده أبو داود الطيالسي في مسنده وأحمد وابن حبان كما تقدم في ذلك الباب. قوله: (روينا في صحيح مسلم) وكذا رواه الترمذي وابن ماجه ولفظهم واحد كما في السلاح قال السخاوي ورواه أبو داود الطيالسي وأحمد في مسنديهما وفي الباب عن أنس وغيره كأبي عنبة عند البيهقي في الدعوات اهـ. وتقدم الكلام على معاني ألفاظ الذكر في آخر باب الدعاء بعد التشهد. قوله: (وروينا في صحيح مسلم) تقدم الكلام على تخريجه وما يتعلق بمعناه في باب مختصر في فضل الذكر غير مقيد في الكلام على حديث سعد بن أبي وقاص وقال السخاوي بعد تخريج الحديث بنحو ما ذكره المصنف هذا حديث صحيح أخرجه أحمد وابن ماجه ورواه مسلم في صحيحه وابن خزيمة واستدركه الحاكم وقال إنه صحيح على شرط مسلم ووهم في استدراكه فإن مسلماً خرجه بذلك الإسناد الذي أخرجه به الحاكم فأخرجه مسلم عن أبي كامل الجحدري وأخرجه الحاكم عن مسدد كلاهما عن عبد الواحد بن زياد عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه اهـ. قوله: (عن طارق بن أشيم الأشجعي) هو والد أبي مالك الأشجعي واسم أبي مالك كما سبق في باب فضل الذكر سعد وأشيم بفتح الهمزة وسكون المعجمة وفتح التحتية وطارق معدود في الكوفيين روى عنه ابنه مالك فقط أخرج ابن الأثير في أسد الغابة عن أبي مالك عن أبيه أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- قال من وحد الله

أن يدعوَ بهذه الكلمات: "اللهُم اغْفِرْ لي، وَارْحَمْني، واهْدِني، وعافِني، وارْزُقْني" وفي رواية أخرى لمسلم عن طارق "أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- وأتاه رجل فقال: يا رسول الله، كيف أقول حين أسأل ربي؟ قال: "قُلِ: اللهم اغْفِرْ لي، وارْحَمْني، وعافِني، وارْزُقْني، فإنَّ هَؤلاءِ تَجْمَعُ لَكَ دُنْياكَ وآخِرَتَكَ". وروينا فيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه ـــــــــــــــــــــــــــــ وكفر بما يعبد من دونه حرم ماله ودمه وحسابه على الله عزّ وجلّ أخرجه الثلاثة يعني ابن منده وأبا نعيم وابن عبد البر اهـ. أخرج عنه مسلم حديثاً واحداً يقال لم يرو عن النبي -صلى الله عليه وسلم- غيره وروى عنه الأربعة خلا أبا داود. قوله: (وفي رواية أخرى لمسلم الخ) أي بإسقاط قوله اهدني وزيادة فإن هؤلاء الخ وقد تقدم في كلام الحافظ في باب فضل الذكر أن الحديث عند مسلم عن ابن طارق في رواية اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني ويقول بأصابعه الأربعة ويقول هؤلاء يجمعن لك دنياك وآخرتك وفي رواية أخرى لمسلم عافني بدل ارزقني وأثبت الخمسة في رواية اهـ. وخرجه السخاوي من طريق عبد الواحد بالسند المذكور آنفاً إلى طارق بن أشيم قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلم من أسلم يقول قل اللهم اغفر لي وارحمني وارزقني قال وهؤلاء يجمعن لك خير الدنيا والآخرة وأخرجه من طريق أخرى عن طارق أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأتاه رجل فقال يا رسول الله كيف أقول حين أسأل ربي قال قل اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني وجمع أصابعه إلا الإبهام فإن هؤلاء يجمعن لك دينك ودنياك وخرجه من طريق أخرى إلى طارق قال كنا نعدو إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيجيء الرجل وتجيء المرأة فيقول: يا رسول الله كيف أقول إذا صليت قال قل اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني فقد جمعن لك دنياك وآخرتك. قوله: (وروينا فيه) أي في صحيح مسلم وكذا رواه النسائي كما في السلاح زاد السخاوي ورواه أحمد وأبو عوانة والطبراني في الدعاء وابن حبان في صحيحه وفي الباب عن الأعمش عن أبي

وسلم-: "اللهم مُصَرِّف القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلى طَاعَتِكَ". وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تَعَوَّذُوا بالله مِنْ جَهْدِ البَلاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ سفيان عن أنس أخرجه الترمذي وغيره وحسنه الترمذي وأشار إلى أن بعضهم رواه عن الأعمش فجعله من حديث جابر لا أنس وكذا هو عند البيهقي في الدعوات والأول أصح وهو عند الطبراني في الدعاء عن يزيد الرقاشي عن أنس وكذا في الباب عن نعيم بن هماز أشار إليه الترمذي أيضاً وعن النواس بن سمعان عند النسائي والطبراني في الدعاء أيضاً وعن أسماء ابنة يزيد عند الطبراني في الكبير وعن عائشة في تفسير ابن مردويه مطولاً وفي الدعاء للطبراني مختصراً وعن أم سلمة عند الترمذي وقال إنه حسن في آخرين. قوله: (مصرف القلوب) منادى عند سيبويه لما تقدم أن مذهبه أن اللهم لا يوصف لأن ضم الميم إلى الجلالة منع من وصفها وقال الزجاج بل هو صفة لأن يا لا تمنع من الوصف فبدلها كذلك وأيد أبو علي الأول لأنه ليس في الأسماء الموصوفة شيء على حد اللهم لأنه صار كجهل في كونهما صارا بمنزلة صوت مضموم لاسم قبله فلم يوصف وعلى كل فتقدير النداء هنا أنسب بالسياق لأنه أنسب بمعنى الاستعانة به اللهم إطناباً لأنه الأليق بمقام التذلل والدعاء. قوله: (صرف قلوبنا على طاعتك) جمع القلوب لبيان مزيد شفقته -صلى الله عليه وسلم- ورحمته بأمته حيث أدرجهم في عداده ودعا لهم كما دعا لنفسه وتنبيهاً على أن بني آدم أي المذكور في الحديث قبله في قوله إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفها كيف يشاء يشمل الأنبياء أيضاً بل هم بكمال المعرفة أعظم خشية وأشد خوفاً وتواضعاً وأكثر التجاء إليه وافتقاراً. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) ورواه النسائي. قوله: (من جهد البلاء) قال ابن الجزري بفتح الجيم وروي بضمها وقد روي عن ابن عمر أنه فسره بقلة المال وكثرة العيال وقيل الحالة الشاقة قيل لا بد في تفسير ابن عمر من قيد مع عدم الصبر ووجود الجزع والفزع لئلا يشكل بأكثر أحوال الأنبياء والأولياء وكذا قوله الحالة الشاقة وإلا فأشد النّاس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل

ودَرَكِ الشَّقاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وشماتَةِ الأعْدَاءِ" وفي رواية عن سفيان أنه قال: في الحديث ثلاث: وزدت أنا واحدة، لا أدري أيتهن ... ـــــــــــــــــــــــــــــ فتأمل وقيل هو ما يختار الموت عليه قلت وعلى تفسيره بالحالة الشاقة فالظاهر أنه على رواية ضم الجيم استعير في محل مفتوحها ففي النهاية الجهد بالضم الوسع والطاقة وبالفتح المشقة وقيل المبالغة والغاية وهما لغتان في الوسع أما في المشقة فالفتح لا غير ومنه حديث أعوذ بك من جهد البلاء أي الحالة الشاقة اهـ. قوله: (ودرك الشقاء) قال في السلاح بفتح الراء وإسكانها فبالفتح الاسم وبالإسكان المصدر وفي النهاية الدرك هو اللحوق والوصول إلى الشيء يقال أدركه إدراكاً ودركاً وقال ابن الجوزي المحفوظ فتح الراء وروي بإسكانها والشقاء والشقاوة بالفتح نقيض السعادة على ما في الصحاح وقال الحافظ ابن حجر الشقاء بالمعجمة والقاف الهلاك وقد يطلق على السبب المؤدى إليه. قوله: (وسوء القضاء) يحتمل في الدين والدنيا والبدن والمال والأهل ويحتمل في الخاتمة وقال بعضهم سوء القضاء ما يسوء الإنسان أو يوقعه في المكروه وقال ابن بطال المراد بالقضاء لأن حكم الله كله حسن لا سوء فيه فالرضاء بالقضاء المقضي واجب مطلقاً وبالمقضي تارة يكون واجباً وتارة يكون حراماً وقيل القضاء الحكم بالكليات على سبيل الإجمال في الأزل والقدر الحكم بوقوع الجزئيات التي لتلك الكليات على سبيل التفصيل وقيل بعكس ذلك والله أعلم. قوله: (وشماتة الأعداء) هي فرح العدو ببلية تنزل بعدوه من شمت يشمت كعلم يعلم. قوله: (لا أدري أيتهن) قد بين الإسماعيلي في روايته نقلاً عن سفيان أن الجملة التي زادها من قبله هي جملة شماتة الأعداء قال السخاوي وقع تعيينها وأنها شماتة الأعداء عند الجوزقي من حديث عبد الله بن هاشم وعند الإسماعيلي من حديث ابن أبي عمر كلاهما عن ابن عيينة ونحوه عن شجاع بن مخلد عن ابن عيينة عند الإسماعيلي أيضاً حيث اقتصر على الثلاثة دونها وكأن نسيان تعيينها طرأ لسفيان بعد أن حفظ عنه اهـ. ووقع في الحرز جلالة سفيان تمنعه أن يزيد من قبل نفسه ما يدرج في لفظ النبوة بل إنما هي زيادة روايته على

وفي رواية قال سفيان: أشك أني زدتُ واحدة منها. وروينا في "صحيحيهما" عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللهُم إني أعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ، وَالكَسَلِ، وَالجُبْنِ، والهَرَم، والبُخْلِ، وأعُوذُ بكَ مِنْ عَذَاب ـــــــــــــــــــــــــــــ سائر الرواة وزيادة الثقة مقبولة وجاء إثبات هذه الجملة في حديث آخر من غير طريق الصحيحين اهـ. وما استدل به في غير محله فقد صرح سفيان كما في البخاري بأنه زاد واحدة وبعد التصريح لا يعول على ذلك الاحتمال وقد وقع الإدراج في المرفوع عن كثير من الأكابر ومجيئها في حديث آخر لا يدل على أنها عنده في هذا الحديث من المرفوع وما أحسن قول الشيخ زكريا في تحفة القاري في أثناء كلام أن سفيان كان يعرف تلك الزيادة بعينها حال زيادتها ثم اشتبه ذلك بعد. قوله: (وفي رواية) أي لمسلم كما قال السخاوي ونقلها شيخ الإسلام زكريا عن نسخة للبخاري فقال وفي نسخة من البخاري أشك أني زدت واحدة منها قال ويشهد لذلك أن البخاري روى عنه الحديق في كتاب النذور وأسند الأربعة للنبي -صلى الله عليه وسلم- جزماً بلا تردد فيحتمل أنه شك في وقت هل فيها زيادة اهـ. والله أعلم. قوله: (وروينا في صحيحيهما) ورواه أبو داود والنسائي ورواه الحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه وزاد فيه والقسوة والغفلة والعيلة والذلة والمسكنة وأعوذ بك من الفقر والكفر والفسوق والشقاق والسمعة والرياء وأعوذ بك من الصمم والبكم والجنون والجذام وسوء الأسقام، لفظ الحاكم، وقال صحيح على شرط الشيخين كذا في السلاح وكذا رواه الطبراني في الصغير كما في الحصن كلهم عن أنس وقال السخاوي وللحديث طرق عن أنس بل وفي الباب عن غيره من الصحابة وقوله اللهم إني أعوذ بك من العجز أي في العبادة والكسل أي التثاقل في الطاعة على ما لا ينبغي فيه وتقدم بسط الكلام في ذلك في باب أذكار المساء والصباح. قوله: (والهرم) بفتحتين داء طبيعي يعرض للإنسان عند كبره لا دواء منه قال في الحرز والمراد منه صيرورة الرجل خرفاً من كبر السنن على ما ذكره المظهري بحيث لا يميز بين الأمور المعقولة والمحسوسة والمنقولة. قوله:

القَبْرِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيا والمَمَاتِ" وفي رواية "وضَلَعِ الدَّيْنِ، وغَلَبَةِ الرِّجاَلِ". قلت: ضَلَعُ الدَّين: شدته وثِقَل حمله، والمحيا والممات: الحياة والموت. وروينا في "صحيحيهما" عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم أنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: علمني دعاءً أدعو به في صلاتي: "قُلْ: اللهم إني ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كثِيراً، ولا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاّ أنْتَ، فاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إنكَ أنْتَ الغَفُورُ الرحِيمُ". قلت: روي "كثيراً" بالمثلثة، و"كبيراً" بالموحدة، وقد قدمنا بيانه ـــــــــــــــــــــــــــــ (وفتنة المحيا والممات) أي فتنة الحياة والموت فالمصدران الميميان وضعا موضع اسم المصدر وهو ما اقتصر عليه الشيخ المصنف واختلف في المراد بفتنة الموت فقيل فتنة القبر وقيل الفتنة عند الاحتضار وقيل إنها اسم زمان أي من فتنة زمن الحياة وزمن الموت من أول النزع وهلم جراً قال ابن بطال هذه كلمة جامعة لمعان كثيرة وينبغي للمرء أن يرغب إلى ربه في دفع ما نزل به ودفع ما لم ينزل به ويستشعر الافتقار إلى ربه في جميع ذلك وكان -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ من جميع ما يتعوذ به دفعاً عن أمته وتشريعاً لهم حيث بين لهم صفة المهم من الدعاء. قوله: (وفي رواية لهما) وهي عند أحمد وأبي داود والترمذي والنسائي كلهم من حديث أنس بلفظ اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال، وضلع الدين بفتح المعجمة واللام هو ثقله وهو في الأصل الاعوجاج والميل أي ثقله حتى يميل صاحبه عن الاستواء والاعتدال وحاصله كثرة ديون العباد بحيث تشغله وتمنعه عن حضور العبادة وحصول الاستقامة بسبب كثرة المطالبة الواقعة في الذمة ولذا ورد لا هم إلا هم الدين. قوله: (وروينا في صحيحيهما) تقدم الكلام على ما يتعلق بتخريجه ومتنه في باب الدعاء قبل السلام. قوله: (روي كثيراً بالمثلثة وبالموحدة) قال في السلاح روي في مسلم بالمثلثة وبالموحدة وصريحه أن الروايتين لمسلم فقط وتقدم

في أذكار الصلاة، فيستحب أن يقول الداعي كثيراً كبيراً يجمع بينهما، وهذا الدعاء وإن كان ورد في الصلاة فهو حسن نفيس صحيح، فيستحب في كل موطن، وقد جاء في رواية "وفي بيتي". وروينا في "صحيحيهما" عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يدعو بهذا الدعاء: "اللهم اغْفِرْ لِي خَطِيئَتي، وجَهْلِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ نحوه في كلام الحافظ ابن حجر ثمة. قوله: (وقد جاء في رواية) هي لمسلم ولفظها أدعو بها في صلاتي وبيتي. قوله: (وروينا في صحيحيهما) وروى ابن أبي شيبة في مصنفه منه إلى قوله وما أنت أعلم به مني قال السخاوي ورواه أي الحديث بجملته أبو عوانة في مستخرجه وابن حبان في صحيحه والإسماعيلي في مستخرجه ومدار الحديث على أبي إسحاق عن أبي هريرة عن أبيه رواه هكذا جماعة منهم الشيخان إلا أن البخاري علقه من طريق ووصله من أخرى فقال في الطريق الموصولة بعد ذكر أبي بردة أحسبه عن أبي موسى ورواه أبو عوانة وفي حديث قال أبان بن ثعلبة له أي لأبي إسحاق سمعته من أبي بردة قال: حدثنيه سعيد بن أبي بردة عن أبيه قال الحافظ ابن حجر وبه ظهر أن أبا إسحاق دلسه قال السخاوي أبو عوانة إنما رواه عن شيخيه مذاكرة ونصر رواية عن أبيه على أنه إنما رواه عن كتاب أبيه وجادة وفي ثبوته مع ذلك والتعليل به لما في الصحيحين توقف وإن أشار إليه الإسماعيلي فقال سمعت بعض الحفاظ يقول أن إبا إسحاق لم يسمع هذا الحديث من أبي بردة وإنما سمعه من حديث سعيد بن أبي بردة عن أبيه قال: إن شيخنا يعني الحافظ قد قال عقب كلام الإسماعيلي وهذا تعليل غير قادح فإن شعبة كان لا يروي عن أحد من المدلسين إلا ما يتحقق أنه سمعه من شيخه اهـ. قوله: (خطيئتي) أي ذنبي ويجوز تسهيل الهمزة فيقال خطيتي بالتحتية المشددة. قوله: (وجهلي) أي ما صدر مني من أجل جهلي وفيه إيماء إلى قوله إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة قال البغوي أجمع السلف على أن من عصى الله فهو جاهل.

وإسْرَافي في أمْرِي، وما أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللهُم اغْفِرْ لي جَدِّي، وهَزْلي، وخَطَئي، وعَمْدِي، وكُلُّ ذلكَ عِنْدِي، اللهُم اغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ، وما أخَّرْتُ، وما أسْرَرْتُ، وما أعْلَنْتُ، وما أنْتَ أعْلَم بِهِ مِنِّي، أنتَ المُقَدِّمُ، وأنْتَ المُؤَخِّر، وأنتَ عَلى كل شَيءٍ قديرٌ". وروينا في ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (وإسرافي) أي مجاوزتي عن الحد. وقوله: (في أمري) يحتمل تعلقه بما قبله وبجميع ما تقدمه. قوله: (وما أنت أعلم به مني) أي من المعاصي والسيئات والتقصير في الطاعات وهو تعميم بعد تعميم. قوله: (جدي وهزلي) هما ضدان ووقع في بعض نسخ الحصن هزلي وجدي وهو أنسب بمراعاة الفواصل. قوله: (وخطئي) نقيض الصواب وقد يمد والخطء الذنب على ما في الصحاح كذا وقع في نسخ الأذكار خطئي بلفظ المفرد ووقع عند أكثر رواة البخاري خطاياي كما نبه عليه ميرك قال الحافظ ابن حجر في رواية الكشميهني خطئي وكذا أخرجه البخاري في الأدب المفرد بالسند الذي في الصحيح وهو المناسب لذكر العمد ولكن جمهور الرواة على الأول والخطايا جمع خطيئة وعطف العمد عليها من عطف الخاص على العام فإن الخطيئة أعم من أن يكون خطاً أو عمداً أو من عطف أحد المتقابلين على الآخر اهـ. والمعنى أنه اعتبر المغايرة بينهما باختلاف الوصف كما في قوله تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ} قوله: (وكل ذلك عندي) أي موجود ومتحقق كالتذييل للسابق أي أنا متصف بهذه الأشياء فاغفرها لي قاله -صلى الله عليه وسلم-: "تواضعاً" وعن علي رضي الله عد عن فوات الكمال وترك الأولى ذنباً وهذا هو الأعلى وبالاعتبار أولى فإن حسنات الأبرار الطالبين سيئات الإبرار المقربين. وقوله: (اللهم اغفر لي ما قدمت الخ) تقدم الكلام عليه في باب ما يقول إذا استيقظ من الليل وفي باب الدعاء قبل السلام. قوله: (وأنت على كل شيء قدير) جملة مؤكدة لمعنى ما قبلها وعلى كل شيء يتعلق بقدير وهو كما تقدم في باب فضل الذكر فعيل بمعنى فاعل مشتق من القدرة وتقدم ثمة بسط تام في هذا المقام. قوله: (وروينا في

"صحيح مسلم" عن عائشة رضي الله عنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في دعائه: "اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بكَ مِنْ شَرِّ ما عَمِلْتُ وَمِنْ شَرّ ماَ أعْمَلْ". وروينا في "صحيح مسلم" عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان من دعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم إني أعُوذُ بِكَ مِنْ زَوالِ نِعْمَتِكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ صحيح مسلم) وكذا رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وفي رواية للنسائي من شر ما علمت ومن شر ما لم أعلم كذا في السلاح قلت وتلك الرواية عند ابن أبي شيبة في مصنفه أيضاً كما في الحصن وقال السخاوي بعد تخريجه حديث صحيح رواه مسلم ؤأبو داود والنسائي وابن ماجه وأشار السخاوي إلى أن الحديث عند جماعة آخرين وإلى اختلاف في سنده فالأكثر رووه عن هلال بن سباق عن فروة بن نوفل الأشجعي قال قلت لعائشة: يا أم المؤمنين حدثيني بشيء كان -صلى الله عليه وسلم- يدعو به فقالت: كان يدعو يقول: "اللهم الخ" ورواه آخرون بدون ذكر فروة والمحفوظ كما قال المزي الأول اهـ. قوله: (إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل) قيل استعاذ من النظر إلى العمل والركون إليه خشية العجب بنفسه ومما لم يعمل خشية أن يعمل في المستقبل ما لا يرضى إنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون أو خشية أن يعجب بنفسه في ترك القبائح وسأل ربه أن يديم له شهود أن توفيقه للطاعات من محض فضل ربه نقله ميرك. قوله: (وروينا في صحيح مسلم) ورواه أبو داود والنسائي ولفظهم سواء إلا أن عند أبي داود وتحويل عافيتك كذا في السلاح وهو عندهم كلهم من حديث ابن عمر وقال السخاوي رواه مسلم عن أبي زرعة الرازي وليس لأبي زرعة عند مسلم في صحيحه سواه واستدركه الحاكم ووهم في تخريجه ورواه أبو عوانة وكل رواته متفقون على وصله وخالفهم حفص بن ميسرة فرواه عن موسى ابن عقبة وأرسله ولم يذكر الصحابي ولا من رواه عن الصحابي وهو عبد الله بن دينار أخرجه أبو نعيم في المستخرج والحاكم في المستدرك والأول أصح وفي الباب عن ابن عباس عند الطبراني في الدعاء اهـ. قوله: (نعمتك) بكسر النون وسكون العين المهملة لين العيش ولذا قيل لريح الجنوب

وتَحَوُّلِ عافِيَتِكَ، وفَجْأةِ نِقْمَتِكَ وجَمِيعِ سُخْطِكَ". وروينا في "صحيح مسلم" عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول، كان يقول: "اللهُم إني أعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ، والكَسَلِ، والجُبْنِ، والبُخْلِ، والهَمِّ، وعَذَابِ القَبْرِ، اللهم ـــــــــــــــــــــــــــــ النعائم للين هبوبها وسميت النعامة للين مشيها وأنعم الله عليه بالغ في الفضل عليه والنعمة هنا مفرد في معنى الجمع وهو نعم الظاهر والباطن واختلف هل لله نعمة على الكافر فأثبتها المعتزلة ونفاها غيرهم. قوله: (وتحول) بفتح الفوقية والمهملة وتشديد الواو وعند أبي داود تحويل على وزن تفعيل للتعدي والتفعيل للمطاوعة لكن الثاني أوفق وبمقابلة الزوال أحق فإن قلت ما الفرق بين الزوال والتحول قلت الزوال يقال في شيء كان ثابتاً ثم فارقه والتحول تغير الشيء وانفصاله عن غيره فمعنى زوال النعمة ذهابها من غير بدل وتحول العافية إبدال الصحة بالمرض وقال ابن الجزري تحول بضم الواو المشددة يعني تحولها وانتقالها قال العلقمي والعافية ضد المرض والأولى أن يراد بالعافية السلامة من جميع مكاره الدارين. قوله: (وفجأة نقمتك) الفجاءة بضم الفاء وبفتح الجيم ممدودة من فجأه مفاجأة إذا جاءه من غير سبب تقدم وروي بفتح الفاء وإسكان الجيم من غير مد نقله ابن الجزري في مفتاح الحصن والنقمة بكسر النون وسكون القاف بوزن النعمة وفيه الاستعاذة من حلول النقمة، ومنه موت الفجأة أن يموت بغتة من غير تقدم سبب نحو مرض. قوله: (وجميع سخطك) يحتمل أن يكون المراد الاستعاذة بالله من جميع الأسباب الموجبة لسخط الله تعالى وإذا انتفت الأسباب المقتضية للسخط حصلت أضدادها فإن الرضى ضد السخط كما جاء أعوذ برضاك من سخطك نقله العلقمي عن ابن رسلان ويحتمل أن تكون الاستعاذة من السخط نفسه المراد به الانتقام أو إرادته. قوله: (وروينا في صحيح وسلم) وكذا رواه الترمذي والنسائي وابن أبي شيبة في مصنفه كذا في الحصن وقال السخاوي ورواه أحمد وأبو عوانة والطبراني في الكبير وقوله اللهم إني أعوذ بك إلى قوله وعذاب القبر تقدم

آتِ نَفْسِي تَقْواها، وَزَكِّها أنتَ خَيرُ مَنْ زكَّاهَا، أنتَ وَلِيها ومَولاها، اللَّهُمَّ إني أعوذُ بكَ مِنْ عِلْمٍ لا ينفَعُ، ومِنْ قلبٍ لا يخشَعُ، ومِنْ نفسٍ لا تشبَعُ، ومِنْ دعوةٍ لا يُستَجَابُ لَها". ـــــــــــــــــــــــــــــ الكلام عليه في أذكار المساء والصباح. قوله: (آت) بالهمزة المفتوحة الممدودة والفوقية المكسورة أمر من الإيتاء أي أعط. قوله: (تقواها) أي توفيقها بإلهامها القيام بها وقال ميرك ينبغي أن يفسر التقوى بما يقابل الفجور في قوله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} وهي الاحتراز عن متابعة الهوى وارتكاب الفجور والفواحش لأن الحديث هو البيان للآية. قوله: (وزكها) دعاء من التزكية أي طهرها من الذنب ونقها من العيب وقوله (أنت خير من زكاها) كالتعليل لما قبله وفيه إيماء إلى قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} وإشارة إلى أن ضمير الفاعل في زكاها راجع إلى من يستقيم أنت خير من زكاها أما إذا كان راجعاً إلى الله تعالى فيتعين أنه تعالى هو المزكي لا غير على ما هو في الحقيقة كذلك وأن الإسناد إلى غيره مجازي كذا في الحرز. قوله: (أنت وليها) أي المتصرف فيها ومصلحها ومربيها وقوله (ومولاها) أي ناصرها وعاصمها وقال الحنفي عطف تفسيري. قوله: (من علم لا ينفع) أي بأن لا أعمل به ولا أعلمه ولا يهذب الأخلاق والأقوال والأفعال أو بأن لم يرد في تعلمه إذن شرعي قال بعضهم العلم لا يذم لذاته بل لأحد أسباب ثلاثة إما لكونه وسيلة إلى إيصال الضرر والشر كعلم السحر والطلسمات وإما لكونه مضراً بصاحبه في ظاهر الأمر كعلم النجوم وأقل مضاره أنه شروع فيما لا يعني وإما لكونه دقيقاً لا يستقل به الخائض فيه كالبحث عن الأسرار الإلهية. قوله: (ومن قلب لا يخشع) أي من المواعظ أو لا يطمئن بذكر الله تعالى ولا يسكن بما قدره وقضاه وأمره ونهاه. قوله: (ومن نفس لا تشبع) أي بما آتاها الله تعالى حيث لا تقنع ولا تفتر عن الجمع لشدة ما فيها من الحرص أو يراد بها النهمة وكثرة الأكل والمبالغة في حصول الشهوة. قوله: (ومن دعوة لا يستجاب لها) الضمير عائد إلى الدعوة واللام زائدة وفي جامع

وروينا في "صحيح مسلم" عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قُلِ: اللهم ـــــــــــــــــــــــــــــ الأصول دعوة لا تستجاب قاله ميرك وتعقبه في الحرز بأن الاستجابة قد تعدى باللام قال تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ} وليس ما في جامع الأصول نصاً على المقصود ويحتمل أن يكون من باب الحذف والإيصال وكذا ما ورد هنا في مصنف ابن أبي شيبة ودعاء لا يستجاب على أنه يجوز تقدير له في هذا المقام والله أعلم اهـ. قال بعض العلماء اعلم أن في كل من القرائن الأربع ما يشعر بأن وجوده مبني على غايته وأن الغرض منه تلك الغاية وذلك أن تحصيل العلوم إنما هو للانتفاع بها فإذا لم ينتفع بها لم يخلص منها كفافاً بل كان عليه وبالاً ولذا استعاذ من ذلك وأن القلب إنما خلق ليتخشع للرب وينشرح بذلك الصدر ويقذف فيه النور فإذا لم يكن كذلك كان قاسياً فيجب أن يستعاذ منه قال تعالى {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} وأن النفس يعتد بها إذا تجافت عن دار الغرور وأنابت إلى دار الخلود فهي إذا كانت منهومة لا تشبع وحريصة على الدنيا لا تقنع كانت أعدى عدو المرء فأولى شيء يستعاذ منه هي وعدم استجابة الدعاء دليل على أن الداعي لم ينتفع بعلمه وعمله ولم يخشع قلبه ولم تشبع نفسه والله أعلم. قوله: (وروينا في صحيح مسلم) المقام للضمير بأن يقال فيه ولم يظهر وجه العدول عنه إلى الظاهر إلا إن كان مزيد الإظهار قال السخاوي بعد تخريجه من طريق شعبة عن عاصم بن كليب سمعت أبا هريرة يقول سمعت علياً رضي الله عنه يقول: كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيت فقال: يا علي سل الله الهدى واذكر بالهدى هدايتك الطريق وسل الله السداد واذكر بالسداد تسديدك السهم حديث صحيح رواه أبو عوانة في مستخرجه وأحمد ولفظه قل اللهم إني أسألك الهدى والسداد وهو عند مسلم باللفظين وللحديث طرق أيضاً عن عاصم فرواه أحمد عن محمد بن فضيل ومن طريق خالد بن عبد الله الواسطي الطحان وأبو عوانة ورواه غيره من حديث أبي الأحوص أربعتهم عنه وكذا رواه محمد بن منصور عن أبي عيينة عن عاصم لكنه جعله عن أبي بكر بن أبي موسى بدل أبي بردة أخرجه النسائي وهو وهم ورواه مؤمل عن شعبة فقرن مع عاصم جابراً وهو ابن يزيد الجعفي كلاهما عن أبي بردة

اهدني وسدِّدني" وفي رواية: "اللهم إنِّي أسألُكَ الهُدَى والسدَادَ". ـــــــــــــــــــــــــــــ أخرجه البيهقي في الدعوات وابن منده في الأول من غرائب شعبة واستغربه عن جابر بخصوصه ورواه جماعة عن أبي خالد الأحمر عن شعبة عن عاصم فجعلوه عن زر بن حبيش بدل أبي بردة أخرجه ابن منده أيضاً من حديث بعضهم وصوب الأول اهـ. قوله: (اهدني) أي إلى مصالح أمري أو ثبتني على الهداية إلى الصراط المستقيم إلى نهاية الخاتمة وقوله (وسددني) دعاء بصيغة الأمر من التسديد وهو التوفيق والتأييد وقال ابن الجزري من السداد بالفتح وهو الاستقامة اهـ. ولعله أراد المعنى اجعلني على السداد ومنه قول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} وقال الطيبي فيه معنى قوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} و {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} أي اهدني هداية لا أميل بها إلى طرفي الإفراط والتفريط. قوله: (وفي رواية) هي لمسلم وتقدم أنها عند أحمد أيضاً. قوله: (الهدى) أي في أمر العقبى (والسداد) أي في أمر الدنيا بأن يكون لي ما يسدني عن الحاجة إلى غير المولى. قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) تقدم الكلام على تخريج الحديث وما يتعلق بمعناه في باب فضل الذكر غير مقيد بوقت وقال السخاوي بعد تخريجه وزاد فيه قال ابن نمير قال موسى أما عافني فأنا أتوهم وما أدري حديث صحيح أخرجه مسلم وأبو عوانة وأبو نعيم في المستخرج وليس عند مسلم وأبي عوانة وعافني نعم ذكر مسلم عن ابن نمير أحد شيخيه قول موسى وقد رواه عن موسى أيضاً بدونها جعفر بن عون وحديثه في المستخرج لأبي نعيم وعلي بن مسهر وحديثه عند مسلم لكن قد أخرجه البيهقي في الدعوات من حديث جعفر بن عون ويعلى كلاهما عن موسى بإثباتها وأخرج مسلم من طريق يزيد بن هارون عن أبي مالك الأشجعي قلت وتقدم في هذا الباب بيانه ورواه أبو نعيم بلفظ اللهم اغفر لي وارحمني وارزقني وزاد في طريق آخر اهدني قبل قوله ارزقني ورواه أبو عوانة من حديث يزيد بن هارون كذلك وكذا رواه من حديث سعيد بن سلمة بن هشام بن عبد الملك عن أبي مالك ورواه من وجهين عن عبد الواحد عن أبي مالك اقتصر في أحدهما على الثلاث كأبي نعيم وزاد في الآخر واهدني وأما

وروينا في "صحيح مسلم" عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، علمني كلاماً أقوله، قال: "قُلْ: لا إله إلاَّ اللهُ وحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، اللهُ أكْبَرُ كَبِبراً، والحَمْدُ لِلَهِ كَثِيراً، سُبْحَانَ الله ربُ العَالَمِينَ، لا حَوْلَ وَلاَ قوَّةَ إلاَّ باللهِ العَزِيزِ الحَكِيمُ"، قال: فهؤلاء لربي، فما لي؟ قال: "اللهُم اغْفِرْ لي، وَارْحَمْنِي، واهْدِنِي، وَارْزُقْنِي، وَعَافِني" شك الراوي في "وعافني". وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللهم اصْلِحْ لي دِيني الذي هُوَ عِصْمَةُ أمْرِي، واصْلِحْ لي دُنْيايَ التي فيها مَعاشِي، واصْلِحْ لي آخِرَتِي التي فِيها مَعَادِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ البيهقي فأخرجه من طريق عبد الواحد بلفظ اهدني وارزقني وعافني وارحمني والله المستعان اهـ. وتقدم بسط لهذا المقام في كلام الحافظ في باب فضل الذكر. قوله: (وروينا في صحيح مسلم) انفرد وكذا حديث على السابق قريباً عن غيره من باقي الستة وغيرهم قال السخاوي بعد تخريج حديث الباب وقد ضاق مخرجه على أبي عوانة فأخرجه في مستخرجه عن مسلم نفسه وفي الباب عن أبي برزة بلفظ كان -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى الصبح قال: "اللهم أصلح لي ديني" الخ وقد ذكره الشيخ فيما مضى وأملاه الحافظ هناك وأشار لهذا الحديث اهـ. قوله: (الذي هو عصمة أمري) أي ما يعتصم به في جميع أموري والعصمة على ما في الصحاح المنع والحفظ فقيل هو هنا مصدر بمعنى اسم الفاعل قال الطيبي هو أي الحديث من قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} أي بعهده. قوله: (وأصلح لي دنياي) إصلاح الدنيا عبارة عن الكفاف فيما يحتاج إليه وبأن يكون حلالاً ومعيناً على الطاعة والمعاش أي مكان العيش وزمان الحياة. قوله: (وأصلح لي آخرتي) إصلاحها باللطف والتوفيق لطاعة الله وعبادته

واجْعَلِ الحَيَاةَ زِيادَةً لي في كُلِّ خَيرٍ، واجْعَلِ الموتَ راحةً لي مِنْ كُلِّ شَرٍّ". وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: "اللهم لَكَ أسلَمْتُ، وبكَ آمَنْتُ، وعلَيكَ تَوَكَّلْتُ، وإليكَ أنبْتُ، وَبكَ خَاصَمْتُ، اللهم إني أعُوذُ بِعِزتِكَ لا إله إلاَّ أَنْتَ أنْ تُضِلَّني، أنْتَ الحَيُّ الَّذي لا يَمُوتُ والجِن والإنسُ يَمُوتُونَ". وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن بريدة رضي الله عنه أن رسول ـــــــــــــــــــــــــــــ والمعاد مصدر ميمي أو اسم مكان من عاد إذا رجع. قوله: (واجعل الحياة) أي طول العمر. قوله: (زيادة لي في كل خير) أي من إتقان العلم وإتقان العمل. قوله: (واجعل الموت) أي تعجيله (راحة لي من كل شر) أي من الفتن والمحن والابتلاء بالمعصية والغفلة وقال زين العرب بأن يكون الموت على شهادة واعتقاد أي فيترتب عليه الراحة الدائمة وقيل في طلب الراحة بالموت إشارة إلى حديث وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني غير مفتون وهذا النقصان الذي يقابل الزيادة في القرينة السابقة ومجمله اجعل عمري مصروفاً فيما تحب وجنبني عما تكره فهذا الدعاء من الجوامع أيضاً قاله الطيبي. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) ثم اللفظ المذكور لفظ مسلم كما في السلاح ولفظ البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: "أعوذ بعزتك الذي لا إله إلا أنت الذي لا تموت والجن والإنس يموتون" ورواه النسائي كما في الحصن وحديث الباب رواه أبو عوانة وأبو نعيم وابن حبان كما قاله السخاوي وقوله: اللهم لك أسلمت إلى قوله: وبك خاصمت تقدم الكلام عليه في باب ما يقول إذا استيقظ من الليل في بيته. قوله: (بعزتك) أي بقوتك وقدرتك وسلطانك وغلبتك. قوله: (أن تضلني) أي من أن تضلني وهو متعلق بأعوذ وكلمة التوحيد معترضة لتأكيد العزة. قوله: (والجن) لعل المراد به ما يشمل الملائكة (والإنس) وكذا أتباعهم من الحيوانات والحشرات (يموتون). قوله: (وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه) ورواه أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وابن أبي شيبة في مصنفه وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين قال الحافظ أبو الحسن علي

الله -صلى الله عليه وسلم- سمع رجلاً يقول: "اللَّهمَّ إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، قال: لقَدْ سألْتَ الله تَعالى بالاسم الذِي إذا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى، وإذَا دُعِيَ أجَابَ". ـــــــــــــــــــــــــــــ بن المفضل المقدسي إسناده لا يطعن فيه ولا أعلم أنه روى في هذا الباب حديث أجود إسناداً منه نقله عنه في السلاح وقال السخاوي بعد تخريج الحديث حديث حسن رواه أحمد في مسنده وأبو يعلى وذكر باقي المخرجين المذكورين ثم قال: ورواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة في صحيحه وابن أبي عاصم وغيرهم من حديث أبي بريدة لكن عن حنظلة بن علي عن محجن بن الأدرع عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وزاد أن تغفر لي ذنوبي إنك الغفور الرحيم. قوله: (سمع رجلاً) هو أبو عياش الزرقي واسمه زيد بن صامت كذا في مسند الحارث بن أبي أسامة والطبراني وأحمد ذكره السخاوي. قوله: (أسألك بأنك أنت الله الخ) قسم استعطافي أي أسألك باستحقاقك لتلك الصفات الثبوتية والسلبية ولم يذكر المسؤول لعدم الحاجة إليه والأسماء الثلاثة تقدم الكلام على شرحها في شرح الأسماء الحسنى. قوله: (كفواً) أي مماثلاً ولا نظيراً في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله بوجه من الوجوه ولا باعتبار من الاعتبارات. قوله: (الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب) قال في فتح الإله الظاهر أن الجملة الثانية مؤكدة للأولى قال وقال الطيبي إن الثاني أبلغ لأن إجابة الدعاء تدل على شرف الداعي ووجاهته عند المجيب فتتضمن أيضاً قضاء حاجته بخلاف السؤال فإنه قد يكون مذموماً ولذا ذم السائل وكثر في الأحاديث مدح المتعفف عنه على إن في الحديث دلالة على فضل الدعاء على السؤال اهـ. قال وفيه نظر ظاهر لأن الكلام في سؤال الحق وهو دعاؤه فلا فرق بينهما هنا أصلاً ومن ثم جاء {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} سلوني أعطكم، وقوله إن السؤال قد يكون مذموماً يرده أن الدعاء قد يكون مذموماً كما في الدعاء بإثم أو قطيعة رحم أو نحو ذلك، وذم السائل إنما هو في سائل غير الله أما سائله تعالى

وفي رواية: "لَقَدْ سَألْتَ الله باسْمِهِ الأعْظَمِ" قالَ الترمذي: حديث حسن. وروينا في سنن أبي داود والنسائي عن أنس رضي الله عنه، ـــــــــــــــــــــــــــــ فممدوح دائماً إذا سأل بما أذن له فيه، وقوله على أن الخ ممنوع بل الذي في الحديث عكسه لأنه قدم السؤال على الدعاء ومن عادة العرب تقديم الأهم والأشرف ولذا استدلوا على أشياء بتقدمها في القرآن. قوله: (وفي رواية) أي أخرى لأبي داود وإلا فلفظ الحديث كله لأبي داود كما في السلاح ولم ينبه السخاوي في هذا المعنى على تخريجه. قوله: (لقد سأل باسم الله الأعظم) قال في فتح الإله يحتمل أنه أراد بالاسم الأعظم مجموع الأسماء ويحتمل أنه أراد واحداً منها وعليه فالأظهر أنه الجلالة لأنه الاسم الأعظم عند أكثر العلماء ولا ينافيه أن كثيرين يدعون به ولا يستجاب لهم لأن ذلك لخلل في دعوتهم لكونها نحو قطيعة رحم أو لكونهم لم يستوفروا شرط الدعاء التي منها أكل الحلال واعلم أنه كثر اختلاف العلماء في تعيين الاسم الأعظم كما كثر اختلافهم في تعيين ليلة القدر وساعة الإجابة يوم الجمعة والسبعة الأحرف التي نزل عليها القرآن قال بعضهم أعظم هنا بمعنى عظيم كأكبر بمعنى كبير قال ابن حجر الهيتمي ويرد بأن الأعظمية هنا ليست من حيث المسمى لاستواء الأسماء والصفات كلها من هذه الحيثية وإنما هي من حيث الدلالة ولا شك أن بعض الأسماء والصفات قد تفيد من حيث الدلالة معاني ولا تفيدها البقية وفارق أعظم أكبر بأن مفاد أعظم امتاز على غيره من الأسماء والصفات بخصوصية ليست في البقية وهذا لا محذور فيه كما تقرر بأن بقي على صيغته وأما أكبر فمفاده أن غير الله تعالى شاركه في كبريائه وهذا غير واقع فوجب تأويل أكبر بمعنى كبير حتى لا يوهم ذلك اهـ. وقال بعضهم قيل أعظم بمعنى عظيم لأن كل أسمائه عظيم وليس بعضها أعظم من بعض وقيل بل هو للتفضيل لأن ما كان أكثر تعظيماً لله فهو أعظم كالرحمن أعظم من الرحيم والله أعظم من الرب لأن رب استعمل في غير الله كرب الدار. قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) قال في السلاح رواه الأربعة والحاكم وابن حبان في صحيحيهما واللفظ لأبي داود وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم وعند ابن

أنه كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالساً ورجل يصلي، ثم دعا: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنانُ، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حيُّ يا قيوم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَقَدْ دَعا الله تَعالى باسمِهِ العَظِيمِ الذي إذَا دُعِيَ بهِ أجابَ، وإذا سُئِلَ بِه أعطَى". ـــــــــــــــــــــــــــــ ماجه لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك المنان وفي رواية ابن حبان الحنان المنان وقال السخاوي حديث حسن ورواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد والضياء في المختارة وعمرو ابن أخي أنس بن مالك الراوي عن أنس وثقه الدارقطني وغيره وقال أبو حاتم إنه صالح الحديث مع أنه لم ينفرد بهذا الحديث بل رواه ابن ماجه من حديث أبي خزيمة عن أنس بن سيرين عن أنس رفعه بنحوه ورواه الطبراني في الدعاء عن حماد بن سلمة عن أبان بن أبي عياش عن أنس لكنه قال عن أبي طلحة وذكر نحوه أيضاً وفي الباب عن أبي الدرداء رويناه من حديث إبراهيم بن أبي عبلة عنه وهو منقطع اهـ. قوله: (كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالساً) يحتمل أن يكون الظرف خبر كان ويكون قوله جالساً حالاً ويحتمل العكس. قوله: (ورجل يصلي ثم دعا) قال الخطيب هو أبو عياش زيد بن صامت الزرقي الأنصاري قال في السلاح وأبو عياش بالتحتية وبالشين المعجمة وقد فسر السخاوي الرجل المبهم في الحديث السابق بأبي عياش هذا. قوله: (بأن لك الحمد) أي كله بطريق الحقيقة فليس لغيرك منه شيء إلا بطريق الصورة المجازية لا غير لأنك المولى المنعم حقيقة وغيرك ليس له من ذلك شيء. قوله: (المنان) أي كثير المنة وهي النعمة أو النعمة الثقيلة والمنة مذمومة من المخلوق لأنه لا يملك شيئاً من النعم التي يمن بها محمودة من الخالق لأنه المالك لما أنعم به على الحقيقة وباقي الأسماء تقدم شرحها في شرح الأسماء الحسنى. قوله: (لقد دعا الله باسمه العظيم) أورده في المشكاة بلفظ الأعظم وأخذ منه شارحها تأييد قول الأكثرين إن الاسم الأعظم هو الجلالة وبسط في بيانه ورد ما قاله المصنف من أنه الحي القيوم. قوله: (الذي إذا دعي به أجاب الخ)

وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه بالأسانيد الصحيحة عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو بهؤلاء الكلمات: "اللهم إني أعُوذُ بِكَ مِن فِتْنَةِ النَّارِ، وعَذابِ النَّارِ، ومِنْ شَرّ الغِنى والفَقْرِ" هذا لفظ أبي داود، قال الترمذي: حديث حسن صحيح. ـــــــــــــــــــــــــــــ إن قلت الدعاء إن كان بمقدر فهو حاصل وإن لم يدع وإن كان بغيره لم يحصل فما فائدة الاسم الأعظم قلت: إن كان الدعاء بمقدر فقد يفيد زيادة تعجيله أو بغير مقدر فبإعطاء بدله عاجلاً تارة بواسطة الدعاء بالاسم الأعظم وآجلاً أخرى فالحاصل أن الاسم الأعظم قد يفيد أصل التعجيل أو زيادته أو كمالاً في المستجاب أو في بدل المدعو به أو نحو ذلك. قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) قال السخاوي بعد تخريج الحديث بطوله وفيه هذا الدعاء ما لفظه حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن الأربعة وأبو عوانة وأبو نعيم والحاكم في المستدرك وعند الطبراني في الدعاء وقدسها الشيخ حيث لم يعزه للصحيحين كما أن الحاكم استدركه عليهما وقال إنه صحيح على شرطها مع كونه فيهما ولذا تعقبه شيخنا لكن مقتصراً على أنه في مسلم اهـ. قوله: (من شر فتنة النار) أي فتنة تؤدي إلى النار والفتنة في الأصل الامتحان والاختبار. قوله: (ومن شر الغنى) مثل الأشر والبطر والشح بحقوق المال وإنفاقه فيما لا يحل من إسراف وباطل ومفاخرة. قوله: (والفقر) أي ومن شر الفقر كالسخط وقلة الصبر والوقوع في الحرام والشبهة للحاجة ذكره ابن الجزري قال بعض المحققين قيد بالشر لأن كلاًّ منهما فيه خير باعتبار وشر باعتبار فالتقييد في الاستعاذة منه بالشر يخرج ما فيه من الخير قال في الحرز وقد بين هذا المعنى قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} وقال -صلى الله عليه وسلم-: "كاد الفقر أن يكون كفراً" ثم قيل المراد فقر النفس وهو الذي لا يرده ملك الدنيا بحذافيرها وليس في الحديث ما يدل على تفضيل أحدهما على الآخر قال بعضهم لأن كل ما هو مانع عن الحضور من فقر أو غنى فهو شؤم عند أهل السرور نعم

وروينا في كتاب الترمذي عن زياد بن عِلاقة عن عمه وهو قُطْبة بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللهم إني أعوذُ بِكَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الفقر أسلم من الغنى يجر الغنى إلى الطغيان والسلطنة والفقر إلى الغنى والمسكنة ولذا وقعت تربية الله تعالى لأكثر الأنبياء ولعامة الأولياء بوصف الفقر الظاهر والغنى الباطن دون أرباب الدنيا حيث ابتلوا بالغنى الظاهري والفقر الباطني ولذا قال بعض شراح الحديث عند قوله ومن شر فتنة الفقر كالحسد على الأغنياء والطمع في أموالهم والتذلل لهم بما يتدنس به العرض وينثلم به الدين وعدم الرضى بما قسم الله له إلى غير ذلك مما لا تحمد عاقبته قال الغزالي فتنة الغنى الحرص على جمع المال وحمله على أن يكتسبه من غير حله ويمنعه من واجبات إنفاقه وحقوقه وفتنة الفقر يراد به الفقر الذي لا يصحبه صبر ولا ورع حتى يتورط صاحبه بسببه فيما لا يليق بأهل الدين والمروءة ولا يبالي بسبب فاقته على أي حرام وثب نقله التوربشتي. قوله: (وروينا في كتاب الترمذي) قال في السلاح ورواه الحاكم وابن حبان في صحيحيهما وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم وزاد في آخره والأدواء اهـ. وقضيته أن لفظ والأدواء ليس عند الترمذي لكن في الحصن عزوها إلى رواية الترمذي وكذا في الجامع الصغير قال في الحرز ولعله عند كل واحد منهما يعني الحاكم والترمذي اهـ. قلت الأولى في الجمع أن يقال لعل نسخ الترمذي مختلفة ففي بعضها زيادة الأدواء وهو ما في الحصن والجامع وليس في بعضها وهو ما يفهم من السلاح وقال السخاوي بعد تخريجه هذا حديث حسن وأخرجه الطبراني في الدعاء. قوله: (زياد بن علاقة) بكسر الزاي وبالتحتية وبعدها الألف وعلاقة بكسر المهملة وزياد تابعي يروي عن عمه وعن جرير البجلي خرج عنه أصحاب الكتب الستة مات وقد قارب المائة، سنة مائة وخمسة وعشرين كذا في الكاشف للذهبي. قوله: (عن عمه) وهو قطبة بن مالك وهو الثعلبي ويقال الثعلي والصواب الثعلبي من بني ثعلبة بن سعد بن دينار ويقال الديلي من أهل الكوفة

مُنْكَرَاتِ الأخْلاقِ والأعْمالِ والأهْواءِ" قال الترمذي: حديث حسن. وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي عن شَكَل بن حُمَيد رضي الله عنه -وهو بفتح الشين المعجمة والكاف- قال: قلت: يا رسول الله، علِّمني ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن عقدة إنه من بني ثعل قال ابن الأثير والناس يخالفونه قال في السلاح وليس لقطبة في الستة سوى حديثين أحدهما هذا والثاني أنه -صلى الله عليه وسلم- صلى بقاف والقرآن المجيد الحديث رواه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه اهـ. قوله: (منكرات الأخلاق) قال الطيبي الإنكار ضد العرفان والمنكر كل فعل تتفق في استقباحه العقول وتحكم بقبحه الشريعة أي من سيئ الأخلاق الباطنة كالحسد ونحوه وقال زين العرب منكر الخلق ما لم يعرف أصله من جهة الشرع أو ما عرف قبحه من جهته قال العلقمي وقد قال في كل منهما منكر الخلق وإن كان الثاني صريحاً في ذلك اهـ. قوله: (والأعمال) أي منكرات الأعمال أي الأفعال الظاهرة. قوله: (والأهواء) أي ومنكرات الأهواء وهو بهمزة مفتوحة جمع هوى مصدر هويه إذا أحبه ثم سمي بالهوى المشتهي محموداً كان أو مذموماً ثم غلب على غير المحمود قاله في المغرب قال الطيبي الإضافة في القرينتين الأوليين من إضافة الصفة إلى الموصوف وفي الثالثة بيانية لأن الأهواء كلها منكرة اهـ. وهو مبني على غلبة العرف ويمكن أن يبني على أصل المعنى اللغوي بمعنى المشتهيات النفسية فحينئذ تكون مشتملة على المنكرات والمعروفات إذ قد يوافق الهوى الهدى قال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} والأنسب أن تكون القرائن على طبق واحد. قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) وكذا رواه الحاكم في المستدرك. قوله: (عن شكل بن حميد) وهو بفتح الشين المعجمة والكاف قال ابن الأثير هو العبسي قال في السلاح ليس لشكل في الكتب الستة سوى هذا الحديث.

دعاءً، قال: "قُلِ: اللهُم إني أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ سَمْعِي، ومِنْ شَرّ بَصَري، ومِنْ شَرّ لِساني، وَمِنْ شَرّ قَلْبي ومِنْ شرِّ مَنِيَّي" قال الترمذي: حديث حسن. وروينا في كتابي أبي داود والنسائي بإسنادين صحيحين عن أنس رضي الله عنه أنه النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: "اللهُم إني أعُوذُ بِكَ مِنَ البَرَصِ وَالجُنُونِ والجُذَامِ وَسَيَّئِ الأسقامِ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (دعاء) أي جامعاً. قوله: (من شر سمعي) أي بأن أسمع كلام الزور والبهتان والغيبة وسائر أسباب العصيان أو بأن لا أسمع كلمة الحق أو بأن لا أجد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قوله: (ومن شر بصري) أي بأن أنظر إلى محرم أو أرى إلى أحد بعين الاحتقار أو لا أتفكر في خلق السموات والأرض بنظر الفكر والاعتبار. قوله: (ومن شر لساني) أي بأن أتكلم فيما لا يعنيني أو أسكت عما يعنيني. قوله: (ومن شر قلبي) أي باشتغاله بغير أمر ربي. قوله: (ومن شر منيي) أي بأن أوقعه في غير محله أو يوقعني في مقدمات الزنى من النظر واللمس والعزم وأمثال ذلك ووقع في رواية أبي داود يعني فرجه وقال بعض العلماء المني جمع المنية وهي طول الأمل قال ابن الجزري المني ماء الرجل يريد وضعه فيما لا يحل وتعقب بأن الأولى من حيث المعنى أن لا يخص المني بماء الرجل على ما في المهذب لأن هذا الدعاء أيضاً شامل للنساء وأيضاً شره ليس منحصراً فيما ذكره بل يعم مقدماته أيضاً كما تقدم. قوله: (قال الترمذي الخ) لفظ الترمذي حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث سعد بن أويس عن بلال بن يحيى عن ستير بن شكل عن أبيه اهـ. قوله: (وروينا في كتابي أبي داود والنسائي) ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه كما في الحصن. قوله: (الجنون) أي المزيل للعقل الذي هو منشأ الخيرات العلمية والعملية ومن ثم قيل إنه أفضل من العلم. قوله: (والجذام) في القاموس الجذام كغراب علة تحدث من انتشار السوداء في البدن فتفسد مزاج الأعضاء وهيأتها وربما انتهى إلى

وروينا فيهما عن أبي اليَسر ـــــــــــــــــــــــــــــ تأكل الأعضاء وسقوطها عن تقرح اهـ. والحاصل أنه لما استعاذ مما يشوه الصورة الباطنة من زوال العقل والصورة الظاهرة من الجذام عمم في استعاذة من كل مؤذ للنفس أو البدن على سبيل الإجمال في قوله وسيئ الأسقام أي كالعمى والفالج وإنما قيد الأسقام بالسيئ لأن الأمراض مطهرة للسيئات ومرقية للدرجات وأكثر النّاس بلاءً الأنبياء ثم الأولياء فالتعوذ من جميع الأسقام ليس من دأب الكرام كذا في الحرز وفيه أن الشارع أمر بسؤال العافية من كل بلاء قبل حلوله والصبر على ما يقع من البلاء عند نزوله، قال ابن الجزري سيئ الأسقام قبيحها وقال ميرك نقلاً عن المظهري إن الإضافة ليس بمعنى من كما في قولك خاتم فضة بل هي من إضافة الصفة إلى الموصوف أي الأسقام السيئة ولم يستعذ من الأسقام على الإطلاق لأن منها ما إذا تحامل الإنسان فيه على نفسه بالصبر خففت مؤنته مع عدم أزمانه كالحمى والصداع والرمد وإنما استعاذ من المزمن المنتهي بصاحبه إلى حالة يفر منها الحميم ويقل فيها التداوي مع ما يورث الشين منها الجنون الذي يزيل العقل ولا يأمن صاحبه القتل ومنها البرص والجذام وهما علتان لازمتان مع ما فيهما من القذارة والبشاعة وتغير الصورة والله أعلم. قوله: (وروينا فيهما) قال في السلاح ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد (عن أبي اليسر) بفتح التحتية والسين المهملة واسمه كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة وقيل كعب بن عمرو بن مالك بن عمرو بن عباد بن تميم بن شداد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي شهد العقبة وبدراً وكان عظيم الغارة يوم بدر وغيره وهو الذي أسر العباس ابن عبد المطلب وهو الذي انتزع راية المشركين يوم بدر وكانت بيد عزيز بن عمر ثم شهد المشاهد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم شهد صفين مع علي توفي أبو اليسر بالمدينة سنة خمس وخمسين أخرجه أبو عمر وأبو موسى كذا في أسد الغابة روى عنه مسلم أو أخر

الصحابي رضي الله عنه -وهو بفتح الياء المثناة تحت والسين المهملة- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو: "اللهُم إني أعُوذُ بكَ مِنَ الهَدْم، وأعُوذُ بكَ مِنَ التَّرَدِّي، وأعُوذُ بِكَ مِنَ الغَرَقِ والحَرَقِ والهَرَم، وأعُوذُ بكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ صحيحه حديث واحداً فيه أحاديث له. قوله: (من الهدم) بسكون الدال سقوط البناء وروي بالفتح اسم لما انهدم منه قال ابن رسلان يحتمل أن يراد بالهدم المستعاذ منه هنا هدم الباء المعقود أو السقف لما يترتب عليه من فساد ما يحصل الهدم عليه من أثاث وحيوان وغيره ويحتاج مالكه إلى كلفة في عمارته والسعي فيه ولا يخفى مشقته. قوله: (من التردي) بفعل الهدم أو هو الهلاك أو المراد السقوط ببئر أو مهواة قال ابن الجزري الهدم بإسكان الدال هدم البيت وغيره يعني الموت بالهدم والتردي بفتح الفوقية والراء وتشديد المهملة مكسورة من تردى إذا سقط في بئر أو تهور من جبل اهـ. قوله: (من الغرق) بفتح المعجمة والراء المهملة مصدر غرق وهو الذي غلبه الماء فأشرف على الهلاك ولم يغرق فإذا غرق فهو غريق. قوله: (والحرق) بفتح الراء وهو الذي يقع في حرق النار فالتهب بالنار ولا يموت ويحتمل أنه أراد وقوع النار في زرع ونحوه من المال فإنه إذا وقع في ذلك تحادر إلى ما لا نهاية له كما في بيوت الخشب واستعاذ من الهلاك بهذه الأسباب مع ما فيه من قيل الشهادة لأنها مجهدة مقلقة لا يكاد الإنسان يصبر عليها ويثبت عندها فربما انتهز الشيطان منه فرصة فحمله على ما يخل بدينه ولأنه يعد فجأة وهي أخذة الأسف

أن يَتَخَبَّطَنِي الشيطانُ عِنْدَ الَمَوْتِ، وأعُوذُ بكَ أنْ أمُوتَ في سَبيلِكَ مُدْبراً، وأعُوَذُ بكَ أن أَمُوتَ لَدِيغاً" هذا لفظ أبي داود، وفي رواية له "والغَمّ". ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الطيبي لعل الاستعاذة منها أنها في الظاهر مصائب ومحن كالأمراض المستعاذ منها وترتب الثواب والشهادة عليها ملنا على أن الله تعالى يثيب على المصائب حتى الشوكة التي يشاكها ومع ذلك فالعافية أوسع مع أن ظاهر هذه المذكورات مشعر بالغضب صورة وقال بعضهم الشهادة متمنى كل مؤمن ومطلوبه وقد يجب توخي الشهادة وقصدها بخلاف التردي فالاحتراز عنه واجب ولو سعى فيه عصى. قوله: (أن يتخبطني الشيطان) قال التوربشتي المعنى: أعوذ بك أن يمسني الشيطان عند الموت بنزغاته التي تزل بها الأقدام وتصارع العقول والأحلام وقال الخطابي هو أن يستولي عليه عند مفارقة الدنيا ويحول بينه وبين التوبة أو يعوقه عن إصلاح شأنه والخروج من مظلمة تكون قبله أو يؤيسه من رحمة الله تعالى أو يكرهه الموت ويؤسفه على الحياة فيختم له بالسوء والعياذ بالله تعالى اهـ. قوله: (وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبراً) أي فاراً من الزحف أو تاركاً للطاعة أو مرتكباً للمعصية أو رجوعاً إلى الدنيا بعد الإقبال على العقبى واختيار الغفلة والهوى إلى السوى عن الحضور مع المولى قيل هذا وأمثاله تعليم للأمة وإلا فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يجوز عليه الخبط والفرار من الزحف ونحوهما وفي الحرز الأظهر أن هذا كله تحدث بنعمة الله وطلب الثبات عليها والتلذذ بذكرها المتضمن لشكرها الموجب لمزيد النعم المقتضي لإزالة النقم. قوله: (لديغاً) بالمهملة المكسورة والتحتية الساكنة والغين المعجمة أي ملدوغاً، في القاموس لدغته العقرب والحية وتقدم في باب أذكار المساء والصباح الفرق بين اللدغ بالمهملة والمعجمة وعكسه والاستعاذة مختصة بأن يموت عقب اللدغ فيكون من قبيل موت الفجاءة وإلا فصح أنه -صلى الله عليه وسلم- مات شهيداً من أثر أكل الشاة المسمومة لليهودية وكذا موت الصديق الأكبر من أثر لسع الحية في الغار. قوله: (وفي رواية له) أي لأبي داود وكذا

وروينا فيهما بالإسناد الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " اللهُم إني أعُوذُ بِكَ مِنَ الجُوعِ فإنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ، وَأعُوذُ بِكَ مِنَ الخِيَانَةِ فإنَّها بِئْسَتِ البطانَةُ". وروينا في كتاب الترمذي عن علي رضي الله عنه أن مكاتَباً جاءه فقال: إني عجزت عن كتابتي فأعنِّي، قال: ألا أعلِّمك كلماتٍ علَّمنيهن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لو كان عليك مثل جبل [صِبيرٍ] ديناً أدّاه عنك؟ قال: قُلِ: "اللهم اكْفني بحَلاَلِكَ عَنْ حَرامِكَ، وَاغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ" قال الترمذي: حديث حسن. وروينا فيه عن عمران بن الحصن رضي الله عنهما، أن النبي -صلى الله عليه ـــــــــــــــــــــــــــــ رواه الحاكم كما في السلاح. قوله: (وروينا فيهما بالإسناد الصحيح) ورواه الحاكم من جملة حديث عن ابن مسعود. قوله: (من الجوع) أي المفرط أي المانع من الحضور. قوله: (فإنه بئس الضجيع) أي المضاجع وهو الذي ينام معك في فراش واحد تعليل للاستعاذة أي بئس المصاحب لأنه يمنع استراحة البدن وراحة القلب فإن الجوع القوي يثير أفكاراً ردية وخيالات فاسدة فيخل بوظائف العبادات ومن ثم حرم الوصال. قوله: (من الخيانة) أي فيما اؤتمنت عليه من حق جوار الخلق. قوله: (فإنها بئست البطانة) أي الخصلة الباطنة قال ابن الجزري البطانة بكسر الموحدة خاصة الرجل ويحتمل أن يراد خلاف الطهارة أي خلاف ما يظهره واستعاذته من هذه الأشياء لتكمل صفاته في كل أحواله وتعليماً لأمته وإرشاداً لهم ليقتدوا فيحصل لهم خير الدنيا والآخرة اهـ. وفي الحرز الأظهر أن المراد بالاستعاذة هنا طلب الثبات والاستقامة على صفات الكمال في كل حال وللإعلام بأن هذه أوصاف ذميمة فمن وجدت فيه فليعالج في إزالتها ومن فقدت فليحمد الله على ذلك ويطلب منه ثباتها. قوله: (روينا في كتاب الترمذي عن علي رضي الله عنه) تقدم الكلام على ما يتعلق

وسلم- علَّم أباه حصيناً كلمتين يدعو بهما: "اللَّهُمَّ ألهِمْنِي رُشْدي، وأَعِذْني مِنْ شَرّ نَفْسي" قال الترمذي: حديث حسن. وروينا فيهما بإسناد ضعيف عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: "اللهُم إني أعُوذُ بِكَ مِنَ الشِّقاقِ وَالنِّفاقِ وَسُوءِ الأخْلاَقِ". وروينا في كتاب الترمذي عن شهر بن حوشب قال: قلت لأمّ سلمة رضي الله عنها: يا أمَّ المؤمنين ما كان أكثر دعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كان عندكِ؟ قالت: كان أكثر دعائه "يا مُقَلِّبَ القُلوب ثَبِّتْ قَلْبي على دِينِكَ" قال ـــــــــــــــــــــــــــــ به تخريجاً ومتناً في باب ما يقوله إذا كان عليه دين وعجز عنه. قوله: (ألهمني) دعاء من الإلهام و (رشدي) بضم فسكون وفي نسخة بفتحهما وهما لغتان قرئ بهما {مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} وفي القاموس رشد كنصر وفرح رشد ورشداً ورشاداً اهتدى وأما ما ذكره الحنفي من أن الرشد بضم الراء وفتحها مع سكون الشين وبفتحتين أيضاً والرواية هنا على الأول فوقع في غير محله فإن الفتح مع السكون غير صحيح والرواية غير منحصرة في الأول. قوله: (وأعذني) سؤال ودعاء من الإعاذة أي أجرني واحفظني. قوله: (وروينا فيهما) أي في كتابي أبي داود والترمذي واقتصر في الحصن على عزوه لأبي داود. قوله: (من الشقاق) بكسر الشين أي الخلاف والعداوة (والنفاق) بكسر النون مخالفة الظاهر للباطن دنيا وديانة (وسوء الأخلاق) أي من الأخلاق السيئة فهو من عطف المغاير أو من جميع الأخلاق السيئة فهو من عطف العام على الخاص تنبيهاً على أن الشقاق والنفاق أعظمها ضرراً لأنه يسري ضررهما إلى الغير. قوله: (وروينا في كتاب الترمذي) ورواه أحمد من حديث أم سلمة أيضاً ورواه النسائي من حديث عائشة وأبو يعلى والحاكم في المستدرك من حديث جابر وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم ورواه ابن ماجه من حديث أنس. قوله: (يا مقلب القلوب) أي يا محولها من حال إلى حال (ثبت قلبي على دينك) قال الترمذي:

الترمذي: حديث حسن. وروينا في كتاب الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللَّهُمَّ عافني في جَسَدي، وعَافِني في بَصَرِي، واجْعَلْهُ الوَارِثَ مِني، لا إله إلاَّ أنْتَ الحَلِيمُ الكَرِيمُ، سُبْحانَ الله ربُ العَرْشِ العَظِيمِ، والحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالمينَ". وروينا فيه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كانَ مِنْ دُعاءِ دَاوُدَ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمْ: اللَّهُمَّ إنى أسألُكَ حُبَكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قالت يعني أم سلمة فقلت: يا رسول الله ما لأكثر دعائك يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك فقال: يا أم سلمة إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصابع الرحمن فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا. قوله: (وروينا في كتاب الترمذي) ورواه. قوله: (عافني في جسدي) أي من جميع الأمراض. قوله: (وعافني في بصري) أي بأن تديم لي سلامته من العمى أو بأن توفقني للنظر به في مصنوعاتك. قوله: (واجعله الوارث مني) أي اجعله آخر ما يسلب منه الانتفاع من البدن وتقدم لهذا بسط في أذكار المساء والصباح. قوله: (وروينا فيه) أي في كتاب الترمذي ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد وفي آخر الحديث عندهما قال: وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ذكر داود يحدث عنه قال كان أعبد البشر اهـ. وهو محتمل لأن يراد من البشر أهل عصره وزمنه أو يراد منه أنه أشكر النّاس قال تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} وعلى الثاني فالمراد منه غيره -صلى الله عليه وسلم- لأن المتكلم لا يدخل في عموم كلامه. قوله: (حبك) أي حبي إياك بامتثال أوامرك واجتناب نواهيك أو حبك إياي بإرادتك التوفيق لي إلى الطاعة في الدنيا وبحسن الثناء والإثابة في العقبى وهذا هو الأصل النافع كما يشير إليه قوله تعالى {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}. قوله: (وحب من يحبك) الأظهر أنه من إضافة المصدر إلى مفعوله.

وَالعَمَلَ الذي يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ، اللهُم اجْعَلْ حُبَّكَ أحَبَّ إليَّ مِنْ نَفْسِي وَأهْلي وَمِنَ المَاءِ البارِدِ" قال الترمذي: حديث حسن. وروينا فيه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "دَعْوةُ ذِي النُّونِ إذْ دَعا رَبّهُ وَهُوَ في بَطْنِ الحُوتِ: لا إله إلاَّ أنْتَ سُبْحانَكَ إني كُنْتُ مِنَ الظالِمينَ، فإنَّهُ لَمْ يَدْع بِها رَجلٌ مُسْلِمٌ في شَيءٍ قَط إلاَّ اسْتَجَابَ لَهُ" قال الحاكم أبو عبد الله: هذا صحيح الإسناد. وروينا فيه وفي كتاب ابن ماجه عن أنس رضي الله عنه، أن رجلاً جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله أي الدعاء أفضل؟ قال: "سَلْ رَبَّكَ العافِيَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (والعمل) بالجر عطف علي من يحبك وبالنصب على المضاف أي أسألك العمل (الذي يبلغني) أي بتشديد اللام ويجوز تخفيفها أي يوصلني إلى حبك إياي أو حبي إياك. قوله: (اللهم اجعل حبك) أي حبي إياك (أحب إليّ من نفسي وأهلي) أي من حبهما قال القاضي عدل عن اجعل نفسك أحب إلي من نفسي مراعاة للأدب حيث لم يرد أن يقابل نفسه بنفسه عزّ وجلّ والنفس تطلق عليه على سبيل المشاكلة كما في قوله تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} اهـ. وجاء من غير مشاكلة في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أنت كما أثنيت على نفسك" وتقدم في أوائل الكتاب أن من منع إطلاق النفس قال لأنها من النفس بفتح أوليه ومن أجازه قال من النفيس. قوله: (ومن الماء البارد) أي ومن حبه وفيه إشعار أنه كان يحبه حباً بليغاً قال بعض العارفين إذا شربت عذباً بارداً أحمد ربي من صميم قلبي وقال بعضهم أعاد من ليدل على استقلال الماء البارد في كونه محبوباً وذلك في بعض الأحيان فإنه يعدل بالروح للإنسان. قوله: (وروينا فيه عن سعد) تقدم الكلام عليه في باب دعاء الكرب. قوله: (أن رجلاً) يحتمل أن يكون العباس المذكور في الخبر بعده ويحتمل أن يكون غيره. قوله: (العافية) أي السلامة من كل مؤلم ومكدر ظاهر أو باطن ديني أو دنيوي

والمُعافَاةَ في الدُّنْيا والآخرَةِ"، ثم أتاه في اليوم الثاني فقال: يا رسول الله، أي الدعاء أفضل؟ فقال له مثل ذلك، ثم أتاه في اليوم الثالث فقال له مثل ذلك، قال: "فإذا أُعْطِيتَ العافِيَةَ في الدُّنْيا وأُعْطِيتَها في الآخرة فَقَد أفْلَحْتَ" قال الترمذي: حديث حسن. وروينا في كتاب الترمذي عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، علِّمني شيئاً أسأله الله تعالى، قال: "سَلُوا الله العافِيَةَ"، فمكثت أياماً ثم جئت فقلت: يا رسول الله علمني شيئاً أسأله الله تعالى، فقال لي: "يا عَبَاسُ يا عَمَّ رَسُولَ اللهِ، سَلُوا اللهَ العافِيَةَ في الدُنيا والآخرَةِ" قال الترمذي: هذا حديث صحيح. وروينا فيه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئاً، فقلنا: يا رسول الله، دعوت بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئاً، فقال: ـــــــــــــــــــــــــــــ فهي متضمنة للعفو وشاملة لما في قوله (والمعافاة في الدنيا والآخرة) أي أن يعافيك الله من النّاس ويعافيهم منك أي يسلمك من أذاهم والافتقار إليهم ويسلمهم من أذاك والافتقار إليك فإنك لا تعينهم وقيل من أن تعفو عنهم ويعفوا عنك. قوله: (قال) أي بعد أن ذكر له سل الخ ما هو كالنتيجة لما من من السؤال المكرر ثلاثاً (فإذا أعطيت) أي فإذا استجيب لك بأن أعطيت الخ. قوله: (فقد أفلحت) أي ظفرت بجميع مطلوباتك إذ الفلاح الظفر بالبغية ولذا قيل ليس في الشريعة كلمة أجمع منه إلا العافية. قوله: (ادع الله) بالجزم على أنه جواب الدعاء وفي نسخة ادعو بالرفع بتقدير أنا. قوله: (فمكث) بفتح الكاف وضمها أي لبث. قوله: (أسأله) بالجزم جواب الدعاء وقيل بالرفع صفة شيئاً. قوله: (يا عباس) بالضم. قوله: (يا عم رسول الله) أتى به بعد ندائه باسمه إيماء إلى أنه بإضافته إلى هذا الرسول الكريم يستحق الدلالة على أسنى طرق الخيرات ففيه إشارة إلى أنه يطلب منه تلقي ما يلقيه عليه من

"ألا أدُلُّكُمْ عَلى ما يَجْمَعُ ذلكَ كلَّهُ؟ تَقُولُ: اللهُم إني أسألُكَ مِنْ خَيْرِ ما سألَكَ مِنْهُ نَبيكَ مُحَمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم-، ونَعُوذُ بِكَ مِن شَرّ ما اسْتعاذَكَ مِنْهُ نَبيكَ مُحَمَدٍ -صلى الله عليه وسلم- وأنْتَ المُسْتَعانُ وعَلَيك البَلاغُ، ولا حَوْلَ ولا قوَّةَ إلاَّ بالله" قال الترمذي: حديث حسن. وروينا فيه عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أَلِظُّوا بِيا ذَا الجَلالِ وَالإكْرَامِ". ورويناه في كتاب النسائي من رواية ربيعة بن عامر الصحابي رضي الله عنه، قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد. قلت: أَلِظُّوا بكسر اللام وتشديد الظاء المعجمة، ومعناه: الزموا هذه الدعوة وأكثروا منها. وروينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو ويقول: "ربِّ أعِنِّي ـــــــــــــــــــــــــــــ غير توقف عليه. قوله: (ألا أدلكم على ما يجمع ذلك كله) ففيه أن هذا المذكور من الجامع الذي ينبغي الإكثار من الدعاء به. قوله: (وأنت المستعان) المسؤول منه العون. قوله: (وعليك البلاغ) ما يتبلغ ويتوصل به إلى الشيء المطلوب. قوله: (وروينا عن أنس رضي الله عنه). قوله: (ورويناه في كتاب النسائي) أي في الكبرى وكذا رواه من حديث ربيعة الإِمام أحمد والحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد. قوله: (من رواية ربيعة بن عامر الصحابي) هو ربيعة بن عامر بن بجاد بالموحدة والجيم قاله ابن فقطة يعد في أهل فلسطين قاله ابن منده وأبو نعيم وقال أبو عمر ربيعة بن عامر بن الهادي الأزدي ويقال الأسدي يعني بسكون السين ويقال إنه ديلي من رهط ربيعة بن عباد. قوله: (وروينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه) وكذا رواه النسائي والحاكم وابن حبان في صحيحيهما كما في السلاح ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه كما في الحصن. قوله: (يقول) بدل مما قبله. قوله: (رب أعني) أي على

ولا تَعِنْ عَليَّ، وانْصُرْني وَلا تَنْصُرْ عَليَّ، وامكُرْ لي وَلا تَمْكُرْ عَليَّ، واهدِني ويَسِّرْ الهدى لي، وانْصُرْني على مَنْ بَغَى عَليَّ، رَبِّ اجْعَلْني لكَ شاكِراً، لكَ ذَاكِراً، لَكَ راهِباً، ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكرك وشكرك وحسن عبادتك كما في حديث آخر (ولا تعن علي) أي من يمنعني عن ذلك، ويحتمل أن يكون المراد أعني على أعدائك الذين يريدون قطعي عنك ولا تعن أحداً منهم علي وعليه فيكون قوله (وانصرني ولا تنصر علي) تأكيداً لما قبله أو من عطف الخاص على العام لأن الأول في الأعداء المقاتلين وغيرهم والثاني في المقاتلين وعلى الأول فقوله وانصرني أي على نفسي وشيطاني وسائر أعدائي ولا تنصر علي أي أحداً من خلقك من عطف العام على الخاص. قوله: (وامكر لي ولا تمكر علي) هذا مما استعمل في حقه تعالى والمراد غايته كما هو القاعدة في كل ما استحالت حقيقته على الله تعالى إذ المكر الخداع وهو إبطال الحيلة للغير حتى ينفذ فيه ما يريده به من الشر وهذا محال على الله عزّ وجلّ إذ لا يفعل ذلك إلا عاجز عن الأخذ مقاهرة ولكن غايته إيقاع البلاء بالعدو من حيث لا يشعر أو استدراجه بالطاعة حتى يظن أنه على شيء وليس على شيء ومن ثم قال بعض العارفين في قوله تعالى: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} تظهر لهم الكرامات حتى يظنوا أنهم من الأولياء ثم نأخذهم على غرة فقوله: امكر لي، أي أوقع البلاء بالأعداء من حيث لا يشعرون. ولا تمكر علي، بالاستدراج بالطاعة وتوهم أنها مقبولة وهي مردودة. قوله: (واهدني) أي دلني على عيوب نفسي وأوصلني إلى المقامات الكريمة (ويسر لي الهدى) أي سهل أسبابه لي أي لأجلي. قوله: (على من بغى علي) أي ظلم وتعدى وطغى وهذا تأكيد لقوله أعني الخ. قوله: (لك) أي وحدك كما أفاده تقديم المعمول وكذا في الباقي فتقديم الصلات لذلك والاهتمام. وقوله (شاكراً) أي بلساني وجناني وأركاني بأن اصرف ذلك كله إلى ما خلقته لأجله من دوام الذكر وشهود الجلال والقيام بوظائف الخدمة والعبودية. قوله: (ذاكراً) أي باللسان والجنان بذكر أسمائك وجلائل نعمك ودقائقها فهو كالتأكيد لما علم مما تقرر في الشكر أنه يشمله وكذا يقال فيما بعده. قوله: (راهباً) أي منقطعاً عن

لَكَ مِطْواعاً، إليكَ مُخبتاً أو مُنِيباً، تَقَبَّلْ تَوْبَتي، واغْسِلْ حَوْبَتي، وأَجِبْ دَعْوَتي، وثَبِّتْ حُجتي، واهْدِ قَلْبي، وسَدِّدْ لِسَانِي، وَاسْلُلْ سَخيمَةَ قَلْبي" ـــــــــــــــــــــــــــــ الخلق متجرداً عنهم متوجهاً إلى الحضور مع الحق. قوله: (مطواعاً) بكسر أوله وسكون ثانية المهمل أي كثير الطوع وهو الطاعة ذكره الطيبي وفي رواية ابن أبي شيبة مطيعاً إليك. قوله: (لك مخبتاً) قيل الأصل إليك كما في {وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ} وعدل منه إلى اللام تأكيداً لمعنى الاختصاص المتبادر من التقديم والمخبت قال ابن الجزري الخاشع من الإخبات الخشوع والتواضع وقال ابن حجر الهيتمي مخبتاً أي وجل القلب عند ذكرك صابراً على ما أصابني مقيماً للصلاة على ما ينبغي منفقاً مما رزقتني دل على ذلك قوله: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} وأصل الإخبات الطمأنينة ومنه {وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ} أي اطمأنت نفوسهم إلى امتثال جميع ما برز منه والمخبت الخاشع المتواضع. قوله: (إليك أواها) أتى بإلى في هذا المقام لكونها أظهر تبادراً أو معنى من اللام والأواه مبالغة من أوه تأويها إذا قال أوه وهو صوت الحزين المتفجع. قوله: (منيباً) أي اجعلني راجعاً إليك عن المعصية إلى الطاعة وعن الغفلة إلى الحضرة. قوله: (تقبل توبتي) أي اجعلها قابلة للقبول. قوله: (حوبتي) بفتح المهملة والحوب بالضم والفتح الإثم كذا في السلاح وغسلها كناية عن إزالتها بالكلية بحيث لا يبقى منها أثر. قوله: (وأجب دعوتي) أي جميع دعواتي كما أفادته الإضافة وذكر لأنه من فوائد قبول التوبة وذكر ابن حجر في شرح المشكاة أن دعوات التائب مستجابة بإعطائها نفسها أو ما هو أفضل منها. قوله: (وثبت حجتي) أي على أعدائك في الدنيا وعند إجابة الملكين في البرزخ وبين يديك عند الحساب يوم القيامة. قوله: (واهد قلبي) أي أوصله إلى دوام مراقبة إطلاعك عليه ثم شهود عظمتك بحيث يكون فانياً عما سواك راغباً في دوام إمدادك ورضاك. وقوله: (وسدد لساني) أي اجعله متحرياً للسداد فلا أنطق إلا بالحق فأكون مصيباً كما أن من سدد ساعده عند رمية سهمه يكون مصيباً غالباً. قوله: (واسْلُل سخيمة صدري)

وفي رواية الترمذي: "أوَّاهاً مُنِيباً" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. قلت: السخيمة بفتح السين المهملة وكسر الخاء المعجمة، وهي الحقد، وجمعها سخائم، هذا معنى السخيمة هنا. وفي حديث آخر: "مَنْ سلَّ سَخِيمَتَهُ في طَرِيقِ المُسْلِمِينَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ" والمراد بها الغائط. وروينا في مسند الإِمام أحمد بن حنبل رحمه الله وسنن ابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها: "قُولي: اللهم إني أسألُكَ مِنَ الخَيرِ كُلِّهِ عاجِلِهِ وآجِلِهِ، ما عَلِمْتُ مِنْهُ ومَا لَمْ أعْلَمْ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ الشَرِّ كُلِّهِ عاجِلِهِ وآجِلِهِ ما عَلِمتُ مِنْهُ وَما لَمْ أعْلَمْ، وأسألُكَ الجَنَّةَ وَما قرَّبَ إلَيهَا مِنْ قَوْلٍ أوْ عَمَلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي أخرجها من سل السيف أخرج من غمده والسخيمة هنا كما قاله المصنف الحقد وجمعها كما في السلاح السخائم أي أخرج ما في صدري من الحسد والكبر وغيرهما من الأخلاق الرديئة من السخمة وهي السواد ومنه سخائم القدر وإضافتها للصدر لأن مبدأها أي غالباً القوة الغضبية المنبعثة من القلب الذي هو في الصدر وفي رواية ابن أبي شيبة (وقلبي) في موضع صدري. قوله: (وفي حديث آخر) رواه ابن الأثير في النهاية ولم يذكر مخرجه. قوله: (وروينا في مسند الإِمام أحمد بن حنبل) ورواه ابن حبان والحاكم في صحيحيهما من حديث عائشة كما في الحصن. قوله: (كله) بالجر على أنه تأكيد للخير وبالنصب على أنه مفعول ثان لأسألك كذا ذكره الحنفي في شرح الحصن والظاهر أن وجه النصب أنه تأكيد لمحل الظرف لا سيما ومن زائدة لإرادة الاستغراق وإلا فيصير التقدير أسألك كل الخير وكذا الحال في قوله عاجله وآجله بحسب تقديرهما كذا في الحرز وفيه نظر لأن شرط زيادة من عند البصريين وهو المختار من تنكير معمولها وتقدم نفي أو شبهه مفقود وحينئذٍ فمن ليست زائدة بل هي إما للبيان أي أسألك مسؤولاً هو الخير كله أو للابتداء أي أسألك خيراً مبدؤه الخير والله أعلم. قوله: (وما لم أعلم) أي منه. قوله: (قرب) بتشديد الراء المهملة أي قربني. قوله: (من قوله أو عمل) بيان للموصول أي سواء كان

وأعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَما قَرَّبَ إلَيها مِنْ قَولٍ أو عَمَلٍ، وأسألُكَ خَيرَ ما سَألَكَ بهِ عبدُكَ ورَسُولُكَ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأعوذُ بكَ من شر ما استَعاذَكَ منْهُ عَبدُكَ ورَسُولُكَ مُحَمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم-، وأَسألُكَ ما قَضَيتَ لي مِنْ أمرٍ أنْ تَجعَلَ عاقِبَتَهُ رَشَداً" قال الحاكم أبو عبد الله: هذا حديث صحيح الإسناد. ووجدت في "المستدرك" للحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان في دعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهُم إنَّا نَسْأَلُكَ موجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وعزائِم مَغفِرَتِكَ، والسّلامَةَ مِنْ كُلَ إثْمٍ، والغَنِيمَةَ منْ كل بِرٍّ، والفَوْزَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالجوارح أو بالقلب فأو للتنويع. قوله: (ما قضيت لي) أي قضيته فالعائد محذوف حذفه في قوله: أهذا الذي بعث الله ورسولاً وقوله (أن تجعل) مفعول ثان لأسألك و (عاقبته رشداً) مفعولاً جعل، بفتح أوليه وبضم الراء وسكون المعجمة وجهان تقدم بيانهما. قوله: (ووجدت في المستدرك) بفتح الراء وقد تقدم ما يتعلق به في باب فضل الذكر غير مقيد في أول الكتاب، ثم الحديث رواه الطبراني في كتاب الدعاء لكن من حديث أنس وزاد في آخره اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا ديناً إلا قضيته ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيتها برحمتك يا أرحم الراحمين كذا في السلاح وفي الحرز ما يفهم أن الحديث عند الطبراني في الكبير من غير هذه الزيادة. قوله: (موجبات رحمتك) بكسر الجيم على ما في الأصول المعتمدة والنسخ الصحيحة المعتبرة من الحصن قال في النهاية وهي الكلمة التي أوجبت لقائلها الجنة اهـ. والأولى إبدال الكلمة بنحو الخصلة أو الفعلة كما لا يخفى وقال السيوطي موجبات رحمتك أي مقتضياتها بوعدك فإنه لا يجوز الخلف فيه وإلا فالحق سبحانه لا يجب عليه لأحد شيء اهـ. ووقع في بعض نسخ الحصن بفتح الجيم قال في الحرز والظاهر أنه سهو قلم ولا يبعد أن يقال -أي وإن صحت به رواية- المعنى أسألك الحالات التي أوجبتها رحمتك لكن يؤيد الأول قوله وعزائم مغفرتك أي نسألك أعمالاً تعزم وتتأكد بها مغفرتك على ما في النهاية. قوله: (والسلامة من كل إثم) قال العلقمي قال شيخنا يعني السيوطي قال العراقي فيه جواز سؤال

بالجنةِ والنجَاةَ مِنَ النَّارِ" قال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم. وفيه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "وَاذُنُوباهُ وَاذُنُوباهُ"، مرتين أو ثلاثاً، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قُل: اللهُم مَغْفِرَتُكَ أوسَعُ مِنْ ذُنُوبي ورَحْمَتُكَ أرْجَى عِنْدِي مِنْ عَمَلي"، فقالها، ثم قال: عُدْ، فعاد، ثم قال: "عُدْ، فعاد، فقال؛ قُمْ فَقَدْ غُفِرَ لَكَ". وفيه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن للهِ تَعَالى مَلَكاً مُوَكَّلاً ـــــــــــــــــــــــــــــ العصمة وقد أنكر بعضهم جواز ذلك إذ العصمة إنما هي للأنبياء والملائكة قال والجواب أنها في حق الأنبياء والملائكة واجبة وفي حق غيرهم جائزة وسؤال الجائز جائز إلا أن الأدب سؤال الحفظ في حقنا لا العصمة وقد يكون هذا هو المراد هنا اهـ. وقال ابن حجر الهيتمي في شرح العباب الحق ما قاله بعض المتأخرين أنه إن قصد التوقي عن جميع المعاصي والرذائل في سائر الأحوال امتنع لأنه سؤال مقام النبوة وإن قصد التحفظ من أعمال السوء فهذا لا بأس به اهـ. قوله: (وفيه) أي في كتاب الحاكم وقال الحاكم بعد تخريجه رواته عن آخرهم مدنيون ممن لا يعرف واحد منهم بجرح وكذا رواه الضياء عن جابر كما في الجامع الصغير. قوله: (مغفرتك أوسع من ذنوبي) أي أن ذنوبي وإن عظمت فمغفرتك أعظم منها وما أحسن قول الإِمام الشافعي: تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما وقال الشرف البوصيري: يا نفس لا تقنطي من زلة عظمت ... إن الكبائر في الغفران كاللمم لعل رحمة ربي حين يقسمها ... تأتي على حسب العصيان في القسم قوله: (ورحمتك أرجى عندي من عملي) أي تعلقي برحمتك وإحسانك أشد عندي من تعلقي بعملي من الرجاء والتعلق به لأن العمل لا ينفع صاحبه إلا برحمة الله

بمَنْ يَقُولُ: يا أرحَمَ الرَّاحِمِينَ، فَمَنْ قالَها ثَلاثاً قالَ لهُ الملَكُ: إن أرحَمَ الراحمِينَ قَدْ أقْبَلَ عَلَيكَ فَسَلْ". ـــــــــــــــــــــــــــــ كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "لن يدخل أحدكم الجنة بعمله" قالوا: ولا أنت يا رسول الله قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته (ومن لطيف ما يحكى) أن بعض النبهاء الإيقاظ حضر مجلس بعض الوعاظ فأصابته سنة من المنام فرأى القيامة قد قامت وقد وقف النّاس للحساب فدعى ذلك الواعظ وأوقف بين يدي الحق تعالى فقال له: يا عبد السوء ما فعلت فيما علمت قال: يا رب علمت العلم من أجلك فقال: لا ولكنك علمت ليقال انطلقوا به إلى النار فاكتنفته الزبانية فصار يلتفت خلفه فأمر الله به فأعيد إلى موقفه الأول ثم قال له يا شيخ السوء ما بالك تلتفت خلفك قال: يا رب ما كان هذا ظني قال وما ظنك فقال وذكر إسناده إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن جبريل عن الله عزّ وجلّ أن الله يستحي أن يعذب شيبة شابت في الإسلام فقال الله تعالى صدق فلان وصدق فلان وصدق رسولي وصدق وصدقت جبريل اذهبوا به إلى الجنة أو كما قال: فانتبه ذلك النائم من سنته فسمع الشيخ وهو يقول: حاسبونا فدققوا ... ثم منوا فأعتقوا هكذا سيمة الملوك ... بالمماليك يرفقوا وأخرج البغدادي في "تاريخ بغداد" في ترجمة يحيى بن أكتم عن محمد بن سلمة الرجل الصالح قال رأيت يحيى بن أكتم القاضي في المنام فقلت له: ما فعل الله بك فقال: أوقفني بين يديه وقال: يا شيخ السوء لولا شيبتك لأحرقتك بالنار فأخذني ما يأخذ العبد بين يدي مولاه فلما أفقت قال لي: يا شيخ السوء فذكر الثانية والثالثة مثل الأولى سواء قال: فلما أفقت قلت: يا رب ما هكذا حدثت عنك فقال الله عز وجل: وما حدثت عني وهو أعلم بذلك قلت: حدثني عبد الرزاق بن همام نا معمر

باب في آداب الدعاء

باب في آداب الدعاء اعلم أن المذهب المختار الذي عليه الفقهاء والمحدّثون وجماهيرُ العلماء من الطوائف كلِّها من السلف والخلف: أن الدعاء مستحب، قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] وقال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن راشد عن ابن شهاب الزهري عن أنس بن مالك عن نبيك -صلى الله عليه وسلم- عن جبريل عنك أنك قلت ما شاب لي عبد في الإسلام شيبة إلا استحيت منه أن أعذبه بالنار فقال الله تعالى: صدق عبد الرزاق وصدق معمر وصدق الزهري وصدق أنس وصدق نبيي وصدق جبريل أنا قلت ذلك، انطلقوا به إلى الجنة وفي ختم الباب بحديث أبي أمامة تحريض على التمسك بأذيال الكرام والاعتصام بحبل الرحمة وإعلام بأن إجابة الدعوات من محض الرحمة والمنة ولله المنة والله أعلم. باب آداب الدعاء قال بعض العارفين العمل موصل إلى الثواب والأدب في العمل يوصل إلى الله سبحانه وسبق تعريف الأدب أوائل الكتاب وقال الحافظ القسطلاني الأدب ما يحمد قولاً وفعلاً وعبر عنه بعضهم بأنه الأخذ بمكارم الأخلاق وما قاله الحافظ أولى والدعاء سؤال العبد من الله تعالى. قوله: (أن الدعاء مستحب الخ) سئل العز بن عبد السلام هل يجوز أن يقال لا حاجة إلى الدعاء إذ لا يرد قضاء ولا قدراً فأجاب من زعم عدم الحاجة إلى الدعاء فقد كذب وعصى ويلزمه أن يقول لا حاجة بنا إلى الإيمان والطاعة لأن ما قضاه الله من الثواب والعقاب حاصل ولا يدري هذا الأحمق أن مصالح الدارين قد رتبها الله تعالى على الأسباب فإن بناه على أن ما سبق له لا يغيره الدعاء لزمه أن لا يأكل ولا يشرب إذا جاع أو عطش ولا يتداوى إذا مرض وأن يلقى الكفار بلا سلاح ويقول في ذلك كله ما قضاه الله تعالى لا يرد وهذا لا يقوله مسلم ولا عاقل وما أجراً هذا الشخص على الجرأة بإذكار الشرع وحاصله

وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] والايات في ذلك كثيرة مشهورة. وأما الأحاديث الصحيحة، فهي أشهر من أن تُشْهَر، وأظهر من أن تُذْكَر، وقد ذكرنا قريباً في الدعوات ما فيه أبلغ كفاية، وبالله التوفيق. وروينا في "رسالة الإِمام أبي القاسم القشيري" رضي الله عنه قال: اختلف النّاس في أن الأفضل الدعاء، أم السكوت والرضى؟ فمنهم من قال: الدعاء عبادة، للحديث السابق: "الدُّعاءُ هُو العِبَادَةُ" ولأن الدعاء إظهار الافتقار إلى الله تعالى. وقالت طائفة: السكوت ـــــــــــــــــــــــــــــ إن الإيمان بالقضاء لا يقتضي ترك الأسباب فالله تعالى قدر الأمر وقدر سببه. قوله: (والآيات في الباب كثيرة) كقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} وكقوله تعالى: ({ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} أي عن دعائي كما قال بعض المفسرين وجاء ما يوميء إليه في الحديث المرفوع عن سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم-. قوله: (للحديث السابق الدعاء هو العبادة) وآخر الحديث ثم تلا أي النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال ربكم: {ادْعُونِي} الآية رواه أحمد والبخاري في تاريخه وأصحاب السنن الأربعة وابن حبان والحاكم في مستدركه وابن أبي شيبة في مصنفه وقال الترمذي حسن صحيح وقال الحاكم صحيح الإسناد وأخرجه الطبراني في كتاب الدعاء كل هؤلاء أخرجوا الحديث من حديث النعمان بن بشير وأخرجه أبو يعلى في مسنده عن البراء. قوله: (ولأن الدعاء إظهار الافتقار إلى الله تعالى) قال القشيري: هو حق الله فإن استجاب للعبد فهو زيادة وإن لم يستجب له ولم يصل إلى حظ نفسه فقد قام بحق ربه فإن الدعاء إظهار فاقة العبودية وقد قال أبو حازم الأعرج لأن أحرم الدعاء أشد علي من أن أحرم الإجابة أي لأن الدعاء حق الله تعالى والإجابة حق العبد. قوله: (وقال طائفة السكوت الخ) هذا مقام إبراهيمي ففي الحديث أنه لما وضع إبراهيم في المنجنيق ليرمى به جاءه جبريل فقال: ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا

والخمود تحت جَرَيان الحُكْم أتم، والرضى بما سبق به القدر أولى، وقال قوم: يكون صاحبَ دعاءٍ بلسانه ورضىً بقلبه ليأتي بالأمرين جميعاً. قال القشيري: والأولى أن يقال: الأوقات مختلفة، ففي بعض الأحوال الدعاء أفضل من السكوت، وهو الأدب، وفي بعض الأحوال السكوت أفضل من الدعاء، وهو الأدب، وإنما يُعرف ذلك بالوقت، فإذا وجد في قلبه إشارة إلى الدعاء، فالدعاء أولى به، وإذا وجد إشارة إلى السكوت، فالسكوت أتم. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما إليه فبلى، فقال: سله. فقال: حسبي من سؤالي علمه بحالي. وقوله: (والخمود) بالمعجمة أصله زوال لهب النار مع بقاء جرمها وكني به عن عدم الاضطراب بالقلب والسكون تحت مرادات الرب. وقوله: (جريان القضاء) أي السكون تحت المقضي (أولى) قال القشيري: ولذا قال الواسطي اختيار ما جرى لك في الأزل خير لك من معارضة الوقت وقد قال -صلى الله عليه وسلم- من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين اهـ. قوله: (وقال قوم يكون صاحب دعاء بلسانه) أي امتثالاً للأمر الوارد بطلبه وقياماً بمقام العبودية (ورضا بقلبه) بالأقضية الإلهية فلا يقصد بالدعاء معارضة الأقدار ولكن يقصد أن يشغل لسانه به لكونه من جملة الأذكار مع شغل قلبه بربه ورضاه بمقتضاه. قوله: (قال القشيري والأولى أن يقال الخ) قال شيخ الإسلام زكريا في شرح الرسالة فرب شخص في خلوة يغلب عليه الدعاء وكمال التضرع والبكاء فملازمته لحالته أقرب لنيل مقصوده وربما يغلب عليه توالي نعم ربه وعجزه عن شكرها ويستحي بعجزه عن شكر ما توالى عليه من النعم أن يطلب زيادة على ما هو فيه فالسكوت ولزوم الحياء أولى اهـ، وقال عمي وأستاذي الشيخ أحمد بن علان الصديقي إذا ألقى الله تعالى في قلب المريد لاعجاً للدعاء ووجد الحلاوة عنده فيعلم بتلك العلامة أن المراد منه حينئذٍ الدعاء فيشتغل به وهو الأدب لكونه مطلوباً حينئذٍ وإذا فقد ذلك ووجد في قلبه السكون اعتباراً على الرضى بما يحدثه عليه الحق فحاله علامة أن المراد منه غيره فيشتغل بغيره من

قال: ويصحُّ أن يقال: ما كان للمسلمين فيه نصيب، أو لله سبحانه وتعالى فيه حق، فالدعاء أولى، لكونه عبادة، وإن كان لنفسك فيه حظ، فالسكوت أتم. قال: ومن شرائط الدعاء أن يكون مطعمه حلالاً. ـــــــــــــــــــــــــــــ الأذكار والطاعات. قوله: (ما كان للمسلمين فيه نصيب) نحو اللهم ارحم المسلمين أو وفقهم أو نحو ذلك. قوله: (أو كان لله فيه حق) كسؤال إقامة الدين وتسديده وهو يعود نفعه للمسلمين أيضاً لكن أفرد اهتماماً بشأنه. قوله: (فالدعاء أولى) أي لأن الخير المتعدي أولى من القاصر. قوله: (وإن كان لنفسك فيه حظ الخ) ظاهره أنه عند حظ نفسه يترك الدعاء وإن كان بما فيه نصيب للمسلمين أو حق لرب العالمين وينبغي حمله على ما عدا ذلك أي على ما إذا غلب عليه باعث الدنيا وإلا فالدعاء أفضل ثم رأيت ابن حجر صرح بذلك في شرح العباب قال وذلك لحديث الدعاء هو العبادة الدعاء مخ العبادة وبهما يتأكد قول الغزالي في كتاب وسائل الحاجات الدعاء أفضل العبادات وأنجح القربات وأسنى الطاعات اهـ وظاهر أن مراده من أفضل وأنجح وأسنى كما هو ظاهر أن كثيراً من العبادات أفضل منه بل الإكثار بالذكر أولى منه بالدعاء لخبر من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين اهـ والله أعلم. قوله: (ومن شرائط الدعاء أن يكون مطعمه حلالاً) إن قلت الباب معقود لآداب الدعاء فما الحكمة في ذكر الشرط وتقديمه على الآداب والاقتصار على ما ذكر، قلت أما ذكر الشرط في الباب المعقود لغيره وتقديمه فللإشعار بأن ذكره أهم من ذكر أدبه على أنه لا منافاة بين كونه شرطاً وكونه أدباً وقد عد في السلاح من جملة آداب الدعاء اجتناب الحرام وقال الطرطوشي: آدابه أكل الحلال، قال بعضهم ولعله من شروطه وفي الحديث أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لسعد: "يا سعد أطب مطعمك تستجب دعوتك" ومن ثم قيل: الدعاء مفتاح وأكل الحلال أسنانه وقضية الحديث أن ذلك شرط لا أدب، قال في شرح العباب الأشهر أنه من آدابه لكنه آكدها ولعل هذا حكمة الاقتصار عليه من باقي الشرط وحيثما تقرر أن الشرط أهم من الآداب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن الشروط لا بد لصحة الدعاء منها والآداب تتم وتكمل بها فنذكر منها طرفاً صالحاً ونقدمه على ما ذكره المصنف من الآداب (فنقول) من شروطه ما ذكره الزركشي عن الحليمي ألا يسأل ممتنعاً عقلاً ولا عادة كإنزال مائدة من السماء وغيرها من خوارق الأنبياء لأن نقض العادات إنما تكون من الله تعالى لتأييد من يدعو إلى دينه أي من غير صنع وتطلع ممن أجريت على يديه مع عدم انحلال العالم حتى لا يرد ما للسحرة والدجال ولا إباحة حرام ومنه الدعاء بالشر على غير مستحقه أو على بهيمة، وألا يكون له فيما يسأل غرض فاسد كمال وطول عمر للتفاخر والاستعانة على قضاء الشهوات، وألا يكون على وجه الاختبار بل بمحض السؤال إذ العبد لا يختبر ربه، وألا يشتغل به عن فرض، وألا يستعظم حاجة لما في صحيح ابن حبان مرفوعاً إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة فإنه لا يتعاظم على الله شيء، وأن تكون الإجابة عنده أعظم من الرد لما أخرجه الترمذي والحاكم ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة -وسيأتي في الأصل عد هذه من جملة الآداب ولا ينافي ما ذكرنا لما من آنفاً من أن من الشرط ما قد يكون أدباً- ولا يضجر من تأخر الإجابة: إذ المصلحة تكون في تأخرها ولأن الدعاء عبادة واستكانة وذلك ينافيها وفي الصحيحين يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول دعوت فلم يستجب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء، وألا يقتصر على دعاء ألفه غيره مع الجهل بمعناه أو انصراف الهمة إلى لفظه لأنه حاك لكلام غيره لا سائل قال الحليمي: نعم، إن كان دعاء حسناً أو كان صاحب الدعاء ممن يتبرك بكلامه فاختاره لذلك وأحضر قلبه ووفاه من الإخلاص حقه كان هو وإنشاء الدعاء من عنده سواء قال الزركشي: وكرهه بعضهم بأمر لم يظهر له معناه أخذاً من قول أبي حنيفة رحمه الله يكره أن يدعو فيقول: اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك وإن جاء به الحديث لأن هذا لا ينكشف لكل أحد وهذا الحديث أخرجه البيهقي وغيره وبه يرد إيراد ابن الجوزي له في الموضوعات، وأن يصلح لسانه ويحترز عما يعد إساءة في المخاطبات لوجوب تعظيمه تعالى على عبده في كل حال فلا يصرح بجماع ولا طاعة امرأة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بل يقول اللهم متعني بجوارحي وأصلح لي زوجي، وأن يدعو بأسمائه الحسنى دون ما لا ثناء فيه كيا خالق الحيات والعقارب لأنها مؤذية فالدعاء بها كهو بقوله يا ضار، قيل ومن شرط الصحة أيضاً أن يعلم أن لا قادر على حاجته إلا الله وأن الوسائط في قبضته ومسخرة بتسخيره. تنبيه من هذه الشروط ما يكون مخالفته كفراً أو حراماً ومنها ما لا يكون كذلك كما بينه القرافي ونقله عنه الزركشي فمن الكفر الدعاء بالمغفرة لمن مات كافراً أي يقيناً أو بطلب الراحة من أهوال القيامة أو بتخليد مؤمن في النار أو استدامة الحياة للراحة من هول الموت أو لجميع بني آدم بالسلامة من إبليس وجنوده أو بأن يرى الله في اليقظة أو أن يفيض عليه ما هو مختص بالقدرة الإلهية كالإيجاد والإعدام والقضاء النافذ لاستحالة ذلك في البعض وتكذيب خبر الصادق في الباقي والظاهر أن محل ذلك إن تعمده الداعي وعلم بالمنع منه وعذره إلا أن يكون ممن لا يخفى عليه ذلك خلافاً لما يقتضيه كلام القرافي واعترض ما ذكره في طلب الراحة بأن في الصحيح سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله وقال تعالى: {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} وقد يجمع بحمل الأول على طلب الراحة من جميع الأهوال من الموت إلى دخول الجنة بناء على القول بأن أول القيامة من الموت والثاني على طلبها في الموقف فقط على أن لملتزم أن يلتزم أنه وإن أراد المعنى الأول أيضاً لا يكفر إذ لا قاطع على حصول شيء منها لكل أحد بعينه وفيما ذكره في تخليد المؤمن في النار على إطلاقه نظر وفي رؤية الله تعالى في اليقظة نظر لأنها غير مستحيلة ولا ورد فيها نص بامتناعها وفي تعليل الكفر بالاستحالة نظر أيضاً بل الذي ينبغي أنه يناط بما فيه تكذيب قاطع معلوم من الدين بالضرورة أخذاً مما يأتي في الردة ثم رأيت القرافي نفسه صرح بذلك حيث قال اللهم اغفر للمسلمين جميع ذنوبهم أو اغفر للمسلمين كلهم ذنوبهم لم يدخل أحد النار فيستلزم تكذيب الأحاديث الصحيحة فيكون معصية لا كفراً لأنها إخبار آحاد والتكفير إنما يكون بجحد ما علم ثبوته بالضرورة والتواتر اهـ فهذا صريح فيما ذكرته ومبطل لحكمه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالكفر في صور مما ذكر مع أنه لم يوجد فيها العلم الضروري فتأمله، ومن المحرم طلب المستحيل عقلاً كان يجعل في مكانين متباعدين في زمن واحد والسلامة من الآلام والأسقام أو عادة أن لا يكون ولياً كالاستغناء عن التنفس في الهواء والولد من غير جماع ومنه طلب ثبوت أو نفي ما دل الشرع على ثبوته أو نفيه لأنه تحصيل الحاصل فيكون سوء أدب ومنه اللهم لا تهلك هذه الأمة بالخسف العام والريح العاصف قال ومنه {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} مع قوله -صلى الله عليه وسلم-: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان" واعترض بما أخرجه الفريابي مرفوعاً أنه -صلى الله عليه وسلم- قال في آخر سورة البقرة: "من دعا بهن يرضين الرحمن عزّ وجلّ" وبقول ابن القاص يسن في القنوت: ربنا لا تؤاخذنا إلى آخر الآية واستحسنه الروياني واستغراب النووي له من حيث كراهة القرآن في غير القيام لا من حيث كونه دعاء بتحصيل الحاصل على أن لك أن تمنع كونه كذلك إذ النسيان والخطأ لا يمنعان ضمان الأموال وترتبها في الذمم فإذا قصد السائل بعدم المؤاخذة بهما إن الله تعالى يقضي عنه ما ترتب في ذمته بسببهما حتى لا تكون نفسه مرهونة به بناء على تعميم الرهن بكل دين وإن لم يعص بسببه حتى لا تؤاخذ حسناته في ذلك لم يكن ذلك من تحصيل الحاصل في شيء، على أنه قد يؤاخذ بالنسيان كان اشتغل بلعب الشطرنج حتى نسي الصلاة فخرج الوقت فإذا قصد عدم المؤاخذة به لهذه الصورة وما شابهها لم يكن في ذلك تحصيل حاصل أصلاً، ومن ذلك قول بعضهم وأخف زللنا عن الكرام الكاتبين قال تعالى: {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} إلا إن قصد التوفيق للتوبة عقب الزلة حتى لا يكتبها الملك وقد روى ابن عساكر عن أنس مرفوعاً إذا تاب العبد أنسى الله الحفظة ذنوبه وأنسى ذلك جوارحه ومعالمه من الأرض حتى يلقي الله وليس عليه شاهد بذنب، ومن المحرم أيضاً نفي ما دل السمع الآحادي على ثبوته كقوله: اللهم اغفر للمسلمين جميع ذنوبهم، لما دلت عليه الأحاديث الصحيحة من أنه لا بد من دخول طائفة منهم النار، ولا ينافيه أن من آداب الدعاء أن يقول: اغفر لي ولجميع المسلمين ولا قوله تعالى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} أما الأول فلأنه إن أراد في بعض الأشياء

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صح أن يشترك معه غيره وإن أراد الكل صح في حقه إذ لم يتعين كونه من الداخلين للنار وأما في جميعهم فإن أراد المغفرة من حيث الجملة صح إذ لا منافاة أو مغفرة الجميع حرم لما سبق وأما الثاني فلا عموم فيه لكونه فعلاً في سياق الإثبات. وهذا وما قبله سبق القرافي إليه شيخه ابن عبد السلام في أماليه وأشار ابن الحاجب فيما كتب عليها إلى أن محل ما ذكر آخراً أن يريد المغفرة في الآخرة بخلاف ما لو أراد بها الستر في الدنيا لأنه قد يكون معه عقاب وقد لا يكون، قال الغزالي وأقره الزركشي ومن ذلك اللهم استر عورتي يوم القيامة عن الأبصار لما صح أن الخلق يحشرون حفاة عراة وتعقبه غيره بأن الحديث ليس على عمومه كما صرح به البيهقي وغيره فإن من المؤمنين من يبعث في أكفانه كما ورد في عدة أحاديث فلا يمتنع الدعاء بذلك وقد ورد في بعض طرق الحديث أن أم سلمة رضي الله عنها قالت حين سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يحشر النّاس حفاة عراة" قالت: يا رسول الله: ادع الله أن يستر عورتي، فقال: اللهم استر عورتها، ومنها طلب ثبوت أمر دل السمع الآحادي على نفيه كقوله: اللهم اجعلني أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة، ومنه الطلب مع التعليق كاللهم اغفر لي إن شئت للنهي عنه لخلوه عن إظهار الحاجة إلى الله ويرد هذا ما سبق عن المصنف من كراهة ذلك وعدم تحريمه، ومنه التعليق بما هو من شأنه تعالى كاللهم افعل بي ما أنت أهله في الدنيا والآخرة فهو قبيح وإن استحسنه بعضهم لأنه تعالى أهل للمغفرة والمؤاخذة فكأنه طلب إما الخير وإما الشر فأشبه التخيير كذا قاله القرافي وسكت عليه الزركشي ونظر فيه غيره وكأن وجه النظر قوله تعالى: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} ويجاب بأن المراد أهل لأن يتقى ويخشى من عذابه وأهل لأن يغفر، وكترتيبه على استئناف المشيئة كاللهم قدر لي الخير أو اقض لي الخير حيث شئت لأن الدعاء بوضعه اللغوي إنما يتناول المستقبل دون الماضي لأنه طلب ولأن هذا إنما صح على مذهب الخوارج أن قضاء وأما قوله في حديث الاستخارة واقدر لي الخير حيث كان فالمراد به التيسير على سبيل المجاز فإن أريد هذا المعنى جاز الإطلاق، ومنه الدعاء بلفظ أعجمي لأنه قد يشتمل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على ما ينافي جلال الربوبية فمنع العلماء منه كذا قال الغزالي ولم يتعقب وهو جدير بالتعقب لجواز الترجمة عن الوارد حتى في الصلاة للعاجز عن العربية فأولى خارجها وإن قدر على العربية نعم إن حمل على من دعا بلفظ أعجمي لا يعرف معناه كان له وجه، ومنه الدعاء على غير الظالم بخلافه على الظالم فإنه جائز وإن كان الأحسن تركه إذ في الحديث أنه يذهب أجر المظلوم ويؤيده قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من دعا على ظالمه فقد انتصر" أخرجه الترمذي وبحث بعضهم أن الدعاء على من ظلم المسلمين لا يذهب أجر الداعي لأنه لم يدع لحظ نفسه قال الزركشي وشروط جوازه على الظالم أن يدعو بقضية نحو قضيته أو دونها وما تقدم من قصة سعيد بن زيد مع المرأة التي خاصمته إلى مروان وفيها جواز الدعاء على الظالم بأكثر مما ظلم فيه استشكل كما قال الزركشي بقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} ويجاب بالفرق بين الدعاء عليه بأكثر مما ظلم فيه وبين أن يفعل به أكثر مما ظلم بأن الدعاء ليس مقطوعاً بإجابته فيجوز ذلك ليرتدع الظالم عن شره أو غيره ممن يريد الظلم اهـ. ونظر فيه في شرح العباب واستوجه منع الزيادة مطلقاً قال ولا ينافيه قضية سعيد لأنها مذهب صحابي اهـ وأما قصة سعد السابقة فسبق أن دعاءه بقدر ظلمه ولم يزد عليه وسبق توجيهه قال الزركشي وتوقف ابن المنير في جواز الدعاء على الظالم بالفتنة في دينه وسوء الخاتمة قال وقد تأملت دعاء سعد بن أبي وقاص على خصمه بقوله وعرضه للفتن وجدته سائغاً وسببه أن ذلك لم يقصد من حيث هو بل من حيث أدائه إلى نكاية الظالم وعقوبته كما شرع تمني الشهادة وإن تضمن قتل الكافر المسلم وهو معصية إذ الغرض ثوابها لا نفسها ووجدت في دعوات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ذلك كقول موسى: "واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا"، وقول نوح: {وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا} وتأملت أدعيته -صلى الله عليه وسلم- فوجدتها لا تتعدى مصائب الدنيا ولو وجد فيها خلاف ذلك لساغ كما ساغ لغيره من الأنبياء اهـ قال غيره وفي وجد في دعواته -صلى الله عليه وسلم- فأخرج عبد الرزاق وابن جرير بسند صحيح لكنه مرسل أنه -صلى الله عليه وسلم- دعا على عتبة بن أبي وقاص يوم أحد حين

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كسر رباعيته وشج وجهه فقال: "اللهم لا تحل عليه الحول حتى يموت كافراً" وقد نص ابن عرفة من أئمة المالكية على أن محل المنع من الدعاء بسوء الخاتمة في غير الظالم المتمرد وأما هو فيجوز، قيل والحاصل أن من لم يظلم أو ظلم في عمره مرة حرم الدعاء عليه بذلك وعليه يحمل كلام من منع وأما المتمرد لعموم ظلمه أو كثرته وتكرره أو فحشه أو أماتته لحق أو سنة أو إعانته على إحياء باطل أو بدعة فهذا هو الذي يجوز الدعاء عليه بذلك وعليه يحمل كلام من جوز وما ورد من ذلك عن الصحابة والتابعين وأعلام الأمة سلفاً وخلفاً، ومنه طلب وقوع محرم كاللهم اسق فلاناً خمراً وأعنه على المكس أو يسر له الولاية الفلانية وهي مشتملة على معصية وقد ورد من دعا لفاسق بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله ومحبة معصية الله محرمة ومن المكروه كما صرح به الزركشي الدعاء في كنيسة وحمام ومحل نجاسة وقذر ولعب ومعصية كالأسواق التي يغلب فيها العقود والأيمان الفاسدة أو مع نعاس أو فرط شبع أو مدافعة الأخبثين أو ملابسة النجاسة أو غيرها من الحالات التي لا تناسب التقرب، ومنه أيضاً أن يكون سبباً لفساد القلب وحصول الكبر والخيلاء كما كره مالك لأئمة المسجد الدعاء عقب الصلوات المكتوبات جهراً للحاضرين فيجتمع عليه المتقدم في الصلوات وشرف كونه نصب نفسه واسطة بين الله وعباده في تحصيل مصالحهم على يده بالدعاء فيوشك أن تعظم نفسه عنده فيفسد قلبه ويعصي ربه وقد سأل بعضهم عمر رضي الله عنه في الدعاء لقومه فقال: لا إني أخاف أن تنتفخ حتى تصل إلى الثريا، ومنه أن يكون متعلقه مكروهاً كطلب الإعانة على اكتساب الرزق بنحو الحجامة مع القدرة على الكسب بغيرها، ومنه أن يجري على سبيل العادة لا مع قصد القربة وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: "تربت يمينك فذلك لأنه غلب استعماله في غير الدعاء فزال حكم الدعاء منه فإذا استعمل في غير الدعاء فقد استعمل فيما هو موضوع له عرفاً، ومنه أن يكثر فيه السجع ولو مع عدم التكلف على ما هو ظاهر إطلاقه ويحتمل خلافه وهو الأقرب، ومنه أن يتعدى في الدعاء كما في حديث ولد عبد الله بن مغفل أسألك القصر الأبيض في الجنة الحديث أخرجه ابن أبي شيبة وعند

وكان يحيى بن معاذ الرازي رضي الله عنه يقول: كيف أدعوك وأنا عاصٍ؟ وكيف لا أدعوك وأنت كريم؟ . ومن آدابه حضور القلب، وسيأتي دليله إن شاء الله ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي داود نحوه، ومنه أن يخص نفسه بالدعاء إذا كان إماماً على ما من فيه في باب أذكار الصلاة قيل والداعي للجماعة مثل الإِمام في كراهة تخصيص نفسه بذلك، ومنه أن يحجر فيه ففي البخاري أن أعرابياً قال في صلاته: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً فلما سلم -صلى الله عليه وسلم- قال للأعرابي: "لقد تحجرت واسعاً يريد رحمة الله" كذا اقتصر الزركشي على كراهة التحجر المذكور ونظر فيه في شرح العباب واستوجه تحريم تعمد ذلك للعالم به قال ولا ينافيه قضية الأعرابي كما لا يخفى أي لأنه ليس عالماً، ومنه أن يدعو على نفسه أو ماله أو ولده أو خادمه للنهي عنه لئلا يوافق ساعة الإجابة قاله الزركشي قال في الإيعاب وإطلاقه كراهة الدعاء على الولد والخادم فيه نظر والذي يتجه حرمة المؤذى لهما حيث لا موجب له اهـ. قوله: (وكان يحيى بن معاذ الرازي) معاذ بضم الميم ثم عين مهملة وبعد الألف ذال معجمة والرازي نسبة إلى الري فهو من مغيرات النسب. قوله: (كيف أدعوك وأنا عاص الخ) أي إن نظر للعصيان اقتضى سكوت اللسان كما ورد عن بعض العارفين إلهي أخرست المعاصي لساني فلم تدع لي للاعتذار وجهاً الخ والحياء بالجنان، وإن نظر إلى وصف الكريم من الكرم وإن كبائر الذنوب مع الغفران كاللمم وأنه أمر عباده بالسؤال وشأن العبد التذلل والافتقار والامتثال فكيف لا يدعو المسكين ربه أرحم الراحمين، والحاصل أن النظر إلى مقام الخوف والجلال مقتضى السكوت لما جناه الإنسان من رديء الأعمال ومقام الرجاء والامتنان يدخل العبد إلى مقام الإحسان فيقع في الأمرين المتعارضين قال الشيخ زكريا في شرح الرسالة وبالجملة فشرط استجابة العبد طاعة العبد لربه أي وما يقع من الإجابة للكافرين استدراج ولبعض العصاة إما أن يكون من باب المعونة أو يكون من باب الاستدراج على حسب ما سبق لذلك في علم الله والله أعلم. قوله: (ومراداً به حضور القلب) أي يقصد بدعائه الخضوع والتذلل لعظمة ربه كما هو وصف العبد اللازم له ولا يكون الدعاء بلسانه والغفلة بجنانه فيكون مانعاً له عن مراده روي أن موسى عليه السلام مر على إنسان يسأل ويلح

تعالى. وقال بعضهم: المراد بالدعاء: إظهار الفاقة، وإلا فالله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء. وقال الإِمام أبو حامد الغزالي في "الإحياء": آداب الدعاء عشرة. الأول: أن يترصد الأزمان الشريفة، كيوم عرفة، وشهر رمضان، ـــــــــــــــــــــــــــــ في الدعاء فقال موسى: يا رب لو كانت إلي حاجة هذا الإنسان وسألني لأعطيته إياها، فقال: يا موسى إنه يسألني بلسانه وقلبه مع غنمه فلو كان متوجهاً بجنانه حال الدعاء بلسانه لنال مراده والله أعلم. قوله: (قال بعضهم المراد بالدعاء إظهار الفاقة الخ) يعني أن ما قضاه الله فهو واقع وسوابق الهمم لا تخرق أسرار الأقدار وإنما المراد من الدعاء إظهار فاقة العبد لربه واستمطاره سحائب قربه وما ورد عن عائشة مرفوعاً الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل الحديث رواه الحاكم في المستدرك والبزاز والطبراني في الأوسط إما أن يحمل على أن المراد أنه يوافق ما قضى به الباري سبحانه من النفع في رفع ما نزل ودفع ما لم ينزل والدعاء موافق لوقت ذلك القدر لا أنه الذي كان له في ذلك دخل أو أثر بل هو سبب في ذلك صوري، في الأحياء ليس من شرط الاعتراف بقضاء الله تعالى أن لا يحمل السلاح وقد قال تعالى: {وَخُذُوا حِذْرَكُمْ} وأن لا يسقي الماء بعد بثه البذر فيقال: إن سبق القضاء بالنبات نبت بل ربط الأسباب بالمسببات هو القضاء الأول الذي هو كلمح البصر وترتب تفصيل المسببات على تفاصيل الأسباب على التدريج والتقدير هو القدر والذي قدر الخير قدره بسبب وقدر دفع الشر بسبب فلا تناقض بين تعاطي الأسباب والإيمان بالقدر عند من استنارت بصيرته. قوله: (آداب الدعاء عشرة) قال الشيخ زكريا هي في الحقيقة أكثر. قوله: (أن يترصد الأزمان الشريفة) أي التي جعلها الشارع فاضلة. قوله: (كيوم عرفة) قال في السلاح أخرج الترمذي وقال حسن غريب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة" والمراد من يوم عرفة تاسع ذي الحجة وينبغي أن يراد به ما يعم ما لا يجب قضاء الوقوف إذا وقع فيه كأن وقفوا في العاشر غلطاً ولم ينقصوا عن العادة في الكثرة فقد ورد يوم عرفة الذي فيه يعرفون ثم ظاهر كلامه أن الدعاء يوم عرفة أرجى للإجابة سواء فيه الحاج وغيره. قوله: (وشهر رمضان) أي لأنه شهر تصب فيه الرحمات وتنزل فيه البركات ومن أعظمها

ويوم الجمعة، والثلث الأخير من الليل، ووقت الأسحار. الثاني: أن يغتنم ـــــــــــــــــــــــــــــ إجابة الدعوات ثم الإنسان في هذا الشهر إما صائم أو تارك له لعذر من سفر أو مرض وكل مما ذكر من أسباب الإجابة للدعاء فيجتمع ذلك مع شرف الشهر ففي الحديث الصحيح رمضان سيد الشهور وروى الطبراني عن عبادة بن الصامت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يوماً: "وحض على رمضان أتاكم شهر رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب الدعاء وينظر فيه إلى تنافسكم ويباهي بكم ملائكته فأروا الله فيه من أنفسكم خيراً فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله قال الحافظ المنذري رواته ثقات إلا محمد بن عيسى لا يحضرني فيه جرح ولا تعديل قلت ومع ذلك فيحتج به في المقام لأنه من الفضائل والله أعلم. قوله: (ويوم الجمعة) أي من طلوع الفجر إلى غروب الشمس إذ ذاك كله مظنة الإجابة لأن الساعة فيه مبهمة ولذا وقع الخلاف في تعيينها كما تقدمت الإشارة في أذكار يوم الجمعة وإن كانت أرجى ما يكون من جلوس الخطيب على المنبر إلى تمام الصلاة أي أنها في جملة ذلك الوقت لا أنها بقدره كله لأنها ساعة يسيرة كما وردت الإشارة إلى ذلك ثم ظاهر السلام أنها من أوقات الإجابة سواء لحاضر الجمعة وغيره كرامة لليوم نظير ما قيل به في عدم كراهة الصلاة حال الاستواء يومها وأنه لا فرق بين حاضر الصلاة وغيره والظاهر أن محله في تاركها إذا كان معذوراً وإلا ففيه بعد بل لو حصل له مراده مع المخالفة خشي أن يكون استدراجاً والعياذ بالله. فائدة ليلة الجمعة كيوم الجمعة من أوقات الإجابة أخرج الترمذي والحاكم في المستدرك عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: قوله: (والثلث الأخير من الليل ووقت السحر) عبر في السلاح بقوله: "وجوف الليل الآخر" والأصل في ذلك أحاديث منها حديث أبي هريرة مرفوعاً ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: "من يدعوني فأستجيب له" "من يسألني فأعطيه" "من يستغفرني فأغفر له" رواه أصحاب السنن وزاد النسائي وابن ماجه حتى يطلع الفجر فلذلك كانوا يستحبون صلاة آخر الليل على أوله وفي رواية لمسلم إن الله يمهل حتى إذا ذهب ثلث الليل الأول وفي رواية أخرى إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ومنها حديث عمرو بن عبسة أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أقرب ما يكون الرب من العبد

الأحوال الشريفة، كحالة السجود، والتقاء الجيوش، ونزول الغيث، وإقامة الصلاة، وبعدها. قلت: وحالة رقة القلب. الثالث: استقبال القبلة، ـــــــــــــــــــــــــــــ في جوف الليل الأخير" فإذا استطعت أن تكون ممن يذكر الله تعالى في تلك الساعة فكن رواه أبو داود والترمذي والنسائي والحاكم في المستدرك قال الترمذي واللفظ له حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم ومنها حديث أبي أمامة قلنا أي الدعاء اسمع قال جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات رواه الترمذي والنسائي وقال الترمذي واللفظ له حديث حسن قال وقد روي عن أبي ذر وابن عمر رضي الله عنهم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "جوف الليل الآخر الدعاء فيه أفضل وأرجى" ونحو هذا. تنبيه علم من حديث مسلم أن من أوقات الإجابة الثلث الثاني من الليل وكأن القوم لم يذكروه لكون الوارد في الثلث الأخير أكثر، وأشرف أوقات الليل للدعاء هو جوف الليل الأخير وذلك الثلث الذي بين النصف الأول والسدس الأخير والسحر في اللغة السدس الأخير من الليل. قوله: (الأحوال الشريفة) اعلم أن حال السالك والداعي مختلفة غير مستمرة في أزمنة وإن كانت لا تخلو عنها ولتحوله ولو في زمن واحد سمي حالاً فهو وصف للداعي وأما الزمان والمكان فظرفان له. قوله: (كحالة السجود) لما تقدم في باب أذكار الصلاة من حديث أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء فقمن أن يستجاب لكم رواه مسلم وأبو داود والنسائي. قوله: (والتقاء الجيوش) أي تصافها لما رواه مالك في الموطأ عن سهل بن سعد موقوفاً عليه والتحامها بعضها ببعض لما رواه أبو داود عن سهل أيضاً (ونزول الغيث) أي المطر (وإقامة الصلاة) أي حال الإقامة بعد إجابتها والصلاة والسلام على النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد تقدم بسط ما يتعلق بأدلة هذا في باب استجابة الدعاء بعد الإقامة وفي باب الاستسقاء. قوله: (وبعدها) أي بعد الصلاة لما سبق من حديث أبي أمامة رضي الله عنه قلت: يا رسول الله أي الدعاء أسمع أي أقرب إلى الإجابة قال: دبر الصلوات وجوف الليل. قوله: (وحال رقة القلب) أي خشوعه ولينه خلاف القسوة. قوله: (استقبال القبلة)

ورفع اليدين، ويمسح بهما وجهه في آخره. الرابع: خفضُ الصوت بين المخافتة والجهر. ـــــــــــــــــــــــــــــ لحديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم خرج يستسقي فحول إلى النّاس ظهره واستقبل القبلة يدعو الحديث أخرجه الستة ولحديث عبد الله بن مسعود قال استقبل النبي -صلى الله عليه وسلم- الكعبة فدعا على نفر من قريش الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والأحاديث في استقباله -صلى الله عليه وسلم- حال الدعاء كثيرة. قوله: (ورفع اليدين) أي عن الركبتين إلى جهة السماء إلى حذو منكبيه لحديث أنس في الاستسقاء وفيه فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يديه وما في السماء قزعة الحديث رواه البخاري ومسلم والنسائي، ولحديث أبي هريرة الطويل في فتح مكة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتى الصفا فعلا عليه حتى نظر إلى البيت ورفع يديه فجعل يحمد الله ويدعو ما شاء الله أن يدعو والأحاديث في الباب كثيرة جداً كما نبه عليه المصنف وغيره وقد أفرد الجلال السيوطي الأحاديث الواردة في ذلك، ورفع اليدين في الدعاء يستحب للطائف كما في شرح المنهاج لابن حجر قال في الحرز الظاهر إن من الآداب ضم اليدين وتوجيه الأصابع للقبلة. قوله: (ويمسح بهما وجهه) أي خارج الصلاة أما فيها فمكروه كما تقدم بيانه في باب القنوت. قوله: (خفض الصوت الخ) قال في السلاح أو إخفاؤه قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} قال ابن عطية تضرعاً أي بخشوع واستكانة وخفية أي في أنفسكم قال وتأول بعض العلماء التضرع والخفية في معنى السر جميعاً فكأن التضرع فعل القلب وقال في قوله تعالى: {نِدَاءً خَفِيًّا} قال المفسرون في جوف الليل قال وقال الحسن لقد أدركنا أقواماً ما كان على الأرض عمل يقدرون أن يكون سراً فيكون جهراً أبداً ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء ولا يسمع لهم صوت إن هو إلا الهمس بينهم وبين ربهم وذلك أن الله يقول: {دْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} أي باستكانة واعتقاد ذلك في القلب وعن سعد بن أبي وقاص قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "خير الذكر الخفي وخير الرزق أو العيش ما يكفي "الشك من ابن وهب رواه أبو عوانة في مسنده الصحيح وابن حبان في صحيحه وتقدم في الفصول أول الكتاب عن عائشة في قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} إن ذلك نزل في الدعاء رواه البخاري ومسلم وقيل في معنى الحديث سيكون قوم يعتدون في الدعاء هو

الخامس: أن لا يتكلَّف السجع، وقد فسر به الاعتداء في الدعاء، والأولى أن يقتصر على الدعوات المأثورة، فما كل أحد يُحسِنُ الدعاء، فيُخافُ عليه الاعتداء. وقال بعضهم: ادع بلسان الذِّلَّة والافتقار، لا بلسان الفصاحة والانطلاق، ويقال: إن العلماء والأبدال لا يزيدون في الدعاء ـــــــــــــــــــــــــــــ الجهر الكثير والصياح نقله في السلاح. قوله: (أن لا يتكلف السجع فقد فسر به الاعتداء) وقيل الاعتداء طلب ما لا يليق به كرتبة الأنبياء والصعود إلى السماء وقيل الاعتداء أن يدعو بمستحيل أو بما لا يجوز الدعاء به وقيل هو الصياح في الدعاء وهو المناسب لقوله {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} وقيل ومنه الإطناب في الدعاء فقد أخرج أحمد في مسنده أن بعض الصحابة سمع أحداً يقول: اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وأستبرقها ونحواً من هذا وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها، فقال له: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول إنه سيكون أقوام يعتدون في الدعاء وقرأ هذه الآية وقال: بحسبك أن تقول اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل وأخرج أبو داود أن عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها فقال: أي بني سل الله الجنة وتعوذ به من النار فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إنه سيكون في هذه الأمة أقوام يعتدون في الطهور والدعاء، قال الغزالي: وإنما ذم تكلف السجع من الكلام لأنه لا يلائم الضراعة والذلة وإلا ففي الأدعية المأثورة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلمات متوازنة لكنها غير متكلفة وسبقت الإشارة لهذا التفصيل في السجع مرات في كتاب أذكار الجهاد وغيره. قوله: (والأولى أن يقتصر على الدعوات المأثورة) أي عن الكتاب والسنة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم وسبق بسط زائد في هذا المعنى أول الكتاب وأعدنا منه جملة في باب جامع الدعوات. قوله: (فما كل أحد يحسن الدعاء) أي ما يعتبر فيه وله من الآداب المندوبة تارة والواجبة أخرى. قوله: (ادع بلسان الذلة) أي التذلل (والافتقار) إذ المقام من الدعاء ذلك وهو مقام العبد. قوله: (لا بلسان الفصاحة والانطلاق) أي إذا كان على وجه التكلف والتشدق أما إذا

على سبع كلمات، ويشهد له ما ذكره الله سبحانه وتعالى في آخر سورة البقرة: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا ... } إلى آخرها [البقرة: 286] لم يخبر سبحانه في موضع عن أدعية عباده بأكثر من ذلك. قلت: ومثله قول الله سبحانه وتعالى في سورة إبراهيم -صلى الله عليه وسلم-: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} إلى آخره [إبراهيم: 35]. قلت: والمختار الذي عليه جماهير العلماء أنه لا حَجْر في ذلك، ولا تكره الزيادة على السبع، بل يستحبُّ الإكثار من الدعاء مطلقاً. السادس: التضرُّع والخشوع والرهبة، قال الله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا ـــــــــــــــــــــــــــــ رزق الفصاحة وانطلاق العبارة ولم يتكلف لذلك فلا منع منه ففي الأدعية المأثورة من الفصاحة والبلاغة ما لا يوقف على أدناه فضلاً عن أوسطه وأقصاه. قوله: (ويشهد له ما ذكره تعالى في سورة البقرة) أي فإنها سبع دعوات: عدم المؤاخذة بالخطأ والنسيان ورفع الأصر والتكليف بما لا يطاق وبالعفو والغفران والرحمة والنصر، فالمراد بالكلمة في كلامه المعنى اللغوي أي الجمل المفيدة. قوله: (ومثله قوله تعالى في سورة إبراهيم عليه السلام الخ) أي فإنها سبع دعوات: أمن البلد وتبعيده وبنيه عن عبادة الأصنام وجعل أفئدة من النّاس تهوى إليهم ورزقهم من الثمرات وجعله وجعل ذريته مقيمي الصلاة وتقبل دعائه والغفران له ولوالديه وللمؤمنين يوم يقوم الحساب. قوله: (لا حجة في ذلك) أي على ترك الزيادة على الدعوات السبع. قوله: (بل يستحب الإكثار من الدعاء) لما فيه من الافتقار والتذلل من العبد لمولاه سبحانه. قوله: (التضرع) قال في النهاية هو التذلل والمبالغة في السؤال والرغبة يقال ضرع يضرع بالفتح والكسر وتضرع إذا خضع وذل (والخشوع) ومعناه التذلل والخوف كما في الحرز وعليه فعطف الثلاثة من عطف التفسير. قوله: (إنهم) أي الأنبياء المذكورين في الآيات قبل (كانوا يسارعون) يتبادرون (في الخيرات) أي الطاعات (ويدعوننا رغباً) أي في رحمتنا

وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90] وقال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55]. السابع: أن يجزمَ بالطلب، ويُوقنَ بالإجابة، ويُصدِّق رجاءَه فيها، ودلائله كثيرة مشهورة. قال سفيان بن عيينة رحمه الله: لا يمنعنَّ أحدكم من الدعاء ما يعلمُه من نفسه، فإن الله تعالى أجاب شرَّ المخلوقين: إبليس، إذ قال: {أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} [الأعراف: 14، 15]. الثامن: أن يلحَّ في الدعاء ويكرره ثلاثاً، ولا يستبطئ الإجابة. التاسع: ـــــــــــــــــــــــــــــ (ورهباً) أي من عذابنا (وكانوا لنا خاشعين) أي متواضعين في عبادتهم. وقوله: (ادعوا ربكم الخ) تقدم الكلام عليه قريباً. قوله: (أن يجزم بالطلب) أي فلا يأتي بما يدل على التردد نحو اغفر لي إن شئت لما تقدم فيه في باب المكروهات من الألفاظ. قوله: (ويوقن بالإجابة) لحديث ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة فإن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه رواه الحاكم في المستدرك من حديث ثوبان ثم الإجابة إما بمطالبة أو بادخار ثواب عنده سبحانه ففي الحديث "ما من مسلم ينصب وجهه الله في مسألة إلا أعطاه إياها إما أن يعجلها له وإما أن يدخرها له". قوله: (لا يمنعن أحدكم الخ) أي فإن إجابته للدعاء من محض رحمته وليست جزاء للعمل الصالح حتى يتوقف عليه نعم ينبغي للإنسان أن يشكر نعمة الإجابة لدعائه بالتوبة من الذنب والإقبال على الطاعة لئلا تكون إجابة دعائه سبباً لبلائه باستدراجه إن لم ينتبه لشأنه. قوله: (أن يلح في الدعاء) من الإلحاح المبالغة أي أن يبالغ في الدعاء بالمداومة والمواظبة سائر الحالات ولا يكتفى بمرة ولا مرات ففي الحديث: "إن الله يحب الملحين في الدعاء". قوله: (ويكرر ثلاثاً) هذا كالتفسير للإلحاح وليس المراد من الثلاث الوقوف عندها بل هي عبارة عن الكثرة إذ هي مبدأ الكثرة ونهاية القلة. قوله: (ولا يستبطئ الإجابة) أي عند تأخر نزولها بمقصوده فقد ورد النهي عن ذلك ففي الصحيح يستجاب لأحدكم ما لم يعجل بقوله دعوت فلم يستجب لي. رواه الستة إلا النسائي، وقد يكون تأخير الإجابة لادخار ثوابها عنده سبحانه أو لدفع بلاء عن العبد أو لمحبته تعالى لصومه ومداومته على الدعاء وذكر مكي أن المدة بين دعاء زكريا عليه السلام وطلب الولد والبشارة

أن يفتتح الدعاء بذكر الله تعالى. وقلت: وبالصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد الحمد لله تعالى والثناء عليه، ويختمه بذلك أيضاً. العاشر: وهو أهمها والأصل في الإجابة، وهو: ـــــــــــــــــــــــــــــ أربعون سنة ومثله ما حكاه ابن عطية عن ابن جرير ومحمد بن علي والضحاك أن دعوة موسى على فرعون لم تظهر إجابتها إلا بعد أربعين سنة وحكى الغزالي عن بعضهم أنه قال: إني لا أسأل الله تعالى منذ عشرين سنة حاجة وما أجابني وإني لأرجو الإجابة سألت الله أن يوفقني لترك ما لا يعنيني. قوله: (أن يفتتح الدعاء بذكر الله) أي بالثناء عليه بالحمد والشكر ونحوه عن فضالة بن عبيد رضي الله تعالى عنه قال: سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يدعو في صلاته لم يحمد الله ولم يصل على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال -صلى الله عليه وسلم-: "عجل هذا" ثم دعاه فقال له أو لغيره: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء ثم يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يدعو بما شاء رواه أبو داود والترمذي وقال صحيح والنسائي وغيرهم وتقدم زيادة بسط في هذا المقام في باب الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد التشهد وقد حكى الله تعالى هذا الأدب عن كثير من الأنبياء في دعائهم فقال حكايته عن إبراهيم عليه السلام: {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ} إلى آخرها وقال حكايته عنه: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} الآيات، وقال حكاية عن يوسف: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين} وفيه كذلك حكاية عن سليمان وعن زكريا وعن عيسى وقال تعالى إخباراً عن أهل الجنة: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قوله: (وبالصلاة) أي وبالسلام معها لما سبق من كراهة إفراد أحدهما عن الآخر

التوبة، ورد المظالم، والإقبالُ على الله تعالى. فصل: قال الغزالي: فإن قيل: فما فائدة الدعاء مع أن القضاء لا مردَّ له؟ . فاعلم أن من جملة القضاء: ردَّ البلاء ـــــــــــــــــــــــــــــ وذلك لحديث فضالة وللحديث الآخر لا تجعلوني كقدح الراكب اجعلوني في أول كل دعاء وأوسطه وآخره ومن هذا يؤخذ ختم الدعاء بما ذكر. قوله: (التوبة) أي من الذنب ولو صغيرة. قوله: (والإقبال على الله تعالى) أي بالقلب وترك الغفلة وقد نظم البدر بن جماعة شرط الإجابة فقال: قالوا شرط الدعاء المستجاب لنا ... عشر بها بشر الداعي بإفلاح طهارة وصلاة معهما ندم ... وقت خشوع وحسن الظن يا صاح وحل قوت ولا يدعى بمعصية ... واسم يناسب مقرون بإلحاح قال السلفي أنشدنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الرحمن العثماني الديباجي بالثغر أنشدنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن عسال الطليطلي بالأندلس لنفسه: لم يبق في هذي الوجوه حياء ... قد زال عن صفحاتهن الماء إذ يرفعون إلى السماء أكفهم ... فلطالما سفكت بهن دماء وبطونهم ملئت حراماً صافياً ... ظلم اليتامى فيه والضعفاء يدعون مولاهم وهم يعصونه ... هذا خلاف بين وعناء يأيها الداعون كيف صلاتكم ... حكم الإله وأنتمو سفهاء إن الدعاء له شرط خمسة ... بالله هل لكمو بهن وفاء نقوا قلوبكمو بزهد صادر ... حتى يزيل ظلامهن ضياء وعليكمو رد المظالم إنها ... يوم القيامة ظلمة سوداء وكلوا الحلال وأجملوا في كسبه ... فالمال فيه فتنة وبلاء ثم استقيموا في أداء فروضكم ... وصلوا الصلاة ففي الصلاة نجاء واستعملوا الصدقات كيما تطفئوا ... غضب الإله فإنهن دواء فمتى فعلتم ما أقول ففي الخبر ... أن يستجاب لكم لديه الدعاء فصل قوله: (مع أن القضاء) أي المبرم. قوله: (رد البلاء) أي إذا كان القضاء به

باب دعاء الإنسان وتوسله بصالح عمله إلى الله تعالى

بالدعاء، فالدعاءُ سبب لردِّ البلاءِ ووجودِ الرحمة، كما أن التُّرْس سبب لدفع السلاح، والماءَ سببٌ لخروج النبات من الأرض، فكما أن التُّرْسَ يدفع السهم فيتدافعان، فكذلك الدعاء والبلاء، وليس من شرط الاعتراف بالقضاء أن لا يحمل السلاح، وقد قال الله تعالى: {وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102] فقدَّر الله تعالى الأمر، وقدَّر سببه. وفيه من الفوائد ما ذكرناه، وهو حضور القلب والافتقار، وهما نهاية العبادة والمعرفة، والله أعلم. باب دعاء الإنسان وتوسله بصالح عمله إلى الله تعالى ـــــــــــــــــــــــــــــ معلقاً في علم الله تعالى بأن لا يعارضه الدعاء (فالدعاء حينئذٍ) أي حين إذ قضى المولى برده للبلاء (سبب لرد البلاء). قوله: (فكذلك البلاء والدعاء يتدافعان) روى الحاكم في المستدرك والبزار والطبراني في الأوسط من جملة حديث عائشة مرفوعاً وإن البلاء ينزل ويتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة. قوله: (وليس من شرط الاعتراف بالقضاء الخ) زاد في الحرز بعد ذلك الآية قوله ولا أن لا يسقي الأرض بعد بثه البذر أي وليس من شرط الاعتراف أن لا يسقي الأرض بعد بثه البذر ويقول إن سبق القضاء بالنبات نبت بل ربط الأسباب بالمسببات هو القضاء الأول الذي هو كلمح البصر وترتيب تفصيل المسببات على تفاصيل الأسباب على التدريج والتقدير هو القدر والذي قدر الخير قدره بسبب وكذا الشر قدر لرفعه سبباً فلا تناقض بين هذه الأمور عند من افتتحت بسيرته اهـ. قوله: (من الفوائد) أي زيادة على الفائدة التي هي الإتيان بالسبب في رد البلاء. قوله: (حضور القلب) أي مع الله تعالى والافتقار إليه وهما نهاية الصبابة والمعرفة ولذا كان البلاء موكلاً بالأنبياء ثم الأولياء لأنه يرد القلب بالافتقار إلى الله تعالى ويمنع نسيانه ويذكر بنعمه وإحسانه. باب دعاء الإنسان وتوسله بصالح عمله إلى الله تعالى

روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" حديث أصحاب الغار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "انْطَلَقَ ثَلاَثةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كانَ قَبْلَكُمْ حتى آواهُمُ المَبِيتُ إلى غارٍ فَدَخَلُوهُ، فانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيهِمُ الغارَ، فَقَالُوا: إنهُ لا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصخْرَةِ إلاَّ أنْ تَدْعُوا الله تعالى بصَالِح أعْمالِكُمْ. قالَ رَجُل مِنْهُمْ: اللهُم إنَّهُ كانَ لي أبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرانِ وكُنْتُ لا أُغْبِقُ قَبْلَهُما أهْلاً ولا مالاً"، وذكر تمام الحديث الطويل ـــــــــــــــــــــــــــــ أي يتوسل بفضل الله تعالى عليه إذ وفقه للعمل الصالح إلى تحصيل مسؤوله من فضله فهو من باب سؤال الفضل والتوسل في تحصيل الفضل بالفضل. إليكم بكم سادتي جئتكم ... فلا تهملوا من أساء الأدب وقولوا عفا الله عما مضى ... وليس التفضل منكم عجب قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم) ورواه أبو داود وفي الترغيب للمنذري والنسائي وابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة باختصار هذا الحديث بدأ به صاحب الترغيب والترهيب في كتابه فذكره أول باب الإخلاص والصدق قال عمي الشيخ الأستاذ أحمد بن علان الصديقي ففيه إيماء إلى أن صخرة القلب إنما ينكشف عماؤها ويرتفع بلواؤها بالإخلاص الله والصدق معه والله أعلم. قوله: (ثلاثة نفر) يحتمل أن يقرأ بالإضافة وأن يقرأ بتنوينهما والنفر بفتحتين ما بين الثلاثة إلى العشرة لا واحد له من لفظه. قوله: (إلى غار) هو النقب في الجبل. قوله: (فقالوا إنه لا ينجيكم الخ) قال المصنف استدل أصحابنا بهذا على أنه يستحب للإنسان أن يدعو في حال كربه وفي حال دعاء الاستسقاء وغيره بصالح عمله ويتوسل إلى الله تعالى به لأن هؤلاء فعلوه فاستجيب لهم وذكره -صلى الله عليه وسلم- في معرض الثناء عليهم وجميل فضائلهم. قوله: (كان لي أبوان الخ) فيه فضل بر الوالدين وفضل خدمتهما وإيثارهما على سواهما من الأولاد والزوجة وغيرهم. قوله: (وذكر تمام الحديث) هو قوله وإني نأى بي الشجر يوماً فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت لهما

فيهم، وأن كل واحد منهم قال في صالح عمله: "اللَّهُمَّ إنْ كنْتُ قَدْ فَعَلْتُ ذَلكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فانفرج في دعوة كل واحد شيء منها، ـــــــــــــــــــــــــــــ غبوقهما فوجدتهما قد ناما فكرهت أن أغبق عليهما أهلاً ومالاً وكرهت أن أوقظهما والصبية يتضاغون عند قدمي والقدح على يدي انتظر استيقاظهما حتى برق الفجر: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج، وقال الآخر: اللهم كانت لي ابنة عم هي أحب النّاس إلي فأردتها على نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها مائة وعشرين ديناراً على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت حتى إذا قدرت عليها قالت لا يحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه فتحرجت من الوقوع عليها فانصرفت عنها وهي أحب النّاس إلي اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نجن فيه فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج، فقال الثالث: اللهم إني كنت استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك أجره وذهب فثمرته له حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله أدني أجري فقلت له: كل ما ترى من البقر والغنم والإبل والرقيق أجرك اذهب فاستقه، فقال: يا عبد الله لا تستهزيء بي، فقلت: لا أستهزيء بك اذهب فاستقه، فأخذه كله اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون، قوله يتضاغون بالضاد والغين المعجمتين أي يضجون من الجوع والداب الحال اللازمة والعادة المتكررة وافرج بضم الراء افتح والفرجة بضم الفاء لأنه من السبعة فإذا كان من الراحة قلت فيه فرجة وفرج وفعل كل منهما فرج يفرج كنصر ينصر والغبوق شرب العشي والصبوح شرب الصباح والحاء شربه عند انفلاق الفجر وقوله: أردتها أي راودتها وطلبتها أن تمكنني من نفسها وألمت بها سنة أي أصابها الجدب

وانفرجت كلُّها عقب دعوة الثالث، فخرجوا يمشون". قلت: أُغبق بضم الهمزة وكسر الباء: أي أسقي. وقد قال القاضي حسين من أصحابنا وغيره في صلاة الاستسقاء كلاماً معناه: أنه يستحبُّ لمن وقع في شدة أن يدعوَ بصالح عمله، واستدلوا بهذا الحديث، وقد يقال: في هذا شيء لأن فيه نوعاً من ترك الافتقار المطلق إلى الله تعالى، ومطلوبُ الدُّعاءِ الافتقارُ، ولكنْ ذَكَرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- هذا الحديث ثناءً عليهم، فهو دليل على تصويبه -صلى الله عليه وسلم- فعلهم، وبالله التوفيق. فصل: ومن أحسن ما جاء عن السلف في الدعاء، ما حكي عن الأوزاعي رحمه الله تعالى قال: خرج النّاس يستسقون، فقام فيهم بلال بن سعد، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: يا معشر من حضر: ألستم مقرِّين ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولها: لا تفض الخاتم إلا بحقه الفض الكسر والفتح والخاتم كناية عن الفرج وحقه التزويج المشروع ففي الحديث فضل العفاف أو الانكفاف عن المحرمات لا سيما بعد القدرة عليها والهم بفعلها ويترك ذلك الله تعالى خالصاً وفي الحديث جواز الإجارة وفيه حسن العهد وأداء الأمانة والسماحة في المعاملة وفيه إثبات كرامات الأولياء وهو مذهب أهل الحق. قوله: (قلت أغبق بضم الهمزة وكسر الباء) هكذا في نسخ الأذكار وكأنه من سبق القلم ففي شرح مسلم له لا أغبق بفتح الهمزة وضم الباء والغبوق شراب العشي والصبوح شراب أول النهار يقال منه غبقت الرجل بفتح الباء أغبقه بضمها مع فتح الهمزة غبقاً فاغتبق أي سقيته عشياً فشرب وهذا الذي ذكرته من ضبطه متفق عليه في كتب اللغة وكتب غريب الحديث والشروح وقد تصحف بعض من لا أنس له فيقول أُغبق بضم الهمزة وكسر الباء وهذا غلط اهـ. قوله: (عن الأوزاعي) هو بفتح الهمزة

باب رفع اليدين في الدعاء ثم مسح الوجه بهما

بالإساءة؟ قالوا: بلى، فقال: اللهم إنا سمعناك تقول: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة 91] وقد أقررنا بالإساءة، فهل تكون مغفرتك إلا لمثلنا؟ اللهمَّ اغفر لنا وارحمنا واسقنا، فرفع يديه ورفعوا أيديهم فسُقوا. وفي هذا المعنى أنشدوا: أنا المُذْنِبُ الخطَّاءُ والعفوُ واسعٌ ... ولو لم يكن ذَنْبٌ لَما وقَعَ العَفْوُ باب رفع اليدين في الدعاء ثم مسح الوجه بهما ـــــــــــــــــــــــــــــ وسكون الواو وبالزاي وبعد الألف مهملة ثم ياء نسبة منسوب إلى الأوزاع قال في لب الألباب الأوزاعي منسوب إلى الأوزاع وهي قرى متفرقة فيما أظنه بالشام منها أبو عمر وعبد الرحمن بن عمر والأوزاعي والأوزاع التي ينسب إليها قرية خارج باب الفراديس مات سنة سبع وخمسين ومائة قال الشيخ عز الدين الصواب إن الأوزاع بطن من ذي الكلاع من اليمن وقيل بطن من همدان نزلوا الشام فنسبوا القرى التي سكنوها إليهم اهـ. وقال المصنف في أوائل شرح مسلم اختلفوا في الأوزاع التي نسب إليها فقيل بطن من حمير وقيل قرية كانت عند باب الفراديس من دمشق وقيل من أوزاع القبائل أي فرقهم وبقايا مجتمعة من قبائل شتى قال أبو زرعة الدمشقي: كان اسم الأوزاعي عبد العزيز فسمى نفسه عبد الرحمن وكان ينزل الأوزاع فغلب ذلك عليه وقال محمد بن سعد الأوزاع بطن من همدان والأوزاعي من أنفسهم اهـ. قوله: (إلا لمثلنا) أي لكمال احتياجنا إليها لما وقعنا فيه من المخالفات ورجوناه من غفران السيئات. قوله: (والعفو واسع) أي عمومه وقد سبق في الحديث اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي ورحمتك أرجى من عملي. باب رفع اليدين في الدعاء ثم مسح الوجه بهما قال المصنف الأحاديث الكثيرة برفع اليد إلى السماء في كل دعاء من غير حصر ومن ادعى حصرها فقد غلط غلطاً فاحشاً وهذه الرواية لكونها مثبتة مقدمة على رواية الشيخين النافية لذلك أو المراد بها لا يبالغ في رفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء

روينا في كتاب الترمذي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطَّهما حتى يمسح بهما وجهه". وروينا في سنن أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحوه، وفي إسناد كل واحد ضَعف. وأما قول الحافظ عبد الحق رحمه الله تعالى: إن الترمذي قال إنه حديث صحيح، فليس في النسخ المعتمدة من الترمذي أنه صحيح، بل قال: حديث غريب. ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكمة الرفع إلى السماء أنها قبلة الدعاء ومهبط الرزق والوحي والرحمة والبركة قال في السلاح قال الخطابي إن من الأدب أن يكون اليدان في حال رفعهما مكشوفتين غير مغطاتين ومحله إن كانتا طاهرتين وإلا فيكره رفعهما بلا حائل ولا يكره مع الحائل على الأوجه ومحل استحباب مسح الوجه بهما في الدعاء خارج الصلاة أما فيها فلا يسن بل يكره كما تقدم. قوله: (روينا في كتاب الترموذي) وكذا رواه الحاكم في المستدرك. قوله: (إذا رفع يديه في الدعاء) أي خارج الصلاة. قوله: (حتى يمسح بهما وجهه) ولعل وجهه أنه إيماء إلى قبول الدعاء وتفاؤل برفع البلاء وحصول العطاء فإن الله يستحي أن يرد يد عبده صفراً من الخير. قوله: (وروينا في سنن أبي داود عن ابن عباس الخ) وكذا رواه من حديثه ابن ماجه والحاكم في المستدرك ولفظه إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهرها وامسحوا بها وجوهكم وسبق في الاستسقاء أنه - صلى الله عليه وسلم - دعا رافعاً ظهور كفيه فيعلم منه أن هذا مخصوص بمن دعا بحصول شيء وذاك بما إذا دعا برفع جدب أو نحوه والعمل على قضية هذه الأخبار خلفاً عن سلف قال في السلاح وقول بعض العلماء في فتاويه ولا يمسح وجهه بيديه عقب الدعاء إلا جاهل محمول على أنه لم يطلع على هذه الأحاديث. قوله: (وأما قول الحافظ عبد الحق الخ) قال في السلاح قد اختلفت النسخ يعني من الترمذي في التكلم على هذا الحديث فبعضها غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن عيسى

باب استحباب تكرير الدعاء

باب استحباب تكرير الدعاء روينا في سنن أبي داود عن ابن مسعود رضي الله عنه: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يعجبه أن يدعوَ ثلاثاً، ويستغفر ثلاثاً". باب الحث على حضور القلب في الدعاء اعلم أن مقصود الدعاء هو حضور القلب كما سبق بيانه، والدلائل عليه أكثر من أن تُحصر، والعلم به أوضح من أن يذكر، لكن نتبرَّك بذكر حديث فيه. روينا في كتاب الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ادْعُوا الله وأنْتُم مُوقِنُون بالإجابَةِ، واعْلَمُوا أنَّ الله تعالى لا يَسْتَجِيبُ دُعاءَ مِنْ قَلْبٍ غافِلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ تفرد به وهو قليل الحديث وقد حدث عنه النّاس وحنظلة بن أبي سفيان الجمحي وثقه يحيى بن سعيد القطان ورأيت في غير ما نسخة حسن صحيح غريب إلى آخر كلامه المتقدم اهـ. باب استحباب تكرير الدعاء أي ذكر دليل ذلك. قوله: (وينافي سنن أبي داود) وكذا رواه الإِمام أحمد كما في الجامع الصغير وأخرج مسلم عن ابن مسعود أيضاً وكان إذا دعا دعا ثلاثاً وإذا سأل سأل ثلاثاً وأصل الحديث عند البخاري وغيره. باب الحث على حضور القلب أي مع الله تعالى (في) حال (الدعاء). قوله: (اعلم أن مقصود الدعاء هو حضور القلب) ولذا قالوا ينبغي أن يكون مراد الداعي بدعائه حضوره مع مولاه وافتقاره وتضرعه إليه لا حضور مشتهى نفسه من الأعراض والأغراض. قوله: (روينا في كتاب الترمذي) وكذا رواه الحاكم في المستدرك. قوله: (وأنتم موقنون بالإجابة) أي والحال أنكم موقنون بها أي معتقدون لوقوعها لصدق رجائكم الباعث على الطلب بجد وصدق الدال على الإخلاص فيه وعلى توفر شروطه وآدابه وذلك يغلب معه وقوعها لأن عدمها إنما ينشأ عن فساد الداعي كما أفاده قوله (واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل)

باب فضل الدعاء بظهر الغيب

لاهٍ" إسناده فيه ضعف. باب فضل الدعاء بظهر الغيب قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ عن الله (لاه) مشتغل بغيره لا للعجز عن الإجابة ولا للبخل بها لأن ذلك محال عليه سبحانه إنما هو للإعراض عما يليق بجناب الحق من اعتقاد واسع كرمه والتقرب إليه بمحابه واجتناب ما يغضبه والتذلل بين يديه بغاية الذلة والانكسار والاحتياج والافتقار وامتلاء القلب بشهوده ودوام حضوره بين يدي معبوده وقيل وأنتم موقنون بالإجابة وأنتم حين الدعاء على حالة تستحقون فيها الإجابة لتوفر شروطها المذكورة فيكم وما قررناه موافق في المعنى لهذا القول فإنه لا بد في ظن الإجابة من توفر تلك الشرط كما دلت عليه الأحاديث سيما قوله في هذا الحديث واعلموا الخ، وفي الرسالة القشيرية قيل مر موسى عليه السلام برجل يدعو ويتضرع إلى الله تعالى فقال موسى عليه السلام: إلهي لو كانت حاجته بيدي قضيتها فأوحى الله إليه أنا أرحم به منك ولكنه يدعوني وله غنم وقلبه عند غنمه وإني لا أستجيب لعبد يدعوني وقلبه عند غيري فذكر موسى عليه السلام للرجل ذلك فانقطع إلى الله تعالى بقلبه فقضيت حاجته قال الشيخ زكريا فيه دلالة على أن من شروط الدعاء حضور العقل وصحة النية ففي ترك ذلك قبح وأقبح منه من يقرأ الفاتحة وهو غافل القلب عما يتكلم به لسانه مشتغل بأسباب الدنيا اهـ. قوله: (إسناده فيه ضعف) قال في السلاح قال الحاكم مستقيم الإسناد. باب فضل الدعاء بظهر الغيب (قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ}) من بعد المهاجرين والأنصار وظاهره أن جملة الذين الخ مستأنفة قال في النهر الظاهر أن. قوله: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} معطوف على ما قبله من المعطوف على المهاجرين قال الفراء هم الفرقة الثالثة من الصحابة وهي من آمن أو كثر في

الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [الحشر: 10] وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19] وقال تعالى إخباراً عن إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم: 41] وقال تعالى إخباراً عن نوح - صلى الله عليه وسلم -: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [نوح: 28]. وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لأخِيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ إلاَّ قالَ المَلَكُ: ولَكَ بِمِثْلٍ". ـــــــــــــــــــــــــــــ مدة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقيل: والذين جاؤوا من بعدهم مقطوع مما قبله من عطف الجمل لا عطف المفردات وإعرابه والذين يثنون بالدعاء للأولين والثناء عليهم وهم من يجيء من بعد الصحابة إلى يوم القيامة والخبر يقولون أخبر عنهم بأنهم لأيمانهم ومحبة أسلافهم يقولون: ربنا اغفر لنا ولإخواننا وعلى القول الأول يكون يقولون استئناف إخبار أو حال اهـ. قوله: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} المراد من الذنب المضاف إليه ما يقع من خلاف الأولى اللائق بعلى مقامه أطلق عليه ذنباً لمشابهته للذنب في طلب الترك. قوله: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي} أتى بضمير المتكلم ومعه غيره إعلاماً بعلو مقام سؤاله تعالى وإنه يستعان عليه بالغير أو إيماء إلى تشرفه بهذا الإضافة العلية (ولوالدي) قيل أراد بهما آدم وحواء وقيل أراد بهما أبويه الأقربين فإن أمه كانت مؤمنة ولم ييأس حينئذٍ من إيمان أبيه بل الذي مال إليه الحافظ إن أباه كان مؤمناً أيضاً وإن الذي لم يؤمن إنما هو عمه وإطلاق الأب عليه مجاز وبسط ذلك في مسالك الحنفا في إيمان والدي المصطفى. قوله: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} قال في النهر لما دعا على الكفار استغفر للمؤمنين وبدأ بنفسه ثم بمن وجب عليه برده ثم بالمؤمنين والمؤمنات دعا لكل مؤمن ومؤمنة في كل أمة. قوله: (وروينا في صحيح مسلم) انفرد به عن الستة قوله: (ما من مسلم الخ) قال القرطبي في المفهم المسلم هنا هو الذي سلم المسلمون

باب استحباب الدعاء لمن أحسن إليه وصفة دعائه

وفي رواية أخرى في "صحيح مسلم" عن أبي الدرداء أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: "دَعْوَةُ المَرْءِ المُسْلِم لأخِيهِ بظَهْرِ الغَيب مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رأسه مَلَك مُوَكَّلٌ، كُلَّما دَعا لأخِيهِ بِخَيرٍ، قالَ المَلَكُ الموَكَّلُ بِهِ. آمين ولَكَ بِمِثْلٍ". وروينا في كتابي أبي داود والترمذي عن ابن عمرو رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أسْرَعُ الدُّعاءِ إجابَةً دَعْوَةُ غائِب لِغائِبٍ" ضعَّفه الترمذي. باب استحباب الدعاء لمن أحسن إليه وصفة دعائه هذا الباب فيه أشياء كثيرة تقدَّمت في مواضعها. ومن أحسنها ما روينا في الترمذي عن أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله ـــــــــــــــــــــــــــــ من لسانه ويده الذي يحب للناس ما يحب لنفسه لأن هذا هو الذي تحمله شفقته وحاله على أخيه المسلم أن يدعو له بظهر الغيب أي في حال غيبته عنه وإنما خص حالة الغيبة بالذكر لبعدها من الرياء والأغراض المفسدة أو المنقصة فإنه في حال الغيبة يتمحض الإخلاص ويصح قصد وجه الله تعالى بذلك فيوافقه الملك في الدعاء ويبشره على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- بأن له مثل ما دعا به لأخيه، والأخوة هنا هي الأخوة الدينية وقد يكون معها صداقة ومعرفة وقد لا وقد لا تتعين فإن الإنسان إذا دعا لإخوانه المسلمين حيث كانوا وصدق الله في دعائه وأخلص فيه في حال الغيبة عنهم أو عن بعضهم قال الملك له ذلك القول بأن يكون ثوابه أعظم لأنه دعا بالخير وقصده للإسلام ولكل المسلمين والله أعلم اهـ. قوله: (وفي رواية أخرى) هي كالتفسير لما قبلها. قوله: (وروينا في كتابي أبي داود والترمذي) ورواه البخاري في الأدب المفرد والطبراني في المعجم الكبير كلهم من حديث أبي هريرة كما في الجامع الصغير. قوله: (أسرع الدعاء إجابة الخ) إنما كان كذلك جزاء لإخلاص الدعاء وابتغائه بدعائه وجه ربه. باب استحباب الدعاء لمن أحسن إليه وصفة دعائه قوله: (ومن أحسنها ما رويناه في الترمذي الخ) تقدم الكلام على تخريجه

باب استحباب طلب الدعاء من أهل الفضل وإن كان الطالب أفضل من المطلوب منه، والدعاء في المواضع الشريفة

-صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صُنع إلَيه مَعْرُوف فقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللهُ خَيراً، فَقَدْ أبْلَغَ في الثَّناءِ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقد قدَّمنا قريباً في "كتاب حفظ اللسان" في الحديث الصحيح قولَه -صلى الله عليه وسلم-: "وَمَنْ صَنَعَ إلَيكُمْ مَعْرُوفاً فكافِئُوهُ، فإنْ لَمْ تَجِدُوا ما تُكافِئُونَهُ فادْعُوا لَهُ حَتى تَرَوْا أنَّكُمْ قَدْ كافأْتُمُوهُ". باب استحباب طلب الدعاء من أهل الفضل وإن كان الطالب أفضل من المطلوب منه، والدعاء في المواضع الشريفة اعلم أن الأحاديث في هذا الباب أكثر من أن تحصر، وهو مجمع ـــــــــــــــــــــــــــــ في باب دعاء الضيف لأهل المنزل. قوله: (فقد أبلغ الثناء) إذ فيه شكر لهم على ما فعلوه معه من حيث إنه عجز عن القيام بمكافأتهم وطلب من الله لهم الجزاء في ذلك النداء فقد أبلغ الثناء. باب استحباب طلب الدعاء من أهل الفضل وإن كان الطالب أفضل من المطلوب منه، والدعاء في المواضع الشريفة أي واستحباب طلب الدعاء فيها لأن من شرفها شرف ما يعمل فيها من الطاعات ومنه الدعاء بل هو غاية الطاعة لما فيه من الافتقار والتذلل بين يدي الجبار سبحانه تعالى. قوله: (الأحاديث في هذا الباب أكثر من أن تحصر) من ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه قال كان عمر إذا أتى عليه إمدادا أهل اليمن سألهم أفيكم أويس بن عامر حتى أتى على أويس بن عامر إلى أن قال عمر: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يأتي عليكم أويس بن عامر مع إمداد اليمن من مراد ثم من قرن كان به أثر برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بار بها لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل فاستغفر لي

باب نهي المكلف عن دعائه على نفسه وولده وخادمه وماله ونحوها

عليه. ومن أدلَّ ما يستدل به ما روينا في كتابي أبي داود والترمذي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: "استأذنتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - في العمرة، فأذن لي وقال: لا تَنْسَنَا يا أُخَي مِنْ دُعائِكَ، فقال: كلمة ما يسرُّني أن لي بها الدنيا". وفي رواية قال: "أشْرِكْنا يا أُخَيُّ في دُعائِكَ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وفي ذكرناه في "أذكار المسافر". باب نهي المكلف عن دعائه على نفسه وولده وخادمه وماله ونحوها روينا في سنن أبي داود بإسناد صحيح عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَدْعُوا على أنْفُسِكُمْ وَلا تَدْعُوا على أوْلادِكُمْ وَلا تَدْعُوا على خَدَمِكُمْ وَلا تَدْعُوا على أمْوَالِكُمْ، لا تُوافِقُوا مِنَ الله ساعَةَ نَيلٍ فِيها عَطَاءٌ فَيُسْتَجابَ لَكُمْ" قلت: قيل بكسر النون وإسكان الياء، ومعناه: ساعة إجابة ينال الطالب فيها ويعطى مطلوبه. وروى مسلم هذا الحديث في آخر "صحيحه" وقال فيه: "لا تَدْعُوا على أنْفِسِكُمْ، وَلاَ تَدعُوا علي أوْلادِكُمْ، وَلا تَدْعُوا على أمْوَالِكُمْ، لا تُوافِقُوا مِنَ الله تَعالى ساعَةً يُسألُ فيها عَطاء فيَسْتَجِيبُ لكم". ـــــــــــــــــــــــــــــ فاستغفر له" الحديث. قوله: (ومن أدل ما يستدل به الخ) تقدم الكلام في أذكار المسافر في باب وصية المقيم المسافر بالدعاء له في مواطن الخير وإن كان المقيم أفضل من المسافر. باب نهي المكلف عن دعائه على نفسه وولده وخادمه وماله، ونحوها أي عند تعبه من ذلك إما لمؤنة تغلب عليه أو لأذى حصل له مما ذكر أو نحوه. قوله: (لا توافقوا من الله ساعة الخ) نهي للداعي وعلة للنهي أي لا تدعوا على من ذكر كي لا توافقوا من الله ساعة (نيل فيها عطاء فيستجيب) بالنصب جواب للنهي أي فهو يستجيب

باب الدليل على أن دعاء المسلم يجاب بمطلوبه أو غيره وأنه لا يستعجل بالإجابة

باب الدليل على أن دعاء المسلم يجاب بمطلوبه أو غيره وأنه لا يستعجل بالإجابة قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لكم أي لا تدعوا على من ذكر كي لا توافقوا ساعة الإجابة فتندموا. باب الدليل على أن دعاء المسلم يجاب بمطلوبه أي إما عاجلاً أو آجلاً كما تقدم عن دعوتي موسى وزكريا عليهما السلام وإجابة كل منهما بعد مدة مديدة من الأعوام (أو) يجاب (بغير مطلوبه) أي من بلاء يصرف عنه كان في علم الله تعالى لولا الدعاء لنزل به أو ثواب يدخر للعبد عند ربه (وإنه) أي المسلم الداعي (لا يستعجل بالإجابة) فإن لكل شيء أجلاً مسمى في علم الله ولكل أجل كتاب. وسحاب الخير لها مطر ... فإذا جاء الأبان تجي قوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي} الخطاب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- والجواب {فَإِنِّي قَرِيبٌ}) على إضمار فقل: إني قريب والقرب هنا عبارة عن سماعه لدعائهم. وقوله: (أجيب) راعى ضمير المتكلم وهو أكثر في كلام العرب من مراعاة الخبر كقوله: أنا رجل آمر بالمعروف ويجوز يأمر بالياء على مراعاة الغيبة. قوله: {دَعْوَةَ الدَّاعِ} أي دعاءه والهاء في دعوة هنا ليست دالة على الوحدة بل مصدر مبني على فعلة كرحمة قال في النهر والظاهر عموم الداعي وقد ثبت بصريح العقل وصحيح النقل أن بعض الداعين لا يجيبه الله إلى ما سأل فهو مقيد بمن شاء الله أن يجيبه اهـ. وعلى ما أشار إليه المصنف في معنى الإجابة وإنها تكون بالمطلوب تارة وبغيره أخرى فالداعي باق على عمومه ودعوته مجابة إما بالمطلوب أو بالثواب قال ابن عطاء الله في الحكم إذا فتح لك باب السؤال فقد فتح لك باب الإجابة وأصله حديث ابن أبي شيبة عن ابن عمر مرفوعاً من

إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186] وقال تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]. وروينا في كتاب الترمذي عن عُبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما على الأرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو الله تعالى بدَعْوَةٍ إلاَّ آتاهُ الله إيَّاها، أوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَها ما لَمْ يَدْعُ بإثْمٍ أوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، فقال رجَل من القوم: إذاً نُكْثرُ، قال: اللهُ أكثَرُ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. ورواه الحاكم أبو عبد الله في "المستدرك على الصحيحين" من رواية أبي سعيد الخدري، ـــــــــــــــــــــــــــــ فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الإجابة والله أعلم. قوله: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} أي اعبدوني أثبكم على العبادة وجاء الدعاء بمعنى العبادة كثيراً ويقوي هذا التأويل قوله {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} كذا في النهر وتفسير الجلالين. قوله: (روينا في كتاب الترمذي) وفي رواية للترمذي أيضاً من حديث أبي هريرة فإما أن تعجل له في الدنيا وإما أن يدخر له في الآخرة وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا. قوله: (إلا آتاه الله إياها) أي في الحال أو بعد زمن. قوله: (أو صرف عنه من السوء مثلها) أي إن لم يقدر إجابة الدعاء صرف عنه ما قضي عليه من بلاء معلق بعدم الدعاء ويكون دفع ذلك البلاء عنه مثل حصول ما طلبه. قوله: (ما لم يدع بإثم) أي محرم وقد تقدم في أول باب آداب الدعاء تفصيل مبسوط فيه فراجعه وقد نقل ابن حجر الهيتمي في شرح المشكاة ما تقدم في ذلك الباب عن القرافي وتعقبه في كثير منه. قوله: (أو قطيعة رحم) هو لكونه من جملة الدعاء الحرام من عطف الخاص على العام مبالغة في التعيير على قطيعة الرحم ولو بالدعاء المعلوم حرمته مما من كقوله: اللهم افعل بفلان كذا وهو رحمه وليس بظالم له أما الرحم الظالم فيجوز الدعاء بقدر ظلمه. قوله: (إذاً كثر) أي إذا كان الدعاء لا يرد منه شيء ولا يخيب الداعي في شيء منه نكثر من الدعاء لعظيم فوائده. قوله: (الله أكثر) بالمثلثة أي ثواباً وعطاء مما في نفوسكم فأكثروا ما شئتم فإنه يقابل دعوتكم بما هو منها أكثر وأجل. قوله: (ورواه الحاكم الخ) وقال صحيح الإسناد. قوله:

كتاب الاستغفار

وزاد فيه: "أوْ يَدَّخِرَ لَهُ مِنَ الأجْرِ مِثْلَها". وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يُسْتَجَابُ لأحَدِكُمْ ما لَمْ يَعْجَلْ فَيَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لي". كتاب الاستغفار ـــــــــــــــــــــــــــــ (أو يدخر له من الأجر) أي في الآخرة (مثلها) أي مثل دعوته إن لم يقدر إجابتها. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) ورواه أبو داود والترمذي وصححه وابن ماجه كلهم عن أبي هريرة. قوله: (ما لم يعجل يقول قد دعوت فلم يستجب لي) زاد مسلم في رواية له فيستحسر عنه ذلك ويدع الدعاء أي لاستثقاله ومنه يعلم أن المراد بعدم الاستجابة هنا عدم الدعاء الذي هو سبب الاستجابة لأن الاستعجال المذكور يوجب ترك الدعاء كما تقرر وقال بعضهم من كان له ملال من الدعاء لا يقبل دعاؤه لأن الدعاء عبادة حصلت الإجابة أو لم تحصل فلا ينبغي للمؤمن أن يمل من العبادة اهـ. قال بعض المحققين والمعنى الأول أولى لأن الثاني وإن كان صحيحاً إلا أنه غير مطابق لرواية مسلم تلك نعم قال الحليمي وتبعه الزركشي وغيره من شرط الدعاء أن لا يضجر من تأخير الإجابة لأن المصلحة قد تكون في غيرها ولأن الدعاء عبادة واستكانة وذلك ينافيها والله أعلم. كتاب الاستغفار أي سؤال المغفرة وهي التجاوز عن الذنب وعدم المؤاخذة عليه إما بترك التوبيخ والعقاب رأساً أو بالتقرير به فيما بين العبد وربه كما في حديث النجوى عن ابن عمر عند البخاري وغيره والمغفرة مأخوذة من الغفر بمعنى الستر ومنه المغفر لما يستر الرأس ويجعل تحت البيضة والأولى بالإنسان الإكثار من الاستغفار مع باقي أركان التوبة من الندم عن الذنب والإقلاع عنه والعزم على ألا يعود إليه قال القرطبي في التفسير قال علماؤنا: الاستغفار المطلوب هو الذي يحل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عقد الإصرار ويثبت معناه في الجنان لا التلفظ باللسان فأما من قال أستغفر الله بلسانه وقلبه مصر على معصية فاستغفاره ذلك يحتاج إلى استغفار وصغيرته لاحقة بالكبائر وروي عن الحسن البصري أنه قال استغفارنا يحتاج إلى استغفار قلت هذا يقوله في زمانه فكيف في زماننا الذي يرى فيه الإنسان مكباً على الظلم حريصاً عليه لا يقلع والسبحة في يده زاعماً أنه يستغفر من ذنبه وذلك استهزاء منه واستخفاف وفي التنزيل {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} اهـ. قلت أخرج البيهقي وابن عساكر حديث التائب من الذنب كمن لا ذنب له والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزيء بربه الحديث والحاصل أنه يطلب للمستغفر بلسانه أن يكون ملاحظاً لهذه المعاني بجنانه ليفوز بنتائج الاستغفار فإن لم يتيسر له ذلك فيستغفر بلسانه ويجاهد نفسه على ما هنالك فالميسور لا يسقط بالمعسور ولعل ببركة المداومة على الاستغفار باللسان مع المجاهدة أن يفوز بالكمال وقد وقع السؤال هل الأفضل الاشتغال بالاستغفار أو بغيره من باقي الأذكار فقال العارف الكبير الشيخ محمد بن عراق نفع الله به الأنسب بالثوب الوسخ الماء الحار والصابون وبالنظيف الطيب أي وصابون الذنوب الاستغفار وما ذلك الذلة والاستغفار وقال الشيخ شهاب الدين أحمد الرملي الاشتغال بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- أفضل من الاشتغال بالاستغفار مطلقاً يريد سواء غلبت الطاعات أو المعاصي كما ذكر ذلك في السؤال المرفوع إليه، وفيه بعد والظاهر ما ذكره الشيخ ابن عراق من التفصيل وفي كتاب مسالك الحنفا للقسطلاني نقلاً عن كتاب مفتاح الفلاح ومصباح الأرواح في ذكر الكريم الفتاح للشيخ شمس الدين البرشنسي بعد كلام ذكره في آداب السالك من طريق الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم المريد للسلوك إن سبق منه كثرة آثام وأوزار فليبدأ في سلوكه بكثرة الاستغفار إلى أن تظهر له ثمرته فلكل ذكر ثمرة وعلامة عند أئمة هذا الشأن معتبرة

اعلم أن هذا الكتاب من أهمِّ الأبواب التي يعتنى بها ويحافظ على العمل به. وقصدت بتأخيره التفاؤلَ بأن يختم الله الكريم لنا به، نسأله ذلك وسائر وجوه الخير لي ولأحبائي وسائر المسلمين آمين. قال الله تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فلا يرقى سالك من ذكر إلى ذكر آخر حتى تظهر عليه ثمرته المختصة به فإذا ظهرت عليه شواهد الخشوع ولاح على قلبه أثر الانكسار والخضوع فعند ذلك يؤمر بذكر مصقلة القلب وهي الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا إذا كان قد استعمل في المعاصي جوارحه أما إن كان قد شد على العفاف إزاره ولم تستهوه النفس الأمارة فأول ما يلقي إليه الصلاة على الرسول فبها يبلغ المأمول اهـ. قوله: (التي يعتني بها) أي تتوجه العناية إليها لعظيم وقعها. قوله: (ويحافظ على العمل به) معطوف على قوله من أهم الأبواب. قوله: (وقصدت بتأخيره التفاؤل) بالهمز ويجوز أن يكون في تأخيره الإشارة إلى أن العبد وإن قام بسائر وظائف الأبرار وشعائر الأخيار ينبغي له الملازمة على الاستغفار ورؤيته نفسه بعين الاحتقار وعمله بنظر النقص والصغار ويعتمد على رحمة ربه الغفار. قوله: (أن يختم لنا به) أي بالغفران المسؤول بالاستغفار. قوله: (وسائر المسلمين) أي جميعهم فيكون من عطف العام على الخاص لقصد التعميم أو باقيهم بناء على مجيء سائر بمعنى باقي فيكون من عطف المغاير. قوله: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} هذا وما شابهه نحو {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} مما اختلف المفسرون في تأويله فقال ابن عباس: إنك مغفور لك غير مؤاخذ بذنب أي لو كان وقال غيره المراد ما كان من سهو أو غفلة أو ما تقدم لأبيك آدم مما يشبه الذنب وما تأخر من ذنوب أمتك أو ذنوب أمته فقط والمراد بالذنب ترك الأولى كما قيل حسنات الأبرار سيئات المقربين وترك الأولى ليس بذنب في الحقيقة لكنه مشابه له بالنسبة إلى مقام كل الأنبياء في ندرة وقوعه منهم ولقد حقق السبكي هذا المقام بما حاصلة أن الآية لا تحتمل إلا وجهاً واحداً وهو تشريفه من غير أن يكون ذنب وبين ذلك أحسن بيان وأبلغه ثم قال وكيف يتخيل وقوع ذنب منه {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ

وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [غافر: 55] وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19] وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 106] ـــــــــــــــــــــــــــــ يُوحَى} وقد اجتمع الصحابة على اتباعه في كل ما يفعله من قليل وكثير وصغير وكبير لم يكن عندهم في ذلك توقف ولا بحث حتى عن أعماله في السر والخلوة يحرصون على العلم بها وعلى اتباعها علم بها أو لم يعلم ومن تأمل أحوالهم معه استحى أن يخطر بباله خلاف ذلك قال بعض المفسرين هذا الأمر للتشريع والاستنان أي إذا طلب منك الاستغفار مع عصمتك من كل ذنب فمن باقي أهل الإيمان المتلبسين بشيء من العصيان أولى. قوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ} أي صل متلبساً بالحمد أو نزهه متلبساً بحمده قال في النهر أمره بتنزيهه في هذين الوقتين اللذين النّاس مشغولون فيهما بمصالح المهنة أي ففيه إحياء الوقت الذي يغفل عنه بالذكر والطاعة. قوله: (وللمؤمنين) أي ولذنوب المؤمنين واستغفاره عليه الصلاة والسلام لأهل الإيمان رحمة لهم قال في النهر أحواله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة مع الله تعالى بالتوحيد" أي وإليه الإشارة بقوله: "فاعلم أنه لا إله إلا الله" أي دم على علمك بتوحيده تعالى ومع نفسه بالاستغفار له ومع غيره بالاستغفار لهم. قوله: {وَاسْتَغْفِرِ اللهَ} قال القرطبي ذهب الطبراني إلى أن المعنى واستغفر الله في خصامك الجانين فأمره بالاستغفار لما هم بالدفع عنهم وقطع يد اليهودي قال ابن عطية:

وقال تعالى: {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وليس هذا بذنب لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما دافع على الظاهر وهو يعتقد براءتهم وقيل المعنى واستغفر الله للمذنبين من أمتك والمتخاصمين بالباطل ومحلك من النّاس أن تسمع من المتداعين وتقضي بنحو ما تسمع وتستغفر للذنب وقيل هو بالاستغفار على طريق التسبيح كالرجل يقول استغفر الله على وجه التسبيح من غير أن يقصد توبة من ذنب وقيل الخطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم- والمراد بنو أبيرق كقوله تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ} اهـ. قوله: {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} خبر مبتدؤه (جنات) والجملة مستأنفة جواب كلام مقدر كأنه قيل ما الخيرية فقال {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ} وقريء جنات بالخفض فيكون بدلاً من قوله بخير ويكون قوله للذين متعلقاً بقوله خير فلا يكون استئناف كلام وذكر من أوصاف الجنة أنها تجري من تحتها الأنهار والأزواج التي هي من أعظم الشهوات ووصفهن بالتطهير أي من الحيض وغيره من المستقذرات وأتبع ذلك بأعظم الأشياء وهو الرضى الكثير المعبر عنه بالرضوان بكسر أوله وضمه لغتان فانتقل من عال إلى أعلى منه. وقوله: {خَالِدِينَ} حال مقدرة أي مقدرين خلودهم فيها إذا دخلوها وقوله {وَاللَّهُ بَصِيرٌ} أي عالم (بالعباد) فيجازي كلاً منهم بعمله ففيه وعد ووعيد ولما ذكر المتقين ذكر أشياء من صفاتهم فقال ({الَّذِينَ يَقُولُونَ} الخ) ويصح أن يكون الموصول بدلاً من الذين قبل هذا كله على كونه مخفوضاً ويصح إعرابه بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي هم وبالنصب على أنه مفعول لفعل محذوف أي امدح الذين وبدأ من الصفات بالإيمان الذي هو رأس التقوى أي صدقنا بك وبرسلك ورتب على الإيمان سؤال المغفرة ووقاية عذاب النار ولما ذكر الإيمان بالقول أخبر بالوصف الدال على حبس النفس على ما هو شاق عليها من التكاليف وهو الصبر أي على الطاعة وعن المعصية ثم ذكر صدقهم فيما أخبروا به من قولهم: ربنا

وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران: 15 - 17] {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33] ـــــــــــــــــــــــــــــ آمنا وقنوتهم أي طاعتهم (والمنفقين) أي المتصدقين في الطاعات وقوله: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} قال القرطبي واختلف في معناه فقال أنس بن مالك: هم السائلون المغفرة وقال قتادة المصلون قلت: ولا تناقض فإنهم يصلون ويستغفرون اهـ. وخص السحر وهو آخر الليل بالذكر لأنه وقت الغفلة ولذة النوم ولأنه مظان القبول ووقت إجابة الدعاء قال -صلى الله عليه وسلم- في تفسير قوله تعالى مخبراً عن يعقوب عليه السلام: " {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} أخر ذلك إلى السحر" رواه الترمذي وفي الحديث الصحيح ينزل الله عزّ وجلّ إلى سماء الدنيا كل ليلة حتى يضيء الثلث الأول الحديث رواه مسلم وسبق في باب الحث على الدعاء والاستغفار في النصف الثاني من الليل، قال القرطبي: الاستغفار مندوب إليه وقد أثنى الله تعالى على المستغفرين في هذه الآية وغيرها قال تعالى: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} وقال أنس بن مالك: أمرنا أن نستغفر بالسحر سبعين استغفارة وروي عن أنس قال سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله عزّ وجلّ يقول إني لأهم بعذاب أهل الأرض فإذا نظرت إلى عمار بيوتي وإلى المتحابين في وإلى المتجهدين والمستغفرين بالأسحار صرفت عنهم العذاب بهم" وقال مكحول: إذا كان في أمة خمسة عشر رجلاً يستغفرون الله كل يوم خمساً وعشرين مرة لم يؤاخذ الله تلك الأمة بعذاب العامة ذكره أبو نعيم في كتاب الحلية اهـ. قوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} لأن العذاب إذا نزل عم قال ابن عباس لم تعذب أمة إلا بعد خروج نبيها والمؤمنين منها وهذه الجملة نزلت بمكة إلى قوله بعذاب أليم وهذا من أصول قولهم: لعين تجازي ألف عين وتكرم فدفع الله العذاب عن الكافرين كرامة لسيد الأحباب وحلوله بين أظهرهم ولما خرج منهم -صلى الله عليه وسلم- وبقي فيهم المؤمنون يستغفرون نزل قوله {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} وقال ابن عباس: كانوا يقولون في الطواف غفرانك والاستغفار وإن وقع من الفجار يدفع به ضرب من

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ الشرور والأضرار وقيل: إن الاستغفار هنا يراد به الإسلام أي وما كان الله معذبهم وهم يسلمون قاله مجاهد وعكرمة وقيل: وهم يستغفرون أي في أصلابهم من يستغفر الله روي عن مجاهد أيضاً، وقيل: وهم يستغفرون استدعاء لهم للاستغفار أي لو استغفروا لم يعذبوا قاله قتادة وابن زيد قال القرطبي قال المدائني عن بعض العلماء: كان رجل من العرب في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسرفاً على نفسه لم يكن يتحرج فلما توفي -صلى الله عليه وسلم- لبس الصوف ورجع عما كان عليه وأظهر الدين والنسك فقيل له: لو فعلت هذا والنبي -صلى الله عليه وسلم- حي لفرح بك قال: كان لي أمانان فمضى واحد وبقي الآخر قال الله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} فهذا أمان والثاني: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} قوله {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} ذنباً قبيحاً كالزنى. وقوله: {أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} أي بما دون ذلك كالقبلة وقيل هي بمعنى الواو {ذَكَرُوا اللهَ} أي ذكروا وعيده {فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} أي سألوا الغفران لأجل ذنوبهم وكل دعاء فيه هذا المعنى أو لفظه فهو استغفار. وقوله: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ} أي لا يغفر الذنوب {إِلَّا اللَّهُ} وقوله {وَلَمْ يُصِرُّوا} معطوف على استغفروا وجملة {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ} الخ معترضة بين المتعاطفين وحكمة الاعتراض بها ترقيق النفس والدعاء إلى رجاء الله تعالى وسعة عفوه واختصاصه بغفران الذنب، والإصرار على الذنب المداومة عليه وقيل: الإصرار العزم بالقلب على الأمر وترك الإقلاع ومنه صر الدينار ربط عليه وقال سهل بن عبد الله: الإصرار التسويف أي يقول: أتوب غداً وهذا دعوى النفس كيف يتوب غداً وغداً لا يملكه وقيل: الإصرار أن ينوي ألا يتوب فإذا نوى التوبة خرج عن الإصرار قال القرطبي وقول سهل أحسن روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا توبة مع الإصرار" قال العلماء الباعث على التوبة وحل الإصرار إدامة الفكر في كتاب الله العزيز الغفار وما ذكره سبحانه من تفاصيل الجنة ووعد به المطيعين

وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135] ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن عذاب النار وأوعد به العاصين فمن أدام ذلك قوي خوفه ورجاؤه فدعا الله رغباً ورهباً والرغبة والرهبة ثمرة الرجاء والخوف يخاف من العقاب ويرجو الثواب وقيل الباعث على ذلك تنبيه إلهي ينبه الله من أراد سعادته بقبح الذنب وضرره إذ هو سم مهلك ولا مخالفة في الحقيقة فإن الإنسان لا يتفكر في الوعد والوعيد إلا بالتنبيه الإلهي فإذا نظر بتوفيق الله إلى نفسه فوجدها مشحونة بذنوب اكتسبها وسيئات اقترفها وانبعث منه الندم على ما فرط وترك مثل ما سبق مخافة عقوبته تعالى صدق عليه أنه تائب فإن لم يكن كذلك فهو مصر على المعصية ملازم لأسباب الهلكة قال سهل: علامة التائب أن يشغله الذنب عن الطعام والشراب كالثلاثة الذين خلفوا وقوله: {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} قيل: أي يذكرون بذنوبهم فيتوبون منها قال النحاس وهذا قول حسن، وقيل: وهم يعلمون أني أعاقب على الإصرار، وقيل: وهم يعلمون أنهم إن تابوا تاب الله عليهم وقيل يعلمون أنهم إن يستغفروا غفر الله لهم، وقيل: يعلمون بما حرمت عليهم وقيل: يعلمون إن الإصرار ضار وإن تركه خير من التمادي قاله ابن عباس وغيره وقال الحسن بن فضيل: وهم يعلمون أن لهم رباً يغفر الذنوب وهذا أخذه من حديث مسلم عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يحكي عن ربه عزّ وجلّ قال: "أذنب عبدي ذنباً" فقال: "اللهم اغفر لي ذنبي" فقال تبارك وتعالى: "أذنب عبدي" علم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به ثم عاد فأذنب فقال: "أي رب اغفر لي ذنبي" فذكر مثله مرتين وفي آخره: اعمل ما شئت فقد غفرت لك، قال القرطبي في الحديث دليل على صحة التوبة بعد نقضها بمعاودة الذنب لأن التوبة الأولى طاعة قد انقضت وصحت وهو محتاج بعد مواقعة الذنب الثاني إلى توبة أخرى مستأنفة والعود إلى الذنب وإن كان أقبح من ابتدائه لأنه انضاف إلى الذنب نقض التوبة فالعود إلى التوبة أحسن منها لأنه انضاف إليها ملازمة الإلحاح بباب الكريم وإنه لا غافر للذنب سواه وقوله في آخر الحديث: اعمل ما شئت أمر معناه الإلزام في أحد الأقوال فيكون من باب قوله: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ} وآخر الكلام خبر عن حال المخاطب

وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110] وقال تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ... } الآية [هود: 3] ـــــــــــــــــــــــــــــ بأنه مغفور له ما سلف عن نبه ومحفوظ إن شاء الله فيما يستقبل من شأنه ودلت الآية والحديث على عظيم فائدة الاعتراف بالذنب والاستغفار منه قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه" أخرجاه في الصحيحين اهـ. وهذه الآية تقدم الكلام على جمل مما يتعلق بها في باب ما يقوله ويفعله من تكلم بكلام قبيح. قوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا} ذنباً يسوء به غيره كما وقع ممن رمى طعمة اليهودي بسرقة الدرع {أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ} بعمل ذنب قاصر عليه {ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ} منه أي يتب {يَجِدِ اللهَ غَفُورًا} له {رَحِيمًا} به وفي قوله: يجد الله الخ مبالغة في الغفران والرحمة كأن المغفرة والرحمة معدان لطالبهما مهيآن له متى طلبهما وجدهما وجاء جواب الشرط مصرحاً فيه باسم الله ولم يأت بالضمير لما في لفظ الله من الجلالة والتعظيم مما ليس في الضمير ولما تقدم شيئان عمل السوء وظلم النفس قابلهما بوصفين هما المغفرة لعامل السوء والرحمة لمن ظلم نفسه كذا في النهر. قوله: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} أي استغفروه من الشرك ثم توبوا ارجعوا إليه بالطاعة وقيل: استغفروه من سوالف الذنوب وتوبوا إليه من المستأنفة متى وقعت منكم ويحتمل أن يكون استغفروه من الصغائر وتوبوا إليه من الكبائر اهـ. وقيل: العطف تفسيري فالاستغفار هو التوبة والتوبة هي الاستغفار قال بعض العلماء: الاستغفار بلا إقلاع توبة الكذابين. قوله {يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا} ثمرة الاستغفار والتوبة أي يمتعكم بالمنافع في الدنيا من سعة الرزق ورغد العيش ولا يستأصلكم بالعذاب كما فعل بمن قبلكم، المتاع الحسن ترك الخلق والإقبال على الخالق وقيل هو القناعة بالموجود وترك الحزن على المفقود "وقوله {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} " قيل: هو الموت وقيل: القيامة وقيل: دخول الجنة والمتاع الحسن على هذا وقاية كل مكروه وأمن كل مخوف مما يكون في القبر وغيره من أهوال يوم القيامة وكربها والأول أظهر لقوله في الآية الأخرى: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} الآية وهذا منقطع بالموت وهو الأجل المسمى "قوله {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} " أي يؤت كل ذي عمل عمله من الأعمال الصالحة

وقال تعالى إخباراً عن نوح -صلى الله عليه وسلم-: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] وقال تعالى حكاية عن هود -صلى الله عليه وسلم-: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ... } [هود: 52] والآيات في الاستغفار كثيرة معروفة، ويحصل التنبيه ببعض ما ذكرناه. وأما الأحاديث الواردة في الاستغفار، فلا يمكن استقصاؤها لكني أشير إلى أطراف من ذلك. روينا في "صحيح مسلم" عن الأغرّ المزنيّ رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّهُ لَيُغانُ على قَلْبِي، وإني لأسْتَغْفِرُ اللهَ في اليَوْم مائَةَ مَرَّةٍ". ـــــــــــــــــــــــــــــ جزاء عمله وغير ذلك. قوله: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} أي من الشرك "قوله {يُرْسِلِ السَّمَاءَ} " أي المطر وكانوا قد منعوه "وقوله مدراراً" أي كثير الدر متتابعاً يتلو بعضه بعضاً "قوله ويزدكم" عطف على يرسل "وقوله {قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} " قال مجاهد: شدة إلى شدتكم وقال الضحاك: حصناً إلى حصنكم وقال علي بن عيسى: عزاً إلى عزكم قيل الله تعالى حبس عنهم المطر ثلاث سنين أو أعقم الأرحام ثلاث سنين فلم يولد لهم ولد فقال هود: إن آمنتم أحيا الله بلادكم ورزقكم المال والولد فتلك القوة وقال الزجاج المعنى: يزدكم قوة في النعم. قوله: (استقصاؤها) أي طلب أقصاها والمراد أنه يعسر حصرها. قوله: (روينا في صحيح مسلم) قال في السلاح ورواه أبو داود والنسائي وليس للأغر في الكتب الستة سوى هذا الحديث اهـ. زاد في الجامع الصغير ورواه أحمد. قوله: (عن الأغر المزني) قال العامري في الرياض (إنه ليغان على قلبي) إن فيه شانية والظرف نائب الفاعل أي يحصل له غين وقوله (وإني) أي حينئذٍ (لأستغفر الله) أي أطلب منه مغفرة لائقة بهذا المقام وهذا من على كماله -صلى الله عليه وسلم- إن ذلك الغين الذي كان يحصل له -صلى الله عليه وسلم- ليس المراد به ظاهره وحقيقته من الغيم الرقيق ولذا كثر الاختلاف فيه على آراء كثيرة منها ليطبق إطباق الغين وهو الغيم ومنها ما قال عياض إن المراد به فترات وغفلات عن الذكر الذي شأنه الدوام عليه فإذا فتر وغفل عد ذلك ذنباً واستغفر منه ومنها أنه همه -صلى الله عليه وسلم- بسبب أمته وما اطلع عليه من أحوالهم بعده فيستغفر لهم، ومنها أنه السكينة التي تغشى قلبه قال تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ} فالاستغفار

وروينا في "صحيح البخاري" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "واللهِ إني ـــــــــــــــــــــــــــــ شكر لها قال المحاسبي خوف المقربين إجلال وإعظام ومنها أنه من المتشابه الذي لا يخاض في معناه وقد سئل عنه الأصمعي فقال: قلب من هذا فقيل له قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- فامتنع من الكلام عليه تأدباً معه -صلى الله عليه وسلم- وإجلالاً لقلبه الذي جعله الله محل نظره ومنزل وحيه فهو مشرب سد عن أهل اللسان موارده وفتح لأرباب السلوك مسالكه ولذوي العرفان مصادره فأحق من يعبر عنه مشايخ الطريق الجامعون بين الحقيقة والشريعة لأن الحق طهر أسرارهم ونور بصائرهم بخلاف غيرهم، وممن تكلم على ذلك الشيخ عبد القادر الجيلاني فقال إنه -صلى الله عليه وسلم- لم يزل في الترقيات في الفيوض الإلهية والرتب العطائية فكلما ارتقى لمرتبة ونظر ما قبلها عده كالذنب فاستغفر منه، وبمعناه قول الشيخ القطب أبي الحسن الشاذلي أنه عين أنوار لا غين أغيار، وبيان أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يزل أنوار الشهود ومعارج القرب تتوالى على قلبه المطهر المبرأ من كل وصمة نقص أو غفلة أو تأثر بغير أو سوى فيترقى من مقام هو فيه إلى أعلى منه وهكذا ومن المعلوم أن المترقي إلى مقام أعلى ينظر إلى ذلك المترقى عنه وما فيه من فوات الخصوصية التي في الأعلى الذي ارتقى إليه فيعده حينئذٍ مما يستغفر منه أي يطلب ستره عنه بدوام ترقيه إلى أعلى منه وهكذا فالغين لا نقص فيه بوجه وإنما هو نور ومقام انتقل عنه إلى نور ومقام أعلى وأجمل فتأمله فإنه أولى ما قيل في هذا المقام كذا لخص من فتح الإله مع زيادة ما ذكر عن الشيخ عبد القادر عليه والله أعلم. قوله: (وروينا في صحيح البخاري) قال في السلاح ورواه النسائي وابن ماجه وزاد في الحصن ورواه الطبراني في الأوسط ورواه النسائي عنه في الأوسط أيضاً عن أنس وابن أبي شيبة عن أبي هريرة أيضاً بلفظ مائة مرة. قوله: (والله) هو قسم لتأكيد المقسم عليه ليتبادر إلى التأسي به في ذلك وهو حينئذٍ سنة لأنه يحمل على طاعة وللوسائل حكم المقاصد وكون النّاس يتبادرون إلى التأسي به وإن لم يقسم عليه

لأسْتَغْفِرُ اللهَ وأتُوبُ إليهِ في اليَوْمِ أكْثَرَ منْ سبْعِينَ مرَّةً". وروينا في "صحيح البخاري" أيضاً عن شداد بن أوس رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "سَيِّدُ الاسْتِغْفارِ أنْ يقولَ العَبْدُ: اللهُم أنتَ ربي لا إله إلاَّ أنْتَ خَلَقْتَني وأنا عبدُكَ، وأنا على عهْدِكَ ووعدِكَ ما استطَعْتُ، أعُوذُ بكَ من شَرِّ ما صَنَعْتُ، أبُوءُ لَكَ بنِعْمَتِكَ علي، وأبُوءُ بذَنْبي، فاغْفِر لي فإنهُ لا يَغْفِرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يمنع زيادة تأكيد الأمر عندهم بالقسم وزيادة المبادرة إليه بعده وبتسليم أن القسم لا يفيد شيئاً من ذلك بالنسبة إليهم ففائدته تعليمهم ندب الإقسام في مثل ذلك. قوله: (لأستغفر الله) أي أطلب منه مغفرة تليق بمقامي المبرأ عن كل وصمة ذنب أو مخالفة ولو سهواً أو قبل النبوة وتقدم في باب أذكار الصلاة زيادة حكم في استغفاره -صلى الله عليه وسلم- مع عصمته من الذنب مطلقاً ومما لم يذكر ثم ما ذكره بعضهم فقال: يحتمل أن الاستغفار له -صلى الله عليه وسلم- من الأمور المباحة من أكل أو شرب أو جماع أو نوم أو مخالطة النّاس والنظر في مصالحهم ومحاربة أعدائهم تارة ومداراتهم أخرى وتأليف المؤلفة وغير ذلك مما لم يحجبه من الاشتغال بذكر ذي الجلال على وجه الكمال ومن التضرع إليه ومن الحضور والاستغراق لديه ومن المشاهدة والمراقبة عليه فيرى ذلك بالنسبة إلى المقام العلي وهو الحضور في حضرة القدس ومجلس الإنس ذنباً اهـ. ويحتمل أن يكون استغفاره من ذنوب الأمة فهو بمنزلة الشفاعة لهم اهـ. قوله: (وأتوب إليه) أي أرجع رجوعاً يليق بي إليه أي إلى شهوده منتقلاً من شهود جمع إلى شهود فرق وبالعكس وهكذا أو إلى سؤاله أو الحضور والصغار بين يديه وحملت التوبة في حقه -صلى الله عليه وسلم- على ما ذكر لعصمته من كل عيب ووصمة فالتوبة في حقه -صلى الله عليه وسلم- رجوع إلى ربه يليق بكماله وقربه ولم يحد -صلى الله عليه وسلم- ما ذكر بعدد مخصوص بل قال (أكثر من سبعين مرة) لأن موجب الاستغفار والتوبة اللائقين به لا ينحصر لأنهما يتكرران بحسب الشهود والترقي كما تقدم في الحديث قبله. قوله: (وروينا في صحيح البخاري الخ) تقدم الكلام على تخريجه وما يتعلق

الذنُوبَ إلَا أنتَ، مَنْ قالَهَا بالنَّهَارِ مُوقِناً بِها فَمَاتَ من يَوْمِهِ قبلَ أنْ يُمسِيَ فَهُوَ مِنْ أهلِ الجنَّةِ، ومَنْ قالَهَا مِنَ الليلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قبلَ أنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أهْلِ الجنَّة" قلت: أبوء: بضم الباء وبعد الواو همزة ممدودة، ومعناه: أقرُّ وأعترف. وروينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: "كنا نعدُّ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المجلس الواحد مائة مرة: "ربِّ اغْفرْ لي وتُبْ عليَّ إنَّكَ أنْتَ التوَّابُ الرحِيمُ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وروينا في سنن أبي داود وابن ماجه عن عباس رضي الله ـــــــــــــــــــــــــــــ بمعناه في باب أذكار المساء والصباح. قوله: (وروينا في سنن أبي داود ... وابن ماجه) قال في السلاح رواه الأربعة وابن حبان في صحيحه وقال الترمذي حسن صحيح غريب وهذا لفظ أبي داود وعند الترمذي والنسائي وابن ماجه التواب الغفور وفي رواية للنسائي: اللهم اغفر لي وارحمني وتب عليّ إنك أنت التواب الغفور اهـ. ووقع مثله في نسخة مصححة من الحصن رمز لرواية الرحيم برمز أبي داود وابن حبان ولرواية التواب الغفور برمز باقي الأربعة وبه يعلم ما في عزوه بلفظ التواب الغفور وقال في أوله إنا كنا لنعد والباقي سواء وقال رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه اهـ. وفي عزوه بهذا اللفظ لتخريج أبي داود نظر يعلم من كلام السلاح والحصن. قوله: (نعد) بفتح النون وضم العين وتشديد الدال أي نحصي. قوله: (مائة مرة) بالنصب مفعول مطلق. قوله: (رب اغفر لي الخ) الجملة في محل نصب مفعول نعد وقوله: (وتب علي) أي ثبتني على التوبة أو ارجع عليّ بالرحمة بتوفيق الطاعة. قوله: (التواب) أي وهاب التوبة وموفقها وقابلها ومثيبها و (الرحيم) أي كثير الرحمة على أهل الطاعة والراجعين عن المعصية والغفلة. قوله: (وروينا في سنن أبي داود وابن ماجة) هذا لفظ أبي داود ورواه أيضاً النسائي والحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد ولفظ هذين من أكثر الاستغفار كذا في السلاح وفي المشكاة ورواه أحمد وزاد المنذري في الترغيب ورواه البيهقي كلهم من

عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً وَمنْ كُل هَمٍّ فَرَجاً، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ". وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وَالَّذي نَفسي بيدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ رواية الحكم بن مصعب وقال الحكم بن مصعب صويلح الحديث لم يرو عنه غير الوليد بن مسلم فيما أعلم وذكره ابن حبان في الثقات والضعفاء أيضاً وقال: يخطيء اهـ. قوله: (من لزم الاستغفار) أي شغل به أوقاته لم يرد لها ذكر مخصوص لما تقدم أن كل ذكر خص بوقت أو حال يكون فيه أفضل من غيره حتى القرآن ولا بد من هذا التقييد فإن مقتضى ظاهر عموم الحديث من ترك النّاس جميع الأذكار المخصوصة بوقت أو حال والاشتغال بالاستغفار يأباه قواعد الشريعة. قوله: (من كل ضيق) إن علقت من يجعل فهي بمعنى في وإن علقت بمخرجاً كانت لابتداء الغاية، والضيق أعم من أن يكون في رزقه أو غيره. قوله: (مخرجاً) أي سبباً يخرجه منه. قوله: (ومن كل هم) هو ما يطرق الإنسان عند فوات دين أو دنيا. وقوله: (فرجاً) أي يكشف عنه ذلك الهم والأول مستمد من قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} إذ الغالب على من لزم الاستغفار التقوى ومستمد من قوله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} الآية والثاني كالمؤكد للأول إذ الفرج من كل هم من جملة المخرج من كل ضيق فهو إطناب فيكون داخلاً في الاقتباس والاستمداد المذكورين ومن ثم لما شكا جمع للحسن الجدب والفقر وقلة المسيل وقلة ربيع الأرض أمرهم كلهم بالاستغفار فقيل له شكوا إليك أنواعاً فأمرتهم كلهم بالاستغفار فتلا الآية. قوله: (من حيث لا يحتسب) أي من جهة لا يؤمل فيها رزقاً والرزق حينئذٍ فيه غاية اللذاذة والفرح للنفس وهذا مؤكد أيضاً كالذي قبله. قوله: (وروينا في صحيح مسلم) قال في السلاح تفرد به مسلم. قوله: (والذي نفسي بيده) أي إيجادها وإمدادها بقدرته وقوته وأقسم بهذا ليترسخ المقسم عليه في أذهان المؤمنين فلا

لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ الله بِكُمْ، ولجَاءَ بقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فيَستغفِرُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ يلتفتوا إلى من خالف فيه فزعم أنه تعالى لم يرد منهم صدوره كالمعتزلة ومن سلك مسلكهم لنظرهم القاصر الخائب إلى الظاهر أنه مفسدة صيره غفلة عن سره أنه مستجلب للتوبة والاستغفار الذي هو سبب محبة الله تعالى لقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} وحديث لله أشد فرحاً بتوبة عبده وغيره من الأحاديث. قوله: (لو لم تذنبوا) معشر المكلفين بأن خلقتم مجبولين على ما جبلت عليه الملائكة والأنبياء من العصمة المطلقة عن الذنوب بأسرها صغيرها وكبيرها عمدها وسهوها. قوله: (لذهب الله بكم) أي لأن وجودكم حينئذٍ يخالف الحكمة الإلهية التي أرادها من خلقكم غير مجبولين على ذلك وهي إظهار صفة الكرم والحلم والعفو والغفران التي دلت عليها أسماؤه الكريم الحليم العفو الغفور ونحوها إذ لو لم يوجد ذلك لا نخرم طرف من صفات الألوهية والله تعالى يتجلى لعباده بصفات الجلال والإكرام والقهر واللطف فالملائكة لما نظروا إلى صفات الجلال والقهر قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} والله تعالى لما نظر إلى صفات الإكرام واللطف قال: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} راداً على الملائكة في طلبهم خلق معصومين غيرهم قال بعضهم لعل السر في هذا الحديث أن الملائكة خلقوا معصومين والشياطين غير مستغفرين عن السيئة وغير قابلين للمغفرة فلا بد من برزخ جامع بين حصول المعصية وحصول المغفرة وهذا حال عوام المسلمين فإن الأنبياء معصومون كالملائكة والكفار لا يقبلون الغفران كالشياطين المردة. قوله: (ولجاء بقوم) الباء فيه وفيما قبله للتعدية أي لأذهبكم وأفناكم وأظهر قوماً آخرين يمكن وقوع الذنب منهم فيتجلى عليهم بكرمه على مقتضى حكمته المفردة. قوله: (فيستغفرون) أي يتوبون إليه أو يقع منهم الاستغفار وإن لم توجد منهم توبة كما يؤذن به إطلاقه فعلم مما ذكر أنه لا يتوهم من الحديث أن فيه تسلية للمنهمكين في الذنب وقلة احتفالهم بمواقعته وقد بعثت الأنبياء بالردع عن غشيانه إنما فيه بيان عظم عفو الله عن المذنبين وحسن تجاوزه

اللهَ تعالى فَيَغْفِرُ لَهُمْ". وروينا في سنن أبي داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يعجبه أن يدعوَ ثلاثاً، ويستغفر ثلاثاً" وقد تقدم هذا الحديث قريباً في "جامع الدعوات". وروينا في كتابي أبي داود والترمذي عن مولىً لأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما أَصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عنهم ليعظموا الرغبة في التوبة والاستغفار وبيان أنه تعالى كما أحب أن يحسن إلى المحسن أحب التجاوز عن المسيء كما دل عليه أسماؤه الغفار الحليم التواب العفو فإنها تستدعي وجود من يغفر له ويحلم عنه ويتوب عليه ويعفو عنه فلم يجعل العباد كلهم كالملائكة لئلا تتعطل تلك الصفة وقد روي أن بعض الأولياء ترقب خلو المطاف مدة فخلا في ليلة ظلماء ودعا وكان من دعائه العصمة من الوقوع فسمع هاتفاً يا فلان أنت تسألني العصمة وكل أحد يسألني العصمة فإذا عصمتكم فعلى من أتكرم، فجعل الله تعالى من هذا النوع الإنساني من يكون ميالاً بطبعه إلى الهوى منهمكاً في المعاصي ثم حذره عنه ورغبه في التوبة ليوجد آثار تلك الصفات التي مظاهرها أكثر من مظاهر ضدها وفي الحديث القدسي: "إن رحمتى سبقت غضبي" أي باعتبار كثرة مظاهرها وغلبتها لصفات الانتقام. قوله: (وقد تقدم هذا الحديث قريباً في جامع الدعوات) قدمه الشيخ في باب استحباب تكرير الدعاء من كتاب جامع الدعوات إذ هو معقود لذكر الجوامع من الدعوات الغير المقيدة بوقت ولا حال ولا آداب وشروط. قوله: (وروينا في سنن أبي داود والترمذي) في الجامع الصغير رمز الضعف على هذا الحديث وكأنه لأن مولى أبي بكر المذكور في السند مبهم. قوله: (ما أصر من استغفر) يحتمل أن المراد من الاستغفار التوبة فنفي الإصرار حينئذٍ ظاهر وأن المراد به لفظه مع الذلة والاستغفار لنفسه لأنه مع ذلك قد يمحو الذنب كما علم مما مر وهذا بالنسبة لأحكام الآخرة أما بالنسبة لأحكام الدنيا فلا يزيله إلا التوبة كما يعلم مما يأتي من مقابلتهم أفراد المعصية بأفراد الطاعة

وإنْ عادَ في اليوْمِ سَبعِينَ مرَّةً" قال الترمذي: ليس إسناده بالقوي. وروينا في كتاب الترمذي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "قالَ اللهُ تَعالى: يا ابْنَ آدَمَ، إنَّكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ حيث لا توبة وإن كان هناك استغفار بأي وصف كان وقوله: (وإن عاد الخ) إن فيه وصلية وسبب فقد الإصرار مع الاستغفار وإن حصل التكرار إن الاستغفار قد يمحص ما عليه واختلف العلماء فيمن أصر على الصغيرة من نوع أو أنواع بأن تكررت منه من غير توبة هل تصيرها كبيرة أو لا قال ابن حجر في شرح المشكاة الأصح أنه لا يصيرها كبيرة بل إن تكررت بحيث غلبت أفراد معاصيه أو استويا اختلت عدالته ولم تقبل روايته ولا شهادته وإن غلبت أفراد طاعاته فعدالته باقية فتقبل روايته وشهادته وما وقع منه من الصغائر متكرراً لا يؤثر في عدالته لأنه مغمور ومغلوب بالنسبة لطاعاته وهذا التفصيل مراد ابن عبد السلام بقوله إذا تكررت منه الصغيرة تكراراً يشعر بقلة مبالاته بدينه إشعار ارتكاب الكبيرة ردت شهادته وروايته بذلك وكذا إذا اجتمعت صغائر مختلفة الأنواع حيث يشعر مجموعها بما يشعر به أصغر الكبائر اهـ. فالإشعار المذكور لما لم يكن له ضابط بين ضابطه غيره بما قلناه من النظر لأفراد الطاعة وأفراد الصغائر المتكررة هذا كله حيث لم يرتكب كبيرة وإلا فسق وردت شهادته وروايته بالمرة الواحدة اتفاقاً ما لم يتب منها توبة صحيحة اهـ. قوله: (وروينا في كتاب الترمذي الخ) قال في المشكاة ورواه أحمد والدارمي عن أبي اهـ. وفي السلاح ورواه أبو عوانة في مسنده الصحيح من حديث أبي ذر رضي الله عنه وقال السخاوي في تخريج الأربعين الحديث النووية بعد تخريجه من طرق مدارها على أبي منصور محمد بن إسماعيل الأشعر هذا حديث حسن أخرجه الترمذي بطوله وقال إنه حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه قلت لكن قد وقع لي بعضه من وجه آخر رويناه في كتاب أوقات السؤال والتضرع إلى الله في طلب النوال لابن فتحويه قال: حدثنا عبيد الله بن محمد بن شيبة حدثنا عبد الله بن محمد بن وهب حدثنا أبو غسان روح

ما دَعَوْتَني ورَجَوْتَني غَفَرْتُ لكَ ما كانَ مِنْكَ وَلا أبالي، يا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بن حاتم حدثنا عبد الله بن أبي بكر العتكي حدثني عقبة بن عبد الله الرفاعي حدثني الجعد أبو عثمان اليشكري سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول الله: "ابن آدم تعرف إليَّ في الرخاء أعرفك في الشدة يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني فإني سأغفر لك على ما كان منك ولو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم استغفرتني لغفرت لك ولا أبالي يا بن آدم ادعني استجيب لك من ذا الذي دعاني فلم أجبه من ذا الذي سألني فلم أعطه من ذا الذي استغفرني فلم أغفر له إني أنا الغفور الرحيم" وسنده ضعيف والأول أصح اهـ. قوله: (ما دعوتني) أي بالمغفرة بدليل الجواب ويصح الإطلاق هنا ويكون جوابه محذوفاً أي استجبت لك دل عليه ما بعده وقيل معنى ما دعوتني أي ما دمت تعبدني أو تسألني فإن الدعاء قد فسر في القرآن بهما وما مصدرية ظرفية. قوله: (ورجوتني) أي رجوت مغفرتي. وقوله: (غفرت ذنوبك) أي وإن كثرت وعظمت حتى في حال كونك مستمراً (على ما كان منك) أي على العيب الذي كان. وقوله: (ولا أبالي) جملة حالية والمراد لا أبالي بالمغفرة مع وجود مقتضى الغضب من التلبس بالعيب والاستمرار عليه وذلك لأني لا أسأل عما أفعله مع أن كون "رحمتي سبقت غضبي" يقتضي هذا التفضل الواسع، فإن قلت ثبت أنه جف القلم بما هو كائن فالدعاء لا ينقص ولا يزيد شيئاً وأيضاً المطلوب إن كان مصالح العبد فالجواد المطلق لا يبخل به وإن لم يكن منها فلم يجز طلبه وأيضاً الرضا بالقضاء باب الله الأعظم والاشتغال بالدعاء ينافيه، قلت: الدعاء من شعار المرسلين ودثار الصالحين وباب الصديقين والقرآن والحديث ناطق بصحته. قوله: (لو بلغت ذنوبك) أي وصلت والذنوب جمع ذنب وهو الإثم أي ولو تجسمت إجراماً ملأت ما بين السماء والأرض وإضافة (عنان) أي سحاب إلى (السماء) مع أنه لا يكون سحاب لغير السماء إما من باب فخر عليهم السقف من فوقهم من أنه تصوير لارتفاع شأن الحساب وأنه بلغ مبلغ السماء أو من باب وما من دابة في الأرض ولا طائر {ومَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} مع أن الدابة لا تكون إلا في الأرض والطير

ثُمَّ استَغْفَرْتَني غَفَرْتُ لكَ، يا ابْنَ آدَمَ لَوْ أتَيْتَني بقُرَابِ الأرضِ خَطَايا ثُم أتَيْتَني لا تُشْرِكُ بِي ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يطير إلا بجناحيه من أن المراد به تأكد النص على النعمة وبهذا يندفع قول بعضهم هذه الإضافة غير فصيحة وأرى الصواب أعنان السماء أي صفائحها وما اعترض من أقطارها لأنه جمع عنن بالتحريك فلعل الهمزة سقطت من بعض الرواة أو أراد العنان بمعنى العنن اهـ. ووجه اندفاعه أن رواية عنان بلا ألف وكونه السحاب مما أطبقوا عليه فتغليط الرواة أو زعم أنه بمعنى العنن ليس كل منهما في محله على أن في توهيم الرواة بمجرد عدم فهم المعنى ما لا يرتضيه محصل ويندفع السؤال أيضاً بأن السماء تطلق على الجرم المعهود وعلى كل ما ارتفع كالسحاب فالإضافة حينئذٍ بيانية أي سحاب هو السماء أو بأن السحاب الذي هو الجرم المعروفة بين السماء والأرض يقرب من الأرض تارة ومن السماء أخرى وتارة يكون بينهما على حد السواء كما أخبر به من رآه كذلك من الثقات والمراد الثاني لأنه أبلغ في المعنى المسوق له الحديث من شمول المغفرة للعظائم ولا يفيده إلا الإضافة فتعينت ولم يكن مستغنى عنها ذكر ذلك بعض المحققين. قوله: (ثم استغفرتني) أي سألت مني الغفران سواء كان مع التوبة فتكون المغفرة واجبة بوعده تعالى أولاً فيكون مرجحاً قوياً. قوله: (غفرت لك ولا أبالي) كرره مبالغة في الرد على المعتزلة. قوله: (خطايا) أصله خطايئ كمصانع فعند سيبويه أبدلت الياء الزائدة همزة لوقوعها بعد الألف واجتمعت همزتان فأبدلت الثانية ياء ثم قلبت ألفاً وكانت الهمزة بين ألفين فأبدلت ياء وعند الخليل قدمت الهمزة على الياء ثم فعل ما ذكر وخطايا تمييز من الذات المقدرة في الإضافة نحو ملأه عسلاً أو مفعول به والباء للتعدية. قوله: (ثم لقيتني لا تشرك بي) أي مت على الإيمان وثم للتراخي في الأخبار إذ عدم الشرك منه مطلوب أولاً ولذا أعاد لقيتني وعلقه به وإلا لكفى لو لقيتني والحال إنك

شَيئاً لأتيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً" قال الترمذي: حديث حسن. قلت: عنان السماء بفتح العين: وهو السحاب، واحدتها عنانة، وقيل: العنان: ما عنَّ لك منها، أي ما اعترض وظهر لك إذا رفعت رأسك. وأما قراب الأرض، فروي بضم القاف وكسرها، والضم هو المشهور، ومعناه: ما يقارب ملأها، وممن حكى كسرها صاحب "المطالع". ـــــــــــــــــــــــــــــ لا تشرك بي أي بذاتي وصفاتي وأفعالي أو بعبادتي (شيئاً) من النفس والشيطان والخلق إذ الشرك قسمان جلي وخفي والأول غير مغفور بشهادة {إنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} والثاني يحبط العمل ويعاقب به إلا أنه يغفر قال تعالى {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وجعله بعضهم من تعدد الأحوال قال فقوله: إنك ما دعوتني أي بلسانك ورجوتني أي بجنانك غفرت لك ما كان منك أي من تقصير في أركانك أو تكاسل في إحسانك ولا أبالي أي من أحد إذ لا يسأل عما يفعل ولا معقب لحكمه والشرك مستثنى بشهادة {إنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} أي إلا بالتوبة منه بالإسلام ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء أي بالتوبة ودونها وهذا للمقصرين من السابقين، وقوله: يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني أي ظاهراً وباطناً بالتوبة غفرت لك وهذا شامل لجميع المذنبين من الظالمين، وقوله: يا بن آدم لو أتيتني بقراب الأرض الخ إشارة إلى مرتبة المخلصين الصديقين، قوله: لأتيتك بتاء الفاعل أي لجئتك وهذا الحديث ختم به المصنف الأربعين الحديث التي جمعها قال بعض الشراح ختم هذا الكتاب بهذا الحديث البديع والكلام الرفيع إشعاراً بأنه يجب على العبد أن يعتقد في مولاه الفضل والإحسان والمغفرة والامتنان وأن يحسن ظنه بربه آخر عهده بالدنيا وأول عهده بالعقبى فإنه سبحانه هو التواب الرحيم الكريم الغفار العظيم. قوله: (قراب) بضم القاف قال ابن الجزري مصدر قارب يقارب وتعقبه في الحرز بأن مصدر قارب إنما هو قراب بكسر القاف كقاتل قتالاً أما الفعال بالضم فهو للمبالغة كعجاب مبالغة عجيب اهـ. قوله: (والضم هو المشهور) في الرياض للمصنف والضم أشهر. قوله: (وممن حكى الكسر صاحب المطالع) الظاهر أن مراد صاحب المطالع أن الكسر

وروينا في سنن ابن ماجه بإسناد جيد عن عبد الله بن بُسْر -بضم الباء وبالسين المهملة- رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "طوبَى لِمَنْ وَجدَ في صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَاراً كَثِيراً". وروينا في سنن أبي داود والترمذي ـــــــــــــــــــــــــــــ لغة في ذلك المعنى لا مصدر قارب فإنه لا يظهر معناه في هذا المقام قد حكي الكسر في القاموس أيضاً وعبارته القراب كسحاب بمعنى القرب وقراب الشيء بالكسر وقرابه بالضم ما قارب قدره. قوله: (وروينا في سنن ابن ماجه بإسناد جيد) وفي مسند الفردوس ورواه الطبراني ورواه ابن ماجه بإسناد صحيح وفي المشكاة ورواه النسائي أيضاً في عمل اليوم والليلة ورواه البيهقي أيضاً. قوله: (طوبى) فعلى من الطيب قلبت ياؤه واواً لسكونها وانضمام ما قبلها في الصحاح يقال: طوبى لك وطوباك اهـ. وفي التنزيل {طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} فقيل: طوبى اسم شجرة في الجنة وقيل: اسم الجنة على ما ذكره في النهاية وقيل: كلمة إنشاء لأنه دعاء معناه أصاب خيراً والأظهر أن معناه الحالة الحسنى. قوله: (لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً) عدل إليه عن استغفر كثيراً مع أنه أخصر منه لأنه لا يلزم من الاستغفار وجوده في الصحيفة التي هي صحيفة الخير لأنه قد يقترن به مانع يسقطه كالرياء بخلاف وجوده في الصحيفة فإنه يستلزم خلوه من اقتران مانع به، قال المتقي السبكي الاستغفار سؤال الغفران باللسان أو بالجنان أو بهما فالأول فيه نفع لأنه خير من السكوت ولأنه يعتاد فعل الخير والثاني نافع جداً والثالث أبلغ منه لكنهما لا يمحصان الذنب حتى توجد التوبة اهـ. وهذا الذي ذكره من كون الاستغفار إنما يحصل به التكفير للذنوب عند التوبة منها أطال الشيخ ابن حجر في شرح المشكاة في بيانه ورد على من خالفه وحاصل ما فيه أن المغفرة الناشئة عن سبب وظف لها الشارع التوبة ولا يقوم الاستغفار المجرد عنها مقامها وأما المغفرة الناشئة لا عن سبب فتحصل بالاستغفار المجرد عنها وبغيره من عمل البر ومحض الفضل والله أعلم. قوله: (وروينا في سنن أبي داود والترمذي) قال في السلاح بعد إخراجه من حديث زيد

عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قالَ: أسْتَغْفِرُ اللهَ الذي لا إله إلاَّ هُوَ الحَي القَيومُ وأتُوبُ إلَيهِ غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من قال أستغفر الله الخ" فذكره رواه أبو داود والترمذي واللفظ لأبي داود ورواه الترمذي أيضاً من حديث أبي سعيد وقال فيه ثلاث مرات ورواه الحاكم في المستدرك من حديث ابن مسعود وقال صحيح على شرط الشيخين قال المنذري ألا إنه قال يقولها ثلاثاً اهـ. قال في السلاح وليس لزيد في الكتب الستة سوى هذا الحديث اهـ. وكذا في المشكاة عزو تخريجه من حديث زيد إلى أبي داود والترمذي ثم راجعت سنن أبي داود فرأيته ذكر في باب الاستغفار منه الحديث عن هلال بن يسار عن زيد عن أبيه عن جده وجامع الترمذي في الأحاديث الشتى من أبواب الدعوات فرأيته رواه كذلك والله أعلم بحقيقة الحال وهو فيهما كما قال في المشكاة عند أبي داود وبلال بالموحدة وعند الترمذي بالهاء قال الحافظ المنذري إسناده جيد متصل فقد ذكر البخاري في تاريخه أن بلالاً سمع أباه يساراً وإن يساراً سمع من أبيه زيد مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد اختلف في يسار والد بلال هل هو بالموحدة أو المثناة التحتية وذكر البخاري في تاريخه أنه بالموحدة والله أعلم، وقال ابن الجزري في تصحيح المصابيح ليس زيد هذا زيد بن حارثة والد أسامة بل هو والد يسار روى عنه ابنه يسار هذا الحديث ذكره البغوي في معجم الصحابة وقال لا أعلم له غير هذا الحديث وقال العسقلاني في التقريب زيد والد يسار مولى النبي -صلى الله عليه وسلم- ليس له إلا حديث ذكر أبو موسى المديني أنه كان عبداً نوبياً. قوله: (الحي القيوم) بنصبهما صفة الله أو لهو بناء على المرجوح أنه في محل النصب أو مدحاً ورفعهما بدلاً من الضمير بناء على الأفصح أنه في محل رفع أو على المدح أو على أنه خبر لمبتدأ محذوف. قوله: (وأتوب إليه) ينبغي ألا يتلفظ بهذا إلا إذا كان صادقاً فيه في باطن الأمر كظاهره وإلا كان كاذباً بين يدي الله تعالى فيخشى عليه مقته كما سبق نظيره في قول المصلي في الافتتاح وجهت وجهي وفي الركوع خشع لك سمعي وبصري فينبغي ألا يقوله

وإنْ كانَ قَدْ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ" قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم. قلت: وهذا الباب واسع جداً، واختصاره أقرب إلى ضبطه، فنقتصر على هذا القدر منه. فصل: ومما يتعلق بالاستغفار ما جاء عن الربيع بن خُثَيم رضي ـــــــــــــــــــــــــــــ إلا وهو متلبس بمعناه صادق في التحلي به وسيأتي له مزيد. قوله: (وإن كان فر من الزحف) أي وإن ارتكب كبيرة بل وإن كانت من أعظم الكبائر كالفرار من الزحف بالزاي المفتوحة فالمهملة الساكنة والفاء أي من الجهاد ولقاء الكفار في الحرب فيحرم الفرار من حرب الكفار الذي يحرم الفرار منه بأن لم يزيدوا على مثلينا ولا نوى التحرف ولا التحيز، والزحف الجيش الكثير الذي يرى لكثرته كأنه يزحف أي يدب دبيباً من زحف الصبي إذا دب مقعدته قليلاً قليلاً كذا في النهاية ثم هذا الخبر لا يشكل على ما سبق من أن الكبائر لا يكفرها إلا التوبة لأن هنا توبة لما تقرر من أنه يكون صادقاً فيها حين التلفظ بقوله وأتوب إليه بأن يكون متحلياً بالتوبة الصحيحة من كل ذنوبه. قوله: (فنقتصر على هذا القدر منه) لأنه أقرب إلى الضبط والحفظ. فائدة فوائد الاستغفار محو الذنوب وستر العيوب وإدرار الرزق وسلامة الخلق والعصمة في المال وحصول الآمال وجريان البركة في الأموال وقرب المنزلة من الديان ورضى الرب الغفور فالثوب الوسخ أحوج إلى الصابون من البخور لتزول الآثار وتنشرح الصدور كذا في شرح عدة الحصن لابن جمعان. قوله: (ما جاء عن الربيع بن خثيم) الربيع بالراء فالموحدة فالتحتية فالعين المهملة بوزن بديع وخثيم بضم الخاء المعجمة وفتح المثلثة وسكون التحتية وخثم بن عائد بن عبد الله وكنية الربيع أبو يزيد الكوفي ثقة عابد قال له ابن مسعود: لو رآك النبي -صلى الله عليه وسلم- لأحبك ذكره القسطلاني في التقريب وقال ابن مرثد انتهى الزهد إلى

الله تعالى عنه قال: لا يَقُلْ أحدكم: أستغفر الله وأتوب إليه فيكون ذنباً وكذباً إن لم يفعل، بل يقول: اللهم اغفر لي وتب عليَّ، وهذا الذي قاله من قوله: اللهم اغفر لي وتب عليَّ حَسَنٌ. وأما كراهته "أستغفر الله" وتسميته ـــــــــــــــــــــــــــــ ثمانية منهم الربيع بن خثيم. قوله: (لا يقل أحدكم الخ) أي لا يأتي بهذا القول بلسانه خالي بالذهن عن معناه بأن لم يقصد من قوله أستغفر الله طلب المغفرة ولا من قوله وأتوب إليه التوبة الصحيحة الحقيقية المجتمعة الشرط والأركان. قوله: (وأما كراهية أستغفر الله وأتوب إليه الخ) قال ميرك: هذا الذي ذكره الشيخ يفيد في دفع كراهة لفظ أستغفر الله قلت: لكن لا بد مع ذلك من أن يقصد سؤال المغفرة بهذا اللفظ وإلا كان كذباً قال ميرك: وأما وأتوب إليه فهو الذي عنى الربيع أنه كذب وذنب وهو كذلك إذا قاله ولم يفعل التوبة كما قال في الاستدلال للرد عليه بحديث ابن مسعود نظراً لجواز أن يكون المراد منه ما إذا قالها وفعل شرط التوبة ويحتمل أن يكون مراد الربيع مجموع اللفظين لا خصوص وأتوب إليه فيصح كلامه كله قلت ويدل عليه عدوله عنهما بقوله: اللهم اغفر لي وتب علي قال بعضهم والتحقيق أنه لم يرد بقوله فيكون ذنباً وكذباً المعنى الشرعي الحقيقي بل قصد به التقصير الطريقي والتنبيه على أن الدعاء حال الغفلة أولى من الأذكار بلفظ الإخبار خصوصاً عن التوبة واستحسن صاحب الحصن كلام الربيع هذا وأشار إلى الاعتراض على المصنف وأنه فهم أن مراد الربيع بهذا الكلام أن الاستغفار بهذا اللفظ على هذا الوجه يكون كذباً أي فقط قال ابن الجزري هو ذنب فإنه إذا استغفر عن قلب لاه لا يستحضر طلب المغفرة ولا يلجأ إلى الله بقلبه فإن ذلك ذنب عقابه الحرمان أما إذا قال أتوب إلى الله ولم يتب فلا شك أنه كذب أي وهذا إذا أراد بقوله أستغفر الله وأتوب إليه الإخبار قال: أما الدعاء بالمغفرة والتوبة فإنه وإن كان غافلاً أي لاهياً غير مستحضر لطلب المغفرة وحصول التوبة فيستحق عليه المقت في الجملة فقد يصادف وقتاً فيقبل فمن أكثر طرق الباب يوشك أن يلج الباب

كذباً فلا نوافق عليه، لأن معنى أستغفر الله: أطلب مغفرته، وليس في هذا كذب، ويكفي في ردِّه حديث ابن مسعود المذكور قبله. وعن الفضيل بن عياض رضي الله تعالى عنه: استغفار بلا إقلاع توبَةُ الكذَّابين. ويقاربه ما جاء عن رابعة العدوية رضي الله تعالى عنها قالت: استغفارنا يحتاج إلى استغفار كثير. وعن بعض الأعراب أنه تعلق بأستار الكعبة وهو يقول: اللهمَّ إن ـــــــــــــــــــــــــــــ ويوضح ذلك إكثاره -صلى الله عليه وسلم- في المجلس الواحد من قول أستغفر الله مائة مرة وقطعه لمن قال أستغفر الله وأتوب إليه بالمغفرة وإن كان فر من الزحف فها هو ذا قد كشف لك الغطاء عن وجه الصواب وفي كتاب الزهد عن لقمانن عود لسانك: اللهم اغفر لي فإن الله ساعات لا يوافقهن سائل الخ قال في الحرز وليس في هذا كله ما يناقض قول الإِمام النووي. قوله: (لأن معنى أستغفر الله أطلب مغفرته) أي فلا بد من قصده ذلك فإن كان خالي الذهن عن ذلك فلا شك أنه كذب هذا عند قصده الإخبار. قوله: (ويقاربه ما جاء عن رابعة الخ) قال بعضهم ليس مرادها أن في الاستغفار اللساني ذنباً شرعياً بل أرادت به حسنات الأبرار سيئات المقربين فإن ذكر اللسان مع غفلة الجنان من جملة الطاعات كما تقدم أول الكتاب لكنه معدود للعارفين من العصيان لعلو مقامهم بل جعله بعضهم كفراً قد علم كل أناس مشربهم كما علم كل طائفة من العلماء مذهبهم وقال بعض الصوفية الاستغفار من الذنب ذنب آخر لتضمنه دعوى الوجود والقدرة والفعل لما سواه ولا حول ولا قوة إلا بالله وحاصله إن رؤية النفس وأعمالها عندهم من الحجاب وإن الشأن والأدب الإتيان بالأعمال والأقوال الشرعية والخروج عنها بالقلب وفي جمع الجوامع الإشارة إلى الجواب عن قول رابعة العدوية بقوله: "وكون استغفارنا" أي باللسان وإن كان حجاب الغفلة على الجنان "يحتاج إلى استغفار" منه كثير لبعده عن مقصود العبادات حق ومع ذلك فإنه "لا يوجب ترك الاستغفار" لأنه لا يفتقر إلى نية التقرب بل

استغفاري مع إصراري لُؤْم، وإن تركي الاستغفار مع علمي بسَعَة عفوك لعجز، فكم تتحبَّب إليَّ بالنِّعم مع غناك عني، وأتبغَّض إليك بالمعاصي مع فقري إليك، يا من إذا وعد وفى، وإذا توعَّد تجاوز وعفا، أدخل عظيم جُرمي في عظيم عفوك ـــــــــــــــــــــــــــــ يحصل أجر الاستغفار بمجرد اللفظ والقصد له كالتسبيح وتلاوة القرآن وكل ما كانت العبادة فيه غير متلبسة بالعادة كالأيمان والخوف وأمثال ذلك لأنها مميزة لله بصورتها اهـ. وفي باب التوبة من الإحياء للغزالي لا يظن أن رابعة تذم حركة اللسان بالاستغفار من حيث إنه ذكر الله تعالى بل تذم غفلة القلب فهو محتاج إلى الاستغفار عن غفلة القلب لا من حركة لسانه فإن سكت عن الاستغفار باللسان أيضاً احتاج إلى الاستغفارين قال وهذا معنى قول القائل إن صادق حسنات الأبرار سيئات المقربين اهـ. والحاصل أنه لا يترك العمل لما قد يقارنه مما ينقصه من نحو غفلة أو يؤثر فيه من نحو رياء بل يأتي به كذلك ويستغفر الله منه فإن التوبة كفارته ولا يدع العمل رأساً قال الإِمام في المطالب من مكايد الشيطان ترك العمل خوفاً من أن يقول إنه مراء أو نحو ذلك وهذا باطل فإن تطهر العمل من نزغات الشيطان بالكلية متعذر فلو وقفنا العمل على ذلك لتعذر الاشتغال بشيء من العبادات وذلك يوجب البطالة وهي أقصى غرض الشيطان وسبق لهذا المعنى مزيد في الفصول المذكورة أول الكتاب. قوله: (لؤم) بضم اللام وسكون الهمزة أي خروج عن قضية الفتوة إذ هي الأخذ بمكارم الأخلاق ومن أكرمها التنصل من الذنوب والإقبال على علام الغيوب. قوله: (إن تركي الاستغفار) أي مع الإصرار (مع علمي بسبعة عفوك) أي لسائر الذنوب ومنها الإصرار العجز) أي فتور عن المسارعة إلى الشيء النفيس قوله: (عظيم جرمي) من إضافة الصفة إلى الموصوف وكذا قوله (في عظيم عفوك) أي ادخل جرمي العظيم في ذاته في جنب عفوك العظيم فإن الذنب وإن عظم بالنسبة إلى بحار العفو كالقشاشة بل أدون وما أحسن قول الأبوصيري:

باب النهي عن صمت يوم إلى الليل

يا أرحم الراحمين. باب النهي عن صمت يوم إلى الليل روينا في سنن أبي داود بإسناد حسن عن عليٍّ رضي الله عنه قال: حفظت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يُتْمَ بعدَ احْتِلامٍ ولا صُماتَ يَوْمٍ إلى اللَّيلِ". وروينا في "معالم السنن" للإمام أبي سليمان الخطابي رضي الله عنه قال في تفسير هذا الحديث: كان أهل الجاهلية من نُسكهم الصُّماتُ، وكان أحدهم يعتكف اليوم والليلة فيصمُت ولا ينطِق، فنهوا: يعني في الإسلام عن ذلك، وأمروا بالذكر والحديث بالخير. وروينا في "صحيحي البخاري" عن قيس بن أبي حازم رحمه الله قال: دخل أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه على امرأة من أحمسَ يقال لها: زينب، فرآها لا تتكلَّم، فقال: ما لها لا ـــــــــــــــــــــــــــــ يا نفس لا تقنطي من زلة عظمت ... إن الكبائر في الغفران كاللمم وفي ختم الدعاء بقوله (يا أرحم الراحمين) إيماء إلى أن العفو عن العباد وبذل الفضل عليهم والإمداد من محض الرحمة التي غلبت على سواها كما ورد "سبقت رحمتي غضبي" أي غلبته وزادت عليه والله أعلم. باب النهي عن صمت يوم إلى الليل أي عن التعبد بذلك وأما قوله تعالى حكاية عن مريم: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} أي صمتاً وسكوتاً عن الكلام فذاك شرع لمن قبلنا منسوخ في شرعنا. قوله: (لا يتم بعد احتلام) أي فيرتفع به أحكام الصبي من اليتم والحجر عليه في المال وعدم الاعتداد بأقواله ومثله في ذلك استكماله خمسة عشر عاماً وإن لم يحتلم وأقل ما يحتمل الاحتلام استكمال تسع سنين تقريباً. قوله: (ولا صمات) بضم الصاد المهملة في المغرب يقال صمت صمتاً وصموتاً إذا سكت طويلاً أي لا يتعبد بذلك شرعاً. قوله: (على امرأة من أحمس يقال لها زينب) في أسد الغابة زينب بنت جابر الأحمسية كانت في زمن

تتكلَّم؟ فقالوا: حجَّتْ مُصْمِتَةً، فقال لها: تكلَّمي فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية، فتكلَّمت. فصل: فهذا آخر ما قصدتُه من هذا الكتاب، وقد رأيت أن أضمَّ إليه أحاديث تتمُّ محاسنُ الكتاب بها إن شاء الله تعالى، وهي الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، وقد اختلف العلماء فيها اختلافاً منتشراً، ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي -صلى الله عليه وسلم- وحدثت عن أبي بكر روى عنها جابر بن عبد الله الأحمسي وهي عمته كذا قاله ابن منده في التاريخ وقيل هي بنت المهاجر بن جابر ويشبه أن تكون بنت نبيط بن جابر امرأة أنس بن مالك لأنها من أحمس أخرجها أبو موسى كذا في مختصر وذكر في زينب بنت نبيط بن جابر خلافاً في كونها أنصارية أو أحمسية وقال بعد كلام طويل نسبها أبو موسى إلى جدها فقال زينب بنت جابر الأحمسية ومثل هذا كثير في كتبهم ينسب أحدهم الشخص إلى أبيه وينسبه الآخر إلى جده أو من فوق جده وهما واحد والله أعلم. قوله: (مصمتة) أي ساكتة لا تتكلم. قوله: (فإن هذا لا يحل) أي التعبد بالصمت عن كل شيء حتى عن الذكر طول النهار لا يحل نعم الصمت عما لا ينبغي مطلوب والكلام في محله محبوب كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإتيان بالذكر المندوب وتتمة القصة كما في البخاري فتكلمت فقالت: من أنت؟ قال: امرؤ من المهاجرين فقالت: من أي المهاجرين؟ قال: من قريش قال: إنك لسؤول قال: أنا أبو بكر قالت: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية قال: بقاؤكم ما استقامت أئمتكم قالت: وما الأئمة قال: أما كان لقومك رؤوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم قالت بلى قال فهم أولئك اهـ. وفي ختم الكتاب بهذا الباب إشارة إلى النهي عن الغفلة عن الإقبال على المولى والصمت عن الذكر له سبحانه بلسانه وقلبه في زمن من الأزمان بل ينبغي أن يكون مقبلاً على مولاه ذاكراً له بلسانه وقلبه. فصل قوله: (وهي الأحاديث التي عليها مدار الإسلام) المدار بفتح الميم اسم مكان من الدوران وهي لغة الحركة في السكك واصطلاحاً ترتب الشيء على

وقد اجتمع مِن تَداخُل أقوالهم مع ما ضممته إليها ثلاثون حديثاً. الحديث الأول: حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إنَّمَا الأعْمال بالنِّيَّاتِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الشيء الذي له صلاحية العلية وجوداً أو عدماً أو معاً والأول يسمى الدائر والثاني المدار كترتب الملك على الهبة الشرعية فإن الملك يوجد عندها ولا يعدم عند عدمها لاحتمال سبب آخر من إرث أو غيره وقد اختلف العلماء فيها اختلافاً منتشراً قال الفاكهاني قد صح عن جماعة من العلماء أن مدار الإسلام على أربعة أحاديث حديث الأعمال بالنيات وحديث الحلال بين والحرام بين وحديث ازهد في الدنيا يحبك الله وحديث من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه وقال الإِمام أحمد بن حنبل الإسلام يدور على ثلاثة أحاديث أو قال أصول الإسلام ثلاثة أحاديث الأعمال بالنية والحلال بين والحرام بين ومن أحدث في ديننا هذا ما ليس منه فهو رد وقال أبو داود الفقه يدور على خمسة أحاديث الأعمال بالنيات والحلال بين وما نهيتكم عنه فانتهوا وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ولا ضرر ولا ضرار وروي عن أبي داود السجستاني قال: كتبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خمسمائة ألف حديث الثابت منها أربعة آلاف حديث وهي ترجع إلى أربعة أحاديث إنما الأعمال بالنيات ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ولا يكون المؤمن مؤمناً حتى يرضى لأخيه ما يرضاه لنفسه والحلال بين. قوله: (وقد اجتمع من تداخل أقوالهم مع ما ضممته إليها ثلاثون حديثاً) اعلم أن الشيخ أبا عمرو بن الصلاح ذكر أقوال الأئمة في تعيين الأحاديث التي عليها مدار الإسلام واختلافهم في أعيانها فبلغت سبعة وعشرين حديثاً منها عشرون حديثاً صحيحاً وسبعة حسنة وبلغ بها المصنف هنا إلى الثلاثين وزاد على ما هنا في الأربعين اثني عشر حديثاً وسنذكر إن شاء الله تعالى في الكلام على الأحاديث ما يتبين به كون كل منها قاعدة عظيمة من قواعد الدين قيل ومما ينضم في هذا السلك الحديث المتفق على صحته ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر لأنه جامع لقواعد الفرائض التي هي نصف العلم وحديث يحرم من الرضاع

وقد سبق بيانه في أول هذا الكتاب. الحديث الثاني: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أحْدَثَ في أمْرِنا هَذَا ما لَيسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ما يحرم من النسب وحديث إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه وحديث كل مسكر حرام وحديث ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه وحديث أربع من كن فيه كان منافقاً وحديث لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم الله كما يرزق الطير وحديث لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله اهـ. قوله: (وسبق بيانه في أول الكتاب) وكذا سبق الكلام ثمة على ما يتعلق بمتنه وإسناده وبيان أنه قاعدة من قواعد الدين. قوله: (من أحدث) أي أنشأ واخترع من قبل نفسه (في أمرنا) أي شأننا الذي نحن عليه وهو ما شرعه الله ورسوله واستمر العمل به ومن ثم جاء في رواية ديننا أي والروايات يفسر بعضها بعضاً لكن لفظ الأمر أعم إذ ورد بمعنى القول والشيء والصفة والطريق والشأن والدين وقد يطلق لفظ أمر ويراد به مصدر أمر لكن هذا يجمع على أوامر وبمعنى الشأن على أمور. قوله: (هذا) بدل أو صفة لقوله أمرنا لإفادة التعظيم وإشارة إلى تميز الدين أكمل تميز كقوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} وإن اختلفا في أداة الإشارة إذ تلك أدل على ذلك من هذا. وقوله: (ما ليس منه) أي مما ينافيه ولا يشهد له شيء من قواعد الشرع وأدلته العامة ومن أحدث شرط جوابه قوله (فهو رد) أي فذلك المحدث أو الشخص المحدث رد أي مردود غير مقبول لبطلانه وعدم الاعتداد به سواء كانت منافاته لما ذكر لعدم مشروعيته بالكلية كنذر القيام وعدم الاستظلال ومن ثم أبطل -صلى الله عليه وسلم- نذر ذلك أو للإخلال بشرطه أو ركنه عبادة كانت أو عقداً فلا ينقل الملك مطلقاً على الأصح من خلاف طويل فيه للعلماء أو للزيادة على المشروع فيه في نحو الصلاة دون نحو الوضوء أو لارتكابه منهياً عنه يرجع النهي لذات المنهي عنه كذبح المحرم للصيد أما إذا كان النهي لمعنى خارج فيصح مع الحرمة كالوضوء بماء مغصوب وخرج بقولنا مما ينافيه الخ ما لا ينافي ذلك بأن يشهد

رويناه في "صحيحي البخاري ومسلم". الثالث: عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ـــــــــــــــــــــــــــــ له شيء من أدلة الشرع أو قواعده فليس برد على فاعله بل هو مقبول منه كالبدع الواجبة من الرد على نحو المبتدعة، والمسنونة من بناء نحو الربط والسبل وسائر أنواع البر التي لم تعهد في الصدر الأول فهذا كله مقبول من فاعله مثاب ممدوح عليه قال الشافعي: ما أحدث وخالف كتاباً أو سنة أو إجماعاً أو أثراً فهو البدعة الضالة وما أحدث من الخير ولم يخالف ذلك فهو البدعة المحمودة. والحاصل أن البدعة الحسنة متفق على ندبها وهي ما وافق شيئاً مما مر ولم يلزم من فعله محذور شرعي ومنها ما هو فرض كفاية كتصنيف العلوم النافعة الشرعية وتقرير قواعدها مما يعين على معرفة كتاب الله وفهم معاني القرآن والسنة النبوية وإن البدعة السيئة وهي ما خالف شيئاً من ذلك صريحاً أو التزاماً قد تنتهي إلى التحريم تارة والكراهة أخرى وإلى ما يظن أنه طاعة وقربة فمن الأول الانتماء إلى جماعة يزعمون التصوف ويخالفون ما كان عليه مشايخ الطريق من الزهد والورع وسائر الكمالات المشهورة فيهم بل كثير من أولئك المتشبهين إباحية لا يحرمون حراماً لتلبيس إبليس عليهم أحوالهم القبيحة فهم باسم الفسق أو الكفر أحق منهم باسم التصوف أو الفقر ومنه ما عم الابتلاء به من تزيين الشيطان للعامة تخليق حائط أو عمود أو تعظيم نحو شجر أو حجر رجاء شفاء أو قضاء حاجة وقد صح أن الصحابة مروا بشجرة سدر قبل حنين كان يعظمها المشركون وينوطون بها أسلحتهم أي يعلقونها بها فقالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال -صلى الله عليه وسلم-: "الله أكبر" هذا كما قال قوم موسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} قال: ({قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} الحديث ومن الثاني ومنشؤه أن الشرع يخص عبادة بزمن أو مكان أو شخص أو حال فيعملونها جهلاً وظناً أنها طاعة مطلقاً نحو صوم يوم الشك أو التشريق أو الوصال وغيرها. قوله: (رويناه في صحيحي البخاري ومسلم) وكذا رواه أبو داود وابن ماجه قال المصنف في الأربعين وفي رواية لمسلم: من

يقول: "إنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد قال المصنف: وهذه زيادة حسنة فإنه قد يعاند بعض الفاعلين بدعة سبق عليها إذا احتج عليه بحديث الباب فيقول: أنا ما أحدثت هذه البدعة فيحتج عليه بقوله بهذه الرواية: من عمل عملاً الخ فهو صريح في رد كل محدث مما تقدم أحدثه هو أو سبق إليه. قال بعض الأئمة هذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الدين بل من أعظمها وأعمها نفعاً من جهة منطوقه لأنه مقدمة كلية في كل دليل يستنتج منه حكم شرعي كما يقال في الوضوء بنجس والصلاة بغير ساتر عورة مع القدرة ونكاح نحو الشغار هذا أمر ليس من الشرع وليس عليه أمره وكل ما كان كذلك فهو رد وباطل فهذا العمل مردود باطل أما الكبرى فلا نزاع فيها وأما الصغرى فدليلها ما نحن فيه، ومن جهة مفهومه إذ مفهومه أن كل عمل غير محدث صحيح مقبول فيقال في نحو الوضوء بدون مضمضة هذا عمل عليه أمر الشرع وكل ما كان كذلك فهو صحيح فهذا العمل صحيح أما الكبرى فثابتة بمفهوم هذا الحديث وأما الصغرى فيثبتها المستدل بدليلها، قال بعض العلماء الأئمة وهو ثلث الإسلام ووجه بأن أحكام الشرع إما منصوصة نصاً لا يحتمل التأويل أو يحتمله أو مستنبطة ومآل الأحكام إليه منطوقاً ومفهوماً كما تقرر، قال بعضهم إن هذا الحديث مما ينبغي حفظه وإشاعته فإنه أصل عظيم في إبطال جميع المنكرات وحوادث الضلالات وهو من جوامع كلمه -صلى الله عليه وسلم- واستمداده من قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} ومن قوله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} الآية، قال مجاهد: السبل البدع والشبهات وروى الدارمي أنه -صلى الله عليه وسلم- خط خطاً ثم قال: هذا سبيل الله ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله ثم قال: وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم تلا الآية ومن قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} قال الشافعي في الرسالة إلى ما قال الله والرسول ويوافقه قول ميمون بن مهران من فقهاء التابعين الرد إلى الله إلى كتابه وإلى رسوله إذا قبض إلى سنته. قوله: (الحلال) هو الحل ضد الحرام لغة وشرعاً ويأتي حل بمعنى مقيم كما في {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} على أحد القولين. وقوله: (بين)

وإنَّ الحَرامَ بَيِّنٌ، وبَينَهُما أُمُورٌ مُشْتبِهاتٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي ظاهر وهو ما نص الله تعالى أو رسوله أو أجمع المسلمون على تحليله بعينه أو جنسه ومنه أيضاً ما لم يعلم فيه منع على أسهل القولين كما قال الفاكهاني والإتيان بأن في صدر الجملة وما بعدها لتنزيل السامع منزلة المتردد في أن الحلال والحرام بينان أم لا فأتى بهذا ليزول ذلك التردد عنه ويتحقق بيانهما بمعنى ظهورهما وانكشافهما. قوله: (وإن الحرام بين) وهو ما نص أو أجمع على تحريمه بعينه أو جنسه أو أن فيه حداً أو تعزيراً أو وعيداً، ثم التحريم إما لمفسدة أو مضرة خفية كالزنى أو لمفسدة أو مضرة جلية كالسم والخمر والحشيش والبنج، أو لأمر خارج لازم كما في الغصب والضرب وذلك اللازم هو الإيذاء. قوله: (وبينهما مشتبهات) أي بين البين من الحلال والحرام أمور أي شؤون وأحوال مشتبهات جمع مشتبه وهو كل ما ليس بواضح الحل والحرمة مما تنازعته الأدلة وتجاذبته المعاني والأسباب فبعضها يعضده دليل الحرام وبعضها يعضده دليل الحلال ومن ثم فسر أحمد وإسحاق وغيرهما المشتبه بما اختلف في حل أكله كالخيل أو شربه كالنبيذ أو لبسه كجلود السباع أو كسبه كبيع العينة وفسره أحمد مرة باختلاط الحلال والحرام وحكم هذا أنه يخرج قدر الحرام ويأكل الباقي عند كثيرين من العلماء سواء كثر الحرام أم قل ومن المشتبه معاملة من في ماله حرام فالورع تركها مطلقاً ثم الحصر في الثلاثة صحيح لأنه إن نص أو أجمع على الفعل فالحلال أو على المنع فالحرام أو سكت عنه أو تعارض فيه نصان ولم يعلم المتأخر منهما فالمشتبه وهذا أشكل الأنواع الثلاثة فلهذا بسط العلماء الكلام في بيانه وإيضاحه، وقد لخصه ابن حجر الهيتمي في شرح الأربعين بما حاصله أن الحلال المطلق ما انتفى عن ذاته الصفات المحرمة وعن أسبابه ما يجر إلى خلل فيه ومنه صيد احتمل أنه صيد وانفلت من صائده فليس هذا مشتبهاً فلا ورع في العمل بذلك الاحتمال لأنه هوس إذ لم يعتضد بشيء مع أن الأصل عدمه وإنما المشتبه الذي يتجاذبه سببان متعارضان يؤديان إلى وقوع

لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ التردد في حله وحرمته كما مر وإن الحرام ما في ذاته صفة محرمة كالإسكار أو في سببه ما يجر إليه خللاً كالبيع الفاسد، ومنه ما تحققت حرمته واحتمل حله كمغصوب احتمل إباحة مالكه فهو حرام صرف وليس من المشتبه كما تقرر في نظيره والذي فيهما احتمال محض لا سبب له في الخارج إلا مجرد التجويز العقلي وهو لا عبرة به فليسا من المشكوك فيه، والمشتبه أربعة أنواع: الأول: الشك في المحلل والمحرم فإن تعادلا استصحب السابق وإن كان أحدهما أقوى لصدوره عن دلالة معتبرة في العين فالحكم له، الثاني: الشك في طرو محرم على الحل المتيقن فالأصل الحل الثالث: أن يكون الأصل التحريم ثم يطرأ ما يقتضي الحل بظن غالب فإن اعتبر سبب الظن شرعاً حل وألغى النظر لذلك الأصل وإلا فلا الرابع: أن يعلم الحل ويغلب على الظن طرو محرم فإن لم تستند غلبته لعلامة تتعلق بعينه لم يعتبر وذكر أمثلة ذلك بما فيه بسط وهي لا تخفى على الفقيه النبيه. قوله: (لا يعلمهن كثير من النّاس) أي من حيث الحل والحرمة أي لا يعلم حكمهن منهما لخفاء النص فيه لكونه لم ينقله إلا القليل أو لتعارض نصين فيه من غير معرفة المتأخر أو لعدم نص صريح فيه وإنما يؤخذ من عموم أو مفهوم أو قياس وهذا يكثر اختلاف العلماء فيه أو لاحتمال الأمر فيه للوجوب والندب والنهي للكراهة والحرمة ومع هذا فلا بد في الأمة من عالم يوافق الحق قوله فيكون هو العالم بهذا الحكم وغيره يكون الأمر مشتبهاً عليه وخرج بالحيثية المذكورة علمهن من حيث أشكالهن لترددهن بين أمور محتملة لأن علم كونهن مشتبهات يستلزم علمهن من هذه الحيثية، أما النادر من النّاس وهم الراسخون في العلم فلا يشتبه عليهم ذلك لعلمهم من أي القسمين هو بنص أو إجماع أو قياس أو استصحاب أو غير ذلك فإن لم يظهر لهم شيء فهو باق بالنسبة للعلماء وغيرهم وكذا ما لم يتنازعه شيء مما مر لكن لم يتيقن سبب حله ولا حرمته كشيء وجده في منزله ولم يدر هل هو له أم لغيره وتقوى الشبهة بأن يكون يتيقن هناك محظور من جنسه وشك هل هو من غيره وحينئذٍ اختلفوا فيما يأخذ به فقيل بحله لقوله في الحديث كالراعي الخ دل على أنه حلال والورع تركه لأن الورع عند ابن عمر ومن تبعه ترك شيء من الحلال خوف الوقوع في الحرام وقيل بحرمته لأنه يوقع في الحرام ولقوله الآتي: فمن اتقى الشبهات

فمَنِ اتَّقَى الشُّبُهاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الخ وقيل لا يقال فيه واحد منهما لأنه -صلى الله عليه وسلم- جعله قسيماً لهما قال القرطبي والصواب الأول وقال المصنف والظاهر أن هذا الخلاف مخرج على الخلاف المعروف في الأشياء قبل ورود الشرع وفيه أربعة أقوال أصحها ألا يحكم فيها بحل ولا غيره لأن التكليف عند أهل الحق إنما يثبت بالشرع قال القرطبي دليل الحل أن الشرع أخرجها من قسم الحرام وأشار إلى أن الورع تركها بقوله دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ومن عبر بأنها حلال يتورع عنها أراد بالحلال مطلق الجائز الشامل للمكروه بدليل قوله يتورع عنها إذ المباح المستوي الطرفين لا يتصور فيه ورع ما داما مستويين بخلاف ما إذا ترجح أحدهما فإنه إن كان الراجح الترك كره كله أو الفعل ندب والصحابة لم يزهدوا في مباح مستوي الطرفين وزهدهم في التنعم في الدنيا زهد في مترجح الترك شرعاً وهذه حقيقة المكروه لكنه تارة يكرهه الشرع لذاته كأكل متروك التسمية عندنا وتارة لخوف مفسدة تترتب عليه كالقبلة لصائم لم تحرك شهوته وترك التنعم من هذا القبيل لأنه يترتب عليه مفاسد حالية كالركون إلى الدنيا ومآلية كالحساب عليه في الآخرة وعدم القيام بشكره والدليل على أن ترك الشبهة ورع قوله -صلى الله عليه وسلم- لمن تزوج امرأة فقالت سوداء أنا قد أرضعتكما: أليس وقد قيل. دعها عنك، فهذا الإفتاء تحرز من الشبهة وحث على الأحوط خوفاً من الوقوع في فرج محرم بتقدير صدق المرضعة لا تحريم صرف للإجماع على عدم كفاية شهادة امرأة واحدة في مثل ذلك ويؤخذ من هذا أنه ينبغي للمفتي أن يجيب بالاحتياط في النوازل المحتملة للحل والحرمة لاشتباه أسبابهما عليه وإن علم حكمها يقيناً باعتبار ظاهر الشرع وفي هذه الجملة أي قوله لا يعلمهن الخ التنويه بشأن علماء الإسلام المتشرفين بحوز هذا المقام حشرنا الله في زمرتهم. قوله: (فمن اتقى الشبهات) اتقى بمعنى ترك من التقوى وهي لغة جعل النفس في وقاية مما يخاف وشرعاً حفظ النفس عن الآثام وما يجر إليها وهي في عرف الصوفية التبري مما سوى الله تعالى بالمعنى المعروف المقرر عندهم وعدل إلى "اتقي" عن "ترك" المرادف

اسْتَبْرأ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ هنا ليفيد أن تركها إنما يعتد به في استبراء ما يأتي إن خلا عن نحو رياء وإن صحبه قصد براءة أحدهما فقط وفي التعبير بالشبهات إيقاع الظاهر موقع المضمر تفخيماً لشأن اجتناب الشبهات إذ هي المشتبهات بعينها والشبهة ما يخيل للناظر أنه حجة وليس كذلك وأريد بها هنا ما مر في تعريف المشتبه. قوله: (فقد استبرأ) بالهمز وقد تخفف أي طلب البراءة (لدينه) من الذم الشرعي وحصلها له كاستبرأ من البول حصل البراءة منه (وعرضه) بصونه عن كلام النّاس فيه بما يشينه ويعيبه فهو هنا كالحسب ما يعده الإنسان من مفاخره ومفاخر آبائه وصونه عن الشين والعيب من أهم ما يعتني به ذوو المروءات والهمم وقيل النفس لأنها التي يتوجه إليها الذم والمدح من الإنسان وفسره بعضهم بما يعمهما فقال هو موضع السب والذم والمدح من الإنسان وذلك إما في نفسه أو سلفه أو أهله وحينئذٍ يسلم من العذاب والذم والعيب على كل تقدير ويدخل في زمرة المتقين الفائزين بثناء الله وثوابه وثناء رسوله وخلقه وروى الترمذي لا يبلغ أحد أن يكون من المتقين حتى يترك ما لا بأس به حذراً مما به بأس وجاء في الأثر من عرض نفسه للتهم فلا يلومن من أساء به الظن وورد مرفوعاً من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهم وفي عطف العرض على الدين دليل على أن طلب براءته مطلوب وممدوح كطلب براءة الدين ومن ثم ورد ما وقى به العرض فهو صدقة له وعلى طلب نزاهته مما يظنه النّاس شبهة ولو ممن علم عدمها في نفس الأمر قال بعض السلف إياك وما يعتذر منه وإن كنت أعددت له جواباً ولاستحالة اتقاء ما لا يعرف كان اتقاء الشبهات يستدعي تفاصيلها بذكر جمل منها وهي أن الشيء إن لم يتنازعه دليلان فهو حلال بين أو حرام بين وإن تنازعه سبباهما فإن كان سبب التحريم مجرد توهم وتقدير لا مستند له كمسألة الصيد السابقة لذلك الاحتمال وترك استعمال ماء بمجرد احتمال وقوع نجاسة فيه ألغى ولم يلتفت إليه بحال لأن ذلك التجويز هوس فالورع فيه وسوسة شيطانية إذ ليس فيه من معنى الشبهة شيء وليس من هذا ما ورد أنه -صلى الله عليه وسلم-

وَمَنْ وَقَعَ في الشُّبُهاتِ وَقَعَ في الحَرَامِ، كالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أنْ يَرْتَعَ فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تنزه عن تمرة ساقطة في بيته وقال: "لولا أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها" لأن احتمال كونها من الصدقة غير بعيد لإتيانهم بالصدقات التمر للمسجد وحجرته ملتصقة به فخشي انتثار تمرة منه إلى حجرته أو إن نحو صبي دخل بها فهو احتمال قريب فتورع نظراً له وإن كان لسببه نوع قوة فالورع مراعاته كما في قصة المرضعة وإن تكافأ السببان تأكد الورع ولم يجب التوقف فيه إلى الترجيح خلافاً لبعضهم لأن الأصل الحل فاندفع قوله الإقدام على أحد الأمرين من غير رجحان حكم بغير دليل فيحرم إذ لا دليل مع التعارض ولعل من حرم مواقعة الشبهة أراد هذا النوع ومن كرهها أراد الذي قبله اهـ. قوله: (ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام) أي كان بصدد الوقوع فيه لأن من أكثر تعاطيها ربما صادف الحرام المحض وإن لم يتعمده وقد يأثم بذلك إذا نسب إلى تقصير ولأن من سهل على نفسه ارتكاب الشبهات أوصله الحال تدرجاً إلى ارتكاب المحرمات المقطوع بحرمتها ومن ثم قيل الصغيرة تجر إلى الكبيرة وهي تجر للكفر وهو معنى قول السلف -وقيل هو حديث- المعاصي بريد الكفر، ويؤيد ذلك بقوله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ورواية الصحيحين في هذا الحديث ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان أي الحرام الذي ظهر وبرواية غيرهما ومن يخالط الريبة يوشك أن يجسر على الحرام المحض والجسور المقدام الذي لا يهاب شيئاً ولا يراقب أحداً وفي بعض المراسيل من يرعى بجانب الحرام يوشك أن يخالطه ومن تهاون بالمحقرات يوشك أن يخالط الكبائر. قوله: (كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه) هذا منه -صلى الله عليه وسلم- ضرب مثل للتنفير عن الشبهات حذراً من محارم الله وفيه أحسن التنبيه وآكد التحذير وأصله إن ملوك العرب كانوا يحمون لمواشيهم ويتوعدون من دخلها بالعقوبة فكان يبعد عنها النّاس خوفاً من تلك العقوبة والراعي في الأصل الحافظ لغيره ومن ثم

ألا وَإنَّ لِكُل مَلِكٍ حِمًى، ألا وَإنَّ حِمَى اللهِ تَعالى مَحَارِمُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قيل للوالي راع وللعامة رعية ثم خص عرفاً بحافظ الحيوان كما هنا، والحمى بكسر الحاء والقصر مصدر واقع موقع اسم المفعول أي المحمي وحمى الملك محميه أي ما يحجره لماشية ونحوها، ويوشك بضم التحتية مضارع أوشك من أفعال المقاربة ومعناه أسرع وعملها عمل كان والغالب اقتران خبرها بإن كما في الحديث وقال الشاعر: أبا مالك لا تسأل النّاس والتمس ... يكفيك فضل الله فالفضل أوسع ولو سئل النّاس التراب لأوشكوا ... إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا والمعنى بقوله يوشك أن يرتع فيه يسرع أن يصل ماشيته إلى الحمى فيرتع فيه فيعاقب ويرتع بفتح الفوقية فيه وفي الماضي من الرتع وأصله الإقامة والتبسط في الأكل والشرب فكما أن الراعي الخائف من عقوبة الملك يبعد لأنه يلزم من القرب غلبة الوقوع وإن كثر حذره فيعاقب كذلك حمى الله تعالى أي محارمه التي حظرها لا ينبغي أن يقرب حماها فضلاً عنها لغلبة الوقوع فيها حينئذ فيستحق العقوبة إنما ينبغي له تحري البعد عنها وعما يجر إليها من الشبهات ما أمكن حتى يسلم من ورطتها قال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} نهى عن المقاربة حذراً من المواقعة ويؤخذ من الحديث الحث على التباعد عما يحذر منه أن يجر إلى مفسدة ولو كان فيه مصلحة تقديماً لدرء المفاسد على جلب المصالح. قوله: (ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه) أتى في هاتين الجملتين وفي الجملة التي بعدهما بحرف الاستفتاح لتنبيه السامع وإيقاظه لفهم ما بعدها وإنه مما ينبغي أن يصغي إليه ويفهمه ويعمل به لعظم موقعه وأكد أيضاً كل جملة منها بحرف التأكيد الذي هو إن المكسورة الهمزة المشددة النون تأكيداً للإشارة إلى أن اللائق بالسامع الإصغاء إلى هذا الكلام والعمل بما تضمنه والواو التي بعد حرف الاستفتاح في هذه الجمل عاطفة على مقدر والأصل في الأولى: هكذا إلا أن الأمر كما ذكر من سرعة وقوع من وقع في الشبهات في المحرم ومن رعى حول الحمى قارب الرتع فيه وإن لكل ملك الخ وفي الثانية: إلا أن الأمر كما ذكر من أن

ألا وَإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَح الجَسَدُ كلُّهُ، وإذَا فَسدَت فسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وَهي القَلْبُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لكل ملك حمى وإن الله محارمه وفي الثالثة: إلا أن الأمر كذلك أي من أن حمى الله محارمه وإن في الجسد الخ وقال الكازروني يحتمل أن يكون العطف على ألا لأنها في معنى انته ويحتمل أن الواو في المواضع الثلاثة هي للاستئناف قال وهو أولى والحاصل أن كل ملك من ملوك العرب له حمى يحميه عن النّاس ولتوعد من دخل فيه بالعقوبة الشديدة وقد حمى -صلى الله عليه وسلم- حرم المدينة عن أن يقطع شجره أو يصاد صيده وحمى عمر رضي الله عنه لإبل الصدقة أرضاً ترعى فيها وحمى الله محارمه أي المعاصي التي حرمها وهي الجناية على النفس والعرض والمال كالقتل والزنى والسرقة وتطلق المحارم على المنهيات مطابقة وعلى ترك المأمورات استلزاماً وإطلاق الأول أشهر وعلى كل تقدير فكل هذه حمى الله تعالى من دخلها بارتكابه شيئاً من المعاصي استحق العقوبة ومن قاربه يوشك أن يقع فيه فمن احتاط لنفسه لم يقاربه ولم يتعلق بشيء يقربه من المعصية ولا يدخل في شيء من الشبهات وفي هذا السياق منه -صلى الله عليه وسلم- إقامة برهان عظيم على اجتناب الشبهات إذ حاصله أن الله عزّ وجل ملك وكل ملك له حمى يخشى من قربانه لإيقاعه في أليم عذابه من قرب منه فالله له حمى يخشى منه كذلك وهذا قطعي المقدمتين والنتيجة فلا مساغ للتشكك فيه وفي ذلك أيضاً ضرب المثل بالمحسوس ليكون أشد تصوراً للنفس فيحملها على أن تتأدب مع الله تعالى كما تتأدب الرعايا مع ملوكهم. قوله: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله إلا وهي القلب) وجه مناسبة هذه الجملة لما قبلها قد يخفى وإظهارها أنه لما أفادت ما قبلها بطريق الإشارة التحذير من مواقعة المحرمات أرشد -صلى الله عليه وسلم- في هذه إلى أن القلب هو العمدة فمن عالج إصلاحه حتى صلح بحيث لم يبق فيه داعية إلى المعاصي نجا وتباعد عن المحارم ومن لم يعالجه وأهمله حتى فسد تراكمت فيه دواعي المعاصي وأوقعته في المحارم ولا بد فهلك إلا أن يتداركه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الله برحمته والجسد والبدن والمضغة قطعة من اللحم وصلح بفتح اللام وضمها والفتح أشهر كذا أطلقه كثير وظاهره أنه لا فرق بين أن يصير سجية وإن لا، لكن قيد جمع الضم بما إذا صار سجية وكذا يقال في فسد وصلاحها بصلاح المعنى القائم بها الذي هو ملحظ التكليف ومن ثم كان الذي عليه الجمهور أن العقل في القلب كما يصرح به ترتب صلاح البدن ومن جملته الدماغ وفساده على صلاح القلب وفساده وقد عبر بالقلب عن العقل من تسمية الحال باسم المحل ومنه {إِنَّ في ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} ووجه ترتب صلاح البدن على صلاحه وضده أنه مبدأ الحركات البدنية والإرادات النفسانية فإن صدرت عنه إرادة صالحة تحرك البدن حركة صالحة وإن صدرت عنه إرادة فاسدة تحرك البدن حركة فاسدة وصلاح القلب سلامته من الأمراض الباطنة كالشح والحرص والكبر والحسد والغل والرياء والطمع والكفر وفساده بعروض تلك الأمراض له وتمكنها فيه حتى تصير له سجية، وبالجملة القلب كالملك والأعضاء كالرعية ولا شك أن الرعية تصلح بصلاح ملكها ومن ثم قيل النّاس على دين ملوكهم وأفاد بعض علماء الباطن كما تقدم أن صلاح القلب في خمسة أشياء قراءة القرآن بالتدبر وخلو الباطن وقيام الليل والتضرع عند السحر ومجالسة الصالحين ولا بد مع ذلك من أكل الحلال بل هو رأس هذه الأمور والأصل توفيق الله سبحانه الذي هو كما تقدم أول الكتاب خلق قدرة الطاعة وسيأتي له مزيد وقيل القلب كعين والبدن كمزرعة فإن عذب ماؤها عذب الزرع وإن ملح ملح وقيل هو كأرض والأعضاء كنبات والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً، والحاصل أن القلب محل الاعتقادات والعلوم والأفعال الاختيارية فلكونه محلاً لهذه الخصوصية الإلهية التي يدرك بها الكليات والجزئيات ويفرق بها بين الواجب والجائز والمستحيل امتاز به الإنسان عن بقية الحيوان لأنه وإن وجد لها شكله وقام بها ما تدرك به مصالحها ومنافعها وتميز به بين مفاسدها ومضارها إلا أن هذا إدراك جزئي طبيعي وشتان ما بينه وبين الإدراك الكلي العملي الاختياري ولهذا المعنى امتاز أيضاً عن بقية الأعضاء بكونه أشرفها ومن ثم كانت مسخرة مطيعة له فما استقر فيه ظهر عليها وعملت به إن خيراً فخير وإن شراً فشر فكان صلاحها بصلاحه وفسادها بفساده قال بعض أئمة التحقيق

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ البدن كالمدينة والقلب كالملك والقوى الباطنة كصناع المدينة القائمين بما يحتاج إليه أهل المدينة والعقل كالوزير الناصح والأعضاء كالرعية والشهوة كطالب أرزاقها والغضب كصاحب الشرطة مكار خداع يتمثل في صورة ناصح ونصحه قاتل وشأنه دائماً منازعة الوزير واللسان كالترجمان والحواس الخمس كالجواسيس كل واحد منها قد وكل بعالم من العوالم فالبصر بعالم الألوان والسمع بعالم الأصوات والشم بعالم الروائح وكذا باقيها فهي أصحاب أخبار ومن ثم قيل هي كالحجاب توصل إليها ما تدركه وتعلمه لتحكم عليه وتتصرف فيه فهي آلات وخدم له وهي كما من معه كملك مع رعيته إن صلح صلحوا وإن فسد فسدوا ثم يعود صلاحهم وفسادهم إليه بزيادة المصالح أو المضار الراجعة منها ومن ثم لم يكن بين تبعيتها له أو تأثره بأعمالها تناف لما بينهما من تمام الملازمة وشدة الارتباط وقيل إن الحواس طاقات والنفس كملك في بيت له خمس طاقات يشاهد من كل طاقة ما لا يشاهده من الأخرى ورجح القول الأول قال بعضهم إذا كان صلاح القلب أعظم المصالح وفساده أشد المفاسد فلا بد من معرفة ما به صلاحه ليطلب وما به فساده ليتجنب فالذي به صلاحه علوم هي العلم بالله تعالى وأسمائه وصفاته وتصديق رسله فيما جاؤوا مع العلم بأحكامه ومراده منها والعلم بمساعي القلوب من خواطرها وهمومها ومحمود أوصافها ومذمومها وأعمال هي تحليه بمحمود تلك الأوصاف وتخليه عن مذمومها ومنازلته للمقامات وترقيه عن مفضول المنازلات إلى أسنى الحالات وأحوال هي مراقبة الله في السر والعلن وشهوده بحسب تهيئه واستعداده المشار إليه بقوله أن تعبد الله كأنك تراه الخ وتفصيل ذلك في تصانيف محققي الصوفية كالقوت والإحياء والرعاية فاطلبه فإنه مهم وتقدم قول بعض العارفين صلاح القلب في خمسة أشياء وإن لهذه الخمسة سادساً وهو أسها وأجلها وهو أكل الحلال إذ هو ينوره ويصلحه فتزكو به الجوارح فتندريء المفاسد وتنجلب المصالح وأكل الحرام والشبهات يظلمه ويصدئه ويقسيه فالاعتناء بالقوت من أعظم ما يعتني به طالب صلاح القلب وسنى الأحوال ومن لا فلا قال بعضهم وقد أشار -صلى الله عليه وسلم- إلى هذا المعنى بقوله: "ألا وإن في الجسد مضغة الخ" بعد قوله الحلال بين إشعاراً بأن أكل

رويناه في "صحيحيهما". الرابع: عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: حدَّثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق: ـــــــــــــــــــــــــــــ الحلال بنوره ويصلحه وأكل الشبهة والحرام يصدئه ويقسيه ويظلمه وقد وجد ذلك أهل الورع حتى قال بعضهم شربت من ركوة جندي شربة فعادت قسوتها على قلبي أربعين صباحاً، ثم القلب لغة مشترك بين كوكب معروف والخالص واللب ومنه قلب النخلة بتثليث أوله ومصدر قلبت الشيء رددته على بدئه والإناء قلبته على وجهه والرجل عن رأيه صرفته عنه ثم نقل وسمي به تلك المضغة السابقة لسرعة الخواطر فيه وترددها عليه كما قيل: وما سمي الإنسان إلا لنسيه ... ولا القلب إلا أنه يتقلب وفي الحديث إن القلب كريشة بأرض فلاة تقلبها الرياح لكنهم التزموا فتح قافه فرقاً بينه وبين أصله ومن ثم قيل ينبغي للعاقل أن يحذر من سرعة انقلاب قلبه فإنه ليس بين القلب والقلب إلا التفخيم. قوله: (رويناه في صحيحيهما) قال في مسند الفردوس بعد أن أورده بهذا اللفظ إلا أنه لم يذكر "إن" في أوله: رواه البخاري في الإيمان ومسلم في البيوع ورواه الإِمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وأبو يعلى الموصلي وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الشريعة وقد تقدم قول أبي داود كتبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خمسمائة ألف حديث الخ وجعل غيره بدل حديث لا يؤمن أحدكم الخ حديث أزهد في الدنيا الخ وقال بعضهم هذا الذي قاله هؤلاء الأئمة حسن غير أنهم لو أمعنوا النظر في هذا الحديث كله من أوله إلى آخره لوجدوه متضمناً لعلوم الشريعة كلها ظاهرها وباطنها وإن أردت الوقوف على ذلك فأعد النظر فيما عقدنا من الجمل في الحلال والحرام والمتشابه وما يصلح القلب وما يفسده وتعلق أعمال الجوارح به والورع الذي هو أساس الخير ومنبع سائر الكمالات وحينئذٍ يستلزم ذلك الحديث معرفة تفاصيل أحكام الشريعة كلها أصولها وفروعها والله الموفق. قوله: (وهو الصادق المصدوق) الصادق أي في جميع ما يقوله إذ هو الحق الصدق المطابق للواقع المصدوق فيما يوحى إليه

"إنَّ أحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أرْبَعِينَ يَوْماً نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن الملك يأتيه بالصدق والله يصدقه فيما وعده والجمع بينهما تأكيد إذ يلزم من أحدهما الآخر وعكس ذلك نحو ابن صياد فهو كاذب مكذوب ومن ثم لما قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- يأتيني صادق وكاذب وأرى عرشاً على الماء قال له خلط عليك. قوله: (إن أحدكم) بكسر الهمزة من إن حكاية للفظه -صلى الله عليه وسلم- وأحد هنا بمعنى واحد أي فرد لا بمعنى أحد الذي للعموم لأن ذلك لا يستعمل إلا في نفي نحو لا أحد في الدار وأصله وحد قلبت واوه المفتوحة همزة على غير قياس. قوله: (يجمع خلقه) أي يضم ويحفظ مادة خلقه وهو الماء الذي يخلق منه الكائن أو حال كونه كائناً (في بطن) أي رحم (أمه أربعين يوماً) حال كونه (نطفة) وأربعين ظرف لنطفة والنطفة في الأصل الماء القليل سمي به المني لأنه ينطف نطفاً أي يسيل ومعنى جمعه في هذه المدة مكثه في الرحم قدر ذلك يتخمر حتى يتهيأ للخلق وقيل معناه ضم متفرقه فإن المني يقع في الرحم حين انزعاجه بالقوى الشهوانية الدافعة متفرقاً فيجمعه الله في محل الولادة من الرحم في هذه المدة واستدل لذلك بأنه جاء في بعض طرق هذا الحديث عن ابن مسعود كما خرجه ابن أبي حاتم وغيره تفسير ذلك الجمع بأن النطفة إذا وقعت في الرحم فأراد الله أن يخلق منها بشراً طارت في بشرة المرأة تحت كل ظفر وشعر ثم تمكث أربعين ليلة كذلك ثم تصير دماً في الرحم فذلك جمعها وذلك وقت كونها علقة وجاء تفسير الجمع بمعنى آخر عند الطبراني وابن منده بسند على شرط الترمذي والنسائي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله إذا أراد خلق عبد فجامع الرجل امرأة طار ماؤه في كل عرق وعضو منها فإذا كان يوم السابع جمعه الله تعالى ثم أحضر كل عرق له دون آدم في أي صورة ما شاء ركبك" قيل ويشهد لهذا المعنى قوله -صلى الله عليه وسلم- لمن قال له: "ولدت امرأتي غلاماً أسود لعله نزعه عرق وبعد تمام هذه الأربعين التي يجمع فيها أو في آخرها على ما تقرر من الخلاف يذر على النطفة من تربة ذلك المولود" كما قاله ابن العز الحجازي في شرح الأربعين

عَلَقَةً مِثْلَ دْلِكَ، ثمّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسِلُ المَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فيثخن ويصير (علقة) وهي قطعة دم لم تيبس. قوله: (مثل ذلك) منصوب صفة علقة والمشار إليه هنا وفيما يأتي بعده الزمن الذي هو أربعون يوماً (ثم) عقب هذه الأربعين الثانية ييبس ذلك الدم فيصير (مضغة) أي قطعة لحم قدر ما يمضغ (مثل ذلك) أي أربعين يوماً صفة مضغة قال ابن العز وفي هذه الأربعين يصورها المولى سبحانه بالصورة التي تريدها ويجعل لها محل السمع والبصر والشم من الأذن والعين والأنف وغيرها من الأعضاء كاليدين والرجلين وباقي أجزاء البدن قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} (ثم) بعد تمام الأربعين الثالثة (يرسل الملك) بالبناء للمجهول وفي نسخة يرسل الله الملك أي الموكل بالرحم فمعنى إرساله أمره بما يأتي ويحتمل أنه غير الملك الموكل بحفظ الرحم، وظاهر "ثم" هنا أن إرسال الملك إنما يكون بعد الأربعين الثالثة لكن في رواية في الصحيح يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر بالرحم أربعين يوماً وفي أخرى أو خمساً وأربعين فيقول: يا رب أشقي أم سعيد؟ وفي أخرى إذا من بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها وفي أخرى لمسلم أن النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة ثم يتسور عليها الملك وفي أخرى لمسلم أن ملكاً موكل بالرحم إذا أراد الله تعالى أن يخلق شيئاً لسبع وأربعين ليلة وذكر الحديث وعند الشيخين إن الله قد وكل بالرحم ملكاً فيقول أي رب نطفة أي رب علقة أي رب مضغة وجمع العلماء بينها بأن للملك ملازمة ومراعاة لحال النطفة فيقول وقت النطفة رب هذه نطفة الخ وكذا يقول في كل من الأمرين ما صارت بأمر الله وهو سبحانه أعلم وأول علم الملك أنها ولد إذا صارت علقة وهو عقب الأربعين الأولى وحينئذٍ يكتب الأربعة على ما يأتي فيه ثم له تصرف آخر بالتصوير المتكرر أو المختلف باختلاف النّاس على ما يأتي أيضاً وظاهر الحديث كما قاله القاضي عياض وأقره المصنف وغيره أن الملك ينفخ الروح في المضغة وليس مراداً بل إنما ينفخ فيها بعد أن تتشكل بشكل ابن آدم وتتصور بصورته قال تعالى: {فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ آخَرَ} أي بنفخ الروح فيه، ونوقش بأنه ليس ظاهر الحديث ذلك إنما ظاهره أن الإرسال بعد الأربعين الثالثة المنقضي اسم المضغة بانقضائها وتلك البعدية لم تحدد فيحتمل أنه بعد الأربعين الثالثة يصور في زمن يسير وبعد التصوير يرسل الملك لنفخ الروح وقد صرح القرطبي في المفهم بأن التصوير في الأربعين الرابعة ثم كون التصوير في الأربعين الثالثة أو بعدها على ما تقرر ينافيه روايات أخر تقتضي أنه عقب الأربعين الأولى (وأجاب القاضي عياض بأن هذه الروايات ليست على ظاهرها بل المراد أنه يكتب ذلك ويفعله في وقت آخر لأن التصوير عقب الأربعين الأولى) غير موجود عادة وإنما يقع في الأربعين الثالثة مدة المضغة كما نصت عليه الآية فخلقنا المضغة عظاماً، ونظر فيه بأن مجرد التصوير لا يستدعي خلق العظام فلا دليل في الآية لما ذكره وحينئذٍ يمكن الجمع بأنه عقب الأربعين الأولى يرسل الملك لتصوير العلقة تصويراً خفياً ثم يرسل في مدة المضغة أو بعدها على ما من فيصورها تصويراً ظاهراً مقارناً لخلق عظمها ونحوه أو بأن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص فمنهم من يصور بعد الأربعين الأولى ومنهم من لا يصور إلا في الثالثة أو بعدها، وتعقب ما جمع به القاضي عياض بأن في رواية لمسلم إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث إليها ملكاً فصورها وخلق سمعها وبصرها ولحمها وعظامها ثم يقول: يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك بما يشاء ويكتب الملك، الحديث، ففيه التصريح بأن خلق العظام يكون عقب الأربعين الأولى فإن حملها خلقها هنا على ابتداء الخلق وبعد الأربعين الثالثة على تمامه أمكن الجمع الثاني وإلا تعين الثالث وذكر بعضهم ما يؤيد الجمعين الأخيرين قال بعد رواية مسلم المذكورة تأولها بعضهم على الملك يقسم النطفة إذا صارت علقة إلى أجزاء فيجعل بعضها للجلد وبعضها للحم وبعضها للعظم فيقدر ذلك كله قبل وجوده وهذا خلاف

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ظاهر الحديث بل ظاهره أنه يصورها ويخلق هذه الأجزاء كلها وقد يكون ذلك بتصويره وتقسيمه قبل وجود اللحم والعظام وقد يكون هذا في بعض الأجنة دون بعض وسبق في تفسير الجمع رواية تقتضي أن التصوير يكون يوم السابع وهو مذهب الأطباء، وظاهر الحديث أن نفخ الروح عقب الأربعين الثالثة وصح في حديث آخر أنه بعد اثنين وأربعين يوماً وجمع بينهما باختلاف الأجنة فينفخ في بعضها بعد اثنين وأربعين وفي بعضها بعد مائة وأربعين قال ابن العز وفيه نظر لا يخفى إذ لفظ أحد شائع في المخاطبين والمراد جنسهم فمن أين هذا التخصيص ببعض دون بعض اهـ، وظاهر جريانه في الجمع الثالث المذكور قبله ولك أن تقول ضرورة الجمع بين الأخبار دليل للتخصيص المذكور وإن أحدكم في الخبر غير باق على عمومه والله أعلم، ومعنى نفخ الملك الروح في الصورة أنه سبب لخلق الحياة عنده لأنه عرفا إخراج ريح من النافخ تتصل بالمنفوخ فيه وهذا غير مؤثر شيئاً وما يحدث عنده ليس به بل بإحداث الله تعالى فهو معرف عادي لا موجب عقلي وكذا القول في سائر الأسباب المعتادة ونسبة التخليق والتصوير إلى الملك مجازية لأنه آلة فيهما بإقدار الله تعالى بالأفعال قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} والإيجاد على هذا الترتيب العجيب مع قدرته تعالى على إيجاده كاملاً كسائر المخلوقات في أسرع من لحظة قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} وهذا كناية عن مزيد السرعة وإلا فلا قول لأنه بمجرد تعلق الإرادة به يوجد في أقل من زمن كن لو تصور يمكن أن تكون حكمته ما قيل به في خلق السموات والأرض وما بينهما وما فيهما في ستة أيام من تعليمه لعباده التأني في الأمور أو يقال حكمة ذلك أنه لو خلق دفعة لشق على الأم لأنها لم تكن معتادة لذلك وربما تظن علة فجعلت أولاً نطفة لتعتاد بها مدة ثم علقة وهكذا إلى آخر الولادة أو يقال حكمته إشعار النّاس إلى كمال قدرة الله على الحشر والنشر لأن من قدر على خلق الإنسان من نطفة ثم علقة ثم مضغة قادر على صيرورته ونفخ الروح فيه وحشره للحشر للحساب والجزاء أو يقال حكمة ذلك هنا إعلام الإنسان بأن حصول الكمال المعنوي له إنما يكون بطريق التدريج نظير حصول الكمال

وَيُؤْمَرُ بأرْبَعِ كَلِماتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وأجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الظاهري له بتدرجه في مراتب الخلق وانتقاله من طور إلى طور إلى أن يبلغ أشده وكذا ينبغي له في مراتب السلوك أن يكون على نظير هذا المنوال والله أعلم وفي الحديث دليل على حدوث الروح وهو ما يحيا به الإنسان وهو من أمر الله تعالى كما أخبر والخلاف في تحقيقه طويل ولفظه مشترك بين عدة معان. قوله: (ويؤمر) أي الملك عطف على ينفخ فظاهره أن هذا الأمر والكتابة بعد الأربعين الثالثة ورواية البخاري أن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين ثم يكون علقة مثله ثم يكون مضغة مثله ثم يبعث إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات فيكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح كالصريحة في ذلك لكن في روايات أخر لمسلم وغيره أن كتابة تلك الأمور عقب الأربعين الأولى وبها أخذ جماعة من الصحابة وجمع بعضهم بأن ذلك يختلف باختلاف النّاس فمنهم من يكتب له عقب الأربعين الأولى ومنهم من يكتب له عقب الثالثة قال بعضهم ولعل الجمع بهذا أولى من قول القاضي عياض وإن أقره المصنف أن قوله ثم يبعث وما بعده معطوف على يجمع ومتعلقاته لا على ثم يكون مضغة مثله بل هو وثم يكون علقة مثله معترضان بين المعطوف والمعطوف عليه ومن قول غيره إنها تكون مرتين مرة في السماء وأخرى في بطن الأم وظاهر رواية البخاري أن النفخ بعد الكتابة وفي رواية للبيهقي عكسه قيل فإما أن يكون من تصرف الرواة أو المراد ترتيب الأخبار لا ترتيب ما أخبر به والأولى تقديم رواية البخاري لأنها أصح وأثبت. قوله: (بأربع كلمات) أي يؤمر بكتابة الأحكام المقدرة له على جبهته أو في بطن كفه أو في رق يعلق بعنقه قاله مجاهد واعلم أن الكتابة في أم الكتاب تعم جميع الأشياء وهذا يختص به كل إنسان إذ لكل كتابة سابقة هي ما في اللوح ولاحقة هي ما يكتب ليلة القدر أو ليلة النصف من شعبان ومتوسطة أشير إليها في هذا الحديث قوله: (بكتب) بالموحدة فيكون بدلاً من أربع بإعادة العامل وفي رواية يكتب بالتحتية على الاستئناف والمراد بأمر الملك بذلك إظهار ذلك بإنفاذه وكتابته وإلا فقضاء الله وإرادته وعلمه لكل ذلك سابق في الأزل لقدمه وظاهر هذا الحديث الأمر بكتابة الأربع ابتداء وليس مراداً إنما المراد كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة أنه يؤمر بذلك بعد أن

وَشقِيٌ أوْ سَعِيدٌ، فَوالَّذي لا إله غَيرُهُ إن أحَدَكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ يسأل عنها فيقول: يا رب ما الرزق؟ ما الأجل؟ ما العمل؟ وهل هو شقي أو سعيد؟ فمن تلك الأحاديث أن النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها الملك في كفه فقال: أي رب ذكر أم أنثى؟ شقي أم سعيد؟ ما الأجل؟ ما الأثر؟ بأي أرض يموت؟ فيقال له: انطلق إلى أم الكتاب أي اللوح المحفوظ، وقد تطلق على العلم القديم وليس مراداً هنا لأن ذلك لا يطلع عليه غير الله فإنك تجد (قصة هذه النطفة فينطلق فيجد) قصتها في أم الكتاب تخلق فتأكل رزقها وتطأ أثرها فإذا جاء أجلها قبضت فدفنت في المكان الذي قدر لها، ثم الرزق ما يتناول إقامة البدن وانتفاعه ولو حراماً خلافاً للمعتزلة، والأجل يطلق ويراد به مدة الحياة ويطلق ويراد به آخرها الذي هو آن الموت ولا مانع من أن يكون المراد الأجل بمعنييه لأن الملك يكتب الأجل بكلا هذين المعنيين فيكون من باب استعمال المشترك في معنييه أو من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه والمراد من عمله الذي يكتب ما سيعمله وهذا يدل على أن هذا الملك غير الملكين اللذين هما الحفظة فإن وظيفتهما كتب ما عمل العبد لا ما سيعمل وإنما يباشران الكتابة لعمله بعد تكليفه لا في هذا الوقت والظاهر أن هذا يكتب جميع أعماله التي ستقع منه قبل التكليف وبعده اختيارية أو اضطرارية بخلافهما إنما يكتبان الأفعال الاختيارية التي يثاب عليها العبد أو يعاقب والله أعلم. قوله: (وشقي أو سعيد) مرفوع بتقدير هو وعدل إليه عن قوله وشقاوته أو سعادته لأنها حكاية لصورة ما يكتب الملك والتقدير أنه شقي أو سعيد فعدل عنه لأن التفصيل ورد عليهما ذكره الطيبي، والسعادة معاونة الأمور الإلهية للإنسان على نيل الخيرات ويقابلها الشقاوة وقدم الشقاوة ليعلم أن الشر كالخير من عند الله تعالى. قوله: (فوالذي لا إله غيره) قال الخطيب في كتاب الفصل والوصل من هنا الخ مدرج من كلام ابن مسعود وبين دليل ذلك ورد عليه ذلك ووروده عنه مدرجاً من قوله في رواية لا تقاوم روايته في الصحيحين الصريحة في رفعه وعلى التنزل وأنه مدرج من قوله فلا ينسب إليه إلا اللفظ أما المعنى فهو صحيح عنه -صلى الله عليه وسلم- من طرق صحيحة منها للبخاري إنما الأعمال بالخواتيم ومنها

لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الجنة، حتى ما يكونُ بينهُ وبينَها إلا ذِرَاعٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لابن حبان في صحيحه إنما الأعمال بخواتيمها كالوعاء فإذا طاب أعلاه طاب أسفله وإذا خبث أعلاه خبث أسفله ومنها لمسلم إن الرجل ليعمل الزمان الطويل بعمل أهل الجنة ثم يختم له بعمل أهل النار وإن الرجل ليعمل الزمان الطويل بعمل أهل النار ثم يختم له بعمل أهل الجنة، ومنها لا حمد لا عليكم أن تعجبوا بأحدكم حتى تنظروا بما يختم له الحديث، وفي البخاري ومسلم في الرجل الذي قاتل المشركين أبلغ قتال فقال -صلى الله عليه وسلم-: "أنه من أهل النار" فجرح فلم يصبر فقتل نفسه فلما بلغ ذلك -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة"، والفاء داخلة على المقسم به وهي فصيحة أي إذا كان الشقاء والسعادة مكتوبين فوالله الذي الخ وجيء بالقسم والتأكيد بأن واللام للرد على المنكر في الجملة والتنبيه على تحقق وقوع ما بعده وهو إن أحدكم الخ وهذا المحلوف عليه مأخوذ من آيات القدر نحو {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} وأحاديثه: كحديث محاجة آدم موسى وحديث: اعملوا فكل ميسر لما خلق له وحديث: اعملوا على مواقع القدر. قوله: (ليعمل بعمل أهل الجنة) أي فيما يبدو للناس كما تقدم في الصحيحين ففيه إشارة إلى أن باطن الأمر قد يكون بخلاف ظاهره وإن خاتمة السوء تكون والعياذ بالله بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها النّاس وكذا قد يعمل الرجل بعمل أهل النار وفي باطنه خصلة خير خفية تغلب عليه آخر عمره فتوجب له حسن الخاتمة وسيأتي لهذا المقام مزيد. قوله: (حتى ما يكون) بالرفع لأن ما ألغت حتى، قال ما هنا لمجرد النفي منسلخ عن معنى الحالية ليجامع أن التي للاستقبال أي التي بعد حتى الناصبة كما أن اللام في قوله ولسوف يعطيك لمجرد التأكيد معرى عن معنى الحالية لكن في النسخ المصححة من البخاري ومن هذا الكتاب ضبطه بالضم اهـ. وقوله: "حتى ما يكون بينه وبينها" أي الجنة "إلا ذراع" هو من باب التمثيل المقرر في علم البيان وهو تمثيل القرب من موته ودخوله عقبه الجنة هنا وفي نظيره الآتي ضدها أي ما بقي بينه وبينها إلا كمن

فيسبق عليه الكتابُ فيعمل بعمل أهل النارِ فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النَّارِ حتَّى ما يَكُونُ بَينَهُ وبَينَها إلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الجنَّةِ فَيَدْخُلُها" ـــــــــــــــــــــــــــــ بقي بينه وبين مقصده ذراع. قوله: (فيسبق) أي يغلب (عليه الكتاب) أي المكتوب في بطن أمه مستنداً إلى سابق العلم الأزلي فيه ويصح بقاؤه على مصدريته وهذه الجملة وما بعدها تفريع على ما مهده -صلى الله عليه وسلم- من كتابة السعادة أو الشقاوة عند نفخ الروح مطابقين لما في العلم الأزلي لبيان أن الخاتمة إنما هي على وفق تلك الكتابة ولا عبرة بظواهر الأعمال قبلها بالنسبة لحقيقة الأمر وإن اعتبر بها من حيث كونها علامة ثم دخوله النار إما لكفره والعياذ بالله فيكون دخول خلود أو لمعصيته فيكون دخول تطهير قال القاضي وغيره وهذا نادر جداً لخبر "إن رحمتى سبقت غضبي" وفي رواية تغلب غضبي بخلاف ما بعده فإنه كثير فالله الحمد والمنة على ذلك. قوله: (وبينها) أي النار. قوله: (بعمل أهل الجنة) أي بأن يؤمن بعد كفره أو يتوب من ذنبه فيخرج من تبعته وإصره (فيدخلها) أي الجنة بحكم القدر البخاري عليه في هذا وفيما قبله المستند إلى خلق الدواعي والصوارف في قلبه إلى ما يصدر عنه من أفعال الخير فمن سبقت له السعادة صرف الله قلبه إلى خير يختم له به وضده بضده وفي بعض روايات هذا الحديث وإنما الأعمال بالخواتيم والأعمال بخواتيمها، وقد اختلف أهل التحقيق فمنهم من راعى حكم السابقة وجعلها نصب عينيه ومنهم من راعى حكم الخاتمة والأول أولى لأنه سبق في علمه الأزلي سعيد العالم وشقيه ثم رتب على هذا السبق الخاتمة عند الموت بحسب صلاح العمل عندها وفساده وعلى الخاتمة سعادة الآخرة وشقاوتها والمبني على المبني على الشيء مبني على ذلك الشيء فحقيقة السعادة أو الشقاوة مبنية على سابقة العلم بها فهي إذا أولى بالخوف منها والمراعاة لها وأفاد الحديث أن التوبة تهدم ما قبلها من الذنوب وأن من

رويناه في "صحيحيهما". ـــــــــــــــــــــــــــــ مات على خير أو شر أديرت عليه أحكامه نعم الميت فاسقاً تحت المشيئة خلافاً للمعتزلة وإن عمل من سبق في علم الله موته على الكفر يكون صحيحاً مقرباً إلى الجنة حتى ما يبقى بينه وبينها إلا ذراع وإن عمل من سبق في علم الله موته على الإيمان يكون باطلاً مقرباً إلى النار لكن لا مطلقاً في هذين بل باعتبار ما يظهر لنا كما دل عليه خبر مسلم السابق إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار الحديث، أما باعتبار ما في نفس الأمر فالأول لم يصح له عمل قط فلم يقرب من الجنة مطلقاً لأنه كافر في الباطن وأما الثاني فعمله الذي لا يحتاج إلى نية صحيح وما يحتاج إليها باطل من حيث عدم وجودها هذا فيما صورته صورة خير وأما ما عداه فلا يؤثر فيه الكفر لخبر أسلمت على ما سلف لك من خير فالعبرة بسابق القضاء إذ هو الذي لا تغيير ولا تبديل فيه وفي الحديث الشقي من شقي في بطن أمه أي يظهر من حاله للملائكة أو لمن شاء الله من خلقه ما سبق في علم الله الأزلي وقضائه الإلهي الذي لا يقبل تغييراً من سعادته أو شقاوته ومن رزقه وأجله وعمله إلى آخر ما سبق بيانه، ولا ينافي ذلك خبراً إنما الأعمال بالخواتيم لأن ربطها بها إنما هو لكون السابقة مستورة عنا والخاتمة ظاهرة لنا فكانت الأعمال بها بالنسبة إلى ما عندنا وإطلاعنا في بعض الأشخاص والأحوال وفي الحديث إنه لا يقطع لأحد معين بدخول الجنة إلا من أخبر -صلى الله عليه وسلم- أنه من أهلها وفيه الإيماء إلى ترك الإعجاب بالعمل والالتفات والركون إليه بل يعول على فضل مولاه ورحمته وجوده ومنته وفي الحديث لن ينجي أحداً منكم عمله الحديث لكن مع ذلك لا بد من الإتيان بالعمل أداء لمقام العبودية وقد جاءت الأحاديث بالنهي عن ترك العمل والاتكال على ما سبق به القدر قال -صلى الله عليه وسلم-: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له". قوله: (رويناه في صحيحيهما) وكذا رواه أصحاب السنن الأربعة كلهم عن ابن مسعود كما في الجامع الصغير وهو حديث عظيم جليل يتعلق بمبدأ الخلق ونهايته وأحكام القدر في المبدأ والمعاد وإنكار عمرو بن عبيد من زهاد القدرية له من ضلالاته وخرافاته

الخامس: عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: حَفِظتُ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "دَعْ ما يَرِيبُكَ إلى ما لا يَرِيبكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وحماقته وجهالته. فائدة قال العلماء: كتاب الله تعالى ولوحه وقلمه والصحف المذكورة كل ذلك مما يجب الإيمان به وكيفية ذلك وصفته يعلمه الله سبحانه ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء والله أعلم. قوله: (حفظت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) دليل على أن شرط الشهادة من البلوغ والإسلام إنما تعتبر حال الأداء دون التحمل فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- توفي والحسن دون البلوغ وأخباره كلها مقبولة والله أعلم. قوله: (دع ما يريبك) أمر ندب أي دع ما تشك فيه من الأقوال والأفعال إنه منهي عنه أولاً أو سنة أو بدعة واعدل عنه (إلى ما لا يريبك) أي ما لا تشك فيه من الحلال البين والمقصود أن يبني المكلف أمره على اليقين البحت والتحقيق الصرف ويكون على بصيرة في دينه قيل حاصل الحديث يرجع إلى ما مر في الحديث السابق أن من اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه إذ حاصلهما النهي التنزيهي عن الوقوع في الشبهات ومن ثم قيل إنه يجب اجتنابها وفصل آخرون فقالوا تلحق الشبهة المحتملة الفاحشة بالحرام بخلاف غيرها فبيع نحو العينة مشتبه لأنه حيلة للربا وهي فيه نافعة عند قوم وغير نافعة عند آخرين فإن الله لا تخفى عليه خافية والأعمال بالنيات وعليه قال بعضهم إن اطلع الله على نية فاعل ذلك إنها بريئة من الحيلة وإن قلبه لم ينطو على الحرام لم يعاقب لكنه لم يستبريء لدينه ولا لعرضه لأنه يظن به الربا وتسوء به الظنون فطلب منه دفع هذا المريب إلى ما لا يريب وورد لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يترك ما لا بأس به مخافة ما به بأس وقال بعض أرباب الإشارات معناه إذا كنت صحيح الخاطر طاهر الباطن مراقباً للغيب وتعرف لمة الملك من لمة الشيطان والإلهام من حديث النفس وكنت مميزاً بين الحق والباطل بنور الفراسة وصفاء القلب فدع ما يريبك من الأغلوطات والشبهات النفسانية والشيطانية إلى ما لا يريبك مما ينزل بقلبك وعقلك وروحك من الإلهام الإلهي والعلم اللدني

رويناه في الترمذي والنسائي، ـــــــــــــــــــــــــــــ وكما أن ترك ما يريبك مأمور به فكذا ترك ما يريب الغير مما يصعب على أفهام العامة أولى كما قال بعض العارفين: إني لأكتم من علمي جواهره ... كي لا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا يا رب جوهر علم لو أبوح به ... لقيل لي أنت مما يعبد الوثنا ولاستحل رجال مسلمون دمي ... يرون أقبح ما يأتونه حسنا قوله: (رويناه في كتاب الترمذي والنسائي) ورواه أيضاً ابن حبان في صحيحه والحاكم والخطيب كلهم عن الحسن وهذا قطعة من حديث طويل فيه ذكر قنوت الوتر وعند الترمذي وغيره زيادة فيه وهي فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة ولفظ ابن حبان فإن الخير طمأنينة وإن الشر ريبة وقد أخرجه أحمد من حديث أنس أي بدون هذه الزيادة كما يقتضيه كلام الجامع الصغير قال وكذا أخرجه الطبراني عن وابصة بن معبد وأخرجه الطبراني عن ابن عمر مرفوعاً قال في الجامع الصغير وأخرجه أبو نعيم في الحلية والخطيب عن ابن عمر وزاد في آخره فإنك لن تجد فقد شيء تركته الله وبه يرد قول الدارقطني إنما يروي هذا من قول ابن عمر وفي الجامع الصغير أخرجه ابن قانع عن الحسن وزاد في آخره فإن الصدق نجي وروي بإسناد ضعيف عن أبي هريرة مرفوعاً ما يريبك إلى ما لا يريبك قال وكيف لي بالعلم بذلك قال إذا أردت أمراً فضع يدك على صدرك فإن القلب يضطرب للحرام ويسكن للحلال وإن المسلم الورع يدع الصغيرة مخافة الكبيرة زاد الطبراني فقيل له فمن الورع قال الذي يقف عند الشبهة، ثم هذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الدين وأصل في الورع الذي عليه مدار المتقين ومنح من ظلم الشكوك والأوهام المانعة لنور اليقين قال الفضيل يزعم النّاس أن الورع شديد وما ورد على أمران إلا أخذت بأشدهما فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك وقال حسان بن سنان ما شيء أهون من الورع إذا رابك شيء فدعه وهذا إنما يسهل على مثله رضي الله عنه وسئلت عائشة رضي الله عنها عن أكل الصيد للمحرم فقالت: إنما هي أيام قلائل فما رابك دعه يعني

قال الترمذي: حديث حسن صحيح. قلت: يريبك بفتح الياء وضمها لغتان، والفتح أشهر. السادس: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مِنْ حُسْنِ إسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ ما لا يَعْنِيهِ" رويناه في كتاب الترمذي وابن ماجه، وهو حسن. السابع: عن أنس رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ ما اشتبه عليك أحلال هو أم حرام؟ فاتركه فإن العلماء اختلفوا في إباحة الصيد للمحرم إذا لم يصده هو ومن ثم كان الخروج من الخلاف أفضل لأنه أبعد عن الشبهة نعم قال المحققون ما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- فيه رخصة ليس لها معارض فاتباعها أولى من اجتنابها وإن منعها من لم تبلغه أو لتأويل بعيد مثاله من تيقن الطهارة وشك في الحدث فإنه صح أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لا تنصرف حتى تسمع صوتاً أو تجد ريحاً لا سيما إن كان شكه وهو في الصلاة المفروضة فيحرم عليه قطعها وإن أوجبه بعضهم نعم قيل ينبغي أن التدقيق في التوقف عن الشبه إنما يصلح لمن استقامت حاله كلها وتشابهت أعماله في التقوى والورع بخلاف المنهمك في المحرمات ومن ثم ورد أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما سأله أهل العراق عن دم البعوض يسألونني عن دم البعوض وقد قتلوا الحسين رضي الله عنه قال: وسمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول هما ريحانتاي من الدنيا. قوله: (وقال حسن صحيح) قال بعضهم لا يضر توقف الإِمام أحمد في أبي الجوزاء راويه عن الحسن فقد وثقه النسائي وابن حبان وبه يندفع قول بعضهم إنه مجهول لا يعرف. قوله: (الفتح أشهر) أي وأفصح وراب بمعنى شك وقيل راب لما تتيقن فيه الريبة وأراب لما يتوهم منه وفي النهاية الريب الشك أوشك مع تهمة قال في الكشاف الريب مصدر رابني إذا حصل فيك الريبة وحقيقته قلق النفس واضطرابها ومنه دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الشك ريبة والصدق طمأنينة أي كون الأمر مشكوكاً فيه مما تقلق منه النفس وكونه صحيحاً صادقاً مما تطمئن له ومنه ريب الزمان لنوائبه المقلقة اهـ. قوله: (الحديث السادس) تقدم الكلام

"لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتى يُحِبَّ لأَخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِه" ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه متناً وتخريجاً في كتاب حفظ اللسان. قوله: (لا يؤمن أحدكم الخ) أي لا يؤمن الإيمان الكامل (حتى يحب لأخيه) المسلم من الخير كما جاء التقييد بذلك في رواية أحمد والنسائي وبه يندفع ما قيل هذا عام مخصوص إذ الإنسان يحب لنفسه وطء حليلته ولا يجوز أن يحبه لأخيه حال كونها في عصمته لحرمة ذلك عليه وليس له أن يحب لأخيه فعل محرم اهـ. وما قيل لا بد أن يكون المعنى فيما يباح وإلا فقد يكون غيره ممنوعاً منه وهو مباح له اهـ. وكلاهما غفلة عن رواية النسائي والظاهر كما قيل: إن التعبير بالأخ المراد به المسلم جرى على الغالب إذ ينبغي لكل مسلم أن يحب (للكفار) الإسلام وما يتفرع عليه من الكمال. وقوله: (ما يحب لنفسه) أي مثله؛ المراد بالمثلية هنا مطلق المشاركة المستلزمة لكف الأذى والمكروه عن النّاس وكما أنه يحب أن ينتصف من حقه ومظلمته فينبغي له إذا كان لأخيه عنده حق أو مظلمة أن يبادر إلى إنصافه من نفسه وإيثار الحق وإن شق عليه ذلك. وفي الحديث انظر إلى ما تحب أن يؤاتيه النّاس إليك فآتيه إليهم وإذا حصل ذلك كان مع أخيه كالنفس الواحدة وقد حث -صلى الله عليه وسلم- على ذلك بقوله في الحديث الصحيح أيضاً: "المؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر" قال ابن الصلاح وهذا قد يعد من الصعب الممتنع وليس كذلك إذ القيام به يحصل بأن يحب له حصول مثل ذلك من جهة لا يزاحمه فيها بحيث لا تنقص النعمة على أخيه شيئاً من النعمة عليه وذلك سهل على القلب السليم إنما يعسر على القلب الدغل اهـ، وبه يندفع قول غيره (يشبه أن هذه المحبة إنما هي من جهة العقل أي يحب له ذلك ويؤثره) من هذه الجهة أما التكليف بذلك من جهة الطبع فصعب إذ الإنسان مطبوع على حب الاستئثار على غيره بالمصالح بل على الغبطة والحسد لإخوانه فلو كلف أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه بطبعه لأفضى إلى أن لا يكمل إيمان أحد إلا نادراً اهـ، ويؤيد ما قاله ابن الصلاح خبر الترمذي وابن ماجه أحب للناس ما تحب لنفسك

رويناه في "صحيحيهما". الثامن: عن أبي هريرة رضي الله عنه ـــــــــــــــــــــــــــــ تكن مسلماً وخبر أحمد أفضل الإيمان أن تحب للناس ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك وخبره أيضاً أتحب الجنة قلت نعم قال فأحب لأخيك ما تحب لنفسك، وإذا انتفت هذه المحبة لنحو غش أو حسد فلم يحب لأخيه مثل ما يحب لنفسه فهو غير مؤمن الإيمان الكامل ومن ثم قيل من أفحش الأحوال أن يرى ضاناً على أخيه بأعمال الخير إن لم يوفق هو لها كما جرى لابن آدم فإنه قتل أخاه من أجل أن الله تقبل قربانه دونه وقال بعض أرباب الإشارات في الكلام على الحديث تحقيق ذلك أن المؤمنين متحدون بحسب الأرواح والحقائق متعددون من حيث الأجسام والصور فهم كنور واحد في مظاهر مختلفة أو كنفس واحدة في أبدان متفرقة بحيث لو تألم الواحد تأثر الجميع بل من تمكن فيه صح ذلك له بالنسبة إلى جميع الأشياء كما روي عن بعضهم أنه ضرب عنده حمار فتألم الشيخ بحيث رؤيت علامة الضرب في عضوه الذي بإزاء العضو المضروب للحمار، وذلك لأن إيمانهم من أثر نور الهداية شرعاً ومن نور الله حقيقة وهو نور الوحدانية من عكس نور الفردانية من نور الذات فأرواحهم اتحدت بذلك النور المقتضي للألفة والرحمة فإن هم واحد هموا وإن فرح فرحوا وهذا مقام الجمع بالروح وهو أنه يجتمع عند تجلي الروح الأعظم عن تفرقة الطبيعة وتتحد الأرواح وهناك مقام أعلى يقال له: جمع الجمع وهو أن يجتمع عند تجلي الحق تعالى له عن تفرقة الغير روحانياً ونفسياً ملكياً وملكوتياً ولا يرى غير الله سبحانه لاختفاء جميع الأشياء في نور التوحيد كاختفاء النجوم عند إشراق الشمس اهـ. قوله: (رويناه في صحيحيهما) لكن رواية مسلم فيها شك إذ قال لأخيه أو جاره بخلاف رواية البخاري فإنه لا شك فيها ولفظ مسلم والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه أو قال لجاره ما يحب لنفسه ولفظ رواية أحمد لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير وهو مبين لمعنى حديث الصحيحين وإن المراد بنفي الإيمان نفي بلوغ حقيقته ونهايته فإنه كثيراً ما ينفي لانتفاء بعض أركانه وواجباته كنفيه عن الزاني والسارق وشارب الخمر في الحديث المشهور وذهب جمع من السلف إلى أن مرتكب الكبيرة

قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن اللهَ تَعالى طَيِّبٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ يسمى مؤمناً ناقص الإيمان وآخرون إلى أنه يقال له: مسلم لا مؤمن قيل وهو المختار ومقصود الحديث كما علم مما قررناه في معناه ائتلاف قلوب المؤمنين وانتظام أحوالهم وهذا هو قاعدة الإسلام الكبرى التي أوصى الله تعالى بها بقوله: {واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} وإيضاحه أن كل أحد إذا أحب لباقيهم أن يكونوا مثله في الخير أحسن إليهم وأمسك أذاه عنهم فيحبونه فنسري بذلك المحبة بين النّاس فيسري الخير بينهم ويرتفع الشر فتنتظم أمور معاشهم ومعادهم وتكون أحوالهم على غاية السداد ونهاية الاستقامة وهذا هو غاية المقصود من التكاليف الشرعية والأعمال البدنية والقلبية وهذا كله مما يتولد من سلامة الصدر من الغل والغش والحسد فإن الحسد يقتضي أن يكره الحاسد أن يفوقه أحد في خير أو يساويه فيه لأنه يحب أن يمتاز على النّاس بفضائله والإيمان يقتضي أن يشركوه كلهم فيما أعطي من الخير من غير أن ينقص عليه منه شيء، نعم ورد أنه لا حرج على من كره الامتياز بالجمال كما صح به الحديث عند الحاكم وغيره عن مالك بن مرارة يا رسول الله قد قسم لي من الجمال ما ترى فما أحب أحداً من النّاس فضلني بشراكين فما فوقهما أليس ذلك هو البغي فقال: لا ليس ذلك بالبغي ولكن البغي من بطر -أو قال سفه- الحق، ومن كمال الإيمان تمني مثل الفضائل الأخروية التي فاقه فيها غيره كما دلت عليه الأحاديث الشهيرة وأما قوله تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} فهو نهي عن الحسد عن تمني انتقال نعمة الغير إليه وما جاء عن الفضيل مما يقتضي أن الأكمل محبة أن تكون النّاس فوقه إنما هو من جهة أن هذا هو الأكمل في الدرجات للنصيحة وإلا فالمأمور به شرعاً إنما هو محبة أن يكونوا مثله ومع هذا فإذا فاقه أحد في فضيلة دينية اجتهد في لحاقه وحزن على تقصيره لا حسداً بل منافسة وغبطة ليزداد بذلك الاجتهاد في طلب الفضائل والازدياد منها والنظر لنفسه بعين النقص وينشأ من هذا أن يحب للمؤمنين أن يكونوا خيراً منه فإنه لا يرضى لهم أن يكونوا على مثل حاله. قوله: (إن الله تعالى طيب) أي طاهر منزه عن النقائص وكل وصف خلا عن الكمال المطلق أو طيب الثناء أو مستلذ الأسماء عند العارفين بها وعلى كل حال فهو

لا يَقْبَلُ إلاَّ طَيِّباً، ـــــــــــــــــــــــــــــ من أسمائه الحسنى لصحة الحديث به كالجميل قيل ومثلهما النظيف لحديث إن الله طيب يحب الطيب نظيف يحب النظافة جواد يحب الجود أخرجه الترمذي ورد بأن الحديث لم يصح إذ في إسناده مقال والطيب في الأصل الحسن الجيد مأخوذ من الطيب وهو اسم لما يتطيب به يطلق على طيب الرائحة والحال والظاهر. قوله: (لا يقبل إلا طيباً) أي لا يثيب إلا على ما علمه من الأعمال والأموال طيباً خالصاً من المفسدات كالرياء والعجب أو حلالاً سواء كان بالنسبة لعلمنا أم مشتبهاً أما الحرام عنده فلا يثيب عليه وإن كان حلالاً عندنا نعم القياس أن من تصدق بما يظنه حلالاً وهو حرام باطناً أنه يثاب عليه وإنما لم يقبل الصدقة بالمال الحرام لأنه تصرف وهو ممنوع من التصرف فيه لكونه ملكاً للغير فلو قبل منه لزم أن يكون مأموراً به منهياً عنه من جهة واحدة وهو محال وهذا معنى ما فهم من فحوى الحديث أن بين الطيب لذاته المقتضي للقبول والخبيث لذاته المقتضي لعدم القبول تضاداً يستحيل اجتماعهما ثم الصدقة بالمال الحرام إما أن تكون من نحو الغاصب عن نفسه فهذا هو المراد من الأحاديث الكثيرة في ذلك المصرحة بأنه لا يقبل منه ولا يؤجر عليه بل يأثم به ولا يحصل للمالك بذلك أجر على ما قاله جمع أو يكون على المالك إذا عجز عن رده إليه وإلى ورثته فهذا جائز عند أكثر العلماء فيكون نفعه له في الآخرة حيث تعذر عليه الانتفاع به في الدنيا. فائدة نفي القبول قد يؤذن بانتفاء الصحة كما في حديث لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ويفسر القبول حينئذٍ بأنه ترتب الغرض المطلوب من الشيء على الشيء وقد لا كما في الآبق ومن سخط عليها زوجها ويميز بين الاستعمالين بحسب الأدلة الخارجية أما القبول من حيث ذاته فلا يلزم من نفيه نفي الصحة وإن لزم من إثباته إثباتها وقال أهل الإشارات لا يقبل إلا طيباً أي لا ينبغي أن يتقرب إليه إلا بما يكون طاهراً حلالاً من خيار المال ولا يقبل إلا عبداً متحلياً بفضيلتي العلم والعمل نقياً من الشبهات نقياً من النجاسات سليماً قلبه من الآفات، ثم هذه الجملة توطئة وتأسيس لما هو المقصود بالذات من سياق هذا الحديث وهو

وَإنَّ الله تَعالى أمَرَ المُؤمِنِينَ بِما أمَرَ به المُرْسَلِينَ، فقالَ تَعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172] ـــــــــــــــــــــــــــــ طيب المطعم والمشرب المستلزم لحيازة الكمال المستلزم لإجابة الدعاء غالباً المشار إليه في قوله (وإن الله أمر المؤمنين الخ) أي سوى بينهم في الخطاب بوجوب أكل الحلال وفيه أن الأصل استواؤهم مع أممهم في الأحكام إلا ما قام الدليل على أنه مختص بهم. قوله: (يا أيها الرسل) هذا الخطاب والنداء ليس على ظاهره لأنهم أرسلوا في أزمنة مختلفة فالمراد الإعلام بأن كل رسول نودي ووصي في زمانه ليعتقد السامع أن ما نودوا به جميعاً حقيق بالأخذ والعمل به كذا في الكشاف لا يقال هذا فيه نفحة اعتزالية لأنهم لما لم يثبتوا قدم الكلام حملوا على ذلك لكن الحق أنه سبحانه متكلم في الأزل وإن لم يكن ثم مخاطب فالخطاب على ظاهره، لأنا نقول التعلق التنجيزي في حال القدم بأن يطلب من المكلف الفعل والفهم في حال القدم محال بالاتفاق والمراد بخطاب المعدوم التعلق العقلي وهو أن المعدوم الذي علم الله أنه سيوجد بشرائط التكليف يوجه إليه حكم في الأزل بما يفهمه ويعقله فيما لا يزال. قوله: {كُلُوا مِنْ الطَيِّبَاتِ} قدمه على ما بعده ليكون إشارة إلى أن العمل الصالح لا بد أن يكون مسبوقاً بأكل الحلال وهو ما يقرب العبد إلى الله. قوله: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} أي ملكناكم وقد أتي في بعض المواضع بمعنى نفعناكم وأسند الرزق إليه تحريضاً لهم على غاية احتياطهم حتى لا يأكلوا إلا الحلال المطلق الذي يستأهل أن يضاف إليه وأتى بمن المفيدة للتبعيض صيانة لهم وكفاً عن الإسراف، والطيبات جمع طيب وهو الحلال الخالص من الشبهة لأن الشرع طيبه لآكله وإن لم يستلذه وعن الشافعي أنه المستلذ أي شرعاً إلا فلذيذ الطعم غير المباح وبال وخسار فيكون طعاماً ذا غصة وعذاباً أليماً فهو بمعنى ما قبله خلافاً لمن فهم تغايراً بين التفسيرين نعم قد يراد بالطيب أخص من الحلال وهو المستلذ طبعاً ونحو ذلك {كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ

ثُمَّ ذَكرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعَثَ أْغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ: يا رب يا رب، ـــــــــــــــــــــــــــــ حَلَالًا طَيِّبًا} على أنه كما يحتمل ذلك يحتمل التأكيد لكن التأسيس خير منه وقد تشير هذه الآية إلى أن الحرام رزق على ما عليه أهل السنة خلافاً للمعتزلة ثم الأمر في الآية للإباحة أو للوجوب كما لو أشرف على الهلاك مجاعة أو للندب لموافقة المضيف قال سهل بن عبد الله أدب الأكل أن يكون حلالاً وهو ما لا يعصى الله فيه وصافياً وهو ما لا ينسى الله فيه وقواماً وهو ما يمسك النفس والعقل وأن يؤدى شكر النعم. قوله: (ثم ذكر الرجل) أي بعد ما سبق ذكره استطرد الكلام حتى ذكر الرجل الموصوف بأنه يطيل السفر. قوله: (يطيل) صفة الرجل لأن أل فيه جنسية وفيه إشارة إلى أن السفر بمجرده يقتضي إجابة الدعاء وقد تقدم في أذكار المسافر ما يشهد له ومنه حديث أبي داود والترمذي وابن ماجه ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد لولده، وإنما كان دعاؤه أقرب إلى الإجابة لأنه مظنة حصول انكسار النفس بطول الغربة عن الأوطان وتحتمل المشاق والانكسار من أعظم أسباب الإجابة. قوله: (أشعث أغبر) حالان مترادفان من فاعل يطيل أي متفرق الشعر مغبر الوجه من طول سفره في الطاعات ومع ذلك فلا يستجاب له لما يأتي فكيف بمن هو منهمك مع ذلك في الغفلة والعصيان وفيه إشارة إلى أن رثاثة الهيئة من أسباب الإجابة قال -صلى الله عليه وسلم-: "رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب" لو أقسم على الله لأبره ولأجل هذا ندب ذلك في الاستسقاء. قوله: (يمد يديه إلى السماء) حال من ضمير أشعث أي يرفعهما قائلاً (يا رب) أعطني كذا ففيه رفع اليدين في الدعاء وهو سنة في غير الصلاة والطواف وفي القنوت في الصلاة اتباعاً له -صلى الله عليه وسلم- ولأن في رفعهما إظهار شعار الذل والانكسار والإقرار بسيمة العجز والافتقار فإن عادة العرب رفعهما عند الخضوع في المسألة والمذلة بين يدي المسؤول قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله حي كريم يستحي من عبده أن يرفع إليه كفيه ثم يردهما صفراً خائبين" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وجاء أنه -صلى الله عليه وسلم- كان عند الرفع تارة يجعل بطون يديه إلى السماء وتارة يجعل ظهورهما إليه وحملوا الأول على الدعاء بحصول المطلوب أو دفع ما قد يقع من البلاء والثاني على

وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وملبسه حرامٌ وَغُذِيَ بالحَرَام، فأنَّى يُسْتَجابَ لِذلِكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الدعاء برفع ما قد وقع به من البلاء وجاء أيضاً أنه -صلى الله عليه وسلم- رفع يديه وجعل ظهورهما إلى جهة القبلة وهو مستقبلها وجعل بطونهما مما يلي وجهه وورد عكس هذه في الاستسقاء من فعله -صلى الله عليه وسلم- وحكمة رفعهما إلى السماء أنها قبلة الدعاء ومخزن الأرزاق ومعدن أسرار الخلائق ومصعد الأعمال ومعبد العمال ومحل الضياء والصفاء وفيه أيضاً الإشارة إلى عظمة جلال الله تعالى وكبريائه وأنه فوق كل موجود مكانة واستيلاء لا مكاناً وجهة، وفي قوله: يا رب إشارة إلى أن الدعاء بهذا اللفظ مؤثر في الإجابة لإيذانه بالاعتراف بأن وجوده فائض عن تربيته وإحسانه وجوده وامتنانه ولذا كان غالب أدعية القرآن مفتتحاً بذكر الرب وفي تكرير ذلك إشارة إلى أن من أسباب الإجابة بل من أعظمها الإلحاح على الله تعالى بثناء حسن وذكر فضل كرمه وعظيم ربوبيته أخرج البزار مرفوعاً إذا قال العبد: يا رب أربعاً قال الله تعالى: "لبيك عبدي سل تعطه" وأخرج الطبراني وغيره أن قوماً شكوا إليه -صلى الله عليه وسلم- قحوط المطر فقال: "اجثوا على الركب وقولوا يا رب يا رب" ففعلوا فسقوا وعن جعفر الصادق من حزبه أمر فقال خمس مرات ربنا نجاه الله مما يخاف وأعطاه ما أراد لأن الله تعالى حكى عنهم في آخر آل عمران أنهم قالوا خمساً ثم قال: فاستجاب لهم. قوله: (ومطعمه حرام) جملة حالية من فاعل قائلاً ومطعم ومشرب وملبس مصادر ميمية بمعنى المفعول. قوله: (وغذي) بضم أوله المعجم وكسر ثانيه المعجم المخفف. قوله: (فأنَّى يستجاب لذلك) أي فكيف أو من أين يستجاب لمن هذه صفته فهو استبعاد لإجابة دعائه مع قبيح ما هو متلبس به لأنه ليس أهلاً حينئذ لاتصافه بقبيح المخالفات وليس إحالة لإمكانها تفضلاً وإنعاماً فعلم أن اجتناب الحرام في كل ذلك شرط إجابة الدعاء وتناوله مانع لها غالباً وسره أن مبدأ إرادة الدعاء القلب ثم تفيض تلك الإرادة على اللسان فينطق به وتناول الحرام مفسد للقلب كما هو مدرك بالوجدان فيحرم الرقة والإخلاص ويصير عمله شبحاً بلا روح وبفساده يفسد البدن كله كما مر فيفسد الدعاء لأنه نتيجة فاسد أخرج الطبراني بسند فيه نظر أن سعد بن أبي وقاص

رويناه في "صحيح مسلم". التاسع: حديث "لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة" والذي نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يوماً وأيما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به، ومن ثم قيل له: لم تستجاب دعوتك من بين الصحابة قال: ما رفعت إلى فمي لقمة إلا وأنا أعلم من أين مجيئها ومن أين خرجت. قوله: (رواه مسلم) أي من رواية فضيل بن مرزوق وهو ثقة وسط وإن لم يخرج له البخاري ولا يقدح فيه قول الترمذي بعد تخريج الحديث حسن غريب وقد ذكر الذهبي فضيلاً هذا في جزئه فيمن تكلم فيه وهو موثق، وهذا الحديث أحد الأحاديث التي عليها قواعد الإسلام ومباني الأحكام وعليه العمدة وفي تناول الحلال وتجنب الحرام وما أعم نفعه وأعظمه ومما تضمنه بيان حكم الدعاء وشرطه الأهم ومانعه والدعاء كما ورد مخ العبادة لأن الداعي إنما يدعو الله عند انقطاع أمله مما سواه وهذا حقيقة التوحيد والإخلاص ولا عبادة فوقها فكان مخ العبادة من هذه الحيثية واستفيد من الحديث أن من أراد الدعاء أو عبادة أخرى لزمه الاعتناء بالحلال في جميع الأحوال من المأكل والملبس والمشرب وغير ذلك حتى يقبل دعاؤه وعبادته وإن المؤمن إنما يقبل منه إنفاق الطيب فيزكو وينمو ويبارك فيه. قوله: (لا ضرر ولا ضرار) بكسر أوله من ضره وضاره بمعنى وهو خلاف النفع كذا قاله الجوهري فالجمع بينهما هنا للتوكيد والمشهور أن بينهما فرقاً فقيل: الأول: إلحاق مفسدة بالغير مطلقاً والثاني: إلحاقها به على وجه المقابلة أي كل منهما يقصد ضرر صاحبه على جهة الاعتداء بالمثل والانتصار بالحق فالانتصار بالحق ليس بالاعتداء وتسميته بذلك في آية: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} من باب المشاركة والمقابلة وقيل: الضرر من واحد كالقتل والضرار من اثنين كالقتال وقال ابن حبيب عند أهل العربية: الضرر الاسم والضرار الفعل فمعنى الأول: لا تدخل على أخيك ضرراً لم تدخله على نفسك ومعنى الآخر: لا يضار أحد بأحد وهذا أقرب مما قبله وقيل الضرر أن يدخل على غيره ضرراً بما ينتفع هو به والضرار أن يدخل على غيره

رويناه في الموطأ مرسلاً، وفي سنن الدارقطني وغيره من طرق متصلاً، ـــــــــــــــــــــــــــــ ضرراً بما لا منفعة له به كمن منع ما لا يضره ويتضرر به الممنوع ورجح هذا طائفة منهم ابن عبد البر وابن الصلاح وقيل معنى الأول: ما لك فيه منفعة وعلى جارك فيه مضرة والثاني: ما لا منفعة لك وعلى جارك فيه مضرة وهذا مجرد تحكم بلا دليل وإن قال غير واحد إن هذا وجه حسن المعنى في الحديث وفي رواية ولا إضرار من أضر به إذا ألحق ضرراً وهو في معنى الضرر قال ابن الصلاح وهي على ألسنة كثير من الفقهاء والمحدثين ولا صحة لها ولذا أنكرها آخرون وانتصر لها بعضهم بأنها جاءت في بعض روايات ابن ماجه والدارقطني وفي بعض نسخ الموطأ قال وقد أثبتها بعضهم يقال: ضر وأضر بمعنى، وخبر لا محذوف أي في ديننا أو شريعتنا، وظاهر الحديث تحريم سائر أنواع الضرر إلا بدليل لأن النكرة في سياق النفي تعم فقصد الحكم بسلب الضرر من كل فرد فرد من أفراد الضرر عن كل مخلوق وفيه حذف ثان إذ أصله لا لحوق أو لا إلحاق أو لا فعل ضرر أو ضرار في ديننا أي لا لحوق له شرعاً إلا لموجب خاص لمخصص وقيدنا النفي بالشرع لأنه بحكم القدر الإلهي لا ينتفي واستثناء ما ذكر لأن الحدود والعقوبات ضرر وهو مشروع إجماعاً وإنما انتفى الضرر فيما عدا ما استثنى لقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} ونحو ذلك من النصوص المصرحة بوضع الدين على تحصيل النفع والمصلحة فلو لم يكن الضرر والإضرار منفيين شرعاً لزم وقوع الخلف في الأخبار الشرعية المذكورة وهو محال فكل ما جاء من النصوص من الآيات والأحاديث في تحريم الظلم دليل على تحريم الضرر لأنه نوع من الظلم فمعنى الحديث ما مر من نفي سائر أنواع المضار والمفاسد شرعاً إلا ما خصه الدليل وإن المصالح تراعى إثباتاً والمفاسد تراعى نفياً لأن الضرر هو المفسدة فإذا نفاها الشرع لزم إثبات النفع الذي هو المصلحة لأنهما نقيضان لا واسطة بينهما ولو فرض أن بعض الأدلة تضمن ضرراً فإن نفيناه بهذا الحديث كان عملاً بالدليلين وإلا كان تعطيلاً لهذا الحديث والجمع بين الأدلة في العمل بها أولى من تعطيل بعضها فلذا نقول باستثناء العقوبة على الجناية رعاية للمصلحة وعملاً بالدليلين. قوله: (رويناه في الموطأ مرسلاً الخ) قال المصنف في الأربعين

وهو حسن. ـــــــــــــــــــــــــــــ التي خرجها بعد تخريجه من حديث أبي سعيد الخدري: حديث حسن رواه ابن ماجه والدارقطني وغيرهما مسنداً ورواه مالك بن أنس في الموطأ مرسلاً عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فأسقط أبا سعيد وله طرق يقوي بعضها ببعض قال بعض الشراح رواه ابن ماجه من حديث ابن عباس وعبادة بن الصامت وفي إسنادهما ضعف وانقطاع قلت ورواه أحمد عن ابن عباس كما في الجامع الصغير. ورواه الدارقطني من طريق ضعيفة عن ابن عباس وأخرى كذلك عن عائشة وأخرى عن أبي هريرة رضي الله عنهم لكن مع شك فيهما ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه عليه الزين العراقي والبيهقي من حديث أبي سعيد والطبراني مرسلاً وابن عبد البر من طريق كثير بن عبد الله وكثير هذا يصحح حديثه الترمذي ويقول البخاري في بعض أحاديثه إنه أصح حديث في الباب وحسن حديثه الخزامي وقال هو خير مراسيل ابن المسيب وكذلك حسنه ابن أبي عاصم ورواه الإِمام مالك في الموطأ مرسلاً فأسقط أبا سعيد قال ابن عبد البر لم يختلف عن مالك في إرساله ولا يسند له من وجه صحيح أي عنه لما مر عن الحاكم ولما يأتي فعلم أن المرسل ما حذف من إسناده الصحابي وهذا عند المحدثين وأما عند الأصوليين فهو ما حذف منه أي راوٍ كان والمتصل ويقال فيه المسند الذي لم يحذف من إسناده أحد. قوله: (وهو حسن) أي لغيره قال المصنف في الأربعين كما تقدم وله طرق ضعيفة لكنه يقوي بعضها ببعض كما صرح به ابن الصلاح حيث قال: أسنده الدارقطني من وجوه متصلاً وقال حديث حسن وقال مرة أسنده من وجوه ومجموعها يقويه ويحسنه وقد نقله جماهير أهل العلم واحتجوا به فقد قال أبو داود الفقه يدور على خمسة أحاديث وعد هذا منها فهو عنده غير ضعيف اهـ. ملخصاً وممن استدل به أحمد وقال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا ضرر ولا ضرار" وقال البيهقي في بعض أحاديث كثير السابق إذا انضمت إلى غيرها من التي فيها ضعف قويت وبذلك علم أنه حسن لغيره لأن

العاشر: عن تميم الداري رضي الله عنه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدِّين النَّصيحةُ"، قلنا: لمن؟ قال: "لِلهِ وَلِكِتَابِهِ، ولِرَسُولِهِ، ولأئمة المُسْلِمِينَ، وعَامَّتِهِمْ" رويناه في "صحيح مسلم". الحادي عشر: عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما نَهَيتُكُمْ عَنْهُ فاجْتَنِبُوهُ، وَما أمَرْتُكُمْ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ما في بعض طرقه يجبر بغيره ويقوى فهو مرجح وعاضد إذ الحديث اللين أو الضعيف من جهة الضبط قد يقوى بالشواهد المنفصلة حتى يبلغ درجة ما يجب العمل به كالمجهول إذا وجد مزكياً صار عدلاً تقبل شهادته وروايته ثم ذلك الشاهد قد يكون قرآناً كأن يضعف الحديث فيوافقه ظاهر آية أو عموم فيقوى بها ويتعاضدان على صيرورتهما دليلاً وقد يكون سنة عن راوي ذلك الحديث أو غيره ومن الأمثال ضعيفان يغلبان قوياً، وكذا الأسانيد اللينة إذا اجتمعت حصل منها إسناد قوي، وتضعيف ابن حزم له وقوله فيه إنه واه مردود عليه لما علمت من مخالفته لاصطلاح أئمة الحديث واحتجاج العلماء به وجاء في بعض طرقه المسندة من طريق عمرو بن يحيى بعد لا ضرر ولا ضرار من ضار ضار الله به ومن شاق شاق الله عليه وفي رواية من ضار ضره الله ومن شاق شق الله عليه. قوله: (العاشر الخ) تقدم الكلام على ما يتعلق به متنا وتخريحاً في باب الحث على المشاورة. قوله: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه) أي دائماً على كل تقدير ما دام منهياً عنه حتماً في الحرام وندباً في المكروه إذ لا يمتثل مقتضى النهي لا يترك جميع جزئياته وإلا صدق عليه أنه عاص أو مخالف وأيضاً فترك المنهي عنه استصحاب حال عدمه أو الاستمرار على عدمه وليس في ذلك ما لا يستطاع الكف عنه وإن اتفق وجود صورة لا يستطاع الكف عنها فنادر لا يعول عليه وخرج بقولنا ما دام منهياً عنه نحو أكل الميتة للاضطرار وشرب الخمر لإساغة اللقمة أو لإكراه والتلفظ بكلمة الكفر لإكراه لعدم النهي عنها حينئذٍ والخطاب ليس بمختص بالمخاطبين إذ لم يقم دليل على التخصيص بل يعم الكل لحديث حكمي على الواحد حكمي على الجماعة والنهي طلب كف عن الفعل استعلاء واجتنب مطاوعٍ جنبه الشر إذا أبعده عنه وحقيقته جعله في جانب فيتعدى إلى

فافْعَلُوا مِنْهُ ما اسْتَطَعْتُمْ، فإنما أهْلَكَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مسائِلِهِمْ وَاخْتِلافُهُمْ عَلَى أنْبِيَائِهِمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ مفعولين لكن تنقص المطاوعة مفعولاً كذا في الكشاف. قوله: (ما استطعتم) أي أطقتم لأن فعله إخراج من العدم وذلك متوقف على شرط وأسباب كالقدرة على الفعل ونحو ذلك وبعض ذلك لا يستطاع فلا جرم سقط التكليف بما لا يستطاع منه قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} وتقدم بسط الكلام على هذه الجملة في الفصول أول الكتاب وهذا من جوامع كلمه -صلى الله عليه وسلم- ومن قواعد الإسلام المهمة، وبه أو بقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} يخص عموم قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} فإذا عجز عن ركن أو شرط لنحو وضوء أو صلاة أتى بالباقي أو عن غسل بعض العضو أو عن إزالة بعض المنكر أتى بالممكن وصحت عبادته مع وجوب القضاء تارة وعدمه أخرى كما هو مقرر في الفروع ويؤخذ من هذا القاعدة المشهورة أن درء المفاسد أولى من جلب المصالح فإذا تعارضت مصلحة ومفسدة قدم دفعها لأن اعتناء الشارع بالمنهيات أشد منه بالمأمورات كما علم مما تقرر ومن ثم سومح في ترك الواجب بأدنى مشقة كالقيام في فرض الصلاة ولم يسامح في الإقدام على منهي خصوصاً في الكبائر إلا إذا احتفت الضرورة وقد تراعي المصلحة لغلبتها على المفسدة ومنه الكذب للاصلاح إذ مصلحته حينئذٍ تزيد على مفسدته وهذا في الحقيقة يرجع إلى ارتكاب أخف المفسدتين. قوله: (فإنما أهلك الذين من قبلكم الخ) وجه تفرعه على ما قبله أن الأمر والنهي الصادرين منه -صلى الله عليه وسلم- لما كانا مظنة لكثرة السؤال عنهما هل يقتضيان التكرار مثلاً وكان في كثرته كثرة الجواب فضاهى ذلك قضية بني إسرائيل التي أمروا فيها بذبح بقرة فلم يبادروا إلى مقتضى اللفظ من ذبح أي بقرة كانت بل تعنتوا وشددوا على أنفسهم بكثرة السؤال فشدد الله عليهم بزيادة الأوصاف حتى لم يجدوا متصفاً بها إلا بقرة واحدة فشروها بملء جلدها ذهباً فخشي -صلى الله عليه وسلم- مثل ذلك فلذا قال: "إنما أهلك الذين من قبلكم" أي أوجب لهم العقوبة في الدنيا والآخرة. قوله: (كثرة مسائلهم واختلافهم) هو بالرفع لأنه أبلغ في ذم الاختلاف إذ لا يتقيد حينئذٍ بكثرة بخلافه

رويناه في "صحيحيهما". الثاني عشر: عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملتُه أحبني الله وأحبني النّاس؟ فقال: "ازْهَدْ في الدنيا ـــــــــــــــــــــــــــــ لو جر وقيل قوله: فإنما الخ علة لمحذوف تقدير الكلام لا تكثروا السؤال تعنتاً وتختلفوا علي فتهلكوا فإنما أهلك الخ واستفيد من الحديث تحريم الاختلاف وكثرة المسائل من غير ضرورة لأنه توعد عليه بالهلاك والوعيد علي الشيء دليل على تحريمه بل كونه كبيرة على الخلاف ووجهه في الاختلاف أنه سبب تفرق القلوب ووهن الدين كما جرى للخوارج حتى تبرأ بعضهم من بعض ووهن أمرهم وذلك حرام فسببه المؤدي إليه حرام وفي كثرة السؤال أنه من غير ضرورة مشعر بالتعنت ومفض إليه وهو حرام وقد نهى الشارع عن قيل وقال وكثرة السؤال أما من سأل لحاجة فهو مثاب قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} سيما إذا كان المسؤول من بحار الحقائق وينابيع العلوم الدقائق: وإن كنت لا بد مستشرباً ... فمن أعظم البحر تستشرب ومن هذا القبيل ما فعله فقهاء الحديث العالمون به من البحث عن معاني الكتاب والسنة وكلام الصحابة والتابعين ومسائل الحلال والحرام والزهد والدقائق مما فيه شفاء القلوب فالكلام في ذلك والسؤال عما هنالك لعموم الحاجة إليه وجزيل المنفعة فيه محمود جعلنا الله منهم بمنه فالحديث إشارة إلى اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما جاء به من الأحكام من غير معارضة ولا مدافعة إذ لم يغادر شيئاً يقرب إلى الله سبحانه إلا أمر به ولا شيئاً يبعد عنه إلا نهى عنه وهي أمور لا يرشد إليها العقل بمجرده إذ العقل لإقامة رسم العبودية لا لإدراك الربوبية بل تلك أسرار يكاشف بها من حضرة القدس الأصفى للنبي المصطفى -صلى الله عليه وسلم- لأنه اتصف بصفات الحق وتخلق بأخلاقه كما قيل: فذو العرش محمود وهذا محمد. قوله: (رويناه في صحيحيهما) وتقدم في كلام الحافظ في الفصول أول الكتاب أن الحديث أخرجه ابن حبان أيضاً بنحوه. قوله: (جاء رجل) لم أر تسمية

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا المبهم عند أحد من المتكلمين على هذا الحديث قاله ابن العز الحجازي وفي شرح الأربعين الرجل السائل لم يسم لكنه سأل الدلالة على عمل يكون له هاتان الخاصتان العظيمتان اللتان هما محبة الخالق الرازق ومحبة النّاس فأرشده إلى ذلك العمل معلم الخير -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "أزهد في الدنيا الخ" فقوله دلني أمر من الدلالة وهو الإرشاد أي ارشدني وتقدم في أول الكتاب معنى محبة الله وإنها ترجع إما لمعنى الإرادة أو لمعنى الكلام أو إلى صفة الفعل أي الإحسان والتفضل والجملة الشرطية صفة عمل ومحبة النّاس إرادة النفع، والزهد في الشيء لغة الإعراض عنه استقلالاً له واحتقاراً لشأنه ورفعاً للهم عنه وشرعاً ترك ما عدا الضروريات أي التي لا بد منها في قوام البدن من المباحات خوفاً من النار أو طمعاً في الجنة أو ترفعاً عن الالتفات إلى ما سوى الحق وهذا زهد الخواص العارفين بالله تعالى وهو المراد في الحديث على ما يظهر قال الشافعي: أيا نفس يكفيك طول الحيا ... ة إذا ما قنعت ورب الفلق رغيف بفوذنج يابس ... وماء روى ولباس خلق وحفش يكنك جدرانه ... فماذا العناء وماذا القلق ولا يكون ذلك إلا بعد انشراح الصدر بنور اليقين ويطلق الزهد على ترك الحرام وهذا زهد العوام وهو واجب دون ما قبله ويطلق على ترك الشبهات وتقدم الخلاف في وجوبه، ويطلق الزهد على معنى أدق من هذا وهو الإعراض عما سوى الله تعالى من دنيا وآخرة وجنة ونار وحال ومقام، ومقصد صاحبه هذا الوصول إلى الرب عزّ وجلّ والتقرب منه فليس مراده إلا وجه الله تعالى وهذا زهد المقربين وحكى الحارث المحاسبي فيما يزهد فيه من الدنيا خلافاً فقيل الدينار والدرهم وقيل المطعم والمشرب والملبس والمسكن وقيل الحياة، والوجه أنه كل لذة وشهوة ملائمة للنفس مما ذكر وغيره حتى الكلام بين مستمعين له ما لم يقصد به وجه الله تعالى وحاصل ما أرشد إليه -صلى الله عليه وسلم- الحث على التقليل من الدنيا وما فيها والترغيب في تركها ووعده على ذلك بحب الله

يُحِبَّكَ اللهُ، وَازْهَدْ فِيمَا عِنْدَ النّاسِ يُحِبَّكَ الناسُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ فكأنه قال: أعرض عما سوى ما لا بد لك منه من المباحات احتقاراً له وباعد نفسك بغضاً للدنيا لأن حبها رأس كل خطيئة ولأنها لهو ولعب وزينة وتفاخر وتكاثر في الأموال والأولاد والله لا يحب ذلك ولأن الله تعالى يحب من أطاعه ومحبته مع محبة الدنيا مما لا يجتمع كما دلت عليه النصوص والتجربة والتواتر ومن ثم ورد مرفوعاً حب الدنيا رأس كل خطيئة، ولأن القلب بيت الرب لا شريك له فلا يحب أن يشركه في بيته حب الدنيا ولا غيرها، ومحبتها الممنوعة هي إيثارها لنيل الشهوات واللذات لأن ذلك يشغل عن الله أما محبتها لفعل الخير والتقرب به إلى الله تعالى فمحمود كما يدل عليه الأحاديث كحديث نعم المال الصالح مع الرجل الصالح يصل به رحماً ويصنع به معروفاً ولذا عد عثمان وابن عوف من خزان الله في أرضه ينفقان المال في طاعته ومعاملتهما الله معلومة فاقتناء المال لذلك وإمساكه للتقرب به إلى الله تعالى مطلوب ومنهم من لا يمسكه اختياراً أو مع مجاهدة للنفس وفضل ابن السماك والجنيد الأول لتحقق يقينه بمقام السخاء والزهد وابن عطاء الثاني لأن له عملاً ومجاهدة ومنهم من لا يحصل له شيء من الفضول وهو زاهد في تحصيله مع القدرة أو بدونها والأول أفضل ولذا قال كثير من السلف إن عمر بن عبد العزيز كان أزهد من أويس واختلف العلماء أي أفضل طلبها لفعل الخير أو تركها فرجحت طائفة الأول والأخرى الثاني، ثم إن رفضت الدنيا على هذا الوجه المطلوب رفضها عليه (يحبك الله) وهو بفتح آخره لأنه لما كان مجزوماً جواباً لأزهد وأريد إدغامه سكنت باؤه الأولى بنقل حركتها إلى الساكن قبلها فاجتمع ساكنان فحركت الثانية بالفتح تخفيفاً وقيل إنه مرفوع على الاستئناف وفيه إشارة إلى أن الزهد من المقامات العلية لأنه جعل سبباً لمحبة الله تعالى ومفهومه أن محبة الدنيا سبب لبغضه والورع أعلى منه لأنه تطهير القلب عن دنس التعلق بالحرام في الشريعة أو الطريقة أو الحقيقة. قوله: (وازهد فيما عند النّاس) أي من المال والجاه (يحبك النّاس) لأن قلوب غالبهم مجبولة مطبوعة على حبهما ومن نازع إنساناً في محبوبه كرهه وقلاه ومن لم

حديث حسن رويناه في كتاب ابن ماجه. ـــــــــــــــــــــــــــــ يعارضه أحبه واصطفاه ومن ثم قال إمامنا الشافعي رضي الله عنه: ومن يذق الدنيا فإني طعمتها ... وسيق إلينا عذبها وعذابها وما هي إلا جيفة مستحيلة ... عليها كلاب همهن اجتذابها فإن تجتنبها كنت سلماً لأهلها ... وإن تجتذبها نازعتك كلابها قال الفضيل بن عياض جعل الشركاء في بيت وجعل مفتاحه حب الدنيا وجعل الخير كله في بيت وجعل مفتاحه الزهد فيها، قال بعضهم لا يبعد عندي أن الزاهد يحبه الإنس والجن المؤمن أخذاً بعموم لفظ النّاس فإنه يطلق على الإنس والجن أي على أحد القولين في ذلك وسأل ابن سلام كعباً بحضرة عمر بن الخطاب ما يذهب العلم من قلوب العلماء بعد أن حفظوه وعقلوه قال يذهبه الطمع وشره النفوس وتطلب الحاجات إلى النّاس قال: صدقت قال الشاعر: أنت ما استغنيت عن صا ... حبك الدهر أخوه وإذا احتجت إليه ... ساعة مجك فوه فمن سأل النّاس ما بأيديهم كرهوه وأبغضوه لأن المال محبوب لنفوسهم بل لا أحب إليها منه ومن طلب محبوبك منك كرهته وأما من زهد فيما في أيديهم فإنه يحبونه ويكرمونه ويسوودونه كما قال أعرابي لأهل البصرة من سيدكم قالوا: الحسن قال: بم سادكم قالوا: احتاج النّاس إلى علمه واستغنى عن دنياهم فقال: ما أحسن هذا. قوله: (حديث حسن) أي لغيره كما يعلم مما يأتي (رواه ابن ماجه) وقال السخاوي في تخريجه للأربعين الحديث بعد تخريجه حديث حسن غريب أخرجه الطبراني في معجمه الكبير ورواه ابن ماجه وابن حبان في روضة العقلاء له والحاكم في الرقائق من مستدركه وأخرجه العقيلي في الضعفاء عن البغوي ومن طريق البغوي أخرجه البيهقي في شعب الإيمان والقضاعي في مسند الشهاب وقال الحاكم إنه صحيح الإسناد ومدار الحديث عندهم على خالد بن عمرو القرشي وأخرجه السخاوي من طريق محمد بن كثير المصيصي أيضاً كلاهما واعترض تصحيح الحاكم بأن خالداً مجمع على تركه ضعفه أحمد وابن معين والبخاري وأبو زرعة وأبو حاتم وأبو داود والنسائي

الثالث عشر: عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ـــــــــــــــــــــــــــــ وآخرون بل نسبه أحمد وابن عدي إلى وضع الحديث وقال السخاوي بعد كلام نقله عن شيخه الحافظ الظاهر أن الحديث الذي أوردناه يعني حديث سهل لا يصح ولا يطلق على إسناده أنه حسن وكأنه أشار بذلك إلى صنيع شيخه الحافظ العراقي فإنه حسنه في أماليه بل وحسنه من قبله الشيخ ويساعد الحافظ قول أبي جعفر العقيلي ليس للحديث من حديث سفيان الثوري أصل ولعل ابن كثير المصيصي أخذه عن خالد ودلسه لأن المشهور به خالد كذا قال وقد خالفه الخطيب فإنه قال وتابعه أبو قتادة ومهران بن أبي عمر الرازي يعني المضعفين أيضاً فروياه عن الثوري قال: وأشهرها ابن كثير لكن وافقه ابن عدي على أنه منكر من حديث الثوري قال: وقد رواه زافر يعني ابن سليمان عن محمد بن عيينة أخي سفيان عن أبي حازم فقال: عن ابن عمر بدل سهل وكل من زافر وشيخه ضعيف، ورواه أبو نعيم في الحلية من حديث أنس أن رجلاً أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: دلني على عمل إذا أنا عملته أحبني الله عزّ وجلّ وأحبني النّاس عليه فقال -صلى الله عليه وسلم-: "ازهد في الدنيا يحبك الله" وأما النّاس فانبذ إليهم هذا يحبونك ورجاله ثقات لكن في سماع مجاهد من أنس نظر وقد قال أبو نعيم عقبيه ذكر أنس فيه وهم من أحد راويه وذكرهما قال: وقد رواه الأثبات من طريق آخر عن الحسن بن الربيع أحد رواته فلم يجاوزوا مجاهداً ورواه أيضاً عن ربعي بن خراش عن الربيع بن خيثم قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر مثله وكذا رواه ابن زبر في مسند إبراهيم بن أدهم له من طريق إبراهيم عن ربعي بن خراش ولم يذكر الربيع بن خيثم ولفظه وأما العمل الذي يحبك النّاس عليه فانظر هذا الحطام فانبذه إليهم ورواه أبو نعيم في الحلية أيضاً من طريق آخر وقال فيها عن أرطاة بن المنذر قال جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر بنحوه وأخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا له من طريق آخر ولم يذكر فيه أرطاة وقال بعد ذكر طرق أخرى

"لا يَحِلُّ دَمُ امْرِيءٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ الله وأنِّي رَسُولُ الله إلاَّ بإحْدَى ثَلاث: الثَّيِّبُ الزَّاني، ـــــــــــــــــــــــــــــ في بعضها انظر ما في يدك من هذا الحطام فانبذه إليهم فإنهم يحبونك وقد أشار إلى هذه أبو نعيم قال وهو من حديث منصور أي عن ربعي وعن مجاهد أي الراوي عن أنس عزيز ومشهوره ما رواه الثوري عن أبي حازم عن سهل يعني الأول اهـ. وحاصل ما يوميء إليه كلامه أن الحديث ليس أحد نوعي المقبول لضعف راويه المذكور وقال ابن حجر الهيتمي يجاب بأن ذلك الراوي يعني خالداً ذكره ابن حبان في كتاب الثقات ولو سلم أنه ضعيف فلم ينفرد به بل رواه آخرون غيره فالتحسين إنما جاء من ذلك وإن قيل إن هؤلاء كلهم ضعفاء إذ غاية الأمر أنه حسن لغيره لا لذاته وكلاهما يحتج به بل بعض رواته هؤلاء وثقه كثيرون من الحفاظ اهـ. ثم هذا الحديث أحد الأربعة التي عليها مدار الإسلام وقد مر مستوفى. قوله: (لا يحل دم امرئ مسلم) أي لا يجوز فلا ينافي وجوب القتل بإحدى الثلاثة المذكورة في الخبر لأن الجائز يصدق بالواجب أو يقال الإباحة فيما ذكر بالنسبة لتحريم قتل غيرهم وإن كان قتل من ذكر واجباً في الحكم ودم أصله دمي وهو على تقدير مضاف أي لا يحل إراقته وهذا المعنى متضح عرفاً فلا إجمال فيه وهو كناية عن قتله وإن لم يرق دمه وقد جاء عند النسائي لا يحل قتل مسلم إلا في إحدى ثلاث خصال الخ وامرؤ يقال فيه بحذف الهمزة وهو للذكر وخص بالذكر هنا وفي نظائره لشرفه وأصالته وغلبة دوران الأحكام عليه وإلا فالأنثى كذلك من حيث الحكم بعد قوله مسلم. وقوله: (يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله) صفة كاشفة وخرج به الكافر الحربي فيحل دمه مطلقاً لكن إن كان بالغاً عاقلاً لأنه لا شيء يخرجه عما اقتضاه هذا المفهوم بخلاف الذمي. وقوله: (إلا بإحدى ثلاث) أي بإحدى خصال ثلاث فيجب على الإِمام القتل بها لما فيه من المصلحة العامة وهي حفظ النفوس والأنساب والأديان ووقع عند مسلم في رواية لا ثلاثة. قوله: (الثيب الزاني) أي خصلته المفهومة من السياق

والنَّفْسُ بالنَّفْسِ، والتَّارِكُ لِدِينِهِ المُفارِقُ لِلجَماعَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهي زناه لتعذر إبداله مما قبله بدون هذا التقدير وكذا يقدر فيما بعده قال الكازروني يجوز في هذه الكلمات الرفع على الخبر لمبتدأ محذوف والنصب على المفعولية لفعل محذوف والخفض على أنه عطف بيان لكن الرواية على الأول اهـ. والمراد من الثيب المحصن وهو المكلف الحر البالغ العاقل الواطئ (أو) الموطوءة في القبل في نكاح صحيح وإن حرم لنحو عدة شبهة فإذا زنى أي أولج (أو أولج) فيه حشفة آدمي أو قدرها في قبل حرام لعينه مشتهى طبعاً خال عن شبهة الفاعل والمحل والطريق ووطء الدبر كالقبل بل أغلظ لكن حد المفعول به غير حليلة الفاعل الجلد والتغريب ولو محصناً لأنه لا يتصور الإحصان المشترط في الرجم في الدبر المفعول به والمراد من حل دم المحصن الزاني أنه يجب رجمه بالحجارة حتى يموت ولا يجوز قتله بغير ذلك إجماعاً ثم الزاني بإثبات الياء ووقع عند مسلم في نسخة بحذفها قال المصنف وهي لغة صحيحة قريء بها في السبع وإن كان الأشهر في اللغة الياء. قوله: (والنفس بالنفس) أي قتل النفس قصاصاً بالنفس أي قتلها عمداً عدواناً بشرطه المقرر في الحرية عند مالك والشافعي وأحمد وذهب أهل الرأي إلى أن المسلم يقتل بالذمي وأن الحر يقتل بالعبد وقد يستدلون بهذا الحديث والجمهور على خلاف ذلك وهذا مخصوص بولي الدم فلو قتله غيره لزمه القصاص والنفس تذكر وتؤنث. قوله: (والتارك لدينه) أي الإسلام -لأن الكلام في المسلم على أن في رواية لمسلم التارك للإسلام- بالردة قولاً له كان أو فعلاً أو اعتقاداً فيجب قتله إن لم يتب والخبر غير متناول لانتقال الكافر من ملة إلى أخرى لأن الكلام في المسلم ومن ثم كان الأصح عندنا أنه لا يقتل بذلك بل يبلغ مأمنه ثم يصير كحربي إن ظفر نابه قتلناه إن لم يسلم أو يبذل جزية وافهم الخبر قتل المرتدة كالمرتد وهو مذهب الشافعي وكثيرين ويصرح به خبر من بدل دينه فاقتلوه ودعوى تخصيصه بغيرها لا دليل عليها ولا تقبل. وقوله: (المفارق للجماعة) أي المعهودين أي جماعة المسلمين وفراقه إما بنحو بدعة كالخوارج المتعرضين لنا (أو) الممتنعين من إقامة الحق عليهم المقاتلين عليه وإما بنحو بغي أو حرابة أو صيال أو عدم ظهور شعار الجماعة في الفرائض فكل هؤلاء تحل دماؤهم بمقاتلتهم من

رويناه في "صحيحيهما". الرابع عشر: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ـــــــــــــــــــــــــــــ أجل أنهم تركوا دينهم كالمرتد لكن يفارقونه بأنه بدل كل الدين وهؤلاء بدلوا بعضه وإن كان كل منه ومنهم مفارقاً للجماعة فعلم أن بين ترك الدين من أصله ومفارقة الجماعة عموماً وخصوصاً مطلقاً إذ يلزم من الأول الثاني ولا عكس وبين تركه لا من أصله ومفارقة الجماعة التساوي لأنه يلزم من أحدهما الآخر وإن هذا القسم الثالث أعني التارك لدينه المفارق للجماعة باعتبار ما قررناه فيه شامل لما عدا القسمين الأولين من كل من جاز قتله كتارك الصلاة أو قتاله شرعاً وأن الحصر في الحديث حقيقي إذ لا يشذ منه شيء بملاحظة ما قررناه فاستفده وبه رد على من زعم أن الحصر غير حقيقي، ثم قوله التارك لدينه المفارق للجماعة لفظ مسلم ووقع عند أبي داود أحد رواة صحيح البخاري المفارق لدينه التارك للجماعة وعندنا في رواية الآتي ذكرهم والمارق لدينه قال الطيبي هو التارك له من المروق وهو الخروج ووقع في بعض رواياته المارق من الدين وثم قوله المفارق للجماعة صفة للتارك ولو جعلت صفة مستقلة لصارت الخصال أربعاً كما قاله الحافظ في الفتح، ثم لام لدينه وما بعده مزيدة للتأكيد والتقوية لتعدي ترك وفارق ونحو اسم فاعلهما إلى المفعول بلا واسطة واستثناء الأولين من المسلم ظاهر لأنهما حيث لم يستحلا لا ينافيان الإسلام واستثناء الثالث المزيل للإسلام منه إنما هو باعتبار أنه كان مسلماً قبل ففيه الجمع بين حقيقة ومجاز وهو جائز وقبلت توبته خلافاً لجمع دونهما لأن قتلهما لجريمة مضت فلا يمكن تلافيها بخلافه فإنه لوصف قائم به حالاً وهو تركه لدينه فبعوده إليه انتفى ذلك الوصف. قوله: (رواه البخاري ومسلم) قال القلقشندي في شرح العمدة وأخرجه أحمد وأصحاب السنن الأربعة والطبراني والإسماعيلي وأبو عوانة والبرقاني وأبو نعيم والبيهقي والبغوي وغيرهم ولفظ النسائي لا يحل قتل مسلم إلا في إحدى ثلاث خصال رجل محصن ورجل يقتل مسلماً متعمداً ورجل يخرج من الإسلام فيحارب الله ورسوله فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض اهـ. والحديث من القواعد الخطيرة

-صلى الله عليه وسلم- قال: "أمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حتى يَشْهَدُوا أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ لتعلقه بأخطر الأشياء وهو الدماء وبيان ما يحل منها وما لا يحل وأن الأصل فيها العصمة وهو كذلك عقلاً لأنه مجبول على محبة بقاء الصور الإنسانية المخلوقة في أحسن تقويم وشرعاً وهو ظاهر ولو لم يكن من وعيد القاتل إلا قوله -صلى الله عليه وسلم- من أعان على قتل مسلم (ولو بشطر) كلمة لقي الله مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله وقد أجمع المسلمون على القتل بكل واحدة من هذه الخصال الثلاث وسيأتي في شرح الحديث بعد أن هذا الحديث مبين لحق الإسلام المذكور فيه وأن العصمة الثابتة فيه إنما تراعى ما دامت لم تهتك وهتكها إنما يتحقق بأحد هذه الثلاثة المذكورة في هذا الحديث. قوله: (أمرت) أي أمرني الله عزّ وجلّ إذ ليس فوق رتبته -صلى الله عليه وسلم- من يأمره سوى الله عزّ وجلّ ومن ثم لم يأت فيه الاحتمال في قول الصحابي أمرنا أو نهينا لأن فوقه من يمكن إضافة الأمر إليه غير النبي -صلى الله عليه وسلم- من نحو خليفة ومعلم ووالد ورئيس لكن لما بعد هذا وكان الظاهر من حال الصحابي أنه لا يطلق ذلك إلا إذا كان الآمر أو الناهي هو النبي -صلى الله عليه وسلم- كان الاصح أن له حكم المرفوع وحذف الفاعل هنا تعظيماً من قولهم أمرنا بكذا ولا يذكرون الآمر تعظيماً. قوله: (أن أقاتل النّاس) أي بأن، لأن الأصل في أمر أن يتعدى للثاني بحرف الجر وتعديه إليه بنفسه كقوله أمرتك الخير قليل والمراد بالناس هنا عبدة الأوثان دون أهل الكتاب لأنهم يقولون: لا إله إلا الله، ثم يقاتلون ولا يرفع عنهم السيف حتى يقروا بالشهادتين قاله الخطابي لكنه إنما يجيء على رواية أبي هريرة لاقتصارها على لا إله إلا الله أما على رواية ابن عمر فالمراد بهم جميع الكفار وتاركو الصلاة أو الزكاة وإن كانوا مسلمين كما دل عليه الحديث ويأتي موضحاً في شرحه فتخصيص جمع النّاس هنا بما قاله الخطابي وهم لما عرفت وإنما لم يدخل الجن مع أن لفظ النّاس قد يشملهم كما قاله الجوهري ورسالته -صلى الله عليه وسلم- عامة لهم إجماعاً لأنه لم يرد أنه -صلى الله عليه وسلم- قاتل نوعاَ منهم داعياً لهم للتوحيد كما فعل ذلك بالإنس وإنما الذي جاء أن جماعة منهم كجن نصيبين وغيرهم أسلموا على يديه -صلى الله عليه وسلم- من غير قتال. قوله: (حتى يشهدوا الخ) صريحه أن الآتي بالشهادتين مؤمن حقاً وإن كان عن تقليد قال المصنف وهو مذهب المحققين والجماهير من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ السلف والخلف واشتراط تعلم أدلة المتكلمين ومعرفة الله بها وإلا لم يكن من أهل القبلة خطأ ظاهر فإن المراد التصديق الجازم وقد حصل ولأنه -صلى الله عليه وسلم- اكتفى بالتصديق بما جاء به ولم يشترط المعرفة بالدليل وقد تظاهرت بهذا أحاديث في الصحيح فحصل بمجموعها التواتر والعلم القطعي اهـ. وظاهر الحديث أنه لا بد في الإسلام من لفظ أشهد بأن يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله فلو قال أعلم بدل أشهد أو أسقطهما فقال: لا إله إلا الله الخ لم يكن مسلماً وهو ما اعتمده بعض المتأخرين منا ويؤيده أن الشارع تعبد بلفظ أشهد في أداء الشهادة فلا يكفي أعلم ونحوها وإن رادفت أشهد أي في إفادة مطلق العلم لا مطلقاً لأن الشهادة أخص منه فكل شهادة علم ولا عكس واستدل له بكلام الروضة في الكفارة لكن رواية حتى يقولوا الخ ظاهرة في عدم اشتراط لفظ أشهد وأن المراد به في أحاديثه يقول ولم يعكس لأن حمل أشهد على يقول فيه قرينة خارجية هي أن هذه الكلمة تسمى كلمة الشهادة وإن أسقط منها لفظ أشهد وحمل يقول على أشهد لا قرينة عليه خارجة وأيضاً فالاحتياط للمشهود به المبني على المشاحة غالباً ثم اقتضى تضييق طرفه والاقتصار به على الوارد والاحتياط للدخول في الإسلام والعصمة المتشوف إليها الشارع اقتضى توسعة طرقه فعملنا بالاحتياط المذكور في البابين وكلام الروضة في الإيمان يقتضي عدم الاشتراط ويؤيده اكتفاؤهم في حق من لم يدن بشيء بآمنت -وكذا بأو من إن لم يرد به الوعد- بالله أو أسلمت بالله أو الله خالقي أو ربي ثم يأتي بالشهادة الأخرى فإذا اكتفوا بنحو الله خالقي مع أنه لا شيء فيه من الوارد نظراً للمعنى دون اللفظ فأولى الاكتفاء بلا إله إلا الله الخ كما هو واضح لأنه وجد فيه لفظ الوارد نظراً لرواية يقولوا ومعناه فعلم أنهم لم يتعبدوا هنا بلفظ الوارد فيكفي بدل إله باريء أو رحمن أو رزاق وبدل الله محيي أو مميت إن لم يكن طبائعياً أو أحد تلك الثلاثة أو من في السماء دون ساكن السماء أو من آمن به المسلمون وبدل محمد أحمد وأبو القاسم وبدل لا غير وسوى وعدا وبدل رسول نبي ولبعض أئمتنا رأي ثالث هو اشتراط أشهد أو مرادفها كما علم اهـ. وهذا الخلاف الذي أشار إليه الشيخ

وأن مُحَمَداً رَسولُ اللهِ، ويُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤتُوا الزَّكاةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بقوله فيما مضى في باب ما يكره استعماله من الألفاظ إذا قالها أي قال الكافر كلمتي الشهادة ابتداء لا حكاية ولا باستدعاء فالمذهب الصحيح المشهور أنه يصير مسلماً أي بناء على رواية حتى يقولوا الخ وقيل لا يصير بناء على اعتبار لفظ أشهد كما يشير إليه حديث الباب أو على اعتباره أو اعتبار مرادفه والله أعلم، ثم يشترط ترتيب الشهادتين وإن لم يقتضه الوارد فلا صح الإيمان بالنبي قبل الإيمان بالله نعم لا تشترط الموالاة ولا العربية وإن أحسنها وأنه لا بد من مجموعهما في الإسلام فلا يكفي أحدهما خلافاً لما شذ به بعض أصحابنا الشافعية أنه يكفي لا إله إلا الله وحدها وأنه لا يشترط زيادة عليها وهي البراءة من كل دين مخالف الإسلام ومحله إن أنكر أصل نبينا - صلى الله عليه وسلم - فإن خصصها بالعرب اشترط زيادة إقراره بعمومها ويزيد حتماً من كفر بإنكاره معلوماً من الدين بالضرورة اعترافه بما كفر بإنكاره أو التبري من كل ما خالف دين الإسلام، والمشرك وكفرت بما كنت أشركت به، والمشبه البراءة من التشبيه ما لم يعلم مجيء محمد - صلى الله عليه وسلم - بنفيه. قوله: (ويقيموا الصلاة) أي الإتيان بها مع المحافظة على أركانها وشروطها أو على مكملاتها أو المداومة عليها فيقيم من التقويم والتعديل أو من الإقامة أي الملازمة والاستمرار أو التشمير والنهوض وحمله على يقوم إليها أو يقيم من الإقامة أخت الأذان بعيد لغة ومعنى، وفي الحديث دليل لقتل تاركها غير الجاحد وهو ما عليه أكثر العلماء لأنه غلب الأمر بالقتال بفعلها فمن لم يفعلها فهو مقاتل وجوباً ويلزم من قتاله قتله غالباً أو احتمالاً فدل على جواز بل وجوب قتله وسياق الحديث وإن كان في الكافر لكن المسلم أولى منه بذلك لأنه تركها مع اعتقاده وجوبها بخلاف الكافر ولذا قضى المرتد بعد إسلامه ما فاته زمن ردته بخلاف الكافر الأصلي، وأيضاً الغاية هنا في معنى الشرط وحينئذٍ فكف القتال مشروط بالشهادتين وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والمشروط ينتفي بانتفاء أحد شروطه فإذا انتفي فعل الصلاة وجد القتال المقتضي لجواز بل وجوب القتل كما ذكر. قوله: (ويؤتوا الزكاة) أي إلى مستحقيها ومثلها في قتال الممتنعين منها بقية شرائع الإسلام وإنما لم يقل بأن تاركها يقتل

فإذَا فَعَلُوا ذلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِماءَهُمْ وَأمْوَالَهُمْ إلاَّ بِحَقِّ الإسلامِ، وحِسابُهُمْ عَلى الله تَعالى" رويناه في "صحيحيهما". الخامس عشر: عن ابن عمر رضي ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن قال به جمع لأنه إذا امتنع أمكن تخليصها منه بالقتال وإلا أمكن تخليصها بلا قتال فلم يجز القتل هنا حينئذٍ إذ لا ضرورة إليه بخلافه في تارك الصلاة لأنه إذا امتنع لم يمكن استيفاؤها منه فغلظت عقوبته ما لم يتب بأن يصلي. قوله: (فإذا فعلوا ذلك) أي المذكور جميعه أي أتوا به قولاً وهو الشهادتان أو قولاً وفعلاً وهو الصلاة أو فعلاً محضاً وهو الزكاة والمقام لأن الشرطية لأن فعلهم متوقع لكن آثر إذا عليها لأنه علم إجابة بعضهم فغلبهم لشرفهم أو تفاؤلاً نحو غفر الله لك. وقوله: (عصموا) أي منعوا وحفظوا (مني دماءهم وأموالهم) وهي كل ما صح إيراد نحو البيع عليه وأريد به هنا ما هو أعم من ذلك حتى يشمل الاختصاصات أي فلا يتعرض لهما حينئذٍ بسبب من الأسباب (إلا بحق الإسلام) فلا يعصم حينئذٍ دمه وماله وفسر هذا الحق في حديث بأنه زنى بعد إحصان أو كفر بعد إيمان أو قتل النفس التي حرم الله وقضيته أن الزاني والقاتل تباح أموالهما وليس مراداً فكأنه غلب الكافر عليهما، وبه يرد على من قال فيه دليل على كفر تارك الصلاة لأن مفهومه أنهم إذا لم يفعلوا ذلك لم يعصموا مني دماءهم وأموالهم بحق الكفر لأن حق الإسلام ذكر بعد إلا وما بعدها يخالف ما قبلها اهـ. على أنه يلزم عليه كفر تارك الزكاة وهو ضعيف جداً وأيضاً فلا يحتاج لهذا التكلف لو سلمت صحته لما في حديث مسلم من التصريح بكفر تارك الصلاة لكن حمله الجمهور على المستحل ثم الحكم عليهم بما ذكر إنما هو باعتبار الظاهر وأما باعتبار البواطن والسرائر فأمرهم ليس إلى الخلق إذ (حسابهم) أي حساب بواطنهم وسرائرهم (على الله) إذ هو المطلع وحده على ما فيها من إيمان وكفر ونفاق وغير ذلك فمن أخلص في إيمانه جازاه جزاء المخلصين ومن لا أجري عليه في الدنيا أحكام المسلمين وكان في الآخرة من أسوأ الكافرين. قوله: (رويناه له في صحيحيهما) لكن هذا اللفظ جميعه للبخاري وعند مسلم ما عدا قوله إلا بحق الإسلام وعجيب من المصنف مع شدة تحقيقه وحفظه كيف أوهم أن كلاً من الشيخين خرجه

الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بُنِيَ الإسْلامُ على خَمْسٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ جميعه كذا في شرح الأربعين لابن حجر ورويا عن أبي هريرة مرفوعاً أمرت أن أقاتل النّاس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وفي رواية حتى يقولوا: لا إله إلا الله فمن قال: لا إله إلا الله عصم مني الخ وأخرجه مسلم عن جابر بهذا اللفظ وزاد ثم قرأ {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} وأخرج مسلم من حديث أنس أمرت أن أقاتل المشركين حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن يستقبلوا قبلتنا وأن يأكلوا ذبيحتنا فإذا فعلوا ذلك حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، ثم حديث الباب حديث عظيم مشتمل من قواعد الدين على مهماتها كما ظهر مما تقرر في شرحه ومما يأتي أيضاً، وفيه بيان واضح لأن للإيمان أجزاء وشعباً منها ما هو فرض على كل مكلف في كل حال وهو الأول أو في بعضها وهو الثاني وما هو فرض على بعض الآدميين ولو غير مكلف وهو الثالث والمراد بوجوبها على غير المكلف وجوبها في ماله والمخاطب بإخراجها فوراً وليه وإن منعه الإِمام واستفيد من تلك الثلاثة أنه يلحق بكل واحدة منها في كونه جزءاً وشعبة من الإيمان ما هو في معناه وسكت في الحديث كحديثي أنس وأبي هريرة عن ذكر الصوم والحج مع أنهما مذكوران في حديثي جبريل وابن عمر الآتيين فيحتمل أن هذه الثلاثة الأحاديث كانت قبل فرضهما وحينئذٍ فيستفاد من ذينك الحديثين ضم الصوم والحج إلى ما في هذه الأحاديث فيعطيان حكمه من المقاتلة عليهما والعصمة بفعلهما على أن لك أن تقول إنهما داخلان في قوله في حديث أبي هريرة وبما جئت به فإنه شامل لذينك وغيرهما من جميع ما علم من دينه -صلى الله عليه وسلم- بالضرورة كما ذكره المصنف حيث قال بعد ذكر الثلاثة المذكورة في حديث الباب لا بد مع هذا من الإيمان بجميع ما جاء به -صلى الله عليه وسلم- كما في رواية أبي هريرة ويؤمنوا بما جئت به وبه يزول ذلك التكلف ويتضح الأمر. قوله: (بني الإسلام على خمس) الباء في الأصل موضوع للمحسوسات فاستعماله في المعاني مجاز علاقته المشابهة شبه الإسلام ببناء عظيم محكم وأركانه الآتية بقواعد ثابتة محكمة حاملة لذلك الباء فالتشبيه المضمر

شهَادَةِ أنْ لا إله إلاَّ اللهُ، وأنَّ مُحَمداً رَسُولُ الله، وَإقام الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضَانَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ في النفس استعارة مكنية وإثبات البناء له استعارة تخييلية وقال الكازروني فيه استعارة تمثيلية حالة شبهت الإسلام مع أركانه الخمس بحالة خباء أقيمت على خمسة أعمدة وقطبها الذي يدور عليه الأركان هو الشهادة وبقية شعبه بمنزلة الأوتاد فتكون مغايرة لهذه الأركان كمغايرة الخباء للأعمدة وقوله على خمس (أي) دعائم أو أركان أي على خمسة وهي خصاله المذكورة قيل المراد القواعد ولذا لم يلحقه التاء ولو أراد الأركان لألحقها وفيه نظر لأن المعدود إذا حذف يجوز حذف التاء نحو أربعة أشهر وعشراً من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال الحديث فلا دليل في الحذف على أن المراد واحد منهما نعم في رواية لمسلم خمسة وهي صريحة في إرادة الأركان وتقديره وصفاً أصوب من تقديره مضافاً لأن الموصوف إذا علم جاز حذفه بخلاف المضاف إليه ورواية خمس دعائم لا تعين ولا تقتضي أن المحذوف هو المضاف إليه. قوله: (شهادة) بالجر فيه وفيما بعده بدلاً من خمس أو عطف بيان وهو الأحسن ويجوز رفعه خبراً لمبتدأ محذوف أي أحدها أو مبتدأ أو خبره محذوف أي منها وهو أولى لإيثارهم حذفه على حذف المبتدأ لأن الخبر كالفضلة بالنسبة إليه ونصبه مفعولاً لأعني قال الكازروني لكن الرواية على الأول. قوله: (وإقام الصلاة) بحذف التاء من إقام لأن المضاف إليه عوض عنها قاله الزجاجي وقيل هما مصدران. قوله: (وإيتاء الزكاة) أي أهلها فحذف للعلم به ورتبت هذه الثلاثة هكذا في سائر الروايات لأنها وجبت كذلك إذ أول ما وجب الشهادتان ثم الصلاة ثم الزكاة قال بعضهم وفرضها سابق فرض الصوم السابق لفرض الحج اهـ. لكن قال بعض المتأخرين المطلعين على الفقه والحديث لم يتحرر لي وقت فرض الزكاة، أو تقديماً للأفضل فالأفضل والأوكد فالأوكد. قوله: (وحج البيت وصوم رمضان) فيه أن الشرع تعبد النّاس في أموالهم وأبدانهم فلذا كانت العبادة إما بدنية محضة كالصلاة أو مالية محضة كالزكاة أو مركبة منهما كالأخيرين لدخول التكفير بالمال فيهما وفي بعض الروايات تقديم الصيام على الحج وكلاهما

رويناه في "صحيحيهما". السادس عشر: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لادَّعَى رجالٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ قد صح عن ابن عمر مرفوعاً فالأظهر أنه سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم- مرتين مرة بتقديم الحج ومرة بتقديم الصيام فرواه ابن عمر بالوجهين في وقتين كما أشار إليه المصنف في شرح مسلم واستفيد من بناء الإسلام على ما مر مع ما هو معلوم أن البيت لا يثبت بدون دعائمه أن من تركها كلها فهو كافر وكذا من ترك الشهادتين إذ هما الأساس الكلي الحامل لجميع ذلك الباء أو لبقية تلك القواعد كما استفيد من أدلة أخرى بخلاف من ترك غيرهما فإنه إنما يخرج من كمال الإسلام بقدر ما ترك منها لبقاء الباء حينئذٍ ويدخل في الفسق لا في الكفر إلا إن جحد وجوبه وعليه حمل الأكثرون خبر مسلم بين الرجل وبين الشرك ترك الصلاة وخالف أحمد وآخرون فأخذوا بظاهره من كفر تاركها مطلقاً وبالغ إسحاق فقال عليه إجماع أهل العلم وأجرت طائفة ذلك في الأركان الثلاثة وهو رواية عن أحمد وبعض المالكية. قوله: (رويناه في صحيحيهما) فأخرجه البخاري في الإيمان والتفسير رباعياً وأخرجه مسلم في الإيمان والحج خماسياً وفي الجامع الصغير ورواه أحمد والترمذي والنسائي كلهم عن ابن عمر مرفوعاً وهو حديث عظيم أحد قواعد الإسلام وجامع الإسلام إذ فيه معرفة الدين وما يعتمد عليه ويجمع أركانه وكله منصوص عليه وهو داخل في ضمن حديث جبريل الآتي. قوله: (لو يعطى النَّاس بدعواهم) أي أموال النّاس ودماءهم فالمفعول الثاني محذوف بقرينة الجواب. وقوله: (لادعى رجال) جواب لو "وقوله بدعواهم" أي بمجرد الادعاء من غير تصديق المدعى عليه أو بينة المدعى متعلقة بأعطى فهي مفيدة لانتفاء الجواب في الخارج بسبب انتفاء الأول والرجال ذكور بني آدم أو البالغون منهم فإن قوبل بهم النساء أريد الأول أو الصبيان أريد الثاني ولا يختص ما نحن فيه بهم على كل من هذين وإنما ذكروا لأن ذلك من شأنهم فحسب ويؤيد ذلك رواية لادعى ناس قال الكازروني وإنما أورد صيغة الجمع إعلاماً بإقدام غير واحد من رجالهم على التداعي ونكرها لقصد الإشاعة، والقوم قيل يخص الرجال لقوله تعالى {لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ} فذكرهن دليل ظاهر على

أمْوالَ قَوْمٍ وَدِماءَهُمْ، لَكِنِ البَيِّنَةُ عَلى المُدَّعِي وَاليَمِينُ عَلى مَنْ أنْكَرَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أن القوم لم يشملهن وبه صرح زهير في قوله: وما أدري وسوف إخال أدري ... أقوم آل حصن أم نساء وقيل يعم الفريقين إذ هما المراد في نحو {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ} ورد بأن دخولهن هنا ليس لغة بل لقرينة نحو التكليف في الآية، وحكمة التعبير برجال ثم قوم بناء على أنه يعمهما أن الغالب في المدعي أن يكون رجلاً والمدعى عليه يكون رجلاً وامرأة فراعى في التغاير بينهما الغالب فيهما وعلى ترادفهما فالمغايرة للتفنن في العبارة، وقدمت الأموال على الدماء ذكراً في هذه الرواية مع أنها أعني الدماء أهم وأعظم خطراً ولذا ورد أنها أول ما يقضي بين النّاس فيه لأن الخصومات في الأموال أكثر إذ أخذها أيسر وامتداد الأيدي إليها أسهل ومن ثم ترى العصاة بالتعدي فيها أضعاف العصاة بالقتل. قوله: (لكن البينة الخ) لكن هنا وإن لم تأت لفظاً على بابها من وقوعها بين نفي وإثبات حتى يصح معنى الاستدراك الذي هو مؤداها جارية عليه تقديراً إذ المعنى لا يعطي النّاس بدعواهم المجردة لكن بالبينة وهي على المدعي واليمين وهي على المنكر والبينة فيعلة من البينونة أو البيان وهي ما تثبت به الدعوى سميت بذلك باعتبار إفادته البيان وباعتبار أنه يغلب على الخصم يسمى حجة والمدعي هو من يذكر أمراً خفياً يخالف الظاهر ولذا جعلت البينة عليه لأنها أقوى من اليمين لينجبر ضعف قوة حجته والمدعى عليه عكسه فصدق بيمينه لقوة جانبه إلا في القسامة فإنه يحلف المدعي خمسين يميناً وينكر فيها المدعى عليه وهي عبارة عن الإيمان التي يقع الابتداء فيها بالمدعي إذا قتل معصوماً في محل اللوث وهو قرينة يغلب على الظن صدق المدعي وكذا يكون اليمين على المدعي فيما إذا أقام شاهداً واحداً فيحلف معه في المال، قيل النكتة بالتعبير بالموصول في الثاني واسم الفاعل في الأول مع إمكان كل منهما في الشقين ما تقرر من أن المدعي هو من يذكر

هو حسن بهذا اللفظ، وبعضه في "الصحيحين". السابع عشر: ـــــــــــــــــــــــــــــ أمراً خفياً والمدعى عليه من يذكر أمراً ظاهراً ولا شك أن الموصول لاشتراط كون صلته معهودة أظهر من المعرف فأعطى الخفى للخفي والظاهر للظاهر. قوله: (وهو حديث حسن) عبر في موضع آخر بقوله هو صحيح وكلام أحمد وأبي عبيد ظاهر في أنه صحيح عندهما يحتج به رواه بهذا اللفظ الإِمام البيهقي بإسناد حسن وكذا رواه (غيره). وقوله: (وبعضه في الصحيحين) إذ لفظهما كما في الجامع بينهما للحميدي عن ابن عباس لو يعطى النَّاس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه وكذا رواه أحمد والنسائي كما في الجامع الصغير وفي رواية للصحيحين قال ابن أبي مليكة كتب ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قضى أن اليمين على المدعى عليه وقول الأصيلي لا يصح مرفوعاً مردود بالتصريح بالرفع فيه من رواية ابن جريج ورواه أيضاً أبو داود والترمذي قال المصنف وإذا صح رفعه بشهادة البخاري ومسلم وغيرهما لم يضره من وقفه ولم يكن ذلك تعارضاً ولا اضطراباً فإن الراوي قد يعرض له ما يوجب السكوت عن الرفع من نحو نسيان أو اكتفاء بعلم السامع والرافع عدل ثبت فلا يلتفت إلى الوقف إلا في الترجيح عند التعارض كما في الأصول وخرجه الإسماعيلي في صحيحه بلفظ لو يعطى النَّاس بدعواهم لادعى رجال دماء قوم وأموالهم ولكن البينة على الطالب واليمين على المطلوب وأخرج الترمذي بسند فيه من ضعف من جهة حفظه أنه صلى الله عليه وسلم قال في خطبته البينة على المدعي واليمين على (المدعى عليه، والدارقطني البينة على المدعي واليمين على) من أنكر إلا في القسامة وفيه ضعف مع أنه مرسل وفي رواية له المدعى عليه أولى باليمين إلا أن تقوم بينة وله عنده طرق متعددة لكنها ضعيفة ثم هذا الحديث من أجل الأحاديث وأرفعها وأقوى الحجج وأنفعها قاعدة عظيمة من قواعد الشريعة المطهرة وأصل من أصول أحكام الإسلام المحررة (و) أعظم مرجع عند الخصام وأكرم مستمسك لقضاة الإسلام وقيل إنه فصل الخطاب الذي أوتيه داود عليه السلام، وعلم من الحديث أنه لا يحكم لأحد بدعواه وإن كان فاضلاً شريفاً في حق من الحقوق وإن كان محتقراً يسيراً حتى يستند المدعي إلى ما يقوي

عن وابصة بن معبد رضي الله عنه أنه أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "جِئْتَ تسألُ عَنِ البرِّ والإثم؟ قال: نعم، فقال: ـــــــــــــــــــــــــــــ دعواه وإلا فالدعاوى متكافئة والأصل براءة الذمم من الحقوق فلا بد من دال على تعلق الحق بالذمة حتى تترجح به الدعوى. قوله: (عن وابصة بن معبد الصحابي) وابصة بموحدة ثم صاد مهملة ومعبد بسكون العين المهملة وفتح الموحدة وفد وابصة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في عشرة رهط من قومه بني أسد بن خزيمة سنة تسع فأسلموا ورجع إلى بلاده ثم نزل الجزيرة وسكن الرقة ودمشق ومات بالرقة ودفن عند منارة جامعها قال المصنف في التهذيب: روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديث روى عنه ابناه عمر وسالم والشعبي وزياد بن أبي الجعد وغيرهم وكان وابصة كثير البكاء لا يملك دمعه وكان له بالرقة عقب ومن ولده عبد الرحمن بن صخر قاضي الرقة أيام هارون الرشيد اهـ. قوله: (قال جئت الخ) فيه معجزة عظيمة كبرى له -صلى الله عليه وسلم- حيث خبره بما في نفسه قبل أن يتكلم به وأبرزه في حيز الاستفهام التقريري مبالغة في إيضاح إطلاعه وإحاطته به وفي رواية أحمد أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا أريد أن لا أدع شيئاً من البر والإثم إلا سألت عنه فقال لي ادن يا وابصة فدنوت حتى مست ركبتي ركبته فقال: يا وابصة أخبرك بما جئت تسأل عنه أو تسألني قلت: يا رسول الله أخبرني قال: جئت تسأل عن البر والإثم قال: فجمع أصابعه الثلاث فجعل ينكت بها في صدري ويقول يا وابصة استفت نفسك الحديث وقال السخاوي بعد تخريجه حديث حسن أخرجه أحمد والدارمي في مسنديهما وهو عند الطبراني في الكبير وأخرجه السخاوي من طريق آخر عن وابصة قال سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن البر والإثم فقال يا وابصة جئت تسألني عن البر والإثم قلت والذي بعثك بالحق إنه للذي جئت أسألك فقال: البر ما انشرح له صدرك والإثم ما حال في صدرك وإن أفتاك النّاس أخرجه أحمد وللحديث شاهد من حديث واثلة بن الأسقع قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- بمسجد الخيف فقال لي أصحابه: إليك يا واثلة -أي تنح- عن وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: دعوه فإنما جاء ليسأل قال: فدنوت فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله لتفتينا عن أمر نأخذه عنك وذكر نحو حديث وابصة مطولاً أخرجه أبو يعلى في مسنده والطبراني في

استَفْتِ قَلْبَكَ: البِرُّ: ما اطْمأنَّتْ إليهِ النَّفْسُ واطْمَأنَّ إليهِ القَلْبُ، والإثْمُ: ما حاكَ في النَّفس وترَدَّدَ في الصّدْرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الكبير وفي سندهما متروك وأخرجه الطبراني من طريق آخر في سنده راو ضعيف عن واثلة قال: قلت يا نبي الله نبئني قال: إن شئت أنبأتك بما جئت تسأل عنه وإن شئت فسل قال: بل نبئني يا رسول الله فإنك أطيب لنفسي قال جئت تسأل عن اليقين والشك وذكره نحوه ولبعضه شاهد عند أحمد وابن حبان من حديث أبي أمامة قال: قال رجل: يا رسول الله ما الإثم قال: إذا حاك في صدرك شيء فدعه وإسناده جيد على شرط مسلم، وعند أحمد عن أبي ثعلبة الخشني قال: قلت يا رسول الله أخبرني ما يحل لي وما يحرم علي قال البر ما سمنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والإثم ما لم تسكن إليه النفس ولم يطمئن إليه القلب وإن أفتاك المفتون وسنده أيضاً جيد كقوله شاهد عن أبي هريرة لكن بسند ضعيف وعن عبد الرحمن بن معاوية بن خديج مرسلاً اهـ. قوله: (استفت قلبك) أي اطلب منه الفتوى لأنه أبلغ في سلوك طريق الكمال بعين الوصال إلى مقام القلب واشتقاق الفتوى من الفتى لأنها جواب في حادثة أو إحداث حكم أو تقوية مشكل كذا في المغرب قال الكازروني يعني يلاحظ في الفتوى ما ينبيءعنه الفتى من القوة والحدوث. قوله: (البر ما اطمأنت إليه النفس الخ) أي سكنت فإذا التبس شيء ولم يدر من أي القبيلين هو فليتأمل فيه إن كان من أهل الاجتهاد أو يسأل المجتهد إن كان من أهل التقليد فإن وجد ما تسكن إليه النفس ويطمئن به القلب فليأخذ به وإلا فليدعه والنفس لغة حقيقة الشيء واصطلاحاً لطيفة الجسد تولدت من ازدواج الروح بالبدن واتصالهما معاً قال بعض المحققين الجمع بين القلب وبين النفس للتأكيد لأن طمأنينة القلب من طمأنينة النفس وهذا بمعنى قوله في حديث النواس الآتي البر حسن الخلق لأن حسنه تطمئن النفس إليه والقلب اهـ. قوله: (ما حاك) أي أثر (في النفس) ولم يستقر (وتردد في الصدر) أي القلب فلم ينشرح له والجمع بين هذين تأكيد أيضاً وبه علم ضابط

وإنْ أفْتاكَ النَّاسُ وأفْتَوْكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الإثم والبر وأن القلب يطمئن للعمل الصالح طمأنينة تبشره بحسن العاقبة ولا يطمئن للإثم بل يورثه نفرة وحزازة لأن الشرع لا يقر عليه وإنما يكون على وجه يشذ أو تأويل محتمل لكن يظهر معياره بما يأتي في حديث النواس من أنه الذي يكره اطلاع النّاس عليه ولم يزل هذا ظاهراً معروفاً ومن ثم قال زهير: الستر دون الفاحشات ولا ... يلقاك دون الخير من ستر قوله: (وإن أفتاك النّاس الخ) هذا غاية لمقدر دل عليه ما قبله أي التزم العمل بما في قلبك وإن أفتاك النّاس أي علماؤهم كما في رواية وإن أفتاك المفتون (وأفتوك) بخلافه لأنهم إنما يقولون على ظواهر الأمور دون بواطنها وذلك كأن ترى مالاً لرجل من حلال وحرام فلا تأخذ منه شيئاً احتياطاً وإن أفتاك المفتي بحله مخافة أن تأكل الحرام ولأن الفتوى غير التقوى أو المراد قد أعطيتك علامة الإثم فاعتبر بها في اجتنابه ولا تقبل ممن أفتاك بمقارفته ومحل ذلك إن كان المستنكر ممن شرح الله صدره وأفتاه غيره بمجرد ظن أو ميل إلى هوى دون دليل شرعي وإلا لزمه اتباعه وإن لم ينشرح له صدره ومن ثم كره -صلى الله عليه وسلم- امتناع قوم أمرهم بالفطر في السفر إذ ما ورد به النص ليس للمؤمن فيه إلا إطاعة الله ورسوله فليقبله بانشراح صدره وأما ما لا نص فيه منه -صلى الله عليه وسلم- ولا ممن يعبأ بقوله فإذا وقع منه شيء في قلب شرح بنور المعرفة واليقين مع تردد ولم يجد من يفتي فيه إلا من يخبر عن رأيه وهو غير أهل لذلك رجع إلى ما أفتاه به قلبه وإن أفتاه هذا وأمثاله بخلافه قال بعض المحققين والظاهر أن هذا ليس من الإلهام المختلف في حجيته لأنه شيء يقع في القلب من غير قرينة ولا استعداد فينثلج له الصدر وأما ما هنا فهو تردد منشؤه قرائن خفية أو ظاهرة لأن الفرض أن الأمر اشتبه وأن القلب مال إلى أنه إثم فليرجع إليه فيه كما دلت عليه النصوص النبوية وفتاوى الصحابة رضي الله عنهم ووحد الفعل الأول لإسناده إلى ظاهر وجمع الثاني لإسناده إلى ضمير

حديث حسن رويناه في مسندَي أحمد والدارمي وغيرِهما. ـــــــــــــــــــــــــــــ جمع قيل بين هذا الحديث وما مر من حديث الحلال بين تعارض لاقتضاء هذا أن الشبهة إثم لأنه يتردد في النفس ومر أن ذلك يقتضي أنه غير إثم، وجوابه حمل هذا على ما تردد في الصدر لقوة الشبه ويكون من باب ترك أصل الحل لظاهر قوي وذلك على ما ضعفت فيه الشبهة فيبني على أصل الحل ويجتنب محل الشبهة ورعاً وفي جوابه -صلى الله عليه وسلم- لوابصة بهذا إشارة إلى متانة فهمه وقوة ذكائه وتنوير قلبه لأنه -صلى الله عليه وسلم- أحاله على الإدراك القلبي وعلم أنه يدرك ذاك من نفسه إذ لا يدرك ذلك إلا من كان كذلك وأما الغليظ الطبع الضعيف الإدراك فلا يجاب بذلك لأنه لا يتحصل منه على شيء وإنما يفصل له ما يحتاج إليه من الأوامر والنواهي الشرعية وهذا من جميل عادته -صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه لأنه كان يخاطبهم على قدر عقولهم وقالت عائشة أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ينزل النّاس منازلهم. قوله: (هذا حديث حسن) وقال في بعض نسخ الأربعين له حديث صحيح. قوله: (رويناه في مسندي أحمد والدارمي) زاد في الأربعين بإسناد جيد وفي نسخة بإسناد حسن قال بعض شراحه فإن قلت ما حكمة قول المصنف أولاً حديث صحيح وقوله هنا بإسناد جيد قلت حكمته أنه لا يلزم من كون الحديث في المسندين المذكورين أن يكون صحيحاً فبين أولاً أنه صحيح وثانياً أن سبب صحته أن إسناد هذين الإمامين الذي أخرجاه به صحيحاً فبين أولاً حكمة أخرى حديثية وهي ما صرحوا به من أنه لا تلازم بين الإسناد والمتن فقد يصح السند أو يحسن لاستجماع شروطه من الاتصال والعدالة والضبط دون المتن لشذوذ فيه أو علة فنص المصنف أولاً على صحة المتن بقوله هذا حديث صحيح (وثانياً على صحة السند بقوله بإسناد جيد فإن قلت صرحوا بأن قولهم هذا حديث صحيح) مرادهم به اتصال سنده مع سائر الأوصاف في الظاهر لا قطعاً اهـ. فعليه لم يكتف المصنف بقوله أولاً هذا حديث صحيح عن قوله ثانياً بإسناد جيد، قلت وإن أرادوا ذلك إلا أنه لا يلزم منه الحكم على كل فرد من أسانيد ذلك الحديث بالصحة ومع ذلك هو أقوى من تقييد الصحة بالإسناد كما في قول المصنف بإسناد جيد لأنه حينئذٍ لا يبقى صريحاً

وفي "صحيح مسلم" عن النَّوَّاس بن سمعانَ رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ في صحة المتن ولا ضعفه فعلم أن الحكم بالصحة والحسن للإسناد أحط رتبة عن الحكم بأحدهما للحديث ومع ذلك لو أطلق الحكم بأحدهما للإسناد من عرف منه بإطراد أنه لا يفرق بين الحكم بأحدهما له وللمتن كان ذلك حكماً للمتن بأحدهما أيضاً واعترض تصحيح المصنف أو تحسينه لحديث أحمد بأنه أخرجه من طريقين إحداهما فيها علتان ضعف وانقطاع وأخرى فيها مجهول وجوابه أن أحمد أخرجه من طريق أخرى عن أبي أمامة وسنده على شرط مسلم وعن أبي ثعلبة الخشني وسنده جيد أيضاً وأخرجه الطبراني عن واثلة بن الأسقع وسنده ضعيف كما تقدم بيان ذلك كله والحاصل أنه صححه الشيخ أو حسنه لتعدد طرقه الجابر لما ذكر في إسناد الإِمام أحمد والله أعلم وكذا حديث وابصة أخرجه أبو يعلى في مسنده. قوله: (وفي صحيح مسلم) قال السخاوي بعد تخريجه ورواه الحاكم في مدركه ووهم في استدراكه فقد أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة من صحيحه ورواه أبو عوانة في مستخرجه والترمذي وقال حسن صحيح ورواه البخاري في كتاب بر الوالدين والدارمي وأبو يعلى في مسنديهما من طريق أخرى ومدارها على معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه أن النواس ابن سمعان قال فذكره ورواه أحمد والدارمي أيضاً من طريق صفوان بن عمرو عن يحيى بن جابر قال: سمعت النواس فذكره إلا أنه قال وكرهت أن يعلمه النّاس قال السخاوي ورواية يحيى عنه منقطعة فيما جزم به بعض الحفاظ مع ما وقع في روايتنا من التصريح عنه بالسماع وجزم به بعض الحفاظ لكونه من التابعين وكأن حجته في الانقطاع ما رواه الطبراني في معجمه الكبير عن صفوان بن عمرو عن يحيى عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن النواس فرجع الحديث إلى الإسناد الأول مع سقوط راو من هذه الطريق وفيه نظر لا سيما ولم يعرج شيخنا ولا شيخه على القول بالانقطاع في أماليهما نعم لم يتعقب شيخنا القائل بذلك في ترجمة يحيى من مختصر التهذيب اهـ. قوله (عن النواس بن سمعان) النواس بفتح النون وتشديد الواو وسمعان بكسر المهملة أوله وفتحها وقوله (رضي الله عنه) كان ينبغي له أن يقول رضي الله عنهما لأن

"البرُّ: حُسْنُ الخُلُقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لأبيه وفادة تزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أخت النواس وهي المتعوذة روي له سبعة عشر حديثاً اقتصر مسلم منها على ثلاثة وروى له أصحاب السنن الأربعة وهو كلابي ووقع في مسلم أنه أنصاري وحمل على أنه حليف لهم قال: أقمت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة سنة ما يمنعني من الهجرة أي العود إلى الوطن إلا المسألة أي التي كانت ترد عليه من بعض أصحابه -صلى الله عليه وسلم- فإقامته تلك السنة كانت مع عزمه على العود إلى وطنه لكنه أحب أن يتفقه في الدين تلك المدة بسماع تلك الأسئلة التي ترد عليه -صلى الله عليه وسلم- وأجوبتها أو ما منعه من ذلك إلا محبة سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أمور الدين لأنه كان يسمح للطارئين دون المهاجرين وإنما كان كذلك لأن المهاجرين والقاطنين بالمدينة لما أكثروا الأسئلة عليه -صلى الله عليه وسلم- ونهوا عن ذلك فما كانوا يسألون عن شيء ولذا قال النواس كان أحدنا إذا هاجر لم يسأل رسول الله عن شيء وقد تيمم هذا المعنى أنس بن مالك حيث قال نهينا أن نسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في القرآن عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل العاقل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع أي أنهم يحتملون في السؤال ويعذرون ويستفيد المهاجرون الجواب قال القرطبي في المفهم حديث النواس أي قوله أقمت الخ يدل أن الهجرة ما كانت واجبة على كل من أسلم وتقدم فيه الخلاف. وقول غيره وفيه دلالة على أن الهجرة لم تكن واجبة على غير أهل مكة اهـ. نظر فيه بأنه إن أريد نفي الوجوب عن غير أهل مكة قبل الفتح لم يكن في عزمه الرجوع إلى وطنه دلالة على ذلك لاحتمال أنه بعد الفتح وعلى التنزل وأنه كان قبله فيحتمل أنه إنما مكن من العود لوطنه لأنه له ثم عشيرة تحميه ومن له عشيرة كذلك لا تلزمه الهجرة أو بعده لم تكن فيه خصوصية لغير أهل مكة بل أهلها ارتفع الوجوب عنهم بعد الفتح اهـ. قوله: (البر حسن الخلق) أي معظمه فالحصر فيه مجازي نظيره في الدين النصيحة وضده الفجور والإثم ولذا قابله به وهو بهذا المعنى عبارة عما اقتضاه الشرع وجوباً أو ندباً كما أن الإثم عبارة عما نهى الشرع عنه، وحسن الخلق أي التخلق والمراد به هنا المعروف

والإثْمُ ما حاكَ في نفْسِكَ وكرِهْتَ أن يطَّلِعَ عليهِ النَّاسُ". الثامن عشر: عن شداد بن أوس رضي الله عنه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو طلاقة الوجه وكف الأذى وبذل الندى وأن يحب للناس ما يحب لنفسه وهذا يرجع إلى تعبير بعضهم بأن الإنصاف في المعاملة والرفق في المجادلة والعدل في الأحكام والبذل والإحسان في اليسر والإيثار في العسر وغير ذلك من الصفات الحميدة والبر له إطلاقات فيكون بمعنى الطاعة بسائر أنواعها ومنه قوله تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ} إلى قوله {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} وهذه الأمور كلها مجامع حسن الخلق وقد أشار تعالى إليها في آيات نحو {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} إلى قوله {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} إلى {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}. {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} إلى {هُمُ الْوَارِثُونَ}. {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} إلى آخر السورة، فمن أشكل عليه حاله فليعرض نفسه على هذه الآيات فوجود جميع ما فيها من الأوصاف علامة على حسن الخلق وفقده علامة على سوء الخلق ووجود البعض علامة على أن فيه من الحسن بحسب ما عنده ومن السوء بحسب ما فقده فليعتن بتحصيله ليفوز بسعادة الدارين وإذا قرن البر بالتقوى كما في قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} فسر البر بمعاملة الخلق بالإحسان والتقوى بمعاملة الحق أو البر بفعل الواجبات والتقوى باجتناب المحرمات. قوله: (والإثم ما حاك الخ) ذكر للإثم أمرين أحدهما ما حاك في النفس أي الشيء الذي يؤثر نفرة وحزازة في القلب يقال حاك الشيء في قلبي إذا رسخ فيه وثبت قال ثم الكلام الحائك في القلب هو الراسخ فيه، وبمعنى هذا الحديث قوله في الحديث الآخر الإثم حزاز القلوب بتشديد الزاي أي الإثم ما رسخ وأثر في النفس اضطراباً وقلقاً ونفوراً وكراهة لعدم طمأنينتها ومن ثم لم يرض بالاطلاع عليه وهي الأمر الثاني كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "كرهت أن يطلع عليه النّاس" أي وجوههم وأماثلهم الذين يستحي منهم والمراد هنا الكراهة العرفية الجازمة فخرجت العادية كمن يكره أن يرى آكلاً لحياء أو بخل وغير الجازمة كمن يكره أن يركب بين مشاة لتواضع أو نحوه فإنه لو رؤي كذلك لم يبال وقد استفيد من هذا السياق أن للإثم علامتين وسببهما أن للنفس

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شعوراً من أصل الفطرة بما تحمد عاقبته ومآلاً ولكن يغلب عليها الشهوة حتى توجب لها الإقدام على ما يضرها كما غلبت على السارق والزاني مثلاً فأوجبت لهما الحد فإذا عرفت ذلك اتضح لك وجه كون التأثير في النفس علامة للإثم لأنه لا يصدر إلا لشعورها بسوء عاقبته ووجه كون كراهة اطلاع النّاس يدل على أنه إثم أن النفس بطبعها تحب اطلاع النّاس على خيرها وبرها وتكره ضد ذلك ومن ثم أهلك الرياء أكثر النّاس فبكراهتها اطلاع النّاس على فعلها يعلم أنه شر وإثم وهل كل من هاتين العلامتين مستقل بكونه علامة على الإثم من غير احتياج إلى الأخرى أو غير مستقل بل هو جزء علامة والعلامة الحقيقية مركبة منهما كل محتمل، قضية {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} الأول وقضية العطف بواو الجمع هنا الثاني وعليه فالفعل إن وجد فيه الأمران كالرياء والربا فإثم قطعاً وإن انتفيا عنه كالعباده ونحو الأكل المباح فبر قطعاً وإن وجد فيه أحدهما احتمل البر والإثم فيكون من المشتبه والذي يتجه أنهما متلازمان لأن كراهة النفوس تستلزم كراهة اطلاع النّاس وعكسه ثم عموم الحديث مخصوص بما عدا خطور المعصية والهم بها إذ لا إثم فيهما وإن كانت العلامتان للإثم فيه لحديث أن الله تجاوز لأمتي عما وسوست به نفوسها ما لم تعمل به أو تتكلم بل ربما يثاب من هم بزنى مثلاً وحاك في نفسه ونفرت منه لضرب من التقوى إذ هو حينئذٍ من باب قوله تعالى في الحديث القدسي اكتبوها له حسنة إنما تركها من أجلي، أما العزم فإنه إثم لوجود العلامتين فيه ولا مخصص يخرجه من عموم الخبر بل حديث إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قيل هذا القاتل فما بال المقتول قال إنه كان حريصاً على قتل صاحبه ظاهر في ذلك إذ ذلك الحرص المعلل الدخول به وحده مع قطع النظر عن الفعل المقترن به عزم مجرد، ثم الحديث من جوامع كلمه -صلى الله عليه وسلم- بل من أوجزها إذ البر كلمة جامعة لجميع أفعال الخير وخصال المعروفة والإثم كلمة جامعة لجميع أفعال الشر والقبائح صغيرها وكبيرها كما علم مما تقرر فيهما ولهذا السبب قابل -صلى الله عليه وسلم- بينهما وجعلهما ضدين ولما كان الحديثان في معنى واحد عدهما الشيخ حديثاً واحداً.

"إن اللهَ تَعالى كَتَبَ الإحْسانَ على كُلِّ شيءٍ، فإذَا قتَلتُم فأحْسِنُوا القِتْلَةَ، وإذَا ذَبَحْتُم فأحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أحَدُكُمْ شَفرَتَهْ، ولْيُرِحْ ذَبيحَتَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء) أي أوجب وقدر على الإنسان أي إيقاعه على مقتضى الشرع والإحسان يطلق على الإنعام وعلى إتقان الفعل أو طلب منه ذلك واعلم أن الإحسان لب الإيمان والإسلام بل خلاصتهما وليس شعبة من شعب الإيمان أو ركن من أركان الإسلام إلا وفي قرن به إحسان لائق به بدليل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء وقد بين القصري في كتابه شعب الإيمان في كل شعبة من شعب الإيمان الإحسان اللائق بها رزقنا الله القيام بحقوقه وعصمنا من عقوقه. قوله: (القتلة) بكسر القاف كما قال المصنف أي هيئة القتل وحالته أي فأحسنوا القتل في كل قتيل حداً وقصاصاً. قوله: (وإذا ذبحتم) أي ما يحل ذبحه من البهائم (فأحسنوا الذبحة) بكسر الذال المعجمة الهيئة والحالة وبالفتح المصدر وفي رواية (الذبح) وكذا هو في أكثر نسخ مسلم وهو المصدر لا غير وإحسان القتلة بأن يكون بآلة غير كالة مع الإسراع وعدم قصد التعذيب وإحسان الذبح بذلك وبأن يرفق بالبهيمة فلا يصرعها بعنف وغلظة ولا يجرها إلى موضع الذبح جراً عنيفاً وبإحداد الآلة وتوجيهها إلى القبلة والتسمية ونية التقرب بذبحها إلى الله تعالى وقطع الحلقوم والمريء والودجين والاعتراف إلى الله تعالى بالمنة والشكر له على هذه النعمة الجسيمة وهي إحلاله وتسخيره تعالى لنا ما لو شاء لحرمه أو لسلطه علينا. قوله: (وليحد) بضم التحتية وكسر المهملة وتشديد الدال يقال أحد السكين وحدها واستحدها بمعنى والشفرة العريض من السكين والإحداد واجب إن كانت الآلة كالة بحيث يحصل بها للحيوان تعذيب وإلا فندب وينبغي حال حدها أن يواريها عنها لأمره -صلى الله عليه وسلم- بذلك. وقوله: (وليرح ذبيحته) أي ليوصل إليها الراحة بأن يعجل إمرار الشفرة ولا يسلخ قبل البرودة ويقطع من الحلقوم لا من القفا وعطف هذه الجملة على ما قبله لبيان فائدته إذ الذبح بآلة كالة يعذب

رويناه في "صحيح مسلم"، والقِتْلة والذبحة، بكسر أولهما. التاسع عشر: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ كانَ يُؤمِنُ باللهِ واليَومِ الاَخِرِ فلْيقُلْ خَيراً أو ليَصْمُتْ، ومَنْ كانَ يُؤمِنُ باللهِ واليَوم الآخرِ فلْيُكرِمْ جارَهُ، ومَنْ كانَ يُؤمنُ باللهِ واليَوم الآخرِ فلْيُكْرِمْ ضَيفَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الذبيحة فراحتها أن تذبح بآلة ماضية موجبة والذبيحة فعيلة بمعنى مفعولة وتاؤها للنقل من الوصفية إلى الاسمية لأن العرب إذا وصفت بفعيل مؤنثاً قالت امرأة قتيل وعين كحيل وشاة ذبيح فإذا حذفوا الموصوف أثبتوا التاء وقالوا قتيلة بني فلان وذبيحتهم لعدم دال على التأنيث حينئذٍ ويعرب حينئذٍ اسماً مفعولاً به أو نحوه لا صفة فاتضح أن التاء للنقل من الوصفية إلى الاسمية. قوله: (رويناه في صحيح مسلم) وكذا رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة كلهم عن شداد كما في الجامع الصغير، وهو قاعدة من قواعد الدين العامة فهو متضمن لجميعه لأن الإحسان في الفعل هو إيقاعه على مقتضى الشرع كما مر ثم ما يصدر عن الشخص من الأفعال إما أن يتعلق بمعاشه وهو سياسة نفسه وأهله وإخوانه وملكه وباقي النّاس أو بمعاده وهو الإيمان الذي هو عمل القلب والإسلام الذي هو عمل الجوارح فمن أحسن في هذا كله وأتى به على وفق السداد والشرع فقد فاز بكل خير وسلم من كل ضير ولكن دون ذلك خرط القتاد وبدل المهج وتقطع الأكباد قال الخطابي لما كان العلماء ورثة الأنبياء ومما ورثوه منهم تعليم النّاس الإحسان وكيفيته والأمر به في كل شيء ألهم الله الأشياء الاستغفار للعلماء مكافأة لهم على ذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في جوف البحر". قوله: (التاسع عشر) وسبق السلام على تخريجه في باب الثناء على من أكرم ضيفه وتقدم فيه الكلام على قوله فليكرم ضيفه وفي باب حفظ اللسان على قوله قليقل خيراً أو ليصمت. قوله: (ومن كان يؤمن بالله) أي إيماناً كاملاً وتخصيص اليوم الآخر بالذكر دون

رويناه في "صحيحيهما". العشرون: عن أبي هريرة رضي الله عنه "أن رجلاً ـــــــــــــــــــــــــــــ شيء من مكملات الإيمان بالله تعالى لأن الخير والثواب والعقاب كلها راجعة إلى الإيمان به قال الكازروني وقوله فليكرم جاره بأن يعينه على ما يحتاج إليه ويدفع عنه السوء ويخصه بالعطاء لئلا يستحق الوعيد ففيه تحريض لحق الجار وبره وحث على حفظ الجوار قال -صلى الله عليه وسلم-: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه. قوله: (رويناه في صحيحيهما) قال بعض المحققين وهو من القواعد العظيمة لأنه بين فيه جميع أحكام اللسان الذي هو أكثر الجوارح فعلاً فهو بهذا الاعتبار يصح أن يقال فيه إنه ثلث الإسلام لأن العمل إما بالقلب أو بالجوارح أو باللسان وهذا ظاهر وإن لم أر من صرح به ثم رأيت بعضهم قال إن جميع آداب الخير تتفرع منه وأشار فيه إلى سائر خصال البر والصلة والإحسان لأن آكدها رعاية حق الجوار والضيف وبهذا الاعتبار يصح أن يقال فيه إنه نصف الإسلام لأن الأحكام إما أن تتعلق (بالحق أو) بالخلق وهذا أفاد الثاني لأن وصلة الخلق تستلزم رعاية حقوقهم ومن ثم كان المقصود من الأمرين الآخرين هو المقصود في حديث لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه الخ من الألفة والاجتماع وعدم التفرق والانقطاع لأن النّاس جيران بعضهم لبعض فإذا أكرم كل منهم جاره ائتلفت القلوب واتفقت الكلمة وقويت الشوكة في الدين واندحضت جهالات الملحدين وإذا أهان كل جاره انعكس الحال ووقعوا في هوة الاختلاف والضلال وكذا غالب النّاس إما ضيف أو مضيف فإذا أكرم بعض بعضاً وجدوا ما ذكر من الصلاح والائتلاف وإذا أهان بعضهم بعضاً وجد الفساد والخلاف اهـ. قوله: (أن رجلاً) يحتمل أنه أبو الدرداء فقد خرج الطبراني عنه بإسنادين أحدهما صحيح كما في الترغيب قلت: يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة قال: لا تغضب ولك الجنة أو حارثة ابن قدامة عم الأحنف بن قيس

قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- أوصني، قال: لا تَغْضَبْ ـــــــــــــــــــــــــــــ فقد أخرج أحمد عنه قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله قل لي قولاً وأقلل علي لعلي أعقله قال: لا تغضب فأعدت عليه مراراً كل ذلك يقول: لا تغضب لكن نازغ في هذا يحيى القطان بأنهم يقولون حارثة تابعي لاصحابي، أو جارية بن قدامة بالجيم وعليه اقتصر السيوطي في التوشيح وأخرج أبو يعلى عن جارية بن قدامة قال: أخبرني عم أبي أنه قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر نحو حديث حارثة ورواته رواة الصحيح كما في الترغيب وقال الكازروني هو ابن عمر أو حارثة بن قدامة أو سفيان بن عبد الله وتقدم في باب ما يقول إذا غضب حكايته قول بأنه معاذ بن جبل. قوله: (أوصني) قال الزهري الإيصاء والوصية مشتقة من وصيت الشيء بكذا إذا وصلته إليه فالمعنى صلني إلى ما ينفعني ديناً ودنيا ولما علم -صلى الله عليه وسلم- من هذا الرجل كثرة الغضب وهو طبيب في الدين يعالج كل واحد بمرضه المخصوص خصه بهذه الوصية فقال: لا تغضب زاد أحمد وابن حبان قال الرجل: تفكرت فيما قال: فإذا الغضب يجمع الشر كله قال الخطابي: معنى لا تغضب اجتنب أسباب الغضب ولا تتعرض لما يجلبه أما نفسه فلا يتأتى البعد عنه لأنه أمر جبلي وقيل المنهي عنه الغضب المكتسب وقيل المعنى لا تفعل ما يأمرك به الغضب وقيل هو أمر بالتواضع لأن الغضب إنما ينشأ عن الكبر لكونه يقع عند مخالفة ما يريده فيحمله الكبر على الغضب قال ابن التين جمعت هذه الوصية خير الدنيا والآخرة وقال غيره يترتب على الغضب تغير الظاهر والباطن من القلب واللسان والجوارح ديناً ودنيا من تغير اللون والرعدة في الأطراف واستحالة الخلق وخروج الأفعال على غير ترتيب وإضمار الحقد والسوء على اختلاف أنواعه وانطلاق اللسان بالشتم والفحش واليد بالضرب والقتل وربما مزق ثوبه أو لطم خده أو كسر الآنية أو ضرب من ليس له ذنب قال الطوفي وأقوى الأشياء في دفع الغضب استحضار أن لا فاعل إلا الله وأنه لو شاء لم يكن ذلك الغير منه فإذا غضب والحالة هذه كان غضبه على ربه قال بعض المحققين أقوى أسباب رفعه ودفعه التوحيد الحقيقي

فردَّد مراراً، قال: لا تَغْضَبْ" رويناه في البخاري. الحادي والعشرون: ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو اعتقادك أن لا فاعل في الوجود إلا الله وأن الخلق آلات ووسائط كبرى وهي من له عقل واختيار كالإنسان وصغرى وهي من انتفيا عنه كالعصا المضروب بها ووسطى وهي من فيها الثاني فقط كالدواب فمن توجه إليه مكروه من غيره وشهد ذلك التوحيد الحقيقي بقلبه اندفع غضبه لأنه إما على الخالق وهو جرأة تنافي العبودية أو على المخلوق وهو إشراك ينافي التوحيد اهـ. ثم التعوذ من الشيطان واستحضار ما جاء في كظم الغيظ من الفضل. قوله: (فردد) أي كرر ذلك الرجل قوله أوصني (مراراً) تعريضاً بأنه لم يقع بذلك وطلب وصية أبلغ وأنفع فلم يزده -صلى الله عليه وسلم- لعلمه بأنه لا وصية أنفع له من ذلك قال جعفر بن محمد: الغضب مفتاح كل شر وقيل لابن المبارك: اجمع لنا حسن الخلق في كلمة قال: ترك الغضب وأخرج محمد بن نصر المروزي أن رجلاً أتى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من قبل وجهه فقال: يا رسول الله أي العمل أفضل قال: حسن الخلق ثم أتاه عن يمينه فقال له كذلك ثم عن شماله كذلك ثم عن خلفه كذلك فالتفت إليه فقال ما لك لا تفقه؟ حسن الخلق هو ألا تغضب إن استطعت وهو مرسل. قوله: (رويناه في صحيح البخاري) أي من حديث أبي هريرة ورواه أحمد بسند رواته محتج بهم في الصحيح عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وزاد بعد قوله لا تغضب قال: فذكرت حين قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما قال: فإذا الغضب يجمع الشر كله ورواه أحمد واللفظ له وابن حبان في صحيحه عن جارية بن قدامة أن رجلاً قال: يا رسول الله قل لي قولاً وأقلل لعلي أعيه قال -صلى الله عليه وسلم-: لا تغضب فأعاد عليه مراراً كل ذلك يقول: لا تغضب رواه أحمد واللفظ له وابن حبان في صحيحه ورواه الطبراني في الكبير والأوسط إلا أنه قال عن الأحنف بن قيس عن عمه وعمه جارية بن قدامة أنه قال: يا رسول الله قل لي قولاً ينفعني الله به فذكره، وأبو يعلى إلا أنه قال عن جارية بن قدامة أخبرني عم أبي أنه قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- فذكره بنحوه ورواته رواة الصحيح كذا في الترغيب للمنذري وهذا الحديث من بدائع جوامع كلمه التي خص بها -صلى الله عليه وسلم-،

عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله عز وجَل فرَضَ فرائِضَ فَلا تُضَيِّعوهَا، وحَدَّ حُدُوداً ـــــــــــــــــــــــــــــ وما ورد أن سليمان وعيسى عليهما السلام قالا ذلك لم يصح فثبت أنه لا مشارك لنبينا -صلى الله عليه وسلم- في هذه الكلمة المتضمنة لمجامع الخير والمانعة عن قبائح الشر كما تقدمت الإشارة إلى ذلك وما في الغضب من القبائح وما في تركه من أنواع الخير ففي هذه اللفظة النبوية أي لا تغضب من بدائع الحكم وفوائد استجلاب المصالح ودرء المفاسد ما لا يمكن عده ولا ينتهي حده قال بعض المحققين هذا الحديث يصح أن يقال أنه ربع الدين لأن أعمال الإنسان إما خير أو شر والشر إما أن ينشأ عن شهوة كالزنى أو غضب كالقتل والقذف والطلاق والحقد على المسلم وحسده ونحو ذلك وهذا الحديث متضمن لنفي الغضب فيتضمن نفي نصف الشر وهو ربع المجموع ويدل على انحصار سبب الشر في الشهوة والغضب أن الملائكة لما تجردوا عنها تجردوا عن سائر الشرور جملة وتفصيلاً ثم الغضب إنما يذم حيث لم يكن الله تعالى وإلا فهو محمود ومن ثم كان -صلى الله عليه وسلم- يغضب إذا انتهكت حرمات الله تعالى فحينئذٍ لا يقوم لغضبه شيء حتى ينتصر للحق. قوله: (عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه) بمعجمة مضمومة فمفتوحة فنون نسبة إلى خبشينة قبيلة معروفة من قضاعة وفي اسمه واسم أبيه غير ذلك نحو أربعين قولاً وهو ممن بايع تحت الشجرة وضرب له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسهمه يوم خيبر وأرسله إلى قومه وأسلموا نزل الشأم ومات أول إمرة معاوية وقيل في إمرة يزيد وقيل امرة عبد الملك سنة خمس وتسعين روى له الجماعة. قوله: (فرض فرائض) أي أوجبها وحتم العمل بها (فلا تضيعوها) بتركها وعدم المحافظة على شروطها وآدابها وقد تستنبط منه الدلالة لمذهبنا أن الفرض والواجب مترادفان لأن النهي عن التضييع لا يختص بالفرض عند غيرنا وهو ما ثبت بدليل قطعي بل يعم الواجب عنده أيضاً وهو ما ثبت بدليل ظني فتفريع فلا تضيعوها على ما قبله ظاهر في شموله للقسمين. قوله: (وحد حدوداً) أي فصلها وبينها والحد لغة المنع والشيء الحاجز بين الشيئين الذي يمنع اختلاط أحدهما بالآخر قال في الكشاف

فلا تَعْتَدُوها، وحَرَّمَ أشياءَ فَلا تَنْتهكُوهَا، وسكَتَ عن أشياءَ رَحْمَةً لكُمْ غَيرَ نِسيَانٍ فلا تَبْحَثُوا عَنْها" ـــــــــــــــــــــــــــــ حدود الله أحكامه وأوامره ونواهيه (فلا تعتدوها) أي فلا تتجاوزوا عنها بتركها كذا قال الكازروني واعترض بأن حمل الحد على ما ذكر يصير الكلام مكرراً مع ما قبله وما بعده إذ الفرائض المفروضة حدود محدودة بهذا المعنى لأنها مقدرة محصورة يجب الوقوف فيها عند تقدير الشرع وكذلك المحرمات فمعنى قوله فلا تعتدوها على هذا أي لا تزيدوا عليها عما أمر به الشرع فالأولى أن تحمل الحدود هنا على العقوبة المقدرة من الشارع تزجر عن المعصية أي جعل لكم حواجز وزواجر مقدرة أي تحجزكم وتزجركم عما لا يرضاه قال ويصح حمل الحدود هنا على الوقوف عند الأوامر والنواهي ومنه {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا} الآية وآيات أخر ويكون ما قبله وما بعده من ذكر العام بعد الخاص وعكسه فمعنى لا تعتدوها لا تتجاوزوها لمخالفة المأمور وارتكاب المحظور. قوله: (فلا تنتهكوها) أي لا تتناولوها ولا تقربوها قال الجوهري انتهاك الحرمة تناولها بما لا يحل. قوله: (وسكت عن أشياء) أي لم يحكم فيها بوجوب أو حل أو حرمة. وقوله: (رحمة) مفعول له. وقوله: (غير نسيان) أي لأحكامها {لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى}. وقوله: (فلا تبحثوا عنها) أي لا تسألوا عن حالها لأن السؤال عن ذلك ربما يفضي إلى التكليف الشاق من الحرمة أو الإيجاب بل يحكم بالبراءة الأصلية والحل في المنافع والحرمة في المضار والبحث لغة التفتيش ومعنى سكوته تعالى عنها أنه لم ينزل حكمها على نبيه لا أنه سكت عنها حقيقة لاستحالة ذلك عليه إذ الكلام من صفاته النفسية القديمة الذاتية التي لا ينفك تعالى عنها ويفهم من سكوته تعالى رحمة لنا مع النهي عن البحث عنها أنه لا حكم قبل ورود الشرع وهو الأصح وقيل الأصل الحظر ونسب للشافعي وأكثر المتكلمين ولعله قول مرجوح للشافعي وإلا فالأصح ما مر وأن الأصل في الأشياء بعد ورود الشرع الإباحة وحكى بعضهم الإجماع على ذلك وغلطوا من سوى بين المسألتين وجعل حكمهما

رويناه في "سنن الدارقطني" بإسناد حسن. ـــــــــــــــــــــــــــــ واحداً ومعنى كون السكوت رحمة لنا أنها لم تحرم فيعاقب على فعلها ولم تجب فيعاقب على تركها بل عفو لا حرج في فعلها ولا في تركها. قوله: (رويناه في سنن الدارقطني بإسناد حسن) فرواه من حديث إسحاق الأزرق عن داود بن أبي هند عن مكحول عن أبي ثعلبة وأخرجه ابن أبي شيبة والطبراني في معجمه الكبير وأبو نعيم في الحلية والحاكم في المستدرك بنحوه ومداره عندهم على داود بهذا الإسناد ورجال سنده كلهم ثقات أخرج لهم مسلم إلا أن مكحولاً كثير الإرسال أرسل عن جماعة من الصحابة وقال الحافظ أبو سعيد العلائي في المراسيل له أنه معاصر لأبي ثعلبة بالسن والبلد فيحتمل أن يكون لقيه وأن يكون أرسل عنه قال السخاوي وبالثاني جزم أبو سهل الدمشقي وأبو نعيم وجماعة وحكاه المزي ممرضاً وأيده الحافظ ابن حجر بقول أبي حاتم الرازي أنه لم يسمع من واثلة ولم ير أبا أمامة وقال: إذا لم يصح له سماع منهما مع تأخر وفاتهما ومعاصرته لهما يبعد صحة سماعه من أبي ثعلبة أيضاً وإن كان عصريه اهـ. ولكن قد جزم غير واحد بسماعه من واثلة منهم البخاري والترمذي وابن يونس وليس ذلك بلازم ويؤيده أنه معاصر له بالسن والبلد كما تقدم فاحتمال سماعه منه أقرب من عدمه وكونه مدلساً لا ينافي حسن حديثه ولا صحته كما هو مقرر في محله وقال ابن معين إنه سمع من أبي ثعلبة أي والقاعدة الأصولية أن الإثبات مقدم على النفي ترجح ما قاله ابن معين فلذا اعتمد الشيخ تحسين الحديث وسبقه إليه السمعاني في أماليه ووافقه عليه الحافظ العراقي والحافظ ابن حجر بل صححه ابن الصلاح ويحتمل أن تحسين الشيخ له لما له من الشواهد بعضها ضعيف وبعضها منقطع فإذا انضم بعضها إلى بعض قويت فيكون حسناً لغيره لا لذاته وأن تصحيح ابن الصلاح أخذه من قول البزار في رواية إسنادها صالح والحاكم فيها أنها صحيحة الإسناد، وكذا أخرجه الطبراني كلهم عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فإن الله

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يكن لينسى شيئاً ثم تلا هذه الآية {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} قال السخاوي رجاله ثقات ثم ذكر ما تقدم عن البزار والحاكم وأخرجه الدارقطني في سننه من طريق أخرى عن أبي الدرداء ولفظه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله افترض عليكم فرائض فلا تضيعوها وحدَّ لكم حدوداً فلا تعتدوها ونهاكم عن أشياء من غير نسيان فلا تتكلفوها رحمةً من ربكم فاقبلوها، وأخرجه الطبراني في الأوسط ولم يذكر جملة ونهاكم وأشار إلى تفرد بعض رواته به ورواه أبو نعيم من حديث أبي الدرداء مرفوعاً ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه عافية فاقبلوا من الله عافيته ومن شواهده ما أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث ابن هارون عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن سلمان قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن السمن والجبن والفراء فقال: الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفا الله عنه وكذا أخرجه الحاكم شاهداً والطبراني وآخرون وقال الترمذي رواه سفيان يعني ابن عيينة عن التيمي فوقفه قال: وكأنه أصح ونحوه قوله في العلل عن البخاري في المرفوع ما أراه محفوظاً وقال أحمد: إنه منكر وأنكره ابن معين أيضاً وقال أبو حاتم الرازي إنه خطأ ورواه الثقات عن التيمي عن أبي عثمان مرسلاً ورواه صالح المري عن الجريري عن أبي عثمان فقال عن عائشة ورفعه وأخطأ في إسناده ولكن قد رواه الطبراني في الأوسط من حديث يحيى بن سعيد عن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله عن عائشة مرفوعاً بلفظ: لا تمسكوا علي شيئاً فإني لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه وقال: لم يروه عن يحيى إلا علي بن عاصم تفرد به صالح بن محمد بن الحسين الزعفراني ومن شواهده ما أخرجه أبو داود في سننه والحاكم في صحيحه عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذراً فبعث الله تعالى نبيه وأنزل كتابه وأحل حلاله وحرم حرامه فما أحل فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت فهو عفو وتلا هذه الآية: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} الآية وقال الحاكم إنه صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأصله

الثاني والعشرون: عن معاذ رضي الله عنه قال: "قلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني من النار! قال: "لقَدْ سألْتَ عَنْ عَظِيمٍ، وإنهُ ليَسيرٌ على مَنْ يسَّرَهُ الله تعالى عليهِ: تَعبُدُ الله لا تُشْرِك بهِ شَيئاً، وتُقيمُ الصَّلاةَ، وتُؤتي الزَّكاةَ، وتَصومُ رمضانَ، وتحُجُّ البَيتَ، ثم قال: ألا أدُلُّكَ على أبوابِ الخَيرِ: الصَّوْمُ جُنَّة، والصدَقَةُ تُطفيءُ الخطيئَةَ كما يُطفيءُ الماءُ النَّارَ، وصلاةُ الرَّجُلِ في جَوْفِ اللَّيلِ، ثم تلا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} حتى بلغ {يَعْمَلُونَ} [السجدة: 16] ثم قال: ألا ـــــــــــــــــــــــــــــ عند الطبراني مرفوعاً بسند ضعيف ومن شواهده عن ابن عمر أخرجه ابن عدي في كامله بسند ضعيف، ومنها عن المغيرة وعن الحسن مرسلاً عن عبيد بن عمير من قوله والله الموفق. وهذا الحديث من جوامع كلمه -صلى الله عليه وسلم- الموجزة البليغة بل قال بعضهم: ليس في الأحاديث حديث واحد أجمع بانفراده لأصول الدين وفروعه منه أي لأنه قسم فيه أحكام الدين إلى أربعة أقسام فرائض ومحارم وحدود ومسكوت عنه وذلك يجمع أحكام الدين كلها ومن ثم قال ابن السمعاني من عمل به فقد حاز الثواب وأمن العقاب لأن من أدى الفرائض واجتنب المحارم ووقف عند الحدود وترك البحث عما غاب عنه فقد استوفى أقسام الفضل وأوفى حقوق الدين لأن الشرائع لا تخرج عن الأنواع المذكورة فيه أي لتضمنه جميع قواعد الشرع وأحكامه وآدابه إذ الحكم الشرعي إما مسكوت عنه أو متكلم فيه وهو إما مأمور به وجوباً أو ندباً أو منهي عنه تحريماً أو كراهة أو مباح فالواجب حقه ألا يضيع والحرام حقه ألا يقارب والحدود وهي الزواجر الشرعية كحد الزنى والسرقة حقها أن تقام على أهلها من غير محاباة ولا عدوان وورد حد يقام في الأرض خير من مطر أربعين صباحاً وقد تطلق الحدود على المحارم فقط ومنه {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا} وحديث إني آخذ بحجزكم اتقوا النار واتقوا الحدود رواه الطبراني والبزار. قوله: (الثاني والعشرون الخ) تقدم الكلام على ما يتعلق به متناً وإسناداً في

أُخبِرُكَ برَأسِ الأمْرِ، وعمُودِهِ وذرْوَةِ سَنَامِهِ؟ " قلت: بلى يا رسول الله، قال: "رأسُ الأمرِ الإسلام، وعمودُه الصلاة، وذروَةُ سنامه الجهاد"، ثم قال: "ألا أخبرُكَ بمِلاكِ ذلكَ كلِّهِ؟ " قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه، ثم قال: "كُفَّ علَيكَ هذا"، فقلت: يا نبي الله، وإنا لمُؤاخَذُون بما نتكلم به؟ فقال: "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النارِ على وُجوهِهِمْ، أو على مناخِرِهِمْ، إلا حصَائِدُ ألسنَتِهِمْ؟ " رويناه في الترمذي وقال: حسن صحيح. وذِروَة السَّنام: أعلاه، وهي بكسر الذال وضمها. وملاك الأمر بكسر الميم: أي مقصوده. الثالث والعشرون: عن أبي ذرّ ومعاذ رضي الله عنهما عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "اتَّقِ الله ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب حفظ اللسان. قوله: (إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اتق الله") قال ابن حجر الهيتمي قاله لأبي ذر كما سيأتي أي من قوله -صلى الله عليه وسلم- لأبي ذر لما جاء إليه وهو مختف بمكة فأسلم وأراد المقام معه -صلى الله عليه وسلم- وحرص عليه فعلم -صلى الله عليه وسلم- أنه لا يقدر على ذلك فأمره أن يلحق بقومه عسى أن ينفعهم الله به وقال له اتق الله حيث كنت الحديث اهـ. وجاء عن أبي ذر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: "أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلانيته" وجاء عنه أيضاً قلت: يا رسول الله أوصني قال أوصيك بتقوى الله فإنه رأس الأمر كله رواه ابن حبان وغيره وورد أن أبا سعيد الخدري قال: يا رسول الله أوصني قال: أوصيك بتقوى الله فإنها رأس كل شيء وفي رواية عليك بتقوى الله فإنها جماع كل خير وروى الترمذي عن يزيد بن سلمة أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: يا رسول الله إني سمعت منك حديثاً كثيراً فأخاف أن ينسيني أوله آخره فحدثني بكلمة تكون جماعاً قال: اتق الله فيما تعلم وكذا ذكر الكازروني أيضاً أنه قال لأبي ذر وزاد فيه حين انصرافه إلى قومه، والتقوى أصله اتخاذ وقاية تقيك مما تخافه وتحذره فتقوى العبد لله أن يجعل بينه وبين ما يخشاه وقاية تقيه منه هي امتثال أوامره واجتناب نواهيه وقوله اتق الله على حد اتقوا الله أي غضبه وهو أعظم ما يتقى إذ ينشأ عنه عقابه الدنيوي والأخروي ويحذركم الله نفسه هو أهل التقوى وأهل المغفرة وفسر ذلك -صلى الله عليه وسلم- فقال: قال الله تعالى: أنا أهل أن أتقى فمن اتقاني فلم يجعل إلهاً

حيثما كنتَ، وأتْبعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُها، ـــــــــــــــــــــــــــــ آخراً فأنا أهل أن أغفر له وقد تضاف التقوى إلى عقابه أو مكانه أو زمانه نحو {وَاتَّقُوا النَّارَ} {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ}. وقوله: (حيث كنت) أي في أي مكان كنت فيه حيث يراك النّاس ولا يرونك اكتفاء بنظره تعالى قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} وسبق قوله لأبي ذر أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلانيته وما أحسن قول من قال: إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل ... خلوت ولكن قل علي رقيب وهذا من جوامع كلمه -صلى الله عليه وسلم- فإن التقوى وإن قل لفظها فإنها كلمة جامعة لحقوقه تعالى وهي أن يتقى حق تقاته أي يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر خرجه الحاكم مرفوعاً قيل وهو منسوخ باتقوا الله ما استطعتم وينبغي أن يقال لا نسخ إذ لا يصار إليه إلا بشرط لم توجد كما يعلم من محله فالأولى أن يقال المراد أن يطاع فلا يعصى بحسب الاستطاعة وكذا ما بعده، ولحقوق عباده بأسرها. فمن ثم اشتملت على خير الدارين ثم حقيقة التقوى متوقفة على العلم إذ الجاهل لا يعلم كيف يتقي لا من جانب الأمر ولا من جانب النهي وبهذا تظهر فضيلة العلم وثمرته على سائر العبادات والأحوال والمقامات لتوقفها جميعها عليه ومن ثم ورد مرفوعاً ما عبد الله بشيء أفضل من فقه والمراد بالعلم المتوقف عليه ذلك هو العلم العيني الذي لا رخصة لمكلف في تركه وهو تعلم ما أنت متلبس به فنحو الصلاة وشروطها وأركانها يتعين على كل مكلف تعلم ظواهرها وما يكثر وقوعه منها وكذا الزكاة لمن له مال والحج لمن له استطاعة وعلم كل ما يحاوله الإنسان من بيع ونكاح فمن علم ما خوطب به عيناً أو أراد التلبس به ثم اجتنب كل منهي وفعل كل مأمور فهو المتقي الكامل الذي لا يزال يتقرب إلى الله تعالى بالنوافل حتى يحبه الحديث. قوله: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها) أي كما قال الله تعالى {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} سبب نزولها في الصحيحين عن ابن مسعود أن رجلاً أصاب من امرأة قبلة ثم أتى فذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فسكت النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى نزلت هذه الآية فدعاه فقرأها عليه فقال رجل هذا له خاصة قال: بل للناس عامة وجاءت أحاديث أخر في هذا المعنى ووجه مناسبة هذه الجملة لما قبلها أنه لما كان العبد مأموراً بالتقوى في السر والعلانية مع أنه لا بد أن يقع منه

وخالِقِ النَّاس بِخُلُقٍ حَسَنٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أحياناً تفريط في التقوى إما بترك مأمور أو فعل منهي عنه ومع ذلك لا ينافي وصفه بالتقوى كما يدل عليه نظم سياق {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} إلى أن قال في وصفهم {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} الخ أرشده -صلى الله عليه وسلم- إلى دواء يمحو به أثر ذلك التفريط بقوله وأتبع السيئة الحسنة الخ بأن تباشر الحسنات عقب ما فرط منك من السيئات لتكون له مكفرات والحسنة ما ندب إليه الشارع والسيئة ما نهى عنه أصلها سيوئة من ساء يسوء سوءاً ومساءة قلبت الواو ياء وأدغمت فيه، وظاهر قوله تمحها وقول الله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} أنها تمحى حقيقة من الصحيفة، والكازروني قال تمحها أي تمح هذه الحسنة السيئة أي يمحو الله بها آثارها من القلب أو من ديوان الحفظة وزاد ويثبت مكانها الطاعات اهـ. وقيل عبر به عن ترك المؤاخذة فهي موجودة فيها بلا محو إلى يوم القيامة وهذا تجوز يحتاج لدليل وإن نقله القرطبي في تذكرته وقال بعض المفسرين إنه الصحيح عند المحققين ولعل من فوائده على القول الثاني ذهاب أثرها وهو السواد الناشئ عن العصيان من القلب وإليهما أشار كما تقدم مراراً وفيه أن إثبات الطاعات زائدة على مفهوم المحو ثم هذا في الصغائر المتعلقة بحق الله تعالى أما الكبيرة فلا يمحوها إلا التوبة بشروطها ويمكن دخولها في الحديث بأن يراد بالسيئة الكبيرة وبالحسنة التوبة منها ويؤيده أنه جاء في حديث مرفوع من جملة وصاياه لمعاذ لما توجه إلى اليمن وإن أحدثت ذنباً فأحدث عنه توبة إن سراً فسر وإن علانية فعلانية وأما التبعات فلا يكفرها إلا إسقاط مستحقها أو إرضاء الله لمستحقها فيعفو عنه. قوله: (وخالق النّاس بخلق حسن) تقدم أن الخلق بضم المعجمة ملكة تصدر عنها الأفعال بسهولة من غير سبق روية وأن الخلق الحسن فسر بأنه هيئة راسخة يصدر عنها جميع الأفعال بسهولة وفسر بعضهم الخلق الحسن بطلاقة الوجه وكف الأذى وبذل المعروف ذكره الترمذي وغيره وقال بعضهم المعنى خالق النّاس بما تحب أن يعاملوك به وهو راجع في المعنى إلى الأول وقال عبد الله الرازي الخلق الحسن استصغار ما منك واستعظام ما إليك وقال شاه الكرماني علامة حسن الخلق كف الأذى واحتمال المؤن قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنكم لن تسعوا النّاس بأموالكم فسعوهم ببسط الوجه

رويناه في الترمذي وقال: حسن، ـــــــــــــــــــــــــــــ وحسن الخلق واعلم أن الخلق وإن كان سجية في الأصل ومطبوعاً فقد يمكن الإنسان أن يتخلق بغير خلقه حتى يتصف بالأخلاق الحسنة العلية ولذا صح الأمر بتحصيله وتحسينه في قوله -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ: "حسن خلقك مع النّاس" إذ لا يؤمر بما طبع عليه فإنه تحصيل الحاصل فأفاد الخبر أن تحسينه من كسب الإنسان وذلك يحصل بنحو النظر في أخلاقه -صلى الله عليه وسلم- وما صدر عنه من أعاليها مع النّاس فيما يمكن أن يتأسى به فيه منها ثم بصحبته لأهل الأخلاق الحسنة والاقتداء بهم في ذلك ثم بتصفية نفسه من ذميم الأوصاف وقبيح الخصال ثم برياضتها إلى أن يتجلى بجميل الأخلاق ومعالي الأحوال فحينئذٍ يثاب على تلك الأخلاق الحميدة لأنها من كسبه فهو نظير استعمال الشجاعة في محلها بملاقاة العدو فإن الشجاع يثاب على هذا الاستعمال لا على نفس الشجاعة لأنها من الأمور الجبلية التي لا تدخل تحت الاختيار وإنما الذي يدخل تحته تكسب المعالي الموجب لإيقاع تلك الغريزة في محلها والحاصل أن الخلق أصله غريزي وبالنسبة إلى ما يستعمل فيه مكتسب ثم حكمة إفراده بالذكر مع أنه من خصال التقوى ولا تتم إلا به الرد إلا على من يظن أنها القيام بحقوق الله فقط إذ كثيراً إما يغلب على من يعتني بحقوقه والانعكاف على محبته وخشيته إهمال حقوق العباد بالكلية أو التقصير فيها وما ورد أن الجمع بين الحقين عزيز جداً إذ لا يقوى عليه إلا الكمل من الأنبياء والأولياء والصديقين ومن ثم فسروا الصالح الذي يدعو له كل مصل في تشهده بأنه القائم بهما وفي ذلك مناسبة تامة لحال معاذ فإنه وصاه بذلك عند بعثه إلى اليمن معلماً لهم وقاضياً ومن هو كذلك معرض لمخالطة النّاس بخلق حسن ويحتاج لذلك ما لا يحتاجه من لا يخالطهم. قوله: (رويناه في الترمذي) قال في الجامع الصغير رواه أحمد والترمذي وصححه والحاكم والبيهقي عن أبي ذر ورواه أحمد والترمذي والبيهقي عن معاذ ورواه ابن عساكر عن أنس اهـ. وتقدم في باب فضل الذكر الجواب عن الجمع بين وصفي الصحة والحسن في الحديث، وهذا الحديث جامع لسائر أحكام الشريعة إذ هي لا تخرج عن الأمر والنهي فهو كل الإسلام لأنه متضمن لما تضمنه حديث

وفي بعض نسخه المعتمدة: حسن صحيح. الرابع والعشرون: عن العِرباض بن ساريةَ رضي الله عنه قال: "وعظَنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظةً [بليغة] وجلَت منها القلوب، وذرفت منها العيون، ـــــــــــــــــــــــــــــ جبريل من الإيمان والإسلام والإحسان ولما تضمنه غيره من الأحاديث التي عليها مدار الإسلام كما سبق ويأتي على أن فيه تفصيلاً بديعاً فإنه اشتمل على ثلاثة أحكام كل منها جامع في بابه ومرتب على ما قبله أولها يتعلق بحقوق الله تعالى بالذات وبغيرها بطريق التبع وهو التقوى وثانيها يتعلق بحق المكلف كذلك وثالثها يتعلق بحقوق النّاس كذلك. قوله: (وفي بعض نسخه المعتمدة الخ) وفي نسخة صحيح وفي أخرى حسن غريب وسببه اختلاف الرواة عنه ككتابه والضابطين له ثم تحسينه لهذا الحديث مقدم على ترجيح الدارقطني إرساله للقاعدة المقررة أن المسند لزيادة علمه مقدم على المرسل وأما تصحيحه له في تلك النسخة فيوافقه قول الحاكم إنه على شرط الشيخين لكن وهم بأن ميموناً أحد رواته لم يخرج له البخاري شيئاً ولم يصح سماعه من أحد من الصحابة فلم يوجد فيه شرط البخاري ويؤيد تحسين الترمذي أنه ورد لهذا الحديث طرق متعددة عند أحمد والبزار والطبراني والحاكم وابن عبد البر وغيرهم يفيد مجموعها حسنه قوله: (وعظنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الخ) كان ذلك بعد صلاة الصبح كما جاء في رواية والموعظة من الوعظ وهو النصح والتذكير بالعواقب وتنوينها للتعظيم أي موعظة جليلة كما يدل عليه رواية بليغة أي بلغت إلينا وأثرت في قلوبنا. قوله: (وجلت) أي خافت وكأنه كان مقام تخويف ووعيد ومن للتعليل أي من أجلها وأخر عما قبله لأنه إنما ينشأ غالباً عنه وفيه أنه ينبغي للعالم أن يعظ أصحابه ويذكرهم ويخوفهم بما ينفعهم في دينهم ودنياهم ولا يقتصر بهم على مجرد معرفة الأحكام والحدود والرسوم وأنه ينبغي المبالغة في الموعظة لترقيق القلوب فيكون أسرع إلى الإجابة قال تعالى: {وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} ومن

فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة موَدِّع فأوصنا، قال: "أوصِيكُمْ بتَقوَى اللهِ [عز وجل]، والسَّمع والطَّاعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم كان إذا خطب -صلى الله عليه وسلم- وذكر الساعة اشتد غضبه وعلا صوته واحمرت عيناه وانتفخت أوداجه كأنه منذر جيش يقول صبحكم مساكم وطلبت بلاغة الخطبة لأنها قرب إلى قبول القلوب واستجلابها إذ البلاغة هنا البلاغة في التوصيل إلى إفهام المعاني المقصودة وإدخالها قلوب السامعين بأحسن صورة من الألفاظ الدالة عليها وأفصحها وأحلاها للأسماع وأوقعها في القلوب وكان -صلى الله عليه وسلم- لا يطيل خطبته بل يبلغ ويوجز. قوله: (فقلنا يا رسول الله الخ) كأن وجه فهم ذلك مزيد مبالغته -صلى الله عليه وسلم- في التخويف والتحذير على خلاف ما كانوا يألفون منه قبل فظنوا أن ذلك لقرب وفاته ومفارقته لهم فإن المودع يستقصي ما لا يستقصي غيره في القول والفعل وفيه جواز تحكيم القرائن والاعتماد (عليها) في بعض الأحوال لأنهم إنما فهموا توديعه بقرينة إبلاغه في الموعظة أكثر من العادة كما تقرر واحتمال أنه أشار إلى توديعهم نظير ما وقع في حجة الوداع ففهموا ما سأله منه بعيد بدليل قوله (قولهم كأنها). قوله: (فأوصنا) أي وصية جامعة كافية فإنهم لما فهموا أنه مودع استوصوه وصية تنفعهم ويتمسك بها بعده ويكون فيها كفاية للمتمسك بها وسعادة له في الدارين ويؤخذ منه أنه ينبغي لتلامذة العالم أن يسأله في مزيد وعظهم وتخويفهم ونصحهم وفيه اغتنام أوقات أهل الدين والخير قبل فراقهم. قوله: (أوصيكم بتقوى الله) جمع في هذا اللفظ كل ما يحتاج إليه من أمور الآخرة لما مر أن التقوى امتثال الأوامر واجتناب النواهي وتكاليف الشرع لا تخرج عن ذلك والوصية بالتقوى هي وصية الله للأولين والآخرين قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ} وتقدم الكلام على معنى التقوى وأصل اشتقاقها في الحديث الذي قبل هذا. قوله: (والسمع والطاعة) معطوف على التقوى من عطف الخاص على العام لمزيد الاهتمام بشأنه ولذا جمع بين السمع والطاعة تأكيداً لمزيد العناية بهذا المقام ويصح أن يكون عطف مغاير من حيث إن أظهر مقاصد التقوى انتظام الأمور

وإنْ تأمَّرَ عليكُمْ عَبْدٌ [حبشي]، وإنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنكُمْ فسيَرَى اختِلافاً كثيراً، فعَلَيكُمْ بِسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلفاءِ الرَّاشِدينَ المَهْدِيِّينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأخروية. وقوله: (وإن تأمر عليكم عبد) هذا إما من باب ضرب المثل بغير الواقع على طريق الفرض والتقدير وإلا فهو لا تصح ولايته أو من باب الإخبار بالغيب وإن نظام الشريعة يختل حتى توضع الولايات في غير أهلها والمراد بالطاعة حينئذٍ الصبر إيثاراً لأخف الضررين إذ الصبر على ولاية من لا تجوز ولايته أهون من إثارة الفتنة التي لا دواء لها ولا خلاص منها ويرشد إلى الأخير تعقيب ذلك بقوله (وإنه من يعيش منكم الخ) ففيه من معجزاته -صلى الله عليه وسلم- الإخبار بما يقع بعده من كثرة الاختلاف وغلبة المنكر وقد كان -صلى الله عليه وسلم- عالماً ذلك جملة وتفصيلاً لما صح أنه كشف له -صلى الله عليه وسلم- عما يكون إلى أن يدخل أهل الجنة والنار منازلهم ولم يكن -صلى الله عليه وسلم- بينه لكل أحد إنما كان يحذر منه على العموم ثم يلقى إلى الآحاد تفصيل بعض من ذلك كحذيفة وأبي هريرة رضي الله عنهما. قوله: (فعليكم بسنتي) أي الزموها والباء صلة وسنته -صلى الله عليه وسلم- طريقته وسيرته القويمة التي هو عليها مما أصله من الأحكام الاعتقادية والعملية الواجبة والمندوبة وغيرها (وسنة الخلفاء) وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن رضي الله عنهم أي طرائقهم فإنهم أشاعوا الدين ثم تقليدهم في حق المقلد الصرف في تلك الأزمنة القريبة من زمن الصحابة أما في زماننا فقال بعض أئمتنا لا يجوز تقليد غير الأربعة الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد رضي الله عنهم لأن هؤلاء عرفت قواعد مذاهبهم واستقرت أحكامها وخدمها تابعوهم وحرروها فرعاً فرعاً وحكماً حكماً فقل أن يوجد فرع إلا وهو منصوص لهم إجمالاً أو تفصيلاً بخلاف غيرهم فإن مذاهبهم لم تحرر وتدون كذلك فلا تعرف لها قواعد تتخرج عليها فلم يجز تقليدهم فيما حفظ عنهم منا لأنه قد يكون مشروطاً بشروط أخرى وكلوها إلى فروعها من قواعدهم فقلت الثقة لخلو ما حفظ عنهم من

عضُّوا علَيهَا بالنَّواجِذِ، وإياكم ومُحدَثاتِ الأمورِ، فإن كُل بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قيد أو شرط فلم يجز التقليد حينئذٍ والمراد بالتقليد الممنوع فيما عدا الأربعة التقليد في الفتيا والقضاء إما لعمل الإنسان في حق نفسه فلا منع فيما صح عنده عمن نقل عنه بشرط علمه بجميع ما يشترطه القائل به وموانعه عنده. قوله: (عضوا عليها بالنواجذ) أمر من عض فلان أخذ شيئاً بالعض وهو السنن والنواجذ بالمعجمة جمع ناجذ آخر الأضراس الذي يدل نباته على الحلم من فوق وأسفل من كل من الجانبين فللإنسان أربع نواجذ وقيل الأنياب، المعنى على كل من القولين عضوا عليها بجميع الفم وهو عبارة عن النهش وهو الأخذ بأطراف الأسنان فو إما مجاز بليغ فيه تشبيه المعقول بالمحسوس أو كناية عن شدة التمسك بالسنة والجد في لزومها كفعل من أمسك الشيء بنواجده وعض عليه لئلا ينزع منه لأن النواجذ ممددة فإذا عضت على شيء نشبت فيه فلا يتخلص وقيل معناه الأمر بالصبر على ما يصيبه من العض في ذات الله عزّ وجلّ كما يفعله المتألم مما أصابه من الألم. قوله: (وإياكم ومحدثات الأمور) منصوبان على التحذير والأصل باعدوا أنفسكم واحذروا محدثات الأمور أي الأخذ بالأمور المحدثة في الدين واتباع غير سنن الخلفاء الراشدين فإنه بدعة وأن كل بدعة -وهي شرعاً ما أحدث على خلاف أمر الشارع ودليله الخاص أو العام- ضلالة إذ الحق فيما جاء به الشرع فما لا يرجع إليه يكون ضلالة إذ ليس بعد الحق إلا الضلال، وتقدم في الحديث الثاني زيادة بسط في هذا المقام حاصله أن البدعة التي هي ضلالة ما ليس لها أصل في الشرع إنما الحامل عليها مجرد الشهوة أو الإرادة فهذا باطل قطعاً، إما ما لها أصل في الشرع إما يحمل النظير على النظير أو بغير ذلك فإنها حسنة إذ هي سنة الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين والمبتدع ليس مذموماً لمجرد لفظ محدث أو بدعة فإن القرآن باعتبار لفظه وإنزاله وصف بالمحدث أول سورة الأنبياء إنما منشأ الذم ما اقترن به من مخالفته للسنة ودعايته للضلالة والحاصل أن البدعة منقسمة إلى الأحكام الخمسة لأنها إذا عرضت على القواعد الشرعية لم تخل عن واحد من تلك الأحكام فمن البدع الواجبة الاشتغال بالعلوم العربية

رويناه في سنن أبي داود والترمذي ـــــــــــــــــــــــــــــ المتوقف عليها فهم الكتاب والسنة كالنحو والصرف وبعلوم الحديث من جرح الرواة وتعديلهم وتمييز صحيح الحديث من سقيمه وتدوين العلوم الشرعية لأن حفظ الشريعة فرض كفاية فيما زاد على المتعين كما دلت عليه القواعد الشرعية ولا يتأتى حفظها إلا بذلك وما لا يتم الواجب المطلق إلا به واجب، ومن البدع المحرمة مذاهب سائر أهل البدع لمخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة، ومن البدع المندوبة أحداث نحو الربط والمدارس وكل إحسان لم يعهد في الصدر الأول والكلام في دقائق التصوف، ومن البدع المكروهة زخرفة المساجد وتزويق المصاحف، ومن البدع المباحة التوسع في لذائذ المآكل والمشارب والملابس وتوسيع الأكمام وقد يختلف العلماء في ذلك فبعضهم يجعله مكروهاً وبعضهم سنة وتقدم الكلام في المصافحة عقب صلاتي الصبح والعصر في باب المصافحة. وبما تقرر علم أن قوله ومحدثات الأمور عام أريد به خاص إذ سنة الخلفاء الراشدين منها مع أنا أمرنا باتباعها لرجوعها إلى أصل شرعي وكذا سنتهم عام أريد به خاص إذ لو فرض خليفة راشد في عامة أمره حين سنة لا يعضدها دليل شرعي امتنع اتباعها ولا ينافي ذلك لأنه قد يخطيء المصيب ويزيغ المستقيم يوماً وفي الحديث لا حليم إلا ذو عشرة ولا حكيم إلا ذو تجربة. قوله: (رويناه في سنن أبي داود والترمذي) وكذا رواه أحمد والدارمي في مسنديهما وابن ماجه في سننه وأخرجه الحاكم في صحيحه بنحوه وكذا أخرجه الطبراني والبغوي في معجم الصحابةكقوله طرق كثيرة ثم ظاهر كلام الشيخ هنا وفي كتاب الأربعين له أن هذا اللفظ عند أبي داود والترمذي ولفظ أبي داود قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل: يا رسول الله كأن هذا موعظة مودع فماذا تعهد إلينا قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وأن تأمر عليكم عبد حبشي فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضواً عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ولفظ الترمذي نحو هذا لكن بعد صلاة الغداة وفيه وأن عبد حبشي وفيه

وقال: حديث حسن صحيح. الخامس والعشرون: عن أبي مسعود ـــــــــــــــــــــــــــــ وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضواً عليها بالنواجذ وفي بعض الطرق تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها فلا يزيغ عنها بعدي منكم إلا كل هالك وأنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وزاد ابن ماجه والحاكم والطبراني وآخرون في آخر الحديث فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد لكن أنكر جمع من الحفاظ هذه الزيادة وقالوا إنها مدرجة وأجيب بأن ابن ماجه أخرجه بإسناد جيد متصل ورواته ثقات مشهورون وقد صرح بسماع يحيى راويه عن العرباض وبه صرح البخاري في تاريخه -أي وإن أنكره حفاظ أهل الشام- وقيل إن البخاري في تاريخه يقع له أوهام في أخبار أهل الشام وهم أعرف بشيوخهم وأشار السخاوي إلى أن هذه الزيادة عند ابن ماجه والحاكم والطبراني وأبي نعيم ومداره عندهم على معاوية بن صالح عن ضمرة عن عبد الرحمن بن عمر والسلمي أنه سمع العرباض فذكره قال: وفي آخره عندهم فإنما المؤمن الخ قال: ولم ينفرد به عبد الرحمن بل رواه الحاكم أيضاً من حديث عمرو بن أبي سلمة التنيسي وتمام في فوائده من حديث مروان بن محمد الطاطري كلاهما عن عبد الله بن العلاء بن زيد عن يحيى بن أبي المطاع قال سمعت العرباض وذكره وكذا رواه الطبراني والثقفي في أول الأربعين له معاً من حديث إبراهيم بن عبد الله بن العلاء عن أبيه لكن جعله عن يحيى عن العرباض بالعنعنة ورواه تمام أيضاً من طريق آخر عن عبد الله بن العلاء وفيه أنه قال: حدثني به يحيى بن أبي المطاع أنه سمع من العرباض وأخرجه ابن ماجه عن عبد الله كذلك والله أعلم. قوله: (وقال) يعني الترمذي (حديث حسن صحيح) وفي نسخة الاقتصار على حسن وقال الحاكم إن الحديث صحيح على شرط الشيخين وصححه ابن حبان بل وعزا الحافظ تصحيحه إلى ابن خزيمة وقال أبو نعيم إنه جيد من صحيح حديث الشاميين

البدريّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " إن مِمَّا أدرَكَ الناسُ مِنْ كلام النُّبُوةِ الأولى: إذَاَ لم تَسْتَح فاصْنَعْ ما شِئْتَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قال السخاوي وفي الباب عن جماعة من الصحابة اهـ. قوله: (البدري) نسبة إلى بدر سكناً لا شهوداً مع النبي -صلى الله عليه وسلم- على الأصح الذي قال به الجمهور، وتقدم أنه الأرجح، والذي ذهب إليه البخاري ومسلم في آخرين أنه شهدها وتقدمت ترجمته في باب ما يقول إذا أراد النوم واضطجع على فراشه. قوله: (إذا مما أدرك النّاس) أي مما وصل إليهم وظفروا به ومن ابتدائية خبر إن واسمها قوله إن لم تستح الخ على تأويل هذا القول والعائد إلى ما محذوف وفاعل أدرك النّاس أو ضمير يعود إلى ما والناس مفعوله لكن الرواية كما قال الكازروني على الأول وقوله من كلام النبوة أي ذوي النبوة المتقدمة على نبوة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- في الوجود وحاصل معناه أن مما اتفقت عليه الشرائع إذا لم تستحي الخ لأنه جاء في أولاها تتابعت بقيتها عليه فالحياء لم يزل في سائر الشرائع ممدوحاً ومأموراً به لم ينسخ في شرع وقد جاء في رواية لم يدرك النّاس من كلام النبوة الأولى إلا هذا. قوله: (إذا لم تستحي) من الاستحياء فالياء الأخيرة محذوفة للجازم وفي نسخة "تستح" بحذف الياءين وقوله (فاصنع ما شئت) وعيد وتهديد لمن ترك الحياء أي اصنع ما شئت فإنك مجازى عليه فهو كقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} أو المراد به الخبر كقوله: فليتبوأ مقعده من النار ومعناه أن عدم الحياء يوجب الاستهتار والانهماك في هتك الأستار أو المراد أن ما لا يستحي من الله ولا من النّاس في فعله إذا ظهر فافعله وإلا فلا فهو أمر إباحة قيل والأول أولى وأظهر ولم يذكر أحد في الآية غيره فيما يعلم فعلم أن الحياء من أشرف الخصال وأكمل الأحوال ومن ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: الحياء خير كله الحياء لا يأتي إلا بخير وصح أن الحياء شعبة من الإيمان وليس من الحياء كما تقدم في باب وعظ الإنسان من هو أجل منه ما يمنع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع وجود شرطه بل ذاك جبن وخور وكذا ما يمنع السؤال عن مهمات المسائل في الدين إذا أشكلت عليه وفي الحديث عن عائشة نعم النساء

رويناه في البخاري. السادس والعشرون: عن جابر رضي الله عنه: "أن رجلاً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أرأيتَ إذا صليتُ المكتوباتِ، وصمتُ رمضانَ، وأحللتُ الحلالَ، وحرَّمتُ الحرام، ولم أزد على ذلك شيئاً أدخل الجنة؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ نساء الأنصار لم يمنعهم الحياء أن يسألن عن أمر دينهن وفي حديث إن ديننا هذا لا يصلح لمستحي -أي حياء مذموماً- ولا لمتكبر وتقدم في ذلك الباب الكلام على تعريف الحياء وما يتعلق به فراجعه. قوله: (رويناه في البخاري) قال في الجامع الصغير ورواه أحمد وأبو داود والنسائي من حديث أبي مسعود ورواه أحمد أيضاً من حديث حذيفة وبما تقرر في شرح الحديث علم أن عليه مدار الإسلام وبيانه أن فعل المكلف إما أن يستحيا منه أو لا الأول الحرام والمكروه والثاني الواجب والمندوب والمباح فقد تضمن الأحكام الخمسة ولم يشذ عنه منها شيء. قوله: (أن رجلاً) هو النعمان بن قوقل بفتح القافين. قوله: (صليت المكتوبات) أي الخمس من كتب بمعنى فرض وأوجب. قوله: (وأحللت الحلال الخ) قال المصنف في الأربعين له معنى قوله حرمت الحرام اجتنبته ومعنى أحللت الحلال فعلته معتقداً حله ونظر فيه بعض الشراح قال وأوجه منه قول ابن الصلاح الظاهر أنه قصد به اعتقاد حرمته وأن لا يفعل بخلاف الحلال فإنه يكفي فيه مجرداً اعتقاد كونه حلالاً وإن لم يفعله اهـ. ويوجه بأنا لسنا مكلفين بفعل الحلال من حيث ذاته بل لمصالح تترتب على فعله فلم يكن فعله مشترطاً في دخول الجنة بخلاف الحرام فإنا مكلفون باجتنابه واعتقاد تحريمه لذاته فيهما من غير نظر لما يترتب عليه ولم يذكر من المفروضات الزكاة والحج لعدم فرضهما إذ ذاك أو لكونه لم يخاطب بهما وترك الحرام يشملهما لأن ترك الفريضة من المحرمات. قوله: (أدخل الجنة) همزة الاستفهام فيه مقدرة أي أدخلها ابتداء من غير عقب كما هو ظاهر من السياق والقواعد إذ مطلق دخولها إنما يتوقف على التوحيد فقط كما دلت عليه أحاديث صحيحة وما

قال: نَعَمْ" رويناه في مسلم. السابع والعشرون: عن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: "قلت: يا رسول لله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرَك، قال: "قُلْ: آمَنْتُ باللهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ" رويناه في مسلم. قال العلماء: هذا الحديث من جوامع كلمه -صلى الله عليه وسلم- وهو مطابق ـــــــــــــــــــــــــــــ جاء في أحاديث صحيحة أيضاً من أن بعض الكبائر تمنع من دخولها كقطع الرحم والكبر محمول على المستحل لذلك مع العلم بالتحريم أو المراد لا يدخلها مع الناجين الفائزين. وقوله: (نعيم) جواب لذلك السؤال أي نعم تدخلها وفيه دليل لجواز ترك التطوعات رأساً وإن تمالأ عليه أهل بلد فلا يقاتلون ومن قال يقاتلون يحتاج إلى دليل وإن كان في ترك التطوعات التي شرعت جبراً لنقص الفرائض وزيادة التقرب بها إلى الله تعالى حتى يحب فاعلها فإذا أحبه كان سمعه الذي يسمع به الحديث تفويت لذلك الربح العظيم والثواب الجسيم وإسقاط للمروءة ورد للشهادة لأن مداومة تركها يدل على نوع تهاون بالدين نعم إن قصد بتركها الاستخفاف بها والرغبة عنها كفر. قوله: (روينا في صحيح مسلم) وهو حديث جامع للإسلام أصولاً وفروعاً لأن أحكام الشرع إما قلبية أو بدنية وعلى التقديرين إما أصلية أو فرعية فهي أربعة بحسب القسمة ثم جميعها إما مأذون فيه وهو الحلال أو ممنوع منه وهو الحرام واللام في الحلال للعهد والمراد به المأذون في فعله واجباً كان أو مندوباً أو مباحاً أو مكروهاً وفي الحرام للاستغراق فإذا أحل كل حلال وحرم كل حرام فقد أتى بجميع وظائف الشرع وذلك مستقل بدخول الجنة قال الكازروني: إن قلت ظاهر الحديث أن الأعمال الصالحة أسباب دخول الجنة لأن تعليق الحكم على الوصف يشعر بالعلية وقد ثبت في الصحاح مرفوعاً لن ينجي أحداً منكم عمله قالوا: ولا أنت قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته فما التوفيق، قلت دخول الجنة بمحض رحمة الله ليس إلا وأما اختلاف مراتبها فبحسب العمل لكن لا بد للعبد أن يستعد لفضله وذلك بالعمل. قوله: (السابع والعشرون) تقدم الكلام على ما يتعلق به متناً وتخريجاً في كتاب حفظ اللسان.

لقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأحقاف: 13] قال جمهور العلماء: معنى الآية والحديث: آمِنوا والتزِموا طاعة الله. الثامن والعشرون: حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سؤال جبريل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإيمان والإسلام والإحسان والساعة، وهو مشهور في "صحيح مسلم" وغيره. التاسع والعشرون: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كنت خَلْف النبي -صلى الله عليه وسلم- يوماً فقال: "يا غُلامُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (الثامن والعشرون) قال القاضي عياض هو حديث متفق على عظم موقعه وكثرة أحكامه لاشتماله على جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة من عقود الإيمان وأعمال الجوارح وإخلاص السرائر والتحفظ من آفات الأعمال حتى أن علوم الشريعة كلها راجعة إليه ومتشعبة منه أي فهو جامع لطاعات الجوارح والقلب أصولاً وفروعاً قال القرطبي: حقيق بأن يسمى أم السنة كما سميت الفاتحة أم القرآن لتضمنها جمل معانيه وقال بعضهم لو لم يكن في السنة جميعها غيره لكان وافياً بأحكام الشريعة لاشتماله على جملها مطابقة وعلى تفاصيلها ومرجعه من القرآن والسنة كل آية أو حديث تضمن ذكر الإسلام أو الإيمان أو الإحسان أو الإخلاص أو المراقبة أو نحو ذلك. قوله: (وهو مشهور) أي على الألسنة. قوله: (في صحيح مسلم وغيره) وكذا رواه أصحاب السنن الأربعة ولم يخرج البخاري فيه شيئاً عن عمر إنما أخرج أصحاب السنن إلا الترمذي عن أبي هريرة نحوه. قوله: (كنت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم-) أي على دابته كما في رواية ففيه جواز الإرداف على الدابة إن أطاقته وقد أردف النبي -صلى الله عليه وسلم- على الدابة معه جماعة أفردتهم بتأليف فبلغوا أربعين إنساناً رضي الله عنهم. قوله: (يا غلام) بالضم لأنه نكرة مقصودة وفي رواية يا غليم وهو تصغير حنو وترقيق أو تعظيم باعتبار ما يؤول إليه حاله والغلام هو الصبي من حين يفطم إلى تسع سنين

إني أُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ: احْفَظِ الله يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجاهَكَ، إذا سَألْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسنه إذ ذاك نحو عشر سنين وقد توفي -صلى الله عليه وسلم- وهو ابن عشر أو ثلاث عشرة سنة. قوله: (إني أعلمك كلمات) أي نافعات كما جاء في رواية ينفعك الله بهن وفائدة هذا التمهيد أن يكون الكلام أوقع في النفس لأنه لما يقول له ذلك يشتد شوقه إليه وتقبل نفسه عليه وجاء بها بصيغة جمع القلة. ليؤذنه بأنها قليلة اللفظ فيسهل حفظها وآذنه بعظيم خطرها ورفعة مجلها بتنوينها وفي تأهيله -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس لهذه الوصايا الخطيرة القدر الجامعة من الأحكام والحكم والمعارف ما يفوق الحصر دليل على أنه -صلى الله عليه وسلم- علم ما سيؤول إليه أمر ابن عباس من العلم والمعرفة وكمال الأخلاق والأحوال الباطنة والظاهرة. قوله: (احفظ الله) أي بحفظ دينه وأمره أي كن مطيعاً لربك مؤتمر بأوامره منتهياً عن نواهيه وزواجره فإن تحفظه كذلك (يحفظك) في نفسك وأهلك ودنياك سيما عند الموت إذ الجزاء من جنس العمل وهي منصوبة المحل على أنها عطف بيان أو بدل لكلمات أو استئناف وهي من أبلغ العبارات وأوجزها وأجمعها لسائر أحكام الشريعة قليلها وكثيرها فهو من بدائع جوامعه -صلى الله عليه وسلم- التي اختصه الله تعالى بها. قوله: (احفظ الله تجده تجاهك) بصم التاء وفتح الهاء وأصله وجاهك بضم الواو وكسرها ثم قلبت تاء كما في تراث. وهو بمعنى أمامك في الرواية الثانية أي تجده معك بالحفظ والإحاطة والتأييد والإعانة حيثما كنت فتأنس به وتستغني به عن خلقه فهو تأكيد لما قبله وهو من المجاز البليغ لاستحالة الجهة عليه تعالى فهو على حد إن الله مع المتقين فهي معنوية لا ظرفية وخص الأمام من بقية الجهات الستة إشعاراً بشرف المقصد وأن الإنسان مسافر إلى الآخرة غير قار في الدنيا والمسافر إنما يطلب أمامه لا غير فكان المعنى حيثما توجهت وتيممت وقصدت من أمر الدارين وقيل إن هذه الجملة استعارة تمثيلية شبه حاله في معاونة الله له ومراعاته أحواله وسرعة إنجاحه حاجته بحال من جلس أمامه يحفظه ويراعيه. قوله: (إذا سألت) أي أردت السؤال

فاسألِ اللهَ، وإذَا اسْتَعَنْتَ فاسْتَعِنْ باللهِ، وَاعْلَمْ أنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ على أنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إلاَّ بشَيءٍ قَد كَتَبَهُ الله لَكَ، وَإنِ اجْتَمَعُوا على أنْ يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إلا بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله عَلَيكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (فاسأل الله) أي وحده في السؤال فإن خزائن العطاء عنده لا معطي ولا مانع إلا هو قال الله تعالى: {وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ} وفي الحديث من لم يسأل الله يغضب عليه ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله إذا انقطع وروي أنه تعالى قال لموسى صلى الله على نبينا وعليه وسلم: يا موسى سلني في دعائك -وجاء: في صلاتك- حتى ملح عجينك فلا يعتمد في أمر من الأمور إلا على مولاه لأنه المانع المعطي لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع فلا يركن العبد إلى أحد سواه فبقدر ميل القلب إلى مخلوق يبعد عن مولاه لضعف يقينه ووقوعه في هوة الغفلة عن حقائق الأمور التي تيقظ لها أرباب التوكل واليقين فأعرضوا عما سواه وأنزلوا جميع حوائجهم بباب كرمه وجوده لأنه المتكفل لكل متوكل بما يحبه ويتمناه قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} قوله: (وإذا استعنت) أي طلبت الإعانة في شيء من الأمور (فاستعن بالله) وحده لما علمت أنه سبحانه هو القادر وغيره عاجز عن كل شيء حتى عن جلب مصالح نفسه ودفع مضارها والاستعانة إنما تكون بقادر على الإعانة أما من هو كل على مولاه لا قدرة له على إنفاذ ما يهواه لنفسه فضلاً عن غيره فكيف يؤهل للاستعانة أو يستمسك بسببه فلا يستعان إلا بالله كما أفاده تقديم المعمول المؤذن بالحصر في قوله: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فمن أعانه مولاه فهو المعان ومن خذله فهو المخذول وكتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز لا تستعن بغير الله يكلك إليه وقد أرشد -صلى الله عليه وسلم- إلى الخروج عن السوي في جميع الأحوال والإقبال على المولى والتوكل عليه في كل حال وقد أكد التوكل عليه تعالى حيث قال (واعلم أن الأمة لو اجتمعت الخ) كما يشهد به قوله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ} وإن يردك بخير فلا راد لفضله والمعنى وحد الله تعالى في لحوق الضرر والنفع فهو الضار النافع ليس معه أحد في ذلك لما تقرر أن أزمة الموجودات بيده سبحانه منعاً وإطلاقاً فإذا أراد غيرك ضرك بما لم يكتب عليك دفعه تعالى عنك بصرف ذلك الغير عن مراده بعارض من عوارض القدرة

رُفِعَتِ الأقْلامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ" رويناه في الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. وفي رواية غير الترمذي زيادة: "احْفَظِ اللهَ تَجِدْه أمامَكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الباهرة مانع من الفعل من أصله كمرض أو نسيان أو صرف قلب أو من تأثيره ككسر قوسه وفساد رميه فهذا تقرير وتأكيد لما قبله من الإيمان بالقدر خيره وشره وتوحيده تعالى في لحوق الضرر والنفع على أبلغ برهان وحث على التوكل والاعتماد على الله تعالى في جميع الأمور وعلى شهود أنه تعالى وحده هو المؤثر في الوجود النافع الضار وغيره ليس له شيء من ذلك وعلى الإعراض عن السوى أن من تيقن ذلك لم يشهد الضر والخير إلا من مولاه ولم ينزل حاجته إلا به ونعوذ بالله من اعتقاد نفع أو ضر من يد غيره تعالى فإن ذلك هو عين الشرك الأصغر بل الأكبر كما لا يخفى وقوله كتبه الله لك وكتبه عليك موافق لما مر من قوله -صلى الله عليه وسلم- يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد. قوله: (رفعت الأقلام) أي تركت وتمت كتابة ما كان وما يكون لفراغ الأمر وانبرامه. قوله: (وجفت الصحف) أي التي فيها مقادير الكائنات كاللوح المحفوظ أي فرغ من الأمر وجفت كتابته لأن الصحيفة حال كتابتها لا بد أن تكون رطبة المداد أو بعضه فلم يمكن بعد ذلك أن يكتب فيها تبديل أو نسخ لما كتب من ذلك واستقر لما أنها أمور لا تبدل ولا تغير عما هي عليه فذلك كناية عن تقدم كتابة المقادير كلها والفراغ منها من أمد بعيد وهذا من أحسن الكنايات وأبلغها وقد دل الكتاب والسنة على ذلك فمن علم ذلك وشهده بعين بصيرته هان عليه التوكل على مولاه والإعراض عما سواه فإن قلت هذا الخبر ينافي قوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} قلنا: لا لأن المحو والإثبات مما جف به الصحف أيضاً لأن القضاء مبرم ومعلق ذكره الكازروني. قوله: (رويناه في الترمذي) قال بعض المحققين رواه جماعة من طرق عن ابن عباس وجاء أنه -صلى الله عليه وسلم- وصاه بذلك عن علي وأبي سعيد وسهل بن سعد وعبد الله بن جعفر وفي أسانيدها كأنها ضعف قال ابن منده وغيره وأصح الطرق كلها الطريق التي أخرجها الترمذي. قوله: (وفي رواية غير الترمذي) وهو عبد بن حميد في مسنده لكن بإسناد ضعيف

تَعَرَّف إلى الله في الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ في الشِّدَةِ، واعْلَمْ أن ما أخْطَأكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ورواه أحمد بإسنادين منقطعين يا غلام أو يا غليم ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن فقلت: بلى فقال: احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة فإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله قد جف القلم بما هو كائن فلو أن الخلق جميعاً كلهم أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يقضه الله لم يقدروا عليه وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه واعلم أن الصبر على ما تكره خير كثير وأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسراً وهذا أتم من حديث عبد بن حميد الذي ذكره المصنف بقوله وفي رواية غير الترمذي احفظ الله الخ. قوله: (تعرف إلى الله في الرخاء) أي تحبب إليه سبحانه بلزوم طاعته واجتناب مخالفته لأن المعرفة سبب المحبة، والرخاء اليسر. وقوله: (يعرفك في الشدة) أي يمدك فيها بتفريجها عنك وجعله لك من كل ضيق فرجاً ومن كل هم مخرجاً بواسطة ما سلف منك من ذلك التعرف كما جرى في حديث الثلاثة أصحاب الغار السابق بيانه في باب دعاء الإنسان وتوسله بصالح عمله وقيل يجوز أن يكون على تقدير مضاف أي (تعرف) إلى ملائكة الله في الرخاء بالتزامك الطاعة وإظهار العبادة يعرفك في الشدة بواسطة شفاعتهم عنده في تفريج كربك وغمك ويدل لذلك ما في حديث أن من له دعاء حال الرخاء إذا دعا حال الشدة قالت الملائكة ربنا هذا صوت نعرفه وإذا لم يدع حال الرخاء ودعا حال الشدة قالوا ربنا هذا صوت لم نعرفه اهـ. ونظر فيه بأنه تكلف والحديث بتقدير صحته لا يؤيده فالأولى ما تقرر أولاً. فائدة كل من معرفة العبد وربه عامة وخاصة فمعرفة العبد العامة هي الإقرار بوحدانية الله سبحانه وربوبيته والإيمان به والخاصة هي الانقطاع إليه والأنس به والطمأنينة بذكره والحياء منه وشهوده في كل حال، ومعرفته تعالى العامة هي علمه بعباده واطلاعه على ما أسروا وأعلنوا والخاصة هي محبته لعبده وتقريبه إليه وإجابة دعائه (وإنجاؤه) من الشدائد ولا يظفر بهذه الخاصة إلا من تحلى بتلك الخاصة. ثم ذكر عقد هذه الوصية وفريدتها في قوله (واعلم أن ما أخطأك) أي من المقادير فلم

لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، ومَا أصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ" وفي آخره "وَاعْلَمْ أن النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يصل إليك (لم يكن) مقدار عليك (ليصيبك) لأنه بان بكونه أخطأك أنه مقدر على غيرك وفي الكلام مبالغة من وجوه من حيث دخول اللام المؤكدة للنفي على معمول الخبر وتسليط النفي على الكينونة وسرايته في الخبر (وما أصابك) منها (لم يكن) مقدراً على غيرك (ليخطئك) وإنما هو مقدر عليك إذ لا يصيب الإنسان إلا ما قدر عليه والمعنى أنه فرغ ما أصابك أو أخطأك من خير أو شر (فما أصابك فإصابته لك محتومة فلا يمكن أن يخطئك وما أخطأك فسلامتك منه محتومة فلا يمكن أن يصيبك لأنها سهام صائبة) وجهت من الأزل فلا بد أن تقع مواقعها وفي الحديث المرفوع (إن) لكل شيء حقيقة وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه رواه أحمد ففي ذلك حث على التفويض والتوكل على الله سبحانه ونفي الحول والقوة عن السوى مع شهود أنه سبحانه الفاعل لما يشاء وأن ما قضاه وأبرمه لا يمكن أن يتعدى حده المقدر له وهذا راجع إلى قوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} الآية وإنما قلنا هذه الجملة واسطة عقد هذه الوصية لأن ما قبلها وما بعدها مفرع عليها راجع إليها فإن من علم أنه لن يصيبه إلا ما كتب له من خير أو شر وإن اجتهاد الخلق كلهم بخلاف المقدور لا يجدي شيئاً البتة علم أنه سبحانه هو المعطي المانع الضار النافع فأفرده بالطاعة وحفظ حدوده وخافه ورجاه وأحبه وقدم طاعته على طاعة خلقه كلهم وأفرده بالاستعانة والسؤال والتضرع إليه والرضا بقضائه حالتي الشدة والرخاء والمنع والعطاء. قوله: (واعلم أن النصر مع الصبر الخ) وجه مناسبتها لما قبلها أنه لما ذكر في سابقها تصريف الأقدار وأن كل شيء بمقدار نبه -صلى الله عليه وسلم- على أن الإنسان لا سيما الصالحون في التقدير الإلهي معرضون للمحن والمصائب وطروق المنغصات والمتاعب فينبغي للإنسان إن لم يقر بمقام الرضا أن يتحلى بالصبر على مر القضاء وينتظر

وأنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وأن مَعَ العُسْرِ يُسْراً" هذا حديث عظيم الموقع. ـــــــــــــــــــــــــــــ وعد الله على ذلك فإنه وعد أن عليه صلوات الله ورحمته وأنه مهتد وروى الترمذي أن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط، وقوله إن النصر مع الصبر أي النصر على أعداء دينه ودنياه إنما يوجد مع الصبر على طاعة مولاه وعن معصيته فهو سبب للنصر قال تعالى: {وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} أي بالإعانة وفيه الحث على التوكل على المولى والخروج من الحول والقوى ومن ثم كان الغالب على من انتصر لنفسه عدم النصر والظفر وعلى من صبر ورضي بعلم الله وحكمه تعجيلهما له كما هو المعهود من مزيد كرمه وإحسانه. قوله: (وأن الفرج مع الكرب) أي أن الخروج من الغم يحصل سريعاً وهو الغم الذي يأخذ بالنفس فينبغي لمن نزل به أن يكون صابراً محتسباً راجياً سرعة الفرج مما نزل به حسن الظن بمولاه في جميع أحواله فإنه أرحم به من كل راحم حتى من أبويه وفيه أن المحن من أبواب المنح كما يدل عليه قوله وإن مع العسر يسرا على أن في المحنة تعرفاً للعبد بوصف الجلال كما أن في المنحة تعرفاً بوصف الجمال كما قال من قال: إذا أعطاك أشهد بره وإذا منعك أشهد قهره فهو في كل ذلك مقبل عليك ومتعرف بإحسانه إليك. قوله: (وإن مع العسر يسراً) أي السهولة ومنه اليسار للغنى لأنه تسهل به الأمور ويقال لليد اليسرى لبقائها على اليسر أو لأن الأمور تتسهل بمعاونتها لليمنى والعسر نقيضه قال الجوهري كل ثلاثي أوله مضموم وأوسطه ساكن فمن العرب من يثقله ومنهم من يخففه ووقع في القرآن مكرراً ليعلم أنه لا يوجد إلا معه يسران وقد جاء عنه -صلى الله عليه وسلم- لن يغلب عسر يسرين وروي ذلك عن جمع من الصحابة ووجهه ما قاله الزمخشري في الكشاف أن يسراً وقع منكراً للتعظيم فيغاير الأول لأن النكرة المعادة غير الأولى والعسر ورد معرفاً فيكون للعهد أو الجنس فهو واحد على التقديرين وقد نظم بعضهم هذا المعنى فقال: إذا اشتدت بك البلوى ... ففكر في الم نشرح فعسر بين يسرين ... إذا فكرته تفرح

الثلاثون: وبه اختتامها واختتام الكتاب، فنذكره بإسناد مستطرف، ونسأل اللهَ الكريم خاتمة الخير. أخبرنا شيخنا الحافظ أبو البقاء خالد بن يوسف النابلسي ثم الدمشقي رحمه الله تعالى قال: أخبرنا أبو طالب عبد الله، وأبو منصور يونس، وأبو القاسم حسين بن هبة الله ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن لطائف اقتران الفرج بالكرب والعسر باليسر الكرب إذا اشتد وتنامى أيس العبد من جميع المخلوقين وتعلق قلبه بالله تعالى وحده وهو حقيقة التوكل قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} ثم العسر المثبت في هذا الحديث كالآية غير المنفي في قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} لأن المثبت هو العسر في العوارض الدنيوية التي تطرق العبد مما لا يلائم نفسه من ضيق الأرزاق وتوالى المحن والفقر والفتن والمنفي هو العسر بالتكليف بالأحكام الشاقة قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}. ثم ما قرر في مع في محالها الثلاثة من أنها على بابها هو الظاهر إذ أواخر أوقات الصبر والكرب والعسر هي أول أوقات النصر والفرج واليسر فقد تحققت المقارنة بينهما. ثم الحديث باعتبار طريقه حديث عظيم الموقع وأصل كبير في رعاية حقوق الله تعالى والتفويض لأمره والتوكل عليه وشهود توحيده وتفرده وعجز الخلق وافتقارهم إليه وبهذا التقرير يصح أن يدعي في هذا الحديث أنه نصف الإسلام بل كله لأن التكاليف إما تتعلق بالله أو بغيره وهذا فيه بيان لجميع ما يتعلق به تعالى صريحاً وبغيره استلزاماً على أن ذلك كله مفهوم من أول جملة فيه وهي احفظ الله يحفظك وفيه أيضاً التصريح بجمل مستكثرة مما تتعلق بحقوق الآدميين أشير إليها بذكر الصبر وما بعده وقد أفرد الكلام (عليه بتصنيف "قوله فنذكره بإسناد مستظرف" أي لأن) رجاله كلهم دمشقيون. قوله: (ونسأل الله الكريم خاتمة الخير) أي بالوفاة على الإسلام مع الفوز برضا الملك السلام وما أحسن ما قيل: إن ختم الله بغفرانه ... فكل ما لاقيته سهل

بنِ صِصْري، وأبو يعلى حمزة، وأبو الطاهر إسماعيل، قالوا: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن هو ابن عساكر قال: أخبرنا الشريف أبو القاسم علي بن إبراهيم بن العباس الحسيني خطيب دمشق، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي بن يحيى بن سُلْوان، قال: أخبرنا أبو القاسم الفضل بن جعفر قال: أخبرنا أبو بكر عبد الرحمن بن القاسم بن الفرج الهاشمي قال: أخبرنا أبو مسهر قال: أخبرنا سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخَوْلاني، عن أبي ذرّ رضي الله عنه، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، عن جبريل -صلى الله عليه وسلم-، عن الله تبارك وتعالى أنه قال: "يا عِبادي إني حَرَّمْتُ الظُّلْمَ على نفسي ـــــــــــــــــــــــــــــ وتقدم في حديث ابن مسعود أن حسن الخاتمة ناشيء من حسن السابقة وأن الأعمال أمارات على شأن الإنسان والله المستعان. قوله: (ابن صصري) بكسر الصاد الأولى والراء وسكون الصاد الثانية وحروفه كلها مهملة. قوله: (الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن) قال الفاسي في كتاب ذيل التقييد بمعرفة رواة السنن والمسانيد علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقي الحافظ الكبير ثقة مؤلف تاريخ دمشق في ثمانين مجلداً مات سنة 581 في شهر رجب عن ثلاث وتسعين سنة. قوله: (أبو مسهر) الغساني والحديث معروف بأبي مسهر هذا وسيأتي ذكر من رواه عنه غير أبي بكر الهاشمي المذكور. قوله: (عن الله تعالى) وهذا من الأحاديث القدسية التي رواها النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ربه تبارك وتعالى وهي أكثر من مائة حديث جمعها بعضهم في مجلد وجمع منها الحافظ العلائي أربعين حديثاً خرجها ثم ذكر مخرجها من الأئمة المشهورين وسبق الفرق بينه وبين القرآن بعدم حرمة ترجمته بغير العربية ومسه مع الحدث وبطلان الصلاة بقراءته وعدم تعلق الثواب بتلاوة لفظه وغير ذلك ثم لهم في نقل ذلك طريقان إحداهما ما ذكره المصنف عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الله تعالى يقول كذا وكذا. قوله: (إني حرمت الظلم على نفسي) قال ابن القيم في بديع الفوائد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في أثناء كلام كتابته سبحانه على نفسه تستلزم إرادته لما كتبه ومحبته له ورضاه به أي كما في {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} وتحريمه على نفسه يستلزم بغضه لما حرمه وكراهته له وإرادة ألا يفعله فإن محبته للفعل تقتضي وقوعه منه وكراهته لأن يفعله تمنع وقوعه منه وهذا غير ما يحبه سبحانه ويكرهه من أفعال عباده فإن محبة ذلك منهم لا تستلزم وقوعه وكراهته منهم لا تمنع وقوعه ففرق بين فعله هو سبحانه وبين فعل عباده الذي هو مفعوله فهذا يحصل مع كراهته وبغضه له ويتخلف مع محبته له ورضاه به بخلاف فعله سبحانه فيهما فهذا نوع وذاك نوع فتدبر هذا الموضع فإنه من مزال الأقدام وتأمل أين تكون المحبة منه وكراهته موجبة لوجود الفعل ولمنع وقوعه ونكتة هذه المسألة هي الفرق بين ما يريد أن يفعله سبحانه وما لا يريد أن يفعله وبين ما يحب من عبده أن يفعله (وما لا يحب منه أن يفعله) ومن حقق هذا المقام زالت عنه شبهات وأوهام وقال: لا مانع من أنه تعالى يوجب على نفسه أو يحرم عليها وبين ذلك بما حاصله أن طلب الحي من نفسه أمر معقول وكذا أمره لها ونهيه قال تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} وقال {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} فإذا كان معقولاً أن يأمر الإنسان نفسه وينهاها والأمر والنهي طلب مع أن فوقه أمراً ونهياً فكيف يستحيل ممن لا آمر فوقه ولا ناهي وهو قد أخبر في كتابه أنه كتب على نفسه الرحمة فهذا إيجاب منه على نفسه وهو الموجب وهو متعلق الإيجاب الذي أوجب فأوجبه بنفسه على نفسه ونظير هذا الإيجاب التحريم في حديث إني حرمت الظلم الخ فهذا التحريم نظير ذلك الإيجاب ولا يلتفت إلى ما قيل في ذلك من التأويلات الباطلة وإذا كان معقولاً من الإنسان أن يوجب على نفسه ويأمرها وينهاها مع كونه تحت أمر غيره ونهيه فالآمر الناهي الذي ليس فوقه آمر ولا ناه كيف يستحيل في حقه أن يحرم على نفسه ويكتب عليها اهـ. ومن التأويلات ما قال بعضهم حرمت من التحريم وهو المنع سمي تقديسه عن الظلم تحريماً لمشابهته الممنوع في تحقق الندم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اهـ. ففيه استعارة تبعية شبه تنزهه تعالى عن الظلم باحتراز المكلف عما نهى الله عنه واستعار له لفظ التحريم ثم اشتق منه الفعل ولا حاجة إليه لأن الأصل الحقيقة وقد أمكنت فلا حاجة للعدول عنها والظلم لغة وضع الشيء في غير محله وعرفاً التصرف في حق الغير بغير حق أو مجاوزة الحد وهو بالمعنيين محال في حقه تعالى إذ لا حق لأحد معه سبحانه بل هو الذي خلق المالكين وأملاكهم وتفضل عليهم بها وحد لهم الحدود وحرم وأحل فلا حاكم يتعقبه ولا حق يترتب عليه تعالى عن ذلك علواً كبيراً وما ذكر من استحالة الظلم عليه تعالى هو قول الجمهور وهو الأصح وقيل إنه متصور منه لكنه لا يفعله عدلاً منه وتنزهاً عنه، قيل إن أراد هذا القائل جواز الظلم بالمعنيين المذكورين فهو هذيان ودعوى تصوره في غاية السقوط وأما قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} المنفي فيه المبالغة فيوهم ثبوت أصل الظلم فأجيب عنه بأن صفاته تعالى بلغت غاية الكمال فلو اتصف بالظلم لكان عظيماً فنفاه على حد عظمته لو كان ثابتاً أو أراد نفي الظلم لكن القليل منه بالنسبة إلى رحمته الذاتية كثير فلذا عبر بلفظ المبالغة، أو أن المراد به النسبة أي ليس منسوباً إلى الظلم بوجه لاستحالته في حقه كما يقال تمار وحناط نسبة للتمر والحنطة واستدلال بعضهم لتصوره في حقه تعالى بأن الحكيم إنما يمنع نفسه مما قدر على فعله ألا ترى أن آدمياً لو قال منعت نفسي صعود السماء استهزيء به أجيب عنه بأنه خارج على قضية الخطاب العادي المقصود به زجر العباد عنه وإعلامهم بامتناعه عليهم بالأولى فهو على حد {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} هذا فن بليغ من أساليب البلاغة لا ينكره إلا جامد الطبع فامتنع قياسه على قول الآدمي منعت نفسي صعود السماء بل شتان ما بينهما فإن هذه المقالة محض سفساف ولغو بخلاف قوله تعالى: "إني حرمت الظلم على نفسي الذي وطأ به لقوله: وجعلته بينكم محرماً ووطأ بهما لقوله: فلا تظالموا" فاتضح أن هذا السياق في غاية البلاغة وأنه لا ينافي استحالة الظلم عليه وأن من فهم بينهما تنافياً وفسر الظلم بغير معناه المتعارف السابق فلكلامه نوع احتمال كما يأتي وإلا فهو نوع من الهذيان كما سبق، وإن أراد ما هو ظلم عند العقل لو خلى ونفسه من حيث عدم مطابقته لقضيته فيكون

وَجَعَلْتُهُ بَينَكُمْ مُحَرَّماً فَلا تَظَالَمُوا، يا عِبادِي إنَّكُمُ [الَّذِين] تُخْطِئُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لكلامه نوع احتمال، قيل وقضية الحديث جواز إطلاق النفس على الله تعالى اهـ. وهو ظاهر حيث كان من باب المقابلة كآية {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} وكما هنا فإن المعنى حرمته على نفسي فنفوسكم بالأولى كما أفاده وجعلته بينكم محرماً فيحرم إطلاقه في محل لا مقابلة فيه لإيهامه حقيقة النفس وهي محال في حقه تعالى وقيل بجوازه حينئذٍ أيضاً وفي تقدم بيان وجهه في باب فضل الذكر وفارق على الأولى جواز إطلاق لفظ الذات عليه سبحانه كما في قول خبيب رضي الله عنه وذلك في ذات الإله الخ بأن ذات الشيء حقيقته فلا إشعار فيها بحدوث البتة بخلاف النفس فإنها تشعر بالنفس والحدوث فامتنع إطلاقها عليه تعالى (إلا في المقابلة إذ هي قرينة على أن المراد) غير حقيقتها وما يتبادر منها وأيضاً ففي إطلاقها عليه تعالى من غير مقابلة إيهام شمول قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} له تعالى عن ذلك. قوله: (وجعلته بينكم محرماً) وهذا متفق عليه في كل ملة لاتفاق سائر الملل على مراعاة حفظ الأنفس فالأنساب فالأعراض فالعقول فالأموال والظلم قد يقع في هذه أو بعضها وأعلاه الشرك قال تعالى: {إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} وهو المراد بالظلم في أكثر الآيات ثم يليه المعاصي على اختلاف أنواعها. قوله: (تظالموا) بتشديد الظاء كما روي والأشهر تخفيفها والأصل تتظالموا أدغم أحد المثلين في الآخر أو حذف أي لا يظلم بعضكم بعضاً فإن الظلم ظلمات يوم القيامة والله تعالى يقتص للمظلوم من ظالمه وقد يمهل زيادة في استدراجه ليزداد عقابه {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا} فإمهاله عين عقابه. قوله: (يا عبادي الخ) كرر النداء زيادة لتشريفهم وتعظيمهم ولذا أضافهم إلى نفسه وتنبيهاً على مخافة ما بعده وجمعه لإفادة الاستغراق و (تخطئون) قال المصنف المشهور ضم التاء وروي بفتحها يقال خطئ إذا فعل ما يأثم به فهو خاطيء ومنه {إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} ويقال في الإثم أيضاً أخطأ فهما صحيحان اهـ. وبه يرد على من قال لا يصح من أخطأ الرباعي لأنه الفعل عن غير قصد وهو لا إثم فيه بالنص والكلام إنما هو فيما فيه إثم بدليل استغفروني فهو من خطئ يخطأ كعلم يعلم إذا فعل عن قصد

باللَّيل والنهارِ، وأنا الذي أغْفِرُ الذنُوبَ ولا أبالي، فاسْتَغْفِرُوني أغْفِرْ لَكُمْ، يا عبادِي كلُّكُمْ جائعٌ إلاَّ مَنْ أطْعَمْتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ اهـ. فما ذكره من حصر أخطأ فيما فعل لا عن قصد ممنوع بل يأتي بمعنى الثلاثي أيضاً كما ذكره المصنف والمخاطب بهذا غير المعصومين. وقوله: (بالليل والنهار) هو من باب المقابلة لاستحالة وقوع الخطأ من كل منهم ليلًا ونهاراً وفيه من التوبيخ ما يستحي معه كل مؤمن لأنه إذا لمح أن الله خلق الليل ليطاع فيه سراً ويسلم من الرياء استحى أن ينفق أوقاته إلا في ذلك وأن يصرف ذرة منها للمعصية كما أنه يستحي بالجبلة والطبع أن يصرف شيئاً من النهار حيث يراه النّاس للمعصية. قوله: (وأنا أغفر الذنوب) أي ما عدا الشرك قال تعالى: {إنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وكذا يخص بهذه الآية آية {إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} وهذه الجملة اعتراضية للتأكيد في المبالغة في حسن الرجاء ويؤيد ذلك أل الاستغراقية وقوله جميعاً المفيد كل منهما العموم فلا يقنط مذنب من رحمة الله وإن عظم ذنبه فهو في جنب العفو كاللمم وتقديم المسند في قوله وأنا أغفر لإفادة التقوى في الحكم والإتيان بالمضارع لإفادة استمرار التجدد ففيه الإيماء إلى نص السنة من أن ما سوى الشرك يجوز غفرانه وإن لم يتب منه. قوله: (فاستغفروني) أي سلوني الغفران (أغفر لكم) بمحض الامتنان وسبق في باب الاستغفار حديث لولا تذنبون وتستغفرون لذهب الله بكم وجاء بقوم غيركم فيذنبون ويستغفرون فيغفر لهم وأحاديث أخر وأصل الغفر الستر فغفر الذنب ستره ومحو أثره وأمن عاقبته وحكمة التوطئة لما بعد الفاء بما قبلها بيان أن غير المعصوم والمحفوظ لا ينفك غالباً عن المعصية فحينئذٍ يلزمه أن يجدد لكل ذنب ولو صغيرة التوبة وهي المرادة هنا من الاستغفار إذ ليس فيه مع عدمها كبير فائدة وشتان بين ما يمحو الذنب بالكلية وهو التوبة النصوح وبين ما يخفف عقوبته أو يؤخرها إلى أجل وهو مجرد الاستغفار. قوله: (كلكم جائع الخ) فإن النّاس كلهم لا ملك لهم في الحقيقة

فاسْتَطْعِمُوني أُطْعِمْكُمْ، يا عبادي كلُّكُمْ عارٍ إلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فاسْتَكْسوني أكْسُكُمْ، يا عبادي لَو أنَّ أوَّلَكُم وآخِرَكُمْ وإنْسَكُم وَجِنَّكم كانُوا على ـــــــــــــــــــــــــــــ وخزائن الرزق بيده تعالى {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ} فمن لا يطعمه بفضله بقي جائعاً بعدله إذ ليس عليه إطعام أحد فقوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} التزام منه تفضلاً لا لأنه واجب عليه بالأصالة ولا يمنع نسبة الإطعام إليه ما يشاهد من ترتب الأرزاق على الأسباب الظاهرة من حرف وصنائع وأنواع من الاكتساب لأنه تعالى المقدر لتلك الأسباب الظاهرة بقدرته وحكمته الباطنة فالجاهل محجوب بالظاهر عن الباطن والعارف الكامل لا يحجبه ظاهر عن باطن ولا باطن عن ظاهر بل يعطي كل مقام حقه وكل حال مستحقه. قوله: (فاستطعموني) أي سلوني واطلبوا مني الطعام ولا يغرن ذا الكثرة ما في يده فإنه من فضل ربه فينبغي له مع ذلك إدامة السؤال ليدوم له حسن الحال ولا يغفل فتنتفي عنه النعمة فقل أن تعود إليه وفي الحديث المرفوع ما نفرت النعمة عن قوم فعادت إليهم. وقوله: (أطعمكم) أي أيسر لكم أسباب تحصيله من نحو تسخير السحاب لبعض الأماكن أو تحريك قلب فلان لإعطاء فلان أو إحواج فلان لفلان بوجه من الوجوه فيسأل منه نفعاً إذ العالم جماده وحيوانه مطيع له سبحانه طاعة العبد لسيده وتصرفه سبحانه في الكون عجيب لمن تدبره وفي الحديث إشارة إلى تأديب الفقراء كأنه قال لهم لا تطلبوا الطعم من غيري فإن من تطلبون منهم أنا أطعمهم فاستطعموني أطعمكم وفي هذا وما بعده تحريض على الإقبال على المولى والسؤال من فضله في جميع ما ينزل بالإنسان وسبق أنه سبحانه قال يا موسى سلني في دعائك حتى في ملح طعامك وفي هذا جميعه أو في بينة وأقوى برهان على افتقار سائر الخلق إليه وعجزهم عن جلب منافعهم إلا بأن ييسر لهم ما ينفعهم ويدفع عنهم ما يضرهم فلا حول ولا قوة إلا به ولا اعتماد إلا بسببه ولما كانت حاجة الإنسان في بقائه للطعام والشراب أشد إذ لا بقاء له بدونهما تعرض لهما. قوله: (إنسكم)

أفْجَرِ قَلْب رَجُلٍ واحدٍ مِنْكُم لَمْ يَنقُص ذلِكَ مِن مُلكي شَيئاً، يا عِبادي لَو أنَّ أوَّلَكُم وآخِرَكُم وإنْسَكُم وجِنَّكُم كانُوا على أتْقَى قَلْب رَجُلٍ واحِدٍ مِنْكُم لَم يزِد ذَلِكَ في مُلْكي شَيئاً، يا عبادِي لَو أنَّ أوَّلَكُم وآخرَكُم وإنسَكُم وَجنَّكم قاموا في صَعيدٍ واحدٍ فسَألُوني فأعْطَيتُ كُلَّ إنسانٍ مِنْهم ما سألَ لم يَنقُص ذلكَ مِن ـــــــــــــــــــــــــــــ سموا بذلك لظهورهم وأنهم يؤنسون أي يبصرون كما سمي الجن جناً لاجتنانهم واختفائهم. قوله: (شيئاً) مفعول مطلق إن قلنا إن نقص لازم ومفعول به إن قلنا إنه متعد والمشار إليه بقوله ذلك هو الفجور الكامل. قوله: (على أتقى) أي على تقوى أتقى (قلب رجل) وإنما قدر ذلك ليصح الحمل قيل أراد بأتقى رجل محمداً -صلى الله عليه وسلم- وبأفجر رجل الشيطان ولعل هذا من حكمة قوله في جانب التقوى منكم أي أيها الإنسان وحذفه في الجانب الثاني ومن حكمه أيضاً ألا يخاطب العباد بالأفجرية تفضلاً منه تعالى وإحساناً، وقد وجد منكم في الموضعين في بعض النسخ والرواية على حذفها، والحاصل أن ملكه تعالى في غاية الكمال لا يزيد بطاعة جميع الخلق وكونهم على أكمل صفة التقوى كمالاً ينقص بمعصيتهم (لأنه) مرتبط بقدرته وإرادته وهما دائمان لا انقطاع لهما فكذا ما ارتبط بهما إنما غاية التقوى والفجور عود نفع أو ضر على فاعلهما والله تعالى هو الغني المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله (فملكه) كامل لا نقص فيه بوجه من الوجوه. قوله: (صعيد واحد) أي أرض واحدة ومقام واحدة. وقوله: (فسألوني) قيد السؤال بالاجتماع في صعيد واحد لأن تزاحم الأسئلة وترادف النّاس في السؤال مع كثرتهم وكثرة مطالبهم مما يضجر المسؤول منه ويدهشه وذلك يوجب حرمانهم أو عسر إنجاح مطلوبهم و"ما" إما موصولة أو موصوفة أو مصدرية أي ما نقص شيئاً إلا شيئاً مثل الذي ينقصه المخيط أو إلا شيئاً مثل شيء ينقصه أو ما نقص إلا مثل نقصانه في القلة والمخيط بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الياء الإبرة. وقوله: (ما نقص ذلك)

مُلْكي [شَيئاً] إلا كما يَنْقُصُ البَحْرُ أنْ يُغْمَسَ فِيهِ المخِيطُ غَمْسةً واحدةً، يا عبادِي إنَّما هي أعمَالُكم ـــــــــــــــــــــــــــــ الإعطاء (من ملكي شيئاً إلا كما ينقص البحر) بالنصب (أن يغمس) بفتح الهمزة ويغمس بالبناء للمجهول وأن ومدخولها فاعل ينقص أي إلا كما ينقص غمس المخيط البحر إذا غمس (فيه غمسة واحدة) أي وهو في رأي العين لا ينقص من البحر شيئاً فكذا الإعطاء من الخزائن الإلهية لا ينقصها شيئاً البتة إذ لا نهاية لها والنقص مما لا يتناهى محال بخلاف ما يتناهى كالبحر وإن جل وعظم وكان أكبر المرئيات في الأرض بل قد يوجد العطاء الكثير من المتناهى ولا ينقص كالنار والعلم يقتبس منهما ما شاء الله ولا ينقص منهما شيء بل قد يزيد العلم بالإنفاق وقال المصنف لأن عطاءه من رحمته وكرمه وهما صفتان قديمتان لا يتطرق إليهما نقص اهـ. وتشبيه ما ذكر بالمخيط إذا دخل البحر من حيث عدم النقص من حيث المشاهدة الصورية كما أشار إليه وإلا فالمخيط إذا دخل في الماء يتعلق منه شيء لطيف يحصل به النقصان فالبحر ينقص بهذا الشيء القليل المأخوذ منه الذي لا يكاد يدرك وتلك الخزائن لا تنقص شيئاً مما أفاضه تعالى منها من حين السموات والأرض إلى انقضاء هذا العالم ثم من بعثه إلى ما لا نهاية له لما تقرر من استحالة نقص ما لا يتناهى لأن عطاءه عزّ وجلّ بين الكاف والنون {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} وحكمة ضرب المثل بما ذكر أنه غاية ما يضرب به المثل في القلة إذ البحر من أعظم ما يعاين والإبرة من أصغره مع أنها صقيلة لا يتعلق بها شيء إلا ما لا يمكن إدراكه كما مر وفي هذا تنبيه وأي تنبيه للخلق على إدامة سؤاله تعالى مع إعظام الرغبة وتوسيع المسألة فلا يختصر سائل ولا يقتصر طالب فإن خزائن الرحمة سحاء الليل والنهار لا ينقصها الإعطاء وإن جل وعظم وقيل إن ذلك إشارة للنعمة المخلوقة وهي يتصور فيها النقص كالبحر. قوله: (إنما هي) الضمير راجع إلى ما يفهم من قوله أتقى قلب رجل وأفجر قلب رجل وهي الأعمال الصالحة

أحْفَظُها عَلَيكُمْ، فمَن وَجَدَ خَيراً فَلْيَحْمدِ الله عَزَّ وَجَلَّ، ومَن وجَدَ غَير ذلكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والطالحة. قوله: (أحصيها عليكم) بضم الهمزة أي أضبطها وفي نسخة (أحفظها عليكم) أي بعلمي وملائكتي الحفظة واحتيج لهم لا لنقصه عن الإحصاء بل ليكونوا شهداء بين الخالق وخلقه وقد يضم إليهم شهادة الأعضاء زيادة في العدل ثم الحصر في هذا الخبر إنما هو بالنسبة لجزاء الأعمال أي لا جزاء مقسم إلى خير وغيره إلا عن عمل يكون سبباً له وأما الزيادة على ذلك من الفضل والإكرام مما صحت به النصوص وقام عليه الإجماع فلم يتعرض له الخبر بنفي ولا إثبات وتلك النصوص الثابتة الناطقة بالزيادة من محض الفضل والإحسان لا معارض لها فواجب الأخذ بها. قوله: (ثم أوفيكم إياها) أي جزاءها في الآخرة قال تعالى: {وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} فلما حذف المضاف انقلب المجرور منصوباً منفصلاً أو في الدنيا أيضاً. قوله: (فمن وجد خيراً) أي عملاً يثاب عليه أو وجد ثواباً ونعيماً بأن وفق لأسبابهما أو حياة طيبة هنيئة مريئة كما قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. قوله: (فليحمد الله) أي على توفيقه لذلك العمل الذي يترتب عليه الخير والثواب فضلاً منه ورحمة وعلى إسدائه ما وصل إليه من عظم المبرات فعلم أنه إن أريد بذلك الآخرة فقط كان الأمر فيه بمعنى الإخبار وقد جاء مثل ذلك الإخبار في القرآن {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} وقال عن أهل النار {فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ} وأخرج الترمذي ما من ميت يموت إلا ندم فإن كان محسناً ندم ألا يكون ازداد وإن كان مسيئاً ندم ألا يكون استعتب وإن أريد به الدنيا ولو مع الآخرة فالأمر على بابه وفي الحديث أنه لا يجب عليه شيء كان لأحد من خلقه. قوله: (غير ذلك) أي شراً ولم يذكره تعليماً لنا كيفية الأدب في النطق بالكناية عما يؤذي وإشارة إلى أنه تعالى إذا اجتنب لفظه فكيف الوقوع فيه أو إلى أنه عزّ وجلّ كريم حي يحب الستر ويغفر الذنب

فلاَ يَلُومَنَّ إلاَّ نَفْسَه". ـــــــــــــــــــــــــــــ فلا يعاجل بالعقوبة ولا يهتك الستر. قوله: (فلا يلومن إلا نفسه) لبقائها على الظلمة الأصلية واكتساب المعاصي والمظالم وهي السبب فيها فلما آثرت شهواتها ولذاتها على رضى خالقها ورازقها فكفرت بأنعمه ولم تذعن لأحكامه وحكمه استحقت أن يعاملها بمظهر عدله وأن يحرمها مزايا جوده وفضله ونسأل الله العافية عن ذلك بمنه وأعمال العباد وإن كانت غير موجبة لثواب أو عقاب بذواتها كما سبق إلا أنه تعالى أجرى عادته بربطهما بها ربط المسببات بالأسباب وأكد الفعل هنا بالنون تحذيراً أن يخطر في قلب عامل أن يستحق اللوم غير نفسه وليس كذلك لأن الله تعالى أوضح وأعذر حتى لم يبق حجة لأحد وفيه إيماء إلى دوام ذم ابن آدم وقلة إنصافه فإنه يحسب طاعته من عمله لنفسه ولا يسندها إلى التوفيق ويتبرأ من معاصيه ويسندها إلى الأقدار فإن كان لا تصرف له كما يزعم فهلا كان ذلك في الأمرين وإن كان له تصرف فلم ينفه عن أحدهما ووجه ختم الحديث بهذه الجملة التنبيه على أن عدم الاستقلال بنحو الإطعام والستر لا يناقض التكليف بالفعل تارة وبالترك أخرى لأنا وإن علمنا أن لا نستقل لكن نحس بالوجدان الفرق بين الحركة الاضطرارية كحركة المرتعش والاختيارية كحركة السليم وهذه التفرقة راجعة إلى ممكن محسوس مشاهد وأمر معتاد يوجد مع الاختيار دون الاضطرار وهذه التفرقة هي مورد التكليف المعبر عنه بالكسب فلا تناقض ولا تعسف، والحاصل أن المعاصي التي يترتب عليها العقاب والشر وإن كانت بقدر الله وخذلانه فهي بكسب العبد فليلم الإنسان نفسه لتفريطه بالكسب القبيح وإن قول القدرية هذا حجة لنا لأن لوم العبد نفسه (على سوء العاقبة يقتضي أنه الخالق لأفعاله وأن قوله فلا يلومن إلا نفسه) تنصل من المعصية و (أنه) ليس له فيها تأثير بخلق فعل ولا تقدير باطل بنص قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} والآيات في هذا المعنى كثيرة يلزمهم أن من وجد خيراً لا يحمد الله لأنه لا أثر له على ما زعموا بل يحمد الإنسان نفسه لأنه الخالق لطاعته الموجد لسلامته وهذا مراغمة للنص المذكور

قال أبو مسهر: قال سعيد بن عبد العزيز: كان أبو إدريس إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه، هذا حديث صحيح، رويناه في "صحيح مسلم" وغيره، ورجال إسناده مني إلى أبي ذر رضي الله عنه كُلُّهم دمشقيون، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}. قوله: (قال أبو مسهر الخ) أي وذلك تعظيماً له إجلالاً فإنه حديث جليل يشتمل على قواعد عظيمة في أصول الدين وفروعه وآدابه ولطائف الغيوب وغيرها ولذا ختم المصنف به هذا الكتاب النفيس وإيماء إلى أن نتيجة الأذكار مضمون هذا الخبر وهو الانقطاع عن السوى والإقبال على المولى ودوام الالتجاء وحسن الرجاء والكف عن المخالفات واكتساب الطاعات والثناء عليه سبحانه بأنواع الثناء إذ وفقه لبلوغ المنى والطاعات وحفظه من المخالفات. قوله: (رويناه في صحيح مسلم وغيره) وأخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو عوانة والبزار في مسنده والحاكم في مستدركه وقال إنه صحيح على شرطهما ووهم في ذلك فقد رواه مسلم كما ذكرنا والحديث معروف بأبي مسهر رواه عنه بضعة عشر إنساناً ولم ينفرد به أبو إدريس الخولاني عن أبي ذر بل رواه عنه أيضاً أبو أسماء الرحبي أخرجه أحمد ومسلم وأبو عوانة ولفظه بنحوه وفيه زيادة ونقص ورواه عنه أيضاً أبو قلابة ورواه كذلك أبو عوانة لكنه مرسل وسقط منه أبو أسماء وإثباته كما في طريق أحمد ومسلم أصح ورواه عنه أيضاً عبد الرحمن بن غنم ولفظه عن أبي ذر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يقول الله تبارك وتعالى: يا عبادي كلكم مذنب إلا من عافيته فاستغفروني أغفر لكم ومن علم منكم أني ذو قدرة على المغفرة فسألني بقدرتي غفرت له ولا أبالي وكلكم ضال إلا من هديته فادعوني أهدكم وكلكم فقير إلا من أغنيته فاسألوني أرزقكم فلو أن حيكم وميتكم وأولكم وآخركم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على أشقى قلب عبد من عبادي لم ينقص ذلك من ملكي جناح بعوضة ولو أن حيكم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وميتكم وأولكم وآخركم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا فسأل كل سائل منهم ما بلغت أمنيته وأعطيت كل سائل منهم ما سألني ما نقص ذلك إلا كما لو أن أحدكم مر على شقة البحر فغمس فيه إبرة ثم انتزعها كذلك لم ينقصني وذلك أني جواد ماجد واحد أفعل ما أشاء عطائي كلام ومنعي كلام وعذابي كلام وأمري للشيء إذا أردته أن أقول له كن فيكون رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والطبراني في الدعاء والبيهقي في الأسماء والصفات ورواه آخرون والأكثرون كما ذكرنا عن عبد الرحمن بن غنم وقيل فيه ابن عثمان ورواه أحمد وأبو عوانة وغيرهما من حديث شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي ذر به ورواه الدارمي وأحمد في مسنديهما وابن أبي عاصم في الدعاء له من حديث شهر إلا أنهم قالوا بدل عبد الرحمن عن معد يكرب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال: ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك يا بن آدم إنك إن تلقني بقراب الأرض خطايا بعد أن لا تشرك بي شيئاً ألقاك بقرابها مغفرة وإلى هذه الرواية أشار الترمذي في جامعه بقوله وروى بعضهم هذا الحديث عن شهر عن معد يكرب عن أبي ذر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- اهـ. وروى الطبراني في الكبير من حديث قوله حدثتني أم الدرداء عن أبي الدرداء عن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- عن جبريل عن ربه عزّ وجلّ قال عبدي لو استقبلتني بملء الأرض خطايا وذنوباً لاستقبلتك بمثلهن مغفرة ولا أبالي عبدي ما عبدتني ولم تشرك بي شيئاً غفرت لك على ما كان فيك قال بعضهم شهر فيه مقال فيشبه أن يكون الاضطراب في الحديث منه وقال قال علي بن المديني أظن هذين حديثين رواهما شهر لأن لفظهما مختلف وقال البيهقي عقب أولهما إنه محفوظ من حديث شهر ولذا حسنه الترمذي ثم الحافظ ابن حجر غير ناظرين لذلك الاختلاف لمجيء الحديث من غير وجه كما تقدم ذكر بعضهم وفي الباب عن أبي الدرداء كما ذكر وعن ابن مسعود أخرجه بنحوه أبو عوانة في مستخرجه وعن أبي موسى الأشعري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال إن الله تعالى يقول: يا عبادي كلكم ضال إلا من هديت وضعيف إلا من قويت وفقير إلا من أغنيت فاسألني أعطكم فلو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على أفجر قلب عبد ما نقصوا من ملكي جناح بعوضة ذلك

ودخل أبو ذر رضي الله عنه دمشق، فاجتمع في هذا الحديث جمل من الفوائد. منها صحة إسناده ومَتْنه، وعُلُوّه وتسلسله بالدمشقيين رضي الله عنهم وبارك فيهم. ومنها ما اشتمل عليه من البيان لقواعدَ عظيمةٍ في أصول الدِّين وفروعه والآداب ولطائف القلوب وغيرها، ولله الحمد. روينا عن الإِمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى قال: ليس لأهل الشام حديث أشرف من هذا الحديث. ـــــــــــــــــــــــــــــ بأني واحد عذابي كلام ورحمتي كلام فمن أيقن بقدرتي على المغفرة لم يتعاظم في نفسي أن أغفر له ذنوبه ولو كثرت اهـ. عبد الملك بن هارون بن عنترة أحد رواته ضعيف جداً بل رماه ابن حبان وغيره بالوضع مع أنه ممن تفرد بهذا الحديث عن أبيه كما قال الطبراني في معجمه الأوسط وحديث أبي ذر هو الصحيح في هذا المعنى، وفي الباب عن ابن عباس قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال الله عزّ وجلّ يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولو لقيتني بملء الأرض خطايا لقيتك بملء الأرض مغفرة ما لم تشرك بي شيئاً ولو بلغت خطاياك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك وأخرجه الطبراني في الدعاء ومعجميه الأوسط والصغير وإبراهيم بن إسحاق الصيني متروك الحديث كما قال الدارقطني وهو قد تفرد بهذا الحديث فالحديث ضعيف، وفي الباب عن أنس وهو السابق في باب الاستغفار يقول الله يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني الخ وهو حديث حسن أخرجه الترمذي وقال إنه حسن غريب. قوله: (ودخل أبو ذر دمشق) قال السخاوي قاله ابن عساكر وغيره. قوله: (وتسلسله بالدمشقيين) أي اتفاق هذا الوصف في كل من رواته قال السخاوي وفيه حصول تعريف أوطان كل من رواته بكلمة واحدة هي لفظ دمشقيون قال وهذا في غاية الحسن والندارة. قوله: (روينا عن الإِمام أحمد) قال

خاتمة

هذا آخر ما قصدته من هذا الكتاب، وقد منَّ الله الكريم فيه بما هو أهله من الفوائد النفيسة والدقائق اللطيفة من أنواع العلوم ومهمَّاتها، ومستجاداتِ الحقائق ومطلوباتها. ومن تفسير آيات من القرآن العزيز وبيان المراد بها، والأحاديث الصحيحة وإيضاح مقاصدها، وبيان نكت من علوم الأسانيد ـــــــــــــــــــــــــــــ السخاوي وكذا قال أبو مسهر نفسه فيما حدث به أبو الحسن علي بن إسحاق بن البحتري المارداي عن أبي بكر محمد بن إسحاق الصاغاني شيخ مسلم فيه عنه. قوله: (منَّ الله) بتشديد النون من المنة وهي النعمة الثقيلة. قوله: (من الفوائد النفيسة الخ) هذا من باب بذل النصيحة والدلالة على مظان الخير للأمة لا من الافتخار المحفوظ منه الصالحون الأخيار "وقوله من الفوائد" بيان لما في قوله بما هو له أهل "وقوله من أنواع الخ" بيان الفوائد فإن أل فيه استغراقية. قوله: (ومستجادات الحقائق) أي مما يعود على السالك بنفع في دينه كمعرفة حقيقة أنه سبحانه العالم بجميع الأحوال جليها وخفيها فتبعث السالك على مزاولة الطاعات ومجانبة المخالفات لكونه بمرأى من صانعه وخالقه ورازقه أما الحقائق التي لا تعود على السالك بنحو ذلك فالأولى له ترك النظر فيها والاشتغال بما يعود عليه بأداء العبودية والقيام بحقوق الربوبية. قوله: (ومن تفسير آيات) التفسير. قوله: (وبيان المراد بها) أي قد يقوم الدليل على أن المراد من الآية غير ما يتبادر من تفسيرها فيحتاج لمعرفة ذلك. قوله: (ومن الأحاديث الصحيحة) عطف تفسير وفيه أيضاً أحاديث حسان بل وضعيفة بعضها ضعفه محتمل وبعضها ضعفه شديد كما علم من استقراء هذا الكتاب. قوله: (نكت) بضم ففتح جمع نكتة وهي الدقيقة من العلم المستخرجة بقوة الفكر والنكتة من الكلام الجملة المنقحة المحذوفة الفصول وقال العلامة الثاني السعد التفتازاني النكتة كل نقطة من بياض يكون في سواد وعكسه

ودقائق الفقه ومعاملات القلوب وغيرها، والله المحمود على ذلك وغيره من نعمه التي لا تحصى، وله المنَّة أن هداني لذلك، ووققني لجمعه ويسره عليَّ، وأعانني عليه، ومنَّ عليَّ بإتمامه، ـــــــــــــــــــــــــــــ ونكت الكلام لطائفه ودقائقه التي تحتاج إلى تفكر اهـ. وهذه النكتة التي أشار إليها الشيخ كالكلام على وصفه الحديث بالصحة أو ما يقابلها وكالتنبيه على زيادة بعض الثقات أو على أحوال بعض الرواة أو الاختلاف في ذلك. قوله: (ودقائق الفقه) أي ومسائل الفقه التي لدقتها تحتاج إلى التنبيه عليها. قوله: (ومعاملات القلوب) أي من الإخلاص والصدق والرجاء وسلامة الصدر والنصيحة والتودد للمسلمين والسعي في منافعهم ومحبة الخير لهم والإقبال على المولى والإعراض عن السوى والتنزه عن الحقد والحسد والبغض والغضب. قوله: (والله المحمود) أي لا غيره كما يفيده تعريف الجزأين. قوله: (على ذلك) أي الذي من به من هذه الفوائد والفرائد. قوله: (وغيره من نعمة التي لا تحصى) بيان لغير وفيه اقتباس من قوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} ومن قوله -صلى الله عليه وسلم-: سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. قوله: (وله المنة إن هدانا لذلك ووفقني لجمعه) أي ولو أراد لمنعني ذلك وما أحسن قول صاحب الحكم إلهي إن ظهرت المحاسن فبفضلك ولك المنة علي، وقوله: وقد كنت قدماً أطلب الوصل منهمو ... فلما تجلى الحلم وارتفع الجهل تيقنت أن العبد لا طلب له ... فإن قربوا فضل وأن ابعدوا عدل وإن أظهروا لم يظهروا غير وصفهم ... وإن ستروا فالستر من أجلهم يحلو وفي كلام المصنف تلميح إلى قوله تعالى: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} وتنبيه على الدواء النافع من العجب بالعمل لأنه ليس هو فعلاً له في الحقيقة فكيف بما ليس له إنما المنة أن وفقه لصالح العمل وهداه. قوله: (ويسره ولي) فيه إيماء إلى صعوبة مثل هذا التأليف وإن تيسيره من منن الرؤوف اللطيف وهو كذلك فلقد جمع مع صغر حجمه ما لم تجمعه أسفار كبار ثم تيسيره بتذكيره ذلك وتمكنه

فله الحمد والامتنان والفضل والطَّوْل والشكران، وأنا راجٍ من فضل الله تعالى دعوةَ أخ صالح أنتفع بها تقرِّبني إلى الله الكريم، وانتفاع مسلم راغب في الخير ببعض ما فيه أكون مساعداً له على العمل بمرضاة ربِّنا، وأستودعُ الله الكريمَ اللطيفَ الرحيمَ مني ومن والديَّ وجميع أحبابنا وإخواننا ومن أحسن ـــــــــــــــــــــــــــــ من مواده ودفع الموانع عن تنقيحه وتحريره. قوله: (فله الحمد على هذه المنن) والحمد سبب المزيد كما نطق به الكتاب المجيد. قوله: (والطول) بفتح الطاء المهملة المنة الثقيلة وقيل النعمة المتكررة (والشكران) بضم الشين ضد الكفران. قوله: (وأنا راج من فضل الله تعالى تيسير دعوة أخ صالح تقربني إلى الله) أي ليكون ذلك مما يصلني نفعه بعد الموت فقد ورد إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ولد صالح يدعو له الحديث ومثل الولد الصالح في نفع دعائه الأخ الصالح، وجملة تقربني إما صفة أو حال من دعوة وتقريبها إلى الله سبحانه لأن دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب مستجاب فقد يدعو له بنحو ذلك فيبلغ أمانيه من تلك المسالك بفضل مولاه وإحسانه. قوله: (وانتفاع) بالنصب عطف على دعوة ورجاؤه لذلك لما قال (أكون مساعداً له على العمل بمرضاة ربنا) أي فيفوز بامتثال قوله تعالى: {وتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} وليعظم ثوابه بسبب ذلك النفع لكونه الدال عليه الطريق في الوصول إليه وقد تقدم الحديث من دل على هدى كان له مثل أجور فاعليه من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً. قوله: (واستودع الله الخ) أي وهو الذي لا يضيع ودائعه وسبقت حكمة التعبير بهذا في أول الكتاب بما حاصله الإيماء إلى أن الحي بمثابة المسافر المطلوب منه هذا الذكر فإن منتهى سفره الآخرة ومنازله الليل والنهار وحينئذٍ فالموفق لا يأخذ من الزاد إلا ما ينفعه في دار إقامته من رضي مولاه أو ما ينفعه في رحلته من قوام مطيته وهي نفسه فيعطيها حقها من الطعام والشراب والمنام ويمنعها

إلينا وسائر المسلمين أدياننا وأماناتِنا وخواتيمَ أعمالنا، وجميعَ ما أنعم الله تعالى به علينا، وأسأله سبحانه لنا أجمعين سلوك سبيل الرشاد، والعصمةَ من أحوال أهل الزِّيغ والعناد، والدوام على ذلك وغيره من الخير في ازدياد، وأتضرَّع إليه سبحانه أن يرزقنا التوفيق في الأقوال والأفعال للصواب، والجريَ على آثار ذوي البصائر والألباب، إنه الكريم الواسع الوهاب، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه متاب، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم، ـــــــــــــــــــــــــــــ حظها من الشهوات والآثام فيفوز بما تقر به الأعين في يوم القيامة وقد أشار إلى هذا المعنى حديث ابن عمر كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء. والأحاديث في معناه كثيرة. قوله: (وجميع ما أنعم به علينا) أي من علم وعمل وحال ومقام. قوله: (سلوك سبيل الرشاد) أي تيسير سلوكه بالتوفيق والحفظ (و) هو المراد من (العصمة) في كلامه أي والحفظ (من أحوال أهل الزيغ) وهو العدول عن الحق والميل عنه (و) من أحوال أهل (العناد) والعنيد كما في النهاية الجائر عن القصد الباغي الذي يرد الحق مع العلم به. قوله: (على ذلك) أي على ما ذكر من سلوك سبيل الأخيار والحفظ من طريق الأشرار. قوله: (في ازدياد) حال أو صفة للخير لأن أل فيه جنسية. قوله: (وأتضرع) أي أتوسل. قوله: (للصواب) أي للحق وهو المطابق للواقع. قوله: (والجري على آثار) أي طريق (ذوي البصائر) أي المستنيرة بنور العرفان (والألباب) العقول جمع لب. ومن كان ذا لب وعقل فإنه ... دؤوب على الطاعات مجتنب الشر قوله: (وما توفيقي إلا بالله الخ) اقتباس من القرآن ولعزة التوفيق وشرفه لم يذكر في القرآن غير هذه الآية (وإليه أنيب) أي أرجع في سائر الأحوال إليه

والحمد لله رب العالمين [أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً]، وصلواته وسلامه الأطيبان [الأتمان] الأكملان على سيدنا محمد خير خلقه وعلى آله وصحبه أجمعين، كلما ذكره الذاكرون، وغَفَل عن ذِكْره الغافلون، وعلى سائر النبيين وآل كلٍّ وسائر الصالحين. قال مصنفه أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن محمد النووي عفا الله عنه: فرغت من جمعه في المحرم سنة سبع وستين وستمائة سوى أحرف ألحقتها بعد ذلك، وأجزت روايته لجميع المسلمين. ـــــــــــــــــــــــــــــ معتمداً في كل أمر عليه وفي نسخة (وإليه متاب) بالفوقية أي رجوعي. قوله: (كلما ذكره) يحتمل أن يكون راجعاً إلى اسم الله الكريم أو إلى نبيه عليه الصلاة والسلام والقصد من هذا الدعاء دوام الصلاة والسلام من الملك السلام على نبيه عليه الصلاة والسلام. قوله: (وآل كل) أي أتباعه فيدخل سائر المؤمنين به (و) يكون عطف (سائر الصالحين) من عطف الخاص على العام اهتماماً به قوله: (وأجزت روايته لجميع المسلمين) قال المصنف في الإرشاد إذا أجاز لغير معين بوصف العموم كقوله أجزت للمسلمين أو لكل أحد أو لمن أدرك زماني وما أشبهه ففيه خلاف للمتأخرين المجوزين لأصل الإجازة فإن كان مقيداً بوصف خاص فهو إلى الجواز أقرب وجوز جميع ذلك الخطيب وجوز القاضي أبو الطيب الإِمام المحقق الإجازة لجميع المسلمين الموجودين عندها ثم قال وأجاز أبو عبد الله بن مسنده لمن قال: لا إله إلا الله وأجاز أبو عبد الله بن عتاب وغيره من أهل المغرب لمن دخل قرطبة من طلحة العلم وقال أبو بكر الحازمي الحافظ الذين أدركتهم من الحفاظ كأبي العلاء وغيره كانوا يميلون إلى جواز هذه الإجارة العامة قال الشيخ رحمه الله ولم يسمع عن أحد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يقتدى به أنه استعمل هذه الإجازة فروى بها ولا عن الشرذمة التي سوغتها وفي أصل الإجازة ضعف فتزداد بهذا ضعفاً كثيراً لا ينبغي احتماله وهذا الذي قاله الشيخ خلاف ظاهر كلام الأئمة المحققين والحفاظ المتقنين وخلاف مقتضى صحة هذه الإجازة وأي فائدة إذا لم يرو بها اهـ. قلت: وفي أجاز لذلك جماعة من المتأخرين الحفاظ كالحافظ السيوطي فأجاز لمن أدرك عصره وأجاز كذلك ابن حجر الهيتمي في آخرين. وهذا آخر ما قصدناه وتوخيناه من التعليق على الأذكار النووية وكنا أردنا أن تكون في حيز الاقتصار فأبرزتها يد القدرة على ما يرى لكن يرجو من فضل الله ومنته أن يكون على السداد وإني لمعترف أني لست بأهل لنقل شيء من ذلك وتقريره ولا لبيان شيء وتحريره ولا لرقم مطلب وتسطيره غير أن كل ما تراه فهو من فضل المنعم المنان وجوده المتوالي والإحسان فله الحمد سبحانه على كل شأن، ثم أقول: إن كان متناسق المباني متناسب المعاني جامعاً لما يحتاجه المعاني فذلك من فضل الله سبحانه فله الحمد والامتنان على محض الجود والإحسان، وإن كان مشوباً بالنقص على بالخرم والوقص جارياً على أسلوب العوام خارجاً عن نهي العلماء الكرام فذلك قضية وصفي وشأني ومقتضى كونه من جملة ما يضاف إلى تحريري وبياني، وأستغفر الله وأتوب إليه مما جنيته في سواد الليل وبياض النهار وأسأله العفو والغفران عن سائر المخالفات والأوزار واستودعته الإسلام والإيمان وما أنعم به علي وعلى سائر الإخوان من النعم الجسام، وأسأله الحسنى وزيادة والوفاة على الإسلام ودوام نعمه المستجادة، والحمد الله أولاً وآخراً باطناً وظاهراً والصلاة والسلام على نبيه وحبيبه وصفيه عدد خلقه ورضى نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون وعلى جميع آله وصحبه ووارثيه العلماء وأتباعه وحزبه. قال مؤلفه غفر الله له ولوالديه وإخوانه ومحبيه كان انتهاء تسطيره بعد ظهر يوم الخميس التاسع والعشرين من جمادى الأولى سنة ثلاث وألف. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

§1/1